00-03-02 شرح الزیارة الجامعة الکبیرة – المجلد الثالث – مقابله – الجزء الثانی

شرح الزیارة  الجامعة الکبیرة

 

من مصنفات

الشیخ الاجل الاوحد الشیخ

احمد بن زین الدین الاحسائی

 

 

المجلد الثالث – الجزء الثانی

 

قال عليه السلم : فمعكم معكم لا مع عدوّكم آمنتُ بكم و تولّيتُ آخركم بما تولّيتُ به اوّلكم
قال الشارح المجلسي (ره‌) فمعكم معكم اي فانا معكم بالقَلْب و اللّسانِ او هُنا و في الرجعة او كرّر للتأْكيد و تولّيت آخركم بما تولّيت به اوّلكم اي اتولّي كلّ واحدٍ منكم بنحو ما تولّيتُ به اميرالمؤمنين عليه السلم فانّ كلَّ واحدٍ آخِرٌ بالنسبة الي سابقه او اعتقد بوجود المهدي عليه السلم الأنَ لا كما تقوله العاۤمّة انه غير موجودٍ الأن بل يوجد و يخرج مع انهم قاۤئلون بوجود الخضر و الياس و غيرهما و قاۤئلون بان النبي صلي اللّه عليه و آله قال لايزال امر الدين قاۤئماً ما وليهم اثناعشر خليفةً كلهم من قريش و بانه قال (ص‌) من مات و لم‌يعرف امامَ زمانه مات م۪يتةً جاهليّة فعلي قولهم لا دين لهم و يموتون كفّاراً و نحن ايضاً قاۤئلون بهذا القول انتهي .
اقول قوله فمعكم معكم اي اذا جُبلت فطرتي و استقر رأيي و عملي و استقام اعتقادي وَ اطمئنّ قلبي و سكنَتْ نفسي علي ما تقدّم مما سمعتَ و نطق به لساني و قد وجدتُ فيما انطوت عليه سريرتي و عقد عليه قلبي و كشف عن بيان حقيقته فؤادي انّ مبدأ ذلك و المقتضي له و الكاشف له و الداعي اليه و المرشد الي سبيله المستقيم و المحبِّب الي قبوله ليس مني و لا عني و لا من احد من الخلق الّا بواسطتهم خاۤصّة عن اللّه اذ بدونهم لايكون شي‌ء من ذلك و لا حقّ في غيره و لا نجاة الّا به و لم‌يرد اللّهُ غير ذلك و كان لا بدّ لكل من لم‌يكن مستقلاً من الانضمام الي من يكون مستقلاً و به الاستقلال و كان تعالي لم‌يجعل له باباً و لا واسطةً و لا دليلاً عليه و لا عضداً لجميع خلقه الّا ايّاهم عليهم السلم وجب ان يكون كلّ من سواهم منضمّاً اليهم طوعاً كاولياۤئهم و محبيهم و لهم اجرهم او كرهاً كاعداۤئهم و مبغضيهم و عليهم وِزْرَهم و اليه الاشارة بقوله تعالي باطنه فيه الرحمة لاولياۤئهم و ظاهره من قبله العذاب لاعداۤئهم و لا قوام للمنضمّ الا بالانضمام اليهم عبّر عنه بقوله فمعكم معكم علي التأْكيد للانقطاع و الانتهاۤء لا مع عدوّكم لانهم علي العكس في جميع ما ذكر و اما ما ذكره من بعض المعاني لهذه الفقرة فهو صحيح فيجوز ان يراد بالٰاخِرِ القاۤئم عليه السلم علي معني انّ ولايتي للقاۤئم عليه السلم هي ولايتي لعلي بن ابي‌طالبٍ او كما انّ وِلايَتي لعَلي بن ابي‌طالبٍ (ع‌) بعد وجوده و تحقّقه كذلك ولايتي للحجة (ع‌) بعد وجوده و تحقّقه و هذا المعني اي انّي تولّيت من هو موجود انسب من كون تولّيتُ بمعني اعتقدتُ اوْ انّ ولايتي لكلّ لاحقٍ منكم هي ولايتي لكلّ سابقٍ منكم اوْ انّ كلّ واحد منهم عليهم السلم فله اوّل و آخر فاوّله من جهة حقيقته كالمقامات و المعاني و الابواب و الاشباح فالمقامات اوّل حقيقي و المعاني و الابواب و الاشباح اوّليتها اضافِيّة و الامام و الحجة و المفترض الطاعة و الخليفة آخِرٌ فقول المؤمن تولّيْتُ آخركم اي اوّلَ كلِّ واحدٍ منكم اي آمنتُ و صدّقتُ و امتَثلتُ و اَثْنَيْتُ و اطعتُ آخر كلِّ واحدٍ منكم اي كونه عندي خليفة اللّه في ارضه و خليفة رَسُولِه۪ و وليَّ اللّهِ و اِمامَ الخلق و حجّة الحقّ المفْترض علي كلّ الخلق طاعته بما تَولّيتُ به اوّلكم اي اوّلَ كلّ واحدٍ منكم يعني آمنتُ و صدّقْتُ و امتثلتُ و اَنْثيْتُ و اطعتُ اوّلَ كلّ واحدٍ منكم اي كونه عندي اسمَ اللّهِ الاَعْظم و آيته الكبري و محلّ مشيّته و لسان ارادته و معاني اسماۤء افعاله و حامل صفات افعاله و ترجمان وحيه و وجهه الذي اليه يتوجّه اولياۤؤه و بابه الّذي منه يؤتي و بَشَرهُ المحتجبَ به عن الاشياۤء و حجابه الذي ظهر به للاسماۤء و قول الشارح (ره‌) لا كما تقوله العَاۤمّة انّه غير موجود يريد به بعض العاۤمّة لا عاۤمتهم لانّ لهم في ذلك ثلاثة اقوال : احدُها انّ القاۤئم الموعود بخروجه هو محمد بن الحسن العسكري عليهما السلم كما تقوله الشيعة و انّ اللّه تعالي بقدرته و حكمته قد اطال عمره كما اطال عمر الخضر و الياس و علي بن عثمن بن ابي‌الدنيا و انّه في زمن علي عليه السلم و الي الٰان هو موجود و انه لايموت الّا عند النفخ في الصور لانه شرب من عين الحيوة كما نقله الصدوق رحمه اللّه في كتابه اكمال الدين و اتمام النعمة و كابليس مع نطق القرءان ببقاۤئه الي يوم يبعثون و اجماع المسلمين علي ذلك و كالشياطين كما قيل بانهم لايموتون الّا بسبب بل قيل ذلك في الحيّة ايضاً و كالملاۤئكة و قدرة اللّه في مثل ذلك لاتنكر الّا انّ القاۤئل بذلك منهم قليل نقله ابن‌حجر في الصواعق المحرقة له و ثانيها ان القاۤئم هو عيسي بن مريم (ع‌) و نقلوا عليه روايات و فسّروا قوله تعالي و ان من اهل الكتاب الّا ليؤمننّ به قبل موته و ان ضمير به و موته يعود الي عيسي و انه هو المنتظر و لان اللّه تعالي قال و ماقتلوه و ماصلَبُوه و لكن شُبِّهَ لَهُمْ و قال تعالي بل رَفَعهُ اللّهُ اليهِ ، و ثالثها انّه المهدي العبّاسي من بني‌العبّاس وَ اَنّه الأنَ لم‌يوجد و لا بدّ اَنْ يوجد و الحق ما دلّت عليه الروايات من الفريقين و اجماع اهل البيت عليهم السلم و شيعتهم و هو انه محمد بن الحسن العسكري عليه السلم عجّل اللّه فرجه فيجوز ان يكون تولّيت آخركم الخ ، بمعني آمنتُ بوجود آخِركم عجّل اللّه فرجَه و سَهَّل مخْرجَهُ اَوْ ببقاۤئِه۪ و انّه حيّ الي اَنْ يخرج طالت الازمنة اَوْ قصرت قبل الموت اَوْ بظهوره قبل الموت حتي يملأَها قِسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً .
قال عليه السلم : و برئتُ الي اللّٰه عز و جل من اعداۤئكم و من الجبت و الطاغوت و الشياطين و حزبهم الظالمين لكم الجاحدين لحقّكم و المارقين من ولايتكم و الغاصبين لارثكم الشاكّين فيكم المنحرفين عنكم و من كل وليجة دونكم و كلّ مطاع سواكم و من الائمة الذين يدعون الي النار
قال الشارح المجلسي (ره‌) و من الجبت … و من الطاغوت … و الشياطين بني‌اميّة و بني‌العباس و حزبهم اتباعهم و الغاصبين لارثكم من الامامة و الفي‌ء فدك و الخمس و غيرها الشاۤكين فيكم اي في امامتكم كانهم و ان لم‌يقولوا بامامتهم و لكن يحتملونها او غيرهم من الشاكين و من كل وليجة اي معتمد عليه كعلماۤئهم و فقهاۤئهم كما قال اللّه تعالي ام حسبتم ان تتركوا و لمايعلم اللّهُ الذين جاهدوا منكم و لم‌يتخذوا من دون اللّه تعالي و لا رسوله (ص‌) و لا المؤمنين وليجة و المراد بالمؤمنين هُنا الائمة عليهم السلم كما في الاخبار الكثيرة و من الائمة الذين يدعون الي النار و هم ائمتهم لانهم قاۤئلون بان ائمتنا داعون الي الجنّة بلا خلاف بينهم انتهي .
اقول برئ بمعني امتنع و ذلك بعد ذكر تولّيت اي انقَدْتُ و اطعتُ بظاهري و باطني و سرّي و علانيتي و قولي و فعلي لكم ناسبَ ذكر ركنَ الدّين الايسر و ان كان معلوماً عند ذكر الركن الايمن من الدين الذي هو الولاية و الطاعة المطلقة لانّ الاقبال يلزمه الادبار عن ضده العام كما اذا قلتَ انا غرّبتُ لزمك انّك تركت جهة الشرق و امتنعتَ من التشريق لكن لمّا كان بعض العاۤمّة يَدّعي انّه متوالي بعلي و اهل بيته و باصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و قد قامت الادِلّة عقلاً و نقلاً ان ذلك ممتنع بان يتوجّه الي الشي‌ء في حال توجّهه الي ضدّه العام ذكر البراۤءة لبيان توهّم مَن توهّم ذلك و للردّ عليه و علي مَن يقول احبّ الكل تحظ بالكلّ و لانّ النطق له تكليف خاۤصّ لايسقط بقيام القلب بمعناه و ليتعلّم مَن لايعلم و يتنبّه مَن لم‌يتنبّه و لتشهد به الارواح حين تسمعه و لينتقش في الالواح حين يقرعُهٰا فلما ذكر الموالاة ناسب ذكر ضدها العام لما قلنا فقال و برئتُ الي اللّه عز و جلّ اي امتنعْتُ و لم‌اُطِع و لم‌انقَدْ بظاهري و باطني و سرّي و علانيتي و قولي و فعلي من طاعة اعداۤئكم و محبّتهم و الميل اليهم و الاخذ عنهم و التسليم لهم و الردّ اليهم و التجأْتُ في ذلك الي اللّه عز و جل و استجرتُ به من ذلك الميل و ان يجري ذكره في قلبي و اسارير صدري و اَلّايكلني الي نفسي الامّارة بالسُّوۤء فتميل الي ابويها لانّ كل انسانٍ له ستة آباۤء ابَوا عقله محمد و علي صلي اللّه عليهما و آلهما قال تعالي و وصّينا الانسان بوالديه حسناً من نور ( صفة خ ) محمد صلي اللّه عليه و آله ماۤدّته و هي الأب و من نور صفة علي عليه السلم الباطنة صورته و هي الأُم اذا كان ذلك الانسان مؤمناً لان الصورة صبغ الرحمة باطنه فيه الرحمة و قال الصّادق عليه السلم ان اللّه خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمتِه۪ فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امّه ابوه النور و امّه الرحمة الحديث ، و ان كان الانسان كافراً او منافقاً فمن ظل صفة علي عليه السلم الظاهرة و ظاهره من قبَله العذاب لانّ عليّاً عليه السلم شفاۤءً و رحمةً للمؤمنين و لايزيدُ الظالمين الّا خساراً و ابَوا نفسه الامّارة بالسوۤء الاوّل و الثاني و ان جاهداك علي ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلاتطعهما فمادّتها من الاوّل من سجّين و طين خبال و صورتها النكري و الشيطنة قال تعالي تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر و هو الثاني و المنكر صفته يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا فمن الاوّل الأب و من الثاني الام و ابَوا الجسم الابوان المعروفان و صاحبهما في الدنيا معروفاً و برئت الي اللّه عز و جل من اعداۤئكم اي لذتُ الي اللّه و اعتصمتُ به من ان يميل قلبي او يجري في فكري او ينطق لساني بذلك و انّما كانت الولاية الركن الايمن من الدّين لانها المقصود و المدد و انّما كانت البراۤءة الركن الايسر من الدين لانّها نفي المنافي بعد الثبوت لانه في عالم الكثرة لم‌تتحقّق الولاية الحق الّا بالبراۤءة لكون الولاية في حكم الجهل و ما يصل اليه الجهل و ما قد يلمّ به اعمّ من الولاية الحقّ لحضور الولاية الباطل عند الولاية الحقّ في مشهد الكثرة و الجهل فكانت البراۤءة هي الركن الايسر للحوقها للولاية و انّما كانت ركناً لاعتبار الملازمة بينهما و انّما اعتبرت الملازمة لانّ المكلّف لاينفك عن الفعل او الترك و الولايتان متنافيتانِ تَنافياً كُلِّيّاً ففعلُ شي‌ءٍ في احدي الولايتَيْنِ ترْكٌ له في الولاية الاخري و تروك الولاية الحق واجبات ففعل هذه التروك محرمات فيها و هي افعال الولاية الباطل و افعال الولاية الحق واجبات و تروكها محرمات فيها و هي تروك الولاية الباطل فمن ترك واجباً من اللّه فقد فعل تركاً معتبراً في الولاية الباطل و مَن فعل محرّماً عند اللّه فقد فعل فعلاً معتبراً في الولاية الباطل فلايخلو المكلّف عن احدهما ابداً فالولاية الباطل ضدّ عاۤم للولاية الحق و كلّ فعل او ترك فيها فهو ضدّ عام لنقيضه في الولاية الحق فكانت الولاية الحق لاتتقوّم في مشهد الكثرة الّا بالبراۤءة من الولاية الباطل ،
و قوله عليه السلم : و من الجِبْت و الطاغوت
عطف تفسيري او خاص علي عاۤمّ و الجِبْت الصنم و الكاهن و السّاحر و السِّحر و الذي لا خير فيه و كلّ ما عُبِدَ مِن دون اللّه تعالي و في حديث الباقر عليه السلم المراد به الاول و في القاموس الطاغوت اللّات و العُزَّي و الكاهن و الشيطان و كل رأس ضلال و الاصنام و كل ما عبد من دون اللّه و مردة اهل الكتابِ ه‍ ، و الطاغوت فلعوت مقلوب طغَي و هو تجاوز الحدّ و يجيۤ‌ء مفرداً كقوله تعالي يريدون ان يتحاكموا الي الطاغوت و جمعاً كقوله تعالي و الذين كفروا اولياۤؤهم الطاغوت و يجمع مفرده علي طواغيتَ و كذلك الجبت يجمع علي جوابيت و في الدعاۤء اللهم العن الجوابيت و الطواغيت و كلّ ندٍّ يدعَي من دون اللّهِ ه‍ ، و في حديث الباقر عليه السلم المراد بالطّاغوت الثاني و فيما كتب الرضا عليه السلم للمأمون في الحديث الطويل الذي جمع فيه كثيراً من الاصول و الفروع قال عليه السلم و لا اِيْمانَ اِلّا بِالبراۤءةِ مِنَ الجبت و الطّاغوت اللَّذَيْنِ ظَلَمٰا آل‌محمّدٍ حقّهم و اَخذا ميراثهم و غصَبا خمسهم و اخذا فدك من فاطمة صلّي اللّه عليها و هَمّا باحراق البيت و الصكّ عليها و غيّرا سنّة نَبيّهم صلي اللّه عليه و آله ه‍ ، و الصَّكُّ هُنا الباب ،
و قوله عليه السلم : و الشياطين و حزبهم الظّالمينَ لكم الي آخره
يراد منه في الشياطين الخواۤصّ مثل ودٍّ و سُواع و يغوثَ و يعُوقَ و نسرٍ و الحمار و السّامري و الانصاب و الازلام او مطلقاً و يدخل فيه المذكورون و السلسلة التي ذرعها سبعون ذراعاً بذراع ابليس و في حديث الرضا عليه السلم الطويل المذكور قال عليه السلم و البراۤءة من الناكِثَيْن ودٍّ و سُواعٍ و اراد بهما طلحة و الزبير قال (ع‌) اللّذينِ هتكا حجاب رسول اللّهِ صلي اللّه عليه و آله و نكثا بيعة امامهم و اخرَجا المَرْأةَ و حاربَا اميرَالمؤمنين عليه السلم و قتَلا ش۪يعةَ رَسولِ اللّه صلي اللّه عليه و آله المتقين و البراۤءة من يغوثَ نعثل الذي ضرب الاخيارَ و نفاهم و شرّدهم في البلدان و آوَي الطُّرَداء و اللُّعَنَاۤءَ وَ جعل الاموال دُولةً بين الاغنياۤء منهم و استعمل السفهاۤء و البراۤءة من يعوقَ و نسرٍ معوية و عمرو بن العاص و اتباعهم الّذين حاربوا اميرالمؤمنين عليه السلم و قتلوا المهاجرين و الانصار و اهل الفضل و الصلاح من التابعين و البراۤءة من الحمار الذي يحمل الاسفار ابي‌موسي الاشعري و اهل ولايته و البراۤءة من السّامري و اصحابه الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعاً اولٰۤئك الذين كفروا بٰاياتِ ربهم بولاية اميرالمؤمنين عليه السلم و لقاۤئه ان يلقوا اللّهَ بغير ولايته و امامته فحبطت اعمالهم فلانقيم لهم يوم القيمة وزناً كلاب النارِ ، اقول في كلام اميرالمؤمنين عليه السلم و هو يخطب في البصرة بعد رجوعه من وقعة الجمل و كان الحسن البصري مستتراً و يكتب كلماته عليه السلم لينسبها اليه فزجره و قال مه ثم قال عليه السلم اَما انَّ لكل امّةٍ سامري و سامري هذه الامّة هذا ، قال الرضا عليه السلم و البراۤءة من الانصاب و الازلام ائمة الضلالة و قادة الجور كلّهم اوّلهم و آخرهم و البراۤءة من الشقيّ المرادي نظير عاقر الناقة الذي كان اشقي الاولين و الٰاخرين و البراۤءة من يزيد بن معوية لعنهما اللّه و اصحابه الذين قتلوا الحسين بن علي عليهما السلم الحديث ، اقول انه عليه السلم ذكر البراۤءة من هؤلاۤء بعد ذكر الايمان فقال و الايمان اداۤء الفراۤئض و اجتناب المحارم و هو معرفة بالقلب و اقرار باللسان و عمل بالاركان الي ان قال و نؤمن بعذاب القبر و منكر و نكير و البعث بعد الموت و الحساب و الميزان و الصراط و لا ايمان الّا بالبراۤءة من الجبت و الطاغوت الي آخر ما تقدم فدلّ علي ان البراۤءة ركن للولاية العاۤمّة الكلّية التي هي جميع ما يريد اللّه من المكلّفين في مقام التكليف الذي عبّرنا عنه سابقاً بمقام الكثرة و الجهل كما اشرنا اليه و علي تفسير الشارح للشياطين ببني‌اُميَّة و بني‌العبّاس الذين هم السلسلة التي ذرعها سبعون ذراعاً بذراع ابليس ثلثون من بني‌اميّة و مَن ترأّسَ لهُمْ من اتباعهم و اربعون خلفاۤء بني‌العبّاس و في تفسير علي بن ابراهيم قال معني السلسلة السبعون ذراعاً في الباطن هم الجبابرة السبعون ه‍ ، يعني الثلاثين من بني‌اميّة و الاربعين من بني‌العباس فعلي ذلك يكون ضمير في حزبهم يعود علي السّبعين و من ذكر قبلهم ممّن تقدّم عليهم و يجوز ان يراد بالشياطين مَن ذكره الرضا عليه السلم في الحديث السابق بخصوصهمْ فيكون الحزب شاملاً لبعض الثلاثين و كل الاربعين و اتباع الجميع المشاركين لهم الي يوم القيمة و في تفسير القمّي عن الصادق عليه السلم او كظلمات فلان و فلان في بحر لجيّ يغشاه موج يعني نعثلاً من فوقه موج طلحة و الزبير ظلمات بعضها فوق بعضٍ معوية و يزيد و فتن بني‌اميّة الحديث ، و البحر اللجّيّ هو الدنيا و في الحديث الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير الحديث ، و قد جعل الاول و الثاني ظلمات و من بعده ممن ذكر ظلمات و جعل بعضها فوق بعضٍ يشعر بان الاربعين داخلون في الحزب و الحاصل انا اذا اعتبرنا في البراۤءة الضدّية العاۤمّة للولاية الحقّ العاۤمّة دخل في المتبرأ منهم كل ظالمٍ من الصامت و الناطق حتّي نشترط في كمال الايمان الولاية للارض و الماۤء العذبَيْن و البراۤءة من الارض و الماۤء المالحَيْن و الظالمين لكم يشمل كلّ من ادّعَي ما ليس له فانّه ظلم لٰال‌محمد لانهم صلّي اللّه عليهم حقّهم الحقُّ في كل شي‌ء فمن تعدَّي حدّاً من اللّه فقد ظلمهم عليهم السلم و الجاحدين لحَقّكم يدخل فيه كلّ من عرف انّ حق آل‌محمّدٍ صلّي اللّه عليه و آله الحقّ و تعدّي حدّاً من حدود اللّه بعد العلم اي المعرفة الذوقية بذلك و الجاهل بذلك ناقص الايمان الّا انّه لايدخل في ذلك فان كان من اهل المحبّة لاهل البيت عليهم السلم فاولٰۤئك يبدّل سيّئاتهم حسنات و ان لم‌يكن من اهل المحبّة و الولاية فامره مُرجي لامر اللّه فاذا قامت قيامته حاسبه بعمله فاِمّا الَي الجنَّةِ و اِمّا اِلَي النَّار و المارقين من ولايتكم كالخوارج اوْ اعمّ و الغاصِب۪ين لأرثكم كمن تقدّم اوّلاً و يدخل فيهم كلّ من اتّبعهم علي ذلك و الارث كفدك و العَوالي و الخمس و الجلوس للحكم و التولّي لأمور المسلمين و التسلّط عليهم و امثال ذلك و امّا ميراثهم الحقيقي الذي هو العلم و آثار الانبياۤء و دلاۤئل الامامة فان ذلك عندهم لايمكن احد من الخلق علي ازالته عن رتبته التي وضعه اللّه فيها الشّاكّين فيكم يدخل في هذا كل من دخله شك اوْ ريب في امامتهم و كونهم حجج اللّه المفترضين الطاعة علي المكلّفين و في شي‌ء من فضاۤئلهم الظاهرة المشهورة و فيما ورد في حقهم من بعد ما تبيّن له الهدي و امّا مَن لم‌يعلم فحكمه الارجاۤء لأَمر اللّه يوم القيمة و كذلك حكم المنحرفين عنكم من بعد ما تبيّن له الهدي و من كل وليجةٍ دونكم الوليجة البطانة و الاصل من يتّخذه الرجل لسرّه و يعتمد عليه بخلاف ما يظهر للناسِ و كل من اتخذ وليجةً من دونهم عليهم السلم بعد البيان من اللّه فهو يعبد وليجتَهُ من دون اللّهِ من حيث لايدري و اليه الاشارة بقوله تعالي و يوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين اشركوا اين شركاۤؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم‌تكن فِتنَتهُمْ الّا ان قالوا واللّهِ ربِّنا ماكنّا مشرِكين انظر كيف كذبوا علي انفسهم و ضلّ عنهم ما كانوا يفترون ، و يقول الصادق عليه السلم في الحديث السابِق في الايمان قال (ع‌) هيهات فات قوم و ماتوا قبل ان يهتدوا و ظنّوا انهم آمَنُوا و اشركوا من حيث لايعلمون ، و كل مطاعٍ سواكم اي كلّ مطاع سواكم فهو مطاعٌ في معصيَةٍ من جميع الخلقِ و كلّ مَنْ اُط۪يعَ من جميع الخلق في طاعةِ اللّهِ فهو طاعتهم و اُط۪يعَ لهم و ليس هو اذْ ذاكَ سواهم سواۤء علِم المطيعُ او المُطَاعُ بذلك ام لا و الاصل في هذا ما ذكرناه سابقاً انّ ما كان للّهِ فهو لهم و ما كان لهم فهو للّهِ و ما لايكون للّهِ لايكون لهم و ما لايكون لهم لايكون للّه الّا انّا سابقاً بيّنّا دقيقةً يفرق بها بين الحقّ و الباطل و هو انّ ما يكون لهم لا بدّ و ان يكونَ صحيحاً و حقاً و لايكون لهم شي‌ء من الباطل فايّما عمَلٍ اُوقعَ لهم خاۤصّة فليس للّه و ليس لهم لانه عمل باطل و ليس للّه و ليس لهم الّا الحق و ايّما عَملٍ اُوقِع للّه خاۤصّة فهو لهم لانه حقّ و صحيح فاذا اخلص العملُ للّهِ كان صحيحاً و صحّ اَنْ يكون لهم لانّ اللّه سبحانه غنيّ عن كلّ شي‌ء و انّما اَمر بالاعمال لهم و علي اللّه سبحانه جزاۤء مَن اطاعَهُ في ذلك و انّما اَمر بعبادته خاۤصّة لتصحّ العبادة و لو وقعَتْ لهم عليهم السلم كانت باطلةً و لايصل اليهم منها شي‌ء و انّما كانت الاعمال لهم لانّها زرعهم وَ مَنْ زَرَع حَصد و قد تقدّم بيان كون هذا زرعهم في خلال هذا الشرح في مواضع متفرِّقة فراجع و من الائمة الذين يدعون الي النار و هم الذين اتخذوا الٰههم هواهم لانّهم يحكمون بما يوافق اغراضهم و شهوات انفسهم و علي مقتضي حواۤئجهم و قد ائتمّوا بهم و السُّفل و من يريد اللّه اضلاله لم‌يقبل الحق من اللّه فيكله الي نفسه فيأتمّ بامثال هؤلاۤء الائمة ائمة الضلال الذين حكي اللّه تعالي عن قولهم يوم القيمة لمن اضلّوهم فحق علينا قول ربّنا انّا لذاۤئقون فاغويناكم انا كنا غاوين ، و في الكافي عن الصادق عليه السلم ان الامام في كتاب اللّه تعالي امامانِ قال اللّه تعالي و جعلناهم ائمةً يهدون بامرِنا لا بامرِ الناس يقدمون امر اللّه قبل امرِهم و حكم اللّه قبل حكمهم قال و جعلناهم ائمةً يدعون الي النار يقدِّمون امرهم قبل امر اللّهِ و حكمهم قبل حكم اللّهِ و يأخذون باهواۤئهم خلاف ما في كتاب اللّه عز و جل ه‍ ، فان قلت كيف يمكن ممّن يتصف بالتمييز اَنْ يفعل شيئاً يدخل به النار مع علمه بذلك و يقينه كما اخبر اللّه عن علمه بذلك و قصده اليه قال تعالي و جعلناهم ائمّة يدعون الي النّار و قال تعالي فحقّ علينا قول ربّنا انا لذاۤئقون فاغويناكم انّا كنا غاوين فانهم اخبروا في الٰاخرة عن حالهم في الدنيا انّا لمّا حقّت عَلَيْنا كلمة ربّنا بتعذيبنا اغويناكم و الاغواۤء في الدنيا قلتُ انّ الكافر و المنافق لا بدّ و ان يكون عالماً بما دُعِي اليه انّه حقّ بحيث لايجهل شيئاً و الّا لماقامت الحجة عليه لانّ اللّه تعالي بكرمه و لطفه و غناه عمّا سواه انما اَمر عبادَهُ و كلّفهم لصلاحهم و نفعهم كما قال تعالي يريد اللّه بكم اليسر و لايريد بكم العسر و لايكلِّف الغَافل و لا الجاهل بما يؤمر به و لايحمل علي غير العالِم بما يُؤمَرُ به فابانَ علي اَلْسِنَةِ اوْلياۤئِه۪ ليس علي العباد ان يعلموا حتي يُعَلّمَهُم اللّهُ الناس في سعةٍ ما لم‌يعلموا و قال تعالي و ماكان اللّه ليضلّ قوماً بعد اذ هديهم حتّي يبيّن لهم ما يتّقون ، و ماكنا معذّبين حتي نبعث رسولاً ، و من يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدي و امثال ذلك و لو كلّف الغافل لكان تكليفاً بما لايطاق و هو قبيح عقلاً لايفعله الغني المطلق و لو حمل علي الجاهل لكان ظلماً و ما رَبُّكَ بظلّام للعبيد و امّا قوله تعالي و هم يحسبون انّهم يحسنون صنعاً فذلك جهل بين عِلْمَيْنِ و يَقينٌ بين شَكَّيْنِ و العلّة في ذلك ان اللّه سبحانه خلقَ كلَّ شي‌ءٍ علي صفةِ ما تعرّفَ لَهُ به و مَاتعرّفَ لشي‌ءٍ الّا بالحقِّ المبين لانه سبحانه هو الحق المبينُ و حقيقةُ كلِّ شي‌ء ما تعرّفَ له به و لم‌يكلّفه بشي‌ء الّا بوصف ما تعرّفَ له به لانَّ جميعَ الافعال صفات الفاعلين فكل فعلٍ فهو صفةُ فاعلِه۪ فلمّا ابرزَ من كتم غيبِ الامكانِ ما تعرّفَ به له الذي قلنا انه حقيقته وجب ان تكونَ له اِنِّيّة من نفسه اذ لايمكن اَلّايكون هو ايّاه و يتميّز في نفسه عند نفسه فذلك الفاۤئض البارز هو وجوده و ماۤدة كونه المقبولة و تلك الانّيّة اللازمة هي ماهيّته و صورته و قابليته للتكوين و هذا معني قولهم كل شي‌ء مكوّن فله اعتبارٌ من ربه و اعتبار من نفسه فالاعتبار الذي من ربّه هو نور اللّه و هو وجوده و هو مادّته و هو ما تعرّف له به و الاعتبار الذي من نفسه هو ظلمة فقره و هو ماهيّته و هو صورته و هو ما عرف به نفسه انه هو فكلّما ترك اعتبار نفسه و عمل باعتبار ما من ربّه قوي نوره و استقامت فطرته و اعتدل مزاجه و استنار عقله و هكذا الي اَنْ يفارق الاضداد و الي مثل هذا المَقام اَشارَ تعالي بقوله مازال العبد يتقرّب اليّ بالنوافل حتّي اُحِبَّه فاذا احببته كنتُ سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده الذي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكت ابتدأته ه‍ ، و كلّما ترك اعتبارَ ما من ربه و عمل باعتبار نفسه قويت ظلمته و تغيّرت خِلقتُه و تبدّلت فطرته و اعوجّ مزاجه و طبع علي قلبه و هكذا الي اَن يري الحقّ من جهة تغييره لخِلقته باطلاً و الباطلَ حقّاً و ليس هذا داۤئماً عليه لانّ خِلقته التي من اللّه موجودة فباِبصاره بعين فطرته يري الحقّ حقاً و الباطل باطلاً و باِبصاره بعَين الصورة المتغيّرة يري الحق باطلاً و الباطل حقاً و مثال هذا ما نقل بعض الثقات انه رأي مِرْءَاةً اتي بها من عمل الافرنج اذا نظر فيها الانسان يري وجهه وجه كلبٍ لانّهم في صبّ زجاجتها عوّجوها فاذا نظر فيها انطبعت الصورة علي حسب الزجاجة كما اذا رأيتَ وجهك في السيف المصقول فانك تراه طويلاً متغيراً تغيّراً فاحشاً في الدّقةِ و الطول اذا نظرتَ فيه بالطول و تري الوجه عريضاً عرضاً فاحشاً اذا نظرتَ فيه بالعرْض فمن جهة اصل فطرة الانسان يري وجهه في تلك المرءاة الافرنجية له عينان و انف و جبهة و فم و لايري صورة جماد كصورة الجدار او الشجرة و من جهة تغيّر الزجاجة التي هي القابلة لايري وجه انسانٍ و انّما يري وجه كلب و ذلك لتغيّر الهيئةِ كذلك الانسان خلق في احسن تقويم لانه صفة ما تعرّفَ به الحق سبحانه له فانّه انّما تعرّف له بالحقّ ثم ردّه بعمله السيّ‌ء اسفلَ سافلين لانّ هذا هو صورته حين غيّرَها عن فطرةِ اللّهِ التي فطره عليها و بدّلها كان صفة هذا التغيير و التبديل اسفل سافلين كما كان صفة التغيير و التبديل في تلك المِرءٰاة صورة كلب فافهم فلمّا كان هؤلاۤء المغيّرون و المبدِّلون لخلق اللّه و المبتِّكون آذانَ الانعام خلقوا علي فطرة الحق الّتي هي صورة تعرُّفِ اللّه تعالي له و هي الصورة الانسانية التي هي صفة الحقّ كما ذكرنا سابقاً بانّ الصورة الانسانية شكلها مركّب من حدود و هي علم و حلم و تقوي و زهد و يقين و معرفة و صلاح و تصديق و تسليم و رضي و مروّة و شجاعة و كرم و عفو و تجاوز و صفح و صبر و غير ذلك و مَن كانت هذه صفته يقبل الحق و يعتقده و يستقيم عليه فلمّا اُمِرَ هؤلاۤء بمقتضي ما فُطِروا عليه و ذكروا به في الدعوة الالهيّة عتوا و عصوا و خالفوا جميع ما امروا به و هو تغيير خلق اللّه و تبْديله و تبتيك آذان الانعام و هذه صورة اِنكار ما تَعرَّفَ لهم به خالقهم و هي الصورة الحيوانية ان هم الا كالانعام و الصّورة الشيطانية شياطين الانس و الجنّ و شكلها مركّب من حدود و هي جهل و خرق و تهتّك و طمع و شكّ و انكار و طلاح و تكذيب و اعتراض و سخط و شره و جبن و بُخْل و مناقشة و مقاۤصّة و محاسبة و جزع و غير ذلك و مَن كانت هذه صفته يقبل الباطل و يعتقده و يستقيم عليه فلمّا كانت الحالتان موجودتين فيهما كان يعرف الحق بالفطرة الاصلية و يقبل الباطل بالصورة التبديلية فهو لايستقر علي حالٍ يعرف الحق انّه حقّ و يتركه بالصورة الثانية و ينكر الباطل بالاولي و يقبله و يعمل به بالثانية و هكذا حاله و من يرد ان يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعَّدُ في السَّماۤء فاخبر سبحانه عن معرفتهم بالحق و قبولهم للباطل فقال و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم ظلماً و علوّاً ، فاذا عرفتَ ما فصّلنا لك ظهر لك الجواب في كل ما ذكرتَ من السّؤال و عرفتَ الصواب فهم يعرفون حقّيّةَ كلّما كُلِّفوا به بالصورة الاولي و يجحدونه و يعملون بخلافه بالثانية و يعلم انّ عمله هذا موجب لدخول النار بالاولي و ينكر وجود النار و البعث بالثانية فيدعوه انكاره هذا لوجودِ البعث و الجنّة و النّار الي العَمل بما يوجب دخول النّار و يدعو اتباعه الي ذلك فهؤلاۤء الائمة يدعون الي النار و هم يعلمون في حال و هم لايعلمون في اُخْري و هذه احوال الائمة و الدعاة الي النار و اكثر اتباعهم ممّن عرف و من لم‌يعرف موقوف لامر اللّه كما تقدم فافهم ،
و قول الشارح (ره‌) لانهم قاۤئلون بانّ ائمّتنا داعون الي الجنّة بلا خلاف بينهم فيه شي‌ء لان اتباعهم علي ثلاثة اقسام : قسم منهم تبيّن لهم الحقّ و عاندوا عليه بعد ان بيّنَ لهم اللّه الحق في انفسهم فهؤلاۤء في دعويهم و اعتقادهم في ائمّتهم مثل ائمّتهم فيما ذكرنا من الشك و التردّد لاجل مقتضي الصورتين و قسم منهم تبيّن لهم الحق فكتموا امرهم فهم يعملون بعمل ائمّتهم و يقولون بقولهم ظاهراً و لهم في انفسهم احوال متعددة منهم من يقرّ بخطأ ائمتهم و لكنه لملازمته لعملهم قد يختم له بالسّوۤء لانّ العمل هو الذي يحدث اللّه به الصورة من احدي الصورتين فان كان يعمل بعملهم غير معتقدٍ له بل اذا تمكن من العمل الحق عمل به فهذا مؤمن و ان كان لايعتقده و لكن لايعمل بالحق مع التمكن فهذا فاسق ينظر اللّه في يوم تقوم قيامته في حياته او يوم القيمة و ان كان يعتقده و لم‌يتبيّن له الهدي فهو مرجي لامر اللّهِ و ان تبيّن له الهدي فهو منهم لان الاعمال السيئة ترين علي القلب و تخرجه من الحق الي الباطل كلّا بل رانَ علي قلوبهم ما كانوا يكسبون و قال تعالي و قالوا قلوبنا غلف بل طبع اللّه عليها بكفرهم فلايؤمنون الّا قليلاً اي الّا قليلاً ممّن كفر علي جهلٍ و لم‌يتبين له الحق اوْ الّا قليلاً من احوالهم يؤمنون و لاينفعهم لانّهم مقيمون علي اعتقاد الكفر بعد البيان و من هذا القسم الثاني ابوبكر بن قريعة من علماۤئهم و قد سئل عن ما هم عليه في خلوة فقال للساۤئل :
يا من يسائلُ داۤئباً       ** * **      عن كل مسئلةٍ سخيفة
لاتكشِفنّ مغطّأً       ** * **      فلربّما كشّفتَ ج۪يفة
و لرُبَّ مستورٍ بَدا       ** * **      كالطبلِ من تحت القطيفة
لولا حدود صوارم       ** * **      امضي مضاربَها الخليفة
و سيوف اعداۤءٍ بها       ** * **      هاماتُنَا ابداً نَق۪يفة
لكشفتُ من اسرار آل‌محمد جُمَلاً طر۪يفة
تُغْن۪يكُم عمّا رواه مالكٌ و ابوحنيفة
و اَرَيْتكم انّ الحسين اُص۪يبَ في يوم السقيفة
و لايّ شي‌ءٍ اُلْحِدَتْ       ** * **      بالليل فاطمةُ العَف۪يفة
و لِمٰا حمَتْ شَيْخَيْكمُ       ** * **      عن وطئِ حجرتها المُن۪يفة
آهٍ لبنتِ محمّدٍ       ** * **      ماتَتْ بغُصَّتِها اَس۪يفة
انّ الجوابَ لَحاضرٌ       ** * **      لٰكنَّن۪ي اُخْف۪يه خ۪يفة
و كلامه هذا كما تري ظاهر الانكار عليهم و اللّهُ اعلم بما في قلبه و قسم منهم لم‌يتبيّن لهم الحق فهؤلاۤء لا حكم لاقرارهم و لا انكارهم حتي يتبيّن لهم الهدي في الدنيا او في الٰاخرة فيلحق باحد الفريقين فريق في الجنّة و فريق في السّعير و كثير من هؤلاۤء شاهدناهم اذا رضي عليهم او غضِب علينا اثني علي ائمّتِه۪ و جعلهم الدعاة الي الجنّة و اذا غضِب عليهم او رضي علينا طعن عليهم و ربّما لعنهم و اذا كانت اتباعهم علي هذه الاقسام فلايقال بقول مطلق انهم قاۤئِلون بانّ ائمّتهم داعون الي الجنّة بلا خلافٍ .
قال عليه السلم : فثبَّتَنِي اللّٰه ابداً ما حَ۪ييتُ ( ما بقيتُ خ‌ل ) علي موالاتكم و محبّتكم و دينكم
مقتبس من قوله تعالي يثبّت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الٰاخرة ، و في الكافي عن سويد بن عُفَلة عن اميرالمؤمنين عليه السلم في صفة الحساب في القبر الي ان قال فاذا ادخل قبره اتاه ملكا القبر يجرّان اشعارهما و يخدّان الارض باقدامهما و اصواتهما كالرعد العاصف و ابصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له مَنْ ربّك و ما دينُكَ وَ مَنْ نبيّك وَ مَنْ اِمَامُكَ فيقول اللّه ربّي و الاسلام ديني و نَبِيّي محمّد صلي اللّه عليه و آله و امامي علي فيقولان له ثبّتكَ اللّه فيما يحبّ و يرضي و هو قول اللّه عز و جلّ يثبّتُ اللّهُ الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الٰاخرة الحديث ، و في الفقيه و قال الصادق عليه السلم انّ الشيطان ليأْتي الرجل من اولياۤئِنا عند موته عن يمينه و عن شماله ليضلّه عما هو عليه فيأبي اللّه عز و جلّ له ذلك و ذلك قول اللّه عز و جل يثبّت اللّه الّذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الٰاخرة و غير ذلك من الاحاديث و لما كانت القلوب قد تزيغ و تتقلّب امر اهل العصمة عليهم السلم شيعتهم بان يقولوا كلّ يوم يا مقلِّب القلوب و الابصار ثبّت قلبي علي دينك و دين نبيّك صلي اللّه عليه و آله و لاتزغ قلبي بعد اذ هدَيْتَني و هب لي من لدنك رحمة انك انت الوهّاب ، لانّ القلوب و ساۤئر الممكنات انّما تقوم بامر اللّه و لا قوام لها من نفسِها الّا ان الاشياۤء مختلفة في لزوم الصفات لموصوفاتها و التوابع لمتبوعاتِها لانّ الوصف ان كان للصورة الاولي الاصليّة كان لزومها اشدّ و انفكاكها ابعد و ان كان يجوز عليها ذلك ففي حديث التكليف الاوّل في عالم الذرّ في حكم قبض قبضةً بيمينه فقال للجنّة و لااُبالي و قبض قبضةً بشماله فقال للنار و لاابالي و اشترط لنفسه البداۤء في اصحاب الشمال و لم‌يشترط ذلك في اصحاب اليمين و ذلك لان الصفة اللازمة من اعمال اصحاب الشمال من الصورة الثانية التي هي الشجرة المجتثّة بخلاف الصفة اللازمة من اعمال اصحاب اليمين من الصورة الاولي التي هي الشجرة التي اصلُها ثابت فالملزوم في المجتثّة اصله عدم اي مستنِد الي الافتقار و الملزوم في الثابتة اصله وجود اي مستند الي الاستغناۤء بمدد الغني و لذا كان اللزوم في الخير اشدّ من اللزوم في الشر و الانفكاك في الخير اَبْعَد من الانفكاك في الشرّ و لمّا اسْتقَرّ اليقين عَلَي معني ما ذكر ممّا وصفهم به و نسبه اليهم و انّه سبيل الهدي و طريق النجاة من النار و غضب الجبّار و طريق النجاح و الظفر بالجنان و رضي الرحمن اغتبطَ بما تفضّل به عليه مولاه المتفضّل المنان و استحقَر نفسه في مقام عظيم هذه النعمة الكبري سأل ربه الذي ابتدأه بهذا الفضل العظيم من غير استحقاق اَنْ يُثبِّتَه عليه ما ابقاه يعني في الدنيا الّتي هي محلّ التبدّل و التغيّر لانّه ان لم‌يعصمه المتفضّل ابتداۤءً غيّر ما بنفسه فيغيّر اللّهُ ما به من نعمة فاذا ثبّته علي ذلك الي الموت استقرّ الفضل مقرّه و لم‌يخف عليه بمجري عادة الفضل و لمّا كان سبحانه لايسئل عمّا يفعل و هو علي ما يشاۤء قدير فان ابقاه فهو ملكه اَدامَهُ علي ملكه و ان شاۤء ان يغيّره فالملك له يتصرّف في ملكه كيف يشاۤء اذ لم‌يكن له شريك في الملك امر بالدعاۤء بالتّثبيت في الدنيا التي هي محلّ التغيّر الكوني و في الٰاخرة التي هي محلّ التغيّر الامكاني و الخلق كله له و في قبضته في الدنيا و الٰاخرة و دعاۤء منكر و نكير كما مر في الحديث للمؤمن مع انه خرج من دار التغيّر الكوني بالتثبيت في الدنيا و الٰاخرة من ذلك القبيل لان الٰاخرة و الدنيا في التغيّر الامكاني سواۤء الا له الخلق و الامر و اليه يرجع الامر كله الا الي اللّه تصير الامور و انّما امرَ بالدُعاۤء مع اَنّ السببَ في التثبيت الاعمال الصالحة لانّ الدعاۤء هو الركن الاعظم من السبب من جهة انه من القدر بمنزلة الروح و العمل بمنزلة الجسد كما قاله علي بن الحسين عليهما السلم لما سأله رجل فقال جعلتُ فداك أبقدر يصيب الناس ما اصابهم ام بعمل فقال عليه السلم ان القدر و العمل بمنزلة الروح و الجسد فالروح بغير جسد لاتحسّ و الجسد بغير روح صورة لا حراك بها فاذا اجتمعا قويا و صلحا كذلك العمل و القدر الحديث رواه في التوحيد ، و في كثير من النسخ ما بقيتُ مكان ما حييتُ و المراد من اللفظتين هو انّ المراد بالحيوة في دار الدّنيا و بالبقاۤءِ ( دار الٰاخرة ، نسخة ) و انما خصّ التّثبيت بالدنيا لما قلنا من انّها هي دار التغيّر الكوني فاذا سلم في الدنيا الي ان خرجت روحه سَلِمَ من التَّغَيُّرِ و الانقلاب غالِباً لمن محض الايمان محضاً اوْ محض الكفر محضاً امّا من لم‌يمحض فحكمه موقوف علي بلوغه مقام المحض سواۤء كان في الدّنيا او في الٰاخرة .
و قوله (ع‌) : علي موالاتكم
المرادُ به المُوَالاةُ الصُّوريّةُ و لهذا عطف عليها المحبّة و الدّين و العطف يقتضِي المغايرة و لو اريد بها الولاية الحقيقيّة لَماعطف عليها المحبّة و الدين اذ كلّ شي‌ء مما يحبّ اللّه و يريده من اَحدٍ من خلقه فهو من الولاية الّا ان يراد بالعطف عطف الخاۤصّ علي العام كما قيل في قوله تعالي فيهما فاكهة و نخل و رمّان و عطفهما علي فاكهة مع انهما منها لزيادة مزيّة لانّهما لم‌يخلصا للتفكّه لان ثمرة النخل فاكهة و طعام و الرمان فاكهة و دواۤء كذلك المحبّة و الدين فان المحبّة ربّما تكفي عن ظاهر الولاية حتي ان الاخبار وردت من الفريقين بما ظاهره الاكتفاۤء بها في النجاة يوم القيمة مثل ما رووا من طرقٍ متعدّدة انّما سمّيت فاطمة لان اللّه فطم محبّها و محبّ محبّها و محبّ محب محبّها من النار في عدة احاديث لم‌يكن عندي الكتاب الذي وجدتها فيه و لكن هذا محصّل معني اكثرها و مثل ما روي من طرقهم ايضاً كما رواه ابن‌شاذان عنهم و قد تقدم و من طرقنا ايضاً ما معناه قال تعالي اقسم بعزّتي و جلالي اني ادخل الجنّة مَن احبّ عليّاً و ان عصاني و اقسم بعزتي و جلالي اني ادخل النار من ابغض علياً و ان اطاعني و الاحاديث في ان حبّهم منج من النار لاتكاد تحصي و كذلك الدِّين فانه في الظّاهر غير الولاية و في الكافي قال ابوعبداللّه عليه السلم يسئل الميتُ في قبره عن خمس عن صلاته و زكاته و حجه و صيامه و ولايته ايّانا اهل البيت فتقول الولاية من جانب القبر للاربع ما دخل فيكن مِن نقصٍ فعلَيّ تمامه و في رواية عن احدهم عليهم السلم ما معناه اذا دخل المؤمن في قبره دخل معه خمس صور صورة عن يمينه و صورة عن يساره و صورة من قِبَلِ رأسه و صورة من قِبَل رجليه و صورة ترفرف من فَوْقه۪ فيأتيه العذاب من عن يمينه فتدفعه الصورة التي عن يمينه و يأتيه من يساره فتدفعه الصورة التي عن يساره و يأتيه من قبلِ رأسه فتدفعه الصورة التي من قبل رأسِه و يأتيه من قبل رجليه فتدفعه التي من قبَل رجليه فتقول الصورة التي تُرَفْرِف من فوقه لهن ما نقص منكن فعَليَّ تمامُه و ان عجزتم فانا اكفيكم ايّاه فقال الساۤئل له عليه السلم ما هذه الصور فيقول عليه السلم اما التي عن يمينه فالصلوة و امّا التي عن يساره فالزكوة و امّا التي عند رأسه فالصيام و اما التي عند رجليه فالسعي الي المساجد و امّا الّتي تُرَفرِف عليه فولايتنا ، و امثال ذلك من الاخبار و هي تدلّ علي انّ الدّين و الاعمال غير الولاية و المراد بالولاية هنا ولايتهم و ولاية مواليهم و البراۤءة من اعداۤئهم و محبّتهم و محبّة محبّيهم و بغض اعداۤئِهمْ و هي المرادة في هذا الكلام من الزيارة و امّا الولاية المطلقة الّتي مابقي احدٌ من الخلق غيرهم لا نبي مرسل و لا ملك مقرّب و لا مؤمن ممتحن الّا وقع منه تقصير فيها في شي‌ء من احوالها فالمحبّة و الدِّين و جميع الاَعْمال من التكاليف الشرعيّة و الوجوديّة منها .
و قوله عليه السلم : و محبّتِكم
يُراد منه الدعاۤء بالتثبيت علي محبّتهم و هي في الحقيقة منبعثةٌ من الفؤاد لتفرّعها علي المعرفة و اذا انبعثت عن غير الفؤاد لم‌تكن حقيقيّة بل يجوز ان تكونَ لِغَرضٍ لأَن المحبة الذاتيّة الحقيقيّة هي الّتي تكون لمحض الذات مع قطع النظر عن الصفات الفعليّة سواۤء وافقت ارادة المحب ام خالفت لانّها ليست ملحوظة كما قلتُ في بعض قصيدةٍ في الغزل :
فان جفا وَ اِنْ وَفَي وَ اِنْ صَفَي       ** * **      فهو الحبيبُ ايَّ حالٍ ارْتضي
يتبعُه قلبيَ لا احوالَهُ       ** * **      فَلْيَنْقَ من احوالِه بما يَشاۤ
و هذه قد تكون عن معرفةٍ و قد تكون عن جهل فان كانت عن معرفةٍ بصفات المحبوب فلاتكون المحبّة حقيقيّة يعني غير معلّلةٍ الّا بأَحد وجهين : احدهما ان المحب وجد صفات المحبوب عين مطلوبه فيكون حينئذٍ المحبة حقيقيّة فانه اذا احبّ تلك الصفات كانت حقيقيّة غير معلّلةٍ بغير المحبوب فالمحبوب تلك الصفات المطلوبة لا الموصوف و محبّة الموصوف ليست حقيقيّة لانّها معلّلة بصفاته المطلوبة و ان وجدها غير المطلوبة اَوْ وجد بعضَها كذلك لم‌تتحقق الحقيقية الّا علي الوجه الثاني الذي نذكره فالذات ليست مطلوبة و الصفات كذلك فاذا احبّ فهو لطمعٍ او خوفٍ و ثانيهما ان يكون المطلوب للمحب هو ذات المحبوب بغير التفاتٍ الي شي‌ء من صفاته و هنا تكون المحبّة علي الاصح حقيقيّة سواۤء وافقت صفاته ام خالفَتْ و انّما قلتُ علي الاصح لان العلماۤء قد اختلفوا مع ظاهرِ اتّفاقِهم علي انّ المحبّة اذا وقعت من شخص فانّها راجعة الي نفسِ المحبّ و شهوته و هوي نفسه و انما اختلفوا في محبّته للّه سبحانه هل يمكن ان تكون خالصةً للّه تعالي ام تكون كمحبة غيره فانّه انّما احب اللّه تعالي ليدخله الجنّة او ينجيه من النار او ليقرّبه اليه او يعلّمه او يرزقه و امثال ذلك فتكون محبّته راجعة الي نفسه و الاصح امكان وقوعها للّه خالصة بدون التفات نفسه لان المفروض وقوع ذلك من العارف باللّه تعالي و الشخص لايكون عارفاً باللّه سبحانه علي جهة الحقيقة بحيث يشاهد الجمال الحق الّا في حال لايجد نفسه و لا شيئاً من الخلق كما قال علي عليه السلم كشف سبحات الجلال من غير اشارة و قال الصادق (ع‌) دنوّه من الخالق بلا اشارة و لا كيف و هو معرفة النفس التي هي معرفة الربّ و ان كانت عن جهل فقد تحصل الحقيقيّة اذا كان المحبوب حقيقة المحب و المحب فرعه اي خلق من فاضل طينته اي من شعاع نوره كمثل الشيعي مع ائمته عليهم السلم فانّه ربّما يسمع ذكرهم اوْ شيئاً من فضاۤئلهم فيبكي لميل فؤادِه۪ و جعل افئدةً من الناس تهوي اليهم و ليس حين بكي عند ذكرهم رجاۤء للثواب او دفعاً للعقاب و لكن بمجرّد الطبيعة و ميل الفرع الي الاصل فهذه محبّة حقيقيّة غير معلّلةٍ بالاغراض و لاتكون من غير الفرع للاصل مع الجهل فلا تحقّق منه في محبّة اللّه تعالي لعدم كون المحب فرعاً عن اللّه تعالي بمعني انه خلق من فاضل شعاعه و لا من فعله تعالي اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً لأَن المخلوق اصله من الامكان و الامكان محلّ الفعل و الفعل حدث بنفسه و الحاصل قولي اوّلاً و هي في الحقيقة منبعثةٌ من الفؤاد لتفرّعها علي المعرفة تعريف للحقيقية لأَنّ ما لم‌تكن من الفؤاد تكون طلباً لشي‌ء من الاشياۤء في مظاۤنّ وجوده و محبّة اهل البيت عليهم السلم الحقيقية موجبة للنجاة من النار و لدخول الجنّة البتّة و امّا المحبَّة المعلَّلة فتقبل في الدنيا و امّا في الٰاخرة فلا بد من الاختبار حيث اللّه يقول ام حسبتم ان تدخلوا الجنّة و لمّايأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساۤء و الضراۤء الٰاية ، فالمعلّلة لاتبقي و انّما تبقي الامور الحقيقية و امّا الامور العارضة فهي فانية لاتبقي الي الٰاخرة و الي هذا اشار تعالي الاخلّاۤء يومئذٍ بعضهم لبعض عدوّ الا المتق۪ين فظهر لمن تدبر كلامي و فهم مرامي اَنَّ المحبّة الجزئيّة ولايةٌ جزئيّة و هي المنبعثة من الفؤاد و هي احد افراد الولاية الكليّة و المحبّة الكلية هي بعينها الولاية الكليّة لانّ الجزئيّة تَولّي الفؤاد لانها فرع المعرفة بقي تولّي القلب باليقين و التصديق و التسليم و تَولّي النفس بالذكر الجميل و التخيّل الحسن و تولّي اللّسان بالحديث الحسن و الكلم الطّيّب و تولّي الاركان بالاعمال الصالحة التي امر اللّهُ بها فمجموع الجميع هو الولاية الكليّة و المحبّة الحقيقيّة الكليّة و هذه المذكورة في الزيارة هي الجزئيّة لعطفها علي الولاية و عطف الدين عليها او علي الولاية و العطف مقتضٍ للمغايرة .
و قوله (ع‌) : و دينكم
يراد به الطّاعَة و الجزاۤء بمعني اسأل اللّهَ اَنْ يُثَبِّتَن۪ي علي طاعتِكم و لو اريد بعطف المحبّة و الدين العطفَ التّفسيري جازَ كما ذَكرنا هناكَ في المحبّة الكلّيّة فيكون المراد بالدين ما فسّره به بعضهم بانه وضعٌ الهي لاولي الالباب يتناول الاصول و الفروع قال اللّه تعالي ان الدين عند اللّه الاسلام و المراد بالاسلام هنا الايمان الكامل كما يدل عليه قول اميرالمؤمنين صلي اللّه عليه و آله علي ما في الكافي لأَنسبنّ الاسلام نسبةً لم‌ينسبه احد قبلي و لاينسبه احد بعدي الّا بمثل ذلك انّ الاسلام هو التسليم و التسليم هو اليقين و اليقين هو التصديق و التصديق هو الاقرار و الاقرار هو العمل و العمل هو الاداۤء انّ المؤمن لم‌يأخذ دينه عن رأيه و لكن اتاهُ من ربّه فاخذه انّ المؤمنَ يُرَي يقينه في عمله فو الَّذ۪ي نفسي بيده ماعرفوا اَمْرَهُمْ فاعتبروا انكار الكافرين و المنافقين باعمالهم الخبيثة ه‍ ، فهذا الاسلام هو الايمان الكامل و له مراتب مختلفة غير متناهية و هي مراتبُ الولايةِ الكلّيّة و في الكافي عن ابي‌عبداللّه عليه السلم قال ان اللّه تعالي وضع الايمان علي سبعة اسهمٍ علي البرّ و الصِدقِ و اليق۪ينِ و الرضا و الوفاۤء و العلم و الحلم ثم قسم ذلك بين الناس فمن جعل فيه سبعة الاسهم فهو كامل محتمل و قسم لبعض الناس السَّهْمَ و لبعضٍ السهمين و لبعضٍ الثلاثة حتي انتهوا الي سبعة ثم قال لاتحملوا علي صاحب السهم سهمين و لا علي صاحب السهمين ثلثة فتبهظوهم ثم قال كذلك حتي ينتهي الي السبعة و فيه عن شهاب قال سمعتُ اباعبداللّه عليه السلم يقول لو علم النّاس كيف خلق اللّه تعالي هذا الخلق لم‌يَلُمْ احَدٌ احداً فقلتُ اصلحك اللّه و كيف ذاك قال انّ اللّهَ تعالي خلق اجزاۤء بلغ بها تسعةً و اربعين جزءاً ثم جعل الاجزاۤء اَعْشاراً فجعل الجزءَ عشرة اجزاۤء ثم قسمه بين الخلق فجعل في رجل عُشْرَ جُزْءٍ و في آخر عُشْرَيْ جُزْءٍ حتي بلغ به جُزْءاً تاۤمّاً و في آخر جُزءاً و عُشْرَ جُزْءٍ و آخر جُزْءاً و عُشْرَيْ جُزْءٍ و آخر جُزْءاً و ثلٰثةَ اعشارٍ حتّي بلغ به جُزْئَيْن تاۤمّيْنِ ثم بحساب ذلك حتّي بلغ بارْفعِهم تسعة و اربعين جزءاً فمن لم‌يجعل فيه الّا عُشْرَ جُزءٍ لم‌يقدر علي ان يكون مثل صاحبِ العُشْرَيْنِ و كذلك صاحب العُشْرَيْنِ لايكون مثل صاحب الثلاثة الاعشار و كذلك من تَمَّ له جُزْءٌ لايقدر علي ان يكون مثل صاحب الجزئين و لو علم الناس ان اللّه تعالي خلق الخلقَ علي هذا لم‌يَلُمْ احدٌ احداً ه‍ ، فتأمّل في هذه المراتب التي هي الايمان الّذي هو الاسلام الّذي هو الدين و مع هذا فكم فيه من خبايا في زوايا هي من الولاية الكلّيّة و في الحب بالنظر الي اعلي مراتبها كذلك لكن هذه الفقرات بناها عليه السلم علي ما هو المُتَعارف الظَّاهِر .
قال عليه السلم : و وفّقني لطاعتكم و رزقني شفاعتكم و جعلني من خيار مواليكم التّابعين لما دعوتم اليه
اقول توفيق اللّه توجيه الاسباب نحو الخير المطلوب و الاصل في ذلك ان اللّه تعالي جعل لكلّ شي‌ء سبباً و هي من دواعي علّة بَدْئِه۪ من جهة الفَيْض وَ التمكين و من جهة القبول و التمكّن و قد جعل لكل شي‌ء ضدّاً فجعل من جهة الضدّ من دواعي قبضه و تخليته مانعاً و الاسباب و الموانع ناقصة الوجود و التأثير و لاتتم فيهما الّا بالتعلّق بالاشياۤء المقدّرة بها و لايكون المانع اقوي من السّبب المقتضي الّا اذا تساويا في الرتبة و الوقت و المكان و الكمّ و الكيف و الجهة فتبقي الاسباب المثبتة و الموانع النافية شايعة في كلّيّاتِها معلّقة في اُصولها غير متميّزةٍ في انفسِها حتّي ترد المشيّة بالاذن فيتوجّه السّبب الي المسبّب الامكاني بالتمكين و يبقي المسبّب مغموساً في بحر الكمون حتي يتوجّه نور السبب الي تقدير المسبّب بالقبول و التمكّن او ترد الارادة بالمنع فيتوجّه المانع الي الشي‌ء الامكاني بالصرف فان وردا في مشهدِ المتممات السِّتّةِ انتفي الايجاد لقوة المانع و كذا و انْ ورَد المانع قبل و ان ورد السبب في مشهدِ المتمّمات الستة قبل المانع وجب الايجاد و لا حكم لورود المانِع اِلّا للمحوِ اِنْ كانَ صالِحاً للكلِّ اوْ للبعض .
ثم اعلم ان الاسباب قد تكون بسيطةً بمعني انها لاتحتاج في تأثيرها الي متمِّمات من جهة القوابل و هي ما سبق به الكتاب من العناية الازليّة و قد تكون مُرَكّبةً بمعني انها تحتاج في تأثيرِها الي متمّماتٍ من جهة القوابل امّا لكونها قليلة في جانب المسبّب او لوجود مانعٍ فيحتاج الَي مُرَجّحٍ للمقتضي عليه و لمّا كان المؤمن خلق من فاضل طينتهم بدليل محبّته لهم و ولايته و التسليم و الردّ اليهم كما سمعتَ ثبت المقتضي وَ هذا لا شَكَّ فيه و لكن قد ثبت في العقل و في النّقل انّ كلّ شي‌ء فهو مؤجّلُ الوجود بمعني انّ ظهوره في الكون موقّت مضبوط الاوّل و الٰاخر و الاشياۤء مختلفة فمنها ما وقته طويل يبقي الي اَنْ يدخل اهل الجنّةِ الجنّةَ و اهل النارِ النارَ و منها الي البرزخ الي اوله اوْ اوسطه اوْ آخره و منها الي الموت و منها ما ينتهي في الدنيا و هذه الاسباب المقتضية من ذلك فقد يكون الشخص مؤمناً خمس سنين ثم يتغيّر كالمُعَارين نعوذ باللّه من سخط اللّهِ و منهم من يتغيّر عند خروج نفسه و منهم الثابت المستمرّ الي ان يدخل الجنّة و لمّا ثبت في العقل و النقل انّ اللّهَ مالكُ الامور و هي في قبضته هو المالك لما ملّكهم و القادر علي ما اقدرهم عليه اذ لا بقاۤءَ لشي‌ء الّا بمدده الابتداۤئي في كل آنٍ ابداً و الّا لكان مستغنِياً عن اللّه تعالي و لهذا وجب علي المطيعين ان يخافوا مكر اللّه و الّا كانُوا عاصين و وجب علي العاصين الرجاۤء في اللّه و الّا كانوا كافرين و ثَبتَ اَنَّ غير المعصومين مزجت طينتهم بطينة العاصين فلهذا تقع منهم المعَاصي و ثَبتَ اَنّ اَعْظَمَ الاَسْبَابِ المقتضية بل جُلّها بَلْ كُلّهَا الاَعْمال الصَّالحة للخير و السَّيّئة للشَّرّ و ثبت اَنّ الدعاۤء و الانقطاع من اشدِّ الاَعْمال تأثيراً حتَّي انه جعله تعالي هو العبادة فقال تعالي ادعوني اَسْتجِبْ لكم انّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين ، و ثبَت اَنّ القلوب تزيغ فعن الكاظم عليه السلم في حديث هشام يا هشام ان اللّه حكي عن اقوام صالحين انهم قالوا ربنا لاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمةً انّك انت الوهّاب حين علموا اَنَّ القلوبَ تز۪يغُ و تعود الي عماها و رداها الحديث ، و في العياشي عن الصادق عليه السلم اكثِروا من اَنْ تقولوا ربّنا لاتُزِغ قلُوبَنا بعد اِذْ هديتَنا و لاتأمنوا الزّيغ ه‍ ، و انّما كانت تزيغ لانّ ثباتها بيده تعالي و للَّطْخِ الخبيث المقتضي للاعمال الخبيثة التي شأنها الرّين علي القلوب ثبت علي كل مؤمنٍ ان يسأَل اللّه اَنْ يُثبّتَه علي دينه و لمّا كان ما ذكره عليه السلم في كلمات هذه الزيارة الشريفة هو حقيقة الايمان و الولاية و المحبّة و الدين و ظاهرها و باطنها سأل اللّه اَن يثبّتَهُ علي ذلك و لمّا كان ذلك كله عبارةً عن طاعتهم سأل اللّه تعالي ان يوفّقَهُ لها ليكون الدعاۤء متمّماً لما نقصَ من مقتضي كونِه۪ و تمكينه و من مقتَض۪ي قابليّته و تمكّنه .
و قوله عليه السلم : و رزقني شفاعتكم
الرزق ما ينتفع به و لمّا كان جميع ما خلق اللّه تعالي من الجواهر و الاعراض من المعاني و الاعيان من كل شي‌ء انّما خلقه بمشيّته و ارادته و ذلك امّا يحبّه او يكرهه و كلّ شي‌ء احبّه فقد دلّ عليه و امر به و كلّ شي‌ء كرهه فقد دلّ عليه و نهي عنه و كُلُّ ذلك لمصلحةِ عبادِه۪ من فعلٍ او تركٍ فما احبّه فقد امر به و ما امر به فهو نافع للمأمور و تركه قد يكون مضرّاً به۪ او يكون مانعاً من الكمال غير مضرٍّ بالتمام و ما كرهَهُ فقد نهي عنه و ما نَهَي عنه فَفِعْلُهُ ضاۤرٌّ للمنهيّ عنه و قد يكون تركه نافعاً له في تمامه او في كماله بعكس المأمور به فالرزق اذا اريد به ما ينتفع به فهو من المحبوب فلايكون الحرام رزقاً و ان احتسب عليه من رزقه فانه يحاسب عليه خلافاً للعاۤمّة حيث جعلوا الحرام من الرّزق فانّه ممّا ينتفع به و غلطُوا فانه و ان استقامَ به البدن من جهة انّ اللّه احتسبه عليه من رزقه و لكن القلب و الصدر و الدين لاتستقيم به بل يرينُ علي القَلْب و يُضَيّق الصَّدْر بتعارُضِ دواعي الحقّ من تأثير الفطرة الحق و دواعي الباطل من تأثير الغذاۤء الحرام فسأله تعالي ان يرْزقه ما ينتفعُ به في تمامه و كماله و الشفاعة مأْخوذة من الشفع و هو غير الوتر و في القاموس الشفع غير الوتر و هو الزوج و قد شفعه كمنعه و يوم الاضحي و قيل في قوله تعالي و الشفع و الوتر هو الخلق لقوله تعالي و من كل شي‌ءٍ خلقنا زوجين او هو اللّه عزّ و جلّ لقوله تعالي مايكون من نجوي ثلٰثةٍ الّا هو رابعهم انتهي ، اقول مراد مَن نقَل الفيروزبادي عنه انّ اللّه سبحانه اقسم بنفسه فقال و الشفع و الوتر فانه تعالي هو الشفع لانّه مايكون شي‌ء من خلقه واحد اوْ اكثر الّا هو تعالي معه فقد شفع كلّ شي‌ء من خلقه و هو تعالي وَتْرٌ اي علي ما هو عليه في عز وحدانيّته۪ تعالي فمعني الشفاعة ان ينضمّ الي الشخص المشفوع له غيره في بلوغ مطلوبه او دفع محذوره فسأل اللّه تعالي ان يرزقَهُ شفاعتهم عليهم السلم بان يضمّهم اللّه تعالي اليه في نيل جميع مطالبه و دفع جميع ما يخاف و يحذر لانّهم كما روي عنهم هم الشافعون و في الخصال عن الصادق عليه السلم عن علي عليه السلم قال انّ للجنّة ثَمَانية ابواب باب يَدْخُلُ منه النبيّون و الصدّ۪يقون و باب يدخل منه الشهداۤء و الصالحون و خمسة ابوابٍ يدخل منها شيعتُنَا و محبُّونا فلاازال واقفاً علي الصراط و انا ادعو وَ اقول ربِّ سلِّم شيعتي و مُحِبّيَّ و انصاري وَ مَنْ تولّاني في دار الدنيا فاذا النداۤء من بطنان العرش قد اُجيبَتْ دعوتُكَ و شُفِّعْتَ في امّتِكَ و يشفع كلّ رجلٍ من شيعتي و مَنْ تَولّاني و نصرني و حاربَ مَن حاربَني بفعلٍ او قولٍ في سبعين الفاً من ج۪يرانه و اقرباۤئه و باب يَدْخل منه ساۤئر المسلمين ممن يشهد اَلّا الٰه الّا اللّه و لم‌يكن في قلبه مقدار ذرةٍ من بغضِنا اهْلَ البَيْتِ ه‍ ، و انّما قال و رزقني شفاعتهم لانّ محمّداً صلي اللّه عليه و آله يشفع لاهل بيته عليهم السلم ليؤذَنَ لهم بان يشفعوا فيشفعون لشيعتهم بان يشفعوا و شيعتهم باذنهم عن ائمتهم عن النبي صلي اللّه عليه و آله عن اللّه تعالي يشفعون لمن شاۤؤا و في تفسير القمي عن الصّادق عليه السلم واللّهِ لنشفعنّ للمذنبين من شيعتِنا حتي يقول اعداۤؤنا اذا رأوا ذلك فما لنا من شافعين و لا صديقٍ حميمٍ ، و في الكافي عن الباقِر عليه السلم و انّ الشفاعة لمقبولة و ماتُقْبَل في ناصبٍ و انّ المؤمن ليشفع لجاره و ما له حسنة فيقول يا رب جاري كان يكفّ عنّي الاذي فيشفع فيه فيقول اللّهُ تعالَي انا ربُّك و انا احقّ مَنْ كافَي عنك فيدخله اللّهُ الجنّة و ما له من حسنة و انّ ادني المؤمنين شفاعةً ليشفع لِثَلٰث۪ينَ انساناً الحديث ، و في المجمع عنه صلي اللّه عليه و آله انّ الرجل يقول في الجنّة ما فعل صديقي فلانٌ و صديقه في الجحيم فيقول اللّهُ تعالي اخرجوا له صديقه في الجنّة فيقول من بقي في النار فما لنا من شافعين و لا صديق حم۪يمٍ ه‍ ، فقوله و رزقَن۪ي شفاعتكم ظاهره ان تشفعوا لي في ذنوبي و يحتمل ان يراد منه ان تشفعوا لي لأَكونَ شافعاً لاهلي و جيراني و اصدقاۤئي و يمكن ان يقال ان العارف العالم هو من اهل الشفاعة كما قال تعالي و لايملك الذين يدعون من دونه الشفاعة الّا من شهد بالحقِّ و هم يعلمون كما دلّت عليه النصوص و شهدت به العقول لايمنعه من ذلك الّا المعاصي فاذا شفعوا له في ذنوبه كان شافعاً باذنهم و ربّما يشفعون لمذنبٍ و يكون من اهل الجنّة و لايكون شافعاً باذنهم لانّه لم‌يكن عالماً عن بصيرةٍ علي انّه لو كان كلّ واحدٍ شافعاً لكان كثير شافعين مشفوعاً لهم فيلزم في كثيرٍ من المواضع الدّور لتوقّف كونه شافعاً علي كونه مشفوعاً له ثم اذا علم ان اهل الشفاعة اي الذين يأْذنون لهم ائمتهم لايكونون من جهّال شيعتهم فعلي ظاهر الحال ان القاۤئل لهذه الفقرات الشريفة لايكون جاهِلاً بحالها و من لم‌يكن جاهلاً بحالها فهو ممّن يصلح للشفاعة البتّة فيترجّح بهذا اللِّحاظ ارادة ان يشفَعُوا له لكي يكون شافعاً .
و قوله (ع‌) : و جعلني من خيار مواليكم التابعين لما دعوتم اليه
اقول يراد من خيار الموالي قسمان : الاوّل الابدال سمّوا بذلك لانهم علي ما قيل لايخلو العالم من اربعين منهم لبقاۤء النظام و ان كان في بعض الاوقات قد يزيدون لانّهم قالوا لا بد لبقاۤء النظام من قطبٍ و هو الغوث و هو محلّ نظر اللّه من العالم و من اركانٍ اربعة تتلقّي عنه ما يتلقّي من الوحي و الاِلهام فيما يتعلّق بتدبير العالم من خلق و رزق و حيوة و ممات و تكليف علي نحو ما اشرنا اليه سابقاً من انّ القطب هو خزانة المالك عز و جلّ بمعني انّ ما اراد ابرازه و ايجاده و حياته و مماته و رزقه و تكليفه و غير ذلك من متعلّق الارادة فقد انهي علم ذلك كله الي قطب العالم عليه السلم و الاركان الاربعة تتلقّي منه و تؤدي احكام ذلك علي ما حدّدَ اللّهُ لوليّه عليه السلم و لا بدّ من اربعين بدلاً و ان كان قد يزيدون لكنّهم لاينقصون فان مات واحدٌ من الاربعين تفضّلَ اللّه علي واحدٍ من النجباۤء فعَلَّي درجته حتّي يكون بدلاً من الذي مات فهو علي هيئتِه و عبادته حتي يكون مثله و لهذا يسمّي بدلاً و لا بدّ من نجباۤء سبعين لا اقل من ذلك و لا بد من ثلاثمائة و ستين صالحاً و لم‌اجد هذا التفصيْل من طرقنا و ان نقله بعض علماۤئنا و ظنّي انّه من طرق العاۤمة لانّ المتصوفة منهم ذكروه في كتبهم و انّما وجدنا من طرقِنا ما رواه صاحب كتاب انيس السمراۤء و سمير الجلساۤء باسناده الي جابر بنِ يزيد الجعفي عن علي بن الحسين عليهما السلم في حديث طويل الي ان قال يا جابر اَوَتدري ما المعرفة المعرفةُ اثباتُ التوحيد اوّلاً ثم معرفة المعاني ثانياً ثم معرفة الابواب ثالِثاً ثم معرفة الامام رَابِعاً ثم معرفة الاركان خامساً ثم معرفة النقباۤء سادساً ثم معرفة النجباۤء سابعاً الحديث ، و المراد بالامام هو القطب و بالاركان الاربعة الاركان المذكورة و بالنقباۤء الابدال الذين قالوا انهم اربعون و لم‌نجد في كتبنا مما فهمتُ و وقفتُ عليه ما يُشير الي الاربعين و انما تشير الي انهم ثلاثون في قوله عليه السلم و نعم المنزل طيبة و ما بثلاثين من وحشةٍ كما رواه في الكافي و الحاصل ان القسم الاول من خيار الشيعة الابدال و هم النقباۤء في حديث علي بن الحسين عليه السلم .
و القسم الثاني النجباۤء و في بعض احاديثنا سَمَّوا (ع‌) الاوّل بالخص۪يص۪ينَ وَ الثّان۪ي بالخواۤصِّ و سمّاهم علي بن الحسين عليهما السلم بالنّقباۤء و النّجبَاۤءِ و قَدْ تقدَّمت الاشارة الي انّ الخواۤصّ قد لايعرفون مقام الامام عليه السلم في رتبة المقامَاتِ و المعاني و الابواب و قد يعرفون ذلك لٰا علي سَبيلِ الحقيقة بل علي جهة المجاز و الاجمال و في الحقيقة ما معرفتهم الّا محض التّسليم لما يدرك من مفاهيمها و ما ادرك من مفاهيمها لايطابق المصداق الحقيقي و لهذا ورد لو يعلم ابوذرّ ما في قلب سلمن لقتله او لكفّره لان سلمن من الخصيصين و ابوذرّ من الخواۤصّ و الخصيص يحتمل معرفة المقامات و المعاني و الابواب و قوله و جعَلني من خيار مواليكم يعني بان يوفّقني لطاعتكم بحيث لااعصيكم في شي‌ءٍ فانّي اذا كنتُ كذلك فان فتحَ اللّهُ لي بابَ ما غلقتْهُ عنّي حُجبُ الغيوب كنتُ من الخصيصين و الّا كنتُ من الخواص و في الغالب ان المؤمن اذا لازم طاعتهم انفتحت له ابواب الغيوب و نال المطلوب و في حديث الاسرار قال تعالي يا احمد ان العبد اذا جاع بطنه و حفظ لسانَهُ علّمتُه الحكمة فان كان كافراً تكون حكمته حجةً عليه و وَبالاً و ان كان مؤمِناً تكون حكمته له نوراً و برهاناً و شفاۤء و رحمة فيعلم ما لم‌يكن يعلم و يبصر ما لم‌يكن يبصر فاوّل ما يبصره عيوب نفسِه۪ حتي يشتغل بها عن عيوب غيره و اُبَصِّره في دقاۤئِق العِلم حتي لايدخل عليه الشيطان في مواضع و اُبصّره حيَل الشيطانِ و حيَل نفسِه۪ حتي لايكون لنفسه و للشيطانِ عليه سبيل ه‍ ، هذا اذا كان كثير النظر و الاعتبار في ملكوت السّموات و الارض و التّفكر في آثار الصفات و امّا اذا كان همه العبادة و الطاعة و امتثال الاوامر و اجتِناب المناهي و اصلاح امر دينه و آخرته و لم‌يكن كثير التدبر في كتاب اللّه و النظر في مخلوقات اللّه سبحانه فان مثل هذا يكون من الخواۤصّ و لايكون من الخصيصين لانه لم‌يفتح له ابواب الغيوب و هذا الزاۤئر سأل اللّه ان يجعله من خيار مواليهم و اذا استجاب اللّه له وضع في موضعه اللاۤئق به من القرب علي العبد ان يسعي لاصلاح شأنِه و ليس عليه ان يكون موفّقاً .
و قوله التابعين لما دعوتم اليه آل‌محمد صلي اللّه عليه و آله دعَوا الي اللّه سبحانه كما اراد و الدعاۤء الي اللّه تعالي الي معرفته و معرفة ما يصح عليه و يمتنع منه و معرفة انبياۤئه و حججه و ملاۤئكته و كتبه و معرفة اوامره و نواهيه و معرفة ما اراد و احب من خلقه و ما كره و سخط و طاعته و امتثال اوامره و نواهيه و اجابته الي ما دعا اليه علي السنة انبياۤئه و اولياۤئه صلي اللّه علي محمد و آله و عليهم اجمعين و التابعون لما دعوا اليه هم المستجيبون لهم بالقبول و الطاعة و الامتثال كما اخبر اللّه سبحانه في كتابه فقال يا ايّها الذين آمنوا استجيبوا للّه و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم اي اذا دعاكم فاستجيبوا لا فاجيبوا لان الاستجابة تستلزم الاجابة و الامتثال و الاجابة لايستلزم الامتثال فمعني التّابعين المؤتمّون بكم في جميع احوالكم و اعمالكم و اقوالكم و اعتقاداتكم مما يتعلق بالنفس و المال و النسب و العرض و الدنيا و الدين و الٰاخرة فمن فارقهم في شي‌ء متعمّداً ردّاً عليهم في شي‌ء ممّا ذكر خرج من امان اللّه الي غضب اللّه و سخطه و ماويه جهنّم و بئس المصير و مَن فوّض الامر في جميع ما ذكر لم‌يفارقهم في شي‌ء عن عمدٍ ردّاً عليهم فالجنة مردُّه و ان اتي بذنوب الثقلَيْن .
قال عليه السلم : و جعلني ممن يقتصّ آثاركم و يسلك سبيلكم و يهتدي بهديٰكم
قال الشارح المجلسي (ره‌) يقتص اي يتّبع انتهي .
اقول سأل الزاۤئر المؤمن ربّه ان يجعله ممّن يقتصّ آثار آل‌محمّد صلّي اللّه عليه و آله و معني يقتصّ يتّبع مستخبراً او مطلقاً و ليس المراد انّ الاستخبار الواقع حالاً علّةٌ للاتّباع بل الاستخبار احد معلولات الاتّباع و انّما المراد ان يكون متّبعاً حقيقياً اي لايكون في حالٍ “٢” غيرَ متّبعٍ فيكون فيها “٢-” مستقلاً نعوذُ باللّهِ من طلب الاستقلال بدونهم فانّ مَنْ شذّ عنهم شذّ الي النّار لا فرق في هذا بين حكم العمل و القول و الاعتقاد و ليس القول بوجوب اخذ المعارف و الاصول الدينيّة عن العقل مُنَافياً لما نقوله لانّ الحق لهم و معهم و فيهم و بهم و العقل انّما حكم له باصابة الحقّ لانّ نوره من نورهم اَلاتري مَنْ يدّعي العقل من اعداۤئهم بل ربّما تشهد له انت بالعقل الدقيق و الفهم الشديد عند التحقيق و كذلك كثير من اهل الملل و الانتحال من الكفار و المسلمين مع انّهم لايدركون بعقولهم في اعتقاداتهم الّا الاعتقادات الباطلة مثل مميت الدّين بن الاعرابي في فتوحاته المكية بل حتوفاته و في الفصوص و غيرها مع ما هو عليه من شدة الرياضات و دعوي المكاشفات حتّي خضعت له رقاب اشباه العلماۤء فاعتقدوا حقيّة اختياراته و تركوا كلام اهل العصمة عليهم السلم الذين اذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً و هم يعتقدون فيهم انّ روح القدس لايزال معهم يسدّدهم عن الخطا و الغفلة و السّهو و النسيان و مع هذا فيتركون كلامهم و حكمتهم و يرون رأي هذا الملحِد و ليس هو علي مذهبهم بما موّهَ لهم من العبارات و زيّن لهم مزخرف الاعتقادات حتي انّه قال بوحدة الوجود و هو كفر و قالوا به و قال بانّ اهل النار مرجعهم الي النعيم و قالوا به و حكم بان فرعون مات مؤمناً طاهراً مطهّراً و استحسنوا كلامه حتي قال الملاصدرا الشيرازي هذا كلام يشمّ منه راۤئحة التّحقيق و قال ما معناه انّ السّامري جري في صنعه العجل علي محبّة اللّه لان اللّه سبحانه يحب ان يعبد في كلّ صورة و قال انّ علم اللّه بالخلق مستفاد منهم و قال به الملا محسن الكاشي في الوافي في باب الشقاوة و السعادة و قال بان مشيّة اللّه احديّة التعلق يعني ليس له ان شاۤء فعل و ان شاۤء لم‌يفعل لئلاينقلب علمه جهلاً و قال به الملا محسن في المكان المشار اليه من الوافي في مقام بيان انّ قوله تعالي و لو شاۤء لهديٰكم اجمعين انّما فرض امكان هداية الجميع راجع الي حكم العقل بان الممكن قابل للهداية و الضلالة من حيث ما هو قابل فهو موضع الانقسام و في نفس الامر ليس للحقّ فيه الّا امر واحد قال قبل هذا الكلام فمشيّته احديّة التعلّق و هي نسبة تابعة للعلم و العلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم اَنْتَ و احوالُكَ انتهي كلامُهُ و ما انتهي هو عَن غيِّه۪ و هذه عبارة ابن‌عربي في الفصوص نقلها في الوافي و ذكر في حتوفاته المكيّة منكرات من القول و الاعتقاد يَضيق بذكرها المقام و قد قَبِلَها كثير لدقّة فهمه و عظم تمويهه حتي انّ فخرهم و شرفهم عندهم فهم كلامه فضلاً عن اَنْ يردّوه و كلّه في مقابلة كلام ائمّتهم عليهم السلم و يئوِّلون ( يأولون ، ظاهر ) كلام الامام عليه السلم و يردّونه الي كلام ابن‌عربي و عبدالكريم الجيلاني و امثالهُمَا و لو كان العقل يستقل في ادراك شي‌ء من الاعتقادات بدون انوارهم صلّي اللّه عليهم لاهتدي هؤلاۤء و اتباعهم و لو عاينتَ ما كنّا نُعاينُ لرأيتَ قطعاً انّ العقول التي في جميع مَن سواهم لاتستغني عن مددهم و نورهم حتي في امر البيع و الشراۤء و الاكل و الشرب و الخياطة و جميع الصناۤئع و الزراعات فضلاً عن امر الاعتقادات و رُبَّ قاۤئلٍ نحنُ لانحتاج اليهم عليهم السلم في شي‌ء من احوال الاعتقادات و انّما نحتاج اليهم في الشرعيات فينبغي ان يقالَ له :
اذا كنتَ ماتدري و لا انتَ بالذي       ** * **      تطيعُ الذي يدري هلكتَ و لاتدري
وَ اَعْجَبُ من هذا بانَّكَ ماتدري       ** * **      و انّك ماتدري بانّك ماتدري
اَمايَعْلم انّهم علل الوجود الكوني فكيف يكونُ معلول بدون علّةٍ و قد اشرنا الي ادلّة مَا ذكرْنا فيما قَبْلُ فراجع .
و قوله (ع‌) : وَ يَسْلُكُ سبيلكم
المراد بالسبيل هنا في الظاهر هو الولاية الظاهرة من امر الدين من احكام الاسلام و الايمان في الدنيا و الٰاخرة مما قرّروه بالقيام به علي حسب ما اَمَرهُم اللّه تعالي به من التبليغ و التعريف و الامر بما امر اللّه سبحانه و النّهي عما نهي عنه و القيام بالواجبات و المندوبات و الٰاداب الشرعية و الاخلاق الالهيّة و ترك المحرمات و المكروهات و ما لايَنْبَغي من الاخلاق الذميمة حتي اشادوا الدين بالعمل و العِلم و التبيين بالقول و العمل فهذا و مثلُه سبيلهم و سبيلهم في كل شي‌ء قصدٌ و هي اقصر الطرق و اَقْربُها الي اللّه تعالي و السبيل في الباطن هو الامام عليه السلم و ولايته و معني السُّلوك علي الاوّل اتّباعه في جميع ما جعل اللّه له من الامامة في احوال الدنيا و الدين و الٰاخرة و علي الثاني القيام بمقتضي احكامها من المحبّة لهم و لاولياۤئهم وَ البغض لاعداۤئهم و التّابعين لهم .
و قوله (ع‌) : وَ يَهْتدي بهُديٰكُمْ
في اهدنا الصراط المستقيم قيل ادْلُلْنَا عليه و ثبّتنا و عن الصادق عليه السلم ارشدنا للزوم الطريق المؤدّي الي مَحبَّتِكَ و المُبَلِّغ اِلَي جَنَّتِك من اَنْ نتّبِعَ هوانا فنعطب اَوْ نَأخذ بٰاراۤئِنا فنَهلك ه‍ ، فالهداية بمعني الارشاد و الدلالة الموصلة الي المطلوب اوْ اِلي ما يوصل الي المطلوب و الظاهر انه يكون ذلك في المتعدّي بنفسه و في المتعدّي باللّام و باِلي و الفرق بينها مدخول و قوله تعالي يهدي الي الحقّ و الي طريق مستقيم يَردّ قول مَنْ فصّل و فرق لانّ المراد بالحقِّ و الطريق المستقيم هو الدين المطلوب لا المُوصل الي المطلوب و كذا ظاهراً قوله و يهتدي بهديكم انّ المراد به الحق لَا المُوْصِل اِليه لانّه لايسئل من اللّهِ اَنْ يُوَفِّقَهُ الَي ما يُوْصِلُ المطلوب لانّ الموصل الي المطلوب هو تبيين طريق الخير و الشرّ كما قال تعالي و امّا ثمود فهدَيْنَاهم فَاستحبُّوا العمي علي الهدي فانّ المراد به تعريف طريق الخير و تعريف طريق الشّرّ و لم‌يسأل هذا و امّا التوفيق لطاعتهم حتّي يعمل كما عملوا و يَتْرك كما تركوا فانَّ ذلك هو المطلوب لا الجنّة كما قاله الاكثرون و ان سلّمنا فمطلوب الدّاعي صحّة اتّباعهم و سلوك طريقهم كما هو صريح هذه الكلمات و المَعْلوم منها هو اقتصاص آثارهم و سلوك سبيلهم و الاهتداۤء بهديهم و اما النّعيم في العُقْبَي من جميع ما اعدّ اللّهُ فيها للمطيعين فهو آثار تلك و لوازمها و عوارضها ففي الحديث ما معناه لم‌يحضرني ان الصّادق صلوات اللّه عليه سمع رَجُلاً يقول من الشيعة اللهم ادخلني الجنّة فقال عليه السلم انتم في الجنّة و لٰكن سَلُوا اللّه اَلَّايخرجكم منها انّ الجنّة هي ولايتُنَا ه‍ ، و انما قلنا ان المطلوب هو العمل الصالح الصحيح المقبول نظراً الي الصحيح من الاقوال في انّ الاعمال هل تُجسَّم و هي الثواب و العقاب كما قال تعالي ان الذين يأكلون اموال اليتامي ظلماً انّما يأكلون في بطونهم ناراً و سيُصْلَوْن سعيراً و قال تعالي و ماتجزون الّا ما كنتم تعملون ، ام هي غيرها و قد جعل اللّه لكلّ عملٍ اجْراً معيّناً اذا كان يوم القيٰمة و كشف عن الخلق الغِطاۤء عرفوا موافقة كلّ جزاۤء لعمله الموجب له علي كمال العدل المستقيم ام الاعمال صور الثواب و العقاب و معني هذا ان كل شي‌ء فله ماۤدّة منها يخلق و له صورة عليها يخلق و له ايجاد فيه يخلق و له حيوة لها يخلق فلا بدّ من هذه العلل الاربع لايكون بدونها فالاولي العلّة الماۤديّة و هي امر اللّهِ سبحانَهُ و نهيه و ذلك ماۤدّة الثواب و العقاب كما تقوله انت ان الوجود الذي هو خير كلّه هو ماۤدّة المؤمن و الكافر فهو مع الطاعة مؤمن و ايمان و مع المعصية كافر و كفر و الثانية العلّة الصّورية و هي فعل المكلّف لانّه اِنْ وافق الامر و النهي كان ايماناً و طاعةً و كان مقبولاً فيخلق اللّه منهما بالعلّة الثالثة التي هي العلّة الايجاديّة التي فيها يخلق كما قَبِلَ كما اشارَ اليه سبحانه حين عاتبَ الكفّار من النصاري حيث لم‌يفهموا ما اراد اللّه منهم بالقيام به و قالوا نحن لم‌نفهم ذلك لان قلوبَنا انتَ خلقتها مطبوعاً عليها فردّ سبحانه عليهم و قال لم‌اخلقها كذلك الّا باعمالهم و انكارهم و لو اطاعوا و لم‌ينكروا لفتحتُ عليهم باب الفهم و التوفيق فقال تعالي و قالوا قلوبنا غلفٌ بل طبع اللّهُ عليها بكفرِهم فخلقَهم كما قبلوا و لم‌يقبلوا اِلّا الكفر و الانكار فخلق في العلّةِ الفاعليّة للرّابعة التي هي العلّة الغاۤئيّة و هي التي كلّ الخلق ميسّرون لها اِذْ كلٌّ ميسّرٌ لما خُلِقَ لَهُ وَ كُلٌّ عاملٌ بعمله و الاخير عندي هو الصحيح و هو ان عمل العبد صورةُ ثوابه و عقابه فاذا عمل الطاعة فالمراد انّه قد عمل بما امر اللّهُ به فكان عمله صورةَ ثوابه و امرُ اللّهِ الذي امتثل به من حيث هو مُمْتَثَلٌ به مَاۤدّةُ ثوابِه۪ و الغاۤئيّةُ رُوحُ ثوابه۪ و الفاعِليّة مؤثّرةُ تكوينه و كونه و مُحْدِثتُهُمٰا و اذا عمل المَعصية فالمراد قد عمل بخلاف ما امرَ اللّهُ به فكان عمله صورةَ عقابه و مخالفةُ اَمْرِ اللّهِ يعني امر اللّه المخالَف بفتح اللام ماۤدة عقابه و مخالفةُ الغاۤئيّة اي الغاية المخالَفة بفتح اللام روح عقابه و جريانُ الفاعليّة في دَوَرَانِ مقتضي عمله عليها علي خلافِ التوالي مُحْدِثُ تكوُّنِه و قابله و مؤثّرهُمَا و كذلك امتثٰال النهي في الطَّاعةِ و مخالفته في المعصية فكان علي ما قرّرنا انّ المطلوب هو هديهم و سبيلهم الي اللّه عرفَ من عَرف و من انكر فاَمَامَهُ اليَق۪ينُ .
قال عليه السلم : وَ يُحْشَرُ في زُمرتكم و يَكُرُّ في رجعتِكم و يُمَلّك في دَوْلتِكم و يشرّفُ في عافيتِكم ( عاقِبَتِكم خ‌ل ) و يمكّن في ايّامِكم و تقرّ عينه غداً برؤيتِكم
قال الشارح المجلسي (ره‌) و يَكرّ اي يرجع في رجعتكم اي جعلني من الخلّصِ حتي ارجع معهم و يُملَّك في دولتكم اي صيّرني ملِكاً لِاِعلاۤءِ كلمةِ اللّهِ فانّ كلّ واحدٍ من الخلّص في الرجعة يصير ملِكاً من الملوكِ كما كان في زمان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و اَميْرِالمؤمنين صلواتُ اللّهِ عليه و يشرّف في عاقبتكم بالقاف و الفاۤء اي جعلني شريفاً معظّماً في عاقبة امركم و هي الدولةُ او في زمان سلامتكم من الاعادي انتهي .
اعلم ان الحشر عند اهل البيت عليهم السلم حشرانِ الحشر الاصغر و هو عند قيام القاۤئم عليه السلم في السنَة التي يخرج فيها يكون الحشر في اوّل شهر رجب و هو قول علي عليه السلم كما تقدّم قال عجب و اي عجبٍ بين جُمَيدي و رجب فسُئِل عن ذلك العجب فقال عليه السلم و ما لي لااعجب من امواتٍ يضربُون هام الاحياۤء و قد تقدم في ذكر الرجعة ذكر ذلك و يكون ايضاً عند رجعتهم عليهم السلم و هو قوله تعالي و يوم نحشر من كلّ امّة فوْجاً ممّن يكذّبُ بٰاياتِنا فهم يوزَعُون فانه قال من كلّ امّةٍ و آية الحشر الاكبر و حشرناهم فلم‌نُغَادِر منهم احداً و كذلك قوله تعالي و اقسموا باللّه جهد اَيْمانهم لايبعثُ اللّه مَن يموت بلي وعداً عليه حقّاً و لكنّ اكثر النّاس لايعلمون لِيبيّنَ لهم الذي يختلفون فيه و هو القاۤئم عليه السلم الذي هم فيه مختلفون منهم من قال مات و منهم من قال لم‌يوجد و منهم من قال هو عيسي بن مريم و منهم من قال هو المهدي العباسي من بني‌العباس و هو الأن في الاصلاب قال تعالي ليبيّنَ لهم انّه من صلب الحسن العسكري عليهما السلم و انّه الأن موجود حي الي ان يخرج و يملأها قسطاً و عدلاً كما مُلِئَتْ جوراً و ظلماً و ليعلم الّذين كفروا بنصّ القرءان و الروايات الصحيحة انهم كانوا كاذبين و الدليل علي ان المراد بهذا الحشر حشر الرجعة قوله تعالي و اقسموا باللّه جهد اَيمانِهِم لانهم من المسلمين و لو كان المراد بهم الكفار مَااقسموا باللّه جهد ايمانهم كما قال عليه السلم و هو القيمةُ الصغري ، و الثاني الحشر الاكبر وَ هو القيمة الكبري و يحشر كلّ ذي روح من الانس و الملاۤئكة و الجن و الشياطين و جميع الحيوانات البرّيّة و البحريّة و الهواۤئية و الناريّة و يحشر فيها كلّ مَنْ له شي‌ء او عليه شي‌ء او منه شي‌ء او فيه شي‌ء من النباتات و المعادن و الجمادات و ما بينَها و ما بين ما ذكر من البرازخ و اهلِها و ما له شي‌ء كارضٍ مظلومة مِنْ عِرْقٍ ظَالمٍ بكسر العين و سكون الرّاۤء مثلاً و الذي عليه كالعكس و الذي منه كالاسباب الوضعيّة المخالف تأثيرها لمراد اللّه تعالي و الذي فيه كالازمنة و الامكنة تحشر لتشهد للعاملين فيها او عليهم فافهم هذه الجملة فانّ تحتَها كنزاً من علوم الغيب اشار اليها سبحانه بقوله و ما من داۤبّة في الارض و لا طاۤئر يطير بجناحيه الّا امم امثالكم مافرّطنا في الكتاب من شي‌ء ثم الي ربّهم يحشرون و بقوله تعالي انكم و ما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم و قد عبدوا من دون اللّه جميع المعادن و النباتات و الحجارة و العناصر و النجوم و الحيوانات و غيرها و في بشارة‌المصطفي باسناده الي ابي‌هريرة قال كنتُ انا و ابوذرٍّ و بلال نسير ذات يوم مع علي بن ابي‌طالب عليه السلم فنظر عليّ الي البطّيخ فحمل درهماً فدفعه الي بلالٍ فقال ائتِني بهذا الدرهم من هذا البطيخ فاخذ عليّ (ع‌) بطّيخةً فقطعها فاذا هي مُرَّة فقال يا بلال اَبْعِد هذا البطّيخ عنّي و اَقْبِلْ علَيَّ حتّي اُحَدِّثَكَ بحديثٍ حدَّثَن۪ي به رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و يدُهُ علي منْكب۪ي انّ اللّهَ تبارَكَ و تَعالي طرَحَ حُبّي علي الحجر و المدر و البحار و الجبال و الشجر فما اجاب الي حبّي عَذُبَ و ما لم‌يُجِبْ الي حبّي خَبُثَ و مرّ و انّي لَأَظُنّ هذا البطّيخ ممّا لم‌يُجِبْ الي حبّي و في الاختصاص باسناده الي قنْبر مولي اميرالمؤمنين عليه السلم قال كنتُ عند اميرالمؤمنين عليه السلم اذ دخل رَجُل فقال يا اميرالمؤمنين انا اشتهي بطّيخاً فامرني اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه بشراۤء البِطّ۪يخ فوجّهتُ بدرهمٍ فجاۤؤنا بثلاث بطّيخاتٍ فقطَعْتُ واحدة فاذا هِيَ مُرّةٌ فقلتُ مُرَّةٌ يا اميرالمؤمنين فقال ارمِ به من النار الي النار قال و قطعتُ الثاني فاذا هو حامض فقلتُ حامضٌ يا اميرَالمؤمنين فقال ارم به من النار و الي النار قال و قطعتُ الثالثَ فاذا هو مُدَوِّدٌ فقلت مدَوِّدَةٌ قال ارمِ به من النار و الي النار قال ثم ذهبتُ بدرهمٍ آخر فجاۤؤنا بثلاث بطّيخات فوثبتُ علي قدمي و قلتُ اعفني يا اميرالمؤمنين عن قطعه كأَنّه تأثّم بقطعِه فقال له اميرالمؤمنين اجلس يا قنبر فانّها مأمورة فجلستُ فقطعتُ فاذا هو ( هي خ‌ل ) حلوة فقلتُ حلوة يا اميرالمؤمنين (ع‌) فقال كُلْ و اَطْعِمْنا فاكلتُ ضلعاً و اطعمتُه ضلعاً و اطعمتُ الجليس ضلْعاً فالتفَتَ اليّ اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه فقال يا قنبر انّ اللّهَ تبارك و تعالي عرض ولايتَنا علي اهل السمواتِ و اهل الارض من الجنّ و الانس و الثمر و غير ذلك فما قبِل منه ولايتَنا طاب و طَهُرَ و عَذُبَ و ما لم‌يقبل منه خبث و رَدَي و نَتنَ ه‍ ، و روي عنه (ع‌) ما معناه انه سئل قد نجدُ في بعض الرطب مثل الرماد قال عليه السلم انّ اللّهَ وَكَّلَ بها مَلَكاً اذا تركتِ الذكر ذلك اليوم ضربَها بمنقاره فتفسد ه‍ ، و امثال ذلك كثير و لَا دلالةَ لمَنْ يعقِل اصرح من قوله تعالي و ان من شي‌ء الّا يسبّح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم انّه كان حليماً غفوراً و من انكر مثل هذا اوْ اوّله علي المجازات و الكنايات و انكر معناه الحقيقي فهو ممّن قدّر عظمة اللّه علي قدر عقله تعالي اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً و لو قال لااعلم لكان اسلم له ،
فاذا فهمتَ ان الحشر حشرانِ كلُّ حشر منهما اَمْرُهُ و ملكهُ راجعٌ الي محمدٍ و اهلِ بيته الطاهرين صلي اللّه عليه و عليهم اجمعين و ذلك لانّ اللّهَ سبحانه خلقهم و خلق لهم كُلَّ شي‌ءٍ و كلُّ شي‌ء فجميع ما له و عليه لايكون الّا في الدنيا و الٰاخرة و الرجعة و هي ايّامهم و زمان ملكهم الّذي اعطاهم مالكهم فهم ملوك الدنيا و هم ملوك الرجعة و هم ملوك الٰاخرة و هذا ظاهر و المؤمن العارف بحقّهم الزاۤئر لهم يسئَلُ اللّهَ اَنْ يحشره في زُمْرَتِهِمْ اي في جماعتهم و ظاهر الكلام ان الحشر المطلوب هو الحشر الاكبر لانّه عطف عليه حكم الرجعة فقال و يكرّ في رجعتكم فيكون سأل الاجتماع معهم في الرجعة و في القيمة و يحتمل اَنْ يرادَ بالحشرِ المَسْئُول هو الاوّل بان يبعثه في ذلك الوقت و يكرّ معهم اي يصير معهم و هو بعيد الّا ان يراد بقوله و يكرّ بيان و تفسير ليحشر او يكرّ معهم اي يرجع معهم بعد الموت و يكون يحشر معناه يبعَث و يجمع عليهم او يريد بالحشر ما هو اعم فيدخل الحشران لانهم يومان لسلطنتهِمْ و تنصب علي ملايمته الفقرات التي قبله و التي بعده و انّما سأل الحشر معهم الذي هو مشفوع بالكرة او مفسّر بها علي تقدير ارادته بالخصوص و كذا في العموم لان حصول هذا الحشر الاوّل مستلزم لحُصول محض الايمان و هو الايمان الكامل بالفعْل او القوّة القريبة لان من لم‌يمحض الايمان لم‌يحشر في الحشر الاوّل و ان اتاه الخبر بخروج القاۤئم عليه السلم حتي يفرح في قبره و يستبشر الّا انه لايخرج الّا ان يكون له قصاص او عليه قصاص فان هؤلاۤء يحشرون حتي يقتص للمقتول من القاتِل و يعيش المقتول بعد اخذ القصاص من قاتله ثلاثين شهراً ثم يموتون في ليلة واحدة لانهم لا حيوة لهم و انّما بقي لهم من عمر الدنيا ثلاثين شهراً قطعها القاتل و بقي لهم ممّا كتب في اللوح المحفوظ من ارزاقهم رزق ثلاثين شهراً فبُعِثوا ليستوفوا قصاصهم و يعيشوا كمال عمرهم المكتوب لهم و ينالوا نصيبهم من الكتاب من الرزق لانهم مامحضوا الايمان محضاً و اما من محض الايمان محضاً فلقلبه المستنير و نفسِه الصافية مُدَداً و آجالاً و غاياتٍ لاتسعها الدنيا و لاتسع مقتضياتها فانه مثلاً يعزم علي طاعات و اخلاصات و مراتب من التسليم و الاخلاص و التوكل و التفويض كلُّ زمان الدنيا لايقوم بها في حقّه و تلك النيّات و الارادات اعطاها اللّه سبحانه عبده بحقيقةِ ما هو اهله و لكن الدنيا في حقّه لاتفي بها لعدم تأهله في الدنيا لها بدون متمّم و في الرجعة يحصل المتمّم فيتمّم المقتضي بما كتب لهم في اللوح الحفيظ فيرجعون مع المتفضِّل۪ين بتتميم ما نقصَ عليهم و هم ائمّتهم صلّي اللّه عليهم فيعيشوا بالضعف من اعمارهم في الدنيا او باضعافٍ مضاعفةٍ و كذلك مَن مَحَض الكفر محْضاً علي العكس ممّن محض الايمان محضاً و قد يعرف في الدنيا من محض الايمان محضاً كما رواه في مختصر بصاۤئر سعد بن عبداللّه الاشعري للحسن بن سليمن الحلي (ره‌) بسنده الي جابر بن يزيد الجعفي عن ابي‌جعفر عليه السلم قال سألته عن قول اللّه عز و جلّ و لئن قتلتم في سبيل اللّه او متّم فقال يا جابر اتدري ما سبيل اللّه قلتُ لَا واللّهِ الّا اذا سمعتُ منك فقال القتل في سبيل علي عليه السلم و ذرّيّته فمن قتل في ولايته قُتِل في سبيل اللّه و ليس من احدٍ يؤمن بهذه الٰاية الّا و له قتلة و م۪يتةٌ انه مَن قُتِل فينشر حتي يموت و من يموت ينشر حتي يُقْتَلَ ه‍ .
اقول ظاهر هذا الحديث انّ محض الايمان هو معرفة الامام عليه السلم بالنُّورانيّة و ظاهر الٰاية الشّريفة ذلك مع بعض الاعمال الصَّالحة و هي قوله تعالي فمن يعمل من الصّالحات و هو مؤمن فلا كفرانَ لسعيه و انّا له كاتبُونَ فانَّ المراد به۪ من محضَ الايمان مَحْضاً بدليل قوله و حَرام علي قَرْيةٍ اهلكناها انّهم لايَرْجِعُونَ يعني انّ مَنْ اَهْلَكْنَاهُ في الدنيا بالعَذاب لٰايرجع في رجعتهم عليهم السلم و حكم هذه الٰاية مرتبط بالّتي قبلها فدَلّ مفهومُهَا انّ مَن لم‌يهلك بالعذاب يَرْجع و قد ثبتَ انه لايرجع الّا مَنْ محض الايمان محضاً و مَن محض الكفر محضاً و انّما المفهوم علي ماحض الكفر لانّ ماحض الايمان لايهلك بالعذاب في الدنيا ليعتبر المفهوم في حكم الرّاجع منه و انّما دلّ في الكفر علي ماحضِ الايمان لانّ الرجوع في الفريقَيْن شرطه ان يكون ماحضاً فهما متساويان في الرجوع لتساويهما في شرطه و هذه المعرفة النورانيّة التي هي دليل ماحض الايمان لاتنحصر في مدلول آية و لئن قُتِلتم في سبيل اللّهِ الٰاية ، بل ضابطها ما في رواية داود بن كثير الرقّي علي ما رواه الطوسي (ره‌) باسناده اليه قال قلتُ لابي‌عبداللّه عليه السلم انتم الصلوة في كتاب اللّه عز و جلّ و انتم الزكوة و انتم الحجّ فقال يا داود نحنُ الصلوة في كتاب اللّه عز و جلّ و نحن الزكوة و نحن الصيام و نحن الحج و نحن الشهر الحرام و نحن البلد الحرام و نحن كعبة اللّه و نحن قبلة اللّه و نحن وجهُ اللّهِ قال اللّهُ تعالي فاينما تولّوا فثمَّ وجهُ اللّهِ و نحنُ الٰايات و نحنُ البيّنات و عدوّنا في كتاب اللّه عز و جل الفحشاۤء و المنكر و البغي و الخمر و المَيْسِر و الانصاب و الازلام و الاصنام و الاوثان و الجبت و الطاغوت و الميتة و الدم و لحم الخنزير يا داود ان اللّهَ خلقَنا فاكرم خَلقنا و فضّلنا و جعلنا اُمَناۤءَهُ و حفظته و خزّانه علي ما في السموات و ما في الارض و جعل لنا اضداداً و اعداۤءً فسمّانا في كتابه و كنّي عن اسماۤئنا باحسن الاسماۤء و احبِّها اليه تكنيةً عن العدوِّ و سمّي اضدادنا و اعداۤئَنا في كتابه و كنّي عن اسماۤئهم و ضرب لهم الامثال في كتابه في ابغض الاسماۤء اليه و الي عباده المتّقين ه‍ ، قوله عليه السلم تكنية عن العَدُوّ لانّ اعداۤءهم دائماً يتتبّعون القرءان و الاحاديث فايّما آية وجدوا فيها دلالة علي اسماۤئهم عليهم السلم بمدحٍ اوْ امرٍ باتّباعهم حذفُوها و غيّروها و كذلك الخبر فكنّي عن اسماۤئهم لئلّايحذِفوها مثلاً و يوم يعضّ الظالم علي يديه لو قال يعضّ ابوفلانٍ يقول يا ليتني اتّخذتُ مع الرسول سبيلاً و قال مع الرسول عليّاً اماماً داۤلّاً علي اللّه تعالي و علي ما تحب يا ليتني لم‌اتّخذ فلاناً خليلاً و قال لم‌اَتّخذ الثاني خليلاً و صاحِباً و بطانةً من دون مَنْ امر اللّه بالكون معه لقد اضلّني عن الذكر بعد اذ جٰاۤءني و قال لقد اضلّني عن علي او عن ولايته او عنهما معاً و كان الشيْطان للانسان خذولاً و قال و كان الثاني لعليّ خذولاً و صاۤدّاً عنه و عن ولايته لحذفوا ذلك و غيّروه فلمّا كنّي بذلك فهموا التكنية و قالوا هذه الٰايات مانفتضح بها لان الناس مايَفهمون ذلك و هو شي‌ء القاه اللّه سبحانه في قلوبهم من قوله تعالي سنستدرجهم من حيث لايعلمون لتبقي تذكرةً للمؤمنين و القي في قلوبهم انّا لو غيّرنا ما اشار اليه و كنّي عنه لزم تغيير اكثر كتابه اوْ كلّه و هو اشدّ فضيحة فالاولي الاقتصار في التغيير علي ما تفهمه العوام علي انّ العواۤمّ اذا مالوا معنا مانبالي بالخواۤصّ لقِلّتهم و الحاصل هذا الحديث و مثله ميزان لمحض الايمان و لمحض الكفر فمن سمعه و عرفه و قبِلَهُ عن معرفة فهو ماحض للايمان و من سمعه و عرفه و انكره عن معرفةٍ فهو ماحض الكفر و رتبة الخواۤصّ من الشيعة لاتقصر عن ادراك هذه المعرفة بل اكثرهم يعرف ما اشرنا اليه من الحديث و اعلم ان شرحنا مشتمل علي مراتب من معرفتهم لاتحتملها الخواۤصّ بل تكفر بها و انما يعرفها الخص۪يصُون من الشيعة و في هذا المعني قال عليه السلم لو يعلم ابوذر ما في قلب سلمن لكفّره اَوْ لقتَلهُ ، فالداعي الساۤئل بان اللّه سبحانه يحشره في زمرتهم قد يكون يقصد انّه يبلّغه ذلك بحصول شرطه من التوفيق لمعرفتهم بالنورانية و قد لايفهم ذلك فيكون دعاۤء بما لايفهم في الحقيقة و قد يستجاب فيوفّق للمعرفة و قد لايستجاب لجهله بما يسئله و انّما اشرنا الي بيان شرط الرجوع معهم في رجعتهم لئلّايجهل الدّاعي شرطَ مطلوبِه۪ هذا اذا اُر۪يد بالحشرِ المطلوب الاوّلُ او هو مع الثاني علي جهة الملاحظة لهما معاً حال الدّعاۤء و امّا اذا اُر۪يد به الحشر الاكبر فلايستلزم ذلك لعدم اعتباره فيه ،
و قوله (ع‌) : و يكُرُّ في رجعتكم
يقال كرّ عليه كرّاً و كروراً و تكراراً عطف عليه و كرّ عنه رجع و المعني انّي ارجع اي اعطف عليكم كأنّه في حال البرزخ مستدبر الدنيا مستقبل الٰاخرة فلمّا جاۤء وقتهم استقبل الدنيا راجعاً عاطفاً عليهم و قد يراد منه ما يراد من الحشر كما قال تعالي و حشرنا عليهم اي جمعنا عليهم و عطفنا كأن المحشور سالك غير جهة المحشور عليه فعطف و المعني واضح لان المراد منه العود الي الدنيا و يكُرّ بضم الكافِ كيَمُدُّ و قد تقدّم بَيان المراد من الرجعة فراجعه ،
و قوله عليه السلم : و يملّك في دولتكم
اي اسأل اللّه سبحانه ان يجعلني في زمان دولتكم و تمكينكم من الارض مُمَلَّكاً اي مالكاً لامور رعيّةٍ من قبلكم او ملكاً حاكِماً من جهتكم ليجعلني من الّذ۪ينَ ينتصر به لدينه من اتباعكم الصادرين عن امركم و هذا لايكون الّا لمن قد كمل ايمانه و بلغت معرفته و لطف حسّه و زكا عمله و خلصت نيّته و الّا لم‌يجعلوه والياً علي اصلاح جهّال شيعتهم فحقيقة المطلوب هذه الصفات الموجبة للتّمليك عندكم لا مجرّد الجاه و العزّة لانّ ذلك محرّم في رجعتهم بمعني انه لايكون لا بمعني انه ممنوع منه شرعاً فان هذا لايختصّ بذلك الوقت بل في هذا الوقت ايضاً هو محرّم و انّما المطلوب رفع الدرجة عند اللّه و القرب منه بالتوفيق لكمال الايمان باخلاص النيّة و تزكية العمل المقبول عند اللّه و عندهم و بلوغ المعرفة للّه و لهم و قوّة الفهم فيما يحب اللّه فان مَن كان كذلك جعله ممّن ينتصر به لدينه و يظهر به الحق و يزهق به الباطل و في الدّعاۤء و اجعلني ممّن تنتصر به لدينك و لاتستبدل بي غيري ه‍ ، و روي الشيخ ياسين بن صلاح‌الدين البحراني في كشكوله انه كتب رجل الي ابي‌عبداللّه عليه السلم يسأله ان يدعو اللّه له ان يجعله ممّن ينتصر به لدينه فاجاب رحمك اللّهُ انما ينتصر اللّه لدينه بشرّ خلقه ه‍ ، و وجه الجمع انّ الساۤئل طلب اعلي المراتب لهذه النصرة بان لايكون في نصرته لدين اللّه تابعاً لغيره و ذلك مقام الامام عليه السلم و مقام النبي صلي اللّه عليه و آله و مقام خلفاۤئه و مقام الانبياۤء و اوصياۤئهم عليهم السلم اذا لم‌يكن ثَمَّ اشرف منه يأخذ عن اللّه تعالي بغير واسطته و علم عليه السلم من نِيَّتِهِ ذلك فكرّهَ ذلك اليه بان النّصرة تكون من شرِّ خلقِ اللّه كما قال تعالي في شأن بَخْت‌نَصّر و ذلك في قوله تعالي و كم قصمنا من قرية كانت ظالمةً و انشأنا بعدها قوماً آخرين فلمّا احسّوا بأسنا اذا هم منها يركضون قيل القرية حَضُور قرية بالحجاز مما يلي الشام ارسل اليهم نبي اسمه شعيب بن ذي‌مهدم و قتلوه و قبره باليمن بجبل يقال له مَتين كثير الثلج و هو غير شعيب صاحب مدين و في ذلك الوقت اصحاب الرس اليَمَني و هو غير اصحاب الظّلة اصْحَاب الرَّسِّ قوم شعيب صاحب مدين و غير الرَّسِّ العَجَمي اصحاب اسمعيل بن حزقيل و اصحاب الرّس اليمني في وقت قصّة حضور قتلوا نبيّهم و اسمه حنظلة بن صفوان و طبخوه و اكلوه فاوحي اللّه الي ارميا ان ائتِ بخت‌نصّر و اعلمه انّي قد سلّطته علي ارض العرب و انّي منتقمٌ بك منهم و اوحي الي ارميا ان احمل معدّ بن عدنان علي البراق الي ارض العراق كيلاتصيبه النّقمة فاني مستخرج من صلبه نبياً في آخر الزمان اسمه محمد صلّي اللّه عليه و آله فحمل معدّ و هو ابن اثنتي‌عشرة سنةً و كان مع بني‌اسراۤئيلَ الَي اَنْ كَبُرَ و تزوّجَ امرأةً اسْمُهَا مُعَانةٌ ثم اِنَّ بَخْت‌نصّر نَهَزَ بالجيوش و كمَن للعَرب في مكانٍ و هو اوّل مَنِ اتّخذَ المَكامِنَ في الحروب فيما زعموا ثمّ شَنَّ الغَارات علي حضور فقتَلَ و سَبا و خرّب العامر و لم‌يترك لحضور اثراً قال اللّه تعالي فمازالت تلك دعويهم حتّي جعلناهم حصيداً خامِد۪ين ثم وطئ اَرْض العَرب يمَنَها و حجازَها و اكثر القتل و السبي و خرّب و حرّق ثم كرّ راجعاً الي السَّواد و الحاصل انه سبحانه انتصر لدينه ببخت‌نصّر شرّ خلقه و سمّي قوّة بخت‌نصّر و تسلّطه عليهم بأْساً له فقال تعالي فلمّا احسّوا بأسنا اذا هم منها يركضون و كما ينتصر لد۪ينه بشر خلقه كذلك ينتصر لدينه بخير خلقه و انّما نهي عليه السلم الساۤئل عن دعوي ذلك و لو قصد بان يكون تحتَ لواۤء امام معصوم عليه السلم لمانهاه لان هذا المقام العالي اذا لم‌يكن في الانتصار تابعاً لغيره لايقوم فيه الّا نبي او وصيّ نبي اَوْ شقيٌّ فالمؤمن الزاۤئر يريدُ بسؤاله من اللّه تعالي ان يكون مملّكاً في دولتهم عليهم السلم اي بامرهم و منصوباً من قبلهم لانّ من وُفِّقَ لذلك فقد كمل له خير الدنيا و الٰاخرة ،
قوله (ع‌) : و يشرّف ف۪ي عاقِبَتِكم
الشّرف العلوّ و المكان المرتفع و المال و المجد و المجد قد لايستعمل الّا بالٰاباۤء و العاقبة الولد و آخر كلّ شي‌ء و في نُسخ كثيرة في عافيتكم بالفاۤء و بعدها ياۤء مثناة مِنْ تَحْت السَّلامة من البلايا و المحن و من الامراض و الٰالام فالمؤمن الزّاۤئر سئل اللّهَ ان يرفعَ درجته فيما يمكن له او يجعل مكانه او مكانته عاليةً بمتمِّمٍ من فاضلِ خيرهم عليهم السلم لما يمكن له في عاقبتهم اي في وقت آخر اَمرهم و هو ملكُ الارض كلّها مشرقها و مغربها من قوله تعالي و العاقبة للمتقين و المتّقون هم الصالحون في قوله تعالي و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر انّ الارض يرثها عبادي الصّالحون اي يملكها و يملكُ امرها و امرَ مَن عليها و ذلك عاقبتهم و علوّ المكان و الدرجة و المكانة رفع شأنه بتقريبه عندهم و المال فانّه شرف رفعةٍ في اعين الخلق و في الحديث عن الصادق عليه السلم اكرموا اهلَ الشرف و الشرف هو المال و المعني انّ اللّهَ سبحانه وضع الاشياۤء في مواضعها فاذا اغني شخصاً سواۤء كان لاستحقاقٍ لانه شاكر للنعمة او لاملاۤءٍ و استدراجٍ فانّ المال اذا انضمّ اليه الاهانة و الذّلّة لايجد صاحبه فيه اثر النّعمة و التفضّل لان المستحقّ اذا وجد معه العزّة و التّكريم شاهد التفضّل عليه و شكر اللّه تعالي و المستدرَج اذا وجد العزّة معه و التّكريم شاهد التفضّل و كونه نعمة من اللّهِ فتقوم عليه الحجة بخلاف العكس بل ربّما مع العكس يشاهد التَنَغُّص و الكدر فلايراها نعمة فقال عليه السلم اكرموا اهل الشرف و الشرف المال و المراد باكرامهم و تعظيمهم انزالهم المنزلة التي وضعهم اللّه فيها من لوازم المال لا للاحتيال في تحصيل شي‌ء من مالهم فان ذلك ممنوعٌ منه و في الحديث من تواضع لغنيّ لاجل غناه ذهبَ ثُلُثا دينه اوْ كما قال لانّي نقلته بالمعني الّذي حضرني حال الكتابة ،
و علي نسخة عافيتكم بالفاۤء و المثناة بعدها من تحتُ المراد انّهم جري عليهم في منح التكليف لهم وَ لشيعتهم في هذه الدنيا كلّ بلاۤء من الغصب و الضرب و القتل و السبي و السّبّ و الغيبة في اعراضهم و القذف و غير ذلك من اعداۤئهم ما لايجري علي احد ممّن مضي من الامم و ممّن يأتي و ما لحقهم منهم من التكذيب و الردّ عليهم و تغيير احكام اللّه خلافاً لهم و ما اشبه ذلك و ما ابتلوا به من الفقر و الهمّ و الغم و الجوع و ضيق المعيشة و غير ذلك من بلايا الدنيا مما لم‌يُبْتَلَ به خلق حتّي فسّروا قوله تعالي و امّا ان كان من اصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين انه قال تعالي لنبيه صلي اللّه عليه و آله فسلام لك يا محمد من اصحاب اليمين و اليمين علي بن ابي‌طالب عليه السلم يعني ماسلمتَ من احدٍ من الخلق الّا من شيعة علي و اصحابه بمعني ان كل شي‌ء من الخلق من حيوان و نبات و جمادٍ اخلص اليك بالاذيّة فيك و في اهل بيتك و في شيعتهم لاجلهم حتي الجمادات كالارض السبخة و الحديد و ما اشبه ذلك من الجمادات و النباتات و الحيوانات آذَوكم من اوّل التكليف الي ان يقوم قاۤئمكم عجّل اللّه فرجَهُمْ و فرجه و فرجنا بهم فتنكشف عنكم البلايا من جميع ما تكرهون و ذلك زمان عافيتكم و سلامتكم انتم و شيعتكم من المكاره كلّها فسأل ان يشرّف في زمان عافيتكم من المكاره كلّها او يشرّف ببركة عاقبتكم او عافيتكم ففي بمعني الباۤء للمصاحبة او السببيّة او هي للظرفية علي المعني الاوّلي فقولنا اوّلاً سأل اللّه ان يرفع درجته فيما يمكن له يعني بالفعل او بالقوّة و هو ما يحصل له بحبّهم و التسليم لهم و اتّباعهم في اقوالهم و افعالهم فانه ليس حاصلاً له بالفعل اي بدون العمل بل الاعمال القلبيّة و اللسانية و الاركانيّة فانّها متمّماتٌ لقابليّته لما فضل من افاضاتهم فعن الباقر عليه السلم ما مِن عبدٍ حَبَّنا و زاد في حبّنا و اخلص في معرفتنا و سُئِلَ مسئلة اِلّا و نفثنا في روعه جواباً لتلك المسئلة ه‍ ، و ذلك لانه اذا حبّهم اي بقلبه و لسانه و زاد في حبّهم بالعمل بسنّتهم و الاقتداۤء بافعالهم و الاخذ بٰاثارهم و اخلص في معرفتهم بنحو ما كتبنا لك في هذا الشرح مما لم‌يكتب في كتاب و لم‌يجر في خطاب و لم‌يسمح به جواب فقد تَمّ له ما يمكن له بمتمّمات قابليّته و امكان ما بقوّته و ح يكون قلبه مفتاحاً لخزاۤئن علومهم و لساناً لارادتهم و هو معني قولنا فيما يمكن له و انّما قلنا هذا بياناً لِغَايةِ ترقّيه و احتِرازاً عن توهّم وصولِه۪ الي رتبة العصمةِ بتقريبهم له فانّه بذلك لايكون معصوماً ابداً ما دام هو ايّاه لانّ النور من حيث هو نورٌ لايكون منيراً ابداً نعم لو شاۤء اللّهُ او شاۤؤا من اللّهِ كان و لو نشاۤء لجعلنا منكم ملاۤئكةً في الاَرْض يخلفون و هو سبحانه قادر علي قلب حقيقةٍ الي حقيقةٍ اُخْري و قولهم بامتناع انقلاب الحقاۤئق باطل الّا ان يراد به خصوص امتناع انقلاب القديم حادثاً و الحادثِ قديماً و ظاهر كلام كثيرين انّ هذا ليس هو المراد بقولهم او يرادُ اَنَّ الشي‌ء حال كونِه۪ هو ايّاه غيرَهُ في حال كونه ايّاه و هذا فرض جنون لا فرض عقلٍ و امّا غير هذين فانقلاب الحقاۤئق بعضها الي بعض ممكن كامكان وجودها و عدمِها بلا فرقٍ و علي تفسير الشرف بالمَالِ يكون المسئول اليسار من الطاعات و الحَسَنات بمعني اسأل اللّه تعالي في زمن عاقبتِكم المحمودة التي تجتمع فيها القلوب علي ارادة الطاعات او في زمن عافيتكم المسعودة التي تسلمون فيها انتم و من تابعكم من جميع المحذورات ان يمكّنني من كمال طاعتكم و نهاية خدمتكم حتي اكون ذَا يسارٍ من الحسنات كما فسّر به دعاۤء الوضوۤء في غسل اليد اليُمنَي اللهم اعطني كتابي بيميني و الخلدَ في الجنان بيساري علي احد الوجهين بان يعطيَني كتابي بيميني و براۤءَةَ الخلود في الجنان بسبب يساري من الحسنات ضد الاِعْسَار فانّه افضل كل يسار و في عيون‌الاخبار عن الرضا عليه السلم ما معناه انه قال عليه السلم انّ امّ سليمن عليه السلم قالت لابنها يا بُنيَّ ايّاك و كثرة النوم بالليل فان كثرة النوم بالليل يدع الرجل فقيراً يوم القيمة ه‍ ، يعني لقلّة حَسَناته ،
و قوله عليه السلم : و يمكّن في ايّامِكم
التمكين يراد به ما تقدّم في معني المراد من يملّك في دولتكم وَ يُشَرَّفُ في عاقِبتِكم بان يجعلَه بما يوفّقه له من طاعته و طاعة اَوْلِيَاۤئه و محبّته لهم و القيام بواجبِ حقوقهم و مندوبِهَا والِياً مملّكاً مُقدَّماً علي اكثر ابناۤء صنفه بكمال ايمانه و اخلاصِ نيّته متصرِّفاً في امورِهمْ عَلَي ما حَدّد ائمتهم عليهم السلم لَهُ مما اَمرَ اللّهُ و هَدَي اليه وَ اَيّامُهم يراد منها ما يراد من دولتِهمْ وَ عَاقبتهم وَ عَافيتهم و هو زمانُ سَلْطَنتِهم و تمكينهم في الدنيا او يراد من ايّامِهم ايّامُ اللّهِ اي الّتي يظهر فيها دينَه و يُعْل۪ي كلمته بهم و هي آلاۤؤه و نعمه او هي قهره و نقمه و هي ما في الخصال عن مثني الحنّاط قال سمعتُ اباجعفرٍ عليه السلم يقول ايام اللّه يوم يقوم القاۤئم عليه السلم و يوم الكرّة و يوم القيمة و في تفسير علي بن ابراهيم ايّامُ اللّه ثلاثة يوم يقوم القاۤئم و يوم الموت و يوم القيمة و في تفسير العياشي عن ابي‌عبداللّه عليه السلم في قول اللّه و ذكّرهم بايّام اللّه قال آلاۤءُ اللّهِ يعني نعمه فاذا فسّرت بالٰالاۤءِ اُريد منها انّها زمان اتمام دينه و اكمال نعمته علي عباده المؤمنين بما يفيض عليهم من بركات السّماۤء و الارض و قد ذكر ابن‌طاووس (ره‌) في كتاب سعدالسعود انّي وجدتُ في صحف ادريس النبي علي محمد و آله و عليه السلم عند ذكر سؤال ابليس و جواب اللّه تعالي لَهُ قال يا ربّ فانظرني الي يوم يبعثون قال لا و لٰكنّك من المنظرين الي يوم الوقت المعلوم فانّه يومٌ قضيتُ و حَتَمْتُ اَنْ اُطَهِّر الارضَ ذلِك اليومَ من الكفر و الشرك و المعاصي و انتخبُ لذلك الوَقْت عباداً لي امتحنتُ قلوبهم للايمان و حشوتُها بالورع و الاخلاص و اليقين و التقوي و الخشوع و الصدق و الحلم و الصبر و الوقار و التّقي و الزهد في الدّنيا و الرغبة فيما عندي و اجعلهم رعاة الشمس و القمر وَ اسْتَخلَفهم في الارض و امكّن لهم دينهم الذي ارتضيته لهم ثم يعبدونني لايشركون بي شيئاً يقيمون الصلوة لوقتِها و يؤتون الزكوة لحينها و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و اُلْقِي في ذلك الزمان الامانةَ علي الارض فلايضرّ شي‌ء شيئاً و لايخاف شي‌ء من شي‌ء ثم يكون الهواۤمّ و المواشي بين الناس فلايؤذي بعضهم بعضاً و اَنْزِعُ حَمّةَ كل ذي حمّةٍ من الهواۤمّ و غيرها و اُذْهب سمَّ كلّ ما يلدغ و اُنْزل بركاتٍ من السماۤءِ و الارض و تزهرُ الارض بحسن نباتها و تُخرِجُ كلّ ثمارها و انواع طيبها و اُلقي الرأفةَ و الرحمة بينهم فيتساوَوْنَ و يقتسمون بالسويّة فيستغني الفقير و لايعلو بعضهم بعضاً و يرحم الكبير الصغيرَ و يوقّر الصغيرُ الكبيرَ و يدينون بالحقّ و به يعدِلُونَ و يحكمون اولۤئك اولياۤئي اخّرتُ لهم نبيّاً مصطفي و اَم۪يناً مرتَضي فجعلتُه لهم نبيّاً و رسولاً لهم و جعلتهم له اولياۤء و انصاراً تلك امّة اخّرتُها للنبي المصطفي و اميني المرتضي ذلك وقتٌ حجبتُه في علم غيبي و لا بد انه واقع اُبيدُك يومئذٍ و خيلك و رجلك و جنودك اجمعين فاذهب فانك من المنظرين الي يوم الوقت المعلوم ه‍ ، و اذَا فُسِّرتْ بالنقمة فظاهر لانّها الايّام التي ينتقم اللّه سبحانه فيها من اعداۤئه و اعداۤئهم امّا في الٰاخرة او في الرجعة و كذلك اذا فسّر الاول بقيام القاۤئم عليه السلم و امّا اذا فسّر بالدنيا كما في ظاهر التفسير قال في الٰاية في الكشاف اي انذرهم بوقاۤئعه التي وقعت علي الامم قبلهم قوم نوح و عاد و ثمود و منه ايام العرب لحروبها و ملاحمها الخ ، و اقول بل تجري الي قيام القاۤئم عليه السلم فكذلك لان اللّه تعالي ينتقم فيها منهم و ان امهلهم حتي يستوفوا ما كتب لهم من الٰاجال و الارزاق و حتي يبلغوا دركاتهم في هُوِيّهم في جهنّم منها فانّ لكلٍ درجاتٍ مما عملوا فهو في هذه الدنيا يهوي في جهنّم باعماله و اعتقاداته و اقواله فهو يسير سيراً حثيثاً هاوياً حتي يصل الي قعرِها من رتبته فيموت فمنهم من يستدرجه بالنعم حتي يأخذه بغتة و منهم من يبتليه بالمرشدين و الادلّة فيهلكهم علي ايدي دُعاته بما يستحقه من انواع الهلاك من الموت او القتل او الطاعون او المسخ او الخسف او غير ذلك و لايظلم ربّك احداً و منهم من يهلكه باقامة الحجة عليه حتي يحترق بها و في كل ذلك يكون المؤمن مملّكاً في ايّامهم في كلّ شي‌ء بحسبه فانّ مَن علّمه حجّتهم عليهم السلم حتي كسر بها حجّة عدوِّهم فقد ملّكه معاني ما علّمه و جعله والياً علي كثير من اتباعه من الشيعة الٰاخذين منه و علي كثير من الملاۤئكة حتي سلّطهم علي ناصري عدوّه من الشياطين فيهزونهم باذن اللّه تعالي و لقد كنتُ قاعداً في الاحساۤء في دكّانِ عَطّارٍ فحضر معنا رجل من مشاۤئخ الناصبة فسألني العطّار و كان شيعيّاً بمحضره عن وجه النّصب في قراۤءة فامسحوا برؤسِكم و اَرْجُلَكم الي الكعبين فتكلّمتُ له و تعرّضتُ للناصب بذكر بعض حججهم ليدخل معنا في البحث فدخل فاخذتُ في ابطال مذهبهم في غسل الرجلين و كلّما تواني عن الكلام او غفل عن حجّتهم ذكّرته حتي انقطع و لم‌يقدر علي ردّ جوابٍ ابداً و اسودّ وجهه في مجلسه ذلك سواداً لايخفي علي الغبي فضلاً عن الذكي ثم قام و مضي بيته و لم‌يخرج عشر ايّام الّا الي قبره لارحمه اللّه حين اخرجوه و وضعوه في حفرة النار و هذا من انتقامِ اللّه سبحانه في الدنيا لاولياۤئه عليهم السلم و انتصاره لدينه اجريٰهُ علي يديّ فضلاً منه وحدَهُ لا شريك له بل من ذلك ما اذا عرفتَ انّ الوزغ عدوّ لهم فقتلتَهُ نصرةً لهم فانه يصدق عليك انّكَ مُكِّنْتَ في ايّامهم في الدنيا بقتل اعداۤئهم و الانتقام و ذلك حين كانوا وزغاً و لو كانوا بصورة الانسان لماتمكَّنتَ من ذلك فالدنيا يوم من ايّامهم المخفيّة فهم متمكِّنون فيها و ان لم‌يكن التمكن ظاهراً و لو لم‌تعرف هذا لم‌تتقرّب الي اللّه بقتل حيوانٍ صغيرٍ لانك لم‌تمكّن في ايّامهم كلّها و هذا منها و ان كان خفياً روي ابوالفتح محمد بن علي بن عثمن الكراجكي (ره‌) في كتاب كنزالفراۤئد قال و روي ابونصر لعل ابونصر هذا يوسف بن الحارث ، منه ( اعلي اللّه مقامه )
قال كنتُ عند الامام الباقر محمد بن علي صلوات اللّه عليه ذات يوم و سام‌ابرص علي حاۤئط ينقُّ فقال صلوات اللّه عليه هل فيكم احد يدري ما يقول هذا المسخ قلنا ماندري فقال صلوات اللّه عليه و لكنّي ادري ما يقول يقول لَأن شتمتم معوية لاشْتمَنَّ عليّاً فقلنا يا ابنَ رسول اللّه لو امرتَ بقتله فقال صلوات الله عليه لغلام يا غلام اقتل هذا الوزغ فانه مسخ و هو عدوّ موليٰنا اميرالمؤمنين علي بن ابي‌طالبٍ صلوات اللّه و سلامه عليه قلتُ جعلتُ فداك يا ابن رسول اللّه (ص‌) و هذا الوزغ ممّن يبغض اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه قال يا ابانصر تدري ما كان هذا الوزغ قبل ان يمسخ في هذه الصورة قلتُ اللّه و رسوله و ابنُ رسوله اعلم قال صلوات اللّه عليه كان رجلاً من بني‌اميّة و كان جبّاراً عصيّاً ذا سلطانٍ شديدٍ و حشمٍ و عبيد فمسخه اللّه عز و جل كما تري ثم قال صلوات اللّه عليه ايّما رجل قتل وزغاً و عاد مريضاً و مشي علي اثر جنازة مؤمن في يوم واحدٍ اوجب اللّه عز و جل له الجنّة ه‍ ، و الحاصل المراد من سؤال التمكين في ايّامهم لاقامة دين اللّه و اعلاۤء كلمته لا لِنَيْل حظوظ الدنيا فافهم .
و قوله (ع‌) : و تقرّ عينه غداً برؤيتكم
قرت العين كناية عن الفرح و السرور و في القاموس و عينُه تقرّ بالفتح و الكسرِ قَرّةً ( قُرّةً ) و تضم و قروراً بردت و انقطع ماۤؤها اذا رأت ما كانت متشوّقةً اليه ه‍ ، و المراد بالغدِ يوم القيمة او يوم يقوم القاۤئم عليه السلم او يوم الرجعة و هذه الاحتمالات مبنيّة علي ما تقدّم من قوله عليه السلم يحشر في زمرتكم و يكرّ في رجعتكم يعني انه اذا حصل الاجتماع و هذا في المعني مرتّب علي ما قبله و هو قوله فثبتني اللّه ابداً ما حَيِيتُ علي موالاتكم و محبّتكم و دينكم و وفّقني لطاعتكم و رزقني شفاعتكم و جعلني من خيار مواليكم التابعين لما دعوتم اليه و جعلني ممّن يقتصّ آثاركم و يسلك سبيلكم و يهتدي بهديٰكم و يحشر في زمرتكم و يكرّ في رجعتكم و يملّك في دولتكم و يشرّف في عاقبتكم و يمكّن في ايّامكم ، و معني ترتّبهِ علي هذه التي قبله في المعني انّ قرّة عينه علي كمال ما ينبغي انّما تحصل له اذا استجيب له دعاۤؤُه في هذه كلّها فاذا استجيب له دعاۤؤه فيها علي نحو ما اشرنا اليه حصل له كمال السرور و نهاية الفرح الذي هو غاية قرّة العين لانه اذا بقي من طلباته شي‌ء كان عند رؤيتهم مغموماً لفواتِ حال يحبّون ان يكون عليها محبهم و يلقيهم بها فلذا قلنا انه مرتّب علي ما قبله معني و انما قلنا معني لانه في الظاهر معطوف عليها فهو من جملتها .
قال عليه السلم : بابي انتم و امّي و نفسي و اهلي و مالي
قد تقدّم الكلام في معني بابي انتم الخ ، فان قلت هنا ذكر النفس و فيما سبق لم‌يذكر النفس فما الفاۤئدة في ذلك قلتُ لانّه لمّا ذكر سابقاً كثيراً مما هم اهله من صفاتهم و فداهم عند ذكرها بما ذكر و كان قد ذكر بعد ذلك من صفاتهم ما ذكر و عظم الشأن في نفسه و كبر في قلبه و لم‌يبق عنده شي‌ء اعزّ و لا احبّ من نفسه بل كل عزيزٍ و حبيبٍ فانما كان عزيزاً و حبيباً لاجْلِها فداهم بها فان قلتَ لِمَ لم‌يقتصر عليها و كيف ذكر من ذكر قبل ذلك معها مع ان ذكره اوّلاً كافٍ قلتُ لو اقتصر عليها ربّما فهم من ذلك الاختصاص هنا بها و هناك بهم او علي جهة البدليّة و التخيير بمعني انه انما يفديهم باحدهما فذكرهم معها ليدلّ علي استحقاقهم لذلك كله و لمّا ذكرهم و ذكر نفسه دلّ علي ان هذا غاية جهده و لو وجد غير ذلك لبذله فان قلتَ لم قدّم الاب مع ان الاَولي تقديم النفس لان كل محبوبٍ فانما هو لاجلها قلتُ قد يقال انما اخر النفس لانه ذكر المذكورات علي جهة الترقي من الاضعف الي الاقوي و الترقي قد يكون في الاثبات من الاضعف الي الاقوي و ان كان خلاف الغالب و الذي يظهر لي ان الجواب الحق ان الترقي جارٍ علي حكم الاغلب و قد تقدم كثير من الجواب و انما الاب بحكم الاقوي لتقدمه علي النفس و اصالته و كذا الام و لاحترامهما و لان ذلك من المعروف المأمور بالمصاحبة به و قولي سابقاً في هذا البحث بحيث يفني الحبيب و العزيز من كتاب الرعاية مرادي عند التفدّي و معني كتاب الرعاية و المحافظة الذي اشرتُ اليه في قوله عليه السلم بابي انتم و امي الخ السابق لا هذا اريد به ان كل شي‌ء تحبّه او تكرهُه او تحذره فهو في كتاب عندك مسطور يسمونه اهل الظاهر و القشر بالخيال و اهل الشرع عليهم السلم يسمونه بالكتاب و قد اشرنا فيما تقدّم الي ما يبيّن هذا فراجعه و انما يصح ان يقال له الخيال لانّ لخيالك عَيْنَيْنِ يلاحظ بهما ما في كتابي الزمان و المكان من الامثال القاۤئمة المعلّقة بالاعيان الخارجيّة تعلّق الظلّ بالشاخص فاذا ظهر لك المخاطب مثلاً بما استمال به كل قلبك من الصفة المستحسنة احببتَ دوامَها عليك و لحظتَ احتمال تغيّرها او تبدّلها بما لم‌تستحسن او فناۤء الذي قامت به ملاحظةً بلا تشخّصٍ لذلك المكروه الذي حذرته لاستغراق تعيينك في تعيُّنِه۪ لَكَ و انّما يرد المحذور علي وهمك لا علي جهة التعيّن و لذا اكثر الناس لايتوهمه فضلاً عن ان يجده اَوْ يعرفه و هو ما ذكرتُ فلاتصغ الي غير ما ذكرنا :
يا ابن الكرام الاتدنو فتبصر ما       ** * **      قد حدّثُوك فما رائٍ كمن سَمِعَا
فاذا عرفت هذا فاعلم انّ الصفة التي ظهروا بها لمن عرفهم هي مجموع ما اشتملت عليه مشيّة اللّهِ من كلّ صفة مستحسنةٍ في نفس الامر ليس في الامكان مثلها اوْ احسن منها و قد اشتملت هذه الزيارة المباركة علي الاشارات الي كثير من ذلك و قد ضمّنّا في هذا الشرح كثيراً من معَاني قولهم اجعلوا لنا ربّاً نَؤُبُ اليه و قولوا فينا ما شئتم علي انّي و للّه الحمد لم‌اقل فيهم ما شِئتُ و انّما قلتُ فيهم ما شاۤؤا ل۪ي اَنْ اَقُولَ فيهم فقلتُ باذن اللّه و اذنهم ما لو سمعه السميع لصُمَّ و البصير لعَمِي و هذا و امثاله من صفاتهم الحقيّة التي هي الاسماۤء الحسني و الامثال العليا و النعم التي لاتحصي هي تلك الصفة المقتضية لميل القلوب العارفة بهم الي حدٍّ يفني عنده الجنان و تدأب في القيام بمدحه الاركان و ينطق في تيّار لُجَّتِه۪ اللّسان بكلّ لغةٍ لها منه ترجمان الي ان قال بابي انتم و امّي و نفسي و اهلي و مالي ثم التفت القلبُ الي ان يُجْمِلَها اوْ اغلَبُها في بعض جوامع الكلم فعلّمه الامام عليه السلم .
فقال عليه السلم : مَن اراد اللّٰهَ بدأ بكم و من وحّده قبل عنكم و من قصده توجّه بكم
قال الشارح المجلسي رحمه اللّه من اراد اللّهَ بدأ بكم فانه لايمكن الوصول الي معارفه و مرضاته الّا باتّباعِهم في العقد و العمل و من وحّده قَبِل عنكم اي كلّ مَن يقول بتوحيد اللّهِ يقبل عنكم فانّ البرهان كما يدُلُّ علي التوحيد يدل علي وجوب نصب الخليفة المعصوم او لم‌يوحّدِ اللّهَ وَ لم‌يعبده حقّ عبادته مَن لم‌يقبل العلوم منكم اَوْ عرف التوحيد و غيره من المعارف من قولكم و ادلّتِكم او نهاية مراتب التوحيد لايوصل اليها الّا بمتابعتكم او مَنْ لم‌يقبل منكم فهو من المشركين او مَن عرف اللّه حقّ معرفته فهو يقبل منكم كلّما تقولونه انتهي .
اقول هذه الفقرات الثلاث من جوامع الكلم لانّ كل واحدٍ يراد منها كلّ معنيً فقوله (ع‌) مَنْ اَرَادَ اللّهَ بَدَأَ بكم يراد به مَن اراد ان يَعرف اللّهَ قصَدَهُم ليعرّفوه معرفة اللّه و ما يصح عليه و يمتنع لانهم السنة ارادة اللّهِ و لايعرف مراد اللّهِ الّا بتعليمه و لايعلّم احداً من خلقه الّا بهم لانهم محاۤلّ مشيته و السنة ارادته و ظاهره في خلقه و نوّابه في عبادِه و ابوابه في بلاده و امثاله العليا في بريّته و قصدهم اي ليعرفَهُمْ فاذا عرفهم عرف اللّه بمعرفتهم لانّهم آيات معرفته فمن عرفهم فقد عرف اللّه لان الشي‌ء انّما يعرف بصفته و هم صفته و آثار صفته فاذا عرفتَ الصفة عرفتَ الموصوف بتلك الصفة بهيئتها كالطويل فانّك اذا عرفتَ الطول عرفت الطويل الموصوف بالطول بهيئة الطول و كالقاۤئم اذا عرفت القيام عرفت القاۤئم الموصوف بالقيام باثره الذي هو القيام و ذلك انه سبحانه لمّا كان لايعرف بالكنه لانّ الشي‌ء لايدرك الّا ما هو من جنسه و في رتبته و ح يحيط به فاذا احاط به كان اعلي منه كما في رواية المُفضّل عن الباقر (ع‌) الي ان قال في قوله تعالي اللّه نزّل احسن الحديث فاحسن الحديث حديثنا لايحتمل احد من الخلاۤئق امره بكماله حتي يحدّه لانّ من حدّ شيئاً فهو اكبر منه ه‍ ، و لمّا اراد ان يُعْرف تعرَّفَ لعباده بصفةٍ يعرفونه بها و لاتكون الّا مخلوقة من جنسهم فاوّل ما تعرّف تعرّف لمحمد و آله الطاهرين الثلاثة‌عشر المعصوم صلي اللّه عليه و آله بهم اي ظهر لهم بهم يعني وصف نفسه و كنههم ذلك الوصف و تعرّف للانبياۤء عليهم السلم بهم بمحمد و آله صلي اللّه عليه و آله و معني ذلك ظاهراً لتفهمه ان النور صفة المنير فيعرف المنير بما وصف به نفسه و هو النور لانه يشابه ظهور المنير به كالشمس فان نورها يشابه ظهورها به و نور القمر كذلك و لايشابه نور الشمس و نور الشمس لايشابه نور القمر لان كل واحد انما ظهر بنوره الذي هو صفة ظهوره به و دليله عليه لا بنور غيره فافهم فالوصف الاول حقيقة محمد و آله صلي اللّه عليه و آله و نور هذا الوصف الذي لايوجد و لايظهر الّا به لكونه صفته حقيقة الانبياۤء عليهم السلم و نور تلك الحقيقة الذي لايوجد و لايظهر الّا بها لكونه صفتها حقيقة المؤمنين و هكذا فالمؤمنون انما يعرفون اللّه بهيئة ظهوره لهم بالانبياۤء الذين لايعرفون اللّه الّا بهيئة ظهوره لهم بمحمد و آله صلي اللّه عليه و آله كما لو قابلتَ مِرْءٰاةً فانّ وجهك ينطبع فيها بلا واسطة فاذا قابلتِ المِرْءٰاةُ مرءٰاةً اخري كان في المرءٰاة الثانيةِ صورةُ المِرءٰاةِ الاولي فيها صورة وجهك و هكذا فالذي يقابل الثانية انما يري صورة الوجه المنطبعة في صورة الاولي فلم‌ير الّا صورة الصورة و الظاهر بها في الثانية صورة المرءاة الاولي لا نفسها و الصورة التي في الثانية مركبة من ماۤدة و صورة فالمادة ظهور الاولي بما فيها من الصورة للثانية و الصورة صفاۤء زجاجة الثانية و استقامتها او اعوجاجها و بياضها او سوادها و كبرها او صغرها و لهذا يختلف صورة الاولي و ما فيها من صورة الوجه باختلاف الثانية في الصفاۤء و الكدورة و الاستقامة و الاعوجاج و البياض و السواد و الكبر و الصغر و ماۤدة الصورة التي في الاولي ظهور الظاهر لها بفعله ايّاها و صورتها هيئتها من صفاۤء و استقامة و بياض و كبر فقوله تعالي سنريهم آياتنا في الٰافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انّه الحق اذا اريد بالمعنييْن محمد و آله صلي اللّه عليه و آله كان المراد بالٰايات الٰايات الكبري و يصدق قول اميرالمؤمنين عليه السلم من عرف نفسه فقد عرف ربّه حقيقة النفس و حقيقة المعرفة و ليس فوق هذه رتبة و اذا اريد بهم غيرهم عليهم السلم احتمل وجهان :
احدهما ان المراد بالانفس محمد و آله صلي اللّه عليه و آله كما قال تعالي لقد جاۤءكم رسول من انفسكم اي جاۤءكم رسول من آل‌محمد صلي اللّه عليه و آله لانهم هم انفس الخلق و ذواتهم اي هم انفس النفوس و ذوات الذّوات و المعني ان الخلق يعرفون اللّه بهم لانّهم الٰايات الكبري قال اميرالمؤمنين عليه السلم ليس للّه آية اكبر مني و لا نبأ اعظم مني رواه في الكافي و في قوله تعالي لقد رأي من آيات ربّه الكبري اذا جعل الكبري منصوباً علي انّه مفعول رأي و هو افعل التفضيل اي رأي علياً عليه السلم الذي ليس للّه آية اكبر منه ليلة المعراج لم‌يصل الي مكان الّا و يراه امامه و خاطبه اللّه بلسانه هذا علي معني الٰاية و علي معني الحديث انّ مَن عرفهم فقد عرف اللّه كما تقدّم .
و ثانيهما ان المراد بالانفس انفس الخلق اي سنريهم آياتنا اي آيات معرفتنا في انفسهم و المعني كما مثّلْنا لك بالمِرْءاة المقابلة للمِرءاة المقابلة للوجه فانك تري صورة الوجه في صورة المِرْءٰاة و ذلك لانك اذا عرفتَ نفسك عرفتَ وصف اللّه تعالي نفسه لك الظاهر لك فيهم و بهم عليهم السلم و قصدهم ليعرفهم لان معرفتهم هي معرفة اللّه حقيقة و الي الثلاثة المقاصد اشار علي عليه السلم بقوله نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الّا بسبيل معرفتنا اي لايعرف اللّه الّا بما وصفناه تعالي و دللنا عليه فمن اعرض عن شي‌ء مما دللنا عليه من صفاته فانّما اعرض الي الشيطان و هذا علي المقصد الاوّل الذي هو مأخذ الخواۤصّ من شيعتهم و له معني ثانٍ فوق هذا اي لايعرف اللّه الّا بمعرفتنا يعني انا اركان توحيده فمن انكرهم فقد انكر اللّه و من لم‌يعرفهم لم‌يعرف اللّه فلم‌يعرف اللّه من وحّد اللّه و لم‌يشهد ان محمداً رسول اللّه و لم‌يوحّد اللّه من شهد اَلّا اله الّا اللّه وحده لا شريك له و شهد ان محمداً رسول اللّه و لم‌يشهد ان علياً ولي اللّه صلوات اللّه عليه و لم‌يوحِّد اللّهَ مَن شهد الّا اله الّا اللّه و شهد انّ محمداً رسول اللّه صلي الله عليه و آله و شهد انّ علياً ولي اللّه صلوات اللّه عليه و لم‌يشهد بان الائمة الاحدعشر عليهم السلم حجج اللّه في ارضه و خلفاۤؤه في بلاده و اُمناۤؤه علي دينه في عالَمِه۪ و هكذا و هذا المقصد الثاني هو طريق الخصيصين من شيعتهم و له معني ثالثٌ و هو انّك لاتعرف زيداً الّا بظاهرٍ منه من صفةٍ اوْ اسم او اشارة و هذا آية معرفة اللّه في قوله تعالي سنريهم آياتنا في الٰافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انّه الحق و قال تعالي و في انفسكم افلاتبصرون فاذا عرفتَ بأَيّ شي‌ءٍ عرفتَ زيداً عرفتَ اللّه سبحانه الاتسمع الي قول الصادق عليه السلم العبوديّة جوهرة كنهها الرّبُوبيّة فما فقد في العبوديّة وجد في الرُّبُوبيّة و ما خفي في الربوبية اصيبَ في العبودية الحديث ، فلمّا تأمّلنا معرفتنا بزيد وجدنا طريقنا الي معرفته انما هو وجهه الذي نتوجّه اليه من صفته و اسمه و الاشارة اليه و لا سبيل لنا الي غير ذلك من الاحاطة بكنهه و لمّا طلبنا معرفة خالقنا الذي لايمكن ان يعرف من نحو ذاته استرشدناه فارشدنا بناطق كتابه و ترجمانه الذي ارسله الينا صلّي اللّه عليه و آله فقال في كتابه و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الّا العالمون و كأَيّن من آية في السماۤء و الارض يمرّون عليها و هم عنها معرضون فاخبرنا العالمون الذين يعقلون آيات اللّهِ فقال صلي الله عليه و آله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربّه و قال علي عليه السلم مَنْ عَرف نَفْسَه فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ فلمّا طلبنا معرفة نفسِنا من حيث هي موجودة قاۤئمة بنفسها لم‌نقدر علي ذلك الّا بمعرفة صفتها و اسمها و الاشارة اليها ثم نظرنا فاذا الذي عرفناها به هو اثرها و صفة فعلها و ما ينسب اليها و لمّا نظرنا في الاثر و صفة الفعل و ما ينسب الي الشي‌ء وجدناه وجه معرفتها الذي يدلّ بما فيه علي جهة المبدئيّة فالاثر يدلّ علي مؤثره يعني من التأثير لا مطلقاً كما تدلّ الكتابة علي الكاتب من هذه الجهة و لهذا اذا رأيت الكتابة حسنة استدللتَ بذلك علي استقامة حركة يد فاعلها و لاتدلّ علي جماله او كماله او علمه او تقويٰهُ لانّ الاثر انّما يدل بما فيه علي جهة المبدئيّة له و كذلك صفة الفعل تدلّ علي فاعل لا علي ذاتٍ و كذا احوال النسب كالاشارات و الاوضاع و الاقترانات و امثال ذلك هذا و نحن قد عرفنا حدوث انفسنا بالفقر و التركيب و التغيّر و التحوّل و غير ذلك من صفات الحدوث فلمّا طلبنا معرفة انفسنا من حيث هي وجدنا انموذجاً منقوشاً فهوانِيّاً قُدِّر في التّوصيف علي قدر التّعريف لانّ النقش يقع علي قدر الرَّقِّ المنشور المنقوش ففتّشنا حقيقته فاذا هو قول الواصف لنفسه بذلك القول فلمّا قرأناه عرفناه بانّه الوجه الذي يتوجّه اليه طالب المعرفة و رأينا فيه مَرايا قد انتقش فيها وجه الوجود و الغنا و البقاۤء و الدّوام السّرمدي وَ لا رَيْبَ انّ المنتقش وجه و نور و هو قول علي عليه السلم انّما تدرك الٰالات انفسها و تشير الادوات الي نظاۤئِرها و قال عليه السلم انا الذي لايقع عليه اسم و لا صفة و في الٰاية الشريفة و انّ اِلَي ربّك المنتهي و قال علي عليه السلم انتهي المخلوق الي مثله و اَلْجأَهُ الطَّلَب الي شكله فعرَفْنَا بما كُتِبَ لنا من ذلك الانموذج صورةَ وجهٍ تبارَك وَ تَعَالي لهُ الجَلالُ و الاكرام و هو اسم المعبود و ظاهر الوجود و منبع الكرم و الجود وَ هُوَ العَلِيُّ العَظ۪يمُ فتَوجَّهْنَا الي المسمي بهذا الاسم الكريم المعني بهذا الوصفِ العليِّ العظيم و هذا سبيلُ معرفتهم يعني بهذا يعرفهم مَنْ عرفهم و من عرفهم بهذا فقد عرف اللّهَ تعالي حقّ ما يمكن من معرفته و هو قول الصادقِ عليه السلم و هو المكوِّنُ و نحن المكان و هو المُش۪يۤ‌ءُ و نحن الشي‌ء و هو الخالق و نحن المخلوقون و هو الرب و نحنُ المربوبون و هو المعني و نحنُ اسماۤؤهُ و هو المحتَجِبُ و نحنُ حُجُبُه الحديث .
اقول الذي وجدته في نسخة انيس‌السّمراۤء هكذا و هو المكوِّن بكسر الواو و نحن المكان و في النسخة بضم الميم بمعني المكوَّن بفتح الواو و يجوز ان يكون بفتح الميم بمعني المكوّن بفتح الواو و انّما اطلق عليه لانّه محلّ التكوين او قابل التكوين و يحتمل انه و نحنُ الكان بغير ميم قبل الكاف اي الممكن قال في مجمع البحرين و في الحديث ان اللّه كان اذ لا كان اي لم‌يكن شي‌ء من الممكنات فخلق الكانَ اي الممكن الكاۤئن كذا عن بعض الشّارحينَ و هذا المقصد الثالث لاهل العصمة عليهم السلم و طريق كمّل شيعتهم في الرّجعة و لمحمد و آله صلي اللّه عليه و آله حال اخبروا عنه في احاديثهم علي ما رواه كثير من علماۤئنا و هو قول الصادق عليه السلم لنا مع اللّهِ حالات نحن فيها هو و هو نحنُ و هو هو و نحْن نحنُ و قول الحجة عليه السلم في دعاۤء شهر رجب كما تقدّم يعرفُكَ بها مَن عَرَفك لا فرق بينك و بينها الّا انَّهُمْ عبادُكَ و خلقك الدعاۤء ، و قد تتّحد هذه الحال مع المقام الثالث و قد يتعددان و التعدُّدُ بالاعتبار .
و قوله عليه السلم اَيْضاً مَنْ ارَادَ اللّهَ بَدأَ بِكم يُرَاد به من اَرَادَ وَجْهَ اللّٰهِ و التقرّبَ اليه بالاعمال الصّالحة بَدَأَ بكم يَعْني اَخَذهَا عنكم و سلّم اليكم و فوَّض في ذلك كله اليكم ظاهراً بالقول و العمل و باطناً بالاعتقاد و الاعتماد مشفوعة بحبّكم و ولايتكم لانّ ذلك شرط في قبولها و تزكيتها و النظر اليها كما دلّت عليه اخبارهم و قد ذكرناه مراراً و قوله عليه السلم ايضاً مَنْ اراد اللّهَ بدأ بكم يراد به انّكم سبيله الي عباده و سبيل عباده اليه فمن سلك الي اللّه من غيركم فكأنما خَرَّ من السَّماۤءِ فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكانٍ سحيقٍ فلايصل الي اللّه و لايصعد اليه منْ عملِه۪ شي‌ء لانّ اللّه لم‌يجعل له طريقاً موصلاً اليه غيرهم اَوْ انّ مريد اللّه تعالي لايقدر علي الوصول الي الممكن له من القرب الّا بهم لانّهم صلي اللّه عليهم يقوّون العباد علي التوصّل الي نهايات حظوظهم من خيره تعالي لانهم جعلهم اللّه اعضاداً لخلقه و اشهاداً و مُناة و اذواداً و حفظة و روّاداً و معني اعضاد يقوّون كلّ ضعيف و يتمِّمُون كل ناقص و يرشدون كلّ ضاۤلّ حتّي يبلّغوه كلّ ما لَهُ من الوجود و اشهادٌ له و عليه و مُنَاة يقدّرون كلّ شي‌ء بعمله فيما هو عليه من السعادة و الشقاوة و الغني و الفقر و القوّة و الضعف و غير ذلك باذن اللّه و امره الذي حمّلهم ايّاهُ و اذواد يمنعون كلّ شي‌ء عمّا ليس له لعَدم قبولِه لَهُ و حفظة اي معقبات من مستقبله و ماضيه يحفظونه من امر اللّه و روّاد في الخير قادة و دعاة و ادلّاۤء و في الشر ساۤئلون و محاسبون و تاركون و مُبَوِّؤُنَ كلّاً مسكنه من الجنّة او النار او من اراد اللّه استشفع بكم اوّلاً او قدّمَكم اَمام طلبته مقسماً علي اللّهِ عز و جل بكم لانه تعالي لايردّ ساۤئلاً اقسم عليه بكم او لانّكم اسماۤؤهُ التي يُدعَي بها و صفاته التي يعرف بها و نعمه التي يسئل من فاضلها و خزاۤئن رحمته التي ينفق منها او من اراد اللّه بدأ بكم في الارادة لتعذر ارادة اللّه بدون ارادتكم لانكم جهته و وجهه الّذي يتوجّه اليه من اراد اللّه او مَنْ اراد اللّه بدأ بكم اي ارادكم ليكون بكم مُريداً لِلّهِ بارادتكم اي بفاضل ارادتكم او وجودكم او كرمكم و جُودكم او بتعليمكم او بدلالتِكم و ارشادكم او بقيّوميّتكم و حفظكم له او من اراد اللّه لزمه ان يريدكم اوّلاً لانكم واسطة بينه و بين جميع خلقه فاذا اراد اللّه بايّ معني ممّا ذكر و غيره فالارادة و المراد من اللّه او للّه او باللّه و المريد كلها مخلوقة للّهِ و هم الواسطة في ذلك كلّه فلا بُدَّ ان يبدأَ بالواسطة و الّا لم‌يكونوا في حال عدم البدءِ بهم واسطة و قد تقدّم بيان كونِهمْ عليهم السلم وَاسِطَةً في كلِّ شي‌ءٍ مراراً فراجع ان توقّفتَ في معني ذلكَ .
و قوله عليه السلم : و مَن وحّده قَبِلَ عنكم
ما ذكره الشّارح (ره‌) في بيان هذه الفقرة الّا ان الوجه الثالث و هو قوله اوْ عُرِفَ التّوحيد و غيرهُ من المعارف من قولكم لايجري علي ظاهر اللفظ و انّما يصح علي التأويل بمعني انّ من عرف التَّوْح۪يد و غيره من المعارف الحقّة قد قبل عنكم ما قلتم في بيانه و تعريفه و وصفه و الّا لم‌يعرف التوحيد فاذا رأينا اعتقاده صحيحاً و قوله حقّاً حكمنا بانه قد قبل الحقّ لمّا جاۤءَهُ منهم و ذلك لما قام عليه البرهان عَقْلاً و نقلاً انّه لايكون عند احدٍ من الخلق حقّ الّا ما كان عنهم لا فرق بين اوّل الخلق و آخرهم فيلزم كلّ ذي حقٍّ قَبُولُه لمَا عَلِمَ من الحَقّ و قبوله مِنْ مُفيضِ ما قبِل من الحقّ و لَوْ لم‌يقبل من المفيض للحَقّ لم‌يَقْبَلِ الحَقَّ فَاِذَا قَبِل الحَقّ لزمه انّه قبِل عن مفيضه و المتفضِّل به و عن جَميع ما هو سبب في كونه اوْ ايصاله و لمّا ثبت انهم عليهم السلم هم سبب كون كلّ حق لجميع من سواهم من الخلق و سببُ ايصاله بل و سبب قبوله فبمثل هذا التوجيه يتّجه كلامه رحمه اللّه في كونه تفسيراً لقوله عليه السلم و مَنْ وحّده قبلَ عنكم بل كل وجوهه السّتّة تحتاج في تطبيقها علي ظاهر كلامه عليه السلم الي نحو ما وجّهنا به الوجه الثالث فانّ قوله رحمه اللّه في الوجه الاوّل اي كلّ من يقول بتوحيد اللّه يقبل عنكم فيه لقاۤئل ان يقول كثير ممّن يقول بتوحيد اللّه و هو ناصب لهم العداوة قد جعل ديدنه الردّ عليهم فاين قبوله عنهم لكن اذا وجّهناه قلنا المراد بالقول بتوحيد اللّه القول الحقّ و لايحصل لاحد من الخلق الّا بالقبول عنكم لانّه اذا لم‌يكن طريق الي الحقّ الّا منهم فلا بدّ من القبول منهم او يكون ليس قوله حَقّاً و تعليله (ره‌) بانَّ البرهان الدال علي التوحيد دالّ علي وجوب نصب خليفةٍ معصومٍ لايلزم منه ان من قال بالتوحيد قبِل عنهم فانّ هذا لايلزم في حق الانبياۤء عليهم السلم و لا اوصياۤئهم عليهم السلم و لا في احدٍ من المؤمنين لانّ كلّ من سواهم لَمْ‌يكن باباً لجميع ما افَاض اللّهُ من العلوم و المعارف و غيرهما ليصدق عليه انّ من وحّد اللّهَ قبِل اي لزمه القبول عن ذلِك الباب و انّما ذلك خاۤصّ بهم عليهم السلم و في الثاني تفسير لمفهوم كلامه عليه السلم و هو متّجه علي قصدِ ارادةِ كونِهم عليهم السلم بابَ كلِّ شي‌ءٍ و ارادة اللزوم المذكور الّا انّه في الثاني اظهر و في الرابع و هو قوله او نهاية مراتب التوحيد لايوصل اليها الّا بمتابعتكم ، انّ كلامه هذا يدلّ علي انّ كلّ ما دون النهاية من مراتب التوحيد يمكن الوصول اليها بدون متابعتهم فان اراد المتابعة الظّاهرة امكن ان يقال لا بأس به لو ( هذه الكلمة غير واضحة في الاصل و تقرأ } او { ايضا )
اردنا علي ما تفهمه العوام فان اكثر المراتب انّما تعرف بعقولهم حتي انّا نُقِلَ لنا قول بعضٍ ممّن يقال انّه من الشيعة انّه قال نحن لانحتاج الي الائمة عليهم السلم في المعارف و الاعتقادات لانّها امور عقلية و انّما نحتاج اليهم في الشرعيّات و ان اراد ما في نفس الامر فهو خطأ لانّ العقول كلّها جميع انوار بصاۤئرها من فاضل انوارهم فاذا اردنا ان نعرّفك حقيقة عقل زيد قلنا انّ العقل الكلي الّذي هو من امر اللّهِ ملك له رؤس بعدد الخلاۤئق من ولد و من لم‌يولد فلزيد رأسٌ من العقل يخصه و هو علي صورته في متعلّقه من زيد فاذا تم نموّ دماغ زيد مثلاً ظهر نور ذلك الرأس و اشرق علي دماغِ زيد فاستضاۤءةُ دماغِ زيد بذلك النور المشرق من ذلك الرأس المختص به هي عقله فعقل زيد هو استضاۤءة دماغه باشراق نور ذلك الرأس و ذلك الرأس وجه من ذلك الملك و ذلك الملك هو عقلهم عليهم السلم فعقلهم الذي هو الملك الكلّي الذي هو من امر اللّهِ كالشمس و عقل زيد كاستضاۤءة الجدار المشرقة باشراق نور الشمس علي وجه الجدار فكما ان استضاۤءة الجدار انما هي عبارة عن اشراق نور الشمس علي وجهه فلا قوام لها الّا بوجود الاشراق كذلك عقل زيد انما هو عبارة عن اشراق وجه ذلك الرأس من الملك فلا قوام له الّا بوجود اشراق ذلك الرأس و الاشراق من كل منير ليس الّا عبارة عن ظهور المنير بصفته لمن ظهر له و قد دلّت الاخبار المستفيضة و العقول المستريضة بانوارهم عليهم السلم علي ان جميع عقول الخلق انما هي ظهورات العقل الكلي و تعلّقاته فكيف يستغني الظهور عن الظاهر و كيف يتحقق للظهور وجود او اظهار لشي‌ء بغير الظاهر و كيف يستغني شي‌ء عن علله الاربع حتي يفرض له تقوّم او شيئيّةٌ بدونها فاذا عرفت ذلك ظهر لك ان جميع مراتب التوحيد من البداية الي النهايَة لايوصل الي شي‌ء منها لشي‌ء من الخلق الّا بمتابعتهم و لكن من لم‌يعرف ما هم عليه مما رتّبهم اللّه سبحانه فيه من مراتب امثاله تعالي و افعاله لايري انّ الاشياۤء بهم قامت و انّهم عِلَلُ اكوانِها و اعيانها علي نحو ما اشرنا اليه سابقاً و في الخامس تفسير للمفْهوم و هو حسن جارٍ علي ما ينبغي و في السادس من الوجوه التي ذكرها رحمه اللّه سِرٌّ مستور ان ارادَهُ فقد تفوّق و تعمّق و هجم علي كنزٍ من العلم لاينفد ان كان قصده تفصيله و ان عني اجماله فحسن و لكن لايستخرج الكنز الذي لاينفد لان مجمله ينفد و الاشارة الي بيان ما ذكرنا علي سبيل الاختصار انه قال عليه السلم و مَن وَحّده قبل عنكم و الشارح رحمه اللّه قال او من عرف اللّه حق معرفته فهو يقبل منكم كلّ ما تقولونه لانه اذا عرف اللّه حقّ معرفته فقد عرف جميع الشروط المتوقّف عليها حقيّة المعرفة و ركن الشروط المذكورة بل كلّها معرفتهم في رتبتهم من المقامات و المعاني و الابواب و في ولايتهم من احكام ربوبيّة و ارشادٍ و هداية و حفظٍ و تقدير و ايرادٍ و ذَوْدٍ و معونةٍ و نصرة و خذلان منوطة بكلّ الخلق اجراها العليم الحكيم بهم علي جميع الخلاۤئِق و هم صلي الله عليهم اذْ ذٰاكَ عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم مما لم‌يفعلوه و ما خلفهم مما فعلوه او بالعكس علي الاحتمالَيْنِ و لايشفعون لشي‌ءٍ من الخلاۤئق باعطاۤء و تمكين و تمكّن و حفظ و معونة الا لمن ارتَضي دينه ممّن تولّاهم و تبرّأَ من اعداۤئهم و سلّم اليهم و لم‌يجد في نفسه شيئاً ممّا فعلوه و قالوا به و اخبروا به عن انفسهم فيما لهم و فيما لاتباعهم و فيما علي اعداۤئهم و يسلّم تسليماً و هم من خشيته مشفقون خاۤئفون من ان يروا انفسهم في شي‌ء ممّا ذكرنا و غيره و من يقل منهم اني الٰه من دونه فذلك نجزيه جهنّم كذلك نجزي الظَالمين اي و من يقل من اعداۤئهم انّي استغني عن الولي الذي جعله اللّه محلّ مشيّته و لسانَ ارادته في شي‌ء قليل اَوْ كثير من الوجود الكوني اَوْ شرعه و الوجود الشرعي او شرعه فذلك نَجْز۪يه جهنّم لان مَنْ وجد في نفسه انه مستغنٍ عنهم بنفسه او بشخصٍ غيرهم فقَد اشرك باللّهِ من حيث لايعلم لانّ اللّه تعالي اَمره بالاخذ عنهم و التسليم لهم و اَنّ الراۤدّ عليهم راۤدّ علي اللّهِ و الراۤدّ علي اللّهِ مشرِك و قد اخبر اللّه تعالي عن حكمهم و انهم مشركون حيث يقول و يوم نحْشرهم جميعاً ثم نقول للّذين اشركوا اين شركاۤؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم‌تكن فتنتهم الّا ان قالوا واللّهِ ربّنا ماكنّا مشركين يعني ماوضعوا اصناماً ظاهرة يعبدونهم من دون اللّه و يصلّون لهم و لٰكنّهم اتخذوا رجالاً من دون وليّ اللّه فامروهم بخلاف ما امر اللّه فاطاعوهم في خلاف امر اللّه فعبَدوهم من حيث لايعلمون فَردّ عليهم سبحانه فقال انظر كيف كذبوا علي انفسهم و ضلّ عنهم ما كانوا يفترون ، و قال الصّادق عليه السلم حكاية عنهم هيهاتَ فات قوم و ماتوا قبل ان يهتدوا و ظنّوا انّهم آمنوا و اشركوا من حيثُ لايعلمون ، و لايعرف اللّهَ احدٌ حقّ معرفته حتّي يأتي بالشروط التي تتوقّف عليها المعرفة و هذه الشروط كلّها معرفتهم عليهم السلم كما وصفتُ لك و فسّرتُ الٰاية به فاذا كٰانَ كذلك فكيف لايقبل عنهم و هو قد قَبِلَ عنهم لانّه قبِل العلمَ و المعرفةَ و التوحيدَ عنهم و لو لم‌يقبل لم‌يعلم و لم‌يعرف اذ لايكون ذٰلِك من غيرهم .
و قوله عليه السلم : وَ من قصده تَوجَّهَ بِكم
اي و مَنْ قصده من حيثُ القصدِ الذي امرَ به لما لايملكه غيره من خير الدنيا و الٰاخرة لان كلّ شي‌ء فانّما يطلب منه و لايوجد عند غيره كما قال في محكم كتابه من كان يريد ثوابَ الدنيا فعند اللّه ثواب الدنيا و الٰاخرة و هذا العند خزاۤئنه في عالمه الّتي لاتنفد ، توجّه بكم اي استشفعَ بكُمْ ليَسْتَج۪يبَ له فيستجيبُ له و لايردّ مَن سألَهُ بكم و ذلك لانّهم صلّي اللّه عليْهِم في الحقيقةِ هم خزاۤئنُ المَطَالِبِ كلّها لانّهم خزّان اللّه في ارضه و سماۤئه ففي البصاۤئِر عن الثمالي عن ابي‌جعفر عليه السلم في قولِ اللّهِ تَبارك و تعالي صراطِ اللّه الَّذي لهُ ما في السمواتِ و مَا في الارض الا الي اللّه تصير الامور يعني عليّاً انّه جعل علياً خازنه علي ما في السموات و ما في الارض مِنْ شي‌ء و ائتَمنه عليه ه‍ ، اقول ما تفيد العموم فكلّ شي‌ء فعندهم خزاۤئنه و هم خزاۤئنه و عندهم مفاتحه و هم مفاتحه و امّا قوله عليه السلم يعني عليّاً فيريد اَنّ معني الا الي اللّه تصير الامور انّها تصير الي عليّ عليه السلم و بيان ذلك ان الامور حادثة مخلوقة و الحادث المخلوق لايصل الي القديم و لايرجع اليه سبحانه لانه متعال عن كل شي‌ء و انّما المعني انّ الامور ترجع و تصير الي امره تعالي و امره تعالي جعله عند وليّه فالمصير اليه مصير الي اللّه و الراۤدّ اليه راۤدٌّ الي اللّه تعالي و قد قال اللّه تعالي ان الينا ايابهم ثم انّ علينا حسابهم و قد دلّت الادلّة القاطعة مع الاجماع علي ان اياب الخلق اليهم عليهم السلم و حسابهم عليهم فان الاخبار متواترةٌ معني بذلك كما في هذه الزيارة الشريفة و اياب الخلق اليكم و حسابهم عليكم و فصل الخطاب عندكم فهذا معني قوله عليه السلم في بيان الا الي اللّه تصير الامور يعني علياً مراده ان اللّه سبحانه بقوله الا الي اللّه اي الَا الي عليّ عليه السلم لان علياً عليه السلم جعله اللّه وليّ الامور فالرجوع الي اللّه رجوع اليه ثم انه بين عليه السلم معني قوله يعني علياً فقال انه جعل عليّاً خازنه علي ما في السموات و ما في الارض من شي‌ء و ائتمنه عليه ه‍ ، و هذا ظاهر لاينكره الّا اهل الغباوة و من طبع اللّه علي قلبه و جعل علي بصره غشاوة لانّ هذا اليوم قد انعقد علي معناه اجماع الفرقة المحقة و هو حال متوسطة بين قول الغالي و قول القالي امّا الغالي فيبطل قوله قولنا انّ اللّه سبحانه متعالٍ عن الحوادث لاتصل اليه و انّما اصطفي من خلقه عباداً معصومين مطهّرين مكرمين لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و ولّيٰهم جميع امور سلطنته علي خلقه و ليس هذا تفويضاً كما يتوهمه الجاهلون لانّ التفويض لو قيل بانه جعل الامور اليهم و رفع يده و هذا كفر و شرك كما تقدم و انّما نريد انه جعل الامور اليهم فهم بامره و هدايته و قدرته يعملون يدبّرهم فيما ولّاهم عليه كيف شاۤء لايتحركون و لايسكنون و لايريدون و لايتركون الّا بقدرته و مشيّته و امره في كل جزئيّ جزئيّ و هم عليهم السلم قد اخبروا بهذا كلّه في جميع ما ورد عنهم فالمنكر لهذا منكر لهم و قالٍ لهم الاتسمع قولهم الحق اجعلوا لنا ربّاً نؤب اليه و قولوا فينا ما شئتم ، و امّا القالي فهو من وضعهم و ازالهم عن هذه الرتبة التي رتّبهم اللّه فيها سبحان اللّه ما اكثر ما اردّد هذه المعاني في هذا الشرح و غيره مما جري به قلمي و نطق به فمي و الاغيار ينكرون كأنهم لايسمعون بل قلوبهم في غمرة من هذا و لهم اعمال من دون ذلك هم لها عاملون .
و الحاصل لمّا كانوا عليهم السلم خزّانه سبحانه و تعالي في ارضه و سماۤئه و في جميع عالمه كما قال عليه السلم في خطبته يوم الغدير و يوم الجمعة كما رواه الشيخ في المصباح و قد ذكرته فيما مَضَي و اذكره هنا تذكرة لمن يخشي قال في خطبته عليه السلم و اشهد انّ محمداً عبده و رسوله استخلصه في القدم علي ساۤئر الامم علي علمٍ منه انفرد عن التشاكل و التماثل من ابناۤء الجنس و انتجبه آمراً و ناهياً عنه اَقامه في سَاۤئر عالَمِه۪ في الاداۤء مقامَهُ اِذْ كان لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثّله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الّا هو الملك الجبّار ، اقول تأمل قوله عليه السلم اقامه في ساۤئر عالَمِه۪ في الاداۤء مقامه ثم ذكر العلّة في ذلك لانه تعالي لاتدركه الابصار الخ ، فوجب في الحكمة ان يتولّي امر الخلق مَن هو من الخلق لتدركه ابصارهم و يفهمون كلامه فاقام محمّداً صلي اللّه عليه و آله في ساۤئر عالمه تعالي اي في جميع خلقه في الاداۤء اليهم ما شاۤء اللّه تعالي ان يؤدّيه اليهم مقامَهُ ثم انه عليه السلم ذكر بعد هذا الكلام آل‌محمد صلي اللّه عليه و آله فقال و ان اللّه تعالي اختصّ لنفسه من بعد نبيه صلي اللّه عليه و آله من بريّته خاۤصّة علّاهم بتَعْليتِه و سما بهم الي رتبته و جعلهم الدعاة بالحق اليه و الادّلاۤء بالارشاد عليه لقرنٍ قرْنٍ و زمنٍ زَمنٍ انشأهم في القدم قبل كل شي‌ء مذروۤء و مبروۤء انواراً انطقها بتحميده و الهمَها شكره و تمجيده و جعلها الحجج علي كل معترفٍ له بملكة الربوبيّة و سلطان العبوديّة و استنطق بها الخرَسات بانواع اللغات بخوعاً له بانه فاطر الارضين و السموات و اشهدَهم خلقَ خلقِه۪ و ولّاهم ما شاۤء من امرِه جعلهم تراجمة مشيّتِه۪ و السُنَ اِرَادَتِه۪ عبيداً لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم و ما خلفَهُمْ و لايشفعون الّا لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون يحكمون باحكامه و يستنّون بسنّته و يعتمدون حدودَهُ و يؤدُّون فرضه الخطبة ، و قوله عليه السلم في القدم يراد بالقدم القدم الامكاني الذي هو اوّل الامكان الراجح لا القدم الذي هو الوجوب و الازل تعالي اللّه عما سواه علوّاً كبيراً فتدبّر هذه الكلمات من خطبته عليه السلم يظهر لك صحة ما اشرتُ اليه لانّي لااقول الّا بقولهم و لكن بحمد اللّه سبحانه و فضله و فضلهم علّموني مرادهم من كلامهم و مَن ادّعي ما ليس فيه كذّبته شواهد الامتحان فلمّا كانوا خزّانه سبحانه في ارضه و سماۤئه و في ساۤئر عالمه كان مصير الامور اليه مصيرها اليهم لما قلنا فهم خزاۤئن جميع مطالب الخلاۤئق و مقاصدها فيكون من قصد اللّه في حاجةٍ او باداۤء امرٍ امرَهُ به او اجتناب نهيٍ نهاه عنه او لمعرفته و معرفة ما اراد من صفاته و اسماۤئه و كتبه و رسله و حججه عليهم السلم يعني مَن قصد اللّه تعالي في شي‌ء من الاشياۤء توجّه بهم اي استشفع بهم او سلك في طريقه الي اللّه تعالي طريقهم او جعلهم ادلّاۤء علي اللّه تعالي اوْ انهم وجهه و اذا قصد اللّه توجه بقلبه و عمله و لسانه بوجهه تعالي و جهته و هم وجهه و هم جهته او سلك طريقه و سبيله و هم طريقه و سبيله او يستضيۤ‌ءُ في طريقه الي اللّه تعالي بنورهم اوْ انهم عَضُدُ وجودِ القاصد الي اللّه تعالَي او سأل اللّه تعالَي بهم كما هو عادة من عرفهم و من لم‌يعرفهم امّا من لم‌يعرفهم فانّه يتصوّر كريماً علي من يملك حاجته فيسأله به فقد يتوهم انّ ذلك الكريم حُجْزة كريمة علي مالك حاجته فيسأله بها و في الحقيقة لايملك حاجة احد من الخلق الّا اللّه تعالي و لا اكرم عليه من محمد و آله صلي اللّه عليه و آله فاذا سأل الساۤئل مالكاً بكريم عليه فقد عني في التصوّر المالك و الكريم عليه و اصاب و قد اخطأ في التصديق حيث جعل المالك زيداً او شجراً و جعل الكريم عليه الذي يسئله بجاهه عمراً او شيئاً آخر و ان كان قد اخطأ الطريق لجهله او عناده الذي غطّي نور بصيرته لكن قد يدرك حاجته لمحض عنايته في التصور الاجمالي و اما من عرف فانه يخصصهم باسماۤئهم ففي جامع‌الاخبار و الامالي بالاسناد الي معمّر بن راشد قال سمعتُ اباعبداللّه عليه السلم يقول اتي يهوديٌّ النبيَ صلّي اللّه عليه و آله فقام بين يديه يحدّ النظر اليه فقال يا يهودي حاجتك قال انت افضل ام موسي بن عمران عليه السلم النبي الذي كلّمه اللّه و انزل عليه التورية و العصي و فلق له البحر و اظلّه بالغمام فقال له النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم انه يكره للعبد ان يزكي نفسه و لٰكني اقول ان آدم عليه السلم لمّا اصاب الخطيۤئة كانت توبته ان قال اللهم اني اسألك بحقّ محمد و ال‌محمد لمّا غفرتَ لي فغفرها اللّه له و انّ نوحاً لمّا ركب في السفينة و خاف الغرق قال اللهم اني اسألك بحق محمد و ال‌محمد لمّا انجيتني من الغرق فنجّاه اللّه منه و ان ابراهيم لمّا القي في النار قال اللهم اني اسألك بحق محمد و ال‌محمد لمّا انجيتني منها فجعلها اللّه عليه برداً و سلاماً و ان موسي لمّا القي عصاه و اوجس في نفسه خيفة قال اللهم اني اسألك بحق محمد و ال‌محمد لمّا آمنتن۪ي فقال اللّه جل جلاله لاتخف انك انت الاعلي يا يهودي ان موسي لو ادركني و لم‌يُؤْمِنْ بي و بنبوّتي مانفعه ايمانه شيئاً و لانفعته النبوّة يا يهودي و من ذرّيّتي المهدي اذا خرج نزل عيسي بن مريم لنصرته فقدّمه و صلّي خلفه و في قصص الراوندي باسناده عن الرضا عليه السلم قال لمّا اشرف نوح (ع‌) علي الغرق دعا اللّه بحقّنا فدفع اللّه عنه الغرق و لمّا رُمِي ابراهيم عليه السلم في النار دعا اللّه بحقّنا فجعل اللّه النار عليه برداً و سلاماً و ان موسي عليه السلم لمّا ضرب طريقاً في البحر دعا اللّه بحقّنا فجعله يبساً و ان عيسي عليه السلم لمّا اراد اليهود قتله دعا اللّه بحقّنا فنُجّي من القتل فرفعه اليه ه‍ ، و العارفون بهم في معرفتهم علي مراتب لاتتناهي و فيها قال صلي اللّه عليه و آله و قال الصادق عليه السلم ايضاً لو يعلم ابوذرّ ما في قلب سلمن لقتله او لكفّره ، و لايعرفهم كنه معرفتهم الّا الذي خلقهم و هم يعلمون من ذلك ما علّمهم اللّه تعالي وَ الّذ۪ي كتبتُ لكَ فوق معرفة الجمهور و هو يدور علي ستّة استارٍ كلّ ستْرٍ تحته الف معني اثنان منها مذكورانِ في الكتب و علي السن العلماۤء و هما الظاهر و الباطن و اثنان منها عند العرفاۤء و عند اهل التصوّف و هما ظاهر الظاهر و التّأويل و كلّ طاۤئفة تتكلّم فيهما علي حسب ما تذهب اليه و تعتقد فبعض منهم يصيب الحق و هو يعلم و ما اقلّ هذا البعض علي ما رأيت ممّن شافهتُ او نظرتُ في كتبه و بعض يصيبُ الحقّ و لايعلم و اكثرهم يخطئون و كذلك اصحاب الظاهر و الباطن :
و لكلّ رأيتُ منهم مقاماً       ** * **      شرحُه في الكتاب ممّا يطولُ
و اثنان منها و هما باطن الباطن و باطن التأويل فلايكاد يوجدانِ في السطور و قد يوجدان في الصّدور سيّما باطن الباطن و قد ملأتُ منهما كتُبي و رساۤئلي لاسيّما هذا الشرح و لٰكنّي اكنّي عن ذلك خوفاً عليه و عليَّ و علي من يسمعه كما قال :
اخاف عليك من غيري و منّي       ** * **      و منك و من مكانك و الزمانِ
و لو انّي جعلتُكَ في عيوني       ** * **      الي يوم القيمة ماكفاني
و كم ساۤئل يسأل عن ذلك فبعضٌ اسكت عنه و بعض اسوّفه و بعض اعطيه من جراب النورة و بعض اقول له لايجوز لك ان تسئل عن هذا :
و مستخبرٍ عن سرِّ ليلَي اجبتُه       ** * **      بعَمياۤءَ من ليلَي بلا تَعْيين
يقولون خبّرنا فانتَ اَمينُها       ** * **      و ما انا اِنْ خبّرتُهم باَم۪ينِ
و يكفيك قول سيد العابدين عليه السلم :
اني لاكتمُ من علمي جواهرَهُ       ** * **      كي لاتري الحقَّ ذو جهلٍ فيَفتَتِنَا
و قد تقدّم في هذا ابوحسن       ** * **      الي الحسين و اوصي قبله الحَسَنا
و رُبَّ جوهرِ علمٍ لوْ اَبُوحُ به       ** * **      لق۪يلَ لي انتَ ممّن يعبُدُ الوثَنَا
و لاستحَلَّ رجالٌ مسلمونَ دَم۪ي       ** * **      يرون اقبحَ ما يأتونه حَسَنَا
فخذها قصيرةً من طويلة .
قال عليه السلم : مواليّ لااحصي ثناۤءَكم و لاابلغُ من المدح كنهكم و من الوصف قدركم و انتم نور الاخيار و هداة الابرار و حجج الجبّار
قال الشارح رحمه اللّه مواليّ منادي لااحصي ثناۤءَكم كما انه لايمكن الثناۤء علي اللّه لانه لايمكن لغيرهم معرفة كمالاتهم كما روي في الاخبار الكثيرة انه قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يا عليّ ماعرف اللّهَ الّا انا و انت و ماعرفني الّا اللّه و انت و ماعرفَك الّا اللّه و انا و انتم نور الاخيار اي كيف احصي ثناۤءكم و امدحكم كنه مدحكم و اصف قدركم و الحال انكم نور الاخيار اي منوّرهم و مُعلِّمُهم و هاديهم مع انه لايمكنني معرفة الاخيار من النبيين و المرسلين و الملاۤئكة المقرّبين اوْ انتم كالشموس من بينهم و لايمكن رُؤْية الشمس كما ان البصر عاجِزٌ عن رُؤْيةِ الشمس كذلك البصيرة عاجزة عن اِدراك مراتبهم و كمالاتهم و صفاتهم فانهم مرايا كماله تعالي و صفاته تقدّس ذكره انتهي .
اقول المولي له معان احدها المحب و ثانيها ولاۤء الاسلام كقوله تعالي ذلك بانّ اللّهَ مولي الَّذين آمنوا اي القرب و الدنو و النصرة و الصداقة كما قال تعالي عسي اللّه ان يجعل بينكم و بين الّذين عاديتم منهم موّدة ، و ثالثها المالك و رابعُها العبد و خامسها المعتق بكسر التاۤء و سادسها المعتق بفتح التاۤء و سابعها الرب و ثامنها الناصر و تاسعها المنعم بكسر العين و عاشرها المنعم عليه و حادي‌عشرها التابع و ثاني‌عشرها مالك الطاعة و ما سوي هذه لايمكن اجراۤؤه و اما هذه المعاني الاثناعشر فبعضها ظاهر و بعضها بتأويل و نشير الي ما سنح عند الكتابة كما هي عادتنا فنقول علي الاوّل يكون معني مواليّ اي يا احبّاۤئي و ذلك لما جعله اللّه لكم علي كل مسلم و مسلمة من اجر رسالة جدّكم صلي اللّه عليه و آله فقال تعالي قل لااسالكم عليه اجراً الّا الموّدة في القربي و المحبّة الصادقة هي كما سمعتَ مما مر عليك من انها هي الطاعة كما امروا و الخدمة بما ارادوا و الاستبطان لما اسرّوا و الاعلان بما اظهروا فان صدقهم في المواطن بهذه و امثالها فهم مواليه و هو موليهم حقاً و ان كذبهم فيما عاهدهم عليه في الذر بعدم الموافاة فان عفوا و تسامحوا فهم اهل العفو و التسامح و الاغْضاۤء عن محبّيهم و الّا فلهم اَنْ يردّوه و يحجبوه حتي يتوب الي اللّه تعالي و يخلص في الدعوة و علي الثاني يكون المعني يا مقرّبيّ الي اللّه تعالي و الي ما يحبّ من طاعته و رضاه و جنّته و الي من يحبّ اي اليكم يا سادَتي و الي من احبّكم بان يحشر معهم و يجمعني معهم في مستقرٍّ من رحمته من حبّكم و ولايتكم و جواركم في الدارين و يا ناصريَّ علي اعداۤئكم بالغلبة و الحجّة و عدم تسلّطهم علي غوايتي بتسديدكم و تأييدكم من الانس و الجنّ و الشّياطينِ و عَلي اعداۤئي من النفس الاَمّارة بالسّوۤءِ و علي سكّانها وَ مجاوريها من الشياطين من الانس و الجن و من الدّنيا الغرّارة الخدّاعة بزينتها و تمويهاتها و شهواتها الصاۤدّة عن طاعة اللّه تعالي و طاعتكم و من الشيطان الغويّ المجتهدِ في اضلالي عن طريق قصدِكم و ازلالي عن نهج ولايتكم بالميل الي اعداۤئِكم و الي شي‌ء من اعمالهم و اتباعهم و يا مؤلِّف۪ينَ بيني و بين كثير ممّن كان عدوّاً لكم و لي حتي فتحتم عليهم بابَ هدايَتِكم و حبّبتم اليهم طريقتكم و سلوك نهجكم حتي كانوا احِبّاۤئي فيكم بعد ان تبَاغَضْنا فيكم و اصدِقاۤئي بعد ان تعادَيْنا فيكم و انصاري بعد ان تقاطعنا و تخاذَلْنا فيكم و علي الثالث يكون المعني يا مالكي طاعتي اي انّ اللّهَ تعالي فرض طاعتكم بفرض طاعته و جعلكم اَوْلَي بي من نفسي في احوال نفسي و عقلي و مالي و ديني و دنياي و آخِرتي و ما خوّلَني ربّي كما قال تعالي انّما وليّكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا فاثبتَ سبحانه لمحمد و عليّ و اهل بيتهما صلّي اللّه عليهما و آلهما ما اثبتَ لنفسه من الولاية علي خلقه و شرّكهم في سلطانه علي خلقه حتي خصّهم بما انفردَ به عن جميع خلقه بان جعل كلّ ما لَه من خلقه لهم عليهم السلم و لا شَي‌ء ممّا لَهُمْ له الّا بهم يعني انهم عليهم السلم له تعالي و ما سواهم لهم فكلّ شي‌ءٍ سوَاهم فهو له تعالي بهم لا بدونهم لانّ ما سواهم بدونهم ليس شيئاً يقع عليه التملّك و انّما جعله اللّه شيئاً بهم فحيث كان شيئاً كان للّه بتبعيّةِ كونهم لِلّهِ تعالي فهم اعضادُ الخلق و ابواب الرزق و اسبابُ الرتق و الفتقِ الّا انه لايكون لهم عليهم السلم شي‌ء الّا ما كان للّهِ ليصح كونه و ما ليس للّه تعالي فهو باطل و لايكون الباطل لهم فافهم و قد تقدّم هذا المعني سابقاً و علي الرابع يكون المعني هو المعني الثاني للثالث و هو ان معني المالك مالك الرّقّ و قد تقدم في اوّل الشرح الاشارة الي هذا و انَّه هل يصح هذا المعني كما تشير اليه احاديثهم ام لا لانه لم‌يسمع ظاهراً عنهم ذلك علي جهة الحقيقة و لم‌يسمّ احد في زمانهم من شيعتهم بذلك فلاتجد فيما سبق و في زمانهم من سمّي عبدمحمّد و لا عبدعلي و لا عبدالحسن و لا عبدالحسين و للاول اطْبَاقُ شيعتهم في هذه الاعصار في جميع الاقطار علي استعمال ذلك منْ غير انكار و الحجّة عليه السلم بين ظهرانَيْهم و قد تَواردت الاخبار عنهم صلي اللّه عليهم بانّ الارض لاتخلو من حجةٍ كيما انْ زاد المؤمنون ردّهم و اِنْ نقَصُوا اَتمّه لهم فان كان هذا تغييراً في الدين و اِتياناً بما ليْس منه فيه كان زيادة و نقيصةً يجب علي الامام عليه السلم ردّ الزاۤئد و اتمام الناقص لان التغيير زيادة باطل و نقصان حقّ اوْ احدهما و اطباقهم علي ذلك مع وجود حجّة اللّه بينهم عجّل اللّه فرَجَهُ و سهّلَ مخرجه و لم‌يردّهم علي ذلك دليل الصّحة فان قلتَ ان سلّمنا رضاه عليه السلم بذلك لم‌نسلّم ارادة الرقّيّة فلعلّ العبوديّة يراد منها عبوديّة طاعةٍ و اذا قام الاحتمال بطل الاستدلال قلتُ انّما يبطل الاستدلال بقيام الاحتمال المساوي و امّا الاحتمال المرجوح فلايبطل الاستدلال لان الرجحان امارة الصحة و لايعارض المرجوحُ الراجحَ و ذلك لانّ الاصل في الاستعمال الحقيقة علي انّ الصادق عليه السلم قد اقرَّ ابابصيرٍ علي ذلك و ذلك حين اراد ان يبيّن له انّ كلّ شي‌ء قليلٍ او كثير فله عندهم حكم حتي ارش الخدْش و نصف الجلدة و ثلث الجلدة فقال لأبي‌بصير ائذَنْ لي يريد يحرّكه او يغمزه باصبعه ليُمَثِّل له بانّ في ذلك اَرْشاً فقال ابوبصير له (ع‌) انّما انَا لك يعني لاتحتاج الي الاذن منّي فانّي ملكُكَ فاقرَّهُ علي ذلك ، و لو تتبعْتَ الاخبار الواردة عنهم وَجدْتَ ما قلتُ لَكَ و منها ما اشار اميرالمؤمنين عليه السلم اليه في قوله نحنُ صناۤئع اللّهِ و الخلقُ بعدُ صناۤئع لَنا يعني انّ الخلق صنعهم اللّهُ لنا و قد تقدّم الكلام في هذا فان قلتَ فاذا يجوز للامام ان يبيع الحرّ علي هذا لانّه ملكه قلتُ هذا امرٌ مبنيّ علي ما اَتَوْا بِه المكلّفين من ظاهر الشريعة و لم‌يأتوهم بجواز بيع الحرّ و لم‌يظهروا حكماً خاۤصّاً يجري علي العموم لانّ هذا لايجوز شرعاً و الذي تكلّمنا عليه انّما هو حكم خاۤصّ فلايظهرونه لئلّايكون عامّاً بخلاف ما هو عليه في نفس الامر و لو اظهروا الخاص مخصّصاً لوقع الاشتباه و عظم البلاۤء و وقع من اهل الاقرار الانكار اَماسمعتَ ما تقدّم في قصّة اصحاب القاۤئم عليه السلم حين دعاهم ليبايعوه فانكروا عليه و تركوه حتي ان الصادق عليه السلم قال واللّهِ اني لاعرف الكلام الذي قاله لهم فيكفرون به نعم اذا استقرّ حكمهم عليهم السلم في رجعتهم عرفتَ ما قلنا علي انّ الاجماع منهم و من شيعتهم منعقد علي انهم اولي بالخلق من انفسهم و معناه عاۤمّ في كلّ شي‌ء فان امرك بشي‌ءٍ ما وجب عليك القبول فان حرّم عليك مالك الحلال حرم عليك لانه اولي به منك كما هو شأن الموالي مع مماليكهم و ان امرك بقتل نفسك او ولدك وجب و هكذا في كلّ شي‌ء و ما ذكره صاحب مجمع‌البحرين في تفسير المولي من انه بمعني مالك الرق و المعتق و المعتق قال و هذه الثلاثة ساقطة في قول النبي (ص‌) مَنْ كنتُ موليه فعلي موليه الي ان قال لانه (ص‌) لايملك بيع المسلمين و لا عتقهم من رقّ العبوديّة الخ صحيح علي الحكم الشرعي الظاهري في هذه الدّار لانّ الاحكام ترد علي جهة العموم فلاتخصّص و لو خصّصت لزم امّا تخصيص كل ما هو مخصّص في نفس الامر بهم فلايمكن الانتفاع بافعالهم و اعمالهم و لايقع التأسي بهم في حال و هو منافٍ للغرض من الخليفة و الحجّة او تخصيص بعض دون بعض و هو ترجيح من غير مرجحٍ فملّكوا شيعتهم ما امرهم اللّه تعالي بتمليكه علي حسب ما تقتضيه دولة الباطل حتي يمكّنهم اللّه في الارض فيحكمون بالحقّ الوجودي لارتفاع التقية و ذهاب الموانع فافهم و علي الخامس يكون المعني انّكم الّذينَ اَعْتَقْتُموني من رقِّ الكفر و الجهالة و الضّلالة و المعاصي و من رقّ الفقر و الحاجة و من رقِّ الضّعْف و الخمول حَتَّي انعم اللّهُ عليَّ بتحرير الاسلام و الايمان بكم و علّمني بكم ما لم‌اكن اعلم و هَداني بكم الي ما يرضيه و وفّقني لطاعته و طاعتكم و اغناني بكم و سَدَّ خَلّتي بكم و قوّاني بكم و رفع ذكري بكم و نوّهَ باسمي بكم و انّكم الَّذين وهبتموني نفسي حتّي جعلني اللّه سبحانه بهم و بحبّهم و بولايتهم و اتّباعهم مؤدِّياً لحقّه الذي وجب عليّ له تعالي بخلقه ايّاي و رزقه لي و حياتي و مماتي و جميع ما انعم به عليّ و بدئي و قِوام۪ي و ملكي و مرجعي و السادس يعلم من الخامس و السابع يكون المعني فيه كالثالث يعني بمعني المالك و يكون بمعني المربّي و المصلح اي يا ايّها الذين تربّونني باذن اللّه في جميع اطوار التكوين و شرعه و في جميع احوال التشريع و كونه و تصلحونني بتعليمكم و ارشادكم و اعانتكم بفاضل علمكم و رشدكم و عملِكم و الثامن يعلم من الثاني في احد وجوهه كما تقدم و التاسع و العاشر من الطرفين يعلمان ممّا تقدّم في الثاني و في السّابع و بانّ افضل النعم نعمة الاسلام و الايمان اي يا من انعم اللّه عليّ بسببهم بنعمة الاسلام و الايمان او علي الظاهر يا ايّها المنعمون عليّ بنعمة الاسلام و الايمان كما قال تعالي و اذ تقول للّذي انعم اللّهُ عليه و انعمتَ عليهِ بنعمة الاسلام و علي معني المفعول اي المنعم عليه اي يا ايّها الّذين اتمّ اللّه عليهم نعمته حتي جعلهم محاۤلّ مشيته و اَلْسِنَةَ ارادته و خزاۤئن رحمته او يا ايّها الّذين هديهم اللّه باصطناعهم لنفسه الصراطَ المستقيمَ صراطَ الذين انعم عليهم يعني صراطهم حتي وصل فاضل تلك النعم و الهدايات و آثار الرّحمة اليه فصحّ له ان يقول مَواليّ جمع مولي بمعني المنعم عليهم و علي الحادي‌عشر يكون المعني ايّها المطيعون للّه التابعون لامره و مشيّته و ارادته الذين لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و اضاف ظهورهم بهذه الصفات اليه حيث كان احَدَ متعلقات آثار تلك الصفات و علي الثاني‌عشر يكون المعني يا مالكي طاعتي اي يا مفترضَي الطاعةِ عليّ و علي جميع الخلاۤئق يا اَوْلياۤئي و يا مالكي اختياري في بَدَواتي في اِعلاني و اِسْرَاري و وجه ذلك ان الاختيار انّما نشأ من ميل الوجود و الماهية بداعي فقرهما الي ما يتمّمهما من المدد الذي لا قوام للممكن الّا به و ذلك الميل اقتضاۤؤهما و قابليّتهما لذلك المدَدِ فلمّا كان الوجود يدور علي وجهه من علّته علي التّوالي كان مدده الذي به بقاۤؤه كلّ ما يحبّه اللّه من الخيراتِ الوجوديّة الثابتة الاصل بما يحبّه اللّه سبحانه من الخيرات التشريعية في الاعتقاد و الاقوال و الاعمال و لمّا كانت الماهية تدور علي وجهها من نفس الوجود من حيث نفسه بدون وجهه من علّته علي خلاف التوالي لانها هي و جميع ما لها بعكس الوجود و جميع ما له هي و كلّ شي‌ء منها ضدّ عاۤم لعكسِه۪ مثلاً الوجود ضد الماهية و صفته النور و صفتها الظلمة و صفته الخير و صفتها الشر فاذا رضي غضبتْ بسبب رضاه و اذا غضِبَ بذلك رضيتْ و ان انبعثَ قرّتْ و ان قرَّ انبعثتْ و ان تحرّك سكنتْ و ان سكنَ تحركتْ و ان اقبلَ ادبرتْ و ان ادبر اقبلَتْ و ان فعلَ تركَتْ و ان تركَ فعلَتْ و هكذا كان مددها الذي به بقاۤؤها عكس مدد الوجود و هو كل ما يكره اللّه سبحانه من الشرور المجتثّة الاصل بما يكرهه اللّه سبحانه من الشرور الصادرة بمخالفة الاوامر الشرعية بالترك و النواهي الشرعية بالفعل و ذلك في الاعتقادات و الاقوال و الاعمال و لمّا كان الانسان مركّباً منهما و هو عبارة عنهما منضمين غير متمازجَيْنِ تمازُجَ استهلاكٍ و لا متمايزين تمايز انفكاك الّا بٰاثارهما من الاعتقادات و الاقوال و الاعمال فلايصدر عن ذلك الانسانِ شي‌ء من الخير الّا بميل الوجود الي ما يجانسه من النّور الثابت الاصل و لايصدر عنه شي‌ء من الشر الّا بميل ماهيّته الي ما يجانِسُها من الظلمة المجتثّةِ الاصل و كان لايستغني عن المدد باحدهما لحظة و اذاً لَتَلاشَي جري له عنهما الاختيار لانه اذا مال الوجود بفقره الي شي‌ء مالَت الماهية بفقرها الي ضد ذلك الشي‌ء و الميلَانِ صادران عن ذلك الانسان لانّه عبارة عنهما فكلّ ميلٍ له و عنه فلما كان كل هذه الاشياۤء انما هي ذلك الانسان لم‌يكد يفرق بين الميلين فخلق اللّه له خلقاً اختارهم لنفسه و جعلهم محاۤلّ مشيّته و اَلْسِنَةَ ارادته لم‌يكن لهم ميل فعلي الّا من جهة وجودهم الي كل خير و ان كان لهم ميل امكاني من جهة ماهيتهم الي كل شرّ و ذلك لان اللّه سبحانه علم منهم في زمان اعمالهم و امكنتها اَلّايفعلوا الّا ما يحبّه اعانهم فاستولي وجودهم بتلألُئِ انواره علي ماهيّتهم حتي فنِيَتْ ظلمتها و كادت هي ان تفني و تتلاشي فلم‌يبق لها رسم الّا للوجود و لا فعل الّا في الامكانِ فلذلك جعلهم الادِلّاۤء اليه و الهادين الي سبيله فهم يميّزون للمكلّف بين ميْليه و داعييه لئلّايلتبس عليه داعي الخير و داعي الشر بالامر بكل داعٍ الي الخير و بالنهي عن كل داع الي الشرّ و وجود المكلّف ظهور اللّه تعالي بنورهم و شعاعهم عليهم السلم للمكلّف و ماهيّته قبول ذلك الظهور بمقتضاه و لا شك انه اي ذلك القبول بارشادهم و هداهم هذا في الخير و في الشر قبول ذلك الظهور بخلاف مقتضاه و لا شك انه اي ذلك القبول بتركهم له و تخليتهم له و نفسه المعبّر عنه عندهم بالذَّود و الطرد كما قال اميرالمؤمنين عليه السلم لابي‌الطفيل حين سأله عن حوض محمد صلي اللّه عليه و آله الذي يسقي منه في الدنيا ام في الٰاخرة قال عليه السلم بل في الدنيا اوردهُ اولياۤئي و اَذُودُ عنه اعداۤئي ، و قد تقدّم فاذا عرفت ما ذكرنا صرحَ لكَ صحة ما قلنا لك في الوجه الثاني من الثاني‌عشر من قولنا و يا مالكي اختياري في بَدوَاتي في اعلاني و اِسْراري ،
و قوله عليه السلم : لااحصي ثناۤءَكم
اي لااَقْدِر اَنْ اُعَدِّد ممادِحكم قال في مجمع‌البحرين و في حديث الدعاۤء لااحصي ثناۤءك انت كما اثنيتَ علي نفسك اي لااطيقه و لااحصي نعمك و احسانك و ان اجتهدتُ انتَ كما اثنيتَ علي نفسك هو اعتراف بالعجز اي لااطيق ان اثني عليك كما تستحقّه و تحبّه انت كما اثنيتَ علي نفسك بقولك فللّهِ الحمد ربّ السموات و ما في كما موصولة او موصوفة انتهي ، و ظاهره ان احصي بمعني اطيق و الظاهر ان معناه اعدَّ و في القاموس و احصاه عدَّهُ فيكون المعني لااقدر ان اعدّ الثناۤء عليكم لانّه في كل شي‌ء ثناۤء عليهم و قال الغزّالي في الاحياۤء ليس المراد انه عاجز عما ادركه بل معناه الاعتراف بالقصور عن ادراك كنه جلاله و علي هذا فيرجع المعني الي الثناۤء علي اللّه تعالي باتمّ الصفات و اكملها الّتي ارتضاها لنفسه و اسْتأثر بها مما هو لاۤئق بجلاله تعالي انتهي ، و هذا و ان كان له وَجْهٌ بمعني انّي لااُح۪يط بك علماً و لايعلمك غيرك فانت كما قلتَ لكنّ الظاهر من هذا اللفظ ان المعني فيه انّه اذا ذكر بعض الثناۤء علي اللّه تعالي بذكر بعض صفاته اعترف بالعجز عن تعدادِها و احصاۤئها و انّما يعدّها و يحصيها هو عز و جلّ و قوله عليه السلم انت كما اثنيْتَ علي نفسك لايَدُلّ علي ارادة الكنه بقوله انت لان الخطاب لايعيّن الّا بقيدٍ و الكنه لايطلبُ بالقيد لانه غير الكنه و يلزم منه التعدّد و الكثرة و هو تعالي و ان كان انّما يثني في الظاهر علي نفسه بنحو ما نثني عليه مثل قوله تعالي فلِلّهِ الحمد ربّ السموات و ربّ الارض رب العالمين الّا ان الكلام يقع من المتكلم علي حسب علمه و ارادته فيكون قوله ذلك لنفسه غير قولنا ذلك لنفسه و الي مثل هذا اشار تعالي بقوله في الردّ علي من يعارض القرءان حين تَحَدّيٰهُمْ فقال فأتوا بعشر سُوَرٍ مثله مفتريات و ادعوا من استطعتم من دون اللّهِ ان كنتم صادِقين فاِنْ لَمْ‌يستج۪يبوا لكم فاعلَمُوا انَّما اُنْزِلَ بعلم اللّهِ و اَلَّا اله الّا هُوَ يعني فان عجزوا عن الاتْيان بعشرٍ سور مفترياتٍ مثل القرءان علي دعويهم بانه مفتري فاعلموا ان الكلام يكون بنسبة عقل المتكلّم و علمه و لو كان القرءان من عند غير اللّه لامكن الاتْيان بمثله لانّ كلّ مَن لكلامه نظير فله نظير و لعلمه نظير و مَنْ لَا نظيرَ له و لا لعلمه فلا نظير لكلامه قال فاعلموا انّما اُنزِل بعلم اللّه و لا مثل لعلم اللّهِ و لا مثل لكلامه و من لا مثل لكلامه فلا مثل له فلا اله الّا هو فاذا اثني علي نفسه بشَي‌ء مثل الٰاية المذكورة مثَلاً فلايقدر احد من الخلق ان يثني عليه بمثل ذلك و ان اثني عليه بما تضمنَتْهُ الٰاية لان ما سواه لايعلم علمه و لايريد ارادَته فكلام الغزّالي انْ حصر المعني فيه فقد اخْطَأَ الصَّواب وَ انِ احْتمَلَه مع عدم منعه من الظاهر فلا بأسَ هذا معني لااحصي ثناۤءَكم في الجملة بقي معني لااحصي باعتبار جهة تعلّقه و معني الثناۤء امّا الاوّل فالاحصاۤء في الثّناۤءِ مثلاً بالنسبة الي نعمه تعالي من اين اتت و كم توقَّفَتْ علي اسباب لاتكاد تحصَي و الي اين تنتهي و لهذا قال تعالي و ان تعدّوا نعمة اللّه لاتحصوها و لم‌يقل نعم اللّه ليقال انّها كثيرة لاتحصي من جهة عَدِّ افرادها و ان كانت هي كذلك و اعظم ممّا يدخل في الاَوْهام الّا انّ المراد مباديها و اسبابها و ما سخّر لتلك النعمة من المدبّرات في الاوقات المتجَدّدة و الامكنة المتعددة في الابتداۤء و الانتهاۤء و قد ذكر ذلك سلمن الفارسي رضي اللّه عنه كما في عيون‌الاخبار عن الرضا عليه السلم عن ابيه موسي بن جعفر عن ابيه الصادق جعفر بن محمد عن ابيه عن جدّه عليهم السلم قال دعا سلمن اباذرّ رحمةُ اللّهِ عليهما الي منزله فقدَّم اليه رغيفَيْن فاخذ ابوذرٍّ الرغيفَيْن فقلّبَهما فقال سلمن يا اباذرٍ لأيِّ شي‌ءٍ تقلّبُ هٰذَيْنِ الرَّغ۪يفَيْن قالَ خِفتُ اَلَّايكونا ناضِجَيْن فغضِبَ سلمان من ذلك غَضباً شديداً ثم قال مَا اجرأك حيثُ تقلِّب هذين الرغيفَيْن فواللّهِ لقد عمل في هذا الخُبزِ الماۤءُ الذي تحت العرش و عمِلَتْ فيه الملاۤئكة حتي القَوْهُ الي الريح و عملت فيه الريح حتي القاه الي السحاب و عمل فيه السحابُ حتي امطَرهُ الي الارض و عمل فيه الرعدُ و الملاۤئكة حتي وضعُوه مواضعَهُ و عمِلَتْ فيه الارض و الخشب و الحديد و البهاۤئم و النار و الحَطب و الملح و ما لااحصيه اكثَر فكيفَ لكَ ان تقوم بهذا الشكر ه‍ ، فَنبّه سلمن رضي اللّه عنه اباذرّ علي سرٍّ لايَعْثر عليه الّا مثل سلمن و ذلك من قوله تعالي و ان منْ شي‌ءٍ الّا عندنا خزاۤئنُه و مانُنزّله الّا بقَدَرٍ معلومٍ و لا ريبَ انّ الرّغيفَيْن شي‌ء و خزاۤئنهما عنده في ملكه كلّ خزانة في محلِّها من الوجود يدبّرها فيه بامر اللّهِ الملكُ الموكّل بها و هو رأس من الملَكِ الموكّل بتلك الرتبة مثلاً معناهما اي الرغيفين في الجبروت الذي هو عالم العقول موكّل بهما هناك ملك عقليّ و هو وجه و رأس من الملك الاكبر المسمّي بالعقل الكلّي و روحِ القدس و روحٍ من امر اللّه فلمّا قال اللّه تعالي للملك الكلي الذي هو العقل الكلّي ادبر فاَدْبَر يعني فتنَزّل بصور الاشياۤء في النفس يعني كتب القلم باذن اللّه تعالي في اللوح فالقلم هو ذلك الملك المسمّي بالعقل الكلّي و بروح القدس و بروح من امر اللّهِ صلّي اللّه علي محمد و آله و النفس اي الكليّة هي اللوح المذكور في الاخبار و هو علّيّون كلّا ان كتاب الابرار لفي علّيّين فلمّا تنزّل العقل بصورِ ما كان و ما يكون الي يوم القيمة في النفس الكليّة اي اللوح نزل بكلّ صورة من تلك الصور الملك الموكّل بها و هو رأسٌ من الملك الاكبر النازل بالكلّ و هذا رأسٌ منه خاۤص بالرغيفَيْن نزل بالرغيفَيْن في محلّهما من الوجود النفسي اي في رتبتهما من اللوح حتي سلّمهما بيد الملك النفسي الموكّل بهما في هذه الرتبة و هكذا في رتبة الطّبيعة و في رتبة المواۤدّ و في رتبة المُثُل بضم الميم و الثاۤء المثلّثة و الاشباح التي هي اظلّة الانوار الجوهريّة ثم الي الافلاك ثم العناصر ثم الي الارض و الموادّ و قد تقدم بعض البيان لهذا المقام و لايمكن تمام البيان هنا الّا بالخروج عما نحن بصدده و لا فاۤئدة مهمّة هنا الّا مجرّد الاشارة الي ان الاشياۤء متعددة الاوقات و الامكنة و في كلّ رتبة يدبّرها الملك الموكّل بها و هو من جنس تلك المرتبة الي ان يصل الرغيفان مثلاً الي عند الٰاكِلِ فاذا وصلَا اليه قطعا نصفَ مسافةِ وجودهما ثم يأخذانِ في العود الي ما منه بُدِئَا و اوّل العود كسرهما ثم الاكل و القطع بالاسنان و التنعيم و ارسال الماۤء من تحت اللسان من النّهرين المُعَدَّيْن لِبَذْرقَةِ الطعام ثم الازدراد و البَلْع ثم الكيلوس و ينقسم اسفله الي الشعر و اعلاه الي الكيموس ثم الي الغذاۤء المشاكل و الي النطف و الاولاد و هكذا الي ما لا غاية له في الامكان و هذا نصف المسافة الٰاخر و لايمكن ان يحصي العباد مراتب لُقمةٍ واحدةٍ مثلاً في النزول و الصعود و لهذا افرد سبحانه ذكر النعمة فقال تعالي و ان تعدّوا نعمت اللّه لاتحصوها فخزاۤئن الشي‌ء اطواره في مراتب وجوداته و قد روي عن علي عليه السلم انه قال قال تعالي رفيع الدرجات ذو العرش و في العرش مثل ما خلق اللّه في البرّ و البحر و ذلك قوله تعالي و ان من شي‌ءٍ الا عندنا خزاۤئنُه ه‍ ، و العرش له اطلاقات في الشرع فيجوز ان يراد به في هذا الحديث العرش العِلْمي او الوجودي و علي الاوّل ظاهر و علي الثاني يمكن توجيه ما روي في التوحيد عن الباقر عليه السلم عليه و ذلك حين سُئِل عن قوله تعالي افعيينا بالخلق الاوّل بل هم في لبس من خلق جديد فقال (ع‌) تأويل ذلك ان اللّه تعالي اذا افني هذا الخلق و هذا العالم و سكن اهل الجنّة الجنّة و اهل النارِ النارَ جدّد اللّه عالماً غير هذا العالم و جدّد خلقاً من غير فحولةٍ و لا اناث يعبدونه و يوحّدونه و خلق لهم ارضاً غير هذه الارض تحملهم و سماۤء غير هذه السماۤء تظلّهم لعلّك تري ان اللّه تعالي انما خلق هذا العالم الواحد اَوْ تري انّ اللّه لم‌يخلق بشراً غيركم بلي واللّهِ لقد خلق اللّه الف‌الف عالم و الف‌الفِ آدم انت في آخر تلك العوالم و اولٰۤئك الٰادميّين ه‍ .
اقول الف‌الف عالم و الف‌الف آدم هذه اشارة الي القوس النزولي فانّ مراتبه من اول مرتبة من الامكان الراجح الي عالمنا هذا بهذا المقدار سواۤء اريد بها خصوص العدد المذكور ام مطلق الكثرة و سواۤء اريد بها ان الاجناس الف و تحْت كل جنس الف نوع ام ان الانواع الف و تحت كل نوع الف شخص ام ان الاجناس او الانواع الف‌الف غير انواع كل جنس اوْ افراد كل نوع و الذي في نفسي ان المراد بالاعداد علي ايّ فرض و احتمال ليس خصوص العدد بل كناية عن الكثرة بهذا العدد لمن لايحتمل ذكر ما هو اكثر منه و الّا فمقتضي الفيض الذي ملأ السرمد بلا ابتداۤءٍ غيره و لا انتهاۤءٍ سواه انّ الواقع اكثر لان الذي يجمعه العدد و يحصيه المقدار منقطع و فيض اللّه الصادر عن فعله لا من شي‌ء غير متناهٍ في الامكان و انّما هو متناهٍ و فانٍ و منقطعٌ عند خالقه و محدثه لا من شي‌ء و لا لشي‌ءٍ الّا ابانةً لقدرته و اظهاراً لكرمه و جوده سبحان من خلق كل شي‌ء لا من شي‌ء و احاط بهم علماً و احصيهم عدداً و لاتنفر من قولي بلا ابتداۤء و لا انتهاۤء فتتوهم القول بقدم شي‌ء غير اللّه تعالي فان فيضه لا غاية له و لا نهاية و هو حادث و خزاۤئنه لاتفني و هي حادثة مصنوعة و عطاياه لاتتناهي و مراتب الاعداد لاتتناهي و الجنة و نعيمها لاتتناهي بل هذه النار التي تورون مثل نار السراج لاتتناهي و لو اجتمع جميع الخلق ابد الٰابدين لم‌تنقص و لايتصوّر فيها نقص و هذه و امثالها من الأَشياۤء التي لاتتناهي كلها مخلوقة محدثة لا من شي‌ء متناهية عنده منقطعة في علمه فانية عند قدرته و قد احاط بكلّ شي‌ء علماً و قدرة فهو قبل ما لايتناهَي بما لايتناهَي و بعد ما لايتناهي بما لايتناهي و انما قلنا لاتتناهَي في الامكان مثل نعيم اهل الجنّة و طعامهم و شرابهم لايتناهي و لا غاية له و لا انقطاع ابداً و تألّم اهل النار و ما اعدّ لهم من انواع العذاب لايتناهَي بمعني انّها لاتنقطع ابداً كلّما ذهَب تنعّم اوْ تألُّمٌ اعادَ مثله فهي باقية ابداً ببقاۤء مدد اللّه سبحانه و فيضه الصادر عن فعله تعالي الذي اقام به كلّ شي‌ء فاذا سألتَني و قلتَ لي ان كانت حادثة فهي مسبوقة بالعدم فهي منقطعة قلتُ لك العدم ليس شيئاً يسبق و انما معني كونها مسبوقة بالعدم انّ ما قبلها كان و لم‌تكن هي فهي في رتبةِ ما قبْلها معدومة فالعبارة الكاملة ان يقال الحادث هو المسبوق بغيره يعني وجد ما قبله قبل ان يوجد هو ثم وُجِد و ان كان معناك و هذا المعني واحداً في المأٰل الّا ان في عبارتك توهُّمَ ان العدم شي‌ء و الّا لم‌يحصل سَبْق و انت لاتريد انه شي‌ء فكيف يسبق الحادث فهذا قوس النزول للمخلوق المشار اليه بقوله تعالي و ان من شي‌ء الّا عِندنا خزاۤئنه و ماننزّلُه الا بقدر معلوم ، و قوس الصعود و المردّ الي اللّه تعالي كذلك فكيف يمكن لأحد من الخلق ان يحصي نعمة من نعم اللّه تعالي في مراتب نزولها و صعودها علي نحو ما اشرنا اليه فافهم ، و اعلم انّ حديث الباقر عليه السلم يدل علي ان هذا الخلق المجدّد بعد استقرار اهل الجنّة فيها و اهل النار فيها لهم قنديل معلّق بالعرش غير هذا القنديل و ليسوا من الالف‌الف لانه عليه السلم قال انت في آخر تلك العوالم يعني الف‌الالف و هؤلاۤء المجدّدون بعد اولٰۤئك كلهم فهم خارجون عنهم و عالمهم خارج عن هذه العوالم لان القناديل المعلّقة في العرش الف قنديل فعالَمُنا هذا بجميع سمواته و ارضيه و ما فيهن و ما بينهن و ما فوقهنّ و ما تحتهنّ في قنديل واحدٍ و هو قنديل ابينا آدم ابي البشر عليه السلم و هذا العالم المجدّد في قنديل آخر غير عالمنا و هو قوله و خلق لهم ارضاً غير هذه الارض تحملهم و سماۤء غير هذه السماۤء تظلّهم و الحاصل مما نحن بصددِه۪ انّ المكلف يعجز ان يحصي نعمةً واحدةً من نعم اللّه سبحانه كما نبّهناك عليه و لايمكن ان يثنيَ عليه الّا بما دلّ عليه من الثناۤء علي نفسِه۪ في تعريفه ايّاهم نفسَهُ و ذلك الثناۤء يُحصون طرفه الاسفل الذي بايديهم و امّا طرفه الأعلي الّذي بيده تعالي فلايحصيه احدٌ غيره و امّا يده تعالي التي هي محمّد و آله صلّي اللّه عليه و آله فتحصي من ذلك الثناۤء من طرفه الاعلي ما شاۤءَهُ تعالي مشيّةَ اكوانٍ و امّا ما لم‌يشأْ منه اكوانَهُ و انّما شَاۤءَ امكانه فانّهم عليهم السلم لايُحصونه و لايحيطون به علماً و هو قوله تعالي و لايحيطون بشَي‌ءٍ من علمه الّا بما شاۤء اي و لايحيطون بشي‌ءٍ من علمه ممّا امكنه في السرمد و الوجود الراجح من كينونيّته الّتي هي الربوبيّة اذْ مربوب الّا بما شاۤءَ كونَهُ من ذلك فانّه تعالي جعلهم عليهم السلم اعضادَ ذلِك كما تقدّم مراراً فهم يحيطون به و الاحصاۤء تعدادُ الفواضل و الفضاۤئل التي هي الثناۤء في كلّ شي‌ء حتّي نفس المحصي و احصاۤؤُه لها منها و اذا اَرَدْتَ اَنْ تعرف شيئاً من ذلِكَ فتأمّل في كلام سيدالشهداۤء عليه السلم في دعاۤء عرفة و انا اورده لتعرف ما اشرنا لك قال عليه السلم في الثناۤء علي اللّه تعالي فايّ انعمك يا الهي احصي عدداً او ذكراً ام ايّ عطاياك اقُوم بها شكراً و هي يا ربّ اكثر من ان يحصيها العاۤدّون او يبلغ علماً بها الحافظون ثم ما صرفتَ و درأتَ عني اللّهم من الضرّ و الضرّاۤء اكثر مما ظهر لي من العافية و السّرّاۤء و انا اشهدكَ يا الهي بحقيقة ايماني و عَقْدِ عزمات يقيني و خالصِ صريح توحيدي و باطن مكنون ضميري و علاۤئق مجاري نور بصري و اسارير صفحة جبيني و خرق مسارب نَفَسي و حذاريف ماۤدّة عرنيني و مسارب صماخ سمعي و ما ضُمَّتْ و اطبقَتْ عليه شفتاي و حركات لفظ لساني و مغرز حنك فمي و فكّي و منابتِ اضراسي و بلوع حباۤئل بارع عنقي و مساغ مطعمي و مشربي و حُمالة اُمِّ رأسي و جُمَل حماۤئل حبل وتيني و ما اشتَمَل عليه تامورُ صدري و نياط حِجاب قلبي و افلاذ حواشي كبدي و ما حوته شراشيف اضلاعي و حقاق مفاصلي و اطراف اناملي و قبض عواملي و دمي و شعري و بشري و عصَبي و قصَبي و عظامي و مخّي و عروقي و جميع جوارحي و ما انتسج علي ذلك ايّام رضاعي و ما اقلَّتِ الارض منّي و نومي و يقظتي و سكوني و حركتي و حركات ركوعي و سجودي اَن لو حاولتُ و اجتهدتُ مدي الاعصار و الاحقاب لو عُمِّرتُها ان اُؤَدِيَّ شكر واحدة من انعُمِكَ و مااستطعتُ ذلك الّا بمنِّك الموجبِ علَيَّ شكراً آنفاً جديداً و ثناءً طارِفاً عت۪يداً اجَلْ و لو حرصتُ و العاۤدّون مِن اَنامِك ان نحصي مدي انعامك سالفةً و آنفةً لماحصرناهُ عدداً و لااحصيناهُ ابداً هيهاتَ اَنَّي ذلك و انت المخبرُ عن نفسك في كتابك الناطق و النّبأ الصادق و ان تعدّوا نعمة اللّه لاتحصوها صدق كتابك اللهم و بلّغَتْ انبياۤؤك و رسلك الدعاۤء ، فتدبّر ما ضمّنه صلواتُ اللّهِ عليه من مُعَدِّداتٍ لنعمه تعالي هي نعمُهُ تعالي فهي تثني عليه بكلّ ما منها و بها و لها و بانفسها و تُعَدِّدُ نعمَهُ تعالي و انّما يعدّ كلُّ شي‌ءٍ مٰا عندَهُ من غيره و من نفسِه۪ اذ ليس في الامكان الّا آثار جوده و كرمه فاثني علي نفسه بها و اثنَتْ عليه بانفسها و كل ما سوي محمدٍ و اهلِ بيته۪ صلي اللّه عليه و آله فمن اشعّتِهِمْ و اَثَرِ وُجُودِهِمْ فاثْني عز و جل عليهم بمن سواهم و اثني علي نفسه تعالي بهم عليهم السلم وَ بِمَنْ سِوَاهم بواسطتهم اي بكونهم ثناۤءً عليهم عليهم السلم و ذَلكَ ما قالَهُ بَعْضُ النُّحَاةِ في اعرابِ البَسْمَلةِ قال و الرّحمن صفة للّهِ و الرَّح۪يم صفة للرحمن و كون الرحيم صفةً للّهِ انّما هو لكونه صفةَ الصفةِ و لا ريبَ اَنَّ صفة الصِّفَةِ صفةٌ و هو الحقّ عندي و ان كان خلافَ المشهور هذا في ظاهر اللّغة و امّا في باطنها فالمعبود سبحانه هو الحقّ المتّصف بالالهيّة و المتّصف بالرحمانيّة و المتّصف بالرحيميّة فصفة الرحيم الرحمةُ المكتوبة للمؤمنين و كان بالمؤمنين رَح۪يماً اي بشيعتهم (ع‌) رحيماً و صفةُ الرحمنِ الرحمةُ التي وسعت كلّ شي‌ء و هم صلي اللّه عليهم السلم رحمة اللّه التي وسعَتْ كلّ شَي‌ء فوسعت اهل الحقّ من كل جنسٍ بالفضل و وسعَتْ اهل الباطل من كل جنس بالعدلِ و شيعتهم الرحمة المكتوبة فالاسماۤء الثلاثة في البسملةِ مُسَمّاها هو المعبود بالحقّ تبارك و تعالي و الاسماۤء ثلاثة و هي اسماۤؤه اي اسماۤءُ افعاله يظهر مثاله بها في مراتبها و اضرب لك مثلاً تعرف به و ان تقدم مكرّراً في مواضع متعددة زيدٌ ذاتٌ واحدة بسيطة لا كثرة فيها بوجهٍ و القاۤئم و القاعد و المضطجع اسماۤؤه اي اسماۤء افعاله يظهر بها مثاله و هو القاۤئم و القاعد و المضطجع و هي اي المعاني الفعلية اَسْمَاۤء به اي بالمثال و هو مثال بها لانها بدونه قيام و قعود و اضطجاع و هي اركانه و هي معه قاۤئم و قاعد و مضطجع فالمسمي واحد و هو زيد و هو آية المعبود بالحق عز و جل لأولي الالباب و القاۤئم مثل اللّه في البسملة فانه اسم و مثال للظاهر بالالوهيّة عز و جل و القاعد مثل الرحمن فيها فانه اسم و مثال للظاهر بالرحمانيّة عز و جل و المضطجع مثل الرحيم فيها فانّه اسم و مثال للظّاهِرِ بالرّحيميّة عزّ و جلّ فمثال زيد ظهر بالقاۤئِم في رتبة القيام لانه اسم لمحدِثِ القيام و ظهر بالقاعد في رتبة القعود لانه اسم لمحدث القعود و ظهر بالمضطجع في رتبة الاضطجاع لانه اسم لمحدث الاضطجاع فالاسماۤء الثلاثة اسماۤء للظاهر بافعال هذه الاحداث الثلاثة و الظاهر بافعالها مثال زيد و وجهه و مقامه في كل رتبةٍ بما لها و هذه آيات اللّه في انفس الخلق فاقرأ تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ فالثناۤء علي اللّه عز و جل لايحصيه خلق و انّما اثني علي نفسه تعالي بهم و بما لهم فهم الثناۤء علي اللّه تعالي و بهم الثناۤء علي اللّه تعالي و هم المثنون علي اللّه تعالي فالاوّل و الثاني كما قال عليه السلم في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح اللّه باَسْمَاۤئه جميع خلقه و قال تعالي و اِنْ من شي‌ءٍ الّا يسبّحُ بحمده ايضاً و الثاني و الثالث لِمَنِ الملكُ اليَوْم لِلّهِ الواحد القهّار فَاذا كانَ هذا مكانهم من الوجود فَكيفَ يمكن اَحدٌ سوَاهم يحصي ثناۤءَهُمْ قال عليه السلم كما ان اللّه لايوصف كذلك النبي صلي اللّه عليه و آله لايوصف و كما انّ النبي صلّي اللّه عليه و آله لايوصف كذلك المؤمن لايوصف ه‍ ، و المراد بالمؤمن هنا علي احتمالٍ هو الامام عليه السلم و علي احتمالٍ آخر مطلق المؤمن و الامام عليه السلم هنا اولي في الوصف الجميل من الحقير و الجليل و قوله لااحصي ثناۤءكم معناه عند من عرفهم بما عرّفوه اي بما وصفوا انفسهم له ان كلّ من عرف شيئاً من ذلك فانما ادرك ما ارتسم في مشاعره من متجلّي صفاتهم و لايدرك حقيقة ما تجلّي له من تلك الصفات ثم ان كل ما سواهم فاعلاه و اكبره و اوسعه احاطة شيعتهم عليهم السلم و الشيعة انما هم اشعتهم خلقوا من انوارهم و جزء الشعاع لايسع كلّ ظهور المنير بكل الشعاع و انّما يسع مقداره و مقداره هو ما اوتي و الذي اوتي الجزء من الشعاع هو رسم بعض صفة ما تجلّي به المنير لَا كُلّ الصفة المتجلي بها و لا حقيقة المتجلّي بها و ثناۤؤهم عليهم السلم هو كل ما تجلّوا به و حقيقته فثبت بالحكم البتّ و القطع المثبت انّ كل ما سواهم لايحصي ثناۤءهم من هذين الوجهين الاوّل كل الثناۤء و الثاني حقيقة بعض ما احصاه من ثناۤئهم فافهم فقد جمعتُ لك اجوبة ما يرد عليك من الاحتمالات في هذه العبارات المكرّرة .
و قوله عليه السلم : و لاابلغ من المدح كنهكم
معطوف علي ما قبله عطف تَرَقٍّ و هو الانتقال من الاقوي الي الاضعف كما هو الاغلب لانّه في سياق النفي و هو بيان للوجه الثاني الذي هو عدم ادراك كنه ما ادرك من الثناۤء اي لااحصي جميع ثناۤئِكم و ممادحكم و لاابلغ اي و لااَصِلُ الي كنهِ ما احصيته من ثناۤئكم و ممادحكم و قوله (ع‌) كنهكم اي كنه ثناۤئِكم و انّما كان ادراك كنه الثناۤء اضْعف من الاحاطةِ بالثناۤء لان الادراك لكنه ما اَحْصٰاه اسهلُ في العادة من الاحصاۤء للكل او في الواقع اما في الاوّل فلأنّ الاحصاۤء له قرب من رتبته و هو مقتضٍ في العادة لادراك الكنه غالباً و اما في الثاني فلأن بعض ما يحصي من الفضاۤئل الظاهرة التي يُدرك كنهها و امّا الاحصاۤء فممتنع لكل من دونهم كما قال تعالي تعلم ما في نفسي و لااعلم ما في نفسك انّك انتَ علّام الغُيوب الّا انّ هذا الامتناع مبني علي كون الاشياۤء علي ما هي عليه لان ما هو دونهم من حيْث هو دونهم لايحصي ثناۤءهم و امّا في مشيّة اللّه سبحانه فيمكن ان يرفع مَن شاۤء الي ما شاۤء حتي يحصي ثناۤءهم و الامكان في مشيّة اللّه لايلزم منه الوقوع بل قد يكون باعتبار عدم وقوعه بحكم الممتنع و تسميه بالممتنع في الحكمة لانّه معلوم للّه تعالي و كلّ معلومٍ له تعالي فهو ممكن في مشيته مقدور له الّا المعلوم بذاته الذي هو ذاته فهو معلوم له بلا اعتبار مغايرة و لا تعدّد حيثيّة لا في نفس الامر و لا في الفرض و الاحتمال و الامكان فانه ح نفس العلم و نفس القدرة فلايمكن فرض القدرة الّا علي مقدور غير القدرة و لو بالفرض و هو محال هُنَا ، و قول المتكلّمين ان العلم اعم من القدرة لانه يتعلق بالممكن و الواجب و الممتنع و القدرة انّما تتعلّق بالممكن خاۤصة جهل بعموم القدرة و خصوص العلم لانّ العلم هو القدرة و انّما يختلفان و يتعدّدان باعتبار المفهوم و امّا باعتبار المصداق فهو واحد العلم نفس القدرة في نفس الامر و انّما تعددا و اختلفا باعتبار اختلاف متعلّقهما و جهته من حيث الفهم و الادراك و المفهومان حادثان و هما عنوانُ المعني القديم الذي هو واحد بكلّ اعتبارٍ جلّ و علا فانّا ان اردنا العلم القديم فهو اللّهُ سبحانه و ان اردنا العلم الحادث المرتبط بالمعلوم فهو المعلوم او صفة المعلوم و الاول غير مرتبطٍ بشي‌ء لانّ ذاته تعالي غير مرتبطٍ بشي‌ء و الاوّل ليس هو المعلوم و لا صفة المعلوم لان ذاته تعالي ليس هو المعلوم الحادث و لا صفته و اذا قلتَ هو المعلوم القديم وجب الاتحاد و امتنع التعدّد و الكثرة و لو باعتبار الفرض و الاحتمال و الامكان و الثاني اي العلم الحادث مرتبط بالمعلوم لانه امّا نفس المعلوم علي قول او صفته علي آخر و اذا اردنا القدرة القديمة فهو اللّه سبحانه و اِنْ اردنا الحادثة فهي المتعلّقة بالحادث و الممتنع ليس شيئاً فكما لايكون مقدوراً لايكون معلوماً لانه لو كان معلوماً لكان امّا نفس العلم فلايكون ممتَنِعاً لانّ العلم موجود و امّا موصوفاً و العلم صفته علي القول الٰاخر بان العلم صفة المعلوم و يجب ان يكون علي هذا الممتنع موجوداً لان العلم صفته و هي موجودة و لايجوز في العقول ان تكون الصفة موجودة و الموصوف ممتنع الوجود فان قلتَ انا نتصوّر شريك الباري سبحانه و هو معني العلم قلتُ هذا غلط فاحش لانّ المتصوّر انّما هو شي‌ء موجودٌ تسمّونه باوهامكم شريكَ الباري سبحانه و مصداقه انّما هو اللّات و العزّي و هبل و امثالها مثلاً تبعاً بتفكّركم في احوال متّخِذ۪يها ارباباً لهم حيثُ سمّوها شركاۤء فنظرتم بخيالاتكم في احوالهم فانتزعَتْ خيالاتكم صوراً متخيّلةً من احوالهم سميتموها شركاۤء عند الردّ عليهم و ابطال دعوتهم و تلك التي في اوهامكم صور مخلوقة لكم اي انّ اللّه سبحانه احدَثها بمقتضَي اوهامكم فانتم الذين خلقتموها باوهامكم كما قال تعالي و تخلقون افكاً ، و ايضاً هذه التي في اوهامكم و تزعمون انها صورة شريك الباري سبحانه هل هي ذاتٌ قاۤئمة في اوهامكم بنفسها او ظلّ فان كانت ذاتاً قاۤئمة بنفسها فهي موجودة محدثة متحيّزة في اوهامكم و ليست ممتنعةً و ان كانت ظِلّاً فالظل انّما يوجد اذا كان الشاخص موجوداً و يلزم ان يكون ذو الظلّ الذي هو عندكم شريكُ الباري سبحانه موجوداً لا انّه ممتنع و اذا كان موجوداً لزم تجهيل الواجب تعالي لانه سبحانه قال قل اَتُنَبِّئونَهُ بما لايَعْلم في السمواتِ و لا في الارضِ فاخبر عز و جلّ بانه لايعلم له شريكاً في السموات و لا في الارضِ فنفي علمه تعالي بشريكه و انتم تقولون انّا نعلم لَهُ شَر۪يكاً لانكم تقولون انّا نتصوره و التّصوّر هو العلم ما لكم كيف تحكمون فدعوي عموم العلم القديم و خصوص القدرةِ القَديمة و هما معاً نفس الذّاتِ و ذلك مستلزم لاتّحادهما موجبة لجعل الشي‌ء الواحد اعمّ من نفسه اَوْ لمغايرتهما للذاتِ و مُغَايرة احدِهما للٰاخر و ذلك كفر و شرك نعم لو اريد بتعلق القدرة التعلّق الكوني خاۤصةً امكن فرض عموم تعلق العلم بمطلق المعلومات و خصوص تعلّق القدرة بالمقدورات الكونية لا بمطلق المقدورات فانّها ح مساوية للعلم لان المعلومات منها كونية و منها امكانيّة و هي بعينها مطلق المقدورات فان منها كونية و منها امكانية و قولنا قبل و امّا في مشيّة اللّه فيمكن ان يرفع من شاۤء الي ما شاۤء حتي يحصي ثناۤءهم فيه سؤال يحسن التنبيه عليه لانه من تمام البيان اذ ربّما يتنبّه الناظر في هذا الكلام للشبهة و لايتمكن من الجواب سألني بعض المفكّرين هل يمكن ايجاد مثل محمّد صلّي اللّه عليه و آله و هل يمكن ايجاد شخص بشريّ افضل منه و قبله صلّي اللّه عليه و آله فاجبتُه بكلام مجمل غير مبيّن يعني يحتاج في فهمه لمن ينظر فيه الي البيان قلتُ قد خلق اللّه سبحانه مثل محمد صلّي اللّه عليه و آله و هو علي بن ابي‌طالب عليه السلم فانّه مثل محمد صلي اللّه عليه و آله و اليه الاشارة بتأويل قوله تعالي ما ننسخ من آيةٍ او نُنسها نأتِ بخيرٍ منها او مثلها فالٰايات محمد و آله صلّي اللّه عليه و آله فحين مات محمد صلّي اللّه عليه و آله اُتِي بعَلِيٍّ و هو مثله و حين ماتَ الحسن العسكري اُتِي بالحجة عليه السلم و هو خير منه لانّه افضل الثمانية علي ما يظهر من رواياتهم فقد خلق اللّه تعالي مثل محمد صلّي اللّه عليه و آله و هو علي عليه السلم لانّ المثل يصدق بالمساواة في كلّ شي‌ء تراد في المقام و قد لايلتفت الي ما يختصّ واحد في نفسِه به اذ لايلحظ عند المقايَسة و قد يصدق المثل للشي‌ء نفسِه۪ و ذلك لانّ الشّي‌ء يقال انه خلق علي صورته اي علي شكله و مثله يعني علي ما هو عليه و انّما قلنا ذلك لما برهن عليه و دلّ عليه الدليل العقلي و النقلي انّ اوّل ما فاض من فعل اللّهِ الحقيقة المحمدية و فلك الولاية بل هما للمشيّة كالانكسار للكَسْر يعني لايتحقق الانكسار الّا بالكسر و لايظهر الكسر في الوجود الكوني الّا بالانكسار فاحدهما متقوّمٌ بالٰاخر كذلك فعل اللّه كالكسر و الحقيقة المحمديّة و فلك الولاية كالانكسار و هذا في السرمد و هو اي الفعل المحدث بنفسه و ليس قبله قبل اذ كلّ قبليّة ابتداۤئيّة فهي حادثة بالفعل فالفعل لايوصف بالقبليّة الحادثة و السرمد هو وقت الفعل و امّا قوله صلي اللّه عليه و آله اوّل ما خلق اللّه العقل فالمراد به اوّل ما خلق اللّه من الوجود المقيد و هو عالم الجبروت الذي وقته الدهر و الفعل و الحقيقة المحمديّة و فلك الولاية من الوجود المطلق و هو الوجود الحادث بنفسه اي خلقه اللّه بنفسه و هو قوله عليه السلم خلق اللّه المشية بنفسها ثم خلق الاشياۤء بالمشية قال الرضا عليه السلم لعمران الصابي و المشية و الارادة و الابداع اسماۤؤها ثلاثة و معناها واحد و قد ثبت بالدليل العقلي وَ النقلي انّ ما كان سابقاً في الوجود الاصلي فهو افضل و اشرف فالحقيقة المحمديّة افضل من العقل الكلّي لانها قبله لانها في السرمد و الوجود المطلق الراجح و امّا العقل فهو في الدهر و الوجود الجاۤئز المقيّد فاذا عرفتَ هذا ظهر لك ان الحقيقة المحمديّة قد ملأت الوجود المطلق الذي ليس وراۤءه امكان و انما وراۤءه وجوب فالحادث الممكن غير الحقيقة المحمديّة وَ فلك الولاية ليس له مكان هناك اما قبله فليس قبل الوجود الراجح الّا الوجود الحق الواجب و امّا معه فليس ثَمّ فراغ لغيره حتي يكون فيه و لايدخل فيه الا ما كان فوقه و امّا بعده فله مكان تحته و يلزم انّ الحاۤلّ فيه انقص لانّ ما فوقه اعلي منه و افضل فيظهر من هذا التقرير انه لايمكن ايجاد شخصٍ بشري افضل منه او قبله لا في داۤئرة العقل لان كل ما فيها تحته و هو فوقها و الاعلي اشرف و لا فيما فوْقها لان ما فوقها ليس الّا الحقيقة المحمديّة و ليس فوق الحقيقة المحمديّة رتبةٌ لشَي‌ءٍ يصدر عن مشيّة اللّه سبحانه فلو فرض وجود شخص هناكَ لم‌يكن الّا هذا صلّي اللّه عليه و آله نعم قد خلق اللّه سبحانه مثله و افضل منه في داۤئرة الدعوي و الباطل المسمّاة بداۤئرة الجهل و معني هذا انّ رؤس الشياطين و اهل الضلالة و اصحاب الكبر و الحسد و الدّعوي تميل ماهيّاتهم المظلمة بما تقتضيه من صفاتها الخبيثة بسبب دواعي فقرها و عدميّة اصلها المجتَثِّ الي دعوي تلك الرّتب العالية و الاستعلاۤء علي اصحابها عليهم السلم فيخلق اللّهُ بمقتضي تلك الاوهام المنكوسة الخبيثة امثالاً و صُوَراً قد كتبها قلم الجهل الكلّي بمدد الخذلانِ في الثري و ما تحته تجِدُ انفسها مُثُلاً للحقيقة المحمديّة و اعلَي منها و افضل و قبلها و ليس لشي‌ءٍ من ذٰلِك اصل كما انه سبحانه و تعالي احدثَ في اوهام المشركين حين صَنَعُوا حجراً علي صورة شَخْص من نَوْعِهِمْ وَ قالُوا هذا الهُنا و هو شريكُ الٰهِ الخلق سبحانه فاَحْدَثَ اللّه عز و جل من تلكَ الدَّعَاوَي و الميولات صوراً و امثالاً لما يتوهمونه في اوهامِهمْ بمقْتَضاها و هذا معني قولنا قد خلقَ اللّهُ سبحانه مثله و افضل منه في داۤئرة الدعوي و الباطل يعني انّ في الوجود الظلماني العرضي شيئاً يدّعيه اصحاب البُعدِ من الخير بانّه مثل محمد صلّي اللّه عليه و آله و افضل منه و قبله فان قلت اذا كان باطلاً فلم اقررتموهم علي تلك التسمية الباطلة قلتُ كما قال اللّه سبحانه الشمس و القمر بحسبان حيثُ قال اصحاب امامي الضلالة فلان شمس هذه الامّة و فلان قمرها و كما قال تعالي في حق ابي‌جهلٍ ذق انّك انت العزيز الكريم استهزاۤءً به لانه كان يقول انا العزيز الكريم فان قلت كيف يجوز اَنْ يكون اللّه سبحانه يخلق صُوراً للباطل تكون سبباً لاضلالهم و غوايتهم قلتُ انّه سبحانه خلق الاشياۤء و اعطي كلّ ذي حقٍّ حقّه فخلق المِرْءاة و جعلها قابلةً لان تحكي ما قابلها فتنطبع فيها صورته فهو جعلها كذلك فهي بجعله علي حسب قابليّتها تقتضي ان تنتقش فيها صورة المقابل و هو سبحانه جعل صورة المقابل تَنْتقش في المرءاة و هو ينقش الصورة بكونها قابلةً لان تنتقِشَ في المرءاة بكونها قابلة لان تنتقش فيها الصورة فاللّهُ عز و جلّ فعل كلّ شي‌ءٍ بقابليّته للفِعْل فاذا قابلت المِرْءاة انساناً لم‌يتركها بغير نقش صورةٍ و لم‌ينقش فيها صورة طير بل ينقش فيها صورةَ انسٰان لانه هو المقابل و هو تعالي ينقش الصورة في المرءاة بذي الصورة و لو لم‌ينقش فيها صورة لكان تعالي قد منع عطيّته لانه خلق المرءاة داۤلّةً و لو نقش فيها غير صورة المقابل لكان قد منع عطيّته اَيْضاً و هي حكم المقابلة و لكانت المنقوشة امّا صورةً للفعل و امّا لغيره و امّا ليست صورةً و الكل باطل فكذلك الخيال و ما يرتسم فيه فانّ اللّه سبحانه جعله مرءاةً و حكمه حكم المرءاة في كلّ شي‌ء و لا عجب في ذلك فانه تعالي جعل الرحم عاقداً للنطفة و محلّاً لحرث النسل فاذا وقعت النطفة الحرام خلق منها ولد الزّنا و لايجوز في الحكمة ان يمنعه ما اعطاه ممّا خلقه لاجله من كونه عاقِداً للنُّطْفَةِ الحلالِ فلو لم‌يخلق بِه النُّطْفةَ الْحرام و يخلقُ به النّطفةَ الحَلَال لَماكان يخلق بالاَسْبَابِ وَ المقتضيات و لوْ كانَ كذلك اتّحدَ المخلوقُ و ارتفع الثواب و العقاب للزوم الجبر فلايفعل سبحانه الّا بالقابليّة كما قال تعالي و قالوا قلوبُنا غلفٌ يعني مانفهم ما تقول لانّ اللّه سبحانه خلقَنا هكذا فردّ اللّهُ عليهم و قال بَلْ طبع اللّه عليها بكفرهم يعني انما طبع علي قلوبهم بكفرهم و مثال ذلك ايضاً انه تعالي خلق الحديد يقطع لمنافع الخلق فاذا ذبح عمروٌ زيداً بالسّيفِ ظلماً فلا بدّ ان يجري القدرُ باحداثِ الذبح فلو لم‌يحدث الذبح لزم منع عطيّته تعالي للحديدِ بانّه يقطع لانّ القطع من جملة منافع الناس بالحديد التي هي علّةُ انزاله و الامتنانُ به و لزم عدمُ تمكّن عمروٍ مِنَ المعصية و الارادة بدون وقوع المراد لاتكفي في التمكن لا سيّما في هذِه الامة المرحومةِ و اذا لم‌يتمكّن من المعصية لم‌يصحّ منه وُقوعُ الطاعة لان الطاعة انّما تصحّ من العبدِ المكلّفِ اذا كان قادراً علي تركها فيفعلها مختاراً متمكِّناً من تركها و اذا لم‌يتمكّن من تركها لم‌يتمكّن منها و اذا لم‌يتمكّن منها لم‌يحسن تكليفُه لعدم الفاۤئدة بدون ذلك و اذا لم‌يحسن تكليفه لم‌يحسن ايجادُه فكان من شروط الايجاد التمكن من المعصية و ان كان انّما وجد للطاعة و التمكن من المعصية انّما يكون اذا كان مختاراً و انّما يكون مختاراً اذا خلق بمقتضي قابليّته فاذا وقفتَ علي هذه الاسرار المكرّرة في هذه العبارات فهمتَ قولنا انّ اللّهَ سبحانه خلق في داۤئرة الجهل الكلّي و الدعوي المجتثة مثل محمّد صلّي اللّهُ عليه و آله و افضل منه و قبله في الرتبة و كلّ ذلك في اوهام اولۤئِك الجَاهِل۪ين المُدَّع۪ين خلقَ ذٰلِك المثال الباطل بمقتضَي اَوْهَامِهم وَ مَيْلِها كما تقدّم فَعَلي ما قرّرنا انّ ما فرضناه من امكان ايجاد مَن يحصي ثناۤءَهم عليهم السلم غيرهم نقول امّا ايجاد شخصٍ واحدٍ فهو و ان كان ممكناً لٰكنّه غير واقعٍ يعني لم‌يوجد شخصٌ واحدٌ غيرهم يحصي ثناۤءَهُمْ امّا ايجادُ كثيرين من اشخاصٍ و اصنافٍ و انواعٍ و اجناسٍ و غير ذلك من جواهرَ و اعْراضٍ معانٍ و اعيانٍ كليّة و جزئيّة مجرّدة و ماۤدّيّة سرمديّة و دهريّة و زمانيّة ركنيّة و برزخية فهي ممكنة و واقعةٌ و هي الالواح و الكتب و نَعْني بها جميع المكوّنات غيرهم فانّها تحصي جميعَ ثناۤئِهم (ع‌) و ذلك جميعها لَا بعضٌ منها فان البعض انّما يعدّ ما فيه من ثناۤئهم و ذلك الذي فيه هو الامانة فكلّ شي‌ء يثني عليهم بما اودعه اللّهُ سبحانه و ائتمنه عليه من جميل صفاتهم و ممادحهم انّ اللّهَ يأمركم ان تؤدّوا الامانات الي اَهْلِها يُسَبِّحُ اللّه باسماۤئه جميع خلقِه۪ و مرادنا بجميع ثناۤئهم الممادح الصِّفاتيّة الغير الذاتيّة سواۤء كانت فعليّة ام نسبيّة اَمْ سببيّة ام غير ذلك يعني كلّ ما هو غير الذاتية امّا الذّاتيّة فلايحصيها بعد اللّه سبحانه الّا هُم عليهم السلم و يمكن ان يراد بالكنه في قوله و لاابلغ من المدح كنهكم الكنه الذّاتي فيكون المعني لااحصي ثناۤءكم اي ممادحكم و فضاۤئلكم و لاابلغ اي لااَصِلُ او لااحيْط او لاادركُ اي لااصِلُ الي حقيقتكم او لااحيط بها علماً اوْ لاادركُها و من في قوله من المدح للابتداۤء اي ابتدئُ في طلب معرفة كنهكم و احصاۤئها من المدح و لم‌يذكر الانتهاۤء لعدم الغاية للطالب في مطلوبه و هو علي الوجه الاول ظاهر و هو كُنه مدحكم و ثناۤئها بتقدير مضافٍ و امّا علي الوجه الثاني و هو عدم التقدير اي لاابلغ من المدح حقيقتكم فيراد من المدح الوصف و التبيين اطلق عليه لعدم انْفكاكه عن الثناۤء بل لا عبارة له الّا بذكر الثناۤء و الفضاۤئل فلا بد منه و ان لم‌يقصد و يجوز ان تكون من للتبيين و هو علي الاوّل ايضاً ظاهر اي لاابلغ كنه وصفكم و ثناۤئكم الذي هو المدح و امّا علي الثاني فلايصح الّا بما يؤُل الي الاوّل الّا علي وجهٍ بعيد من افهام اكثر الزاۤئرين و ان كان كما قال تعالي انّهم يرونه بعيداً و نريٰه قريباً بان يأوّل كنههم علي معني الصفة العليا للّه سبحانه بمعني ان حقيقتهم عالمُ فاحببتُ انْ اُعْرفَ و هو غاية الثناۤء علي اللّه تعالي و الحمد لَهُ اذ ليس وراۤء ذلك شي‌ء في الامكان و هو قول علي عليه السلم لَيْسَ لِلّهِ آية اكبر منّي و لا نَبأٌ اَعْظَمُ منّي فحقيقتهم الثناۤء علي اللّهِ بما اثني به علي نفسه ممّا ابتدعَ من الثناۤء و هذا الثناۤء محدثٌ يتعالي عز و جل عنه و انّما هو الثناۤء علي نفسه لخلقه ليعرفوه فمحمد و آله صلي اللّه عليه و آله اولي الخلق به فهو لهم علي نحو ما تقدم في قولنا انه تعالي خلقهم له و خلق ما سواهم لهم و معني انّه خلقهم انّهم من جهته له وحده تعالي و من جهة ما سواه خلقهم لانفسهم فهم لديْه عبيد ارقّاۤء لايمكن اَنْ يتحرّرُوا و من جهة الخلق هم احرارٌ ابرار لايجري عليهم الاسترقاق بل وهبهم انفسهم في خلقه و اخذهم من انفسهم له سبحانه قال تعالي و لقد آتيناك سبعاً من المثاني و القرءان العظيم فهو صلي اللّه عليه و آله اول السبع و القرءان العظيم فافهم و يجوز ان يكون من في قوله من المدح بمعني في كما في قوله تعالي اروني ماذا خَلَقوا من الارض اي في الارض و قوله تعالي اذا نودي للصلوة من يوم الجمعة اي في يوم الجمعة و المعني لاابلغ في المدح بان يكون المدح ظرفاً للبلوغ و الاحاطة و الادراك فان اريد بالمدح ما يتعلّق بالقلب من الاعتقادات كان ما في الظرف ممّا به البلوغ و الاحاطة و الادراك من عالم الاسرار مما لا طريق الي ادراكه الّا بالفؤاد لان القلب ظرفه فان كانت هذه القرية مدينةً حصينةً تعلّق بها الجَعْلُ الربّاني و اليه الاشارة بقوله تعالي ربّنا ليقيموا الصلوة فاجعل افئدةً من الناسِ تَهْو۪ي اليهم و الّا فبنسبة ما يحصّن منها يقيم الصلوة وَ بنسبة اقامته الصلوة يحصل البلوغ له و ان اريد بالمدح ما يتعلّق باللّسان من الاقوال كان ما في الظرف ممّا به البلوغ و الاحاطة و الادراك من عالم الانوار و هي المعاني الحقّة المأثورة عن اهل الحق عليهم السلم من الكتاب و السنّة و دليل العقل المؤيّد بالكتاب و السنّة اي يشهَدانِ لَهُ بالصدق فانّهما شاهدَا عَدْلٍ قَد قَبِلَ اللّهُ شهادتهما فاذا شهِدَا اَجَازَ اللّه شهادتهما و ذلك ذخاۤئر اليقين و صفايا الايمان من كنوز الاستقامة كما اشار اليه سبحانه ان الّذ۪ين قالوا ربُّنَا اللّه ثمّ استَقامُوا ، و اِنْ اريد بالمدح ما يتعلّق بالاركان من الاعمال كان لازم ما في الظَّرْف ممّا به البلوغ و الاحاطة و الادراك من عالَمِ الاشباحِ من الابدان الّتي لا ارْواحَ لها و من الهياكل النّورانيّة الّتي لها ارواح و هي الاظلّة و الذر و قد يطلق علي وَرَق الٰاس اَي الارواح و هي مراتب العلوم و ما قبلها مراتب اليقين و الايمان و ما قبل مراتب اليقين و الايمان مراتب المعارف و الحَقاۤئق الحقّة و انما قلتُ هنا لازم ما في الظرف لانّ الاعمال الموافقة لامتثال الامر و اجتناب النهي هي الزراعة الصَّالحة بالبذر الصالح في الارض الصَّالحة في الفصْل الصالح التي تُثْمر العلوم المتحقّقة ثم تثمر بالعلوم المتحقّقة الايمانَ الثّابتَ و اليقينَ القاۤرّ ثم يثمِرُ بالعلوم المتحقّقة و بالايمان المستقيم و باليقين الثّابت المعارفَ الحَقّة و يجوز ان تكون من لِلتّعليل و السَّببيّة و بمعني الباۤء للاستعانة مثالهما قوله تعالي و ترٰيهم يعرضون عليها خاشعين من الذّلّ ينظرون من طرفٍ خفيٍ فهي في من الذُّلّ للتعليل و السببيّة اي لاجل الذلّ و سبَب استيلاۤئِه۪ علي جميع مشاعرهم و قواهم حتي خشعوا ينظرون من طرف خَفيٍّ و في من طرفٍ خفيٍ للاستعانةِ بمعني الباۤء اي استعانوا علي التمكُّنِ من اضعَفِ النظرِ مِنْ طرفٍ خفيٍّ اي بطرفٍ ضعيفٍ الحركة لاستيلاۤء الذُّلّ علي حواۤسّهم الباطنة و الظاهرة فعلي التعليل و السببيّة يكون المعني من اجل المدح و بسببِه۪ اي من اجل طلب مدحكم بما تستحقّونه من الثّناۤءِ لااَبْلغ كنه ثناۤئكم علي تقدير المضاف اي احصاۤءِ ممادحكم و فضاۤئِلكُمْ يعني لاابلغ حقيقةَ ممادِحِكم و فضاۤئِلِكم لا في الاحصاۤء لان كل من سواهم ثناۤء عليهم و مدحٌ لهم و كلّ شي‌ءٍ انما يحصي نفسه و ما لَهُ من الافعال و النّسب و الاوضاع و لا في المعني لانّي لااُحيط بمعاني كلّ من سواهم و معاني ما لمن سواهم من الافعال و النّسب و الاَوْضَاعِ و علي عدم تقدير المضاف فبطريقٍ اَوْلي لانّ مَنْ يقصر بمبلغ جهده عن بُلوغِ احصاۤء الٰاثار وَ الصفات و عن معاني بعضها ينحَطُّ عن بلوغ الحقيقة و اكتناهِهَا بطريقٍ اولي و قول بعض الصّوفية بانّ اللّه سبحانه تستح۪يلُ الاحاطة بصفاته لعدم تناهيها و امّا ذاته فيدركها الواصلون و يتأوّلون مثل قوله تعالي مَنْ كان يرجو لقاۤءَ اللّه فانّ اَجَلَ اللّه لٰاتٍ و قوله تعالي فمن كان يرجو لقاۤء ربّه فَليعمل عملاً صالحاً و لايشرِك بعبادَةِ ربّه احَداً و غير ذلك هذيانٌ و شرك و كفر لان الصفات ان كانت ذاتيّة فهي امّا مساوية للذات كما في القديم تعالي و امّا جزء الذات كالناطق للانسان و الجزء تحت الذات و ان كانت فعليّة فهي شأن من شؤن الذّات فكلّ ما تصدق عليه الصفة بايِ اعتبارٍ فهو لايزيد عليها فافهم و علي الاستِعٰانة يكون المعني لااُحْصي عددَ ممادحكم و فضاۤئِلكم مع استعانَت۪ي علي الاحصاۤء و ادراك معانيها من المدح اي بالمدح يعني مع استعانتي علي ذلك بما وقفتُ عليه ممّا ورد عنكم في بيان فضاۤئِلكم ممّا عرّفتم به مَن جهِل قَدْرَكم و مقامَكم و منزلتكم عِنْدَ اللّهِ سبحانه و بما علّمني اللّهُ بكم من ثناۤئكم و عِظَمِ شأنكم و مع استعانتي ايضاً بذلك لاابلغ معرفة كنهكم اذ لم‌يصل اليّ من ذلك الّا جزءٌ من اظِلَّةِ اشِعّتِكم و لهذا لاابلغ بجميع مشاعري ممّا ذكرتُ في حملِ مِنْ في من المدح علي معني في الظّرفيّة و بما اثمرَتْ في الزراعة الصَّالحة اعني القاۤء البذر الصّالح في الارض الصالحة في الفصل الصالح علي نحو ما سبق مما اشرنا اليه في التّمثيل لما يلزم الاعمال من المعارفِ الحقّةِ و العلوم القطعية فانّها و ان كانت تصل الي بعض اسرارهم لكنّها لمّا كانَتْ ذَوٰاتُهَا من آثار اِجٰابَاتِهم لربّهم حين اجري فيهم حكم الامتثال فلايمكن في ذواتِها الادراكُ و الاِحَاطَةُ لانّ الادراك انّما يمكن للمساوي في الرتبة و للاعلي و امّا النازِل فلايدرك الكنه و من اجلِ ذلك قال صلّي اللّه عليه و آله يا علي ماعرف اللّهَ الّا انا و انت و ماعرفني الّا اللّهُ و انت و ماعرفكَ الّا اللّهُ و انا ه‍ ، فلرسولِ اللّهِ صلي اللّه عليه و آله رتبة في معرفة اللّه تعالي لايصل اليها احد من الخلق و علي عليه السلم لم‌يصل اليها لانّه لم‌يكن مساوياً له صلي اللّه عليه و آله بل مقامه دونه و تحتَ تلك الرتبة رتبةٌ يصل اليها علي عليه السلم فيجتمع فيها مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و هي مقام ماعرفَ اللّه الّا انا و انت نجتمع في معرفة اللّه تعالي في رتبة لايصل اليها الّا انا و انت و هي مقامُ ماعرفك الّا اللّه و انا يعني لعليّ عليه السلم رتبة في الوجود الكوني لم‌يشاركه فيها الّا رسول اللّه عليه و آله السلام فصحّ بما اختصّ به علي عليه السلم من دون ابنه الحسن عليه السلم او فاطمة عليها السلم علي احد القولين ان يقول ماعرف اللّهَ الّا انا و انتَ و لاعرفني الّا اللّه و انت و لاعرفك الّا اللّه و انا فاذا صدَق بهذا الحرف الذي تفرّد به عليه السلم انه لايعرفك الا اللّه و اَنَا صحّ انَّ كلّ مَنْ سِوَاهُمْ لايعرفهم لان عليّاً عليه السلم زادَ عَلَيْهم صَلَّي اللّه عليْهم معرفةً بحَرْفٍ واحدٍ و هم عليهم السلم زادوا علي الخلق معرفةً بما لايتناهَي في رتبة الخلقِ ،
هنا فاۤئدة في الاشارة الي الحرف الذي يتفاضلون به و قدر مدّته امّا الحرْف فهو في تقدّم الذوات بعضها علي بعض كما تقدّم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله علي عليٍّ عليه السلم و عليّ علي الحسن و الحسن علي الحسين و الحسين علي القاۤئم و القاۤئم علي الائمة الثمانية و هم علي فاطمة علي ما ظهر لي صلي اللّه عليهم اجمعين فتقدّم المتقدّم علي المتأخّر حرف من العلم وَ الوجود الذاتي فسَبْقه حرف وجودي ظهر به الحقّ تعالي فيه ظهوراً لم‌يشاركه المتأخر فهو زاۤئِد بما اختصّ به من العلم باللّهِ تعالي و هو ظهوره به فيه قبل وجود المُتَأخّر و هكذا فهذا هو الحرف الذي نشير اليه لا انّه شي‌ء يرد عليه بعد تمامه و لم‌يصل الي مَن بعده من الائمة عليهم السلم لقيام الدّليل عقلاً و نقلاً انه لايصل الي سابقهم شي‌ء الّا و يجب عليه ان يؤديه الي اللّاحق و هو تأويل قوله تعالي انّ الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الي اهلها ، كما في الكافي باسناده الي احمد بن عمر قال سألت الرضا عليه السلم عن قول اللّه عز و جل ان اللّه يأمركم ان تؤدّوا الامانات الي اَهْلها قال هم الائمة عليهم السلم من آل‌محمد صلي اللّه عليه و آله ان يؤدّي الامانة الي مَن بعده و لايخصّ بها غيره و لايزويها عنه و عن المعلي بن خنيس قال سألتُ اباعبداللّه عليه السلم عن قول اللّه عز و جل ان اللّه يأمركم ان تؤدّوا الامانات الي اهلها قال امر اللّه الامام الاوّل ان يدفع الي الامام الذي بعده كلّ شي‌ء ه‍ ، الي غير ذلك فثبت انّ الامام الاوّل لو كانت زيادته الّتي بها يفضل علي من بعده مما يرد عليه بعد تمامه و لم‌تصل الي الثاني لكان الثاني ناقصاً و لكنّها كانت رتبة ذاته اذا سبقت في الوجود الكوني و امّا قدر مدّة ذلك الحرف فلم‌نقف علي تصريح خاص عنهم عليهم السلم بذلك و انما ورد عنهم ان بعضهم اعلم من بعض كما تدل عليه رواية مختصر بصاۤئر سعد الاشعري للحسن بن سليمن الحلي بسنده الي ايّوب بن الحرّ عن ابي‌عبداللّه عليه السلم قال قلنا له الائمة بعضهم اعلم من بعض فقال نعم و علمهم بالحلال و الحرام و تفسير القرءان واحد ه‍ ، نعم قد يستفاد ذلك من بعض الروايات مثل ما رواه جابر بن عبداللّه في تفسير قوله تعالي كنتم خير امّة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اوّل ما خلق اللّه نوري ابتدعه من نوره و اشتقّه من جلال عظمته فاقبل يطوف بالقدرة حتي وصل الي جلال العظمة في ثمانين‌الف سنة ثم سجد للّه تعظيماً ففتَقَ منه نور عليّ فكان نوري محيطاً بالعظمة و نور علي محيطاً بالقدرة الحديث ، و هو طويل فان قوله (ص‌) ثمانين‌الف سنة يعني من سني الدنيا يستفاد منه انه مقدار ما سبق به عليّاً صلي اللّه عليهما و آلهما و العظمة مصدر النبوّة و القدرة مصدر الولاية فكانت لمحمد صلي اللّه عليه و آله و جعلها لعلي عليه السلم كما يظهر من الاخبار و هي كثيرة مثل قوله (ص‌) اُعط۪يتُ ثلاثاً و شاركني عليّ فيها اعطيتُ لواۤء الحمد و عليّ حامله و اعطيت الجنّة و النار و عليّ قسيمها و اعطيت الكوثر و علي ساقيه الحديث ، و اعلم ان السبق المشار اليه في حق اهل العصمة عليهم السلم بينهم و بين الخلاۤئق مختلف في الروايات ففي بعضها اربعون‌الف سنة و في بعضها اربعة‌عشرالف سنة و في بعضها ثمانية‌عشر الفاً و غير ذلك من الاختلافات المتكثرة و هي محمولة علي اختلاف المراتب و المقامات ،
و قوله عليه السلم : و من الوصف قدركم
مثل ما قبله في المعني ظاهراً و قد يراد من العطف التفسير و البيان و قد يراد منه غير ذلك لان الاصل فيه اقتضاۤء المغايرة فيراد من الوصف ذكر احوال الموصوف و تعدادُها او الكشف عن معانيها سواۤء تضمّنت المدح ام غيره هذا هو المراد من الوصف الّا انّ المقام يقتضي ذكر ما يتضمّن المدح و الثناۤء و تعداد الفضاۤئل و الفواضل و هؤلاۤء صلي اللّه عليهم لمّا كانوا اوّل فاۤئض مخترع من الفعل الالهي كانوا في اصل تكوّنهم علي اكمل ما يمكن في باب الايجاد و الاختراع و من كان كذلك لاينفكّ ذكره و وصفه عن الثناۤء و المدح لانه علي اي اعتبار فهو منبع الكمالات فمن ذكر احوالهم باي اعتبار فهو يثني عليهم و قولي فاۤئض مخترع لبيان ما هو الواقع لا ان الفاۤئض منه مخترع و منه غير مخترع اِذْ لَيْس شي‌ءٌ كامِن فيظهر و انّما يظهر ما هو مخترع لم‌يكن قبل الاختراع شيئاً و معني ظهورِه وُجودُه و القدر هو مَبلغ الشي‌ء و العِظم و قياس الشي‌ء بالشي‌ء و المراد اني لاابلغُ من الوَصفِ مبلغكم من الوجود الكوني و قربكم من المبدأ و لا عِظمكم في الواقع و لا نسبتكم من الخلق و الكلام في مِن في قوله من الوصفِ كالكلام في من المدح بجميع ما ذكر هناك فلا حاجة الي اعادته و كذلك الكلام في قدركم باعتبار ملاحظة الكنه و الذات و باعتبار تقدير مضاف محذوف و ما يترتّب علي ذلك من المعاني كالكلام علي قوله كنهكم كما تقدّم ،
و قوله عليه السلم : و انتم نور الاخيار
المراد بالاخيار علي الظاهر الانبياۤء و الرسل و من يقربُ منهم كاوصياۤئهم من اهل العصمة كما قال تعالي و اذكر عبادنا ابراهيم و اسحق و يعقوب اولي الايدي و الابصار انّا اخلصناهم بخالصةٍ ذكري الدار و انّهم عندنا لمن المصطفَيْنَ الاخيار و اذكر اسمعيلَ و اليسعَ و ذاالكفل و كلّ من الاخيار ، و يجوز ان يراد بالاخيار ما هو اعم من اهل العصمة فان اريد الاوّل كان التنوير او ظهورهم عليهم السلم بعقول الانبياۤء و الرسل و اوصياۤئهم و بارواحهم و انفسهم لَهُمْ بغير واسطةٍ و ان طالت المدّة بين ذواتهم صلوات اللّه عليهم و بين ظهورهم بعقول الانبياۤء و الرسل و اوصياۤئهم و بارواحهم و انفسهم فقد اشار بعضُ اخبارهم انها الف دهرٍ و بعضُها بغير ذلك اذ ليس بينهم و بين الانبياۤءِ و الرّسل خلق كما ليس بين المنير و بين الشعاع شي‌ء و ان طالت المسافة بل قد يقال بعدمِ التناهي في الوجود الكوني لان اقرب اجزاۤء الشعاع الي المنير لايكون بشدّة قربه منيراً اي جزءاً من المنير ابداً فليس بينهما فصْل و لا وصل ابداً و هذا آيةُ ما اشرنا لك من هذا السّرّ المستور فبما اشرنا لك من البيان يظهر لك ان فهمتَ المراد انه لا واسطة في ذلك و ان اريد الثاني كان التنوير او ظهورهم عليهم السلم لمن ظهروا لَهُ بما ظهروا به بواسطةٍ او باكثر من ذلك
ثم اعلم ان قوله نور الاخيار ظاهره انهم عليهم السلم نفس نور الاخيار فان اريد الحقيقة لزم علي هذا الظاهر الحلول او الاتّحَاد و يلزم علي الوجهين المساواة و مساواتهم لغيرهم او مساواة غيرهم لهم لم‌تصحّ اذ ليس احد في رتبتهم و في التأويل ورد في تفسير قوله تعالي قالوا و هم فيها يختصمون تاللّهِ ان كنّا لفي ضلالٍ مبين اذ نسوّيكم بربّ العالمين انّ الضمير في فكبكبوا فيها يعود الي بني‌اميّة و الغاوون بنوالعباس كما في تفسير القمّي و معلوم انهم ماوضعوا اصناماً يعبدونها من دون اللّه و انّما اتّخذوا رجالاً ائمةً من دون اولياۤء اللّه الذين امرهم اللّه بالائتمام بهم فاطاعوهم في معصية اللّه فقد سوَّوْا بهم اولياۤء اللّه و من سوّي باولياۤء اللّه غيرهم فقد سوَّي ذلك الغير باللّه رب العالمين لأن اولياۤء اللّه عليهم السلم امرهم امر اللّه و نهيهم نهي اللّه و طاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه لانهم لايعملون الّا بامر اللّه و لايقولون الّا عن اللّه من ان اللّه سبحانه امرهم و نهاهم و امر جميع خلقه بطاعتهم فمن سوّي بهم غيرهم فقد سوّي الغير باللّه ربّ العالمين و انما قال هنا رب العالمين و لم‌يقل باللّه للاشارة الي انّ محمداً و اهل بيته عليهم السلم هم ملوك الٰاخرة و مالكوها من عطاۤء اللّه و فضله عليهم كما هم ملوك الدنيا و مالكوها كما قال تعالي ان الارض يرثها عبادي الصالحون و قال ان الارض للّه يورثها من يشاۤء من عباده و العاقبة للمتّقين و ذلك لان اياب الخلق اليهم و حسابهم عليهم فهم القوّام بامر الخلق عن اللّه تعالي فَقال اذ نسوّيكم بربّ العالمين للتّنبيه بذكر الربوبيّة في هذا المقام علي انّهم المدبّرون لأحوال الخلق يوم القيمة كما امرهم اللّه تعالي لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فلو اريد بقوله (ع‌) نور الاخيار الحقيقة لزم ما ذكر و ما رُوي في قوله تعالي لقد جاۤءَكم رسولٌ من انفسِكم بمعني انّ الاَنْفُس هم الائمة عليهم السلم لانّهم ذوات الذوات كما روي عن علي عليه السلم فمن نحوِ ما نحن بصدده و اذا اريد المجاز كان معناه احد الوجهين اللّذين ذكرناهما امّا ان المعني انهم المنوّرون للاخيار بمعني ان حقاۤئق الاخيار من النبيين و المرسلين و الاوْصيٰاۤء و الصالحين مطارح لاشعّةِ اشراقاتِهِمْ و مرَايَا تنطبع فيها صور امثالهم فانوار جميع الخلاۤئق من اشعّة انوارهم مستض۪يۤئة كاستضاۤءة وجه الجدار الاَيْمَنِ و المِرْءٰاة بشعاع الشمس عند مقابَلَتِها فانوار حقاۤئقهم ما حكت عن صور تلك الانوار و ما انطبعَتْ فيها من هياكل تلك الشئون و الاَقْدار فهم بهذا المعني انوار الاخيار علي المجاز لان حقيقة نور الاخيار انما هي مثال ظهور انوارهم علي مرايا ذوات الخلق فمعني انتم نور الاخيار مثال ظهور انواركم علي مرايا ذوات الاخيار نورهم و قد قلتُ في قصيدة نظمتها في مدح علي و فاطمة و الاحدعشر من نسلهما عليهم السلم افضل الصلوة و ازكي السلام في ذكر القاۤئم عليه السلم و ان الانبياۤء عليهم السلم بشّروا به و انّ انوارهم من اشعة انواره :
فنورُهُ وَحْيُهُمُ و وجهُه قبلَـــتُهُمْ فحيثُ صلَّوْا وَصَلُوا
اي فحيثُ توجّهوا الي وجهِه عليه السلم و دعوا وصلوا الي ما طلبوا من ربّهم و امّا قولي فنورُه وحيُهُمُ فمعناه ان الوحي الذي نزلت عليهم به الملاۤئكة من اللّه سبحانه فهو شعاع نوره عليه السلم و ذلك كما في قوله تعالي و كذلك اوحينا اليك روحاً من امرنا و المراد به الملك الذي هو من امرِ اللّه الذي يكون مع محمد و آله صلي اللّه عليه و آله بكلّه فانه منذ هبط عليهم ماصَعِد قطّ و هكذا يكون مع جميع الانبياۤء و الرسل عليهم السلم بوجه من وجوهه و رأس من رؤسه فانّه ماهبط علي مخلوقٍ ابداً الا علي محمد و اهل بيته الطيبين صلي اللّه عليه و عليهم و امّا ما كان منه قبلهم عليهم السلم من اوّلِ ما اكل الباكورةَ من حداۤئقهم الي ان خرجوا فانما هو تنزّلاته حين خلقه اللّه تعالي فقال له ادبر فادبرَ ثم قال له اقبل فاقبل فالادبار الاعظم و الاقبال الاعز الاجل الاكرم ما كان بهم صلّي اللّه عليهم ماكنتَ تدري ما الكتاب و لا الايمان و لكن جعلناه نوراً نهدي به مَنْ نشاۤء من عبادنا اي جعلنا ذلك الروح الذي هو من امرنا نوراً اي كتاباً منيراً و هو القرءان نهدي به من نشاۤء من عبادنا و المعني المراد ان الوجود المقيّد اول ما ظهر منه في الوجود الكوني معني و لفظ متساوِقان في الظهور يعني كل معني فله اسم فهما مبني كلّ منهما علي صاحبه فالمعني هو الملك المذكور الذي هو القلم بعبارة و العقل بعبارة و الروح من امر اللّه بعبارة و روح القدس باخري و اللفظ هو القرءان و لهذا وحّد الضمير العاۤئد اليه و ثنّي الصفة فقال فيه من حيث هو معني روحاً من امرنا و من حيثُ لفظ نهدي به من نشاۤء من عبادنا فافهم و قولي سابقاً كان التنوير او ظهورهم عليهم السلم بعقول الانبياۤء و الرسل و اوصياۤئهم و باَرْوَاحهم و انفسهم لهم بغير واسطةٍ مرادي منه بالتنوير ما اشرتُ اليه و اما قولي او ظهورهم عليهم السلم بعقول الانبياۤء الخ ، فالمراد ان عقول الانبياۤء و الرسل و اوصياۤئهم حقيقتها ظهورهم (ع‌) بها لهم و ان شئت قلتَ لها و كذلك ارواحهم و نفوسهم فهي تشهد لهم صلّي اللّه عليهم بسرّ ما اودعوها مما وعَتْه من ظهورهم بها بانهم نور الاخيار و هداة الابرار و حجج الجبار فسَبّحوا اللّه باسماۤئه و مجّدوه بنعماۤئه و آلاۤئه و هو تأويل قوله فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم ،
و قوله (ع‌) : و هداة الابرار
لَعلّ المراد بهم من كان التنوير لهم او الظهور بعقولهم بالواسطة لانه الاغلب في الاستعمال و قد يستعمل في المقرّبين و لكن استعماله في اصحاب اليمين اغلب و اما الاخيار فيستعمل في المقربين و في اصحاب اليمين و لكنهما اذا اريد بواحدٍ منهما المقرّبين فهو من المشكِّك لانّ بين المقرّبين بعضهم بعضاً درجات متفاضلة لاتكادُ تتنَاهَي في مراتب الامكان بمعني انّ محمّداً و آله صلي اللّه عليه و آله و ان كانوا من المقرّبين بينهم و بين من سواهم مراتب لايصل اليها احد ممن سواهم ابداً و ان بلغ كلّ مبلغ كما ذكرنا سابقاً من انّ النور و ان قرب من المنير غاية القرب لايكون من المنير بل هو ابداً نور من المنير و شعاع منه فمن سواهم لايزال مستمدّاً للهداية منهم كل ما وصل رتبةً وُضِعت لهُ رتبةٌ اعلي من الاولي و هكذا بلا نهاية و لا غاية فان اهل الجنّة لاينتهي نعيمهم و كلّ استمدادهم لاسيّما في النعيم الاعظم الغير المتناهي الذي هو الرضوان كما قال تعالي و رضوان من اللّه اكبر لانه الحجاب الاعلي و عالمُ فاحببتُ ان اُعْرَف و اليه تنتهي النهايات في الامكان و لا نهايةَ له و كلّ ذلك انّما هُوَ بهم و عنهم فهم يدلجُونَ بين يدي المدلج من الخلق و اللّهُ سبحانه يدلج بين يدي المدلج منهم و مِن خلقه بهم ،
و قوله عليه السلم : و حجج الجبّار
قد تقدمت الاشارة الي معناه و انّ له معانِيَ متعدّدةً في كلّ رتبةٍ من مراتب الوجود بحسبها مثلاً ما ظهرت علي الانبياۤء و الرسل عليهم السلم و اتوا به من المعجزات كاحياۤء الموتي و نطق الجمادات و الحيوانات العجم و قلب الجمادات حيوانات كعصي موسي و غير ذلك فانّها آياتهم و امثالهم و ذلك ما اشار اليه علي ابن الحسين عليهما السلم كما تقدم في رواية جابر بن يزيد الجعفي في حديث طويل ثم تلا عليه السلم قوله تعالي فاليوم ننساهم كما نسوا لقاۤء يومهم هذا و ما كانوا بٰاياتنا يجحدون و هي واللّهِ آياتنا و هذه احدها و هي واللّهِ ولايتنا يا جابر الحديث ، و من المعاني كونهم تراجمة لوحيه الوجودي الكوني و الوجودي التشريعي كما تقدّم فيكون من الاول ترجمة الاغذية و الامزجة للاجسام النّامية بمعني ان اللّه سبحانه خلقهم عليهم السلم علي اكمل وجهٍ يمكن في مقام الخلق في اعتدال الامزجة و التركيب بحيث لايمكن ذلك الّا في تأليف انوارهم الذاتيّة و خلق من فواضل تلك الامزجة المعتدلة و التأليفات المتسقة جميع الخلاۤئق سواهم كلّ شي‌ء علي حسب قابليّته و جعلهم كما ذكرنا سابقاً علل جميع الخلاۤئق العلل الفاعليّة لكونهم محاۤل مشيّته و اَلْسِنةَ ارادته و ايدي ايجاده و ابداعه و العلل الماديّة لكون مواۤدّ الاشياۤء من فاضل انوارهم و اشعّة وجوداتهم و العلل الصوريّة لكونِ صور الاشياۤء من فاضل هيئات ذواتهم و حركاتهم و اقبالاتهم و ادباراتهم للمؤمن علي نحو التوالي و الموافقة و للكافر علي نحو خلاف التوالي و علي المخالفة و العلل الغاۤئيّة لكون الاشياۤء السنة الثناۤء عليهم قال تعالي و جعل لكم من جلود الانعام بيوتاً تستخفّونها يوم ظعنكم و يوم اقامتكم و من اصوافها و اوبارها و اشعارها اثاثاً و متاعاً الي حين فبهم خلق ما خلق و لهم خلق ما خلق و علي مثالهم خلق ما خلق فاختلفت الاشياۤء باختلاف اجابتها و قبولها فمن اختلف و اعوجّ و ضعف و اسودّ و التوي و زاد و نقص فمن قابليته و تقصيره و سوۤء اجابته و لم‌يأتهم ربّهم سبحانه الّا باكمل مزاج و احسن تأليف لانه اَتٰيهم بفاضل مزاج اصفياۤئه عليهم السلم و شعاع تأليفهم و لكنهم اختلفوا لاختلاف دواعيهم فمن لم‌يستقم لعدم اجابته فمقصّر ملوم و الحجة عليه المزاج المستقيم الذي اتاه اللّهُ به فغيره باختياره و اعلم ان وجوه معني كونهم حجة عليهم السلم كثيرة ظاهرة و باطنة كما في تأويل قوله تعالي و اسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنةً فالظاهرة معلومة و الباطنة ذكرت منها هنا وجهين و فيما تقدّم ذكرتُ اكثر من ذلك و ان اعدّدها لم‌اُحصِها و لكن تعرف بكلامي و ما مثّلتُ به نوع ذلك فان فهمتَ مرادي و سألتَ الكريمَ الجواد سبحانه بنحو لسان استعدادي اعطاك ما شاۤء فانه الغني الحميد و من الثاني ما عبَّرُوا عنه بهذه الاوامر و النواهي و هو في الظاهر ظاهر لايكاد يخفي و في الباطن باطن لايكاد يُدْرَي و اغلبُ ما سوي هذين من معاني حجج الجبّار من الاوّل و يُعْلَمُ كثير منها ممّا مَضَي .
قال عليه السلم بكم فتح اللّٰهُ و بكم يختم و بكم ينزّل الغيثَ و بكم يمسكُ السماۤء ان تَقع علي الارض الّا باذنه و بكم ينفّس الهم و يكشف الضّرّ
قال الشارح المجلسي رحمه اللّه تعالي بكم فتح اللّه اي في جميع الفيوض و الخيرات كما يشعر به الصلوة او في الخلق فانه اوّل ما خلق ارواحهم كما في الاخبار المتكثّرة و تقدّم بعضها اوْ لكم خلق اللّه الخلق اوْ انتم وساۤئط الفيوض الالهية و بكم يختم كما في الرجعة و المهدي او كل خيرٍ يصل الي احدٍ فانه بسببكم لانهم العِلّةُ الغاۤئيّة و بكم ينزّل الغيث كما ورد في الاخبار الكثيرة لانهم المقصود بالذاتِ او بدعاۤئهم كما ورد ايضاً متواتراً و بكم يمسك السماۤء ان تقع علي الارض مع حصول اسبابه من ادِّعاۤء الولد و الٰالهة الباطلة كما قال تعالي تكاد السموات يتفطرن من فوقهنَّ و تنشقّ الارض و تخرّ الجبال هداً ان دعَوا للرحمن ولداً الّا باذنه عند قيام الساعة او غيره ان اراد انتهي .
اقول بكم فتح اللّه في كل وجودٍ بل في كل امكان امّا في الايجاد فمن حيث كونهم العلَلَ الاربع للخَلْقِ كلّه علي نحو ما اشرنا اليه في العلّة الفاعلية لكون التمشية اليها لاتجري علي الظاهر لانّه غلوّ ممنوع منه و انّما يقال في الْعِلّةِ الفاعليّة علي نحو ما ذكرنا سابِقاً من كون الفاعلية هي المثال المتقوّم بالفعل فانّ المثال الذي هو اسم الفاعل كالقاۤئم لزيد هو المشيّة المتقوّمة بالحقيقة المحمّديّة تقوّم ظهورٍ بمعني انّ المثال هو المشيّة حال تعلّقها بالحقيقة المحمديّة كما تقول ان السّراج هو النار حال تعلّقها بالدهن و الاَوْلي في التحقيق ان يقال انّه الحقيقة المحمديّة حال تعلّق المشيّة بها و رَبطها بها كما تقول ان السراج هُوَ الدهن حال تعلّق المشيّة بها المعبّر عنه في الٰاية الشريفة آية النور بمسّ النار في قوله تعالي يكاد زيتها يضيۤ‌ء و لو لم‌تمسسه نار و المراد من هذا ان السراج المضيۤ‌ء للغير الّذي تعلّقت به الاشعّة و توجّهَتْ اليه في عبادتها له بافتقارِها اليه في تلقّي وجوداتِها منه انّما هو في الحقيقة الدُّهْنُ الذي تكلّس بحرارة النار و يبوستها حتي كان دخاناً فانفعَلَ بالضياۤء عن مسّ النار التي هي الحرارة و اليبوسة فمسُّها هو فِعلُهَا ابرزَتْهُ بنفسه لا من ذاتها لانه ليس جزءاً منها و هذا هو الذي اشار اليه تعالي قال يكاد زيتها يضيۤ‌ء و لو لم‌تمسسه نارٌ و لم‌يقل يكاد النار تضيۤ‌ء و لو لم‌تتعلق بالدهن لانّ الاستنارة انّما هي من الدهن و ذلك لشدّة صفاۤئه و بياضه قال يكاد يضيۤ‌ء لكنه لايضيۤ‌ء الّا بمس النار فالدهن هو المضيۤ‌ء بمس النار و هيهنا قال ابن‌سينا في الاشارات اعلم ان استضاۤءة النارِ السّاۤئرة لما وراۤئها انّما تكون اذا عُلِفَتْ شيئاً اَرضِيّاً ينفعل بالضوء عنها الي ان قال فاذا طفئت انفصَلتِ النارُ هواۤء و الكثافةُ دخاناً انتهي ، فقد ثبت بالٰاية الشريفة و كلام الحكماۤء انّ السراج المضيۤ‌ء الذي تعلّقت به الاشعة و وجدتْ بافاضتِه۪ و تحقّقت بظهوره وَ قَامت باستمدادها منه انَّما هو الدخان المستضيۤ‌ء بمسّ النار اي المنفعل بالضياۤء عنها و هذا الدخان المستضيۤ‌ء ليس من النارِ و انّما هو اجنبي منها و هو دُهن قد كلّسَتْهُ و جفّفَتْهُ و نعّمته حتي يبس و خَفَّ فقرب منها فاستنار بتأثيرها فهو عرش لَها قد استوت عليه بظهور فعلِها فاعطَتْ كلّ جزءٍ من الاشعّةِ علي قدره فالاشعّة صفاتٌ لما ظهر بالدهن عليه من تأثير النار بفعلها فيه و المثال هو السّراج و السراج هو الدُّهْن المستضيۤ‌ء بمسّ النار كما تلونا عليك و الحقيقة المحمّدية هي الزيت المستضيۤ‌ء بمسّ النار و الزّيت هو الوجود المخترع بالفعل فاستضاۤءتهُ بهذا الاختراع فالحقيقة المحمّديّة بالاختراع هو المثال المشار اليه فكما انّ السراج الظاهر الذي بيّنّا لك انّه في الحقيقة هو الدخان المنفعل بالاستضاۤءة عن مسّ النار هو علّة وجود الاشعّة بل لا وجود لشي‌ء منها الّا بكونه صورة ظهور ذلك السراج و هو العلّة الفاعليّة لتلك الاشعة كذلك الحقيقة المحمديّة بالاختراع اي بكونها محلّاً له هي علّة وجود الاشعّة و هي العلّة الفاعليّة لها لانّ الحقيقة المحمديّة بذلك هي اسم الفاعل فهي كالقاۤئم بالنسبة الي زيد من حيث هو فاعل القيام و هذا آية معرفة ذلك للعالِمين بكسر اللّامِ و قولي هذا اشارة الي قاۤئم و الي السراج و قولي آية معرفة ذلك اشير به الي قول اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه من عرف نفسه فقد عرف ربّه مشيراً الي قوله تعالي سَنُر۪يهم آياتنا في الٰافاق و في انفسهم فانّ الٰايات الداۤلّة علي ما ذكرتُ لك في الٰافاق كالسّراج و القاۤئم و الشمس و الكلام و الاصوات و الصدا من الصوت و الصورة في المِرءاة و غير ذلك و في الانفس معرفة النفس مجرّدة عن سبحات الجلال بلا اشارة الي التجريد فهي الٰاية الكبري فهذا مراد لي من قولي هذا بقرينة ذكري آية معرفة ذلك فافهم فيكون المعني بهم فتح اللّه ايجاد الاشياۤء و بهم يختم يعني بهم يختم علي فم القلم الاعلي فلاينطق ابداً و امّا في الوجود فهم عالم الحمد في قوله الحمد للّه ربّ العالمين فانه قد افتتح الخلق بالحمد فقال الحمد للّه الذي خلق السموات و الارض و ختمه بالحمد فقال و تري الملاۤئكة حاۤفين من حول العرش يسبّحون بحمد ربّهم و قضي بينهم بالحق و قيل الحمد للّه ربّ العالمين هذا دليل الافتتاح في الظاهر باوّلِ سورة الانعام و في الباطن باوّلِ فاتحة الكتاب ليكون اول الكتاب التكويني مدلولاً لاوّل الكتاب التّدويني و لوصفه تعالي عند الحمد بربّ العالمين لتدلّ في الافتتاح و الاختتام علي اعتبار الايجاد و التَّرْبيَة و الملك علي اختلاف احوالها و لهذا قال و قضي بينهم بالحقِّ و قيل الحمد لِلّهِ رَبِّ العالَم۪ينَ فهم عليهم السلم اوّل الخلق في الكون و البَدْءِ و آخر الخَلْق و العود ،
و ما قيل من اَنّ اوّلَ ما خلق الله العقل فهو و ان كان ظاهره العموم الّا اَنّه مخصوص بالوجود المقيّد و هم عليهم السلم كانوا في الوجود المطلق و قد دلَّتْ اخبارهم اَنّ الوجودَ المقيد من زرع حدَاۤئِقهم فانّ العقل هو القلم و قد ورد انّه اوّل غُصْنٍ من شجرة الخلدِ و قال الحسن بن عليّ العسكري عليه السلم في تاريخه قال و رُوحُ القدس في جنان الصاقورة ذاقَ من حداۤئقنا الباكورة يعني روح القدس هو المذكور المسمي بالروح من امر اللّه و بالعقل الكلي و بالقَلم و الباكورة هي اوّل الثمرة يعني انّ روح القدس اوّل مَن ذاقَ ثمرة الوجود الكوني من حداۤئِقنا التي غرسناها في ارض الجرز و الارض الميتة و اليه الاشارة بقوله تعالي حتي اذا اقلّت سحاباً ثقالاً سقناه لبلدٍ ميتٍ فانزلنا به الماۤء فاخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتي لعلّكم تذكّرون و البلد الطيّب يعني مثل قابلية العقل الكلّي يخرج نباته باذن ربّه يعني باسمه البديع و هو اكله اول ثمرة الوجود و الذي خبث كقابلية الجهل الاوّل و مظاهره و رُؤُسِه فاللّه سبحانه فتح الوجود الكوني فكانوا و لم‌يكن خلق كما مرّ فيما رواه جابر ابن عبداللّه الانصاري كما في رياض‌الجنان قال قلتُ يا رسول اللّه اوّل شي‌ءٍ خلقه اللّه تعالي ما هو فقال نور نبيّك يا جابر خلقه اللّه ثم خلق منه كلّ خيرٍ ثم اقامه بين يديه في مقام القرب ما شاۤء اللّهُ ثم جعله اقساماً فخلق العرش من قسم و الكرسي من قسم و حملة العرش و خزنة الكرسي من قسمٍ و اقام القسم الرابع في مقام الحب ما شاۤء اللّه ثم جعله اقساماً فخلق القلم من قسم و اللوح من قسمٍ و الجنّة من قسم و اقام الرابع في مقام الخوف ما شاۤء اللّه ثم جعله اجزاۤء فخلق الملاۤئكة من جزءٍ و الشمس من جزء و القمر و الكواكب من جزءٍ و اقام الرابع في مقام الرجاۤء ما شاۤء اللّه ثم جعله اجزاۤء فخلق العقل من جزء و العلم و الحلم من جزء و العصمة و التوفيق من جزء و اقام القسم الرابع في مقام الحياۤء ما شاۤء اللّه ثم نظر اليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور و قطرَتْ منه مائة الف و اربعة و عشرون الف قطرة فخلق اللّه من كلّ قطرة روح نبي و رسول ثم تنفّست ارواحُ الانبياۤء فخلق اللّه من انفاسها ارواح الاولياۤء و الشهداۤء و الصالحين انتهي ، و قد تقدّم هذا الحديث و انما اعدته تسهيلاً و قد اشتمل علي جهات كثيرة من العلوم خصوصاً فيما نحن فيه و لايمكن بيان ذلك لاستلزامه الطول لكن لا بدّ من قليل يحصل به بعض الاشارة منه انّ قوله صلي اللّه عليه و آله ما شاۤء اللّه يراد منه بيان الرتبة و هي دهر من الدهور التي ذكروها عليهم السلم انهم قبل الخلق بالف دهرٍ و قد يعبّر عنه باربعين‌الف عام او ثمانين‌الف عام او اربعة‌عشرالف عام او غير ذلك باختلاف مقامات التعبير و الخلق الذين هم قبله قد يراد منه ما في الجبروت او الملكوت او الملك او ما بينها من البرازخ في سلسلة الطول او في سلسلة العرض كما قيل في الالف‌الف عالم ان المراد منها الاجْناس او الانواع او الاصناف في العوالم الثلاثة في سلسلة الطول او سلسلة العرض او فيهما و منه انّ المراد بالقلم عقل الكل و المراد بالعقل المذكور في مقام الرجاۤء عقل النوع و قد يعبر عن الاوّل بغيب فلك محدد الجهات و عن الثاني بغيب فلك زحل و منه ان العرش مركب من اربعة انوارٍ احدها النور الابيض و هو المراد بعقل الكل فان قيل فلم ذكر العرش قبل مع ان الاجزاۤء سابقة في الوجود علي المركب و الجواب ان العرش هو الكلّ و الكل في الرتبة سابق علي الجزء باعتبار البساطة و التركيب فان الجملة كالشجرة مقدّم علي الابعاض كالاغصان في هذا اللحاظ كما في قوله صلي اللّه عليه و آله في قوله تعالي كشجرة طيبة انا الشجرة و فاطمة اصلها و علي لقاحها الخ ، و يحتمل ان المراد بالعرش هنا المشيَّة او الحقيقة المحمديّة المعبر عنها بالوجود الراجح و الماۤء الذي به حيوة كلّ شي‌ء و الدواة الاولي و ذلك كلّه قبل عقْل الكلّ كما تقدّم و منه ان كون ارواح الاولياۤء و الشهداۤء و الصالحين من تنفّس ارواح الانبياۤء ككون ارواح الانبياۤء من تنفس ارواحهم صلي اللّه عليهم اجمعين و الحاصل ان من المعلوم انهم كانوا و لم‌يكن خلق ففتح بهم الوجود و يعودون اليه تعالي حيث لايكون خلق سواهم لان كلّ مخلوق فمَدَي عودِه۪ بقدرِ مَدَي بدئه لاينقص و لايزيد فمَن كانَ مدي بدئه منذ خمس سنين مثلاً لايكون مَدي عَودِه۪ خمس سنين و يوماً و الّا لكان موجوداً قبل اوّلِ وقتِ وجوده۪ و لا فرق في جميع انحاۤء الوجود لكلِّ موجود فكما لايختلف المدي في وجود ذاته لايختلف في ادراكاته لان الادراك مساوقٌ للوجود هذا في الوجود الكوني و كذلك فتح سبحانه بهم الوجود الامكاني و ذلك لان الامكان كلّه و ان كان في الوجود الراجح في الجملة اِلّا انّ الممكنات فيه مرتّبة قد ترتّبت معلولاتها علي عللها فمنها مَن امكنه المبدع المريد جل و علا بنفسه و منها مَن امكنه بواسطة امكانِ آخر و منها بوساۤئط كما في الوجود الكوني حرفاً بحرف بل الكوني شرح الامكاني فكان امكانهم صلّي اللّه عليهم اجمعين بنفسه لم‌يتوقّف في امكانه الّا علي خلق المشية فيه و هو قوله تعالي يكاد زيتها يضيۤ‌ء و لو لم‌تمسسه نارٌ نور علي نور و امكانُ غيرهم متوقّف علي امكانِهم فبهم فتح اللّه الوجود الامكاني و بهم يختم فيعودون حيثُ لايكون خلق ثم ما ذكره الشارح المجلسي رحمه اللّه جارٍ هُنا علي بعض ما اشرنا اليه و ان لم‌يكن مُتّسِقاً لانه قابل بكم فتح اللّه الفيوض و الخيرات بقوله بكم يختم كما في الرجعة و يجوز بكم فتح اللّه الاسلام و بكم يختمه في الرجعة كما قال تعالي ليظهره علي الدين كلّه و لو كره المشركون ، فان قلتَ قولك بتساوي البدء و العود يلزم منه القِدم لانهم بل ساۤئر الخلق باقون في الجنّة و النار بلا نهاية و لا انقطاع في الٰاخريّة فاذا كان البدء مساوياً للعود لزم ان يكون البدء لا نهاية له و لا انقطاع في الاوّليّة و لايعني بالقديم الّا هذا فيلزم من القول بتساوي البدء و العود القول بقدم العالم او انقطاع النعيم و العذاب الاليم و فناۤء الجنّة و النار و اهلهما و القول باللازمين او احدهما كفر قلتُ لايلزم ذلك لانّي اقول انّ الاشياۤء مسبوقة بالعدم بمعني ان اللّه سبحانه كان و لا شي‌ء معه ثم خلق ما شاۤءَ مما تعلمون و مما لاتعلمون و لانعني بالحادث الّا ما كان بعد ان لم‌يكن و ما وجد غيره قبله و جميع ما سوي اللّه تعالي خلقه اللّه و لا ريب انه لم‌يكن في الازل لانّ الازل ليس الّا ذاته عز و جل و خارج الذات خارج الازل و ليس الا الحادث سواۤء طالت مدته ام قصرت و اذا لم‌يكن في الازل لزمه شيئانِ احدهما كونه مسبوقاً بصانعه تعالي و ثانيهما كونه مسبوقاً بالعدم اي عَدَم وجوده في الازل و امّا توهّم مَن ذهب الي انّ القول بوجود شي‌ء من الاشياۤء قبل الزمان فهو قول بقدم العالم اذ لا حادث الّا الحادث في الزمان فهو غلط لانّ الزمان مخلوق و لم‌يخلق في الزمان فيتسلسل مع الاتفاق علي انّ اوّل ما خلق اللّه العقل و لو كان في الزمان لم‌يكن اوّل مخلوقٍ بل يجب ان يكون قبل الزمان و كذا الماۤء علي قول انه اوّل ما خلقه اللّه و امّا قول قديم زماني و ذاتي فشي‌ء لا معني له صحيح و ليس في كلام اهل العصمة عليهم السلم و انما مبني كلامهم عليهم السلم علي انّ كلّ ما سوي اللّٰهِ مخلوق خَلَقَهُ اللّهُ تعالي وَ انّ اوّل ما خلقَ اللّٰهُ نور محمد صلي اللّه عليه و آله و امّا قديم زماني و حادث زماني فَاصْطِلاحٌ باطلٌ لاستلزامِهِ القول الباطل و الحقّ ما قاله اهل الحق عليهم السلم من انّ اللّه سبحانه ليس معه شي‌ء و كل ما سواه فهو محدث خلقه اللّه لا من شي‌ء و صنعه لا علي احتذاۤءِ شي‌ء بل احدث فعله بنفسه لا من شي‌ء غير نفسه حين احدثه و شقّ الماۤدّة من كينونة فعله بفعله و خلق الصورة من انفعال الماۤدة و خلق المصنوع في وقت الفعل فما كان ظرفاً للامكانات فسرمد و ما كان للممكنات فدهر و زمان فوقت الفعل علي حسب تعلّقه بالمفعول فبساطة الوقت و لطافته بسبب تعلّقه بمفعول بسيط لطيف و تركيب الوقت و غلظه و كثافته بسبب تعلّقه بمفعول مركب و غليظ و كثيف فوقت كل شي‌ء بحسبه و ما بينها من البرازخ فعلي حسب حالها فالزمان مخلوق يجري فيه حكم ما يجري في غيره فلا معني لقديم زماني او حادث زماني فان كل شي‌ء خلقه اللّه سبحانه و لم‌يك شيئاً و لا فرق بين المحقّق عند الناس و المقدّر بالنسبة الي صنع اللّه تعالي و لكن اكثر الناس لايعلمون فخذها قصيرةً من طويلةٍ تهتدِ سواۤء السبيل ،
بقي هُنا شي‌ء ينبغي الاشارة الي التنبيه عليه علي جهة الاقتصار لعَلّ اللّهَ ان يجعله سبباً لتوفيقه عبدَهُ لفهمه ان كان ممن كُتِب من اهله و هو انّا قد ذكرنا هنا ما يدل علي انّ الزمان فيه لطيف و غليظ و بسيط و مركب و هذا شي‌ء مستغرب لانه لم‌يوجد في كتاب و لم‌يسمع في جواب فاعلم انَّ الوجود الذي خلق اللّه منه كلّ شي‌ء بسيط لايكون شي‌ء من المخلوقات ابسط منه و لا الطف و ماۤدّة كل شي‌ء منه و انّما اختلفت الاشياۤء في اللطافة و الكثافة بسبب المشخّصات و الوجود و ان كان في نفسه مختلفاً في مراتبه فما كان منه مشرِقاً الطف و اشرف مما كان منه اشراقاً الّا انّه الي آخر مرتبة منه لطيف في غاية اللطافة بالنسبة الي المركّبات و هي انّما كانت غليظة و كثيفة مع انّ مادّتها الوجود اللطيف من جهة المشخّصات فالمشخّصات ان كانت لطيفة كان المركب منها لطيفاً كالعقول و الارواح و النفوس و ان كانت كثيفةً كان المركب منها كثيفاً و ان كانت مادّته التي هي من الوجود لطيفاً و المشخصات كثيرة منها الاعتقادات و الاقوال و الاعمال و الاحوال و منها الكم و الكيف و الوقت و المكان و الجهة و الرتبة و منها لوازم لها كالوضع و النسبة و الكينونة و غير ذلك فالوقت من الاصول المشخصة فالوجود المتشخّص بالسرمد الطف من المتشخّص بالدهر و هو الطف من المتشخّص بالزمان بل ما في الزمان مختلف باختلافه ففلك المحدد الطف من فلك الثوابت لان زمانه الطف من زمان فلك الثوابت و كذلك في المكان و ساۤئر المشخصات و لهذا تكون حركته اسرع لرقّة المتعلِّق و هكذا الي الارض فهي ابطأ من كل الاجسام و كلّ ما قَلَّت ارضيّته قويت حركته و اسرعت و بالعكس و هكذا و لو كان الغلظ و الرقة راجعاً الي المادة لتساوت الاجسام في القوّة و الحركة فافهم فان قلتَ ان المشخّصات من الوجود ايضاً فلم اختلفت قلتُ هي ايضاً لها مشخّصات نوعية قبل تشخيصِها لغيرها و شخصيّة مع تشخيصها للغير و لهذا اختلفت و اختلفت بها المتشخّصات بها فان قلت انّ فلك الثوابت الطف من السموات السبع فلم كانت حركته ابطأ منها و هو خلاف ما ذكرتم قلتُ هي الطفُ من السبع و لكن لكثرة كواكبها ابطأت حركتها لان الادلّة دلّت علي ان لكل كوكب فلك تدوير منها او خارج مركز و ان تقاربت حركاتها المختلفة لعلّةٍ ذكرناها في بعض اجوبتنا فلاختلاف الدائرات فيها ابطأت حركة مجموعها و لقلّة مختلفات السبع بالنسبة الي فلك الثوابت اسرعت حركاتها فافهم هذا كله في الكون الوجودي و شرعه اي بكم فتح اللّه الكونَ الوجودي في العلل و المعلولات و بكم يختم كذلكَ و بكم شرع الوجودي في العلل و المعلولات و بكم يختم كذلكَ و كذلك في الكون التشريعي و وجوده علي نحو ما مرّ من التفصيل الّا ان التكوين الوجودي ظاهر التكوين التشريعي و التشريعي باطنه و الشرع الكوني ظاهر الوجود الشرعي و الوجود الشرعي باطنه و قد اشرنا الي هذا المعني فيما سبق و في بعض رساۤئلنا علي وجه الاقتصار و امّا علي جهة كمال البيان فلم‌اكتبه لانه يقتضي بسطاً كثيراً و لم‌يحصل داعٍ موجب الي ذٰلِك و غيري لم‌يذكره لانّ هذه اشياۤء لايعرفونها و لم‌تذكر في كتب احدٍ لعدم علمهم بذلك و انّما هذه الاشياۤء مذكورة في كلام اهل العصمة عليهم السلم و عليها الف حجاب فلايعرفها الّا هم اَوْ مَن شاۤؤا بتعليمٍ خاص منهم عليهم السلم لانّ اللّه سبحانه قال و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الّا العالمون و هم عليهم السلم يعلّمونها من شاۤؤا بامرٍ خاۤصٍّ من اللّه سبحانه نعم قد يذكر بعض الحكماۤء الالهيون خصوصاً اهل العلم المكتوم قواعد اَوْ مَساۤئل تدلّ علي نوع ما اشرنا اليه فان قبلتَ منّي ما اقول فمن توفيق اللّه سبحانه و الّا فاعلم ان اللّه سبحانه بذل الحكمة و الانوار لاهلها و نشرَها في السماۤء كما نشرت الشمس نورها في السماۤء و الهواۤء و لايلقيها الا مع حصول قابليّتها من عبده كما ان نور الشمس لايظهر الّا في كثيف كمد فافهم ،
و قوله عليه السلم : و بكم يُنزّل الغيث
قد تقدم انّ الشارح المجلسي (ره‌) قال كما ورد في الاخبار الكثيرة لانّهم المقصود ( المقصودون ظ ) بالذّاتِ يُش۪يرُ الَي ما ذكرنا مِرَاراً كثيرة من انّهم العلل الاربع خصوصاً العلّة الغاۤئيّة لان الغيث من فواۤئد نزوله انّه مثل للدنيا قال تعالي انّما مثل الحيوة الدنيا كماۤء انزلناه من السماۤء فاختلط به نبات الارض فاصبح هشيماً تذروه الرياح كذلك الدنيا في نعيمها الزاۤئل و قوله فاختلط به نبات الارض يراد منه انه ينحَل منه جزءان مشاكلان في جزء من التراب مشاكل بتسخين الشمس فيكونان بعد الانحلال شيئاً واحداً غذاۤء للنبات فتمصّ منه العروق غذاۤء الاغصان و قال تعالي كماۤء و لم‌يقل كمثل ماۤء لانّ نفس الماۤء و نزوله هو مثل الدنيا لا ان مثله مثل الدنيا بل هو بنفسه مثل الدنيا و لو اريد به انّ مثله مثل الحيوة لقال كمثل ماۤءٍ كما قال في نظاۤئر هذا مثل قوله مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً و قال مثل الذين حمّلوا التورية ثم لم‌يحملوها كمثل الحمار ، و امثال هذا في القرءان و كلام الائمة عليهم السلم كثير فاذا اريد الاتّحاد لم‌يأت بمثل كما قال تعالي في تَمثيل حالِ المنافقينَ قال في تشبيه المثل بالمثل مثلهم كمثل الذي استوقَد ناراً فلمّا اضاۤءَتْ ما حوله الٰاية ، و قال في تشبيه المثل بالشي‌ء او كصيّبٍ من السماۤء فيه ظلماتٌ و رعد و برق الٰاية ، فافهم فانّ البيان يحتاج الي تطويل و انه مثل للٰاخرة قال تعالي و من آياته انك تري الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماۤء اهتزّت و ربت انّ الذي احياها لمحيي الموتي ، وَ انّه مثلٌ للدنيا و الٰاخرة قال تعالي و انزلنا من السماۤء ماۤءً مباركاً فانبتنا به جناتٍ و حبّ الحصيد و النخل باسقاتٍ لها طلع نضيد رزقاً للعباد هذا مثل للدنيا و مثل الٰاخرة وَ اَحْيَيْنا به بلدةً ميتاً كذلك الخروج فهذا من فوٰاۤئده و هم عليهم السلم الذين يعقلون الامثال المضروبة فلهم نزل الغيث و من فواۤئده رزق العباد و العباد غنمهم و الغيث ينبت عَلف غنمهم لان من سواهم انعامهم تعمل لهم ما يراد منهم من اقامة الوجود الكوني و شرعه و الكون الشرعي و وجوده قال تعالي و جعل لكم من جلود الانعام بيوتاً تستخفّونها يوم ظعنكم و يوم اقامتكم و من اصوافها و اوبارها و اشعارهَا اثاثاً و متاعاً الي حين ، و ما ورد في تفسير قوله تعالي فلينظر الانسان الي طعامه ما معناه الي علمه من اين يأخذه انّا صببنا الماۤء صبّاً اي العلم ثم شققنا الارض شقّاً و هي قلبُ الامام عليه السلم فانبتنا فيها يعني من انواع العلوم حباً من علم الولاية و عنباً من رحيق المعرفة و قضباً من علوم الاحكام و زيتوناً من اخلاق الكرم و الزهد و نخلا من لذة الايمان و محبّته يعني الولاية كما قال تعالي و لكنّ اللّه حبّب اليكم الايمان و زيّنَهُ في قلوبكم و حداۤئق غلباً من مراتب اليقين و الاستقامة و فاكهة و ابّاً من علوم الطريقة و الابّ مثل لما تعلمه العوام من الشريعة اوْ ان الفاكهة ما بطن و تحقّق من العلوم للانسان و الابّ ما ظهر منها و ظُنَّ للجاهل متاعاً لكم اي للمؤمنين العالمين العارفين و لانعامكم اي لرعيّتكم و عوامّكم فانهم انعام العلماۤء كما اشار اليه الصادق عليه السلم في كلامه لعبيد بن زرارة قال و الّذي فرّق بينكم هو راعيكم الذي استرعاه اللّه خلقه و هو اعرف بمصلحة غنمِه۪ في فساد امرِها فان شاۤء فرّق بينها لتسلم ثم يجمع بينها لتأمن الحديث ، و هذه المعاني التي اشرتُ الي ذكرها في تأويل الٰاية اخذته من معاني اَحَاديث متعددةٍ لفّقْتُ بعض معانيها و عبّرتُ عنه بما يناسب معني ما نحنُ فيه من هذا الشرح فانّه طُلِبَ منّي علي هذا النّحو لا علي النّحو الظاهرِ و بالجملة فكونهم العِلّة الغاۤئيّة في نزول الغَيْث فمعلومٌ بل في كلِّ شي‌ءٍ كما يُش۪يرُ اليه كلامه رحمه اللّه اِلّا اَنَّ ظاهر الفقرة الشريفة يدلُّ علي كونهم سبباً اوْ اَنَّ وجودهم او فعلهم او دعاۤءَهم او كون المطر مطلوباً لهم لبعض شؤنهم الكونية او الشّرعية لهم او لغنمهم آلةٌ لانزال المطر و المراد بالٰالة السبب الصوري او الماۤدّيّ و المراد بكونهم غير انهم آلة بمعني الصوري او الماۤدّيّ لان الاوّل يراد منه العلّة الفاعلية سواۤء اريد بالعلة الفاعليّة فعل الفاعل ام محلّ الفعل و ترجمانه و الحامل له و لانريد بالعلّة الفاعليّة ذات الفاعل لان ذلك غير جاۤئزٍ بل و لا واقعٍ و انما نريد بها فعله كما ذكرناه فيما سبق مكرّراً فراجع ،
و قوله عليه السلم : و بكم يمسك السماۤء ان تقع علي الارض الّا باذنه
ما اشار اليه الشارح (ره‌) من معناه من قوله مع حصول اَسْبَابه من ادِّعاۤءِ الولد و الٰالهة الباطلة الخ ، له وَجْهٌ و لكنه ناقص فالاقتصار علي خصوص ما ذكره ليس في الحقيقة بشي‌ء و ان كان في الظاهر له وجهٌ لانّ المراد انّ اللّه سبحانه يمسك بهم السماۤء لانّهم عمَدُهَا و بهم قوامُها فهي قاۤئمةٌ بهم قيامَ صُدُورٍ و قيامَ تَحقُّقٍ لانّهم امرُ اللّهِ قال تعالي و من آياته ان تقوم السماۤء و الارض بامره و في الدعاۤء و كلّ شي‌ء سواك قامَ بامرِك او لانهم محاۤلّ امرِ اللّه و قد صرّحوا بذلك في احاديثهم عليهم السلم بانهم امر اللّه الوجودي و محاۤلّ امر اللّه الفعلي فبهم امسك اللّه السموات و الارض و كل شي‌ء سواۤء قيل بان للّه ولداً او بان معه شريكاً ام لم‌يقل لانهم للاشياۤء كلّها العلل المَاۤدِّيّة و الصُّوريّة كما ذكرنا سابِقاً وَ اللّهُ سُبحانه يُمْسِكُ الشي‌ء بمادته و صورته نعم لو قال رحمه اللّه تعالي انّ من معني ذلك ان اللّه تعالي يمسك السماۤء اَن تقع علي الارض اذا حصَل لها مقتضي ذلك من دعوي الولد و الشريك لم‌يكن به بأس و كان مما يراد من ذلك اللّفظ و معني ما اشرنا اليه من انّ اللّه سبحانه بهم عليهم السلم يمسك كلّ شي‌ء سواهم من الخلق انّ كلّ شي‌ء له اصلٌ يقوم الشي‌ء به و ذلك الاصل هو صورته من امر اللّهِ يعني انّ لامر اللّه هيئاتٍ و رؤساً بعدد الخلاۤئق و هي تلك الاصول المشار اليها كما ان لكلّ جزءٍ من شعاع الشمس وجهاً من الشمس يستمدّ ذلك الجزء من ذلك الوجه و هو وجهُه الذي لايهلك و به قوامه كما اشار اليه سبحانه كل شي‌ء هالك الّا وجهه علي احد التفاسير بان الضمير في وجهه يعود الي الشي‌ء و ذلك الجزء من الشعاع خلق من ذلك الوجه من الشمس و هو وجهه منه بُدِئ و اليه يعود و بينهما مسافة لايقطعها ذلك الجزء ابداً مع شدّة سيره اليه و سرعته فهم ذلك المنير الذي فيه وجوه كلّ شي‌ء من الخلق و كل شي‌ء اقامه اللّه عز و جل بوجهه من المنير الذي هو امر اللّه صلّي اللّه عليهم اجمعين ،
و معني قوله عليه السلم الّا باذنه كما في الٰاية الشريفة فهو انّ الاشياۤء بمشيّته دون قوله مؤتمرة و بارادته دون نهيه منزجرة فلمّا شاۤء امسك بمشيّته السماۤء فلاتزال قاۤئمة حتّي يأذن لها اَنْ تقع و امساكه بامره و اذنه بامره و امرُه هو مشيّته و محاۤلّ مشيّته و حَمَلتُها و اَلْسِنَةُ ارادته و كلماتُهَا اللهم صل علي محاۤلّ مشيّتك و اَلْسِنَةِ ارادتك و خزاۤئن كرمك و مفاتح غيبِك و اسلك بنا محجّتهم و منهاجَهم و توفّنا علي ولايتهم و محبّتهم و علي البراۤءة من اعداۤئهم و اجعلنا من انصارهم علي الحق في السر و العلانية يا ارحم الراحمين ،
و قوله عليه السلم : و بكم ينفّس الهم
نفّس بتشديد الفاۤء بمعني فرّجَ و وسع يقال نفّس عنه كربته اي فرّجَها و كان في نَفَسٍ من امره و النفس محركةً هنا بمعني السعة اي في سعةٍ من امره و الهمّ الحزن او الحزن قوِيّ الهمّ و هو مما يتعلّق بالقلب قيل انواع الرذاۤئل منها نفسانيّة و منها بدنيّة و منها خارجيّة و الأَوّل بحسب القُوَي التي للانسان العقليّة و الغضبيّة و الشهويّة و الهم و الحزن يتعلّق بالعقليّة و الجبن بالغضبية و البخل بالشهويّة و العجز و الكسل بالبَدنيّةِ و الضَّلْع و الغلبة بالخارجيّة اقول مراد القايل بالعقليّة النفسانيّة اي التي في الجانب الايسر من القَلْب ان كان للدنيا و ما يرتبط بها و يكون لها و ان كان ذلك الاعتناۤء و التّوجّه للٰاخرة او لما يرتبط بها و يكون لها سواۤء في تحصيلِ محبوبٍ او تخلُّصٍ من محذورٍ ففي الجانب الايمن فلمّا كان الهمّ لايخلو من احدهما و كان مصدر الدّاعيين من القلب من جانبه الايمن او الايسر و هو يطلق علي القلب قيل يتعلق بالعقليّة و الهم و الغم قيل يطلق احدهما علي الٰاخر لانهما بمعني الحزن او الغمّ بمعني التغطية لانه يغطّي السرور و الحلم و الهمّ بمعني الاعتناۤء بالشي‌ء و توجّه النفس الي طلبه و جهة تحصيله او التخلص منه و قيل الهم لما سيكون و ينفي النوم و الغم لما كان و يجلب النوم و ربّما قيل بالعكس بان الغم لما يأتي و الهمّ لما مضي و العكس اشْهَرُ وَ اَظْهر و معني بكم يُنَفِّس الهمّ بِكم يفرّج الكرب و الضيق لان من اهتمّ لما سيقَعُ به محبوس العزيمة وَ الانبعاثِ في مطمورة هَمّه و كونُ ذلك التفريج بهم علي نحو ما مر ،
و قوله عليه السلم : و يكشف الضرّ
اي بهم يكشف الامراض و الاوجاع و سُوۤءُ الحال يعني يزيلها بهم لاجل وجودهم فيمن ابتلي بالضرّ كما قال تعالي و ماكان اللّه ليعذّبهم و انتَ فيهم اوْ لانّ من ابتلي بالضرّ انما هو بتقصيره في ولايتهم و اذا تسامح الولي و عفا عن حقّه كما قال تعالي و لقد عفا عنكم و قوله تعالي و يعفو عن كثير او انّ المبتلي تاب و رجع كما قال تعالي و انيبوا الي ربّكم و اسلموا له اي انيبوا الي اللّه سبحانه باقراركم بالولاية كلها لمن جعله اللّه سبحانه وليّاً و اسلموا له اي للولي بتسليم الامر له اوْ اسلموا للّه سبحانه بتسليم الامر لوليّ الامرِ الذي ولّاه اللّٰهُ الامر فاذا عفا صاحب الحق عن حقّه او تاب و ادّي المطلوب بالحق لولي الحق كشف اللّه تعالي الضر الذي هو اثر تقصيره في الولاية بسبب ولايتهم او لاجل اقامة ولايتهم اوْ اَنّ مقتضي انّيّة المكلّف استحقاق الضرّ و مقتضي ولاية محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و آله او مقتضي ذواتهم عليهم السلم كشف الضرّ فاذا اجتمع المقتضيان في محلٍّ واحد كان حكم الوجود و الغلبة للاقوي منهما و هو الولاية و لمّا كانت الولاية ولاية الولي المخلوق كانت غير مستقلّة بالاِحْداث بل كان ربّها و مالكها الحقّ سبحانه و تعالي هو الذي اجراها علي عبده و وليه و هو الذي خلقها سبحانه و خلق بها ما شاۤء فكان عَزّ و جل بها يكشف الضر و كذا اذا اردنا بالضمير في بكم الحقيقة ( المحمدية صلي الله عليه و آله ) حقيقةً كان تعالي بها يكشف لانها اسمه الاعظم و محلّ مشيّته و مظهر فعله و كذا اذا قلنا المراد من بكم بدعاۤئكم و غير ذلك و كيفيّة هذا الكشف في حق المكشوف به و المكشوف عنه و المكشوف يتوقّف بيانها علي تطويل و يشتمل علي بيان البيوت “٢” الّتي يتّخذها المكشوف به من المكشوف عنه ليستخرج منها مقتضياتها منها و هي المكشوف فيسكنها “٢-” المكشوف به مدة الاستخراج و تقع في المكشوف به ارادة الكاشف سبحانه و تعالي علي حسب مقتضي قوابل الجميع من المكشوف به و البيوت التي يسكُنُهَا و المكشوف عنه و المكشوف مع ما يتمّمها من قوابل الوقت و المكان و الاسباب الخارجة كالاوضاع و الاضافات و النّسب و غير ذلك ممّا يطول به الكلام و اتّخاذ هذه البيوت مما اشار اليه تعالي في تأويل قوله ان اتّخِذي من الجبال بيوتاً و من الشجر و ممّا يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً فتأويل ثم كلي من كلّ الثمرات هو معني بكم و تأويل فاسلكي سبل ربّك ذُلُلاً هو معني يكشف الضر فافهم او فاسئَلْ و تعلّم و سَلِّم تَعْلَمْ و اللّه سبحانه ولي التَوفيق .
قال عليه السلم : و عندكم ما نزلَتْ به رسله و هبطت به ملاۤئكتُه
يراد من النزول الهبوط من اعلي معنويٍّ كالانبياۤء عليهم السلم فانهم حال التلقّي للوحي في مكان عالٍ علوّاً معنوياً لايصل اليه احد من اُمَمهِم الي اسفل حسيّ و هو مقامهم في التأدية و البلاغ الي اممهم او الهبوط من اعلي معنوي و حسيّ معاً كنبيّنا محمدٍ صلّي اللّه عليه و آله فانه حال التلقّي للوحي في اعلي مقامٍ معنوي كمقامِ اوْ اَدْنَي و حسيّ فانه صلي اللّه عليه و آله تجاوَز بجسمه الشريف مقام الاجسام حتي وقف في معراجه بجسمه الشريف علي كل جسم من اجسام الدنيا جزءٍ و كلٍّ في جَرْيةٍ من جريات البراق و علي كلّ جسم من اجسام الٰاخرة في الجرية الاخري كذلك فوقف علي كلّ جسم من النّشأتين في اوّل بدئه و آخر عوده و ما بينهما و كذلك وقف بجسمه و روحه علي كل قلبٍ و روحٍ و جسمٍ ممّا سواه و سوي اهل بيته عليهم السلم في الدنيا و الٰاخرة كما ذكرنا لك و وقف بجسمه صلي اللّه عليه و آله علي اجسام اهل بيته الطاهرين صلّي اللّه عليهم اجمعين و بعقله و روحه۪ علي عقولهم و ارواحهم وَ علي عقله و روحِه۪ صلي اللّه عليه و آله كذلك اي في النّشأتيْن في جَرْيتَيْنِ الي اسفل حسّيٍّ و هو مقامه في التأدية و البلاغ الي امّته ظاهراً و معنويّ و هو مقامه في التأديةِ و البلاغ الي عقولِهم و ارواحهم و نفوسهم و طباۤيعهم و مواۤدّهم و صورهم و الي جميع الحيوانات و النّباتات و المعَادنِ و ساۤئر الجماداتِ اِمّا بنزُولِه۪ الي مرتبة كلِّ واحدٍ منها او رفع مَا يُبَلِّغُه الي مقامه في تبليغِه۪ ايّاهَا او الي اعلي معنوي كما قال تعالي نزل به الروح الامين علي قلبك ، وَ يُرَاد من الهبوط النّزول من اعلي حسِّي يلزمه المعنوي الي اسفل حسّي او من اعلي معنوي الي اسْفل معنوي كما قال تعالي قيل يا نوح اهبط بسلام منّا و بركات عليك و علي امم ممن معك فانه مقام اعلي من حاله في السفينة و ان استلزمَ الاسفل الحسّي و الي اسفل معنوي كما قال تعالي قال اهبط منها فمايكون لَكَ اَنْ تتكبّر فيها ، و الحاصل ان الفارق بينهما الاستعمال في المقامات المختلفة و الّا فهما ظاهراً بمعني واحدٍ في هذا المقام و الّا فقد يراد من النزول السكون و اللبث في المكان و المجاورة و الحلول فلايتّحدان اِلّا بتَمَحُّلٍ و لكن المقام يقتضي ارادة اتّحادهما ظاهراً او تقاربهما و علي هذا فان اعتبرنا الظاهر كان التعبير بهما في مقام كلّ منهما انّما هو لتحسين اللفظ برفع توهم التكرير و ان اعتبرنا التّأويل كان الانسب بالانبياۤء النزول لظهور النزول اذا ذكر مع الهبوط في المعنوي لعدم صعودهم عليهم السلم الصعود الحسّي و لاشرفيّته علي الهبوط و ان كان بمعناه كما ذكرنا في الفرق بين صاحب و ذو الّا اذا استلزم الحسّي كما قال في نوح عليه السلم فانه لا نقص فيه لانه جمع المعنوي و الحسّي فهو كالنزول و الانسب بالملاۤئكة عليهم السلم اذا ضمُّوا الي الانبياۤء عليهم السلم الهبوط لنقص مقامهم عن الانبياۤء و لنزولهم من الاعلي الحسّي فيلزمه الاسفل الحسّي و معني هاتين الفقرتين ظاهر و هو انّهم صلّي اللّه عليهم جامعون لجميع علوم ما كان و ما يكون فجميع ما نزل علي الانبياۤء عليهم السلم من الوحي و الكتب و ما سمعوه من الملاۤئكة و ما علموه من الجمادات و الحيوانات و جميع اِلْهَامَاتِهم من جميع ما حدّثهم به روح‌القدس و ساۤئر الملاۤئكة فهو عند محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و آله و جميع ما هبطت به الملاۤئكة مطلقاً سواۤء كانت الملاۤئكة ملاۤئكة الوحي او الالهام او التدبير للامر او زواجر السحاب او غيرهم كما اشار اليه سيد الساجدين عليه السلم في دعاۤء الصحيفة في الصلوة علي الملاۤئكة قال و حمّال الغيب الي رسلك و المؤتمنين علي وحيك ثم قال عليه السلم و الذين علي ارجاۤئها اذا نزل الامر بتمام وعدك و خُزَّانِ المطر و زواجر السحاب و الذي بصوت زجره يُسْمَعُ زَجَلُ الرعود و اذا سبّحت به حفيفة السحاب التمعت صواعق البروق و مشيّعي الثلج و البرد و الهابطين مع قطر المطر اذا نزل و القوّام علي خزاۤئن الرياح و الموكلين بالجبال فلاتزول و الذين عرّفتهم مثاقيل المياه و كيل ما تحويه لواعج الامطار و عواجلها و رسلك من الملاۤئكة الي الارض بمكروه ما ينزل من البلاۤء و محبوب الرخاۤء و السفرة الكرام البررة و الحفظة الكرام الكاتبين و ملك الموت و اعوانه و منكر و نكير و رُومان فتّان القبور و الطاۤئفين بالبيت المعمور و مالك وَ الخزَنة و رضوان و سدَنة الجنان و الذين لايعصون اللّه ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون الي غير ذلك فانّ هؤلاۤء و نظاۤئرهم من الملاۤئكة ينزلون باحكام ما وكّلوا به علي جميع الاشياۤء مثل ما اشار اليه عليه السلم و مثل قوله تعالي و اوحي ربّك الي النحل ان اتّخذي من الجبال بيوتاً الٰاية فما من ذرّة في الارض و لا في السماۤء الّا و عليها ملاۤئكة يؤدّون اليها جميع احكام خلقها و رزقها و مماتها و حياتها ممّا يتلقّونه من فوّارة القدر و كل ذلك عند الامام عليه السلم و كلّ شي‌ء احصيناه في امام مبين و هو قوله تعالي و لا رطب و لا يابس الّا في كتاب مبين ، و في احتجاج الطبرسي عن ابي‌عبداللّه عليه السلم حديث طويل فيه قال لصاحبكم اميرالمؤمنين عليه السلم قل كفي باللّه شهيداً بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب و قال اللّه عز و جلّ و لا رطب و لا يابس الّا في كتاب مبين و علم هذا الكتاب عنده ه‍ ، و لو شرحتُ بعض ما اشار اليه عليه السلم في ذكر الملاۤئكة و ما اومَي اليه مما اقامهم اللّه فيه من تدبير امور العالم لتحيّر فيه ذو اللبّ الحكيم و لوقف عنده الماهر العليم الّا من علّموه فقبل وَ اتي اللّه بقلبٍ سليم ،
و امّا بيان الفقرتين علي ما اشرنا اليه فقد مرّ مكرّراً و علي ما اتت به اخبارهم عليهم السلم فذلك كثير متواتر معني فمنه ما رواه في البصاۤئر بسنده عن ابي‌جعفر عليه السلم قال ان للّه علماً عاۤمّاً و علماً خاۤصّاً فامّا الخاص فالذي لم‌يطّلع عليه ملك مقرّب و لا نبي مرسل و امّا علمه العامّ الذي اطّلعت عليه الملاۤئكة المقربون و الانبياۤء المرسلون فقد وقع ذلك كلّه الينا الحديث ، اقول هذا مما اشرتُ اليه بقولي فما من ذرّة في الارض و لا في السماۤء الخ ، و مرادي بقولي في الارض الارض الظاهرة و الارض الباطنَة ليشمل ما في الوجود الكوني باجمعه فانه ليس في الوجود الكوني ذرّة و لا دُرَّة الّا و قد وكّل اللّه بها ملاۤئكة في جميع ما لها و عليها و اعطاهم علم جميع جهات التصرف فيما وكلوا به و كذلك الانبياۤء عليهم السلم فيما ارسلوا به الي اممهم في جميع ما يراد منهم و اخبر الباقر عليه السلم ان جميع ذلك وقع الينا و فيه بسنده عن ضريس عن ابي‌جعفر عليه السلم قال سمعته يقول انّ لِلّهِ علمين علم مبذول و علم مكفوف فاما المبذول فانه ليس من شي‌ء تعلمه الملاۤئكة و الرسل الّا و نحن نعلمه و اما المكفوف فهو الذي عنده في ام الكتاب اذا خرج نفذَ ه‍ ، اقول معني نفذ اي لا مردَّ له بخلاف العلم الاوّلي و الظاهر انّ المراد بالاوّل الذي هو المبذول هو صورة المعلوم كالصورة التي تكون في خيالك الّتي انتزعها الخيال من كون زيدٍ قاۤئماً اِمّا لانّك شاهدتَهُ قاۤئماً في آنٍ او اخبرتَ بقيامه في ذلك الٰان مثلاً فانه بعد ذلك الٰان يجوز ان يتغيّر فلو اخبرتَ بقيامه بعد ذلك الوقت و لم‌يكن زيد حاضراً عندك جاز فيه التغيّر و التبدّل و البقاۤء و اما العلم الثاني الذي هو المكفوف فهو نفسُ قيام زيد لا صورته المنتزعة الخياليّة بل هو العلم الحضوري و معني كونه مكفوفاً هو انه موجود حين هو موجود و ذلك في زمان وجوده و مكان حدوده و حيث لم‌يكن عنده سبحانه مضي و لا استقبال و لا امتداد فما يكون عندنا كان عنده ففي حال كونه مستقبلاً عندنا اذا اُخْبِرنا به حصل لنا صورته المنتزعة و هو لم‌يحصل عندنا فيجوز في الصورة التغيّر و التبدل و البقاۤء و هذا المستقبل عندنا هو عنده تعالي حاصل بنفسه في مكان حدوده و زمان وجوده حاضراً لا مستقبلاً كما عندنا فاذا خرج اي كان عندنا حاضراً بنفسه في زمان وجوده و مكان حدوده نفَذَ اي لم‌يمكن تغيّره و تبدّله يعني انه كان فلايمكن حين كان انه ماكان فهو يعلم الشي‌ء بنفس الشي‌ء لا بصورته لا غير و يعلم صورته بنفسها في الثلاث الصفحات كلّاً بما هي عليه صفحة ما لايجري في كونه البداء بعد كونه و صفحة ما يجري في كونه البداۤء و صفحة ما لايجري في كونه البداۤء بعد كونه و يجري البداۤء في بقاۤئه و ثباته و في فناۤئه و تبدّله و تغيّره فهذه الثلاث الصفحات من اللوح المحفوظ فالاولي منها جفّ فيها القلم و هو رطب في الثانية و الثالثة يجري فيهما بمشيّة اللّه سبحانه و الاولي لاتتعلّق المشيّة بشي‌ء مما فيها الّا كما هو فيها فقد ختم فيها علي فم القلم فلاينطق ابداً و ذلك لان جميع ما في المرتبة الاولي ليس في شي‌ء من الامكان الّا كما هو لا غير و فيه بسنده عن سدير قال سمعتُ حمران بن اعين يسئل اباجعفر عليه السلم عن قول اللّه تبارك و تعالي بديع السموات و الارض قال ابوجعفر عليه السلم انّ اللّه ابتدع الاشياۤء كلّها علي غير مثال كان و ابتدع السموات و الارض و لم‌يكن قبلهن سمواتٌ و لا ارضون اماتسمع لقوله تعالي و كان عرشه علي الماۤء فقال له حمران بن اعين ارأيتَ قوله عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً فقال له ابوجعفر عليه السلم الّا من ارتضي من رسول فانه يسلك من بين يديه و من خلفه رصداً و كان واللّهِ محمد صلي اللّه عليه و آله ممّن ارتضاه و اما قوله عالم الغيب فان اللّه تبارك و تعالي عالم بما غاب عن خلقه بما يقدّر من شي‌ء يقضيه في علمه فذلك يا حمران علم موقوف عنده اليه من المشيّة فيقضيه اذا اراد و يبدو له فيه فلايمضيه فامّا العلم الذي يقدّره اللّه و يقضيه و يمضيه فهو العلم الذي انتهي الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ثم الينا و منه بسنده الي ابي‌بصير عن ابي‌عبداللّه عليه السلم قال انّ للّهِ علمين علم لايعلمه الّا هو و علم علّمه ملاۤئكته و رسله فما علّمه ملاۤئكته و رسله فنحن نعلمه و فيه بسنده الي ابراهيم بن عبدالحميد عن ابيه عن ابي‌الحسن الاول عليه السلم قال قلتُ جعلتُ فداك النبي صلي اللّه عليه و آله ورثَ علم النبيّين كلهم قال لي نعم قلتُ من لدن آدم الي ان انتهي الي نفسه قال نعم قلتُ وَرِثهم النبوّة و ما كان في آباۤئهم من النبوّة و العلم قال مابعث اللّه نبيّاً الّا و قد كان محمد صلي اللّه عليه و آله اعلمَ منه قال قلتُ ان عيسي بن مريم كان يحيي الموتي باذن اللّه تعالي قال صدقتَ و سليمن بن داود كان يفهم كلام الطير قال و كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقدر علي هذه المنازل فقال ان سليمن بن داود عليه السلم قال للهدهد حين فقده و شكّ في امره ما لي لااري الهدهد ام كان من الغاۤئبين و كانت المردة و الريح و النمل و الجن و الانس و الشياطين له طاۤئعين و غضب عليه فقال لاعذّبنّه عذاباً شديداً او لاذبحنّه او ليأتينّي بسلطان مبين و انما غضب عليه لانه كان يدله علي الماۤء فهذا و هو طير قد اعطي ما لم‌يعط سليمن و انما اراده ليدلّه علي الماۤء فهذا لم‌يعط سليمن و كانت المردة له طاۤئعين و لم‌يعرف الماۤء تحت الهواۤء و كانت الطّير تعرّفه ان اللّه عز و جل يقول في كتابه و لو ان قرءاناً سيّرت به الجبال او قطّعت به الارض او كلّم به الموتي فقد ورثنا نحن هذا القرءان فعندنا ما نسيّر به الجبال و نقطع به البلدان و نحيي به الموتي باذن اللّه عز و جل و نحن نعرف ما تحت الهواۤء و ان كان في كتاب اللّه لٰاياتٍ مايراد بها امر من الامور التي اعطاها اللّه الماضين و المرسلين الّا و قد جعل اللّه عز و جل ذلك كله لنا في ام الكتاب ان اللّه تبارك و تعالي يقول و ما من غاۤئبة في السماۤء و الارض الّا في كتاب مبين الحديث ، و بالجملة ما ورد عنهم عليهم السلم مما هو صريح في ان جميع ما وصل الي الملاۤئكة و الانبياۤء و المرسلين بل و جميع الخلق من العلوم بكل نوع فهو عندهم كثير لايكاد يمكن حصره فعلي ما سمعتَ ممّا ذكرنا من الاحاديث قد يتوهّم انّ جميع ما عندهم هو جميع ما عند الملاۤئكة و الرسل و الانبياۤء فهم مساوون لهم و ليس كذلك و انّما ذلك انّ الانبياۤء و المرسلين و الملاۤئكة منذ خلقوا و كلّفوا بما يراد منهم من تدبير انفسهم و تدبير مَن دونهم مما وُكِّلوا به و ان اللّه سبحانه بعظيم فضله و جزيل منِّه۪ و لطيف صنعه و سابغ احسانه انهي اليهم علم ذلك كله و ما يتوقف ما يراد منهم عليه من علم و عمل و قد انتهي ذلك كله الي محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و عليهم و كان اللّه سبحانه قد خلق محمداً و آلَه صلي اللّه عليه و آله قبل خلق اولٰۤئك كلهم بالف دهر فبقوا في حجب الغيوب يسبّحون اللّه و يحمدونه و يهللونه و يكبّرونه يطوفون حول حجب الاسرار قاۤئمين باحكام الاقدار و لم‌يكن خلق معهم لا ارض و لا سماۤء و لا هواۤء و لا ماۤء و لا انس و لا جاۤنّ و قد اعطاهم اللّه الجواد المتفضّل من علوم تلك المقامات و المراتب ما انتظم به ذلك الوجود و لذلك عرف بٰاياته المعبود سبحانه كما اشار اليه اميرالمؤمنين عليه السلم في خطبته حيث قال لم‌تكن الدعاۤئم من اطراف الاكناف و لا مِن اعمدة فساط۪يطِ السجاف الّا علي كواهل انوارنا و نحن العمل و محبّتنا الثواب و ولايتنا فصل الخطاب و نحن حجبة الحجاب ( حجة الحجاب خ ) الخ ، و جميع ما وصل الي الملاۤئكة و الانبياۤء و المرسلين و من دونهم من الخلاۤئق من العلوم في العلوم التي وصلت اليهم من اللّه سبحانه و خصّهم بها و لم‌يطلع عليها احداً غيرهم كالقطرة في البحر الخضمّ الّذي لا ساحل له و يؤيده ما في كتاب المختصر للحسن بن سليمن بسنده قال وجد في ذخيرة احد حواري عيسي عليه السلم رق مكتوب بالقلم السرياني منقولاً من التورية و ذلك لما تشاجر موسي و الخضر عليهما السلم في قصّة السفينة و الغلام و الجدار و رجع موسي الي قومه سأله هرون عما استعلمه من الخضر و شاهده من عجاۤئب البحر قال بينما انا و الخضر علي شاطئ البحر اذ سقط بين ايدينا طاۤئر اخذ بمنقاره قطرة من ماۤء البحر و رمي بها نحو المشرق ثم اخذ ثانية و رمي بها نحو المغرب ثم اخذ ثالثة و رمي بها نحو السماۤء ثم اخذ رابعة و رمي بها نحو الارض ثم اخذ خامسة و القيٰها في البحر فبهتَ الخضر و انا قال موسي (ع‌) فسألتُ الخضر عن ذلك فلم‌يجب و اذا نحن بصيّادٍ يصطاد فنظر الينا و قال ما لي اراكما في فكر و تعجُّبٍ فقلنا في امر الطاۤئر فقال انا رجل صيّادٌ و عرفتُ اشارته و انتما نبيان لاتعلمان قلنا لانعلم الّا ما علّمنا اللّه عز و جل قال هذا طاۤئر في البحر يسمّي مسلم لانه اذا صاح يقول في صياحه مسلم و اَشار بذلك الي انه يأتي في آخر الزمان نبيّ يكون علم اهل المشرق و المغرب و اهل السماۤء و الارض عند علمه مثل هذه القطرة الملقاة في البحر و يرثُ علمه ابنُ عمِه و وصيّه فسكن ما كنّا فيه من المشاجرة و استقلّ كلُّ واحدٍ منا علمه بعد ان كنّا معجبين و مشينا ثم غاب الصيّاد عنا فعلمنا انه ملك بعثه اللّه عز و جل الينا يعرّفُنا بنقصِنا حَيث ادّعينا الكمال ه‍ ، و في بصاۤئرالدرجات باسناده الي ابي‌جعفر (ع‌) قال لما لقي موسي (ع‌) العالم كلّمه و ساۤئَله نظر الي خطّافٍ يصفر يرتفع في السماۤء و يتسفّل في البحر فقال العالم لموسي اتدري ما يقول هذا الخطّاف قال و ما يقول قال يقول و رب السماۤء و ربّ الارض ما علمكما في علم ربكما الّا مثل ما اخذت بمنقاري من هذا البحر قال فقال ابوجعفر عليه السلم اما لو كنتُ عندهما لسألتهما عن مسألةٍ لايكون عندهما فيها علم ه‍ ، و فيه عن ابي‌عبداللّه (ع‌) و هو في الحجر فقال و ربِّ هذه البنية و ربِّ هذه الكعبة ثلاث مرات لو كنتُ بين موسي و الخضر لاخبرتهما اني اعلم منهما و لانبأتهما بما ليس في ايديهما ه‍ ، و في بعض روايات الحديث الاول و اخذ قطرة فرمي بها نحو الشمال و اخري نحو الجنوب او كما قال او كمعناه و كلامهم عليهم السلم و ادعيتهم و خطبهم و احاديثهم صريحة في هذا المعني و انّما قال عليه السلم و عندكم ما نزلت به رسله و هبطت به ملاۤئكته علي ما هو الشأن الاعلي عند العواۤمّ .
قال عليه السلم : و الي جدّكم بُعِثَ الرُّوحُ الامينُ
و ان كانت الزّيارة لاميرالمؤمنين عليه السلم فقل :
و الي اخيك بُعِثَ الرُّوح الامين
اقول المراد بالروح الامين جبرئل عليه السلم من قوله تعالي نزل به الرّوح الامين علي قلبك لتكون من المنذرين ، و قال علي بن الحسين عليهما السلم في دعاۤئه لحملة العرش و الملاۤئكة المقربين من الصحيفة و جبريل الامينُ علي وحيك المُطَاعُ في اهل سمواتك اشارة الي قوله تعالي انّه لقولُ رسولٍ كريم ذي قوّة عند ذي العرش مكينٍ مطاعٍ ثَمَّ امين ، امّا انّه الرُّوحُ فلأنّه مجرّدٌ عن الماۤدّة العنصريّة و المدّة الزمانيّة و ليس المراد بالمجرّد المتّصف بالغني المطلق المستغني عن كل شي‌ء حتّي انه لايحتاج في تَقَوُّمِه۪ الي ماۤدّةٍ و لا صورةٍ و لا وقتٍ كما توهمه بعض فقال مَن قال بالتجرّد في شي‌ء من الخلق فهو كافر كما ذكره صاحب البحار و غيره و انكروا هذا المعني بالكليّة و ادّعوا انه لم‌يرد في اخبار اهل العصمة عليهم السلم ما يوهم ذلك فضلاً عمّا يدلّ عليه و ليس الامر كما توهموا و لا كما ادّعوا و لا كما انكروا من ورود شي‌ء في ذلك بل الحق كما بيّنّاه سابقاً و هو انّ مُراد القاۤئلين بالتجرّد انّ المجرّد كالعقول و النفوس و الارواح و الملاۤئكة الموكّلين بما هنالك يراد منه انّه مجرّد عن العناصر الاربعة و الزمان لا انه ليس له ماۤدّة بل له ماۤدّةٌ نورانيّة من نوع ما نسب اليه فان كان ما نسب اليه عقلاً فعَقلانية و ان كان روحاً فروحانيّة و ان كان نفساً فنفسانيّة و ان كان طبيعة فطبيعية او ماۤدّةً مجرّدة اي هيولي فهيولانية او شبحاً فمثاليّة و له وقتٌ و هو الدّهر الذي هو وعاۤء مجرّدات كيف يكون مخلوق و لا ماۤدّة له بل لا بد له من ماۤدّة الّا ان من المخلوقات مَا خلق من ماۤدّة مخترعة لم‌تكن قبله شيئاً و منها ما خلق ماۤدّته من ذي الماۤدّة المخترعة هذا في الجواهر و امّا في الاعراض فكذلك الّا انّ ماۤدّة كلّ شي‌ء بحسبه فمادة الجوهر امّا مادّة جوهريّة مخترعة جلّ البديع و تعالي علواً كبيراً و امّا ماۤدّة عرضيّة خلقت من هيئة معروضها فانّ العرض خلق من هيئة الجوهر التي هي ماهيّته و قابليّته وَ ماهيّته و قابليّته هي انفعال الماۤدة عند فعل الفاعل فلايكون شي‌ء الّا و له ماۤدة و صورة و وقت و مكان الّا الواحد الحق تعالي فان وقته ذاته و ماۤدّته عين ذاته و عين صورته اي كينونته و مكانه عين ذاته فلا مكانَ له و لا وقت و لا ماۤدّة و لا صورة بكل اعتبارٍ فلا مغايرة فيه و لا كثرة لا في الفرض و لا في الاعتبار و لا في التقدير لان كل هذه من الممكنات و لا امكان فيه تعالي اذ لايجري عليه ما هو اجراه فاذا قلنا ان النفوس و العقول و الملاۤئكة مجردات فنريد هذا المعني و لهذا نحنُ نعتقد ان النفس مجردة و انّها جسمٌ لطيف و كذلك جميع الملاۤئكة نعم لنا عبارات نستعملها في محلّها لا في غيرها الملاۤئكة العقلانية و العقول جواهر مجرّدة و الملاۤئكة النفسانية وَ النفوس اجسام لطيفة و الكلّ عندنا مجرّد يعني عن المدة الزمانية و الماۤدّة العنصريّة لا مطلقاً و قولهم انّ التجرد المدّعَي لغير اللّه تعالي لم‌يوجد في الاخبار غفلة عن الاخبار كيف و قد ذكرنا سابقاً معني ذلك في رواية كميل عن علي عليه السلم حين سأله الاعرابي فقال و ما النفس اللاهوتية الملكوتيّة فقال قوّة لاهوتيّة و جوهرة بسيطة حيّةٌ بالذاتِ اصلها العقل منه بدئت و عنه وعت و اليه دلّت و اشارَتْ و عودُها اليه اذا كملت و شابهته و منها بُدِئت الموجودات و اليها تعود الحديث ، فقوله قوة لاهوتيّة الخ صريح في التجرّد بل اعظم ممّا نريد من التجرّد و كذا ما رواه صاحب الغرر و الدرر من قول علي عليه السلم و قد سئل عن العالم العلوي فقال (ع‌) صور عارية عن الموادّ عالية عن القوّة و الاستعداد تجلّي لها فاشرقت و طالعها فتلألأَتْ وَ اَلْقَي في هُوِيّتها مثاله فاظهر عنها افعاله الحديث ، و هذا اصرح من الاول في ما ندّعيه و قد تقدم و غير ذلك فانكاره ليس بصحيح و قوله الامين يعني به الامين علي وحي اللّه في جميع ما اوحي اليه بان يُؤَدّيه الي الانبياۤء و الرسل و في الافاعيل التي وُكِّلَ بها و ما يترتب عليها من الاحكام ممّا في حيطة التسعين الاسم من الاسماۤء المتعلقة بربع الوجود و هو ركن الايجاد في العوالم الثلاثة ثلاثون اسماً لعالم الجبروت في جميع ما يتعلق بايجاد العقول و ثلاثُون اسماً لعالم الملكوت في جميع ما يتعلق بايجاد النفوس و اما الارواح فبرزخ بين العقول و النفوس و ثلاثون اسماً لعالم الملك في جميع ما يتعلق بعالمِ الملك و امّا ان جبرئل عليه السلم مطاعٌ ثَمَّ فما قاله زين‌العابدين عليه السلم المطاعُ في اهل سمواتك و انّما كان مُطَاعاً في ملاۤئكة السموات لانَّهُ صاحِبُ الايجاد و صاحِبُ الوحي و التبليغ الي الرسلِ و غيرهم و امينُ اللّهِ علي وَحْيه فامرُه فيهم من وحي اللّهِ و فعلِ اللّه فلو لم‌يمتثلوا امرَهُ استحقّوا العقوبة من اللّه تعالي و في حديث العيون في المعراج عنه صلي اللّه عليه و آله حين وصل الي خازن النار مالك في سماۤء الدنيا لايقضي عليهم فيموتوا و لايخفف عنهم من عذابها قال صلي اللّه عليه و آله فقلتُ لجبريل و جبرئل بالمكان الذي وصفه اللّه مطاع ثَمّ امين الاتأمره اَنْ يُرِيَني النّارَ فقال له جبريل يا مالك اَرِ محمّداً النار فكشفَ عنها غطاۤءً و فتح باباً منها فخرج منها لهب ساطع في السماۤء و فارَتْ و ارتفعت حتي ظننتُ لتتناوَلُني مما رأيتُ فقلتُ يا جبريل قل له فليردّ عليها غِطَاۤءها و فيه ثم صعدنا الي السماۤء الرابعة الي ان قال ثم رأيتُ ملكاً جالساً علي سرير تحت يدَيْه سبعون‌الف ملك تحتَ كل ملك سبعون‌الفَ مَلَكٍ فوقع في نفس رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه هو فصاح به جبرئل عليه السلم فقال قم فهو قاۤئم الي يوم القيمة الحديث ، فانظر كيف تمتثل الملاۤئكة امر جبريل عليه السلم لأنه مطاع فيهم لكونه القاۤئم بركن الايجاد بالتسعين الاسم كما ذكرنا سابقاً و صاحب الوحي و التبليغ و صاحب الكسوف و الخسوف و الزّلازل و الصيحات و الصواعق و امّا قوله فوقع في نفس رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انّه هو فالظاهر و اللّه سبحانه اعلم ان المراد انّه وقع في نفسه انّه روح القدس لما رأي من جلالته و كثرة جنوده فاَبانَ له جبريل عليه السلم انه خادمٌ يمتثل امر جبريل عليه السلم الذي هو خادم للروح فامره بالقيام المشعر بالخدمة و قول زين‌العابدين عليه السلم المكين لديك المقرّب عندك اشَارَ به الي قوله تعالي ذي قوّةٍ عند ذي العرش مكينٍ و انّما خصّ كونه مكيناً عند ذي العرش دون ساۤئر الصفات لأنّ العرش هو المظهر الجامع للرحمة الواسعة و كان العرش ينقسم الي اربعة اركانٍ ركن احمر احمرّت منه الحمرة و فيه مائة و خمسون‌الف ركن يحمل كل ركن منها ستّمائة‌الف ملك و مائة و خمسون ملكاً و هذا ركن الخلق من قوله تعالي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم و منهم المتلقّي عنه و القاۤئم بجهات هذه الملاۤئكة الحاملين له جبريل عليه السلم و يعينه اسرافيل بنصف قوّته و عزراۤئيل بنصف قوّته و ركن اخضر اخضرّت منه الخضرة و فيه مائة و خمسون الف ركن يحمل كل ركن منها ستّمائة‌الف ملك و مائة و خمسون ملكاً و هذا ركنُ الممات و منهم المتلقّي عنه و القاۤئم بجهات هذه الملاۤئكة الحاملين له عزراۤئيل عليه السلم و يعينه جبرئل بنصف قوّته و ميكاۤئيل بنصف قوّته و ركن اصفر اصفرّت منه الصفرة و فيه مائة و خمسون الف ركن يحمل كل ركنٍ ستّمائة‌الف ملك و مائة و خمسون ملكاً و هذا ركن الحيوة و منهم المتلقي عنه و القاۤئم بجهات هذه الملاۤئكة الحاملين له اسرافيل عليه السلم و يعينه جبريل بنصف قوته و ميكاۤئل بنصف قوته و ركن ابيض منه البياض و منه ضوء النهار و فيه مائة و خمسون الف ركن يحمل كلّ ركن منها ستمائة‌الف ملكٍ و مائة و خمسون ملكاً و هذا ركن الرزق و منهم المتلقي عنه و القاۤئم بجهات هذه الملاۤئكة الحاملين له ميكاۤئيل عليه السلم و يعينه اسرافيل بنصف قوته و عزراۤئيل بنصف قوته و كلّ واحد من هؤلاۤء الملاۤئكة الاربعة الحاملين للعرش يعني المتلقّين عن اركانه يحمل ما حُمِّل منه بثلاثة احرف من الاسم الاعظم و هي بسم اللّه الرحمن الرحيم و لا حول و لا قوة الّا باللّهِ العلي العظيم و صلّي اللّه علي محمّد و آله الطيّبين و معني قولي في كلّ واحدٍ يتلقي عن ركنٍ ان المراد بالاركان اربعة ملاۤئكة و هو ( و هم ظ ) العالون الذين لم‌يسجدوا لٰادم لانّ السجود انّما هو لاجل ظهور انوارهم في صلب آدم عليه السلم و هو الروح من امر اللّه و يطلق علي ملكين احدهما الابيض و هو المعبّر عنه بالقلم و بالعقل الكلي و هو عقل محمد صلّي اللّه عليه و آله و ثانيهما الاصفر و هو المعبر عنه بالروح في قوله صلي اللّه عليه و آله اوّل ما خلق اللّه روحي و اشار علي بن الحسين عليهما السلم اليهما معاً بقوله و الروح الّذي هو من امرك فانه يطلق عليهما فاشار بهذا الي ركنين و اشار الي الركنين الٰاخرين بقوله و الروح الّذي هو علي ملاۤئكة الحجب فانه يطلق علي الاخضر و الاحمر و المراد بملاۤئكة الحجب الكروبيّون و هم شيعة علي و اهل بيته عليهم السلم من الخلق الاوّل اي من عالم الغيب جعلهم اللّه خلف العرش و هذه الاربعة هم اركان العرش و هم الانوار الاربعة و يعبّر عن الاخضر باللوح و قد اشار الصادق عليه السلم كما رواه في المعاني في معني نون و القلم و ما يسطرون قال (ع‌) و اما نون فهو نهر في الجنّة قال اللّه عز و جل اجمد فجمَد فصار مداداً ثم قال عز و جل للقلم اكتب فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان و ما هو كاۤئن الي يوم القيمة فالمداد من نور و القلم قلم من نور و اللوح لوح من نور قال سفْيٰنُ فقلتُ له يا ابنَ رسول اللّه (ص‌) تبيّن لي امر اللوح و القلم و المداد فضلَ بيان و علّمني مما علّمك اللّه فقال يا ابن سعيد لولا انك اهل للجواب مااجبتُك فنون ملكٌ يؤدّي الي القلم و هو ملكٌ و القلم يؤدّي الي اللوح و هو ملكٌ و اللوح يؤدّي الَي اِسْرَافيل و اسرافيلُ يؤَدّي الي ميكاۤئيلَ و ميكاۤئيلُ يؤدّي الي جبرئل و جبرئل يؤدّي الي الانبياۤء و الرسل ثم قال (ع‌) لي قم يا سِفْيٰنُ فَلَاٰامَنُ عليك ه‍ ،
و الحاصل الاربعة الملاۤئكة المذكورة المشار اليها هي الانوار الاربعة التي هي اركان العرش في حديث عليّ بن الحسين عليه السلم و اسرافيل و ميكاۤئل و جبرئل و عزراۤئيل هم حملة العرش يعني المتلقّ۪ين عن الاربعة الاُوَل الّذين هم العالُون و روي في البحار من الاختصاص عن ابن‌عباس في حديث طويل في مساۤئل عبداللّه بن سلام فاخبرني عن جبريل في زيّ الاناث ام في زيّ الذكور قال صلي اللّه عليه و آله في زيّ الذكور ليس في زيّ الاناث قال فاخبرني ما طعامه قال طعامه التسبيح و شرابه التهليل قال صدقت يا محمّد قال فاخبرني ما طول جبريل قال انه علي قدرٍ بين الملاۤئكة ليس بالطويل العالي و لا بالقصير المتداني له ثمانون ذوابة و قُصّةٌ جعْدَةٌ و هلالٌ بين عينيه اغرّ ادعج محجّل ضوءه ما بين الملاۤئكة كضوء النهار عند ظلمة الليل له اربع و عشرون جناحاً خضراۤء مشبّكةً بالدُّرِّ و الياقوتِ مختّمة باللؤلؤ و عليه وشاحٌ بطانته الرحمة ازرارُه الكرامة ظِهارتُه الوقار ريشُه الزعفران واضح الجَبين اقني الانف ساۤئل الخدَّيْن مدوّر الجَبين حَسن القامة لايأكل و لايشرب و لايملّ و لايسهو قاۤئم بوحي اللّهِ الي يوم القيمة قال صدقتَ يا محمّد و الحديثُ طويل اقول و روي انّ له ستّمائة جناح كل جناح ما بين المشرق و المغرب و روي انه ينغمس كل يوم في عين الحيوان فينتفِض فيخلق اللّه عز و جل من كل قطرة ملكاً من ذهب فتطير تلك الملاۤئكة و تقع علي سدرة المنتهي فتكون صفراۤء و هو قوله تعالي اذ يغشي السدرة ما يغشي ، و لعل الجمع بينهما ان المراد بكل جناح من الاربع و عشرين جناح نَوْعيّةٌ هي خمسة و عشرون جناحاً شخْصِيّةً و اللّه اعلم و الروح الامين بقرينة بعث الظاهر ان المراد منه جبرئل عليه السلم و بكون المراد منه في الٰاية ايّاه و الّا فيحتمل ان يكون هو الروح الّذي هو من العالين لانه لم‌ينزل قبل محمد صلي اللّه عليه و آله الي اَحدٍ قطّ و منذ نزل لم‌يصعد قطّ و يكونُ الثناۤء ببعثِه الي جدهم ابلغ بخلاف جبرئل عليه السلم فانه نزل علي جميع الانبياۤء وَ الرسل عليهم السلم و يصعد و ينزل فان قلتَ انّ قول الزاۤئر انما هو في مقام الثناۤء عليهم عليهم السلم لا في مقام الثناۤء علي جدِّهم صلّي اللّه عليه و آله فذكر الثناۤء علي جدّهم صلي اللّه عليه و آله امّا لانه لاينزل الروح الامين اليهم و هذا مخالف لما دلّت عليه الاحاديث المتكثرة من انه ينزل اليهم و يخدمهم و انّما انكسرت الملاۤئكة عنه حين فاخَرُوه لانّه افتخر بخدمتهم و هذا معلوم و كثيراً ما ينزل في حجراتهم و يطأ فُرشهم مع الملاۤئكة الكروبيّين و امّا انه ينزل و لكن لا فخر لهم في نزوله عليهم و انّما الفخر في نزوله علي جدهم و يلزم انهم افضل من جدّهم صلي اللّه عليه و آله و لا شك انهم انّما شُرِّفوا بجدّهم صلي اللّه عليه و آله قلتُ انّ قول الزاۤئر انّما هو في مقام الثناۤء عليهم بنزول الروح الامين علي جدّهم صلي اللّه عليه و آله و ان كان ينزل اليهم و لكنه انّما ينزل اليهم للخدمة اوْ لبيان ما ابهم فيما انزل علي جدّهم صلي اللّه عليه و آله او وُقِّتَ اوْ شرط او حان وقته و كلّها تفريع و بيان لما نزل علي جدّهم و لم‌ينزل عليهم بوحيٍ مؤسِّسٍ لان الوحي قد انقطع بموت محمّد صلي اللّه عليه و آله و لهذا قال جبرئل عليه السلم حين حضرت جدّهم صلي اللّه عليه و آله الوفاة هذا آخِرُ نزولي الي الدنيا فالٰان اصعَدُ و لاانزل ابداً يعني لاانزل بوحي مؤسّسٍ لان ذلك انقطع بموت خاتم النبوّة صلّي اللّه عليه و آله و ان كان ينزل ببيانِ مبهم و حضور مؤجّل و حتم مشروط و غير ذلك و من ثَم قال و الي جدّكم بُعِثَ الروح الامين و لم‌يقل نزل و ان كان يستعمل في المعني المراد من بعث الّا انّ ذكر بعث قرينَة الوحي المؤسِّس مأخوذ من بعث بمعني ارسل الظاهر في الرسالة و النبوّة لان اصله من بعث مَن ماتَ لان النبوّة و الرسالة تحيي ميِّتَ القلوبِ و الدّين و نزول الملك بالوحي المؤسّس افضل من نزوله بالوحي المبيّن لان هذا تابع و لم‌ينزل بالمؤسّس الّا علي جدّهم محمد صلّي اللّه عليه و آله و هو فخرهم و شرفهُمْ و به شرِّفوا فصحّ قصدُ الثّناۤء عليهم بما هو ثناۤء علي جدّهم صلّي اللّه عليه و آله فان قلتَ انّما يصحّ الثناۤء علي جدّهم صلي اللّه عليه و آله اذا كان جبريلُ افضلَ منه ليكون بعثه اليه شرفاً في حقّه و امّا علي العكس فلايكون ثناۤءً قلتُ انّما كانَ الثناۤء ببعث جبريلَ لكونه بَعْثاً بالوحي و القرءان لا من جهة خصوص بعث جبرئل عليه السلم و قد قال تعالي و كذلك اوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنتَ تدري ما الكتاب و لا الايمان و لكن جعلناه نوراً نهدي به مَن نشاۤء من عبادنا الٰاية و قال تعالي في القرءان و انه لذكر لكَ و لقومِك اي و انّه لشَرفٌ لك فان قلتَ تفصَّيْتَ من اشكالٍ و وقعتَ في مثله و اشكل فانّ المعروف ان محمّداً و آله صلي اللّه عليه و آله افضل من جميع ما خلق اللّه فان جعلتَ القرءان قديماً كما هو مذهب الاشاعرة فلا اشكال و لكنه مخالف لما عليه الفرقة المحقّة و دلّ عليه الدليل القطعي العقلي و النقلي علي حدوثه و اذا قلنا بحدوثه كان صلّي اللّه عليه و آله افضل من القُرءان و كذلك آله عليهم السلم و يعود الاشكال قلتُ قد دلّ الدليل العقلي و النقلي علي ان محمّداً و آله صلي اللّه عليه و آله افضل من القرءان مثل انا كتاب اللّه الناطق و هذا كتاب اللّه الصامت و مثل قولهم عليهم السلم علي اختلاف عباراتهم في هذا المعني و هو اجعلوا لنا ربّاً نؤبُ اليه و قولوا فينا ما شِئتم و لَنْ‌تبلغوا الحديث ، و قولنا انّهم افضل من القرءان لاينافي كونهم مربوبين و انّ لهم ربّاً يؤبُونَ اليه في كل شي‌ء و امّا كون القرءان الثقَل الاكبر و هم الثقل الاصغر فالمراد ان القرءان هو عقلهم و قرين عقلهم و ذلك في قوله تعالي و كذلك اوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنتَ تدري ما الكتاب و لا الايمان و لكن جعلناه نوراً الٰاية ، فان المراد بالروح من امر اللّه هو العقل الكلّي المذكور سابقاً و هو عقله صلي اللّه عليه و آله في قوله (ص‌) اوّل ما خلق اللّهُ العقل و قول الصادق عليه السلم و هو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش و قوله صلي اللّه عليه و آله اول ما خلق اللّه القلم اول ما خلق اللّه نوري اوّل ما خلق اللّه روحي اوّل ما خلق اللّه عقلي اوّل ما خلق اللّه نور نبيك يا جابر اوّل ما خلق اللّه الماۤء علي اختلاف الروايات من الفريقين و اتفاقهم علي ان المراد بها شي‌ء واحد و ضمير جعلناه نوراً يعود الي القرءان و لم‌يتقدم له ذكر و انّما ذكر الروح من امرنا و هو الملك و الاشارة الي بيان المقام علي جهة الاقتصار ان القلم و العقل و ما اشبهه من المذكورات يراد منها عقله صلي اللّه عليه و آله و العقل هو وجْهُ الفؤاد و الوجود و الحقيقة و الذات و العقل وزيره ايضاً و هو مِرءٰاةُ الحقيقة اليمني و وجهها و هذه الحقيقة المحمديّة هي محل المشيّة و زيتها و بعد تعلّق نار المشيّة بالزيت وجد السراج و المصباح و هو هذا العقل و لا ريبَ ان الحقيقة اشرف من العقل و لمّا اوجدَ اللّه سبحانه ذلك المصباح من نور تلك الحقيقة المحمدية التي هي الشجرة المباركة التي اعتُصِرَ منها الزيت و اخرج منها النار افترق ذلك المخلوق منها الذي هو المصباح الي لفظٍ و معني متساوقين احدهما مبني علي صاحبه فالمعني عقلهم و اللفظ قرءانهم فعقلهم قرءان و قرءانهم عقل فلمّا تنزّل الي عالم الشهادة كان الامام شريك القرءان فان قسمتَ هذا الحجةَ الظاهرة الي عقل و جسمٍ كان العقل الذي هو القرءان كما اتّحدا في الٰاية المتقدّمة فانهم الثقل الاكبر و الجسم الحامل للقرءان الثقل الاصغر فالعقل اكبر من الجسم و افضل و العاقل اكبر من العقل و افضل فمن حيث ان القرءان عقلهم و قسيم عقلهم و ان جميع علومهم مستندة اليه و ان هذا هو المعروف بين عامة المكلّفين و المخاطبين و انّهم لو قيل علمهم من غير القرءان مثلاً لانكرهم الرعيّة و كذّبوهم و اتّهموهم و لَماركنوا الي قولهم و لااطمئنّوا بالائتمام بهم و الاخذ عنهم فمن حيث ذلك كله و ما اشبهه حسن ان يقال هو الثقل الاكبر مع انه بالنسبة الي اجسامهم عند الانقسام كذلك و من حيث انهم الكتاب الناطق و العاقلون فهم مجموع القسمين اكبر و افضل مع انّ الحقيقة الجامعة للكل حقيقتهم و انّ العقل و القرءان نور تلك الحقيقة و صفتها و فرعها فهم افضل و اكبر و لكن لمّا كان ما اخبروا به من العلوم و ما اضمروا مستنداً الي القرءان و الي الوحي صحّ كون نسبته اليهم ثناۤء عليهم و فخراً لهم و لا منافاة كما ان الشخص جميع ما عنده من العلوم تنسب الي عقله و منه صدرت و يصح الثناۤء عليه بها بل يصح الفخر و الثناۤء للمرء بعبيده و خيله و اعماله و افعاله و هو اكبر و افضل منها و تمدح الشجرة و يبدو حسنها بورقها الذي يستمدّ منها و يفتقر اليها و قد اشار صلي اللّه عليه و آله الي ذلك بقوله تناكحوا تناسلوا فاني مُباهٍ بكم الامم الماضية و القرون السالفة يوم القيمة و لو بالسقط و اعلم اني اجملتُ الامر فان اشكل عليك شي‌ء فتدبّر كلامي لاني اقتصرتُ خوفاً من الاطالة و المقام مقام دقيق و لكن اذا فهمتَ المراد فقد شربتَ شربةً لم‌تظمأْ بعْدَهَا ابداً فان قلتَ بقي شي‌ء و هو انه قد تقدّم فيما ذكرتَ و رويتَ ان الاربعة العالين اشرف الملاۤئكة و افضلها و في حديث سفيٰن المتقدم ان القلم و هو ملك يؤدي الي اللوح و هو ملك و هو يؤدّي الي اسرافيل و هو يؤدّي الي ميكاۤئل و هو يؤدّي الي جبريل و حيث علم بالحديث المذكور و غيره و بالدليل العقلي ان السابق المؤدّي افضل من اللّاحق المؤدَّي اليه و هذا ظاهر و معني هذا ان يكون القلم افضل من اللوح و هو افضل من اسرافيل و هو افضل من ميكاۤئيل و هو افضل من جبرئل و جبرئل افضل من محمد صلي اللّه عليه و آله و قد علم و انت ذكرتَ ايضاً ان جبرئل خادم لهم بل قد روي ان رجلا من شيعتهم و هو سلمن افضل من جبريل كما رواه في الاحتجاج و اذا كان كذلك كيف يكون واسطة بينه و بين اللّه سبحانه فان ذلك يقتضي ان يكون جبرئل افضل قلتُ لا اشكال في كونهم افضل خلق اللّه و انّما ثبت فضل لاحد من خلق اللّه من فاضل فضلهم و لامتثاله لامرهم و قيامه بواجب حقهم لا فرق في ذلك بين الملاۤئكة المقربين و الانبياۤء و المرسلين و لا بين ساۤئر الحيوانات و النباتات و الجمادات و لا الذوات و الصفات و انما تفاضلت المخلوقات في الفضل لتفاضلها في القرب منهم و القيام بولايتهم لكنّ لمّا كانوا علة الموجودات كما تقدم مكرراً كان كلّ شي‌ء اذا نسب اليهم كجزءٍ من نور الشمس اذا نسب اليها و كالجزء من الشعاع اذا نسب الي السراج و كالصورة في المرءاة اذا نسبت الي الشاخص و كالصوت اذا نسب الي الصاۤئِت و كالاثر اذا نسب الي المؤثر فجميع الموجودات بنحو هذه النسب اليهم (ص‌) و الشي‌ء قد يتوسّط بعض آثاره و صفاته و افعاله و قواه بينه و بين مطلبه و جبريل عليه السلم من حقيقة محمد صلي اللّه عليه و آله شأن من شؤنه و شعاع من نوره فهو في الحقيقة يأخذ من حقيقة محمد صلي اللّه عليه و آله بل منْ عقله لانّ جبريل كالشَّأْن و كالخَطْرة الّتي ترد عليك فانّك قد تنسي الشي‌ء ثم قد تسئل عنه فتقول لاادري ثم قد تذكره فتقول جاۤء علي بالي كذا او تقول خطر علي قلبي كذا فهذا الوارد الذي اتَاكَ حتّي ذكّرك ما نسيتَ فمِنْ اين اَتاكَ بما نَس۪يتَهُ انّما اتَاكَ من قلبك او من فؤادك الذي هو وجودُك و حقيقَتُك فقد اخذ ذلكَ الواردُ الذي هو التفاتة من عقلك ما نس۪يتَهُ و اَتَي به الي خيالِك فتصوّرتَهُ فقلتَ لمن سألك عن تلك المسئلة التي نَس۪يتَها جاۤء علي خاطري كذا فالذي اتاك به هو الوارد و هو التفاتَةُ عقلك اخذ المسئلة من قلبك فاتي بها الي خيالك يعني اخذ منك و اتي به اليك فجبرئل هو هذا الوارد اخذ من عقله و قلبه و اتي به اي بالوحي اليه و العقل و القلب واحد و لكن اذا قلتَ اخذ من عقله تبادرَ الي الملك الذي هو الملك من امر اللّه و القلم و روح‌القدس و الروح و العقل الكلّي و المراد واحد و اذا قلتَ اخذ من قلبه تبادر الي العرش الذي هو عبارة عن اربعة اركان احدها هذا الملك الذي هو العقل و هو اعلاها و اعظمها فقوله تعالي ماوسعني ارضي و لا سمَاۤئي و وسعني قلبُ عبدي المؤمن معناه الرَّحمن علي العرش اسْتَوي و قوله الرحمن علي العرش استوي يعني ظهر بالولاية فاعطَي كلّ ذي حق حقّه و روي ان النبي صلي اللّه عليه و آله قال يا جبريل من اين تأْخذ الوحي قال من ميكاۤئيل قال و ميكاۤئيل من اين يأخذ الوحي قال من اسرافيل قال و اسرافيل من اين يأخذ الوحي قال من ملك قال و ذلك الملك من اين يأخذ الوحي قال يلهمه اللّه الوحي او قال يقذف اللّه الوحي في قلبه ه‍ ، نقلتُ الحديث بالمعني و هذا كما سمعتَ فيما مرّ عليك في تفسير نون في رواية سفيٰن فان قلتَ فما معني قوله في الحديث السّابق حديث المعراج في شأن النبي صلي اللّه عليه و آله فوقع في نفسه انه هو و هذا ينافي العصمة و انّ معه ملكاً يسدّده قلتُ يجري عليه صلي اللّه عليه و آله هذا و مثله اذا غاب عنه الملك المسدّد و كذلك الائمة عليهم السلم و لكنه اذا غاب عنهم لايغيب الّا باذن اللّه تعالي ليقع منهم بعض مقتضي البشريّة ليفرق بينهم و بين حال الربوبيّة الذي لايشغله شأن عن شأن و هم يشغلهم شأن عن شأنٍ يعني اذا اقبلوا علي شأنٍ و ارادوا الاقبال علي شأنٍ آخر انتقلوا عن الاوّل الي الٰاخر فيدركون الشأنين المتغايرين باقبالَين متعاقبين و ان لم‌يكن كَمٌّ زمَانِيٌّ بَيْنَ الاقبالَيْن منهم كما بين الاقبالَيْنِ منّا بل قد يكون كمّاً دهريّاً او كمّاً سرمديّاً كما اشار تعالي اليه في قوله ماجعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه فاذا لم‌يكن له الّا قلبٌ واحد وجبَ له التنقل في الامور المتغايرة المتباعدة و لا كذلك حكم الربوبيّة و ما اشار ابن‌الجوزي لمن سأله و هو يخطب و قيل ان عليّ بنَ ابي‌طالب تقولون انه لايغفل عن اللّه طرفة عين خصوصاً في صلاته فكيف اشعر بالساۤئل حين تَصدّق بالخاتم فقال علي الفور :
يسقي و يشرب لاتلهيه سكرتُهُ       ** * **      عَن النّد۪يم و لايلهو عنِ الكاسِ
اطاعَهُ سكرُه حتي تمكّنَ مِنْ       ** * **      فِعلِ الصُّحَاةِ فَهذٰا وَاحِدُ النّاسِ
غير منافٍ لما قلنا لانّه عليه السلم اشعر بالساۤئل للّه و اعطاه للّهِ تعالي و هذا من اللّهِ الي اللّهِ كما لو ذكر اللّهَ في الصلوة او صلّي علي محمد و آله صلي اللّه عليه و آله فانه لاينافي الاقبال علي اللّه و لاينافي الصلوة و لايعدّ اجنبيّاً منها منافياً ما لم‌يكن كثيراً مُخِلّاً بِنَظْمِهَا اَوْ بقراۤءتها او الموظّف فيها اَوْ ماحياً لها علي ان ما يقع منهم من هذا النحو لايَقع بما يتعلّق بشي‌ءٍ من امور الدين و لايقع منهم منافي الدين و انّما يقع ما يخصّهم و مع هذا كلّه فيقع بصنعٍ من اللّه سبحانه و تعالي فيهم لغرض يكون فعله في الحكمة ارجح من تركه فان الضرر الذي يدفع به الاضر نفع باعتبار ما يراد منه كالقطع و الكيّ طلباً للسلامة و العافية كيف لايكون المعصوم كذلك و اللّه سبحانه يقول و انّك لعلي خلقٍ عظيم و يقول اللّه اعلم حيث يجعل رسالته ،
و قوله عليه السلم : و ان كانت الزيارة لاميرالمؤمنين عليه السلم فقل : و الي اخيك بُعِث الروح الامين
يُشير فيه الي انّ عليّاً هو اخو رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من حديث المواخاة و هو مشهور بين الفريقين و لم‌يرد ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله جدٌّ لعلي عليه السلم في استعمالٍ ما فلايكون بينه و بين اهل بيته فرق و انّما لم‌يقل و الي ابيك بُعِث الروح الامين مَع انّه ورد في تسميته صلي اللّه عليه و آله اباالقاسم ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كان اَباً لعليّ عليه السلم و كان حين وضعته امّه فاطمة بنت اسد في جوف الكعبة و خرجت به دخل عليها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فلما دخل اهتزّ اميرالمؤمنين عليه السلم و ضحك في وجهه و قال السلام عليك يا رسول اللّه (ص‌) و رحمة اللّه و بركاته ثم تنحنح باذن اللّه تعالي و قال بسم اللّه الرحمن الرحيم قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون الخ فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قد افلحوا بك و قرأ تمام الٰايات الي قوله اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انت واللّهِ اميرهم تميرهم من علومِك فيمتارون و انت واللّه دليلهم و بك يهتدون ثم قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لفاطمة اذهبي الي عمه حمزة فبشّريه به فقالت فاذا خرجتُ انا فمن يرويه قال انا اَرْويه فقالت فاطمة انت ترويه قال نعم و ذلك قول اللّه تعالي فانفجرت منه اثنتاعشرة عيناً قال فسُمّي ذلك اليوم يوم التروية الحديث ، فكان يرضعه من ابهام يده و في معاني‌الاخبار باسناده الي الحسن بن علي بن فضال قال سألتُ الرضا عليه السلم لم كنّي النبي صلي اللّه عليه و آله بابي‌القاسم قال لانه كان له ابن يقال له قاسم فكنّي به قال فقلتُ له يا ابن رسول اللّه (ص‌) فهل تراني اهلاً للزيادة فقال نعم اماعلمتَ ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال انا و علي ابوا هذه الامة قلتُ بلي قال اماعلمتَ ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ابٌ لجميع امّته و علي عليه السلم فيهم بمنزلته قلتُ بلي قال اماعلمتَ ان عليّاً قاسم الجنّة و النار قلتُ بلي قال فقيل له ابوالقاسم لانه ابو قاسم الجنة و النار فقلتُ له و ما معني ذلك فقال ان شفقةَ النبي صلي اللّه عليه و آله علي امته شفقة الٰاباء علي الاولاد و افضل امّته علي عليه السلم و من بعده شفقة علي عليه السلم عليهم كشفقته صلي اللّه عليه و آله لانه وصيّه و خليفته و الامام بعده فلذلك قال النبي صلي اللّه عليه و آله انا و علي ابوا هذه الامة الحديث ، لان كونه اباً لعلي صلي اللّه عليهما و آلهما غير مشهور و غير معروف فقد يحصل من ينكره او يتردّد في معناه بخلاف الاخوّة .
قال عليه السلم : آتاكم اللّٰهُ ما لم‌يؤتِ احداً من العالمين
قال الشارح المجلسي قدس سره فان اريد بالخطاب النبي مع الائمة صلي اللّه عليه و عليهم فظاهر و الا فالنبي صلي اللّه عليه و آله مستثني منه انتهي ،
اقول هذه الفقرة من قوله تعالي حكايةً عن قول موسي عليه السلم لقومه و اذْ قال موسي لقومه اذكرُوا نعمة اللّه عليكم اذ جعل فيكم انبياۤء و جعلكم مُلُوكاً و آتيٰكم ما لم‌يُؤْتِ اَحداً من العالَم۪ينَ يعني آتاكم ما لم‌يؤتِ احداً من الخلق او من عالمي زمانهم و ممّن قبلهم من فلق البحر و تظليل الغمام و انزال المنِّ و السلوي و غير ذلك مما آتيٰهم و لم‌يؤتِ غيرهم و الاظهر عند اكثر المفسّرين ان المخاطبين في الٰاية هم امّة موسي عليه السلم و عن سعيد بن جُبَير و ابي‌مالك انّ المخاطبين في الٰايَةِ اُمّة محمد صلي اللّه عليه و آله فعلي القول الاخير يجوز ان يراد بموسي محمّد صلّي اللّهُ عليه و آله و قومُهُ بَنُواسراۤئيل و بَنُواسراۤئيل آل‌مُحَمّدٍ ففي رواية العيّاشي عن الصادق عليه السلم انه سُئِل عن قول اللّه تعالي يا بني‌اسراۤئيل فقال هم نحن خاۤصّة ه‍ ، و هذا اِمّا لأنّ اسراۤئيل بمعني عبد اللّه و محمد صلي اللّه عليه و آله هو عبد اللّه قال و انه لمّا قام عبدُ اللّه يدعوه وَ امّا لأنّ اسراۤئيل مَثَلٌ له صلّي اللّه عليه و آله فتتبادر الارادة و القصد عند الاطلاق اليه و روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه سُمِع يقول انا عبدُكَ اسمي احمد انا عبد اللّه اسمي اسراۤئيل فما امرَهُ فقد امرني و ما عناه فقد عَناني ه‍ ، و عليه يكون المرادُ بالعالَم۪ينَ كل ما يَصِحُّ ان يَعلَم و يُعلَم و يُعْلَمُ به و ذلك كلُّ الخلقِ لان اللّه سبحانه خلقهم له وحدَهُ و يلزم خلقهم له ما به بقاۤؤهم و استمدادهم لما هم لَهُ و لما لهم و خلق الخلق لهم و جعلهم اولياۤء علي خلقه قُوَّاماً علي بريَّتِه۪ فوجب لهم في الحكمة كل ما يحتاج اليه رعيّتهم و هذا عند رعيّتهم مُفَرّقاً علي جميعهم و جميع ما خلق لهم اي للرعيّة و وجب لهم في الحكمة كل ما يخصّهم مما به بقاۤؤهم و استمدادهم لما هم له و لما لهم و وجب لهم في الحكمة ما به قاموا بخدمته فيما يشاۤء كما يشاۤء فهو سبحانه اتي جميع العالمين الذين هم جميع الخلق جميع ما يحتاجون اليه في احوال النّشأتين و ما به صلاحهم و بقاۤء نظامهم في الدارين مفرّقاً بمعني انّ بعض ذلك يوجد عند بعض العالمين و بعضه يوجَدُ عند البعض الٰاخرين و لم‌يجمع الكلّ عند احدٍ منهم الّا محمد و اهل بيْته المعصومين صلي اللّه عليه و آله الطاهرين فانه جمع لكلّ واحدٍ منهم جميع ما كان عند جميع الخلاۤئق مفرّقاً فهم عليهم السلم مساوون لكلّ الخلق اي كل واحدٍ منهم مُسَاوٍ لكل الخلق اعطي الخلق مما في قوابلهم وسعه و زادهم اللّه علي جميع الخلاۤئق ما يختصّون به مما به بقاۤؤهم و استمدادهم لما هم له سبحانه و لما هم لهم و مااعطي جميع الخلاۤئق في هذا الّا كجزءٍ من مائة‌الفِ جزءٍ من مثقالِ الذرّ مما يختصّون به و زادهم عَلَي ما يختصون به ما به قامُوا بخِدْمته فيما يشاۤء كما يشاۤء و ما يختصّون به من هذا جزء من سبعين جزءاً و هاتان الزيادتان لم‌يعطهما و لا شيئاً منهما احداً من خلقه لا مجتمعاً و لا مفرّقاً و لايحتملهما سواهم فصحّ بهما او باحدهما ان يقال آتيهم ما لم‌يؤتِ احداً من العالمين و علي قول الاكثر من المفسّرين للٰاية يراد بالعالمين عالمي اهل زمان بني‌اسراۤئيل فالعموم مخصّصٌ بما علم من الدّين فانّ اجماع المسلمين منعقد بانّ محمداً صلّي اللّه عليه و آله آتاه اللّه ما لم‌يؤت احداً من الاولين و الٰاخرين و احاديث اهل العصمة عليهم السلم متظافرة بان جميع ما وصل الي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله وصل اليهم و ذلك كما دلّ عليه ما ورد عنهم في تفسير قوله تعالي ان اللّه يأمركم ان تؤدّوا الامانات الي اهلها ، ففي معاني‌الاخبار بسنده الي يونس ابن عبدالرحمن قال سألت موسي بن جعفر عليه السلم عن قول اللّه عز و جل ان اللّه يأمركم ان تؤدّوا الامانات الي اهلها فقال هذه مخاطبة لنا خاۤصة امر اللّه تبارك و تعالي كل امامٍ منّا ان يؤدّي الي الامام الذي بعده و يوصي اليه ثم هي جارية في ساۤئر الامانات الحديث ، و في الكافي بسنده الي المعلّي بن خنيس قال سألتُ اباعبداللّه عليه السلم عن قول اللّه عز و جل ان اللّه يأمركم ان تؤدّوا الامانات الي اهلها قال امر اللّه الامام الاول ان يدفع الي الامام الذي بعده كلّ شي‌ء ه‍ ، و غير ذلك فانهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله جميع ما انتهي اليه من اللّه سبحانه الي علي عليه السلم و امره ان يدفع جميع ذلك الي من بعده و كذلك امر من بعده واحداً بعد وَاحدٍ الي آخرهم يجري لٰاخرهم ما يجري لاوّلهم كما نصّوا عليه في احاديثهم و من ذلك ما رواه في بصاۤئرالدرجات بسنده الي ابي‌جعفر الثاني عليه السلم قال فضل اميرالمؤمنين عليه السلم ما جاۤء به اُخِذَ به و ما نَهي عنه انتُه۪ي عنه و جري له من الطاعة بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله مثل الذي جري لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و الفضل لمحمد صلي اللّه عليه و آله المتقدم بين يديه كالمتقدّم بين يدي اللّه و رسوله و المتفضّل عليه كالمتفضّل علي اللّه و علي رسوله صلي اللّه عليه و آله و الراۤدّ عليه في صَغيرةٍ او كبيرة علي حدِّ الشركِ باللّه فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله باب اللّه الذي لايؤتي الّا منه و سبيله الذي من سلكه وصل ( الي ظ ) اللّه و كذلك كان اميرالمؤمنين عليه السلم من بعده و جري في الائمة عليهم السلم واحداً بعد واحدٍ جعلهم اللّه اركان الارض ان تميد باهلها و عُمُدَ الاسلام و رابطة علي سبيل هداه و لايهتدي هادٍ الّا بهُدَاهم و لايضلّ خارِجٌ من هدي الّا بتقصير عن حقهم و اُمنَاۤءَ اللّه علي ما اهبط من علم او عذرٍ اَوْ نذرٍ و الحجة البالغة علي من في الارض يجري لٰاخرهم من اللّه مثل الذي جري لاوّلهم و لايصل احدٌ الي شي‌ءٍ من ذلك الا بعون اللّه و قال اميرالمؤمنين عليه السلم انا قسيم الجنة و النار لايدخلهَا ( لايدخلهما ظ ) داخل الّا علي حدِّ قسمي و انا الفاروق الاكبر و انا الامام لمن بعدي و المؤدّي عمّن كان قبلي و لايتقدّمني احدٌ الا احمد صلي اللّه عليه و آله و انّي و ايّاه لعلي سبيلٍ واحدٍ الّا انه هو المدعوّ باسمه و لقد اُعطِيتُ السّت علم المنايا و البلايا و الوصايا و الانساب و فصل الخطاب و انّي لصاحب الكرّات و الرجعات و دَولة الدُّوَل و اني لصاحب العصي و الم۪يسَم و الداۤبّة التي تكلّم الناس ه‍ ،
اقول قوله عليه السلم الّا انه هو المدعو باسمه يعني به انّي انا شريكه في جميع الكمالات الّا انه مسمّي باسمٍ غير اسمي يُدعا به و به يتميّز و يحتمل انّي شريكه في العلم و الولاية المطلقة و غير ذلك الّا انه يُدعا بالنبي و لااُدْعا به اَوْ انّ اللّه سبحانه صرّح باسمه في كتابه عند الخطاب بالوحي و لم‌اُدْعَ بذلك اوْ انه اذا دُعي باسمه تميّز مني و اذا دُعِيتُ باسمي لم‌اتميّز منه يعني باسم الصفة فانه كما قال عليه السلم في وصف الاسلام الي ان قال فيه تفصيل و توصيل و بيان الاسمين الأَعلَيْنِ اللَّذَيْن جُمِعا فاجتمعَا لايصلحانِ الّا معاً يسمّيان فيعرفانِ و يوصفانِ فيجتمعان قيامهما في تمام احدهما في منازلهما لَهُمَا جري بهما و لهما نجوم و علي نجومِهما نجوم الخطبة ، قوله يسمّيان فيعرفانِ اي يسمّيان محمد و علي فيتميزان يوصفان نبي و ولي فيجتمعان اذ لا منافاة بين النبي و الولي فانّ النّبي وليّ يعني اذا دُعِيتُ باسمي فقيل وليّ لم‌اتميّز منه فانّي ولي و هو ولي و اذا دُعي باسمه فق۪يل نبي تميّزَ منّي و قوله عليه السلم و اني لصاحب الكرّات يعني به صاحب الحملات في الحروب كما قال صَلي اللّه عليه و آله فيه كرّار غير فرّار او صاحب الرجعات كما قال عليه السلم و لي الكرة بعد الكرة و الرجعة بعد الرجعة او كما قيل انّ له رجعة قبل قيام القاۤئم عليه السلم و معه و بعده اقول و انا لم‌يحضرني رواية تدلّ علي ان له عليه السلم رجعة قبل القاۤئم عليه السلم بل الاخبار التي وقفت عليها انما تدل علي ان له رجعتين مع القاۤئم (ع‌) و بعده و قد تقدم الكلام علي هذا في ذكر الرجعة و هذا القاۤئل و هو الشيخ عبداللّه بن نوراللّه البحراني في كتابه الذي الّفه المعروف بالعوالم هو اعرف بما قال و قيل في معني صاحب الكرات انه عرض عليه الحق كرّات في الميثاق في عالم الاظلّة و الذر و في الرحم و عند الولادة و عند الموت و في القبر و عند البعث و عند الحساب و عند الصراط و عند الجنّة و النار و غيرها و من ذلك ما روي في بصاۤئرالدرجات بسنده الي ابي‌جعفر الثاني عليه السلم قال قال ابوعبداللّه عليه السلم انّا انزلناهُ نورٌ كهيئة العين علي رأس النبي و الاوصياۤء صلي اللّه عليه و آله لايريد احدٌ منّا علمَ امرٍ من امرِ الارض اوْ مِن امر السماۤء الي الحجب التي بين اللّه و بين العرش الّا رفع طرفه الي ذلك النور فرأي تفسير الّذي اراد فيه مكتوباً و فيه بالسند المذكور قال يعني اباجعفر الثاني عليه السلم سأل اباعبداللّه عليه السلم رجلٌ من اهل بيته۪ عن سورة اِنّا اَنْزَلْنَاهُ في ليلة القدر فقال ويحك سألتَ عن عظيمٍ ايّاك و السّؤال عن مثل هذا فقام الرجل فاتيته يوماً فاقبلتُ عليه فسألته فقال انا اَنزلناه عند الانبياۤء و الاوصياۤء لايريدون حاجةً من السماۤء و لا من الارض الّا ذكروها لذٰلِكَ النور فاَتيٰهم بها فانّ ممّا ذكر علي ابن ابي‌طالبٍ صلوات اللّه و سلامه عليه من الحواۤئج انه قال لابي‌بكر يوماً لاتحسبنّ الذين قتلوا في سبيل اللّهِ امواتاً بل احياۤء عند ربهم فاشهَدُ ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله مات شهيداً فايّاك ان تقول انّه ميِّت واللّهِ لَيأتينّك فاتّقِ اللّهَ اذا جاۤءك الشيطان غير متمثّلٍ به فقالَ ان جاۤءَني واللّهِ اطعتُه و خرجتُ ممّا اَنا ف۪يه قال فذكر اميرالمؤمنين عليه السلم لذلك النّور فعرج الي ارواح النبيّين فاذا محمد صلي اللّه عليه و آله قد البس وجهه ذلك النور و اتي و هو يقول يا ابابكرٍ آمِن بعليٍّ و باحدعشر من ولده (ع‌) انهم مثلي الّا النبوّة و تُبْ الي اللّه بردِّ ما في يديك اليهم فانّه لا حَقَّ لك فيه قال ثم ذهب فلم‌يُرَ فقال ابوبكر اجمَعُ الناسَ فاخطبهم بما رأيتَ و ابرأ الي اللّه مما انا فيه اليك يا عليّ علَي اَن تؤمِنَني قال (ع‌) ما انت بفاعل و لولا انّك تنسي ما رأيتَ لفَعلتَ قال فانطلق ابوبكر الي عمر و رجع نور انّا انزلناه الي عليّ فقال له قد اجتمع ابوبكر مع عمر فقلتُ اوعلم النور قال انّ له لساناً ناطقاً وَ بصراً نافذاً يتجسّس الاخبار و يستمع الاسرار و يأتيهم بتفسير كل امرٍ يكتتم به اعداۤءَهم فلَمّا اخْبرَ ابوبكر الخبر عُمَرَ قال سحرك و انَّها لَف۪ي بني‌هاشمٍ لقديمةٌ قال ثم قاما يُخْبِرَانِ النّٰاسَ فمادريا ما يقولانِ قلتُ لماذا قال لانّهما قد نسيَاه و جاۤء النور فَاخْبَرَ عليّاً عليه السلم خبرهما فقال بُعداً لهما كما بعدَتْ ثمود ه‍ ،
اقول قوله في الحديث الاول نور كهيئة العين الظاهر عندي ان المراد بالعين العين الباصرة يعني تنطبع فيه الاشياۤء كالعين او بها الابصار كالعين لانها آلة القوّة الباصرة لانّ المراد بهذا النور علي ما اعرف بحيث لااكاد اشكّ فيه هو الروح من امر اللّه و هو عقلهم يعني العقل الكلي الذي يكون مع ساۤئر الانبياۤء ببعض وجوهه يسدّدهم عن السهو و الخطاۤء و النسيان و هو بكلّيّته عند محمد و آله الطاهرين صلي اللّه عليه و آله منذ نزل عندهم لم‌يصعد و لايصعد عنهم ابداً و لم‌ينزل قبلهم قطّ الّا بوجهٍ من وجوهه و هو نور ليلة القدر كما قال تعالي تنزّل الملاۤئكة و الروح فهذا الروح هو نور هذه السورة لان مدار جميع ما ينزل في ليلة القدر من كل امر حكيم عليه و منه و هو النور الابيض من انوار العرش و هو ركنه الايمن الاعلي و الاسفل الايمن هو الاصفر و هذا النور الابيض هو العمود المذكور في البصاۤئر بسنده الي الثمالي قال قال ابوجعفر عليه السلم ان الامام منّا يسمع الكلام في بطن امّه حتي اذا سقط علي الارض اتاه ملك فيكتب علي عضده الايمن و تمت كلمة ربّكَ صدقاً و عدلاً لا مبدِّل لكلماته و هو السميع العليم فاذا شبّ رفع اللّه له عموداً من نور يري فيه الدنيا و ما فيها و لايستتر عنه منها شي‌ء ه‍ ، و في مرسلة جميل بن درّاج فاذا قام بالامر رفع له في كل بلد مَنارٌ ينظر فيه الي اعمال العباد و غير ذلك من الاخبار فهذا العمود و المنار يراد منه الروح المشار اليه و هو عقل الوليّ و قوله عليه السلم في الحديث الاول كهيئة العين علي رأس النبي و الاوصياۤء عليه و عليهم السلم يراد منه انّه العقل و متعلق العقل الرأس من العاقل و كونه كهيئة العين انّ له عينين يبصر بهما يجده كلّ مَنْ له وجدانٌ و انّما قال كهيئة العين و لم‌يقل له عينان لان العقل ليس هو شي‌ء غير المدرِك ليقال له عينان فتكون العينان بعضه بل هو العينان و لكنه ليس عينين كما هو المعروف و انّما هو ادراك اقوي و اجلي من ادراك البصر فشبّه صفته في الادراك كهيئة العين في الادراك و قال بعض العلماۤء المراد بالعين عين الشمس يعني من جهة النور و لا شكّ انه كذلك بل نُورُهُ اقوي من نور الشمس في الظاهر باربعةٰ‌الاف مرة و تسعمائة مرة و في الحقيقة هذا العقل اقوي من نور الشمس الفي‌الف مرة و سبعمائة‌الف مرة و ثلاثة و ثمانين الف مرة و مائتَيْ مرّةٍ الّا ان الظاهر من المراد بالمشبّه بهيئته هو العين الباصرة لان هذا الملك هو عين اللّهِ الناظرة في عباده و قوله (ع‌) الّا رفع طرفه الي ذلك النور اي التفَتَ الي غيبه فنظر بعقله و قوله (ع‌) فرأٰي تفسير الذي اراد مكتوباً فيه اي منتقِشاً في صدره صورته اي في خياله الذي هو الصدر الذي هو محلّ القلب اعني العقل و هو الملك المشار اليه فافهم و قوله عليه السلم في الحديث الثاني الّا ذكروها لذلك النور يعني اراد من عقله ان يكون كذا و عقله هو لسان مشيّة اللّه تعالي و محلّ امره الذي هو كن فيكون لانه علّة الاشياۤء و سببُها و قوله عليه السلم فعرج الي ارواح النبيين الخ ، اي التفت الي جهة مطلوبه و التفاتتُه هو عروجُه فافهم ما لوّحْتُ به مكرّراً و قد تقدم في مواطن كثيرة ما فيه بيان كثيرٍ من هذه المطالب فان قلتَ انّ قول الساۤئل انّما هو في السورة فقال عليه السلم انا انزلناه عند الانبياۤء و الأوصياۤء عليهم السلم و معلوم ان السورة لم‌تنزل الّا في هذا القرءان فما معني قوله عليه السلم انا انزلناه عند الانبياۤء و الاوصياۤء عليهم السلم قلتُ انّ المراد من هذه السورة هو نزول الملك عليهم في ليالي القدر بما يسئلون عنه و ذلك حاصل لهم فانّ ليْلة القدر ثابتةٌ لم‌ترتفع منذ نزلت علي آدم عليه السلم الي آخر الدهر و في كنزالفواۤئد للشيخ محمد بن علي بن عثمن الكراجكي قَرأ عَلَي السيد المرتضي و الشّيخ الطُّوسي بسَندِه۪ الي ابي‌جعفر عليه السلم انه قال لَقَدْ خلقَ اللّه تعالي ليلة القدر اوّلَ ما خلق الدنيا و لقد خلق فيها اوّل نبي يكون و اوّل وصيٍّ يكون و لقَد قضي ان يكون في كلّ سنةٍ ليلةٌ يهبط فيها تفسير الامور الي مثلها من السنة المقبلة فمن جحد ذلك فقد ردّ علي اللّه تعالي علمه لانه لايقوم الانبياۤء و الرسل و المحدّثون ايضاً يأْتيهم جبريل عليه السلم او غيره من الملۤئكة قال امّا الانبياۤء و الرسل فلا شكّ في ذٰلِك و لا بدّ لمن سواهم من اول يوم خلقت فيه الارض الي آخر فناۤء الدنيا من ان يكون علي اهل الارض حجّة ينزل ذلك الامر في تلك الليلة الي مَن احبّ من عباده و هو الحجّة و ايْمُ اللّهِ لقد نزل الملۤئكة و الروح بالامر في ليلة القدر علي آدم عليه السلم و ايمُ اللّهِ مامات آدمُ الّا و له وصيّ و كل مَن بعد آدَم من الانبياۤء قد اتاه الامر فيها و وضعه لوصيّه من بعده و ايمُ اللّه انه كان ليؤمر النبيّ فيما يأتيه من الامر في تلك الليلة من آدم الي محمد صلي اللّه عليه و آله اوص الي فلانٍ و لقد قال اللّه في كتابه لولاة الامر من بعد محمد صلي اللّه عليه و آله خاۤصّة وعد اللّه الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم الي قوله هم الفاسقون يقول استخلفكم لعلمي و ديني و عبادتي بعد نبيّكم كما استخلف وصاة آدم من بعده حتي يبعث النبي الذي يليه يعبدونني لايشركون بي شيئاً يقول يعبدونني بايمان اَلَّا نبي بعد محمد صلي اللّه عليه و آله فمن قال غير ذلك فاولۤئك هم الفاسقون فقد مكّن ولاة الامر بعد محمد صلي اللّه عليه و آله بالعلم و نحن هم فاسئلونا فان صدقناكم فاقِرّوا و ما انتم بفاعلين الحديث ، و المراد بذلك نزول الملاۤئكة عليهم بالامر في ليالي القدر فان قلت فقوله عليه السلم الّا ذكروها لذلك النور بالاشارة كيف يكون و لم‌يجر له ذكر قلتُ انّ قوله لذلك اشارة الي مَعود الضمير في قوله انا انزلناه لانّه يعود الي الملك المشار اليه المسمّي بالرّوح فان قلت انّ الظاهر من معود الضمير هو القرءان قلتُ نعم هو كذلك و الروح قرين القرءان و قسيمه كما تقدمت الاشارة الي ذلك في قوله تعالي و كذلك اوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنتَ تدري ما الكتاب و لا الايمان و لكن جعلناه نوراً نهدي به الٰاية ، فسمّاه روحاً و هو الملك المذكور و جعله نوراً و هو القرءان المسطور فالروح هو النور المعنوي و القرءان هو النور اللفظي و تقدم الكلام فراجع ثم اعلم ان النسيان المذكور في الحديث الثاني في الموضعين بمعني الترك فقوله عليه السلم لولا انّك تنسي اي تترك ما رأيتَ لفعلتَ و قوله (ع‌) لانهما قد نسياهُ اي تَركاهُ و الحاصل اذا تفهّمتَ ما ذكرنا مع انه قليل من كثيرٍ ظهر لك ان اللّه سبحانه آتيٰهم اللّه ما لم‌يؤتِ احداً من العالمين اي من الخلاۤئِق اجمعين لانّ المراد بالعالمين جميع اجناس العوالم بعموم الجمع المحلّي بالالف و اللام و جميع افرادها بعموم الالف و اللام المراد منهما الاستغراق و هو ما قاله اميرالمؤمنين عليه السلم كما في تفسير العسكري و عيون‌الاخبار في تفسير الحمد للّه رب العٰالم۪ين قال (ع‌) قولوا الحمد للّه ربّ العالمين و هم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات و الحيوانات الحديث .
قال عليه السلم : طأطأ كلّ شريفٍ لشرفكم و بَخع كلُّ متكبّرٍ لطاعتكم و خضَع كلُّ جَبّارٍ لفضلِكم و ذَلّ كلّ شي‌ء لكم
قال الشارح المجلسي رحمَهُ اللّه طأطأ اي خضع او خفض و لم‌يصل كل شريف لشرفكم اي اليه او لاجله و بخع بالباۤء المُوَحدة و الخاۤء المعجمة اي خضع كل متكبّر لطاعتكم اي فيها او لاجل اطاعتكم للّه و ذل كل شي‌ء لكم بقدرة اللّه تعالي انتهي .
و قال السيد نعمت‌اللّه الجزاۤئري في شرح التهذيب و بخع بالباۤء الموحدة من تحت و الخاۤء المعجمة و في بعض النسخ بالنون و الخاۤء المعجمة و كلاهما بمعني الاقرار و الاعتراف انتهي .
اقول يقال طأطأ راسَهُ طامنَهُ و خفضه و الشرف العلو و المكان العالي الحسّي كما في الحديث كان يكبّر علي شرفٍ من الارض و المعنوي و منه يسمّي الرجل العالي المقام و المكانة شريفاً لعلوّ رتبته و قد يقال لمن نال شيئاً لم‌ينله بعض امثاله من الناس حتي انه ليقال لصاحب المال المتموّل و المتملّك شريفاً و روي في الحديث اذا اتاكم شريف قوم فاكرموه سُئِل ما الشريف فقال الشريف مَن كان له مال ه‍ ، لانه عالي الرتبة بين من لم‌يملك مثله من المال و لايختصّ بامرٍ بل كل من فاق بعْض ابناۤء جنسه في شي‌ء فهو شريف و قد شرّفه اللّه تشريفاً علّاه و رفع درجته و قد يفرق بينه و بين الحسب فانّ الحسب الشرف من قبل الٰاباۤء اي لٰاباۤئه شرف و مراتب عالية و شرف الرجل من نفسه فلمّا كان الشرف العلوّ الرتبة و الشريف العالي و هو بخلاف معني طأطأ ابان عليه السلم ان كل شريف يخضع و يخفض رأسه خشوعاً و خضوعاً لشرفكم من جميع العالمين لانه لمّا ذكر ان اللّه سبحانه آتيٰهم ما لم‌يؤت احداً من العالمين كما اشرنا الي بيانه سابقاً لزم من ذلك ان مقامهم عليهم السلم اعلي من كلّ مقامٍ وصل اليه احد من الخلق من الجمادات و النباتات و الحيوانات لان علوّ العالي امّا ان يكونَ بسبب نجابة الشخص او طهارة مولده او نوريّة طينته و طيبها او استقامة خلقه بفتح الخاۤء و ضمّها و اعتدال مزاجه و حسن صورته او صوته او قوّته او شجاعته او كرمه و سخاۤئه و جوده و زهده و تقويٰهُ و ورعه و يقينه و معرفته و عبادته او علمه او قدرته او اقتداره او انقياد اشياۤء لامره او ارادته او محبته او الاحتياج اليه في شي‌ء مما ذكر او غيره او حفظه او فهمه او غير ذلك من جميع الصفات الحميدة و الاخلاق الحسنة و الطباع المستقيمة و الاحوال المحبوبة للنفوس و العقول و المستطابة للاوهام و الافهام و الاحلام مما يتميّز من اتّصف به من بعض اهل نوعه او كلّهم من كل محبوب و مطلوب و مرغوب او من جهة ما خصّه اللّه به من النعم و الفضاۤئل العظيمة و المنن الابتداۤئية او من جهة شرافة الاباۤء و طهارة الامّهات و تطهير الاصل و الفرع من جميع الخباۤئث و الارجاس الظاهرة و الباطنة و ما اشبه ذلك و هم صلّي اللّه عليهم قد جمعوا جميع ذلك و جمع اللّه لهم متفرِّقَهُ حتي انّهم حلّوا في كلّ كمالٍ و طهرٍ و قدسٍ بمكان لايصل الي ادني ادانيه احد من خلق اللّه لا ملك مقرّب و لا نبي مرسل بل لايمكن في الامكان كونٌ و لا ذو كَونٍ يفوق عليهم او يساويهم في شي‌ء من ذلك لانّ كل من سواهم مما خلق اللّه سبحانه معلول لهم و محتاج اليهم و اثر من آثارِهم و لزم من جميع ما ذكر انْ يُطَأْطِئَ كلّ شريف لِشرفهم اذ ليس في الكون ممّا خلق اللّه سبحانه شريف يفوقهم او يساويهم بل كل من سواهم معلول لهم اقامه اللّه تعالي بهم قيام صدور او قيام ظهور او قيام تحقّق او قيام عروض لما لهم او منهم او عنهم او بهم فيخضع كل عالٍ لعلوّهم خضوع افتقارٍ و استمداد و انقيادٍ اِذ لايعبد اللّه سبحانه و تعالي الّا بذلك لا فرق في ذلك بين محبّهم و مُبْغِضِهمْ ان اللّه سبحانه يقول اولم‌يروا الي ما خلق اللّه من شي‌ء يتفيّؤا ظلاله عن اليمين و الشماۤئِل سُجّداً لِلّهِ و هم داخرون فعنِ اليمين محبّوهم و اليمين علي اميرالمؤمنين عليه السلم و الشماۤئل اصحاب الشمال و ائمّتهم ائمة الضّلال و الكل داخرون منقادون يسجدون للّه سبحانه بقبول قدره تعالي فيهم و يعبدونه بالاقرار بوحدانيته و نبوة محمد نبيّه صلي اللّه عليه و آله و بولاية اولياۤئه علي و آله الاحدعشر عليه و عليهم السلم و بالبراۤءة من اعداۤئهم و هو تأويل قوله تعالي انّ اللّه فالق الحبّ و النوي فانّ اللّه سبحانه و تعالي كما فلق الحبّ الذين هم المحبّون فلق النوي الذين هم المناوُونَ و مافلق سبحانه الّا من قبل الفلقَ منه تعالي و ماقبل من هو مكرَهٌ و انّما يقبل من هو مطيع في القبول احبّ كالمؤمنين او كره كالمنافقين فانّ اعداۤءهم يعصونهم و هم يطيعونهم و يكرهونهم و هم يحبّونهم كيف يطيعونهم و هم نصبوا لهم العداوة حتي غصبوهم ما جعله اللّه لهم من المراتب و الفي‌ء و قتلوهم و سبوهم و ساموهم كُلَّ اِهَانةٍ و مَعَ ذٰلِكَ يحبّونهم كمالَ المحَبّةِ بمعني انهم لعنهم اللّه لَايرون فيهم عليهم السلم شيئاً يكرهونه و لا حالاً لايَسْتَحْسِنونَهُ و لا عملاً و لا قولاً و لا حركةً و لا سكوناً الّا ما هو الاحسن المطلوب و الاحب المرغوب و لكنهم لايقدرون علي شي‌ء من ذلك فحسَدُوهم و بلغ بهم الحسد علي تلك الفضاۤئل التي لاتحصي و المناقب التي لاتعدّ و لاتستقصي الي ان سعوا في ابطال تلك المناقب و حطّ تلك المراتب لمّا عجزوا عن نيلِها و انحطّوا عن تحصيلها كما سعي ابليس اللعين ابوهم و شيخهم و امامهم في كيدِ آدمَ عليه السلم لمّا وَجدَهُ اهلاً لفضاۤئل يعجز عنها و يقصر دونها حسده و سعي في افسادِ هِمَمِه بالخيرات و في اهلاكه و طرده عن حظّه من الفضاۤئِل فسلك جنوده المنافقون و فروعه الظالمون في اطفاۤء انوار اللّه التي اشرقها و ابانها لعباده حسداً و بغياً و يأبَي اللّه الّا ان يتمّ نورَهُ و لو كره المشركون و هذا هو معني قول الصادق عليه السلم اَمٰا وَاللّهِ لو قدروا اَنْ يُحِبّونا لاَحَبُّونَا و لٰكنهم لايقدرون فقوله عليه السلم لاَحَبُّونا لانّا لايصدر عنّا شي‌ء يكرهه احد و انّما لايقبلونه لما فيهم من الحسد و الاعوجاج الصادرَين من تغيير خلق اللّه و تبديل فطر اللّه التي فطر الناس عليها فهم مطيعون لانّهم يعلمون انّ هذا هو الصواب و الصَّلاح كما قال الثاني لابنه لما سأله قال لو قَلّدُوهَا الاصلع لهجم بهم علي الهدي و لانّهم لايردون ما ذادهم ولي اللّه عليه السلم عنه و لايصدرون عما اوردهم و محبون لهم لانهم لايرون منهم الّا الصفات المطلوبة لهم و لجميع الخلق و المحبوبة عند الكل بل لاتجد احداً من اعداۤئهم الّا و هو يحبّ اكل السّكر و حلاوته من اسماۤء ولايتهم عليهم السلم و لاتجد احداً من اعداۤئهم الّا و هو يكره اكل الصّبِر و مرارته من اسماۤء ولاية ائمّة الضّلال و من اسماۤء بغض ائمة الهدي عليهم السلم فكلّهم يكرهون انفسهم و صفاتها بحيث لو كان ذلك في غيرهم لماقبلوا منه شيئاً كما في الحديث القدسي في بعض كتب اللّه و لعلّه الزبور يا ابن آدم لو سمعتَ وصفكَ من غيرك و لم‌يعلم الموصوف لسارعتَ بالمقتِ اليه و اليهِ الاشارة بقوله عليه السلم في الدعاۤء لايخالف شي‌ء منها محبّتك و مع هذا كلِّه۪ فهم عاصون لهم و للّه حيث لم‌يأخذوا عنهم و لم‌يأتمروا بامرهم و ينتهوا بنَهْيِهم و كارهون لهم لما في طباۤئعهم من الاعوجاج الناشئ من تغيير خَلْق اللّهِ و تبديلِ فطرة اللّهِ التي فطر الناس عليها فلهذا قلنا انّهم عليهم اللّعنة يحبّون ائمة الهدي عليهم السلم و هم يبغضونهم و يسبّحون اللّه و هم عاصون له لانه تعالي اخبر ان كل شي‌ء يسبّح بحمده و ما تسبيحهم له تعالي الّا باسماۤئِه و هم عليهم السلم اسماۤؤه فيحبّونهم و يسبّحون اللّه تعالي بذلك لاجل ما خلقهم و فطرهم عليه من فطرة الاسلام و في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبّح اللّه باسماۤئه جميع خلقه ، و قد تقدم مكرراً و يبغضونهم و يستكبرون عن عبادةِ اللّه سبحانه كذلك لاجل ما غيّروا من خلق اللّه سبحانه و ما بدّلوا من فطرته و لاجل ما اشرنا اليه من قولنا فلقَ سبحانه النوي الذين هم المناوون و مافلقَ سبحانه الّا مَن قبِلَ الفلْقَ منه تعالي و ماقبِلَ و هو مكرهٌ و انّما يقبَلُ من هو مطيع في القبول احبّ كالمؤمنين او كره كالمنافقين و لاجل هذا الذي اشرنا اليه ايضاً بخعَ كلّ متكبّرٍ لطاعتهم فانّ كثيراً مِن المتكبّرين لايخضع لطاعتهم عليهم السلم الّا علي النحو الذي اشرنا فانه بعض الدواعي الي ان يذلّ لهم المتكبّرون من اعداۤئهم و ليس قولي من اعداۤئهم تخصيصاً لعموم المتكبّرين فيكون من محبّيهم متكبّرون بل و لا تقييداً لمطلقٍ ليقال قد يصدق علَي بعضِ محبّيهم التكبّر و ان لم‌يوضع بازاۤئه لان محبّيهم اهل الخضوع و الخشوع و الخشية و ما يصدر عنهم من المعاصي التي هي في الحقيقة من ولاية ائمة الضلال و الاكل من شجرة الزّقّوم و ذلك استكبار عن طاعتهم التي هي طاعة اللّه لانّ امر اللّه و نهيه يجري علي المكلّفين بواسطتهم فطاعتهم طاعة اللّه تعالي فليس ذلك من حقيقتهم من رَبّهم و لهذا تراه يفعل المعصية و هو في قلبه ماقتٌ لنفسه و لفعله و انْ غلبَتْه الشهوة لما فيه من امكانها من قبل الماهيّة و انّما فعل المعصية بما فيه من لطخ طينة المتكبّرين و اتباع المتكبّرين فالتّكبر منسوب الي مبدئه و هو طينة اللّطخ و هي من المتكبّرين و لهذا اذا كان يوم القيمة و لحق كل شي‌ءٍ باصله لحقت طينة المتكبّر التي في المؤمن التي عصي بها مع ما كان عنها من الذنوب الي ذلك المتكبر المنافق و ليس ذلك ظلماً لانّ المؤمن حقيقة لم‌يعص و انّما المعصية من ذلك اللطخ فلحِقَتْ معه الي اصلها فان قلتَ و ان سلّمنا ان اللطخ من المنافق و انّما ترتّب عليه من المعاصي يلحق به و يلحقان بالمنافق و لا شَي‌ءَ من ذلك علي المؤمن بل هذا حقّ و لكن ذلك المؤمن لو لم‌يكن فيه ما يلاۤئم ذلك اللطخ لم‌يصبه الاتري الي المعصوم لعدم وجود ما يلايم اللطخ فيه لم‌يصبه فلمّا كان فيه ما يلاۤئم اللطخ اصابه و اللطخ من طينة الخبيث المنافق و هو لطخ ظلمانيّ عدمي المدد مجتثّ الاصل و لايلايمه الّا ما كان كذلك و هو من حقيقة المؤمن فيصدق عليه التكبر لما قرّرتم ان العاصي متكبّر و لما ثبت انّ عليه عقوبةً ما من مجاورة اللطخ العاصي فانه محلّ له و لمعصيته فيلحقه ما يحقّق هذا الصدق و هو وصمة مجاورة المعصية و مَكانيّتها قلتُ ان المؤمن فيه ما يلايم اللطخ و هو اسفل طينته و هو و ان كان لاحقاً بالطيّب الّا انه قابل للكدورة لكثافته و سفليّته و قلّة نوريّتِه۪ لانه ظاهر الطيب من الجانب الشمال و لكنه في الحقيقة من الطيب المنير الّا ان نوريّته ضعيفة لقربها من الطيَنِ المظلمة بفتح الياۤء و ما فيها من الكدورة لايبلغ مقام الظلمة التي توجب لمحلِّها فعل المعصية نعم اذا حصل لها اللطخ من الخبيث كان متمِّماً لما فيها من الكدورة فكانت به مقتضية لمحلّها فعل المعصية فهي باللطخ محلّ لملزوم التكبّر و هو المعصية و اذا عاد اللطخ بما فيه من المعصية لم‌يبق في المحلّ الذي تعلّق به اللطخ الّا كدورته الاصلية و هي لاتقتضي المعصية بنفسها من غير متمم لظلمتها و لاسيّما بعد مفارقة اللطخ بما صدر عنه من المعصية فان طينة المؤمن طيبة منيرة لانها من شعاع محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و آله فيقوّي القوي منها نور الضعيف منها فبما بيّنّا لك يظهر لك ان قولي من اعداۤئهم في قولي الي ان يذلّ لهم المتكبرون من اعداۤئهم ليس للتخصيص و انما هو للبيان لما هو الواقع و علي ما اَوّلْنٰا و قرّرنا يظهر انّ المراد من قوله عليه السلم و بخع كل متكبّر لطاعتكم غير شيعتهم قطعاً و غير ساۤئر محبيهم علي الظاهر عند الفهم و علي التأويل في الحكم لان شيعتهم و محبيهم ليسوا من المتكبّرين لانّ المتكبّر مَن ترفّع علي ولي الامر من اللّهِ و لان شيعتهم يطلبون طاعتهم بل لا محبوب لهم مثل طاعة مواليهم فلايقال خضع للطاعة الّا لمن لايريدها و لكن لا مناص له عنها و هذا حال اعداۤئهم لا شيعتهم ،
و قوله عليه السلم : و خضع كل جبّار لفضلكم
مثل ما قبله في كلّ شي‌ء الّا ان ظاهر المراد من الطاعة هو امْتثال الامر و الانزجار عند النهي و ظاهر المراد من الفضل هو الاقرار بالفضل و القبول من حامليه و التسليم لراويه و ناقِل۪يه و امّا باطن المقامَيْن فلا منافاة بين ارادة احدهما من لفظ الٰاخر فان الاقرار بالفضل منه وجوب امتثال الامر و الانزجَار عند النهي و كذلك امتثال الامر و الانزجار عند النهي منه قبول ما ورد في بيان فضلهم و التسليم لرواته فانّهم عليهم السلم قد امروا بذلك و نهوا عن الشك فيه و التردد و الاحتمال في مقابلته كما نهي تعالي عن ذلك في تأويل قوله تعالي يا ايّها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلموا تسليماً و قوله تعالي فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليماً و قوله تعالي و ماقدروا اللّه “٢” حق قدره “٢-” و الارض جميعاً قبضته “٢-” يوم القيمة و السمواتُ مطويات بيمينه “-٣” “٢-” صلوات اللّه و سلامه “٢-” عليه “٣-” ،
و قوله عليه السلم : و ذلّ كلّ شي‌ءٍ لكم معناه كما قبله ،
بقي تنبيه و هو ان كلّ ما سواهم انّما يُطَأْطِئُ و يَبْخع و يخضع و يذلّ لهم عليهم السلم لما يجد في نفسِه۪ من وجودِ شَي‌ءٍ له شَرفٌ و مجد ليس في امكانه ان يبلغ ادني ادانيه و له عزة و كبرياۤء ليس في امكانه مقابلته و لا مساواته بل لايجد في نفسه و ان تعزّز و تكبّر في نفسه و عند غيره الّا الانقياد لطاعته سواۤء تطابقت فطرة اللّه سبحانه فيه مع طبيعته العمليّة كالمؤمنين ام تقابلَتَا كالمنافق۪ينِ و سواۤء عرفا ذلك بالتصور و العلم اَمْ لَا و سَواۤء عرفاهم عليهم السلم بانّهم هم ارباب ما شاهَدُوا من الكبرياۤء و العزة و الشّرف اَمْ لَا و لهُ فضاۤئل و مَناقِبُ ليس في امكانِه۪ بلوغ ادني اداني بعضها له و لغيره سواهم و له عزّة ليس في اِمْكٰانِه۪ اَنْ يحوم حول ادنَي مراتبِها هو او غيره سواهم و في هذِه۪ كلِّها و ما يجري مجراها من الصفات الحميدة كالعلم و القدرة و الغني باللّهِ عن كل من سواهم من الخلق في كل شي‌ءٍ و حاجة كل من سواهم اليهم في كلّ شي‌ء و غير ذلك يجري جميع المخلوقات عَلي حَدٍّ وَاحدٍ بل قد كان كلّ من اتّصفَ بشي‌ء من هذه الصفات الحميدة بالحق لا بالدعوي كالانبياۤء و الاوصياۤء و الاولياۤء تكون ذلّتُهُ و طاعته و خضوعه لهم اشدّ بنسبة ما اُوتي لقوّة مَعْرفتِه فمن عرفهم و عرف ذلك منهم فذلك و الّا فكما قلنا يجد في نفسه وجود شي‌ء قد تفرّدَ بخصال حميدة لايُدَان۪يهِ احدٌ من الخلق فيها بحيث تجد في نفسه انحطاطَهُ و انحطاط غيره عن اَدْنَي مَرْتَبةٍ من مراتبها فقد يشرق بعض اشعتها عَلَي بَعْضِ الخلق من صادقٍ و مُدّعٍ وَ اِذَا نسبَهُ من وَجده في نفسِه او غيرِه۪ الي ما آتيٰهم اللّه سبحانه من جزيل عطاۤئه لم‌يجده شيئاً و طأطأَ لشرفهم و بخعَ لطاعتهم و خضع لفضلهم و ذلّ لهم علي نحوِ ما قلنا يعني سواۤء عرف و تصوّر ام لا و سواۤء ظهرت له عليهم صلوات اللّه عليهم ام علي غيرهم كما لو رأٰي نهر الفرات في حال احتياجه الي الشرب و السحاب الهامي حال احتياجه الي المطر و الدواۤء حال مرضه و الطّبيب الماهر حال احتياجه الي المعالجة و نظر الي الجبل العظيم و نسب قدرته الي حمله بنفسِه۪ كما هو و الجبل كما هو و كذا لو رأي السماۤء و نسب قدرته الي صعوده كما هو و السماۤء كما هو او نسب قدرته علي خَوْضِ الماۤء الي خوض البحر المحيط كما هو و البحر كما هو و امثال هذه فانّه يجد العجز في نفسه و القصور عن ذٰلِك و انما وجد العجز لما ظهر لهُ من امر لايحتمله و كذلك الحال في نفس الامر فانه لايحتمله فلاتنفكّ نفسُه عن الخضوع و الانقياد و الذّلّة فما ظهر له من عظم هذه او افتقاره الي ما لا استغناۤء له عنه منها فانّه اثر قليل و حال ضعيف بل ظلٌّ مُتَلَاشي ممّا هم عليه صلوات اللّه عليهم من العزة و العِظَم و الاستغناۤء باللّهِ عما سواه و احتياج ما سواهم اليهم و انحطاط مقاماتهم و مراتبهم و هممهم دونهم عليهم السلم بل دون ما ظهر من آثارِ ما هُم عليه علَي هذِه الاُمورِ المذكورة و معني قولي سواۤء ظهرت له عليهم صلوات اللّه عليهم ام علي غيرهم هو هذا المذكور كما يجد في نفسه مثلاً من عجزه عن حمل الجبل لعظم الجبل و ثقله لاتنفكّ نفسه عن وجدان ذلك و هو اثر من آثار عظمتِهم بل آثار الٰاثار الي سبعين الفاً في رتبة النزول و ما عِظَم الجبال لولا اشراق جزئيّ من آثار عظمتهم و هكذا ساۤئر ما ذكر و ما لم‌اذكر هذا في جانب الحب و الرغبة و الرجاۤء و المطلوب و في جانب الكراهة و الرهبة و اليأس و المحذور علي العكس و كلّ لايتناهَي في الامكان قال عذابي اصيب به مَن اشاۤء و رحمتي وسعت كلَّ شَيْ‌ءٍ ، و اعلم انا قلنا كما اشار عليه السلم بقوله فيما تقدم حتي لايبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا صدّيق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دنيّ و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبّار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بين ذلك شهيدٌ الّا عرّفهم جلالة امركم و عظم خَطركم و كبر شأنكم و تمام نُورِكم و صدق مقاعدكم و ثبات مقامكم و شرف محلّكم و منزلتكم عنده و كرامتكم عليه و خاصّتكم لديه ه‍ ، تدبّر في هذه الكلمات هل بقي شي‌ء لم‌يعرّفه اللّه ما هم عليه عنده سبحانه فاذا قلتَ لم‌يبق شي‌ء قلتُ لك و هل احد غيرهم يعلم ذلك او يحصي ذلك فيكون مساوياً لهم او اعلي منهم فاذا قلتَ لا قلتُ لك فقد دلّ هذا علي ان كلّ شي‌ء من الخلق عرف منهم ما لايحيط به و لايحصيه و لا ريْبَ انه يلزم منه خُضوعه و ذلّته و اقراره بالعجز و القصور سواۤء عرف الشي‌ء بنفسه امْ اثره فيهم ام في غيرهم و اللّه يقول الحق و هو يهدي السبيل .
قال عليه السلم : و اشرقت الارض بنوركم و فاز الفاۤئزون بولايتكم بكم يسلَكُ الي الرضوان و علي مَنْ جحدَ وِلايتكم غَضَبُ الرحمن
قال الشارح المجلسي رحمه اللّه و اشرقت الارض بنوركم اي بنورِ وجودكم و هدايتكم و فاز الفاۤئزون بولايتكم اي لم‌يصل احد الي مرتبةٍ من المراتب الا بسبب اعتقاد امامتكم و محبّتِكم و مُتَابعتِكم بكم يسلك الي الرضوان خازن الجنان الموصل اليها او الجنّة او رضي اللّه سبحانه فانه اعلي الدرجات انتهي .
اقول قوله عليه السلم و اشرقت الارض بنوركم اقتباس من قوله تعالي و اشرقت الارض بنورِ ربّها ، و روي عن الصَّادِق عليه السلم في هذه الٰاية قال رَبُّ الارْض امَام الارض قيل فاذا خرج يكون ماذا قال يستغني الناس عن ضوء الشمس و نور القمر و يجتزون بنور الامام و روي المفيد عن الصادق عليه السلم قال اذَا قامَ قاۤئمُنا اشرقتِ الارض بنور ربِّها وَ اسْتغني العباد عن ضوء الشمس و ذهبت الظلمةُ ، اقول قوله عليه السلم في الٰاية ربّ الارض امام الارض لان الربّ هو المربّي لها و المصلح و هذه صفة الامام و قوله يستغني الناس عن ضوء الشمس يحتمل وجوهاً و ظني انّها كلّها مرادة و لهذا قلتُ يحتمل وجوهاً و لم‌اقل يحتمل احدَ وجوهٍ منها ان المؤمن اذا قام القاۤئم عليه السلم تنكشف له العلوم و الاسرار كما روي عن علي عليه السلم انه قال اذا قام قاۤئمنا يستغني كل احدٍ عن علم الٰاخر و هو تأويل قوله تعالي يغن اللّه كلّاً من سعته و يشرف علي حقاۤئق الاشياۤء لشدّة نور قلبه من جهة مقابلة الامام عليه السلم لقلب المؤمن فيشرق قلبه بنوره عليه السلم و يكمل ايمانه في اركانه الثلاثة الاعتقاد فيثبت علي ما لو سمعتموه لكفرتم كما كان في حق سلمن و ابي‌ذرٍّ و اللسان فينطق بما يوضح عن مرادِ امامه عليه السلم من كل ما احبّ اللّه تعالي ان يقال و الاركان فيعمل بعمل امامه عليه السلم لانه حينئذٍ قوي الايمان و العلم و المعرفة و الامام عليه السلم داۤئماً ناظرٌ اليه فانه في وجوده يراه كل احدٍ في مشرق الارض و مغربها و هو في مكانه كما يرون القمر لانه عليه السلم اذا خرج وضع يده علي رؤس الخلاۤئِق فيكمل بذلك ايمانهم فيكونون في جميع الاعمال علي حدّ الصدق مع اللّهِ و الاخلاص في العمل بنسبة ما يمكن في حقّه فاذا كان بهذا المقام من العلم و الاطّلاع علي حقاۤئق الاشياۤء بما يمكن له و الصلاح و الدّ۪ين و التقوي و الزهد و الورع و اليقين و الايمان الكامل في غاية ما يمكن في حقّه من صحة الاعتقاد و صدق اللسان و مطابقته للقلب و الاخلاص في الاعمال الصحيحة الصالحة التي هي مطابِقَة لمراد امامه عليه السلم الي غير ذلك بحيث يصدق عليه انه متابع لامامه عليه السلم في الاعتقادات و الاقوال و الاعمال فيكون اذ ذاك منشرح الصَّدْر للاسلام ممتحن القلب للايمان فاذا اطمأنّ علي ذلك رفع اللّه عن بصيرته الحجاب و ارقاه في الاسباب و فتح له الابواب و اراه ما استتر و غاب فحينئذٍ يستغني بهذا النور الذي هو نور امامه عن ضوء الشمس و نور القمر و يجتزون بنور الامام (ع‌) كما قال جعفر بن محمد عليهما السلم و تذهب الظلمة كما في الحديث الٰاخر بحيث يشاهد الاشياۤء في الظلمة كما يشاهدها في النور فمعني ذهبت الظلمة يعني لاتحجب ابصٰارهم لقوّة بصاۤئرهم لا انه لا ظلمةَ في الوجود ،
و منها ان اشراق الارض بنور الامام عليه السلم كناية عن ظهور الحق و انتشار العدل عند ظهوره عليه السلم حتي لايُستخفَي بشي‌ء من الحق مخافة احدٍ من الخلق فان العدل الذي ينشره تزين به الارض كالنّور بعد ما ملئت ظلماً و جوراً الذي هما ظلمة باطنيّة و قد روي الظلم ظلمات يوم القيمة ففي دولة الظالمين قد عمّت ظلمة الظلم و اذا قام القاۤئم اللهمّ عجّل فرَجه ذَهبت هذه الظلمة ،
و منها زمان رجعتهم ليس مثل زمان الدنيا بل هو زمان واسطة بين زمانِ هذه الدّنيا و بين زمان الٰاخرة فهو و ان لم‌يكن علي حدّ لطافة زمان الٰاخرة لكنه الطف من زمان الدنيا فيستغني العباد بنور وجودهم عليهم السلم عن ضياۤء الشمس و نور القمر و ان كانا موجودين لشدّة صفاۤء ذلك الزمان ببركة وجودهم و تذهب هذه الظلمة الموجودة في هذه الدنيا لانها انّما حدثت بكثافة الارض و كثافة الارض انّما حدثت بوقوع المعاصي فيها و لهذا قيل ان البقاع التي لم‌يَطأ عليها ابن آدم بذنوبه شفّافةٌ لاتُرَي كمثل السموات و انّما هذه الكثافة حدثت من ذنوب العباد و في زمان رجعتهم عليهم السلم تطهر الارض من المعاصي و اهلها فتذهب الظلمة لذهاب علّتِها و لان ذلك الزمان زمان البرزخ و لهذا يري الناس الملاۤئكة رأي العين و الجنّ و ساۤئر الارواحِ و تظهر الجنّتان المدهاۤمّتان و قد روي ان عليّاً عليه السلم قال في وصف حال رجعتهم و زمانها و عند ذلك تظهر الجنّتان المدهاۤمّتان عند مسجد الكوفة و ما وراۤء ذلك بما شاۤء اللّه و قد تقدّم هذا الحديث في ذكر الرجعة فراجعه و علي هذا تذهب هذه الظلمة و ان وجدت ظلمة بنسبة ذلك الزمان كما اشار اليه قوله تعالي و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيّاً و ذلك في حقهم و حق اصحاب جنان البرزخ من الارواح فان الوقتَ واحد الّا ان تلك الظلمة لاتحجب ابصارهم فصحّ انهم يستغنون عن ضوء الشمس و صح انّ هذه الظلمة التي الٰان موجودة تذهب هنا كما ذهبت عن ارواح المؤمنين عند مفارقتهم للابدان في هذه الدنيا ،
و منها انّ الامام عليه السلم اذا ظهر بسط العدل و الحق في الارض و ارتفع الجور و الظلم منها وَ هذا نور الامام عليه السلم الذي اشرقت به الارض و تزيّنت بظهور البركات حتي انّ الاشجار تحمل في كل سنةٍ مرّتين و تظهر الكنوز و يستغني الناس حتّي ان الرجل ليحمل زكوة ماله و يطلب فقيراً يأخذها فلايجده و يظهر في الارض ظاهر قوله تعالي لاصحاب الزراعات من المؤمنين كمثل حبّة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبّة و اللّه يضاعف لمن يشاۤء ، و كانت الارض قبل ظهوره عليه السلم قد مُلِئَتْ ظلماً و جوراً و الناس في تلك الظلمات ظلمات الظلم و الجور يسعون فيها ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج المؤمن يده لم‌يكد يراها فانهم حينئذ لم‌يجعل اللّه لهم نوراً اي لم‌يظهر لهم اماماً و هذه الظلمات المشار اليها سنة الشمس و بدع القمر فانّ الشمس و القمر اعرابيّان من المنافقين اسَّسَا هذه الظلمات التي كان المؤمن لايبصر فيها يده و هي اثرهما و نور الشي‌ء اثره و كان اصحابهما يسمّونهما بالشمس و القمر فانزل اللّه سبحانه علي نبيّه صلي اللّه عليه و آله الشمس و القمر بحسبان و حسبان اسم النار كما قال تعالي و يرسل عليها حسباناً من السماۤء فتصبح صعيداً زلقاً اي يرسل عليها ناراً فلمّا كانا يسمّيانِ بالشمس و القمر و يسمّون ما احدثا من البدع حقّاً و هدي و الحق ضياۤء كضياۤء الشمس و الهدي نورٌ كنور القمر قال عليه السلم ان العباد كانوا ينتفعون في هذه الدنيا في سعيهم الي الٰاخرة بهذه البدع التي هي ظلمات بعضها فوق بعض و يسمّونها ضياۤءً و نوراً اي حقّاً و هُديً مع انها ظلمة فاخبر بانه اذا قام قاۤئمهم عليهم السلم اشرقت الارض بنور عدله و استغني العباد بنور عدله عن ضياۤءِ ذلك الشمس و نور ذلك القمر و ذهبت تلك الظلمة ،
و منها انّ من حكمة خلق الشمس انّها حاۤرّة فتسخّن العالم بحرارتِها فتصلح بها الزروع و الثمار و الابدان و الارواح بتقوية الحرارة الغريزية المصلحة لمطارح الارواح و يعين القوي و الطباۤئع علي تجفيف الرطوبات الفضلية من القلب و الدماغ فيستضيۤ‌ء البدن باشراق الانوار المعنوية لارتباطها بها فتتعلق بها الارواح و العقول تعلّق التدبير و من حكمة خلق القمر انه بارد فيبرّد العالم ببرودته لان الشمس حارّة و لو استمرت حرارتها احرقت مَا كانت اصلحته كما لو اردت ان تجفّف ثوبك الرطب علي النار لتلبسه فصلاحه منها حتي تجفّ رطوبته و لو تركته بعد ما جفّ احرقته و فسد فكما ان الشمس انما جعلت تعاقب القمر لتسخّن ما بَرَّدهُ لان البرودة لو دامت افسدت العالم كذلك القمر يعاقبها ليبرّد ما زاد من حرارتها علي القدر النافع ذلك تقدير العزيز العليم فاذا كثرت معاصي العباد ادّبهم سبحانه و روّعهم باَنْ حجَب عنهم نور الشمس في وقت الحاجة اليه او حجب عنهم نور القمر في وقت الحاجة اليه و ذلك في الكسوف و الخسوف فينحبس عنهم المدد المصلح و يقع في العالم اثر فقدان ذلك المصلح فتحدث مفاسد في زروعهم و اشجارهم و مواشيهم و ابدانهم و نفوسهم و اراداتهم و عقولهم و عزاۤئمهم و اعمالهم و غير ذلك ممّا يريد سبحانه علي قدر ما استحقوه بعضاً من بعض او من كلّ فامرهم حين حبس عنهم المدد الظاهري بذنوبهم باَن يفزعوا الي اللّه سبحانه و يتوبوا و يستغفروا و يصلّوا ففتح لهم بما امرهم به باب المدد الباطني الذي هو اقوي في اصلاح ما فسد بفقدان المدد الظاهري فكان هذا العمل و الصلوة مغنية عن ضوء الشمس و نور القمر مع انها فرع من فروع الامام عليه السلم و باب لبعض بيوت ولايته و مساكنها لانّها هي و جميع الاعمال مبنيّة علي ولايته و محبّته و طاعته و الاقرار بفضاۤئله و الامتثال لامره و الانزجار عند نهيه فاذا ظهر انما يظهر باقامة الاعمال الصالحة التي هي قوام المدد الباطني الذي به صلاح الدنيا و الٰاخرة علي اكمل وجهٍ يريده اللّه سبحانه من عباده فبظهوره و بما اقام من دين اللّه تصلح الشمس و القمر و جميع الافلاك و العالم العلوي و السفلي و جميع الخلاۤئق من الحيوانات و النباتات و المعادن و الجمادات فتستغني العباد بنوره عن ضوء الشمس و نور القمر لانهما في الحقيقة آلَتَانِ لنوره و اقوي من هذه الٰالةِ فان نور الشمس اقوي من نور القمر بسبعين مرة و نور الامام عليه السلم اقوي من نور الشمس في كلّ ما خلقت الشمس له و ما يراد منها الف‌الف‌الف مرّة و اربعةٰ‌الاف‌الف مرة و سبعمائة‌الف مرة و عشرةٰ‌الاف مَرّة كما اشارت اليه رواية علي بن عاصم في باب الرؤية عن الصادق عليه السلم نور الشمس جزؤ من سبعين جزءاً من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش و العرش جزؤ من سبعين جزءاً من نور الحجاب و الحجاب جزؤ من سبعين جزءا من نور الستر الحديث ، و الحجاب هم الكروبيّون و هم شيعتهم من الخلق الاول خلق اللّه تعالي انبياۤءَهُ علي صورهم فنوح عليه السلم علي صورة احدهم و اسمه يعني نوح سمّي باسمه و ابراهيم عليه السلم علي صورة احدهم و اسمه و موسي عليه السلم علي صورة احدهم و اسمه و هذا هو الذي تجلّي للجبل حين سأل موسي ربّه ما سأل فجعله دكّاً و عيسي عليه السلم علي صورة احدهم و اسمه و بنور هذا الكروبيّ كان عيسي عليه السلم يبرئ الاكمه و الابرص و يحيي الموتي ،
فاذا عرفتَ ما ذكرنا تبيّن لك ان العباد يستغنون عن ضوء الشمس و نور القمر بنورهم عليهم السلم اذا رجعوا الي الدنيا و مكّنهم اللّه في الارض لاظهار دينه و قوله عليه السلم و اشرقت الارض بنوركم يريد به ما ذكرنا في الارض و ما كان في هذه الدنيا ايضاً و ان كان في دولة الباطل اذ لولا وجودهم في هذه الدنيا في قلوب شيعتهم و اَلْسنتِهِم و ابدانهم و في صدور المسلمين و السنتهم و ابدانهم لاشتدّت الظلمة و تراكمت فلم‌يعبد اللّه سبحانه في ارضه من ساۤئر خلقه الّا بما اضطرّوا اليه لانّه من لوازم الايجاد اذ لو لم‌يوجدوا عليهم السلم لم‌يوجد مخلوق فلمّا وجدوا وجد الخلق و اضطر الخلق في ايجادهم الي عبادة اللّه سبحانه بشرع الكون الوجودي و لمّا ظهروا عليهم السلم في هذه الدنيا اظهروا في الخلق عبادة اللّه عز و جلّ بشرع الكون التشريعي الاختياري لانه اثر ظهورهم في هذه الدار و تمكينهم اي تمكين اللّه سبحانه ايّاهم في القوالب و ان لم‌يمكّنهم في الظاهر و اذا رجعوا الي الدنيا مكّنهم في الارض و ما فيها فيظهرهم علي الدين كله و لو كره المشركون اللهم عجّل فرج محمد و آل‌محمد صلي اللّه عليه و آله و اجعلنا من انصارهم و اتباعهم و اللازمين لهم في الدنيا و الٰاخرة بفضلِك و منّك انك ذو الفضل العظيم و المن الجسيم و انت ارحم من كل رحيم ،
و قوله عليه السلم : و فاز الفاۤئزون بولايتكم
المراد به انّ من والاكم فقد فاز اي ظفر بمطلوبه او من قوله تعالي فمن زحزح عن النار و ادخل الجنّة فقد فاز اي فقد نجي كقوله تعالي و ينجّي اللّه الّذين اتّقوا بمفازتهم اي بسبب منجاتهم يعني بسبب العمل الصّالح او فاز النّاجون او الظافرون بولايتكم لانّها هي الخير او خير الخير او كلّ الخير او هي الجنّة كما قال الصادق عليه السلم لِمَنْ سَمِعه يقول اللهم اَدْخلنا الجنّة قال انتم في الجنّة و لكن سَلُوا اللّه اَلَّايخرجَكم منها انّ الجنّةَ هي ولايتنا فولايتهم هي الجنّة و هي نعيم الجنّة و هي سبب الجنّة و هي صورة الجنّة و هي معني الجنّة فاذا جعلتَ الفوْز بالمطلوب و الظفر بالمحبوب هو الولاية كان المراد بالولاية النعيم كما في قوله تعالي ثم لتسئلنّ يومئذ عن النعيم ، و في عيون‌الاخبار عن الرضا عليه السلم ليس في الدنيا نعيم حقيقي فقال له بعض الفقهاۤء ممّن حضره فيقول اللّه تعالي ثم لتسئلنّ يومئذٍ عن النّعيم اَمَا هذا النعيم في الدنيا و هو الماۤء البارد فقال له الرضا عليه السلم و علّا صوته كذا فسّرتموه انتم و جعلتموه علي ضروبٍ فقالت طاۤئفة هو الماۤء البارد و قال غيرهم هو الطعام الطيّب و قال آخرون هو طيّب النوم و لقد حدّثني ابي عن ابي‌عبداللّه عليهما السلم انّ اقوالكم هذه ذكرت عنده في قول اللّه عز و جل ثم لتسئلُنّ يومئذ عن النعيم فغَضِب و قال انّ اللّه عز و جل لايسئل عباده عما تفضّل عليهم به و لايمنّ بذلك عليهم و الاِمتنان بالانعام مستقبَحٌ من المخلوقين فكيف يضاف الي الخالق عز و جل ما لايرضي المخلوقون و لكن النعيم حبّنا اهل البيت و موالاتنا يسئل اللّه عنه بعد التوحيد و النبوّة لانّ العبد اذا وَفي بذلكَ اَدّاه الي نعيم الجنّة الذي لايزول و في الكافي عن الصادق عليه السلم في هذه الٰاية ان اللّه عز و جل اكرم و اجلّ ان يطعمكم طعاماً فسوَّغكموه ثم يسألكم عنه و لكن يسألكم عمّا انعم عليكم بمحمد و بٰال‌محمّد صلي اللّه عليه و آله ، فَعلَي انَّ المراد بالولاية النّعيم يترتّب علي ذلك بعض نَعيمٍ ليس مطلوباً لعدم علم الفاۤئز به بكنهه بل و لايخطر علي قلبه و هو مما يترتّب علي الولاية من النعيم كما قال تعالي فلاتعلم نفس ما اخفي لهم من قرّة اعين ، و كما في الرواية ما لا عين رأت وَ لٰا اُذْنَ سمعَتْ و لاخَطر علي قلبِ بَشرٍ و كذلك قوله تعالي و لدينا مَز۪يد فان هذا المزيد الذي قال تعالي لدينا لم‌يكن ممّا يشاۤؤن لانهم لايعلمونه و لا من الّذ۪ي قال تعالي فلاتعلم نفس ما اخفي لهم من قرّة اعين لانّ المزيد يرد علي اهل الجنّة قبل هذا و انزل منه رتبةً لان المزيد و ان لم‌يشأه المؤمن لعدم علمه به الّا انه قد يعلمه غيره بخلاف ذلك فانه لاتعلمه نفس و يترتّب عليها ما هو معلوم بالاجمال و ما هو معلوم بالتفصيل و من هذا محبّتهم و هي محبّة اللّه و في حديث الاسرار قال اللّه تعالي يا احمدُ انّ في الجنّة قصراً من لؤلؤة فوقَ لؤلؤةٍ و درّةٍ فوقَ درّة ليس فيها قصم و لا وصل فيها الخواۤصّ انظر اليهم كل يوم سبعين مرة و اكلّمهم كلّما نظرتُ اليهم ازداد ملكهم سبعين ضعفاً و اذا تلذّذ اهلُ الجنّة بالطعامِ و الشراب تَلذّذوا اولۤئِك بذكري و بكلامي و حديثي الحديث ، هذان اذا جعلتَ المطلوب الذي ظفِرَ به الفاۤئز هو الولاية و المحبّة و ان جعلتَ الولاية صورة المطلوب قلتَ المراد بالولاية هو طهارة الباطن بالمعرفة للّه سبحانه و اسماۤئه و صفاته و افعاله و بمعرفة محمّد و اهل بيته علي و فاطمة و الحسن و الحسين و التسعة الاطهار من ذريّة الحسين صلي اللّه علي محمد و علي و عليهم اجمعين و بمعرفة انبياۤئه و رسله و كتبه و باليوم الاوّل الذي هو رجعتهم عليهم السلم و باليوم الٰاخر و معرفة محمّد و اهل بيته صلي اللّه عليه و عليهم معرفة انهم معانيه و معرفة انهم ابوابه و بمعرفة انهم ائمة الهدي و اعلام التقي و العروة الوثقي و بمعرفة اركان قاۤئمهم و نقباۤء شيعتهم و نجباۤئهم و طهارة الظّاهر من رفع الاحداث عن الجسد بالوضوء و بالغسل و التيمّم و رفع الاخباث عن الجسد و الثياب للعبادات من الاحياۤء و الاموات و عن الاواني للاستعمال و عن المطاعم و المشارب للاكل و الشرب وَ عن المسَاكِنِ للسُّكنَي و نحو ذلك و اقامة الصلوة و ا۪يتاۤء الزكوة و صيام شهر رمضان او بالتزام و ما كان مندوباً مِن الصيام اَوِ اعْتكاف او حج للبيت الحرام او لزيارة لِاَحَدِهم عليهم السلم و القيام بما حَدَّد من الحدودِ و الاحكام و بما اَبٰان من معاملة ساۤئر الْاَنام و بالجملة فهي جميع ما اَرادَ معرفته من اَحْوَال النّشأتَيْن و امرَ به۪ عبادَهُ من اعمال الدَّاريْنِ و بيان هذا بالاشارة علي وجه الاجمال انّ كلّ صورة معنويّة خلقها اللّه سبحانه في العبد او للعبد اوّلاً و بالذّات فهي من صور الولاية كصورة الايمان مثلاً فان الصورة محدودة بخُطوطٍ و اوضاع كما في هيئة السرير فانه مربّع مستطيل فيحيط به خطّان طويلان متوازيان و خطّان قصيرانِ متوازيانِ كذلك الايمان فانه صورة انسانيّة ربّانيّة يحيط بها خطوط معنويّة كثيرة كخطّ التوحيد في احواله الاربعة توحيد الذات و توحيد الصفات و توحيد الافعال و توحيد العبادة فالاول : و قال اللّه لاتتّخذُوا الهين اثنين انما هو اله واحد و الثاني : ليس كمثله شَي‌ء و الثالث : اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات و الرابع : و لايشرك بعبادة ربه احداً ، و كخطّ الشهادة بالرسالة يجمعهما اشهد اَلّا الٰه الّا اللّه وحده في هذه الامور الاربعة لا شريك له في شي‌ء منها و اشهد انّ محمداً عبده و رسوله صلي اللّه عليه و آله و ما يتبع ذلك من الاقرار بنبوّة انبياۤء اللّه و رسله و كخطّ الولاية و الاقرار بانّ علياً و اهل بيته الطاهرين صلي اللّه عليه و عليهم اجمعين خلفاۤء اللّه و اوصياۤء رسول اللّه صلّي اللّهُ عليه و آله و اولياۤء اللّه و حُججه علي خلقه و امناۤؤه علي وحيه و حُفّاظه علي خلقه و منارُهُ في بلاده و الولاية لهم و لشيعتهم الي التُّراب الطَّيِّبِ و البَراۤءة من اَعْدَاۤئِهم و اشياعهم الي التراب المالح وَ الاَرْضِ السَّبِخَةِ و كخطّ الايمان بالموت و القبر و المسئلة و البرزخ و النشر وَ الحشر و الحساب و الصراط و الميزان و تطاۤئر الكتب و الختم علي الافواه و انطاق الجوارح و النار و ما اعدّ فيها من العذاب و الاغلال و الحوض و الجنّة و ما اعدّ لاهلها من الملابس و المشارب و النكاح و برجعة محمد و آل‌محمّد صلي اللّه عليه و آله الي الدنيا حتي يملئوا الارض قسطا و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً و الاقرار بالبداۤء و الّا جبر و لا تفويضَ اِلي غير ذلك من الامور التي يجب الايمان بها مما جاۤء به محمد صلي اللّه عليه و آله من احوال النشأتين و كخطّ الاعمال كالصلوة و الزكوة و الصيام و الحج و الجهادِ و غير ذلك و كخطّ المروة و الشجاعة و الكرم و الزّهد و الورع و التقوي و اليقين و التجافي عن دار الغرور و الانابة الي دار الخلودِ و القول بالعلم و عدم القول مع الجهل و ترك هوي النفس الامّارة و اتّباع دواعي العقل و امثال ما ذكرنا فان الصورة التي تحيط بها هذه الخطوط علي جهة التّبعيّة و التفقّد و لو غالباً هي صورة الايمان و لو كان ذلك علي جهة الاصالة و التفقّد علي جهة الاحاطة مع عدم الترك لشَي‌ءٍ منها و لا لبعضٍ من شَي‌ء كانت صورة الايمان الَّتي هي مَحلّ العصمة و صورة الايمان المطلقة صورة كليّة ذات صور متعددة من صور الولاية و هي صور متعدّدة مثلاً الطهارة صورة تاۤمّة منها لاشتمالها علي الحدود الّتي حدّدوها المذكورة في علم الشريعة من الوضوء و الغسل بالماۤء الطاهر المباح و التيمّم بالتراب الطاهر المباح علي الوجه الذي امر به في الامور الثلاثة و كذلك الصلوة و الزكوة و غيرهما فكلّ شي‌ء مما امر اللّه به او ندب اليه فهو صورة من صور الولاية الظاهرة و الباطنة و مجموع باطن هذه الصور صورة الايمان الكامل و باطن باطنِها صورة العصمة و صور عكوسٰاتها من صور المعاصي اي عكوسات ما مثّلنا به صور ولاية اعداۤئهم فامتثال اوامر اللّه سبحانه و اجتناب مناهيه كلها ظاهرها و باطنها علميّها و عَمَلِيّها اعتقاداً و قولاً و عملاً هو صورة الولاية الكليّة و عكس ذلك كله ولاية الاشرار و ائمة الكفار فانهم صالوا النار فولاية الحق و ما يترتّب عليها من الاعتقادات الحق و الاعمال الحق و الاقوال الحق و ما تثمر تلك من انواع النعيم الذي لاينقطع ابداً و جميع ذلك هو باطن الامانة و باطن الباب من الرحمة المكتوبة لعباده المؤمنين و ولاية الباطل و ما يترتّب عليها من الاعتقادات و الاعمال و الاقوال الباطلة و ما تثمر تلك من انواع العذاب الاليم المخلّد ابداً جميع ذلك هو ظاهر الامانة و ظاهر الباب الذي من قبله العذاب و ذلك من قوله تعالي فضرب بينهم بسورٍ له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فالسور محمد صلي اللّه عليه و آله لأنه مدينة العلم و الباب علي صلي اللّه عليه و آله باطنه و هو القيام بولايته فيه الرحمة اي المكتوبة و كان بالمؤمنين رحيماً و ظاهره خلاف ولايته و هو اتّباع ولاية اعداۤئه و بغضه من قبله اي من جهتِه العذاب فان المحبّة منسوبة اليه و هي الجنّةُ لمحبّيه و البغض منسوب اليه و هو النار لمبغضيه فكانت الجنّة و اهلها و اعمالها التي اوصلتهم اليها من ولايته و هي محبّته و كانت النار و اهلها و اعمالها التي اوصلتهم اليها من خلاف ولايته و ظاهرها الذي هو وراۤءَها و خلفها و خلافها و هي بغضه و عداوته فكانتا منسوبتيْنِ اليه و لهذا كان عليه الصلوة و السلام قسيم الجنّة لانّها من حُبّه و قسيمَ النار لانّها من بغْضِه۪ فظهر لمن نظر و اعتبر ان قوله عليه السلم في الفقرة الشريفة و فاز الفاۤئزون بولايتكم جامع لكلِّ خير فمن فاز بها فقد ظفر بكلّ خير في الدنيا و الٰاخرة اللهم يا مقلِّب القلوب و الابصار صل علي محمد و آله الاطهار و ثبّتْنا علي ولايتهم و محبّتهم و علي البراۤءة من اعداۤئهم في الدنيا و الٰاخرة انك ذو الفضل العظيم ،
و قوله عليه السلم : بكم يُسْلَكُ الي الرّضوان
اي بولايتكم و محبّتِكم و اتّباعكم فيما امرتم و فيما نهيتم عنه و بالتسليم لكم و الردّ اليكم و الاخذ عنكم و باللزوم لكم مع البراۤءة من اعداۤئكم و من اتباعهم و الراضين بافعالهم و المقتدين بهم و المسلّمين لهم و الراۤدّين اليهم و العاملين باقوالهم و المقتدين بافعالهم اذ لاتتحقق ولايتكم الّا بالبراۤءة منهم يسلك الطريق الموصل الي الرضوان او بكم لانكم الادلّاۤء الي كل خير و ذلك لانهم القاۤئدون الي الجنّة مَن اتّبعَهم و احبّهم و تولّي بهم او ببركة وجودكم او لاجلِ حبّكم و ولايتكم او لاجلكم يسلك اللّه تعالي بمن اتبعكم و احبّكم او مَنْ عمَّتْه بركةُ وجودِكم او لاجل حبّكم اوْ لاجلِكم طريق الرضوان او يوصله الرضوان و هو الجنّة او يراد به رضوان اللّه او يراد به انه سبحانه يجعل محبّيكم و تابعيكم مجاورين لمحمد صلي اللّه عليه و آله في جنّة عدن لانه صلي اللّه عليه و آله هو الرضوان كما في تأويل قوله تعالي و رضوان من اللّه اكبر ، او يراد من الرضوان ما قيل ان اهل الجنّة لاهلها مقامات و مراتب في القرب كلّما استقرّوا في رتبة من مراتب القرب ما شاۤء اللّه انتقلوا الي مقامٍ فوقه و هكذا فقيل اوّل مقامٍ لهم مقام الرفرف الاخضر ثم ينتقلون منه الي مقام الكثيب الاحمر او الاصفر المسمي بارض الزعفران و هو اعلي من مقام الرفرف علوّاً كبيراً و اشرف و اقرب فاذا مكثوا فيه ما شاۤء اللّه تعالي انتقلوا الي مقام الاعراف و هو اعلي من مقام الكثيب الاحمر او ارض الزعفران علوّاً كبيراً و اشرف و اقرب فاذا مكثوا فيه ما شاۤء اللّه تعالي انتقلوا منه الي مقام الرضوان و هو اعلي ممّا ذكر و اشرف و اقرب بما لايكاد يوصف و يمكثون فيه ما شاۤء اللّه بلا غاية و لا نهاية و ليس وراۤء هذا مقام الّا انه له درجات ينتقلون من درجة الي اخري اشرف من الاخري و لا نهاية لذلك فانهم قبل وصول هذه الرتبة التي هي الرضوان كل جمعة تأتيهم الملاۤئكة المقرّبُون بنجائبَ من نورٍ من نجائب الجنّة فيقول للمؤمن ان ربّك يدعوك ليجزيك او يزيدك من فضله و عطاياه فيركب و يصعد حتي يصل الي المقام الذي دُعِي اليه فيعطي ضعف ما عنده من ممالك الجنّة و نعيمها و لايزال هكذا كلّ جمعة و هو يتنقّل في المقامات كما ذكر و يعطي في كلّ مقامٍ ممّا فوقه حتي ينتهي في سيره في الدرجات و تنقّله في مقامات القرب الي ان يصل الي الرضوان فاذا دُعِي و اتَي قال يا ربّ لا حاجة لي الي العطاۤء فيقال له بلي رضاي عنك و لايزال هكذا ابداً كلّما وفد علي ربّه زاده رضيً عنه جديداً ليس في الجنّة نعيم يدانيه فيمكثون يتنقّلون في مقامات الرضوان و درجات القرب الي الرحمن بلا غاية و لا نهاية فعلي هذا يكون المراد من الفقرة بكم يسلك المؤمن او يسلك اللّه به او يسلكون به الي الرضوان الذي ليس وراۤء نعيمه نعيم هذا معني ما قيل ،
و الذي يجول في نفسي من معني الرضوان المذكور هنا و هو الرتبة القصوي من نعيم اهل الجنّة و فيها تكون تُحَفُ اهلِ الجنّة فيها رضي اللّه سبحانه انّ اوّل هذا المقام بحر الحجاب الابيض و هو اعلي الحجب و اشرفها و الطفها و اشَفُّهَا و هو اوّل ما خلق اللّه من الحجب و لهذا كان هو النهاية في التقييد ليس وراۤء ذلك الّا البيان و رفع الحجاب و هذا آخرُ المقال لان اهل الجنّة في هذا المقام الذي هو كمال الرضوان و غاية الرضوان المسمّي بالبيان و العيان و رفع الحجاب و هو الذي اشار اليه سيّد الوصيين علي اميرالمؤمنين صلي اللّه عليه و آله في جوابه لكميل بن زياد حين سأله ما الحقيقة فقال له ما لك و الحقيقة يا كميل فقال أَولستُ صاحبَ سرّك قال بلي و لكن يرشح عليك ما يطفح منّي فقال اومثلك يخيِّب ساۤئلاً فقال عليه السلم الحقيقة كشفُ سُبُحاتِ الجلال من غير اشارة فقال زدني بياناً قال محو الموهوم و صحو المعلوم فقال زدني بياناً قال هتكُ السِّتر و غلبة السِّرِّ الحديث ، فقوله عليه السلم محو الموهوم المراد بالموهوم هو ما قبل مقام الحجاب الابيض لانه ليس من الموهوم مطلقاً و لكنه برزخ المعلوم و المراد بالمعلوم هو ما اشرنا اليه بقولنا البيان و العيان و رفع الحجاب الذي هو الحجاب الابيض المشار اليه لانّ البيان مقام لا بياض فيه و لا سواد و لا شي‌ء الّا شي‌ء ليس كمثله شي‌ء و هو آية اللّه و دليل اللّه سبحانه و ما وصف به نفسه لعباده المقرّبين عنده و هذا المقام غاية الرضوان و اعلي الجنان و آية الرحمن و هو اوّل ما فاضَ من فعْلِ اللّهِ خلقه اللّه سبحانه و جعله اصل الاصول و نهاية المحصول و هو شي‌ء ليس كمثله شي‌ء و كيف يكون مثله شي‌ء و انّما خلقه اللّه دليلاً عليه ليُعرف به فلو شابهَهُ شي‌ء لكان ذلك الشي‌ء مِثل اللّه تعالي بكسر م۪يم المثل و اللّه سبحانه ليس له مِثل فلايكون شي‌ء مِثل هذا لان هذا هو وصف اللّهِ نفسه لعباده فلو كان شي‌ء يشابهه لكان اللّه تعالي وصف نفسه بوصف لايختصّ به بل يشاركه فيه غيره تعالي اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً و هذا المقام ايضاً هو صحو المعلوم لانه تعالي وصف نفسه بوصفٍ لايشاركه فيه غيره فصَحا المعلوم لمن عرفه في وصفِه۪ كما وصف نفسه فالبيان هو رفع الحجاب و اوّل الرضوان الحجاب الابيض و آخر الرضوان و كماله و غايته البيان و هو الذي اشار اليه اميرالمؤمنين عليه السلم كما رواه جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر عليه السلم انه قال يا جابر عليك بالبيان و المعاني قال فقلتُ له و ما البيان و المعاني قال فقال علي عليه السلم اما البيان فهو ان تعرف اللّه سبحانه ليس كمثله شي‌ء فتعبده و لاتشرك به شيئاً الحديث ، و هذا اوّل ما خلق بعد المشيّة فخلق اللّه سبحانه منه ما شاۤء فاوّل ما خلق منه هذا الحجاب الابيض فالبيان هو الولاية الكبري و الحجاب الابيض هو اليد اليمني و ذلك قوله تعالي يد اللّه فوق ايديهم و هو هذه اليد و لايصل احد من خلق اللّه الي هذا الرضوان المشار اليه الّا بهم صلوات اللّه عليهم ،
و قوله عليه السلم : و علي مَن جحد ولايتكم غضب الرحمن
انما قال غضب الرحمن للسجع و لمعني آخر لايليق هنا ان يقال غضب اللّهِ و ان كان يجوز من حيث المعني لان المراد بالرضوان هو الرحمة المكتوبة و هو سبحانه تجلي يعني استوي علي عرشه بصفة الرحمن فقال الرحمن علي العرش استوي و قال ثم استوي علي العرش الرحمن فاسئل به خبيراً فالرحمة التي هي صفة الرحمن التي استوي بها علي عرشه و هي الرحمة الواسعة كما قال تعالي و رحمتي وسعت كل شي‌ء و هي صفة الرحمن العامة للمؤمن و الكافر و هي علي قسمَيْن صفة فضل و صفة عدل فالفضل هو الرحمة المكتوبة كما قال تعالي فساكتبها للذين يتّقون و يؤتون الزكوة الٰاية ، و هي صفة الرحيم الخاصة بالمؤمنين يوم القيمة و كان بالمؤمنين رحيماً و العدل هو المقاۤصّة نعوذ باللّه من سخط اللّهِ و الغضب من العدل لانه تعالي اذا غضب علي من عصاه عامله بعدله المستجار بك يا اللّه من عدلك فكانت صفة الرحمن تنقسم الي فضلٍ و هو رحمة و الي عدل و هو غضب و استوي علي عرشه بهاتَيْن الصِّفَتَيْن صفة الفضل و هي الرّحمة المكتوبة التي هي صفة الرحيم الخاۤصّة بالمؤمنين و صفة العدل و هي الغضب و مجموع الصِّفَتَيْنِ هي الرحمة الواسعة التي هي صفة الرحمن فلمّا كان الغضب و الرحمة هما الرحمة الواسعة التي هي صفة الرحمن و ذكر انّ بهم عليهم السلم يسلك الَي الرضوان الذي هو الرحمة المكتوبة ناسب ان يذكر كما هو الواقع انّ علي مَن جحد ما هو سبب الايصال الي الرحمة غضبَ الرحمن و لم‌يناسب اَن يقال غضب اللّهِ فافهم و نريد بالجاحد مَن جَحدَ بعد المعرفة و اليقين كما قال تعالي و جحَدُوا بها و استَيْقَنتْهٰا انفسهم ظلماً و علوّاً اي جحدوا بها ظلماً و علوّاً بعد الاستيقان و قدّم الرضوان علي الغضب في الذكر كما تقدم عليه في الاولوية لرجحان الرضي علي الغَضَب و في الوجود كما قال تعالي سبقت رحمتي غضب۪ي ، و في مناقب ابن‌شاذان عن ابن‌عمر عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال (ص‌) الا و من مات علي بغضِ آل‌محمّد ماتَ كافراً اَلَا و مَن مات علي حبّ آلِ‌محمّد ماتَ علَي الايمان و كنتُ انا كفيله بالجنّة ه‍ ، و من امالي الطبرسي بسنده الي صالح بن ميثم التمّار رحمه اللّه قال وجدتُ في كتاب ميثم رضي اللّه عنه يقول تمسّينا ليلةً عند اميرالمؤمنين علي بن ابي‌طالب عليه السلم فقال لنا ليس من عبد امتحن اللّه قلبه بالايمان الّا اصبح يجد مودّتنا علي قلبه و لااصبح عبدٌ سخِط اللّه عليه الّا يجد بغضنا علي قلبه فاصبحنا نفرح بحُبِّ المحبّ لنا و نعرف بغْض المُبغِض لنا و اصبح محبُّنا مُغتبِطاً بحُبِّنَا برحمةٍ من اللّه ينتظرها كل يوم و اصبح مُبغِضنا يؤسّس بُنيانه علي شفا جُرفٍ هارٍ فكان ذلك الشّفا قَد انهارَ في نارِ جهنّم و كان ابواب الرحمة قد فُتِحت لاصحاب اهل الرحمة فهن۪يۤئاً لاصحاب الرحمة برحمتهم و تَعْساً لاصحاب النّار مثويٰهم انّ عبداً لن‌يُقَصِّر في حُبِّنَا لخيرٍ جعله اللّهُ في قلبه و لن‌يُحبَّنا مَن يُحِبُّ مُبْغِضَنا انّ ذلك لايجتمع ف۪ي قلبٍ واحدٍ ماجعل اللّهُ لرجل في قَلْبينِ ( مِنْ قلبَيْن ظ ) يُحبُّ بهذا قوماً و يُحِبُّ بالٰاخر عَدُوَّهُمْ و الذي يحبُّنَا فهو يخلص حُبّنا كما يخلص الذَّهَب لا غشّ فيه نحنُ النجباۤءُ و افراطُنا اَفْراطُ الانبياۤءِ و انا وصيّ الاوصياۤء و انّا حزبُ اللّهِ و رسولِه۪ و الفِئةُ الباغِيَةُ حزبُ الشَّيْطان فمن احبَّ ان يعلم حالَهُ في حُبِّنا فليَمْتَحِن قلبه فان وجَد فيه حُبَّ مَنْ اَلَّبَ علينا فليعلم انّ اللّهَ عَدُوُّهُ و جبرئيلُ و ميكاۤئيلُ و اللّهُ عَدُوّ للكافرين ه‍ ، فان قلتَ مَنْ جحدَ ولايتهم ان كان عن جهلٍ فمقتضي الحكمة اَنَّهُ لايُؤَاخَذُ بفِعْلِه۪ و ان كان يعتقد اَنَّ وِلايتَهُمْ حقّ فلا معني لكونه جاحداً مع اَنَّهُ مُعْتَقِدٌ و ان كابر مقتضي عقله فامره واضح لان معني مكابرةِ عقله ترك العمل بمقتضاه و ترك العمل بمقتضاه ليس جحوداً اذِ الجحود فعل قلبي و لم‌يقع من القلب الّا الاعتقاد لا الجحود قلتُ الجحود الحقيقي هو الانكار و غير الحَقيقي هو عدم قبولهم لا عَنْ معرفةٍ و قد يقع ممّن تكون عاقبتُهُ الي خير كما اذا لم‌يقبلهم عن جهلٍ فلمّا عرف قبلهم و قد يكون ممّن يختم له بالسُّوۤأٰي كمن ينكرهم في التكليف الثالث يوم القيمة و امّا الجحود الحقيقي لايكون عن جهلٍ و هو الانكار بعد التّعريف و حكم هذا ظاهر فالجحود غير الحقيقي و هو ما كان عن جهل ففي الدنيا ضلال و صاحبه علي ظاهر الاسلام و يوم القيمة يكلّف و يلحق باحد الفريقين المؤمنين او الكافرين و امّا مع الاعتقاد بانَّ ولايتهم حقّ فلايخلو اِمّا ان يثبت اعتقاده و يتحقّق اَوْ لا فان ثبت اعتقادهُ فهو مؤمن و ان ظهر منه خلاف الحق فللتّقيّة كما وقع من كثيرين لان الاعتقاد بولايتهم اذا ثبتَ صدر عنه مقتضاهُ من المتابعة و التسليم و الائتمام و الرّدّ اليهم و غير ذٰلِكَ الّا مع التّقيّة من اظهار لَوَازمه و مقتضياته فانّه معها قد يظهر خلاف ما يقتضيه مع وجود لوازمه الذاتيّة من المحبّة و المَيْل القلبي و هذا هو معني ثبوته فانّه لاتتخلّف آثارُه الّا لمانع فاذا عرض المانع منع من الاظهار لا من الاستقرار كما قال تعالي مَن كفر باللّهِ من بعد ايمانه الّا من اكره و قلبه مطمئنٌّ بالايمان و امّا اذا لم‌يثبت كما اذا عرف انهم عليهم السلم ائمة الهدي و ولايتهم من اللّه سبحانه و لكن ليس معه من هذا الّا هذا التصوّر و امّا لوازمها فلاترد علي قلبه الّا بالذكر و التصوّر و معرفة انّ هذا حق بل الدّواعي و الميولات القلبيّة علي خلاف ذلك لِمٰا يعارض تلك المعرفة و ذلك التصوّر من المنافيات كالحسد و التكبّر الحابِسَيْنِ للوازم ذلك التصوّر و تلك المعرفة و المانعَيْنِ من الميل القلبي الي شَي‌ء منها و لايثبت الاعتقاد و لايسمّي ذلك التصوّر و تلك المعرفة اعتقاداً الّا بما يحقّقه و يثبّته من لوازمه مع انتفاۤء الموانع من ذلك و هذا التصور و هذه المعرفة يقال لها است۪يقانٌ لعدم حصول تصوّرٍ منافٍ لها في محلِّها من الفطرة التي فطر اللّه الخلق عليها لانّ فطرة اللّه التي فطر الناس عليها ليس لها خطوطٌ و حدود و هيئات الّا هذا التّصوّر و المنافي انّما عَرضَ من هيئة تغيير الفطرة و تبديلها فما حصل من التصورات الحقّة من هيئة فطْرة اللّه التي فطر الناس عليها المسمّي بالاستيقان في قوله تعالي و جحدوا بها و اسْتيقَنَتْها انفسهم ظلماً و علوّاً فهو شرط التكليف و سببُ قيام الحجة عليهم اذ لو لم‌يعرفوا و يتصوّروا ما كلِّفوا به لماقامت الحجة عليهم فَلَا مُنَافاة بين الجحود و الاستيقان كما قال تعالي لان هذه المعرفة لم‌تثبت لوجود الموانع النافية لما يثبت به هذا الاستيقان كما اشرنا اليه فتفهّم الحمد للّه الذي هدٰانا لهذا و ماكنّا لنهتدي لولا ان هدانا اللّه اللهم يا مقلّب القلوب و الابصار صل علي محمد و آله الاطهار و ثبّت قلبي علي دينك و دين نبيّك صلي الله عليه و آله و لاتزغ قلبي بعد اذ هدَيْتني و هب لي من لدنك رحمة انّك انت الوهّاب و صلي اللّه علي محمد و آله الاطياب .
وقع الفراغ من الجزء الثالث من الشرح الشريف للزيارة الشريفة الزيارة الجامعة و يتلوه انشاۤء اللّه الجزء الرابع و الحمد للّه رب العالمين و كتب احمد بن زين‌الدين الاحساۤئي في اوائل شوّال سنة تسع و عشرين و مائتين بعد الالف من الهجرة النبوية علي مهاجرها افضل الصلوة و ازكي السلام عليه و آله الانجاب الكرام صلي اللّه عليه و عليهم اجمعين حامدا مصلياً مسلماً مستغفراً ، تمت .