توحيد مفضل گروه تدوين كتب درسي ـ چاپ

 

 

 

توحيد مفضل

 

(با اندكي تلخيص)

 

«* توحيد مفضل صفحه 2 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كلام ابن‏ابي‏العوجاء مع صاحبه

 

 

روي محمد بن سنان قال حدثنا المفضل بن عمر قال كنت ذات يوم بعد العصر جالسا في الروضة بين القبر و المنبر و انا مفكر فيما خص اللَّه تعالي به سيدنا محمداً9 من الشرف و الفضائل و ما منحه و اعطاه و شرفه به و حباه مما لايعرفه الجمهور من الامة و ما جهلوه من فضله و عظيم منزلته و خطير مرتبته فاني لكذلك اذ اقبل ابن‏ابي‏العوجاء فجلس بحيث اسمع كلامه فلما استقر به المجلس اذا رجل من اصحابه قد جاء فجلس اليه فتكلم ابن‏ابي‏العوجاء فقال لقد بلغ صاحب هذا القبر العز بكماله و حاز الشرف بجميع خصاله و نال الحظوة في كل احواله فقال له صاحبه انه كان فيلسوفا ادعي المرتبة العظمي و المنزلة

 

«* توحيد مفضل صفحه 3 *»

الكبري و اتي علي ذلك بمعجزات بهرت العقول و ضلت فيها الاحلام و غاصت الالباب علي طلب علمها في بحار الفكر فرجعت خاسئات و هي حسير فلما استجاب لدعوته العقلاء و الفصحاء و الخطباء دخل الناس في دينه افواجا فقرن اسمه باسم ناموسه فصار يهتف به علي رءوس الصوامع في جميع البلدان و المواضع التي انتهت اليها دعوته و علت بها كلمته و ظهرت فيها حجته برا و بحرا سهلا و جبلا في كل يوم و ليلة خمس مرات مرددا في الاذان و الاقامة ليتجدد في كل ساعة ذكره و لئلايخمل امره. فقال ابن‏ابي‏العوجاء: دع ذكر محمد9 فقد تحير فيه عقلي و ضل في امره فكري و حدثنا في ذكر الاصل الذي يمشي به. ثم ذكر ابتداء الاشياء و زعم ان ذلك باهمال لاصنعة فيه و لاتقدير و لا صانع له و لامدبر بل الاشياء تتكون من ذاتها بلامدبر و علي هذا كانت الدنيا لم‏تزل و لاتزال.

 

«* توحيد مفضل صفحه 4 *»

محاورة المفضل مع ابن‏ابي‏العوجاء

 

 

قال المفضل فلم‏املك نفسي غضبا و غيظا و حنقا فقلت يا عدو اللَّه الحدت في دين اللَّه و انكرت الباري جل قدسه الذي خلقك في احسن تقويم و صورك في اتم صورة و نقلك في احوالك حتي بلغ بك الي حيث انتهيت فلو تفكرت في نفسك و صدقك لطيف حسك لوجدت دلائل الربوبية و آثار الصنعة فيك قائمة و شواهده جل و تقدس في خلقك واضحة و براهينه لك لائحة فقال يا هذا ان كنت من اهل الكلام كلمناك فان ثبت لك حجة تبعناك و ان لم‏تكن منهم فلاكلام لك و ان كنت من اصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا يخاطبنا و لا بمثل دليلك يجادلنا و لقد سمع من كلامنا اكثر مما سمعت فما افحش في خطابنا و لاتعدي في جوابنا و انه

 

«* توحيد مفضل صفحه 5 *»

للحليم الرزين العاقل الرصين لايعتريه خرق و لاطيش و لانزق يسمع كلامنا و يصغي الينا و يستعرف حجتنا حتي استفرغنا ما عندنا و ظننّا انا قد قطعناه ادحض حجتنا بكلام يسير و خطاب قصير يلزمنا به الحجة و يقطع العذر و لانستطيع لجوابه ردا فان كنت من اصحابه فخاطبنا بمثل خطابه.

 

سبب املاء الكتاب علي المفضل

 

 

قال المفضل فخرجت من المسجد محزونا مفكرا فيما بلي به الاسلام و اهله من كفر هذه العصابة و تعطيلها فدخلت علي مولاي9 فرآني منكسرا فقال ما لك فاخبرته بما سمعت من الدهريين و بما رددت عليهما فقال لالقين اليك من حكمة الباري جل و علا و تقدس اسمه في خلق العالم و السباع و البهائم و الطير و الهوام و كل ذي روح من الانعام و

 

«* توحيد مفضل صفحه 6 *»

النبات و الشجرة المثمرة و غير ذات الثمر و الحبوب و البقول المأكول من ذلك و غير المأكول ما يعتبر به المعتبرون و يسكن الي معرفته المؤمنون و يتحير فيه الملحدون فبكّر علي غدا.

 

«* توحيد مفضل صفحه 7 *»

 

 

 

 

المجلس الاول

 

 

«* توحيد مفضل صفحه 8 *»

قال المفضل فانصرفت من عنده فرحا مسرورا و طالت علي تلك الليلة انتظارا لما وعدني به فلما اصبحت غدوت فاستوذن لي فدخلت و قمت بين يديه فامرني بالجلوس فجلست ثم نهض الي حجرة كان يخلو فيها و نهضت بنهوضه فقال اتبعني فتبعته فدخل و دخلت خلفه فجلس و جلست بين يديه فقال يا مفضل كأني بك و قد طالت عليك هذه الليلة انتظارا لما وعدتك فقلت اجل يا مولاي فقال يا مفضل ان اللَّه تعالي كان و لا شي‏ء قبله و هو باق و لا نهاية له فله الحمد علي ما الهمنا و الشكر علي ما منحنا فقد خصنا من العلوم باعلاها و من المعالي باسناها و اصطفانا علي جميع الخلق بعلمه و جعلنا مهيمنين عليهم بحكمه فقلت يا مولاي اتاذن لي ان اكتب ما تشرحه و كنت اعددت معي ما اكتب فيه فقال لي افعل يا مفضل ان الشكاك جهلوا الاسباب و

 

«* توحيد مفضل صفحه 9 *»

المعاني في الخلقة و قصرت افهامهم عن تامل الصواب و الحكمة فيما ذرا الباري جل قدسه و برا من صنوف خلقه في البر و البحر و السهل و الوعر فخرجوا بقصر علومهم الي الجحود و بضعف بصائرهم الي التكذيب و العنود حتي‏انكروا خلق الاشياء و ادعوا ان كونها بالاهمال لا صنعة فيها و لا تقدير و لا حكمة من مدبر و لا صانع تعالي اللَّه عما يصفون و قاتلهم اللَّه اني يؤفكون فهم في ضلالهم و عماهم و تحيرهم بمنزلة عميان دخلوا دارا قد بنيت اتقن بناء و احسنه و فرشت باحسن الفرش و افخره و اعد فيها ضروب الاطعمة و الاشربة و الملابس و المآرب التي يحتاج اليها و لايستغني عنها و وضع كل شي‏ء من ذلك موضعه علي صواب من التقدير و حكمة من التدبير فجعلوا يترددون فيها يمينا و شمالا و يطوفون بيوتها ادبارا و اقبالا محجوبة ابصارهم عنها لا

 

«* توحيد مفضل صفحه 10 *»

يبصرون بنية الدار و ما اعد فيها و ربما عثر بعضهم بالشي‏ء الذي قد وضع موضعه و اعد للحاجة اليه و هو جاهل بالمعني فيه و لما اعد و لماذا جعل كذلك فتذمر و تسخط و ذم الدار و بانيها فهذه حال هذا الصنف في انكارهم ما انكروا من امر الخلقة و ثبات الصنعة فانهم لما غربت اذهانهم عن معرفة الاسباب و العلل في الاشياء صاروا يجولون في هذا العالم حياري و لايفهمون ما هو عليه من اتقان خلقته و حسن صنعته و صواب هيئته و ربما وقف بعضهم علي الشي‏ء لجهل سببه و الارب فيه فيسرع الي ذمه و وصفه بالاحالة و الخطا كالذي اقدمت عليه المانويّة الكفرة و جاهرت به الملحدة المارقة الفجرة و اشباههم من اهل الضلال المعللين انفسهم بالمحال فيحق علي من انعم اللَّه عليه بمعرفته و هداه لدينه و وفقه لتامل التدبير في صنعة الخلائق و الوقوف علي ما خلقوا

 

«* توحيد مفضل صفحه 11 *»

له من لطيف التدبير و صواب التعبير بالدلالة القائمة الدالة علي صانعها ان يكثر حمد اللَّه مولاه علي ذلك و يرغب اليه في‏الثبات عليه و الزيادة منه فانه جل اسمه يقول لئن شكرتم لازيدنكم و لئن كفرتم ان عذابي لشديد.

يا مفضل اول العبر و الادلة علي الباري جل قدسه تهيئة هذا العالم و تاليف اجزائه و نظمها علي ما هي عليه فانك اذا تأملت العالم بفكرك و ميزته بعقلك وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج اليه عباده فالسماء مرفوعة كالسقف و الارض ممدودة كالبساط و النجوم مضيئة (منضودة خ.ل) كالمصابيح و الجواهر مخزونة كالذخائر و كل شي‏ء فيها لشانه معد و الانسان كالمملك ذلك البيت و المخول جميع ما فيه و ضروب النبات مهياة لمآربه و صنوف الحيوان مصروفة في

 

«* توحيد مفضل صفحه 12 *»

مصالحه و منافعه ففي هذا دلالة واضحة علي ان العالم مخلوق بتقدير و حكمة و نظام و ملائمة و ان الخالق له واحد و هو الذي الفه و نظمه بعضا الي بعض جل قدسه و تعالي جده و كرم وجهه و لااله غيره تعالي عما يقول الجاحدون و جل و عظم عما ينتحله الملحدون.

نبتدئ يا مفضل بذكر خلق الانسان فاعتبر به فاول ذلك ما يدبر به الجنين في الرحم و هو محجوب في ظلمات ثلاث ظلمة البطن و ظلمة الرحم و ظلمة المشيمة حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء و لا دفع اذي و لا استجلاب منفعة و لا دفع مضرة فانه يجري اليه من دم الحيض كما يغذو الماء النبات فلايزال ذلك غذاؤه حتي اذا كمل خلقه و استحكم بدنه و قوي اديمه علي

 

«* توحيد مفضل صفحه 13 *»

مباشرة الهواء و بصره علي ملاقاة الضياء هاج الطلق بامه فازعجه اشد ازعاج و اعنفه حتي يولد فاذا ولد صرف ذلك الدم الذي كان يغذوه من دم امه الي ثدييها و انقلب الطعم و اللون الي ضرب آخر من الغذاء و هو اشد موافقة للمولود من الدم فيوافيه في وقت حاجته اليه فحين يولد قد تلمظ و حرك شفتيه طلبا للرضاع فهو يجد ثديي امه كالاداوتين المعلقتين لحاجته اليه فلايزال يتغذي (يغتذي خ.ل) باللبن مادام رطب البدن رقيق الامعاء لين الاعضاء حتي اذا تحرك و احتاج الي غذاء فيه صلابة ليشتد و يقوي بدنه طلعت له الطواحن من الاسنان و الاضراس ليمضغ بها الطعام فيلين عليه و يسهل له اساغته فلايزال كذلك حتي يدرك فاذا ادرك و كان ذكرا طلع الشعر في وجهه فكان ذلك علامة الذكر و عز الرجل الذي يخرج به من حد الصبا و شبه النساء و ان كانت انثي يبقي

 

«* توحيد مفضل صفحه 14 *»

وجهها نقيا من الشعر لتبقي لها البهجة و النضارة التي تحرك الرجال لما فيه دوام النسل و بقاؤه.

اعتبر يا مفضل فيما يدبر به الانسان في هذه الاحوال المختلفة هل تري يمكن ان يكون بالاهمال افرايت لو لم‏يجر اليه ذلك الدم و هو في الرحم الم‏يكن سيذوي و يجف كما يجف النبات اذا فقد الماء و لو لم‏يزعجه المخاض عند استحكامه الم‏يكن سيبقي في الرحم كالموءود في الارض و لو لم‏يوافقه اللبن مع ولادته الم‏يكن سيموت جوعا او يغتذي بغذاء لايلائمه و لايصلح عليه بدنه و لو لم‏تطلع عليه الاسنان في وقتها الم‏يكن سيمتنع عليه مضغ الطعام و اساغته او يقيمه علي الرضاع فلايشتد (يشد خ.ل) بدنه و لايصلح لعمل ثم كان تشتغل امه بنفسه عن تربية غيره من الاولاد.

و لو لم يخرج الشعر في وجهه في وقته الم‏يكن سيبقي في

 

«* توحيد مفضل صفحه 15 *»

هيئة الصبيان و النساء فلاتري له جلالة و لا وقارا قال المفضل فقلت له يا مولاي‏فقد رايت من يبقي علي حالته و لاينبت الشعر في وجهه و ان بلغ حال الكبر فقال7 ذلك بما قدمت ايديهم و ان اللَّه ليس بظلام للعبيد فمن هذا الذي يرصده حتي يوافيه بكل شي‏ء من هذه المآرب الا الذي انشاه خلقا بعد ان لم‏يكن ثم توكل له بمصلحته بعد ان كان فان كان الاهمال ياتي بمثل هذا التدبير فقد يجب ان‏يكون العمد و التقدير ياتيان بالخطأ و المحال لانهما ضد الاهمال و هذا فظيع من القول و جهل من قائله لان الاهمال لاياتي بالصواب و التضاد لاياتي بالنظام تعالي اللَّه عما يقول الملحدون علوا كبيرا.

و لو كان المولود يولد فهما عاقلا لانكر العالم عند ولادته و لبقي حيران تائه العقل اذا راي ما لم يعرف و ورد عليه ما لم ير مثله من اختلاف صور العالم من البهائم و الطير الي غير

 

«* توحيد مفضل صفحه 16 *»

ذلك مما يشاهده ساعة بعد ساعة و يوما بعد يوم و اعتبر ذلك بان من سبي من بلد الي بلد و هو عاقل يكون كالواله الحيران فلايسرع الي تعلم الكلام و قبول الادب كما يسرع الذي يسبي صغيرا غيرعاقل ثم لو ولد عاقلا كان يجد غضاضة اذا راي نفسه محمولا مرضعا معصبا بالخرق مسجي في المهد لانه لايستغني عن هذا كله لرقة بدنه و رطوبته حين يولد ثم كان لايوجد له من الحلاوة و الوقع من القلوب ما يوجد للطفل فصار يخرج الي الدنيا غبيا غافلا عما فيه اهله فيلقي الاشياء بذهن ضعيف و معرفة ناقصة ثم لايزال يتزايد في‏المعرفة قليلا قليلا و شيئا بعد شي‏ء و حالا بعد حال حتي يالف الاشياء و يتمرن و يستمر عليها فيخرج من حد التامل لها و الحيرة فيها الي التصرف و الاضطرار الي المعاش بعقله و حيلته و الي الاعتبار و الطاعة و السهو و الغفلة و المعصية و في هذا ايضا

 

«* توحيد مفضل صفحه 17 *»

وجوه اخر فانه لو كان يولد تام العقل مستقلا بنفسه لذهب موضع حلاوة تربية الاولاد و ما قدر ان يكون للوالدين في الاشتغال بالولد من المصلحة و ما يوجب التربية للاباء علي الابناء من المكافاة (مكلفات خ.ل) بالبر و العطف عليهم عند حاجتهم الي ذلك منهم ثم كان الاولاد لايالفون آباءهم و لايالف الاباء ابناءهم لان الاولاد كانوا يستغنون عن تربية الاباء و حياطتهم فيتفرقون عنهم حين يولدون فلايعرف الرجل اباه و امه و لايمتنع من نكاح امه و اخته و ذوات المحارم منه اذا كان لايعرفهن و اقل ما في ذلك من القباحة بل هو اشنع و اعظم و افظع و اقبح و ابشع لو خرج المولود من بطن امه و هو يعقل ان‏يري منها ما لايحل له و لايحسن به ان يراه افلاتري كيف اقيم كل شي‏ء من الخلقة علي غاية الصواب و خلا من الخطا دقيقه و جليله.

 

«* توحيد مفضل صفحه 18 *»

اعرف يا مفضل ما للاطفال في البكاء من المنفعة و اعلم ان في ادمغة الاطفال رطوبة ان بقيت فيها احدثت عليهم احداثا جليلة و عللا عظيمة من ذهاب البصر و غيره فالبكاء يسيل تلك الرطوبة من رءوسهم فيعقبهم ذلك الصحة في ابدانهم و السلامة في ابصارهم افليس قد جاز ان‏يكون الطفل ينتفع بالبكاء و والداه لايعرفان ذلك فهما دائبان ليسكتاه و يتوخيان في الامور مرضاته لئلايبكي و هما لايعلمان ان البكاء اصلح له و اجمل عاقبة فهكذا يجوز ان‏يكون في كثير من الاشياء منافع لايعرفها القائلون بالاهمال و لو عرفوا ذلك لم يقضوا علي الشي‏ء انه لامنفعة فيه من اجل انهم لايعرفونه و لايعلمون السبب فيه فان كل ما لايعرفه المنكرون يعلمه العارفون و كثير مما يقصر عنه علم المخلوقين محيط به علم الخالق جل قدسه و علت كلمته. فاما ما يسيل من افواه

 

«* توحيد مفضل صفحه 19 *»

الاطفال من الريق ففي ذلك خروج الرطوبة التي لو بقيت في ابدانهم لاحدثت عليهم الامور العظيمة كمن تراه قد غلبت عليه الرطوبة فاخرجته الي حد البله و الجنون و التخليط الي غير ذلك من الامراض المختلفة كالفالج و اللقوة و ما اشبههما فجعل اللَّه تلك الرطوبة تسيل من افواههم في صغرهم لما لهم في ذلك من الصحة في كبرهم فتفضل علي خلقه بماجهلوه و نظر لهم بما لم‏يعرفوه و لو عرفوا نعمه عليهم لشغلهم ذلك عن التمادي في معصيته فسبحانه ما اجل نعمته و اسبغها علي المستحقين و غيرهم من خلقه و تعالي عما يقول المبطلون علوا كبيرا.

فكر يا مفضل في اعضاء البدن اجمع و تدبير كل منها للارب فاليدان للعلاج و الرجلان للسعي و العينان للاهتداء و الفم للاغتذاء و المعدة للهضم و الكبد للتخليص و المنافذ لتنفيذ الفضول و الاوعية لحملها و الفرج لاقامة النسل و

 

«* توحيد مفضل صفحه 20 *»

كذلك جميع الاعضاء اذا تاملتها و اعملت فكرك فيها و نظرك وجدت كل شي‏ء منها قد قدر لشي‏ء علي صواب و حكمة.

قال المفضل فقلت يا مولاي ان قوما يزعمون ان هذا من فعل الطبيعة فقال7 سلهم عن هذه الطبيعة اهي شي‏ء له علم و قدرة علي مثل هذه الافعال ام ليست كذلك فان اوجبوا لها العلم و القدرة فما يمنعهم من اثبات الخالق فان هذه صنعته و ان زعموا انها تفعل هذه الافعال بغير علم و لا عمد و كان في افعالها ما قد تراه من الصواب و الحكمة علم ان هذا الفعل للخالق الحكيم و ان الذي سموه طبيعة هو سنة في خلقه الجارية علي مااجراها عليه.

فكر يا مفضل في وصول الغذاء الي البدن و ما فيه من التدبير فان الطعام يصير الي المعدة فتطبخه و تبعث بصفوه الي الكبد في عروق رقاق واشجة بينها قد جعلت كالمصفي للغذاء

 

«* توحيد مفضل صفحه 21 *»

لكيلا يصل الي الكبد منه شي‏ء فينكأها و ذلك ان الكبد رقيقة لا تحتمل العنف ثم ان الكبد تقبله فيستحيل بلطف التدبير دما و ينفذه الي البدن كله في مجاري مهيئة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيؤ للماء ليطرد (حتي يطرد خ.ل) في الارض كلها و ينفذ ما يخرج منه من الخبث و الفضول الي مفائض قد اعدت لذلك فما كان منه من جنس المرة الصفراء جري الي المرارة و ما كان من جنس السوداء جري الي الطحال و ما كان من البلة و الرطوبة جري الي المثانة فتامل حكمة التدبير في تركيب البدن و وضع هذه الاعضاء منه مواضعها و اعداد هذه الاوعية فيه لتحمل تلك الفضول لئلا تنتشر في البدن فتسقمه و تنهكه فتبارك من احسن التقدير و احكم التدبير و له الحمد كما هو اهله و مستحقه.

قال المفضل فقلت صف نشوء الابدان و نموها حالا بعد

 

«* توحيد مفضل صفحه 22 *»

حال حتي تبلغ التمام و الكمال. قال7 اول ذلك تصوير الجنين في الرحم حيث لاتراه عين و لاتناله يد و يدبره حتي يخرج سويا مستوفيا جميع ما فيه قوامه و صلاحه من الاحشاء و الجوارح و العوامل الي ما في تركيب اعضائه من العظام و اللحم و الشحم و العصب و المخ و العروق و الغضاريف فاذا خرج الي العالم تراه كيف ينمي بجميع اعضائه و هو ثابت علي شكل و هيئة لاتتزايد و لاتنقص الي ان‏يبلغ اشده ان مد في‏عمره او يستوفي مدته قبل ذلك هل هذا الا من لطيف التدبير و الحكمة.

انظر يا مفضل ما خص به الانسان في خلقه تشريفا و تفضيلا علي البهائم فانه خلق ينتصب قائما و يستوي جالسا ليستقبل الاشياء بيديه و جوارحه و يمكنه العلاج و العمل بهما فلو كان مكبوبا علي وجهه كذات الاربع لما استطاع ان‏يعمل شيئا من الاعمال.

 

«* توحيد مفضل صفحه 23 *»

انظر الان يا مفضل الي هذه الحواس التي خص بها الانسان في خلقه و شرف بها علي غيره كيف جعلت العينان في الراس كالمصابيح فوق المنارة ليتمكن من مطالعة الاشياء و لم‏تجعل في الاعضاء التي تحتهن كاليدين و الرجلين فتعرضها الافات و يصيبها من مباشرة العمل و الحركة ما يعللها و يوثر فيها و ينقص منها و لا في الاعضاء التي وسط البدن كالبطن و الظهر فيعسر تقلبها و اطلاعها نحو الاشياء.

فلما لم‏يكن لها في شي‏ء من هذه الاعضاء موضع كان الراس اسني المواضع للحواس و هو بمنزلة الصومعة لها فجعل الحواس خمسا تلقي خمسا لكي لايفوتها شي‏ء من المحسوسات فخلق البصر ليدرك الالوان فلو كانت الالوان و لم‏يكن بصر يدركها لم‏تكن فيها منفعة و خلق السمع ليدرك الاصوات فلو كانت الاصوات و لم‏يكن سمع يدركها لم‏يكن

 

«* توحيد مفضل صفحه 24 *»

فيها ارب و كذلك سائر الحواس ثم هذا يرجع متكافئا فلو كان بصر و لم‏تكن الالوان لما كان للبصر معني و لو كان سمع و لم‏تكن اصوات لم‏يكن للسمع موضع.

فانظر كيف قدر بعضها يلقي بعضا فجعل لكل حاسة محسوسا يعمل فيه و لكل محسوس حاسة تدركه و مع هذا فقد جعلت اشياء متوسطة بين الحواس و المحسوسات لا يتم الحواس الا بها كمثل الضياء و الهواء فانه لو لم‏يكن ضياء يظهر اللون للبصر لم‏يكن البصر يدرك اللون و لو لم‏يكن هواء يؤدي الصوت الي السمع لم‏يكن السمع يدرك الصوت فهل يخفي علي من صح نظره و اعمل فكره ان مثل هذا الذي وصفت من تهيئة الحواس و المحسوسات بعضها يلقي بعضا و تهيئة اشياء اخر بها تتم الحواس لايكون الا بعمد و تقدير من لطيف خبير.

 

«* توحيد مفضل صفحه 25 *»

فكر يا مفضل فيمن عدم البصر من الناس و ما يناله من الخلل في اموره فانه لايعرف موضع قدميه و لايبصر ما بين يديه فلايفرق بين الالوان و بين المنظر الحسن و القبيح و لايري حفرة ان هجم عليها و لا عدوا ان اهوي اليه بسيف و لايكون له سبيل الي ان‏يعمل شيئا من هذه الصناعات مثل الكتابة و التجارة و الصياغة حتي انه لولا نفاذ ذهنه لكان بمنزلة الحجر الملقي و كذلك من عدم السمع يختل في امور كثيرة فانه يفقد روح المخاطبة و المحاورة و يعدم لذة الاصوات و اللحون الشجية و المطربة و يعظم المونة علي الناس في محاورته حتي يتبرموا به و لا يسمع شيئا من اخبار الناس و احاديثهم حتي يكون كالغائب و هو شاهد او كالميت و هو حي فاما من عدم العقل فانه يلحق بمنزلة البهائم بل يجهل كثيرا مما تهتدي اليه البهائم افلا تري كيف صارت

 

«* توحيد مفضل صفحه 26 *»

الجوارح و العقل و سائر الخلال التي بها صلاح الانسان و التي لو فقد منها شيئا لعظم ما يناله في ذلك من الخلل يوافي خلقة علي التمام حتي لايفقد شيئا منها فلم كان كذلك لانه خلق بعلم و تقدير قال المفضل فقلت فلم صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه الجوارح فيناله في ذلك مثل ما وصفته يا مولاي قال7 ذلك للتاديب و الموعظة لمن يحل ذلك به و لغيره بسببه كما يودب الملوك الناس للتنكيل و الموعظة فلاينكر ذلك عليهم بل يحمد من رايهم و يتصوب (يصوّب خ.ل) من تدبيرهم ثم للذين تنزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت ان شكروا و انابوا ما يستصغرون معه ما ينالهم منها حتي انهم لو خيروا بعد الموت لاختاروا ان يردوا الي البلايا ليزدادوا من الثواب.

فكر يا مفضل في الاعضاء التي خلقت افرادا و ازواجا و

 

«* توحيد مفضل صفحه 27 *»

ما في ذلك من الحكمة و التقدير و الصواب في التدبير فالراس مما خلق فردا و لم‏يكن للانسان صلاح في ان‏يكون له اكثر من واحد الا تري انه لو اضيف الي راس الانسان راس آخر لكان ثقلا عليه من غير حاجة اليه لان الحواس التي يحتاج اليها مجتمعة في راس واحد ثم كان الانسان ينقسم قسمين لو كان له راسان فان تكلم من احدهما كان الاخر معطلا لا ارب فيه و لا حاجة اليه و ان‏تكلم منهما جميعا بكلام واحد كان احدهما فضلا لا يحتاج اليه و ان تكلم باحدهما بغير الذي تكلم به من الاخر لم يدر السامع باي ذلك ياخذ و اشباه هذا من الاخلاط و اليدان مما خلق ازواجا و لم‏يكن للانسان خير في ان يكون له يد واحدة لان ذلك كان يخل به فيما يحتاج الي معالجته من الاشياء الا تري ان النجار و البناء لو شلت احدي يديه لايستطيع ان‏يعالج صناعته و ان تكلف ذلك لم‏يحكمه

 

«* توحيد مفضل صفحه 28 *»

و لم‏يبلغ منه ما يبلغه اذا كانت له يدان تتعاونان علي العمل.

اطل الفكر يا مفضل في الصوت و الكلام و تهيئة آلاته في الانسان فالحنجرة كالانبوبة لخروج الصوت و اللسان و الشفتان و الاسنان لصياغة الحروف و النغم الا تري ان من سقطت اسنانه لم‏يقم السين و من سقطت شفته لم‏يصحح الفاء و من ثقل لسانه لم‏يفصح الراء و اشبه شي‏ء بذلك المزمار الاعظم فالحنجرة تشبه قصبة المزمار و الرئة تشبه الزق الذي ينفخ فيه لتدخل الريح و العضلات التي تقبض علي الرئة ليخرج الصوت كالاصابع التي تقبض علي الزق حتي تجري الريح في‏المزمار و الشفتان و الاسنان التي تصوغ الصوت حروفا و نغما كالاصابع التي تختلف في فم المزمار فتصوغ صفيره الحانا غير انه و ان كان مخرج الصوت يشبه المزمار بالدلالة والتعريف فان المزمار في الحقيقة هو المشبه بمخرج الصوت.

 

«* توحيد مفضل صفحه 29 *»

قد انباتك بما في الاعضاء من الغناء في صنعة الكلام و اقامة الحروف و فيها مع الذي ذكرت لك مآرب اخري فالحنجرة ليسلك فيها هذا النسيم الي الرئة فتروح علي الفواد بالنفس الدائم المتتابع الذي لو حبس شيئا يسيرا لهلك الانسان و باللسان تذاق الطعوم فيميز بينها و يعرف كل واحد منها حلوها من مرها و حامضها من مزها و مالحها من عذبها و طيبها من خبيثها و فيه مع ذلك معونة علي اساغة الطعام و الشراب و الاسنان لمضغ (تمضغ خ.ل) الطعام حتي يلين و تسهل اساغته و هي مع ذلك كالسند للشفتين تمسكهما و تدعمهما من داخل الفم واعتبر ذلك بانك تري من سقطت اسنانه مسترخي الشفة و مضطربها و بالشفتين يترشف الشراب حتي يكون الذي يصل الي الجوف منه بقصد و قدر لا يثجّ ثجا فيغص به الشارب او ينكي في الجوف ثم هما بعد

 

«* توحيد مفضل صفحه 30 *»

ذلك كالباب المطبق علي الفم يفتحهما الانسان اذا شاء و يطبقهما اذا شاء و فيما وصفنا من هذا بيان ان كل واحد من هذه الاعضاء يتصرف و ينقسم الي وجوه من المنافع كما تتصرف الاداة الواحدة في اعمال شتّي و ذلك كالفاس تستعمل في النجارة و الحفر و غيرهما من الاعمال.

و لو رايت الدماغ اذا كشف عنه لرايته قد لف بحجب بعضها فوق بعض لتصونه من الاعراض و تمسكه فلا يضطرب و لرايت عليه الجمجمة بمنزلة البيضة كيما تقيه هد الصدمة و الصكة التي ربما وقعت في الراس ثم قد جللت الجمجمة بالشعر حتي صارت بمنزلة الفرو للراس يستره من شدة الحر و البرد فمن حصن الدماغ هذا التحصين الا الذي خلقه و جعله ينبوع الحس و المستحق للحيطة و الصيانة بعلو منزلته من البدن و ارتفاع درجته و خطير مرتبته.

 

«* توحيد مفضل صفحه 31 *»

تامل يا مفضل الجفن علي العين كيف جعل كالغشاء و الاشفار كالاشراح و اولجها في هذا الغار و اظلها بالحجاب و ما عليه من الشعر.

يا مفضل من غيب الفواد في جوف الصدر و كساه المدرعة التي هي غشاوه و حصنه بالجوانح و ما عليها من اللحم و العصب لئلايصل اليه ما ينكؤه.

من جعل في الحلق منفذين احدهما لمخرج الصوت و هو الحلقوم المتصل بالرئة و الاخر منفذا للغذاء و هو المري‏ء المتصل بالمعدة الموصل الغذاء اليها و جعل علي الحلقوم طبقا يمنع الطعام ان يصل الي الرئة فيقتل.

من جعل الرئة مروحة الفواد لاتفتر و لاتختل لكيلاتتحيز الحرارة في‏الفواد فتؤدي الي التلف من جعل لمنافذ البول و الغائط اشراجا تضبطهما لئلايجريا جريانا دائما فيفسد علي

 

«* توحيد مفضل صفحه 32 *»

الانسان عيشه فكم عسي ان‏يحصي المحصي من هذا بل الذي لايحصي منه و لايعلمه الناس اكثر.

من جعل المعدة عصبانية شديدة و قدرها لهضم الطعام الغليظ و من جعل الكبد رقيقة ناعمة لقبول الصفو اللطيف من الغذاء و لتهضم و تعمل ما هو الطف من عمل المعدة الا اللَّه القادر اتري الاهمال ياتي بشي‏ء من ذلك كلا بل هو تدبير من مدبر حكيم قادر عليم بالاشياء قبل خلقه اياها لايعجزه شي‏ء و هو اللطيف الخبير.

فكر يا مفضل لم صار المخ الرقيق محصنا في انابيب العظام هل ذلك الا ليحفظه و يصونه لم صار الدم السائل محصورا في العروق بمنزلة الماء في الظروف الا لتضبطه فلا يفيض لم صارت الاظفار علي اطراف الاصابع الا وقاية لها و معونة علي العمل لم صار داخل الاذن ملتويا كهيئة اللولب الا

 

«* توحيد مفضل صفحه 33 *»

ليطرد فيه الصوت حتي ينتهي الي السمع و ليتكسر حمة الريح فلا ينكؤ في السمع لم حمل الانسان علي فخذيه و اليتيه هذا اللحم الا ليقيه من الارض فلايتالم من الجلوس عليهما كما يالم من نحل جسمه و قل لحمه اذا لم‏يكن بينه و بين الارض حائل يقيه صلابتها.

من جعل الانسان ذكرا و انثي الا من خلقه متناسلا و من خلقه متناسلا الا من خلقه مؤملا و من خلقه مؤملا و من اعطاه آلات العمل الا من خلقه عاملا و من خلقه عاملا الا من جعله محتاجا و من جعله محتاجا الا من ضربه بالحاجة و من ضربه بالحاجة الا من توكل بتقويمه و من خصه بالفهم الا من اوجب له الجزاء و من وهب له الحيلة الا من ملكه الحول و من ملكه الحول الا من الزمه الحجة من يكفيه ما لاتبلغه حيلته الا من لم‏يبلغ مدي شكره فكر و تدبر ما وصفته هل تجد الاهمال

 

«* توحيد مفضل صفحه 34 *»

ياتي علي هذا النظام و الترتيب تبارك اللَّه تعالي عما يصفون.

اصف لك الان يا مفضل الفواد اعلم ان فيه ثقبا موجهة نحو الثقب التي في الرئة تروح عن الفواد حتي لو اختلفت تلك الثقب و تزايل بعضها عن بعض لما وصل الروح الي الفواد و لهلك الانسان افيستجيز ذو فكرة و روية ان‏يزعم ان مثل هذا يكون بالاهمال و لايجد شاهدا من نفسه ينزعه عن هذا القول لو رايت فردا من مصراعين فيه كلوب اكنت تتوهم انه جعل كذلك بلا معني بل كنت تعلم ضرورة انه مصنوع يلقي فردا آخر فيبرزه(فتبرزه خ.ل) ليكون في اجتماعهما ضرب من المصلحة و هكذا تجد الذكر من الحيوان كأنه فرد من زوج مهيأ من فرد انثي فيلتقيان لما فيه من دوام النسل و بقائه فتبّا و خيبة و تعسا لمنتحلي الفلسفة كيف عميت قلوبهم عن هذه الخلقة العجيبة حتي انكروا التدبير و العمد فيها.

 

«* توحيد مفضل صفحه 35 *»

اعتبر الان يا مفضل بعظيم النعمة علي الانسان في مطعمه و مشربه و تسهيل خروج الاذي اليس من حسن التقدير في بناء الدار ان يكون الخلاء في استر موضع منها فكذا جعل اللَّه سبحانه المنفذ المهيا للخلاء من الانسان في استر موضع منه فلم‏يجعله بارزا من خلفه و لا ناشرا من بين يديه بل هو مغيب في موضع غامض من البدن مستور محجوب يلتقي عليه الفخذان و تحجبه الاليتان بما عليهما من اللحم فتواريانه فاذا احتاج الانسان الي الخلاء و جلس تلك الجلسة الفي ذلك المنفذ منه منصبا مهيا لانحدار الثفل فتبارك اللَّه من تظاهرت آلاؤه و لاتحصي نعماؤه.

فكر يا مفضل في هذه الطواحن التي جعلت للانسان فبعضها حداد لقطع الطعام و قرضه و بعضها عراض لمضغه و رضه فلم نقص واحد من الصفتين اذ كان محتاجا اليهما جميعا.

 

«* توحيد مفضل صفحه 36 *»

تامل و اعتبر بحسن التدبير في خلق الشعر و الاظفار فانهما لما كانا مما يطول و يكثر حتي يحتاج الي تخفيفه اولا فاولا جعلا عديمي الحس لئلا يولم الانسان الاخذ منهما و لو كان قص الشعر و تقليم الاظفار مما يوجد له مس من ذلك لكان الانسان من ذلك بين مكروهين اما ان‏يدع كل واحد منهما حتي‏يطول فيثقل عليه و اما ان‏يخففه بوجع و الم يتالم منه. قال المفضل فقلت فلم لم‏يجعل ذلك خلقة لاتزيد فيحتاج الانسان الي النقصان منه فقال7 ان للَّه تبارك اسمه في ذلك علي العبد نعما لا يعرفها فيحمده عليها اعلم ان آلام البدن و ادواءه تخرج بخروج الشعر في مسامه و بخروج الاظفار من اناملها و لذلك امر الانسان بالنورة و حلق الراس و قص الاظفار في كل اسبوع ليسرع الشعر و الاظفار في النبات فتخرج الالام و الادواء بخروجهما و اذا طالا تحيرا و قل

 

«* توحيد مفضل صفحه 37 *»

خروجهما فاحتبست الالام و الادواء في‏البدن فاحدثت عللا و اوجاعا و منع مع ذلك الشعر من المواضع التي تضر بالانسان و تحدث عليه الفساد و الضرر لو نبت الشعر في العين الم‏يكن سيعمي البصر و لو نبت في الفم الم‏يكن سيغص علي الانسان طعامه و شرابه و لو نبت في باطن الكف الم‏يكن سيعوقه عن صحة اللمس و بعض الاعمال. فانظر كيف تنكب الشعر عن هذه المواضع لما في ذلك من المصلحة ثم ليس هذا في الانسان فقط بل تجده في البهائم و السباع و سائر المتناسلات فانك تري اجسامهن مجللة بالشعر و تري هذه المواضع خالية منه لهذا السبب بعينه فتامل الخلقة كيف تتحرز وجوه الخطا و المضرة و تاتي بالصواب و المنفعة.

ان المنانية([1]) و اشباههم حين اجتهدوا في عيب الخلقة و

 

«* توحيد مفضل صفحه 38 *»

العمد عابوا الشعر النابت علي الركب و الابطين و لم‏يعلموا ان ذلك من رطوبة تنصب الي هذه المواضع فينبت فيها الشعر كما ينبت العشب في مستنقع المياه افلاتري الي هذه المواضع استر و اهيا لقبول تلك الفضلة من غيرها ثم ان هذه تعد مما يحمل الانسان من مونة هذا البدن و تكاليفه لما له في ذلك من المصلحة فان اهتمامه بتنظيف بدنه و اخذ ما يعلوه من الشعر مما يكسر به شرته و يكف عاديته و يشغله عن بعض ما يخرجه اليه الفراغ من الاشر و البطالة.

تامل الريق و ما فيه من المنفعة فانه جعل يجري جريانا دائما الي الفم ليبل الحلق و اللهوات فلايجف فان هذه المواضع لو جعلت كذلك كان فيه هلاك الانسان ثم كان لايستطيع ان‏يسيغ طعاما اذا لم‏يكن في الفم بلة تنفذه تشهد بذلك المشاهدة و اعلم ان الرطوبة مطية الغذاء و قد تجري من هذه

 

«* توحيد مفضل صفحه 39 *»

البلّة الي موضع اخر من المرة فيكون في ذلك صلاح تام للانسان و لو يبست المرة لهلك الانسان.

و لقد قال قوم من جهلة المتكلمين و ضعفة المتفلسفين بقلة التمييز و قصور العلم لو كان بطن الانسان كهيئة القباء يفتحه الطبيب اذا شاء فيعاين ما فيه و يدخل يده فيعالج ما اراد علاجه الم‏يكن اصلح من ان يكون مصمتا محجوبا عن البصر و اليد لايعرف ما فيه الا بدلالات غامضة كمثل النظر الي البول و حس العرق و ما اشبه ذلك مما يكثر فيه الغلط و الشبهة حتي ربما كان ذلك سببا للموت فلو علم هولاء الجهلة ان هذا لو كان هكذا كان اول ما فيه انه كان يسقط عن الانسان الوجل من الامراض و الموت و كان يستشعر البقاء و يغتر بالسلامة فيخرجه ذلك الي العتو و الاشر ثم كانت الرطوبات التي في البطن تترشح و تتحلب فيفسد علي الانسان

 

«* توحيد مفضل صفحه 40 *»

مقعده و مرقده و ثياب بذلته و زينته بل كان يفسد عليه عيشه ثم ان المعدة و الكبد و الفواد انما تفعل افعالها بالحرارة الغريزية التي جعلها اللَّه محتبسة في الجوف فلو كان في البطن فرج ينفتح حتي يصل البصر الي رؤيته و اليد الي علاجه لوصل برد الهواء الي الجوف فمازج الحرارة الغريزية و بطل عمل الاحشاء فكان في ذلك هلاك الانسان افلاتري ان كل‏ما تذهب اليه الاوهام سوي ما جاءت به الخلقة خطا و خطل.

فكر يا مفضل في الافعال التي جعلت في الانسان من الطعم و النوم و الجماع و ما دبر فيها فانه جعل لكل واحد منها في الطباع نفسه محرك يقتضيه و يستحث به فالجوع يقتضي الطعم الذي فيه راحة البدن و قوامه و الكري يقتضي النوم الذي فيه راحة البدن و اجمام قواه و الشبق يقتضي الجماع الذي فيه دوام النسل و بقاؤه و لو كان الانسان انما

 

«* توحيد مفضل صفحه 41 *»

يصير الي اكل الطعام لمعرفته بحاجة بدنه اليه و لم‏يجد من طباعه شيئا يضطره الي ذلك كان خليقا ان‏يتواني عنه احيانا بالثقل و الكسل حتي ينحل بدنه فيهلك كما يحتاج الواحد الي الدواء لشي‏ء مما يصلح به بدنه فيدافع به حتي يؤديه ذلك الي المرض و الموت و كذلك لو كان انما يصير الي النوم بالتفكر في حاجته الي راحة البدن و اجمام قواه كان عسي ان‏يتثاقل عن ذلك فيدمغه حتي ينهك بدنه و لو كان انما يتحرك للجماع بالرغبة في الولد كان غير بعيد ان‏يفتر عنه حتي يقل النسل او ينقطع فان من الناس من لايرغب في الولد و لايحفل به فانظر كيف جعل لكل واحد من هذه الافعال التي بها قوام الانسان و صلاحه محركا من نفس الطبع يحركه لذلك و يحدوه عليه و اعلم ان في الانسان قوي اربعا قوة جاذبة تقبل الغذاء و تورده علي المعدة و قوة ماسكة تحبس الطعام حتي تفعل فيه

 

«* توحيد مفضل صفحه 42 *»

الطبيعة فعلها و قوة هاضمة و هي التي تطبخه و تستخرج صفوه و تبثه في البدن و قوة دافعة تدفعه و تحدر الثفل الفاضل بعد اخذ الهاضمة حاجتها ففكر في تقدير هذه القوي الاربع التي في البدن و افعالها و تقديرها للحاجة اليها و الارب فيها و ما في ذلك من التدبير و الحكمة و لولا الجاذبة كيف كان يتحرك الانسان لطلب الغذاء الذي به قوام البدن و لولا الماسكة كيف كان يلبث الطعام في الجوف حتي تهضمه المعدة و لولا الهاضمة كيف كان ينطبخ حتي يخلص منه الصفو الذي يغذو البدن و يسد خلله و لولا الدافعة كيف كان الثفل الذي تخلفه الهاضمة يندفع و يخرج اولا فاولا افلا تري كيف وكل اللَّه سبحانه بلطيف صنعه و حسن تقديره هذه القوي بالبدن و القيام بما فيه صلاحه و سامثل لك في ذلك مثالا ان البدن بمنزلة دار الملك له فيها حشم و صبية و قوام موكلون

 

«* توحيد مفضل صفحه 43 *»

بالدار فواحد لاقضاء حوائج الحشم و ايرادها عليهم و آخر لقبض ما يرد و خزنه الي ان يعالج و يهيا و آخر لعلاج ذلك و تهيئته و تفريقه و آخر لتنظيف ما في الدار من الاقذار و اخراجه منها فالملك في هذا هو الخلاق الحكيم ملك العالمين و الدار هي البدن و الحشم هم الاعضاء و القوام هم هذه القوي الاربع و لعلك تري ذكرنا هذه القوي الاربع و افعالها بعد الذي وصفت فضلا و تزدادا و ليس ما ذكرته من هذه القوي علي الجهة التي ذكرت في كتب الاطباء و لا قولنا فيه كقولهم لانهم ذكروها علي ما يحتاج اليه في صناعة الطب و تصحيح الابدان و ذكرناها علي ما يحتاج في صلاح الدين و شفاء النفوس من الغي كالذي اوضحته بالوصف الشافي و المثل المضروب من التدبير و الحكمة فيها.

تامل يا مفضل هذه القوي التي في النفس و موقعها من

 

«* توحيد مفضل صفحه 44 *»

الانسان اعني الفكر و الوهم و العقل و الحفظ و غير ذلك افرايت لو نقص الانسان من هذه الخلال الحفظ وحده كيف كانت تكون حاله و كم من خلل كان يدخل عليه في اموره و معاشه و تجاربه اذا لم‏يحفظ ما له و ما عليه و ما اخذه و ما اعطي و ما راي و ما سمع و ما قال و ما قيل له و لم‏يذكر من احسن اليه ممن اساء به و ما نفعه مما ضره ثم كان لايهتدي لطريق لو سلكه ما لايحصي و لايحفظ علما و لو درسه عمره و لايعتقد دينا و لاينتفع بتجربة و لايستطيع ان‏يعتبر شيئا علي ما مضي بل كان حقيقا ان‏ينسلخ من الانسانية اصلاً.

فانظر الي النعمة علي الانسان في هذه الخلال و كيف موقع الواحدة منها دون الجميع و اعظم من النعمة علي الانسان في الحفظ النعمة في‏النسيان فانه لولا النسيان لما سلا احد عن مصيبة و لا انقضت له حسرة و لا مات له حقد و لا

 

«* توحيد مفضل صفحه 45 *»

استمتع بشي‏ء من متاع الدنيا مع تذكر الافات و لا رجا غفلة من سلطان و لا فترة من حاسد افلا تري كيف جعل في الانسان الحفظ و النسيان و هما مختلفان متضادان و جعل له في كل منهما ضربا من المصلحة و ما عسي ان‏يقول الذين قسموا الاشياء بين خالقين متضادين في هذه الاشياء المتضادة المتباينة و قد تراها تجتمع علي ما فيه الصلاح و المنفعة.

انظر يا مفضل الي ما خص به الانسان دون جميع الحيوان من هذا الخلق الجليل قدره العظيم غناوه اعني الحياء فلولاه لم‏يقر ضيف و لم‏يوف بالعدات و لم‏تقض الحوائج و لم‏يتحر الجميل و لم‏يتنكب القبيح في شي‏ء من الاشياء حتي ان كثيرا من الامور المفترضة ايضا انما يفعل للحياء فان من الناس من لولا الحياء لم‏يرع حق والديه و لم‏يصل ذارحم و لم‏يؤد امانة و لم‏يعف عن فاحشة افلاتري كيف وفّي للانسان جميع الخلال

 

«* توحيد مفضل صفحه 46 *»

التي فيها صلاحه و تمام امره.

تامل يا مفضل ما انعم اللَّه تقدست اسماوه به علي الانسان من هذا المنطق (النطق خ.ل) الذي يعبر به عما في ضميره و ما يخطر بقلبه و ينتجه فكره و به يفهم عن غيره ما في نفسه و لولا ذلك كان بمنزله البهائم المهملة التي لاتخبر عن نفسها بشي‏ء و لاتفهم عن مخبر شيئا و كذلك الكتابة التي بها تقيد اخبار الماضين للباقين و اخبار الباقين للاتين و بها تخلد الكتب في العلوم و الاداب و غيرها و بها يحفظ الانسان ذكر ما يجري بينه و بين غيره من المعاملات و الحساب و لولاه لانقطع اخبار بعض الازمنة عن بعض و اخبار الغائبين عن اوطانهم و درست العلوم و ضاعت الاداب و عظم ما يدخل علي الناس من الخلل في امورهم و معاملاتهم و ما يحتاجون الي النظر فيه من امر دينهم و ما روي لهم مما لايسعهم جهله

 

«* توحيد مفضل صفحه 47 *»

و لعلك تظن انها مما يخلص اليه بالحيلة و الفطنة و ليست مما اعطيه الانسان من خلقه و طباعه و كذلك الكلام انما هو شي‏ء يصطلح عليه الناس فيجري بينهم و لهذا صار يختلف في الامم المختلفة بالسن مختلفة و كذلك الكتابة ككتابة العربي و السرياني و العبراني و الرومي و غيرها من سائر الكتابة التي هي متفرقة في الامم انما اصطلحوا عليها كما اصطلحوا علي الكلام فيقال لمن ادعي ذلك ان الانسان و ان كان له في الامرين جميعا فعل او حيلة فان الشي‏ء الذي يبلغ به ذلك الفعل و الحيلة عطية و هبة من اللَّه عز و جل في خلقه فانه لو لم‏يكن له لسان مهيأ للكلام و ذهن يهتدي به للامور لم‏يكن ليتكلم ابدا و لو لم‏تكن له كف مهيئة و اصابع للكتابة لم‏يكن ليكتب ابدا واعتبر ذلك من البهائم التي لا كلام لها و لا كتابة فاصل ذلك فطرة الباري جل و عز و ما تفضل به علي خلقه

 

«* توحيد مفضل صفحه 48 *»

فمن شكر اثيب و من كفر فان اللَّه غني عن العالمين.

فكر يا مفضل فيما اعطي الانسان علمه و ما منع فانه اعطي علم جميع ما فيه صلاح دينه و دنياه فمما فيه صلاح دينه معرفة الخالق تبارك و تعالي بالدلائل و الشواهد القائمة في الخلق و معرفة الواجب عليه من العدل علي الناس كافة و بر الوالدين و اداء الامانة و مواساة اهل الخلة و اشباه ذلك مما قد توجد معرفته و الاقرار و الاعتراف به في الطبع و الفطرة من كل امة موافقة او مخالفة و كذلك اعطي علم ما فيه صلاح دنياه كالزراعة و الغراس و استخراج الارضين و اقتناء الاغنام و الانعام و استنباط المياه و معرفة العقاقير التي يستشفي بها من ضروب الاسقام و المعادن التي يستخرج منها انواع الجواهر و ركوب السفن و الغوص في البحر و ضروب الحيل في صيد الوحش و الطير و الحيتان و التصرف

 

«* توحيد مفضل صفحه 49 *»

في‏الصناعات و وجوه المتاجر و المكاسب و غير ذلك مما يطول شرحه و يكثر تعداده مما فيه صلاح امره في هذه الدار فاعطي علم ما يصلح به دينه و دنياه و منع ما سوي ذلك مما ليس في شأنه و لا طاقته ان‏يعلم كعلم الغيب و ما هو كائن و بعض ما قد كان ايضا كعلم ما فوق السماء و ما تحت الارض و ما في لجج البحار و اقطار العالم و ما في قلوب الناس و ما في الارحام و اشباه هذا مما حجب عن الناس علمه و قد ادعت طائفة من الناس هذه الامور فابطل دعواهم ما بين من خطئهم فيما يقضون عليه و يحكمون به فيما ادعوا علمه فانظر كيف اعطي الانسان علم جميع ما يحتاج اليه لدينه و دنياه و حجب عنه ما سوي ذلك ليعرف قدره و نقصه و كلا الامرين فيهما صلاحه.

تامل الان يا مفضل ما ستر عن الانسان علمه من مدة

 

«* توحيد مفضل صفحه 50 *»

حياته فانه لو عرف مقدار عمره و كان قصير العمر لم‏يتهنا بالعيش مع ترقب الموت و توقعه لوقت قد عرفه بل كان يكون بمنزلة من قد فني ماله او قارب الفناء فقد استشعر الفقر و الوجل من فناء ماله و خوف الفقر علي ان الذي يدخل علي الانسان من فناء العمر اعظم مما يدخل عليه من فناء المال لان من يقل ماله يامل ان‏يستخلف منه فيسكن الي ذلك و من ايقن بفناء العمر استحكم عليه الياس و ان كان طويل العمر ثم عرف ذلك وثق بالبقاء و انهمك في اللذات و المعاصي و عمل علي انه يبلغ من ذلك شهوته ثم يتوب في آخر عمره و هذا مذهب لا يرضاه اللَّه من عباده و لا يقبله ا لا تري لو ان عبدا لك عمل علي انه يسخطك سنة و يرضيك يوما او شهرا لم‏تقبل ذلك منه و لم‏يحل عندك محل العبد الصالح دون ان‏يضمر طاعتك و نصحك في كل الامور و في كل الاوقات

 

«* توحيد مفضل صفحه 51 *»

علي تصرف الحالات فان قلت اوليس قد يقيم الانسان علي المعصية حينا ثم يتوب فتقبل توبته قلنا ان ذلك شي‏ء يكون من الانسان لغلبة الشهوات و تركه مخالفتها من غير ان‏يقدرها في نفسه و يبني عليه امره فيصفح اللَّه عنه و يتفضل عليه بالمغفرة فاما من قدر امره علي ان‏يعصي ما بدا له ثم يتوب آخر ذلك فانما يحاول خديعة من لا يخادع بان يتسلف التلذذ في العاجل و يعد و يمني نفسه التوبة في الاجل و لانه لايفي بما يعد من ذلك فان النزوع من الترفه و التلذذ و معاناة التوبة و لاسيما عند الكبر و ضعف البدن امر صعب و لايومن علي الانسان مع مدافعته بالتوبة ان‏يرهقه الموت فيخرج من الدنيا غير تائب كما قد يكون علي الواحد دين الي اجل و قد يقدر علي قضائه فلايزال يدافع بذلك حتي يحل الاجل و قد نفد المال فيبقي الدين قائما عليه فكان خير الاشياء للانسان ان

 

«* توحيد مفضل صفحه 52 *»

يستر عنه مبلغ عمره فيكون طول عمره يترقب الموت فيترك المعاصي و يوثر العمل الصالح فان قلت و ها هو الآن قد ستر عنه مقدار حياته و صار يترقب الموت في‏كل ساعة يقارف الفواحش و ينتهك المحارم قلنا ان وجه التدبير في هذا الباب هو الذي جري عليه الامر فيه فان كان الانسان مع ذلك لايرعوي و لاينصرف عن المساوي فانما ذلك من مرحه و من قساوة قلبه لا من خطا في التدبير كما ان الطبيب قد يصف للمريض ما ينتفع به فان كان المريض مخالفا لقول الطبيب لايعمل بما يامره و لاينتهي عما ينهاه عنه لم‏ينتفع بصفته و لم‏يكن الاساءة في ذلك للطبيب بل للمريض حيث لم‏يقبل منه و لئن كان الانسان مع ترقبه للموت كل ساعة لايمتنع عن المعاصي فانه لو وثق بطول البقاء كان احري بان يخرج الي الكبائر الفظيعة فترقب الموت علي كل حال خير له من الثقة

 

«* توحيد مفضل صفحه 53 *»

بالبقاء ثم ان ترقب الموت و ان كان صنف من الناس يلهون عنه و لايتعظون به فقد يتعظ به صنف آخر منهم و ينزعون عن المعاصي و يوثرون العمل الصالح و يجودون بالاموال و العقائل النفيسة في الصدقة علي الفقراء و المساكين فلم‏يكن من العدل ان‏يحرم هولاء الانتفاع بهذه الخصلة لتضييع اولئك حظهم منها.

فكر يا مفضل في الاحلام كيف دبر الامر فيها فمزج صادقها بكاذبها فانها لو كانت كلها تصدق لكان الناس كلهم انبياء و لو كانت كلها تكذب لم‏يكن فيها منفعة بل كانت فضلا لا معني له فصارت تصدق احيانا فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدي لها او مضرة يتحذر منها و تكذب كثيرا لئلايعتمد عليها كل الاعتماد.

فكر يا مفضل في هذه الاشياء التي تراها موجودة معدة في العالم من مآربهم فالتراب للبناء و الحديد للصناعات و

 

«* توحيد مفضل صفحه 54 *»

الخشب للسفن و غيرها و الحجارة للارحاء و غيرها و النحاس للاواني و الذهب و الفضة للمعاملة والجوهر للذخيرة و الحبوب للغذاء و الثمار للتفكه و اللحم للماكل و الطيب للتلذذ و الادوية للتصحيح و الدواب للحمولة و الحطب للتوقد و الرماد للكلس و الرمل للارض و كم عسي ان يحصي المحصي من هذا و شبهه ارايت لو ان داخلا دخل دارا فنظر الي خزائن مملوءة من كل ما يحتاج اليه الناس و راي كل‏ما فيها مجموعا معدا لاسباب معروفة اكان يتوهم ان مثل هذا يكون بالاهمال و من غير عمد فكيف يستجيز قائل ان‏يقول هذا في العالم و ما اعد فيه من هذه الاشياء.

اعتبر يا مفضل باشياء خلقت لمآرب الانسان و ما فيها من التدبير فانه خلق له الحب لطعامه و كلف طحنه و عجنه و خبزه و خلق له الوبر لكسوته فكلف ندفه و غزله و نسجه و

 

«* توحيد مفضل صفحه 55 *»

خلق له الشجر فكلف غرسها و سقيها و القيام عليها و خلقت له العقاقير لادويته فكلف لقطها و خلطها و صنعها و كذلك تجد سائر الاشياء علي هذا المثال فانظر كيف كفي الخلقة التي لم‏يكن عنده فيها حيلة و ترك عليه في كل شي‏ء من الاشياء موضع عمل و حركة لما له في ذلك من الصلاح لانه لو كفي هذا كله حتي لايكون له في الاشياء موضع شغل و عمل لما حملته الارض اشرا و بطرا و لبلغ به كذلك الي ان‏يتعاطي امورا فيها تلف نفسه و لو كفي الناس كل‏ما يحتاجون اليه لما تهنئوا بالعيش و لا وجدوا له لذة الاتري لو ان امرأ نزل بقوم فاقام حينا بلغ جميع ما يحتاج اليه من مطعم و مشرب و خدمة لتبرم بالفراغ و نازعته نفسه الي التشاغل بشي‏ء فكيف لو كان طول عمره مكفيا لايحتاج الي شي‏ء و كان من صواب التدبير في هذه الاشياء التي خلقت للانسان ان‏جعل له فيها

 

«* توحيد مفضل صفحه 56 *»

موضع شغل لكيلاتبرمه البطالة و لتكفه عن تعاطي ما لايناله و لا خير فيه ان ناله.

و اعلم يا مفضل ان راس معاش الانسان و حياته الخبز و الماء فانظر كيف دبر الامر فيهما فان حاجة الانسان الي الماء اشد من حاجته الي الخبز و ذلك ان صبره علي الجوع اكثر من صبره علي العطش و الذي يحتاج اليه من الماء اكثر مما يحتاج اليه من الخبز لانه يحتاج اليه لشربه و وضوئه و غسله و غسل ثيابه و سقي انعامه و زرعه فجعل الماء مبذولا لايشتري لتسقط عن الانسان المونة في طلبه و تكلفه و جعل الخبز متعذرا لاينال الا بالحيلة و الحركة ليكون للانسان في ذلك شغل يكفه عما يخرجه اليه الفراغ من الاشر و العبث الاتري ان الصبي يدفع الي المودب و هو طفل لم‏يكمل ذاته للتعليم كل ذلك ليشتغل عن اللعب و العبث الذين ربما جنيا

 

«* توحيد مفضل صفحه 57 *»

عليه و علي اهله المكروه العظيم و هكذا الانسان لو خلا من الشغل لخرج من الاشر و العبث و البطر الي ما يعظم ضرره عليه و علي من قرب منه و اعتبر ذلك بمن نشا في الجدة و رفاهية العيش و الترفه و الكفاية و ما يخرجه ذلك اليه.

اعتبر لم لايتشابه الناس واحد بالاخر كما يتشابه الوحوش و الطير و غير ذلك فانك تري السرب من الظباء و القطا تتشابه حتي لايفرق بين واحد منها و بين الاخري و تري الناس مختلفة صورهم و خلقهم حتي لايكاد اثنان منهم يجتمعان في صفة واحدة و العلة في ذلك ان الناس محتاجون الي ان‏يتعارفوا باعيانهم و حلاهم لما يجري بينهم من المعاملات و ليس يجري بين البهائم مثل ذلك فيحتاج الي معرفة كل واحد منها بعينه و حليته الاتري ان التشابه في الطير و الوحش لايضرهما شيئا و ليس كذلك الانسان فانه

 

«* توحيد مفضل صفحه 58 *»

ربما تشابه التوأمان تشابها شديدا فتعظم المونة علي الناس في معاملتهما حتي يعطي احدهما بالاخر و يوخذ احدهما بذنب الاخر و قد يحدث مثل هذا في تشابه الاشياء فضلا عن تشابه الصورة فمن لطف بعباده بهذه الدقائق التي لاتكاد تخطر بالبال حتي وقف بها علي الصواب الا من وسعت رحمته كل شي‏ء لو رايت تمثال الانسان مصورا علي حائط و قال لك قائل ان هذا ظهر هيهنا من تلقاء نفسه لم‏يصنعه صانع اكنت تقبل ذلك بل كنت تستهزي به فكيف تنكر هذا في تمثال مصور جماد و لاتنكر في الانسان الحي الناطق.

لم صارت ابدان الحيوان و هي تغتذي ابدا لاتنمي بل تنتهي الي غاية من النمو ثم تقف و لاتتجاوزها لولا التدبير في ذلك فان من تدبير الحكيم فيها ان‏تكون ابدان كل صنف منها علي مقدار معلوم غيرمتفاوت في الكبير و الصغير و

 

«* توحيد مفضل صفحه 59 *»

صارت تنمي حتي تصل الي غايتها ثم يقف ثم لايزيد و الغذاء مع ذلك دائم لاينقطع و لو كان تنمي نموا دائما لعظمت ابدانها و اشتبهت مقاديرها حتي لايكون لشي‏ء منها حد يعرف.

لم صارت اجسام الانس خاصة تثقل عن الحركة و المشي و تجفو عن الصناعات اللطيفة الا لتعظيم المونة فيما يحتاج اليه الناس للملبس و المضجع و التكفين و غير ذلك لو كان الانسان لايصيبه الم و لا وجع بم كان يرتدع عن الفواحش و يتواضع للَّه و يتعطف علي الناس اماتري الانسان اذا عرض له وجع خضع و استكان و رغب الي ربه في العافية و بسط يده بالصدقة و لو كان لايالم من الضرب بم كان السلطان يعاقب الدعار و يذل العصاة المردة و بم كان الصبيان يتعلمون العلوم و الصناعات و بم كان العبيد يذلون لاربابهم و يذعنون لطاعتهم افليس هذا توبيخ لابن ابي العوجاء و ذويه اللذين

 

«* توحيد مفضل صفحه 60 *»

جحدوا التدبير و المانوية الذين انكروا الوجع و الالم. لو لم‏يولد من الحيوان الا ذكر فقط او اناث فقط الم‏يكن النسل منقطعا و باد مع‏ذلك اجناس الحيوان فصار بعض الاولاد ياتي ذكورا و بعضها ياتي اناثا ليدوم التناسل و لاينقطع.

لم صار الرجل و المراة اذا ادركا نبتت لهما العانة ثم نبتت اللحية للرجل و تتخلف عن المراة لولا التدبير في ذلك فانه لماجعل اللَّه تبارك و تعالي الرجل قيما و رقيبا علي المراة و جعل المراة عرسا و خولا للرجل اعطي الرجل اللحية لما له من العزة و الجلالة و الهيبة و منعها المراة لتبقي لها نضارة الوجه و البهجة التي تشاكل المفاكهة و المضاجعة افلاتري الخلقة كيف ياتي بالصواب في الاشياء و تتخلل مواضع الخطا فتعطي و تمنع علي قدر الارب و المصلحة بتدبير الحكيم عز و جل.

قال المفضل ثم حان وقت الزوال فقام مولاي الي الصلاة

 

«* توحيد مفضل صفحه 61 *»

و قال بكر الي غدا ان شاءاللَّه فانصرفت من عنده مسرورا بما عرفته مبتهجا بما اوتيته حامدا للَّه عز و جل علي ما انعم به علي شاكرا لانعمه علي ما منحني بما عرفنيه مولاي و تفضل به علي فبت في ليلتي مسرورا بما منحنيه محبور بما علمنيه.

 

«* توحيد مفضل صفحه 62 *»

 

 

 

المجلس الثاني

 

 

«* توحيد مفضل صفحه 63 *»

قال المفضل فلما كان اليوم الثاني بكرت الي مولاي فاستوذن لي فدخلت فامرني بالجلوس فجلست فقال الحمد للَّه مدير الادوار و معيد الاكوار طبقا عن طبق و عالما بعد عالم ليجزي الذين اساءوا بما عملوا و يجزي الذين احسنوا بالحسني عدلا منه تقدست اسماوه و جلت آلاوه لايظلم الناس شيئا و لكن الناس انفسهم يظلمون يشهد بذلك قوله جل قدسه فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره في نظائر لها في كتابه الذي فيه تبيان كل شي‏ء و لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد و لذلك قال سيدنا محمد9 انما هي اعمالكم ترد اليكم ثم اطرق هنيئة ثم قال يا مفضل الخلق حياري عمهون سكاري في طغيانهم يترددون و بشياطينهم و طواغيتهم يقتدون بصراء عمي لايبصرون نطقاء بكم لايعقلون سمعاء

 

«* توحيد مفضل صفحه 64 *»

صم لايسمعون رضوا بالدون و حسبوا انهم مهتدون حادوا عن مدرجة الاكياس و رتعوا في مرعي الارجاس الانجاس كأنهم من مفاجاة الموت آمنون و عن المجازاة مزحزحون ياويلهم مااشقاهم و اطول عناءهم و اشد بلاءهم يوم لايغني مولي عن مولي شيئا و لا هم ينصرون الا من رحم اللَّه قال المفضل فبكيت لما سمعت منه فقال لاتبك تخلصت اذ قبلت و نجوت اذ عرفت.

ثم قال ابتدئ لك بذكر الحيوان ليتضح لك من امره ما وضح لك من غيره.

فكر في ابنية ابدان الحيوان و تهيئتها علي ما هي عليه فلا هي صلاب كالحجارة و لو كانت كذلك لاتنثني و لا تصرف في الاعمال و لا هي علي غاية اللين و الرخاوة فكانت لاتتحامل و لاتستقل بانفسها فجعلت من لحم رخو تنثني

 

«* توحيد مفضل صفحه 65 *»

تتداخله عظام صلاب يمسكه عصب و عروق تشده و يضم بعضه الي بعض و غلفت فوق ذلك بجلد يشتمل علي البدن كله و من اشباه ذلك هذه التماثيل التي تعمل من العيدان و تلف بالخرق و تشد بالخيوط و يطلي فوق ذلك بالصمغ فتكون العيدان بمنزلة العظام و الخرق بمنزلة اللحم و الخيوط بمنزلة العصب و العروق و الطلا بمنزلة الجلد فان جاز ان‏يكون الحيوان المتحرك حدث بالاهمال من غير صانع جاز ان‏يكون ذلك في هذه التماثيل الميتة فان كان هذا غير جائز في التماثيل فبالحري ان لايجوز في الحيوان.

و فكر بعد هذا في اجساد الانعام فانها حين خلقت علي ابدان الانس من اللحم و العظم و العصب اعطيت ايضا السمع و البصر ليبلغ الانسان حاجته فانها لو كانت عميا صما لما انتفع بها الانسان و لاتصرفت في شي‏ء من مآربه ثم منعت

 

«* توحيد مفضل صفحه 66 *»

الذهن و العقل لتذل للانسان فلاتمتنع عليه اذا كدها الكد الشديد و حملها الحمل الثقيل فان قال قائل انه قد يكون للانسان عبيد من الانس يذلون و يذعنون بالكد الشديد و هم مع ذلك غير عديمي العقل و الذهن فيقال في جواب ذلك ان هذا الصنف من الناس قليل فاما اكثر الناس فلايذعنون بما تذعن به الدواب من الحمل و الطحن و ما اشبه ذلك و لايغرون بما يحتاج اليه منه ثم لو كان الناس يزاولون مثل هذه الاعمال بابدانهم لشغلوا بذلك عن سائر الاعمال لانه كان يحتاج مكان الجمل الواحد و البغل الواحد الي عدة اناسي فكان هذا العمل يستفرغ الناس حتي لايكون فيهم عنه فضل لشي‏ء من الصناعات مع ما يلحقهم من التعب الفادح في ابدانهم و الضيق و الكد في معاشهم.

فكر يا مفضل في هذه الاصناف الثلاثة من الحيوان و في

 

«* توحيد مفضل صفحه 67 *»

خلقها علي ما هي عليه بما فيه صلاح كل واحد منها فالانس لما قدروا ان‏يكونوا ذوي ذهن و فطنة و علاج لمثل هذه الصناعات من البناء و التجارة و الصياغة و الخياطة و غير ذلك خلقت لهم اكف كبار ذوات اصابع غلاظ ليتمكنوا من القبض علي الاشياء و اوكدها هذه الصناعات.

و آكلات اللحم لما قدر ان‏يكون معايشها من الصيد خلقت لهم اكف لطاف مدمجة ذوات براثن و مخاليب تصلح لاخذ الصيد و لاتصلح للصناعات و آكلات النبات لما قدر ان‏يكونوا لا ذات صنعة و لا ذات صيد خلقت لبعضها اظلاف تقيها خشونة الارض اذا حاولت طلب الرعي و لبعضها حوافر ململمة ذوات قعر كاخمص القدم تنطبق علي الارض لتهيأ للركوب و الحمولة تامل التدبير في خلق آكلات اللحم من الحيوان حين خلقت ذوات اسنان حداد و براثن شداد و

 

«* توحيد مفضل صفحه 68 *»

اشداق و افواه واسعة فانه لما قدر ان‏يكون طعمها اللحم خلقت خلقة تشاكل ذلك و اعينت بسلاح و ادوات تصلح للصيد و كذلك تجد سباع الطير ذوات مناقير و مخاليب مهيئة لفعلها و لو كانت الوحوش ذوات مخالب كانت قد اعطيت ما لاتحتاج اليه لانها لاتصيد و لاتاكل اللحم و لو كانت السباع ذوات اظلاف كانت قد منعت ما تحتاج اليه اعني السلاح الذي تصيد به و تتعيش افلاتري كيف اعطي كل واحد من الصنفين ما يشاكل صنفه و طبقته بل ما فيه بقاؤه و صلاحه.

انظر الآن الي ذوات الاربع كيف تراها تتبع اماتها مستقلة بانفسها لاتحتاج الي الحمل و التربية كما تحتاج اولاد الانس فمن اجل انه ليس عند امهاتها ما عند امهات البشر من الرفق و العلم بالتربية و القوة عليها بالاكف و الاصابع المهياة لذلك اعطيت النهوض و الاستقلال بانفسها و كذلك

 

«* توحيد مفضل صفحه 69 *»

تري كثيرا من الطير كمثل الدجاج و الدراج و القبج تدرج و تلقط حين تنقاب عنها البيض فاما ما كان منها ضعيفا لا نهوض فيه كمثل فراخ الحمام و اليمام و الحمر فقد جعل في الامهات فضل عطف عليها فصارت تمج الطعام في افواهها بعد ما توعيه حواصلها فلاتزال تغذوها حتي تستقل بانفسها و لذلك لم‏ترزق الحمام فراخا كثيرة مثل ما ترزق الدجاج لتقوي الام علي تربية فراخها فلاتفسد و لاتموت فكل اعطي بقسط من تدبير الحكيم اللطيف الخبير.

انظر الي قوائم الحيوان كيف تاتي ازواجا لتتهيا للمشي و لو كانت افرادا لم‏تصلح لذلك لان الماشي ينقل قوائمه يعتمد علي بعض فذو القائمتين ينقل واحدة و يعتمد علي واحدة و ذو الاربع ينقل اثنين و يعتمد علي اثنين و ذلك من خلاف لان ذا الاربع لو كان ينقل قائمتين من احد جانبيه و يعتمد

 

«* توحيد مفضل صفحه 70 *»

علي قائمتين من الجانب الآخر لما يثبت علي الارض كما لايثبت السرير و ما اشبهه فصار ينقل اليمني من مقاديمه مع اليسري من مآخيره و ينقل الاخريين ايضا من خلاف فيثبت علي الارض و لايسقط اذا مشي.

اما تري الحمار كيف يذل للطحن و الحمولة و هو يري الفرس مودعا منعما و البعير لايطيقه عدة رجال لو استعصي كيف كان ينقاد للصبي و الثور الشديد كيف كان يذعن لصاحبه حتي يضع النير علي عنقه و يحرث به و الفرس الكريم يركب السيوف و الاسنة بالمواتاة لفارسه و القطيع من الغنم يرعاه رجل واحد و لو تفرقت الغنم فاخذ كل واحد منها في ناحية لم‏يلحقها و كذلك جميع الاصناف المسخرة للانسان فبم كانت كذلك الا بانها عدمت العقل و الروية فانها لو كانت تعقل و تتروي في الامور كانت خليقة ان‏تلتوي علي

 

«* توحيد مفضل صفحه 71 *»

الانسان في كثير من مآربه حتي يمتنع الجمل علي قائده و الثور علي صاحبه و تتفرق الغنم عن راعيها و اشباه هذا من الامور. و كذلك هذه السباع لو كانت ذات عقل و روية فتوازرت علي الناس كانت خليقة ان‏تجتاحهم فمن كان يقوم للاسد و الذئاب و النمورة و الدببة لو تعاونت و تظاهرت علي الناس افلاتري كيف حجر ذلك عليها و صارت مكان ما كان يخاف من اقدامها و نكايتها تهاب مساكن الناس و تحجم عنها ثم لاتظهر و لاتنشر لطلب قوتها الا بالليل فهي مع صولتها كالخائف من الانس بل مقموعة ممنوعة منهم و لولا ذلك لساورتهم في مساكنهم و ضيعت عليهم.

ثم جعل في الكلب من بين هذه السباع عطف علي مالكه و محاماة عنه و حفاظ له ينتقل علي الحيطان و السطوح في ظلمة الليل لحراسة منزل صاحبه و ذب الدغار عنه و يبلغ

 

«* توحيد مفضل صفحه 72 *»

من محبته لصاحبه ان‏يبذل نفسه للموت دونه و دون ماشيته و ماله و يالفه غاية الالف حتي يصبر معه علي الجوع و الجفوة فلم طبع الكلب علي هذا الالف الا ليكون حارسا للانسان له عين بانياب و مخالب و نباح هائل ليذعر منه السارق و يتجنب المواضع التي يحميها و يخفرها. يا مفضل تامل وجه الدابة كيف هو فانك تري العينين شاخصتين امامها لتبصر ما بين يديها لئلاتصدم حائطا او تتردي في حفرة و تري الفم مشقوقا شقا في اسفل الخطم و لو شق كمكان الفم من الانسان في مقدم الذقن لما استطاع ان‏يتناول به شيئا من الارض الاتري ان الانسان لايتناول الطعام بفيه و لكن بيده تكرمة له علي سائر الآكلات فلما لم‏يكن للدابة يد تتناول بها العلف جعل خطمها مشقوقا من اسفله لتقبض علي العلف ثم تقضمه و اعينت بالجحفلة تتناول بها ما قرب و ما بعد اعتبر

 

«* توحيد مفضل صفحه 73 *»

بذنبها و المنفعة لها فيه فانه بمنزلة الطبق علي الدبر و الحياء جميعا يواريهما و يسترهما و من منافعها فيه ان ما بين الدبر و مراقي البطن منها وضر يجتمع عليها الذباب و البعوض فجعل لها الذنب كالمذبة تذب بها عن ذلك الموضع و منها ان الدابة تستريح الي تحريكه و تصريفه يمنة و يسرة فانه لما كان قيامها علي الاربع بأسرها و شغلت المقدمتان بحمل البدن عن التصرف و التقلب كان لها في تحريك الذنب راحة و فيه منافع اخري يقصر عنها الوهم فيعرف موقعها في وقت الحاجة اليها فمن ذلك ان الدابة ترتطم في الوحل فلايكون شي‏ء اعون علي نهوضها من الاخذ بذنبها و في شعر الذنب منافع للناس كثيرة يستعملونها في مآربهم ثم جعل ظهرها مسطحا مبطوحا علي قوائم اربع ليتمكن من ركوبها. تامل مشفر الفيل و ما فيه من لطيف التدبير فانه يقوم مقام اليد في‏تناول العلف و

 

«* توحيد مفضل صفحه 74 *»

الماء و ازدرادهما الي جوفه و لولا ذلك لما استطاع ان‏يتناول شيئا من الارض لانه ليست له رقبة يمدها كسائر الانعام فلما عدم العنق اعين مكان ذلك بالخرطوم الطويل ليسدله فيتناول به حاجته فمن ذا الذي عوضه مكان العضو الذي عدمه ما يقوم مقامه الا الرءوف بخلقه و كيف يكون هذا بالاهمال كما قالت الظلمة. فان قال قائل فما باله لم‏يخلق ذاعنق كسائر الانعام قيل له: ان راس الفيل و اذنيه امر عظيم و ثقل ثقيل فلو كان ذلك علي عنق عظيم لهدها و اوهنها فجعل راسه ملصقا بجسمه لكيلاينال منه ما وصفناه و خلق له مكان العنق هذا المشفر ليتناول به غذاءه فصار مع عدمه العنق مستوفيا ما فيه بلوغ حاجته.

فكر في خلق الزرافة و اختلاف اعضائها و شبهها باعضاء اصناف من الحيوان فرأسها رأس فرس و عنقها عنق

 

«* توحيد مفضل صفحه 75 *»

جمل و اظلافها اظلاف بقرة و جلدها جلد نمر و زعم ناس من الجهال باللَّه عز و جل ان نتاجها من فحول شتي قالوا و سبب ذلك ان اصنافا من حيوان البر اذا وردت الماء تنزو علي بعض السائمة و ينتج مثل هذا الشخص الذي هو كالملتقط من اصناف شتي و هذا جهل من قائله و قلة معرفة بالباري جل قدسه و ليس كل صنف من الحيوان يلقح كل صنف فلا الفرس يلقح الجمل و لا الجمل يلقح البقر و انما يكون التلقيح من بعض الحيوان فيما يشاكله و يقرب من خلقه كما يلقح الفرس الحمارة فيخرج بينهما البغل و يلقح الذئب الضبع فيخرج من بينهما السِمع علي انه ليس يكون في الذي يخرج من بينهما عضو كل واحد منهما كما في الزرافة عضو من الفرس و عضو من الجمل و اظلاف من البقرة بل يكون كالمتوسط بينهما الممتزج منهما كالذي تراه في البغل

 

«* توحيد مفضل صفحه 76 *»

فانك تري رأسه و اذنيه و كفله و ذنبه و حوافره وسطا بين هذه الاعضاء من الفرس و الحمار و شحيجه كالممتزج من صهيل الفرس و نهيق الحمار فهذا دليل علي انه ليست الزرافة من لقاح اصناف شتي من الحيوان كما زعم الجاهلون بل هي خلق عجيب من خلق اللَّه للدلالة علي قدرته التي لايعجزها شي‏ء و ليعلم انه خالق اصناف الحيوان كلها يجمع بين ما يشاء من اعضائها في ايها شاء و يفرق ما شاء منها في ايها شاء و يزيد في الخلقة ما شاء و ينقص منها ما شاء دلالة علي قدرته علي الاشياء و انه لايعجزه شي‏ء اراده جل و تعالي فاما طول عنقها و المنفعة لها في ذلك فان منشاها و مرعاها في غياطل ذوات اشجار شاهقة ذاهبة طولا في الهواء فهي تحتاج الي طول العنق لتناول بفيها اطراف تلك الاشجار فتقوت من ثمارها.

 

«* توحيد مفضل صفحه 77 *»

تامل خلق القرد و شبهه بالانسان في كثير من اعضائه اعني الرأس و الوجه و المنكبين و الصدر و كذلك احشاؤه شبيهة ايضا باحشاء الانسان و خص مع ذلك بالذهن و الفطنة التي بها يفهم عن سائسه ما يومي اليه و يحكي كثيرا مما يري الانسان يفعله حتي انه يقرب من خلق الانسان و شمائله في التدبير في خلقته علي ما هي عليه ان‏يكون عبرة للانسان في نفسه فيعلم انه من طينة البهائم و سنخها اذ كان يقرب من خلقها هذا القرب و انه لولا فضيلة فضّله اللَّه بها في الذهن و العقل و النطق كان كبعض البهائم علي ان في جسم القرد فضولا اخري تفرق بينه و بين الانسان كالخطم و الذنب المسدل و الشعر المجلل للجسم كله و هذا لم‏يكن مانعا للقرد ان‏يلحق بالانسان لو اعطي مثل ذهن الانسان و عقله و نطقه و الفصل الفاصل بينه و بين الانسان بالصحة هو النقص

 

«* توحيد مفضل صفحه 78 *»

في العقل و الذهن و النطق.

انظر يا مفضل الي لطف اللَّه جل اسمه بالبهائم كيف كسيت اجسامهم هذه الكسوة من الشعر و الوبر و الصوف ليقيها من البرد و كثرة الآفات البست الاظلاف و الحوافر و الاخفاف ليقيها من الحفاء اذ كانت لا ايدي لها و لا اكف و لا اصابع مهياة للغزل و النسج فكفوا بان جعل كسوتهم في خلقتهم باقية عليهم ما بقوا لايحتاجون الي تجديدها و استبدال بها فاما الانسان فانه ذو حيلة و كف مهياة للعمل فهو ينسج و يغزل و يتخذ لنفسه الكسوة و يستبدل بها حالا بعد حال و له في ذلك صلاح من جهات من ذلك انه يشتغل بصنعة اللباس عن العبث و ما يخرجه اليه الكفاية و منها انه يستريح الي خلع كسوته اذا شاء و لبسها اذا شاء و منها ان‏يتخذ لنفسه من الكسوة ضروبا لها جمال و روعة فيتلذذ

 

«* توحيد مفضل صفحه 79 *»

بلبسها و تبديلها و كذلك يتخذ بالرفق من الصنعة ضروبا من الخفاف و النعال يقي بها قدميه و في ذلك معايش لمن يعمله من الناس و مكاسب يكون فيها معاشهم و منها اقواتهم و اقوات عيالهم فصار الشعر و الوبر و الصوف يقوم للبهائم مقام الكسوة و الاظلاف و الحوافر و الاخفاف مقام الحذاء.

فكر يا مفضل في خلقة عجيبة جعلت في البهائم فانهم يوارون انفسهم اذا ماتوا كما يواري الناس موتاهم و الا فاين جيف هذه الوحوش و السباع و غيرها لا يري منها شي‏ء و ليست قليلة فتخفي لقلتها بل لو قال قائل انها اكثر من الناس لصدق فاعتبر ذلك بما تراه في الصحاري و الجبال من اسراب الظباء و المها و الحمير و الوعول و الايائل و غير ذلك من الوحوش و اصناف السباع من الاسد و الضباع و الذئاب و النمور و غيرها و ضروب الهوام و الحشرات و دواب الارض

 

«* توحيد مفضل صفحه 80 *»

و كذلك اسراب الطير من الغربان و القطاة و الاوز و الكراكي و الحمام و سباع الطير جميعا و كلها لايري منها شي‏ء اذا ماتت الا الواحد بعد الواحد يصيده قانص او يفترسه سبع فاذا احسوا بالموت كمنوا في مواضع خفية فيموتون فيها و لولا ذلك لامتلأت الصحاري منها حتي تفسد رائحة الهواء و يحدث الامراض و الوباء فانظر الي هذا الذي يخلص اليه الناس و عملوه بالتمثيل الاول الذي مثل لهم كيف جعل طبعا و ادّكارا في البهائم و غيرها ليسلم الناس من معرة ما يحدث عليهم من الامراض و الفساد.

فكر يا مفضل في الفطن التي جعلت في البهائم لمصلحتها بالطبع و الخلقة لطفا من اللَّه عز و جل لهم لئلايخلو من نعمه جل و عز احد من خلقه لا بعقل و روية فان الايّل يأكل الحيات فيعطش عطشا شديدا فيمتنع من شرب الماء خوفا

 

«* توحيد مفضل صفحه 81 *»

من ان‏يدب السم في جسمه فيقتله و يقف علي الغدير و هو مجهود عطشا فيعج عجيجا عاليا و لايشرب منه و لو شرب لمات من ساعته فانظر الي ماجعل من طباع هذه البهيمة من تحمل الظماء الغالب خوفا من المضرة في الشرب و ذلك مما لايكاد الانسان العاقل المميز يضبطه من نفسه و الثعلب اذا اعوزه الطعم تماوت و نفخ بطنه حتي يحسبه الطير ميتا فاذا وقعت عليه لتنهشه وثب عليها فاخذها فمن اعان الثعلب العديم النطق و الروية بهذه الحيلة الا من توكل بتوجيه الرزق له من هذا و شبهه فانه لما كان الثعلب يضعف عن كثير مما يقوي عليه السباع من مساورة الصيد اعين بالدهاء و الفطنة و الاحتيال لمعاشه و الدلفين يلتمس صيد الطير فيكون حيلته في ذلك ان ياخذ السمك فيقتله و يشرحه حتي يطفو علي الماء يكمن تحته و يثوّر الماء الذي عليه حتي لايتبين شخصه

 

«* توحيد مفضل صفحه 82 *»

فاذا وقع الطير علي السمك الطافي وثب اليها فاصطادها فانظر الي هذه الحيلة كيف جعلت طبعا في هذه البهيمة لبعض المصلحة.

قال المفضل فقلت خبرني يا مولاي عن التنين و السحاب فقال7 ان السحاب كالموكل به يختطفه حيثما ثقفه كما يختطف حجر المغناطيس الحديد فهو لايطلع راسه في الارض خوفا من السحاب و لايخرج الا في القيظ مرة اذا صحت السماء فلم‏يكن فيها نكتة من غيمة قلت فلم وكّل السحاب بالتنين يرصده و يختطفه اذا وجده قال ليدفع عن الناس مضرته.

قال المفضل فقلت قد وصفت لي يا مولاي من امر البهائم ما فيه معتبر لمن اعتبر فصف لي الذرة و النملة و الطير فقال7 يا مفضل تامل وجه الذرة الحقيرة الصغيرة هل تجد فيها نقصا عما فيه صلاحها فمن اين هذا التقدير و الصواب

 

«* توحيد مفضل صفحه 83 *»

في خلق الذرة الا من التدبير القائم في صغير الخلق و كبيره انظر الي النمل و احتشادها في جمع القوت و اعداده فانك تري الجماعة منها اذا نقلت الحب الي زبيتها بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام او غيره بل للنمل في ذلك من الجد و التشمير ما ليس للناس مثله اما تراهم يتعاونون علي النقل كما يتعاون الناس علي العمل ثم يعمدون الي الحب فيقطعونه قطعا لكيلاينبت فيفسد عليهم فان اصابه ندي اخرجوه فنشروه حتي يجف ثم لايتخذ النمل الزبية الا في نشر من الارض كيلا يفيض السيل فيغرقها و كل هذا منه بلا عقل و لا روية بل خلقة خلق عليها لمصلحة لطفاً من اللَّه جل و عز. انظر الي هذا الذي يقال له الليث و تسميه العامة اسد الذباب و ما اعطي من الحيلة و الرفق في معاشه فانك تراه حين يحس بالذباب قد وقع قريبا منه تركه مليا حتي كأنه موات لا حراك

 

«* توحيد مفضل صفحه 84 *»

به فاذا راي الذباب قد اطمان و غفل عنه دب دبيبا دقيقا حتي يكون منه بحيث يناله وثبه ثم يثب عليه فياخذه فاذا اخذه اشتمل عليه بجسمه كله مخافة ان‏ينجو منه فلايزال قابضا عليه حتي يحس بانه قد ضعف و استرخي ثم يقبل عليه فيفترسه و يحيي بذلك منه فاما العنكبوت فانه ينسج ذلك النسج فيتخذه شركا و مصيدة للذباب ثم يكمن في جوفه فاذا نشب فيه الذباب احال عليه يلدغه ساعة بعد ساعة فيعيش بذلك منه فذلك يحكي صيد الكلاب و الفهود و هكذا يحكي صيد الاشراك و الحبائل فانظر الي هذه الدويبة الضعيفة كيف جعل في طبعها ما لايبلغه الانسان الا بالحيلة و استعمال الآلات فيها فلاتزدري بالشي‏ء اذا كانت العبرة فيه واضحة كالذرة و النملة و ما اشبه ذلك فان المعني النفيس قد يمثل بالشي‏ء الحقير فلايضع منه ذلك كما لايضع من الدينار و هو

 

«* توحيد مفضل صفحه 85 *»

من ذهب ان‏يوزن بمثقال من حديد.

تامل يا مفضل جسم الطائر و خلقته فانه حين قدر ان‏يكون طائرا في الجو خفف جسمه و ادمج خلقه و اقتصر به من القوائم الاربع علي اثنتين و من الاصابع الخمس علي اربع و من منفذين للزبل و البول علي واحد يجمعهما ثم خلق ذاجوجو محدد ليسهل عليه ان‏يخرق الهواء كيف ما اخذ فيه كما جعلت السفينة بهذه الهيئة لتشق الماء و تنفذ فيه و جعل في جناحيه و ذنبه ريشات طوال متان لينهض بها للطيران و كسا كله الريش ليداخله الهواء فيقله و لما قدر ان‏يكون طعمه الحب و اللحم يبلعه بلعا بلامضغ نقص من خلقه الاسنان و خلق له منقار صلب جاس يتناول به طعمه فلاينسجح من لقط الحب و لايتقصف من نهش اللحم و لما عدم الاسنان و صار يزدرد الحب صحيحا و اللحم غريضا اعين بفضل حرارة

 

«* توحيد مفضل صفحه 86 *»

في الجوف تطحن له الطعم طحنا يستغني به عن المضغ و اعتبر ذلك بان عجم العنب و غيره يخرج من اجواف الانس صحيحا و يطحن في اجواف الطير لايري له اثر ثم جعل مما يبيض بيضا و لايلد ولادة لكيلايثقل عن الطيران فانه لو كانت الفراخ في جوفه تمكث حتي تستحكم لاثقلته و عاقته عن النهوض و الطيران فجعل كل شي‏ء من خلقه مشاكلا للامر الذي قدر ان‏يكون عليه ثم صار الطائر السائح في هذا الجو يقعد علي بيضه فيحضنه اسبوعا و بعضها اسبوعين و بعضها ثلاثة اسابيع حتي يخرج الفرخ من البيضة ثم يقبل عليه فيزقه الريح لتتسع حوصلته للغذاء ثم يربيه و يغذيه بما يعيش به فمن كلفه ان‏يلقط الطعم و الحب يستخرجه بعد ان‏يستقر في حوصلته و يغذو به فراخه و لأي معني يحتمل هذه المشقة و ليس بذي روية و لا تفكر و لايامل في فراخه ما يأمل

 

«* توحيد مفضل صفحه 87 *»

الانسان في ولده من العز و الرفد و بقاء الذكر فهذا هو فعل يشهد بانه معطوف علي فراخه لعلة لايعرفها و لايفكر فيها و هي دوام النسل و بقاوه لطفا من اللَّه تعالي ذكره.

انظر الي الدجاجة كيف تهيج لحضن البيض و التفريخ و ليس لها بيض مجتمع و لا وكر موطأ بل تنبعث و تنتفخ و تقوقي و تمتنع من الطعم حتي يجمع لها البيض فتحضنه و تفرخ فلم كان ذلك منها الا لاقامة النسل و من اخذها باقامة النسل و لا روية لها و لا تفكر لولا انها مجبولة علي ذلك.

اعتبر بخلق البيضة و ما فيها من المحّ الاصفر الخاثر و الماء الابيض الرقيق فبعضه ينتشر منه الفرخ و بعضه ليغتذي به الي ان‏تنقاب عنه البيضة و ما في ذلك من التدبير فانه لما كان نشؤ الفرخ في تلك القشرة المستحصنة التي لا مساغ لشي‏ء اليها جعل معه في جوفها من الغذاء ما يكتفي به الي

 

«* توحيد مفضل صفحه 88 *»

وقت خروجه منها كمن يحبس في حبس حصين لايوصل الي من فيه فيجعل معه من القوت ما يكتفي به الي وقت خروجه منه.

فكر في حوصلة الطائر و ما قدر له فان مسلك الطعم الي القانصة ضيق لاينفذ فيه الطعام الا قليلا قليلا فلو كان الطائر لايلقط حبة ثانية حتي تصل الاولي الي القانصة لطال عليه و متي كان يستوفي طعمه فانما يختلسه اختلاسا لشدة الحذر فجعلت له الحوصلة كالمخلاة المعلقة امامه ليوعي فيها ما ادرك من الطعم بسرعة ثم تنفذه الي القانصة علي مهل و في الحوصلة ايضا خلة اخري فان من الطائر ما يحتاج الي ان‏يزق فراخه فيكون رده للطعم من قرب اسهل عليه.

قال المفضل فقلت يا مولاي ان قوما من المعطلة يزعمون ان اختلاف الالوان و الاشكال في الطير انما يكون من قبل امتزاج الاخلاط و اختلاف مقاديرها بالمرج و الاهمال قال

 

«* توحيد مفضل صفحه 89  *»

يا مفضل هذا الوشي الذي تراه في الطواويس و الدراج و التدارج علي استواء و مقابلة كنحو ما يخط بالاقلام كيف ياتي به الامتزاج المهمل علي شكل واحد لايختلف و لو كان بالاهمال لعدم الاستواء و لكان مختلفا.

تامل ريش الطير كيف هو فانك تراه منسوجا كنسج الثوب من سلوك دقاق قد الف بعضه الي بعض كتاليف الخيط الي الخيط و الشعرة الي الشعرة ثم تري ذلك النسج اذا مددته ينفتح قليلا و لاينشق لتداخله الريح فيقل الطائر اذا طار و تري في وسط الريشة عمودا غليظا متينا قد نسج عليه الذي هو مثل الشعر ليمسكه بصلابته و هو القصبة التي في وسط الريشة و هو مع ذلك اجوف ليخف علي الطائر و لايعوقه عن الطيران.

هل رايت يا مفضل هذا الطائر الطويل الساقين و عرفت ما له من المنفعة في طول ساقيه فانه اكثر ذلك في ضحضاح

 

«* توحيد مفضل صفحه 90 *»

من الماء فتراه بساقين طويلين كأنه ربيئة فوق مرقب و هو يتامل ما يدب في الماء فاذا راي شيئا مما يتقوت به خطا خطوات رقيقا حتي يتناوله و لو كان قصير الساقين و كان يخطو نحو الصيد لياخذه يصيب بطنه الماء فيثور و يذعر منه فيتفرق عنه فخلق له ذلك العمودان ليدرك بهما حاجته و لايفسد عليه مطلبه تامل ضروب التدبير في خلق الطائر فانك تجد كل طائر طويل الساقين طويل العنق و ذلك ليتمكن من تناول طعمه من الارض و لو كان طويل الساقين قصير العنق لما استطاع ان‏يتناول شيئا من الارض و ربما اعين مع طول العنق بطول المناقير ليزداد الامر عليه سهولة له و امكانا افلاتري انك لاتفتش شيئا من الخلقة الا وجدته علي غاية الصواب و الحكمة.

انظر الي العصافير كيف تطلب اكلها بالنهار فهي لاتفقده

 

«* توحيد مفضل صفحه 91 *»

و لا هي تجده مجموعا معدا بل تناله بالحركة و الطلب و كذلك الخلق كله فسبحان من قدر الرزق كيف قوّته فلم‏يجعل مما لايقدر عليه اذ جعل للخلق حاجة اليه و لم‏يجعله مبذولا و ينال بالهوينا اذ كان لا صلاح في ذلك فانه لو كان يوجد مجموعا معدا كانت البهائم تتقلب عليه و لاتنقلع عنه حتي تبشم فتهلك و كان الناس ايضا يصيرون بالفراغ الي غاية الاشر و البطر حتي يكثر الفساد و يظهر الفواحش.

أ علمت ما طعم هذه الاصناف من الطير التي لاتخرج الا بالليل كمثل البوم و الهام و الخفاش قلت لا يا مولاي قال ان معاشها من ضروب تنتشر في هذا الجو من البعوض و الفراش و اشباه الجراد و اليعاسيب و ذلك ان هذه الضروب مبثوثة في الجو لايخلو منها موضع و اعتبر ذلك بانك اذا وضعت سراجا بالليل في سطح او عرصة دار اجتمع عليه من هذا شي‏ء كثير

 

«* توحيد مفضل صفحه 92 *»

فمن اين ياتي ذلك كله الا من القرب فان قال قائل انه ياتي من الصحاري و البراري قيل له كيف يوافي تلك الساعة من موضع بعيد و كيف يبصر من ذلك البعد سراجا في دار محفوفة بالدور فيقصد اليه مع ان هذه عيانا تتهافت علي السراج من قرب فيدل ذلك علي انها منتشرة في كل موضع من الجو فهذه الاصناف من الطير تلتمسها اذا خرجت فتتقوت بها فانظر كيف وجه الرزق لهذه الطيور التي لاتخرج الا بالليل من هذه الضروب المنتشرة في الجو و اعرف ذلك المعني في خلق هذه الضروب المنتشرة التي عسي ان‏يظن ظان انها فضل لا معني له.

خلق الخفاش خلقة عجيبة بين خلقة الطير و ذوات الاربع هو الي ذوات الاربع اقرب و ذلك انه ذو اذنين ناشزتين و اسنان و وبر و هو يلد ولادا و يرضع و يبول و يمشي اذا مشي علي اربع و كل هذا خلاف صفة الطير ثم هو ايضا مما

 

«* توحيد مفضل صفحه 93 *»

يخرج بالليل و يتقوت بما يسري في الجو من الفراش و ما اشبهه و قد قال قائلون انه لا طعم للخفاش و ان غذاءه من النسيم وحده و ذلك يفسد و يبطل من جهتين احديهما خروج ما يخرج منه من الثفل و البول فان هذا لايكون من غير طعم و الاخري انه ذو اسنان و لو كان لايطعم شيئا لم‏يكن للاسنان فيه معني و ليس في الخلقة شي‏ء لا معني له و اما المآرب فيه فمعروفة حتي ان زبله يدخل في بعض الاعمال و من اعظم الارب فيه خلقته العجيبة الدالة علي قدرة الخالق جل شأنه و تصرفها فيما شاء كيف شاء لضرب من المصلحة.

فاما الطائر الصغير الذي يقال له ابن تمرة فقد عشش في بعض الاوقات في بعض الشجر فنظر الي حية عظيمة قد اقبلت نحو عشه فاغرة فاها لتبلعه فبينما هو يتقلب و

 

«* توحيد مفضل صفحه 94 *»

يضطرب في طلب حيلة منها اذ وجد حسكة فحملها فالقاها في فم الحية فلم‏تزل الحية تلتوي و تتقلب حتي ماتت افرايت لو لم‏اخبرك بذلك كان يخطر ببالك او ببال غيرك انه يكون من حسكة مثل هذه المنفعة العظيمة او يكون من طائر صغير او كبير مثل هذه الحيلة اعتبر بهذا و كثير من الاشياء تكون فيها منافع لاتعرف الا بحادث يحدث به او خبر يسمع به.

انظر الي النحل و احتشاده في صنعة العسل و تهيئة البيوت المسدسة و ما تري في ذلك اجتماعه من دقائق الفطنة فانك اذا تاملت العمل رايته عجيبا لطيفا و اذا رايت المعمول وجدته عظيما شريفا موقعه من الناس و اذا رجعت الي الفاعل الفيته غبيا جاهلا بنفسه فضلا عما سوي ذلك ففي هذا اوضح الدلالة علي ان الصواب و الحكمة في هذه الصنعة ليس للنحل بل هي للذي طبعه عليها و سخره فيها لمصلحة الناس.

 

 

«* توحيد مفضل صفحه 95 *»

انظر الي هذا الجراد ما اضعفه و اقواه فانك اذا تاملت خلقه رايته كاضعف الاشياء و ان دلفت عساكره نحو بلد من بلدان لم‏يستطع احد ان‏يحميه منه ألاتري ان ملكا من ملوك الارض لو جمع خيله و رجله ليحمي بلاده من الجراد لم‏يقدر علي ذلك أفليس من الدلائل علي قدرة الخالق ان‏يبعث اضعف خلقه الي اقوي خلقه فلايستطيع دفعه. انظر اليه كيف ينساب علي وجه الارض مثل السيل فيغشي السهل و الجبل و البدو و الحضر حتي يستر نور الشمس بكثرته فلو كان هذا مما يصنع بالايدي متي كان يجتمع منه هذه الكثرة و في كم من سنة كان يرتفع فاستدل بذلك علي القدرة التي لايودها شي‏ء و يكثر عليها.

تامل خلق السمك و مشاكلته للامر الذي قدر ان‏يكون عليه فانه خلق غير ذي قوائم لانه لايحتاج الي المشي اذا كان

 

«* توحيد مفضل صفحه 96 *»

مسكنه الماء و خلق غير ذي رية لانه لايستطيع ان‏يتنفس و هو منغمس في اللجة و جعلت له مكان القوائم اجنحة شداد يضرب بها في جانبيه كما يضرب الملاح بالمجاذيف من جانبي السفينة و كسا جسمه قشورا متانا متداخلة كتداخل الدروع و الجواشن لتقيه من الآفات فاعين بفضل حس في الشم لان بصره ضعيف و الماء يحجبه فصار يشم الطعم من البعد البعيد فينتجعه و الا فكيف يعلم به و بموضعه و اعلم ان من فيه الي صماخيه منافذ فهو يعبّ الماء بفيه و يرسله من صماخيه فتروح الي ذلك كما يتروح غيره من الحيوان الي تنسم هذا النسيم.

فكر الآن في كثرة نسله و ما خص به من ذلك فانك تري في جوف السمكة الواحدة من البيض ما لايحصي كثرة و العلة في ذلك ان يتسع لما يغتذي به من اصناف الحيوان فان اكثرها ياكل السمك حتي ان السباع ايضا في حافات الآجام عاكفة

 

«* توحيد مفضل صفحه 97 *»

علي الماء ايضا كي ترصد السمك فاذا مر بها خطفته فلما كانت السباع تاكل السمك و الطير ياكل السمك و الناس ياكلون السمك و السمك ياكل السمك كان من التدبير فيه ان‏يكون علي ما هو عليه من الكثرة.

فاذا اردت ان‏تعرف سعة حكمة الخالق و قصر علم المخلوقين فانظر الي ما في البحار من ضروب السمك و دواب الماء و الاصداف و الاصناف التي لاتحصي و لاتعرف منافعها الا الشي‏ء بعد الشي‏ء يدركه الناس باسباب تحدث مثل القرمز فانه انما عرف الناس صبغه بان كلبة تجول علي شاطئ البحر فوجدت شيئا من الصنف الذي يسمي الحلزون فاكلته فاختضب خطمها بدمه فنظر الناس الي حسنه فاتخذوه صبغا و اشباه هذا مما يقف الناس عليه حالا بعد حال و زمانا بعد زمان قال المفضل حان وقت الزوال فقام مولاي7 الي

 

«* توحيد مفضل صفحه 98 *»

الصلاة و قال بكر الي غدا ان شاء اللَّه تعالي فانصرفت و قد تضاعف سروري بما عرفنيه مبتهجا بما منحنيه حامدا للَّه علي ما آتانيه فبت ليلتي مسرورا مبتهجا.

 

«* توحيد مفضل صفحه 99 *»

 

 

 

المجلس الثالث

 

 

«* توحيد مفضل صفحه 100 *»

قال المفضل فلما كان اليوم الثالث بكرت الي مولاي فاستوذن لي فدخلت فاذن لي بالجلوس فجلست فقال7 الحمد للَّه الذي اصطفانا و لم‏يصطف علينا اصطفانا بعلمه و ايدنا بحلمه من شذ عنا فالنار ماواه و من تفيأ بظل دوحتنا فالجنة مثواه قد شرحت لك يا مفضل خلق الانسان و ما دبر به و تنقله في احواله و ما فيه من الاعتبار و شرحت لك امر الحيوان و انا ابتدئ الآن بذكر السماء و الشمس و القمر و النجوم و الفلك و الليل و النهار و الحر و البرد و الرياح و الجواهر الاربعة الارض و الماء و الهواء و النار و المطر و الصخر و الجبال و الطين و الحجارة و المعادن و النبات و النخل و الشجر و ما في ذلك من الادلة و العبر.

فكر في لون السماء و ما فيه من صواب التدبير فان هذا اللون اشد الالوان موافقة للبصر و تقوية حتي ان من صفات

 

«* توحيد مفضل صفحه 101 *»

الاطباء لمن اصابه شي‏ء اضر ببصره ادمان النظر الي الخضرة و ما قرب منها الي السواد و قد وصف الحذاق منهم لمن كلّ بصره الاطلاع في اجانة خضراء مملوّة ماء فانظر كيف جعل اللَّه جل و تعالي اديم السماء بهذا اللون الاخضر الي السواد ليمسك الابصار المنقلبة عليه فلاينكي فيها بطول مباشرتها له فصار هذا الذي ادركه الناس بالفكر و الروية و التجارب يوجد مفروغا منه في الخلقة حكمة بالغة ليعتبر بها المعتبرون و يفكر فيها الملحدون قاتلهم اللَّه اني يوفكون.

فكر يا مفضل في طلوع الشمس و غروبها لاقامة دولتي النهار و الليل فلولا طلوعها لبطل امر العالم كله فلم‏يكن الناس يسعون في معايشهم و يتصرفون في امورهم و الدنيا مظلمة عليهم و لم‏يكونوا يتهنون بالعيش مع فقدهم لذة النور و روحه و الارب في طلوعها ظاهر مستغن بظهوره عن

 

«* توحيد مفضل صفحه 102 *»

الاطناب في ذكره و الزيادة في شرحه بل تامل المنفعة في غروبها فلولا غروبها لم‏يكن للناس هدوء و لا قرار مع عظم حاجتهم الي الهدوء و الراحة لسكون ابدانهم و جموم حواسهم و انبعاث القوة الهاضمة لهضم الطعام و تنفيذ الغذاء الي الاعضاء ثم كان الحرص يستحملهم من مداومة العمل و مطاولته علي ما يعظم نكايته في ابدانهم فان كثيرا من الناس لولا جثوم هذا الليل بظلمته عليهم لم‏يكن لهم هدوء و لا قرار حرصا علي الكسب و الجمع و الادخار ثم كانت الارض تستحمي بدوام الشمس بضيائها و تحمي كل ما عليها من حيوان و نبات فقدرها اللَّه بحكمته و تدبيره تطلع وقتا و تغرب وقتا بمنزلة سراج يرفع لاهل‏البيت تارة ليقضوا حوائجهم ثم يغيب عنهم مثل ذلك ليهدءوا و يقروا فصار النور و الظلمة مع تضادهما منقادين متظاهرين علي ما فيه صلاح العالم و قوامه.

 

«* توحيد مفضل صفحه 103 *»

ثم فكر بعد هذا في ارتفاع الشمس و انحطاطها لاقامة هذه الازمنة الاربعة من السنة و ما في ذلك من التدبير و المصلحة ففي الشتاء تعود الحرارة في الشجر و النبات فيتولد فيهما مواد الثمار و يستكثف الهواء فينشأ منه السحاب و المطر و تشد ابدان الحيوان و تقوي و في الربيع تتحرك و تظهر المواد المتولدة في الشتاء فيطلع النبات و تنور الاشجار و يهيج الحيوان للسفاد و في الصيف يحتدم الهواء فتنضج الثمار و تتحلل فضول الابدان و يجف وجه الارض فتهيا للبناء و الاعمال و في الخريف يصفو الهواء و ترتفع الامراض و تصح الابدان و يمتد الليل فيمكن فيه بعض الاعمال لطوله و يطيب الهواء فيه الي مصالح اخري لو تقصيت لذكرها لطال فيها الكلام.

فكر الآن في تنقل الشمس في البروج الاثني عشر لاقامة دور السنة و ما في ذلك من التدبير فهو الدور الذي تصح به

 

«* توحيد مفضل صفحه 104 *»

الازمنة الاربعة من السنة الشتاء و الربيع و الصيف و الخريف يستوفيها علي التمام و في هذا المقدار من دوران الشمس تدرك الغلات و الثمار و تنتهي الي غاياتها ثم تعود فيستانف النشو و النمو الاتري ان السنة مقدار مسير الشمس من الحمل الي الحمل فبالسنة و اخواتها يكال الزمان من لدن خلق اللَّه تعالي العالم الي كل وقت و عصر من غابر الايام و بها يحسب الناس الاعمال (الاعمار.خ‏ل) و الاوقات الموقتة للديون و الاجارات و المعاملات و غير ذلك من امورهم و بمسير الشمس تكمل السنة و يقوم حساب الزمان علي الصحة انظر الي شروقها علي العالم كيف دبر ان‏يكون فانها لو كانت تبزغ في موضع من السماء فتقف لاتعدوه لما وصل شعاعها و منفعتها الي كثير من الجهات لان الجبال و الجدران كانت تحجبها عنها فجعلت تطلع في اول النهار من المشرق

 

«* توحيد مفضل صفحه 105 *»

فتشرق علي ما قابلها من وجه المغرب ثم لاتزال تدور و تغشي جهة بعد جهة حتي تنتهي الي المغرب فتشرق علي ما استتر عنها في اول النهار فلايبقي موضع من المواضع الا اخذ بقسطه من المنفعة منها و الارب التي قدرت له و لو تخلفت مقدار عام او بعض عام كيف كان يكون حالهم بل كيف كان يكون لهم مع ذلك بقاء افلايري الناس كيف هذه الامور الجليلة التي لم‏تكن عندهم فيها حيلة فصارت تجري علي مجاريها لاتعتل و لاتتخلف عن مواقيتها لصلاح العالم و ما فيه بقاوه.

استدل بالقمر ففيه دلالة جليلة تستعملها العامة في معرفة الشهور و لايقوم عليه حساب السنة لان دوره لايستوفي الازمنة الاربعة و نشوء الثمار و تصرمها و لذلك صارت شهور القمر و سنوه تتخلف عن شهور الشمس و سنيها و صار الشهر من شهور القمر ينتقل فيكون مرة بالشتاء و مرة بالصيف.

 

«* توحيد مفضل صفحه 106 *»

فكر في انارته في ظلمة الليل و الارب في ذلك فانه مع الحاجة الي الظلمة لهدء الحيوان و برد الهواء علي النبات لم‏يكن صلاح في ان‏يكون الليل ظلمة داجية لا ضياء فيها فلايمكن فيه شي‏ء من العمل لانه ربما احتاج الناس الي العمل بالليل لضيق الوقت عليهم في تقصي الاعمال في النهار او لشدة الحر و افراطه فيعمل في ضوء القمر اعمالا شتي كحرث الارض و ضرب اللبن و قطع الخشب و ما اشبه ذلك فجعل ضوء القمر معونة للناس علي معايشهم اذا احتاجوا الي ذلك و انسا للسائرين و جعل طلوعه في بعض الليل دون بعض و نقص مع ذلك من نور الشمس و ضيائها لكيلاتنبسط الناس في العمل انبساطهم بالنهار و يمتنعوا من الهدء و القرار فيهلكهم ذلك و في تصرف القمر خاصة في مهله و محاقه و زيادته و نقصانه و كسوفه من التنبيه علي قدرة اللَّه خالقه المصرف له

 

«* توحيد مفضل صفحه 107 *»

هذا التصريف لصلاح العالم ما يعتبر به المعتبرون.

فكر يا مفضل في النجوم و اختلاف مسيرها فبعضها لاتفارق مراكزها من الفلك و لاتسير الا مجتمعة و بعضها مطلقة تنتقل في البروج و تفترق في مسيرها فكل واحد منها يسير سيرين مختلفين احدهما عام مع الفلك نحو المغرب و الآخر خاص لنفسه نحو المشرق كالنملة التي تدور علي الرحي فالرحي تدور ذات اليمين و النملة تدور ذات الشمال و النملة في ذلك تتحرك حركتين مختلفتين احديهما بنفسها فتتوجه امامها و الاخري مستكرهة مع الرحي تجذبها الي خلفها فاسال الزاعمين ان النجوم صارت علي ما هي عليه بالاهمال من غير عمد و لا صانع لها ما منعها ان‏تكون كلها راتبة او تكون كلها منتقلة فان الاهمال معني واحد فكيف صار ياتي بحركتين مختلفتين علي وزن و تقدير ففي هذا بيان

 

«* توحيد مفضل صفحه 108 *»

ان مسير الفريقين علي ما يسيران عليه بعمد و تدبير و حكمة و تقدير و ليس باهمال كما تزعم المعطلة. فان قال قائل و لم صار بعض النجوم راتبا و بعضها منتقلا قلنا انها لو كانت كلها راتبة لبطلت الدلالات التي يستدل بها من تنقل المنتقلة و مسيرها في كل برج من البروج كما قد يستدل علي اشياء مما يحدث في العالم بتنقل الشمس و النجوم في منازلها و لو كانت كلها منتقلة لم‏يكن لمسيرها منازل تعرف و لا رسم يوقف عليه لانه انما يوقف بمسير المنتقلة منها بتنقلها في البروج الراتبة كما يستدل علي سير السائر علي الارض بالمنازل التي يجتاز عليها و لو كان تنقلها بحال واحد لاختلط نظامها و بطلت المآرب فيها و لساغ لقائل ان يقول ان كينونتها علي حال واحدة توجب عليها الاهمال من الجهة التي وصفنا ففي اختلاف سيرها و تصرفها و ما في ذلك من

 

«* توحيد مفضل صفحه 109 *»

المآرب و المصلحة ابين دليل علي العمد و التدبير فيها.

فكر في هذه النجوم التي تظهر في بعض السنة و تحتجب في بعضها كمثل الثريا و الجوزاء و الشعريين و سهيل فانها لو كانت بأسرها تظهر في وقت واحد لم‏تكن لواحد فيها علي حياله دلالات يعرفها الناس و يهتدون بها لبعض امورهم كمعرفتهم الآن بما يكون من طلوع الثور و الجوزاء اذا طلعت و احتجابها اذا احتجبت فصار ظهور كل واحد و احتجابه في وقت غير وقت الآخر لينتفع الناس بما يدل عليه كل واحد منها علي حدته و ما جعلت الثريا و اشباهها تظهر حينا و تحجب حينا لضرب من المصلحة كذلك جعلت بنات نعش ظاهرة لاتغيب لضرب آخر من المصلحة فانها بمنزلة الاعلام التي يهتدي بها الناس في البر و البحر للطرق المجهولة و ذلك انها لاتغيب و لاتتواري فهم ينظرون اليها متي ارادوا

 

«* توحيد مفضل صفحه 110 *»

ان‏يهتدوا بها الي حيث شاءوا و صار الامران جميعا علي اختلافهما موجهين نحو الارب و المصلحة و فيهما مآرب اخري علامات و دلالات علي اوقات كثيرة من الاعمال كالزراعة و الغراس و السفر في البر و البحر و اشياء مما يحدث في الازمنة من الامطار و الرياح و الحر و البرد و بها يهتدي السائرون في ظلمة الليل لقطع القفار الموحشة و اللجج الهائلة مع ما في ترددها في كبد السماء مقبلة و مدبرة و مشرقة و مغربة من العبر فانها تسير اسرع السير و احثه ارايت لو كانت الشمس و القمر و النجوم بالقرب منا حتي يتبين لنا سرعة سيرها بكنه ما هي عليه الم‏تكن ستخطف الابصار بوهجها و شعاعها كالذي يحدث احيانا من البروق اذا توالت و اضطرمت في الجو و كذلك ايضا لو ان اناسا كانوا في قبة مكللة بمصابيح تدور حولهم دورانا حثيثا لحارت ابصارهم

 

«* توحيد مفضل صفحه 111 *»

حتي يخروا لوجوههم فانظر كيف قدر ان‏يكون مسيرها في البعد البعيد لكيلاتضر في الابصار و تنكا فيها و باسرع السرعة لكيلاتتخلف عن مقدار الحاجة في مسيرها و جعل فيها جزء يسير من الضوء ليسد مسد الاضواء اذا لم‏يكن قمر و يمكن فيه الحركة اذا حدثت ضرورة كما قد يحدث الحادث علي المرء فيحتاج الي التجافي في جوف الليل فان لم‏يكن شي‏ء من الضوء يهتدي به لم‏يستطع ان‏يبرح مكانه فتامل اللطف و الحكمة في هذا التقدير حين جعل للظلمة دولة و مدة لحاجة اليها و جعل خلالها شي‏ء من الضوء للمآرب التي وصفنا.

فكر في هذا الفلك بشمسه و قمره و نجومه و بروجه تدور علي العالم في هذا الدوران الدائم بهذا التقدير و الوزن لما في اختلاف الليل و النهار و هذه الازمان الاربعة المتوالية علي الارض و ما عليها من اصناف الحيوان و النبات من ضروب

 

«* توحيد مفضل صفحه 112 *»

المصلحة كالذي بينت و شخصت لك آنفا و هل يخفي علي ذي لب ان هذا تقدير مقدر و صواب و حكمة من مقدر حكيم فان قال قائل ان هذا شي‏ء اتفق ان‏يكون هكذا فما منعه ان‏يقول مثل هذا في دولاب تراه يدور و يسقي حديقة فيها شجر و نبات فتري كل شي‏ء من آلته مقدرا بعضه يلقي بعضا علي ما فيه صلاح تلك الحديقة و ما فيها و بم كان يثبت هذا القول لو قاله و ما تري الناس كانوا قائلين له لو سمعوه منه افينكر ان‏يقول في دولاب خشب مصنوع بحيلة قصيرة لمصلحة قطعة من الارض انه كان بلا صانع و مقدر و يقدر ان‏يقول في هذا الدولاب الاعظم المخلوق بحكمة يقصر عنها اذهان البشر لصلاح جميع الارض و ما عليها انه شي‏ء اتفق ان‏يكون بلا صنعة و لا تقدير لو اعتل هذا الفلك كما تعتل الآلات التي تتخذ للصناعات و غيرها اي شي‏ء كان

 

«* توحيد مفضل صفحه 113 *»

عند الناس من الحيلة في اصلاحه.

فكر يا مفضل في مقادير النهار و الليل كيف وقعت علي ما فيه صلاح هذا الخلق فصار منتهي كل واحد منهما اذا امتد الي خمس‏عشرة ساعة لايجاوز ذلك افرايت لو كان النهار يكون مقداره مائة ساعة او مائتي ساعة الم‏يكن في ذلك بوار كل ما في الارض من حيوان و نبات اما الحيوان فكان لايهدا و لايقر طول هذه المدة و لا البهائم كانت تمسك عن الرعي لو دام لها ضوء النهار و لا الانسان كان يفتر عن العمل و الحركة و كان ذلك سيهلكها اجمع و يؤديها الي التلف و اما النبات فكان يطول عليه حر النهار و وهج الشمس حتي يجف و يحترق كذلك الليل لو امتد مقدار هذه المدة كان يعوق اصناف الحيوان عن الحركة و التصرف في طلب المعاش حتي تموت جوعا و تخمد الحرارة الطبيعية من النبات حتي يعفن و يفسد كالذي

 

«* توحيد مفضل صفحه 114 *»

تراه يحدث علي النبات اذا كان في موضع لاتطلع عليه الشمس.

اعتبر بهذا الحر و البرد كيف يتعاوران العالم و يتصرفان هذا التصرف في الزيادة و النقصان و الاعتدال لاقامة هذه الازمنة الاربعة من السنة و ما فيهما من المصالح ثم هما بعد دباغ الابدان التي عليها بقاؤها و فيها صلاحها فانه لولا الحر و البرد و تداولهما الابدان لفسدت و اخوت و انتكثت فكر في دخول احدهما علي الآخر بهذا التدريج و الترسل فانك تري احدهما ينقص شيئا بعد شي‏ء و الآخر يزيد مثل ذلك حتي ينتهي كل واحد منهما منتهاه في الزيادة و النقصان و لو كان دخول احديهما علي الآخر مفاجاة لاضر ذلك بالابدان و اسقمها كما ان احدكم لو خرج من حمام حار الي موضع البرودة لضره ذلك و اسقم بدنه فلم جعل اللَّه عز و جل هذا الترسل في الحر و البرد الا للسلامة من ضرر المفاجاة و لم

 

«* توحيد مفضل صفحه 115 *»

جري الامر علي ما فيه السلامة من ضرر المفاجاة لو لا التدبير في ذلك فان زعم زاعم ان هذا الترسل في دخول الحر و البرد انما يكون لابطاء مسير الشمس في الارتفاع و الانحطاط سئل عن العلة في ابطاء مسير الشمس في ارتفاعها و انحطاطها فان اعتل في الابطاء ببعد ما بين المشرقين سئل عن العلة في ذلك فلاتزال هذه المسالة ترقي معه الي حيث رقي من هذا القول حتي استقر علي العمد و التدبير لولا الحر لما كانت الثمار الجاسية المرة تنضج فتلين و تعذب حتي يتفكه بها رطبة و يابسة و لولا البرد لما كان الزرع يفرخ هكذا و يريع الريع الكثير الذي يتسع للقوت و ما يرد في الارض للبذر افلاتري ما في الحر و البرد من عظيم الغناء و المنفعة و كلاهما مع غنائه و المنفعة فيه يولم الابدان و يمضها و في ذلك عبرة لمن فكر و دلالة علي انه من تدبير الحكيم في مصلحة العالم و ما فيه.

 

«* توحيد مفضل صفحه 116 *»

و انبهك يا مفضل علي الريح و ما فيها الست تري ركودها اذا ركدت كيف يحدث الكرب الذي يكاد ان‏ياتي علي النفوس و يحرض الاصحاء و ينهك المرضي و يفسد الثمار و يعفن البقول و يعقب الوباء في الابدان و الآفة في الغلات ففي هذا بيان ان هبوب الريح من تدبير الحكيم في صلاح الخلق.

و انبئك عن الهواء بخلة اخري فان الصوت اثر يؤثره اصطكاك الاجسام في الهواء و الهواء يوديه الي المسامع و الناس يتكلمون في حوائجهم و معاملاتهم طول نهارهم و بعض ليلهم فلو كان اثر هذا الكلام يبقي في الهواء كما يبقي الكتاب في القرطاس لامتلأ العالم منه فكان يكربهم و يفدحهم و كانوا يحتاجون في تجديده و الاستبدال به الي اكثر مما يحتاج اليه في تجديد القراطيس لان ما يلقي من الكلام

 

«* توحيد مفضل صفحه 117 *»

اكثر مما يكتب فجعل الخلاق الحكيم جل قدسه هذا الهواء قرطاسا خفيا يحمل الكلام ريثما يبلغ العالم حاجتهم ثم يمحي فيعود جديدا نقيا و يحمل ما حمل ابدا بلا انقطاع و حسبك بهذا النسيم المسمي هواء عبرة و ما فيه من المصالح فانه حياة هذه الابدان و الممسك لها من داخل بما تستنشق منه من خارج بما تباشر من روحه و فيه تطرد هذه الاصوات فيؤدي بها من البعد البعيد و هو الحامل لهذه الاراييح ينقلها من موضع الي موضع الاتري كيف تاتيك الرائحة من حيث تهب الريح فكذلك الصوت و هو القابل لهذا الحر و البرد اللذين يتعاقبان علي العالم لصلاحه و منه هذه الريح الهابة فالريح تروح عن الاجسام و تزجي السحاب من موضع الي موضع ليعم نفعه حتي يستكثف فيمطر و تفضه حتي يستخف فيتفشي و تلقح الشجر و تسير السفن و ترخي الاطعمة و

 

«* توحيد مفضل صفحه 118 *»

تبرد الماء و تشب النار و تجفف الاشياء الندية و بالجملة انها تحيي كل‏ما في الارض فلولا الريح لذوي النبات و لمات الحيوان و حمت الاشياء و فسدت.

فكر يا مفضل فيما خلق اللَّه عز و جل عليه هذه الجواهر الاربعة ليتسع ما يحتاج اليه منها فمن ذلك سعة هذه الارض و امتدادها فلولا ذلك كيف كانت تتسع لمساكن الناس و مزارعهم و مراعيهم و منابت اخشابهم و احطابهم و العقاقير العظيمة و المعادن الجسيمة غناؤها و لعل من ينكر هذه الفلوات الخاوية و القفار الموحشة فيقول ما المنفعة فيها فهي ماوي هذه الوحوش و محالها و مرعيها ثم فيها بعد متنفس و مضطرب للناس اذا احتاجوا الي الاستبدال باوطانهم فكم بيداء و كم فدفد حالت قصورا و جنانا بانتقال الناس اليها و حلولهم فيها و لولا سعة الارض و فسحتها

 

«* توحيد مفضل صفحه 119 *»

لكان الناس كمن هو في حصار ضيق لايجد مندوحة عن وطنه اذا حزبه امر يضطره الي الانتقال عنه ثم فكر في خلق هذه الارض علي ما هي عليه حين خلقت راتبة راكنة فتكون موطنا مستقرا للاشياء فيتمكن الناس من السعي عليها في مآربهم و الجلوس عليها لراحتهم و النوم لهدئهم و الاتقان لاعمالهم فانها لو كانت رجراجة متكفئة لم‏يكونوا يستطيعون ان‏يتقنوا البناء و التجارة و الصناعة و ما اشبه ذلك بل كانوا لايتهنون بالعيش و الارض ترتج من تحتهم و اعتبر ذلك بما يصيب الناس حين الزلازل علي قلة مكثها حتي يصيروا الي ترك منازلهم و الهرب عنها فان قال قائل فلم صارت هذه الارض تزلزل قيل له ان الزلزلة و ما اشبهها موعظة و ترهيب يرهب بها الناس ليرعووا و ينزعوا عن المعاصي و كذلك ما ينزل بهم من البلاء في ابدانهم و اموالهم

 

«* توحيد مفضل صفحه 120 *»

يجري في التدبير علي ما فيه صلاحهم و استقامتهم و يدخر لهم ان صلحوا من الثواب و العوض في الآخرة ما لايعدله شي‏ء من امور الدنيا و ربما عجل ذلك في الدنيا اذا كان ذلك في الدنيا صلاحا للخاصة و العامة ثم ان الارض في طباعها الذي طبعها اللَّه عليه باردة يابسة و كذلك الحجارة و انما الفرق بينها و بين الحجارة فضل يبس في الحجارة افرايت لو ان اليبس افرط علي الارض قليلا حتي تكون حجرا صلدا اكانت تنبت هذا النبات الذي به حياة الحيوان و كان يمكن بها حرث او بناء افلاتري كيف تنصب من يبس الحجارة و جعلت علي ما هي عليه من اللين و الرخاوة و لتهيأ للاعتماد.

و من تدبير الحكيم جل و علا في خلقة الارض ان مهب الشمال ارفع من مهب الجنوب فلم جعل اللَّه عز و جل كذلك الا لينحدر المياه علي وجه الارض فتسقيها و ترويها ثم

 

«* توحيد مفضل صفحه 121 *»

تفيض آخر ذلك الي البحر فكانما يرفع احد جانبي السطح و يخفض الآخر لينحدر الماء عنه و لايقوم عليه كذلك جعل مهب الشمال ارفع من مهب الجنوب لهذه العلة بعينها و لولا ذلك لبقي الماء متحيرا علي وجه الارض فكان يمنع الناس من اعمالها و يقطع الطرق و المسالك ثم الماء لولا  كثرته و تدفقه في العيون و الاودية و الانهار لضاق عما يحتاج الناس اليه لشربهم و شرب انعامهم و مواشيهم و سقي زروعهم و اشجارهم و اصناف غلاتهم و شرب ما يرده من الوحوش و الطير و السباع و تتقلب فيه الحيتان و دواب الماء و فيه منافع اخر انت بها عارف و عن عظم موقعها غافل فانه سوي الامر الجليل المعروف من غنائه في احياء جميع ما علي الارض من الحيوان و النبات يمزج بالاشربة فتلين و تطيب لشاربها و به تنظف الابدان و الامتعة من الدرن الذي يغشاها و به يبل

 

«* توحيد مفضل صفحه 122 *»

التراب فيصلح للاعتمال و به يكف عادية النار اذا اضطرمت و اشرف الناس علي المكروه و به يسيغ الغصان ما غص به و به يستحم المتعب الكال فيجد الراحة من اوصابه الي اشباه هذا من المآرب التي تعرف عظم موقعها في وقت الحاجة اليها فان شككت في منفعة هذا الماء الكثير المتراكم في البحار و قلت ما الارب فيه فاعلم انه مكتنف و مضطرب ما لايحصي من اصناف السمك و دواب البحر و معدن اللولو و الياقوت و العنبر و اصناف شتي تستخرج من البحر و في سواحله منابت العود و اليلنجوج و ضروب من الطيب و العقاقير ثم هو بعد مركب الناس و محمل لهذه التجارات التي تجلب من البلدان البعيدة كمثل ما يجلب من الصين الي العراق و من العراق الي العراق فان هذه التجارات لو لم‏يكن لها محمل الا علي الظهر لبارت و بقيت في بلدانها و ايدي اهلها لان اجر حملها كان

 

«* توحيد مفضل صفحه 123 *»

يجاوز اثمانها فلايتعرض احد لحملها و كان يجتمع في ذلك امران احدهما فقد اشياء كثيرة تعظم الحاجة اليها و الآخر انقطاع معاش من يحملها و يتعيش بفضلها.

و هكذا الهواء لولا كثرته و سعته لاختنق هذا الانام من الدخان و البخار التي يتحير فيه و يعجز عما يحول الي السحاب و الضباب اولا اولا فقد تقدم من صفته ما فيه كفاية.

و النار ايضا كذلك فانها لو كانت مبثوثة كالنسيم و الماء كانت تحرق العالم و ما فيه و لم‏يكن بد من ظهورها في الأحايين لغنائها في كثير من المصالح فجعلت كالمخزونة في الاخشاب تلتمس عند الحاجة اليها و تمسك بالمادة و الحطب ما احتيج الي بقائها لئلاتخبو فلا هي تمسك بالمادة و الحطب فتعظم المونة في ذلك و لا هي تظهر مبثوثة فتحرق كل ما هي فيه بل هي علي تهيئة و تقدير اجتمع فيها الاستمتاع بمنافعها

 

«* توحيد مفضل صفحه 124 *»

و السلامة من ضررها ثم فيه خلة اخري و هي انها مما خص بها الانسان دون جميع الحيوان لما له فيها من المصلحة فانه لو فقد النار لعظم ما يدخل عليه من الضرر في معاشه فاما البهائم فلاتستعمل النار و لاتستمتع بها و لما قدر اللَّه عز و جل ان‏يكون هذا هكذا خلق للانسان كفا و اصابع مهيئة لقدح النار و استعمالها و لم‏يعط البهائم مثل ذلك لكنها اعينت بالصبر علي الجفاء و الخلل في المعاش لكيلاينالها في فقد النار ما ينال الانسان و انبئك من منافع النار علي خلقة صغيرة عظيم موقعها و هي هذا المصباح الذي يتخذه الناس فيقضون به حوائجهم ما شاءوا في ليلهم و لولا هذه الخلة لكان الناس تصرف اعمارهم بمنزلة من في القبور فمن كان يستطيع ان‏يكتب او يحفظ او ينسج في ظلمة الليل و كيف كانت حال من عرض له وجع في وقت من اوقات الليل فاحتاج الي

 

«* توحيد مفضل صفحه 125 *»

ان‏يعالج ضمادا او سفوفا او شيئا يستشفي به فاما منافعها في نضج الاطعمة و دفاء الابدان و تجفيف اشياء و تحليل اشياء و اشباه ذلك فاكثر من ان‏تحصي و اظهر من ان‏تخفي.

فكر يا مفضل في الصحو و المطر كيف يعتقبان علي هذا العالم لما فيه صلاحه و لو دام واحد منهما عليه كان في ذلك فساده الاتري ان الامطار اذا توالت عفنت البقول و الخضر و استرخت ابدان الحيوان و خصر الهواء فاحدث ضروبا من الامراض و فسدت الطرق و المسالك و ان الصحو اذا دام جفت الارض و احترق النبات و غيض ماء العيون و الاودية فاضر ذلك بالناس و غلب اليبس علي الهواء فاحدث ضروبا اخري من الامراض فاذا تعاقبا علي العالم هذا التعاقب اعتدل الهواء و دفع كل واحد منهما عادية الآخر فصلحت الاشياء و استقامت فان قال قائل و لم لايكون في

 

«* توحيد مفضل صفحه 126 *»

شي‏ء من ذلك مضرة البتة قيل له ليمض ذلك الانسان و يولمه بعض الالم فيرعوي عن المعاصي فكما ان الانسان اذا سقم بدنه احتاج الي الادوية المرة البشعة ليقوم طباعه و يصلح ما فسد منه كذلك اذا طغي و اشر احتاج الي ما يعضه و يولمه ليرعوي و يقصر عن مساويه و يثبته علي ما فيه حظه و رشده و لو ان ملكا من الملوك قسم في اهل مملكته قناطيرا من ذهب و فضة الم‏يكن سيعظم عندهم و يذهب له به الصوت فاين هذا من مطرة رواء اذ يعمر به البلاد و يزيد في الغلات اكثر من قناطير الذهب و الفضة في اقاليم الارض كلها افلاتري المطرة الواحدة ما اكبر قدرها و اعظم النعمة علي الناس فيها و هم عنها ساهون و ربما عاقت عن احدهم حاجة لا قدر لها فيذمر و يسخط ايثارا للخسيس قدره علي العظيم نفعه جهلاً بمحمود العاقبة و قلة معرفة لعظيم الغناء و المنفعة فيها.

 

«* توحيد مفضل صفحه 127 *»

تامل نزوله علي الارض و التدبير في ذلك فانه جعل ينحدر عليها من علو ليتفشي ما غلظ و ارتفع منها فيرويه و لو كان انما ياتيها من بعض نواحيها لما علا علي المواضع المشرفة منها و يقل ما يزرع في الارض الاتري ان الذي يزرع سيحا اقل من ذلك فالامطار هي التي تطبق الارض و ربما تزرع هذه البراري الواسعة و سفوح الجبال و ذراها فتغل الغلة الكثيرة و بها يسقط عن الناس في كثير من البلدان مونة سياق الماء من موضع الي موضع و ما يجري في ذلك بينهم من التشاجر و التظالم حتي يستاثر بالماء ذوو العزة و القوة و يحرمه الضعفاء ثم انه حين قدر ان‏ينحدر علي الارض انحدارا جعل ذلك قطرا شبيها بالرش ليغور في قطر الارض فيرويها و لو كان يسكبه انسكابا كان ينزل علي وجه الارض فلايغور فيها ثم كان يحطم الزرع القائمة اذا اندفق عليها فصار ينزل

 

«* توحيد مفضل صفحه 128 *»

نزولا رقيقا فينبت الحب المزروع و يحيي الارض و الزرع القائم و في نزوله ايضا مصالح اخري فانه يلين الابدان و يجلو كدر الهواء فيرتفع الوباء الحادث من ذلك و يغسل ما يسقط علي الشجر و الزرع من الداء المسمي باليرقان الي اشباه هذا من المنافع فان قال قائل أ و ليس قد يكون منه في بعض السنين الضرر العظيم الكثير لشدة ما يقع منه او برد يكون فيه تحطم الغلات و بخورة يحدثها في الهواء فيولد كثيرا من الامراض في الابدان و الآفات في الغلات قيل بلي قد يكون ذلك الفرط لما فيه من صلاح الانسان و كفه عن ركوب المعاصي و التمادي فيها فيكون المنفعة فيما يصلح له من دينه ارجح مما عسي ان‏يرزأ في ماله.

انظر يا مفضل الي هذه الجبال المركومة من الطين و الحجارة التي يحسبها الغافلون فضلا لا حاجة اليها و المنافع

 

«* توحيد مفضل صفحه 129 *»

فيها كثيرة فمن ذلك ان‏يسقط عليها الثلوج فيبقي في قلالها لمن يحتاج اليه و يذوب ما ذاب منه فتجري منه العيون الغزيرة التي تجتمع منها الانهار العظام و ينبت فيها ضروب من النبات و العقاقير التي لاينبت مثلها في السهل و يكون فيها كهوف و مقايل للوحوش من السباع العادية و يتخذ منها الحصون و القلاع المنيعة للتحرز من الاعداء و ينحت منها الحجارة للبناء و الارحاء و يوجد فيها معادن لضروب من الجواهر و فيها خلال اخري لايعرفها الا المقدر لها في سابق علمه.

فكر يا مفضل في هذه المعادن و ما يخرج منها من الجواهر المختلفة مثل الجص و الكلس و الجبس و الزرنيخ و المرتك و القونيا و الزيبق و النحاس و الرصاص و الفضة و الذهب و الزبرجد و الياقوت و الزمرد و ضروب الحجارة و كذلك ما يخرج منها من القار و الموميا و الكبريت و النفط و

 

«* توحيد مفضل صفحه 130 *»

غير ذلك مما يستعمله الناس في مآربهم فهل يخفي علي ذي عقل ان هذه كلها ذخائر ذخرت للانسان في هذه الارض ليستخرجها فيستعملها عند الحاجة اليها ثم قصرت حيلة الناس عما حاولوا من صنعتها علي حرصهم و اجتهادهم في ذلك فانهم لو ظفروا بما حاولوا من هذا العلم كان لامحالة سيظهر و يستفيض في العالم حتي تكثر الذهب و الفضة و يسقطا عند الناس فلايكون لهما قيمة و يبطل الانتفاع بهما في الشراء و البيع و المعاملات و لا كان يجبي السلطان الاموال و لايدخرهما احد للاعقاب و قد اعطي الناس مع هذا صنعة الشبه من النحاس و الزجاج من الرمل و الفضة من الرصاص و الذهب من الفضة و اشباه ذلك مما لا مضرة فيه فانظر كيف اعطوا ارادتهم في ما لا ضرر فيه و منعوا ذلك فيما كان ضارا لهم لو نالوه و من اوغل في المعادن انتهي الي واد عظيم يجري

 

«* توحيد مفضل صفحه 131 *»

منصلتا بماء غزير لايدرك غوره و لا حيلة في عبوره و من ورائه امثال الجبال من الفضة تفكر الآن في هذا من تدبير الخالق الحكيم فانه اراد جل ثناوه ان‏يري العباد قدرته و سعة خزائنه ليعلموا انه لو شاء ان‏يمنحهم كالجبال من الفضة لفعل لكن لا صلاح لهم في ذلك لانه لو كان فيكون فيها كما ذكرنا سقوط هذا الجوهر عند الناس و قلة انتفاعهم به و اعتبر ذلك بانه قد يظهر الشي‏ء الظريف مما يحدثه الناس من الاواني و الامتعة فمادام عزيزا قليلا فهو نفيس جليل آخذ الثمن فاذا فشا و كثر في ايدي الناس سقط عندهم و خسّت قيمته و نفاسة الاشياء من عزتها.

فكر يا مفضل في هذا النبات و ما فيه من ضروب المآرب فالثمار للغذاء و الاتبان للعلف و الحطب للوقود و الخشب لكل شي‏ء من انواع النجارة و غيرها و اللحاء و الورق و

 

«* توحيد مفضل صفحه 132 *»

الاصول و العروق و الصموغ لضروب من المنافع ارايت لو كنا نجد الثمار التي نغتذي بها مجموعة علي وجه الارض و لم‏تكن تنبت علي هذه الاغصان الحاملة لها كم كان يدخل علينا من الخلل في معاشنا و ان كان الغذاء موجودا فان المنافع بالخشب و الحطب و الاتبان و سائر ما عددناه كثيرة عظيم قدرها جليل موقعها هذا مع ما في النبات من التلذذ بحسن منظره و نضارته التي لايعدلها شي‏ء من مناظر العالم و ملاهيه.

فكر يا مفضل في هذا الريع الذي جعل في الزرع فصارت الحبة الواحدة تخلف مائة حبة و اكثر و اقل و كان يجوز ان‏يكون الحبة تاتي بمثلها فلم صارت تريع هذا الريع الا ليكون في الغلة متسع لما يرد في الارض من البذر و ما يتقوت الزراع الي ادراك زرعها المستقبل الاتري ان الملك لو اراد عمارة بلد من البلدان كان السبيل في ذلك ان‏يعطي اهله ما

 

«* توحيد مفضل صفحه 133 *»

يبذرونه في ارضهم و ما يقوتهم الي ادراك زرعهم فانظر كيف تجد هذا المثال قد تقدم في تدبير الحكيم فصار الزرع يريع هذا الريع ليفي بما يحتاج اليه للقوت و الزراعة و كذلك الشجر و النبت و النخل يريع الريع الكثير فانك تري الاصل الواحد حوله من فراخه امرا عظيما فلم كان كذلك الا ليكون فيه ما يقطعه الناس و يستعملونه في مآربهم و ما يرد فيغرس في الارض و لو كان الاصل منه يبقي منفردا لايفرخ و لايريع لما امكن ان‏يقطع منه شي‏ء لعمل و لا لغرس ثم كان ان اصابته آفة انقطع اصله فلم‏يكن منه خلف.

تامل نبات هذه الحبوب من العدس و الماش و الباقلاء و ما اشبه ذلك فانها تخرج في اوعية مثل الخرائط لتصونها و تحجبها من الآفات الي ان‏تشد و تستحكم كما قد تكون المشيمة علي الجنين لهذا المعني بعينه فاما البُر و ما اشبهه فانه

 

«* توحيد مفضل صفحه 134 *»

يخرج مدرجا في قشور صلاب علي رءوسها مثال الاسنة من السنبل ليمنع الطير منه ليتوفر علي الزراع فان قال قائل أ و ليس قد ينال الطير من البر و الحبوب قيل له بلي علي هذا قدر الامر فيها لان الطير خلق من خلق اللَّه تعالي و قد جعل اللَّه تبارك و تعالي له في ما تخرج الارض حظا و لكن حضنت الحبوب بهذه الحجب لئلايتمكن الطير منها كل التمكن فيعبث فيها و يفسد الفساد الفاحش فان الطير لو صادف الحب بارزا ليس عليه شي‏ء يحول دونه لأكب عليه حتي ينسفه اصلا فكان يعرض من ذلك ان‏يبشم الطير فيموت و يخرج الزارع من زرعه صفرا فجعلت عليه هذه الوقايات لتصونه فينال الطائر منه شيئا يسيرا يتقوت به و يبقي اكثره للانسان فانه اولي به اذ كان هو الذي كدح فيه و شقي به و كان الذي يحتاج اليه اكثر مما يحتاج اليه الطير.

 

«* توحيد مفضل صفحه 135 *»

تامل الحكمة في خلق الشجر و اصناف النبات فانها لما كانت تحتاج الي الغذاء الدائم كحاجة الحيوان و لم‏يكن لها افواه كافواه الحيوان و لا حركة تنبعث بها لتناول الغذاء جعلت اصولها مركوزة في الارض لتنزع منها الغذاء فتؤديه الي الاغصان و ما عليها من الورق و الثمر فصارت الارض كالام المربية لها و صارت اصولها التي هي كالافواه ملتقمة للارض لتنزع منها الغذاء كما ترضع اصناف الحيوان امهاتها الم‏تر الي عمد الفساطيط و الخيم كيف تمد بالاطناب من كل جانب لتثبت منتصبة فلاتسقط و لاتميل فهكذا تجد النبات كله له عروق منتشرة في الارض ممتدة الي كل جانب لتمسكه و تقيمه و لولا ذلك كيف كان يثبت هذا النخل الطوال و الدوح العظام في الريح العاصف فانظر الي حكمة الخلقة كيف سبقت حكمة الصناعة فصارت الحيلة التي تستعملها الصناع

 

«* توحيد مفضل صفحه 136 *»

في ثبات الفساطيط و الخيم متقدمة في خلق الشجر لان خلق الشجر قبل صنعة الفساطيط و الخيم الاتري عمدها و عيدانها من الشجر فالصناعة مأخوذة من الخلقة.

تامل يا مفضل خلق الورق فانك تري في الورقة شبه العروق مبثوثة فيها اجمع فمنها غلاظ ممتدة في طولها و عرضها و منها دقاق تتخلل الغلاظ منسوجة نسجا دقيقا معجما لو كان مما يصنع بالايدي كصنعة البشر لما فرغ من ورق شجرة واحدة في عام كامل و لاحتيج الي آلات و حركة و علاج و كلام فصار ياتي منه في ايام قلائل من الربيع ما يملا الجبال و السهل و بقاع الارض كلها بلا حركة و لا كلام الا بالارادة النافذة في كل شي‏ء و الامر المطاع و اعرف مع ذلك العلة في تلك العروق الدقاق فانها جعلت تتخلل الورقة باسرها لتسقيها و توصل الماء اليها بمنزلة العروق المبثوثة في

 

«* توحيد مفضل صفحه 137 *»

البدن لتوصل الغذاء الي كل جزء منه و في الغلاظ منها معني آخر فانها تمسك الورقة بصلابتها و متانتها لئلاتنهتك و تتمزق فتري الورقة شبيهة بورقة معمولة بالصنعة من خرق قد جعلت فيها عيدان ممدودة في طولها و عرضها لتتماسك فلاتضطرب فالصناعة تحكي الخلقة و ان كانت لاتدركها علي الحقيقة.

فكر في هذا العجم و النوي و العلة فيه فانه جعل في جوف الثمرة ليقوم مقام الغرس ان عاق دون الغرس عائق كما يحرز الشي‏ء النفيس الذي تعظم الحاجة اليه في مواضع اخر فان حدث علي الذي في بعض المواضع منه حادث وجد في موضع آخر ثم هو بعد يمسك بصلابته رخاوة الثمار و رقتها و لولا ذلك لتشدخت و تفسخت و اسرع اليها الفساد و بعضه يوكل و يستخرج دهنه فيستعمل منه ضروب من المصالح و قد تبين لك موضع الارب في العجم و النوي فكر

 

«* توحيد مفضل صفحه 138 *»

الآن في هذا الذي تجده فوق النواة من الرطبة و فوق العجم من العنبة فما العلة فيه و لماذا يخرج في هذه الهيئة و قد كان يمكن ان‏يكون مكان ذلك ما ليس فيه مأكل كمثل ما يكون في السدر و الدلب و ما اشبه ذلك فلم صار يخرج فوقه هذه المطاعم اللذيذة الا ليستمتع بها الانسان.

فكر في ضروب من التدبير في الشجر فانك تراه يموت في كل سنة موتة فيحتبس الحرارة الغريزية في عوده و يتولد فيه مواد الثمار ثم تحيي و تنتشر فتاتيك بهذه الفواكه نوعا بعد نوع كما تقدم اليك انواع الاطبخة التي تعالج بالايدي واحدا بعد واحد فتري الاغصان في الشجر تتلقاك بثمارها حتي كأنها تناولكها عن يد و تري الرياحين تتلقاك في افنانها كأنها تجيئك بانفسها فلمن هذا التقدير الا لمقدر حكيم و ما العلة فيه الا تفكيه الانسان بهذه الثمار و الانوار و العجب من

 

«* توحيد مفضل صفحه 139 *»

اناس جعلوا مكان الشكر علي النعمة جحود المنعم بها.

اعتبر بخلق الرمانة و ما تري فيها من اثر العمد و التدبير فانك تري فيها كامثال التلال من شحم مركوم في نواحيها و حب مرصوف صفا كنحو ما ينضد بالايدي و تري الحب مقسوما اقساما و كل قسم منها ملفوفا بلفائف من حجب منسوجة اعجب النسج و الطفه و قشره يضم ذلك كله فمن التدبير في هذه الصنعة انه لم‏يكن يجوز ان‏يكون حشو الرمانة من الحب وحده و ذلك ان الحب لايمد بعضه بعضا فجعل ذلك الشحم خلال الحب ليمده بالغذاء الاتري ان اصول الحب مركوزة في ذلك الشحم ثم لف بتلك اللفائف لتضمه و تمسكه فلايضطرب و غشي فوق ذلك بالقشرة المستحصفة ليصونه و يحصنه من الآفات و هي وصف الرمانة و فيه اكثر من هذا لمن اراد الاطناب و التذرع في الكلام و لكن فيما ذكرت لك

 

«* توحيد مفضل صفحه 140 *»

كفاية في الدلالة و الاعتبار.

فكر يا مفضل في حمل اليقطين الضعيف مثل هذه الثمار الثقيلة من الدباء و القثاء و البطيخ و ما في ذلك من التدبير و الحكمة فانه حين قدر ان‏يحتمل مثل هذه الثمار جعل نباته منبسطا علي الارض و لو كان ينتصب قائما كما ينتصب الزرع و الشجر لما استطاع ان‏يحمل مثل هذه الثمار الثقيلة و لينقصف قبل ادراكها و انتهائها الي غايتها فانظر كيف صار يمتد علي وجه الارض ليلقي عليها ثماره فتحملها عنه فتري الاصل من القرع و البطيخ مفترشا للارض و ثماره مبثوثة عليها و حواليه كأنه هرة ممتدة و قد اكتنفتها اجراؤها لترضع منها.

و انظر كيف صارت الاصناف توافي في الوقت المشاكل لها من حمارة الصيف و وقدة الحر فتلقاها النفوس بانشراح و تشوق اليها و لو كانت توافي في الشتاء لوافقت من الناس كراهة

 

«* توحيد مفضل صفحه 141 *»

لها و اقشعرارا منها مع ما يكون فيها من المضرة للابدان الاتري انه ربما ادرك شي‏ء من الخيار في الشتاء فيمتنع الناس من اكله الا الشرِه الذي لايمتنع من اكل ما يضره و ليستوخم معدته.

فكر يا مفضل في النخل فانه لما صار فيه اناث يحتاج الي التلقيح جعلت فيه ذكورة للقاح من غير غراس فصار الذكر من النخل بمنزلة الذكر من الحيوان الذي يلقح الاناث لتحمل و هو لايحمل. تامل خلقة الجذع كيف هو فانك تراه كالمنسوج نسجا من غير خيوط ممدودة كالسدي و اخري معه معترضة كاللحمة كنحو ما ينسج بالايدي و ذلك ليشتد و يصلب و لاينقصف من حمل القنوان الثقيلة و هز الرياح العواصف اذا صار نخلة و ليتهيا للسقوف و الجسور و غير ذلك مما يتخذ منه اذا صار جذعا و كذلك تري الخشب مثل النسج فانك تري بعضه مداخلا بعضه بعضا طولا و عرضا

 

«* توحيد مفضل صفحه 142 *»

كتداخل اجزاء اللحم و فيه مع ذلك متانة ليصلح لما يتخذ منه من الآلات فانه لو كان مستحصفا كالحجارة لم‏يمكن ان‏يستعمل في السقوف و غير ذلك مما يستعمل فيه الخشبة كالابواب و الاسرة و التوابيت و ما اشبه ذلك و من جسيم المصالح في الخشب انه يطفو علي الماء فكل الناس يعرف هذا منه و ليس كلهم يعرف جلالة الامر فيه فلولا هذه الخلة كيف كانت هذه السفن و الاظراف تحمل امثال الجبال من الحمولة و اني كان ينال الناس هذا الوفق و خفة المونة في حمل التجارات من بلد الي بلد و كانت تعظم المونة عليهم في حملها حتي يلقي كثير مما يحتاج اليه في بعض البلدان مفقودا اصلاً او عسر وجوده.

فكر في هذه العقاقير و ما خص بها كل واحد منها من العمل في بعض الادواء فهذا يغور في المفاصل فيستخرج

 

«* توحيد مفضل صفحه 143 *»

الفضول الغليظة مثل الشيطرج و هذا ينزف المرة السوداء مثل الافتيمون و هذا ينفي الرياح مثل السكبينج و هذا يحلل الاورام و اشباه هذا من افعالها فمن جعل هذه القوي فيها الا من خلقها للمنفعة و من فطن الناس بها الا من جعل هذا فيها و متي كان يوقف علي هذا منها بالعرض و الاتفاق كما قال قائلون وهب الانسان فطن لهذه الاشياء بذهنه و لطيف رويته و تجاربه فالبهائم كيف فطنت لها حتي صار بعض السباع يتداوي من جراحه ان اصابته ببعض العقاقير فيبرا و بعض الطير يحتقن من الحصر يصيبه بماء البحر فيسلم و اشباه هذا كثير و لعلك تشكك في هذا النبات النابت في‏الصحاري و البراري حيث لا انس و لا انيس فتظن انه فضل لا حاجة اليه و ليس كذلك بل هو طعم لهذه الوحوش و حبه علف للطير و عوده و افنانه حطب فيستعمله الناس و فيه بعد

 

«* توحيد مفضل صفحه 144 *»

اشياء تعالج بها الابدان و اخري تدبغ بها الجلود و اخري تصبغ به الامتعة و اشباه هذا من المصالح الست تعلم ان اخس النبات و احقره هذا البردي و ما اشبهها ففيها مع هذا من ضروب المنافع فقد يتخذ من البردي القراطيس التي يحتاج اليها الملوك و السوقة و الحُصُر التي يستعملها كل صنف من الناس و ليعمل منه الغلف التي يوقي بها الاواني و يجعل حشوا بين الظروف في الاسفاط لكيلاتعيب و تنكسر و اشباه هذا من المنافع فاعتبر بما تري من ضروب المآرب في صغير الخلق و كبيره و بما له قيمة و ما لا قيمة له و اخس من هذا و احقره الزبل و العذرة التي اجتمعت فيها الخساسة و النجاسة معا و موقعها من الزروع و البقول و الخضر اجمع الموقع الذي لايعدله شي‏ء حتي ان كل شي‏ء من الخضر لايصلح و لايزكو الا بالزبل و السماد الذي يستقذره الناس و يكرهون الدنو

 

«* توحيد مفضل صفحه 145 *»

منه و اعلم انه ليس منزلة الشي‏ء علي حسب قيمته بل هما قيمتان مختلفتان بسوقين و ربما كان الخسيس في سوق المكتسب نفيسا في سوق العلم فلاتستصغر العبرة في الشي‏ء لصغر قيمته فلو فطن طالبوا الكيمياء لما في العذرة لاشتروها بانفس الاثمان و غالوا بها قال المفضل و حان وقت الزوال فقام مولاي الي الصلاة و قال بكر الي غدا ان‏شاءاللَّه تعالي فانصرفت و قد تضاعف سروري بما عرفنيه مبتهجا بما آتانيه حامدا للَّه علي ما منحنيه فبت ليلتي مسرورا.

 

«* توحيد مفضل صفحه 146 *»

 

 

 

المجلس الرابع

 

 

«* توحيد مفضل صفحه 147 *»

قال المفضل فلما كان اليوم الرابع بكرت الي مولاي فاستوذن لي فامرني بالجلوس فجلست فقال7 منا التحميد و التسبيح و التعظيم و التقديس للاسم الاقدم و النور الاعظم العلي العلام ذي الجلال و الاكرام و منشئ الانام و مفني العوالم و الدهور و صاحب السر المستور و الغيب المحظور و الاسم المخزون و العلم المكنون و صلواته و بركاته علي مبلغ وحيه و مؤدي رسالته الذي ابتعثه بشيرا و نذيرا و داعيا الي اللَّه باذنه و سراجا منيرا ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة فعليه و علي آله من بارئه الصلوات الطيبات و التحيات الزاكيات الناميات و عليه و عليهم السلام و الرحمة و البركات في الماضين و الغابرين ابد الآبدين و دهر الداهرين و هم اهله و مستحقه.

قد شرحت لك يا مفضل من الادلة علي الخلق و

 

«* توحيد مفضل صفحه 148 *»

الشواهد علي صواب التدبير و العمد في الانسان و الحيوان و النبات و الشجر و غير ذلك ما فيه عبرة لمن اعتبر و انا اشرح لك الآن الآفات الحادثة في بعض الازمان التي اتخذها اناس من الجهال ذريعة الي جحود الخلق و الخالق و العمد و التدبير و ما انكرت المعطلة و المنانية من المكاره و المصائب و ما انكروه من الموت و الفناء و ما قاله اصحاب الطبائع و من زعم ان كون الاشياء بالعرض و الاتفاق ليتسع ذلك القول في‏الرد عليهم قاتلهم اللَّه اني يؤفكون.

اتخذ اناس من الجهال هذه الآفات الحادثة في بعض الازمان كمثل الوباء و اليرقان و البرد و الجراد ذريعة الي جحود الخلق و التدبير و الخالق فيقال في جواب ذلك انه ان لم‏يكن خالق و مدبر فلم لايكون ما هو اكثر من هذا و افظع فمن ذلك ان‏يسقط السماء علي الارض و تهوي الارض

 

«* توحيد مفضل صفحه 149 *»

فتذهب سفلا و تتخلف الشمس عن الطلوع اصلا و تجف الانهار و العيون حتي لايوجد ماء للشفة و تركد الريح حتي تحمّ الاشياء و تفسد و يفيض ماء البحر علي الارض فيغرقها ثم هذه الآفات التي ذكرناها من الوباء و الجراد و ما اشبه ذلك مابالها لاتدوم و تمتد حتي تجتاح كل ما في العالم بل تحدث في الاحايين ثم لاتلبث ان‏ترفع افلاتري ان العالم يصان و يحفظ من تلك الاحداث الجليلة التي لو حدث عليه شي‏ء منها كان فيه بواره و يلذع احيانا بهذه الآفات اليسيرة لتاديب الناس و تقويمهم ثم لاتدوم هذه الآفات بل تكشف عنهم عند القنوط منهم فتكون وقوعها بهم موعظة و كشفها عنهم رحمة و قد انكرت المعطلة ما انكرت المنانية من المكاره و المصائب التي تصيب الناس فكلاهما يقول ان كان للعالم خالق رءوف رحيم فلم يحدث فيه هذه الامور المكروهة و

 

«* توحيد مفضل صفحه 150 *»

القائل بهذا القول يذهب به الي انه ينبغي ان‏يكون عيش الانسان في هذه الدنيا صافيا من كل كدر و لو كان هكذا كان الانسان سيخرج من الاشر و العتو الي ما لايصلح في دين و دنيا كالذي تري كثيرا من المترفين و من نشا في الجدة و الامن يخرجون اليه حتي ان احدهم ينسي انه بشر او انه مربوب او ان ضررا يمسه او ان مكروها ينزل به او انه يجب عليه ان‏يرحم ضعيفا او يواسي فقيرا او يرثي لمبتلي او يتحنن علي ضعيف او يتعطف علي مكروب فاذا عضّته المكاره و وجد مضضها اتعظ و ابصر كثيرا مما كان جهله و غفل عنه و رجع الي كثير مما كان يجب عليه و المنكرون لهذه الامور الموذية بمنزلة الصبيان الذين يذمون الادوية المرة البشعة و يتسخطون من المنع من الاطعمة الضارة و يتكرهون الادب و العمل و يحبون ان‏يتفرغوا لللهو و البطالة و ينالوا كل مطعم و

 

«* توحيد مفضل صفحه 151 *»

مشرب و لايعرفون ما توديهم اليه البطالة من سوء النشوء و العادة و ما تعقبهم الاطعمة اللذيذة الضارة من الادواء و الاسقام و ما لهم في الادب من الصلاح و في الادوية من المنفعة و ان شاب ذلك بعض الكراهة فان قالوا و لم لم‏يكن الانسان معصوما من المساوي حتي لايحتاج الي ان تلذعه هذه المكاره قيل اذا كان يكون غيرمحمود علي حسنة ياتيها و لا مستحق للثواب عليها فان قالوا و ما كان يضره ان لايكون محمودا علي الحسنات مستحقا للثواب بعد ان‏يصير الي غاية النعيم و اللذة قيل لهم اعرضوا علي امرئ صحيح الجسم و العقل ان‏يجلس منعما و يكفي كل‏ما يحتاج اليه بلا سعي و لا استحقاق فانظر هل تقبل نفسه ذلك بل ستجدونه بالقليل مما يناله بالسعي و الحركة اشد اغتباطا و سرورا منه بالكثير مما يناله بغير الاستحقاق و كذلك نعيم الآخرة ايضا

 

«* توحيد مفضل صفحه 152 *»

يكمل لاهله بان‏ينالوه بالسعي فيه و الاستحقاق له فالنعمة علي الانسان في هذا الباب مضاعفة بأن اعد له الثواب الجزيل علي سعيه في هذه الدنيا و جعل له السبيل الي ان‏ينال ذلك بسعي و استحقاق فيكمل له السرور و الاغتباط بما يناله منه فان قالوا أو ليس قد يكون من الناس من يركن الي ما نال من خير و ان كان لايستحقه فما الحجة في منع من رضي ان‏ينال نعيم الآخرة علي هذه الجملة قيل لهم ان هذا باب لو صح للناس لخرجوا الي غاية الكلب و الضراوة علي الفواحش و انتهاك المحارم فمن كان يكف نفسه عن فاحشة او يتحمل المشقة في باب من ابواب البر لو وثق بانه صائر الي النعيم لامحالة او من كان يامن علي نفسه و اهله و ماله من الناس لو لم‏يخف الحساب و العقاب فكان ضرر هذا الباب سينال الناس في هذه الدنيا قبل الآخرة فيكون في ذلك تعطيل

 

«* توحيد مفضل صفحه 153 *»

العدل و الحكمة معا و موضع للطعن علي التدبير بخلاف الصواب و وضع الامور غير مواضعها و قد يتعلق هولاء بالآفات التي تصيب الناس فتعم البر و الفاجر او يبتلي بها البر و يسلم الفاجر منها فقالوا كيف يجوز هذا في تدبير الحكيم و ما الحجة فيه فيقال لهم ان هذه الآفات و ان كانت تنال الصالح و الطالح جميعا فان اللَّه جعل ذلك صلاحا للصنفين كليهما اما الصالحون فان الذي يصيبهم من هذا يذكرهم نعم ربهم عندهم في سالف ايامهم فيحدوهم ذلك علي الشكر و الصبر و اما الطالحون فان مثل هذا اذا نالهم كسر شرتهم و ردعهم عن المعاصي و الفواحش و كذلك يجعل لمن سلم منهم من الصنفين صلاحا في ذلك اما الابرار فانهم يغتبطون بما هم عليه من البر و الصلاح و يزدادون فيه رغبة و بصيرة و اما الفجار فانهم يعرفون رافة ربهم و تطوله عليهم

 

«* توحيد مفضل صفحه 154 *»

بالسلامة من غير استحقاق فيحضهم ذلك علي الرافة بالناس و الصفح عمن اساء اليهم و لعل قائلا يقول ان هذه الآفات التي تصيب الناس في اموالهم فما قولك فيما يبتلون به في ابدانهم فيكون فيه تلفهم كمثل الحرق و الغرق و السيل و الخسف فيقال له ان اللَّه جعل في هذا ايضا صلاحا للصنفين جميعا اما الابرار فلما لهم في مفارقة هذه الدنيا من الراحة من تكاليفها و النجاة من مكارهها و اما الفجار فلما لهم في ذلك من تمحيص اوزارهم و حبسهم عن الازدياد منها و جملة القول ان الخالق تعالي ذكره بحكمته و قدرته قد يصرف هذه الامور كلها الي الخير و المنفعة فكما انه اذا قطعت الريح شجرة او قطعت نخلة اخذها الصانع الرفيق و استعملها في ضروب من المنافع فكذلك يفعل المدبر الحكيم في الآفات التي تنزل بالناس في ابدانهم و اموالهم فيصيرها جميعا الي الخيرة و

 

«* توحيد مفضل صفحه 155 *»

المنفعة فان قال و لم‏يحدث علي الناس قيل له لكيلايركنوا الي المعاصي من طول السلامة فيبالغ الفاجر في ركوب المعاصي و يفتر الصالح عن الاجتهاد في البر فان هذين الامرين جميعا يغلبان علي الناس في حال الخفض و الدعة و هذه الحوادث التي تحدث عليهم تردعهم و تنبههم علي ما فيه رشدهم فلو اخلوا منها لعلوا في الطغيان و المعصية كما علا الناس في اول الزمان حتي وجب عليهم البوار بالطوفان و تطهير الارض منهم.

و مما ينتقده الجاحدون للعمد و التقدير الموت و الفناء فانهم يذهبون الي انه ينبغي ان‏يكون الناس مخلدين في هذه الدنيا مبرءين من الآفات فينبغي ان‏يساق هذا الامر الي غايته فينظر ما محصوله افرايت لو كان كل من دخل العالم و يدخله يبقون و لايموت احد منهم الم‏تكن الارض تضيق بهم حتي تعوزهم المساكن و المزارع و المعاش فانهم و الموت

 

«* توحيد مفضل صفحه 156 *»

يفنيهم اولا اولا يتنافسون في المساكن و المزارع حتي ينشب بينهم في ذلك الحروب و يسفك فيهم الدماء فكيف كانت تكون حالهم لو كانوا يولدون و لايموتون و كان يغلب عليهم الحرص و الشره و قساوة القلوب فلو وثقوا بانهم لايموتون لما قنع الواحد منهم بشي‏ء ينال و لاافرج لاحد عن شي‏ء يسأله و لا سلا عن شي‏ء مما يحدث عليه ثم كانوا يملون الحياة و كل شي‏ء من امور الدنيا كما قد يمل الحياة من طال عمره حتي يتمني الموت و الراحة من الدنيا فان قالوا انه كان ينبغي انه يرفع عنهم المكاره و الاوصاب حتي لايتمنوا الموت و لايشتاقوا اليه فقد وصفنا ما كان يخرجهم اليه من العتو و الاشر الحامل لهم علي ما فيه فساد الدين و الدنيا و ان قالوا انه كان ينبغي ان لايتوالدوا كيلاتضيق عنهم المساكن و المعايش قيل لهم اذا كان يحرم اكثر هذا الخلق دخول العالم و

 

«* توحيد مفضل صفحه 157 *»

الاستمتاع بنعم اللَّه و مواهبه في الدارين جميعا اذا لم‏يدخل العالم الا قرن واحد لايتوالدون و لايتناسلون فان قالوا انه كان ينبغي ان‏يخلق في ذلك القرن الواحد من الناس مثل ما خلق و يخلق الي انقضاء العالم يقال لهم رجع الامر الي ما ذكرنا من ضيق المساكن و المعاش عنهم ثم لو كانوا لايتوالدون و لايتناسلون لذهب موضع الانس بالقرابات و ذوي الارحام و الانتصار بهم عند الشدائد و موضع تربية الاولاد و السرور بهم ففي هذا دليل علي ان كل‏ما تذهب اليه الاوهام سوي ما جري به التدبير خطأ و سفه من الراي و القول.

و لعل طاعنا يطعن علي التدبير من جهة اخري فيقول كيف يكون ههنا تدبير و نحن نري الناس في هذه الدنيا من عز بز فالقوي يظلم و يغصب و الضعيف يظلم و يسأم الخسف و الصالح فقير مبتلي و الفاسق معافي موسع عليه و

 

«* توحيد مفضل صفحه 158 *»

من ركب فاحشة او انتهك محرما لم‏يعاجل بالعقوبة فلو كان في العالم تدبير لجرت الامور علي القياس القائم فكان الصالح هو المرزوق و الطالح هو المحروم و كان القوي يمنع من ظلم الضعيف و المتهتك للمحارم يعاجل بالعقوبة فيقال في جواب ذلك ان هذا لو كان هكذا لذهب موضع الاحسان الذي فضل به الانسان علي غيره من الخلق و حمل النفس علي البر و العمل الصالح احتسابا للثواب و ثقة بما وعد اللَّه منه و لصار الناس بمنزلة الدواب التي تساس بالعصا و العلف و يلمع لها بكل واحد منهما ساعة فساعة فتستقيم علي ذلك و لم‏يكن احد يعمل علي يقين بثواب او عقاب حتي كان هذا يخرجهم عن حد الانسية الي حد البهائم ثم لايعرف ما غاب و لايعمل الا علي الحاضر و كان يحدث من هذا ايضا ان‏يكون الصالح انما يعمل الصالحات للرزق و السعة في هذه الدنيا و يكون

 

* توحيد مفضل صفحه 159 *»

الممتنع من الظلم و الفواحش انما يعف عن ذلك لترقب عقوبة تنزل به من ساعته حتي يكون افعال الناس كلها تجري علي الحاضر لايشوبها شي‏ء من اليقين بما عند اللَّه و لايستحقون ثواب الآخرة و النعيم الدائم فيها مع ان هذه الامور التي ذكرها الطاعن من الغني و الفقر و العافية و البلاء ليست بجارية علي خلاف قياسه بل قد تجري علي ذلك احيانا و الامر المفهوم فقد تري كثيرا من الصالحين يرزقون المال لضروب من التدبير و كيلايسبق الي قلوب الناس ان الكفار هم المرزوقون و الابرار هم المحرومون فيوثرون الفسق علي الصلاح و تري كثيرا من الفساق يعاجلون بالعقوبة اذا تفاقم طغيانهم و عظم ضررهم علي الناس و علي انفسهم كما عوجل فرعون بالغرق و بخت‏نصر بالتيه و بلبيس بالقتل و ان امهل بعض الاشرار بالعقوبة و اخر بعض الاخيار بالثواب الي

 

«* توحيد مفضل صفحه 160 *»

الدار الآخرة لاسباب تخفي علي العباد لم‏يكن هذا مما يبطل التدبير فان مثل هذا قد يكون من ملوك الارض و لايبطل تدبيرهم بل يكون تاخيرهم ما اخروه و تعجيلهم ما عجلوه داخلا في صواب الراي و التدبير و اذا كانت الشواهد تشهد و قياسهم يوجب ان للاشياء خالقا حكيما قادرا فما يمنعه ان‏يدبر خلقه فانه لايصح في قياسهم ان‏يكون الصانع يهمل صنعته الا باحدي ثلاث خلال اما عجز و اما جهل و اما شرارة و كل هذا محال في صنعته عز و جل و تعالي ذكره و ذلك ان العاجز لايستطيع ان‏ياتي بهذه الخلائق الجليلة العجيبة و الجاهل لايهتدي لما فيها من الصواب و الحكمة و الشرير لايتطاول لخلقها و انشائها و اذا كان هذا هكذا وجب ان‏يكون الخالق لهذه الخلائق يدبرها لامحالة و ان كان لاتدرك كنه ذلك التدبير و مخارجه فان كثيرا من تدبير الملوك لاتفهمه

 

«* توحيد مفضل صفحه 161 *»

العامة و لاتعرف اسبابه لانها لاتعرف دخلة امر الملوك و اسرارهم فاذا عرف سببه وجد قائما علي الصواب و الشاهد المحنة و لو شككت في بعض الادوية و الاطعمة فيتبين لك من جهتين او ثلاث انه حار او بارد الم‏تكن ستقضي عليه بذلك و تنفي الشك فيه عن نفسك فما بال هولاء الجهلة لايقضون علي العالم بالخالق و التدبير مع هذه الشواهد الكثيرة و اكثر منها ما لايحصي كثرة و لو كان نصف العالم و ما فيه مشكلا صوابه لما كان من حزم الراي و سمت الادب ان‏يقضي علي العالم بالاهمال لانه كان في النصف الآخر و ما يظهر فيه من الصواب و اتقان ما يردع الوهم عن التسرع الي هذه القضية فكيف و كل ما كان فيه اذا فتش وجد علي غاية الصواب حتي لايخطر بالبال شي‏ء الا وجد ما عليه الخلقة اصح و اصوب منه.

 

«* توحيد مفضل صفحه 162 *»

و اعلم يا مفضل ان اسم هذا العالم بلسان اليونانية الجاري المعروف عندهم قوسموس و تفسيره الزينة و كذلك سمته الفلاسفة و من ادعي الحكمة أ فكانوا يسمونه بهذا الاسم الا لما راوا فيه من التقدير و النظام فلم‏يرضوا ان‏يسموه تقديرا و نظاما حتي سموه زينة ليخبروا انه مع ما هو عليه من الصواب و الاتقان علي غاية الحسن و البهاء.

اعجب يا مفضل من قوم لايقضون علي صناعة الطب بالخطا و هم يرون الطبيب يخطي و يقضون علي العالم بالاهمال و لايرون شيئا منه مهملا بل اعجب من اخلاق من ادعي الحكمة حتي جهلوا مواضعها في الخلق فارسلوا السنتهم بالذم للخالق جل و علا بل العجب من المخذول ماني حين ادعي علم الاسرار و عمي عن دلائل الحكمة في‏الخلق حتي نسبه الي الخطا و نسب خالقه الي الجهل تبارك الحليم الكريم.

 

«* توحيد مفضل صفحه 163 *»

و اعجب منهم جميعا المعطلة الذين راموا ان‏يدركوا بالحس ما لايدرك بالعقل فلما اعوزهم ذلك خرجوا الي الجحود و التكذيب فقالوا و لم لايدرك بالعقل قيل لانه فوق مرتبة العقل كما لايدرك البصر ما هو فوق مرتبته فانك لو رايت حجرا يرتفع في الهواء علمت ان راميا رمي به فليس هذا العلم من قبل البصر بل من قبل العقل لان العقل هو الذي يميزه فيعلم ان الحجر لايذهب علوا من تلقاء نفسه افلاتري كيف وقف البصر علي حده فلم‏يتجاوزه فكذلك يقف العقل علي حده من معرفة الخالق فلايعدوه و لكن يعقله بعقل اقر ان فيه نفسا و لم‏يعاينها و لم‏يدركها بحاسة من الحواس.

و علي حسب هذا ايضا نقول ان العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الاقرار و لايعرفه بما يوجب له الاحاطة بصفته فان قالوا فكيف يكلف العبد الضعيف معرفته بالعقل

 

«* توحيد مفضل صفحه 164 *»

اللطيف و لايحيط به قيل لهم انما كلف العباد من ذلك ما في طاقتهم ان‏يبلغوه و هو ان‏يوقنوا به و يقفوا عند امره و نهيه و لم‏يكلفوا الاحاطة بصفته كما ان الملك لايكلف رعيته ان‏يعلموا أ طويل هو ام قصير و ابيض هو ام اسمر و انما يكلفهم الاذعان لسلطانه و الانتهاء الي امره الاتري ان رجلا لو اتي باب الملك فقال اعرض علي نفسك حتي اتقصي معرفتك و الا لم‏اسمع لك كان قد احل نفسه بالعقوبة فكذا القائل انه لايقر بالخالق سبحانه حتي يحيط بكنهه متعرضا لسخطه فان قالوا أ و ليس قد نصفه فنقول هو العزيز الحكيم الجواد الكريم قيل لهم كل هذه صفات اقرار و ليست صفات احاطة فانا نعلم انه حكيم و لانعلم بكنه ذلك منه و كذلك قدير و جواد و سائر صفاته كما قد نري السماء و لاندري ما جوهرها و نري البحر و لاندري اين منتهاه بل فوق هذا

 

«* توحيد مفضل صفحه 165 *»

المثال بما لانهاية له و لان الامثال كلها تقصر عنه و لكنها تقود العقل الي معرفته فان قالوا و لم‏يختلف فيه قيل لهم لقصر الاوهام عن مدي عظمته و تعديها اقدارها في طلب معرفته و انها تروم الاحاطة به و هي تعجز عن ذلك و ما دونه.

فمن ذلك هذه الشمس التي تراها تطلع علي العالم و لايوقف علي حقيقة امرها و لذلك كثرت الاقاويل فيها و اختلفت الفلاسفة المذكورون في وصفها فقال بعضهم هو فلك اجوف مملوّ نارا له فم يجيش بهذا الوهج و الشعاع و قال آخرون هو سحابة و قال آخرون هو جسم زجاجي يقبل نارية في العالم و يرسل عليه شعاعها و قال آخرون هو صفو لطيف ينعقد ماء البحر و قال آخرون هو اجزاء كثيرة مجتمعة من النار و قال آخرون هو من جوهر خامس سوي الجواهر الاربع ثم اختلفوا في شكلها فقال بعضهم هي بمنزلة صفيحة

 

«* توحيد مفضل صفحه 166 *»

عريضة و قال آخرون هي كالكرة المدحرجة و كذلك اختلفوا في مقدارها فزعم بعضهم انها مثل الارض سواء و قال آخرون بل هي اقل من ذلك و قال آخرون هي اعظم من الجزيرة العظيمة و قال اصحاب الهندسة هي اضعاف الارض مائة و سبعين مرة ففي اختلاف هذه الاقاويل منهم في‏الشمس دليل علي انهم لم‏يقفوا علي الحقيقة من امرها و اذا كانت هذه الشمس التي يقع عليها البصر و يدركها الحس قد عجزت العقول عن الوقوف علي حقيقتها فكيف ما لطف عن الحس و استتر عن الوهم فان قالوا و لم استتر قيل لهم لم‏يستتر بحيلة يخلص اليها كمن يحتجب من الناس بالابواب و الستور و انما معني قولنا استتر انه لطف عن مدي ما تبلغه الاوهام كما لطفت النفس و هي خلق من خلقه و ارتفعت عن ادراكها بالنظر فان قالوا و لم لطف و تعالي عن ذلك علوا كبيرا كان

 

«* توحيد مفضل صفحه 167 *»

ذلك خطا من القول لانه لايليق بالذي هو خالق كل شي‏ء الا ان يكون مباينا لكل شي‏ء متعاليا عن كل شي‏ء سبحانه و تعالي.

فان قالوا كيف يعقل ان‏يكون مباينا لكل شي‏ء متعاليا عن كل شي‏ء قيل لهم الحق الذي تطلب معرفته من الاشياء هو اربعة اوجه فاولها ان‏ينظر أ موجود هو ام ليس بموجود و الثاني ان‏يعرف ما هو في ذاته و جوهره و الثالث ان‏يعرف كيف هو و ما صفته و الرابع ان‏يعلم لماذا هو و لأية علة فليس من هذه الوجوه شي‏ء يمكن المخلوق ان‏يعرفه من الخالق حق معرفته غير انه موجود فقط فاذا قلنا كيف و ما هو فممتنع علم كنهه و كمال المعرفة به و اما لماذا هو فساقط في صفة الخالق لانه جل ثناؤه علة كل شي‏ء و ليس شي‏ء بعلة له ثم ليس علم الانسان بانه موجود يوجب له ان‏يعلم ما هو كما ان علمه بوجود النفس لايوجب ان‏يعلم ما هي و كيف هي و

 

«* توحيد مفضل صفحه 168 *»

كذلك الامور الروحانية اللطيفة فان قالوا فانتم الآن تصفون من قصور العلم عنه وصفا حتي كأنه غيرمعلوم قيل لهم هو كذلك من جهة اذا رام العقل معرفة كنهه و الاحاطة به و هو من جهة اخري اقرب من كل قريب اذا استدل عليه بالدلائل الشافية فهو من جهة كالواضح لايخفي علي احد و هو من جهة كالغامض لايدركه احد و كذلك العقل ايضا ظاهر بشواهد و مستور بذاته.

فاما اصحاب الطبائع فقالوا ان الطبيعة لاتفعل شيئا لغير معني و لاتتجاوز عما فيه تمام الشي‏ء في طبيعته و زعموا ان الحكمة تشهد بذلك فقيل لهم فمن اعطي الطبيعة هذه الحكمة و الوقوف علي حدود الاشياء بلامجاوزة لها و هذا قد تعجز عنه العقول بعد طول التجارب فان اوجبوا للطبيعة الحكمة و القدرة علي مثل هذه الافعال فقد اقروا بما انكروا لان هذه

 

«* توحيد مفضل صفحه 169 *»

هي صفات الخالق و ان انكروا ان‏يكون هذا للطبيعة فهذا وجه الخلق يهتف بان الفعل لخالق‏الحكيم و قد كان من القدماء طائفة انكروا العمد و التدبير في الاشياء و زعموا ان كونها بالعرض و الاتفاق و كان مما احتجوا به هذه الآفات التي تلد غير مجري العرف و العادة كالانسان يولد ناقصا او زائدا اصبعا او يكون المولود مشوها مبدل الخلق فجعلوا هذا دليلا علي ان كون الاشياء ليس بعمد و تقدير بل بالعرض كيف ما اتفق ان‏يكون و قد كان ارسطاطاليس رد عليهم فقال ان الذي يكون بالعرض و الاتفاق انما هو شي‏ء ياتي في الفرط مرة لاعراض تعرض للطبيعة فتزيلها عن سبيلها و ليس بمنزلة الامور الطبيعية الجارية علي شكل واحد جريا دائما متتابعا و انت يا مفضل تري اصناف الحيوان ان‏يجري اكثر ذلك علي مثال و منهاج واحد كالانسان يولد و له يدان و

 

«* توحيد مفضل صفحه 170 *»

رجلا و خمس اصابع كما عليه الجمهور من الناس فاما ما يولد علي خلاف ذلك فانه لعلة تكون في الرحم او في المادة التي ينشا منها الجنين كما يعرض في الصناعات حين يتعمد الصانع الصواب في صنعته فيعوق دون ذلك عائق في الاداة او في الآلة التي يعمل فيها الشي‏ء فقد يحدث مثل ذلك في اولاد الحيوان للاسباب التي وصفنا فياتي الولد زائدا او ناقصا او مشوها و يسلم اكثرها فياتي سويا لا علة فيه فكما ان الذي يحدث في بعض الاعمال الاعراض لعلة فيه لاتوجب عليها جميعا الاهمال و عدم الصانع كذلك ما يحدث علي بعض الافعال الطبيعية لعائق يدخل عليها لايوجب ان‏يكون جميعها بالعرض و الاتفاق فقول من قال في الاشياء ان كونها بالعرض و الاتفاق من قبل ان شيئا منها ياتي علي خلاف الطبيعة يعرض له خطأ و خطل فان قالوا و لم صار مثل هذا

 

«* توحيد مفضل صفحه 171 *»

يحدث في الاشياء قيل لهم ليعلم انه ليس كون الاشياء باضطرار من الطبيعة و لايمكن ان‏يكون سواه كما قال قائلون بل هو تقدير و عمد من خالق حكيم اذ جعل الطبيعة تجري اكثر ذلك علي مجري و منهاج معروف و يزول احيانا عن ذلك لاعراض تعرض لها فيستدل بذلك علي انها مصرفة مدبرة فقيرة الي ابداء الخالق و قدرته في بلوغ غايتها و اتمام عملها تبارك اللَّه احسن الخالقين يا مفضل خذ ما آتيتك و احفظ ما منحتك و كن لربك من الشاكرين و لآلائه من الحامدين و لاوليائه من المطيعين فقد شرحت لك من الادلة علي الخلق و الشواهد علي صواب التدبير و العمد قليلا من كثير و جزء من كل فتدبره و فكر فيه و اعتبر به فقلت بمعونتك يا مولاي اقوي علي ذلك و ابلغه ان‏شاءاللَّه فوضع يده علي صدري فقال احفظ بمشية اللَّه و لاتنس ان‏شاءاللَّه

 

«* توحيد مفضل صفحه 172 *»

فخررت مغشياعلي فلما افقت قال كيف تري نفسك يا مفضل فقلت قد استغنيت بمعونة مولاي و تاييده عن الكتاب الذي كتبته و صار ذلك بين يدي كانما اقراه من كفي فلمولاي الحمد و الشكر كما هو اهله و مستحقه فقال يا مفضل فرغ قلبك و اجمع اليك ذهنك و عقلك و طمانينتك فسالقي اليك من علم ملكوت السماوات و الارض و ما خلق اللَّه بينهما و فيهما من عجائب خلقه و اصناف الملائكة و صفوفهم و مقاماتهم و مراتبهم الي سدرة المنتهي و سائر الخلق من الجن و الانس الي الارض السابعة السفلي و ما تحت الثري حتي يكون ما وعيته جزء من اجزاء انصرف اذا شئت مصاحبا مكلوء فانت منا بالمكان الرفيع و موضعك من قلوب المومنين موضع الماء من الصدي و لاتسالن عما وعدتك حتي احدث لك منه ذكرا قال المفضل فانصرفت من عند مولاي بما لم‏ينصرف احد بمثله.

 

«* توحيد مفضل صفحه 173 *»

 

 

 

بيانات

علامه مجلسي ;

 

 

 

«* توحيد مفضل صفحه 174 *»

تا صفحه‌ي 3

 

بيان: الحوز الجمع و كل من ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه و الحظوة بالضم و الكسر و الحاء المهملة و الظاء المعجمة المكانة و المنزلة و الفيلسوف العالم و خساء البصر أي كل و الناموس صاحب السر المطلع علي أمرك أو صاحب سر الخير و جبرئيل7 و الحاذق و من يلطف مدخله ذكرها الفيروزآبادي و مراده هنا الرب تعالي شأنه و خمل ذكره خفي و الخامل الساقط الذي لا نباهة له و قوله الذي يمشي به أي يذهب إلي دين محمد ص و غيره بسببه أو يهتدي به كقوله تعالي نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ و في بعض النسخ يسمي إما بالتشديد أي يذكر اسمه أو بالتخفيف أي يرتفع الناس به و يدعون الانتساب إليه‏

 

تا صفحه‏ي 5

 

بيان: و صدقك بالتخفيف أي قال لك صدقا لطيف حسك أي حسك اللطيف أي لم يلتبس علي حسك غرائب صنع الله فيك لمعاندتك للحق و في بعض النسخ حسنك فالمراد بصدق الحسن ظهور ما أخفي الله فيه منه علي الناظر و علي الوجهين يمكن أن يقرأ صدقك بالتشديد بتكلف لا يخفي علي المتأمل و الرزين الوقور و الرصين بالصاد المهملة الحكم الثابت و الخرق بالضم

 

«* توحيد مفضل صفحه 175 *»

ضد الرفق و النزق الطيش و الخفة عند الغضب و قوله استفرغنا لعله من الإفراغ بمعني الصب قال الفيروزآبادي استفرغ مجهوده بذل طاقته و الإدحاض الإبطال

تا صفحه‌ي 8

 

 بيان: أسناها أي أرفعها أو أضوؤها و المهيمن الأمين و المؤتمن و الشاهد

تا صفحه‌ي 11

 

بيان: قاتلهم الله أي قتلهم أو لعنهم أَنَّي يُؤْفَكُونَ كيف يصرفون عن الحق و قال الجوهري ظل يتذمر علي فلان إذا تنكر له و أوعده انتهي و غربت بمعني غابت و الإرب بالفتح و الكسر الحاجة و وصفه بالإحالة أي بأنه يستحيل أن يكون له خالق مدبر أو يستحيل أن يكون من فعله تعالي و المانوية فرقة من الثنوية أصحاب ماني الذي ظهر في زمان سابور بن أردشير و أحدث دينا بين المجوسية و النصرانية و كان يقول بنبوة المسيح علي نبينا و آله و عليه السلام و لا يقول بنبوة موسي علي نبينا و آله و عليه السلام و زعم أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور و الآخر ظلمة و هؤلاء ينسبون الخيرات إلي النور و الشرور إلي الظلمة و ينسبون خلق السباع و الموذيات و العقارب و الحيات إلي الظلمة فأشار7 إلي فساد وهمهم بأن هذا لجهلهم بمصالح هذه السباع و العقارب و الحيات التي يزعمون أنها من الشرور التي لا يليق بالحكيم

 

«* توحيد مفضل صفحه 176 *»

خلقها قوله7 المعللين أي الشاغلين أنفسهم عن طاعة ربهم بأمور يحكم العقل السليم باستحالته قال الفيروزآبادي علله بطعام و غيره تعليلا شغله به

تا صفحه‌ي 12

 

بيان: قال الفيروزآبادي نضد متاعه ينضده جعل بعضه فوق بعض فهو منضود انتهي و التخويل الإعطاء و التمليك قوله7 و أن الخالق له واحد أقول أشار7 بذلك إلي أقوي براهين التوحيد و هو أن ائتلاف أجزاء العالم و احتياج بعضها إلي بعض و انتظام بعضها ببعض يدل علي وحدة مدبرها كما أن ارتباط أجزاء الشخص بعضها ببعض و انتظام بعض أعضائه مع بعض يدل علي وحدة مدبره و قد قيل في تطبيق العالم الكبير علي العالم الصغير لطائف لا يسع المقام ذكرها و ربما يستدل عليه أيضا بما قد تقرر من أن المتلازمين إما أن يكون أحدهما علة للآخر أو هما معلولا علة ثالثة و سيأتي الكلام فيه في باب التوحيد

تا صفحه‌ي 14

 

بيان: الأديم الجلد و الطلق وجع الولادة و يقال أزعجه أي قلعه عن مكانه و يقال تلمظ إذا أخرج لسانه فمسح به شفتيه و تلمظت الحية إذا أخرجت لسانها كتلمظت الأكل و الإداوة بالكسر إناء صغير من جلد يتخذ

 

«* توحيد مفضل صفحه 177 *»

للماء و الطواحن الأضراس و يطلق الأضراس غالبا علي المآخير و الأسنان علي المقاديم كما هو الظاهر هنا و إن لم يفرق اللغويون بينهما و المراد بالطواحن هنا جميع الأسنان و الإساغة الأكل و الشرب بسهولة

تا صفحه‌ي 17

 

بيان: أ فرأيت أي أخبرني قال الزمخشري لما كانت مشاهدة الأشياء و رؤيتها طريقا إلي الإحاطة بها علما و صحة الخبر عنها استعملوا أ رأيت بمعني أخبر انتهي و يقال ذوي العود أي يبس و الموءود الذي دفن في الأرض حيا كما كان المشركون يفعلون في الجاهلية ببناتهم قوله7 أو يقيمه أي عدم طلوع الأسنان قوله7 ذلك بما قدمت أيديهم يحتمل أن يكون هذا لتعذيب الآباء و إن كان الأولاد يؤجرون لقباحة منظرهم أو للأولاد لما كان في علمه تعالي صدوره عنهم باختيارهم و يرصده أي يرقبه قوله7 فإن كان الإهمال أي إذا لم يكن الأشياء منوطة بأسبابها و لم ترتبط الأمور بعللها فكما جاز أن يحصل هذا الترتيب و النظام التام بلا سبب فجاز أن يصير التدبير في الأمور سببا لاختلالها و هذا خلاف ما يحكم به عقول كافة الخلق لما نري من سعيهم في تدبير الأمور و ذمهم من يأتي بها علي غير تأمل و روية و يحتمل أن يكون المراد أن الوجدان يحكم بتضاد آثار الأمور المتضادة و ربما أمكن إقامة البرهان عليه أيضا فإذا أتي الإهمال بالصواب

 

«* توحيد مفضل صفحه 178 *»

يجب أن يأتي ضده و هو التدبير بالخطإ و هذا أفظع و أشنع و المراد بالمحال الأمر الباطل الذي لم يأت علي وجهه الذي ينبغي أن يكون عليه قال الفيروزآبادي المحال من الكلام بالضم ما عدل عن وجهه انتهي و التيه الضلال و الحيرة و الغضاضة بالفتح الذلة و المنقصة و قوله7 معصبا أي مشدودا و التسجية التغطية بثوب يمد عليه و الغبي علي فعيل قليل الفطنة و الاعتبار من العبرة و ذكر في مقابله السهو و الغفلة و قوله ما قدر و ما يوجب كلاهما معطوفان علي موضع و قوله من المكلفات بيان لما يوجب أي لذهب التكاليف المتعلقة بالأولاد بأن يبروا آباءهم و يعطفوا عليهم عند حاجة الآباء إلي تربيتهم و إعانتهم لكبرهم و ضعفهم جزاء لما قاسوا من الشدائد في تربيتهم قوله أن يري خبر لقوله أقل ما في ذلك

 

تا صفحه‌ي 19

 

بيان: الدءوب الجد و التعب و التوخي التحري و القصد و قوله7 كل ما لا يعرفه أي مما لا يقصر عنه علم المخلوقين و يقال أبطل أي جاء بالباطل

تا صفحه‌ي 20

 

ايضاح: قوله7 فما يمنعهم لعل المراد أنهم إذا قالوا بذلك فقد أثبتوا

 

«* توحيد مفضل صفحه 179 *»

الصانع فلم يسمونه بالطبيعة و هي ليست بذات علم و إرادة و قدرة قوله7 علم أن هذا الفعل أي ظاهر بطلان هذا الزعم و الذي صار سببا لذهولهم أن الله تعالي أجري عادته بأن يخلق الأشياء بأسبابها فذهبوا إلي استقلال تلك الأسباب في ذلك و بعبارة أخري إن سنة الله و عادته قد جرت لحكم كثيرة أن تكون الأشياء بحسب بادئ النظر مستندة إلي غيره تعالي ثم يعلم بعد الاعتبار و التفكر أن الكل مستند إلي قدرته و تأثيره تعالي و إنما هذه الأشياء وسائل و شرائط لذلك فلذا تحيروا في الصانع تعالي فالضمير المنصوب في قوله أجراها راجع إلي السنة و ضمير عليه راجع إلي الموصول

تا صفحه‌ي 22

 

بيان: قال الفيروزآبادي وشجت العروق و الأغصان اشتبكت و قال نكا القرحة كمنع قشرها قبل أن تبرأ فنديت انتهي و المفايض في بعض النسخ بالفاء أي مجاري من فاض الماء و في بعضها بالغين من غاض الماء غيضا أي نضب و ذهب في الأرض و المغيض المكان الذي يغيض فيه و إلي في قوله إلي ما في تركيب بمعني مع و قال الفيروزآبادي الغضروف كل عظم رخو يؤكل و هو مارن الأنف و بعض الكتف و رءوس الأضلاع و رهابة الصدر و داخل فوق الأذن انتهي و قوله تتزايد و لا تنقص أي النسبة بين الأعضاء و بلوغ الأشد و هو القوة أن يكتهل و يستوفي السن الذي يستحكم فيها قوته و عقله و تميزه

 

«* توحيد مفضل صفحه 180 *»

تا صفحه‌ي 24

 

بيان: قوله7 بعضها يلقي بعضا حال أو صفة بتأويل أو تقدير

تا صفحه‌ي 26

 

بيان: روح المخاطبة بالفتح أي راحتها و لذتها و الشجو الحزن و لا يتوهم جواز الاستدلال به علي عدم حرمة الغناء مطلقا لاحتمال أن يكون المراد الأفراد المحللة منها كما ذكرها الأصحاب و سيأتي ذكرها في بابه أو يكون فائدة إدراك تلك اللذة عظم الثواب في تركها لوجهه تعالي و قوله7 يوافي خلقه خبر صارت

تا صفحه‌ي 30

 

بيان: المز بين الحلو و الحامض و الثج السيلان و الغصص أن يقف الشي‏ء في الحلق فلم يكد يسيغه و الجمجمة عظم الرأس المشتمل علي الدماغ و البيضة هي التي توضع علي الرأس في الحرب و ألفت الكسر و هد البناء كسره و ضعضعه و هدته المصيبة أي أوهنت ركنه و الحيطة بالكسر الحياطة و الرعاية

 

«* توحيد مفضل صفحه 181 *»

 

تا صفحه‌ي 31

 

 بيان: الجفن غطاء العين من أعلي و أسفل و الأشفار هي حروف الأجفان التي عليها الشعر و الأشراج العري و كأنه7 شبه الأشفار بالعري و الخيط المشدود بها فإن بهما ترفع الأستار و تسدل عند الحاجة إليهما أو بالعري التي تكون في العيبة من الأدم و غيره يكون فيها خيط إذا شدت به يكون ما في العيبة محفوظا مستورا و كلاهما مناسب و الأول أنسب بالغشاء قال الجزري في حديث الأحنف فأدخلت ثياب صوني العيبة فأشرجتها يقال أشرجت العيبة و شرجتها إذا شددتها بالشرج و هي العري انتهي و أولجها يعني أدخلها

تا صفحه‌ي 32

 

تبيان: الجوانح الأضلاع التي مما يلي الصدر و قوله7 لاتخل من الإخلال بالشي‏ء بمعني تركه و قوله تتحيز إما من الحيز أي تسكن أو من قولهم تحيزت الحية أي تلوت

تا صفحه‌ي 34

 

بيان: الكوكب المحبس و اطرد الشي‏ء تبع بعضه بعضا و جري و قال

 

«* توحيد مفضل صفحه 182 *»

الجوهري حمة الحر معظمه و قوله7 إلا من خلقه مؤملا إشارة إلي أن الأمل و الرجاء في البقاء هو السبب لتحصيل النسل و لذا جعل الإنسان ذا أمل لبقاء نوعه قوله7 إلا من ضربه بالحاجة أي سبب له أسباب الاحتياج و خلقه بحيث يحتاج قوله7 إلا من توكل بتقويمه أي تكفل برفع حاجته و تقويم أوده و الحول القوة

صفحه‌ي 34

 

توضيح: قال الجوهري وزعته أزعه وزعا كففته انتهي و الكلوب بالتشديد حديدة معوجة الرأس و في بعض النسخ كلون و هو فارسي قوله7 مهيأة في بعض النسخ بالياء فلفظة من تعليلية و في بعضها بالنون فمن تعليلية أو ابتدائية أي إنما يتم عيشه بأنثي و علي التقديرين يحتمل أن يكون بمعني مع أن جوز استعماله فيه و قال الجوهري تبا لفلان تنصبه علي المصدر بإضمار فعل أي ألزمه الله هلاكا و خسرانا و قال التعس الهلاك يقال تعسا لفلان أي ألزمه الله هلاكا

تا صفحه‌ي 35

 

بيان: ألفي أي وجد و قوله7 منصبا إما من الانصباب كناية عن التدلي أو من باب التفعيل من النصب قال الفيروزآبادي نصب الشي‏ء وضعه و رفعه ضد كنصبه فانتصب و تنصب

 

«* توحيد مفضل صفحه 183 *»

 

تا صفحه‌ي 40

 

 ايضاح: الركب بالتحريك منبت العانة و مستنقع الماء بالفتح مجتمعه و شرة الشباب بالكسر حرصه و نشاطه و العادية الظلم و الشر و الأشر بالتحريك البطر و شدة الفرح و اللهوات جمع لهات و هي اللحمة في سقف أقصي الفم و قوله7 من المرة بيان لموضع آخر و عتا عتوا استكبر و جاوز الحد و يقال تحلب العرق أي سال و الخطل المنطق الفاسد المضطرب

تا صفحه‌ي 43

 

تبيان: الطعم بالضم الأكل و الكرا السهر و الجمام بالفتح الراحة يقال جم الفرس جما و جماما إذا ذهب إعياؤه و الشبق بالتحريك شدة شهوة الجماع و تواني في حاجته أي قصر و لا يحفل به أي لا يبالي به و تحدر الثفل كتنصر أي ترسل و قوله7 و لو لا الجاذبة يدل علي أن لها مدخلا في شهوة الطعام و قوله7 خلله كأنه بالضم جمع الخلة و هي الحاجة أو بالكسر أي الخلال و الفرج التي حصلت في البدن بتحلل الرطوبات قوله7 و لعلك تري يحتمل أن يكون الغرض دفع توهم السائل كون ذكر التمثيل بعد ذكر القوي و منافعها علي الوجه الذي ذكره الأطباء و اكتفوا به إطنابا و تكرارا و حاصله أن الأطباء إنما

 

«* توحيد مفضل صفحه 184 *»

ذكروها علي ما يحتاجون إليه في صناعتهم من ذكر أفعال تلك القوي و سبب تعطلها و لذا لم يحتاجوا إلي ذكر ما أوردنا من التمثيل و نحن إنما ذكرنا هذا التمثيل لتتضح دلالتها علي صانعها و مدبرها إذ هذه مقصودنا من ذكرها و يحتمل أن يكون الغرض رفع توهم أن ذكره هذه القوي بعد كونها مذكورة في كتب الأطباء فضل لا حاجة إليه بأن الغرض مختلف في بياننا و بيانهم و بذلك يختلف التقرير أيضا فلذا ذكرنا هاهنا بهذا التقرير الشافي فالضمير في قوله وصفت علي بناء المجهول راجع إلي القوي و العائد محذوف أي وصفت به لكنه بعيد

تا صفحه‌ي 45

 

بيان: دون الجميع أي فضلا عن الجميع و يقال سلا عنه أي نسيه و قد مضي منا ما يمكن أن يستعمل في فهم آخر الكلام في موضعين فتذكر

تا صفحه‌ي 46

 

بيان: إقراء الضيف ضيافتهم و إكرامهم و التنكب التجنب و وفي علي بناء المجهول من التوفية و هي إعطاء الشي‏ء وافيا

 

«* توحيد مفضل صفحه 185 *»

تا صفحه‌ي 48

 

بيان: كلامه هاهنا مشعر بأن واضع اللغات البشر فتدبر

تا صفحه‌ي 53

 

بيان: انهمك الرجل في الأمر أي جد و لج و التسلف الاقتراض كأنه يجري معاملة مع ربه بأن يتصرف في اللذات عاجلا و يعد ربه في عوضها التوبة ليؤدي إليه آجلا و في بعض النسخ يستسلف و هو طلب بيع الشي‏ء سلفا و المعاناة مقاساة العناء و المشقة و يرهقه أي يغشاه و يلحقه و انتهاك المحارم المبالغة في خرقها و إتيانها و الارعواء الكف عن الشي‏ء و قيل الندم علي الشي‏ء و الانصراف عنه و تركه و المرح شدة الفرح و قال الفيروزآبادي العقيلة من كل شي‏ء أكرمه و كريمة الإبل و قال العقال ككتاب زكاة عام من الإبل‏

تا صفحه‌ي 54

 

بيان: التفكه التنعم الكلس بالكسر الصاروج قوله7 للأرض أي لفرشها

 

«* توحيد مفضل صفحه 186 *»

تا صفحه‌ي 60

 

بيان: جني الذنب عليه يجنيه جناية جره إليه و الجدة بالتخفيف الغناء قوله7 في تشابه الأشياء أي قد يشبه مال شخص بمال شخص آخر كثوب أو نعل أو دينار أو درهم فيصير سببا للاشتباه و التشاجر و التنازع فضلا عن تشابه الصورة فإنه أعظم فسادا و المراد أن الناس كثيرا ما يشتبه عليهم أمر رجلين لتشابه لباسهما و مركوبهما و غير ذلك فيؤخذ أحدهما بالآخر فكيف مع تشابه الصورة قوله7 و اشتبهت مقاديرها أي لم يعرف غاية ما ينتهي إليه مقداره فيشتبه الأمر عليه فيما يريد أن يهيئه لنفسه من دار و دابة و ثياب و زوجة قوله7 و يجفو أي يبعد و يجتنب و لا يداوم علي الصناعات اللطيفة أي التي فيها دقة و لطافة قال الجزري و في الحديث اقرءوا القرآن و لا تجفوا عنه أي تعاهدوه و تبعدوا عن تلاوته انتهي. و الحاصل أن الله تعالي جعل الإنسان بحيث تثقل عن الحركة و المشي قبل سائر الحيوانات و تكل عن الأعمال الدقيقة لتعظم عليه مئونة تحصيل ما يحتاج إليه فلا يبطر و لا يطغي أو ليكون لهذه الأعمال أجر فيصير سببا لمعايش أقوام يزاولونها و الدعار في بعض النسخ بالمهملة من الدعر محركة الفساد و الفسق و الخبث و في بعضها بالمعجمة من الدغرة و هي أخذ الشي‏ء اختلاسا و العرس بالكسر امرأة الرجل و الخول

 

«* توحيد مفضل صفحه 187 *»

محركة ما أعطاك الله من النعم و العبيد و الإماء و المفاكهة الممازحة و المضاحكة قوله7 و تخلل مواضع الخطإ يحتمل أن تكون الجملة حالية أي تأتي بالصواب مع أنها تدخل مواضع هي مظنة الخطإ من قولهم تخللت القوم أي دخلت خلالهم و يحتمل أن يكون المراد بالتخلل التخلف أو الخروج من خلالها لكن تطبيقهما علي المعاني اللغوية يحتاج إلي تكلف‏

تا صفحه‌ي 66

 

ايضاح: مدير الأدوار لعل فيه مضافا محذوفا أي ذوي الأدوار أو الإسناد مجازي و في بعض النسخ بالباء الموحدة و هو أضهر و الأكوار جمع كور بالفتح و هو الجماعة الكثيرة من الإبل و القطيع من الغنم و يقال كل دور كور و المراد إما استئناف قرن بعد قرن و زمان بعد زمان أو إعادة أهل الأكوار و الأدوار جميعا في القيامة و الأول أظهر و قال الجزري قيل للقرن طبق لأنهم طبق للأرض ثم ينقرضون فيأتي طبق آخر قوله7 في نظائر أي قالها في ضمن نظائر لها أو مع نظائرها قوله ص إنما هي أي المثوبات و العقوبات أعمالكم أي جزاؤها و العمه التحير و التردد و الحيد الميل و المدرجة المذهب و المسلك و زحزحه أبعده و الانثناء الانعطاف و الميل قوله7 و لا يغرون في بعض النسخ بالغين المعجمة و الراء المهملة علي بناء المفعول من قولهم أغريت الكلب بالصيد

 

«* توحيد مفضل صفحه 188 *»

أي لا يؤثر فيهم الإغراء و التحريص علي جميع الأعمال التي يحتاج إليها الخلق من ذلك العمل الذي تأتي به الدواب و في بعضها بالعين المهملة و الزاي المعجمة من عزي من باب تعب أي صبر علي ما نابه و الأول أظهر و الفادح من قولهم فدحه الدين أثقله ثم اعلم أنه ينبغي حمل السؤال علي أنه كان يمكن أن يكتفي بخلق الحيوانات لأن بعضهم ينقادون و يطيعون بعضا فالجواب منطبق من غير تكلف‏

تا صفحه‌ي 72

 

بيان: و أوكدها أي أوكد الأشياء و أحوجها إلي هذا النوع من الخلق هذه الصناعات و يحتمل إرجاع الضمير إلي جنس البشر فيكون فعلا أي ألزمها أو ألهمها هذه الصناعات و لا يبعد إرجاعه إلي الأكف أيضا قوله7 مدمجة أي انضم بعضها إلي بعض قال الجوهري دمج الشي‏ء دموجا إذا دخل في الشي‏ء و استحكم فيه و أدمجت الشي‏ء إذا لففته في ثوب و في بعض النسخ مدبحة بالباء و الحاء المهملة و لعل المراد معوجة من قولهم دبح تدبيحا أي بسط ظهره و طأطأ رأسه و هو تصحيف و البراثن من السباع و الطير بمنزلة الأصابع من الإنسان و المخلب ظفر البرثن و الململم بفتح اللامين المجتمع المدور المصموم و الأخمص من باطن القدم ما لا يصيب الأرض و الشدق جانب الفم و الطعم بالضم الطعام و الأمات جمع الأم و قيل إنما تستعمل في البهائم و أما في الناس فيقال أمهات و

 

«* توحيد مفضل صفحه 189 *»

يقال قاب الطير بيضته فلقها فانقابت و اليمام حمام الوحش و الحمر بضم الحاء و فتح الميم طائر و قد يشدد الميم و يقال مج الرجل الطعام من فيه إذا رمي به و المودع من الخيل بفتح الدال المستريح و نير الفدان بالكسر الخشبة المعترضة في عنق الثورين قوله7 يركب السيوف أي يستقبلها بجرأة كأنه يركبها أو بمعني يرتكب مواجهتها و المواتاة الموافقة و الدببة كعنبة جمع الدب و يقال أحجم القوم عنه أي نكصوا و تأخروا و تهيبوا أخذه و ساوره واثبه و يقال حاميت عنه أي منعت منه و العين بالفتح الغلظ في الجسم و الخشونة و الخفر المنع

تا صفحه‌ي 78

 

بيان: شخص البصر ارتفع و شخص الرجل بصره إذا فتح عينيه و الخطم بالفتح من كل طائر منقاره و من كل دابة مقدم أنفه و فمه و قضم كسمع أكل بأطراف أسنانه و الجحفلة بمنزلة الشفة للبغال و الحمير و الخيل و هي بتقديم الجيم علي الحاء المهملة و الطبق محركة غطاء كل شي‏ء و الحياء الفرج و المراد بمراقي البطن ما ارتفع منه من وسط أو قرب منه و الوضر الدرن و المذبة بكسر الميم ما يذب به الذباب و بطحه ألقاه علي وجهه و كفحته كفحا و كفاحا إذا استقبلته و المشفر من البعير كالجحفلة من الفرس و قال الجوهري الزرافة و الزرافة بفتح الزاي و ضمها مخففة الفاء دابة يقال لها بالفارسية أشتر گاو پلنگ و قال الفيروزآبادي

 

«* توحيد مفضل صفحه 190 *»

السمع بكسر السين و سكون الميم ولد الذئب من الضبع لا يموت حتف أنفه كالحية و عدوه أسرع من الطير و وثبته تزيد علي ثلاثين ذراعا و قال شحيج البغل و الحمار صوته و الغياطل جمع الغيطل و هو الشجر الكثير الملتف قوله7 أن يكون أي خلق كذلك لأن يكون عبرة للإنسان و السنخ بالكسر الأصل قوله بالصحة هو النقص في العقل أي الفصل الصحيح الذي يصلح واقعا أن يكون فاصلا و في أكثر النسخ و هو و علي هذا لا يبعد أن تكون تصحيف القحة أي قلة الحياء

تا صفحه‌ي 79

 

بيان: قال الجوهري قال الكسائي رجل حاف بين الحفوة و الحفاء بالمد و هو الذي يمشي بلا خف و لا نعل و قال و أما الذي حفي من كثرة المشي أي رقت قدمه أو حافره فإنه حف بين الحفا مقصورا و أحفاه غيره انتهي قوله7 و روعه من قولهم راعني الشي‏ء أعجبني

تا صفحه‌ي 80

 

توضيح: السرب بالكسر و السربة القطيع من الظباء و القطا و الخيل و نحوها و الجمع أسراب و المهاة البقرة الوحشية و الجمع مها و الوعل بالفتح و ككتف تيس الجبل و الجمع وعال و وعول و الأيل بضم الهمزة و كسرها و فتح الياء المشددة و كسيد الذكر

 

«* توحيد مفضل صفحه 191 *»

من الأوعال و يقال هو الذي يسمي بالفارسية گوزن و الجمع أياييل و القانص الصائد و خلص إليه وصل و المراد بالتمثيل ما ذكره الله تعالي في قصة قابيل و المعرة الأذي

تا صفحه‌ي 82

 

بيان: قوله لا بعقل و روية لعل المراد أن هذه الأمور من محض لطفه تعالي حيث يلهمهم ذلك لا بعقل و روية و في أكثر النسخ لا يعقل و مروته و هو تصحيف و المراد معلوم و الجهد الطاقة و المشقة أي أصابته مشقة عظيمة من العطش و العجيج الصياح و رفع الصوت و أعوزه الشي‏ء أي احتاج إليه و التماوت إظهار الموت حيلة و المساورة هي الوثوب علي وجه الصيد و قال الفيروزآبادي الدلفين بالضم دابة بحرية تنجي الغريق و قوله7 يثور الماء أي يهيجه و يحركه و التنين حية عظيمة معروفة و ثقفه أي وجده و القيظ صميم الصيف من طلوع الثريا إلي طلوع سهيل و الصحو ذهاب الغيم

تا صفحه‌ي 85

 

بيان: الاحتشاد الاجتماع و الزبية بالضم الحفرة و النشر بالفتح و بالتحريك المكان المرتفع و قال الجوهري الليث الأسد و ضرب من العناكب

 

«* توحيد مفضل صفحه 192 *»

يصطاد الذباب بالوثب انتهي و الموات بالفتح ما لا روح فيه و يقال ما به حراك كسحاب أي حركه و الشرك بالتحريك حبالة الصائد و يقال أحال عليه بالسوط يضربه أي أقبل قوله7 فكذلك أي كفعل الليث و قوله هكذا أي كالعنكبوت و الازدراء الاحتقار قوله7 فلا يضع منه أي لا ينقص من قدر المعني النفيس تمثيله بالشي‏ء الحقير قال الفيروزآبادي وضع عنه حط من قدره

تا صفحه‌ي 88

 

توضيح: أقله أي حمله و رفعه و جسا كدعا صلب و يبس و يقال سحجت جلده فانسحج أي قشرته فانقشر و التقصف التكسر و الغريض الطري أي غير مطبوخ و العجم بالتحريك النوي و حضن الطائر بيضته يحضنه إذا ضمه إلي نفسه تحت جناحه و زق الطائر فرخه يزقه أي أطعمه بفيه و تقوقي أي تصيح و المح بضم الميم و الحاء المهملة صفرة البيض و في بعض النسخ بالخاء المعجمة و قال الأصمعي أخثرت الزبد تركته خاثرا و ذلك إذا لم تذبه و تنقاب أي تنفلق

تا صفحه‌ي 89

 

بيان: المرج بالتحريك الفساد و الاضطراب و الاختلاط و في بعض

 

«* توحيد مفضل صفحه 193 *»

النسخ بالزاي المعجمة و الأول أظهر و الوشي نقش الثوب و يكون من كل لون و السلوك جمع السلك و هو جمع السلكة بالكسر الخيط يخاط بها

تا صفحه‌ي 90

 

توضيح: ماء ضحضاح أي قريب القعر و الربيئة بالهمز العين و الطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو و لا يكون إلا علي جبل أو شرف و المرقب الموضع المشرف يرتفع عليه الرقيب و الذعر الخوف‏

تا صفحه‌ي 98

 

بيان: البشم محركة التخمة و السأمة بشم كفرح و أبشمه الطعام و الفراش هي التي تقع في السراج و اليعسوب أمير النحل و طائر أصغر من الجرادة أو أعظم و قوله7 ناشزتين بالمعجمة أي مرتفعين و في بعض النسخ بالمهملة أي مبسوطتين و السري السير بالليل و قال الفيروزآبادي و التمرة كقبرة و ابن تمرة طائر أصغر من العصفور انتهي و فغر فاه أي فتحه و الحسك محركة نبات تعلق ثمرته بصوف الغنم قوله7 غبيا جاهلا أي ليس له عقل يتصرف في سائر الأشياء علي نحو تصرفه في ذلك الأمر المخصوص فظهر أن خصوص هذا الأمر إلهام من مدبر حكيم أو خلقة

 

«* توحيد مفضل صفحه 194 *»

و طبيعة جبله عليها ليصدر عنه خصوص هذا الأمر لما فيه من المصلحة مع كونه غافلا عن المصلحة أيضا و لعل هذا يؤيد ما يقال إن الحيوانات العجم غير مدركة للكليات و يقال دلفت الكتيبة في الحرب أي تقدمت و يقال دلفناهم فالعساكر تحتمل الرفع و النصب و الرجل بالفتح جمع راجل خلاف الفارس و انساب جري و مشي مسرعا و لا يئودها أي لا يثقلها و لجة الماء معظمه و المجذاف ما تجري به السفينة و انتجع طلب الكلاء في موضعه و حافات الآجام جوانبها و عكف علي الشي‏ء أقبل عليه مواظبا و قال الفيروزآبادي القرمز صبغ أرمني يكون من عصارة دود في آجامهم و قال الحلزون محركة دابة تكون في الرمث أي بعض مراعي الإبل و يظهر من كلامه7 اتحادهما و يحتمل أن يكون المراد أن من صبغ الحلزون تفطنوا بإعمال القرمز للصبغ لتشابههما

تا صفحه‌ي 101

 

بيان: اصطفانا بعلمه أي اختارنا و فضلنا علي الخلق بأن أعطانا من علمه ما لم يعط أحدا و أيدنا بحلمه أي قوانا علي تبليغ الرسالة بما حلانا به من حلمه لنصبر علي ما يلقانا من أذي الناس و تكذيبهم و الدوحة الشجرة العظيمة و الصخر الحجر العظام و أديم السماء وجهها كما يطلق أديم الأرض علي وجهها و يمكن أن يكون7شبهها بالأديم و قوله7حِكْمَةٌ بالِغَةٌ بالرفع خبر مبتدإ محذوف أو بالنصب بالحالية أو بكونه مفعولا لأجله

 

«* توحيد مفضل صفحه 195 *»

تا صفحه‌ي 107

 

ايضاح: الدولة بالفتح و الضم انقلاب الزمان و دالت الأيام دارت و الله يداولها بين الناس و هدأ كمنع هدءا و هدوءا سكن و يقال نكيت في العدو نكاية إذا قتلت فيهم و جرحت و جثم الإنسان و الطائر و النعام يجثم جثما و جثوما لزم مكانه لم يبرح و المراد جثومهم في الليل و التظاهر التعاون و نور الشجر أي أخرج نوره و حدم النار شدة احتراقها و التقصي بلوغ أقصي الشي‏ء و نهايته و الغابر الباقي و الماضي و المراد هنا الثاني و بزغت الشمس بزوغا شرقت أو البزوغ ابتداء الطلوع و قال الجوهري اعتل عليه و اعتله إذا اعتاقه عن أمر انتهي و ليلة داجية أي مظلمة

تا صفحه‌ي 113

 

بيان: قوله7 لا تفارق مراكزها لعل المراد أنه ليس لها حركة بينة ظاهرة كما في السيارات أو لا تختلف نسب بعضها إلي بعض بالقرب و البعد بأن تكون الجملة التالية مفسرة لها و يحتمل أن يكون المراد بمراكزها البروج التي تنسب إليها علي ما هو المصطلح بين العرب من اعتبار محاذاة تلك الأشكال في الانتقال إلي البروج و إن انتقلت عن مواضعها و عليه ينبغي أن يحمل قوله7 و

 

«* توحيد مفضل صفحه 196 *»

بعضها مطلقة تنتقل في البروج أو علي ما ذكرنا سابقا من كون انتقالها في البروج ظاهرة بينة يعرفه كل أحد و الأول أظهر كما سيظهر من كلامه7 قوله فإن الإهمال معني واحد يحتمل أن يكون المراد أن الطبيعة أو الدهر الذين يجعلونهما أصحاب الإهمال مؤثرين كل منهما أمر واحد غير ذي شعور و إرادة و لا يمكن صدور الأمرين المختلفين عن مثل ذلك كما مر أو المراد أن العقل يحكم بأن هذين الأمرين المتسقين الجاريين علي قانون الحكمة لا يكون إلا من حكيم راعي فيهما دقائق الحكم أو المراد أن الإهمال أي عدم الحاجة إلي العلة و ترجيح الأمر الممكن من غير مرجح كما تزعمون أمر واحد حاصل فيهما فلم صارت إحداهما راتبة و الأخري منتقلة و لم لم يعكس الأمر و الأول أظهر كما لا يخفي قوله7 لبطلت الدلالات ظاهره كون الأوضاع النجومية علامات للحوادث قوله7 في البروج الراتبة يدل ظاهرا علي ما أشرنا إليه من أنه7 راعي في انتقال البروج محاذاة نفس الأشكال و إن أمكن أن يكون المراد بيان حكمة بطء الحركة ليصلح كون تلك الأشكال علامات للبروج و لو بقربها منها لكنه بعيد قوله7 و الشعريين قال الجوهري الشعري الكوكب الذي يطلع بعد الجوزاء و طلوعه في شدة الحر و هما الشعريان و الشعري العبور التي في الجوزاء و الشعري القميصاء التي في الذراع تزعم العرب أنهما أختا سهيل انتهي و القفار جمع قفر و هو الخلأ من الأرض و خطف البرق البصر ذهب به و وهج النار بالتسكين توقدها و قوله حثيثا أي مسرعا و تجافي أي لم يلزم مكانه و برح مكانه زال عنه

 

«* توحيد مفضل صفحه 197 *»

تا صفحه‌ي 115

 

بيان: قوله7 لا يجاوز ذلك أي في معظم المعمورة و قال الفيروزآبادي خوت الدار تهدمت و النجوم خيا أمحلت فلم تمطر كأخوت و قال المنتكث المهزول و قال الترسل الرفق و التؤدة انتهي قوله7 ببعد ما بين المشرقين أي المشرق و المغرب كناية عن عظم الدائرة التي يقطع عليها البروج أو مشرق الصيف و الشتاء و الأول أظهر قوله7 الجاسية أي الصلبة و يتفكه بها أي يتمتع بها و الريع النماء و الزيادة و قال الجوهري أمضني الجرح إمضاضا إذا أوجعك و فيه لغة أخري مضني الجرح و لم يعرفها الأصمعي

تا صفحه‌ي 118

 

توضيح: ركود الريح سكونها و الحرض فساد البدن و يقال نهكته الحمي أي أضنته و هزلته و قوله7 و الهواء يؤديه يدل علي ما هو المنصور من تكيف الهواء بكيفية الصوت علي ما فصل في محله و يقال كربه الأمر أي شق عليه و فدحه الدين أي أثقله و ريثما فعل كذا أي قدر ما فعله و يبلغ إما علي بناء المجرد فالعالم فاعله أو علي التفعيل فالهواء فاعله و الروح بالفتح الراحة و نسيم الريح و اطرد الشي‏ء تبع بعضه بعضا و جري و الأراييح جمع للريح و تزجي السحاب علي

 

«* توحيد مفضل صفحه 198 *»

بناء الإفعال أي تسوغه و تفضه أي تفرقه و التفشي الانتشار و ترخي الأطعمة علي التفعيل أو الإفعال أي تصيرها رخوة لطيفة و تشب النار أي توقدها

تا صفحه‌ي 125

 

تبيان: العقاقير أصول الأدوية و الغناء بالفتح المنفعة و الخاوية الخالية و الفدفد الفلاة و المكان الصلب الغليظ و المرتفع و الأرض المستوية و الفسحة بالضم السعة و يقال لي عن هذا الأمر مندوحة و منتدح أي سعة و حزبه أمر أي أصابه و الراتبة الثابتة و الراكنة الساكنة و هدأ هدءا و هدوءا سكن و قوله7 رجراجة أي متزلزلة متحركة و التكفي الانقلاب و التمايل و التحرك و الارتجاج الاضطراب و الارعواء الرجوع عن الجهل و الكف عن القبيح و الصلد و يكسر الصلب الأملس قوله7 كيف تنصب كذا في أكثر النسخ و النصب يكون بمعني الرفع و الوضع و لعل المراد هنا الثاني و الظاهر أنه تصحيف نقصت أو نحوه قوله7 إن مهب الشمال أرفع أي بعد ما خرجت الأرض من الكروية الحقيقية صار ما يلي الشمال منها في أكثر المعمورة أرفع مما يلي الجنوب و لذا تري أكثر الأنهار كدجلة و الفرات و غيرهما تجري من الشمال إلي الجنوب و لما كان الماء الساكن في جوف الأرض تابعا للأرض في ارتفاعه و انخفاضه فلذا صارت العيون المتفجرة تجري هكذا من الشمال إلي الجنوب حتي

 

«* توحيد مفضل صفحه 199 *»

تجري علي وجه الأرض و لذا حكموا بفوقية الشمال علي الجنوب في حكم اجتماع البئر و البالوعة و إذا تأملت فيما ذكرنا يظهر لك ما بينه7 من الحكم في ذلك و أنه لا ينافي كروية الأرض و التدفق التصبب قوله7 فإنه سوي الأمر الجليل الضمير راجع إلي الماء و هو اسم إن و يمزج خبره أي للماء سوي النفع الجليل المعروف و هو كونه سببا لحياة كل شي‏ء منافع أخري منها أنه يمزج مع الأشربة و قال الجوهري الحميم الماء الحار و قد استحممت إذا اغتسلت به ثم صار كل اغتسال استحماما بأي ماء كان انتهي و الوصب محركة المرض و المكتنف بفتح النون من الكنف بمعني الحفظ و الإحاطة و اكتنفه أي أحاط به و يظهر منه أن نوعا من الياقوت يتكون في البحر و قيل أطلق علي المرجان مجازا و يحتمل أن يكون المراد ما يستخرج منه بالغوص و إن لم يتكون فيه و اليلنجوج عود البخور و من العراق أي البصرة و إلي العراق أي الكوفة أو بالعكس قوله7 و يعجز أي لو لا كثرة الهواء لعجز الهواء عما يستحيل الهواء إليه من السحاب و الضباب التي تتكون من الهواء أولا أولا أي تدريجا أي كان الهواء لا يفي بذلك أو لا يتسع لذلك الضباب بالفتح ندي كالغيم أو سحاب رقيق كالدخان و الأحايين جمع أحيان و هو جمع حين بمعني الدهر و الزمان قوله7 فلا هي تمسك بالمادة و الحطب أي دائما بحيث إذا انطفأت لم يمكن إعادتها و المادة الزيادة المتصلة و المراد هنا الدهن و مثله و دفاء الأبدان بالكسر دفع البرد عنها

 

«* توحيد مفضل صفحه 200 *»

تا صفحه‌ي 128

 

بيان: يعتقبان أي يأتي كل منهما عقيب صاحبه و خصر الهواء بكسر الصاد المهملة يقال خصر يومنا أي اشتد برده و ماء خاصر بارد و في أكثر النسخ بالحاء المهملة و السين من حسر أي كل و هو لا يستقيم إلا بتكلف و تجوز و في بعضها بالخاء المعجمة و الثاء المثلثة من قولهم خثر اللبن خثرا إذا غلظ و البشع الكريه الطعم الذي يأخذ بالحلق و القنطار معيار و يروي أنه ألف و مائتا أوقية و يقال هو مائة و عشرون رطلا و يقال هو مل‏ء مسك الثور ذهبا قوله7 و يذهب له به الصوت أي يملأ صيت كرمه و جوده الآفاق و الذمر الملامة و التهدد قوله ليتفشي التفشي الاتساع و الأظهر ليغشي بالغين المعجمة كما في بعض النسخ و الحطم الكسر و الاندفاق الانصباب و اليرقان آفة للزرع و قوله مما عسي أن يرزأ من الرزء المصيبة

تا صفحه‌ي 129

 

تفسير: المقايل في بعض النسخ بالقاف و كأنه من القيلولة و في بعضها بالغين و لعله من الغيل الشجر الملتف و في بعض كتب اللغة المغالة العش و في بعض النسخ معاقل جمع المعقل و هو الملجأ

 

«* توحيد مفضل صفحه 201 *»

تا صفحه‌ي 131

 

بيان: الكلس بالكسر الصاروج و الجبس بالكسر الجص و في أكثر النسخ الجبسين و لم أجده فيما عندنا من كتب اللغة لكن في كتب الطب كما في أكثر النسخ و المرتك كمقعد المرداسنج و القونيا بالباء الموحدة أو الياء المثناة من تحت و لم أجدهما في كتب اللغة لكن في القاموس القونة القطعة من الحديد أو الصفر يرفع بها الإناء و في بعض النسخ و التوتياء و في كتب اللغة أنه حجر يكتحل به و القار القير و جبي الخراج جباية جمعه و الإيغال المبالغة في الدخول و الذهاب و انصلت مضي و سبق

تا صفحه‌ي 132

 

بيان: لحاء الشجرة بالكسر قشرها

تا صفحه‌ي 136

 

بيان: ينسفه بالكسر أي يقلعه و بشم الحيوان بشما من باب تعب اتخم من كثرة الأكل و الكدح العمل و السعي و الشقا الشدة و العسر شقي كرضي و الدوح بفتح الدال و سكون الواو جمع الدوحة و هي الشجرة العظيمة

 

«* توحيد مفضل صفحه 202 *»

تا صفحه‌ي 140

 

بيان: قوله7 معجما لعل المراد شدة ارتباطها قال الفيروزآبادي باب معجم كمكرم مقفل انتهي و يحتمل أن يكون كناية عن خفائها كقوله ص صلاة النهار عجماء و قوله7 إن عاق دون الغرس أي غرس الأغصان عائق تغرس النوي بدلها و الشدخ الكسر و الغمز و المشدخ هو بسر يغمز و ييبس للشتاء و الدلب بالضم الصنار قوله7 فيحتبس الحرارة الغريزية يدل علي أن الحرارة الغريزية لا يختص بالحيوان بل يوجد في النبات أيضا كما صرح به جماعة من المحققين و يقال رصفت الحجارة في البناء رصفا أي ضممت بعضها إلي بعض و استحصف استحكم و التذرع كثرة الكلام و الإفراط فيه‏

تا صفحه‌ي 141

 

توضيح: قال الفيروزآبادي اليقطين ما لا ساق له من النبات و نحوه و القصف الكسر و قال الجوهري الجرو و الجرو و الجرو ولد الكلب و السباع و الجمع أجر و أصله أجرو علي أفعل و جراء و جمع الجراء أجرية و الجرو و الجروة الصغير من القثاء انتهي و الحمارة بتخفيف الميم و تشديد الراء و قد يخفف في الشعر شدة الحر و في الأساس ما لي أراك تشرح إلي كل رتبة و هو

 

«* توحيد مفضل صفحه 203 *»

إظهار الرغبة إليها و فيه هو شره العين يطمع في كل ما يراه يرمي نفسه عليه و يتمناه انتهي و استوخمه لم يجده مريئا موافقا و المغبة العاقبة

تا صفحه‌ي 145

 

بيان: قوله7 ليصلح بيان لما يتحصل مما مر لا للمتانة فقط و النزف النزح قوله7 هب الإنسان أي سلمنا أنه كذلك و الحصر بالضم اعتقال البطن و السوقة بالضم الرعية للواحد و الجمع و المذكر و المؤنث و الغلف بضمة و بضمتين و كركع جمع غلاف و الزبل بالكسر السرقين و قال الفيروزآبادي السماد السرقين برماد و قال الجزري هو ما يطرح في أصول الزرع و الخضر من العذرة و الزبل ليجود نباته أقول يدل ظاهرا علي جواز استعمال العذرات النجسة في ذلك و ربما يستدل به علي تطهير الاستحالة

تا صفحه‌ي 161

 

بيان: قوله7 للاسم الأقدم لعل المراد بالاسم المسمي أو المراد الاسم الذي أظهره و أثبته في اللوح قبل سائر الأسماء أو المراد الاسم الذي يخص الذات فهو أسبق الأسماء في الاعتبار و أشرفها كما يظهر من الآثار قوله و

 

«* توحيد مفضل صفحه 204 *»

الغيب المحظور أي الممنوع عن غيره تعالي إلا من ارتضاه لذلك قوله بالعرض قال الفيروزآبادي عرض الشي‏ء ظهر و العرض أن يموت الإنسان من غير علة و الاجتياح الاستيصال قوله7 و يلذع يقال لذعته النار أي أحرقته و لذعه بلسانه أي أوجعه بكلام و في بعض النسخ بإهمال الأول و إعجام الثاني من لدغ العقرب و يقال رثيت لفلان أي رققت له و المضض محركة وجع المصيبة قوله7 إذا كان يكون غير محمود يمكن أن يقرأ إذا بالتنوين و بدونها و علي الثاني يكون خبر كان محذوفا أي إذا كان الإنسان كذلك. ثم اعلم أنه ينبغي أن تحمل العصمة المأخوذة في السؤال علي غير المعني المشهور الذي سيأتي تحقيقه في باب عصمة الأئمة7 بل المراد العصمة بمعني الإلجاء الذي لم يبق معه اختيار و لذا فرع7 عليه عدم استحقاق الثواب و إلا فالعصمة التي اتصفت بها الأنبياء و الأئمة7 لا ينافي ذلك كما سنحققه في مقامه إن شاء الله تعالي و يمكن أن يقال علي تقدير أن يكون المراد هذا المعني أيضا بأنه إذا صار هذا عاما في جميع البشر لا يتأتي في بعض المواد التي لا تستحق ذلك من نفوس الأشرار و الفجار إلا بالإلجاء الرافع للاستحقاق قوله7 إلي غاية الكلب و الضراوة قال الجوهري دفعت عنك كلب فلان أي شره و أذاه و الكلب أيضا شبيه بالجنون و قال ضري الكلب بالصيد ضراوة أي تعود أقول لما كان السؤال مبنيا علي فرض العصمة ظاهرا فتصحيح هذا الجواب في غاية الإشكال و خطر بالبال وجوه الأول أن لا يكون السؤال مبنيا علي فرض العصمة بل يكون المراد أنه لما

 

«* توحيد مفضل صفحه 205 *»

ذكرت أن العصمة تنافي الاستحقاق فنقول لم لم يبذل لهم الثواب علي أي حال بأن يكلفهم العمل ليستحقوا الثواب إن أرادوا استحقاقه و إلا أعطاهم من غير استحقاق إذ كثير من الناس يطلبون النعيم بغير استحقاق فلا يكون عليهم في الدنيا و الآخرة سخط علي المخالفة و علي هذا الجواب ظاهر الانطباق علي السؤال كما لا يخفي. الثاني أن يكون السؤال مبنيا علي فرض العصمة في بعضهم و هم الذين يطلبون الثواب و لا يريدون استحقاقه كما هو ظاهر السياق و يكون حاصل الجواب أنه لو كان المجبور علي الخيرات مثابا فمقتضي العدل أن يكون غير المجبور الطالب للخير و الاستحقاق غير معاقب علي حال و إلا لكان له الحجة علي ربه بأنك لم تعصمني كما عصمت غيري و منعت عني اللطف بالبلايا و الصوارف عن المعاصي في الدنيا ثم تعذبني علي المعاصي فعلي هذا فلو علم غير المعصومين ذلك لدعتهم الدواعي النفسانية إلي غاية الفساد و هذا وجه وجيه لكن يحتاج إلي طي بعض المقدمات. الثالث أن يكون السؤال مبنيا علي ذلك الفرض أيضا لكن يكون الجواب مبنيا علي أنه قد يستلزم المحال نقيضه إذا الكلام في هذا النوع من الخلق المسمي بالإنسان الذي اقتضت الحكمة أن يكون قد ركبت فيه أنواع الشهوات و الدواعي فلو فرضته علي غير تلك الحالة لكان من قبيل فرض الشي‏ء إنسانا و ملكا و هما لا يجتمعان فعلي هذا يلزمه أيضا لفرض كونه إنسانا أن يدعوه عدم خوف العقاب و الفراغ إلي الأشر و البطر و أنواع المعاصي و حاصله يرجع إلي تغيير الجواب الأول إلي

 

«* توحيد مفضل صفحه 206 *»

جواب آخر لا يرد عليه السؤال علي غاية اللطف و الدقة. و الردع الكف و المنع و قوله يغتبطون علي البناء للفاعل من الاغتباط و هو حسن الحال بحيث يتمني غيره حاله و الحض الحث و التحريص و تمحيص الأوزار تنقيصها أو إزالتها قوله7 فإن قال و لم يحدث علي الناس أقول لما كان آخر الكلام موهما لأن هذه الأمور بعد حدوثها يصيرها الله تعالي إلي الحكمة و الصلاح سأل ثانيا ما السبب في أصل الحدوث حتي يحتاج إلي أن يجعله الله صلاحا و يحتمل أن يكون مراده أنا علمنا أن في وجودها صلاحا فهل في عدمها فساد و الجواب علي التقديرين ظاهر و قال الفيروزآبادي عوز الشي‏ء كفرح لم يوجد و أعوزه الشي‏ء احتاج إليه و الدهر أحوجه و قال تناشبوا تضاموا و تعلق بعضهم ببعض و نشبه الأمر كلزم زنة و معني و قال أفرجوا عن الطريق و القتيل انكشفوا و عن المكان تركوه انتهي و المراد هنا عدم التخلية بين أحد و بين ما يريده قوله7 و لا سلا عن شي‏ء أي لا ينسي و يتسلي عن شي‏ء من المصائب إذ بتذكر الموت تزول شدة المحن من قولهم سلا عن الشي‏ء أي نسيه و قال الجوهري بزه يبزه بزا سلبه و في المثل من عز بز أي من غلب أخذ السلب و قال سامه خسفا و خسفا بالضم أي أولاه ذلا و قال الفيروزآبادي لمع بيده أشار و قال تفاقم الأمر عظم قوله7 و بخت‏نصر بالتيه أقول لعله إشارة إلي ما ذكره جماعة من المؤرخين أن ملكا من الملائكة لطم بخت‏نصر لطمة و مسخه و صار في الوحش في صورة أسد و هو مع ذلك يعقل ما يفعله الإنسان ثم رده الله تعالي إلي صورة

 

«* توحيد مفضل صفحه 207 *»

الإنس و أعاد إليه ملكه فلما عاد إلي ملكه أراد قتل دانيال فقتله الله علي يد واحد من غلمانه و قيل في سبب قتله أن الله أرسل عليه بعوضة فدخلت في منخره و صعدت إلي رأسه فكان لا يقر و لا يسكن حتي يدق رأسه فمات من ذلك و بلبيس غير معروف عند المؤرخين و التطاول هنا مبالغة في الطول بمعني الفضل و الإحسان و دخلة الرجل مثلثة نيته و مذهبه و جمع أمره و بطانته قوله7 و الشاهد المحنة أي بالشاهد يمكن امتحان الغائب‏

تا صفحه‌ي 172

 

بيان: جاش البحر و القدر و غيرهما يجيش جيشا غلا قوله7 قال أصحاب الهندسة أقول المشهور بين متأخريهم أن جرم الشمس مائة و ستة و ستون مثلا و ربع و ثمن لجرم الأرض و ما ذكره7 لعله كان مذهب قدمائهم مع أنه قريب من المشهور و الاختلاف بين قدمائهم و متأخريهم في أمثال ذلك كثير قوله7 الحق الذي أي الأمور الحقة الثابتة التي تطلب معرفتها من بين الأشياء و في بعض النسخ لحق أي ما يحق و ينبغي أن تطلب معرفته من أحوال الأشياء هو أربعة أوجه و قال الجوهري قولهم لقيته في الفرط بعد الفرط إلي الحين بعد الحين و الصدي بالفتح العطش. ثم اعلم أن بعض تلك الفقرات تومئ إلي تجرد النفس و الله يعلم و حججه صلوات الله عليهم أجمعين‏.

[1]ـ مانويان، پيروان ماني.