غنائم همدان – مقابله

 

غنائم همدان
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمّد و آله الطاهرين و بعد يقول العبد الأثيم الجاني حسن بن ابرهيم الموسوي الاصفهاني هذه عدة اجزاء اكتبها ان شاءالله فيما اغتنمت من غنائم همدان صانه اللّه عن طوارق الحدثان و لذا سميتها بغنائم همدان سائلاً من اللّه تعالي اتمامها علي حسب رضاه و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه.

غنيمة: انّ الفعل سواء كان من الحق او الخلق لايجري الاّ من فاعل و محال ان يكون فعل من دون فاعل كما لايكون قيام من دون قائم و قعود من دون قاعد و اكل من دون اكل و شرب من دون شارب و حركة من دون متحرك و سكون من دون ساكن و نطق من دون ناطق و سكوت من دون ساكت و هكذا و لاتكون قدرة من دون قادر و علم من دون عالم و حكمة من دون حكميم و رحمة من دون رحيم و هكذا و هذا ظاهر لاسترة عليه فان رأينا فعلاً و لم‏نر باعيننا فاعلاً نحكم ببداهة عقولنا ان له فاعلاً لامحالة الاّ انه غائب عن الابصار مخفي عن الاعين و الانظار و ذلك ان الفعل كونه بكون الفاعل و هو موجود بوجود الفاعل فيه بل لايكون هو الاّ وجود الفاعل ظهورا و ظاهرا و هو الفاعل الظاهر و ظاهر الفاعل و صفات ذاتية الفاعل محفوظة فيه و لايكون بدونه شيئا ابدا.

غنيمة:  لايكون فاعل حقا و خلقا من دون فعل ابدا كماتري ان اللّه تعالي لايكون الاّ ذا علم و قدرة و حكمة و هكذا بل و لا ذاخلق و امداد و حفظ و ابقاء و مشية و ارادة و قدر و قضاء و ان كان لخلق ما و شي‏ء ما و ذلك لانّ الفعل مقام كون الفاعل لانّه مقام تمثله و مالم‏يتمثل الشّي‏ء لم‏يوجد و لانّه مقام ظهوره و ظاهره و مالم‏يكن ظهور و ظاهر لم‏يكن بطون و باطن كما في الخبر: مالم‏تكن كليات الحكمة تامة في ظهورها تامة في بطونها كانت الحكمة ناقصة من الحكيم فلاتري فاعلاً الاّ و له فعل و لااقل من ان كل شي‏ء لايخلو امّا من حركة او سكون لطافة او كثافة شرافة او دناءة و هكذا و كل ذلك افعال و صفات و لايخلو من شي‏ء منها في حال من الاحوال جماد او نبات او حيوان او انسان سماء او ارض جوهر او عرض و الفاعل بلافعل كذب محض و هو كماء بلارطوبة و نار بلاحرارة و لامعني له اصلاً الاتري ان الضارب بلاضرب و الناصر بلانصر لامعني لهما اصلاً.

غنيمة: فالاسمآء الصادقة مالها مبدء اشتقاق بالفعل و ماليس له مبدء اشتقاق اصلاً و كان له بالقوة كذب محض الا تري ان الكاتب صدقا من له كتابة بالفعل فمن لم‏يدر الكتابة لم‏يسمّ كاتبا اصلاً و تسميته به كذب واضح فليشترط في صدق اطلاقه عليه صدورها منه حيناما و ان لم‏يكن مباشرا لها في كل وقت فانّها ان لم‏تكن له في جميع اوقات ظهوراته و اثاره كانت محفوظة تحته حاضرة لديه عند ذاته ابدا فلم‏يفقدها بعد صدورها منه في ذاته عند ظهورها بها فيصدق اطلاقها عليه بخلاف مااذا لم‏تصدر منه ابدا فانّها و ان كانت في قوته ولكن لايصح ان يقال شرعا و عرفا و لغة انه كاتب و هو ذوكتابة و هكذا الأمر في جميع الموارد من الحق و الخلق فالاسماء المشتقة كائنة ماكانت يشترط فيها وجود المبدء بالفعل علي المختار و هي الاسماء الصحيحة الصادقة فالسّلطان صدقا من له سلطنة و الحاكم صدقا من له الحكومة و العلم صدقا من له العلم و هكذا فامرأة مسماة بسلطان و ليست لها سلطنة و رعية تسميتها به كذب في الحقيقة و من يسمي بمحمّد و احمد و محمود و ليس له محمدة و لاله حامد و محمّد تسميته بذلك كله كذب و كذا من يقال له علي و ليس له علو و الحسن و الحسين و ليس له حسن و هكذا كل ذلك محض تسميته الخلق و ليس بشي‏ء عند الحق و في الحقيقة و الاخرة فمن هنا تعرف و توقن ان اسماء اللّه تعالي و اسماء انبيائه و اصفيائه و حججه: و كل اسم في لسانه و كتابه سبحانه و السنتهم و كتبهم:كلها اسماء مشتقة لها مبادي اشتقاق بالفعل فانّها كلها صدق محض و لايصدر منه تعالي و منهم كذب و مجاز و اغراق ابدا فهو اللّه الرّحمن الرّحيم العالم القادر الحكيم و هكذا لانّ له الالوهية و الرّحمة الواسعة و الخاصة و العلم و القدرة و الحكمة و هكذا ابدا ابدا و سمي حبيبه9 في السّماء احمد لانّه حمده اللّه تعالي و في الارض محمّد لانّه تعالي حمد و الخلق حمدوه لانّ له محمدة في المقامين معا و سمي ابن عمّه7 عليا لانّ له علوا لاجل اشتماله علي جميع الكمالات العالية المتعالية لانّه مقام ظهور اللّه تعالي و ظهور النبي9 بكل كمال و هكذا جميع اسماء ساير الحجج و الاصفياء: و كل ما عبروا عنه بتعبير و سموه باسم فاللّه علي الحق مشتق و لامعني لجموده اصلاً فانه من الهه اي عبده و الاله بمعني المألوه اي المعبود او و له الخلق فيه او فزعوا و تضرعوا اليه و من ليس بمألوه يكذب تسميته بالاله و لذا نقول انه لم‏يكن وقت لم‏يكن للّه تعالي خلق و عباد فان الأله بلاخلق و عباد كذب صراح و هو كسلطان بلاسلطنة و رعية و لم‏يزل اللّه جل جلاله الها ابدا فلم‏يزل له من خلق ابدا و ان لم‏يكن له هذا الخلق الذاهب و الجائي و الزائل و الفاني كان له خلق لم‏يزل و لم‏يهلك ابدا كما افصح عنه قوله عزّ من قائل: كل شي‏ء هالك الاّ وجهه و كل من عليها فان و يبقي وجه ربك ذوالجلال و الاكرام و في الزيارة: السّلام علي اسم اللّه الرّضي و وجهه المضي‏ء صلوات اللّه عليهو لايلزم من ذلك اي من عدم زواله بدءا و ختما قدمه لانّ القديم من هو قائم بنفسه و هو ذات اللّه جل جلاله وحده وحده و كل من سواه من وجهه و غيره قائم به ابدا.

غنيمة: الفعل متصل بالفاعل اتصال الصفة بالموصوف و الصورة بالمادة و لايمكن انفكاكه منه ابدا كما القائم من اتصل به القيام و القاعد من اتصل به القعود و هكذا و لايعقل ان يكون القائم بجانب و قيامه بجانب آخر و القاعد بجانب و قعوده بجانب آخر و اذا ابصرت ذلك و ايقنت به عرفت ان ذات زيد معراة في نفسها عن جميع حدود ظهوراته و افاعيله من قيام و قعود و غيرهما فليس في ذاته قائما و قاعدا و لاغيرهما اصلاً لانّه عرفت ان القائم من اتصل به القيام و القاعد من اتصل به القعود و هكذا و ذاته عارية خالية عن ذلك كله فمقام قائميّته ماكان فيه قيد القيام و هو الذات الظاهرة بالقيام و هي ظهوره و تجليه به في حده و هذا مقام بيانه الّذي عرف به نفسه لغيره و عرفه به من عرفه و كذا مقام قاعديته ماكان فيه ذكر القعود بخصوصه و هو الذات الظاهرة به و هي مقام تجليه و ظهوره له به في نفسه و هو مقام بيانه الّذي بان به لغيره و به عرفه من عرفه و هكذا و هكذا الآخر في جميع العوالم و في جميع الاشياء و من هنا نعرف ماهنالك اي باللّه تعالي من المقامات و العلامات فانه قد علم اولوالألباب ان الاستدلال علي ماهنالك لايعلم الاّ بماهيهنا فاللّه سبحانه في ذاته مقدس عن شوائب كثرة الصفات لانّه احد صمد لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفوا احد اتفاقا من الاسلام و المذهب بل ساير الملل و الاديان فليس بذاته سبحانه فاعل فعل و لاموصوف صفة و لامسمي اسم لانّك عرفت ان شرط وجود الفعل و الصفة و الاسم اتصالها بذويها فمقام فاعليته و موصوفيته و مسمائيته سبحانه و تعالي ليس في ذاته بداهة من النقل و العقل بل هو في مقام افعاله و صفاته و اسمائه و هو الذات الظاهرة في كل منها به بنفسه و هي مقام تجليه و ظهوره سبحانه في كل له به فيه فالاله من له الوهية ثابتة له في نفسه و العالم من اتصل به العلم و القادر من اتصلت به القدرة و الرّحيم من اتصلت به الرّحمة و الحكيم من اتصلت به الحكمة و هكذا و هذه كلها معان مختلفة متكثرة اتفاقا من العقل و النقل فلايجوز كونها في ذات اللّه المقدسة فهي في مقام ظهوراته سبحانه و تلك هي الذوات الظاهرة بها و هي انواره الصادرة منه سبحانه و هي خلقه الّذي بدؤه منه و عوده اليه سبحانه و ليس هو الاّ محمّد و آله: لصراحة اخبارهم و بداهة العقول المستنيرة بانوارهم عليهم السلام فهم عليهم السلام اسماؤه باجمعها من الاله و العالم و القادر و الحكيم و الرّحيم و المعبود و الخالق و الرّازق و المحيي و المميت و غيرها كما قالوا: نحن و اللّه الاسماء الحسني التي امر اللّه ان تدعوه بها و قد قال اللّه تعالي: قل ادعوا اللّه او ادعوا الرّحمن ايا ماتدعوا فله الاسماء الحسني فهو سبحانه في ذاته الغائبة الممتنعة عن الادراك ليس بعالم و لابجاهل و لابقادر و لابعاجز و لابحكيم و لابسفيه بل و لابمعبود و لابغيره بل و لابمعروف و لابمجهول و هكذا و هو سبحانه في مقام ظهوراته و تجلياته عالم لايجهل و قادر لايعجز و معروف او غير معروف معبود او غير معبود و هكذا و لما لم‏تكن ظهوراته و تجلياته شيئا سواهم: فهو فيهم: هكذا فهم مقام بيانه تعالي بهم بان لخلقه و عرف نفسه بهم لهم يعرفه بهم من عرفه كما في الدعاء: و مقاماتك و علاماتك التي لاتعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك و لما كان تجلي الشّي‏ء منه و اليه لا من غيره و لا الي غيره امتناعا من العقل السّليم كانت تلك الاسماء له سبحانه دون احد من خلقه حتي تلك الاسماء انفسها فهو سبحانه هو اللّه الرحمن الرحيم العالم القادر الحكيم الخالق الرازق المحيي المميت المعبود المحمود المسجود و هكذا دون احد من خلقه حتي هم: و هم في ذلك مع غيرهم ممن سواهم سواء.

غنيمة: لاشك ان كل فاعل يفعل كل مايفعل بعلم و قدرة و حكمة و لولا شي‏ء من ذلك لامتنع صدور فعل منه تبيانا من العقل الواضح و اللب الايح فالكاتب مثلاً يمتنع صدور حرف منه الاّ بعلمه به و قدرته عليه و حكمته فيه حتي انه لايكتب تشديدا و جزما الاّ بعد ذلك كله و هكذا كل صانع و فاعل في كل عالم و مقام و ماتري من صدور افعال من الات ليس لها شعور و علم و قدرة و حكمة كالات النجر و البناء و الصياغة و كالافلاك الافرنجية و كالقلم في المكاتبات و كالنحل في صنعها البيوت المسدسة علي نهج سواء في غاية الاتقان و وضعها العسل فيها و حفها اياه بالشمعة من جميع جوانبه لحفظه من الهواء لئلاّ يصير سمّا قتالاً و غير ذلك من الافعال التي لاتصدر الاّ عن غاية الشّعور و التدبير و لما زعم من لاخبرة له من الحكمة و لابصيرة له في الاخبار ان النحل و امثالها شاعرة دراكة كالانسان بل اعلي منه لانّهم عاجزون عن صنع مثل ذلك و الحال انها و مثلها لاشعور و لاروية لها اتفاقا من العقل و النقل و هكذا ساير مايصدر من فواعل الية@ص12 لاشعور لها اصلاً فالفاعل في ذلك كله غيرها حقا من ذويها من النجار و البناء و الصائغ و الصانع الي ان ينتهي الي صانع الكل الّذي هو مجري الاشياء كلها و جميع الصّنّاع الات بيده و في النحل و اضرابها هو تعالي هو الصانع لماصنعت و هي الات بيده تجريها فيما ينفع خلقه و يحتاجون اليه في محاويجهم جلّت حكمته و علّت كلمته و حكمته و عظمت قدرته فهو جل شأنه هو الخالق لكل شي‏ء وحده وحده وحده دون احد من خلقه من اول الخلق الي آخره و جميع ماسواه سبحانه علل فاعلية لما يجري منها من الاثار و الافعال فالشّمس مثلاً علة فاعلية لانوارها و الاشخاص علة فاعلية لافعالها و اظلالها و عكوسها و اشباحها و هكذا كل مؤثر علة فاعلية لاثره و كل منير علة فاعلية لنوره و الخالق لهم و لاثارهم و انوارهم و افعالهم هو اللّه جل شأنه فالفاعل المؤثر المسبب للجميع من خلق الخلق جميعا من نورهم و هم محمّد و آله: لصراحة اخبارهم المتواترة و بداهة العقول و الالباب المستنيرة فلاعجب في انهم: علة فاعلية لتمام الخلق و لاوجه للانكار بل لاينكر ذلك الاّ ناصب غدار و لايرده بل لايتردد فيه الاّ مكابر فاجر كفار و انما جزاؤهم دارالبوار جهنم يصلونها و بئس القرار و الغرض هنا اثبات امتناع صدور الفعل من فاعل اصلي الاّ عن علم و خبرة و قدرة كما تشاهد عيانا في الكاتب و كتابته و البناء و بنائه و هكذا كل صانع و صنعته فما من ذرة من ذرات صنعته الاّ و فيها و معها علمه و قدرته البتة فلايخلو مكان منها منهما البتة و مع كل علم و قدرة مقام عالميته و قادريته لما عرفت ان العلم متصل بالعالم و القدرة متصلة بالقادر و هما معها اينما كانا لاينفكان عنهما ابد فمقامات كل صانع في تمام ذرات صنعته لاتعطيل لها في كل مكان منها و هي اي هذه المقامات مقام بيانه بها بان لمن سواه و بها عرفه من عرفه فلذا من نظر الي مكتوبات كل كاتب و الي مبنيات كل بناء و الي مصنوعات كل صانع يري مقاماتهم و علاماتهم فيها و يعرفهم بها لانّ هذه الصنايع محال تلك المقامات و تلك المقامات آيات و علامات تدل عليهم فهي اي الصنايع محال معرفتهم و اذا عرفت ذلك بالعيان و عاينته بوضوح البيان لايبقي لك شك في ان سادة اهل الاكوان و الاعيان اعني محمّدا و آله صفوة اهل الامكان صلوات اللّه عليهم من اللّه الملك الحنان المنان ماكر الجديدان و توالي الملوان لايخلو منهم وقت و لامكان و بهم: ملأ اللّه تعالي جميع اقطار الامكان كما في الدعاء: فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت و فيه و مقاماتك و علاماتك التي لاتعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لافرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك و هم: تلك المقامات و العلامات لشهادة نفس الدعاء و غيره و معاضدة العقل القاطع كما عرفت فيما قيل وضوحا و عيانا و هم في كل شي‏ء و مع كل شي‏ء و قبل كل شي‏ء و بعد كل شي‏ء و لايخلو منهم شي‏ء و بهذا يفسر مارأيت شيئا الاّ و رأيت اللّه قبله او معه او بعدهلانّ رؤيتهم رؤية اللّه جل شأنه كما قال رسول اللّه9: من راني فقد رأي الحق كما ان من راي القائم راي زيدا البتة بل لاوجه لرؤيته الاّ رؤية القائم او شي‏ء آخر من صفاته.

غنيمة:الايات الحقيقية للّشي‏ء موافقة معه في كل شي‏ء و الاّ لما دلّت عليه من جميع الجهات فلو خالفته من جهة لما دلّت عليه و بينته من هذه الجهة و اذا لزمت موافقتها معه من كل جهة ارتفعت من بينها البينونة بل انتفت من بينها الاثنينية و جاءت الوحدة و العينية فهي هو و هو هي مع انه هو هو و هي هي فهي هو عيانا و وجودا و ظهورا و كذا هو هي عيانا و اثباتا و وجودا و ظهورا و هو هو كلاًّ و جمعا و وحدة و احاطة و هي هي تعددا و تفرقا و اختلافا و امثلة ذلك كثيرة بل جميع الاثار و المؤثرات امثلته كالماء و ظهوراته و الجسم و مقيداته و زيد و افعاله و هكذا فالقائم آية زيد حقيقة لانّ له مالزيد من جميع الصفات و الاعضاء و لافرق بينه و بينه في شي‏ء الاّ انّه اي زيدا اصل و قائم بنفسه و هو اي القائم فرع و قائم به و هو لايعد مع ساير صفاته و القائم يعد في عدادها و هو لايختلف مع صفاته و هو يختلف معها فهو هو ظهورا و وجودا و عيانا و غيره تعددا و تفرقا و اختلافا و كذا الامر في ماء النهر و البئر و غيرهما بالنسبة الي الماء المطلق و العرش و الكرسي و غيرهما الي الجسم المطلق و كذا كل اثر الي مؤثره و كل فعل الي فاعله ظهورا من العقل القاطع فاذا عرفت ذلك عرفت ان محمّدا و آله: الذين هم آيات اللّه و علاماته في كل مكان و مقام منه سبحانه و اليه لافرق بينه و بينهم في شي‏ء الاّ انه سبحانه رب واحد احد و هم عباده و خلقه متعددون راجعون اليه قائمون به محتاجون اليه فتقهم و رتقهم بيده سبحانه كما هو صريح الدعاء المذكور فهم: هو و هو هم و هو هو و هم هم علي النحو المذكور في الامثال و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الاّ العالمونكما ورد عنهم:: لنا مع اللّه حالات نحن فيها هو و هو نحن و هو هو و نحن نحن و مالم‏يكونوا كذلك لايمكن ان تكون معرفتهم عين معرفة اللّه و عنهم:: بنا عرف اللّه و لولانا ماعرف اللّه و ان معرفتي بالنورانية هي معرفة اللّه عزوجل و معرفة اللّه عزوجل معرفتي الي غير ذلك و هو كثير و يعاضده العقل المستنير فلامجال للشك فيه لكل نقاد خبير بل لكل عامي هو كالحمير بل جميع المعاملات مع اللّه موقعها هم: كما هو ظاهر الخطب و الزيارات و ساير الاخبار مع معاضدة العقل و الاعتبار فكما هم: محال معرفته سبحانه محال محبته و محال عبادته و محال زيارته و هكذا و لايمكن الاتيان بشي‏ء من ذلك الي اللّه تعالي الاّ بالاتيان به اليهم:: فمن اتاهم فقد نجي و من لم‏يأتهم فقد هلك و من اراد اللّه بدء بهم و من وحده قبل عنهم و من قصده توجه بهم صلوات اللّه عليهم ابد الآبدين و دهر الداهرين.

غنيمة: قد ورد في الاخبار نحو ماروي عن اميرالمؤمنين7 و غيره مع معاضدة صحيح العقل و الاعتبار ان كمال التوحيد و حقه و حقيقته نفي الصفات عن اللّه تعالي و المراد كل ما يسمي بالصفة من الصفات الذاتية و الفعلية مطلقا لانّ الصفات جمع محلّي باللام و هو يفيد العموم فكل صفة كائنة ماكانت منفية ممتنعة عن اللّه تعالي لشهادة كل صفة بنفسها و لسان حالها و كينونتها انّها غير الموصوف لانّ كينونتها هي الصدور عن الغير و التبعية و الفرعية له و شهادة كل موصوف بنفسه و لسان حاله و كينونته انه غير الصفة لانّ كينونته التأصل و المتبوعية و القيام بالنفس بالنسبة الي صفته و الاصدار و الاحداث لها و شهادة الصفة و الموصوف بلسان نفسهما و وجودهما بالاقتران و الاتصال معا لانّ الموصوف ماالبست عليه الصفة و شرط صحة صدق هذا الاسم عليه كونه معها و فيها و الصفة مافيها الموصوف و شرط وجودها و تحققها كون الموصوف معها و فيها فشرط كون كل واحد مسمي باسمه اقترانه و اتصاله و تصاحبه بالاخر ففي كل واحد معني الاثنينية و التجزي البتة و هذا موجب التركيب و الحدوث و الافتقار الي الغير البتة و هذا الغير هو مركبهما و قارنهما و من البس علي بدن الموصوف من رأسه الي قدمه لباس الصفة و ادخل في جميع ذرات الصفة شخص الموصوف و وصل كل واحد الي الاخر فلذا يمتنع امتناعا بينا لاشك فيه و لاريب يعتريه ان يكون ذات اللّه جل جلاله موصوف صفة مطلقا لانّه تعالي احد ممتنع عن التركيب و الحدوث و الاختلاف و التعدد و مصاحبة الغير و مصاحبة الغير معه تعالي اللّه عن ذلك كله علوا كبيرا باتفاق جميع الاديان السّماوية و العقول الصحيحة السّليمة فجميع اسمائه و صفاته جل و علا غيره و كذا جميع مسميات هذه الاسماء و موصوفات هذه الصفات غيره تعالي شأنه و هي ما مع الاسماء و الصفات و فيها ملبوسة عليه ثيابها ولكن غيرية هذه الاسماء و المسميات و الصفات و الموصوفات ليست كغيرية ساير الخلق معه سبحانه و لاخلقيتها كخلقيتهم فان الخلق خلق لانّهم لم‏يكونوا في مقام الامكان و كونهم اللّه تعالي و احدثهم منه ثم يعدمون و يعودون اليه مهما شاء اللّه تعالي و كيفما شاء و اذا شاء فبدؤهم العدم و عودهم الي العدم و هم باجمعهم من الامكان و الي الامكان و هم غيره سبحانه لانّ اللّه لم‏يسبقهم عدم و لايلحقه عدم و ليس من الامكان و الي الامكان و لايأكل و لايشرب و لايلبس و لايسكن و لاينكح و لايصح و لايمرض و لايموت و لايحيي و لايفتقر الي شي‏ء و لايلزم شيئا و لايلزمه شي‏ء و هكذا و هم يحتاجون الي كل ذلك و يرد عليهم جميع ذلك و هو غني مطلق و هم فقراء مطلقون و هو مختار مستقل بنفسه في كل شي‏ء و هم مضطرون اليه في كل شي‏ء و لاحول و لاقوة لفرد منهم في حال من الاحوال الاّ به سبحانه و تعالي و امّا خلقية اسمائه و مسمياتها و صفاته و موصوفاتها و غيريتها فليست بهذا المعني لانّ كل نقص يرد عليها يرد علي اللّه لانّها آياته و علاماته تعالي شأنه و الآية تدل علي ذي الآية و العلامة علي ذي العلامة فعلي ماكانتا تدلان علي ان صاحبهما عليه من الكمال و النقص فعدمهما و عدمانهما و افتقارهما و احتياجهما دليل علي عدم صاحبهما و عدمانه و افتقاره و احتياجه البتة فما هو للّه تعالي و اسند اليه و وصف و اثني به منزّه عن جملة ذلك البتة فمعني خلقيتها انّها صادرة منه تعالي و قائمة به لاقائمة بنفسها و هي غيرها غيرية صفة لاغيرية عزلة اي هي باجمعها مسمي و اسما و موصوفا و صفة صفاته تعالي لاعين ذاته و هي للّه و من اللّه و الي اللّه و ليس فيها سوي اللّه و لاالظاهر منها الاّ اللّه و هي محال معاملات اللّه تعالي مع خلقه و محال معاملات الخلق مع اللّه تعالي لايمكن ان يصل من اللّه تعالي شي‏ء الي الخلق الاّ بها و لا ان يصعد من الخلق شي‏ء الي اللّه تعالي الاّ بها.

غنيمة: قال تعالي: و في انفسكم افلا تبصرون و قال: سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال رسوله9: من عرف نفسه فقد عرف ربّه و قال الرّضا7: قد علم اولواالالباب ان الاستدلال علي ماهنالك لايعلم الاّ بماهيهنا الي غير ذلك و المراد من الجميع ان كل احد لايخلو من آية مااراد اللّه تعالي منه من عرفته و معرفة آياته و اسمائه و صفاته و الاّ لما امكن احدا معرفته سبحانه و معرفتها و خالف ذلك ايضا قوله تعالي: معاذ اللّه ان نأخذ الاّ من قد وجدنا متاعنا عنده و قوله: لايكلف اللّه نفسا الاّ مااتيها فاية ماذكرنا في العالم كلّ الاشياء منها ان الجسم مثلاً في ذاته ليست حركة و لاسكون لانّهما فعلان و صفتان بداهة من العقل فهما عرضان يأتيان و يذهبان و يردان و يمحيان و هو جوهر باق قبل ورود كل منهما و بعد ذهابه فلو كان كل واحد منها في ذاته لكان يذهب و يجيي‏ء بذهابه و مجيئه مضافا الي انه لو كانت الحركة في ذاته لكان كل جسم في كل حال و كل مكان متحركا و لو كان السّكون في ذاته لكان كل جسم في كل وقت و مكان ساكنا و لو كانا معا في ذاته لكان كل جسم في كل وقت و مكان متحركا و ساكنا و كل ذلك محال من القول فالمتحرك ليس بذات الجسم كما الساكن ليس بذاته لانّ المتحرك ماثبتت له الحركة و هما مقترنان معا و السّاكن مااتصل به السّكون و هما مقترنان معا فاذا نفيت عن ذات الجسم الحركة نفي عنها المتحرك و اذا نفي السّكون نفي عنها السّاكن و لاشك ان الحركة من دون متحرك محال و كذا السكون من دون ساكن محال فاذا تحرك جسم ظهر بالمتحركية و صدر من المتحرك الحركة و اذا سكن ظهر بالسّاكن و صدر من السّاكن السّكون فالصفة و الموصوف و الاسم و المسمي اي المتحرك و الحركة و السّاكن و السّكون كلاهما ظهوران للجسم قائمان به و ليسا في عين ذاته الي غير ذلك من الامثال و امّا آيته فيك فكل افعالك و حالاتك منها انه لاشك ان القيام و القعود ليسا في ذاتك لانّهما فعلاك يصدران منك و انت لست بفعل يصدر من نفسك و هما يجيئان و يذهبان و انت باق قبل مجيئهما و بعد ذهابهما و لو كان في ذاتك احدهما لكنت مقترنا به دون الاخر في جميع الاحوال و الاوقات و لو كان كلاهما لكنت معهما في جميع الاحوال و الاوقات و كل ذلك خلف بين و محال ظاهر فهما في عرصة افعالك و اعراضك لافي اصل ذاتك بداهة من العقل الواضح و لابد لكل واحد من فاعل يكون من جنسه و من حروف اصوله فللقيام لابد من قائم و هو موافق معه في حروف اصوله و من غيره لايمكن صدوره البتة و للقعود لابد من قاعد و هو علي وفقه في حروف اصوله و لو لم‏يكن كذلك لما امكن صدوره منه البتة فاذا امتنع كون كل واحد منهما في ذاتك امتنع كون فاعلهما و موصوفهما في ذاتك فان فاعل كل و موصوفه علي حسبه و هو مقترن به فاينما كانا كان فاعلهما و موصوفهما و اينما لم‏يكونا لم‏يكونا فلما كانا في مقام ظهورك بشهادة الحس@ص30 كاناهما ايضا في مقام ظهورك فانت تظهر بالقائم و القيام و القاعد و القعود و هما معا قائمان بك تحدثهما و تفنيهما و انت انت في كلا الحالين علي السّواء و قس علي ذلك جميع احوالك و اعلم انه علي هذا النسق جميع الاشخاص و الاشياء و اعرف ان الامر في اللّه و في اسمائه و صفاته ايضا كذلك علي مامرّ في الغنيمة الماضية و هو شرح ماقال اميرالمؤمنين7 و ساير المعصومين: و نصّوا به بالنص القاطع.

غنيمة: اذا نظرت الي نفسك و الي كل شي‏ء رأيت عيانا انك و انه لم‏يكونا ثم كانا و رأيت انك ماكونت نفسك و لاكونك من هو مثلك و كذا ماكونت انت غيرك و لامن هو مثله و مثلك و انت و هو مكونان حسا و بداهة فلابدّ لك و له من مكوّن كونك و كونه و لابد و ان لايكون هو مثلك و مثله و الاّ لكان هو ايضا مكونا مثلك و مثله و كان له مكون بالكسر البتة او نقول لاشك و لاريب ان كل فعلية ترد علي مادة في وقت دون وقت و في مكان دون مكان ليست هي من ذاتية هذه المادة البتة لانّ الذاتي لايختلف و يتخلف ابدا كماتري ان الجسم كان من ذاتيته الصول و العرض و العمق فاينما كان جسم و متي ماكان كانت له هذه الثلثة و لايكاد يوجد جسم في وقت و مكان لم‏يكن له شي‏ء منها و امّا ساير الصور و الفعليات التي تثبت عليه في وقت دون وقت و في مكان دون مكان كالحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و النور و الظلمة و الكبر و الصغر و العلو و الدنو و اللطافة و الكثافة و الحركة و السّكون و الشّرافة و الدناءة و الحسن و القبح و الثقل و الخفة و غير ذلك من كل مايثبت عليه حينا و ينفي عنه حينا و يثبت عليه مكانا و يمحي عنه مكانا و يكون علي جسم و لايكون علي آخر فكل ذلك عوارض تعرض عليه من الخارج و ليست من اصل ذاته البتة و اذا نظرت رأيت ان كل ماسوي الجسمية من كل فعلية فهي عارضة عليه بالبداهة و لاشك انها ‏لاتعرض نفسها عليه لانّها فيه معدومة و المعدوم لايمكن ان يحدث نفسه و لايمكن ان يعرضها نفس الجسم علي نفسه لانّه في نفسه عادم لها و العادم للشي‏ء لايمكن ان يكون معطيه و معني ذلك ان الجسم قوة لتمام تلك الفعليات العارضة عليه و القوة لاتقتضي بنفسها فعلية لانّها عدم الفعلية و العدم لايقتضي الوجود ابدا فلابد لاستخراج تلك الفعليات من قوة الجسم من وجود مخرج خارج من حد القوة و الفعلية حتي يخرجها من ممكن غيبها الي الوجود و الشّهود و علي هذا المنوال امر تمام العوالم فان فيها مقام امكان و قوة و مقام فعليات و لايخلو عالم من هذين النوعين فان المقام السّاري في تمام اشيائه مقام المادة و القوة و الامكان و مقام كل خصوصية مقام الصورة و الفعلية و القوة في كل عالم مقام عدم الفعلية و الفعلية في كل عالم معدومة في القوة و العدم لايقتضي الوجود ابدا و المعدوم لايمكن ان يوجد نفسه ابدا فلابد في كل عالم من مخرج خارج من حدّ قوة هذا العالم و فعلياته حتي يمكنه ان يخرجها منها الي الشّهود و هو الصانع للكل جل و علا فهو سبحانه ليس كمثله شي‏ء كما اخبر عن نفسه و هو الّذي يخرج الفعليات في كل عالم من امكانه الي مقام شهوده و هو الّذي يعطي و يمنع و يضر و ينفع و يوجد و يعدم و يحيي و يميت و يظمي‏ء و يروي و يجوع و يشبع و يسر و يحزن و يذكر و ينسي و يبقي و يفني و يعز و يذل و يهدي و يضل و هكذا لاحول و لاقوة الاّ به و ليس لاحد من دونه من الامر شي‏ء و لايملكون لانفسهم نفعا و لاضرا و لاموتا و لاحياتا و لانشورا و هو سبحانه المالك لما ملكهم و القادر علي مااقدرهم عليه و تحسبهم ايقاظا و هم رقود و نقلبهم ذات اليمين و ذات الشّمال فهذا معني قول اميرالمؤمنين7: عرفت اللّه بفسخ العزائم و نقض الهمم و لاشك انه تعالي لايجري شيئا و لايحدث خلقا الاّ بعلمه و قدرته كما عرفت انه لايمكن ان يصنع صانع الاّ بعلم و قدرة و عرفت ان العلم مربوط بالعالم و القدرة بالقادر و العالم و القادر ليسا بذاته سبحانه لانّهما مقرونان بالعلم و القدرة و العلم و القدرة يشهدان انهما غير العالم و القادر و العالم و القادر يشهدان انهما غير العلم و القدرة و العالم و العلم يشهدان بالاقتران و كذا القادر و القدرة يشهدان بالاقتران و الاقتران يشهد بالاثنينية و التجزية و التركيب و كل ذلك ممتنع عن الذات الاحدية فبشهادة العقل القاطع و النص السّاطع كما مرّ سابقا العالم و القادر خلقان له تعالي و هما غيراه  بالغيرية الوصفية لا العزلية و هما اشرف البرية و هم محمّد و آله خير الوري سجية صلوات اللّه عليهم بكرة و عشية فهم الذين بهم خلق اللّه الخلق و اخرج الاكوان من مكمن الامكان الي الفعلية و لما كان مع كل صنعة علم الصانع و قدرته و الاّ لما صنعت ابدا و مع العلم و القدرة العالم و القادر ابدا لانّه لاينفك موصوف عن صفة ابدا فهم: مع كل شي‏ء و في كل شي‏ء و لايمكن ان يخرج شي‏ء عن تحت سلطانهم و لايمكن ان يتحرك متحرك الاّ بتحركهم و لا ان يسكن ساكن الاّ بتسكينهم كما في زيارتهم: بكم تحركت المتحركات و سكنت السّواكن صلوات اللّه عليهم.

غنيمة: فلايخلو خلق في حال من خلقه و تقديره سبحانه ابدا سواء في ذلك الجواهر و الاعراض و الفواعل و الافعال و المفعولات و العلل و المعلولات و الاسباب و المسببات و الخيرات و الطاعات و المعاصي و السّيئات و الخواطر و الافكار و البداوات و هكذا كل مايسمي بالشّي‏ء و يطلق عليه الخلق فان الجميع مخلوقون و هو سبحانه خالقهم و المصنوعون و هو صانعهم و لم‏يخلق شيئا و لم‏يصنع خلقا بقدرته و مشيته و ارادته و قدره و قضائه كما في الحديث: مامن شي‏ء في الارض و لا في السّماء الا بسبعة بمشية و ارادة وقدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب و يشهد بذلك محكمات الكتاب و اخبار الاطياب و بداهة العقل المستطاب فحصل لنا من ذلك ان لاحول و لاقوة الاّ به و مايؤمن مؤمن و لايكفر كافر و لايطيع مطيع و لايعصي عاص و لايتقرب متقرب و لايبعد مبعد و لايترقي مترق و لايتنزل متنزل و لايصعد صاعد و لايهبط هابط و هكذا لايتحرك متحرك و لايسكن ساكن و لايتغير متغير و لايخطر خاطر ببال احد الاّ بمشيته سبحانه و قدرته و فعله و اجرائه تعالي شأنه لايشركه في ذلك احد من اول الخلق و آخره فكل افعاله سبحانه افعال فعليه و افعال تمام خلقه افعال انفعالية لانّه تعالي هو الفاعل في جميع الاحوال و هم المنفعلون من افعاله في جميع الاحوال فهو يقيمهم و هم قائمون و هو يقعدهم و هم قاعدون و هو يحركهم و هم متحركون و هو يسكنهم و هم السّاكنون و هو مغيرهم و هم متغيرون و هو مصعدهم و هم الصاعدون و هو مهبطهم و هم هابطون و هكذا و انهم جميعا الا ك@ص39 البناء مهما اصعده الي الاعلي صعد علي حسب اصعاده و مهما اهبطه هبط علي قدر اهباطه ليس له من نفسه و بنفسه من دون البناء صعود و لانزول فلاحول و لاقوة له الاّ به فكيف يعقل تفويض في جميع العوالم و الاشياء و الفعل فعله سبحانه و القدرة قدرته و الخلق خلقه تعالي شأنه فاشرك به من زعم في مقام و في خلق تفويضا و امّا ماذكرنا و شاهدت بالعقل و العيان انه تعالي لايفعل الاّ بقدرته و قدرته مقرونة بالقادر و هما شيئان مركبان فليس ذاته تعالي شأنه بقادر و لابقدرة و هما خلقان له تعالي و هما محمّد و آله: فهم المجرون للافعال و الفاعلون في جميع الاحوال فلايلزم من ذلك تفويض ابدا كما زعم الناصبون لهم: و المنكرون لفضائلهم صلوات اللّه عليهم لانّه لاشك لعاقل انه لايمكن ان يفعل احد فعلاً و ان يصنع صانع صنعا الاّ بقدرته و لايقدر الاّ اذا كان قادرا فقدرته مقرونة بقادره و قادره مقرون بقدرته و هما شيئان و هو شي‏ء واحد و ليس الواحد اثنين و لا الاثنان واحدا فهما غيره ولكن ليسا الاّ وصفه و ظهوره و وصف الشّي‏ء ليس بمعزل عن الشّي‏ء و لايفرد عنه و لايعد معه و ليس هو معه اثنين فليس بشي‏ء آخر حتي قيل انه فوض اليه امره كما ان يدك ليست بشي‏ء آخر غيرك حتي اذا قيل انك تكتب بيدك يلزم منه تفويضك الكتابة اليه و امر قدرتك من هذا اعظم و اظهر فان اليد ينفصل منك و هو عضو بدنك الّذي هو غيرك بالغيرية العزلية و قدرتك فعلك و هو غيرك بالغيرية الوصفية فاذا قيل انك تكتب بقدرتك لايخطر بخاطر انك فوضت امر كتابتك الي غيرك و استرحت منها بل لايعقل ان يقال انك لاتكتب بغير قدرتك و من تفوه بذلك في المثل قبحه كل غبي فضلاً عن عاقل زكي فواللّه الامر كذلك في اللّه تعالي و قدرته فهو سبحانه لايفعل و لايخلق و لايرزق و لايحيي و لايميت الاّ بقدرته و بمقام قادريته و لا لاحد ان يخطر بباله انه فوض الي غيره امور ملكه تعالي اللّه عن ذلك علوا كبيرا فلافرق بين ان يقال ان اللّه تعالي يجري الامور بمحمّد و آله: فلايفقد احد اجراءهم و تدبيرهم و تأثيرهم في حال من الاحوال فلكل احد و علي كل فرد ان يلتمس كل مايريد وقوعه او رفعه من حضرتهم صلوات اللّه عليهم خاشعا متذللاً و بين ان يقال انك تجري جميع الحروف و الكلمات بقضّها و قضيضها من قدرتك او من يدك و علي كل حرف و كلمة ان يسأل وجوده و مايلزمه و يحتاج اليه من باب قدرتك و يدك خاشعا متذللاً فكما لايلزم هيهنا تفويض لايلزم هنالك و كما لايلزم في هذا المقام شرك بك لايلزم في ذلك المقام شرك باللّه تعالي بل هو عين الواقع و معني السّلوك الي اللّه تعالي و حقيقة توحيده و كمال تفريده بالجملة لافعل الاّ من اللّه تعالي و لاانفعال الاّ من الخلق و لذا تسأل من اللّه تعالي كل شي‏ء حتي الايمان و الطاعة و البعد عن الكفر و المعصية و الترقي اليه و القرب منه و تستعيذ من الكفر و النفاق و الضلال و المعصية و التنزل و البعد عنه و هكذا كما احتوي بذلك جميع الادعية و الاذكار و الاوراد فمعلوم ان كل ذلك و امثاله منوط باجرائه و جميعها بيده ماشاء اللّه كان و مالم‏يشأ لم‏يكن و جميع هذه التدبيرات و التأثيرات بقدرته سبحانه و هم: قدرته السّارية في كل شي‏ء و القدرة من دون القادر محال و هم مقام قادره و لايلزم من ذلك شرك و تفويض ابدا كيف و جميع الملائكة خدامهم: كما قالوا: ان الملائكة لخدامنا و خدام شيعتنا بل هم مخلقون من نور اميرالمؤمنين7 كما هو صريح اخبارهم و لاشك ان المنير علة فاعلية لتمام انواره لولاه لما كانوا ابدا و لولا تأثيره و فعله لم‏يصدر من فرد منهم اثر ابدا فكل تأثيرات الانوار راجعة الي منيرها البتة و كل افعالها افعاله لامحالة و هي لاتصدر الاّ عن امره و حكمه فكذلك الامر في الائمة: و الملائكة و لاانكار بل لاشك لاحد في ان الملائكة منهم مقدرات و منهم مدبرات و منهم موكل بالتأييدات بل جميع التأثيرات كروح القدس و منهم موكل بالرزق كميكائيل و منهم بالاحياء كاسرافيل و منهم بالاماتة كعزرائيل و منهم بالخلق كجبرائيل و هكذا فاذا اذعنوا بان هؤلاء فاعلون لهذه الافعال و هم الخدمة و الانوار كيف ينكرون ان سادتهم و منيريهم و مؤثريهم صلوات اللّه عليهم فاعلها و مجريها بل فوالله لايملك ملك شيئا الاّ بتمليكهم و لايقدرون علي شي‏ء الاّ باقدارهم بل لايصعدون الاّ بتصعيدهم و لاينزلون الاّ بتنزيلهم و لايتحركون من مكانهم الاّ بتحريكهم و لايسكنون الاّ بتسكينهم جعلنا اللّه من المؤمنين بهم و من المحشورين في زمرتهم بحقهم و حرمتهم صلوات اللّه عليهم.

غنيمة: كما لاتفويض في الخلق و لافي الشّرع ابدا لاجبر فيهما ابدا امّا انه لاتفويض فلما عرفت ان الخالق و الفاعل هو اللّه جل شأنه لاشريك له في الافعال مطلقا و انما الخلق علل فاعلية لافعالهم و اثارهم و صنايعهم و العلة الفاعلية للجميع في جميع الاحوال اول خلقه سبحانه صلوات اللّه عليهم و اللّه سبحانه ليس بعلة مطلقا لانّ العلة فيها ذكر المعلول و هي مقترنة به و لاتتم بدونه و ليس في ذات اللّه جل جلاله ذكر من غيره و لايعقل اقترانها بغيره و احتياجها الي غيره و امّا انه لاجبر فلأنّ كل فعل مستند الي فاعله و بدؤه منه لا من غيره من حق و خلق و عوده اليه لا الي غيره من حق و خلق كما تري ان قيام زيد لايسند شرعا و عرفا و لغة و حقيقة و مجازا و عند اللّه و عند الخلق و في الدنيا و في الاخرة الاّ الي زيد و بدؤه منه لامن اللّه تعالي و لا من احد من الخلق دونه ضرورة انه تعالي لم‏يقم بقيام و لم‏يقم خلق بقيامه و لايمكن ان يقوم خلق و لا حق بقيامه و كذا عوده و نهايته اليه لا الي اللّه و لا الي خلق آخر و كذا ساير ماصدر منه من الافعال فكلها مستندة اليه مبتدءة منه منتهية عائدة اليه و لايعقل دخالة غيره و لاشراكته معه في شي‏ء فهو باكله آكل و بشربه شارب و بنومه نائم و بيقظته يقظان و بحركته متحرك و بسكونه ساكن و بنطقه ناطق و بسكوته ساكت و هكذا لا احد سواه من الحق و الخلق بل لايعقل و لايتصور ان يكون غيره بشي‏ء من افعاله فاعل او يكون هو و غيره بشيء منها بالاشتراك فاعلين او يكون لغيره في شي‏ء منها دخل و لو جزئيا و كذا ليس هو بفعل من افعال غيره فاعلاً لابالاستقلال و لابالشّراكة علي نحو الفرز او الاشاعة فاذا لم‏يأكل و اكل جميع العالم لم‏يكن آكلاً باكلهم و اذا لم‏يشرب و شرب جميع العالم لم‏يشرب بشربهم و هكذا و هذا ظاهر لاسترة عليه عند جاهل فضلاً عن عاقل فكل فعل ببداهة كل عقل من فاعله و مستند منسوب اليه فحركة الاشجار مثلاً منسوبة اليها و منها و اليها و ان كانت بالريح و حركة الريح مضافة اليها و منها و اليها و ان كانت بتمويج الهواء و تمويج الهواء مضاف اليه و منه و اليه و ان كان بتأثير الكواكب و اقتراناتها و حركة الكواكب و تأثيراتها مضافة اليها و منها و اليها و ان كانت بالكرسي و حركة الكرسي مضافة اليه و منه و اليه و ان كانت بالعرش و حركة العرش مضافة اليه و منه و اليه و ان كانت بتحريك المثال و حركة المثال مضافة اليه و منه و اليه و ان كانت بالمادة و هكذا الي ان حركة جميع العوالم بالعقل الفعال و حركته مضافة اليه و منه و اليه و ان كانت بمشية اللّه تعالي و حركة المشية مضافة اليها و منها و اليها و ان كانت من نفسها و بنفسها و هي بتحريك اللّه تعالي اياها بها فكل الحركات في كل مخلوق و ان كانت بالمشية و من المشية و لولاها لم‏يتحرك شي‏ء في وقت و مقام ابدا بل لم‏يكن شي‏ء ابدا ولكن حركة كل فرد مضافة اليه و منه و اليه بالبداهة فطاعة كل مطيع منه و اليه و مضافة اليه و ان كانت بتوفيق اللّه تعالي و معصية كل عاص منه و اليه و مضافة اليه و ان كانت بخذلان اللّه و ايمان المؤمن مضاف اليه و منه و اليه و ان كان بامداد اللّه تعالي و كفر الكافر مضاف اليه و منه و اليه و ان كان بتخلية اللّه نعوذ باللّه و كل مجزي بعمله و فعله في الدنيا و الآخرة ان خيرا فخيرا و ان شرّا فشرّا و الحق و الخلق يسميان كل احد بما فعل و صدر منه علي نحو الحقيقة فيسميان من صدر منه الايمان مؤمنا حقيقة و الكافر كافرا علي الحقيقة و المصلي مصليا علي الحقيقة و الزاني زانيا علي الحقيقة و هكذا و ليس اللّه بايمان احد مؤمنا و لابكفر كافر كافرا و لابصلوة مصل مصليا و لابزناء زان زانيا و هكذا و كذا ليس خلق مسمي باسم من هذه الاسماء او شي‏ء من امثالها اذا لم‏تصدر منه هذه الافعال و اشباهها و ان صدرت من غيره من جميع الخلق فكما لم‏يكن و لايمكن ان يكون غير المؤمن مؤمنا و غير الكافر كافرا و غير المطيع مطيعا و غير العاصي عاصيا لم‏يكن و لايمكن ان يكون غيرهم مجزيا بجزائهم و لايمكن ان لايجزي انفسهم بجزائهم لانّ الجزاء لازم للعمل بل هو عينه فلابد و ان‌يخلد المؤمن و المطيع في دار النعيم بايمانهم و طاعتهم و الكافر و العاصي في نار الجحيم بكفرهم و عصيانهم و لاظلم و لاجبر ابدا و ان كان اللّه تعالي فاعل الكفر و المعصية في عبد كما زعمت الجبرية فهو اظلم الظالمين حين عذبهم بنار الجحيم لانّه ليس ظلم ابين و اظهر من جعل شخص عبده علي مخالفته ثم تعذيبه اياه عليها هذا في الشّرع و امّا في الكون فعلي هذا السّياق كل موجود صار هو هو بانوجاده و انفعاله فصيرورته نفسه باختياره و ان كان بتصيير اللّه تعالي و هي مضافة اليه و منه و اليه و ان كان بخلق اللّه فهو يسمي باسمه لاالحق و لاالخلق و هو موصوف بوصفه لاالحق و لاالخلق و هو مأخوذ بلوازم وجوده لاالحق و لاالخلق فمعني الاختيار ان يكون فعل الحق فعل الحق و فعل الخلق فعل الخلق و معني الجبر ان يكون فعل الخلق فعل الحق و معني التفويض ان يكون فعل الحق فعل الخلق و كل هذين باطل و محال بضرورة العقول و الاديان و مصدر ذلك اي بطلانهما و استمحالهما ان كل فعل صادر من فاعله لامن غيره و هو مستند اليه لا الي غيره و انما خلق اللّه تعالي كل شي‏ء علي صورته و صفته ‏اي صورة هذا الشّي‏ء و صفته لاقتضاء نفسه و ان كان المقتضي و المقتضي و الاقتضاء في الخلقة متساوقة من دون تقدم و تأخر و كذا هدي اللّه تعالي المؤمنين بايمانهم لميل نفوسهم اليه و اقتضائهم له و اختيارهم اياه و لعن الكافرين بكفرهم لميل نفوسهم اليه و اقتضائهم له و اختيارهم اياه فافهم راشدا موفقا هذا بيان الاختيار و امتناع التفويض و الاجبار علي المذهب المختار لا كما زعم اهل الظاهر من الناس من ان الاختيار هو المركب من الامرين و هذا كان يقول احد ان البول نجس و الغايط نجس و هما معا طاهران و لا كما زعم اهل باطنهم من ان الخلق كلهم هو اللّه في المبدء و المآل فلا بينونة بينها حتي يقال فوض الي غيره امرا او اجبره علي امر و هو كفر صراح لانّ اللّه تعالي خلو من خلقه و خلقه خلو منه و كل مايجب في الواجب فهو ممتنع في الممكن و كل مايمكن في الممكن فهو ممتنع عن الواجب و لايجري علي اللّه تعالي ماهو اجراه و لايعود فيه ماهو ابداه كما هو صريح النص مضافا الي العقل القاطع من ان المقيد بشي‏ء و لو كان علي نحو اشرف يمتنع صدور هذا الشّي‏ء و غيره منه رأسا كما ان الكاتب لو كان فيه الالف و الباء و غيرهما لامتنع صدور هذين و غيرهما منه ابدا كما لايصدر من الالف الف و لاغيره و من الباء باء و لاغيره و هكذا و اما الكاتب فيصدر منه الجميع لانّه بري‏ء في ذاته عن الجميع فافهم فانه ظاهر.

غنيمة: كل مافيه خصوصية يمتنع صدورها منه كما ان الفخار لايمكن صدوره من نفسه ولكن الفاخور لما كان مجردا من خصوصية يصدر عنه جميع انواعه و البناء لايصدر عنه نفسه ولكن البنّاء لما كان مجردا عن خصوصية يصدر عنه كل نوع منه و السّرير لايصدر عن نفسه ولكن النجار لما كان مجردا عنه يصدر عنه كل نوع منه و الحروف لاتصدر عن نفسها ولكن الكاتب لما كان مجردا عنها يصدر عنه جميعها و هكذا فكذلك اللّه تعالي لو كان فيه خصوصية من خلق لايمكن صدوره عنه كما لايمكن صدور هذا الخلق عن نفسه و عن مثله فلما كانت المخلوقات باسرها صادرة عنه وجب ان يكون في ذاته مجردا عن جميع خصوصياتها فليس هو سبحانه عرشا و لافرشا و لاسماءً و لاارضا و لانباتا و لاجمادا و لاحيوانا و لاانسانا و لاملكا و لاجنّا و لانبيا و لاوصيا و لااولاً و لاآخرا و لاجوهرا و لاعرضا و لاعلة و لامعلولاً و لافعلاً و لافاعلاً و لامفعولاً و هكذا لانّه تعالي خالق جميعها ببداهة العقول و الاديان كما اخبر عن نفسه ليس كمثله شي‏ء و هو معني كونه سبوحا قدوسا و معني سبحان ربي العظيم و سبحان ربي الاعلي و هكذا و هنا رد واضح علي وحدة الوجود و وحدة الموجود كما لايخفي.

غنيمة: كلما يظهر بالصفات المختلفة يجب ان يكون في ذاته بريئا عن جميعها كما ان زيدا لما كان يظهر بالقيام و القعود و غيرهما ليس في ذاته قيام و قعود و لاغيرهما لانّها مختلفة متعددة و هو واحد ليس فيه اختلاف و لايمكن ان يكون المتعدد عين الواحد و المختلف عين مالااختلاف فيه و قد ثبت بالعقل و النقل و الضرورة و الاتفاق ان لله تعالي اسماءً كثيرة و صفات متعددة يجب علي المكلف الاعتقاد بها علي اختلافها و تعددها و يتوسل بها و يدعو اللّه تعالي بها عند حوائجه المختلفة و مطالبه المتعددة فوجب ان يكون اللّه تعالي في ذاته بريئا مجردا عن جميعها لانّه تعالي واحد احد و هي مختلفة متعددة و لايمكن ان يكون كما سمعت المتعدد عن الواحد و المختلف عين الاحد.

غنيمة: كل مايظهر بشي‏ء فهو صفته و فعله لاشي‏ء مباين عنه كما ان زيدا يظهر بالقيام و القعود و غيرهما و هي باجمعها صفاته و افعاله و ليست مباينة عنه كما ان صنايعه مباينة عنه فالفرق بينها و بين صنايعه ان صنايعه لم‏تصدر منه و هو لم‏يظهر بها و انما هو خلقها و صنعها من مادة مباينة عن مادته و علي صورة مباينة عن صورته و امّا صفاته و افعاله فهي صادرة منه و هو ظاهر بها قد صنعها من مادة نفسه و علي صورة نفسه فلذا لافرق بينها و بينه مادة و صورة الاّ انه اصل قائم بنفسه و هي قائمة به فكذلك اللّه تعالي لما كان ظاهرا باسمائه و صفاته و كانت هي صادرة منه كان لافرق بينها و بينه الاّ انه قائم بنفسه و هي قائمة به و امّا ساير خلقه فمن مادة الامكان و علي صور انفسهم و ليس صدورهم من اللّه تعالي و ليس اللّه ظاهرا متجليا بهم و من زعم ذلك فقد خبط خبط عشواء و وقع في تيه وحدة الوجود و هي مضلة واضحة و امّا ماسمعت من بعض الواقفين علي نقطة الحكمة علي نحو الحقيقة و من بعض اخبار اهل العصمة: مما يدل بظاهره علي كون الخلق اسماء اللّه و صفاته فالمراد انهم محال اسمائه و صفاته‏ اي انها قد تعلقت بهم و ان خلقهم لايمكن بدونها و انّها معهم و فيهم اينما كانوا كما سمعت سابقا ان علمه تعالي و قدرته و حكمته و هكذا ساير صفاته الالهية اللازمة للخالقية مع جميع مخلوقاته و فيها و لايخلو مكان منها كما ان علم كل صانع و قدرته و ساير صفاته اللازمة لصانعيته مع مصنوعاته و فيها و لايخلو مكان من امكنتها منها.

غنيمة: تلك الصفات ليست في مرتبة واحدة بل بعضها مكنون مخزون عنده سبحانه لايطلع عليه غيره و هو خال عن كل تركيب و اختلاف علي حسبه سبحانه لافرق بينه و بينه الاّ انه عبده و خلقه قائم به و بعضها مقدم و بعضها مؤخر و بعضها اعلي و بعضها ادني كما ان علمه سبحانه مقدم علي قدرته و هو اعلي منها لانّه تعالي بعلمه يقدر علي كل شي‏ء و يقدره كيفما شاء و قدرته مقدمة علي ساير افعاله و صفاته و تصرفاته في كافة مذروءاته و هي اعلي من جميعها لانّ بقدرته يفعل مايشاء و يظهر بما يشاء و يخلق مايشاء و لولا قدرته لم‏يمكن صدور شي‏ء منه تعالي و لايمكن خلقه بشي‏ء كما ان كل صانع يكون كذلك و هم امثال له تعالي في ملكه فانه مالم‏يكن لصانع علم بصنعته و قدرة عليها بعده لم‏يمكن له صنعها فجميع مراتب صنعته و تمام ذراتها صادرة عن علمه و قدرته و كاشفة عنهما و دالة عليها.

غنيمة: علمه تعالي و قدرته تعالي لانهاية لها ابدا كما ان كل كمال منه تعالي لانهاية له لانّ الوصف المتناهي يدل علي ان موصوفه متناه و اللّه سبحانه لانهاية لذاته لانّ المتناهي محدود و كل محدود مركب و كل مركب حادث و اللّه سبحانه متعال عن ذلك كله فلما كانت ذاته غير متناهية وجب ان تكون صفاته غير متناهية مع ان الكمال لايتناهي الاّ بمداخلة النقص فالعلم لايتناهي الاّ بمداخلة الجهل و القدرة لاتتناهي الاّ بمداخلة العجز و هكذا و اللّه تعالي متعال عن كل نقص فعلمه سبحانه لاجهل فيه ابدا و قدرته لاعجز فيها ابدا فهما غير متناهيين ولكن لم‏يخلق اللّه تعالي من مايعلم و مما يقدر عليه الاّ خلقا محدودا معدودا متناهيا كما ان باصرتك غير متناهية في الابصار و سامعتك في السّمع و شامتك في الشّم و ذائقتك في الذوق و لامستك في اللمس ولكن ماابصرت الاّ الوانا معدودة متناهية و ماسمعت الاّ اصوات معدودة متناهية و ماشممت الاّ روايح معدودة متناهية و ماذقت الاّ طعوما معدودة متناهية و مالمست الا كيفيات معدودة متناهية و نسبة مااحسست من هذه المحسوسات الي مالم‏تحس و تقدر عليه حواسك كنسبة سمّ الابرة الي العالم بل اقل و اقل لانّه لانسبة لمايتناهي الي مالايتناهي و ان عبر حكيم عن نسبة بينهما كقولنا انّها كسمّ الابرة فهذا محض التعبير و ليس الاّ لاجل التفهيم فنسبة ماخلق اللّه من العوالم و المخلوقات الي مايعلمه و يقدر عليه مما لم‏يخلق كنسبة المتناهي الي غير المتناهي فلا نسبة بينهما و ان عبرنا عن نسبة قلنا كسمّ الابرة الي العالم و هذا معني نظر النبي9 ليلة المعراج من مثل سمّ الابرة الي نور العظمة فان ماخلق اللّه تعالي ظهور انوار عظمته جلت عظمته و نسبته الي مالم‏يخلق من ظهور تمام انوار عظمته كسمّ الابرة و هو9 نظر من منظرة ماخلق سبحانه الي تمام نور العظمة حيث انه تعالي خلقه نفس عظمته كما خلقه نفس تمام كمالاته و كل كماله لانهاية له فافهم.

غنيمة: قد يعبر عن صفات اللّه تعالي بالابحر لاجل سعتها و احاطتها و بالحجب لاجل تعددها و اختلافها و كونها غيرها ولكن من دون مباينة بينه و بينها و قد خلقها اللّه تعالي كلها من فعله و غمس نبيّه9 كذا عترته الانجبين عليهم صلوات المصلين قبل خلق الخلق بالف الف عام فيها و حجبهم تحتها و بلغهم في الغمس و الحجب مبلغا جعلهم نفسها فهو سبحانه المحتجب و هم: حجبه و هم الابحر المخلوقة قبل كل شي‏ء الواسعة لكل شي‏ء المحيطة بكل شي‏ء و كل لاحق منها مخلوق من سابقه و هي مراتب افعاله و صفاته ‏المترتبة المختلفة و مثال ذلك فيك انه يخلق منك نيتك اولاً و هي بحر واسع يسع كل فعل يصدر منك و مالايصدر و انت تصلح له و تقدر عليه ثم يخلق من نيتك ابصارك للالوان و الاشكال و هو بحر محيط يسع فكل لون و شكل في العالم مما خلق و مالم‏يخلق ثم يخلق من ابصارك مبصراتك و هي ابحر واسعة فان منها ماابصرت من الارض الي السّماء اذا نظرت منها اليها و هو بحر طرف منه في الارض و طرف منه الي السّماء فهو في السّعة كما بين الارض و السّماء و منها ماابصرته عرضا و هو علي اقسام قسم ماتبصره من الشّرق الي الغرب او بالعكس و هو بحر علي مدّ بصرك من الطرفين و قسم ماتبصره من الجنوب الي الشّمال او بالعكس و هو علي سعة نظرك منهما و قسم ماتبصره من الامام الي الوراء او بالعكس و هو علي سعة نظرك منهما و قسم ماتبصره من الجنوب الي المشرق او بالعكس و هو علي سعة نظرك منهما و قسم ماتبصره من الشّمال الي المشرق او بالعكس و هو علي سعة نظرك منهما و هكذا و كذا حال جميع حواسك بالنسبة الي محسوساتها فان محسوسات كل حاسة افعال احساسها فانها عند الخبير@ص65 ليست اعيان اشياء خارجة بل مطابقة معها و هي مفاعيل مطلقة احساساتك و الاحساس فعل الحاسة و هو بحر لانهاية له لانّه صالح لكل مافي صقعه من المحسوس مما خلق و مالم‏يخلق و علي هذا الحكم تمام حواسك البرزخية و حواسك الاخروية اي انّها فواعل احساساتها و هي مبادي حصول محسوساتها و كل محسوس بحر علي سعة المحسوس الخارجي من الدنيوي و البرزخي و الاخروي.

غنيمة: لما كانت حقايق صفوة الايجاد محمّد و آله السّادات الامجاد عليهم صلوات اللّه الملك الجواد اسماء اللّه تعالي و صفاته ببداهة العقول و الاخبار كان يظهر من ابدانهم البشرية اثار القدرة و الاعجاز فكان لكل منهم: ما لجميع الانبياء و الاوصياء من المعجزات و مالم‏يكن لهم بل ماكان للانبياء و الاوصياء و الاولياء و الملائكة من المعجزات و الكرامات و خوارق العادات كان من آثار قدرتهم حيث كانوا مخلوقين من اشعة انوار اجسامهم: بل كان من اعطائهم و تأييدهم: حيث ان حقيقة النور و ماله من الاثار لايمكن ان يكونا الاّ من منيره و من اعطائه اياه بالجملة لماكانت حقيقتهم: حقيقة علم اللّه تعالي كانوا يعلمون كل شي‏ء مما كان و مايكون و لما كانت حقيقة قدرة اللّه كانوا يقدرون علي كل شي‏ء فمن قدرتهم: انهم يمشون علي السّهل و لم‏يتأثر من اقدامهم الشّريفة و علي الجبل و كل صخرة و يتأثران منهما فيبقي اثار اقدامهم فيها الاّ ان يشاءوا محوها و يمشون في الشّمس و لم‏يكن لهم ظل ابدا حتي ان ثيابهم و اكسيتهم اذا كانت معهم و عليهم لم‏يكن لها ظلّ و ان خلعوها و لبسها غيرهم يظهر لها ظلّ و كان يظهر من ابدانهم و البستهم: طيب لاجل مايخرج منهم من العرق و البخار اطيب من المسك و العنبر بل لايشبه طيبا في الدنيا حتي ان مايدفع منهم كان اطيب من المسك و كان لايراه احد و كان دمهم طاهرا بل شفاءا من الامراض الظاهرة و الباطنة و جنةً من نار القيمة كما شرب الحجام دم النبي9 و صار له بقوله9 شفاءً من جميع الاسقام و جميع المعاصي و جنةً من نار الجحيم و لما كانت حقيقة نور اللّه تعالي كان يظهر من ابدانهم: نور يقلب علي نور الشّمس كما كان يظهر من اصابع النبي9 مشاعل نور و من وجهه في الليلة الظلماء نور تجد من زوجاته9 ماتفقده من الابرة و هكذا حتي ان نورهم: في اصلاب ابائهم و ارحام امهاتهم كان يظهر اثره من جبهتهم فماكان في صلب و رحم كان لصاحبه نور و اذا انتقل منه الي غيره انتقل منه اليه و بذلك كان يعرف تحول نورهم: و انتقاله من اب الي اب و من امّ الي امّ و كان من غلبة نور ابدانهم: انه قد كان يظهر من البستهم و ان لم‏يلبسوها كما كان يظهر من ملحفة فاطمة3 في بيت صالح اليهودي فكانت فيه كالسّراج الوهاج و بذلك اسلم صالح و قومه بالجملة اثار كمالاتهم التي هي عين كمالات اللّه تعالي الظاهرة من ظواهرهم فضلاً عن بواطنهم مما لاتسعه الدفاتر و لاتحويه الخواطر و هي مما اشتهر بين الاكابر و الاصاغر و هي اظهر من نيران علي المناير.

غنيمة: ان الامكان كما ذكرنا متعلق فعل اللّه تعالي و اسمه و صفته و ليس هو و ماصنع منه بفعله سبحانه و لاباسمه و صفته جلّ و علا لانّ فعل كل احد و اسمه و صفته صادرة منه عائدة اليه موافقة معه و هو فيها و هي هي معه اينما كان و ليس الامكان و ماخرج منه من الاكوان و الاعيان بهذه المثابة بالنسبة الي الملك المنان بل هو تعالي خلو منه و منها و هما خلوان منه و هو امتناعهما و هما امنتاعه و هما متغيران و هو ثابت واجب و هما حادثان مخلوقان و هو قديم غني خالق لجميع ماسواه الي غير ذلك من الفروق التي يشهد بها ضرورة العقل القاطع و النقل السّاطع فلم‏يأت احد من الخلق من عند اللّه تعالي‏ الا من كان حقيقة فعله و اسمه و صفته و هم محمّد و آله: كما ذكرنا مرارا فهم عند اللّه و من عند اللّه تعالي دون احد ممن سواهم و امّا الانبياء: فلما كانوا من عندهم: لانّهم كانوا من نورهم كان يقال انهم من عند اللّه فليس عند اللّه و مَن عنده و مِن عنده الاّ هؤلاء الاربعة عشر عليهم صلوات اللّه الملك الاكبر لانّ فعل كل احد عنده و من عنده حقيقة واقعا من دون تأويل و مجاز و لذا فسر في الاخبار قوله تعالي: و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبحون الليل و النهار لايفترون بهم: و لاشك ان من اتي من شي‏ء كان علي حسبه البتة و هو هو من غير فرق الاّ انه اصل و هو منه و فرع له كما ان القائم قد اتي من عند زيد و كان علي حسبه و القاعد قد اتي من عنده و هو علي صفته و هكذا و ماء البحر بل القطر من عند الماء و هو علي كيفية بحيث يعرف كلية الماء بجميع ماله من الكيفيات من قطرة منه و هي انموزجه و ايته يري فيها تمام ماله و هكذا كل مقيد بالنسبة الي مطلقه و كل اثر بالنسبة الي مؤثره و قد اشتدت الموافقة بينها علي حد لايكاد تعرف كيفية مطلق و لاكيفية السّارية في مقيداته و ظهوراته الاّ بفرد منه و لو كان جزئيا لانّ ما له من الصفات الذاتية محفوظة في جميع ظهوراته حتي في جزئي منها علي حد سواء و بذا يستعلم جميع الخلق حال كل مؤثر و اثاره من اثار معدودة حتي من اثر واحد جزئي و من هذا الباب الاستدلال علي البصرة من كف و علي تمام كل جنس من ظرف و هو شايع ذايع يظهر لكل احد بادني طرف فلما كان هؤلاء السّادة القادة: من اللّه تعالي و جاؤا من عنده كان يعرف بهم اللّه و يستدل بهم علي صفات اللّه فمن راهم فقد راي اللّه و من احبهم فقد احب اللّه و من ابغضهم فقد ابغض اللّه و ان لم‏يأتوا الناس لم‏يعرف احد ان لهم خالقا و رازقا و لم‏يعرفوا شيئا من صفاته و اسمائه و لم‏يطلعوا علي شي‏ء من احكامه و مراداته و لم‏يدروا كلامه و شرعه فاذا جاء هؤلاء: بينهم جاء اللّه تعالي بينهم و اذا قاموا بين ظهرانيهم قام اللّه تعالي بين ظهرانيهم و اذا تكلموا بينهم تكلم سبحانه بينهم و اذا احلّوا احلّ اللّه و اذا حرموا حرم اللّه و مااحلّوا فهو ما احلّ اللّه و ماحرموا فهو ماحرم اللّه و ماندبوا فهو ماندب اللّه و مااعافوا فهو مااعاف اللّه و مااباحوا فهو مااباح اللّه و هكذا جميع ماصدر عنهم عين ماصدر عن اللّه و مااضيف اليهم عين مااضيف الي اللّه بل ليس من اللّه و الي اللّه الاّ ما هو منهم و اليهم و ليس لله تعالي الا ما هو لهم صلوات اللّه عليهم مدي الدهر و ماللّه من اجر.

غنيمة: قد عرفت ببداهة العقل و شهادة النقل ان كل صفة تشهد بوجودها انها غير الموصوف و كل موصوف يشهد بوجوده انه غير الصفة و هما معا يشهدان بالاقتران و الاقتران شاهد علي التركيب و الحدوث فيمتنع ان تكون ذات اللّه تعالي موصوفا و صفة و مسمي و اسما و فاعلاً و فعلاً لانّها احد متعال عن التركيب و الحدوث و كل من زعم انه تعالي بذاته موصوف صفة او صفة موصوف و مسمي اسم او اسما لمسمي و فاعل فعل او فعل فاعل فقد شهد بتركيبه و حدوثه و اقترانه بغيره و خالف النص الجلي و هو قول اميرالمؤمنين7: كمال التوحيد نفي الصفات عنه الي آخره فاذا تحقق ذلك تحقق بالقطع و اليقين دون الظن و الشّك و التخمين ان صفات اللّه و موصوفاتها و اسماء اللّه و مسمياتها و افعال اللّه و فواعلها غيره سبحانه ولكن بالغيرية الوصفية لاالغيرية العزلية لانّ ماليس من اللّه تعالي بمعزل منه كالامكان و الامكانيات علي ماعرفت و امّا ماهو من اللّه تعالي و الي اللّه تعالي و اللّه تعالي ظاهر فيه ظهورا لانهاية له لايمكن ان يكون معزولاً عنه تعالي فهو مع اللّه تعالي و اللّه تعالي معه معية لانهاية لها كما قال تعالي: ان اللّه مع الذين آمنوا و الذين اتقوا و الذين هم محسنون و قال: ان اللّه مع المحسنين و في الحديث: الحق مع علي و علي مع الحق يدور معه حيثما دار و اي محسن احسن و اشد احسانا من محمّد و اهل بيته الاطهار عليهم صلوات اللّه الملك الجبار و اي متق اتقي منهم و اي مؤمن اشد ايمانا منهم: فقد اتقوا اللّه حق تقاته و امنوا به حق الايمان به حتي صاروا خلوا من الخلق و ملاء من اللّه تعالي بحيث لم‏يبق فيهم ذكر من غير اللّه و هم نفس اللّه و كل اللّه و جمع اللّه كما في ظواهر اخبارهم: فهم: مقام اسماء اللّه و مسمياتها و صفات اللّه و موصوفاتها و افعال اللّه و فواعلها فمقام مسمائيتهم و موصوفيتهم و فاعليتهم مقام البيان و هو قولهم:: اما البيان فهو ان تعرف اللّه ليس كمثله شي‏ء فان هذا المقام مقام كون معرفتهم عين معرفة اللّه و هو قوله7 في الدعاء الرجبي: يعرفك بها من عرفك و قول اميرالمؤمنين7: ان معرفتي بالنورانية هي معرفة اللّه عزوجل و معرفة اللّه عزوجل معرفتي الي غير ذلك و مقام اسميتهم و وصفيتهم و فعليتهم: مقام المعاني اي ظواهره سبحانه لانّ المعني بمعني الظاهر و من هذا الباب يقال للنبات معني الارض لانّه الظاهر منها و معني اللفظ معناه لانّه هو الظاهر منه و صفة الشّي‏ء و اسمه و فعله معناه لانّها هي الظاهرة منه بل ليس الظاهر منه و ظاهره الا هي كما هو ظاهر فهم: في هذا المقام علمه المحيط بكل شي‏ء و قدرته علي كل شي‏ء و رحمته الواسعة و رحمته الخاصة و يده الباسطة و عينه الناظرة و بهاؤه و جماله و جلاله و عظمته و نوره و هكذا جميع ما في الدعاء الوارد في اسحار شهر رمضان و غيره كما قالوا: و امّا المعاني فنحن معانيه و نحن جنبه و يده و لسانه و امره و حكمه و علمه و حقه الي آخر و قالوا: اما المعاني فنحن معانيه و ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوض الينا امور عباده.

غنيمة: ان هذين المقامين روحان غائبان عن الابصار ممتنعان من ان تنالهما الحلم و الافكار لانه قد ثبت مبرهنا ان كل اثر علي صفة مؤثره و كل فعل علي سمت فاعله فلما كان اللّه تعالي غيبا ممتنعا لايدرك وجب ان يكون مقام موصوفيته و صفته و مسمائيته و اسمه و فاعليته و فعله ايضا كذلك لتدل علي انه تعالي شأنه علي نحو ذلك و من هذا قال اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين: ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك و قال: انا الّذي لايقع علي اسم و لارسم و باطنه7 و مقام حقيقته المعبر عنها بان هذان المقامان فبنصه الشّريف هما غيبان ممتنعان عن الادراك و مثال ذلك ان العقل هو غيب باطن ففعله ايضا غيب باطن و كذلك الروح غيب باطن و فعلها ايضا غيب باطن و كذلك كل مرتبة باطنة فعلها ايضا غيب باطن لايشك في ذلك جاهل فضلاً عن زكي عاقل فلولا البدن الظاهر لايكاد يظهر افعال العقل و الروح و غيرهما من كل مرتبة باطنة في العالم و لايكاد يطلع احد من اهل العالم الظاهر علي افعالها فكذلك هذان المقامان لولا هيكل ظاهر يتعلقان به لايكاد يظهر اثارهما في جميع العوالم و لايكاد يطلع احد من اهل العوالم عليهما و لاشك انهما اغيب من كل مرتبة غيبية لانهما فوق جميع الخلق لانهما مع الحق جل و علا قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق و هما كانا مع اللّه تعالي و لم‏يكن شي‏ء و الآن كما كان فهما اغيب من العقل و كل مقام غيب بمالانهاية له فلولا هيكل في العوالم الخلقية يظهر اثارهما لايكاد يظهر اثر منهما لاحد من العالمين فما عرفت العارفون منهما و بينوا و شرحوا من حالهما امثلة و اثار قد القي اللّه تعالي في هويتهم و اظهر منهم افعالها و صفاتها و سماتها كما يلقي اثر الشّمس السّمائية و مثالها في المرايا الموضوعة تحتها و يظهر منها افعالها و احوالها فلم يطلع احد دونهم: علي حقيقة هذين المقامين و انما يطلع العارفون بهما الشّارحون لاحوالهما علي امثلتهما و اثارهما و علم حقيقتهما مخصوص بهم: لم‏يشرك معهم في ذلك احد حتي الانبياء المرسلين و الملائكة المقربين و المؤمنين الممتحنين و هذا ما ورد عنهم:: ان امرنا صعب مستصعب لايطلع عليه نبي مرسل و لاملك مقرب و لامؤمن ممتحن فقيل من يحتمله؟ فقال7: نحن نحتمله و قد نقلته بالمعني.

غنيمة: ان من الكليات المسلّمة التي لاتتخصص في الحكمة ان من الجنس الواحد لايمكن حصول افراد مختلفة الحقايق و الطبايع و ان اختلفت ظاهرا و منظرا كما ان مايصنع من الحديد تمامه حديد بحت ليس بعضه غير بعض متمايزا عنه في الحقيقة و الطبيعة و ان كان مختلفا و متمايزا في الصورة و الظاهر فبعضه علي صورة الوتد و بعضه علي صورة السكين و بعضه علي صورة السّيف و هكذا فتمامه و ان اختلف ظاهرا و منظرا فليس بمختلف طبيعة و حقيقة لانّ طبيعة الحديد سارية في جميعها علي نحو سواء فليس لشي‏ء منها شي‏ء زايد علي الحديدية و لاله نقصان من الحديدية فحكم بعضه حكم بعض آخر و حكم بعضه حكم تمامه و حكم تمامه حكم بعضه بلافرق و تفاوت الا في الصغر و الكبر فمعلوم ان تمامه اكبر من بعضه و بعضه اصغر من تمامه اما مايحصل من تمامه من خواص الحديدية و صفاتها يحصل من بعضه و مايحصل من بعضه يحصل من تمامه و كذا حكم الذهب و الفضة و مايصاغ من كل منهما و حكم السكر و مايطبخ منه و حكم الماء و المياه الجزئية و النار و النيران المتفرقة و الشّمعة و ماتتصور عليه من الصور المختلفة و الطين و مايصنع منه من الصور المتشتتة و الخشب و ما يصنع منه من المصنوعات المتكثرة و هكذا كل مايصنع من جنس واحد بهذه المثابة فليس بمختلف حقيقة و ان اختلف ظاهرا لانّ للجميع طبيعة واحدة و يحصل من كل من الخواص و الصفات و السّمات مايحصل من الاخر الاتري ان لقطرة من الماء من البرودة و الرطوبة ماللبحر من دون نقيصة و للبحر من ذلك ما للقطر من غير زيادة فهما في الكيفية و اصل الطبيعة واحد و ان كانا في الكمية و الصورة الظاهرة ‏مختلفين و هكذا لذرة حقيرة من التراب من الجسمية و طولها و عرضها و عمقها ماللعرش من دون نقيصة و للعرش من ذلك مالها من دون زيادة الا انّها اصغر من العرش و اضيق حدودا و اطرافا منه و هو اكبر منها و اوسع حدودا و اطرافا منها فليس هذان و غيرهما من ساير الاجسام المختلفة افرادا للجسم لانها ليست بجسوم بل كلها جسم و حكم الكل حكم البعض و حكم البعض حكم الكل و كذا القطر و النهر و البحر و امثالها ليست افراد الماء لانّ كلها ماء علي السّواء و ان تمازج بعضه بشي‏ء من الخارج فتميز من بعض كماء تمازج بالملح فتميز من ماء عذب و ماء تمازج بالحرارة فتميز من ماء بارد و وقع فوقه اذا صبّ عليه و ماء اختلط بالتراب فغلظ و وقع تحت ماء صاف غير مختلط به و هكذا لم‏يتميز في اصل مائيته و صرف طبيعته من بعض آخر بل في ذلك حكم بعضه حكم كله و حكم كله حكم بعضه و حكم بعضه حكم بعض آخر فلايتسمي مثل ذلك بافراد بل اسماء مختلفة للماء اي ايات و ظهورات له لانّ الاسم من الوسم و الوسم بمعني العلامة و العلامة هي الاية و هكذا في ساير الامثال كل ما بهذه المثابة اسما لكلياتها لاافراد لها و انما تتحقق الفردية في اشياء مختلفة الطبايع كافراد الانسان بالنسبة اليه و افراد الحيوان بالنسبة اليه و هكذا فان مثل ذلك اختلافه في اصل الطبيعة كماتري لزيد من الطبيعة و اختلاف الاحوال ماليس لعمرو و لعمرو ماليس لزيد و هكذا لكل انسان ماليس لغيره و لكل حيوان ماليس لغيره و لذا حكم كل شرعا و عرفا و لغة غير حكم الاخر و كل منهم غير مختبر من الاخر و اما مايظهر زيد مثلاً به من الصفات كالقائم و القاعد و غيرهما فليس هكذا لانّ طبيعة كل طبيعة الاخر و هي طبيعة الزيدية و اعضاء كل اعضاء الاخر و صفات كل صفات الاخر و كل مطلع علي الاخر فالقائم يعلم ان القاعد قال كذا و فعل كذا و يكون هكذا و كذا القاعد يعلم ان القائم ماذا قال و ماذا فعل و هكذا فهما و امثالهما اسماء لزيد لاافراد له و اما زيد و عمرو و امثالهما افراد للانسان لااسماء له فافهم هذا التفريق و اتقنه فانه قلّ من تنبه بذلك بل لم‏يشعر به احد الاّ اهل الحق و منه يظهر للعالم في التوحيد و الفضايل اسرار جمة بل لايكمل توحيد احد بل لايحصل له توحيد الا بمعرفة ذلك.

غنيمة: لايخفي انه فرق بين مايصنع من الحديد و امثاله و مايظهر به زيد و امثاله و هو ان الحديد و ماهو مثله لايظهران من انفسهما مايصنع منهما بل الصانع الخارجي يفعل فيهما و هما ينفعلان منه فيتصوران بصور مايصنع منهما و ليس لفرد ممايصنع منهما علم و اطلاع علي الاخر و اما زيد و ما هو مثله يظهران من انفسهما جميع افعالهما و اثارهما و لكل علم و اطلاع علي الاخر فيعبر في الاصطلاح عن مثل هذه الاثار بالاسماء و الصفات و عن مثل مايصنع من الحديد و نحوه بالتعينات و التطورات و عن مثل افراد الانسان و نحوه بالافراد فالفردية علي هذا الاصطلاح لاتتحقق الا في اشياء مختلفة الحقايق و الطبايع اشياء مركبة من جنس و فصل تركيبا ذاتيا حقيقيا لاتركيبا ظاهريا صوريا كتركيب الماء و الملح و الماء و السكر و امثالهما فان ذلك تركيب يتبدل بالتفريق بادني امتحان كما اذا وضع علي النار فماؤها يستحيل بخارا و يبقي الملح و السكر تحت الاناء و امّا ماء الرمان و نحوه ترکيبه تركيب طبيعي لانه اذا وضع علي النار يغلظ ماءه و ماهو فصله الّذي فصله من ساير المياه معا و يصير ربّا فالاعتبار بالتركيب الطبيعي الحاصل من جنس و فصل طبيعيين لاالتركيب الصوري الّذي هو كالاجتماع الظاهري للجزئين و لايخفي انه لايحصل اختلاف في اشياء عالم الا بعد اختلاطه بعالم آخر لانه قد ذكرنا و تشاهد حسا امتناع حصول اشياء مختلفة الطبايع من جنس واحد و عالم واحد فاختلاف افراد الاناس لاجل صور تلحق النفس الانسانية من عالم اعلي او عالم ادني كما ان اختلاف الاجسام لاجل صور تلحق مادة الجسم من عالم المثال فبهذا يجوز ان تسمي الجسام المقيدة بالافراد و ما قلنا ان الاجسام ليست بافراد فالمراد انها من حيث الجسمية مع قطع النظر عن الامثلة المثالية الواردة عليها.

غنيمة: لاشك ان زيدا و نحوه شخص واحد لااختلاف فيه و هو عالم واحد و جنس واحد فلم يصدر منه افعال مختلفة و قد قلنا ان من الجنس الواحد لايصدر اشياء مختلفة فاقول ان هذا الاختلاف بينها ليس في طبيعة الزيدية السّارية بين جمعها علي السّواء و انما الاختلاف بينها بالنسبة الي انفسها لابالنسبة الي زيد و هذا الاختلاف ايضا من اختلاط العالمين فانه يمتنع حصول اختلاف الا بمداخلة الغير كما ان البياض الصرف لايمكن اختلاف درجاته الا بعد اختلاطه بالسّواد مثلاً و كذا السّواد الصرف لايمكن اختلافه الا بمداخلة البياض و الحر الصرف لايمکن اختلافه الا بمداخلة البرد و البرد الصرف لايمكن اختلافه الا بمداخلة الحر و هكذا فالدرجات التشکيكية لاتمكن الا بعد اختلاط الشّيئين و ان لم‏يمكن اختلاط فهي علي نحو التواطي و هذا ظاهر فاختلاف افعال زيد ليس الا من اختلاط روحه ببدنه الظاهر ففي عينه يتعين فعله بالابصار و في اذنه بالسّمع و في لسانه بالذوق و في شامته بالشّمّ و في لامسته باللمس و في نصب فقرات ظهره بالقيام و في انحنائها بالركوع و هكذا فلولا بدنه الظاهر و اعضاؤه و قواه المختلفة لم‏يكن لروحه الا فعل واحد يكون كله سمع و كله ابصار و كله شمّ و كله ذوق و كله لمس و كله قيام و كله قعود و هكذا.

غنيمة: و الفرض ان من الواحد لايصدر الا الواحد و ان كان اختلاف فليس بحقيقي بل ظاهري صوري و ان كان هذا ايضا من مداخلة الغير كما ان الصور المصنوعة من الشّمعة كلها علي طبيعتها و حكمها من دون فرق و تفاوت بين بعضها او كلها و ان كان بعضها مثلثا و بعضها مربعا و بعضها مخمسا و هكذا و ان كان هذا ايضا من مداخلة الغير فان حركة يد المصور قد وردت علي مادة الشّمعة و صورتها بهذه الصور هي من عالمه لامن عالم الشّمعة و المقصود ان الصادر من الواحد و ان اختلف ظاهرا فليس بمختلف حقيقة فانه علي طبيعته و حكمه و لذا يكون ايته في كل ما هو عليه فيعرف منه حاله و حال تمام مايصدر منه و لايلزم في معرفة الجميع مشاهدة الجميع بل يكفي مشاهدة واحد منه كما انه يكفي في معرفة الماء و جميع مياه العالم معرفة قطرة منه و يحصل لكل احد بعد الاستكشاف عن حال قطرة العلم بحال الجميع و كذا يكفي في معرفة النار و تمام النيران المقيدة معرفة جمرة واحدة و لايلزم الاستكشاف عن حال الجميع و هكذا يعرف تمام الاشياء بانموزج منها و لايلزم الاستعلام عن حال التمام و جرت بذلك عادة الخواص و العوام و الكرام و اللئام و كانوا في ذلك بحيث لايخطر علي بالهم خلاف ذلك و آيت کل شي‏ء اسمه الحقيقي و رسمه الواقعي و اما الاسم اللفظي و الكتبي فاسم ظاهري لاينبؤ عن الواقع ابدا كما ان اسم الخبز اي الخاء و الباء و الزاء لاينبؤ عن المأكول الواقعي واقعا فانك ان قلته سبعين الف مرّة لاتشبع ابدا و اما ان اكلت قرصة منه وجدته واقعا و تشبع و هي اسم حقيقي له و كذا اسم الماء اي الميم و الالف و الهمزة لايكون اسما واقعيا للمشروب فانه لايحكي عن حاله و كيفيته و ان قلته الف مرّة لاتروي ابدا ولكن ان وجدت شربة منه و شربتها وجدته واقعا و عرفت كيفيته و ما هو عليه بتمامه و اسم الثوب اي الثاء و الواو و الباء ليس لبس اسما واقعيا للملبوس فانه لاينبؤ عن حقيقته و كيفيته و ما هو عليه في الواقع ابدا و ان قلته او كتبته الف مرّة لاتكسي ابدا و اما ان لبست فردا من الثياب و هو اسم حقيقي للملبوس تستر و تحفظ من العري و وجدته علي حقيقته و هكذا لايغنيك من الاشياء الواقعية شي‏ء من اسمائها اللفظية و الكتبية ابدا و انما مغنيك و النافع لك منها وجود فرد من افرادها و كل فرد اسم حقيقي لمطلقه و هو ينبؤك عنه و عن ساير افراده حقيقة و بوجدانك اياه تجده و تجد جميع افراده واقعا و هو شاهد صدق يشهد علي وجوده و ما هو عليه بلسان الحال و هو افصح و اوضح من لسان القال سبعين مرّة و هو في الحقيقة شهادة نفسه‏ اي نفس المطلق علي نفسه کما ان النار الغيبية تشهد علي نفسها بلسان الشّعلة و هي فرد من ظهوراتها انّها حارة يابسة جاذبة مفرقة منيرة مضيئة و هكذا ساير صفاتها الغائبة عن الانظار و هي اسمها الحقيقي لالفظ النار و اذا شاهدتها شاهدت النار و شهدت بصدق شهادتها عليها و هكذا تمام ما في الدنيا و الاخرة من الجواهر و الاعراض و الفواعل و الافعال و الاشخاص و الاحوال فاسماؤها الحقيقية المنبئة عنها الحاكية لها الشّاهدة عليها شهادة حق و صدق اثارها و ظهوراتها و ان كان فرد منها و هو الدال عليها و علي ساير اثارها دلالة تغنيك عما سواه و به يكتفي المكتفي و لايطلب في معرفتها شيئا آخر الاتري ان الناس اذا ارادوا الوقوف علي معرفة جنس الالف اكتفوا بمشاهدة فرد منه و علي معرفة جنس الباء اكتفوا بمشاهدة فرد منه و علي معرفة جنس الجيم اكتفوا بمشاهدة فرد منه و هكذا و اذا ارادوا الوقوف علي جنس الحيوان اكتفوا بمعرفة فرد منه و علي حركة منه اكتفوا بمعرفة حركة منه و علي سكون منه اكتفوا بمعرفة سكون منه و علي اياب منه اكتفوا بمشاهدة اياب منه و علي ذهاب منه اكتفوا بمشاهدة ذهاب منه و هكذا في معرفة كل شي‏ء يكتفون بمعرفة فرد منه و ليس هذا الا لاجل ان كل فرد آية حقيقية لمطلقه و هو ظهوره و عيانه و بيانه بل هو هو ظهورا و عيانا و ليس هو هو كلاً و جمعا و احاطة فليس غيره كغيرية زيد و عمرو لانّ كل واحد منهما لايدل علي الاخر و هو دال عليه دلالة تامة كاملة و ليس عينه لانه فرد جزئي و هو مطلق كلي جامع له و لساير افراده.

غنيمة: هذه امثلة ضربها اللّه تعالي للناس في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و اذا عرفت ماهناك تبين لك ماهنالك و لذا قال9: من عرف نفسه فقد عرف ربه و هو قول اللّه تعالي: سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق اي قوله تعالي: و في انفسهم و قوله: و في انفسكم افلاتبصرون هو قوله9: من عرف نفسه فقد عرف ربه و النفس اعظم كتاب و اجلي خطاب في معرفة اللّه ليس اقرب اليك منه شي‏ء و لاابين و اوضح لك منه شي‏ء فانظر فيه و اقرأه و اعرف ربك علي ما شاء منك و كلفك به فاذا نظرت الي نفسك رأيت انه لايصدر منك الا ما هو دال عليك دلالة حق و شاهد علي حالاتك شهادة صدق كقائمك و قاعدك و راكعك و ساجدك و عالمك و قادرك و هكذا ساير اثارك و ظهوراتك فانك واحد لست بغيرك و لامركبا منك و من غيرك فكل ما يصدر منك ليس بغيرك و لامركبا منك و من غيرك لانك عرفت ان من الواحد لايصدر الا الواحد و محال اختلافه الا بمداخلة الغير و انت لم‏تتركب منك و من غيرك في عالمك و عرصتك فلايصدر منك الا ما هو علي حسبك و هو اسمك و ايتك و انموزجك كما ان كفّا من السكر انموزج تمام سكر في العالم و كفّا من الحنطة انموزج تمام حنطة في العالم و تمرة واحدة انموزج كل تمرة في العالم و جمرة واحدة انموزج كل نار في العالم و هكذا ساير الامثال المضروبة انفا و غير المضروبة فمن ارادك واقعا حقيقة بدء بفرد من اثارك فبمشاهدته يشاهدك و بمخاطبته يخاطبك و بمحابته يحابك و بمعاداته يعاديك و هكذا و رأي انه لافرق بينك و بينه في الذات و الصفات و الحالات و الاعضاء و الجوارح الا انك اصل قائم بنفسك لاتحتاج اليه و هو فرعك قائم بك محتاج اليك و انك كلي جامع له و لغيره من اثارك و هو فرد جزئي فكل ظهور منك عينك ظهورا و ان كان غيرك كلاً و جمعا فان اكرمه شخص اكرمك و ان اهانه اهانك و ان نصره نصرك و ان ضربه ضربك و ان قتله قتلك بل قتل تمام ظهوراتك الاتري ان من قتلك قائما قتلك و قتل قاعدك و راكعك و ساجدك و هكذا ساير اسمائك و صفاتك و انت في كل من هذه مطلع علي نفسك و عليها و كل منها مطلع عليك و عليها كما انك قائما تدري نفسك و ساير ظهوراتك و قائمك تدريك و تدريها و هكذا فاذا عرفت هذا و ماضربنا لك من الامثال  قبله عرفت ان اسماء اللّه تعالي ايضا كذلك اي انّها صادرة من الواحد الحقيقي الّذي لاكثرة فيه بوجه من الوجوه و نحو من الانحاء و لايعقل اختلاطه بالغير و مداخلة الغير فيه فان كنهه تفريق بينه و بين خلقه و هو خلو من خلقه و خلقه خلو منه فلايعقل فيه اختلاف ابدا فلايعقل فيما صدر منه من الاسماء اختلاف ابدا فكلها كائنة بكينونة واحدة و علي صفة و سمة واحدة و هي كينونة اللّه و صفة الالوهية فلذا يطلق علي الجميع اسم اللّه فيقال الرحمن هو اللّه و الرحيم هو اللّه و العالم هو اللّه و القادر هو اللّه و السّميع هو اللّه و البصير هو اللّه الي ان يقال الخالق هو اللّه و الرازق هو اللّه و المحيي هو اللّه و المميت هو اللّه و هكذا او يقال اللّه هو الرحمن اللّه هو الرحيم اللّه هو العالم اللّه هو القادر اللّه هو الخالق و هو الرازق و هو المحيي و هو المميت فليس هذا الا لاجل ان جميع اسمائه سبحانه علي كينونته و صفته لافرق بينها و بينه في شي‏ء من الصفات الالهية و السّمات الربانية الا انه تعالي واحد و هي متعددة و هو ذات قائمة بنفسها و هي صفات قائمة بها فهي هو ظهورا و عيانا و هو هي هكذا و هي هي ليست بعينه تعالي و هو تعالي شأنه هو ليس بعينها وحدة و تذوتا و استقلالاً فكل معاملة وقع مع كل فرد منها وقع مع اللّه تعالي و مع البواقي حقيقة واقعا من دون تأويل و مجاز و كل معاملة وقع مع اللّه تعالي وقع معه و مع البواقي حقيقة واقعا من دون تأويل و مجاز و كل مطلع علي اللّه تعالي و علي البواقي لانّ الكل علي نسق واحد و كينونة واحدة و صفة واحدة و لااختلاف بينها ابدا كما ان بعض الماء و لله المثل الاعلي علي صفة بعض و بعضه علي صفة كله و كله علي صفة بعضه و ماوجدت من الكل من الرطوبة وجدت من البعض و ماوجدت من البعض حتي من قطرة وجدت من الكل من دون فرق بينها كما تشاهد حسا و ذكرنا في الامثال و اذا تحقق عندك ان تلك الاسماء ليست الا محمّدا و آله: فانهم هم الاسماء الحقيقية لله تعالي كما ان الشّعلة اسم حقيقي للنار و اما الاسماء اللفظية و الكتبية فهي اسماؤهم: و ليست بحقيقية ابدا فانها ليست من اللّه و لا الي اللّه و لا علي صفات اللّه كما ان اسم النار اللفظي و الكتبي ماكان من النار و لا الي النار و لا علي صفات النار و غير ذلك من الامثال التي مثلنا آنفا تحقق عندك ان كل واحد منهم: مقام بيان اللّه و عيانه و هو هو سبحانه فمن عرف واحدا منهم: عرف اللّه و ساير اسمائه حقيقة واقعا و من جهل واحدا منهم:  جهل اللّه و ساير اسمائه حقيقة واقعا و لم‏يكلف اللّه تعالي احدا بمعرفته الا و اراد منه معرفتهم: و كان سبحانه بذاته كنزا مخفيا و الآن كما كان فاحب سبحانه ان يعرف فاراهم الخلق حتي يعرفوه فمن طلب واحدا منهم: فقد طلب جميعهم و طلب اللّه و من وجد واحدا منهم: وجد جميعهم و وجد اللّه و كما ان الناس يكتفون في معرفة كل جنس بفرد منه و لايطلبون الزايد عليه و لايخطر ببالهم ذلك اصلاً و اذا وجدوه وجدوا تمام الجنس كذلك لهم ان يكتفوا في معرفتهم: و معرفة اللّه تعالي بمعرفة فرد منهم: فان كل ماللّه تعالي من الصفات و لهم: جميعا لواحد منهم من دون فرق فليطلب الطالب منه ما يطلب من اللّه تعالي و من جميعهم و ليجد منه مايجد من اللّه تعالي و منهم: و قد ملاء اللّه تعالي بهم: الآفاق و الانفس حتي يتبين للناس الناظرين اليهم: انه تعالي هو و علي ما هو عليه من الصفات و السّمات كما قال تعالي: سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و هو عين ما في الدعاء: و مقاماتك و علاماتك التي لاتعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لافرق بينك و بينهم الا انهم عبادك و خلقك الدعاء و هم مقاماته و علاماته لقوله7: الا انهم عبادك و خلقك فهم اياته سبحانه و قد اراهم اللّه الخلق في الآفاق و في انفسهم و قوله7: لاتعطيل لها في كل مكان هو قوله تعالي: في الآفاق و في انفسهم و قوله7: يعرفك بها من عرفك هو قوله تعالي: حتي يتبين لهم انه الحق و قد ذكرنا سابقا كيفية انه لاتعطيل لها في كل مكان و نعيد اجمالاً انه لاشك انه لايخلو خلق من خلقه و صنعه سبحانه و خلقه لايمكن الا بقدرته سبحانه و قدرته لاتتحقق الا بالقادر فان القادر ماله القدرة كما ان القدرة مالها القادر فهو مقرون بها و هي مقرونة به و خلقه سبحانه مقرون بقدرته فمقرون بقادره و لايخلو خلق من خلقه فلايخلو من قدرته فلايخلو من قادره و قادره ليس بذاته لانه لايقترن بغيره و لايتركب فهم: مقام قادره فهم في جميع الخلق و لايخلو مكان منهم: و هكذا الكلام في العلم و ساير الصفات اللازمة في خلق الخلق فكلها مقرونة بموصوفاتها و هي في جميع الخلق فموصوفاتها في جميعهم و هم عين تلك الموصوفات فهم: باي معني من معانيه سبحانه مالئون لاقطار الخلق حاضرون في كل ذراتهم و امكنتهم و اوقاتهم و قد فعل اللّه تعالي ذلك اي ملاء بهم: ذرات الخلق في كل مكان و وقت لئلايكون لهم عذر في معرفته سبحانه و قد عرفت ان الصادر من جنس واحد و شي‏ء واحد ليس بمختلف و ان اختلف ظاهرا فليس بفرد حقيقة لانّ الفردية تحصل بالاختلاف فهم: ليسوا بافراد اللّه تعالي لانه ليس فيهم اختلاف لانهم صادرون من اللّه و هو لااختلاف فيه فلما لم‏يكونوا افرادا لم‏يكونوا الهة و انما اللّه اله واحد كما ان اسماء زيد و صفاته ليست بافراده فليسوا بزيدين و انما زيد واحد لاشريك له من اسمائه و صفاته.

غنيمة: فعلي ماذكرنا لابد و ان يكون اسماء اللّه و صفاته واحدة بلاتعدد و اختلاف فما هذا التعدد و الاختلاف بينها فاقول انما تعددها و اختلافها علي نحو اختلاف اسماء زيد و صفاته فقد ذكرنا ان اختلافها لاجل تعلق فعل زيد ببدنه و اعضائه المختلفة و قواه المتشتته‏ و الا فهو في نفسه واحد بلاتعدد و اختلاف فكذلك نور اللّه و فعله في نفسه واحد بلاتعدد و اختلاف و انما تعدد و اختلف لاجل تعلقه بالخلق المختلف ففي كل خلق و في كل حيث من حيوثهم و اعتبار من اعتباراتهم يسمي بشيء و يعبر عنه بشي‏ء كماتري ان فعله سبحانه في المؤمنين يتعين بالرحمة و المغفرة و في الكفار و المنافقين بالعذاب و النكال و النقمة و هكذا و لايخفي ان هذا الاختلاف ليس كاختلاف المركب من العالمين و الحاصل من الشّيئين كالعنكبين الحاصل من الخلّ و العسل و نحوه لانّ مثل هذا يفعل كل جزء في الاخر و ينفعل كل من الاخر و اسماء اللّه تعالي و صفاته لاتنفعل من الخلق و لاتتأثر منهم ابدا بل هي الفعال المؤثرة في كل الاشياء و لو جاز انفعالها و تأثرها من جاز انفعال اللّه و تأثره نعوذ باللّه من شي‏ء و تعالي اللّه عن ذلك علوا كبيرا و انما مثل اختلافها و لله المثل الاعلي كالنور الواقع من الشّمس في المرايا المختلفة الالوان و الاشكال فلاشك ان النور الصادر من الشّمس واحد علي حسبها لااختلاف فيه ابدا و انما يختلف بعد التعلق بالمرايا المختلفة ففي كل مرآة يتعين علي حسبها لونا و شكلاً و لاشك انه لم‏يحصل هذا الاختلاف له من تركبه من نفسه و من المرآة الخارجة فافهم.

غنيمة: لو لم‏يكن من اللّه تعالي فعل لم‏يكن امكان و لاكون ابدا اما الكون فظاهر لانه لم‏يكن كون في الامكان ابدا و المعدوم لايمكنه ايجاد نفسه و العادم له ايضا لايمكن له ايجاده فالامكان العادم له لايوجده و نفسه المعدومة ايضا لاتوجده فلابد له من موجد خارجي لم‏يكن امكانا و لاكونا و هو الصانع جل و علا و هو سبحانه لايمكن ان يوجد الا بايجاده و فعله فلو لم‏يتعلق ايجاده و فعله بالامكان لم‏يوجد منه الاكوان و الاعيان و اما الامكان فلايخلو البيان فيه من الاشكال لانه قد ثبت مبرهنا ان الامكان و الجواهر الامكانية و هي كومة كل مقام من المقامات الثمانية اي كومة الفؤاد و العقل و النفس و هكذا الي الجسم لايمكن عدمها لانّ العدم لايقتضي الوجود و لايكن منه ايجاد موجود فلو لم‏يكن الامكان و هذه الجواهر لم‏يمكن كونها ابدا و لم‌يمکن خلق کون منها ابدا فلابد و ان تکون موجودة ابدا فمعني انه لو لم‏يكن فعل اللّه لم‏يكن امكان ماذا هو فاقول لاشك ان الشّي‏ء لايمكن وجوده الا في فعل منه و مالافعل له لاوجود له الاتري ان مالاحركة له و لاسكون لم‏يكن في ملك اللّه و لاشك ان فعل كل شي‏ء منوط بفعل الصانع تعالي اي كان من اللّه تعالي فعل متعد اليه فكان منه فعل لازم له و لو لم‏يكن من اللّه تعالي فعل لم‏يكن منه فعل كما انه لو لم‏يكن من اللّه اقامة لم‏يكن منك قيام و لو لم‌يکن اقعاد منه لم‌يکن منک قعود و هكذا فلو لم‏يكن للامكان فعل لم‏يكن اصلاً و لايمكن ان يكون له فعل الا بفعل اللّه تعالي و فعله هو الفعل اللازم و هو الحركة الانبساطية و الانقباضية و هي التحرك و السّكون و فعل اللّه هو الفعل المتعدي و هو الحركة البسطية و القبضية و هي المعبر عنها بالتحريك و التسكين فاللّه تعالي حركه و هو تحرك و اللّه تعالي سكنه و هو تسكن و لما كان هذا التحريك و التسكين منه تعالي ابدا سرمدا لانه لايمكن التعطيل له تعالي و لفعله كان هذا التحرك و التسكن منه ابدا سرمدا فكان وجوده ابدا سرمدا فافهم.

غنيمة: ان ذلك الفعل المتعلق بالامكان و الكون مقام معانيهم: و هو من فاعله لا من الامكان كما ان كل فعل من فاعله لامن شي‏ء آخر و محال ان يكون من شي‏ء آخر كما ان ضربك مثلاً منك و محال ان يكون من غيرك و هكذا ساير افعالك و ساير افعال ساير الخلق و فاعل ذلك الفعل مقام بيانهم: و ليس بذات اللّه تعالي لانّ شرط وجود الفاعل اقترانه بفعله و الاقتران يلزم التركيب و هو ممتنع عن الاحد تعالي شأنه و الذات مايقوم به ذلك الفاعل و الفعل و هو اللّه تعالي شأنه فمقام الذات هو الفاعل و معني الفاعل هو الفعل و لذا يقال ان المقامات المشار اليها في قوله7: و مقاماتك و علاماتك التي لاتعطيل لها في كل مكانمقام البيان و الّذي يظهر منها من الصفات مقام المعاني علي ماذكرنا سابقا و هذان لادخل لهما بالامكان بل هما من الواجب تعالي شأنه و الي الواجب تعالي قدره كما ذكرنا و اما مقام ابوابهم: فهو مقام هياكلهم في كل عالم من العوالم الخلقية فكل هيكل لهم في كل عالم من ذلك العالم و الي ذلك العالم لافرق بينه و بين نوع ما في ذلك العالم الا انه يشرق عليه من اللّه تعالي نور فاعليته و نور فعله كما اشار اليه في قوله تعالي: قل انما انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد و اشار اليه في الحديث: و القي في هويتها مثاله و اظهر عنها افعالهكما ان الشّمس تشرق علي المرآة و تلقي فيها نورها و مثالها و تظهر عنها افعالها فنورها و مثالها منها و اليها لامن الارض و لامن شي‏ء آخر و لا الي الارض و لا الي شي‏ء آخر و اما المرآة فمن الارض و الي الارض و لافرق بينها و بين ساير الارضيات الا انّها قابلة لحكاية نور الشّمس و مقبلة اليها بتمامها و قد القت الشّمس نورها فيها و اظهرت عنها افعالها فهي باب الشّمس الي اهل الارض يظهر منها افعالها و انارها لهم و بابهم الي الشّمس من اراد النظر الي الشّمس و الاستنارة منها لابد من النظر اليها و الاستنارة منها فكذلك هيكلهم الخلقي في كل عالم باب اللّه تعالي الي هذا العالم في الافاضة الي اهله كونا و شرعا و بابهم الي اللّه تعالي في الاستمداد و الاستفاضة منه تعالي كونا و شرعا و هو بينهم كالمرآة المذكورة بين الشّمس و بين اهل الارض او كالشّعلة بين النار و بين اهل الدار او كالبدن الظاهر بين الروح و بين الناظرين اليه المصغين اليه فكما ان الشّعلة لو لم‏تكن لم‏يظهر للحاضرين نور من النار و ان البدن لو لم‏يكن لم‏يظهر فعل من الروح و لاقول و لاعلم و لاحكم و لاحال و لاصفة و لاخلق كذلك لو لم‏يكن هيكلهم في كل عالم لم‏يظهر من اللّه تعالي لاهل هذا العالم فعل و قول و اثر و كمال و لايمكن لاحد منهم الوصول الي اللّه تعالي و الاستماع منه و الاستفاضة من انواره و التعلم من علومه و العمل باحكامه و يعبر عن ذلك المقام بالزبرجدة الخضراء لتعلق صفرة نور المعاني بسواد الهيكل الخلقي و هما موجبان للخضرة كما ان اختلاط الزريد و النيل موجب الخضرة و يعبر عن مقام المعاني بمقام دني فتدلي لانّ المعني مقام الدنو من البيان و هو متدل منه الي هياكلهم الخلقية و اصله مرتبط بالاعلي و فرعه واقع فيها و لما كانت تلك الهياكل مظاهر انواره سبحانه و فوارة قدره و ابواب امره و محال تصرفه و تأثيره يلزم ان تكون في كل عالم ائمة الخلق و يجب علي الناس اطاعتهم و الائتمام بهم و الاقتفاء لاثارهم: لانه لايظهر منهم الا فعله سبحانه و قوله و امره و نهيه و حكمه و حاله و خلقه و علمه و مراده فما احلوه احله اللّه و ماحرموه حرمه اللّه و ماكرهوه كرهه اللّه و مااحبوه احبه اللّه و ما اباحوه اباحه اللّه و لو لم‏تكن تلك الهياكل بين الخلق لم‏يذر احد صانعه و لايطلع علي شي‏ء من مراداته و لم‏يعلم ماذا شرعه و دينه و ماذا كتابه فبها ظهر ذلك كله للخلق فيفرض عليهم الاصغاء اليهم: و الاقتداء بهم و القبول منهم و التسليم لهم و ان يكونوا بين ايديهم كالميت بين يدي الغسال يقلبونهم ذات اليمين و ذات الشّمال علي ماشاؤا و ارادوا صلوات اللّه عليهم ابد الابدين و دهر الداهرين.

غنيمة: لولا تلك الهياكل الشّريفة في العوالم الخلقية لم‏يظهر لاحد من الخلق علم من اللّه تعالي و لاقدرة و لاحكمة و لارأفة و لارحمة و هكذا ساير الصفات الالهية و السّمات الربانية كما انه اذا لم‏يكن للروح النباتي بدن جمادي في عرصة الجمادات لم‏يظهر منه جذب و لاامساك و لاهضم و لادفع و لارباء بل لم‏يكن له هذه الصفات مطلقا لانّ محل تعينها في العناصر الجارية و كذا اذا لم‏يكن للروح الحيواني بدن نباتي في عرصة النباتات و بدن جمادي في عرصة الجمادات لم‏يظهر منه في العرصتين سمع و ابصار و شم و ذوق و لمس و شهوة و غضب بل لم‏يكن له تلك الصفات المختلفة ابدا لانّ محلها و موضع تعينها العناصر النباتية كما ان موضع تعين الانوار المختلفة في المرايا المتفاوتة تلك المرايا لاالمنير الخارجي و اذا لم‏يكن للنفس الناطقة القدسية بدن حيواني و بدن نباتي و بدن جمادي لم‏يظهر منها في العوالم الثلثة علم و حلم و ذكر و فكر و نباهة و نزاهة و حكمة بل لم‏تكن لها هذه ايضا ابدا لانّ محلها ايضا العناصر الحيوانية و كذا لم‏يكن للنفس الناطقة الكونية وهم و خيال و فكر و شعور خاص و نطق لانّ حدوث هذه الصفات المختلفة لها في هذه الابدان الثلاثة و عند تعلقها بها بل لم‏يكن لها قيام و قعود و ركوع و سجود و نوم و يقظة و اكل و شرب و مشي و عدو بل و لاحركة و لاسكون مطلقا لانّ موضع هذه و امثالها هذا البدن كماتري عيانا انه لو لم‏يكن هذا البدن لم‏تكن للروح انتقال من مكان الي مكان و سكون في مكان و لايحصل له نوم و لايقظة و لااخذ و لااعطاء و لاضرب و لانصر و لااكل و لاشرب و هكذا لانّ شرط حصول ذلك كله هذا البدن و اعضاؤه و جوارحه كما لايخفي و ان كان اصله من الروح بحيث انه لولاه لم‏يمكن حصوله من البدن اصلاً و من العجب ان هذا البدن يكون مجوفا و هو يجوع و يعطش و هو يشبع بالطعام و يروي من الشّراب و مع هذا لو لم‏يكن الروح فيه لم‏يكن له شي‏ء من هذه ابدا فظهور افعال كل روح في بدنه و من بدنه و ان كان اصلها من الروح فلو لم‏يكن بدن لم‏يكن فعل خاص لروح ابدا و لم‏يطلع احد علي افعال روح مطلقا بل لم‏يكن فاعل فعل لانّ الفعل مقرون بالفاعل و الفاعل مقترن بالفعل و الفاعل فاعل في الفعل و بالفعل و الفعل فعل بالفاعل فاذا لم‏يكن فعل لم‏يكن فاعل كما اذا لم‏يكن قيام لم‏يكن قائم و اذا لم‏يكن قعود لم‏يكن قاعد و هكذا بل لم‏يكن روح خاص لانّ شرط خصوصية كل روح خصوصية البدن الظاهر كما انه ان لم‏يتكون في الرحم بدن علي خصوصية البهائم لم‏يتعلق به روح البهيمية و علي هيئة الطيور لم‏يتعلق به روح الطيرية و علي هيئة الانسان لم‏يتعلق به روح الانسانية بل لم‏يكن فرد من هذه الارواح في عالم من العوالم لانه لو لم‏يكن بدن خاص هنا لم‏يكن له روح في شي‏ء من العوالم و من هذا امر اللّه تعالي العقل بالادبار الي مادونه من العوالم حتي وصل الي تراب هذا العالم فانه لو لم‏يأمره اللّه بذلك لم‏يكن الا امكانا بحتا غير شاعر و لادراك و لم‏يكن له كمال و فعلية ابدا و اللّه تعالي خلقه للادراك و تحصيل العلوم و الكمالات و الخيرات و المبرات و هذا لم‏يكن ممكنا الا بالنزول الي هذه العوالم و اخذ الابدان منها و اشراقه فيها كما انه لايمكن حصول اللون الاحمر و الاخضر و الاصفر و غيرها لنور الشّمس الا في المرايا الحمراء و الخضراء و الصفراء و غيرها فاذا عرفت ذلك عرفت انه لو لم‏تكن لتلك الانوار المقدسة الالهية صلوات اللّه عليهم اجمعين هذه الهياكل الشّريفة في العوالم الخلقية لم‏تظهر منه تعالي صفة من الصفات الكمالية لفرد من المخلوقات بل لم‏تكن له سبحانه تلك الصفات المختلفة المتعددة و اذا لم‏تكن هذه لم‏تكن موصوفاتها لانّ شرط حصول الموصوفية للموصوف وجود الصفة كما عرفت و ذكرت مكررا فلم‏يكن عالم اذا لم‏يكن علم و لاقادر اذا لم‏يكن قدرة و لاحكيم اذا لم‏يكن حكمة و لارحيم اذا لم‏تكن رحمة و لامنتقم اذا لم‏يكن انتقام و هكذا فتلك الهياكل المقدسة النورانية في كل عالم مظاهر صفات اللّه و محال موصوفاته و مواضع اراداته و تصرفاته و تأثيراته بحيث انّها لو لم‏تكن مطلقا لم‏تكن هذه الجملة مطلقا بل لم‏يدر احد الصانع من المصنوع و الخالق من المخلوق فلذا تكون تلك الهياكل السبل الي اللّه و ابواب فيوضه الكونية و الشّرعية و اسباب خلق الخلق.

غنيمة: لا كل بدن قابل لكل روح كما ان كل جماد لايصلح للروح النباتية و ان غرسته في الارض و شربته من الماء كما ان الحصاة مع الغرس و الشّرب و التوجه التام لاتنبت ابدا و كذا النواة المحراة بالنار لاتنبت ابدا ولكن من الجمادات مايكون تركيبه علي حدّ و كيفية يصلح لذلك كما اذا غرست نواة و حبة لم‏تمسها النار تتعلق بها روح النبات و تنبتان من الارض فمثل هذا الجماد في الجمادات الطفها و اصفاها حيث كان صالحا قابلا لحكاية الروح النباتية اللطيفة الصافية و كذا لاكل نبات يصلح للروح الحيوانية كما ان جميع هذه النجوم و الاشجار و ان بقيت في الارض مدي الدهر لم‏تتحرك حركة بالارادة و لم‏تبصر و لم‏تسمع و هكذا ولكن من النباتات ماكان تركيبه يوم اول علي حد و كيفية يصلح لذلك و يبلغ هذا المبلغ كنبات كل حيوان و انسان و هذا الطف جميع النباتات لقبوله و حکايته روحا الطف و اعلي و لا كل حيوان يصلح للنفس الانسانية الناطقة الكونية و ان عاش في الدنيا مدة دوامها و عاشر الاناس و استمع منهم العلوم و الاداب كحيوانية كل حيوان لم‏يبلغ مبلغ الانسان ولكن فيها مايكون تركيبه علي حد و كيفية يصلح لذلك و اللّه تعالي خلقه يوم اول كذلك كحيوانية جميع الاناسي الكونية و هي الطف جميع الحيوانات و اعليها حيث حكت روحا الطف و اعلي و لاكل انسان كوني يصلح لقبول نفس العلم و ان بقي في الدنيا ابدا و عاشر اهل العلم سرمدا بل فيهم نفوس نادرة تصلح لذلك و اللّه خلقهم يوم اول كذلك كما خلق نواة كل شجر و حبة كل نجم صالحة له دون غيره يوم اول و علامته انك تغرسها في الارض فلايمر عليها ايام الا و يظهر منها شجر خاص و نجم مخصوص بلاتكلف و زحمة و علامة هذه النفوس ايضا انّها بادني تحصيل و استماع تبلغ مبلغ العلم كما ان نفس الشّاعر تكون حبتها حبة الشّعر و تنظم الكلمات باقل رياضة و مجاهدة و يكون النظم و الشّعر منه في غاية السّهولة و اما من لم‏تكن حبته حبة الشّعر و ان جاهد جهده و سعي سعيه لم‏يتيسر له الشّعر ابدا و هو عليه كالطيران في الهواء و المشي علي الماء و كذا كل ذي فن و صنعة تكون حبته يوم اول حبة هذا الفن و الصنعة و هما يحصلان له بادني رياضة ثم انهما عليه في غاية السّهولة و هذا ظاهر لكل من له ادني بصيرة و من هذا الباب انه لاكل عالم يبلغ مبلغ النجابة الا اذا كان حبته حبة النجابة و لاكل نجيب يبلغ مبلغ النقابة و ان سعي سعيه و جاهد جهده الا اذا كان حبته حبة النقابة و لاكل نقيب يبلغ مبلغ الاوصياء و ان سعي سعيه و جاهد جهده الا اذا كان حبته حبة الوصاية و لاكل وصي يبلغ مبلغ الانبياء و ان سعي سعيه و جاهد جهده الا اذا كان حبته حبة النبوة و لذا روي في حق ابراهيم بن رسول اللّه9 انه اماته اللّه تعالي في الطفولية لانّ طينته كانت طينة النبوة و لايجوز ان يأتي نبي بعد رسول اللّه9 و من هنا يظهر انه لايمكن لاحد من الانبياء و الاوصياء و الاولياء من الاولين و الاخرين ان يبلغ مبلغ الامامة المطلقة و النبوة المطلقة و ان سعوا سعيهم و جاهدوا جهدهم و ارتاضوا كل الرياضة مدي ملك اللّه فانه لم‏تكن حبة احد من اهل الامكان حبة هذين المقامين الا نفوس مقدسة محمّد و آله: و لذا لايمكن ازيد منهم و لاانقص منهم في الامكان بالجملة كما ان كل حبة مخصوص بنبات و لايصلح لغيره ابدا و هو ميسر لما خلق له دون غيره كذلك حبة كل انسان صالحة لشأن و مقام و هو ميسر له لالغيره و امتحانه انه ان حصل ذلك منه بيسر فهو مخلوق له و الا فلا و ليس  له ان لم‏يكن مخلوقا له ان يحصله بكلفة و لذا قال تعالي: ان اللّه لايحب المتكلفين فان اللّه تعالي لايحب الا من اتي بماكلفه و لم‏يكلف احدا الا بمااتاه و جعله في وسعه و مالم‏يؤت نفسا لم‏يخلقها له و لم‏يكلفها به فكل ميسر لماخلق له و ان اللّه يحب اليسر و لايحب العسر كما قال: يريد اللّه بكم اليسر و لايريد بكم العسر بالجملة فالطف الاناسي الكونية طينة العلماء ثم النجباء ثم النقباء ثم الانبياء ثم الائمة و سيدهم صلي اللّه عليه و عليهم اجمعين فعناصرهم: الطف العناصر بحيث لايمكن الطف منها لانها كانت صالحة لحكاية روح النبوة و الامامة المطلقتين و البابية المطلقة ثم مقام المعاني ثم مقام البيان الذين لايمكن صدورهما الا من اللّه تعالي و لايشرك فيهما احد من اهل الامكان و لايقال انه يلزم مماذكرت جبر لانا نقول ان اللّه تعالي لم‏يكلف احدا الا بمااتاه و مالم‏يؤته لم‏يكلفه به كما ذكرنا و الاسلام و الايمان مما اتاه اللّه تمام المكلفين و خلقه فيهم و جعله في وسعهم و كل من لم‏يجعلهما فيه لم‏يكلفهم بها كالاطفال و المجانين و المستضعفين.

غنيمة: كما ان كل بدن يظهر فيه روح يمتاز في الخواص و الاثار عما لم‏يظهر فيه هذا الروح كما ان الجماد الظاهر فيه روح النبات ممتاز عن غيره في الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و الرباء و الزيادة و النقصان و النبات الظاهر فيه روح الحيوان ممتاز عن غيره بالابصار و السّمع و الشّم و الذوق و اللمس و الشّهوة و الغضب و الحيوان الظاهر فيه روح الانسان ممتاز عن غيره في الذكر و الفكر و العلم و الحلم و النباهة و النزاهة و الحكمة و الانسان الظاهر فيه روح النجابة ممتاز عن غيره بالوقوف علي نقطة العلم و سيرها في اطوار العلوم و الظاهر فيه روح النقابة ممتاز عن غيره في التصرف و التأثير في الاشياء بقوة الاسماء المتعلقة به و الّذي تعلق به الكلية الالهية ممتاز عن غيره بالصبر علي البلاء و الشّكر علي النعماء و البقاء في الفناء و الفقر في الغناء و العز في الذل و النعيم في الشّقاء و التسليم والرضاء و هكذا كل نبات ممتاز عن نبات آخر في الخاصية و الاثر و كل حيوان ممتاز عن غيره من الحيوانات في الطبع و کل انسان ممتاز عن غيره من الاناسي في العلم و العمل و الكسب و الصنعة و القول و الفعل حتي ان هيئاتهم مختلفة بحيث ان اهل القيافة يحكمون بكل هيئة علي روح خاص و اعمال خاصة و واردات خاصة كذلك الابدان المقدسة التي تعلق بها روح اسماء اللّه و صفاته و انواره و اثاره اولاً و بالذات لابد و ان تكون ممتازتا عن غيرها من جميع العالمين في الخصال و العلوم و الاعمال و الاثار حتي الصور و الهيئآت الظاهرة بحيث ان الحاذق في القيافة كان يمكنه الاستدلال بها علي احوالها و شؤنها فتلك الوجوه الامتيازية اشياء منها العلم بكل شي‏ء و لذا يجيبون: عن كل مايسألون و من هنا كان يحق لهم: ان يقولوا سل عما بدالك و كان اميرالمؤمنين7 يقول سلوني قبل ان تفقدوني و لايجوز لغيرهم: ان يقول ذلك و منها القدرة علي كل شي‏ء و لذا كانوا يقدرون علي جميع المعجزات و لاتنحصر معجزاتهم باشياء دون غيرها كساير الانبياء و الاوصياء فان معاجزهم كانت معدودة و منها العصمة عن كل رجس و نجاسة ظاهرة و باطنة فالظاهرة ظاهرة و الباطنة كل شك و شرك و جهل و سهو و نسيان و غفلة و خطاء و نقصان و كل المعاصي من صغيرها و كبيرها و ترك الاولي و كل مايخالف مشية اللّه و ينافي صفات اللّه جل جلاله فان جميع ذلك رجس لانه مبعد عن اللّه تعالي فهم معصومون عنه بنص قوله تعالي: انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا و لايلزم الاذهاب التندس@ بالرجس فان المراد ان اللّه تعالي اذهب الارجاس و الانجاس التي في العالم عنهم: لا التي هي فيهم: نعوذباللّه كما يقال للبلاء المدفوع عن الشّخص قبل وروده عليه اذهب اللّه عنه البلاء فهم: معصومون عن جميع ماينافي رضا اللّه جل جلاله بعصمته سبحانه و معني ذلك ان اللّه تعالي جذبهم الي نفسه فهم مجذوبون و سخرهم لحكمه فهم مسخرون فلايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون كما قال تعالي: عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون كما ان الروح يسخر البدن و يجذبه الي نفسه و يعصمه عما يخالف رضاه و عن كل ماينافي هواه فلايسبقه بقول و فعل و هو بامره قائل و عامل فلاينطق الا بميله و لايعمل الا بحكمه و لذا يكون قوله قوله و فعله فعله و لايقدر علي قول سوي قوله و فعل سوي فعله فكذلك نور اسم اللّه تعالي و صفته في هياكلهم: كالروح في الجسد يعصمهم عن كل مايخالف رضاه سبحانه بجذبهم الي نفسه و تسخيرهم لحكمه فلايقولون الا قوله سبحانه و لايفعلون الا فعله سبحانه فلذا من اطاعهم فقد اطاع اللّه و من عصاهم فقد عصي اللّه و من اصغي اليهم فقد عبد اللّه و منها البابية الكبري و الوساطة المطلقة العظمي بين اللّه تعالي و بين خلقه فلايصل من اللّه تعالي فيض الي احد الا بهم و لايصل من احد دعاء و نداء و عمل و معاملة الي اللّه تعالي الا بوساطتهم: و شرح ذلك اجمالاً يقتضي غنيمة علي‌حدة.

غنيمة: يري حسّا ان الروح بوحدتها لافعل و لاقول لها ابدا كماتري عيانا ان روحك مع قطع النظر عن بدنك و قبل التعلق به ليس له ابصار للالوان و الاشكال و سمع للاصوات و شم للروايح و ذوق للطعوم و لمس للكيفيات و لاقيام و لاقعود و لاركوع و لاسجود و لااكل و لاشرب و لانوم و لايقظة و لاحركة و لاسكون و لانطق و لاسكوت و هكذا بل ليس له تصور للصور المنتزعة من المواد الدنيوية و لاللصور المجردة عنها و لافهم لمعانيها الجزئية و لاللمعاني المجردة الكلية و لاالنسب الايجابية و السلبية بين تلك الصور و المعاني و لاعلم و لاخلق و لاحال بل ليست بروحك الخاصة بك كما تعقل بداهة انك قبل تولدك في هذه الدار و تعلق روحك الانسانية بك ليس لك شي‏ء من هذه و امثالها و ان نسب اليك شخص شيئا منها كذبته و كذبه تمام الخلق و كذا البدن بوحدته و مع قطع النظر عن روحه ليس له فعل و قول و علم و عمل بل هو ميت لاحراك له مطلقا كجماد من الجمادات و اما اذا تعلق الروح بالبدن فهما معا يصدر عنهما الاقوال و الافعال و الاعمال و الاثار فهي تبصر بالعين و العين تبصر بها و تسمع بالاذن و الاذن تسمع بها و تشم بالشّامة و الشّامة تشم بها و تذوق بالذائقة و الذائقة تذوق بها و تلمس باللامسة و اللامسة تلمس بها و تقوم و تمشي و تعدو برجليه و رجلاه تقومان و تمشيان و تعدوان بها و تأخذ و تعطي و تبسط و تقبض بيديه و يداه تأخذان و تعطيان و تبسطان و تقبضان بها و تتكلم بلسانه و هو يتكلم بها و هكذا و هي فيه و عند تعلقها به تثبت لها التصور للصور المادية و المجردة و فهم المعاني الجزئية و الكلية و ادراك النسب الايجابية و السّلبية و تثبت لها العلم و العمل و الخلق و الحال و تتعين و تتشخص و معلوم ظاهر ان كل قول و فعل تقول للروح عند قول و فعل تقول للبدن و ماتقول منهما للبدن عند ما منها للروح بحيث لايسبق احد منهما اي الروح و البدن صاحبه بل فعل كل فعل الاخر و قول كل قول الاخر بلافرق الا ان اصل الفعل و القول من الروح و ظهورهما من البدن و لذا تصح نسبة كل منهما الي كل منهم شرعا و عرفا و لغةً كما قال اللّه تعالي: فويل لهم ما كتبت ايديهم و ويل لهم ممايكسبون فنسب سبحانه الفعل اليهم و الي ايديهم فنسب اليهم لانه منهم اصلاً و وجودا و نسب الي ايديهم لانه منها ظهورا و شهودا و يقال متعارفا ان فلانا ابصر و سمع و ان عينه ابصرت و اذنه سمعت و انه جاء و ذهب و ان رجله جاءت و ذهبت و انه اعطي و اخذ و ان يده اعطت و اخذت و هكذا فالبدن باب الروح الي الخارج في اظهار اقوالها و افعالها و احوالها و علومها و اعمالها فانه لولا البدن لم‏يظهر منها شي‏ء من ذلك ابدا بل لم‏يكن لها شي‏ء من ذلك ابدا و باب الخارج الي الروح فانه لولاه لم يرد عليها لون و شكل من الخارج و لاصوت و لاطعم و لارايحة و لاكيفية منه ابدا فشهادة كل روح هي الواسطة العظمي و الوسيلة الکبري بينها و بين اهل الشّهادة و بابها اليهم و بابهم اليها و بدونها يمتنع افاضتها اليهم و تمتنع استفاضتهم منها و لاشك انهما اثنان متغايران ليس كل عين الاخر لانّ الروح غيب في عرصة عليا و وقت اوسع الطف اعلي و البدن شهادي في عرصة دنيا و وقت اضيق اكثف ادني و هي منشأ تمام الافعال و الاقوال و هو مظهرهما ولكن لايخفي ان الروح باقية في جميع الاحوال و في جميع الامكنة و الاوقات و اما البدن فهو دائم التجدد يتحلل في كل آن و يأتيه البدل الجديد في كل آن و هو ما قال تعالي: بل هم في لبس من خلق جديد فهو في كل آن خلق جديد و ان رآه الناظر غير المستبصر خلقا واحدا في كل آن بل في كل زمان و اوان و ان هو عند الناقد الخبير و الناظر البصير الا كشعلة مشتعلة من اول الليل الي آخره فانها و ان كانت بالنظر الظاهر تمام الليل واحدة غير متبدلة ولكن لاشك انها في الان الاول من الليل اشتعل زيتها بالنار فصار في اقل من طرفة عين بخارا ثم دخانا ثم توتجا ففنيت رأسا ثم في الان الثاني اشتعل الزيت الّذي يلي الزيت الاول في اقل من طرفة عين فصار بخارا في اقل من ذلك ثم دخانا ثم توتجا و وقع علي الارض ففنيت شعلته ايضا و هكذا الي ان تم تمام الزيت فلكل قطرة زيت شعلة و هي تشعل في اقل من طرفة عين و تفني في اقل من ذلك و انما قلنا في اقل من طرفة عين لانه لاشك ان النار الطف من الهواء و الهواء الطف من الماء و الماء يجري من مكان الي مكان في اقل من طرفة عين و الهواء يكون اسرع منه بمراتب شتي كماتري من الريح العاصفة و النار اسرع من الهواء بمراتب شتي فجريان الشّعلة اشد من النهر الجاري الف مرة و كما ان النهر الجاري يري من ظاهره انه واحد غير متجدد و ماؤه اللاحق هو ماؤه السّابق و هو دائم التجدد و في كل ان لاحقة غير سابقة و هو بدل سابقه و ان كان كمثله كذلك الشّعلة يري من ظاهرها انّها في تمام الليل واحدة غير متجددة ولكنها في الحقيقة في كل آن متجددة و هي ذاهبة جائية و كل لاحقة غير سابقة و ان كانتا متماثلتين في الصورة الظاهرة فهذا البدن ايضا بعينها كالشّعلة فهو في كل آن يتجدد و يجي‏ء و يذهب و لايلزم ان يكون ذهابه بدفع البول و الغايط منه بل انه يذهب بذلك و بدفع الدم و المني منه و بدفع البخارات من فمه و ساير مساماته و بخروج العرق و الشّعر و الدنس منه و لذا اذا لم‏يأته البدل من الطعام و الشّراب الخارجين يتحلل و يذبل حتي يموت و يذهب رأسا فاذا جاءه ذلك جاءه النشاط و زاد رباءا و نماءا و ازداد حيوة و قوة فهو لايزال يجي‏ء و يذهب و يتحلل و يتبدل و ليس مايكون منه في السّنة الاتية عين ماكان منه في السّنة الماضية بل ليس ما منه في الشّهر الاتي بل في الاسبوع الاتي بل في اليوم الاتي بل في الان الاتي عين ما منه في الشّهر الماضي و الاسبوع الماضي و اليوم الماضي و الان الماضي و ان شئت تصور ذلك فزنه بالميزان فتري انه اثني عشر منّا مثلاً ثم حاسب ما صرف من الطعام و الشّراب في عرض السّنة فتري انه خمسون منا مثلاً فتنقضي السّنة و صرف هذا المقدار و لم‏يزد علي وزنه شيئا فان لم‏يذهب منه يمتنع ان لايزيد علي وزنه فلاشك انه ذهب منه دائما و جاءه البدل دائما بالجملة فهو مع ذهابه و ايابه و مع دوام تجدده مظهر افعال الروح و اقوالها و اثارها و احوالها و واسطة بينها و بين ماسواها و كل بدن جديد بدل للبدن السّابق عليه و كلها من السّابق و اللاحق خلفاء الروح و حكاتها و الرواة عنها.

غنيمة: اذا تبين لك ذلك تبين لك ان البابية و الوساطة ثابتة لهم: في مقام هياكلهم الخلقية لافي مقام بيانهم و معانيهم: و ان كانت تقال لهذين المقامين ايضا بنظر و اعتبار ولكن باعتبار الحقيقة خاصة بمقام هياكلهم فان مقام البابية و الوساطة يلزم الاشتراك مع المستفيضين و هذان المقامان لااشتراك لهما مع ساير المخلوقين لانهما من اللّه تعالي و اليه تعالي كما كررنا و هم من الامكان و  الي الامكان لتلك الهياكل من جهة كونها من الامكان تشترك مع ساير المخلوقات و من جهة اشراق انوار البيان و المعاني فيها تمتاز منهم و تثبت لها الصفات الامتيازية مما ذكرنا و مالم‏نذكر و الي ذلك اشار7 بقوله في حديث الكميل: نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره فهياكل التوحيد هي تلك الهياكل الشّريفة و انما اضافها الي التوحيد لانه يقع فيها الاشراقات الالهية و الانارات الوحدانية الفردانية كما قال تعالي: قل انما انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد و النور المشرق من صبح الازل نور المعاني و صبح الازل هو مقام البيان لانّ اللّه تعالي به قد بان و استغني الناظرون العارفون به عن كل بيان و تبيان و لهذا قال7 تلو هذا: اطفي‏ء السّراج فقد طلع الصبح و اقول كما قال المتنبي:

و هب اني اقول الصبح ليل

ايعمي الناظرون عن الضياء

بالجملة لولا تلك الهياكل المقدسة بين المخلوقين لم‏يعرف احد رب العالمين و لم‏يظهر اثاره و انواره و صفاته و كمالاته و اقواله و مراداته لاحد من المذروئين و لذا ماصدر منها من القول قول اللّه تعالي و ماصدر منها من الفعل فعل اللّه و كل معاملة معها هي مايعامل مع اللّه و لذا يفرض طاعتهم لكل حاضر و باد لانها هي طاعة رب العباد و هي المنجية يوم التناد و كل ماذهب من تلك الهياكل من البين يخلفه آخر بلامين و اللاحق مثل السابق في جميع الاثار الكمالية بلاريب كالشّعلة المشتعلة من شعلة آخري فانها مثلها في جميع الصفات النارية فلذا كل واحد جهة تفرض طاعته علي العباد و قول كل قول الاخر و الرواية عن كل هي الرواية عن الاخر فصل اللّه علي اولهم و آخرهم و ظاهرهم و باطنهم و شاهدهم و غائبهم و تولينا آخرهم بما تولينا به اولهم.

غنيمة: عبرنا عن المقامين الشّريفين بالروح لقوله تعالي: و كذلك اوحينا اليك روحا من امرنا و الوحي هو الاشراق الالهي فقد اشرق اللّه تعالي الي نبيه9 روحا من امره و «من» بيانية اي روحا هو امره سبحانه و امره نوره و نوره مقام موصوفيته و مسمائيته اولاً و مقام اسمه و صفته ثانيا و هما هذان المقامان كما ذكرنا سابقا فقد اشرقهما اللّه تعالي في هويته9 و اظهر منها افعاله و اقواله و لاتزعمن افتقارهما الي هياكلهم: كافتقار الارواح الخلقية الي ابدانهم فانّا ذكرنا ان تعين كل روح و تحققه و تحقق افاعيله و خواصه و اثاره منوط ببدنه كما ان حيات كل بدن و فعله و اثره منوط بالروح فكل قائم بالاخر و اما نور اللّه جل جلاله محال ان يكون وجوده منوطا قائما بشي‏ء سوي الله و ان کان هذا الشيء مظهره و هيکله کما ان کل نور محال ان يکون قائما بشي‌ء سوي منيره نعم تميزاته و تخصصاته و اختلافات درجاته منوطة بهياكله و مظاهره كما ان اختلاف نور الشّمس منوط بالمرايا و المجالي المختلفة.

غنيمة: و من الوجوه الامتيازية التي لتلک الهياكل المقدسة لاجل تعلق روح البيان و المعاني بها طيّها للارض و عروجها الي السّماء فانها كما ذكرنا و مرّ هنا عليه سابقا مالئان لاقطار السّماء و الارض و لاتعطيل لهما في كل مكان فان كل ما هو مقدر و مقدور تلومه القدرة و التقدير و كل ماهو معلوم يلزمه العلم و كل ماهو مخلوق يلزمه الخلق و كل ماهو مرزوق يلزمه الرزق و كل ماهو حي يلزمه الاحياء و كل ما هو ميت تلزمه الاماتة و كل ماهو مرحوم تلزمه الرحمة و كل ماهو منتقم منه يلزمه الانتقام و كل ما هو مهدي تلزمه الهداية و كل ماهو ضال يلزمه الاضلال و هكذا و القدرة تلزمها القادر و التقدير يلزمه المقدر و العلم يلزمه العالم و الخلق يلزمه الخالق و الرزق يلزمه الرازق و الاحياء يلزمه المحيي و الاماتة تلزمها المميت و الرحمة يلزمها الرحمن و الرحيم و الانتقام يلزمه المنتقم و الهداية يلزمها الهادي و الاضلال يلزمه المضل و هكذا كل فعل يلزمه الفاعل و كل اثر يلزمه المؤثر و كل اسم يلزمه المسمي و كل صفة يلزمها الموصوف و لماكان في كل مقام و مكان مفعول و متأثر كان في كل مقام و مكان فعل و اثر و لما كان في كل مقام و مكان فعل و اثر كان في كل مقام و مكان فاعل و مؤثر و مقام تمام تلك الفواعل و الافعال و المؤثرات و الاثار و المسميات و الاسماء و الموصوفات و الصفات مقام خلقه سبحانه لامقام ذاته جل و علا لانّ ذاته سبحانه واحدة و هي متعددة و ذاته سبحانه قائمة بنفسها و هي قائمة بها و لايمكن ان يكون المتعدد عين الواحد و القائم بالغير عين القائم بالنفس ولكن ذلك الخلق لابد و ان يكون منه سبحانه و اليه سبحانه لا من شي‏ء آخر و لا الي شي‏ء آخر لانّ مؤثرية كل شي‏ء منه و اليه و اثره ايضا منه و اليه و كذا فاعليته و فعله و مسمائيته و اسمه و موصوفيته و صفته كل ذلك منه و اليه و من هو من اللّه و الي اللّه تعالي لا من شي‏ء آخر و لا الي شي‏ء آخر من كان بتمامه لله تعالي لالشي‏ء آخر و من كان بتمامه لله تعالي ليس الا من عصمه اللّه عن كل ماسوي اللّه و من عصمه اللّه تعالي عن كل ماسواه هو المعصوم الحقيقي الكلي و ذلك ليس في جميع العالم الا محمّد و آله صلوات اللّه عليهم اجمعين لاتفاق العقل و النقل القطعيين و ضرورة مذهب الاثني عشرية فهم: في هذين المقامين معبرين عنهما بالبيان و المعاني مالئان لاقطار الوجود و حاضران في كل غيب و شهود و هم في ان واحد في السّماء و الارض و في الطول و العرض و في العرش و الفرش و في الدرة و الذرة من دون التغير من حال الي حال و من دون انتقال و زوال فليس لهم فيها عروج و هبوط و صعود و نزول و طي للارض و قطع للطول و العرض لانهم في كل ان في كل مكان و لايخلو منهم وقت و لامكان و اما هياكلهم: فلما كانت منوطة مرتبطة بهما و هما في كل مكان كانت تقدر ان تحضر في كل مكان فتكون في ليلة واحدة في اربعين منزلاً بل الف الف منزل و تكون عند كل ولي و عدو عند وفاتهما بل لدي كل مولود عند ولادته و عند انعقاد نطفته و تعرج الي السّماء في اقل من طرفة عين و عروجها الي السّماء و طيها للارض بمعني واحد فان العروج هو الطي الطولي و طي الارض هو الطي العرضي و لافرق بين حضورها من مكة الي المدينة او من المدينة الي الكوفة في اقل من طرفة عين و بين عروجها من الفرش الي العرش في اقل من ذلك الا ان الاول سير في الارض و الثاني سير في الطول و كلاهما من جهة ارتباط تلك الهياكل بالمقامين المالئين لاقطار الوجود فهذه الجملة الامتيازية التي بها امتازت تلك الهياكل عما سواها من الخلق من جهتهما كما ان عروج بدن النبات من حضيض غلايظ العناصر الي صوافيها و بدن الحيوان من حضيض مطلق العناصر الي روح فلك القمر و بدن الانسان من الارض و من فلك القمر الي ساير الافلاك بل الي الكرسي و الي العرش لاجل ارواحها المتعلقة بها فهي تشايعها الي عالمها كما يشايع الريش الرياح فاينما تهب يذهب و ذهابه علي حسب هبوبها فان كان بطيئا فبطي‏ء و سريعا فسريع و كذلك ذهاب كل بدن مع روحه ‏اي علي حسبه في السّرعة و البطؤ فكل ما كان سير الروح اسرع كان سير بدنه اسرع و كل ما كان ابطأ كان ابطأ و من هنا تعرف ان سرعة هياكلهم: في طي الارض او السّماء مما لاتحيط به الاوهام لانّ سرعة حقايقهم: كذلك بل لايقال لها سرعة و لاسير لانها في كل مكان كما عرفت.

غنيمة: العروج عروجان عروج الي اللّه تعالي لمعرفته و مشاهدة آياته و اسمائه و صفاته و عروج لمشاهدة كل ذرة ذرة من خلقه من الدرة الي الذرة و من اهل السّماء و الارض و اهل العرش و الفرش و الدنيا و الاخرة و الجنة و النار و كل العوالم الالف الف و كل مايسمي بالشّي‏ء و يعبر عنه بالخلق فالاول حاصل لهم: في كل آن و وقت لانهم في كل وقت بل قبل الوقت و مع الوقت و بعد الوقت واجدون لربهم: لايفقدونه ابدا و عارفون به جلّ شأنه حق المعرفة لايجهلونه سرمدا و ذلك لانّ حقايقهم: عند ربهم دائما لانها منه تعالي و اليه تعالي و هي عين معرفتها و وجدانها له و حقيقة انبائها و حكايتها عنه و ابدانهم تابعة لها و مقتضية اثرها دائم الليل و النهار و في اليقظة و المنام و في كل حال من الاحوال كما ان كل بدن تابع لروحه اينما تكن يكن و حيثما تكن يكن الاتري ان بدن العالم مع روح العلم دائما فلايري الا في مواضع العلم و لايظهر منه الا آثار العلم فلسانه ينطق بالعلم و يده تكتب العلم و رجله تمشي الي مواضع العلم فهو صاعد الي عرصة العلم في الليل و النهار و الصباح و المساء و في السّفر و الحضر و العيش و الخطر حتي انه اذا نام يري في منامه العلم و العلماء و يكتب العلم و ينطق به هذا اذا كان بصرافته و لم‏يعرضه عارض غالب عليه يقلبه و يغفله عن العلم و هكذا بدن السّخي صاعد الي عرصة السّخاوة و يكون مع السّخاوة في جميع الاحوال و الاوقات و يظهر اثارها منه في جميع الانات الا ان يعرضه عارض غالب يصرفه عنها و علي هذه المنوال جميع الابدان في جميع الاحوال فهي مع ارواحها و صاعدة عارجة الي عالمها دائم الليل و النهار في جميع الاكوار و الادوار حتي ان بدن النبات لايري في مقام الا في مقام النبات و ليس يري وقتا في مقام الجماد لانه دائما في الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و الرباء و الزيادة و النقصان سواءً كان في الليل او في النهار في البلاد او في البراري و القفار و ان غفل عن النباتية آن لهوي عن عرصة النبات و وقع في تيه الجمادية و لذا لايري منه الا النبات و لايسمع منه الا صوت النبات و هو لفنائه عنده و عروجه اليه و اضمحلاله لديه لايطلق عليه الا اسم النبات و كذلك بدن الحيوان مشايع و تابع لروحه صاعد الي سمائه في كل الانات و الحالات و لذا لايظهر منه الا تلك الصفات و السّمات و لايري في دياره الانوار و لايسمع فيها صوت الا صوته و هكذا فلما كانت حقايقهم: دائما عند اللّه و واجدة لله عارفة باللّه كانت ابدانهم: في كل عالم كذلك و لايغفلون عن ربهم و اسمائه و صفاته ابدا سواءً كانوا في الارض او السّماء في السّراء او الضراء في الصباح او المساء في النوم او في اليقظة في حال السّكون او الحركة و لما كانوا: لم‏يغلبهم عرض يصرفهم عن ذلك لاتكاد تجد لهم غفلة عن ذلك و حكم هذا الروح كحكم عصمتهم: فانهم لماكانوا مسخرين لارواحهم و حقايقهم: و انّها كانت منزهة عن كل مايخالف اللّه جلّ و علا كانوا هم: معصومين في مقام ابدانهم عن كل مايخالف مسخرين لها و هي كانت واجدة لربها جلّ شأنه و عارفة به دائما كانوا: في ابدانهم في كل عالم واجدين له جل شأنه عارفين به دائما و هو سبحانه معهم و هم معه في كل وقت و في كل حال فالحق مع علي و علي مع الحق يدور معه حيثما دار و هذه القضية جارية لهم: في جميع مقاماتهم و مراتبهم لامقام دون مقام و مرتبة دون مرتبة و اما الثاني فهو حاصل لهم: وقت دون وقت اي في اي وقت شاء اللّه لهم ذلك و امرهم بذلك يحصل لهم فيصعدون من ادني العالم بحكمه سبحانه الي اعلاه و من تحته الي فوقه و من فرشه الي عرشه و يشاهدون العوالم كلها و ينظرون الي الاشياء بحذافيرها و يرون كل شي‏ء في مقامه و وقته و مكانه علي ما هو عليه و الماضي و المستقبل و الحال و الدنيا و الاخرة و الجنة و النار و كل مايري و مالايري عندهم: بحكم واحد فلذا يشاهدون في عروجهم هذا كل واقعة وقعت او تقع في وقتها و مكانها علي السّواء و يرون اهل الجنة في الجنة متنعمين علي اختلاف درجاتهم و تقلباتهم في نعمة ربهم و اهل النار في النار معذبين علي اختلاف دركاتهم و تقلباتهم في نقمة ربهم و لذا يروي عن النبي9 في احاديث الخاصة و العام مشاهدة اشياء كثيرة ليلة معراجه و مروره علي الانبياء و الملائكة و صلوتهم خلفه و مشاهدته اهل الجنة في الجنة و اهل النار في النار علي ما هو معروف مشهور و هم: في صعودهم هذا يمرون علي كل شي‏ء و يمضون عنه الي ان يصلوا فوق العرش اي عرش الامكان و يتركون تمام الاشياء تحت اقدامهم حتي لايروا حاسا و لامحسوسا و يرون اللّه وحده و يتكلمون معه و يتكلم معهم و يعلمهم كل شرع و حكم و كل مااراد من جميع الخلق في جميع الاكوار و الادوارثم يأذن اللّه لهم: في الهبوط الي الارض فيهبطون بحكمه سبحانه و يمرون ايضا علي كل شي‏ء في بدء وجوده و عند ختم وجوده و فيما بينها و يمضون عنه و يتركونه في مقام الي ان يصلوا الي الارض و يمشون بين اهلها و يعلمونهم تكاليفهم كما علمهم ربهم: و يفيضون عليهم من الامداد الكونية و الشّرعية و كل ذلك ايضا لاجل مشايعة ابدانهم:و الصلوة لارواحهم فان ارواحهم:لما كانت عند اللّه و من اللّه و الي اللّه كانت فوق جميع الخلق و قبلهم و معهم و بعدهم و كانت محيطة بهم من جميع جوانبهم و واجدة لهم في اماكنهم و اوقاتهم من دون تدرج و التفات بعد غفلة او غفلة بعد التفات بل دفعة واحدة لانها لايشغلها شأن عن شأن لانها بيانات و ظهورات لمن لايشغله شأن عن شأن لانه خالق كل شي‏ء و محيط عالم بكل شي‏ء و تلك الارواح مقام خالقيته سبحانه و عالميته كما عرفت فلما كانت تلك الارواح بتلك المثابة و كانت ابدانهم: مشايعة تابعة لها امكنها العروج الي فوق العرش و الوصول الي اعلي الخلق و مشاهدة كل شي‏ء في موضعه و وقته و الوقوف علي جميع الوقايع و الحكايات الماضية و الآتية في آن واحد بحيث لاتمر عليها وقت فيعرجون و ينزلون و يرون كل شي‏ء و يمرون عليه و يمضون عنه آنا واحدا و لذا كان النبي9 ليلة المعراج صعد الي السّماء و ماء الكوز يهراق و نزل و هو كان يهراق فكانه لايمر ذهابه و ايابه وقت مع انه9 مرّ علي كل وقت و شاهد في كل شي‏ء في كل مكان و وقت و هذا من اعظم معجزاته و اعجب آياته كما لايخفي.

غنيمة: لافرق بين عروجهم: الي السّماء و مشاهدتهم اهل السّماء و بين ذهابهم من مكة الي المدينة لاهلها الاّ انه في الطول و هذا في العرض فكما انهم: في مكة و المدنية كليهما عارفون باللّه تعالي صاعدون اليه باقدام معرفتهم و اعمالهم علي حدّ سواء و لكن ماداموا في مكة و شاهدين لاهلها و معلمين لهم معالم دينهم لم‏يكونوا بظاهرهم في المدينة و شاهدين لاهلها و معلمين لهم معالم دينهم و ماداموا في المدنية و شاهدين لاهلها و معلميهم معالم دينهم لم‏يكونوا بظاهرهم في مكة و شاهدين لاهلها و معلميهم معالم دينهم كذلك هم في السّماء و الارض عالمون عارفون بربهم جلّ شأنه سائرون اليه باقدام معارفهم و علومهم و اعمالهم علي حدّ سواء من دون فرق ولكن ماداموا بظاهرهم في السّماء لم‏يكونوا بظاهرهم في الارض الاّ ان يشاؤا ذلك و ماداموا في الارض لم‏يكونوا بظاهرهم في السّماء الا ان يشاؤا ذلك و اذا عرجوا بظاهرهم الي العرش و شاهدوا كل شي‏ء باذن ربهم لم‏يلزم ان يكونوا في الارض ايضا كذلك او في كل وقت ايضا كذلك الا ان يشاؤا ذلك لانّ ظاهرهم وحداني الجهة فاذا توجهوا باذن اللّه الي جهة لم‏يتوجهوا الي جهة آخري و لم‏يتوجهوا الي كل الجهات الا ان يشاؤا ذلك و يأذن اللّه لهم في ذلك و اما في بواطنهم فهم واجدون لكل شي‏ء حاضرون عند كل شي‏ء آنا واحدا و في بواطنهم و ظواهرهم واجدون لربهم سائرون اليه دائما و لم‏يأذن لهم في ذلك بغير ذلك و لم‏يشاؤا في ذلك غير ذلك.

غنيمة: كما انهم اذا ساروا من بلد الي بلد ساروا بروحهم و جسمهم معا لابروحهم فقط كذلك اذا ساروا الي السّماء و الي العرش ساروا بروحهم و جسمهم معا لابروحهم فقط بل كان معهم البستهم و نعالهم كما كانت معهم في سيرهم من بلد الي بلد كما كان رسول اللّه9 عرج ليلة المعراج بجسمه الشّريف و بشريته الظاهرة مع ما عليه من الثياب و النعل لاتفاق العقل و النقل و ضرورة الاسلام و المذهب و لامانع من ذلك اصلاً لانّ ظاهره و ما عليه كان مستهلكا عند اصله و حقيقته فكان الحكم حكمها لاحكمه فكان يمضي من الافلاك من دون خرق و التيام و كان يسرع في السّير اليها كما كان يسرع في مقام طي الارض كما ان الريش عند جنب الريح العاصفة يضمحل و يبطل حكمه فيسير الي غير حيزه في اقل من طرفة عين و ان علق مثلاً بفلك الافلاك صار كان لم‏يكن و يقطع دورة البروج مع ضعفه و صغره في ليلة و نهار و لاشك ان باطنهم اسرع سيرا الي فوق العرش من العرش فاذا ارتبط به بدن عنصري من هذا العالم يضمحل عنده و يبطل حكمه في جنبه فيمضي من الارض الي السّماء و الي العرش في اقل من طرفة عين من غير خرق و التيام و لاعجب من ذلك ابدا لانّ عرش بلقيس كان شيئا خارجا من وجود آصف و هو قد اتي به الي سليمان قبل ان يرتد اليه طرفه مع انه كان من الاوصياء و من خدمة آل محمّد: فكيف لايمكنهم: ان يذهبوا بابدانهم و ثيابهم مع  انفسهم الي العرش في اقل من ذلك مع انهم سادات الانبياء و الاوصياء و ابدانهم متصلة بهم لاخارجة عن حضرتهم و كما انه ان نظر الي عرش بلقيس عند ذهابه ناظر لم‏يره لسرعة سيره لانه قد حضر لدي سليمان قبل ارتداد طرفه كذلك ان نظر ناظر الي بدن النبي9 ليلة عروجه لم‏يكن يراه في الهواء لانه كان اسرع سيرا من عرش بلقيس مع انه كان في غاية اللطافة بحيث لم‏يكن له ظلّ بل لم‏يكن لما عليه من الثياب ظلّ لاضمحلال الجميع عند سطوع نور باطنه9و ان لم‏يكن يتعمد في ارائته اهل الارض عند كونه فيها لم‏يكن يراه احد.

غنيمة: يظهر مما بيّنا و من العقل و النقل ان لهم: ايضا معراجا كما كان لرسول اللّه9 لانه يجري لاولهم ماكان يجري لاخرهم و لاخرهم ماكان يجري لاولهم لانهم كلهم من نور واحد و حقيقة واحدة فكلما يثبت للنبي9 يثبت لجميعهم ماخلا النبوة و الخواص التي استثنيت في اخبارهم: اي الانباء الاولي الاصلي الذاتي التأسيسي لامطلق الانباء كيف و هم حقيقة الانباء عن اللّه تعالي لانهم حقيقة اسمائه و هم مرسل الرسل و منزل الكتب فافهم و الّذي يدل علي معراجهم من الاخبار ماورد في مصاحبة اميرالمؤمنين7 مع النبي9 ليلة عروجه و مكالمته معه و استماعه صوته و مؤاكلته معه و رؤيته يده و ماورد في كونه7حنيفا ليلة واحدة في اربعين بيتا و قول اللّه تعالي انه كان في هذه الليلة ضيفي في العرش و ماورد في عروج الملائكة بمولود الحسين7 الي السّماء لزيارة حملة العرش و كذا عروجهم بمولود القائم7 الي السّماء الي غير ذلك.

غنيمة: لايلزم مما افاد الشّيخ الاجل الاوحد اعلي اللّه مقامه و رفع في الخلد اعلامه من انه9 ليلة المعراج القي في كرة الماء ماءه و كرة الهواء هواءه و كرة النار ناره و هكذا عروج روحاني كما زعم النصاب من اعدائه لانه لاشك ان هذا المركب من العناصر اينما كان في السّماء او في الارض ناره في كرة النار لافي غيرها و هواؤه في مقام كرة الهواء لافي مقام آخر و هكذا كما ان لحمه في مقام اللحم و عظمه في مقام العظم و شحمه في مقام الشّحم كما ان قطن ثوبه و صوفه في مقام القطن او في مقام الصوف و جلد نعله في مقام الجلد و هكذا و لايجوز ان يكون شي‏ء منه9 او من غيره في غير مقامه و غيره او المعني ان اعراض هذه العناصر ذاهبة الي مراكزها عند صعوده9 كما في جميع الاوقات لانّ هذا البدن علي ماعرفت سابقا دائم التحلل و التبدل و لايزال في الاياب و الذهاب كالشّعلة و لاشك انه9 كان يذهب عنه الاعراض ليلة المعراج كما في غيرها اي كان يخرج البخار و العرق من مسامات بدنه كما في غيرها و لامحالة يذهب كل عرض منه الي غيره و لذا كان القي من عناصره و لم‏يلق من ثيابه و نعله لانه ماكان يتحلل منهما من شي‏ء فكما ذهب بهما جاء بهما فافهم.

غنيمة: قد اشار اللّه تعالي الي العروج الثاني بقوله عزّ من قائل: سبحان الّذي اسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام الي المسجد الاقصي الّذي باركنا حوله لنريه من آياتنا الاية فلما كان هذا العروج ليلا خاصا كان هو العروج الثاني لاالاول لانه لاشك انه9 دائما سائر الي ربه جل شأنه لا في وقت دون وقت فهذا العروج لمشاهدة آيات اللّه جل شأنه كما نص سبحانه عليه و المراد بتلك الايات اعم من الايات الحقيقية التي هي عين حقايقهم: و الايات المجازية التي هي ساير خلق اللّه سبحانه لكونهم متعلقات اياته الحقيقية لاالايات الحقيقية فقط لانّ مشاهدتهم: تلك الايات كانت في جميع الاوقات سواءا كانوا في الارضين او السّموات و لااختصاص لها بوقت دون وقت و مكان دون مكان لانّها اي تلك الايات كما ذكرت هنا و سابقا عين حقايقهم: و هم واجدون لها في جميع الامكنة و الاوقات فهذا الليل الخاص اسري اللّه سبحانه بنبيه9 الي المسجد الاقصي الّذي في السّماء الرابعة و الي العرش لمشاهدة مطلق آياته سبحانه لاايات خاصة و لذا ورد في الاخبار انه9 مضافا الي ما شاهد من انوار ربه جل و علا و كلمه و كلمه ربه و علمه شاهد الملائكة و الانبياء و خلق الجنة و النار و كل ماوقع او يقع الي يوم القيمة فشاهد تلك الليلة بارائة ربه جل شأنه كل آية له سبحانه سواءا كانت حقيقية و هي ما منه و اليه سبحانه او مجازية و هي ما من الامكان و الي الامكان و هي انما سميت آية لكونها متعلق الاية كما ذكرنا فهذه التسمية من باب تسمية المحل باسم الحال.

غنيمة: الصعود صعودان صعود ظاهري يعرفه العوام و من لاخبرة له من الحكمة و هو كالصعود من درج السّطح او المرقاة و صعود حقيقي حكمي يعقله و يعرفه ابناء الحكمة و من لم‏يكن من اللّه علي اذنه وقر و هو كصعود الجماد الي مقام النبات و النبات الي مقام الحيوان و الحيوان الي مقام الانسان و صعود البر و الجبن الي مقام الكيلوس و الكيلوس الي مقام الكيموس و الكيموس الي الروح البخاري و هو الي الروح الحيواني و هو الي مقام الخيال و الفكر و الوهم و التعلم و التعقل و الي النفس الناطقة القدسية و هي الي النفس الالهية الملكوتية و هي الي العقل الجبروتي و هو الي نور اللّه و هو الي امر اللّه و هو الي كينونة اللّه جل شأنه و هي الاسم المكنون المخزون الوحداني المعري عن شائبة الكثرة و الاختلاف و سيرهم: و سير سيدهم9 من هذا الباب فانهم: هكذا ساروا الي اللّه و عرجوا اليه حتي قطعوا تمام تلك المراتب و وصلوا الي ذلك الاسم المكنون المخزون و تجردوا عن شائبة الخلق فكان ذكرهم: دائم الليل و النهار سبوح قدوس رب الملائكة و الروح و لذا قالوا:: كنا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكونين موجودين ازليين ابديين و لاشك ان جميع هذه الصعودات كانت بجسمهم الشّريف و لم‏يلقوا في موضع جسمهم كما ان صعود الجماد الي النبات بجسمه و النبات الي الحيوان بجسمه و الحيوان الي الانسان بجسمه و هو الي مقام العقل و الفؤاد بجسمه و ليس ان يصعد شي‏ء من هذه الصاعدين بروحهم فقط كما هو ظاهر و هذا شرح العروج الاول الّذي كان لهم: دائما و اما العروج الثاني كعروج النبي9 ليلاً خاصا من المسجد الحرام الي المسجد الاقصي فكان مثل هذا و مثل الصعود الاول ايضا لانه كان خارق للعادة و معجزا و الّذي هو خلاف عادة البشر و اعجاز لهم ان يصعد البدن البشري العنصري من الارض الي السّموات و الي العرش و ينزل منها اليها في اقل من طرفة عين مع مشاهدته كل شي‏ء و اما الترقي من مقام الجمادية الي النباتية و منها الي الحيوانية و منها الي الانسانية فهو صعود عادي متعارف ليس باعجاز و انما امكن له9 هذا الصعود الغير العادي لانه قد اضمحل حكم هذا البدن البشري العنصري عند بدنه الاصلي الّذي هو اول ماخلق اللّه المالي لاقطار السّموات و الارض كما حصل له طي الارض من هذه الجهة و كذا انتفي ظله بل ظل ثيابه في الشّمس و سطع عنه النور الغالب علي نور الشّمس و رائحة اطيب من رائحة المسك و العنبر و كان له علم بكل شي‏ء و حكم علي كل شي‏ء الي غير ذلك من المعاجز و كل ذلك خلاف عادة البشر و خلاف ماعليه عناصر هذا العالم فكان كل ذلك لبدنه البشري العنصري9 لاضمحلاله عند حكم بدنه الاصلي فكذلك كان عروجه من الارض الي العرش و نزوله منه اليها في اسرع من لمح البصر.

غنيمة: يظهر من الاخبار و كلمات العلماء الاخيار ان له9 مأة و عشرين معراجا بل ازيد من ذلك و كان واحدا و اثنان منها بجسمه الشّريف لشهادة العقل و النقل و قيام الضرورة و الاجماع من المسلمين و المؤمنين عليه فمن انكر ذلك خرج من الاسلام و المذهب بالاجماع و الضرورة و اما البواقي فلاضرورة علي كونها جسمانية حتما فيمكن ان تكون روحانية فقط و علي ذلك يحمل ما في الدعاء و لعله دعاء الندبة صعد بروحه الي السّماء و ان قلت انه قد ثبت في الحكمة مبرهنا ان الروح لايمكن انفكاكها من الجسم و هما معا شي‏ء واحد فاينما تكن الروح يكن جسمها البتة قلت قد تطلق الروح علي مرتبة المثال و كل مرتبة لطيفة غيبية و لاشك ان كل مرتبة غيبية من المثال و غيره لها جسم من عالمها و علي حسبها فلايمكن انفكاكها عنه ولكن يمكن انفكاكها من الجسم الدنيوي فمرادنا من ان البواقي يمكن ان تكون روحانية انّها كانت بساير مراتبه9 دون عنصره الدنيوي فافهم.

غنيمة: فلنرجع الي شي‏ء بقي في شرح هياكلهم الخلقية صلوات اللّه عليهم اجمعين و هو انه ان قال قائل يلزم من قولك ان تعينات الصفات الالهية و اختلافها بل تعينات موصوفاتها و اختلافها منوطة بهياكلهم الخلقية فلولاها لم‏تكن هذه الصفات و الموصوفات المتعينة المختلفة كما انه لو لم‏يكن بدن زيد في هذا العالم لم‏يكن له صفة و موصوفية بل عقل و روح و نفس متعينة ان اللّه تعالي لم‏يكن له علم و عالمية و قدرة و قادرية و حكمة و حكمية و رحمة و رحيمية و هكذا ساير الاسماء و الصفات قبل بدنهم البشري العنصري مع انه سبحانه خلق هذا البدن و ساير الابدان و الاشياء التي قبله بعلمه و قدرته و حكمته و رحمته و هكذا ساير اسمائه و صفاته و العقل و النقل و الضرورة و الحسّ و غيرها كلها يأبي عن خلاف ذلك قلت انه قد ثبت في الحكمة انه ان وجد بدن في الدنيا و لو كان في آخرها كان له جميع مراتبه و صفاتها و افعالها في عوالمها و ان لم‏تكن ظاهرة في الدنيا فان مايأتي ثابت عند اللّه في مكانه و وقته كما مضي بلافرق بينهما عنده سبحانه و عند من كان محيطا بالزمان و الزمانيات و الاتي لم‏يأت عند اهل الزمان ولكنه قد اتي عند اهل الدهر و السّرمد و الازل فاذا وجد بدن في الدنيا و لو في آخرها كان موجودا عند اللّه تعالي و عند اهل هذه العوالم فجميع مراتبه و افعالها و احوالها ايضا ثابتة في عوالمها في غيبه و باطنه البتة و لذا اخرج اللّه تعالي من ظهر آدم7 في عالم الذر جميع ذرياته باختلافهم و اراه صورهم و اختلاف اعمالهم و احوالهم و اعمارهم مع انهم لم‏يكونوا موجدين في الدنيا بل كان آدم في الجنة مع حواء باختلاف احوالهما و صورهما و علما علوما و عملا اعمالاً و لم‏يكن بدنهما في هذه الدار و كذا اري النبي9 الحاضرين يوما علي المنبر يمينه و قال: فيها اسماء اهل الجنة و ابائهم و اراهم شماله و قال: فيها اسماء اهل النار و ابائهم و لم‏يكن اغلب من الفريقين موجودين في الدنيا و ابرهيم7 اذن في الناس بالحج و كل من يأتي الي يوم القيمة ممن يحج في الدنيا سمع ندائه و لباه و لم‏يأتوا في الدنيا و هكذا و كل ذلك كان لاجل ان هؤلاء المذكورين كانوا من الاتين في الدنيا و كانوا ثابتين في اماكنهم و ازمانهم فيها و ان لم‏يكونوا في الماضي و الحال منها فكذلك لماكان من المحتومات التي لايجوز عدمها في الحكمة اتيان هؤلاء الابدان المقدسة في دار الدنيا ليعلموا الناس معالم دينهم و يعرفوهم ربهم و يبلغوهم مراداته منهم ليبلغوا اي الخلق فائدة وجودهم و لم‏يكن خلقهم لغوا و عبثا فيفنوا و يفني العالم رأسا و كانوا في الحقيقة موجودين في اماكن وجودهم و ازمانه في الدنيا عند ربهم جلّ شأنه و عند العوالم المحيطة بالدنيا و ما فيها كانت ارواحهم الطيبة و مراتبهم الغيبية الباطنة موجودة ثابتة باختلاف احوالها و صفاتها في عوالمها و كانت حقيقتهم المقدسة التي هي مقام اسماء اللّه و صفاته سبحانه موجودة كائنة بكينونة اللّه جل و علا و كان لها اختلاف الصفات و الاثار في مواقعها و اعلم ان تلك الحقيقة المقدسة الالهية قد اشرقت من الواجب تعالي شأنه في هياكلهم العرضية العنصرية الظاهرية من بعد الف الف هيكل لهم: في العوالم الالف الف التي هذا العالم آخرها و هي اي تلك الهياكل لها جمادية ثم لها نباتية ثم حيوانية ثم انسانية و لانسانيتها ثمان مراتب جسم و مثال و مادة و طبع و نفس و روح و عقل و فؤاد كلها من عرصة النفس الانسانية ثم فوقها مقام الروح بمراتبه الثمان ثم العقل بمراتبه الثمان ثم الفؤاد بمراتبه الثمان فليس ان تكون تلك الحقيقة حالة في تلك الهياكل كحلول الروح في الجسد مباشرة لها مشابهة بها كما يترائي الي انظار جهلة الحكمة ظاهرا فتفطن و لاتغفل.

غنيمة: ان لله تعالي علما اذ لامعلوم و قدرة اذ لامقدور و سمعا اذ لامسموع و بصرا اذ لامبصر و هكذا و كل ذلك و امثاله عين ذاته سبحانه اي ذاته الظاهرة التي هي تلك الحقيقة المقدسة الوحدانية التي هي اسمه المكنون المخزون الّذي هو بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق و بالجسم غير مجسم بعيد عنه الاقطار مبعد عنه الحدود الي غير ذلك من التنزيهات ولكن من دون اختلاف و كثرة بينها بل كل منها عين الاخر في تلك الذات و الذات عينها من دون ذكر لشي‏ء مما سواها معها فلذا كانت من غير متعلقات اذ لامتعلقات فلامعلوم لعلمها و لامقدور لقدرتها و هكذا فلما احدث اللّه تعالي الاشياء وقع العلم منه علي المعلوم و القدرة علي المقدور و السّمع علي المسموع و البصر علي المبصر و هكذا كما هو نص الحديث و هو في الكافي و غيره قال7: كان اللّه عزوجل ربنا و العلم ذاته و لامعلوم و القدرة ذاته و لامقدور و السّمع ذاته و لامسموع و البصر ذاته و لامبصر فلما خلق الاشياء وقع العلم منه علي المعلوم و القدرة علي المقدور الحديث. و لعل بعضه نقل بالمعني فلما قال7 في تلك الصفات انّها ذاته سبحانه بلامتعلقات علم انّها عين الذات و كل منها عين الاخر بلااختلاف و كثرة بينها لانها لو كانت مختلفة متكثرة اختلفت الذات و تكثرت و لما اضاف الذات اليه سبحانه و قال ان تلک الصفات هي علم ان تلک الذات هي الذات الظاهرة فانها في مقام الوصف و يصح ان تکون الصفة فيها و عينها و هي منسوبة الي غيرها و هو الله الممتنع عن الادراک و الوصف و لما قال عليه السلام فلما خلق الاشياء وقع العلم منه علي المعلوم الي اخر علم ان لله تعالي علمين و قدرتين و حکمتين و سمعين و بصرين و هکذا الاول من کل منها هو الذي عين ذاته بلا اختلاف و بلامتعلق و لماکانت ذاته ازلية بلا ابتداء و لا انتهاء فهو ايضا ازلي بلا ابتداء و لا انتهاء فهو قديم احدي و الثاني هو الذي صدر من الاول منها و حدث عنه حدوث الاشياء و له اختلاف و متعلق من المعلوم و المقدور و المسموع و المبصر و هكذا فكما له سبحانه علم اذ لامعلوم له علم اذ معلوم و هو اثر العلم الاول و هو حادث كما انه قديم و كما له قدرة اذ لامقدور له قدرة اذ مقدور و هي اثر القدرة الاولي و هي حادثة كما الاولي قديمة و هكذا و مثال ذلك فيك ان لك علما بالحروف و الكلمات و قدرة عليها قبل ان تكتبها و هما مع نفسك و في نفسك و ليس لهما في نفسك متعلق من الحروف و الكلمات فاذا اخذت في كتابتها و كتبتها صدر من علمك و قدرتك النفسانيتين علم و قدرة وقعا علي كل من الحروف و الكلمات مطابقين لها فاللذان تعلقا بالالف موافقان له حادثان عنده لاقبل و لابعد و اللذان تعلقا بالباء موافقان له حادثان عنده لاقبل و لابعد و هكذا فهما علم اذ معلوم و قدرة اذ مقدور و كل غير ماتعلق بالحرف الاخر و الكلمة الاخري لانّ كل حرف غير الحرف الاخر و كل كلمة غير كلمة اخري فالّذي تعلق بكل مطابقا موافقا له لامحالة غير الاخر و من هنا تعرف ان له تعالي ايضا معني الخالقية اذ لامخلوق و معني الرازقية اذ لامرزوق و هكذا ساير صفات الفعل و له تعالي خالقية اذ مخلوق و رازقية اذ مرزوق و هكذا و معني الاول ان من شأنه سبحانه الخالقية و ان لم‏يخلق خلقا و الرازقية و ان لم‏يرزق خلقا و معني الثاني انه صدر منه تعالي من ذلك الشّأن منه خالقية اذ خلق و رازقية اذ رزق فالثاني اثر الاول و حادث عنه حدوث متعلقه كما انك ان كنت كاتبا لك معني الكاتبية و ان لم‏تكتب فاذا كتبت حدث منك من هذا المعني كاتبية عند ماكتبته و مثال آخر لجملة ماذكرنا ان لك في مقام حياتك سمعا اذ لامسموع و بصرا اذ لامبصر و شمّا اذ لامشموم و ذوقا اذ لامذوق و لمسا اذ لاملموس اي من شأن حياتك الحيوانية هذه الصفات و الادراكات و ان لم‏تتعلق بالمدركات الخارجية و هي في مقام حياتك عينها و كل منها عين الاخر بلااختلاف و امتياز بينها فاذا نظرت الي الالوان و الاشكال حدث من بصرك الّذي في مقام حياتك بصر يتعلق بها و كل ماتعلق بلون غير ماتعلق بلون آخر لانّ شرط صحة كل و صدقه موافقته مع ماتعلق به و لاشك ان كل لون غير لون آخر فالبصر المتعلق بكل لون ايضا غير ماتعلق بالاخر و اذا سمعت الاصوات صدر من سمعك الذاتي سمع و وقع علي الصوت الّذي سمعته و هو ايضا شرط صحته موافقته معه و لماكان كل صوت غير صوت آخر فالسّمع المتعلق بكل صوت ايضا غير السّمع المتعلق بالاخر و اذا شممت رائحة حدث من شمك الذاتي شم مطابق مع هذه الرائحة فهو ايضا غير ماتعلق بالرائحة الاخري و اذا ذقت طعما حدث من ذوقك الذاتي ذوق مطابق مع هذا الطعم فهو ايضا غير ماتعلق بطعم آخر و اذا لمست كيفية حدث من لمسك الذاتي لمس مطابق مع هذه الكيفية فهو ايضا غير ماتعلق بكيفية اخري فهنا حدث لك ادراكات مختلفة ممتازة كلها اثار للادراك البسيط الوحداني الثابت لروحك الحيواني و هو بالنسبة اليها قديم لكونه ثابتا لک قبل المدركات المذكورة و معها و بعدها و هي حادثة لانها حدثت عند كل مدرك خاص و هو وحداني لانه في روحك و عينه و روحك واحد فهو ايضا واحد و هي مختلفة لانها حدثت عنه متعلقات مختلفة و كانت مطابقة لها فلابد ان تكون مختلفة و هو بلامتعلقات اذ لامتعلقات في مقام روحک بل هي في الخارج و هي مع متعلقات لانها حدثت عنه وقوعها علي المتعلقات التي في الخارج فكذلك الامر الصادر من اللّه تعالي لافرق بينه و بين اللّه تعالي لانه اثره و لابد و ان يكون الاثر موافقا مع صفة مؤثره و الا لم‏يكن اثرا له فهو احدي ازلي ممتنع عنه ماسواه لايعقل ان يكون مختلفا متكثرا مذكورا معه غيره و لكنه امر من شأنه العلم بكل شي‏ء و القدرة علي كل شي‏ء و ابصار کل شيء و سمع كل شي‏ء و هكذا و ليس فيه خصوصية من هذه الصفات و لاذكر لمتعلقاتها و كذا من شأنه خلق كل مخلوق و رزق كل مرزوق و احياء كل حي و اماتة كل مميت و هكذا بلااختلاف و لاامتياز بين هذه المعاني فيه و بلامتعلقات لها فيه فلما احدث سبحانه الاشياء وقع العلم من هذا الامر الوحداني علي المعلوم و القدرة علي المقدور و البصر علي المبصر و السّمع علي المسموع و الخلق علي المخلوق و الرزق علي المرزوق و الاحياء علي الاحياء و الاماتة علي الاموات فهنا عند انفس الاشياء حدثت له سبحانه هذه الصفات المختلفة و ذلك الامر هو حقيقة محمّد و آله الطيبين صلوات اللّه عليهم اجمعين لانها اول صادر عن اللّه تعالي لايسبقها سابق و لايلحقها لاحق و لايفوقها فائق و لايطمع في ادراكها طامع و كان لافرق بينها و بينه تعالي فهي احدية ازلية بلاابتداء و لاانتهاء و لاكثرة و لااختلاف و لاذكر لشي‏ء عندها بوجه من الوجوه و تمام هذه الصفات المختلفة المذكور معها ماسواها آثار تلك الحقيقة المقدسة صادرة منها فافهم.

غنيمة: ان العلم الصادق الحق ماوافق المعلوم من جميع الوجوه و الجهات بحيث لايكون فرق و تفاوت بينه و بين معلومه من وجه من الوجوه و جهة من الجهات فانه لو كان فرق و تفاوت بينه و بينه من جميع الوجوه و الجهات كان كذبا باطلاً من جميع الوجوه و الجهات و لو كان فرق و تفاوت بينه و بينه من بعض الوجوه و الجهات كان كذبا باطلاً من بعض الوجوه و الجهات حتي انه لو كان فرق و تفاوت بينه و بينه من وجه واحد و جهة واحدة كان كذبا باطلاً من هذا الوجه و الجهة‏ و معني ذلك ان العلم الصحيح الصادق ان يعلم العالم كل شي‏ء هو هو فيعلم الابيض ابيض و الاسود اسود و الاصفر اصفر و الاخضر اخضر و الاحمر احمر و المستقيم مستقيما و المعوج معوجا و الحسن حسنا و القبيح قبيحا و الطيب طيبا و النتن نتنا و الحلو حلوا و المالح مالحا و الحار حارا و البارد باردا و الرطب رطبا و اليابس يابسا و الجسم جسما و الروح روحا و الخلق خلقا و الحق حقا و الكذب كذبا و الصدق صدقا و هكذا و لاشك انه لو علم شيئا علي غير ما هو عليه و لو كان من وجه و جهة لكان كذبا و خلافا و باطلاً من هذا الوجه و الجهة فاذا وجبت مطابقته مع معلومه من جميع الوجوه و الجهات ارتفعت من بينها الاثنينية و جاءت الوحدة و العينية فالعلم الصدق كائنا ماكان بالغا مابلغ سواءً من الحق تعالي شأنه او من الخلق عين المعلوم يصدق ذلك كل من له عقل سليم و ان لم‏يعقله كل مبتلي سقيم و هذا مما افاده الشّيخ الامجد الاوحد اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه و ذكره في كتبه و رسائله كرارا و اصرّ عليه اصرارا فانه كان ممن اراه اللّه تعالي حقايق الاشياء علي ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية فرأي العلم الحق بارائة اللّه جل شأنه هكذا و افاد و افاض علي الخلق كذا و ان انكر عليه الجاهلون و الجاهدون فالعلم مطلقا سواءً كان من الحق او الخلق عين المعلوم الا انه من اللّه تعالي علي نحو الاحاطة و من الخلق علي نحو الانطباع الا خلقا يكون مؤثرا فهو ايضا علمه باثره علي نحو الاحاطة كعلم زيد باثاره من القيام و القعود و الركوع و السّجود و غيرها فهو يعلم اثاره علي ما هي عليه من الصور و الاختلافات و الوجوه و الجهات و الحيوث و الاعتبارات باحاطته بها و استيلائه عليها و اما علم كل فرد بفرد آخر كعلم زيد لعمرو فهو علي نحو الانطباع لانه يواجه عمروا فيقع من عمرو مثال موافق معه في كل شي‏ء في عينه و منها في حسه الحيواني و منه في خياله و منه في نفسه الدهرية فيشاهده في نفسه علي ما هو عليه في الخارج بلافرق و تفاوت بين ما في نفسه من المثال و ما في الخارج من صورته اي صورة عمرو فهذا المثال ‏الواقع في نفسه هو علمه بالخارج و هو معلومه و هكذا كل فرد يعلم فردا آخر بهذا النوع الا ان بعض هذه المعلومات تتحقق في نفس العالم من طريق البصر و بعضها من طريق السّمع و بعضها من طريق الشّم و بعضها من طريق الذوق و بعضها من طريق اللمس و تمام هذه الطرق تتكمل اولاً من الامثلة الخارجة ثم يتكمل منها الحس الحيواني السّاري في جميعها اي في جميع هذه الطرق فيدركها بوجدان نفسه كما ان المرأة تتكمل من الشّبح الخارج و تتصور بصورته فان كان لها ادراك كانت تدركه بوجدان نفسها فعلمها به هو نفس المطبوع فيها فكذلك علم الروح الحيواني بالاشياء الخارجة هو نفس محسوساته منها فسمعه عين مسموعاته و بصره عين مبصراته و شمه عين مشموماته و ذوقه عين مذوقاته و لمسه عين ملموساته فان علمه في كل حاسة عين ماحصل فيه من الخارج و هو المثال الخارج من نفس الحاسة بتكميل الخارج لاعين الخارج لبداهة ان الشّي‏ء الخارج لم‏يأت في الحاسة بنفسه و الا لفني عند احساسها اياه فالحاصل عند السّامعة اشباح الاصوات الخارجية لانفسها و هذه الاشباح خارجة من نفس السّامعه و بها سمعت الاصوات فسمعها عين مسموعها و الحاصل عند الباصرة اشباح الالوان و الاشكال الخارجية لااعيانها و هذه الاشباح خارجة من نفس الباصرة و بها ابصرت الالوان و الاشكال فابصارها عين مبصرها و هكذا باقي المشاعر و علي هذا النحو يتكمل الخيال من الامثلة الخارجة بالروح الحيواني فيتصور الصور الخارجية بوجدان نفسه مصورة بها و بصور نفسه يدرك الصور الخارجية فادراكه عين مدركه ثم النفس الدهرية تتكمل بما في الخيال و ساير مشاعرها البرزخية و تتصور بما فيه و فيها و تدركه بوجدانها نفسها بصور الخارجة من نفسها ادركت تمام ما في البرزخ و الزمان فعلمها عين معلوماتها لانّ معلوماتها ماخرجت من نفسها و بها علمتها و علمت ما في الخارج و هكذا الاخر في جميع العلوم و الادراكات سواءً كان من الخلق او الحق الا ان من الخلق علي نحو الانطباع و التكميل كما ذكرنا و في الحق علي نحو الاحاطة و التأثير فانه سبحانه باحاطته بكل شي‏ء يجد كل شي‏ء علي‏ما هو عليه من دون فرق و خلاف فعلمه بالشّي‏ء عين ماهو معلوم له و معلومه عين ماعلمه و ان كان غير ذلك كان العلم جهلاً فتدبر تجد حقا ان شاء اللّه.

غنيمة: لاشك ان الاثنينية لاتحصل الا بما به الامتياز كما ان الماء و النار مثلاً صارا اثنين لانّ الماء له برودة و رطوبة و هما ليسا للنار و النار لها حرارة و يبوسة و هما ليسا للماء و قد يتوافق ما به امتياز الشّيئين و مع ذلك به امتاز كل عن الاخر و به تغايرا معا و صارا اثنين كبيضة طير واحد مع بيضة الاخري فانهما موافقان معا في كل شي‏ء اي في الطول و العرض و العمق و اللون و الشّكل و الطعم و الخاصية و الرائحة و غيرها بحيث يتعسر الفرق بينهما و مع ذلك كل غير الاخري و هما اثنان لاواحد ضرورة انهما لو كانا واحدا كان كل منهما نصف الاخري و لايعدان اثنين و كحبة برّ مع حبة برّ او حبة شعير مع حبة شعير و هكذا فامثال ذلك و ان كان مابه امتياز كل موافقا مع مابه امتياز الاخر امتاز كل عن الاخر و صار كل غير الاخر و يعدان اثنين لاواحدا كما هو ظاهر و ذلك لاجل ان كل ما في كل و ان كان شبها موافقا مع مافي الاخر ليس في الاخر فليس ما لهذه البيضة بعينه في بيضة اخري و ليس مالهذه الحبة بعينه في حبة اخري فلذا صارا اثنين لاواحدا فالعينية بين الشّيئين ليست بمحض موافقتهما و مشابهتهما معا فيما به امتيازهما بل انما ذلك اذا كان كل ما لواحد في الاخر بعينه لابشبيهه فاذا عرفت ذلك اقول ليست العينية بين العلم و المعلوم بموافقتها و مشابهتما معا في كل شي‏ء بل انما هي فيها بمعني ان ما في العلم في المعلوم بعينه و ما في المعلوم في العلم بعينه فانه لولم‏يكن ما في العلم في المعلوم بعينه و بالعكس كان العلم جهلاً و المعلوم مجهولاً فان معني العلم ان يكون فيه معلومه و معني المعلوم ان يكون في علمه فاذا لم‏يكن كل في الاخر بعينه صار العلم جهلاً و المعلوم مجهولاً و لايخفي عليك ان المراد من هذا المعلوم هو المفعول المطلق لاالمفعول به و الفرق بينها ان الّذي هو المفعول المطلق يصح ان يطلق عليه العلم لانّ مفعول مطلق كل فعل هو مصدره الصادر منه و يكون تأكيدا له و نايبا عنه عاملاً عمله كضربت ضربا فهنا ايضا يقال علمت علما و لاشك ان هذا العلم عين المعلوم و المعلوم عين العلم فان ماعلمته علمي و علمي ماعلمته كما اذا قلت علمت النحو مثلاً فعلمي هو النحو و معلومي ايضا هو النحو و هكذا في جميع العلوم و المعلومات حتي اني اذا علمت زيدا مع انه شخص خارج منفرد عني فعلمي هو زيد و معلومي ايضا هو زيد و اما المفعول به فلايصح ان يطلق عليه العلم لانّ المفعول به هو ماظهر به الفعل و ماوقع عليه و لاشك ان المظهر ليس عين الظاهر به و الموقع عين الواقع عليه كما يقال ضرب زيد عمروا فعمروا مظهر ضرب زيد و موقعه وليس عين ضربه و من هذا الباب ابصرت زيدا او سمعت صوته او شممته او لمسته فزيد موقع هذه الادراكات كما ان عمروا موقع ضرب زيد فليس عينها و انما جهة معلوميته لي عينها لانّ معني هذه الكلمات اني علمت لون زيد و علمت صوته و علمت رائحته و علمت كيفيته و علمت طعمه فعلمي هذه الاشياء و معلومي ايضا هذه الاشياء فالعلم عين المعلوم لاعين الشّي‏ء الخارج لبداهة ان الشّي‏ء الخارج ليس بابصار احد و لابباصرته و بسمع احد و لابسامعته و لابذوق احد و لابذائقته و لابشم احد و لابشامته و لابلمس احد و لابلامسته و لابتخيل احد و لابخياله و لابشعور احد و لابنفسه الشّاعرة و لابفهم احد و لابعقله الدراك و هكذا فالمراد في جميع هذه المقامات من كون العلم عين المعلوم كونه عين المعلوم الّذي هو المفعول المطلق لاالّذي هو المفعول به ‏اي ليس عين الشّي‏ء الخارجي بل عين جهة معلوميته و الدليل علي ذلك انك تعلم مثلاً جميع الحروف و الكلمات قبل كتابتها و معها و بعدها فقبل وجودها في الخارج و بعد محوها عنه تعلمها كما تعلم عين وجودها فان كان علمك عينها كان معدوما منفيا عنك قبل وجودها و بعد محوها مع انه موجود ثابت لك في جميع هذه الحالات علي السّواء و من هنا تعرف كيفية كون علم اللّه تعالي عين معلومه كما ذكر شيخنا الاوحد اعلي اللّه مقامه كرارا و مرارا فمراده اعلي اللّه مقامه ان علمه سبحانه عين جهات معلومية خلقه لاعين جهات مخلوقيته اي الخلق من حيث كونه معلوما له سبحانه عين علمه لامن حيث كونه مخلوقا ضرورة ان علمه سبحانه صادر منه و بدؤه منه و عوده اليه و الخلق ليس منه سبحانه و لااليه و هو ازلي و هذا فان زائل و علمه به قبل خلقه كعلمه به بعد خلقه و هما كعلمه به حين خلقه فلو كان عين خلقه من حيث الخلقية لكان معدوما منفيا عنه تعالي حين ان لم‏يكن و حين فني و انتفي فمن هنا تعرف خطاء او عناد من اورد علي هذا الكلام الشّريف الّذي هو باب من العلم يفتح منه الف الف باب انه يلزم من ذلك ان يكون اللّه سبحانه جاهلاً بالاشياء قبل خلقها حين ان كان و لم‏يكن شي‏ء سواه فهذا الجاهل او الجاحد لم‏يعرف معني كلامه اعلي اللّه مقامه فزعم انه اراد ان علمه سبحانه عين خلقه من حيث الخلقية و من هذا يلزم مفاسد اخر غير ماذكره هذا المورد مضافا الي مخالفته مع الحس الظاهر و العقل الباهر و النقل الزاهر فليس هذا مراده اعلي اللّه مقامه بل مراده كما هو صريح كلامه في مواقع من كتبه ان علمه سبحانه عين خلقه من حيث المعلومية له سبحانه اي عين معلوماته لاعين مخلوقاته كما ان علم الكاتب بالحروف و الكلمات عين معلوماته منها لاعين انفسها في الخارج فتفطن.

غنيمة: و من كلامه اعلي اللّه مقامه انه لما كان العلم عين المعلوم فلايعلم اللّه سبحانه الاشياء في ذاته لانه لو علمها في ذاته لزم ان تكون في ذاته و ذاته جل و علا مقدسة عما سواه بحذافيره و معني هذا الكلام انه لايعلم اللّه سبحانه الاشياء في ذاته بل يعلمها في اماكنها و اوقاته من الامكان لانها ليست في ذاته سبحانه بل هي في اماكنها من الامكان و لو كان سبحانه علمها في ذاته لكان علمه كذبا لانها ليست في ذاته و علمه سبحانه صدق محض موافق مع المعلوم من جميع الوجوه و الجهات و موافقته مع معلومه هنا ان يعلمها في اماكنها من الحدوث لافي ذاته القديمة الممتنع عنها الحدوث و الخلق فليس معني كلامه اعلي اللّه مقامه انه سبحانه لايعلم الخلق رأسا في ذاته قبل خلق خلقه كما زعم بعض الجاهلون و ردّ عليه عتوّا و حنقا بعض المعاندين بل معناه انه سبحانه لايعلمها في ذاته لتنزه ذاته عنها و يعلمها في اماكنها قبل خلقها و بعد خلقها و مع خلقها و علمه بها قبل خلقها كلعمه بها بعد خلقها و نظاير هذا الكلام في الكتاب و السّنة كثيرة و يدل عليها العقل القاطع كقوله تعالي: قل سموهم ام تنبؤنه بما لايعلم في الارض ام بظاهر من القول فانه سبحانه انبأ انه لايعلم له شريكا و ذلك لانه لما كان علمه موافقا مع المعلوم و عينه و لم‏يكن له شريك في السّموات و الارض فلايعلم له شريكا في السّموات و الارض و لو علمه لزم ان يكون له سبحانه شريك او يكون علمه سبحانه كذبا باطلاً نعوذ باللّه و كذا لايعلم سبحانه لنفسه نقصا لانه لم‏يكن له نقص ابدا و لايعلم لانبيائه: معصية لانه لم‏تكن لهم معصيته ابدا و لايعلم لوعده خلفا لانه لايكون لوعده خلف ابدا و كذا لايعلم المخلوق في امس مخلوق في غد لانه لايكون‏ مخلوقا في غد و لايعلم الواقع في امس واقعا في غد لانه لايكون واقعا في غد و لايعلم زيد عمروا و لاعمرو زيدا لانه لايكون زيد عمروا و لاعمرو زيدا و هكذا و كل ذلك لاجل ان علمه سبحانه عين معلومه و موافق مع معلومه من جميع الجهات فيعلم الواقع واقعا و لايعلمه غير واقع و غير الواقع غير الواقع و لايعلمه واقعا و قد ذكرنا انه لايختص ذلك باللّه تعالي بل كل علم صدق هكذا و مالايكون كذا لايكون الا كذبا.

غنيمة: قد تبين ان العلم الذاتي ماكان قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق علي السّواء و لايكون فيه تغيير و تبديل و هو المسمي باللوح المحفوظ و هنا قد جفّ القلم بما قدكان و العلم الحادث مايحدث عند خلق الخلق و لايكون قبله و بعده و هو يحتمل البداء و التغيير قبل وقوع الشّي‏ء و هو المسمي بلوح المحو و الاثبات و هو في عرصة المحدثات الزمانية و انما هو يحتمل التغيير لانّ هذه العرصة عرصة التغيير فقبل ان يحدث الشّي‏ء يحتمل ان يحدث و يحتمل ان لايحدث و بعد حدوثه يحتمل البقاء و يحتمل الفناء و العلم المتعلق به لاجل مطابقته معه ايضا هكذا و مثال العلمين قد ذكرنا و نعيد هنا توضيحا و تأكيدا و هو ان الكاتب مثلاً يعلم جميع الحروف و الكلمات في نفسه في محضر واحد و هنا جفّ القلم بما في نفسه و لايكتب بعد شيئا و اما عند كتب كل حرف و كلمة يحدث من علمه الذاتي علم خاص مقارن بما يكتب واقع عليه متعلق عليه و لما كان قبل كتبه كل يحتمل وقوعه و عدم وقوعه فالعلم المتعلق به ايضا يحتمل وقوعه و عدم وقوعه فان وقع وقع علمه بوقوعه و علي حسب وقوعه و ان لم‏يقع لم‏يقع فعلمه في عرصة الحروف و الكلمات يحتمل البداء و التغيير و كل ذلك لاجل وجوب موافقة العلم مع المعلوم فلاتغفل.

غنيمة: كلا العلمين من اللّه تعالي و الي اللّه تعالي لانهما صفتاه جميعا و ليس الثاني بمعزل عنه و في طرف من الملك كما يزعم الجاهل بالحكمة و لاسيما اذا سمع الاخبار الواردة في ان لله تعالي علمين علما خاصا به و علما علمه انبيائه و ملائكته و ساير خلقه فيزعم الثاني عند خلقه لاعنده و صادرا من خلقه لاصادرا منه و لاشك ان مايصدر من الخلق لايكون فعل اللّه سبحانه و لاصفته كما ان كل مايصدر من شي‏ء لايكون فعل شي‏ء اخر و لاصفة شي‏ء اخر و محال ان يكون كذلك و واجب حتم ان يكون فعل كل احد صادرا منه لامن غيره و صفته صادرة منه لاصادرة من غيره و لاشك ان العلمين كليهما صادران من اللّه تعالي و هما جميعا صفتاه الا ان الاول ذاتي و الثاني خلقي كما ان علم الكاتب بالحروف في نفسه صفته و صادر منه و علمه الحادث عند كل حرف ايضا صفته و صادر منه غاية الامر ان الاول عنده في الاول و المقام الاعلي و الثاني عنده في الثاني و المقام الادني فالعلمان جميعا منه تعالي و اليه تعالي لامن احد من الخلق و لا الي احد منهم غاية الامر ان الاول مخزون عنده لايعلمه الا هو و الثاني علمه ملائكته و انبيائه و ساير خلقه و قد اشار الي الاول بقوله سبحانه: و لايحيطون بشي‏ء من علمه و الي الثاني بقوله سبحانه: الا بماشاء فالاول قبل مشيته و به خلقت المشية كما في الحديث و الثاني خلق بالمشية و علي حسبها كما قال سبحانه: الا بماشاء فبين انه بمشيته و بعدها و هو مايحيط به من شاء اللّه سبحانه بتعليمه سبحانه اياه.

غنيمة: ان المفعول المطلق ماكان من صنع الفاعل و صادرا من فعله كضرب زيد ضربا فان ضربا من صنع زيد اصدره من فعله ضرب و لافرق بينه و بين فعله الا ان فعله هو حركته حين الصدور و هو حركته بعد الوقوع و فعله صادر من نفسه و هو صادر من فعله و اما المفعول به فليس من صنعه و لاصادرا منه كضرب زيد عمروا فان عمروا ليس من صنع زيد و ليس بصادر منه و لما كان جميع الخلق من صنع اللّه تعالي لامن صنع احد سواه ماكان له مفعول به بل كل الخلق مفعول مطلق له سبحانه و لما كان من الخلق صفاته سبحانه صادرة منه سبحانه دون ساير الخلق و هم حادثون بها مخلوقون بفعلها اصطلحنا لصفاته سبحانه المفعول المطلق الذاتي و لساير الخلق المفعول المطلق الوصفي لانهم متعلق صفاته سبحانه فليس ساير الخلق علي رسم المفعول المطلق الاصلي الحقيقي حيث لم‏يكونوا صادرين من اللّه تعالي عائدين اليه تعالي قائمين مقام فعله سبحانه في الاداء عاملين علمه مؤثرين اثره موصوفين بصفاته و سماته سبحانه و تعالي و لاعلي رسم المفعول به حيث لم‏يكونوا في مكان وجودهم من دون ايجاده سبحانه بل هم موجودون بفعله مخلوقون بصنعه سبحانه فقوله تعالي: خلق اللّه السّموات و الارض ليست السّموات و الارض مفعولا مطلقا ذاتيا اصليا له سبحانه لانها لم‏تصدر منه سبحانه و لاتعود اليه سبحانه و لاتوافقه في وصفه و لاتعامل عمله سبحانه و لامفعولاً به لانها لم‏تكن في الخارج قبل خلقه سبحانه و المفعول به مايقع عليه الفعل فلابد و ان يكون في الخارج قبل صدور الفعل حتي يكون موقعا و مظهرا له و ليس هو من خلق الفاعل و هما من خلقه سبحانه و لامفعولاً اخر من المفاعيل المشهورة و غيرها فانحصر ان نقول انهما مفعول مطلق وصفي لقوله سبحانه خلق و هكذا كل خلق اخر وقع مفعولاً لفعله سبحانه فليس بمفعول مطلق ذاتي له سبحانه و لابمفعول به بل هو مفعول مطلق وصفي له سبحانه و المقصود هنا ان علمه سبحانه عين معلومه الّذي هو المفعول المطلق الذاتي لانّ بدئه منه تعالي و عوده اليه و هو في الاول و المقام الاعلي كتابه الحفيظ و كتابه المبين و الامام المبين و ام الكتاب و اللوح المحفوظ و في الثاني و المقام الادني الّذي عند الخلق و في عالمهم لوح المحو و الاثبات و اليه الاشارة بقوله تعالي: يمحو اللّه مايشاء و يثبت و الي الاول بقوله تعالي: و عنده ام الكتاب فاللوحان ليسا علي مايزعم الجاهل انهما خلقان معزولان منفصلان عن اللّه تعالي احدهما في اعلي العالم و الاخر في اسفله بل هما اثران صادران من اللّه تعالي احدهما و هو الاول بلاواسطة و الثاني بواسطة الاول بالجملة علمه سبحانه عين المعلوم الّذي هو المفعول المطلق الذاتي لاعين المخلوق الّذي هو المفعول المطلق الوصفي فافهم و ضع كل شي‏ء موضعه تسلم.

غنيمة: ان العلم مطلقا و ساير كمالاته سبحانه من الذاتية و الفعلية مقام محمّد و آله: كما ذكرنا كرارا و كررناه لانه هو المسك ماكررته يتضوع و هذا هو المراد من كونهم: اول الخلق و فاتحهم و خاتمهم لانّ اسمائه و صفاته سبحانه قبل جميع الخلق في ازل الازال و بعدهم من غير انتقال و لازوال و بها خلق الخلق و لذا لايمكن ان يسبقها سابق و لايلحقها لاحق و لايفوقها فائق و لايطمع في ادراكها طامع لانها علة خلق الخلق و المعلول لايمكن ان يسبق علته و لا ان يلحقها و لا ان يفوقها و لا ان يدرك كنهها فهذا هو المراد من اوليتهم: لامايزعمه الجاهلون من انهم: اول من صنعهم اللّه من الخلق كما ان آدم7 اول من صنعه من بني آدم و النطفة اول ما خلقها سبحانه من الانسان و الحيوان و اول بناء بناه البناء هو اول ابنية و اول سرير صنعه النجار اول مصنوعاته و اول فخار احدثه الفاخور اول محدثاته و هكذا و لاشك ان هذه الاولية لافخر و لاشرف و لافضل فيها ابدا بل هي سبب الخساسة و المنقصة لانّ كل صانع ما خلا اللّه تعالي كلما ازداد صنعه ازداد علمه و تجربته و دقته و قوته فازداد حسن صنعته البتة كماتري عيانا ان اخر بناء بناه البناء اشرف و احسن من اول بنائه و اخر سرير صنعه النجار احسن من اول سريره و اخر کوز صنعه الفاخور احسن من اول کيزانه و اخر كتاب كتبه الكاتب احسن من اول كتبه و هكذا و اما اللّه جل جلاله فلاينتظر كمالا و لايترقي فعلاً و صنعا و عملاً و لايستفيد قوة و قدرة و تجربة لانه الكامل المطلق الّذي لانهاية لكماله و هو فعلية محضة لاقوة فيه مطلقا فهو جل جلاله في اول صنعه كما في اخر صنعه ولكنه سبحانه جعل في حكمته ان يكون اول صنعه في عرصة الزمان اخسّ من ساير صنعه كما ان النطفة اخس من العلقة فانها اولاً حماء مسنون في غاية السّواد فتصبّ في البيضتين و تصير بيضاء كما ان الدم في الثدي يصير لبنا ابيض و هي في غاية العفونة و النجاسة و نجاستها اشد من الدم و البول و الغايط لانها اذا اندفعت من الانسان لايتطهر من رجسها بالغسل الظاهري فقط و لابالأرتماس في الماء من دون نية و لابالأرتماس و النية من دون قصد القربة و التوجه الي اللّه تعالي و التمحض في امتثال امره تعالي شأنه بل انما يتطهر بالغَسل و الغُسل مع النية مع قصد القربة و التوجه الي اللّه تعالي و امتثال امره تعالي ثم العلقة اخسّ من المضغة و هي اخس من العظام و هي اخس من اللحم و هو قبل ولوج الروح اخس منه بعد ولوجه و الولد مادام في الرحم اخس منه بعد خروجه منه و تعلق النفس الانسانية به و هو اوقات رضاعه اخس من وقت انفطامه و حين الصبابة اخس من حين المراهقة و حين المراهقة اخس من حين بلوغه و حين البلوغ اخس من سن العشرين و في هذا السّن اخس من سن الاربعين حين يكمل عقله و تموت شهواته و هكذا في وقت جهله و هو اول امره اخس من وقت علمه و في اول اوقات علمه اخس من اواخرها و في وقت عالميته اخس من حال نجابته ان كان من النجباء و في وقت نجابته اخس من حال نقابته ان كان من النقباء و هكذا و كذا الجماد و هو اول المواليد اخس من النبات و النبات اخسّ من الحيوان و الحيوان اخس من الانسان و الرعية اخس من النبي و الوصي و آدم7 و هو اول الانبياء و اول بني آدم اقل فضلاً من نوح و ابراهيم و موسي و عيسي لانهم: من اولي العزم و هو7 لم‏يكن منهم كما قال تعالي: و لم‏نجد له عزما بالجملة هذه الاولية الظاهرية لافضل فيها و اولية محمّد و آله: منشأ كل فضائلهم: و بها ابانهم اللّه تعالي عن العالمين و فضلهم علي الخلق اجمعين فلابد و ان تكون علي نحو اخر غير مايزعمه الجاهلون و هي ماذكرنا انهم: مقام اسمائه و صفاته سبحانه و هي المقدمة حقيقة علي جميع المخلوقات و السّابقة واقعا علي جميع المذروءات فانها لو لم‏تكن لم‏يمكن خلق شي‏ء ابدا و الصانع تعالي شأنه بها صنع ماصنع و هي اركان توحيده و علل صنعه و ايجاده فافهم و لاتغفل.

غنيمة: اذا ثبت عقلاً و نقلاً بل ضرورة و اتفاقا انهم: اول جميع الموجودات هكذا ثبت انهم: هم الفاعل و المؤثر في الوجود لانّ اللّه تعالي بهم خلق الخلق في الغيب و الشّهود كما ان كل ذات علة فاعلية لصفاتها و كل فاعل علة فاعلية لافعالها و كل مؤثر من الجماد و النبات و الحيوان و الانسان و الملك و الجن و الجوهر و العرض و كل مايسمي بالشّي‏ء في الجبروت و الملكوت و الملك و الدنيا و البرزخ و الاخرة و كل العوالم الالف الف علة فاعلية لاثاره و كل منير علة فاعلية لانواره فالشّمس علة فاعلية لاضوائها و السّراج علة فاعلية لانواره و النار علة فاعلية لاحراقها و الماء علة فاعلية لترطيبه و كل دواء علة فاعلية لاثره و كل ملك علة فاعلية لعمله و هكذا و لايلزم من ذلك شرك ابدا لانّ الفاعل غير الخالق فامثال ماذكرنا و مالم‏نذكر فواعل عقلاً و عرفا و شرعا اتفاقا من جميع العقلاء و اللّه سبحانه هو الخالق لهم و لما صدر منهم من الافعال و الاثار غاية الامر انه سبحانه يخلقهم اولاً و بالذات و يخلق افعالهم و اثارهم بهم و منهم ثانيا و بالعرض كما يخلق الشّخص اولاً و يخلق ظله به ثانيا و يخلق الشّاخص اولاً و يخلق عكسه في المرآة بوجوده ثانيا و العجب ان الجاحدين لفضائلهم: لاينكرون علية شي‏ء لاثاره و فاعليته لافعاله و ينكرون كونهم: علة فاعلية الايجاد و يردون علي الحكماء الامجاد فهولاء من الاخسرين اعمالاً الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا و يحسبون انهم يحسنون صنعا اعاذنا اللّه من شرهم و كيدهم و مكرهم في الدنيا و الاخرة.

غنيمة: قد صرح اللّه تعالي بذلك في حق نبيه9 في عدة ايات منها قوله تعالي: و ارسلناك للناس شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا الي اللّه باذنه و سراجا منيرا فافصح اللّه تعالي عن كونه9: سراجا منيرا و لاشك ان السّراج المنير لايمكن ان يكون بلانور و لو كان لم‏يكن سراجا و لم‏يكن منيرا و هو مناقضة واضحة و منافات بينة و لاشك ان كل سراج منير علة فاعلية لنوره البتة فصرح سبحانه بانه9 علة فاعلية لانواره و لما لم‏يقيد سراجيته9 بوقت دون وقت و مكان دون مكان و عالم دون عالم فهو9 سراج منير في جميع العوالم و في جميع الامكنة و الاوقات و لاشك ان نوره9 ليس كنور هذا السّراج الظاهر و نور هذه الشّمس الظاهرة لانّ مثل هذا النور مخصوص بهذا العالم الظاهر و هذه المنيرات الظاهرة و لايعقل مثل هذا في كل العوالم و قبلها في الخلق الاول الاعلي كما لايخفي فنوره9 في مقام الكون جميع الوجودات و الاكوان لانّ كلها مؤمنة باللّه تعالي عابدة له ساجدة له سبحانه علي السّواء حامدة مسبحة له اناء الليل و اطراف النهار بلسان واحد كما قال تعالي: يسبح لله مافي السّموات و مافي الارض و قال: و ان من شي‏ء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم و قال: كل قد علم صلوته و تسبيحه و قال: فقال لها و للارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين و في الدعاء: سجد له سواد الليل و بياض النهار و في الزيارة: يسبح اللّه باسمائه جميع خلقه و كذا ورد: و هي بمشيتك دون قولك مؤتمرة و بارادتك دون نهيك منزجرة و ذلك لانّ اللّه تعالي قال لكل مكون كن فكان فما لم‏يأتمر و يمتثل امره سبحانه موجود لم‏يمكن انوجاده و قد شاء اللّه تعالي و اراد و قدر و قضي وجود كل موجود و هو انفاد له و امتثل حكمه و انجذب الي فعله فصار مشاءً و مرادا و مقدرا و مقضيا السّعيد صار كذلك بسعادته و الشّقي بشقاوته و المؤمن بايمانه و الكافر بكفره و الطيب بطيبه و الخبيث بخبثه فكل في هذا النظر و في هذه العرصة مؤمن باللّه تعالي مطيع له منقاد لحكمه و لذا الكل من نوره9 و علي حذو نوره و لاجل نوره كما ان الانوار المنبثة من السّراج مخلوقة من نوره و علي نوره و لاجل نوره فهو9 بتصريح اللّه تعالي علل اربع لجميع الكائنات و الموجودات و في الشّرع مخصوص بالمؤمنين المخلصين دون الاخرين فانهم من شعاعه و شعاع اهل بيته: دون الاخرين لانهم تابعون لهم موافقون معهم دون ساير الخلق اجمعين و يشهد بذلك قولهم:: شيعتنا منا كشعاع الشّمس من الشّمس و اخبار الطينة و غيرها و منها قوله تعالي: مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كانها كوكب دري الي قوله نور علي نور فلاشك باتفاق الخاصة و العامة ان من معاني المصباح هنا رسول اللّه9 و هو مثل نوره تعالي و الكلام فيه كالكلام فيما سبق بعينه الا انه سبحانه عبر عنه في ماسبق بالسّراج المنير و هنا بالمصباح فاللفظ مختلف و المعني واحد عباراتنا شتي و حسنك واحد و المراد من الزجاجة علي هذا المعني اميرالمؤمنين و ساير الائمة المعصومين عليهم صلوات المصلين فان رسول اللّه9 بينهم قد اضاء لهم اولاً و بالذات و هم قد استضاؤا منه بلاواسطة احد كما قال اميرالمؤمنين7: انا من محمّد كالضوء من الضوء و المراد من المشكوة فاطمة الزهراء3 فان انواره انوارهم صلي اللّه عليه و عليهم قد انتهت باجمعها اليها و هي قد استضاءت بها و لذا سميت الزهراء و المراد من الزيت في قوله تعالي: يكاد زيتها يضي‏ء حقيقتهم التي هي اول صادر من المشية و المراد من النار في قوله تعالي: و لو لم‏تمسسه نار نار مشية اللّه جل شأنه فان حقيقتهم: في المقام الادني مستضيئة من المشية لانها تابعة لها منقاة لحكمها منجذبة اليها جارية بامرها و هو قوله تعالي: لايعصون اللّه ماامرهم و يفعلون مايؤمرون و قال: لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و قال: و ماتشاؤن الا ان يشاء اللّه و هي في المقام الاعلي فوق المشية و مضيئة لها لانها مقام علم الله الذي به خلقت المشية كما ذكرنا هنا و سابقا مرارا نور علي نور اي نور المصباح علي نور الزجاجة و نور الزجاجة علي نور المشكوة او امام بعد امام يهدي اللّه لنوره من يشاء اي للامام في كل عصر من يشاء من عباده المخلصين فصرح سبحانه في هذه الاية بكون ساير اهل بيته المعصومين صلي اللّه عليه و عليهم اجمعين علل فاعلية الخلق بل علل ماديتهم و صوريتهم و غائيتهم فانه صرح بمنيريتهم بقول مطلق و المنير في كل مقام فاعل نوره و مادة نوره من مادته و صورته علي طبق صورته و فائدته الحضور لخدمته و الموافقة لحضرته علي حذو ماذكرنا في الاية الاولي في حق النبي9 و ساير الخلق و منها قوله تعالي: و الشّمس و ضحيها و القمر اذا تلاها فقد فسرت الشّمس برسول اللّه9 و القمر باميرالمؤمنين7 فانه مكتسب من رسول اللّه9 كما القمر مكتسب نوره من الشّمس و هو يتلو رسول اللّه9 اذا غرب و توازي تحت الارض و اجاب دعوة الحق تعالي شأنه كما يتلو القمر الشّمس في الانارة لاهل الارض اذا غربت و توارت بالحجاب و لاشك ان الشّمس و القمر علة فاعلية لانوارهما فهما صلي اللّه عليهما و آلهما بتصريح اللّه علة فاعلية لانوارهما علي حذو ماذكرنا الي غير ذلك من الايات و قد تواترت الاخبار من العامة و الخاصة رواها علماء الفريقين في كتب شتي و دفاتر متفرقة في مواضع كثيرة منها انهم: اول الخلق و قد خلق اللّه تعالي ساير الخلق من نورهم فهي موافقة مع الكتاب و يشهد بها العقل المستطاب و قد قامت بذلك الضرورة من المذهب بل الملة فلامناص لاحد في الاعتقاد به و الاذعان له و لاعذر لمسلم في انكاره و رده بل في الشّك فيه و الشّك فيه و الانكار له كفر صراح و خروج من المذهب و الملة اعاذنا اللّه عن ذلك بحقهم و حرمتهم صلوات اللّه عليهم اجمعين.

غنيمة: قد تبين بالعقل و النقل و الضرورة و الاتفاق مما ذكرناه مكررا و اصررنا عليه اصرارا انهم: حقيقة اسمه سبحانه سواءً كان ذاتيا كالعالم و القادر و غيرهما او فعليا كالخالق و الرازق و المحيي و المميت و الشّائي و المريد و المتكلم و امثالها فاذا ثبت هذا ثبت منه مطالب شتي كلها مهمة لازمة لكل مكلف الاعتقاد بها منها انهم: اول خلق اللّه حقيقة و واقعا لايسبقهم سابق و لايلحقهم لاحق و لايفوقهم فائق و لايطمع في ادراكهم طامع و هم الفاتح لماسبق و الخاتم لمااستقبل منها انهم: علل اربع لجميع الخلق اي بهم و من نورهم و علي نورهم و لاجل نورهم صلوات اللّه عليهم خلق الخلق و لايمكن ان يكون الاحد جل شأنه علة الخلق كما زعمت الجهلة و المنكرون لفضائلهم: لانه قد ورد صريحا في الدعاء يا عالما قبل ايجاد العلم و العلة فصرح بان العلة من المخلوقات بل العلم الّذي هو مقدم علي جميع الصفات الكمالية و هو من الصفات الذاتية التي لايجوز نفيها عن اللّه تعالي من المخلوقات و لمااطلق العلة فهي شاملة لجميع العلل من الفاعلية و المادية و الصورية و الغائية فتمام العلل بتصريح المعصوم الناطق عن اللّه تعالي خلقه سبحانه لاذاته تعالي اللّه عن ذلك و لابد و ان تكون مقدمة علي جميع الخلق لانّ العلة سابقة علي المعلول و بها خلق المعلول و المقدم علي جميع الخلق بصريح الكتاب و تواتر الاخبار و الضرورة و الاتفاق ليس الا هولاء الاربعة عشر عليهم صلوات اللّه الملك الاكبر فهم العلة لجميع الموجودات في جميع المقامات مضافا الي ان العلة مافيه ذكر من المعلول و المعلول مافيه ذكر العلة و هما من الامور المتضايفة و اللّه سبحانه اجل و اعلي من ان يكون فيه ذكر مماسواه فلايمكن ان يكون علة فالعلة مطلقا ليست الا هم: و قد ورد صريحا: ان المشية خلقت بنفسها و الاشياء خلقت بها فالمشية بنص ظاهر الحديث الصحيح المسلم بين الفريقين علة فاعلية للاشياء مع انّها من صفات الفعل كما في صريح الاخبار لانها تثبت عليه تعالي و تنفي عنه تعالي كما يقال شاء اللّه كذا و لم‏يشأ كذا و ماشا‏ء اللّه كان و مالم‏يشأ لم‏يكن و يريد اللّه بكم اليسر و لايريد بكم العسر و صفات الفعل انزل من صفات الذات و قد دلّ العقل و النقل القطعيان كما مرّ مرارا انهم: حقيقة مطلق الصفات من صفات الذات و صفات الفعل مضافا الي انه قد ورد: و نحن امره و حكمه و امر اللّه و حكمه مشيته سبحانه فهم في مقام كونهم: مشية اللّه سبحانه و هذا المقام انزل من مقام كونهم علم اللّه لانّ بالعلم خلقت المشية علة فاعلية لجميع الاشياء فكيف من مقام كونهم علم اللّه فافهم و منها انهم: من اللّه و الي اللّه لانّ كل اسم كائنا ماكان سواءً كان من الخلق او الحق من مسماة و الي مسماة و محال ان يكون غير ذلك كماتري ان قائم زيد مثلاً منه و اليه و محال ان يكون من غيره فلوكان من غيره لماكان قائمة بل كان قائم غيره و لايمكن ان يصدر اسم شي‏ء من شي‏ء اخر لابالجبر و لابالالتماس فلو اجمع جميع العالم و ارادوا ان يصدروا قائم زيد من عمرو او قائم عمرو من زيد و ان اجبروهما علي ذلك اجبارا و اصروا عليه اصرارا لماامكنوا و اللّه سبحانه ايضا لايفعل ذلك و جعل ذلك من المحالات التي لاتتعلق بها القدرة ابدا و كذا لايمكن تفويض زيد قائمه الي عمرو و تفويض عمرو قائمه الي زيد فان قائم كل منه و لايفوض الي غيره فالجبر و التفويض الممتنعان ان يصدر احد من احد فعله و يفوض احد الي احد فعله فافعال اللّه تعالي محال ان تصدر من الخلق اجبارا و تفويضا و الواجب المحتوم الّذي لايكون اوجب و لااحتم منه شي‏ء ان تصدر من اللّه تعالي حتي تكون افعاله و افعال الخلق محال ان تصدر من اللّه تعالي اجبارا و تفويضا و لواجتمع علي ذلك كل احد اجتماعا و كان بعضهم لبعض ظهيرا و الواجب الحتم الّذي لايكون اوجب و لااحتم منه ان تصدر من الخلق حتي تكون افعالهم و منها انهم: لايشبهون الخلق شيئا بل هم علي صفته سبحانه لافرق بينهم و بينه سبحانه الا انهم اسماؤه سبحانه و هو المسمي بهم و ذلك لانّ اسم كل احد يلزم ان يكون علي صفته و لايكون علي صفة شي‏ء آخر كما القائم مثلاً علي صفة زيد لاعلي صفة شي‏ء آخر و هو لافرق بينه و بين زيد فيما لزيد الا انه اسم زيد و هو المسمي به و منها انه ليس الظاهر فيهم و منهم: الا اللّه تعالي لانّ الاسم كائنا ماكان بالغا مابلغ سواءً كان من اللّه او من الخلق شرط وجوده ان يكون مسماه ظاهرا فيه و منه لاشي‏ء اخر كما القائم مثلاً لايكون الظاهر فيه المرئي منه الا نفس زيد بتمامه و منها انهم: لايمكن فصلهم عن اللّه تعالي و هو سبحانه معهم ابدا و هم معه دائما سرمدا لانّ الاسم كائنا ماكان سواءً كان من اللّه او من الخلق مع مسماه و مسماه معه لايفصل عنه و لايفصل هو عنه كما القائم مثلاً لايمكن انفصاله عن زيد و لاانفصال زيد عنه فيكون زيد مثلاً في البيت و قائمه في الصحن او بالعكس و منها انهم: غيره سبحانه لانه سبحانه واحد و هم متعددون و هو قائم بنفسه و هم قائمون به و لاشك ان المتعدد غير الواحد و القائم بالغير غير القائم بالذات و هكذا كل اسم من الاسماء سواءً كان من اللّه او من الخلق كماتري ان القائم مثلاً ليس عين زيد لانّ زيدا يثبته اذا قام و ينفيه اذا قعد و لوكان عينه لفني زيد بفنائه و لذلك ورد: ان من عبد الاسم دون المسمي فقد كفر و من عبد الاسم مع المسمي فقد اشرك و من عبد المسمي من حيث ايقاع الاسم عليه فاولئك من اصحاب اميرالمؤمنين7 فان لم‏يكن غيره لم‏تكن عبادته من دون مسماه كفرا و عبادته مع مسماه شركا فمن عبد القادر مثلاً من حيث نفسه من دون ملاحظة مسماه و هو اللّه تعالي فيه فقد كفر و كذا من عبده مع مسماه فقد اشرك و هذا القادر يتبرء منه و يلعنه و يدخله نار جهنم خالدا فيها كما فعل اميرالمؤمنين7 بالذين اتخذوه الها و عبدوه من دون اللّه و من اتاه من حيث كونه منبئا عن اللّه مريا اياه قاصدا لله تعالي منه فهو ممن اتي اللّه حقا و عبده صدقا و منها انهم: ليس غير اللّه تعالي كما ان ساير الخلق غيره فان ساير الخلق من انفسهم عين النقص و العدم و الفقدان و ليس فيهم شي‏ء من صفات اللّه و هم: من انفسهم عين جميع كمالات اللّه سبحانه بلانهاية ليس فيهم شي‏ء من نقايص الخلق ابدا فهم: عينه سبحانه كمالاً و ان كانوا غيره ذاتا و هم عينه ظهورا و وجودا و عيانا و بيانا و ان كانوا غيره كلاً و جمعا و احاطة و ليس ساير الخلق بالنسبة اليه سبحانه الا غيره من جميع الحيوث و هذا شأن كل اسم بالنسبة الي مسماه سواءً كان من الحق او الخلق فالقائم مثلاً غير زيد ذاتا و كلية و احاطة و وحدة و عينه كمالاً و ظهورا و شهودا و عيانا بحيث ان كل من رآه رأي زيدا حقا بل لايمكن رؤية زيد الا به او بشي‏ء آخر من صفاته و منها انه لايمكن اتيان اللّه تعالي الا باتيانهم: فانهم بابه المبتلي به الناس من اتاهم فقد نجي و من لم‏يأتهم فقد هلك و هم ظاهره و ظهوره و القائمون مقامه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لااله الا اللّه الملك الجبار و ذلك لانّ الاسم الحقيقي و هو الصادر عن المسمي كائنا ماكان سواءً كان من الحق او الخلق ظاهر المسمي و المسمي الظاهر و هو كما عرفت عين المسمي عيانا و ظهورا و شهودا و ان كان غيره كلاً و جمعا و احاطة و استقلالاً و لايؤتي شي‏ء الا من ظاهره و ظهوره كما انه لايمكن اتيان زيد الا من قبل قائمه او اسم اخر من اسمائه من القاعد و الراكع و السّاجد و السّاكن و المتحرك و السّاكت و المتكلم و غيرها و لايختص ذلك بالانسان بل كل حيوان او نبات او جماد بسيط او مركب جوهر او عرض و غيرها لايمكن اتيانه الا من قبل اسمائه و لايخلو كائن كائنا ماكان من الاسم فانه لولا اسمه لم‏يمكن كونه و هو في جميع اوقات كونه في اسم من اسمائه فمن اراده لابد ان يبدء باسم من اسمائه حتي ان المريد و الاتي ايضا لايمكن ان يريد و يأتي الا في اسم من اسمائه ‏اي كما ان المراد و المأتي كائنا ماكان لايراد و لايؤتي الا في اسمائه كذلك المريد و الاتي لايريد و لايأتي الا في اسمائه كما ان من اراد و اتي زيدا لايمكن ان يكون الا قائما او قاعدا ساكنا او متحركا ساكتا او متكلما و هكذا و زيد لايمكن ان يراد و يؤتي الا قائما او قاعدا ساكنا او متحركا ساكتا او متكلما فالاسم يأتي الي الاسم و الاسم يريد الاسم و بالنسبة الي اللّه تعالي يقال العابد يأتي المعبود و يريده و السّاجد يأتي المسجود و يريده و الحامد يأتي المحمود و يريده و العرف يأتي المعروف و يريده و المخلوق يأتي الخالق و يريده و المرزوق يأتي الرازق و يريده و المرحوم يأتي الرحمن و الرحيم و يريده و هكذا فالاسم الاول من طرف الخلق و الثاني من طرف الرب تعالي شأنه فلايأتي و لايريد في جميع المقامات الا الاسم و لايؤتي و لايراد في جميع المقامات الا الاسم و واجب حتم ان يكون كذلك و محال ممتنع ان يكون غير ذلك و لماكان الظاهر في الاسم و من الاسم @و لاشي‏ء@در نسخه نبود@ في الطرفين هو المسمي لانفس الاسم و لاشي‏ء اخر فلم‏يأت و لم‏يرد في جميع المقامات الا المسمي و لم‏يؤت و لم‏يرد في جميع المقامات الا المسمي و الغرض انه من اجل هذه الكلية غير المخصصة التي يمتنع خلافها امتناعا بحتا باتا لايمكن ان يؤتي اللّه تعالي و يراد و يعرف و يعبد و يحمد و يودّ الا من قبل محمّد و آله: الذين هم اسماؤه الحقيقية الصادرة منه سبحانه الكائنة بكينونته الباقية ببقائه الحية بحياته الموصوفة بصفاته الموسومة بسماته و اما هذه الاسماء اللفظية او الكتبية فليست باسمائه الحقيقية لانها لم‏تصدر منه تعالي و لاتعود اليه و لاتكون معه و لاتكون علي صفاته و سماته بل هي حادثة تحدث بصنع الخلق من مادة خلقية علي صورة خلقية فليست هذه الا تعبيرات من الخلق عن تلك الاسماء الحقيقية و تلك الاسماء من صنع اللّه تعالي و ساير الخلق من صنعها كما قال اميرالمؤمنين7: نحن صنايع اللّه و الخلق بعد صنايع لنا كما ان علم كل صانع و قدرته منه و ساير صنايعه منهما فافهم منها ان كلهم صغيرهم و كبيرهم و اناثهم و ذكورهم و حيهم و ميتهم و شاهدهم و غائبهم و والدهم و ولدهم صلوات اللّه عليهم اجمعين عالمون باللّه تعالي عارفون به علي نهج سواء و كذا كل واحد عالم عارف بالاخر و بجميع مافي الاخر و للاخر علي نهج سواء و كذا الجميع عالمون عارفون بجميع من سواهم من ساير الخلق مطلعون علي جميع مالهم و منهم و اليهم علي نهج سواء من دون فرق بينهم في ذلك بل لكل واحد منهم: جميع كمالات اللّه تعالي من دون فرق بينهم في ذلك و لكل جميع كمالات باقيهم من دون فرق بينهم في ذلك و كل ذلك لاجل ان الاسماء كائنة ماكانت سواءً كانت من الحق او الخلق ليس الظاهر فيها و منها الا شخص واحد و هو المسمي فهو باي صفة كان كان في كل منها و باي علم و خبرة كان كان في كل منها و لامحالة هو الخبير بنفسه و بجميعها علي نهج سواء و لما لم‏يكن في ديارها الا هو كان الجميع علمها به و بانفسها علي نهج سواء كماتري عيانا ان القائم مطلع علي زيد و جميع ماله من الصفات و السّمات كما القاعد مطلع و القاعد مطلع كما القائم مطلع و هكذا بواقي اسمائه من الصغير و الكبير و العالي و الداني فالعالي و الكبير منها كالعالم و القادر و ادني و اصغر منهما كالمتحرك مثلاً و ادني و اصغر منه كالسّريع مثلاً و ادني و اصغر منه كالسّريع الي المشرق او الي المغرب و ادني و اصغر منه كالسّريع الي المشرق او الي المغرب في الصباح او المساء و ادني و اصغر منه كالسّريع الي المشرق او الي المغرب في الصباح او المساء في حال التكلم او السّكوت و هكذا فالظاهر في جميعها بجميع صفاته حتي في الصغير الّذي لااصغر منه و الداني الّذي لاادني منه هو زيد وحده وحده فاطلاع كل منها عليه و علي صفاته علي نحو واحد و كذا اطلاع كل علي البواقي منها علي نحو واحد و كل موصوف بتمام مابه الاخر موصوف فكما العالم الّذي هو اعظم من جميعها فيه زيد بصفاته و اعضائه و جوارحه و احواله كذلك السّريع الي المشرق في الصباح في حال التكلم مثلاً الّذي هو ادني من جميع المذكورات فيه زيد بجميع ماله من الصفات و الحالات و الاعضاء و الجوارح و الآلات و الادوات كما لايخفي فكذلك هؤلاء السّادة صلوات اللّه عليهم اجمعين صغيرهم و كبيرهم و اناثهم و ذكورهم و هكذا متصفون بصفات اللّه تعالي و متصفون بصفات انفسهم علي السّواء و مطلعون علي اللّه تعالي و علي انفسهم و علي ساير المخلوقين علي السّواء لانه ليس في كل واحد واحد منهم الا اللّه الواحد الاحد الصمد الّذي لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفوا احد العالم بنفسه و بهم و بساير الخلق جميعا علي نهج سواء و هذا علامة الاسم و مابه امتيازه من الافراد و الانواع و الاجناس فانه كما ذكرنا سابقا الاسماء ليست بينها تباين و اعتزال لانّ كلها من مصدر واحد و الظاهر فيها شخص واحد فكل منها مطلع علي الاخر و كل له ما للاخر و اما الافراد فكل فرد معزول عن الفرد الاخر فليس له علم بالاخر و ليس له ماللاخر و كذا كل نوع غير نوع اخر و كل جنس غير جنس اخر فليس لهذا النوع علم بالنوع الاخر و لالهذا الجنس علم بالجنس الاخر و لالكل من الصفات و السّمات ماللاخر و اما سادتنا صلوات اللّه عليهم اجمعين فلما كانوا اسمائه سبحانه لاافراده لانه ليس لله افراد لانه ليس لنا الهة بل انما الهنا اله واحد كان كل منهم: عالما بالاخر و عالما باللّه و عالما بجميع الخلق علي نهج سواء و لكل من الصفات و السّمات و الكمالات ماللاخر لانفرق بين احد منهم: و نحن لهم مسلمون و لفضائلهم مسلمون ان شاء اللّه.

غنيمة: و ممايترتب علي ذلك المقام الاسني و يجب علي مكلف ان يعلمه و يعمل به ان التوجه الي اللّه تعالي لايمكن في الصلوات و في الدعوات و في ساير الاوقات الا بهم صلوات اللّه عليهم كما يشهد به ظاهر الاخبار بلاغبار منها الدعاء المشهور الوارد قبل افتتاح الصلوة: اللّهم اني اتوجه اليك بمحمّد و آل محمّد: و اقدمهم بين يدي صلوتي و اتقرب بهم اليك الي اخر و منها فقرة الزيارة الجامعة المشهورة: و مقدمكم امام طلبتي و حوائجي في كل احوالي و اموري و لعل فيها تغييرا لانها لم‏تكن في حفظي و فقرة اخري: من اراد اللّه بدء بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم الي غير ذلك و هو كثير و وجدانه في الكتب يسير مع ان العقل القاطع يدل علي ذلك و يحكم بامتناع خلاف ذلك لانه قد ذكرنا ان الشّي‏ء كائنا ماكان بالغا مابلغ لايمكن اتيانه و التوجه اليه الا من اسمه و صفته كما ان زيدا مثلاً لايتوجه اليه الا في حال قيامه او قعوده ركوعه او سجوده حركته او سكونه نطقه او سكوته و هكذا فكذلك اللّه جل جلاله لايمكن التوجه اليه الا من قبل اسمائه و صفاته الصادرة منه تعالي التي قد تجلي اللّه تعالي بها للعالمين و ليست تلك الاسماء و الصفات الا هؤلاء السّادة سلام اللّه عليهم اجمعين و ان تأملت رأيت عيانا انه لم‏يتوجه اليه سبحانه متوجه و لايتوجه الا من قبل اسمائه سبحانه الاتري انه لم‏يتوجه و لايتوجه الا الي المتوجه اليه و المتوجه اليه اسمه لاذاته سبحانه و كذا لم‏يتوجه و لايتوجه الا الي المعبود و المعبود اسمه لاذاته سبحانه و الي الخالق و الرازق و المحيي و المميت و كل ذلك اسماؤه لاذاته سبحانه و الي العالم و القادر و الغني و القديم و الحكيم و السّميع و البصير و الغفور و الرحيم و هكذا و كل ذلك اسماؤه لاذاته سبحانه و الدليل علي انّها ليست بذاته سبحانه انّها مركبة لانها مقترنة بصفاتها و صفاتها مقترنة بها كما قال اميرالمؤمنين7: لشهادة كل صفة انّها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث و التركيب الممتنعين عن الازل تعالي شأنه و بعضه نقل بالمعني و لما فصلنا ذلك القول سابقا في الجملة اكتفينا هذا بهذا و المقصود انه ان اتيت اللّه تعالي بهم و توجهت اليه تعالي بهم: فقد اتيته و توجهت اليه سبحانه و حق علي اللّه تعالي ان‌ينظر اليك و يسمع دعائك و يجيب دعوتك و يعطيك حاجتك و يدخلك الجنة و ينجيك من النار و ان فعلت ذلك في تمام عمرك مرة واحدة و كنت في الباقي في غفلة و جهالة فانك حينئذ من المؤمنين به سبحانه و ممن له اله و من له اله فليس فاقدا بشي‏ء و ان لم‏يكن له شي‏ء و من ليس له اله فهو فاقد لكل شي‏ء و ان كان له كل شي‏ء و ان شئت الدليل علي ذلك من الاخبار فانظر الي ماورد في زيارة المؤمن من ان من زاره لاجل ايمانه باللّه و ابتغاء لوجه اللّه لالاجل شي‏ء اخر ناداه اللّه تعالي اياي زرت و ثوابك علي و لاارضي لك الا الجنة اي لااري شيئا من النعم الدنياوية جزاء عملك ماخلا جنتي و دار كرامتي و لاشك ان تمام الدنيا و مافيها من اولها الي اخرها لايقابل شيئا يسيرا من الجنة و قد ورد ان اقل مايعطي ادني مؤمن في الاخرة اكثر من هذه الدنيا سبع مرات و ادني المؤمنين السّقط المحبنطئ علي باب الجنة الّذي لايدخلها حتي يدخلها ابواه المؤمنان فانظر مامقدار تمام نعم الدنيا في جنب نعم الجنة بل نعمة منها فالزائر للمؤمن لمحض ايمانه و ان لم‏يعمل عملاً اخر و لم‏يقصد ربه تعالي شأنه في اوقات اخر من الناجين الذين لايرضي اللّه لهم الا الجنة فهذا دليل علي ان التوجه الي اللّه تعالي من بابه و سبيله و ان كان في تمام العمر مرة واحدة سبب النجاة و الجنة و يؤيده مجيئ الحر الي الحسين7 قاصدا له تاركا لعدوه في اخر عمره في وقت يسير و صيرورته من اهل النجاة و الجنة و من الملحقين به و المشحورين في زمرته صلوات اللّه عليه بل ممن قال الامام7في زيارتهم: بابي انتم و امي طبتم و طابت الارض التي فيها دفنتم و فزتم و اللّه فوزا عظيما فياليتني معكم فافوز معكم مع انه لم‏يعمل بعد هذا التوجه عملاً فيعلم ان التوجه الي اللّه تعالي من سبيله سبب الجنة و النجاة و لو كان لمحة واحدة و كذا يؤيده مااتفق عليه اهل الاسلام ان يهوديا عاش سبعين سنة في اليهودية ان شهد بوحدانية اللّه جل جلاله و برسالة نبيه9 و ولاية الائمة المعصومين: و ولاية اوليائهم و البرائة من اعدائهم ثم مات و لم‏يعمل عملاً فهو من اهل الجنة و النجاة و كذا ماورد ان: حبّ علي حسنة لاتضر معها سيئة و بغضه سيئة لاتنفع معها حسنة فبنص هذا الخبر المتفق عليه بين الامة من احب عليا و هو اسم اللّه الرضي و وجهه المضيئ و جنبه العلي و بابه المفتوح منه الي العالمين فهو اهل النجاة و ان لم‏يكن له عمل صالح فانه ممن اتي اللّه حقا و قصده صدقا و من ابغضه فقد ابغض اللّه و اعرض عن اللّه فماله الا النار و ان كان له جميع الاعمال الصالحة فتمامها هباء منثور و فيهم قوله تعالي: و قدمنا الي ماعملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا و قوله تعالي: عاملة ناصبة تصلي نارا حامية تسقي من عين آنية ليس لهم طعام الا من ضريع لايسمن و لايغني من جوع و قوله تعالي: ان اللّه لايغفر ان يشرك به فقد ورد: ان الشّرك بعلي هو الشّرك باللّه و ان اللّه تعالي لايغفره ابدا الي غير ذلك من الايات و الاخبار و قد قامت الضرورة من المذهب بل الملة ان العمل الصالح من دون مودة ذوي القربي و هم علي و اولاده المعصومون: لاينفع ابدا بل موجب الخلود في النار سرمدا و قامت الضرورة ايضا ان مع ولائهم: ينجو الانسان و ان كان عاصيا و في مواليهم نزل قوله تعالي: يا عبادي الذين اسرفوا علي انفسهم لاتقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم و قد ورد في الخبر الصحيح و النص الصريح ان المراد من هؤلاء العباد محبوهم و موالوهم: فتري ان اللّه تعالي وعدهم و هو لايخلف وعده و من اصدق من اللّه قيلاً ان يغفر ذنوبهم جميعا و هي تشمل كل ذنب من الكباير و الصغاير في تمام العمر و لااستثناء فيها و لااختصاص لها بوقت دون وقت بل من مكنونات علم سلمان علي ما هو المنقول و من جنابه ارواحنا له الفداء ان فلانا اليهودي من اهل الجنة لانه كان يحب اميرالمؤمنين7 و معلوم ان حبه7 حقيقة الاسلام و لايبقي معه كفر ابدا فلم‏يدخل الجنة الا المسلم حقا و لايختص امثال هذه المطالب باميرالمؤمنين7 بل جميع الائمة المعصومين و فاطمة الزهراء سلام اللّه عليهم اجمعين مشاركون معه7 فكل ماورد فيه7 وارد في حق كل منهم: بلافرق و تفاوت و لماكان7 اولهم: و والدهم وردت امثال هذه الاخبار فيه اكثر و سرّ تمام هذه المقولات انهم: عين اسماء اللّه تعالي و لم‏يظهر اللّه تعالي الا فيهم: و لم‏يكونوا هم: الا عين ظهوره و ظاهره في جميع العوالم فمن اتاهم: فقد اتي اللّه حقا و وجبت له الجنة و النجاة و ان لم‏يكن له بالظاهر عمل صالح و نفس اتيانهم: حقيقة تمام الاعمال الصالحة و من لم‏يأتهم: لم‏يأت اللّه و تخلف عن اللّه و حقت له النار و ان كان له بالظاهر تمام الاعمال الصالحة و نفس التخلف عنهم: متاركة تمام الاعمال الصالحة و ارتكاب تمام الفواحش الظاهرة و الباطنة و يدل علي ذلك اخبار متظافرة بل متواترة و اتفقت عليه الفرقة المحقة الاثني عشرية فاذا وصلت الي الباب فقف فان دونه الحجاب و اذا تجاوزت السّبيل فالطريق مسدود و الطلب مردود و لابد و ان يكون السّبيل و الباب دائما امامك حتي تقصده و تمشي سويا علي صراط مستقيم و تبلغ الي اللّه الواهب الكريم.

غنيمة: قد ينسب في الايات و الاخبار و كلمات الابرار و الاخيار الفعل الي اللّه تعالي و قد ينسب اليهم: فينسب اليه سبحانه لتعلم انهم: ليسوا بالهة مستقلين بانفسهم كما زعمت النصيرية و من اعتقد بالهيتهم نعوذ باللّه بل لهم: رب يؤبون اليه كما قالوا: اجعلوا لنا ربا نؤب اليه و قولوا في فضلنا ماشئتم و قد ينسب اليهم: لانهم مواقع اسمائه و صفاته و ايادي افعاله و اجراءاته جل شأنه بل هم عين افعاله و حقيقة اسمائه و صفاته بل هم المسمون باسمائه و الموصوفون بصفاته و الفاعلون لافعاله سبحانه و تعالي و ذاته سبحانه و تعالي اجل و اعلي من ان تكون كذلك لانّ الاسم و الصفة و الفعل كما هي مركبة حادثة لاجل اقترانها بالمسمي و الموصوف و الفاعل كذلك المسمي و الموصوف و الفاعل مركبة حادثة لاجل اقترانها بالاسم و الصفة و الفعل و ليس معني ذلك انهم فاعلون و مسمون و موصوفون دونه سبحانه او معه سبحانه كما يزعم الجاهل او الجاحد بل المعني انه سبحانه هو الفاعل و المسمي و الموصوف دون احد ممن سواه سبحانه فيهم و من غيرهم: و هم: مقام فاعليته و مسمائيته و موصوفيتهم فاذا قلت بهم يفعل اللّه مايشاء و فيهم يسمي باسمائه و يوصف بصفاته قلت انه هو الفاعل و المسمي و الموصوف حقا و اذا قطعت النظر عنهم و زعمت انه سبحانه بدونهم فاعل و مسمي و موصوف عزلت اللّه تعالي عن حقه و نفيت عنه سبحانه مايستحقه و ضللت و اضللت و في الواقع لم‏يكن لك اله و اتخذت الهك هواك فاللّه جل جلاله مع الذين و للّذين معهم صلوات اللّه عليهم العارفين بحقهم المعترفين بفضائلهم المتمسكين بوثقي عروتهم الذين لايفرقون بين اللّه و بينهم اللّهم اجعلنا منهم و اليهم بحقهم و حرمتهم صلواتك عليهم اجمعين.

غنيمة: المعصوم من عصمه اللّه تعالي فعاصمه هو اللّه تعالي فالمدح و حق المدح و كل المدح للّه تعالي حيث عصمه عن كل زلة و مخالفة ‏و مباينة و مباعدة و معصية كما ان القلم ليست له حركة من نفسه و لاكتابة و لاعلم و لاتجربة و كلما يجري منه فهو من مرادات الكاتب و لايجري منه مخالف لرضاه فيصدر منه الالف كما شاء الكاتب و الباء كما شاء و الجيم كما شاء و هكذا ساير الحروف و الكلمات كلها يصدر منه علي ماشاء و كيفما شاء و حيثما شاء من دون مخالفة و مباينة معه في شيء من ذلك فيتحرك كيفما يحركه و يسكن عنه مايسكنه من دون سبقة عليه في الحركة و السّكون فهو معصوم بعصمة الكاتب و الكاتب هو العاصم له فتمام المدح وارد علي الكاتب لاعليه و كذا المداد معصوم عنده عما يخالف رضاه لانه ليس له من نفسه ميل و شهوة و الكاتب هو الّذي يتصرف فيه و يصرفه فيما يشتهيه من الحروف و الكلمات علي حسب مراده و مقصده فكمالات الحروف و الكلمات الموافقة لمراد الكاتب الظاهرة من المداد راجعة الي الكاتب لااليه فالمدح و الثناء‌ راجع الي الكاتب لا اليه و ليس له من الامر شي‏ء و كماله في انفعاله عند فعل الكاتب و قبوله منه و كذا اللّوح ليس له من كمالات الحروف و الكلمات شي‏ء و انما هي باجمعها للكاتب و كماله في استعداده لقبول مرادات الكاتب فهو معصوم عند الكاتب قد عصمه عما يخالف رضاه من الحروف و الكلمات و اجري عليه من مايوافق هواه من الحروف و الكلمات و كذلك حكم لوح الامكان عند فعل اللّه تعالي فليس له من الكمال شي‏ء و هو فاقد لكل كمال و كماله في صلوحه لقبول افعال الصانع جل و علا فهو سبحانه و تعالي يتصرف فيه و يصرفه في مراداته و هو منفعل منها طائعا راغبا فهو معصوم عمايخالف رضاه جار في مقتضيات ميله و هواه و كذا القلم الّذي به اجري الله تعالي افعاله في لوح الامكان معصوم عمايخالف رضاه جار في مايرضيه و يهواه من دون مخالفة و مباينة معه سبحانه في شي‏ء من ميله و رضاه فعاصمه هو اللّه جل شأنه و تمام المدح و الثناء راجع اليه سبحانه لااليه و مدحه في انفعاله عند افعاله و جريانه علي حسب اجرائه و كذلك المداد الّذي هو مادة كلماته سبحانه معصوم بعصمته و هو سبحانه عاصمه عمايخالف رضاه و كذلك الكلمات التي كتبها به علي لوح الامكان اي المخلوقات الكائنة المكونة منه بفعله سبحانه فهي ايضا في مقام الخلقة مؤمنة به سبحانه مؤتمرة بامره معصومة عمايخالف رضاه جارية علي حسب ميله و هواه فان كلا منها علي حسب ماشاء و اراد و قدر و قضي صار مخلوقا الحسن بحسنه و القبيح بقبحه و الطيب بطيبه و الخبيث بخبثه و هكذا فكل صار مصورا بصورته متعينا بتعينه موضوعا في حده و مكانه علي حسب تصويره سبحانه و تعيينه و وضعه جل شأنه فهو سبحانه عاصمها و المدح و الثناء وارد عليه لاعليها كما ان الكلمات التي يكتبها الكاتب جارية علي حسب ميله و رضاه فهو بميله جعل الالف الفا و الباء باءً و الجيم جيما فهي معصومة بعصمة الكاتب و الكاتب عاصمها و المدح و الثناء وارد عليه لاعليها فجميع الخلق هكذا معصومون في مقام الكون و الايجاد و المقصود ان المعصومين الاربعة عشر صلوات اللّه عليهم اجمعين قد عصمهم اللّه تعالي في الكون و الشّرع و الظاهر و الباطن و السّر و العلانية و الدنيا و الاخرة عن كل مايخالف رضاه و هو سبحانه عاصمهم بحقيقة ماابطن فيهم من حقايق اسمائه و صفاته و معلوم ان اسم الشّخص لايخالفه في شي‏ء و هو من كل الجهات موافق معه بحيث لافرق بينه و بينه الا انه مسمي و هو اسمه فتمام المدح و الثناء فيما يظهر منهم: من الفضائل و الكمالات و موافقة اوامره سبحانه و الاجتناب عن نواهيه وارد علي اللّه تعالي و لذا كانوا: اخضع الخاضعين و اذل المتذللين عند اللّه جل شأنه و يظهرون له سبحانه الحمد و الشّكر اناء اللّيل و اطراف النهار بل يصرون في اظهار المذلة و النقص و التوبة و الاستغفار و هكذا كل من عرف اللّه تعالي بانه هو المجري لكل خير و كمال و عرف نفسه بالنقص و الفقدان فمهما رأي من نفسه ضرا ذل للّه تعالي و زاد خضوعه و خشوعه و حمده سبحانه من صميم القلب و لايعتريه الدلال و العجب بخلاف من لم‏يعرف نفسه و لم‏يعرف ربه و زعم الكمال من نفسه فهو كلما ازداد كمالاً ازداد عجبا و كبرا و عتوا نعوذ باللّه و اذا لم‏يزده اللّه تعالي في الحقيقة الا نقصا و دنوا و حبطا لاعماله و هبوطا في نار جهنم و ساءت مصيرا و الفرق بين عصمتهم: و عصمة ساير الخلق في الكون انهم: معصومون بعصمته سبحانه عن شوائب الخلقية و عن تمام الحدود و القيود الامكانية و الكونية و متصفون بتمام الصفات الالهية في اصل خلقتهم الازلية الاولية و في الشّرع مع قدرتهم علي كل شي‏ء لايفعلون الا مايوافق الحكمة و لايجرون الا علي حسب المشية فلايسبقون اللّه بالقول و هم بامره يعملون و اما ساير الاشياء فكل شي‏ء معصوم بعصمته عن حدود و اوضاع و صور تخالف حده الناقص المحدود و صورته الناقصة المحدودة فافهم.

غنيمة: و من اسماء اللّه تعالي انه سبحانه ارحم الراحمين في موضع العفو و الرحمة اي في مقام المؤمنين الموحدين و اشد المعاقبين في موضع النكال و النقمة اي في مقام الكافرين الملحدين كما انبأ سبحانه عن نفسه في محكم كتابه: نبي‏ء عبادي اني انا الغفور الرحيم و ان عذابي هو العذاب الاليم فمن رحمته سبحانه ان خلق الرحمة و الرحماء و ارسل لاجل المؤمنين الرسل و الانبياء و نصب لهم بعد الانبياء الخلفاء و الاوصياء و انزل اليهم الكتب و وضع لهم الشّرايع و وعدهم غفران الذنوب و ان كانت اكثر من قطرات الامطار و اوراق الاشجار و حصي البراري و القفار و جعل لهم الشّفعاء و اذن لهم في الدعاء و استجاب لهم في الدنيا او العقبي بل امر الملائكة و المعصومين و المقربين ان يدعوا لهم و يستغفروا لذنوبهم و خلق لهم الجنة و الحور العين و اخلدهم فيها ابدالآبدين و اخلد اعدائهم تقريرا لعينهم و شفاءً لغيظهم في نار جهنم دهر الداهرين الي غير ذلك من نعم لاتحصي و آلاء لاتستقصي و من نقمته ان خلق النقمة و المنتقمين و ابعد اعدائه عن قرب جواره الي اسفل السّافلين و خذلهم و وكلهم الي انفسهم ليفعلوا ماشاؤا و يعملوا بمااشتهوا ليشتد عليهم العذاب و يمتدّ لهم مدة العقاب فيدخلهم نار جهنم بلاحساب فهم فيها في غاية العطش و الالتهاب فان يستغيثوا لرفع عطشهم يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه و بئس الشّراب و كلما نضجت جلودهم بدلهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب و هم فيها دائما في شدة بعد شدة و عذاب فوق عذاب نعوذ باللّه من غضب اللّه و من شدة عداوته للاقشاب و النصاب فلما كان هذان الاسمان كساير اسماء اللّه الملك المنان في مقام حقيقة محمّد و آله سادات الانس و الجان عليهم صلوات اللّه ما كر الجديدان و توالي الملوان صاروا هم رحمة اللّه علي الابرار و نقمته علي الكفار اشداء علي الكفار رحماء بينهم فيا ايها المستبصر اعتبر من رحمة نبي اللّه بالمؤمنين حيث يشفع لاهل الكبائر منهم مهما يري فيهم ذرة من الايمان و معني الشّفاعة ان يقوم معهم في عدادهم في موقفهم بين يدي اللّه خاضعا متذللاً سائلاً منه تعالي مغفرتهم و ذلك في يوم يفر المرء من اخيه و امه و ابيه و صاحبته و بنيه و فصيلته التي تؤويه حتي الانبياء يفرون من اممهم و كل يقول وانفسي وانفسي فليس له هم الا نجاة نفسه و ان هلك الباقون باجمعهم حتي اولاده و احبائه و اقربائه فهو9 في هذه المعركة ليس له هم الا هم امته فهو بينهم في شدائدهم و مصيباتهم و يقول وا امتي وا امتي و يطلب من اللّه تعالي اما ابتلائه بماابتلوا او نجاتهم مماابتلوا فليستنقذهم من النار بالشّفاعة و الاستغفار بل بهلاك نفسه و هلاك عترته و ذراريه بايدي الكفار و الفجار و في الحقيقة يفدي اهل الكباير من امته بنفسه و اهله و عياله و اولاده من حرّ النار و في رضائه9 بقتل قرة عينه الحسين المظلوم7 بايدي اهل العدوان و رفع رأسه فوق عوالي السّنان و سبي ذراريه في البلدان لنجاة العاصين من النيران عبرة عظيمة لاولي الابصار و لايتصور فوق ذلك رحمة و رأفة في جميع الاكوار و الادوار و كل ذلك لاجل انه9 خلق نفس الرحمة و من طباعه التلطف و الرأفة كما اخبر عنه سبحانه و تعالي في قوله: عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم و اعتبر من رحمة اللّه حيث خلق مثل ذلك الرؤف الرحيم فهو سبحانه ارأف من كل رؤف و ارحم من كل رحيم.

غنيمة: اذا علم الانسان ان اللّه تعالي هو الخالق لاعمال العباد من خير و شر و طاعة و معصية كما هو خالقهم غاية الامر انه سبحانه يخلقهم اولاً بانفسهم و يخلق اعماله ثانيا كما قال تعالي: اللّه خلقكم و ماتعملون و في القدسي: خلقت الخير و الشّر فطوبي لمن اجريت علي يديه الخير و ويل لمن اجريت علي يديه الشّر و تقرء ايضا: الحمد للّه الّذي هدانا لهذا و ماكنا لنهتدي لولا ان هدانا اللّه و ما توفيقي الا باللّه عليه توكلت و اليه انيب قل كل من عند اللّه فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا علم علما قطعيا لاشك فيه و لاريب يعتريه انه لاحول و لاقوة الا باللّه العلي العظيم كما في الدعاء: و لكل طاعة و معصية لاحول و لاقوة الا باللّه فلايطلب الخير و الطاعة و السّعادة الا من اللّه و لايستعيذ من الشّر و المعصية و الشّقاوة الا باللّه و ان صدر منه كل خير لايعرضه الدلال و العجب بل يخضع للّه تعالي كل الخضوع و يحمده و يشكره كل الحمد و الشّكر و كذا من علم ان النفع و الضر و الغني و الفقر بيده سبحانه و هو جل شأنه الضار و النافع و المعطي و المانع لاغيره من جميع الخلق فلايرجو احدا الا اللّه و لايخالف احدا الا اللّه و لايسأل جلب المنفعة و كشف البأساء و الضراء الا منه سبحانه و ان اعطاه ساير الناس شيئا او كشفوا عنه بأسا لايعلم ذلك الا من اللّه و لايخضع الا للّه و لايعتمد الا علي اللّه و يقرؤ في قلبه دائما و بلسانه احيانا و ان يمسسك اللّه بضرّ فلاكاشف له الا هو و ان يردك بخير فلارادّ لفضله يصيب برحمته من يشاء و يعمل بمقتضي ذلك و يصير ملكته و من طباعه التوكل علي اللّه تعالي و الاعتماد به و عند ذلك يكفيه اللّه و هو خير كاف كما قال تعالي: و من يتوكل علي اللّه فهو حسبه ان اللّه بالغ امره و كذا من علم انه هو الرزاق و بيده رزق العباد و لاشريك له في ذلك من جميع الخلق كما قال تعالي: ان الله هو الرزاق ذوالقوة المتين  و قال: و اللّه خير الرازقين و قال: نحن نرزقك و العاقبة للتقوي الي غير ذلك فلايطلب الرزق الا منه و لايتوكل الا عليه و لايعتمد علي كسبه و صنعته و تجارته و زراعته و لاعلي سلطان و رعيته بوجه و يعلم انه لايعلم رزقه و رزق عياله ما هو و اين هو و كيف هو و كذا لايعلمه احد من الخلق و انه لايقدر عليه بوجه و كذا لايقدر عليه احد من الخلق فانه يري بكرات و مرات ان مايعلم انه رزقه فات عنه و صار نصيب غيره بل نصيب عدوه الذي كان لايرضي ان يشرب شربة من الماء و رزق غيره بل عدوه الذي لايحسبه لنفسه ابدا سيق اليه و صار نصيبه فلذا يستحب ان يقرء: اللّهم ارزقني من حيث احتسب و من حيث لااحتسب و قال تعالي: و من يتق اللّه يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لايحتسب و التقوي هيهنا معرفة انه هو الرازق و التوكل عليه و السؤال منه و الانقطاع عما سواه و قد آلي اللّه تعالي علي نفسه ان يقطع رجاء من رجي غيره و اعتمد علي غيره و قد جرب ذلك كرارا بل في تمام العمر دائما فالمؤمن العارف يداوم علي هذه الادعية ظاهرا و باطنا في طلب الرزق و رفع الضيق و حصول السعة ملتفتا بقلبه الي مضامينها معتقدا في سرّه بها: اللّهم يا سبب من لاسبب له يا سبب كل ذي سبب يا مسبب الاسباب من غير سبب سبّب لي سببا لن‏استطيع له طلبا و صلّ علي محمّد و آل محمّد و اغنني بحلالك عن حرامك و بطاعتك عن معصيتك و بفضلك عمن سواك يا حي يا قيّوم و ما في دعاء الصحيفة: اللّهم لاطاقة لي بالجهد و لاصبر لي علي البلاء و لاقوة لي علي الفقر فلاتحظر علي رزقي و لاتكلني الي خلقك بل تفرّد بحاجتي و تولّ كفايتي و انظر لي في جميع اموري فانك ان وكلتني الي نفسي عجزت عنها و لم‏اقم مافيه مصلحتها و ان وكلتني الي خلقك تجهموني و ان الجأتني الي قرابتي حرموني و ان اعطوا اعطوا قليلاً نكدا و منّوا علي طويلاً و ذموا كثيرا فبفضلك اللّهم فاغنني و بعظمتك فانعشني و بسعتك فابسط يدي و بما عندك فاكفني الدعاء و اللّهم اني اسألك من فضلك الواسع الحلال الطيب رزقا حلالاً طيبا واسعا بلاغا للدنيا و الاخرة صبا صبا هنيئا مريئا من غير كدّ و لامنّ من احد من خلق الا سعة من فضلك فانك قلت و اسألوا اللّه من فضله فمن فضلك اسأل و من عطيتك اسأل و من يدك الملاء اسأل و اللّهم صن وجهي باليسار و لاتبذل جاهي بالاقتار فاسترزق طالبي رزقك و استعطف شرار خلقك و ابتلي بمدح من اعطاني و افتتن بذم من منعني و انت من وراء ذلك كله ولي الاعطاء و المنع انك علي كل شي‏ء قدير الي غير ذلك من الادعية الواردة في طلب الرزق و حصول السعة و هي ان صدرت من غير قلب لاه ساه بل من قلب عارف معتقد متوجه لاتتخلف و تؤثر تأثيرات ظاهرة بينة فتدبر فيها و لاسيما في الاخير منها و تري انّها ظاهرة في ان الاعطاء و المنع بيده سبحانه و هو وليهما فلاتمدح من اعطاك بل امدح اللّه جل و علا حيث انه بيده اعطاك و لاتذم من منعك بل تضرع الي اللّه تعالي و اطلب منه ان لايمنعك و يعطيك في جملة من اعطاه و كذا من عرفه سبحانه بانه العالم بكل شي‏ء و القادر علي كل شي‏ء و المقدر لكل شي‏ء و هو الذي يفعل مايشاء و لايفعل مايشاء غيره و هو الرحيم و هو المنتقم الي غير ذلك من اسمائه تعالي شأنه فبكل هذه و امثالها اعتقد حقا واقعا انقطع رجاؤه من غير اللّه و لايخاف احدا الا اللّه و لايتوكل الا علي اللّه و لايسأل احدا الا اللّه فيصير ممن كمل ايمانه باللّه و سلم لقضاء اللّه و رضي بحكم اللّه و استراح من آلام الدنيا و همها و غمها جعلنا اللّه منهم و اليهم بحق محمّد و آله عليهم الصلوة و السلام.

غنيمة: فمن اعظم الواجبات التوكل و الاعتماد علي اللّه تعالي و موضعه محمّد و آله: لانهم مواقع اسمائه و صفاته كلها كما عرفت مرارا بل هم عينها و حقيقتها فهم مقام رازقيته سبحانه و نافعيته و ضاريته و معطيته و مانعيته و عالميته و قادريته و مقدريته و هكذا ساير اسمائه و صفاته جل شأنه فالمؤمن العارف متوكل عليهم منقطع اليهم راج بهم خائف منهم سائل من جنابهم ناظر اليهم متوجه الي حضرتهم مستشفع بهم صلوات اللّه عليهم اجمعين و لاتزعمن من ذلك شركا نعوذ باللّه بل خلاف ذلك شرك باللّه لانّ اللّه تعالي بهم و فيهم: مسمي بجميع اسمائه موصوف بتمام صفاته و مع قطع النظر عنهم: لااله لك و لااسماء له عندك بل انت ناظر الي هواك و متوكل عليه و سائل منه و لاشك ان هواك لايقدر علي اعطائك و المنع منك و سوق الرزق اليك و دفع الضيق و الضنك عنك فانت حينئذ ممن قال اللّه تعالي في حقهم: من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيمة اعمي قال رب لِمَ حشرتني اعمي وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسي لانهم الذكر الحقيقي للّه تعالي لانهم الاسم الحقيقي له سبحانه و الاسماء اللّفظية و الكتبية اسماؤهم: و هي اذكارهم فمن اعرض عنهم: اعرض عن اللّه الغني الرازق المعطي فله لامحالة معيشة ضنك و لماكانوا: حقيقة آياته سبحانه و هو نسيهم و تركهم وراء ظهره و قطع نظره عنهم يحشر يوم القيمة و هو يوم تبلي السرائر و تظهر الحقايق و الجواهر اعمي فيقول: رب لم حشرتني اعمي و قد كنت بصيرا فيقول سبحانه: كذلك اتتك آياتنا اي الائمة عليهم السلام و الصلوة فنسيتها و كذلك اليوم تنسي.

غنيمة: فمنشأ جميع الاخلاق الزكية و الاعمال الصالحة معرفة اللّه سبحانه و معرفة اسمائه و صفاته كما رأيت ان من عرفه سبحانه رازق كل مرزوق و القادر علي كل مقدور و مجري جميع الامور و خالق كل الخيرات و الشرور و مسهل كل ميسور و معسر كل معسور و دافع كل محذور حصل له التوكل عليه و الرجاء به و الخوف منه و التوجه اليه و الطلب منه و الانقطاع اليه و الخضوع و الخشوع و التذلل و الاستكانة لديه و اشتاق بقلبه اليه و آثره علي ماسواه و باشر اوامره و اجتنب نواهيه و استأنس في ظلاله و استوحش عمن سواه و تجافي عن دار الغرور و استعد للموت قبل حلول الفوت و صار عليما حليما ذكورا فكورا نبيها متنزها حكيما بل باقيا في الفناء صابرا في البلاء شاكرا علي النعماء متنعما في الشقاء عزيزا في الذل مسلما للقضاء راضيا بماحدث و جري فيصير ممن يذكركم اللّه رؤيته و يزيد في علمكم منطقه و يرغبكم في الاخرة عمله و يشابه جواهر اوايل العلل و يعتصم عن البغي و الزلل رزقنا اللّه فيض خدمته اناء اللّيل و النهار و حشرنا معه بحق محمّد و آله الاطهار عليهم صلوات اللّه الملك الجبار في جميع الاكوار و الادوار.

غنيمة: ان ملازمة ذلك المقام و النيل بهذا المرام لايحصل الا بالمراقبة و المواظبة لتلك الاسماء العظام و التوجه اليها في جميع الليالي و الايام و الاعراض عن الخلق اللّئام و الاطمينان التام و عدم اضطراب القلب و تشويش الحواس فان القلب ان كان مطمئنا ساكنا يقع فيه نقش ماشاء الانسان و ان كان مضطربا لايكاد ينطبع فيه نقش شي‏ء ابدا كالماء الصافي ان كان ساكنا يظهر فيه النقوش و العكوس علي ما هي عليه و ان كان مضطربا لايظهر فيه نقش صحيح ابدا فالقلب ان كان متوجها الي اللّه تعالي و الي اسمائه و صفاته بالسكون و الاطمينان ينطبع فيه انوارها و امثلتها و يظهر عن اعضائه و جوارحه افعالها و يحصل له العلم الصحيح و العمل الصالح بمقتضاها و ان كان بدون اليقين و الاطمينان فلايكاد يدرك هذا المقام و يفوز بهذا المرام و كذا القلب لايكون في رجل ازيد من واحد كما قال تعالي: ماجعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه فما له من قلبين يتوجه بواحد الي هذا و بالاخر الي اخر بل له قلب واحد ان توجه الي شي‏ء غفل عن الاخر و ان توجه الي الاخر غفل عنه فان توجه الي اللّه تعالي و الي اسمائه و صفاته و راقبها خلص له سبحانه و حصل له العلم الصحيح و العمل الصالح و انقطع عما سواه و ترك جملة ماعداه و ان توجه الي غيره و داوم ملازمة غيره انقطع عنه سبحانه و اتصل بماسواه و اختلّ امره و انفصم نظامه نعوذ باللّه.

غنيمة: ان كل شي‏ء في نفسه كثير شؤنه متوافرة شعبه و ما لم‏يتوجه الانسان بكله اليه لم‏يعطه بعضه كماتري انك مالم‏تتوجه بكلك الي العلم لم‏يحصل لك بعضه و مالم‏تتوجه بكلك الي الدين لم‏يحصل لك بعضه و مالم‏تتوجه بكلك الي الدنيا لم‏يحصل لك بعضها و مالم‏يعط الكاتب مثلاً كله الكتابة لم‏تعطه الكتابة بعضها و مالم‏يعط النجار كله النجارة لم‏تعطه النجارة بعضها و مالم‏يعط التاجر كله التجارة لم‏تعطه التجارة بعضها و هكذا كل حرفة و صنعة و كل كمال و منقصة و طاعة و معصية فكل في حده كثير الشعب و الشؤن بحيث لايحصيها الا صانعها و من اعطاه كله و توجه اليه بكله اعطاه بعضه و حصل له بعضه فكذلك من توجه الي اللّه الذي لانهاية له و الي اسمائه و صفاته التي لانهاية لها بكله لاببعضه في جميع الاوقات لافي بعضها اعطاه اللّه سبحانه بعض اسمائه و صفاته و اوقفه علي بعضها و وفقه للعمل ببعضها اي بعض كل منها ان توجه بكله الي كلها و بعض بعض منها ان توجه الي بعضها و ان لم‏يتوجه بكله الي كلها او بعضها فما له منها من كل و لابعض.

غنيمة: كلما ازداد شعور الانسان ازداد شغله و عمله فانتقل من هذا الي هذا و من هذا الي هذا متسارعا لذوبان فهمه و لايكاد يقف علي شي‏ء و يتمحض في شي‏ء فلايتوجه بكله الي شي‏ء و لم‏يعط كله شيئا فلذا لايكون له شغل تام و عمل كامل بل له من هذا شي‏ء علي وجه النقصان و من هذا شي‏ء علي وجه النقصان من غير صحة و سلامة بخلاف ما اذا كان قليل الشعور جامد الفهم فاذا توجه الي شي‏ء انجمد عليه و لم‏ينتقل منه الي غيره فيصير نفسه لانه قد اعطاه كله و يحصل له الكمال فيه و لذا كان اهل الافرنج كاملين في صنايعهم فانهم لقلة شعورهم و جمودة فهمهم يتوجهون بكلهم الي صنعة و يتعمقون فيها و يقفون عليها و يتصورون بصورتها فيصيرون نفسها فلذا تظهر من ايديهم كاملة علي ما هي عليه في الخارج و الجاهل يحسب ذلك من وفور عقلهم و كثرة شعورهم و كذا الكاتب الحسن الخط لقلة شعوره انغمز في دقايق الخط و لم‏ينتقل منها الي غيرها بل ينجمد عليها فيحصل له الكمال في الخط و كذا كل صانع حسن الصنع فاغلبهم لقلة شعورهم يتوجهون بكلهم الي صنعة واحدة و يتعمقون فيها و يتصورون بصورتها فيحصل لهم كمالها و الجاهل يحسب ذلك من كثرة شعورهم و ادراكهم اللّهم الا محيطا جامعا لايشغله شأن عن شأن فهو يعطي كل ذي حق حقه و يصنع كل شي‏ء علي نحو الكمال لانه لعلوه و احاطته متصرف في كل شي‏ء بالجملة كان الغرض ان بالتوجه التام يحصل المرام و لذا كان زايد الشعور غير كامل في مقام الا من اعطي حق مقام ثم انتقل منه الي اخر و اما قليل الشعور فلما لم‏ينتقل من مقام و هو فيه بالدوام حصل له ذلك المقام بالكمال و التمام و مثل ذلك ان صار من اهل الدين كان من النابتين و الجازمين و لايكاد ينتقل الي الخارجين اعاذنا اللّه من شرّ الشياطين و ان شئت الوقوف علي هذا البيان فاعتبر من احوال الحيوان فانه ان ذهب يوما الي مكان يذهب اليه دائما في كل زمان من دون دليل و برهان و من غير علامة و اعلان و اما الانسان فلايكاد يهتدي اليه من غير هاد و لايذهب اليه من غير امارة و ارشاد.

غنيمة: ان كل مااعطي اللّه الانسان ان اجراه فيما خلق لاجله زاد فيه كمالاً و الا فينقص يوما فيوما حتي ينفد كماتري ان العين خلقت للابصار فان ابصر الانسان بها الالوان و الاشكال قويت بصيرتها و ان لم‏يبصر بها و اغمضها ضعفت حتي عميت و كذا الاذن خلقت للسمع فان سمع بها الاصوات قويت و الا ضعفت حتي صمت و الشامة ان استعملها في المشمومات زادت و قويت و الا ضعفت شيئا فشيئا حتي سلبت عنه و الذائقة ان استعملها في المذوقات زادت و قويت و الا ضعفت شيئا فشيئا حتي نفدت و اللامسة ان استعملها في الكيفيات زادت و قويت و الا ضعفت شيئا فشيئا حتي نفدت و كذا فكره و خياله ان استعملها في ادراكاتها زادا و قويا و الا نفدا كأن لم‏يكونا و نفسه ان استعملها في العلوم نشطت و قويت و كملت و الا ضعفت و ذبلت حتي ماتت و عقله ان استعمله في المعقولات زاد و قوي يوما فيوما و يستخرج غوره و يسخرج به غور الحكمة و الا ضعف و خمد حتي نفد كأن لم‏يكن له و هكذا جميع مراتبه و مشاعره و اعضائه و جوارحه حتي ان يده ان عمل بها قوي في العمل و الا صار بالعاقبة كأن لم‏يقدر علي عمل كماتري الكاتب كلما يكتب قوي في الكتابة و ان لم‏يكتب صار بالمأل فاقدا لهذا الكمال و الرجل ان مشي بها زاد مشيها و قوي سيرها فلرب مايسير بها فراسخ كثيرة كالبريد و المكاري و الجمال و الا ضعفت حتي لم‏تقدر علي سير اقدام و كلية ذلك ان كل شي‏ء يطلب مايناسبه و يتقوي بمايلايمه فان اعطيته اياه زاد و نمي ‏و الا ضعف حتي مات فانه رزقه و مدده فبزيادته يزيد الشي‏ء و بنقصانه ينقص و بعدمه يعدم رأسا فان رمت زيادة المعرفة باللّه تعالي و باسمائه و صفاته و بمبادي العلل صلوات اللّه عليهم اجمعين و بساير ماامرت بمعرفته فعليك بتحصيلها و المداومة بذكرها و الفكر فيها و درسها و كتبها و نشرها فتزيد لك تلك المعارف حتي تصير ملكة لك و تشرق في قلبك فتشملك انوارها و تظهر من اعضائك افعالها و انارها كالخشب الذي يمس النار و يبقي في جوارها حتي فنيت رطوباته فيشتعل بها و يظهر منه اثارها فيصير ظاهرها و القائم مقامها فانت ايضا بمراقبة تلك المعارف و دوام النظر فيها و التوجه اليها و مداومة ذكرها و ملازمة الفكر فيها و السعي اليها تصير ظاهر الرب تعالي شأنه و ظاهر نبيه و الائمة: و القائم مقامهم كالشعلة التي هي القائمة مقام النار و كذا ان اردت زيادة في العلم فعليك بتحصيله و ان اردت زيادة في العمل فعليك بالاتيان به و ان اردت زيادة البكاء فعليك بالبكاء و زيادة الدعاء فعليك بالدعاء و زيادة السخاء فعليك بالسخاء و هكذا كل شي‏ء تريد زيادته فعليك بزيادة السعي فيه و التوجه اليه و هذا باب يفتح منه ابواب كل خير و هو من نصايح الاكابر و المجربين و وفقنا اللّه تعالي للعمل به بحق محمّد و آله الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين.

غنيمة: ان اسماء اللّه تعالي مخلوقة بانفسها لابذات اللّه تعالي شأنه و لابشي‏ء اخر لانّ ذات اللّه تعالي احد لاذكر فيها لشي‏ء من الاسماء و ساير الاشياء و لاشي‏ء قبلها حتي تخلق به لانّ كل شي‏ء دونها مخلوق بها فلابد و ان تكون مخلوقة بنفسها فالعالم مخلوق بالعالم و القادر مخلوق بالقادر و الحكيم مخلوق بالحكيم و الرحيم مخلوق بالرحيم كما ان قائمك عندك مخلوق بالقائم و قاعدك بالقاعد و راكعك بالراكع و ساجدك بالساجد و هكذا بل كل شي‏ء كائنا ماكان بنفسه هو هو لابشي‏ء اخر كما الابيض بالابيض و الاسود بالاسود و النور بالنور و الظلمة بالظلمة و الحرارة بالحرارة و البرودة بالبرودة برودة و هكذا و محال ان يكون شي‏ء بغيره هو هو بل بغيره غيره لانفسه و الفرق بين الاسماء و ساير الاشياء ان الاسماء كلها بنفسها هي هي من دون واسطة بينها و بين ربها تعالي شأنه و ساير الاشياء بنفسها هي هي بواسطة او وسايط كما ان نيتك بنفسها هي هي من دون واسطة بينها و بينك و ساير افعالك بنفسها هي هي بواسطة نيتك و وسايط اخر و من تلك الوسايط مقام مثالك و خيالك ثم مقام روحك الحيواني ثم روحك البخاري ثم النخاع ثم الاعصاب ثم العضلات ثم العظام فتظهر افعالك بواسطة نيتك اولاً في خيالك ثم في مقام حسك ثم في بخارك ثم في نخاعك ثم في اعصابك ثم في عضلاتك ثم في عظامك ثم تظهر للناس و هذه المراتب بهذا الترتيب لازمة في ظهور كل فعل منك فهكذا تمام الاشياء توجد في امكنتها و اوقاتها بواسطة او وسايط ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا و هو حسير فواسطة كل الاشياء هي الاسماء لانّ كلها صادرة بها كماتري ان كل شي‏ء هو هو بقدرة اللّه و بعلمه و حكمته و بصره و رحمته و خلاقيته و هكذا و لولا شي‏ء منها لم‏يكن شي‏ء من الاشياء كما ان كل حرف و كلمة مخلوقان محدثان بعلم الكاتب و قدرته و حكمته و حركته و احداثه و هكذا و لولا شي‏ء منها لم‏يكن شي‏ء منهما و هكذا صنعة كل صانع فمحال ان يكون شي‏ء موجودا في حده و مقامه الا بفعل اللّه تعالي و بصفاته و اسمائه فواسطة الكل هي الاسماء و الصفات ثم بعدها لبعض الاشياء واسطة و لبعضها واسطتان و لبعضها ثلث وسايط و لبعضها اربع وسايط الي ان لشي‏ء منها الف الف واسطة بل اكثر و اكثر و هو ماكان في هذا العالم الذي بعد الف الف عالم مثلاً انت مخلوق في هذا العالم بواسطة ابيك و امّك و هما بواسطة ابويهما و ابواهما بواسطة ابويهما و هكذا الي ان الكل بواسطة آدم و حواء و آدم7 بواسطة الحر و البرد الفاعلين و الرطوبة و اليبوسة القابلتين و هذه الاربعة بواسطة الشمس و القمر و ساير الكواكب و هي بواسطة العرش و هو بواسطة المثال و هكذا الي ان الكل بواسطة العقل و هو بواسطة المشية و هي مخلوقة بنفسها و نفسها مقام علم اللّه تعالي فالكل ينتهي الي العلم و هو علة العلل و سبب الاسباب و هو اعظم صفات اللّه تعالي و هو مقام حقيقة محمّد و آله: في المقام الاعلي فهم علة العلل و سبب الاسباب و باب الابواب و اليهم الاياب و عليهم الحساب صلوات اللّه عليهم ماطلع نجم و غاب.

غنيمة: ان اللّه تعالي لاحاجة له الي اسمائه  بل اسماؤه محتاجة اليه سبحانه في وجودها و جميع مالها كما ان كل ذات بالنسبة الي اسمائه كذلك فهي مطلقا لاتحتاج الي اسمائها و اسماؤها مطلقا محتاجة اليها كماتري ان زيدا في وجوده و اصل ذاته لايحتاج الي ان يقوم فيكون قائما او ان يقعد فيكون قاعدا و هكذا فهو هو قبل ان يحدثهما و بعد ان احدثهما و افناهما و لو كان في وجوده قائما بهما و بامثالهما لم‏يكن قبلهما و بعدهما و قبل امثالهما و بعد امثالهما بل كان موجودا بوجودهما و وجود امثالهما فانيا بفنائهما و فناء امثالهما و كذا كل شي‏ء و كل شخص لم‏يكن وجوده منوطا باسمائه و صفاته و افعاله و اثاره و هي جملة محتاجة اليه منوطة به فان كان كانت و ان لم‏يكن لم‏تكن كما ان قيام زيد و قعوده و غيرهما يكون وجودها ان كان وجود زيد و لايكون وجودها ان لم‏يكن وجوده و انوار السراج موجودة ان كان السراج موجودا و ان لم‏يكن موجودا لم‏تكن موجودة اصلاً و اما السراج فلايحتاج في وجهه الي انواره المنبثة في الفضاء فانه يمكن ان يوضع تحت قدح فلاتكون و يكون هو تحت القدح و كذالك الحجر مثلاً لايحتاج الي ان يكون متحركا حتما او يكون ساكنا حتما ولكن حركته محتاجة اليه لامحالة و سكونه محتاج اليه لامحالة و هكذا كل شي‏ء ممايري و لايري و ان قلت لاشك ان كل شي‏ء في ظهوره محتاج الي اسمه و صفته فانه لولاهما لم‏يكن ظاهرا البتة قلت فظهوره محتاج اليهما لاذاته و ظهوره هو عينهما و نفسهما فهما محتاجان الي نفسهما و كل شي‏ء في وجوده محتاج الي نفسه البتة فذات اللّه عزوجل غير محتاجة في ذاتها الي شي‏ء من اسمائها و صفاتها ولكنها محتاجة اليها ابدا دائما و لو انقطعت عن اللّه تعالي طرفة عين لفنيت رأسا فهو سبحانه خلقها قبل ان يخلق الخلق لالأحتياجه‏ اليها فانه سبحانه لايحتاج في ذاته ان يسمي ذاته و يدعوها و يناديها و يناجيها بل لاحتياج الخلق اليها لانه تعالي كان يعلم انه يخلق الخلق و يعلم انهم محتاجون الي تسميته و دعوته و ندائه و مناجاته فخلقها قبل ان يخلقهم لكي يتوسلوا بها بعد ان خلقهم فيسمونه بها و يدعونه و يسألونه و يناجونه بها مع انه لايمكن خلقهم الا بها كما عرفت قبل هذا فالخلق جميعا محتاجون في كون و شرعهم و دنياهم و اخرتهم و ظاهرهم و باطنهم و غيبهم و شهادتهم الي اسماء اللّه تعالي و صفاته و اسماؤه و صفاته محتاجة الي اللّه تعالي في جميع وجوداتها و ما هو لها و اللّه سبحانه و تعالي لااحتياج له اليها و لا الي ساير الخلق فاللّه هو الغني و جميع ماسواه فقراء اليه ابدا دائما و لافرق في ذلك بين اسمائه و ساير خلقه الا ان اسمائه تعالي شأنه ازلية ابدية لاابتداء لها و لاانتهاء لانها كائنة بكينونة اللّه سبحانه باقية ببقائه حية بحيوته دائمة بدوامه فهي ابدا دائما مفتقرة محتاجة الي اللّه و اما ساير الخلق فلم‏يكونوا ثم كانوا ثم هلكوا و فنوا فهم في مابين العدمين في وقت وجودهم محتاجون اليه سبحانه فمدة فقرها ازيد و ازيد بل لاتعد و لاتحصي من مدة فقرهم و في هذا الفقر فخرها كما قال رسول اللّه9: الفقر فخري و انما ذلك لاجل ان هذا الفقر سبب غنائها المطلق الذي لانهاية له بل عينه لانّ فقرها اليه سبحانه في صدورها منه تعالي شأنه و بقائها ببقائه و الصادر من الغني المطلق الباقي ببقائه غني مطلق بل الغني المطلق اسمه سبحانه لاذاته كماتري فافهم.

غنيمة: من اجل ماذكرنا من ان اللّه تعالي لاحاجة له الي اسمائه و صفاته ورد في الاخبار ان من زعم انه تعالي يعلم بعلمه الاشياء و يقدر بقدرته علي الاشياء فهو كافر فالمراد من ذلك ان من زعم انه سبحانه محتاج الي علمه او الي قدرته او الي شي‏ء اخر من صفاته فهو كافر لاانه سبحانه لايعلم بعلمه و لايقدر بقدرته فانه لاشك انه لايمكن ان يعلم شي‏ء الا بالعلم و لايقدر علي شي‏ء الا بالقدرة و محال ممتنع ان يعلم شي‏ء بغير علم و يقدر علي شي‏ء بغير قدرة و القواعد الكلية لاتتفاوت في مقام بل هي سارية في جميع المقامات من الحق او الخلق كما ان كل فاعل مرفوع لايتفاوت في الحق و الخلق فان كان الحق فاعلاً كان مرفوعا نحو خلق اللّه السموات و الارض و ان كان الخلق فاعلاً كان هو مرفوعا نحو ضرب زيد عمرا و كذا كل مفعول منصوب لايتفاوت في الحق و لا في الخلق فان كان الحق مفعولاً كان منصوبا نحو عبد زيد ربّه و ان كان الخلق مفعولاً كان هو منصوبا نحو ضرب زيد عمرا و كذا كل مضاف اليه مجرور جار في الحق و الخلق فان كان المضاف اليه حقا كان مجرورا كعبداللّه و ان كان خلقا كان هو مجرورا كغلام زيد و هكذا فمن القواعد الكلية التي لاتري تخلفها في الحق و لا في الخلق ان العلم بالشي‏ء لايمكن الا بالعلم و القدرة علي الشي‏ء لايمكن الا بالقدرة و هكذا فكماتري انك لايمكن ان تعلم شيئا الا بالعلم و لاتقدر علي شي‏ء الا بالقدرة و غير ذلك محال لايمكن في الامكان كذلك اللّه سبحانه لايعلم الا بعلمه و لايقدر الا بقدرته غاية الامر ان حق العلم و القدرة و تمامهما للّه تعالي لاشريك له فيهما و في ساير صفاته ابدا و ماتري في الخلق من العلم و القدرة و ساير الصفات الكمالية اثر علم اللّه سبحانه و قدرته و ساير كمالاته كما ان ماتري في المرايا من الاضوئة و الانوار اثار الشمس و ليس لها من انفسها شي‏ء منها و هو سبحانه لايحتاج في ذاته اليهما و لا الي شي‏ء من صفاته ابدا كما ذكرنا فبعلمه علم الاشياء لامن باب احتياجه الي العلم و بقدرته قدر علي الاشياء لامن باب حاجته الي القدرة لانّ الذات لاحاجة لها في ذاتها الي الصفة مطلقا لانها لاتستمد منها بل الصفة مستمدة منها فالصفة محتاجة اليها و اصطلاح الاحتياج في مقام الاستمداد لا في مقام الامداد فمطلق الصفات محتاجة الي الذوات و مطلق الذوات غير محتاجة الي الصفات و ان كانت الصفات صفات ذاتية لاتنفك عن الذات كالعلم و القدرة المذكورين فذات اللّه غير محتاجة اليهما و ان كانا مما امتنع انفكاكهما عن ذات اللّه تعالي لانّ ذات اللّه تعالي دائما ممدة لهما و هما دائما مستمدان منها فذاته سبحانه بهما يعلم و يقدر لامن باب حاجتها اليهما بل من باب انه لايمكن تحقق العلم الا بالعلم و القدرة الا بالقدرة و كذا لايمكن تحقق شي‏ء الا بنفسه من دون تفاوت في الحق و الخلق كماتري ان البياض مثلاً لايتحقق الا بالبياض و السواد لايتحقق الا بالسواد و الحرارة لاتتحقق الا بالحرارة و البرودة لاتحقق الا بالبرودة و هكذا و ان قلت لاشك ان العالم لايكون عالما الا بالعلم فشرط وجوده وجود العلم فهو محتاج اليه في وجوده و القادر لايكون قادرا الا بالقدرة فشرط وجوده وجود القدرة فهو محتاج اليها في وجوده و هكذا الي ان الكامل مطلقا لايكون كاملاً الا بالكمال فوجوده منوط بالكمال فهو محتاج اليه و لاشك ان اللّه تعالي عالم و قادر و هكذا الي انه كامل مطلق فيلزم ان يكون محتاجا الي العلم و القدرة و الكمال المطلق قلت لاشك ان كل موصوف في موصوفيته محتاج الي صفته كما ان الصفة في كونها صفة محتاجة الي موصوفها لانّ شرط وجود الموصوفية الاقتران بالصفة كما ان شرط وجود الصفة الاقتران بالموصوف و هما من الامور المتضايفة لايتم احدهما بدون الاخر كالابوة و البنوة فان الاب من له الابن و لاتتحقق الابوة الا بملاحظة الابن و الابن من له اب و لاتتحقق البنوة الا بملاحظة الاب فكذلك الموصوف ماله الصفة و لايتحقق الا بملاحظة الصفة و الصفة ماله الموصوف و لاتتحقق الا بملاحظة الموصوف فكل في وجوده قائم بالاخر و محتاج الي الاخر ولكن الذات مطلقا سواءً في الحق او الخلق ليست بموصوفة كما ليست بصفة و هذا ايضا من القواعد الكلية التي لاتري تخلفها في الحق و لا في الخلق كما ذكرنا سابقا فمعني الذات مطلقا تجردها عما سواها بنفي و اثبات و هي هي بهذا و مما هو سواها و لايلاحظ في معناها موصوفيتها لصفة فهي مجردة في نفسها عنها و عن كل صفة نعم انهما جلوتاها و نوران و ظهوران لها من دون فرق بينهما الا ان الموصوفية هي اول جلوة و نور و ظهور لها و الصفة جلوتها الثانية و نورها و ظهورها و اثرها الثانية المتأخرة فالكمال محتاج في كامليته الي الكمال لاذات اللّه تعالي و العالم في عالميته محتاج الي العلم و القادر في قادريته محتاج الي القدرة لاذات اللّه جل و علا و هكذا و ذات اللّه تعالي في نفسها مقدسة منزهة عن العالميته و القادرية و الكاملية كما هي مقدسة عن العلم و القدرة و الكمال لانّ ذاته سبحانه احدية لاتركيب فيها ابدا و العالم مركب من نفسه و من العلم و القادر مركب من نفسه و من القدرة و هكذا الي ان الكامل مركب من نفسه و من الكمال فلاشي‏ء من ذلك في ذاته كما لاشي‏ء من الصفات في ذاته تعالي شأنه و ليس معني ذلك انه سبحانه ليس بعالم و لابقادر و لابكامل بل معناه انه سبحان ليس في ذاته كذلك بل في مقام موصوفيته كذلك ففي مقام العالم عالم و في مقام القادر قادر و في مقام الكامل كامل و ليست موصوفيته بائنة عنه سبحانه بل هي متصلة به سبحانه صادرة منه تعالي و هي اول مايصدر منه سبحانه ثم يصدر منها ساير الصفات و الكمالات و لاتزعمن احتياج الموصوف الي الصفة كاحتياج الصفة الي الموصوف فان احتياج الصفة الي الموصوف احتياج استمداد و احتياج الموصوف اليها ليس كذلك فانه لايستمد منها و هي مستمدة منه ابدا.

غنيمة: من الكليات التي لاتتفاوت في الحق و لافي الخلق ان كل كائن كائنا ماكان بالغا ما بلغ لايخلو من الاسم و منها ان الاسم ليست منزلته في الذات بل هي في مقام الاسم و منها ان الاسم ليس عين الذات و لاغيرها بل هو عينها عيانا و ظهورا و وجودا و شهودا و هي عينه كذلك و هو غيرها كثرة و تعددا و احتياجا و هي غيره كلاً و جمعا و احاطة و توحدا و تذوتا و استقلالاً و منها ان الاسم اما اسم ذات او اسم اضافة او اسم فعل فاسم الذات مالايتخلف عن الذات و اسم الاضافة مايلاحظ فيه الاضافة الي متعلق و اسم الفعل ماقد يثبت للذات و ماقد ينفي عنها فالاول في الخلق كالحار و المحرق للنار فانهما لاينفكان عنها ابدا و لايلاحظ معهما متعلق و الثاني كما اذا لاحظت مهما متعلقا فتقول انها حارة في الخشب مثلاً محرقة له و الثالث كما تقول انها حمراء في الجسم الاحمر و صفراء في الجسم الاصفر و خضراء في الاخضر و هكذا فانها اسماء تثبت عليها في مكان و وقت و تنفي عنها في مكان و وقت و الاول في الانسان كالشاعر و الثاني كالشاعر لفلان و الثالث كالمتكلم و الساكت و المتحرك و الساكن و هكذا و لايخلو خلق من هذه الاسماء الثلاثة و في الحق مثال الاول كالعالم و القادر و نحوهما فانهما ثابتان له جل شأنه دائما و ليس لهما ضد فيه ابدا و الثاني كالعالم بزيد مثلاً و القادر عليه و الثالث كالاسماء المتضادة نحو الرحيم و المنتقم و الولي و العدو و الراضي و الغاضب و الشائي و غير الشائي و المريد و غير المريد و المعطي و المانع و الضار و النافع و الهادي و المضلّ و المتكلم و غير المتكلم و المغني و المفقر و المثيب و المعاقب و المنعم و المعذب و هكذا و هي ممايثبت له وقتا و ينفي عنه وقتا و يثبت له بالنسبة الي قوم و ينفي عنه بالنسبة الي اخرين فاعلي الاسماء اسماء الذات و هي تسمي بصفات القدس ايضا ثم اسماء الاضافة ثم اسماء الفعل و هي انزلها و ادناها لانها قد اتت من اللّه تعالي الي الخلق و قارنها و باشرها فتقول شاء اللّه ذلك و لم‏يشأ ذلك و اراد ذلك و لم‏يرد ذلك و كلم موسي و لم‏يكلم فرعون و خلق زيدا و لم‏يخلق عمرا و رزق زيدا و لم‏يرزق عمرا و احيي زيدا و لم‏يحي عمرا و امات زيدا و لم‏يمت عمرا و احب زيدا و ابغض عمرا و والي وليه و عادي عدوه و هدي المؤمن بايمانه و اضل الكافر بضلاله و اكرم المؤمن و اهان الكافر و انعم المؤمن و عذب الكافر و رحم المؤمن و انتقم من الكافر و هكذا و هي كثيرة و كلها مما اتي الخلق و اقترن بهم و لكن بدؤها من اللّه و عودها اليه و ليس الظاهر فيها و منها الا الله تعالي شأنه لانّ شرط الاسم مطلقا وجود المسمي فيه و هو ايضا من الكليات التي لاتتخلف في مقام و هذه الاسماء الفعلية تمامها دون الارادة و المشية لانه تعالي مالم‏يشأ خلق شي‏ء لم‏يخلقه و مالم‏يشأ رزقه لم‏يرزقه و مالم‏يشأ احيائه لم‏يحيه و مالم‏يشأ اماتته لم‏يمته و مالم‏يشأ اعزاز شخص لم‏يعزه و مالم‏يشأ اذلاله لم‏يذله و مالم‏يشأ هدايته لم‏يهده و مالم‏يشأ اضلاله لم‏يضله و مالم‏يشأ اغنائه لم‏يغنه و مالم‏يشأ فقره لم‏يفقره و هكذا فكلها صادرة من مشيته سبحانه و هي في المشآت و فيما بينها و المشية ايضا من صفات الفعل فانها ايضا تثبت علي اللّه تعالي و تنفي عنه كما تقول ماشاء اللّه كان و مالم‏يشأ لم‏يكن و قد نصّ علي ذلك الرضا عليه الاف التحية و الثناء في حديثه مع سليمان المروزي: غاية الامر انّها فوق جميعها بل مصدرها و مبدؤها و منها ان الاسم مطلقا هو جهة معاملات المسمي مع غيره و جهة معاملات غيره معه فمحال ان يعامل المسمي احدا الا من جهة اسمه و ان يعامل احد المسمي الا من جهة اسمه فلايعرف احد مسمي في جميع العوالم و في مقام الحق و الخلق جميعا الا باسمه و لايجهله الا به و لايحبه الا به و لايبغضه الا به و لايطيعه الا به و لايعصيه الا به و لايزوره الا به و لايتركه الا به و لايقبل اليه الا به و لايعرض عنه الا به و لايقبله الا به و لايرد عليه الا به و لايؤمن به الا به و لايكفر به الا به و لايتوجه اليه الا به و لايذكره الا به و لايغفل عنه الا به و لايكرمه الا به و لايهينه الا به و لايأتيه الا به و لايتركه الا به و لايدعوه الا به و لايأخذ منه الا به و لايراه الا به و لايسلم عليه الا به و لايخضع له الا به و هكذا و جميع هذه و امثالها من معاملات الغير معه و هكذا معاملاته مع غيره فجميعها من جهة اسم فلايعطي احدا الا باسمه و لايأخذ عنه الا باسمه و لايطعم احدا الا به و لايكرمه الا به و لايضربه الا به و لاينصره الا به و لايقتله الا به و لايقويه الا به و لايعززه الا به و لايذله الا به و لايأتيه الا به و لايتركه الا به و لايسمع دعائه الا به و لايرده عليه الا به و لايبيعه و لايشتري منه الا به و هكذا و هذا امر لاتري تخلفه في مقام فمن هنا تعرف عيانا و توقن جزما ثابتا من طريق العلم و التحقيق لا من وجه التعبد و التقليد ان جميع معاملات اللّه جل جلاله مع خلقه ايضا من جهة اسمائه و صفاته لا من عين ذاته تعالي شأنه و جميع معاملات الخلق ايضا معه سبحانه من جهتها و الي جهتها لا من جهة ذاته سبحانه و اليها كما يزعم العالم المتهتك او الجاهل المتنسك فلايعرف اللّه تعالي و لايحب و لايعبد و لايوحد و لايحمد و لايمجد و لايتوجه اليه و لايقبل منه و لايقبل اليه و لايؤمن به و لايزار و لايكرم و لايذكر و لايدعا و لايسأل و لايؤتي و لايناجي و لايستغفر و لايسترحم و هكذا الا باسمائه تعالي شأنه و فيها و منها و هكذا اضداد هذه المعاملات لاتقع عليه سبحانه الا بها و فيها و منها و لايخلق اللّه سبحانه و لايرزق و لايحيي و لايميت و لايعزز و لايذل و لايهدي و لايضل و لايكرم و لايهين و لايذكر و لايترك و لايجيب و لايرد و لايرحم و لاينتقم و لايثيب و لايعاقب و لايشاء و لايريد و لايفني و لايبق و لايمرض و لايشفي و لايعطي و لايمنع و لايضرّ و لاينفع و لايقدر و لايقضي و لايمضي و لايسمع و لايبصر و هكذا الا بها و منها و محال ان يعمل عملاً او يعامل معاملة مع احد الا بها و منها الاتري انه سبحانه لايخلق الا بالخالق و لايرزق الا بالرازق و لايميت الا بالمميت و لايحي الا بالمحيي و لايرحم الا بالرحيم و لاينتقم الا بالمنتقم و لايعطي الا بالمعطي و لايمنع الا بالمانع و لايريد الا بالمريد و لايشاء الا بالشائي و لايبصر الا بالبصير و لايسمع الا بالسميع و هكذا و جميع هذه و امثالها من اسمائه تعالي شأنه و من طرف الخلق لايعرف احد الا المعروف و لايعبد الا المعبود و لايحمد الا المحمود و لايمجد الا الممجد و لايوحد الا الموحد و لايحب الا المحبوب و لايستجيب الا المجيب و لايستغفر الا الغافر و لايتقوي الا من القادر و لايستغني الا من الغني و لايتوجه الا الي المتوجه اليه و لايذكر الا المذكور و هكذا و تمام هذه و امثالها من اسمائه سبحانه فلاتقع معاملة من اللّه تعالي بالنسبة الي احد الا من جهة اسمائه تعالي و لاتقع معاملة من احد بالنسبة اليه سبحانه الا من جهتها فانظر ماذا تري و هل‏تري الا ماقد اري.

غنيمة: اذا عرفت ذلك و تبصرت ماهنالك عرفت و ايقنت ان اللّه تعالي لايعامل احدا الا من جهة محمّد و آله الذين هم اسماؤه الحسني و صفاته النعمي و الآؤه التي لاتحصي كما قالوا علي مارواه في الكافي و غيره: نحن و اللّه الاسماء الحسني التي امر اللّه ان تدعوه بها و كذا لايمكن ان يعامل احد مع اللّه تعالي الا من جهتهم صلوات اللّه عليهم فمحال ان يعرف اللّه سبحانه احد الا بهم و ان يواليه الا بهم و ان يعبده الا بهم و ان يوحده و يمجده و يحمده و يركع له و يسجد له و يراه و يزوره و يدعوه و يناجيه و يسأله و يأتيه الا بهم صلوات اللّه عليهم و هكذا ساير المعاملات المرضية و المعاملات المبغوضة فلايمكن الاتيان بشي‏ء منها بالنسبة الي اللّه تعالي الا من جهتهم فمن اتاهم فقد نجي و من لم‏يأتهم فقد هلك و لذا قالوا مصرحا من دون تقية و اكتراث و من دون تأويل و مجاز: بنا عبد اللّه و لولانا ماعبد اللّه و بنا عرف اللّه و لولانا ماعرف اللّه و في الزيارة: من اراد اللّه بدء بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه اليكم و فيها من احبكم فقد احب اللّه و من ابغضكم فقد ابغض اللّه و من اعتصم بكم فقد اعتصم باللّه و في اخري: السلام علي الذين من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه و من تخلي عنهم فقد تخلي عن اللّه و قال اللّه تعالي: ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه و قال: و مارميت اذ رميت و لكن اللّه رمي الي غير ذلك و هي اكثر من ان تحصي و لاشك ان جميع معاملاتك ليلاً و نهارا و سفرا و حضرا و نوما و يقظة و صحة و مرضا و حيوتا و موتا و بدءاً و عوداً و في جميع الاحوال و الاوقات و الامكنة مع اسماء الافعال لانك تريد الخلق فلابد من المعاملة مع الخالق و تريد الرزق فلابد من المعاملة مع الرازق و تريد الحيوة و الموت و العزة و الغني و الصحة و العافية و العلم و الهداية و التوفيق و النفع و العطاء و الرحمة و المغفرة و الثواب و النجاة و الترقي و الشبع و الرّي و النفقة و الكسوة و السكني و العمري و الغلبة و الحفظ و النوم و اليقظة و القوة و القدرة و النشاط و السرور و الذكر و تعلق المشية و الارادة و القدر و القضاء و الامضاء بجميع ذلك و امثاله فلابد في جميع تلك الاحوال و امثالها من المعاملة مع المحيي و المميت و المعز و المغني و الشافي و الكافي و المعافي و المعلم و الهادي و الموفق و النافع و المعطي و الرحيم و الغافر و المثيب و المنجي و المرقي و المشبع و المروي و المنفق و الكاسي و المسكن و المعمر و المسلط و المغلّب و الحافظ و المنوّم و الموقظ و المقوي و المنشط و المذكر و الشائي و المريد و المقدر و القاضي و الممضي و هكذا و تمام هذه و امثالها من اسماء الافعال لانّ لكل منها ضدا يجوز اثباته علي اللّه تعالي شأنه ففي جميع حالاتك و اوقاتك و مراتبك و عوالمک محتاج مفتقر اليها لاغناء لك عنها ابدا دائما سرمدا لافي حيوتك و لاعند موتك و لابعد موتك و لافي البرزخ و لافي الاخرة و لافي الجنة و تمام هذه و امثالها هي مقامهم صلوات اللّه عليهم في المرتبة الدنيا في مقام نزولهم اليك و الي ساير الخلق و مباشرتهم لك و لهم ففي جميع احوالك و اوقاتك و في جميع مراتبك و عوالمك في الدنيا و البرزخ و الاخرة تحتاج اليهم صلوات اللّه عليهم و لابد لك من ذكرهم و التوجه اليهم و الاستمداد منهم و معرفة انّها كلها منهم لتشكرهم فتشكر اللّه فتزيد نعمك و يعلو مقامك و لهذا ورد في الشرع قول بسم اللّه الرحمن الرحيم عند كل امر و ذكر اللّه عند كل فعل و عمل و الحمد للّه و الثناء له و ذكره عند ختمه فان اسمه سبحانه هو هم و هم ذكره و جميع امورك منهم: بدءاً و ختما فلذا ندبوك الي التسمية و التحميد و الذكر بدءاً و ختما لتتوجه اليهم فيبارك لك في جميع امورك و تتم لك و تشكر لتزيد نعمتك في الدنيا و الاخرة و الشكر المختصر النافع ان تقول عند كل نعمة: اللّهم هذا منك و من محمّد و آل محمّد: فاعتبر انه يستحب لك عند الاكل و عند الشرب و عند اللّبس و عند النوم و عند الخروج من المنزل و عند الدخول فيه و عند الدخول في بيت الخلاء و عند الخروج منه و عند الكشف و عند الدخول في الحمام و عند الخروج و عند الدخول في المسجد و عند الخروج منه و عند الركوب و عند الهبوط و عند لبس النعل و عند الخلع و عند وضع الثياب و عند وضع الطعام و عند الاخذ في القرائة او الكتابة او الدرس او الموعظة و عند الاخذ في كل صنعة و كل حرفة و عند الحجامة و عند الامالة بل عند اكل كل لقمة و شرب كل شربة و عند الوضوء و عند الغسل و عند الطهارة و عند كل عمل و شغل مطلقا ان‌تبدء باسم اللّه و يجب عند الجماع ليطهر الولد و عند الصلوة المفروضة لتقبل و يستحب بعد ختم تمام هذه الاعمال و امثالها ان تحمد اللّه و تذكره كل ذلك لاجل ان تمام اعمالك و امورك منوط باسمه سبحانه و صادر به و هو الفاعل و المجري باجراء اللّه تعالي فلذا احب اللّه و رسوله9 ان تذكره بدءاً و ختما و تتوجه اليه و تعلم انك و تمام مالك و منك منه فتشكر اللّه بذلك و تزيد نعمك في الدنيا و الاخرة و من الادعية المندوبة كل صباح ان‌تقرء عشر مرات: اعددت لكل هول لااله الا اللّه و لكل همّ و غمّ ماشاء اللّه و لكل نعمة الحمد للّه و لكل رخاء الشكر للّه و لكل اعجوبة سبحان اللّه و لكل ذنب استغفر اللّه و لكل مصيبة انا للّه و انا اليه راجعون و لكل ضيق حسبي اللّه و لكل قضاء و قدر توكلت علي اللّه و لكل عدو اعتصمت باللّه و لكل طاعة و معصية لاحول و لاقوة الا باللّه و معني ذلك ان تعدّ لكل واحد من هذه الامور و هي كليات امورك ذكر اللّه و تعلقه به و تتوسل به لانها كلها حاصلة لك به و هم: ذكر اللّه مطلقا و هم اسم اللّه حقا كما تقول في زيارة اميرالمؤمنين7: السلام علي اسم اللّه الرضي و وجهه المضي‏ء و جنبه العلي و الاضافة في اسم اللّه بيانية اي اسم هو اللّه و قد قال اللّه تعالي: اللّه ولي الذين امنوا و قال: ذلك بان اللّه مولي الذين امنوا و قال: و هو وليهم بماكانوا يعملون علي تفسير ظاهر الظاهر و يستحب عند المنام ان تقول: اعوذ بعزة اللّه و اعوذ بقدرة و اعوذ بجلال اللّه و اعوذ بسلطان اللّه و اعوذ بجمال اللّه و اعوذ بمنع اللّه و اعوذ بدفع اللّه و اعوذ بمنع اللّه و اعوذ بجمع اللّه و اعوذ بملك اللّه و اعوذ بوجه اللّه و اعوذ برسول اللّه9 من شرّ ماخلق و من شرّ مابرء و ذرء و تمام هذه المذكورات و امثالها مقامهم صلوات اللّه عليهم فيستحب ان‌تستعيذ بهم من جميع مكاره نومك و اهواله و كذا يستحب ان تقول لدفع ضرر الهوام: اعوذ بكلمات اللّه التامات التي لايجاوزهن برّ و لافاجر من شرّ مابرء و من شرّ ماذرء و من شرّ كل دابة انت اخذ بناصيتها ان ربي علي صراط مستقيم و هم: كلمات اللّه التامات المحيطة بالبرّ و الفاجر كما قال تعالي: و تلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه و ورد في تفسيره انّها هم: فتلقاها آدم7 بواسطة جبرئيل بعد هبوطه من الجنة فتاب اللّه عليه فعلمه جبرئيل ان يقول لقبول توبته: يا حميد بحق محمّد و يا عالي بحق علي و يا فاطر بحق فاطمة و يا محسن بحق الحسن و الحسين و منك الاحسان فتعلمها و توسل بها فتاب اللّه عليه و هكذا يقبل توبة كل تائب و يجيب دعاء كل داع كما في الخبار الي غير ذلك من الادعية الواردة في جميع المهمات و الملمات و الحوائج الدنيوية و الاخروية فكلها مفسرة في حقهم صلوات اللّه عليهم و كل ذلك تصديق لما قلنا من ان معاملاتك في جميع الاحوال و الاوقات و الامكنة راجعة اليهم صلوات اللّه عليهم و محتاج في جميعها اليهم و لابد ان تذكرهم فيها و تتوسل بهم و تبدء بهم و تختم بهم صلوات اللّه عليهم و كذا اللّه تعالي لايعامل احدا في حال و في وقت و عالم الا بهم صلوات اللّه عليهم اجمعين و الحمد للّه رب العالمين اولاً و آخرا و ظاهرا و باطنا.

غنيمة: لايخفي عليك ان العلة الفاعلية في اسماء الافعال من المذكورات و غيرها هي الخلق لاذات اللّه جل جلاله كما ذكرناه سابقا كما ان علة الرطوبة هي الماء فهو المرطب لاذات اللّه و ان قلنا انه سبحانه هو المرطب فمرادنا انه مرطب بالماء لابذاته لانّ ذاته ليست بماء لتكون مرطبة و علة الماء هي الحرارة و البرودة معا بميزان معين فان بالحرارة الخالصة تحصل النار و بالبرودة الخالصة يحدث التراب و ان زيدت الحرارة عن الميزان المعين يحدث البخار و ان زيدت البرودة يحدث الجمد و الثلج فالماء يحدث بميزان معين من الحرارة و البرودة معا فهما علة احداثه لاذات اللّه و ان قلنا انه المحدث له فمرادنا انه سبحانه محدثه بهما لابذاته فان ذاته سبحانه ليست بحرارة و لاببرودة و علة الحرارة المريخ و الشمس و ساير الكواكب الحارة و حرارتها بمثابة لو دنت هذه النيران الارضية منها لاحترقت و فنيت رأسا كما انه لو دنت نار خفيفة من نار قوته و وقعت فيها احترقت و فنيت بالمرة و علة البرودة الكواكب الباردة كزحل و غيره و هذه البرودات الارضية في جنب برودتها كان لم‏تكن فاللّه تعالي محدثها في الارض بالكواكب لابذاته و ان قلنا انه هو المحدث لهما فمرادنا انه سبحانه محدثهما بها لابذاته لانّ ذاته سبحانه ليست بالكواكب الحارة و الباردة ليكون فعلها الحرارة و البرودة و فعل شي‏ء محال ان يصدر من شي‏ء اخر ففعل الكوكب الحار او البارد محال ان يصدر من ذاته جل جلاله و علة الكواكب و الافلاك نوعا الحرارة الغيبية تتعلق بكومة الجسم و تلطف ماتعلقت به منها و تصعده لانّ الحرارة ملطفة مصعدة كما ان علة الارض البرودة الغيبية تتعلق بكومة الجسم فتكثف ماتعلقت به منها و تنزله لانّ البرودة مكثفة منزلة و لاتزعمن هذه الكواكب و الافلاك و العناصر من طول مدتها غير محدثة بل تمام ما في عالم الجسم منها و من غيرها محدث بانضمام الصور المثالية بالمادة الجسمانية حتي ان النور و الظلمة و اللّطافة و الكثافة و العلو و الدنو و الثقل و الخفة و غيرها محدثة بالتمام فكان زمان لم‏يكن عرش و لاكرسي و لاافلاك و لاعناصر و لاشي‏ء من هذه الامور و غيرها و كانت كومة الجسم المتشاكلة الاجزاء من دون هذه التعينات و لكن لها طول و عرض و عمق اي لها نهاية من كل جهة و محال ان لاتكون هذه الكومة في وقت لانها لوكانت في وقت عدما لكانت كل وقت عدما لانّ العدم الصرف لايقتضي الوجود ابدا و من العدم الصرف محال ان يوجد موجود ابدا و اعلم ان مالاانقطاع له لاابتداء له لانه لايصير بلاانقطاع الا لعدم وقوعه في الزمان و ماليس في الزمان لايمر عليه اوقات الزمان فلايعدم في ماضيه و لا في اتيه فلا ابتداء له كما لاانقضاء له و لذا قال سبحانه: و ان الدار الاخرة لهي الحيوان اي هي ابدا باقية لانه لاشك بالعقل و النقل و الضرورة و الاجماع انّها لاانقضاء لها لانّ اهل الجنة خالدون فيها ابدا و اهل النار خالدون فيها ابدا فلما لم‏يكن لها انقضاء لم‏يكن لها ابتداء فهي ابدا باقية و لايلزم من ذلك تعدد القدماء لانّ قدمه سبحانه ليس بمعني امتداد الوقت لانّه ليس في وقت لانه خالق الوقت و لايجري عليه ماهو اجراه و لايعود فيه ماهو ابداه بل معني قدمه سبحانه عدم احتياجه الي غيره و ليس شي‏ء سواه سبحانه قديما بهذا المعني لانّ كل ماخلا اللّه محتاج اليه سبحانه ابدا ابدا بالجملة فتمام ما في عالم الجسم لم‏يكن ثم كان و اللّه تعالي محدثه لابذاته بل بعلل خلقية و كذا تمام مايحدث في الغيب و الشهادة يحدث باحداث اللّه جل جلاله لابذاته بل بعلل و اسباب كما ورد: ابي اللّه ان يجري الامور الا باسبابها و هذه العلل و الاسباب فواعلها لانها تصدر منها لامن ذات اللّه و محال ان تصدر من ذات اللّه لانها ليست بخلق حتي تصدر منها الامور الخلقية و محال ان يصدر فعل شي‏ء من شي‏ء اخر كما عرفت فالشافي هو الطبيب و الدواء و ان كان باحداث اللّه تعالي و ان قلنا انه الشافي فالمراد انه الشافي لابذاته و الضار هو السم مثلاً و ان كان بخلق اللّه تعالي الضرر فيه و ان قلنا انه سبحانه هو الضار فالمراد انه ضار به و فيه او هو محدث الضرر و خالقه و النافع هو الفاروق و ان كان بخلق اللّه تعالي النفع فيه و ان قلنا انه هو النافع فالمراد انه تعالي هو النافع به او هو خالق النفع و المنور هو القمر و المضي‏ء هو الشمس لاذات اللّه تعالي لان ذاته سبحانه ليست بشمس و لاقمر حتي تضي‏ء و تنور و ان قلنا انه هو المضي‏ء و المنور فالمراد انه سبحانه محدث النور و الضياء او هو منور و مضيء بهما و المحرق هو النار لاذات اللّه جل جلاله لان ذاته سبحانه ليست بنار حتي تحرق و ان قلنا انه سبحانه هو المحرق فالمراد انه سبحانه خالق الاحراق او هو محرق بها و الباني هو البناء لاذاته سبحانه فان ذاته سبحانه ليست ببناء حتي تبني البناء و ان قلنا انه سبحانه هو الباني فالمراد انه خالق البناء او هو بان بالبناء و هكذا في جميع الامور و الموارد فالكلام في كل مقام بهذا النظام فلاتغفل من اصل المرام و علي اهل الفهم السلام في المبدء و الختام.

غنيمة: و الكلام الجامع في هذه المقامات ما قال اللّه تعالي: ليس كمثله شي‏ء و معناه انه ليس بماء و لانار و لاارض و لاسماء و لاجسم و لاروح و لاعقل و لاجوهر و لاعرض و هكذا كل مايسمي بالشي‏ء فليس اللّه جل جلاله عينه و لامثله و لاهو عينه سبحانه و لامثله لان اللّه تعالي خالق كل شي‏ء كما قال في محكم كتابه: قل اللّه خالق كل شي‏ء و من الاتفاقيات التي لاشك فيها ان الكتاب قطعي الصدور من اللّه تعالي و من الاتفاقيات ان كل آية معناها بحد الضرورة تكون قطعية الدلالة فهذه الاية قطعي الصدور و الدلالة معا فلامجال للانكار و الشك فيها لمسلم ابدا و معناها الضروري المتفق عليه بين المسلمين بل ساير المليين ان اللّه تعالي هو خالق كل مايسمي بالشي‏ء فلما كان خالق كل شي‏ء يحكم العقل و النقل انه بريئ عن مشابهة كل شي‏ء كما قال تعالي: ليس كمثله شي‏ء و في الخبر: لايجري عليه ماهو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فلما لم‏يكن اللّه جل شأنه شيئا من الاشياء التي خلقها لم‏يمكن ان يصدر منه سبحانه شي‏ء من افعالها لان فعل كل شي‏ء اثره الصادر منه و لابد و ان يوافقه في الصفة و الصورة و لابد و ان يكون هو فيه و اللّه تعالي لايوافقه شي‏ء و لايكون في شي‏ء حقيقة الا في اسمائه و صفاته التي هي افعاله سبحانه لاافعال غيره فلايمكن ان يكون اللّه تعالي علة فاعلية لشي‏ء بل العلل الفاعلية خلقه سبحانه في جميع المراتب و المقامات و علة فاعلية كل تلك العلل و معلولاتها هو الخلق الفاتح لماسبق و الخاتم لمااستقبل و هو محمّد و آله صلوات اللّه عليهم اجمعين بالضرورة و الاجماع.

غنيمة: اذا عرفت ان كل فعل صادر من فاعله لامن غيره ففعل اللّه تعالي صادر منه سبحانه لامن غيره و هو المشية و الارادة و القدر و القضاء الصادرة منه سبحانه الواقفة علي ذوات الخلق و افعالها و فعل الخلق صادر منه لامن اللّه تعالي و هو الاثر الصادر منه بتقدير اللّه عرفت انه لاجبر و لاتفويض في الخلق في مقام ابدا اما انه لاجبر لان فعل كل احد منه و اليه لامن اللّه و الي اللّه و اما انه لاتفويض لان مشية اللّه و ارادته و تقديره و قضائه مع كل احد و مع افعاله و لايخلو خلق نفسه و لافعله في حال منها ابدا فلاحول و لاقوة الا به و لاحركة و لاسكون الا به كما لاحركة و لاسكون لبدن الا بروحه و قد ورد: ان تقديره سبحانه في افعال العباد كالروح في الجسد فهذا معني الجبر و التفويض الممتنعين لاالجبر الذي بمعني الاكراه و الاضطرار و لاالتفويض الذي بمعني صدور فعل كل احد من نفسه فالجاهلون يزعمون الجبر المحال الاضطرار و الاكراه فيتحيرون في الامور الاكراهية و الاضطرارية و يئول امرهم الي اثبات الجبر و انكار الاختيار غافلين من ان تمام الامور الكونية علي نحو الاضطرار ككون السماء سماءً و دايرة و الارض ارضا و ساكنة و امثالها و الامور الشرعية بالنسبة الي اغلب الناس علي نحو الاكراه كما لايخفي و يزعمون التفويض صدور فعل شخص من نفسه فيقولون ان اللّه تعالي فعل هذا الفعل لاهذا الشخص لانه لوكان هو فاعله لكان تفويضا غافلين من انه يمتنع في الامكان صدور فعل الشخص من شخص اخر و اي ظلم ابين من ان يفعل اللّه فعلاً ثم يؤاخذ غيره به تعالي اللّه عن ذلك علوا كبيرا.

غنيمة: ان من يعبد اللّه تعالي من غير معرفة الاسم يعبده هكذا ضلالاً و في الحقيقة لم‏يعبد الاله بل انما عبد هواه و من عرف الاسم و عبده مع اللّه فقد اشرك باللّه و من عرفه و عبده من دون اللّه فقد كفر باللّه و من عرفه و عبد اللّه من حيث دلالته عليه و انبائه عنه فقد عبد اللّه جل جلاله و هو مع اللّه سبحانه و اللّه سبحانه معه و من سواه ليس له اله و له ان يقول لهم: يا ايها الكافرون لااعبد ماتعبدون و لاانتم عابدون مااعبد و لاانا عابد ماعبدتم و لاانتم عابدون مااعبد لكم دينكم ولي دين ثم يقول: ديني الاسلام ديني الاسلام اي دينكم غير دين الاسلام و ليس الدين عند اللّه تعالي غير الاسلام كما قال تعالي: ان الدين عند اللّه الاسلام و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه اولئك هم الخاسرون فغير هؤلاء المؤمنين ليسوا بمسلمين فضلاً عن كونهم مؤمنين و الايمان مادخل القلب و هو عند المعرفة و الفهم و لم‏يعرف اللّه تعالي و لم‏يفهمه من لم‏يعرف اسمه و لم‏يعبده من طريق الاسم قال تعالي: قالت الاعراب آمنا قل لم‏تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا و لما يدخل الايمان في قلوبكم بالجملة تلك المعرفة هي المعرفة بالنورانية و هي التي اشار اليها اميرالمؤمنين7 في حديث قال7: يا سلمان و يا جندب ان معرفتي بالنورانية هي معرفة اللّه عزوجل و معرفة اللّه عزوجل معرفتي و هي مخصوصة بالمؤمنين الموحدين و محجوبة عمن سواهم من جميع الناس من الحکماء و العلماء و العوام اجمعين جعلنا منهم و معهم في الدنيا و الاخرة بحق محمّد و آله الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين.

غنيمة: الاسم الحقيقي ماكان صادرا عن المسمي و ماكان علي صفته و سمته و ماكان باقيا ببقائه و فانيا بفنائه و ماكان عنده لاعند غيره و لاشك ان ذلك لايكون الا اثر الشي‏ء فانه هو الصادر عن الشي‏ء و هو علي صفته و صورته و هو باق ببقائه فان بفنائه و هو عنده ابدا لاعند غيره كالقائم مثلاً بالنسبة الي زيد فانه لم‏يصدر الا من زيد و لايكون الا علي صفته و صورته و يكون ان كان زيد و لايكون ان لم‏يكن و هو عنده ابدا لاعند عمرو و بكر و خالد و غيرهم فالاسماء اللفظية و الكتبية ليست باسماء حقيقة لانها من الهواء و المداد لامن مسماها و ليست علي صفاتها و صورها و ليست عندها بل تنتشر في الهواء و تثبت في القرطاس و يموت و يفني مسماها و هي باقية فاسماء اللّه جل جلاله بالحقيقة ليست الا من كان من اللّه جل جلاله و من كان علي صفاته و سماته و من كان باقيا ببقائه و من عنده لايستكبرون عن عبادته و هؤلاء ليسوا في جميع العالمين الا محمّد و آله صلوات اللّه عليهم اجمعين فانهم الصادرون من اللّه تعالي لامن الامكان كما قالوا: اخترعنا من نور ذاته و فوض الينا امور عباده و هم علي صفاته و سماته لانه ورد في الدعاء: لافرق بينك و بينهم الا انهم عبادك و خلقك و هم باقون ببقائه لانهم قالوا: كنا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكونين موجودين ازليين ابديين و هم عنده سبحانه لايستكبرون عن عبادته كما قال تعالي: و من عنده لايستكبرون عن عبادته الآية و في الحديث: و نحن الذين عند ربنا لانستكبر عن عبادته نقلته بالمعني فهم واللّه الاسماء الحسني التي امر اللّه ان تدعوه بها و هذه الاسماء الملفوظة و المكتوبة اسماؤهم: فمن دعي اللّه تعالي بهم فقد دعا اللّه و حق علي اللّه تعالي ان لايرده و من توسل بهم فقد توسل باللّه تعالي و حق علي اللّه ان لايحرمه و من اتاهم فقد اتي اللّه تعالي و حق علي اللّه ان ينجيه و من امن بهم فقد امن باللّه و حق علي اللّه تعالي ان يؤمنه من عذابه و من والاهم فقد والي اللّه و حق علي اللّه تعالي ان يسعده في الدنيا و الاخرة كما في الزيارة: سعد واللّه من والاكم و هلك من عاداكم حشرنا اللّه معهم و مع مواليهم في الدنيا و الاخرة.

غنيمة: لاتزعمن ان اللّه تعالي كان وقتا بلااسم ثم بدا له ان يخلقه فخلقه كما خلق الخلق فان هذا زعم من زعم اللّه محدودا بالوقت غاية الامر ان وقته ممتد لاابتداء له و لاانتهاء فكان في وقت طورا و في وقت طورا اخر غافلاً من انه تعالي مقدس عن الوقت لانه خالق الوقت و لايجري عليه ماهو اجراه و لايعود فيه ماهو ابداه فالوقت مطلقا سواءً كان ممتدا بلاابتداء و لاانتهاء و سواءً كان غير ممتد و مع ابتداء و مع انتهاء خلقه سبحانه و خلقه سبحانه موقت به فكما ان الوقت نوعان الموقت به نوعان نوع وقته ابدي سرمدي دائمي و نوع زايل فان له اول و اخر و كلاهما خلقه سبحانه و زعم من زعم اللّه تعالي متغيرا فيكون في وقت طورا و في وقت طورا آخر و زعم من زعمه سبحانه في وقت ناقصا فاقدا للكمال فان اسمائه سبحانه هي كمالاته فاذا كان في وقت بلااسم كان في وقت ناقصا بلاكمال نعوذ باللّه بل لم‏يكن الها لانه لايمكن الالوهية بلاكمال مع انا نقول علي زعمك هل كان اللّه تعالي قادرا علي خلق اسمائه ام لا؟ فان قلت: لا قلنا: كيف يمكنه خلقها و ان قلت: نعم قلنا: فلم‏يكن بلاقدرة ابدا و هل كان عالما بها قبل خلقها ام لا؟ فان قلت: لا قلنا: كيف يمكنه خلقها و هو لايعلمها؟ و ان قلت: نعم قلنا: فكان عالما ابدا و هل كان حكيما في خلقها ام لا؟ فان قلت: لا قلنا: فكيف كان يمكنه خلقها بهذا الاحكام و الاتقان و ان قلت: نعم قلنا: فكان هو سبحانه حكيما ابدا و هل كان رحيما كريما جوادا بها قبل خلقها ام لا؟ فان قلت: لا قلنا: كيف جاد بخلقها و رحمها و اكرمها به؟ و ان قلت: نعم قلنا: فكان هو سبحانه كريما رحيما جوادا ابدا و هكذا فيمتنع امتناع البحت البات كون الذات في وقت من الاوقات بلااسماء و صفات و الذات بلاصفة كالنار بلاحرارة و الماء بلابرودة و الرطب بلارطوبة و اليابس بلايبوسة و خير الامثال له سبحانه السراج و نوره فلايمكن ان يكون السراج في وقت و لم‏يكن له نور بل متي ماكان له نور و هو و نوره متساوقان في الوجود و ان كان مقدما علي نوره في الرتبة و الذات.

غنيمة: الصفات الذاتية من كل مؤثر محفوظة في ضمن جميع اثاره فانها ما لاينفك عن ذات المؤثر و ذات المؤثر سارية في جميع الاثار لان ذلك شرط كون الاثر اثرا فلو لم‏يكن فيه مؤثره لم‏يكن اصلاً فصفات ذاتية الجسم اي الطول و العرض و العمق و غيرها محفوظة في جميع الاجسام المقيدة لان ذاته محفوظة فيهما و صفات ذاتية الشمعة محفوظة في اثارها المختلفة لان ذاتها محفوظة فيها و صفات ذاتية زيد محفوظة في القائم و القاعد و غيرهما لان ذاته محفوظة فيها و هكذا و هذا من الكليات التي لاتري تخلفها في مقام ابدا فالصفات الذاتية التي لاتنفي عن اللّه تعالي ابدا ايضا محفوظة في اثاره سبحانه من الصفات الفعلية لان ذاته سبحانه ظاهرة منها و فيها الاتري ان الخالق عالم و قادر و حكيم و سميع و بصير و هكذا و كذا الرازق عالم قادر حكيم سميع بصير بلاتفاوت و كذلك المحيي و المميت و غيرهما بلاتفاوت فلايمكن ان يكون شي‏ء منها بلاتلك الصفات الذاتية و اما انفسها فبعضها اضداد لاتجتمع معا ابدا كالرحيم و المنتقم و الراضي و الغاضب و الضار و النافع و المعطي و المانع و المحيي و المميت و بعضها ليست بمتضادة و قد تجتمع معا كالخالق و الرازق و هما مع الرحيم او المنتقم و مع الراضي او الغاضب و هكذا كما ان صفات فعلية زيد بعضها لايجتمع معا ابدا كالقائم و القاعد و المتحرك و الساكن و المتكلم و الساكت و بعضها قد يجتمع معا كالقائم و المتحرك او الساكن و المتكلم او الساكت و هكذا فالصفات الذاتية اينما كانت لابد لها من الاجتماع مع انفسها و الاجتماع مع الصفات الفعلية و ليست بينها مضادة ابدا و لابينها و بين الصفات الفعلية و اما الصفات الفعلية فيمكن بينها مضادة و يمكن عدم الاجتماع معا كما رأيت.

غنيمة: فالصفات الذاتية مؤثرة بالنسبة الي الصفات الفعلية و هي تحت رتبة المؤثر لاتتجاوز من عنده و هذه قد تعلقت بماسواه و اقترنت بماعداه ففي الحقيقة موقع الصفات الفعلية الملائكة الموكلون بالخلق الممدون لهم كما ان ميكائيل موقع صفة الرازقية و هو موكل بارزاق الخلايق و اسرافيل باحيائهم و عزرائيل باماتتهم و جبرائيل بخلقهم و جميع هؤلاء مخلوقون من نور اميرالمؤمنين7 و هم له عبيد لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و هم صادرون عن امره و نهيه و لايعملون عملاً الا باذنه و تأييده و تحريكه بل ليس لهم وجود فضلاً من عمل الا بفضله و جوده ففي الحقيقة هو يحيي و يميت و يخلق و يرزق ولكن بتلك الآلآت و لماكانت تلك الآلآت معصومة اي مسخرة لحکمه7 لااختيار لانفسهم في شي‏ء فكل ماجري منها فعله و عمله7 و فعله و عمله فعل اللّه و عمل اللّه جل جلاله لانه معصوم عنده سبحانه ‏اي مسخر حكمه سبحانه لاخيرة له7 عنده سبحانه قلنا انه تعالي يخلق و يرزق و يحيي و يميت كما قال تعالي: اللّه يتوفي الانفس حين موتها مع انه قال: قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم و قال: تتوفاهم الملائكة فلامنافاة بين هذه الايات و بينها و بين ماقال امير المؤمنين7: انا احيي و اميت و صدقه و اتفق عليه الشيعة الاثني عشرية و من العجب انه ان قيل ان ملك الموت تقبض الارواح لاينكره احد و اذا جاء انسانا لقبض روحه و ان كان نبيا مرسلاً يسلم عليه و يسلم له لانه خادم الرب تعالي شأنه و لايفعل الا باذنه و رضاه و من انكر عليه كفر باللّه و اما ان قيل ان سيده و مولاه يقبض ينكر النصاب مع انه خادمه و واللّه لايقبض الا بامره و هو ربه قد اذن له في ذلك.

غنيمة: ان الذات غيبت الصفات كما في الحديث و عبر عن هذا الشيخ الاجل الاوحد اعلي اللّه مقامه و رفع في الخلد اعلامه بان الظاهر في الظهور اظهر من نفس الظهور و ذلك لاجل مااشرنا اليه من ان الصفات من كل مؤثر الذاتية محفوظة في ضمن الاثار فكل ماللاثر من صفات المؤثر ليس له شي‏ء زايد عليها فكل مايري منه و اول مايري منه و اصل مايري منه مؤثره كما ان كل مايري و اول مايري من القائم زيد و كل مايري و اول مايري من العرش و الفرش الجسم و هكذا فذات المؤثر اظهر من نفس الاثر فكيف لاتري منه و هي اظهر منه فواللّه هكذا يري اللّه في محمّد و آله: فهو سبحانه كل مايري و اول مايري و اصل مايري منهم صلوات اللّه عليهم و هم يرون في الملائكة المخلوقين من انوارهم و هم الفاعلون بهم مايفعلون.

غنيمة: الذات كائنة ماكانت مالاتتغير بتغيير الصفات و لاتتعدد بتعددها و لاتزيد بزيادتها و لاتنقص بنقصانها بل هي في جميع صفاتها و حالاتها علي نحو واحد و اما الصفات فهي مقام التغيير و التبديل و الزيادة و النقصان و الكثرة و الاختلاف و الذهاب و الاياب كماتري ان زيدا هو هو من دون تغيير و اختلاف و زيادة و نقصان و مجيئ و ذهاب في القائم و القاعد و الراكع و الساجد و الاكل و الشارب و الناصر و الضارب و امثالها فليس ان يتعدد بتعددها و يختلف باختلافها و يزيد بزيادتها و ينقص بنقصانها و يعدمها بعدمها و يثبت بثبوتها و اما هذه الصفات و امثالها فهي متعددة مختلفة تتغير و تتبدل و تزيد و تنقص و تعدم و تثبت فذات زيد محفوظة فيها سارية في اقطارها و هي اوجد في امکنة وجوديتها منها و اظهر منها من انفسها فلاتري منها الا هو فهو القائم لاغيره و هو القاعد لاغيره و هو الراكع لاغيره و هو الساجد لاغيره و هكذا فهو الاول و الاخر و الظاهر و الباطن و هو بكل فرد فرد منها عليم خبير و اما هي فكل واحدة منها غير الاخرة محدودة بها منتهية اليها و لذا لايطلق كل علي غيره فلايقال القائم قاعد و القاعد قائم و هكذا و ليس الاول اخر و الاخر اول و الظاهر باطن و الباطن ظاهر فاذا عرفت هذا عرفت ان ذات اللّه سبحانه سارية محفوظة في جميع صفاتها و افعالها من الافعال الذاتية التي لاتنفي عنه سبحانه ابدا كالعلم و القدرة و غيرهما و من الافعال الفعلية التي تثبت له مرة و تنفي عنه مرة كالخلق و الرزق و الاحياء و الاماتة و غيرها فهي هي في جميعها و لاتتعدد بتعددها و لاتتغير بتغيرها و لاتختلف باختلافها و لاتعدم بعدم مايعدم منها و لاتثبت باثبات مايثبت منها و هي اوجد فيها منها و اظهر منها من انفسها فلاتري منها الا هي و لاتطلق عليها الا هي فتقول العالم هو اللّه و القادر هو اللّه و هكذا و الخالق هو اللّه و الرازق هو اللّه و هكذا و اذا عرفت هذا عرفت انه سبحانه في محمّد9 كما في علي7 و فيها كما في فاطمة3 و فيها كما في الحسنين و فيهما كما في باقي الائمة من ولد الحسين عليه و عليهم السلام و فيهم: كما في جدهم و امهم و ابيهم صلوات اللّه عليهم لايتعدد بتعددهم و لايختلف باختلافهم و لايتغير و يتبدل بتغيرهم و تبدلهم و كذا جميع صفاته الذاتية من العلم و القدرة و الحكمة و غيرها محفوظة في جميعهم من دون فرق و تفاوت بينهم: في ذلك فكما ان محمّدا9 عالم بعلم لانهاية له و قادر بقدرة لانهاية لها و هكذا كذلك اميرالمؤمنين7 و فاطمة3 و الائمة من ولدهما: بلافرق و تفاوت و هذا مقام اتحادهم معا الذي اشار اليه7 في الزيارة: و ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض و قالوا:: اولنا محمّد و اوسطنا محمّد و اخرنا محمّد و كلنا محمّد و قال سبحانه في حقهم:: ذرية بعضها من بعض ولكنهم: في مقام ابدانهم البشرية متعددون مختلفون متغيرون يجيئون و يذهبون و ليس اولهم اخرهم و اخرهم اولهم و هناك تثبت لهم الابوة و الامومة و البنوة و الاولية و الاخرية و الظاهرية و الباطنية و الغائبية و الحاضرية و الاياب و الذهاب و لايصدق كل واحد منهم علي الاخر و اما المقصود بالذات و هو اللّه تعالي و صفاته و اسماؤه ففي جميعهم علي السواء و يطلب من كل ما يطلب من الاخر و يقصد من كل مايقصد من الاخر و يحصل من كل مايحصل من الاخر و يعامل كلاً بمايعامل به الاخر و يفرض لكل مايفرض للاخر صلوات اللّه علي اولهم و اخرهم و ظاهرهم و باطنهم و غائبهم و حاضرهم ابد الابدين و دهر الداهرين ما للّه امر و له حكم.

غنيمة: فهم: في مقام اسميتهم لله تعالي عالمون بكل شي‏ء علما لانهاية له لانهم: حقيقة علمه الذي لانهاية له محيطون بكل شي‏ء من جميع جهاته احاطة لانهاية لها لانهم: نفس احاطته التي لانهاية لها شاهدون علي كل شي‏ء في كل وقت و مكان شهادة لانهاية لها لانهم: نفس شهادته التي لانهاية لها قادرون علي كل شي‏ء قدرة لانهاية لها لانهم: نفس قدرته التي لانهاية لها و فوق كل شي‏ء بمالانهاية له لانهم نفس علوه الذي لانهاية له و مستوون علي عرش جميع العوالم الالف الف بمالانهاية له لانهم: مقام رحمانيته المستوية علي العرش بمالانهاية له كما قال تعالي: الرحمن علي العرش استوي فموطنهم الاصلي و مقرهم الاولي فوق العرش ابدالابدين لانهم: بالضرورة و الاتفاق اول ماخلق اللّه تعالي فكل مايسمي بالشي‏ء دونهم و هم فوق جميع الاشياء طينة و حقيقة و ذاتا واضعون اقدامهم علي رؤسهم محيطون بهم من جميع جوانبهم حاضرون في غيبهم و شهادتهم مالئون لاقطار وجودهم لاتعطيل لهم في كل مكان و لايخلو من نورهم ذرة من الامكان و الاكوان و الاعيان فهم: ان خلّوا و طبعهم لم‏يستقروا الا فوق الامكان و ليس لهم حيّز و مكان الا عدم الحيّز و المكان و اما مجيئهم الي العوالم الامكانية و تحيزهم في الامكنة الخلقية فعلي نحو القسر و الاضطرار و لمحض اجابة اللّه الملك الجبار و لذا مهما ارادوا الصعود منها و امرهم اللّه تعالي به صعدوا منها و بلغوا عرش الامكان في اقل من طرفة عين و هذا موافق لعادتهم و ان كان خارق عادة تمام الخلق و خلاف عادتهم هو السير الي غير حيزهم و الهبوط الي عوالم غيرهم فماداموا بين الخلق بامر الحق تعالي شأنه يلبسون لباسهم و ينطقون بلسانهم و يسيرون بسيرتهم و يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و ينامون فهم حينئذ هابطون لاصاعدون و نازلون لاعارجون و مدبرون لامقبلون و ان كان ادبارهم و هبوطهم و نزولهم هذا عين الاقبال الي اللّه تعالي و الصعود و العروج اليه لانه بامره سبحانه و اذنه و رضاه جل و علا كما خلق اللّه سبحانه العقل فقال له اقبل فاقبل ثم قال له: ادبر فادبر ثم قال: ماخلقت خلقا احب الي منك اياك امر و اياك انهي و بك اعاقب و بك اثيب و تأويل العقل هو هم: في مقامهم الانزل الادني بالجملة فهم: في العوالم بين العالمين نازلون هابطون مدبرون مشتغلون بتدبير الخلق و تعليمهم و هدايتهم بامر ربهم فاذا امرهم بالصعود الي فوق العرش و الوصول الي منزلهم الاصلي تركوا الناس و جميع مايسمي بالخلق تحت اقدامهم و بلغوا منتهي عرش رب العالمين في اقل من طرفة عين فيشاهدون الاشياء عند خلقها و عند منتهي ختمها اما في الجنة خالدين فيها او في النار خالدين فيها و جميع مباديها و منتهياتها حاضرة لديهم: دفعة واحدة كحضور كفك عندك و هم: ان شاؤا ان يذهبوا شيئا او شخصا اخر معهم الي فوق العرش يذهبوا به ايضا في غاية السهولة في اقل من طرفة عين كما ذهب اميرالمؤمنين7 بسلمان الي جبل قاف و غيره من العوالم و الامكنة في نصف من النهار و قال: ان كانت لك طاقة ذهبت بك الي هذه الامكنة و غيرها في اقل و اقل من ذلك و كما ذهب رسول اللّه9 بجسمه و لباسه و نعليه الذين من جلد الجاميس ليلة المعراج الي فوق العرش من دون تأويل و مجاز و اذا بلغ العرش اراد خلعها فناداه اللّه تعالي: يا احمد لاتخلع نعليك اني اريد ان يتزين و يتبرك عرشي بتراب نعلك و هو9 في ذلك المبلغ و المقام كان يضع كل شي‏ء موضعه فالعقل في مقام العقل و النفس في مقام النفس و الروح في مقام الروح و الجسم في مقام الجسم و اهل الدنيا في الدنيا و اهل البرزخ في البرزخ و اهل الاخرة في الاخرة و اهل الجنة في الجنة كل واحد في درجته المخصوصة به و اهل النار في النار كل واحد في دركته المخصوصة به و هنالك كان لايشغله شأن عن شأن و كان يجري كل امر وقع او لم‏يقع الي منتهي ملك اللّه و قد وصل9 الي مقام لم‏يصل اليه نبي مرسل و لاملك مقرب و لااحد من الاولين و الاخرين بل لم‏يمكنهم الوصول اليه و ان ساروا ابدا الدهر بل لم‏يطمع ذلك احد منهم بل فيما دون ذلك و دونه لم‏يطمع احد منهم كما ان جبرئيل اذا بلغ معه9 في تلك الليلة الي سدرة المنتهي وقف و قال له9: سر يا محمّد فانك بلغت مبلغا لم‏يبلغه نبي قبلك و لاملك و لاخلق اخر فقال9: افي مثل هذا الموضع تفارقني و كنت انيسي و بك كان انسي قال: لو دنوت انملة لاحترقت اي انعدمت.

غنيمة: مما لاشك فيه و هو محسوس مشاهد لك انك في نفسك عالم باشياء كلها حاضرة لديك فيها و لكن لاتلتفت الي جميعها في كل بدنك الزماني بل في خيالك البرزخي دفعة واحدة بل لابد لك فيهما من الالتفات الي شي‏ء منها بعد شي‏ء كما انك تعلم القران مثلاً في نفسك و جميعه حاضر عندك فيها ولكن لاتتذكره و لاتذكره في خيالك و لسانك الا سورة بعد سورة و آية بعد آية و كلمة بعد كلمة و حرفا بعد حرف لان اللّه تعالي لم‏يجعل لرجل من قلبين في جوفه فلايمكنك تذكر جميعه فيهما حينا واحدا و لربما نسيت منه او من ساير ماكنت تعلم ايا ما فتذكره بعدها فهو كان في نفسك محفوظا حاضرا و لكن انت في خيالك و بدنك غير ملتفت اليه و ناس له فبعد اياما تذكره و لو لم‏يكن عندك لم‏تكن تذكره ابدا كما ان ماتجهله لا تذكره ابدا الا بعد ماعلمته و كذا اعمالك كلها كعلومك حاضرة لدي نفسك و لكن في مقام خيالك و بدنك لست بملتفت الي جميعها بل ناس لاغلبها و لذا يوم القيمة و هو يوم حشر النفوس و الحقايق بارواحها و ابدانها الحقيقية الاصلية يجد الناس ماعملوا حاضرا و لايظلم ربك احدا فكل امرء يري كل ماعلمه و عمله حاضرا لديه دفعة واحدة فيقول اذا نظر الي كتاب نفسه: مالهذا الكتاب لايغادر صغيرة و لاكبيرة الا احصيها و لرب من تحصل له في الدنيا الحالة الاخروية فيتذکر في الدنيا ما يتذکر في الآخرة و يحضر لديه ما يحضر لديه في القيمة لاشك انه لايمكن له ذلك الا بصعوده الي مقام نفسه الاخروية و لاشك انه لايصعد اليها مادام في الدنيا الا بعناصره الدنيوية و من هذا الباب خلسات اهل الخلسة و مكاشفات اهل المكاشفة فهم لرياضاتهم و مجاهداتهم غلبت عليهم جهتهم المثالية و انفتحت عينهم في عالم المثال فيرون اشياء ممامضي و مماسيأتي في الزمان و لماتأت و يخبرون عنها و تقع بعد ايام كما اخبروا فيقال انهم اخبروا بالغيب و ذلك لان المثال محيط بالزمان و الزمانيات و هما عند نقطة منه حاضران فالواصل اليه المشاهد له يري مامضي و ماسيأتي فيخبر عنه و لم‏يحصل له ذلك المقام الا بالصعود اليه و لم‏يعصد اليه في هذا البدن و في هذه الدنيا الا ببدنه الزماني و لربما تغلب عليهم جهتهم الاخروية  و تفتح عينهم في الاخرة فيرون امور الاخرة و اهل الجنة في الجنة و اهل النار في النار كما حصل ذلك لزيد بن حارثة و غيره و يروي عن السيد الاجل اعلي اللّه مقامه مشاهدة هذه الحالة في حرم الحسين7 في مدة ساعة او ربع ساعة فهو رأي في عرض هذه المدة القليلة مدة البرزخ و اسرافيل و صوره و مدة بين النفختين و غير ذلك و قال: ان هذا لي حالة لاملكة و لربما تعرض هذه الحالات لاهل الرياضات في المنام و لرب من وصل في المنام الي مقام نفسه الاخروية و وجد ماعلم و عمل حاضرا لديه و بعض الانبياء: كانوا يرون الملك و يسمعون الوحي في المنام و كانت رؤياهم لهم حجة اذ لايرون الا الحق و الصدق كما رأي ابراهيم7 في المنام انه يذبح ولده اسماعيل فبعد انتباهه اراد العمل بما رأي و عمل و لكن لم‏يشأ اللّه اتمامه و اوحي اللّه اليه قد صدقت الرؤيا و ذلك لان المعصوم لايري في اليقظة و المنام مطلقا كذبا و لذا كان المعصومون: لم‏يحتلموا و الاحتلام كذب لايصدر عنهم: كما لاتصدر عنهم الخضخضة في اليقظة و لرب من رأي من الانبياء و المؤمنين في المنام مايقع بعد ايام او بعد شهر او شهرين او سنة او سنتين او سنين الي ان من رأي منهم مايقع بعد الف سنة و ازيد و ازيد و لرب من رأي في اليقظة مايقع بعد مدة متمادية الي انه يوجد من رأي فيها مايقع الي يوم القيمة كما كان رسول اللّه9 يري ذلك و كذا الائمة المعصومون: فانه9 اخبر في زمانه انه لايأتي نبي بعده الي يوم القيامة و لايأتي بعد كتابه كتاب و لابعد شرعه شرع و لابعد اوصيائه: اوصياء و احل ما هو حلال للخلق الي ذلك اليوم و حرم ماهو حرام لهم فكان9 يري مابعده الي يوم القيامة حيث شرع لهم ما هو صلاحهم الي ذلك اليوم و يري انه ليس فيهم نبي غيره و لاكتاب غير كتابه و لاشرع غير شرعه و لااوصياء غير اوصيائه و كان المعصومون: يرون ذلك كله و يرون قائمهم عجل اللّه تعالي فرجه في زمانه و مايقول و مايفعل و من كان عنده من اوليائه و مايفعلون و لمايتولد7 و كان في اصلاب آبائه: كما قال الصادق7 في حديث مفضل: كاني اري القائم بهذه الهيأة يأتي البيت و يستند علي الركن و يقول كذا و كذا و يصافح معه جبرئيل و الملائكة و نقباء الجن و نقباء الانس و يقول كلمة و يفر النقباء و النجباء من حوله و يجولون في الارض و يرجعون اليه و امثال ذلك و كل ذلك لاحاطتهم بالزمان و الزمانيات و مشاهدتهم كل مايقع في وقته و مكانه و كلما كانت الاحاطة ازيد كانت المشاهدة لمايقع ازيد و لذا اختلف درجات المشاهدين المخبرين من الانبياء و ساير المؤمنين لان خروجهم من الزمان و احاطتهم عليه علي نحو الاختلاف و لماكانت احاطة المعصومين الاربعة عشر: في منتهي الدرجات كانت مشاهدتهم: لجميع مايقع الي يوم القيمة صلوات اللّه عليهم اجمعين.

غنيمة: كل ماصدر من الذات فعلها سواءً كان ممالايسلب عنها ابدا او يسلب عنها في بعض الاوقات فالصفات الذاتية التي لاتسلب عن اللّه ابدا كالعلم و القدرة و الحكمة و السمع و البصر و امثالها افعاله سبحانه كما ان الصفات التي تسلب عنه تعالي احيانا كالخلق و الرزق و الاحياء و الاماتة و اشباهها افعاله سبحانه الا ان الاولي افعاله سبحانه اولاً بالذات و الثانية افعاله سبحانه ثانيا و بالتبع و اعلم ان العلم في من له قلب و اعضاء و جوارح يعدّ من افعال القلوب كما في الاناسي و اما بالنسبة الي اللّه المنزه عن مشابهة المذروءات و المماثلة مع المبروءات فلايقال انه فعل قلبي له سبحانه كما لا يخفي.

غنيمة: ان كل ذات كائنة ما كانت تحدث صفتها بنفس الصفة لا بنفس ذاتها و لابشي‏ء اخر و قد تداول في السنة اهل الحكمة و صار من مسلمياتهم التي لااختلاف فيها و لاتخلف لها ان كل اثر عند مؤثره القريب منه مخلوق بنفسه و ذلک لان كل شي‏ء بنفسه هو هو لابشي‏ء اخر كما ان البياض بالبياض بياض و السواد بالسواد سواد و الحرارة بالحرارة حرارة و البرودة بالبرودة برودة و هكذا فالمؤثر بنفسه مؤثر و الاثر بنفسه اثر و الذات بنفسها ذات و الصفة بنفسها صفة الا ان المؤثر و الذات بنفسها هما هما من دون خلق الاثر و الصفة لهما و الاثر و الصفة بنفسهما هما هما بخلق المؤثر و الذات لهما فلو كان الاثر اثرا بنفس المؤثر و الصفة صفة بنفس الذات لكان المؤثر اثرا او الاثر مؤثرا و الذات صفة و الصفة ذاتا و هما من المحال و الامتناع بمكان و لوكان اثر بنفس اثر اخر اثرا لكان غيره لانفسه و كذا الصفة لوكانت بنفس صفة اخري صفة لکانت غيرها لانفسها مثلاً لو كان القائم بنفس القاعد قائما لكان قاعدا لاقائما و لو كان القاعد بنفس القائم قاعدا لكان قائما لاقاعدا كما انهما لوكانا بنفس زيد قائما و قاعدا لكان كل واحد منهما زيدا لاقائما و لاقاعدا فلابد و ان يكون القائم بنفسه قائما لابنفس زيد و لابنفس شي‏ء اخر الا انه هو هو بخلق زيد و كذا القاعد لابد و ان يكون بنفس القاعد قاعدا لابنفس زيد و لابشي‏ء اخر الا انه هو هو ايضا بخلق زيد و هكذا ساير صفاته و اثاره و صفات ساير الاشياء و اثارها فمن ذلك صفات اللّه و اثاره و انواره و افعاله جل شأنه فكل واحد منها هو هو بنفسه لابذات اللّه تعالي و لابشي‏ء اخر الا ان كلها بخلق اللّه تعالي و احداثه و ايجاده كما ورد في المشية: ان اللّه تعالي خلقها بنفسها و خلق الاشياء بها اي المشية مشية بالمشية لابذات اللّه تعالي لامتناع ان تكون المشية ذات اللّه تعالي او تستحيل الذات بالمشية و لابشي‏ء اخر لامتناع ان تكون المشية مشاءً او المشاء مشية فهي هي بنفسها و لكن بخلق اللّه تعالي لاباستقلال نفسها لانها مربوبة مخلوقة كما قال7: خلق اللّه المشية بنفسها فلاتزعمن من كونها مخلوقة بنفسها عدم احتياجها بخلق اللّه تعالي كما يزعم الجاهل بالحكمة لانه سبحانه مالم‏يشأ و لم‏يكن شائيا لم‏تحصل المشية ابدا فهي محتاجة الي خلقه سبحانه ابدا كما انك مالم‏تقم و لم‏تكن قائما لم‏يكن قيامك ابدا مع انه بنفسه هو هو لابذاتك و لابشي‏ء اخر و علي هذا القياس ساير الصفات فان كلاً منها و ان كان عند مؤثره القريب مخلوقا بنفسه و لكن لايمكن ان يكون مخلوقا بنفسه الا بخلق مؤثره فلو لم‏يكن خلق مؤثره له لم‏يكن ابدا فهو من رأسه الي قدمه في تمام عمره محتاج الي مؤثره و ان كان عنده مخلوقا بنفسه بالجملة المشية مشية بنفسها مع خلق اللّه تعالي اياها لامن دون خلقه تعالي و كذا كل صفة من صفاته سبحانه و انما خلق اللّه تعالي الاشياء بالمشية مع انا قلنا ان كل شي‏ء هو هو بنفسه لابشي‏ء اخر لانا قلنا ان كل شي‏ء عند مؤثره القريب مخلوق بنفسه و اما عند مؤثره البعيد فمخلوق بغيره و هو مؤثره القريب منه فالاشياء عند المشية مخلوقة بنفسها و اما عند اللّه تعالي فمخلوقة بالمشية و لامنافاة بين ان تكون مخلوقة بنفسها و مخلوقة بالمشية لان خلقها بنفسها بواسطة المشية لا بلاواسطة و اما خلق المشية بنفسها فهو بلاواسطة و كذا كل اثر عند مؤثره البعيد خلقه بنفسه بواسطة المؤثر القريب و خلق المؤثر القريب بلاواسطة و قد اشرنا الي هذه المطالب في السابق ايضا فان شئت فراجع.

غنيمة: مثال خلق المشية بنفسها و خلق الاشياء بها النية و ماصدر منها من الافعال فان النية نية بنفسها لابذات الناوي و لابفعل من افعاله فان ذاته لم‏تستحل بنيته و لم‏يكن فعل قبل نيته فهو ينوي نيته بنيته و ينوي ساير افعاله كلها بنيته فنيته محدثة مخلوقة عنده بنفسها و ساير افعاله محدثة مخلوقة بها و ليست النية من دون فعل الناوي نية بل هي هي بفعله فانه مالم‏ينو لم‏تحصل له النية فمع انّها بنفسها هي هي محتاجة الي ناويها ابدا ابدا.

غنيمة: ان اصل فعل الانسان هو نيته فانها منه بدءً و اليه عودا و اما ساير افعاله فهي افعال حواسه و مشاعره و اعضائه و جوارحه البرزخية او الدنيوية منها بدئت و اليها تعود كابصاره فانه من عينه و سمعه فانه من اذنه و شمّه فانه من شامته و ذوقه فانه من ذائقته و لمسه فانه من لامسته و اخذه و اعطائه فانهما من يده و مشيه فانه من رجله و خياله فانه من متخيلته و فكره فانه من متفكرته و وهمه فانه من واهمته و هكذا ساير ماظهر منه من الافعال اما من نباتيته او من حيوانيته او من برزخيته و الذي هو من اصل نفسه قصده و نيته و هي في هذه الافعال كالروح في الجسد فان كانت فيها تفيد له فائدة و يثاب بها او يعاقب عليها و ان لم‏تكن فيها فلافائدة فيها اصلاً و لايثاب بها و لايعاقب عليها و لاتأتي معه في القبر و في البرزخ و الاخرة و لذا يشترط في صحة جميع الاعمال و العبادات القصد و النية فاذا كانت اصل عمل الانسان النية فبها تثبت سعادته و شقاوته و طاعته و معصيته و علي حسبها يكون ثوابه و عقابه فان كانت نيته الايمان باللّه و برسوله و الائمة و الاولياء عليه و عليهم‌السلام فهو مؤمن حقا و ان كان ظاهره علي خلاف ذلك كما في موضع الاضطرار و التقية كما قال تعالي: الا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان كما في عمار و ان كانت نيته علي خلاف ذلك فهو شقي حقا و ان كان يظهر في ظاهره الايمان لاجل النفاق بل هو اشقي من كل شقي فليس في جهنم في محل المجوس و لااليهود و لاالنصاري و لاالعامة العمياء بل في اسفل درك من النار نعوذ باللّه من النار و ان كانت نيته العبادة و الطاعة فهو عابد مطيع عند اللّه تعالي و في الاخرة و ان لم‏تظهر منه لاجل الموانع بل ظهر منه خلافها من المعاصي و لذا يكتب للمؤمن في ايام سقمه ماكان يفعله من الطاعات في ايام صحته و يؤتيه اللّه تعالي يوم القيامة مثوبات جزيلة لم‏يأت بعمل يستحقها في دار الدنيا و يخلده في نعيم الجنة ابد الابدين مع انه لم‏يعمل الصالحات في دار الدنيا الا اياما معدودة و لربما امن في اخر عمره و لم‏يعمل صالحا مطلقا و مع ذلك يخلد في الجنة اتفاقا من الاسلام و المذهب فليس ذلك الا لاجل ان نيته الطاعة المستمرة مدام الدهر فبنيته التي هي اصل عمله يثاب و يخلد و ان كانت نيته المخالفة فهو مخالف عاص و ان اظهر ظاهرا بعض الطاعات و لم‏يأت بالمعاصي و السيئات لاجل بعض الملاحظات او لاجل اقتضاء الطبايع و العادات و لذا يكتب للكافر في ايام سقمه مايكتب له من السيئات في ايام صحته و يري في ديوانه يوم القيمة مالم‏يعمل في الدنيا من المعاصي و يخلد في نار جهنم ابدالابدين مع انه لم‏يعمل من المعاصي في الدنيا الا اياما معدودة فليس ذلك الا لاجل ان اصل عمله كان استمرار المعصية لان نيته كانت معصية اللّه مابقي الدهر فبنيته خلد و عذب و لذا قال اللّه تعالي: و لو رودّوا لعادوا لمانهوا عنه فهم في النار يظهرون الندامة و يتمنون المعاودة الي الدنيا و اللّه تعالي يعذبهم اشد مماعذبهم من قبل لاجل كذبهم و خلافهم لانه يعلم من باطنهم انهم ان ردّوا لعادوا لمانهوا عنه فلذا كلما نضجت جلودهم بدلهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب و هذه معاداة من اللّه تعالي لهم ليست فوقها معاداة في العالم فان كل معاداة تطفي‏ء نارها بتعذيب العدو اياما او شهورا او سنين ثم تتبدل بالرحمة و الشفقة و اما هذه المعادات من اللّه تعالي للكفار و المنافقين فلاتكون الا في الزيادة و الاشتداد مدي ملك اللّه و كلما يعذبهم يشتد عدواته لهم فيعذبهم اشد و ازيد مما عذبهم بما لايحصي و هكذا يفعل بهم مادام الملك باقيا و هو له اله و ملكه متابّد بالخلود و هو اللّه لا اله الا هو ابدا ابدا و كما انه ان كان كافرا مدة عمره و اسلم و امن في اخر عمره و لم‏يعمل طاعة و مات ادخل الجنة ابد الابدين اتفاقا من المسلمين و المؤمنين كذلك ان كان مؤمنا مدة عمره و ارتد في اخر عمره بردة و خلاف ضرورة و لم‏يعمل معصية بعده و مات خلد في نار جهنم ابدالابدين اتفاقا من المسلمين و المؤمنين نعوذ باللّه من غضب اللّه اعاذنا اللّه من ذلك بحق محمّد و آله الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين و وفقنا للايمان بهم ابد الابدين و دهر الداهرين و لاحول و لاقوة الا باللّه.

غنيمة: فالنية اوجب الواجبات و الزم المفروضات لانّها روحها و حقيقتها و شرط صحة جميعها و لولاها لم‏يكن عمل عملاً لم‏يأت مع الانسان في الاخرة ابدا و تمام عباداته بدونها هباء منثور فاول مايجب علي الانسان اصلاح النية و اجمال السريرة كما ورد به الحث الاكيد في اخبار كثيرة فان باصلاحها تصلح ساير الاعمال و بافسادها تفسد في جميع الاحوال و لما كانت نية المؤمن العبادة الخالصة و العبادة الدائمة المستمرة و كانت روح اعماله و حقيقتها ورد ان نية المؤمن خير من عمله لان عمله ينقضي بانقضاء عمره و ربما يشوبه رياء و سمعة او عادة و طبيعة فلايكون خالصا و هو بدن نيته و ظاهرها فنيته كما و كيفما و ذاتا و ماهية افضل و اشرف من عمله و علي هذا القياس نية الكافر شرّ من عمله لانها روح عمله فذاتا و ماهية شرّ منه و من نيته المعصية المستمرة و عمله غير مستمر لانه ينقضي بانقضاء عمره فكما شرّ منه و من نيته المعصية التامة الوافية الخالصة و ربما لاتجمع له الاسباب و لاتساعده ان يفي بها كما شاء و نوي فكيفاً شرّ منه و ان مثل النية و ساير الاعمال كانسان راكب علي حمار فماصدر من نفسه من حركة اليد و الرجل الي اليمين و الشمال و الامام و الوراء عمله لا عمل غير و ماصدر من حركة حماره و سيره الي الجهات عمل حماره لاعمل نفسه فكذلك الانسان الاخروي الذي يحشر يوم القيمة و يثاب و يعاقب عمل نفسه قصده و نيته للطاعة و المعصية و الايمان و الكفر و الذي يصدر من اعضائه و جوارحه عمل حماره و هو راكب عليه مادام في الدنيا و معلوم ان كمال النية و تماميتها بالاعمال الظاهرة و هي دليل صدقها كما ان كل باطن لايكمل الا بالظاهر و هو دليل صدقه فمن كان من نيته الخير لابد و ان يكون عمله خيرا الا ان تعقه العوائق و لذا ورد يقين المرء يري في عمله و لاظاهر الا بالباطن و لاباطن الا بالظاهر فافهم و لاتغفل.

غنيمة: فلنرجع الي ماكنا فيه من شرح الاسم و المسمي فقد ذكرنا ان المسمي واحد و الاسماء متعددة و المسمي ليس غير اسمائه و هو سار فيها محفوظ في جميعها و كل واحد منها غير الاخر و ليس بسار محفوظ فيه و ماذكرنا سابقا من ان الفرق بين الاسماء و الافراد ان الاسماء ربما تجتمع معا و لكل علم بالاخر كما ان العالم قادر حكيم سميع بصير و هكذا و القادر عالم حكيم سميع بصير و هكذا و الحكيم عالم قادر سميع بصير و هكذا و هكذا الباقي و لكل علم بالاخر فذلك لان في كل منها ذاتا واحدة و مسمي واحدا فهو في الحقيقة سار فيها مطلع عليها و اما كل واحد منها من حيث هو هو فهو غير الاخر البتة و ليس بسار فيه البتة و لاله علم بالاخر البتة بالجمة الذات في كل مقام واحدة و اسماؤها متعددة و هي قائمة بنفسها و هذه قائمة بها و هي محفوظة فيها علي السواء و كل واحد منها غير محفوظ في البواقي فاسماؤ اللّه جل جلاله باعتبار لاتحصي كثرة فان له سبحانه عند كل مخلوق بل عند كل شأن من شئونه اسماء كثيرة خاصة به متعلقة عليه و باعتبار واحد و الف و باعتبار ثلثمأة و ثلثة عشر علي عدد اصحاب القائم عجل اللّه تعالي فرجه و باعتبار تسعة و تسعون كما في حديث هشام المعروف و باعتبار اربعة عشر علي عدد المعصومين الاربعة عشر بل هي عينهم: و باعتبار اثني عشر علي عدد الائمة الاثني عشر: بل هي عينهم و هي هم: و باعتبار خمسة علي عدد اصحاب الكساء بل هي هم: و باعتبار ثلثة محمّد و علي و فاطمة: و باعتبار اثنان و هما الذان خاطبهما اللّه تعالي فقال: القيا في جهنم كل كفار عنيد و هما محمّد و علي8 بابان للغيب كالعرش و الكرسي فانهما بابان للغيب العرش باب للاجمال و الكرسي باب للتفاصيل فكذلك محمّد9 عرش الوجود و باب الاجمال و علي7 كرسي الوجود كما اشار اليه سبحانه: وسع كرسيه السموات و الارض و لايئوده حفظهما و هو العلي العظيم اي الكرسي هو العلي العظيم صلوات اللّه عليه و آله علي تفسير ظاهر الظاهر و قد وسع نوره سموات الوجود و ارضه اي اعاليه و ادانيه كلها و هو مقام التفصيل لان فيه تفاصيل العلوم و الكمالات كما ان في الكرسي تفاصيل النجوم و التأثيرات و الاشراقات و باعتبار واحد و هو الاسم المكنون المخزون عند اللّه تعالي و هو محمّد9 فانه غيب ممتنع لايدرك كما قال اميرالمؤمنين7: باطني غيب ممتنع لايدرك و هو9 باطنه7 كما العرش باطن الكرسي و مقام وحدته و اجماله و هو مجرد عن التعينات و التفاصيل المرئية و ذلك الاسم حقيقة ساير اسمائه سبحانه و لذا يطلق علي جميعها كما في الحديث: اولنا محمّد آخرنا محمد اوسطنا محمّد كلنا محمّد و قد ظهر منه ثلثة اسماء و لكل اسم اربعة اركان فهي اثني عشر اسما و هم الائمة الاثني عشر: و تحت كل ركن ثلثون اسما و هم النقباء العظام بالجملة لماكانت اسماء اللّه باعتبار واحدا و الفا و كلها كانت متعلقة برسول اللّه9 بل كانت حقيقته9 ظهرت منه واحد و الف معجز و هذا عدد نوع معجزاته9 و اما جزئياتها فلاتحصي كثرة لان من معجزاته عدم ظل له9 في الشمس و لاشك انه9 ازيد من واحد و الف مرة كان في الشمس فتأمل.

غنيمة: لايمكن ان يكون كائن بلا اسم فلو فرضت مالايكون له اسم مطلقا فرضت مالايكون اصلاً الاتري ان الحجر مثلاً اينما كان اما متحرك او ساكن و لايمكن ان يكون حجر لم‏يكن متحركا و لاساكنا و بداهة العقول تشهد بان مثل هذا الحجر لايكون و يمتنع ان يكون و لم‏يخلقه اللّه و يمتنع ان يخلقه اللّه و النبات اينما كان جاذب ماسك هاضم دافع نام و مالم‏يكن كذلك لم‏يكن نباتا و يمتنع ان يكون نباتا و الحيوان اينما كان مبصر سامع ذائق شام لامس و مالم‏يكن كذلك لم‏يكن حيوانا و يمتنع ان يكون حيوانا و زيدا مثلاً اينما كان اما متحرك او ساكن و اما متكلم او ساكت و هكذا لايخلو في حال من الاحوال من فعل او افعال و بدون ذلك لايكون اصلاً و يمتنع ان يكون و هكذا كل شي‏ء ممايري و لايري لايخلو في حال من الاحوال من فعل او افعال فلايخلو ابدا من اسم او اسماء و مالااسم له لاوجود له اصلاً لافي الظاهر و لافي الباطن و لافي الغيب و لافي الشهادة و هذا من الكليات التي لاتخلف لها في مقام سواءً في الحق او الخلق و لايلزم من ذلك احتياج الذات الي اسمائها و صفاتها لان الذات كائنة ماكانت في ذاتيتها و كونها هي هي لاتحتاج الي غيرها بل شرط كونها هي هي تجردها عن كل ماسواها بنفي و اثبات و ليست تحدث و تصدر من اسمائها و صفاتها حتي تحتاج اليها و اما اسماؤها و صفاتها فهي حادثة صادرة منها و ما هو لها من المادة و الصورة و حدود الصورة و آثارها و مايترتب عليها كلها من عطائها فهي من جميع جهاتها و في جمع مراتبها محتاجة اليها ابدا دائما سرمدا لاغناء لها عنها اصلاً و قد ذكرنا ذلك سابقا ايضا.

غنيمة: فمن ذلك ذات اللّه جل جلاله فلايمكن ان تكون بلااسماء و صفات في وقت من الاوقات و قبل الاوقات و بعد الاوقات لانها حدود الوهيته سبحانه و اركان توحيده و تفريده جل و علا فلو لم‏يكن شي‏ء منها لم‏يكن الها واحدا كماتري انه سبحانه لو لم‏يكن عالما لم‏يكن الها اصلاً و كذا لو لم‏يكن قادرا او حكيما او سميعا او بصيرا او رحيما بالمؤمنين او منتقما من الكافرين او مجيبا لدعوة المضطرين او محقا للحق و المحقين و مبطلاً للباطل و المبطلين و هكذا ساير كمالاته سبحانه و اللّه بلاهذه الكمالات و امثالها كالنار بلاحرارة و الماء بلابرودة و هكذا و لله المثل الاعلي في السموات و في الارض و اما ماسمعت من الحكماء الالهيين موافقا و مطابقا للكتب السماوية و اخبار الانبياء و المرسلين و اوصيائهم المكرمين عليهم صلوات اللّه رب العالمين انه سبحانه لااسم له و لارسم كما قال سبحانه: سبحان ربك رب العزة عمايصفون و قال وليه7: كمال التوحيد نفي الصفات عنه فمعناه انه سبحانه لااسم له و لارسم له في ذاته لافي مقام صفاته و قد عرفت مكررا انه يمتنع ان تكون الذات كائنة ماكانت موقع الصفات لان الذات واحدة و هي متعددة و الذات قائمة بنفسها و هي قائمة بها فلايمكن ان تكون هي فيها بل هي في مقامات انفسها و هي مقامات الاسمية و الوصفية ثابتة لها خاصة خالصة لجنابها و ليست بمنفصلة عنها فتكون الذات في مكان و هي في مكان اخر كما يزعم الجاهل بالحكمة بل هي معها اينما كانت كما ان القائم مع زيد اينما كان زيد مع انه ليس في ذاته لانه يقعد فيفني القائم و هو باق فكذلك اللّه تعالي ليست في ذاته صفاته بل هي له خاصة خالصة في مقاماتها و هي ظهورات ذاته تعالي فذاته فيها و معها ابدا ابدا و هي مع ذاته في مقامات انفسها ابدا ابدا فلايعقل انفصالها عن ذاته سبحانه ابدا.

غنيمة: ان اول الدين من الاصول و الفروع باتفاق الاديان و العقول معرفة اللّه عزوجل و معرفة اللّه عزوجل بضرورة الكتاب و السنة و الافئدة و العقول لاتمكن بذاته بل انما هي بمعرفة اسمائه و صفاته و اسماؤه و صفاته بالكتاب و السنة و العقل بل الاجماع و الضرورة محمّد و آله: كما مرّ مكررا فهم: محال معرفته و ليس فوقهم معرفة فتكليف المعرفة بل و جميع التكاليف بالنسبة اليهم: و ليس فوقهم تكليف لاحد بشي‏ء و لذا ورد عنهم:: ان اللّه تعالي امر الناس بتوحيده ليثبتوا علي ولايتنا لان توحيده سبحانه لايحصل لاحد الا بولايتهم و معرفتهم: و معرفتهم المخصوصة بهم التي هي معرفة اللّه هي معرفتهم بالاسمية لله تعالي كما مرّ مرارا فمن عرفهم: هكذا عرف اللّه جل جلاله حقا و ليس بغال و لابمقصر و لابمفرط و لابمفرط بل هو اهل النمرقة الوسطي و من اصحاب اميرالمؤمنين7 و من عرفهم: حقيقة الذات المستقلة بنفسها فقد غلي و افرط و كفر بالذي انزل السبع المثاني و القران العظيم و من عرفهم: خلقا من الامكان مبائنا عن اللّه تعالي معزولا عنه سبحانه لم‏يعرفهم اصلاً و لم‏يعرف اللّه تعالي ابدا و لم‏يكن له اله بل الهه هواه و من اعتقد باله لم‏يكونوا: اسماؤه و توجه اليه من غير بابهم و سبيلهم فقد زعم السراب ماءً و كما ان السراب اذا جاءه لم‏يجده شيئا كذلك اذا جاء هذا الاله لم‏يجده الها بل يجده خلقا عاجزا مثله لايقدر علي شي‏ء و ان يسلبه الذباب شيئا لايستنقذه منه ضعف الطالب و المطلوب ما قدروا اللّه حق قدره و من السراب مايبلغ الانسان فاه و ماهو ببالغه و ما دعاء الكافرين الا في ضلال فلو زعم الانسان الوهية من لم‏يكونوا: اسمائه بمثابة وجد اليقين في نفسه عليه و رأي في نفسه زعمه اثار قدرته و تصرفاته فقد خدع نفسه ايضا و لم‏يصل الي اللّه الحق و لم‏يفده فائدة في الدنيا و الاخرة اصلاً بل يصليه نار جهنم خالدا فيها ابدا و يشمله قوله تعالي: يدعو لمن ضره اقرب من نفعه لبئس المولي و لبئس العشير فهذا من المقصرين المفرطين الخارجين عن قصد السبيل و يحتمل ان يكون المراد من المغضوب عليه الغالين و من الضالين المقصرين و الذين انعم اللّه عليهم من اعتقد انهم: اسماؤه الحسني و صفاته النعمي فاهدنا اللّهم صراطهم بحق محمّد و آله الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين.

غنيمة: ان الالات الخلقية لاتؤثر في مقام اسميتهم: لانها فوق الامكان فلايؤثر فيها مامن الامكان فلايقتلهم و لم‏يقتلهم سهم و لاسيف و لم‏يغلبهم و لايغلبهم غالب بل هم قاتلون و هم غالبون و اللّه غالب علي امره و هم اسمه الغالب بل انما قتل الاعداء ابدانهم الدنيوية التي هي النسبة في دار الدنيا و لماكانت منسوبة اليهم فقتلهم لها واردة: و هم: يأخذونهم و يؤاخذون منهم يوم القيمة كما ان فرعون رمي سهما بزعمه الي اللّه تعالي و وقع علي حوت فقتله و رجع اليه بدمه فسر و زعم انه قتل اللّه و لم‏يقتل اللّه و لايمكن ان يقتله ولكن قتل ماهو منسوب اليه تعالي سابح في بحاره و كل عدوّ لاهل الحق في كل زمان فرعون هذا الزمان و باستكباره و استعلائه عليهم علا في الارض و ادعي الربوبية و من يوازره علي هذا الترفع و التكبر و الاستعلاء يبني له صرح الاستقلال و الاستعلاء و بمحاربته و معاداته مع المؤمنين باللّه يحارب اللّه تعالي و يبارزه و اللّه تعالي بغنائه المطلق يمليه ليظهر كيده كما شاء فيشتد عليه غضبه و لايكون له علي اللّه حجة فيرصد لهم من يقتلهم و  ينفيهم و يفنيهم و هو سهمه الذي رماه اليهم و اللّه تعالي يجعلهم هدف سهمه ليقع عليهم و يقتلهم فيرجع اليه بدمائهم ليسر و تقر عينه ليفتنه اللّه سبحانه بذلك و يستدرجه من حيث لايعلم و يملي له ان كيده سبحانه متين و امره مبين و اهل الحق حيتان اللّه لانهم احياء بحيوة اللّه الابدية سابحون في بحار معارفه سبحانه ابدا قال سبحانه: لاتحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون كما ان فرعون زمان ابي عبداللّه الحسين يزيد اللعين و صرحه باعتبار رياسته و سلطنته فاستعلي عليها و قصد سماء وجود الحسين7 ليبارز اللّه تعالي و يقتله بزعمه فرمي اليه سهم عناده ابن زياد عليه لعاين اللّه مانقص شي‏ء و زاد الي يوم التناد فجعل اللّه تعالي الحسين حوت بحر ولاية اللّه المطلقة في مقابلة سهمه فوقع عليه روحي له الفداء فقتله فرجع اللعين الي ساحبه بدمه و قتله7 فزعم عليه لعاين اللّه انه قتل اللّه تعالي و اطفي‏ء نوره غافلاً من انه لايمكن ان يرد علي اللّه تعالي الادوات الخلقية و تؤثر فيه و لايمكن ان يطفي‏ء الخلق نوره و لو اجتمعوا له و يأبي اللّه الا ان يتم نوره و لو كره الكافرون و ان صالح النبي7 وضع بين قومه علما لنبوته و هو ناقته التي استخرجها من الحجر و جعل لها شرب يوم و لهم شرب يوم و نصحهم و ذكرهم ان لايمنعوها من شربها لتشبع و تروي جميعهم عالمهم و جاهلهم و كبيرهم و صغيرهم و اناثهم و ذكورهم من لبنها فابوا الاّ العتو و الامتناع فمنعوها و عقروها مع انّها كانت تنفعهم نفعا ظاهرا يكفيهم عن ساير المآكل و المشارب و اللّه تعالي امهلهم فمكنهم من عقر الناقة و العتو عليه لتظهر ضغاينهم و لاتبقي حجة لهم فيعذبهم يوم القيمة اشد العذاب و كذلك اهل الحق في كل زمان ناقة اللّه المرسلة الي اهل هذا الزمان لهم نصيب ممايأكلون و يشربون ليدرون لهم البان العلوم و الحكم و المعارف فيسقونهم ماءً غدقا ليحفظوا من ظماء يوم القيمة و مجاعته ولكن الناس لاخير لهم و لايطلبون ما هو خير لهم فيثبون عليهم و يقتلونهم فيشتد عليهم عذاب اللّه نعوذ باللّه من غضب اللّه.

غنيمة: قد ذكرنا سابقا ان مقام الاسمية و هو مقام الاستعلاء علي كل شي‏ء و مشاهدة كل شي‏ء عند بدئه و ختمه و مابينهما و القرب من اللّه تعالي حق القرب حاصلة لهم: ابد الابدين الا انهم: قبل ان يأتوا هذه العوالم و يلبسوا البستها بصرافتها اي بصرافة الاسمية فاذا نزلوا كل عالم و لبسوا لباسه جروا بمقتضاه لابمقتضاها فاذا ارادوا الصعود صعدوا بماعليهم من اللباس و بلغوها و جروا هنالك بمقتضاها لابمقتضاه و لابد لنا من شرح هذا المقام لكي يتضح المرام ولكن علي نحو الاجمال لاالتفصيل الممل للبال و لاحول و لاقوة الا باللّه المتعال فاقول قد عرفت سابقا ان النفس الانسانية من كل انسان مجمع جميع علومه و اعماله من اول عمره الي اخره فهو فيها واجد جميع معلوماته المختلفة من الماضية و الاتية دفعة واحدة و واجد جميع اعماله و اقواله و افعاله المختلفة المتضادة من الماضية و الاتية دفعة واحدة فهو فيها قائم قاعد راكع ساجد نائم يقظان اكل شارب ناكح متفكه متكلم ساكت متحرك ساكن واقف ماش سائر سار من الامام الي الوراء و بالعكس و من المشرق الي المغرب و بالعكس و من الجنوب الي الشمال و بالعكس و في السماء و في الارض و في بلده و في الخارج منه و داخل و خارج و متوقف مقيم و زائر و حاج و مسرور و محزون و غابن و مغبون و غالب و مغلوب و طالب و مطلوب و مبغوض و محبوب و هكذا كل ذلك في آن واحد من دون تدرج و انتقال من حال الي حال لان نفسه مؤثرة لجميع علومه و اعماله باختلافها و تشتتها و المؤثر لابد و ان يكون واجد اثاره جميعا دفعة واحدة و لذا قال تعالي: و وجدوا ماعملوا حاضرا و لايظلم ربک احدا و قال: يوم تبلي السرائر فماله من قوة و لاناصر و هو يوم جمع الجمع و تلك النفس مقام جمع الجمع لانه قد جمعت عندها تمام المدركات الدنيوية المجموعة في القوي البرزخية و تمام المدركات المثالية البرزخية فهي مقام الذكر لجميع مافات من الانسان في الدنيا و البرزخ و عالمها عودا يسمي بالاخرة و بدءً يسمي بالذر فلذا يوم القيمة ذاكر لكل مافات عنه و نسيه في الدنيا و البرزخ كما ان يوم الذر كان ذاكرا له و قد نسيه حين هبوطه الي البرزخ و الدنيا كما ورد: ثبتت المعرفة و نسوا الموقف و سيذكرونه يوما ما و انما جائت الرسل هنا تتري ليذكرونهم مانسوه فهم المنبهون للقوي الراقدة فيهم لامحدثون و اول النسيان عند النزول في البرزخ ثم في الدنيا فاذا جاؤا هنا نسوا كل ماعرفوه في الذر فاخذوا هنا في الذكر شيئا فشيئا و يشتد و يکثر ذكرهم في البرزخ و يحضر الجميع لديهم في الاخرة و نوع الناس يصعدون الي ذلك المقام بالترقيات العامة في القيمة و رب من يصعد اليه في هذه الدنيا في المنام او اليقظة فيجد ماعلم و عمله بالتمام في هذه الدنيا في بدنه الدنياوي و معلوم ان صعود هؤلاء الي ذلك العالم الذي فوق الدنيا و البرزخ في هذه الدنيا في ابدانهم الدنيوية ‏و بعناصرهم الظاهرية بل لايعقل الصعود الا لهذا البدن فان النفوس ثابتة في ذلك العالم الاعلي لم‏تنزلوا عنه حتي تحتاجوا الي الصعود اليه و ليس الصعود صعود البدن اليه لاجل ان يعلم مالايعلم بل لاجل ان يتذكر ماكان يعلم فهكذا كان عروج النبي9 ليلة المعراج الي العرش كان ببدنه الشريف و عنصره اللطيف لابروحه و حقيقته لان حقيقته لم‏تنزل عن مقامها حتي تصعد اليه و ماصعد لاجل ان يشاهد مالايعلم بل لاجل ان يشاهد ماكان يعلم و كان هنا في ظاهر الحيوة الدنيا غير مشاهد لجميعه دفعة واحدة لاشتغاله بما امر به و هذه الدار و دار البرزخ لاتتحملان في آن واحد فعليتين كماتري ان عينك لاتري في نظرة واحدة الاّ شيئا واحدا ثم ان ارادت رؤية شي‏ء آخر لابد ان تنتقل منه و تلتفت اليه ثم اللسان يتبعها فما رأت اولا يتفوه به اولا و لايمكنه التفوه بغيره حين التفوه به ثم ينتقل منه الي مارأته ثانيا و يتفوه به دون غيره و هكذا ثم الخيال يتبعهما فما رأت العين و تفوه به اللسان اولاً يتصوره اولاً و لايمكن له تصور غيره حين تصوره له ثم مارأت العين ثانيا و تفوه به اللسان ثانيا يتخيله و لايتخيل غيره حين تخيله له فهاتان العرصتان متدرجتان و لاتتحملان في آن واحد ازيد من فعلية واحدة سواءا كانتا للمعصوم و غيره و كل شي‏ء من البرزخ موافق لما في الدنيا الا انه اوسع و الطف منه بالجملة كان صعوده9 ببدنه العنصري لمشاهدة ماعلم لالرؤية مالايعلم فانه ماكان له ما لايعلم و لما كان9 مؤثر جميع ماسوي اللّه و واجده في ان واحد امكنه ان يسير بدنه في جميع السموات في وقت قليل كان كلمح البصر و في اليقظة دون المنام و في اوقات عديدة و اما غيره9 من الانبياء: فمنهم من كان يطول معراجه و سيره في السموات في عرض اسبوع و كان في المنام دون اليقظة و لم‏يصعد معه بدنه الدنيوي العرضي كما ينقل عن زردشت النبي و هو من انبياء المجوس و كان بعد موسي7 و كان من اعاظم الانبياء و قد اخطأ من انكر نبوته بل زعمه من المكذبين المفترين نعوذ باللّه و من معجزاته انه صبّ علي اسفنديار ماءً من رأسه الي قدمه ليحتفظ من جراحات السهم و السيف و السنان و غيرها و لايؤثر فيه شي‏ء منها فكان محفوظا و لم‏يؤثر فيه سلاح ابدا الا انه حين صبّ الماء اغمض عينيه فلم‏يجر عليه الماء و قد علم ذلك رستم فرمي سهما علي عينيه و قتله و علم جاماسب العلوم و المغيبات بل صيّره نبيا و اعطي كشتاسب السلطنة بالجملة فقد نقل عنه انه اعتزل عن الناس في حجرته و نهي كل احد عن الدخول عليه و قال اني انام اسبوعا فلاتحسبوني ميتا و لاتوقظوني فنام في بيته اسبوعا و عرج الي السموات و شاهدها و رأي اعاجيب و انتبه بعد اسبوع و كتابه الزند و پازند و هو يوم اول كان مكتوبا علي اثني عشر الف جلد ثور و قد احرقه الاسكندر الرومي علي المنقول عنه قبل ايمانه به و بعد ما امن به امر ان يكتبه العلماء فكتبوا ما هو الموجود اليوم و هو قليل من كثير بل اقل و اقل بالجملة كلما كان المقام اعلي كان زمان العروج اقل و مايشاهده العارج اكثر و يتيسر في اليقظة و يمكن اذهاب البدن العنصري معه و يتكرر منه كما كان لنبيّنا9 و لاتعجب من اذهاب هذا البدن معه الي العرش فقد اذهب معه اميرالمؤمنين7 سلمان الي عدة عوالم و امكنه شي‏ء في نصف من النهار و قال: لوكانت لكم طاقة لسيرتكم في اقل من لمح البصر علي ماينقل7 و يروي عن السجاد7 انه ركب بعيره و غاب فمامضي وقت كثير الا و قد رجع و يدر العرق من بعيره و قال: قد سرت حول الدنيا ثلث مرات و رجعت فهو7 قد اذهب معه حيوانا و سيره حول الدنيا مرات و رجع في اقل وقت و كذا عاصف قد جاء بسرير بلقيس قبل ارتداد الطرف و لاوحشة من صعود البدن الي الغيب ابدا بل موقع الصعود هذا البدن الاتري ان من ينام ينام بهذا البدن و لانوم بعد خلعه و يري الرؤيا فيه و لايري الا بصعوده الي عالم المثال فيصعد فيه اليه و يري الاشياء و لذا تكون الرؤيا علي حسب اخلاط هذا البدن فالصفراوي يري النار و الحرارة و الحرب و القتال و الجدال و الحمرة و غيرها من مقتضيات الصفراء و الدموي يري الدم و النكاح و العشرة و الضحك و امثالها من مقتضيات الدم و البلغمي يري الماء و البياض و الضياء و الصلح و المداري و غيرها من مقتضيات البلغم و السوداوي يري السواد و الظلمة و الضيق و الخلوة و المباعدة عن الناس و القبور المندرسة و الامور الموحشة و غيرها من مقتضيات السوداء و ان كان النائم قابض اليد و الرجل يري انه يريد ان يبطش فلايقدر و ان يمشي فلايقدر فيعلم انه يري الرؤيا في بدنه و صعد الي عالم المثال ببدنه لابدونه فانه ان كان بدنه لاتكون رؤياه علي حسبه و كذا الجني يصعد الي عالم المثال ببدنه لانه يري الجن فينفتح عينه الي موضع رأه فيه لاتتحول عنه الي غيره و يتحرك بدنه الي سمته و ينفعل من افعاله و ربما يتكلم بلسانه و رؤي ان الجني كان اعجميا جاهلاً بلسان العرب فاذا تعلق به الجن صار عربيا فصيحا و عاميا لايعلم شيئا من العلم فاذا تعلق به صار عالما يتعلم منه الناس كما يروي عن الشيخ الاجل الاوحد اعلي اللّه مقامه انه قال: اني اروي حديث غدير الخم عن النبي9 بواسطتين لانه كانت جنية في بلدنا اذا كان يوم الاربعاء او ليلته صارت عالمة فتجلس علي السرير و يحضر العلماء في مجلسها فتتكلم بالعلم و هم يستفيدون منها فاذا انقضي هذا اليوم او الليلة عادت الي حالها لاتعلم شيئا و قد سمعتها تروي هذا الحديث عن جن كان حاضرا يوم الغدير و كان تحت منبر الرسول9 و قد سمع عن لسانه الشريف من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله و قد اشتهر علي السنة بعض انه اعلي اللّه مقامه سمع هذه الرواية بلاواسطة عن الجن. بالجملة تأثرات هذا البدن من الجني من افعال الجن و اقواله و احواله دليل علي انه صعد الي عالم الجن ببدنه لابخلع بدنه و كذا اهل الرياضات و الخلسات و المكاشفات علي اما اشرنا اليه سابقا يتصاعدون الي عالم المثال و غيره من العوالم الغيبية بابدانهم لانهم فيها يكشف لهم و فيها يرون مايرون و هي تتغير عن وضعها السابق حين تعتريهم الخلسة و الكشف و كذا حال المغمي عليه فانه ربما يري في اغمائه الاموات و الاجنة و اشياء كثيرة و ليس ذلك الا بصعوده الي عالم المثال و ليس صعوده الا في هذا البدن فانه لم‏يخلعه عن نفسه حين الاغماء و لم‏يمت و كذا كان حال النبي9 حين نزول الوحي فانه كان يغمي عليه و يري جبرئيل و يسمع صوته و ربما كان راكبا علي بغلته فيثقل عليها حتي تكاد ان تقع سرّتها علي الارض فهو9 في هذه الحال قد صعد في بدنه و ببدنه الي الغيب و يري مايري و يخبر بمايخبر و من الانبياء من كان يري الملك في المنام و يسمع صوته او يسمع صوته و لايري شخصه و هم كثير من الانبياء قد علمهم اللّه تعالي يوم اول او في كل وقت اراد الوحي اليهم ان طهروا و نوموا حتي ينزل عليکم الملك و يأتيكم بالوحي فهم كذلك يفعلون فينامون و يصعدون في هذه الابدان الظاهرة و يرون الملك و يسمعون الوحي و يقال لهم ايضا محدثون بالفتح اي لمن يسمع الصوت في المنام او في اليقظة و لايري الشخص و منهم من كان يراه و يسمعه في اليقظة و ان ذلك ايضا الا بصعودهم في هذا البدن و بهذا البدن الي الغيب بالجملة كان المقصود ان كل هؤلاء كانوا يصعدون الي الغيب بابدانهم لابدونها فانه ان كان بدونها كانوا خلعوها و اذا خلعوها كانوا ميتين لااحياء و الاموات بانفسهم في عالم الغيب لايحتاجون الي الصعود اليها فالنبي9 ليلة المعراج قد صعد ايضا ببدنه مثل هؤلاء الي السماء غاية الامر انه9 قد صعد الي فوق عرش الامكان و لايمكن ذلك لاحد من الاكوان و شاهد كل شي‏ء ممايري و لايري عند بدء وجوده و عند ختمه و مابينهما و ذهب و رجع كلمح البصر او هو اقرب مع مشاهدته كل شي‏ء و لايمكن ذلك ايضا لاحد و قد اصعد هذا البدن العنصري مع ماعليه من اللباس و النعل بالصعود الظاهري ايضا و لم‏يكن مثل هذا لهؤلاء المذكورين و لربما يري من الجني ان يصعد بدنه بالصعود الظاهري الي الجوّ او الي رأس جدار او الي فوق منارة و هذا دليل علي امكان ذلك بالجملة لاغرو من صعود هذا البدن الظاهري بالصعود الظاهري و مروره علي كرة الاثير و علي الافلاك التي في غاية الحرارة بل احر من النار الظاهرة مع عدم احتراقه و وقوفه في غير حيزه فانه يري علانية ان من الناس من يداوم علي ذكر و رياضة كان اثرهما ان يدخل النار بلباسه و يمكث فيها مدة من الزمان و لايحترق بدنه و لالباسه و يخرج منها سالما و يري ان كل شي‏ء يمكن امساكه في غير حيزه بالقسر و من المرتاضين و الممتازين من يطير في الهواء و يمشي علي الماء فيمسك بدنه الارض علي الماء و علي الهواء و كما يمكن امساكه بقوة النفس علي الماء و علي الهواء يمكن امساكه علي النار و علي الافلاك و علي الكرسي و علي العرش اذا كانت قوتها ازيد و ازيد الي ان تبلغ هذه الدرجة و لاشك ان قوة نفس النبي9 في منتهي درجات الزيادة بحيث لايمكن ازيد منها فبهذا كان ميسورا له في غاية اليسر ان يصعد بدنه الارض الي منتهي السموات و الكرسي و العرش9 من نبي مقتدر متعال مايتعاقب الاستقبال الحال.

غنيمة: معني كون الائمة: محدثون بالفتح انه كان يحدثهم اللّه تعالي و يحدثهم النبي9 بكل ماكان يعلمه الي يوم القيمة لاانهم: لايرون الملك بل كانوا يسمعون صوته بل انهم: كما يدل عليه ظواهر اخبارهم: يرون كل ملك من الروح و مادونه الي ادني الملائكة بل هم لايصدرون الا عن امرهم و حكمهم: بل لايتحركون و لايصعدون و لاينزلون و لايفعلون فعلاً و لايقولون قولاً الا بتحريكهم: و اصعادهم و انزالهم و تأييدهم و اعطائهم: لانهم باجمعهم مخلوقون من نور اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين و النور اصل وجوده من المنير فضلاً من افعاله و آثاره فكيف يعقل انهم: لايرون الملائكة و هم اشعتهم و خدمتهم الصادرون عن امرهم و حكمهم بل هم خدام شيعتهم كما روي: ان الملائكة لخدامنا و خدام شيعتنا و عن العسكري7: ان روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة و روح القدس خلق اعظم من جميع الملائكة و هم خدامه و لكن ليست لهم: النبوة اي نبوة نبينا9 لانهم ليسوا بمؤسسين و هو المؤسس9 و نبوة ساير الانبياء لانهم: اجل و اعلي من ذلك لانهم: كانوا مرسليهم و منزلي كتبهم كما قال اميرالمؤمنين7: انا مرسل الرسل و منزل الكتب فواللّه انه كان منزل القرآن فضلاً عن ساير الكتب كما اشتهر عنه7 انه قرء عند ولادته حين وقع نظره علي رسول اللّه9 قد افلح المؤمنون الي اخر السورة فقال رسول اللّه9: نعم قد افلح المؤمنون بك و بولايتك يا علي.

غنيمة: فلنرجع الي شرح الاسماء و الصفات ايضا فاعلم انه لامعني لان اللّه تعالي يعلم نفسه لان العلم فعله سبحانه و لافعل في الذات كما لامعني لانه تعالي يقدر علي نفسه و انه سبحانه يسمع ذاته او يبصر ذاته و هكذا فان هذه كلها افعاله سبحانه و لامجال لها في ذاته و يلزم من كونها علي فرض المحال في ذاته تقدمها علي نفسها و وجودها في مقام امتناعها مع ان ذاته سبحانه ليست مغلوبة لذاته حتي يقال انه تعالي يقدر عليها و ليست بصوت حتي يقال انه تعالي يسمعها و لابلون و شكل حتي يقال انه تعالي يبصرها و هكذا و ليس هو و ذاته اثنان حتي يقال انه تعالي يعلمها و يقدر عليها و يسمعها و يبصرها بل هو ذاته و ذاته هو من دون ذكر لشي‏ء سواه فيها و معها بل هكذا حكم كل ذات بالنسبة الي صفاتها و افعالها فلايقال فيها شي‏ء منها و تري و تعقل عيانا و بداهة انه لامعني لان العين تبصر نفسها بل انما هي تبصر كل ماقابلها من الالوان و الاشكال و لا للأذن انها تسمع نفسها بل هي تسمع كل ماورد عليه من الاصوات و هي ليست بصوت حتي تسمعه و لا للشامة انها تشم نفسها بل هي تشمّ كل ماورد عليها من الروايح و هي ليست برائحة و لا للذائقة انها تذوق نفسها بل انما تذوق ماورد عليها من الطعوم و هي ليست بطعم و لا للامسة انها تلمس نفسها بل هي تلمس كل كيفية مستها و هكذا فافهم و تنبه من رقدة الغفلة ان شاءاللّه.

غنيمة: قد مرّ سابقا ان الذات كائنة ماكانت لاتحتاج الي فعلها سواءً كان فعلها ذاتيا غير منفك عنها ابدا كالعلم بالنسبة الي العالم و الجهل بالنسبة الي الجاهل فان العالم مادام عالما بشي‏ء لايمكن ان لايعلمه و ان تعمد و تكلف اشد التكليف في ذلك الا ان يعمل عملا يزول عنه العلم كشرب المسكرات مثلاً و كذا الجاهل مادام جاهلاً بشي‏ء لايمكنه ان لايجهله الا ان يعمل مايزول عنه الجهل كان يتعلم عند عالم و هما ليسا كالقيام و القعود و امثالهما فانهما منوطان بارادة الذات فان ارادت ان تقوم تقوم بلاتكلف و ارادت ان لاتقوم تقعد و تخرب قيامها بلاتكلف و ان ارادت القعود تقعد بلاتكلف و ان ارادت عدمها تقوم و تخرب قعودها بلاتكلف و اما العلم للعالم فليس ان شاء ان لايعلم لايعلم و كذا الجاهل ليس ان يعلم بمحض ان اراد ان يعلم فهما ذاتيان بالنسبة الي العالم و الجاهل بالنسبة الي مايقدرون علي اثباته و نفيه بمحض الارادة من دون تكلف و مشقة و سواءً كان فعلها غير ذاتي لها و يثبت لها مرّة و يسلب عنها اخري كالقيام و القعود و غيرهما فهي مطلقا لاتحتاج الي فعلها ابدا و هو محتاج اليها ابدا ضرورة انها هي التي اصدرته عن نفسها فهو في وجوده و جميع ماله و مايترتب عليه محتاج اليها و هي لاتحتاج اليه لانها لم‏تصدر عنه و لم‏توجد بايجاده فاذا عرفت ذلك عرفت بداهة ان اللّه تعالي لايحتاج الي شي‏ء من افعاله سواءً كانت ذاتية غير زائلة عنه سبحانه كالعلم و القدرة و غيرهما او غير ذاتية و تسلب عنه سبحانه في بعض الاوقات كالصفات الفعلية علي ما مرّ سابقا مفصلاً و اما مايترائي الي الاذهان ان العالم بلاعلم ليس بعالم و القادر بلاقدرة ليس بقادر و هكذا كما ان السراج بلانور ليس بسراج فيلزم من ذلك احتياجهما و امثالهما الي فعلهما فيدفع بانه لايلزم من ذلك ان العالم كان صادرا من علمه او القادر كان صادرا من قدرته كما ان السراج ليس بصادر من نوره فلايحتاجان اليهما في الوجود و اصل الذات كما لايحتاج السراج في الوجود و اصل الذات الي نوره بل العلم و القدرة في اصل وجودهما و ذاتهما محتاجان اليهما كما ان النور في اصل وجوده و ذاته محتاج الي السراج و لذا اذا استضاء حدث نوره و اذا انطفي فني بالمرّة نعم في صحة اطلاق اسم العالم علي الذات يشترط العلم و في صحة اطلاق اسم القادر عليها يشترط القدرة كما ان في صحة صدق اسم السراج يشترط النور كما لايخفي.

غنيمة: قد ورد في حديث الرضا عليه الاف التحية و الثناء مع عمران الصابي و هو كان اولاً مجوسيا و كان متبحرا في العلوم حاذقا مقتدرا علي البحث و الجدال و ماكلّم احدا في العلم الا غلب عليه و هزمه فاتي الرضا7 و كالم7 فوجده بحرا زاخرا مواجا يجيب عن كل مامسألة شافيا كافيا بحيث لامجال له للانكار عليه فامن به و قبل عنه بخلاف سليمان المروزي فانه كالمه7 كثيرا و لم‏يفهم و لم‏يقنع و ليس بمعلوم انه قبل عنه7 بعد المباحثات الكثيرة ام لا بالجملة قال7 في حديث عمران الصابي: في مثل السراج ان النور ليس بفعل منه و قال7: انه لما استضاء لنا قلنا قد اضاء لنا و ظاهر هذين الكلامين لايخلو من اختلاف لانه قال7 ليس النور بفعل منه و قال: انه لما استضاء لنا قلنا قد اضاء لنا و لاشك ان استضاء و اضاء كلاهما فعلان له فكيف ليس نوره بفعل منه فنقول اما قوله7: انه ليس بفعل منه فالمراد انه ليس بفعل له مسلوب عنه اولاً ثم ثابتا عليه بعد مدة زمان كما القائم مثلاً مسلوب عن زيد اولاً ثم يثبت عليه بعد زمان اي ليس النور بصفة فعلية للسراج يسلب عنه مرّة و يثبت له اخري و اما قوله7: انه لمااستضاء لنا قلنا قد اضاء لنا فالمراد ان النور صفة ذاتية و فعل ذاتي للسراج فانه لازم له لاينفك عنه ابدا و هو و السراج متساوقان في الوجود لايتأخر احدهما عن الاخر ابدا و ان كان السراج اعلي رتبة من نوره و نوره ادني رتبة منه.

غنيمة: من المسائل اللازمة الفرق بين الخالق و الفاعل و لم‏نر من اطلع عليه من السابقين و اللاحقين الا ماصدر عن مشايخنا العظام اعلي اللّه مقامهم علي نحو التلويح و الاشارة لانهم قد تفردوا من بين جميع العلماء باثبات العلة الفاعلية للائمة: مع تصريحهم و اصرارهم بان الخالق هو اللّه وحده لاشريك له فمعني هذا الكلام ان اللّه تعالي هو الخالق لا الفاعل و ان الائمة: هم الفاعلون علي نحو الاطلاق لاالخالقون فاقول ان من المسلميات التي لايشك فيها العقل السليم و الذوق المستقيم ان كل فعل صادر عن فاعله لاعن غيره حقا كان او خلقا فجميع الافعال الخلقية صادرة عن الفواعل الخلقية لاعن اللّه تعالي كما ان جميع الافعال الالهية صادرة عن اللّه تعالي لاعن احد من الخلق فالحرارة صادرة عن النار لاعن اللّه تعالي و البرودة صادرة عن الماء لاعنه سبحانه و التسخين صادر عن الدارصيني لا عنه سبحانه و التبريد صادر عن البنفسج لاعنه سبحانه و افعال الجمادات صادرة عنها لاعنه سبحانه و افعال النباتات صادرة عنها لاعنه سبحانه و افعال الحيوانات صادرة عنها لاعنه سبحانه و افعال الملائكة صادرة عنهم لاعن اللّه تعالي و افعال الاجنة صادرة عنهم لاعنه سبحانه و افعال الاناسي صادرة عنهم لاعنه سبحانه و افعال الانبياء و الاولياء صادرة عنهم لاعنه سبحانه و افعال البسايط الفكلية صادرة عنها لاعنه سبحانه و افعال البسايط العنصرية صادرة عنها لاعنه سبحانه و افعال الجواهر مطلقا صادرة عنها لاعنه سبحانه و افعال الاعراض مطلقا صادرة عنها لاعنه سبحانه و كل اثر صادر عن مؤثره لاعنه سبحانه و كل نور صادر عن منيره لاعنه سبحانه الي ان جميع التأثيرات صادرة عن المؤثر الاول و هو الخلق الاول و هو محمّد و آله: لاعنه سبحانه فهم العلة الفاعلية لجميع الافعال لاذات اللّه سبحانه و تعالي و لكنه سبحانه خالق لجميع الذوات و جميع افعالها من ذاتهم: و افعالها و ذوات ساير الخلق و افعالهم لاشريك له سبحانه في ذلك و لاوكيل و لاوزير و لامأذونا منقطعا عنه سبحانه منهم: و من ساير الخلق جميعا فتفطن ذلك و لاتغفل عنه ابدا فتزل قدمك بعد ثبوتها و ان نظرت و انصفت لاتري في ذلك عوجا و لاامتا و لاتري له تخلفا و خلافا و قد ذكرنا ذلك سابقا مفصلاً و لقد اعدناه هنا اصرارا و تأكيدا.

غنيمة: ان الفعل فعلان فعل صادر عن نفس الذات و فعل صادر عن الالات و الادوات التي تجري عنها افعالها فالاول يحمل عليها اي علي الذات حقيقة و الثاني يحمل عليها شرافة و ان كان محمولاً علي نفس آلاتها و ادواتها حقيقة لانه صادر عنها حقيقة فقل المحمول محمولان محمول حقيقي و محمول تشريفي فالاول كزيد قاصد ناو او شاعر او عالم او جاهل او مؤمن او كافر و امثالها فان القصد صادر من نفس الانسان و نيته صادرة منه و كذا شعوره و علمه او جهله او ايمانه او كفره و امثالها صادرة منه لامن غيره فحملها عليه علي نحو الحقيقة لان نفسه فاعلة لها لاغيره فحملها عليه علي نحو الحقيقة لان نفسه فاعلة لها لاغيره و الثاني كزيد قائم او قاعد او راكع او ساجد او متكلم او ساكت او ماش او واقف او آكل او شارب او دافع او ماسك او هاضم او زايد او ناقص او مبصر او سامع او شام او ذائق او لامس و هكذا من كل ماصدر من المراتب التي نزل فيها عن عالمه و الاعضاء و الجوارح التي هي كالالات الخارجية بيده فلاشك ان مرتبة حيوانيته التي اشترك فيها مع ساير الحيوانات و مرتبة نباتيته التي اشترك فيها مع ساير النباتات و مرتبة جماديته التي اشترك فيها مع ساير الجمادات و اعضائه و جوارحه الثابتة له في مقام جماديته و هي الظاهرة المحسوسة الملموسة منه في هذه الدنيا كلها اشياء خارجة عن اصل حقيقته التي هو بها هو ممتازا بها عن جميع ماسواه و هي التي يحشر بها يوم القيمة و يدخل الجنة خالدا فيها او النار خالدا فيها و هي مركبة من ثمان مراتب الفؤاد و العقل و الروح و النفس و الطبع و المادة و المثال و الجسم و لجسمها حيوانية و نباتية و جمادية كلها من عرصة الانسان و جميع هذه المراتب اجزاء و كسور لتلك الحقيقة بها هي هي لايتقدم فرد منها علي الاخر في الوجود و لايتقدم تمامها علي نفس تلك الحقيقة بل كل متساوق في الوجود مع البواقي و جميعها متساوق في الوجود معها فتلك الحقيقة بعد تمامها تتنزل في المراتب البرزخية ثم في المرتبة الحيوانية ثم في المرتبة النباتية ثم في المرتبة الجمادية ثم تظهر في هذه الدنيا الظاهرة و تظهر للناظرين افعالها و احوالها و اقوالها ثم بعد انقضاء العمر الدنياوي تخرج عن الجمادية و تلقيها في عرصة الجمادات و عن النباتية و تلقيها في عرصة النبات و عن الحيوانية و تلقيها في عرصة الحيوانات ثم بعد انقضاء عمر البرزخ و عند نفخ الصور تخرج عن المقام البرزخي و تلقيه في عالم البرزخ ثم يوم القيمة و عند النفخة الثانية تأتي القيمة بتمام مراتبها الاصلية الذاتية من الفؤاد الي الجسم الي حيوانيته و نباتيته و جماديته الذاتية الاصلية و تحشر لرب العالمين بتمام علومها و اعمالها الروحانية و الجسمانية المرضية او المسخوطة و تدخل الجنة او النار نعوذ باللّه من النار و يظهر تأويل قوله تعالي: و كل اتيه يوم القيمة فردا اي يأتيه سبحانه فردا اي هو هو من دون شي‏ء سواه معه و تمام مالم‏يكن له يوم اول في عالم الذر و لبسه بعد نزوله عنه و خلعه عن نفسه عند الصعود الي عرصة القيمة غيره و ليس مماهو به هو بل اشياء خارجة اجتمعت معه حين كونه في الدنيا و حين كونه في البرزخ و لكل اجتماع افتراق لامحالة فكلها يفترقون عنه في الاخرة و يمكن مشاهدة ذلك في الدار الدنيا لكل من كان له قلب او القي السمع و هو شهيد فلابد لشرح ذلك من ذكر غنيمة علي‌حدة.

غنيمة: يري الانسان علانية ان هذا البدن الظاهر له طول و عرض و عمق و لون و شكل و وقت و مكان كساير الجمادات و لو لم‏يكن فيه ارواح غيبية كان كجماد ملقي في مكان لايتحرك بنفسه عنه ابدا و لايظهر منه فعل و اثر سرمدا كما هو كذلك رأي العين بعد مفارقتها عنه فهو بنفسه جماد من الجمادات لافرق بينه و بينها ابدا الا انه قد تعلقت به الارواح الغيبية و هي لم‏تتعلق بها روح غيبي فهو كساير الجمادات بدؤه من ظواهر العناصر الدنيوية و غلايظها و عوده اليها و عرصته عرصتها و وقته وقتها و اثره اثرها و حشره حشرها و ثوابه ثوابها و عقابه عقابها و جنته جنتها و ناره نارها و هي كلها فانية زايلة فاذا عاد عاد الي منه بدء عود ممازجة اي يتفرق عناصره و تعود ناره الي كرة الاثير و يمزج معها و هواؤه الي كرة الهواء و يمزج بها و ماؤها الي كرة الماء و يمزج بها كما يمزج ظرف من الماء بالبحر و ترابه الي كرة التراب و يمزج بها كما يمزج مقدار من التراب بتلّ منه ثم يري علانية ان فيه روحا غير مشاهد بالعين مشاهد آثاره من الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و الرباء و الزيادة و النقصان فانه يري علانية انه اي البدن يأكل الطعام و يشرب الماء فيجذبهما الي معدته ثم يمسكهما في معدته فيهضمهما و يفرق بين صافيه و غليظه و يدفع غليظه عنه و يجذب صافيه من طرقه الي نفسه فينمو منه و يزيد طوله و عرضه و قطره و كلما زاد غذاؤه زاد و قوي و كلما نقص منه نقص من جميع جوانبه و هزل و ذبل الي ان مات و لاشك ان هذه الاثار ليست من نفسه لانّه بعد موته لايكون له شي‏ء منها فهي من روح اخر يكون في غيبه لايري بالعين الظاهرة و يري اثاره بها و لاتكون من نفس الانسان المتعلق به الكائن فيه لانّه لاشك ان الانسان لايعلم كيف يجذب الطّعام و الشراب الي هذا البدن و كيف يمسك فيه و كيف يميز بين صوافيه و طراطيره و كيف تصير الصوافي جزئه و كيف يدفع الاعراض عنه و كيف يزيد و كيف ينقص و كيف يحيي و كيف يموت و لو كانت هذه الاثار اثار نفسه و افعالها كيف يغفل عنها و يجهل بها مع ان المؤثر لو غفل عن اثره لمحة لفني الاثر بالمرّة و ان هذا البدن دائما في الزوال و التحليل و لايبقي اثر الغذاء فيه الاّ الي اربعين يوما و هو منتهي مدة البقاء و لذا ورد في الاخبار: ان شارب الخمر لايستجاب دعاؤه اربعين يوما لان اثرها باق فيه الي هذه المدة و من هذه الجهة يرتاض المرتاضون اربعين يوما لان يذهب عنهم اثار مااكلوه و شربوه من غير وجه الحلال فيصفوا و تتعلق بهم الارواح الطيبة و تشملهم العنايات الربانية فان صفوا و الاّ جددوا مدة الرياضة الي اربعين اخر و هكذا الي ان يحصل لهم المراد بالجملة لم‏تصدر هذه الاثار من نفس البدن بالبداهة و لامن نفس الانسان المتعلق به بالبداهة و لامحالة لها مصدر و مبدء لان الاثر بلامؤثر محال جدا فمؤثرها و مصدرها هو النفس المسماة بالنامية النباتية كما في خبر عن اميرالمؤمنين7 و هو7 قد صرّح في هذا الخبر بان لها خمس قوي و خاصيتين فالقوي هي الجاذبة و الماسكة و الهاضمة و الدافعة و المربية و الخاصيتان الزيادة و النقصان فهذه المرتبة من الانسان الحقيقي كشجرة اقترنت به و اجتمعت معه و هو متعال عليها و لافرق بينها و بين الشجرة الخارجة بالنسبة اليه الا انها متصلة منضمة به و هذه منفصلة عنه فكما ان الشجرة تجذب و تمسك و تهضم و تدفع و تربي و تزيد و تنقص و لايعلم الانسان كيفيتها و وقتها و ليس شي‏ء منها باجرائه و اختياره كذلك هذه المرتبة منه تفعل هذه الافعال و لايعلم كيفيتها و وقتها و ليس شي‏ء منها باجرائه و اختياره فلايشك العاقل في ان هذه الافعال ليست بافعال الانسان لانها لم‏تصدر منها فان حملت عليه كان يقال زيد يأكل و يشرب و يمسك في معدته و يهضم و يدفع و ينمي و يزيد بزيادة الطّعام و الشراب و ينقص من نقصانها فكل ذلك من باب التشريف لامن باب الحقيقة و معني ذلك ان نفسه النباتية لما كانت مسخرة له مضمحلة عنده بحيث لايري منها الا هو و لاظهور لها الا ظهوره و لاحكم لها الا حكمه اضيفت اليه و حملت عليه هذه الافعال الصادرة منها من باب شرافتها و مسخريتها له و اضمحلالها و فنائها لديه كما ان العبد المطيع المنقاد لمولاه الفاني عنده المضمحل لديه ينسب افعاله الي المولي من باب شرافته و اطاعته له و انقياده لحكمه ثمّ يري ثالثا منه‏ اي من هذا البدن انّه يبصر و يسمع و يشمّ و يذوق و يلمس و يميل الي ما يلايمه و ينفر عما ينافيه و يعاديه و لايشك في ان هذه الافعال ليست من نفسه لانه اذا مات يلقي علي الارض كالحجر و لايصدر منه شي‏ء منها مع ان مواضعها منه بحالها فعينه في موضعها و علي هيأتها و لاتبصر و اذنه في موضعها و علي هيأتها و لاتسمع و شامته في موضعها و علي حالها و لاتشمّ و ذائقته في موضعها و علي حالها و لاتذوق و لامسته في موضعها و علي حالها و هيأتها و لاتلمس و يدنو منه زوجه و لايميل اليها و يؤذيه العدو و لاينفر عنه فلاشك انها ليست من نفسه و ليست من نباتيته لانه في بطن الام له تمام القوي النباتية فله فيه النفس النباتية بدليل قواها و ليس له شي‏ء من هذه الافعال فلايبصر مادام فيه و لايسمع و لايشمّ و هكذا و ليست من نفس الانسان المتعلق به لان انسانه لايعلم كيف يبصر و بماذا يبصر و كيف يسمع و بماذا يسمع و كيف يشمّ و بماذا يشم و كيف يذوق و بمايذوق و كيف يلمس و بماذا يلمس و كيف يميل الي مايلايمه و كيف ينفر عما يعاديه و يصدر منه هذه الافعال و ان لم‏يرد انسانه بل يريد خلافها فاذا كانت عينه مفتوحة و لم‏يكن مانع يري بها الالوان و الاشكال و ان لم‏يشاء انسانه و اذا كانت اذنه مفتوحة و لم‏يكن مانع يسمع بها الاصوات و ان لم‏يشاء انسانه و هكذا ساير الافعال الي انّه ان رأي زوجه يميل اليها و ان لم‏يرد الانسان الميل اليها و ان رأي عدوه يفر منه و ان لم‏يرد الانسان الفرار عنه فلاشك ان هذه الافعال ليست من الانسان و الا لكانت منوطة بارادته و نيته و لاتنفك عنه ابدا و لامحالة لها مصدر و مبدء فاذ ليس نفس البدن و لاالنفس النباتية و لاالنفس الانسانية فهو نفس اخري و هي المسماة بالحسية الحيوانية و قد بيّن اميرالمؤمنين7 في الحديث المذكور له خمس قوي و هي الامور المذكورة من الباصرة و السامعة الي اخرها و خاصيتين و هما الرضا و الغضب و رتبتها تحت النفس الانسانية و فوق النامية النباتية لانها تظهر في البدن بعد ظهور النامية النباتية و قبل الناطقة الانسانية و قد قرّر في الحكمة ان كلما هو في الوجود مقدم فهو في الظهور مؤخر بالجملة هذه المرتبة ايضا شخص اخر اجتمع مع الشخص الانساني و اقترن به و هو كمركب قد علا عليه انسان و لافرق بينه و بين الحيوان الخارجي الا انّه متصل بالانسان و هذا منفصل عنه فبدؤه من عرصة غير عرصة الانسان و هي مقام الحيوة الفلكية و عوده الي هذه العرصة لا الي عرصة الانسان و حشره في هذه العرصة لا في قيمة الانسان و ثوابه و عقابه و جنته و ناره فيها لا في مقام الانسان و هو مع الانسان مادام في هذه الدنيا فاذا فارقها ارخي عنانه فيها و يبطل تعينه و يعود الي ما منه بدء عود ممازجة لاعود مجاورة كما يمازج الهواء المتعين بالحروف مثلاً بالهواء المطلق اذا صدر من الانسان فافعال حيوان هذا البدن كافعال نباته و افعال نفسه لادخل لها لانسانه و لم‏تصدر منه فحملها عليه ليس من باب الحقيقة بل هو ايضا من باب الشرافة اي لشرافة حيوانه لكونه مسخرا لانسانه مطيعا منقادا له حمل افعاله علي انسانه فيقال زيد مبصر و سامع و شام و ذائق و لامس و يحب زوجته و ينكحها و يفر من عدوه و يبغضه بالجملة اذا عرفت هذا عرفت نفسك في نهاية الغفلة و الجهالة حيث نسيتها و فقدتها و زعمت غيرها اياها و غفلت عنها و عن اصلاحها و شغلت بغيرها و باصلاحه ليلاً و نهارا فقد ضيعنا انفسنا لاصلاح غيرنا الاتري انّا في ليلنا و نهارنا مشغولون بالاكل و الشرب و طبخ الطّعام و الشراب و دفع الفضول و كل ذلك من صفات النباتات و جل اوقاتنا مصروف في ذلك فلسنا الا كمشغول بشرب الاشجار و اصلاحها ليلاً و نهارا غافلاً من ان له شغلاً اخر يرجع الي نفسه و بعض اقاتنا الباقي مصروف بالنكاح و النوم و اليقظة و ساير شهواتنا و مانغضبه و نعاديه و كل ذلك من خصال الحيوانية فان نحن في ذلك الا كسائس يسوس الحمار و البقر و الفرس و يواظبها ويصلحها ليلاً و نهارا بالجملة تمام همّنا مصروف في غيرنا و تمام همومنا و غمومنا و مساعينا في الخارجين عنا و قد نسينا انفسنا بالكلية و لاتمضي ايام الا و تأتينا اجالنا و يفصل عنا بالاضطرار اغيارنا و يفارقنا الخارجون منا الذين قد انسنا بهم و صرفنا اوقاتنا في خدمتهم فلم‏يأت معنا احد منهم و بقينا غرباء متوحشين مأخوذين بماعملنا و ماعملنا لانفسنا شيئا فواحسرتنا علي مافرطنا في جنب اللّه فنقول رب ارجعون لعلي اعمل صالحا في ماتركت فيقول اللّه كلا انها كلمة هو قائلها نعوذ باللّه نبهنا اللّه تعالي من رقدة الغافلين و تشملنا شفاعة الشافعين و تتداركنا رحمة من اللّه رب العالمين بحق محمّد و آله الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين.

غنيمة: اذا عرفت هذا عرفت ان كل صفة تصدر من المعصومين المقهورين عند اللّه المسخرين لحكمه الذين لاميل لهم الا ميله سبحانه و لاارادة لهم الا ارادته عزوجل في مقام خلقيتهم و بشريتهم فحملها علي اللّه تعالي من باب الشرافة كقوله تعالي: و مارميت اذ رميت ولكن اللّه رمي و قوله: و من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و ان ذلك القران كتاب اللّه مع انّه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم امين و ان فعله9 فعل اللّه و حكمه حكم اللّه و هكذا فهذه و امثالها حقيقة صادرة من الرسول و الائمة: ولكن لفنائهم و اضمحلالهم لدي اللّه سبحانه تنسب الي اللّه تعالي من باب الشرافة و اما الصفات الذاتية التي في مقام حقيقتهم: فحملها علي اللّه تعالي من باب الحقيقة لانها صادرة من اللّه تعالي حقيقة لانه لاذكر في مقام حقيقتهم لغير اللّه مطلقا ابدا سرمدا حتي انّ الصّفات الذاتية الظاهرة من ظاهرهم كالسمع و البصر و القدرة و العلم و امثالها ايضا حملها علي اللّه تعالي من باب الشرافة لامن باب الحقيقة لان مصدرها غيره سبحانه فقل كلية ان الصّفات الفعلية و الصّفات الذاتية الظاهرة من ظاهرهم: حملها عليه سبحانه حمل شرافة و الصّفات الذاتية التي في مقام حقيقتهم: حملها عليه سبحانه حمل حقيقة و اللّه من ورائهم محيط و صلي اللّه عليهم اولاً و آخرا و ظاهرا و باطنا مانطق ناطق و ذر شارق.

غنيمة: ان صفات اللّه سبحانه مترتبة فبعضها مقدم علي بعض و بعضها مؤخر عن بعض فالصّفات الذاتية نوعا مقدمة علي ساير الصّفات من الاضافية و الفعلية لانها صادرة من اللّه اولاً و هي ثابتة له دائما و لامتعلق لها ابدا ثم الصّفات الاضافية مقدمة علي الصّفات الفعلية لانّها صادرة من الذاتية قبل الفعلية لانّها هي الصّفات الذاتية مع ملاحظة نسبتها الي متعلقاتها كالعلم الملحوظ معه المعلوم و القدرة الملحوظ معها المقدور و هكذا ثم بعدها رتبة الصّفات الفعلية و هي الصّفات المقترنة بمتعلقاتها كالعلم المتعلق بالمعلوم و القدرة المتعلقة بالمقدور و هكذا و هي الصّفات الاضافية مع ملاحظة اقترانها بمتعلقاتها لاملاحظة نسبتها اليها فهي صادرة منها و هي المباشرة للمخلوقات الظاهرة في عرصتها فهي ادني الصّفات رتبة و لماكانت متعلقاتها ممكنة فيمكن وجودها و يمكن عدمها فاذا وجدت تعلقت هذه الصّفات بها و اذا لم‏توجد لم‏تتعلق بها قلنا انها مايمكن اثباتها علي اللّه و مايمكن نفيها عنه سبحانه كالعلم مثلاً فانه اذا وجد معلومه تعلق به و اذا لم‏يوجد لم‏يتعلق به فلايثبت علي اللّه اي العلم الفعلي المتعلق بالمعلوم لايثبت عليه اذ لم‏يثبت متعلقه حتي يتعلق به و اما العلم الذاتي فهو ثابت عليه جلّ و علا ابدا ابدا قبل المعلوم و مع المعلوم و بعد المعلوم و علمه سبحانه هذا بالاشياء قبل كونها کعلمه سبحانه بها حين کونها و بعد کونها و هكذا القول في باقي الصّفات الذاتية فهي ذاتية ثابتة له سبحانه ابدا اذا لم‏يلحظ في معناها الاضافة الي الغير او التعلق بالغير و هي اضافية اذا لوحظ فيها الانتساب الي الغير و فعلية اذا لوحظ فيها الاقتران بالغير و لماكان الغير منفيا و مثبتا كانت هي ايضا عند التعلق بها منفية و مثبتة فالعلم مثلاً ثلثة ذاتي و هو ماله سبحانه ابدا دائما و لايمكن نفيه عنه سبحانه ابدا و اضافي و فعلي و الفعلي مايقال انّه سبحانه يعلم زيدا المولود في العام القابل مولودا في العالم القابل و لايعلمه مولودا في العام الحال او العام الماضي و هكذا ساير الصّفات و كما قلنا للصفات الذاتية جهة فعلية نقول للصفات الفعلية كالخلق و الرزق و الاحياء و الاماتة و امثالها جهة ذاتية و هي اذا قطعت النظر عن متعلقاتها و لاحظت معانيها من حيث انفسها لله تعالي فهي بهذا النظر تصير ذاتية و تثبت له دائما كما يقال ان للّه تعالي معني الخالقية اذ لامخلوق و معني الرازقية اذ لامرزوق و معني الاحياء اذ لااحياء و معني الاماتة اذ لامميت و هكذا كما ورد في الاخبار.

غنيمة: ان في الصّفات الذاتية المقدمة السابقة علي جميعها صفة العلم فهي اعلي الصّفات و اقدمها و اعظمها رتبة لان كل مؤثر لايصدر منه اثر الا بالعلم و لايفعل فاعل و لايعمل عامل الا بعد العلم ثم بعده مقام القدرة لانه بعد علمه يجري قدرته علي حسب علمه علي فعل مايشاء ثم مقام بصره و سمعه فانه بعلمه و قدرته يبصر و يسمع و هكذا فجميع الصّفات منوطة بالعلم و القدرة و هما مقدمان علي تمام الصّفات و الافعال في جميع الاحوال.

غنيمة: فقد خبط خبط عشواء من زعم نفسه في عداد الحكماء و زعم ان اللّه تعالي لايعلم الجزئيات فمااسفه هذا و مااشنع كلامه هذا كيف لايعلم سبحانه و هو خالقها و واضعها في مواضعها عن علم و عمد كما قال سبحانه: الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و اللطيف من كان صنعه لطيفا دقيقا و ماالطف و ادق صنعه سبحانه حيث خلق الذباب بهذه الدقة و اللطافة و جعل فيها كل ماجعل في الفيل بزيادة جناحين فلها شامة و ذائقة و باصرة و سامعة و لامسة و شهوة و غضب و ذكور و اناث و لها لحم و عظم و عصب و عضد و جلد و هكذا حتي ان لرجلها التي هي ادق من الشعر عظما و عصبا و عضلاً و لحما و في رأس رجلها ريشا لتستقرّ علي الموضع الذي تقع عليه و من لطافة صنعه سبحانه ان خلق للنملة قرنين لتتمكن من الذهاب مستقيمة و لذا جرّب اذا كسر واحد منهما تذهب منحرفة الي طرف قرنه الصحيح و من لطافته ان خلق في رجل القمّل ريشا لتستقرّ رجله علي البدن و لذا اذا مشي عليه يتأثر الجلد من اثر مشيه و هكذا فمن الطف منه سبحانه و ادق منه تعالي شأنه صنعا و لاشك انّه لايمكن ذلك بدون العلم كما ان الكاتب لايمكن ان يكتب حرفا بل و لاحركة و لاسكونا بل و لايمكن ان يضع نقطة و ان يكتب تضريسات التشديد الا بعد العلم بها و بدون العلم محال ان يصنع صانع صنعة كلية او جزئية جليلة او دقيقة و ماتشاهد من اعمال بعض الحيوانات كالزنبور و وضعه البيوت المسدسة و غير ذلك فتبارك و تعالي صانعه جل و علا حيث خلقه مطبوعا علي ذلك فخلق في جبلة هذا الحيوان و امثاله هذه الصنايع و هي تصدر منها طبعا من دون علم و شعور و ان حسب الجاهل بالحكمة و ان زعم نفسه في عداد اهل الحكمة ان هذه الاعمال من شعور هذه الحيوانات بل استدل بذلك علي زيادة شعورها علي شعور الاناسي نعوذباللّه من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين.

غنيمة: ثم بعد علمه سبحانه و قدرته و سمعه و بصره تعالي شأنه مقام حكمته جل و علا فانه سبحانه لايجري مما علمه و قدر عليه و سمعه و ابصره و كل ذلك لانهاية له و لايعلم عدته الا هو سبحانه و تعالي الا مايوافق الحكمة و لايفعل شيئا ممالايوافقها ابدا ابدا كما ان الكاتب العاقل الحكيم يعلم حروفا و كلمات كثيرة و يقدر عليها و يبصرها في لوح نفسها ولكن لايكتب منها الا مايوافق العقل السليم و مايؤدي المعني الصحيح الموافق للحكمة فالحكمة في كل صانع حكيم مقامها بعد مقام علمه و قدرته و سمعه و بصره و نسبة مايجريه الصانع تعالي شأنه في خلقه علي نهج الصواب و الحكمة الي مايعلمه و يقدر عليه كنسبة جزء حقير الي الف الف الف جزء و اكثر و اكثر من ذلك الي مالايعلم عدته الا هو سبحانه و تعالي فلاكل مايعلم سبحانه و يقدر عليه يفعل ثم بعد الحكمة مقام مشيته سبحانه فانه سبحانه مالم‏يشاء شيئا لم‏يخلقه و لم‏يرزقه و لم‏يحيه و لم يمته و هكذا ساير افعاله فكلها منوطة بمشيته سبحانه و مشيته تحت حكمته سبحانه فانه تعالي علي حسب الحكمة يشاء مايشاء ثم بعد مشيته سبحانه مقام ارادته لان الارادة هي العزيمة علي مايشاء و هي تأكيد المشية ثم بعد الارادة مقام التقدير لان التقدير مقام خلق اجزاء الشي‏ء و هو بعد العزم علي خلقه البتة ثم بعد التقدير مقام القضاء لانه مقام وصل الاجزاء بعضها ببعض و هو بعد خلق الاجزاء البتة ثم مقام الامضاء لانه مقام اتمام الشي‏ء مشروح العلل مبين الاسباب و لايحصل الامضاء الا باذن و اجل و كتاب فانه مالم‏يأذن اللّه تعالي في خلق شي‏ء لم‏يخلق و له اجل لامحالة و هو مدة عمره و كتاب و هو مايكتب له و عليه من اول عمره الي اخره فمامن شي‏ء في الارض و لافي السماء الا بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب كما ورد في الحديث و المراد من القضاء هنا هو الامضاء و هما ممااذا اجتمعا افترقا و اذا افترقا اجتمعا و هذا الشي‏ء اعم من الذوات و الصّفات و الجواهر و الاعراض فكل شي‏ء كائنا ماكان بالغا مابلغ منوط وجوده و مايصدر منه و مايترتب عليه بهذه السبعة و من زعم انّه يقدر علي نقض واحد منها فقد اشرك باللّه نعوذ باللّه كما في تتمة الخبر و يشهد به العقل السليم فاين الحول و القوة لاحد في شي‏ء الا باللّه سبحانه فو اللّه لايقدر احد من الاحاد و لافرد من الافراد علي تحريك اجفان عينيه الا بحول اللّه و قوته فلم يدبّر العبد و هو يدبّر و اللّه تعالي يقدر و لايكون الا مايقدر فلاتحصل له الا الزحمة و المشقة و العاقل من يكون عن اموره معرضا و يكون واكلاً جميعها الي القضاء و لسنا واللّه في ملكه تعالي شأنه الا كالنازل في السفينة فصاحب السفينة بيده عنانها لابيد النازلين فيها و هو يجريها الي اي سمت يوافق حكمته و رضاه فالعاقل من يكون فيها ساكنا لايتحرك من ذيلها الي صدرها ليبلغ المقصد معجلاً و السفيه من يتحرك و يعجل و يمشي فيها دائما مضطربا فلايحصل له الا التكلف و البناء لانه في بلوغ المقصد مع الساكن فيها علي السواء نعم من اراد من النازلين فيها شيئا له يجب عليه ان يدعو صاحبها و يلتجأ اليه و يلتمس منه لتقضي حاجته من غير كلفة و عناء و كذلك من اراد من الناس تغيير تقدير يجب عليه ان يدعوا اللّه و يتضرع اليه و يتوسل به و يتوكل عليه و يشفع الشافعين لديه لكي تقضي حاجته من غير عناء و لايسبقه في شي‏ء مما شاء وفقنا اللّه للعمل و الاجتناب عن الزلل بحق محمّد و آله سادات العالمين و امناء رب العالمين صلوات اللّه عليهم اجمعين من اليوم الي قيام الدين.

غنيمة: ان رب سفينة العالم هو محمّد و آله: قد جعل اللّه تعالي بيدهم زمامها فهم: يجرونها و من فيها الي اينما شاؤا و ارادوا و مايشاؤن الا ان يشاء اللّه رب العالمين فلنا ان نتوجه اليهم و نتوسل بهم و ندعوهم و نتضرع اليهم: صباحا و مساءً بل انا فانا في جميع امورنا و مهامنا و لانستبد بارائنا و اهوائنا و لانطمئن بتدابيرنا و لانتكلف في مطالبنا و ماربنا و نستدعي منهم خالصين مخلصين جلب المنافع الينا و صرف المضار و المكاره عنا و قد ذكرنا سابقا ان جميع مطالبنا و معاملاتنا راجعة الي اسماء الافعال كما ان خلقنا راجع الي الخالق و رزقنا الي الرازق و حياتنا الي المحيي و مماتنا الي المميت و عزتنا الي المعزّ و غنانا الي المغني و مرضنا الي الشافي و المعافي و همّنا الي الكافي و نفعنا الي النافع و عطاءنا الي المعطي و كشف ضرنا الي الكاشف و علمنا الي المعلم و هدايتنا الي الهادي و غفراننا الي الغافر و نجاتنا الي المنجي و ثوابنا الي المثيب و قبول توبتنا الي التواب و توفيقنا الي الموفق و الاعتصام من عدونا الي العاصم و ذلته الي المذل و هلاكه الي المهلك و الانتقام منه الي المنتقم و هكذا و جميع هذه و امثاله مقامهم: في المرتبة الدنيا و في مقام تنزلهم الي عالمنا و اقترانهم بنا و مباشرتهم و معاشرتهم لنا فلاعلاج لنا في جميع احوالنا و اهوالنا و في ديننا و دنيانا و اخرتنا الا الرجوع اليهم و التوسل بهم و الالتجاء بهم و دعائهم و سؤالهم و الاستشفاع بهم صلوات اللّه عليهم ابدالابدين و دهر الداهرين و هذا معني قوله تعالي: ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم و في زيارتهم: اياب الخلق اليكم و حسابه عليكم و فصل الخطاب عندكم و آيات اللّه لديكم و عزائمه فيكم صلّي اللّه عليهم و علي شيعتهم و مواليهم.

غنيمة: ان بكل فعل من هذه الافعال ملكا موكلاً عنهم: لايصاله اياه الي القابلين المستعدين المستفيضين المستفيدين كما ان ملك الرزق ميكائيل و ملك الحيات اسرافيل و ملك الموت عزرائيل و ملك الخلق جبرائيل و هكذا لكل فعل فعل ملك خاص به لايتعدي عنه الي غيره حتي لانزال كل قطرة من السحاب ملك خاص به يتنزله الي الارض و لايعدو الي غيره و لحفظ كل بدن بل كل عضو بل كل جزء و كل شعرة ملك خاص به لايعدو الي غيره و لكل حيوان و لكل نبات و لكل جماد و لكل ذرة من التراب او قطرة من الماء او شي‏ء من الهواء او النار او جزء من كل كوكب و كل فلك ملك موكل عنهم: بابقائه و حفظه ان غفل عنه فني رأسا فمقام هؤلاء الملائكة في اسماء الافعال الجزئية التي هي ادني من اسماء الافعال الكلية التي هي ادني من المشية التي هي ادني من اسماء الاسماء الاضافة التي هي ادني من اسماء الذات التي هي ادني من الاسمين الكليين الذاتيين العلم و القدرة و هما مقامهم: في مقام اول صدورهم عن اللّه تعالي بالنسبة و لهم فوقهما مقامات اخر بالجملة لاجل كون الملائكة في مقام اسماء الافعال الجزئية قلنا انهم انوارهم: مخلوقون منهم كما ورد في الاخبار و واللّه انهم: لافضل منهم الي مالانهاية له لانهم: انوار اللّه و هم انوارهم في المقام الانزل الادني و لذا يقال انهم خدامهم: بل خدام شيعتهم لان الاسماء الفعلية المتعلقة بشيعتهم باعطائهم و افاضتهم: اعظم و اكبر و اوسع و اجمع مماتعلق بالملائكة و ماتعلق بالملائكة تعلق بهم بشيعتهم: فشيعتهم: سادات الملائكة و مخادميهم حتي ان كبار الشيعة كسلمان و اضرابه: اعظم من جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و عزرائيل بل و من روح القدس المتعلق بهم لانه يخدمهم باذنهم فيؤيدهم و يسدّدهم علي حسب ماشاؤا و اذنوا له و اعلم ان اسرافيل موكل بالاحياء و الاماتة معا لانه ينفخ في الصور نفخة الجذب و الصعق فيموت من في السموات و من في الارض و ينفخ فيه نفخة الدفع فاذا هم قيام ينظرون و يحشرون لرب العالمين و بنفخة منه يموتون و بنفخة يحيون لاازيد و اكثر منها كما ان السراج بنفخة ينطفي و بنفخة يستضيئي فمااعظمه و اقواه و الفرق بين اماتته و اماتة عزرائيل ان اماتته دفعية تشمل جميع من في السموات و الارض دفعة واحدة حتي ان عزرائيل ايضا يموت باماتته و اماتة عزرائيل ليست بهذا البسط و الاحاطة و الجامعية و الكلية فهو اعظم منه بمراتب شتي البتة و مع ذلك هو من خدام محمّد و آله: و كبار شيعتهم: فشأنهم: اعلي و اجل من الاحياء و الاماتة و غيرهما و جميع ذلك شأن خدامهم و خدام خدامهم صلوات اللّه عليهم.

غنيمة: ان شئت ان تفهم التفاوت بين مقام فعليتهم: و مقام وصفيتهم الذاتية في الجملة فانظر الي القائم الصادر من زيد و الي العالم و القادر الصادرين منه فلاشك انهما محيطان بالف الف الف قائم و ازيد و ازيد من ذلك لان زيدا يعلم بازيد من هذه العدة من نفسه القائم و يقدر هكذا علي احداثه من نفسه ولكن لم‏يحدث من نفسه في الحال الا واحدا فنسبة هذه القائم الواحد الي مايعلمه و يقدر عليه زيد من القائم كنسبة جزء الي الف الف الف جزء و ازيد ازيد فهكذا مقام فعاليتهم للافعال الجارية في الملك بالنسبة الي مقام عالميتهم و قادريتهم: كمثل نسبة جزء حقير الي الف الف الف مساوي هذا العالم و استغفر اللّه من قلة التحديد.

غنيمة: من اقتدار اللّه تعالي و قدرته علي الخلق اجمعين ان يحول بين المرء و قلبه كما في الدعاء: يا من يحول بين المرء و قلبه و معني ذلك انّه تعالي يصير حائلاً بين المرء و نفسه‏ اي يضمحله و يفنيه و يفرق اجزائه بمثابة لايجد الشخص نفسه و لااجزائه و لاتفرقها و لافنائها ابدا مع انّه لم‏يفن و لم‏يفرق اجزاؤه بل هو هو تاما كاملاً بلانقص في عضو او جزء منه و ذلك حين انتقال الشخص من عالم الي عالم اخر كانتقاله من الدنيا الي البرزخ و منه الي الاخرة فهو ينتقل منه اليه بنقل اللّه تعالي و لايري نفسه في اثناء الانتقال ابدا و لايري ما انتقل منه و لاماانتقل اليه و ليس بواجد لنفسه و لالغيره ابدا ابدا حتي انّه ليس بواجد الرب و النبي و غيرهما ايضا فهذه الحال حال اضمحلاله و فنائه و تفرقه بل فقده و عدمه مع انّه لم‏يضمحل و لم‏يتفرق و لم‏يفقد و لم‏يعدم فالله تعالي حال بينه و بين نفسه بقدرته الكاملة ليعلم انّه لايملك نفسه و ماله و عليه فضلاً عن غيره و ما لهم و ما عليهم و انت ‏تري هذه الحالة من نفسك علانية حين تنام و حين تقوم من منامك ففي ابتداء النوم و هو حين انتقالك من هذه الدار الي عالم المثال لاتري الدنيا و لاالمثال و لانفسك و لاغيرك ابدا بل و لاتلتفت الي فقدانك نفسك و غيرك ابدا و هكذا حين تقوم من منامك و هو حين الانتقال من المثال الي الدنيا لاتري شيئا من ذلك و لاتلتفت الي نفسك و غيرك ابدا حتي تأتي هذا العالم فتري نفسك و هذا العالم و من ذلك ان بين النفختين و هو وقت انتقال الخلق من البرزخ الي الاخرة لايبق حاس و لامحسوس و كذلك النبي9 حين صعوده الي العرش و انتقاله من عالم الخلق الي الحق بلغ مقاما لم‏ير حاسا و لامحسوسا كما انك حين الانتقال من الدنيا الي المثال عند المنام و الانتقال من المثال الي الدنيا عند القيام لاتري حاسا و لامحسوسا اي لاتري نفسك الحاسة للاشياء و لامحسوساتها ابدا و كل ذلك من قدرة اللّه البالغة حيث يحول بين المرء و قلبه و يجعله فاقدا عادما لنفسه مع انّه لم‏يفقد و لم‏يعدم بل هو بحاله و مقام تلك القدرة الكاملة البالغة مقام محمّد و آله: فجل مقام آل محمّد: عن وصف الواصفين و نعت الناعتين و صلوات اللّه عليهم اجمعين ابد الابدين و دهر الداهرين.

غنيمة: لافعل لازما الا و له فعل متعد من اللّه تعالي كما لاسكون لساكن الا و قد سكنه اللّه تعالي و لاحركة لمتحرك الا و قد حركه اللّه و لارفعة لمرفوع الا و قد رفعه اللّه و لاوضع لموضوع الا و قد وضعه اللّه و هكذا الي ان لاقيام لقائم الا باقامة اللّه تعالي و لاقعود لقاعد الا باقعاد اللّه و لانوم لنائم الا بانامة اللّه و لايقظة لقائظ الا بايقاظ اللّه و لاحيوة لحي  الا باحياء اللّه و لاموت لميت الا باماتة اللّه و هكذا فالفعل اللازم ماصدر من الخلق و المتعدي ماصدر من اللّه تعالي و لولا فعله سبحانه يتعدي منه اليهم لم‏يكن فعل لازم لهم ابدا كما انّه لولا كسر من الكاسر لم‏يكن انكسار من الكاس ابدا و هما متساوقان في الوجود ولكن المتعدي مقدم علي اللازم في الرتبة و اللازم دليل علي المتعدي فان لم‏نر المتعدي و من يتعدي منه و نري اللازم و من لزمه نحكم ببداهة العقل ان لهذا اللازم متعديا لامحالة كما انّه اذا رأينا انكسار الكاس و لم نر كسرا و من كسره نحكم بالقطع و اليقين ان له كسرا و كاسرا و كذا ان رأينا مضروبية شخص او مقتوليته و لم‏نر ضربه و ضاربه و قتله و قاتله نحكم بالقطع و اليقين ان له ضربا و ضاربا و قتلاً و قاتلاً و هكذا اينما رأينا انفعالاً نحكم ان له فعلاً لامحالة و هذا ممايعرفه كل جاهل غافل فضلاً عن كل متذكر عاقل فلما نظرنا الي انفسنا ظاهرنا و باطننا و الي جميع العالم رأينا فينا في ظاهرنا و باطننا و في جميع العالم افعالاً لازمة كمانري تصورنا بصورنا و اتصافنا بصفاتنا و انخلاقنا و انوجادنا و تحركنا و سكوننا و هكذا و تصور جميع العالم و اتصافه و انخلاقه و انوجاده و تحرك متحركه و سكون ساكنه و لطافة لطيفه و كثافة كثيفه و حسن حسنه و قبح قبيحه و هكذا فلايخلو شي‏ء و لاشخص في حال من الاحوال و في وقت من الاوقات و مكان من الامكنة من افعال لازمة فلانشك ببداهة عقولنا ان لنا و لهذا العالم صانعا قد صدرت منه افعال متعدية حتي حصلت لنا و لهذا العالم افعال لازمة و ان شاهدنا انفسنا و هذا العالم و افعالنا اللازمة و افعاله اللازمة و لم‏نشاهده جل و علا و لم‏نشاهد افعاله المتعدية فنحن و كل شي‏ء من هذا العالم في جميع الاحوال اذلة ظاهرة و براهين باهرة قطعية يقينية علي وجوده جل و علا و علي صفاته السامية و افعاله العالية المتعدية و هو اوضح من كل شيء و امره اجلي من كل امر جل جلاله و عم نواله و عظم شأنه و علا مكانه و تقدست اسماؤه و لاتحصي الاؤه.

غنيمة: انما نعرف منا و من جميع العالم صفاته سبحانه لانه لاشك لنا انّه لايمكن تحقق فعل محكم متقن من احد الا بعد علمه و قدرته و بصره و حكمته و هكذا و بدون ذلك لاتوجد صنعة من صانع و لافعل من فاعل فصفاته سبحانه و افعاله ايضا مماتشاهد فينا و في جميع العالم و لذا قلنا ان صفاته و افعاله سبحانه ملأت اركان كل شي‏ء و لايخلو منها شي‏ء فلاتعطيل لها في مكان يعرفه بها من عرفه لافرق بينه و بينها الا انهم عباده و خلقه فتقها و رتقها بيده بدؤها منه و عودها اليه.

غنيمة: تمام اسماء اللّه جل شأنه من الذاتية و الفعلية هي مقام البيان لانّها تبين اللّه و تنبؤ عنه وحده لاشريك له فالعالم المطلق و القادر المطلق و الحكيم المطلق و هكذا و الخالق المطلق و الرازق المطلق و المحيي المطلق و المميت و هكذا ليس واحد منها الا و يبين اللّه حقيقة التبيين و ينبؤ عنه سبحانه حقّ الانباء بحيث لايكون الظاهر منه الا اللّه و لايطلق علي احد الا اللّه و يعبر عن هذا المقام بمقامات اللّه و علاماته ايضا كما في الدعاء: و مقاماتك و علاماتك التي لاتعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك الدعاء و اما انّه مقاماته لان اللّه تعالي هو القائم في كل اسم من اسمائه لاغيره من احد من الخلق كما ان القائم في العالم هو اللّه و في القادر هو اللّه و في الخالق هو اللّه و في الرازق هو اللّه جل جلاله الا غيره كما ان كل مؤثر هو القائم في اثره و كل منير هو القائم في نوره و كل احد هو القائم في اسمائه و صفاته الا تري  ان زيدا هو القائم في عالمه و قاصده و قائمه و قاعده و راكعه و ساجده لااحد سواه و يمتنع ان يكون سواه امتناعا بحتا باتا لان اثر كل احد يجب ان يكون صادرا منه و يمتنع ان يكون صادرا من غيره و الاسم الحقيقي هو الاثر الصادر من الشخص لا مايكون مكتوبا او ملفوظا كما مرّ سابقا كما في حديث هشام قال الصادق7: يا هشام الخبز اسم للمأكول و الماء اسم للمشروب و الثوب اسم للملبوس و النار اسم للمحرق افهمت يا هشام فهما تفاضل به اعداءنا قال نعم فماهزمه بعد هذا احد في التوحيد بل غلب فيه علي ماسواه و المراد ان مايؤكل هو المأكول الخارجي لاالخاء و الباء و الراء فهو الاسم الحقيقي لمايؤكل لاهذا اللفظ و مايشرب هو المشروب الخارجي لالفظ الميم و الألف و الهمزة و هو الاسم الحقيقي له لاهذه اللفظة و مايلبس هو الملبوس الخارجي و هو اسمه الحقيقي لالفظ الثوب و مايحرق هو المحرق الخارجي و هو اسمه الحقيقي لالفظ النار و هكذا و المقصود ان اسماء اللّه تعالي ايضا هي الصادرة منه سبحانه التي لها وجودات خارجية و انواره و اثاره سبحانه و اركان توحيده و حدود تفريده لاالاسماء الملفوظة الظاهرية و هي تطلق علي اللّه تعالي حقيقة لا هذه و هي تفعل افعاله سبحانه حقيقة لا هذه كما ان الماء حقيقة هو الماء الخارجي و هو الذي يفعل فعل الماء لالفظ الماء و ليس هو ذات الماء لان ذات الماء في كل مياه العالم في كل وقت و مكان و ليس الماء الخاص الذي تشربه و يرفع عطشك هكذا بل هو ظهور من ظهوراته و جلوة من جلواته.

و لما وصل الكلام الي هنا لم‏يقدر لي ازيد من هذا من البيان و قدر لي المعاودة الي اصبهان صينت عن طوارق الحدثان ففارقت مولاي و ساير اخواني بهمدان و ابتليت بانواع الاحزان و الاشجان اسأل اللّه المنان ان‏يجعل معاودتي هذه مقرونة بالسلامة و السعة و السعادة و التوفيق و الايمان لا بالندامة و الخسارة و المعصية و النقصان و الخذلان بحق محمّد و آله سادات اهل الامكان صلوات اللّه عليهم ماكـرّ الجديدان و توالي الملوان و لاحول و لاقوة الاّ باللّه العلي العظيم و صلي اللّه علي محمّد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين و كان يوم الفراغ العاشر من شهر جمادي‏الاولي سنة 1301.