05-01 جواهر الحکم المجلد الخامس ـ المجلد الاول من كتاب شرح الخطبة الطتنجية ـ مقابله – الجزء الاول

المجلد الاول من کتاب شرح الخطبة الطتنجیة – الجزء الاول

 

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 7 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و صلّي اللّه علي خير خلقه محمّد و اله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم و مخالفيهم و ظالميهم اجمعين ابد الابدين و دهر الداهرين.

امّا بعــد؛ فيقول العبد الفقير الحقير الفاني الجاني ابن محمّدقاسم محمدكاظم الحسيني الرشتي انّ بعض السادة الاجلاّء النبلاء حرسه اللّه تعالي عن كلّ ضرّاء و لأواء و ايّده بصنوف النعماء و الالاء بمحمّد و اله السادة النجباء النقباء عليهم سلام اللّه مادامت الارض و السماء قد التمس من الفقير بيان الخطبة الغرّاء العليّة العلوية الموسومة بـالطتنجية و كشف رموزها و رفع استارها علي نهج الحقيقة الواقعية الاولية لا الثانوية و كان ذلك امراً منيع الوصال و بعيد المنال لاشتمالها علي اسرار و حقايق و بدايع و معان لم‏تسمح به الافكار و لم‏تحظ لادراكها الانظار لكونها من اسرار ظهورات ولي اللّه الملك الجبّار القهّار و قد ضلّ دونها اسرار اولي الاخطار و الذي طفح علينا رشح من قطرة (من رشح قطرة خ‏ل) من بحار تلك الانوار كثير منها ليست له عبارة و لم‏اعط بياناً و لا اشارة و منها ما لايمكن بيانه لقول مولينا الصادق7 ما كلّ مايعلم يقال و لا كلّ مايقال حان وقته و لا كلّ ماحان وقته حضر اهله و منها مايتوقف بيانه علي ذكر المقدمات الغريبة البعيدة عن الافهام فيجب طيّها لقوله7 لاتتكلّم بماتسارع العقول الي انكاره و ان كان عندك اعتذاره و ليس كلّ ماتسمعه نكراً اوسعته عذراً و منها مايطول بذكر جميع مايتوقف عليه الكلام فيخلّ بالمقام مع ماظهر في هذه الخطبة الشريفة من الاحوال و الامور الغريبة العجيبة التي كانت مطوية في بواطن القرءان و ساير اخبارهم: بحيث ماتحملها العلماء و طرحوها و امثالها محتجّين بانها من وضع الغلاة و حيث كان الامر كذلك تسوفت في الجواب لعلمي بالناس و مايوسوس في صدورهم الخناس فعاد سلّمه اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 8 *»

تعالي في الالتماس و الحّ في السؤال فاجبت مسألته و التزمت طاعته الاّ انّي اتي بمايسهل بيانه و لايعسر برهانه و اعتذر من البسط في المقال و شرح الحال و ذكر الاحوال لتبلبل البال و تراكم الاعراض و الامراض و انواع الاختلال و الميسور لايسقط بالمعسور و الي اللّه ترجع الامور و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم و اني امهّد قبل الشروع في المقصود مقدمة لتنبيه الغافلين و ارشاد المسترشدين.

مقدمـة: اعلم ان العلماء في هذه الخطبة الشريفة و امثالها من الخطب كخطبة البيان و خطبة الافتخار و غيرها من الاخبار كخبر معرفتهم بالنورانية و خبر بيان مقامات المعرفة و غيرها تشعّبوا علي اربع شعب:

الاولي: طرحوا هذه الاخبار و اسقطوها عن نظر الاعتبار و قالوا انها اخبار احاد لاتفيد علماً و لا عملاً و من قال بحجية الظن المطلق قال و ان استفيد الظن بصحّة مضمون هذه الاخبار الاّ انه لايعوّل عليه في مثل هذه المطالب و من قال بحجية الخبر الواحد قال ان ذلك هو الخبر الصحيح من العدل الامامي و تلك الاخبار اكثرها ضعيفة سيّما الخطب و اغلبها في مشارق الانوار للشيخ رجب البرسي و قد حكم العلماء بغلوّه و ما هذا شأنه لا حجية فيه مع ان هذه الاخبار و الخطب تخالفها العقول و فيها رفع الامكان عن مكانه و اثبات الربوبية للمخلوق و استلزام التفويض الذي اطبق العلماء (الشيعة خ‏ل) وفاقاً للاخبار الصحيحة الصريحة المحكمة علي بطلانه و تكفير القائل به و مخالفة الكتاب الصريح حيث يقول اللّه سبحانه هل من خالق غير اللّه، اروني ماذا خلقوا من الارض و هو الذي خلقكم ثمّ رزقكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شي‏ء سبحانه و تعالي عمايشركون و قد دلّت الاخبار و شهد صحيح الاعتبار ان الخبر اذا خالف الكتاب المجيد يضرب علي عرض الحايط و قد شاع و ذاع شيوع الغلاة القائلين بالالوهية لاميرالمؤمنين و اولاده الطيبين الطاهرين: كالنصيرية و الخطابية و الشلمغانية و امثالهم و اغلب رواة هذه الاخبار هم فثبت

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 9 *»

انّ هذه الخطب ليست من اميرالمؤمنين7 و لا الاخبار من اولاده المعصومين عليهم سلام‏اللّه ابد الابدين و انما هي من موضوعات الغلاة و المفوّضة.

الثانية: توقّفوا في تصديقها و تكذيبها حيث رأوا شيوع هذه الاخبار و تكرّرها و تواردها في كتب الفرقة المحقة و ورود الادعية الكثيرة بمضمونها و الزيارات الواردة عن اهل بيت العصمة و الطهارة و ورود الاخبار الكثيرة بمعناها عن اخبار الثقات ايضاً الاّ انّ هنا اخباراً بظاهرها تنفي هذه المضامين و يؤيّدها ظواهر بعض الايات مع ان العقل يقصر عن ادراكها و معرفتها فالتوقف و السكوت فيها اولي لماقال7 (قالوا: خ‏ل) الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات.

الثالثة: تلقوها بالقبول و شهدوا علي حقّيتها لكنهم حاولوا معرفتها بالعقول و لم‏يستندوا فيها الي ال الرسول: بباطن دعويهم و لسان اعمالهم و ان ادّعوا خلافه بظاهر مقالهم فجروا في بيان هذه الخطب مجري الصوفية الملاحدة القائلين بوحدة الوجود. قال الملاّ محسن في قرّة العيون: «قال بعض العارفين اذا تجلّي اللّه بذاته لاحد يري كل الذوات و الصفات و الافعال متلاشية في اشعة ذاته و صفاته و افعاله و يجد نفسه مع جميع المخلوقات كأنّها مدبّرة لها و هي اعضاؤه لايلمّ بواحد منها شي‏ء الاّ و هو يراه ملمّاً به و يري ذاته الذات الواحدة و صفته صفتها و فعله فعلها لاستهلاكه بالكلية في عين التوحيد و لمّا انجذب بصيرة الروح الي مشاهدة جمال الذات استتر نور العقل الفارق بين الاشياء في غلبة نور الذات القديمة و ارتفع التميز بين القدم و الحدوث لزهوق الباطل عند مجي‏ء الحق» الي ان قال: «و لعلّ هذا هو السرّ في صدور بعض الكلمات الغريبة من مولينا اميرالمؤمنين7 في خطبة البيان و في الخطبة الموسومة بالطتنجية و غيرها من نظايرهما كقوله7 انا ادم الاول انا نوح الاول الي اخر ماقال من امثال ذلك صلوات اللّه و سلامه عليه». انتهي كلامه.

الرابعة: عملوا بمقتضي قوله تعالي فلا و ربّك لايؤمنون حتي يحكّموك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 10 *»

فيماشجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مماقضيت و يسلّموا تسليماً فاولئك المؤمنون الممتحنون الذين امتحن اللّه قلوبهم للايمان و شرح صدورهم للاسلام و هم المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين يتأدّبون بادابهم و ينهجون نهجهم فهجم بهم العلم علي حقيقة الايمان فاستجابت ارواحهم لقادة العلم و استلانوا من احاديثهم مااستوعر علي غيرهم و انسوا بمااستوحش منه المكذّبون و اباه المسرفون فانقطعوا الي ربهم و حاولوا قراءة الالواح الافاقية و الانفسية التي قد نقش اللّه سبحانه فيها جميع اسراره المخزونة في ملكوته و جبروته و لاهوته فعرفوها بتعليم اللّه سبحانه و تعالي بالسنة اوليائه بعد ماجاهدوا في اللّه حق جهاده فنظروا في العالم و الكتاب و السنة من غير معاندة و لجاج و لا قاعدة مأخوذة من غير اهل الحق: ليقبلوا مايوافقها و يتركوا مايخالفها او يؤلوا اليها و لا استيناس بطائفة ليميلوا بقلوبهم اليهم ليمنعهم عن اصابة الواقع بتلوّن مرءاة حقايقهم بلون ذلك الميل بل نظروا الي الكتاب و السنة و الايات الافاقية و الانفسية بخالص الفطرة و صافي الطوية طالبي الحق و الصواب من اللّه سبحانه باهل فصل‏الخطاب عليهم سلام اللّه في المبدء و المآب فقابلت مرايا قلوبهم عالم النور الذي هو وجه اللّه سبحانه قال اللّه تعالي اللّه نور السموات و الارض فظهرت في قلوبهم صور الحقايق المنتزعة من كتاب الابرار في عليين فنطقوا بالحق و الصواب و هو قوله عزّوجلّ و الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا و هذه كيفيتها و طريقها فعرفوا الشي‏ء الواحد في مقامات عديدة هي خزائن وجوده قال اللّه تعالي و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه فعرفوه في جميع الخزائن و ان قال تعالي و عنده مفاتح الغيب لايعلمها الاّ هو لكنه قال تعالي عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول و قالوا: نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون اذ كلهم محمّد اوّلهم محمّد و اخرهم محمّد و اوسطهم محمّد9 و لمّا كان الشي‏ء الواحد له اطوار و احوال قال تعالي مالكم لاترجون للّه وقاراً و قد خلقكم اطواراً طور الاجمال و طور التفصيل و طور البساطة و طور التركيب و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 11 *»

طور التصوير و طور التجريد كماقال عزّوجلّ كان الناس امة واحدة فاختلفوا و عرفوا كل هذه الاطوار و ماتقتضيه الاوطار في عالم الانوار بتعليم الائمة الاطهار عليهم سلام اللّه الملك الجبّار صار لايشتبه عليهم شي‏ء في مقام الاختلاف و الكثرة و عدم الايتلاف فيعطون كل ذي‏حق حقه من الاحكام و ان ظهر بالف طور مختلف اذ عرفوا اللطيفة الواحدة السارية في المجموع فلايحصل عندهم تعارض و لا تناقض و لا تضادّ لا في الاكوان و لا في الصفات و لا في الالفاظ و العبارات و لا في اخبار سادة البريات و لا في الايات من المحكمات و المتشابهات فهم مطمئنوا القلب باردوا الفؤاد بالغوا المراد يعرفون الغريب من القريب و يأخذون النصيب من المعلي و الرقيب فلايحتاجون الي طرح الاخبار و لا الي اختلاف الانظار و هم الذين قال اللّه تعالي فيهم فهدي اللّه الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه لان اهل البيت: علماء حكماء عارفون بمواقع الكلام و لحن الخطاب و لم‏يتكلموا بشي‏ء الاّ جعلوا فيه من تسديدهم قرينة تنفيه او تثبته والاّ لم‏يكونوا حجة بالغة و القول بانهم يتكلمون بلسان قومهم و ماجرت به عادة العرب علي نصب القرينة في كل مقالاتهم و لايمكن لكل احد معرفة القرينة لو فرض وجودها باطل لانهم مايتركون نصب القرينة الاّ اذا عجزوا عن ذلك والاّ فمهما يمكنهم لايتركونها و هو معلوم بديهي لكل عاقل و اما عدم الفهم فانما يتصور اذا لم‏يمكنه ان‏يجري كلماته علي نهج واحد و طور متسق فيختلف في المقال فتختلّ معرفة كلامه و اما الذي يقدر علي ان‏يجري كلماته علي اختلافها علي نظم محكم متقن مضبوط متسق يتميز مقاله عن غيره لمن عرف السياق و نظم الكلام فلايترك ذلك و انما يتكلم كذلك البتة الاتري القرءان فانه علي نظم و سياق محكم مضبوط لايشتبه بغيره لمن عرفه و قرأه و واظب عليه و لا ريب ان الامام7 يقدر ان‏يجري كلامه كماذكرنا فلايشتبه بكلام غيره فلايضره دسّ الداسّين و افتراء المفترين اذ في كلامهم: قرائن صدق علي حقّيته و في كلام غيرهم قرائن صدق علي بطلانه الاتري الي الذين

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 12 *»

ارادوا ان‏يأتوا في مقابلة القرءان بسورة كمسيلمة و سجاح فأتوا بشي‏ء يقطع كل من سمع القرءان انه لايشبهه و لاينسب اليه و كذلك اخبارهم: عند من يعرف سياقهم و يطّلع علي نظم كلامهم و عنده موازين قسط من اخبارهم المحكمة و قد قالوا: لكل حق حقيقة و علي كل صواب نور و قالوا ايضاً: انّ نخلة مريم كانت عجوة نزلت من السماء فما نبت من اصلها كانت عجوة و ماكان من لُقاط فهو لون الحديث و الناس لمّا لم‏يطّلعوا علي سياق كلامهم و نظم مقالهم و طور بيانهم و لم‏يعرفوا كيفية الوزن و اخذ القواعد الكلية من الاخبار المحكمة و ردّ غيرها اليها وقعوا فيما وقعوا من التحيّر فاحتاجوا الي طرح الاخبار و اختلاف الانظار و هم /الذين (عليهم‏السلام خ‏ل) اوقعوا الخلاف فيهم لعلمهم بانهم في مقام المجادلة بالتي هي احسن فذكروا الشي‏ء الواحد بوجوه كثيرة و اطوار مختلفة غير مؤتلفة ليختلفوا فتسلم رقابهم عن شرّ الاعادي لكونهم لم‏يكونوا من اهل ذلك الوادي مثالهم العميان و الفيل و اما الذي عرف نظام كلامهم و علم سياق مقالهم فهو علي بصيرة من ربه فيجري هذه الاخبار المتكثرة المختلفة مجري الشي‏ء الواحد الظاهر بالاطوار المختلفة كالتراب الجامع بين الانسان و الحيوان و الجماد و النبات و في كل مايقول و يحكم و يجمع و يفرّق مستند الي كتاب محكم تفسيره او الي خبر واضح تأويله او الي عقل تعرف العقول السليمة عدله ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و هذا معني قول مولينا اميرالمؤمنين7كما سبق معناه انّ المتبعين لقادة الدين الي ان قال7 فيستلينون من احاديثهم مااستوعر علي غيرهم و يأنسون بمااستوحش منه المكذّبون و اباه المسرفون و اولئك اتباع العلماء صحبوا اهل الدنيا بطاعة اللّه تبارك و تعالي و اوليائه و دانوا بالتقية عن دينهم و الخوف من عدوّهم فارواحهم معلّقة بالمحل الاعلي فعلماؤهم و اتباعهم خرس صمت في دولة الباطل منتظرون لدولة الحق و سيحقّ اللّه الحق بكلماته و يمحق الباطل طوبي لهم علي صبرهم علي دينهم حال هدنتهم و يا شوقاه الي رؤيتهم في حال ظهور دولتهم و سيجمعنا اللّه و ايّاهم في جنات عدن و من صلح من

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 13 *»

 ابائهم و ازواجهم و ذرّياتهم و هؤلاء تلقّوا هذه الخطبة و اشباهها من الخطب و الاخبار بالقبول و عرفوها و بينوها علي مافهموا من كلمات ال الرسول: كما نبيّن ان شاء اللّه في خلال الشرح.

و اما الطائفة الاولي الذين طرحوا هذه الخطبة و شبهها من الاخبار و اسقطوها عن الاعتبار و نسبوها الي الغلاة و المفوّضة و غيرهم من الاشرار فاخطأوا جدّاً و استعجلوا كثيراً اما دعويهم بانها من اخبار (الاخبار خ‏ل) الاحاد فليس بصحيح لانها فوق الاستفاضة بل لايبعد ان‏ندّعي تواترها معني لكثرة تكررها و ورودها في الكتاب في مواضع عديدة و الادعية المأثورة سيّما في دعاء رجب المروي عن القائم7 علي مارواه الشيخ في المصباح و الزيارات سيّما الزيارة الرجبية و الزيارة الخارجة عن الناحية المقدسة للحجة7 سلام علي آل يس و زيارات اميرالمؤمنين7 و شيوع انهم: يد اللّه و عين‏اللّه و لسان‏اللّه و اذن‏اللّه و الزيارة الجامعة الكبيرة و احاديث خلق انوارهم قبل الخلق و امثالها من الامور التي لايشكّون و لايختلفون في صحتها و انها منهم سلام اللّه عليهم و نشير الي كل ذلك ان شاء اللّه تعالي علي حسب الجهد و السعة و الاقبال فيما بعد ان شاء اللّه تعالي و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه و كذلك هذه الخطبة الشريفة برواية جابر بن عبداللّه الانصاري و خطبة الافتخار برواية الاصبغ بن نباتة و خطبة البيان و خطبة اخري ايضاً من هذا القبيل و حديث معرفتهم بالنورانية برواية سلمان و ابي‏ذر رحمهما الله و حديث البيان و المعاني برواية جابر بن يزيد الجعفي و حديث مقامات المعرفة برواية جابر في كتاب «انيس السمراء» للشيخ سليمان الحلّي و حديث الاكوان الستة برواية المفضّل و حديث الرتق و الفتق بروايته ايضاً و الاخبار في هذا المعني كثيرة و ربّما تزيد علي الف بل الفين و ليت شعري اي حكم من الاحكام التي يثبتونها عندهم عشرة احاديث او عشرين فاذا امكن ردّ هذه الاخبار امكن ردّ غيرها الذي لم‏يبلغ معشارها و كلها في كتب الشيعة الفرقة المحقة و في ذلك خروج من الدين و كفر بما اتي به سيد المرسلين و طرح الاخبار الكثيرة لعدم المعرفة و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 14 *»

البصيرة ليس من شأن المؤمنين الممتحنين.

ولو سلّمنا انها من اخبار الاحاد نقول ان الخبر الواحد اذا طابق العقل الصحيح الصريح وجب القول به و العمل عليه و كذلك هذه الاخبار فان الادلة العقلية القطعية دالّة علي مضامينها و مدلولاتها بل لايستقيم التوحيد الاّ بالقول بها و لعمري انّ المنكرين يقرّون بها من حيث لايشعرون كمانذكره ان شاء اللّه عند الشرح فوجب اعتبارها و قبولها و ايضاً انّ الخبر الواحد اذا لم‏يكن له معارض اقوي من الكتاب و السنة و اجماع الفرقة المحقة يجب العمل به لكونه حجة لتقرير المعصوم7 علي مابيّنا في ساير رسائلنا بالبراهين العقلية و النقلية و ذكرها هنا يؤدّي الي التطويل و من اراد ذلك فعليه بما كتبنا في جواب من سأل عن الاربعة التي يذكرها الاصوليون و بيانها فانّ مافيه كفاية للمستوضح المسترشد و هذه الاخبار كذلك و دعوي معارضتها ببعض الاخبار باطلة لصحة الجمع بينها و وجدان الدليل عليه من الاخبار الصحيحة او مايقوم مقامها و القول بانها من حيث السند ضعيفة فيه انه ليس كلها كذلك بل فيها اخبار صحيحة الاسانيد باصطلاحهم و الذين حكموا عليهم بالغلوّ ماثبت عندنا ذلك و ماوجدنا منهم شيئاً يدلّ عليه و ليس الحكم بغلوّهم اجماعيّاً حتي يحصل القطع به و اخبار الخطّابية و الشلمغانية و اضرابهم ليست معمولاًبها عندنا الاّ اذا كانت محفوفة بقرائن الصدق لقولهم: انّ لنا اوعية من العلم نملاؤها علماً لننقلها اليكم فخذوها و صفّوها تجدوها نقية صافية و ايّاكم و الاوعية فانها اوعية سوء فنكّبوها مع ان القميّين الذين كان اكثر الجرح و التعديل في الاخبار و الرواة عنهم كانوا يحكمون بالغلوّ بادني شي‏ء فعلي قولهم نحن كلّنا غلاة عندهم كما قال الصدوق في الفقيه عن شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد «انّ ادني الغلو انكار سهو الانبياء و الائمة: » و لا شك انّا ننكر ذلك بل نجعلهم معصومين مطهّرين عن كل دنس فتبصر و القول بانها تخالف العقول باطل لما ذكرنا و لمانذكره ان شاء اللّه تعالي من دلالة العقول الصحيحة عليها. نعم تخالف العقول المعوجّة و ليس فيها

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 15 *»

رفع الامكان عن مكانه و انما هي تنزيه القديم و الازل عن شوائب الجهات الامكانية كما ستعرف ان شاء اللّه تعالي و لا فيها اثبات الربوبية للمخلوق و انما هي كما قال عزّوجلّ عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و لاتستلزم التفويض المجمع علي بطلانه و انما هي كماقال اللّه تعالي اللّه يتوفّي الانفس حين موتها الاية و قال تعالي قل يتوفّيكم ملك الموت الذي وكّل بكم و لاتنافي قوله تعالي هل من خالق غير اللّه و انما هي كما قال سبحانه فتبارك اللّه احسن الخالقين. و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيها فتكون طيراً باذني و الخبر اذا خالف الكتاب المجيد لا شك انه يضرب علي الحايط الاّ ان هذه الخطبة و الاخبار موافقة للكتاب المجيد و مفسّرة و مفصّلة له كما ستعرف ان شاء اللّه العزيز فثبت ان هذه الخطبة من مولينا علي اميرالمؤمنين7 علي القطع و اليقين اذ فيها كلمات و مقامات يقصر مقام المخلوقين سواه7 عن ذلك.

و اما الطايفة الثانية فهم و ان سلّموا في ظاهر الامر حيث اقرّوا بعجزهم و قصورهم عن ادراكها الاّ ان دعوي معارضتها مع الاخبار و ظاهر الكتاب باطلة كما عرفت و اما موافقة الجمهور فليست شرطاً سيما في مثل هذه الامور التي معرفتها حظّ المؤمنين الممتحنين الذين هم اعزّ (اقلّ خ‏ل) من الكبريت الاحمر و العوام ليسوا مخاطبين بامثال هذه المعارف المطويّة في هذه الخطبة الشريفة فيلهي عنهم ليظهر لهم الامر يوم القيمة يوم يقوم الناس لرب العالمين.

و اما الطايفة الثالثة فقد اصابوا في القبول و التصديق و اخطأوا في التبيين (التعيين خ‏ل) و التحقيق حيث اوّلوها علي غير مرادهم: بل بمايلزم منه المفسدة العظيمة و الزندقة الكبيرة. الاتري قول الملاّمحسن حيث قال عن بعض العارفين: «اذا تجلّي اللّه بذاته لاحد» الخ فانه مبني علي القول بوحدة الوجود و معني تجلّي اللّه بذاته لاحد عندهم كشف حجاب الانيّة و التعيّن الفارقة بين القدم و الحدوث فان ذات العبد عندهم هو الوجود الصرف الذي هو ذات اللّه سبحانه قدتعيّن بالتعيّن المخصوص كما قال هو في كلماته المكنونة: «كما ان

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 16 *»

وجودنا بعينه هو وجوده سبحانه الاّ انه بالنسبة الينا محدث و بالنسبة اليه عزّوجلّ قديم كذلك صفاتنا من الحيوة و القدرة و الارادة و غيرها فانها بعينها صفاته سبحانه الاّ انها بالنسبة الينا محدثة و بالنسبة اليه قديمة لانها بالنسبة الينا صفة لنا ملحقة بنا و الحدوث اللازم لنا لازم لوصفنا و بالنسبة اليه سبحانه قديمة لان صفاته لازمة لذاته القديمة و ان شئت ان‏تتعقل ذلك فانظر الي حيوتك و تقييدها بك فانك لاتجد الاّ روحاً تختصّ بك و ذلك هو المحدث و متي رفعت النظر عن اختصاصها بك و ذقت من حيث الشهود ان كل شي‏ء (حي خ‏ل) في حيوته كما انت فيها و شهدت سريان تلك الحيوة في جميع الموجودات علمت انها بعينها هي الحيوة التي قامت بالحي الذي قام به العالم و هي الحيوة الالهية و كذلك ساير الصفات الاّ ان الخلايق متفاوتون فيها» و هذا القول هو كفر باللّه العلي العظيم و اثبات الكثرة في ذاته تعالي لاستلزامه الاقتران و الانفعال و الحركة و التغيّر و امثال ذلك مما شرحنا تفصيلها في تفسيرنا علي اية الكرسي مع التهافت العظيم الذي في كلامه اذ قوله: «اذا تجلي اللّه لاحد بذاته» يريد به ظهوره بذاته له علي زعمه و ذلك الظهور لايتمّ الاّ اذا انكشف الحجب بكلها و اعظم الحجب بل حقيقتها هي نفس العبد فلايظهر المتجلّي الاّ بكشفها و لا معني لكشفها الاّ عدم النظر اليها بالوجدان و نسيانها و تنزيلها منزلة الفقدان من دون النظر الي الفقدان و الوجدان فهناك يظهر له بذاته علي زعمه و بوجهه و دليله و ايته عندنا فاذن اين الذوات و اين الصفات و اين الافعال حتي يريها متلاشية في اشعة ذاته لانه نسي نفسه فلايريها فضلاً عن غيرها لان النظر الي الغير بالكثرة فرع النظر الي نفسه و الالتفات الي المدرك الذي يدرك و يعرف به الغير فاذا نسي نفسه فاين يجد غيره و اذا لم‏ينس نفسه فاين يجد ربه بتجليه له بذاته لانه يري غيره فلايمكن ان‏يري غيره حين يري ربه او يري ربه حين يري غيره و النظر علي جهة الاضمحلال دليل رقة الحجاب و هو دليل عدم تجلي الذات تعالي ربي عمّا يقولون علواً كبيراً فماصحّ كلامه علي مقتضي مقامه في مرامه و قوله: «و يري ذاته الذات الواحدة» فيه انه يمتنع عند تجلي الذات و كذا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 17 *»

في مقام رقة الحجاب لانه كلما يقرب يعدم نفسه فيري نفسه باطلة زائلة مضمحلة فانية بحيث يستحيي ان‏يقول انا او يجدها شيئاً ليري ذاته ذاتاً واحدة مستولية علي كل الذوات و صفته (و صفته و فعله خ‏ل) واحدة تستولي علي كل الصفات فان وجدان ذاته دليل الفرق و هو هناك عند رقة الحجاب يريه باطلاً زائلاً لاينسب الي نفسه شيئاً و لذا قال7 و ان كل معبود مما دون عرشك الي قرار ارضك السابعة السفلي باطل مضمحل ماعدا وجهك الكريم فظهر انّ في مقام رقة الحجاب فقر محض و احتياج صرف و عدم بحت فانقطع قوله انا كما قال مولينا الحسين7 الهي حكمك النافذ و مشيتك الظاهرة (القاهرة خ‏ل) لم‏يتركا لذي مقال مقالاً و لا لذي حال حالاً و اما في مقام كشف الحجاب فلا حسّ و لا محسوس فلايجد شيئاً ينسب الي نفسه برؤية تجلّي ربه شيئاً فاين يري ذاته ذاتاً واحدة و الصفة صفتها و الفعل فعلها و بالجملة فقوله هذا ان كان في مقام رقة الحجاب فباطل لكونه مقام الفقر و ان كان في مقام الكشف فكذلك ايضاً لانه مقام عدم الوجدان و لاينبئك مثل خبير و من العجب قوله «لاستهلاكه في عين التوحيد» و كيف يكون مستهلكاً في عين التوحيد من يري نفسه و الذات و الصفة و الفعل و الكثرة و يفرق بينها و يجعل الكل واحداً ليس هذا في ذلك المقام بل في مقام الجبروت لكنه لو فرض نفسه اثراً لوجد الفقر المحض في هذا المقام لكنه يعتقد ان ذاته هو اللّه مع التعيّن ففي مقام المعاني يتخيّل له هذا الخيال الفاسد سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم ثم الاعجب قوله «و لمّا انجذب بصيرة الروح الي مشاهدة جمال الذات استتر نور العقل الفارق بين الاشياء في غلبة نور الذات القديمة و ارتفع التميز بين القدم و الحدوث لزهوق الباطل عند مجي‏ء الحق» اذ بعد الاغماض عما تستلزم هذه الكلمات من الكفر الصريح نقول اذا شاهد جمال الذات و ارتفع التميز بين القدم و الحدوث علي زعمه فهل حينئذ يشاهد جمال الاحدية او الواحدية؟ فان قلت الواحدية قلت هل فيها كثرة الاسماء و الصفات ام لا؟ فان قلت لا قلت اذا ما الفرق بين الاحدية و الواحدية و لايسعك ان‏تدّعي الترادف بينهما. فان قلت بلي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 18 *»

قلت اذا بطلت الاحدية اذ جعلتم رتبة الذات مقام الواحدية و بطل توحيدكم لانّ مقام الواحدية مقام الكثرة الذكرية الصلوحية الغيبية و ان لم‏تكن محسوسة اذ فيها مقام الاسماء المتمايزة و الصفات المختلفة فقوله هذا يتمّ لو قيل ان مقام الذات مقام الواحدية و لايقول به عاقل. فان قلت الاحدية قلت اين هناك ذكر الغير حتي يقول انا ادم الاول و نوح الاول انا خالق السموات و الارض بامر ربي ثم لو كان الامر كما يقول كان الحق متكلماً بلسانه لاستغراقه في عين التوحيد فحينئذ فما معني قوله7 انا خالق السموات و الارض بامر ربي اذ ليس هذا كلام العبد من حيث هو عبد و انما لسانه علي زعمه كالشجرة لموسي و الرب لايقول انا خالق السموات و الارض بامر ربي اذ ليس له رب يؤب اليه سبحانه و تعالي و لايمكن التوجيه لهذا الكلام بعد ماقال «استهلاكه في عين التوحيد و يري ذاته الذات الواحدة و صفته صفتها و فعله فعلها» و ايضاً لو كان الامر كما يقول فلم لم‏يقل ماقاله علي7 رسول‏اللّه9 مع انه افضل منه و اكمل و كان يحصل له مايحصل (ماكان يحصل خ‏ل) له7 من الاستهلاك في عين التوحيد بل ربما كان اكثر و كذلك الائمة المعصومون: ماتكلّموا بذلك مع ما هم عليه من عين الاضمحلال في عين التوحيد حتي قالوا: لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو و هو هو و نحن نحن و كذلك احد من شيعتهم المخلصين كسلمان الذي بلغ في المعرفة و التوحيد مابلغ و لم‏يسمع منه مثل هذه الكلمات. نعم قد سمع ذلك من الصوفية لعنهم اللّه و اتباعهم من الملاحدة مثل قول الحلاّج «انا الحق» و قول ابي‏يزيد البسطامي «سبحاني سبحاني مااعظم شأني» و «ليس في جبتي سوي اللّه» و قول مميت الدين «انا اللّه بلا انا» ، «سبحان من اظهر الاشياء و هو عينها» و قول الاخر:

انا ذلك القدوس في قدس العماء محجّب انا قطب دائرة الرحي و انا العلي المستوعب

انا ذلك الفرد الذي فيه الكمال الاعجب

الي ان قال «انا غافر و المذنب» انظر كيف خلطوا كلام هؤلاء الكفرة الفجرة (الفسقة خ‏ل) مع

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 19 *»

كلام ائمتهم و اوّلوا كلماتهم الشريفة المنيفة الي كلمات هؤلاء الفجرة و مع ذلك يدّعون انهم من شيعتهم و محبيهم حاشا و كلاّ يحلفون باللّه انهم لمنكم و ما هم منكم و لكنّهم قوم يفرقون.

و اذ قد عرفت هذه المقدمة عرفت ان هذه الخطبة الشريفة و ما في معناها من الاخبار كلها صحيحة واردة عنهم: و بيانها لمّا كانت مشتملة علي اسرار و عجائب و غرائب لايجوز بل لايمكن الاّ عن تفسيرهم و ارشادهم و تسديدهم و تأييدهم سلام اللّه عليهم فان لهم مع كلّ ولي اذناً سامعة.

ثمّ اعلم ان الادلة ثلثة كما قال تعالي ادع الي سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن فدليل المجادلة للعوام و اهل الظاهر فانه لايوصل الاّ الي الصور و القشور و الظواهر و هو دليل الزامي اقناعي مسكت مفحم و لايوصل الي البصيرة التامة و المعرفة الكاملة و هو كما ذكر اهل المنطق و اهل الاصول من بيان الحجة و القول الشارح و كيفية الاستدلالات اللفظية و مواقع جريان الاصول الاربعة من الاستصحاب و الظاهر و القاعدة و الدليل. و دليل الموعظة الحسنة للخواص و لاهل الطريقة لانه يوصل الي مرتبة اليقين الذي لا شك فيه و صاحبه ابداً علي برد اليقين من غير اضطراب و اغتشاش و ان لم‏يوصل الي المعرفة الكاملة و البصيرة التامة. و دليل الحكمة لاهل الحقيقة و اهل الاسرار السالكين بل الواصلين الي عالم الانوار لانه يوصل الي المشاهدة و المعاينة و البصيرة التامة و المعرفة الكاملة و انت تعلم ان المدلول نتيجة للدليل فاذا كان سرّياً باطنياً فدليله ايضاً كذلك لانه المنبئ عن دليله فلايمكن الاستدلال عليه الاّ بدليل باطني عياني شهودي و من دونه لايزداد السائر الاّ بُعداً و هو قولهم: و سرّ لايفيده الاّ سرّ فمن حاول معرفة البواطن و الاسرار بدليل المجادلة بالتي هي احسن فقد اخطأ الطريق.

و لمّا كانت هذه الخطبة من اسرار باطن باطن القرءان و هو قد خفي عن (علي خ‏ل) اهل هذا الزمان لصعوبة مسلكه و دقّة مأخذه و غموض دليله فلو كان يعرف بدليل المجادلة لما جهله احد فنحن ان شاء اللّه نتكلم في هذه الخطبة الشريفة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 20 *»

بذلك الدليل و نشاهدها بعين الفؤاد فمن ورد موردنا و اكل زادنا يبلغ مرادنا و من لم‏يفرّق بين ادراك العقل و الفؤاد و لم‏يحصّل لقلمه مداداً ففرضه التسليم لعل اللّه يفتح له الباب و يلهمه الصواب قال الشاعر:

فان كنت ذافهم تشاهد ماقلنا و ان لم‏يكن فهم فتأخذه عنا
فما ثم الاّ ماذكرناه فاعتمد عليــ ـــه و كن في الحال فيه كما كنّا

و نحن نذكر الخطبة برواية الشيخ رجب الحافظ البرسي في مشارق الانوار.

قال;: «خطبة لعلي7 يقال لها الطتنجية ظاهرها انيق و باطنها عميق فليحذر قاريها من سوء ظنه فانّ فيها من تنزيه الخالق ما لايطيقه احد من الخلائق خطبها7 بين الكوفة و المدينة».

اقول: انما يقال لها الطتنجية لاشتمالها علي اكوار الوجود و ادواره المنحصرة في الكرتين و الدائرتين المتعاكسي السيرين المتحاذي السطحين المتقابلي الميلين في حال اجتماعهما مفترقان و في افتراقهما مجتمعان و هما الطتنجان اي الخليجان المنشعبان (المتشعّبان خ‏ل) من البحر المحيط و ذلك البحر هو الماء الذي خلق اللّه منه بشراً فجعله نسباً و صهراً فجري خليجان احدهما من باطنه و هو الماء العذب الفرات السائغ شرابه و منه انشعبت اربعة انهار فالنهر الذي من الماء من ميم بسم اللّه الرحمن الرحيم و الذي من العسل المصفي من هائها و الذي من اللبن الذي لم‏يتغيّر طعمه من ميم الرحمن و الذي من الخمر من ميم الرحيم و ثانيهما من ظاهره و هو الماء المالح الاجاج و منه انشعبت اربعة انهار عين الكبريت و عين ابرهوت و عين افريقية و جمّة ماسيدان و هو الماء الذي نزّله اللّه سبحانه من القرءان فجعل منه خليجين احدهما شفاء و رحمة للمؤمنين و ثانيهما عذاب و نقمة للكافرين قال اللّه تعالي و ننزّل من القرءان ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً و لمّا كانت هذه الخطبة الشريفة مشتملة علي بيان دوران الكاف المستديرة علي نفسها السارية باسرها (باثرها خ‏ل) و كينونتها في هذين الخليجين اللذين هما الطتنجان سمّيت

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 21 *»

بهما فقيل للاستعمال الطتنجية تخفيفاً او تغليباً لجهة النور لسرّ نسوا اللّه فنسيهم و سيأتي زيادة شرح و بيان في محله لهذا ان شاء اللّه.

قوله «ظاهرها انيق» لاشتمالها علي اسلوب غريب و ترتيب عجيب يدهش العارف الناظر بحسن (لحسن خ‏ل) التأدية قائلاً اللّه اعلم حيث يجعل رسالته لان الامام سرّ اللّه المكنون و امره بين الكاف و النون و لمّا كان في غاية الاعتدال و الاستقامة ظهرت الخطبة حاكية لها في دار الخلد و دار المقامة اذ الاثر علي مثال ظهور مؤثره و الفرع علي هيكل تجلّي اصله «و باطنها عميق» جرياً لحكاية الاثر لقوله7 ظاهري ولاية (امامة خ‏ل) و باطني غيب لايدرك و ظاهرها شرح ظاهر الصنع و الصناعة و باطنها ذكر باطن الصنع و الصناعة و ظاهرها ذكر ظاهر الاكوار و باطنها شرح حقيقة الادوار و ظاهرها ظهور الكور في الدور و الدور في الكور و الحركات الوضعية الكروية من المستقيمة و المعوجّة و باطنها حركات الاقطاب و جريان الالباب و ظاهرها مقام الاسباب و باطنها مقام المسبّبات و ظاهرها بيان الاتصال و باطنها حقيقة الانفصال و ظاهرها مقام الفصل و باطنها رتبة الوصل و ظاهرها عالم الاسماء و الصفات و باطنها عالم التوحيد و الذات و ظاهرها مقامات التجلّي و باطنها علامات المتجلّي و ظاهرها مقامات السرّ و سرّ السرّ و باطنها مراتب السرّ المستسرّ بالسرّ و السرّ المقنّع بالسرّ و ظاهرها مقامات الواحدية و باطنها مظاهر الاحدية و ظاهرها قوابل الدلالة و باطنها الكلمة التامة بحروفها و الفها و نقطتها و ظاهرها اقليم الاسماء و باطنها عالم المسمي و ظاهرها ظهور الفاعل و باطنها لبّ الهوية و ظاهرها حقيقة الفاعل و باطنها العماء المطلق الي غير ذلك من الاحوال و الامور التي اكثرها لم‏يجر بها قلمي و لم‏ينطق بها فمي و كل المراتب التي يمكن تصورها في عالم الكينونة و عالم البينونة و عالم الصفة و عالم الاسم و عالم التجلّي و عالم التقدس و عالم العزّة و عالم الحمل في عوالم الف الف كل احوالها مشروحة في هذه الخطبة الشريفة بظاهرها و باطنها و هي كما قال; «ظاهرها انيق و باطنها عميق».

قوله: «فليحذر قاريها» الغير المطلع علي اسرارها من ظاهرها و خافيها الغير

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 22 *»

المتحمل لعلومها الغير الوارد علي حوض صاحبها من سوء ظنه بامامه و سيده صلوات اللّه عليه و آله في احتمال ادعائه امراً عظيماً او كما صنع ايوب7 حيث شكّ و بكي و قال هذا امر عظيم و خطب جسيم او سوء ظنه براويه ليؤل امره الي الانكار الذي هو الكفر فيقول ليس هذا و ليس هذا او سوء ظنه في ادراكه و فهمه لعدم استقامته و اقامته فيفهم منها ما لاينبغي و يتوهّم الغلو لجهله بالمراد او يعتقد ذلك لعدم ادراكه بالفؤاد و يصغّر عظمة اللّه قهّار العباد او سوء ظنه كما ظنّته (ظنّه خ‏ل) الملائكة لمّا تجلّي نور صاحبها عليهم في عالم الانوار فقالوا هذا هو الاله القديم فقال هو و اخوه و زوجته و ابناؤه صلّي اللّه عليهم لا اله الاّ اللّه و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم.

قوله: «فان فيها من تنزيه الخالق ما لايطيقه احد من الخلائق» و هو كما قال و هذا التنزيه في الظاهر و مااشتمل عليه ظاهر الخطبة الشريفة ظاهر و اما التنزيه الحقيقي فهو الذي فعل صلوات اللّه عليه في مطاوي كلماته الشريفة عند قوله7 انا الامل و المأمول /و قول مولينا الصادق7 علي مارواه المفضل في رسالة الفتق و الرتق ان كنت تريد اللّه الذي خالق كل شي‏ء فانا و ان كنت تريد اللّه الذي ليس كمثله شي‏ء فنحن فذلك لايعلمه الاّ نحن و هو قوله جلّ جلاله عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول([1]) و هذا و اشباهه ممايدلّ علي تنزيه الخالق بما لايطيقه الخلايق و هو قول الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت و هو معني قول اميرالمؤمنين7 انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته و قال ايضاً7 رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و عجز القلب عن الفهم و الفهم عن الادراك الخطبة و شرح هذا المعني مولينا الحسين7 في دعاء عرفة الهي امرتني بالرجوع الي الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتي ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السرّ عن النظر اليها و مرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك علي كل شي‏ء

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 23 *»

 قدير و هذه الخطبة و امثالها شرح و بيان لكيفية انتهاء المخلوق الي مثله و رجوع الوصف من الوصف الي الوصف و دوام الملك في الملك و فيها تنزيه للّه سبحانه و تعالي عن الاكتناه و الاقتران و الاكتساب (الانتساب خ‏ل) و تعدد الجهات و الاعتبارات و عدم الاسماء و الصفات و تعظيم للّه سبحانه بعموم القدرة و شمول السلطنة و عظم الالوهية و يُلزم هذا و اشباهه الذي ينكر هذا المعني المذكور في الخطبة الشريفة و يزعم ان اللّه سبحانه فاعل بذاته و الفاعل يصدق عليه بذاته و لم‏يعلم المسكين ان الفاعل اذا كان هو ذات اللّه سبحانه لزم التغيّر و الاقتران ضرورة ان الفاعل مقترن بمفعوله لايذكر من حيث هو فاعل الاّ و المفعول معه و هو مقام الواحدية و مقام الكثرة الاسمائية فاذا صحّ الاقتران صحّ الانفعال و اذا صحّ الانفعال صحّ التركيب و اذا صحّ التركيب صحّ الافتقار و اذا صحّ الافتقار صحّ الحدوث و اذا صحّ الحدوث صحّ له محدث فننقل الكلام فيه فان اثبتّ له الفاعلية و العلية فيجب ان‏تثبت له هذه الامور و اذا نزّهت الذات الحق سبحانه و تعالي عن الكثرة الاسمائية و الصفاتية فلابد ان‏تنسبها كلها الي الفعل و الفعل لايتقوّم الاّ بالمتعلق و المحل فانتهت الامور كلها مما فيه اقتران و ارتباط و اضافة و مساوقة و تحاوٍ و تعاقب و امتزاج و حركة و سكون و غير ذلك كلها الي الفعل من حيث ظهوره بالمحل الذي هو الفاعل المشتق من الفعل فهناك يتمّ لك التنزيه الصرف الغير المشوب بشي‏ء من التشبيه و يصفو لك التصديق بقوله عزّوجلّ سبحان ربّك ربّ العزّة عمايصفون و معني الحديث الذي اخبرني به شيخي و ثقتي و معتمدي جعلني اللّه فداه عن النبي9 في جواب اليهودي الي ان قال9 ما معناه فان اللّه عزّوجلّ اوحي الي انّ فضلك علي الانبياء كفضلي و انا ربّ العزة علي كل الخلق انظر في تصريح مالوّح بقوله و انا رب العزّة و يأتي الكلام في ذلك ان شاء اللّه تعالي و الظاهرية ارادوا بانكار هذه الخطبة و الاخبار التي في معناها تنزيه الخالق لكنهم وقعوا في التشبيه و التشريك من حيث لايشعرون و انما قال بما لايطيقه الخلايق نظراً الي قول رسول‏اللّه9 لاميرالمؤمنين7 يا علي ماعرف اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 24 *»

 الاّ انا و انت فكان وصفهما فوق وصف الواصفين و تنزيههما فوق طاقة المخلوقين لانه سبحانه استخلصهما في القدم علي ساير الامم و اقامهما مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار فافهم.

قوله: «خطبها7 بين المدينة و الكوفة (الكوفة و المدينة خ‏ل)» هذا الذي دعاه الي بيان الطتنجين و ذكر ملتقي البحرين و مزج العالمين لانطباق الظاهر مع الباطن و الصورة مع الحقيقة فان المدينة منتسبة الي النبي9 لانها اول ارض امنت باللّه سبحانه و بولاية ولاة الامر: بعد ارض مكة و لذا شرّفها اللّه تعالي بمحمدّ9 لانه اول من امن باللّه (بربّه خ‏ل) و اول من قال بلي حين قال الست بربكم و الكوفة منتسبة الي مولينا اميرالمؤمنين7 لانها اول ارض امنت باللّه و اذعنت بالولاية لولاة الامر بعد رسول‏اللّه9 و: بعد ارض المدينة فشرّفها اللّه سبحانه بعلي7 فجري لارض الكوفة ماجري لصاحبها المتمكّن فيها من حكم الطتنجين و جري عليها حكم زحل الذي هو كوكب اميرالمؤمنين7 الاتري الي الذمّ الذي ورد عن اهل العصمة: لهم و ماقال فيهم اميرالمؤمنين7 حتي قال فيهم اللّهم انّي سأمتهم و سأموني و خاطبهم مولينا علي بن الحسين7 يا اهل الكوفة و يا اهل الغدر و الحيلة و يكفيهم ذماً و خسراناً مافعلوا بالحسين7 سيد شباب اهل الجنة و تري ما في ارض الكوفة من غور مياهها و يبس انهارها و عدم نمو اشجارها و ملوحة مائها و قد سمعت الممادح الكثيرة التي لها و لاهلها من كونها قطعة من ارض الجنة و اليها تأوي ارواح المؤمنين و هي مختلف الملائكة و قد صلّي في مسجدها الف نبي و الف وصي و ان القائم7 اذا خرج يكون محل حكمه و قضائه مسجد الكوفة و بيت ماله مسجد السهلة و خلوته النجف الاشرف علي ساكنها الاف التحية و الشرف و في اخر الرجعات تظهر الجنتان المدهامّتان عند مسجد الكوفة و ماورائها الي ماشاء اللّه و امثال ذلك من الفضائل الجمّة و المناقب الكثيرة فجري فيها بالتبع

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 25 *»

تأويل قوله تعالي باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و قوله تعالي اذلّة علي المؤمنين اعزّة علي الكافرين و هما الطتنجان و لمّا كان ينبوعهما واحداً و مجمعهما هو البحر المحيط و كانت المدينة مظهراً لذلك السطوع و حاملاً لذلك الينبوع و جري فيها ذلك بحكم المجاورة و المناسبة اقتضي المقام ان‏يكون بيان هذه المقامات و الاحكام بين المدينة و الكوفة لانهم يضعون الاشياء في مواضعها و يجرون الامور في اوقاتها الصالحة لها لانهم سلام اللّه عليهم مظاهر الرحمانية التي استوي بها الرحمن علي العرش فاعطي كل ذي حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه.

فقال7 : «الحمد للّه الذي فتق الاجواء و خرق الهواء و علّق الارجاء و اضاء الضياء و احيي الموتي و امات الاحياء.»

اقـول: مادة الحمد بيان الشكل المربع و صورته شرح شكل المثلث فعند الجمع هو السبع المثاني و القرءان العظيم فاستنطق منه اليد قال اللّه تعالي قالت اليهود اهل العرب اول المنكرين لنبوة خاتم النبيين9 في عالم الذرّ الاول اي اوله في القابلية الاولي اي الثانية الظلية و من تبعه من الاولين و الاخرين الي ما لانهاية له في التشريع و التكوين و ان كان بعد امتياز الغثّ و السمين فان رحمة اللّه لاتتناهي فكذا (و كذا خ‏ل) غضبه لعدم تخلّف الظل الاصل و الظلمة النور فافهم يد اللّه مغلولة توهّموا ذلك حسب دعويهم المجتثّة عند ملاحظة انّياتهم الملعونة المشركة والاّ فلا استقلال و لا تذوّت لهم الاّ بها يسجدون للشمس من دون اللّه قالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً ادّاً تكاد السموات يتفطّرن منه و تنشقّ الارض غلّت ايديهم و لعنوا بما قالوا و طردوا عن الرحمة المكتوبة و عن التجلّيات الشهودية السرمدية الالهية بلا حجاب ان قالوا ذلك بلسان اعمالهم عند المباحات و عدم حفظ السرّ و في الحجاب الابيض الاعلي ان قالوا ذلك بلسان اعمالهم عند المرجوحات الغير المحرّمة و في الحجاب الزبرجد ان قالوا ذلك بما ذكر عند المحرّمات مع التألّم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 26 *»

الحسّي الذي هو في الحجاب الاسود اي الاخضر كل ذلك مع الدوام الابدي السرمدي ان قالوا ذلك بلسان اعتقادهم و في الدنيا مع كل ذلك ان قالوا ذلك بلسان مقالهم بل يداه مبسوطتان يد الفضل و يد العدل و هما الطتنجان المنشعبان (المتشعّبان خ‏ل) من الحمد من ظاهره و باطنه و موافقته و مخالفته ينفق كيف يشاء في التكوين و التشريع و التأصيل و التفريع من احكام الخزائن الغيبية و القياسات اليقينية و البراهين العلمية و الكشوف الحقيقية في الاكوار و الادوار في الليل و النهار في عالم الانوار و الاكدار في الاعلان و الاسرار فدلّت الاية الشريفة بالمعرفة العيانية ان باليد ظهر الكون و الوجود فامتاز الشاهد و المشهود و الموجود و المفقود و تبيّن العابد من المعبود فاليد هي مجمع الكمالات و ينبوع الخيرات و هي مشتقّة من الحمد و مستنطقة عنه فهي واحد في مقام الجمع و اربعة في مقام الصفة و سبعة في مقام الفرق و اربعة عشر في مقام التفصيل فلمّا استنطقت (استنطق خ‏ل) منه اليد استنطق منه الجواد و الوهّاب اذ كل الممكن في جميع احوالهم و اطوارهم و اوطارهم من فاضل جود الجواد و هبة الوهاب اذ لم‏يتصور للممكن حال الاّ و هو طارق باب جوده و رشحة من رشحات عطاياه و مننه التي هي عين حمده فكلهم لسان للحمد بل نفس للثناء الذي هو الحمد بل مشتق من الجواد و الوهاب المشتقين من اليد المشتقة من الحمد فلمّا اشتقّت هذه الثلثة منه ظهر مقام الوجه و الجناب /فان المشتق منه وجه للمشتق و ظهور له (فان الوجه وجه للمشتق منه و ظهوره له خ‏ل) قال تعالي كل شي‏ء هالك الاّ وجهه فالحمد هو الوجه للذات التي هي ذو الوجه و لذا تقول للّه مطلقاً سواء كان وجهاً للتوحيد و اية للتنزيه و التفريد او وجهاً للتجليات الاسمائية و الصفاتية و الفعلية و ظهور (لظهور خ‏ل) الجلال و العظمة و الكبرياء بجميع (لجميع خ‏ل) مراتبها و احوالها و هو قوله عزّوجلّ سبحان ربّك ربّ العزّة عمايصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين فالحمد هو المدار في عالم (عوالم خ‏ل) الاكوار و الادوار و في الاظلال و الانوار و هو السبع المثاني و لقد فسّر قوله تعالي و لقد اتيناك سبعاً من المثاني /و القرءان العظيم (زائد خ‏ل) بسورة الحمد لكونها سبع ايات تثنّي في كل صلوة في التكوينية في اول مقام الفرق اياك نعبد الي اخر نهايات مراتب التفصيل و الكثرة و في التشريعية

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 27 *»

كذلك الي هذه الصورة ذات الاركان و الاوضاع و الحمد في كل صلوة يتكرّر لتمام اربعة عشر لكمال ظهور الوجهية في الحروف النورانية و هذا التكرار و تفاصيل الايات في السورة المباركة انما هي وجوه لفظ الحمد المطابق لمعناه لما بيّنّا ان الكثرة في مقام التفصيل هي وجوه الواحد في مقام الاجمال و هذا الذي ذكرنا ملاحظة الصورة مع المادة مجتمعين و ان لاحظتهما مكعّبتين فيدلّ علي ظهور العرش في الكرسي في المنطقة (منطقته خ‏ل) التي هي اكمل مقامات ظهوره علي اثني‏عشر برجاً تسير الشمس فيها فتمدّ العوالم الكلية و الجزئية بالشموس الكلية و الجزئية فيكون مكث الشمس في كل برج شهراً كاملاً شمسياً في كليات العوالم العلوية و السفلية التي اخرها العالم الجسماني و الشمس الجسمية قال اللّه تعالي انّ عدّة الشهور عند اللّه اثني‏عشر شهراً في كتاب اللّه يوم خلق السموات و الارض علي جهة العموم و التفصيل و الشمس هي النبوة و القمر هو الولاية فالحمد ظاهر بالولاية المطلقة في مقام التفصيل اي تفصيل الشجرة الي الاصول و الاغصان و مالك لها بتمليك اللّه الذي هو اولي بالتملك بل هو المالك حقيقةً قال سبحانه و تعالي هنالك الولاية للّه الحق في مقام الوحدة فصار الحمد هو الكلمة الاولي العليا و المثل الاعلي و النبي و الولي من شجرة واحدة قال رسول‏اللّه9 انا الشجرة و علي اصلها و فاطمة فرعها و الائمة اغصانها و علومهم ثمرتها و هذه الشجرة هي الشجرة الالهية الزيتونة التي ليست شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار فظهر في الحمد العدد الكامل بنفسه مصرّحاً و بمثنّاه كنايةً و ملوّحاً في الظهورات الغيرية و العدد التامّ بمثنّاه مصرّحاً و بنفسه ضمناً و كل الكمالات العددية و الحرفية ترجع اليهما و الظاهر مثال الباطن و الصورة علي طبق الحقيقة قال مولينا الرضا7 قد علم اولوا الالباب ان ماهنالك لايعلم الاّ بما هيهنا و ليس الحمد الاّ اظهار صفة الكمال من حيث هو من غير مقابلته بشي‏ء بل نفس الظهور فان المظهر حقيقة انما هو الظهور اذ لو كان في المظهر جهة غير جهة الظهور كان بتلك الجهة حاجباً لا مظهراً فدلّ علي ان الحمد المطلق هو الكمال

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 28 *»

المطلق و هو في الحقيقة واحد لكونه اما مثال الواحد و اثره الحاكي له لما تحقق عندنا انّ الاثر علي مثال مؤثره من حيث هو هو او نفس الواحد الذي هو تجلٍ من تجليات الاحد و الامران مرادان الاّ ان كل واحد في صقع غير الاخر اذ الواحد هو استنطاق البسملة و ظهر ذلك في الحمد اذ استنطاق الواحد هو الالف القائم المعبّر عنها بالهمزة التي لها من العدد واحد و الواحد لمّا تكرّر و تضاعف صار منه اثنان و كذلك الالف القائم لمّا تنزّل اي انبسط صار منه الباء و هي الالف المبسوطة في اصطلاح اهل الجفر و الباء لمّا تكرّرت و انبسطت صار منه الدال فهي تكرّر (تكرار خ‏ل) الباء لفظاً و معني كما ان الباء تكرّر (تكرار خ‏ل) الالف كذلك و الدال هي اول المربع و المربعات كائنة ماكانت و بالغة مابلغت انما تنتهي اليها و هو هيئة الولاية الظاهرة بالتدبير و التأليف و التصوير و التكييف و لذا يقال للولي المطلق ابوتراب و هو مقام الدال و السرّ في ذلك ان المقبول لايوجد عيناً الاّ بالقابل فوجوده من شرايط وجود المقبول و وجود المقبول من متممات وجود القابل فوجبت بينهما المساوقة و الحواية و قدينسب التقدم الي المقبول للاصل و الذات و قدينسب الي القابل للظهور و البقاء و الاستمرار و التعبير كذلك انما هو لبيان حكم المساوقة و لذا ورد تقدم خلق السماء علي الارض و العكس و ذلك لان حرارة حركة الفاعل لكونها في مقام الاسم المستقرّ في ظله فلايخرج منه الي غيره لحقتها اليبوسة فكانت ناراً و الاثر الصادر منها لكونه يشابهها و هو الرابطة بين الفاعل و القابل لحقته الرطوبة فكان هواء و المنفعل و هو حيثية القبول و وجهه من نفسه لكونه ناظراً الي الاثر و مرتبطاً به لحقته الرطوبة و لانفعاله لحقته البرودة فكان ماء و من جهة امساكه و حفظه لاثر الفاعل لحقته اليبوسة فكان تراباً فبالاربعة ظهر الايتلاف و التثبّت و بالرابع يتمّ لانه جزء اخير للعلة التامة و لذا قلنا انها هيئة الولاية المطلقة فظهر الدال في الحمد دون الالف و الباء لسرّ التربيع علي ماذكرنا فان الالف و الباء لهما حكم التثليث فقد ظهر حكمهما في صورة الحمد لا في مادته فلمّا تكرّرت الدال نطقت الحاء لبيان حملة العرش و انها من ظهورات الاصل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 29 *»

الواحد في مقام التفصيل لا التأثير و العرش هو مبدأ البدا و علل الاشياء و علم الكيفوفة و لمّا تكرّرت الحاء خمس مرات ظهر الميم و هي تمام ميقات موسي و انما كرّرت خمساً للاشارة الي المقامات و العلامات الخمسة في كل من هذه المراتب و توسطت الميم لانها محاط او لانها شرح الحاء و الدال و تقدمت الحاء لكونها حيوة العالم و بها قد جري القلم لان الحيوة من الصورة و تأخرت الدال لكونها المداد و منه يستمد القلم فالمادة انما تظهر بعد الصورة و ان كانت مقدمة عليها فلوّح بمايشار به اليهما بما (مما خ‏ل) يقتضيان من حكم الظهور و البطون و التقدم و التأخر في الوجود و الظهور فتمّ بذلك صوغ الحمد ظاهراً مطابقاً لصوغ معناه باطناً.

فالحمد هو الصفة الكمالية المطلقة الكلية التي لها هيمنة علي كل الكمالات و هو في اعلي مقامات المعاني اذ كل المعاني تؤل اليه و تنتهي لديه لان الحمد هو الثناء و هو فعل المثني من حيث هو اي اثره الصادر من فعله فالثناء ركن المثني فلايظهر بل لايوجد كونه مثنياً الاّ بالثناء فالمثني انما هو كذلك بالثناء فان كان /في ظهوره (زائد خ‏ل) في مقام الثناء فيتحد الثناء و المثني و ان كان لا في مقامه فلم‏يكن مثنياً به بل بغيره و هـف و ان كان في مقامه فان قلت باتحادهما صح و ان قلت باختلافهما فصار المختلف من حيث هو كذلك متفقاً و بالعكس هذا هو الحكم في كل المشتقات فصار معني المثني هو الظاهر بالثناء و ظهور الفاعل بالثناء ليس الاّ عين الثناء والاّ لزم ان‏تكون الذات عين الظهور هـف و لا شك ان ظهور الشي‏ء هو صفته كالصورة في المرءاة فانها صفة المقابل و ظاهريته لها بها او لك بها فانت تصف المقابل بماتجلي بفعله فيها فاذا نظرت الي المرءاة تشاهد المقابل فيها مع ان تلك الصورة المشهودة انما هي اثر المقابل بفعله فصار ظاهرية المقابل اثراً لفعله و هذا معني قولنا ان اسماء الفاعلين كلها مشتقة من الفعل و معني قولهم انها مشتقة من المصدر و نحن نجتمع معهم في اسم الفاعل في المصداق و الواقع لا المراد.

فاذا عرفت ان الثناء فعل المثني و فعله صفته و هو الحمد و لا شك ان كل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 30 *»

الثنايا تقصر عن ثناء الحق سبحانه الاّ مااثني به نفسه قال رسول‏اللّه9 انا لااحصي ثناءً عليك انت كما اثنيت علي نفسك فثناء اللّه علي نفسه ليس الاّ ايجاد تلك الصفة (الصورة خ‏ل) السارية الجارية في كل شي‏ء بجميع انواع الجريان و السريان في جميع انواع الاكوان و الاعيان في بعضها سريان المؤثر بظهوره بفعله في الاثر و في بعضها سريان الباطن في الظاهر و في بعضها سريان المطلق في المقيد و تلك الصفة هي الحمد للّه سبحانه و هو اللايق بجناب قدسه و كل ثناء رشحة من رشحات ذلك و قطرة من بحر ظهوره فلا ثناء يصل اليه و لا حمد يتصل به و ذلك الحمد للّه سبحانه و الولاية المطلقة ظهوره و تفصيله اماسمعت قوله9 اعطيت لواء الحمد و علي حامله و اعطيت الحوض و علي ساقيه و اعطيت الجنة و النار و علي قسيمهما هذا معني الحمد علي الظاهر.

ثم تلك الصفة المعنوية الالهية لوحظ فيها من حيث ظهور الفاعل فزيد فيها الواو و الياء اللتان هما من حروف اللين في الوسط فقيل محمود و حميد و الثاني مبالغة للاول قال تعالي انا المحمود و انت محمّد شققت لك اسماً من اسمي و قال تعالي صراط العزيز الحميد اللّه الذي الاية و قال عزّوجلّ و من الليل فتهجّد به نافلة لك عسي ان‏يبعثك ربك مقاماً محموداً فافهم السرّ المعمّم (المعمّي خ‏ل) و السرّ المنمنم فانه من الاسرار المقنّعة بالسرّ و لوحظ فيها جهة التعلق و الارتباط فزادوا في التكرار تارة و في اظهار الاصل الواحد المكررة اخري فقالوا محمّد و احمد فزادوا الميم الذي هو تكرار الحاء الذي هو تكرار الدال الذي هو تكرار الباء الذي هو تكرار الالف القائم و انما زادوا الميم في الاول و شدّدوا الميم الثاني لبيان ثمانين الف سنة التي كان يطوف حول جلال القدرة قبل ان‏يصل الي جلال العظمة و زادوا الهمزة في احمد في الاول لبيان الاصل الواحد الذي نشأ منه الحمد و انه شي‏ء واحد تضاعف و تكرر الي ان ظهرت منه الاربعة عشر (اربعة عشر خ‏ل) المنازل النورانية و اثني‏عشر البروج في الاكوار و الادوار الكونية فافهم فكم من خبايا في زوايا لايمكن البيان خوفاً من فرعون و ملائه.

و اما سرّ الالف و اللام و ايثار الجملة الاسمية علي الفعلية مع انها ادخل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 31 *»

في المقام و اوفق بمدارك الافهام فاعلم ان الالف و اللام للتعريف و التعريف هو الظهور و عدم الخفاء و لمّا كان الحق سبحانه اظهر الاشياء بل لا ظهور الاّ ظهوره و لايري نور الاّ نوره و لايسمع صوت الاّ صوته و هو سبحانه و تعالي لايظهر بذاته و انما يظهر بادلّته و اياته كان وجهه و دليله و ايته هي المعرفة التي لا تنكير فيها بوجه من الوجوه فان النكارة جهة الكثرة و لمّا كانت الالف اللينية هي اية ظهوره و مثال تجلي نوره في عالم الحروف و كانت صورة لا حركة لها و لا تعيّن اضافوا اليها و قارنوا بها اللام التي هي مظهر الالف لان اللام هي الثلثون ليلة لميقات موسي و هي مراتب القابليات و الالف هي الواحدة و مقام الواحد الذي هو رتبة المقبول فبالقابل ظهر المقبول فناسب ان‏ينضمّ الي الالف اللينية اللام و خصّوها بها دون غيرها و من هذه الجهة توهّم بعض اهل الجفر ان اللام و الالف حرف مستقل فجعلوا الحروف تسعة و عشرين حرفاً و مادروا ان الالف هي سرّ الحروف و محقق حقايقها و مذوّت ذواتها و هي ابوها و كل الحروف اولادها فصارت الالف و اللام هما باجتماعهما حرف التعريف يفيد تعريف مدخولهما و هي للحقيقة و الاصل انما هو ذلك لا الاستغراق و لا العهد الذهني و لا الخارجي و توهّم انها للعهد الخارجي اشارة الي الثناء الذي يثني اللّه سبحانه به نفسه جهل بذلك الثناء و نسبته مع غيره فادخلت الالف و اللام التعريف علي الحمد لبيان انه صفة اللّه و وصفه و دليله و تجلّي تجلّيه و اقامه مقامه في ساير عوالمه فدلّ بالالف و اللام علي ان الظهورات كلها تنتهي اليه لانه اول من تجلي بالالف و اللام بعد اللّه الرحمن الرحيم و لذا ورد في الكتاب الكريم بعد بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين و لاحظ ماسبق ملوّحاً في المبدء و المشتق و دلّ بالجملة الاسمية علي انه خلق ساكن لايدرك بالسكون و انه ذات الذوات و الذات في الذوات للذات و دلّ بالرفع علي انه مثال الاسماء الحسني و الصفات العليا و لذا ذكره بعد البسملة و مثال الفاعل هو الرفع قال7 كل فاعل مرفوع و دلّ بالابتدائية علي انه ينبوع كل خير و مبدء كل احسان بل هو العرش للرحمن و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 32 *»

لذا صار في كل الاستعمالات و الاطلاقات مختصّاً باللّه سبحانه و راجعاً اليه تعالي فكان عرش الرحمن و معدن الامتنان و دلّ بالمصدرية علي انه حدث صادر عن محدث مؤثر و معني رابط فاصل واصل ماتمحّض في الاسمية و لا في الاثرية بل امر بين الامرين قال تعالي لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار.

و اللّه اسم للظاهر بالالوهية و هي الذات المستجمعة لجميع الصفات الكمالية من صفات القدس و الاضافة و الخلق و له هيمنة و تسلط علي كل الاسماء و الصفات و التعلقات و لذا يوصف و لايوصف به قال تعالي قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن ايّاًما تدعوا فله الاسماء الحسني و هو مشتق من اله و الاله يقتضي مألوهاً و الاسم غير المسمي فمن قال ان اللّه علم للذات المقدسة القديمة تقدّست و تعالت اخطأ الصواب فان المسمي امر خارج عن حقيقة الذات المقدسة مع ما في المسمي و الاسم من الاقتران و الاتصال و الانفصال و النسبة الذاتية و لا اقل من الوضعية و من قال انه كلي جامع اخطأ لان الكلية و الجزئية من صفات المخلوقين و اللّه تعالي منزه عن ذلك و ذلك يستلزم الكثرة النسبية الاضافية الذاتية و ذلك يستلزم التركيب و من قال انه صفة مشتركة في اصل الوضع و انحصر في الفرد اخطأ لان الاشتراك يستلزم اتحاد الاصقاع و في ذلك رفع للواجب و الامكان عن مكانهما و مرتبتهما و من قال انه اسم للذات الظاهرة بالالوهية فمن قال انها هي الذات القديمة من حيث اعتبارها مع الالوهية فقد قارنه بشي‏ء فثنّاه و من ثنّاه فقد جزّأه و من جزّأه فقد حدّه و من حدّه فقد عدّه و من عدّه فقد انكر ازله و من قال انها هي الظاهرة بالالوهية بنفسها بها و الرحمن اسم للذات الظاهرة بالرحمانية نفسها بها و هي اية و دليل و علامة و مقام للذات القدسية القديمة سبحانه و تعالي حال التوجه و الالتفات لا فرق بينها و بينها في التعريف و التعرف و المعرفة الاّ انها خلقها و عبدها فتقها و رتقها بيدها بدؤها منها و عودها اليها قال7 من عرف نفسه فقد عرف ربه و قال ايضاً لاتحيط به الاوهام بل تجلّي لها بها و بها امتنع عنها و اليها

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 33 *»

حاكمها فمعني الاسماء اللفظية هي الاسماء المعنوية و هي الدوالّ علي مسماها المقارن لها المتصف بها و المجموع وجه اللّه الواحد القهّار تلتفت اليه سبحانه من غير التفاتك الي الاسم و المسمي و الدالّ و المدلول كما اني اذا قلت لك يا قائم فاني مااعني الاّ ذاتك من غير ملاحظة القيام و لا جهة اقترانك به و انما جعلته وجهاً اتوجّه به اليك كالصورة في المرءاة لملاحظة المقابل الخارج فالاسماء في مقام الواحدية و كذا مسمياتها و الذات رتبتها الاحدية فمن قال هذا المعني و اراد هذا المعني و عرف هذا المعني فقد اصاب فان الاسم ليس لصرف الذات بالضرورة و انما هو لظهوراتها اي ظهورات الفعل و الظهور علي قسمين عام و خاص فالظهور العام لعمومه يخصّ و هو اسم اللّه و المراد بالعموم سريانه في كل الاسماء و الصفات بحيث يكون الاسماء كلها وجهاً من وجوهه و طوراً من اطواره و لمّا كانت الالوهية هي المعبودية و هي الاستيلاء التامّ القائم علي كل نفس بما كسبت كانت الاسماء كلها جهات ظهوراتها فان المعبود يجب ان‏يكون خالقاً و مايتعلق به و كاملاً و مايتعلق به من الكمال و الاحوال و منزهاً من جميع الشوائب و اللواحق المتعلقة بالمخلوقين العابدين و الاسماء و الصفات كلها لاتخلو عن هذه الثلثة: فمنها صفات الخلق كالخالق البارئ المصوّر الرازق المحيي المميت المهلك الغافر المنعم و امثالها و منها صفات الكمال الذي يعتبر في مفهومها الاضافة و ان لم‏يتعلق بالخلق من حيث هو كذلك كالعالم و القادر و السميع و البصير و الحي و امثالها و منها صفات القدس و هي صفات التنزيه كالقدوس و السبحان و العزيز و امثالها و كل هذه من ظهورات الالوهية التي هي المعبودية و لذا لايضاف العبد الاّ الي اللّه كما في قوله تعالي اياك نعبد و اياك نستعين.

و اما الاسم الخاص فقد يكون اضافيّاً و انحاء الاضافيات (الاضافات خ‏ل) تختلف و العام الكلي بعد اسم اللّه هو الرحمن و هو الجامع للقسمين من الصفات اعني الاضافة و الخلق فان الرحمن اسم للذات الظاهرة بالرحمة الواسعة مقام الاستواء علي العرش فلايعتبر فيه الاّ الاضافة و ليس له مقام التنزيه الصرف و ليس من اركانه الاحدية

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 34 *»

كما في اسم اللّه قال تعالي قل هو اللّه احد فالظاهر بالرحمة الواسعة انزل من الظاهر بالالوهية بمرتبة واحدة و يشتركان في كل الاحوال قال تعالي قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن اياًما تدعوا فله الاسماء الحسني و تفصيل المقال في شرح هذه الاحوال يطلب في تفسيرنا علي اية الكرسي و كتابنا اللوامع الحسينية.

اعلم ان هنا كلمات و اسرار عجيبة غريبة طويت اكثرها و رمزت بعضها فان شافهتني ربما تحظي ببعض ذلك فان ايراد كل مايخطر بالبال يؤدّي الي تكثير المقال فان لبيان هذه الخطبة الشريفه مقامين: الاول شرح العبارات و الفقرات المذكورات و حلّ العبارات و استخراج المراد من غامض الاشارات و الثاني خصوصيات التعبير و جهات التقدير و سرّ التقديم و التأخير و كل واحد خصوصاً الثاني يحتاج بيانه الي تمهيد مقدمات غريبة ليفهم السامع المراد و لايمكن ايراد كل ذلك نعم نشير ان شاء اللّه تعالي الي المجموع اشارة ليقف الجاهل و يعرف الحق من سبقت له من اللّه الحسني.

قوله7 : «فتق الاجواء» اعلم ان الفتق هو ضد الرتق و هر الحركة بعد السكون و الانفصال بعد الاتصال و الاظهار بعد الخفاء و الاشتقاق عند وجود المبدء و (او خ‏ل) عند الذكر في المبدء و التكوّن في الاكوان بعد ماكان مستجنّاً في الامكان و الجوّ هو سماء الاعتدال و مرتبة الوصال و مقام الاتصال و صلوح الانفصال و هو الاشارة الي قوله عزّوجلّ اولم‏ير الذين كفروا ان السموات و الارض كانتا رتقاً ففتقناهما و جمع الجوّ لبيان تعدد الاصقاع و تكثّر الاجناس و الانواع و هو قوله عزّوجلّ و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزّله الاّ بقدر معلوم و الخزائن اعم من ان‏تكون في السلسلة الطولية وحدها او الطولية و العرضية معاً و اعم من ان‏يكون كون الشي‏ء من حيث هو او كونه من حيث تجلي مبدئه فيه و التجلي اعم من ان‏يكون تجلي الوحدانية او تجلي الوجوه و المبادي المتوسطة الحاملة و تجلي الوحدانية اعم من ان‏يكون تجلي الاحدية او تجلي الواحدية و تجلي الواحدية اعم من ان‏يكون تجلي الهوية او تجلي الالوهية و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 35 *»

الرحمانية او تجلي ساير الاسماء و الصفات و جهات التعلقات و كون الشي‏ء من حيث هو اعم من ان‏يكون من حيث نظره الي وجه مبدئه اي عمله بمقتضي اجابته لتكليف ربه حيث خاطبه بلسان نفسه الست بربكم قالوا بلي اجابة لسؤاله لمّا اجاب سؤالهم بان كلّفهم او يكون من حيث نظره الي نفسه من حيث مخالفة مبدئه من حيث دورانه علي خلاف التوالي و للكل اصقاع و اجواء كانت رتقاً فجري الفتق فيها علي نظم واحد محكم متقن كذلك اللّه ربنا لا اله الاّ هو له الحكم و اليه ترجعون.

فالجوّ الاول جوّ الظهور و الكلام في هذا المقام و ان لم‏يحسن الاّ انا نشير اشارهً‏ما الي نبذة يسيرة قليلة لتنبيه (ليتنبّه خ‏ل) المستوضح المسترشد و مرتوقية هذا الجوّ و مفتوقيته يتصوّر علي انحاء: منها الظهور المطلق للخلق بقول مطلق مما احاط به اسم العالم الكرة الواحدة المستديرة الدائرة علي قطب واحد من غير محور و هذا الظهور كان رتقاً كما هو الان في نظر ابناء هذا الزمان من انكارهم الوسايط و نسبة الكل الي اللّه الخالق و هو حق و صواب لكنهم اخطأوا الصواب ففتق هذا الرتق بامتياز الظهور في عالم السرور و صقع النور فتشعّب الي الظهور الجمادي و النباتي و الحيواني و الجني و الملكي و الانساني و النبوي و الولوي و الظهور الاطلاقي و هذه تسعة افلاك في عالم الظهور الالهي بالايات قال تعالي ان السموات و الارض كانتا رتقاً ففتقناهما فاذا تحققت الافلاك في عالم الظهور فاعلم ان الظهور في كل مقام ايضاً كان رتقاً ففتق الي الظهور المطلق الذي ليس هناك الاّ ذكر المظاهر و الظهور المتوجه الي التعلق و الظهور المتعلق فالاول هو الافلاك و الثاني هو العناصر و الثالث هو المتولدات.

و اما بيان كيفية تربيع العناصر و تثليث المتولدات في الجوّ الاول فاعلم ان الظهور المتوجه الي التعلق علي اربعة اقسام: الاول الظهور المتعلق بمظهر الخلق و الايجاد و هو طبع النار و الثاني الظهور المتعلق بمظهر الحيوة و هو طبع الهواء و الثالث الظهور المتعلق بمظهر الرزق و هو طبع الماء و الرابع الظهور المتعلق بمظهر الموت و هو طبع الارض. فلمّا دارت افلاك الظهور

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 36 *»

الصرف علي هذه الظهورات و امتزج بعضها مع بعض و حصل التعلق فاختلف بين ماتعلق بالقشر و اللب و لب اللب فالاول هو الجماد و الثاني هو النبات و الثالث هو الحيوان (الحيوة خ‏ل) فدارت الافلاك علي العناصر فتولد منها الاسماء و الصفات و لا نهاية لهذا الدوران فلا نهاية و لا غاية لهذا التوليد و انما صار كذلك لان اول مقامات الظهور و هو الواحد كان رتقاً ففتق منه الثلاثة بنظره الي الاحد و الي الاعيان الثابتة و الي رتبة مقامه و هذه الثلاثة كانت رتقاً ففتقت منها التسعة بتجذيرها بالتفاتها الي مراتب نفسها فدارت تسعة و هذه هي الاصول و العلل فلمّا لوحظ الاحد مع الواحد الذي هو الثلاثة كانت اربعة و هذه هي العناصر فدارت الافلاك علي هذه العناصر فتولدت منها الاسماء الالهية الفعلية الحقيقية اللاتناهية فاول الافلاك المفتوقة من الظهور المرتوق هو اسم اللّه و هو الفلك الاعظم الكلي المحيط المسخر لكل الافلاك الاسمائية و الفلك الثاني هو اسم الرحمن اياًما تدعوا فله الاسماء الحسني. و اما الافلاك السبعة المستمدة من هذين الفلكين الاعظمين فالسابع منها الذي هو الرابع هو اسم اللّه البديع فانه مطرح (مظهر خ‏ل) ظهور الاسمين الاعلين فيستمدّ من باطن اسم اللّه و يمدّ الفلك السابع الذي هو الرب و من ظاهره فيمدّ الفلك التاسع الذي هو المبين و يستمدّ من ظهور باطن الرحمن و يمدّ الفلك السادس الذي هو الباعث او (و خ‏ل) العليم و من ظاهره الي الفلك الثامن الذي هو المحصي و كل شي‏ء احصيناه في امام مبين و يستمدّ من باطن قران الاسمين من حيث النظر و الالتفات و يمدّ الفلك الخامس الذي هو القاهر و من ظاهر القران و الامتزاج يمدّ الفلك السابع الذي هو المصوّر و اما العناصر فعنصر النار هو اسم اللّه القابض و عنصر الهواء هو اسم اللّه الحي و عنصر الماء هو اسم اللّه المحيي و عنصر التراب هو اسم اللّه المميت و روح هذه الافلاك و مقوّم وجودها هو الاسم الاعظم و هو «هو» لانه باطن اللّه و روح هو هو «هُ» من غير اشباع و ظاهر هذه الاسماء الشريفة و جامعها و مقدرها و حاملها و مجليها هو اسم اللّه العلي و قد قال مولينا الرضا7 انّ اول

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 37 *»

الاسماء هو العلي العظيم لانه اعلي كل شي‏ء و معناه اللّه و قد علمت ان معني اللّه هو «هو» و معني هو هو «هُ» فكان «هُ» قطباً لهو و هو قطباً للّه و اسم اللّه قطباً للعلي و هو الكرة المحيطة بكل الاسماء و قد قال عزّوجلّ و انه في امّ الكتاب لدينا لعلي حكيم و ذلك من غير الاشباع وصف بالحكمة و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً و قال مع الاشباع و هو العلي العظيم فوصف بالعظمة فكان ذكراً للركوع قال تعالي فسبّح باسم ربك العظيم قال النبي9 اجعلوها في ركوعكم كما كان العلي الاعلي في السجود قال تعالي سبّح اسم ربك الاعلي قال9 اجعلوها في سجودكم و في الدعاء و باسمك الاعظم الاعظم الاعظم و بذكرك الاجلّ الاعلي و علي هذا يصح ان‏تقول ان الفلك الاول الاعظم هو اسم العلي و الفلك الثاني هو العظيم لان الاحاطة و الاستدارة الابتدائية الامدادية لاتكون الاّ عند التنزل الي عالم الظهور فلمّا تنزل هو الي الرتبة الثانية التي هي مقام الظهور ظهر العلي العظيم حال الاستنطاق فكان علي حال الظهور هو «هو» حال البطون قال تعالي و ان هذا صراط علي مستقيم فاتبعوه سواء قرأت بالاضافة او برفع الصراط ليكون خبر انّ و المعني في كلا الحالين واحد و الدليل علي ان الافلاك تعتبر في الاسماء زيادة (زائداً خ‏ل) علي ماقدمنا قول مولينا و سيدنا الحسين بن علي بن ابي‏طالب: في دعاء عرفة يا من استوي برحمانيته علي العرش فصار العرش غيباً في رحمانيته كما صارت العوالم غيباً في عرشه محقت الاثار بالاثار و محوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار فافهم الاشارة لئلاتضلّ و تشقي. ثم ان الظهور في كل مرتبة من هذه المراتب التسعة كان رتقاً ففتق سبحانه اياه فتقتين ظهور كلي و ظهور جزئي و الظهور الجزئي كان رتقاً ففتقه الي الظهورات و اطوار التعينات و الظهور الكلي كان رتقاً ففتقه الي قسمين فالقسم الاول منه هو اللّه اي الظاهر بالالوهية و القسم الثاني منه هو الرحمن اي الظاهر بالرحمة الواسعة و الظهور بالالوهية كان رتقاً ففتقه الي الاحدية و الواحدية و هنا مقامات للرتق و الفتق ينقطع دونها الكلام.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 38 *»

و الجوّ الثاني جوّ الوجود المطلق كان رتقاً ففتقه الي الحالّ و المحل و الحالّ هو النقطة الجوهرية الالهية الثابتة في العالم السرمدي كانت رتقاً ففتق منها الالف النفس الرحماني الاولي و الرياح المثيرة للسحاب علي شجر البحر و هو كان رتقاً ففتق منه الحروف العاليات و هي السحاب المزجي ثم اجتمعت الحروف و تراكمت السحب فتحققت الكلمة التامة و السحاب المتراكم و المحل كان رتقاً ففتقه الي الامكان الراجح و الوجود الراجح قال تعالي يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار نور علي نور و الوجود الراجح كان رتقاً ففتقه الي قسمين اي الي الاجمال و التفصيل و الفضل و النور و الرحمة و القسم الثاني كان رتقاً ففتقه الي خمسة اشباح و هو ابوالخمس الذي في الدعاء و القسم الرابع كان رتقاً ففتقه الي ثمانية اشباح اخر فلمّا تمّت الاشباح الاربعة عشر التي هي قصبة الياقوت و حجاب اللاهوت فاستقرّت الكلمة عليها و ظهرت فيها فكانت محلاً لها فلمّا تمّت الكلمة بتمام محلها ظهرت دلالتها و تمّ السحاب بوجود الارض الجرز البلد الطيب التي هي من تمام قابلية ظهور اثاره التي هي الماء فتري الودق يخرج من خلاله او تمّ السراج الوهاج بتعلق نار الشجرة الالهية علي الزيت الذي يكاد يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار ظهور النور و هذا النور و الماء و الدلالة هو الجوّ الثالث و كان رتقاً ففتقه اللّه تعالي الي سبع طبقات متطابقات بالعلوّ و السفل و كل طبقة كانت رتقاً ففتقه اللّه الي الافلاك التسعة و الفلك الكرسي في كل من السبعة كان رتقاً ففتقه الي الكواكب و البروج و المنازل ففتقه افلاك تداوير لكل كوكب و سائر الافلاك السبعة كانت رتقاً ففتقها الي الافلاك الجزئية بين الاثنين و الثلاثة و الاربعة فتحققت سبعة اجواء و كل جوّ كان رتقاً و فتقه الي تسعة افلاك و الجوّ الجسماني المفتوق الي الافلاك الجسمانية اخر الاجواء و قد اشار الامام7 الي جميع ماذكر لمن عرف علي مارواه في مجمع‏البحرين قال7كان عرشه علي الماء و الماء علي الهواء و لم‏يكن خلق غيرهما و الماء يومئذ عذب فرات فلمّا اراد ان‏يخلق الارض امر الرياح فضربت الماء حتي صار موجاً ثم ازبد فصار زبداً

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 39 *»

واحداً فجعله في موضع البيت ثم جعله جبلاً من زبد ثم دحي الارض من تحته ثم مكث الرب تعالي ماشاء اللّه فلمّا اراد ان‏يخلق السماء امر الرياح فضربت البحور حتي ازبدت فخرج من ذلك الموج و الزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء و جعل منها (فيها خ‏ل) البروج و النجوم و منازل الشمس و القمر و اجراها في الفلك و كانت السماء خضراء علي لون الماء الاخضر و كانت الارض غبراء علي لون الماء العذب و كانتا مرتوقتين ليس لهما ابواب ففتق السماء بالمطر و الارض بالنبات و ذلك قوله تعالي اولم‏ير الذين كفروا ان السموات و الارض كانتا رتقاً ففتقناهما و يأتي لهذا الحديث الشريف بيان ان شاء اللّه تعالي فيما بعد عند بيان خلق السماء و الارض.

و قوله7 : «فتق الاجواء» براعة استهلال لمايريد ان يبيّن في هذه الخطبة الشريفة و قد قال7 علي مارواه في مجمع‏البحرين انّ محمّداً9 هو الفاتق الراتق و يؤيده قوله7 في خطبة يوم الغدير في وصف محمّد9 اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لذا اشتقّ اسمه من اسمه و هو المحمود و حبيبه محمّد9 و هو الاعلي و وليّه علي7 و قد قال مولينا الصادق7 علي مارواه المفضّل ان القديم هو هو بلا كيفية و لمّا شاء ان‏يظهر حجاب ذاته اخترع نوراً من نوره لا بائن عنه مفتوقاً و لا ملتصق به مرتوقاً فاقامه في نفسه مخترعاً له شعاع يتوقّد فقال له اعرفني في ذاتك و لاتكن لي حاجباً فنطق النور بالتقديس و قال انت لا شبه لك اقمتني من مشيتك بقدرتك ظاهري من نورك و باطني نفسك قوله7 حجاب ذاته هذا الحجاب مخلوق والاّ لم‏يكن حجاباً قال7 في الزيارة و علي اوصيائه الحجب و كذا الذات المحتجبة بالحجاب فانها مرتبطة و الارتباط حركة و الحركة افتقار مع اضافة الذات الي الضمير فانها تفيد التمليك و الاختصاص و هي ذات شريفة خلقها اللّه سبحانه و نسبها الي نفسه كقوله تعالي و نفخت فيه من روحي و الكعبة بيتي و قوله اخترع نوراً من نوره يعني من تلك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 40 *»

الذات المخلوقة و قديعبّر عنها بالحق المخلوق به قوله7 لا بائن عنه الخ يريد معني قول جدّه اميرالمؤمنين7 ليس بينه و بين خلقه بينونة عزلة بل بينونة صفة قوله7 فاقامه في نفسه هو معني قوله7 اقامه مقامه في ساير عوالمه و قوله7و باطني نفسك يريد به النفس المخلوقة التي معرفتها عين معرفة الرب و لا فرق بينه و بينها الاّ انها عبده و خلقه قال7 من عرف نفسه فقد عرف ربه او النفس التي لايعلم مافيها عيسي كما حكي اللّه سبحانه عنه تعلم ما في نفسي و لااعلم ما في نفسك.

فاذا عرفت هذه الاشارات عرفت ان مايذكره فيما بعد في هذه الخطبة الشريفة شرح و بيان لفاتق الاجواء و فالق الاصباح و قد قلت لك سابقاً ان الفاتق ليس صرف الذات لارتباطه الي الفتق فلايكون الاّ في رتبة الفتق بتنزله اليه بظهوره و المتنزل ليس هو الذات و انما هو الظهور المرتوق المفتوق بالاسماء و الصفات و انحاء التجليات.

قوله7 : «و خرق الهواء» يريد بيان توليد المتولدات و شرح استخراج النبات بالمياه النازلة من السحاب فخرق سبحانه الهواء بتصعيد الابخرة و الادخنة بشمس اسم اللّه القابض ثم تقطيع هذه الابخرة و تجزيتها في الهواء باسم اللّه الباسط و (او خ‏ل) الباعث ثم مزج كل قسم بربعه (بربعة خ‏ل) من اليبوسة الهبائية باسم اللّه الرحمن و (او خ‏ل) الحي ثم تعفين هذه الاجزاء لتميل اليبوسة الي السيلان و الرطوبة الي الانجماد و الانعقاد باسم اللّه الربّ المؤلّف ثم الانعقاد التامّ ثم التأليف و التراكم في الهواء ثم اخراج الماء من خلاله و احياء الاشياء المتولدة كلها به و هذه الفقرة متمّمة للفقرة الاولي المشار بها الي الاية و هي قوله تعالي اولم‏ير الذين كفروا ان السموات و الارض كانتا رتقاً ففتقناهما و اشارة الي الاية التي بعدها و هي قوله تعالي و جعلنا من الماء كل شي‏ء حي من المتولدات من الجماد الي ان‏يصير معدناً و منه الي ان‏يصير نباتاً و منه الي ان‏يصير حيواناً و منه الي ان‏يصير انساناً و حيوة هذه المراتب كلها بالماء الذي هو المتقاطر من السحاب الحاصل من خرق الهواء في كل عالم بحسبه في عالم الانوار و الاسرار

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 41 *»

و الارواح و الاظلة و الاشباح و الاجسام في الافلاك و العناصر و المتولدات الاّ انّ التصعيد و التعفين في كل عالم بحسبه ففي الانوار نورانيان و في الاسرار سرّيان و في الارواح روحانيان وهكذا و الهواء هو الرابط و الفاصل بين الفاعل و القابل و هو (فهو خ‏ل) السائر و المتحرك اليهما و هو الباب و حامل الخطاب يتلقّي من الفاعل الفيض و التأثير و يحمل الي القابل بعد تمكينه القابلية بالطبخ و النضج و التعفين و لذا كان طبعه الحارّ الرطب اما حرارته فلارتباطه بالفاعل الذي ليس هو الاّ الظهور و الحركة الكونية اي التكوينية الامدادية و الكلمة العليا الصدورية و الحركة لاتقتضي الاّ الحرارة و اما يبوسة الفاعل من جهة انه الاسم الذي استقر في ظله فلايخرج منه الي غيره و الباب و الفاصل البرزخ من جهة مجاورته للجهة العليا اقتضي الحرارة و من جهة ميله الي القابل و ارتباطه به مترجماً لوحي الفاعل للقابل اقتضي الرطوبة فوقع في الصقع (صقع خ‏ل) مجاوراً لصقع الفاعل فلمّا كان دائم الاستمداد للمجاورة كان طبع الحيوة و اسم اللّه المدبّر له هو الحي فلايتحقق موجود مكوَّن (بفتح الواو) الاّ بتوسطه سواء كان في الشرع الوجودي او الوجود الشرعي و سواء كان في الصفات و صفات الصفات و صفات صفات الصفات وهكذا او في الالفاظ و الحروف او في الاعراب و الحركات فكان به قوام كل متحرك و ساكن و ظاعن و قاطن و هو معني قول الامام7 ان اللّه لايخلي الارض من حجة والاّ لساخت باهلها و ذلك لعدم حامل الفيض و باب الخطاب و طبع الحيوة و لمّا كان الباب و الحجاب هو النسبة المستدعية للطرفين طرف القابل و طرف الفاعل كان لايظهر الاّ بظهور القابل المتقوم المتأصّل بوجوده و لمّا كان القابل ليس شيئاً الاّ بفعل الفاعل و تأثيره فلايتحقق الاّ بمقابلته و اتصاله بفعل الفاعل و كان فعل الفاعل لاينزل الي رتبة القابل لكمال المباينة و المنافاة و طبيعتك خلاف كينونتي وجب صعود القابل بذاته للمقابلة و نزول الفاعل باثره للمواصلة و مجمع الوصال و باب الاتصال و محل اللقاء هو الهواء فيخرق الهواء بتصعيد لطايف القابلية اليه و نضجه اياها و تعديله لها بايصال تأثير اثر الفاعل (الفعل خ‏ل) اليها و تمكينه اياها

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 42 *»

به للقبول حتي يتمّ الشي‏ء و يظهر مشروح العلل مبيّن الاسباب و لذا لاتجد شيئاً من الاشياء في كل احواله و اطواره و اوطاره يتمّ و يكمل الاّ اذا نضج في الحرارة و الرطوبة و يعفن في حمام مارية و كلما كان فيه الحرارة و الرطوبة المعتدلتان الغير المشوبتين بالاعراض و الغرايب اقوي كان قوته و نشاطه و بقاؤه و دوامه و حركته اقوي و اشدّ و لذا حكموا علي ان الذهب حارّ رطب لطول بقائه و عدم اضمحلاله و فنائه و خرق الهواء ان كان في الهواء الاول الذي كان قبل خلق الخلق و كان اول المخلوقات و الموجودات كما دلّت عليه الاخبار الكثيرة كان خرقه عبارة عن امرين و كلاهما مرادان الاول خرق ذلك الامر الواحد بذكر الكثرات و النسب و الاضافات و صلوح القرانات اي تهيّئه لانشعابه بالشعب الكثيرة و هذا اول الخرق في هذا المقام يريه اهل الظاهر و الاحساس شيئاً واحداً غير منخرق بل هو مرتوق و يريه اهل الحقيقة العارفون منخرقاً خرقاً فعلياً واقعياً لايصلح لجريان احكام الوحدة المحضة اصلاً كمايتوهّمه بعض الناس و الثاني خرقه بلحوق المشخصات و اضافة المعيّنات و تمايزه بالجهات و الاعتبارات و هذا الخرق علي قسمين كلي و جزئي و كل منهما حقيقي و اضافي في تلك الرتبة و ان كان المراد بالهواء هو ماقال الامام7 لمّا سئل عن اللّه اين كان قبل خلق السموات و الارض قال7 كان في عماء فوقه هواء و تحته هواء و العماء هو السحاب الرقيق و خرق ذلك الهواء عبارة عن ايجاد ذلك السحاب فيه به منه عنه فان الهواء في الحديث عبارة عن الامكان الراجح اول التعيّن عالم فاحببت ان اعرف اول مقام الظهور ليس بعده الاّ المجهول المطلق و «اين» سؤال عن ظهور اللّه سبحانه كما هو الان في السموات و الارض اي هل كان للّه سبحانه ظهور في صقع من الاصقاع قبل خلق السموات و الارض ام لم‏يظهر الاّ بعد خلق السموات و الارض او حين خلقهما و هما الخلق الذي عناه سبحانه بقوله الحق في الحديث القدسي فخلقت الخلق لكي اعرف فاجاب7 بان هذا الخلق المخلوق الذي يصير سبباً و دليلاً للمعرفة لاينحصر في خلق

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 43 *»

السموات و الارض بل ذلك الخلق هو بحر الامكان الذي هذه الامور الموجودة من السماء و الارض قطرة من ذلك بل رشحة من رشحات قطرة من قطراته و هو بحر لايساحل و طمطام لايحاول بحر اسود مظلم كالليل الدامس كثير الحيات و الحيتان يعلو مرّة و يسفل اخري في قعره شمس تضي‏ء لايطلع عليها الاّ الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضادّ اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير لكونه الظهور المحض الذي يقصر كل الظهورات عنده و تنتهي المظاهر لديه فهو (و هو خ‏ل) يستبق المدارك و المشاعر لانه اقرب اليها من نفسها قرباً لايتناهي فخفي لشدة ظهوره و استتر لعظم نوره فلايطلع عليها الاّ الواحد الفرد فهو اول خرق وقع في الهواء فقبض من رطوبة الرحمة المتصاعدة من ارض الوجود المطلق الامكان الراجح بنفس تلك الرحمة فاقامها في الهواء الذي هو نفس تلك الاجزاء فخلطها بالهباء المنبثّ في ذلك الهواء الذي هو عين الهواء فعفّنهما و قدّرهما فيه به منه فتحقق العماء فيما لا نهاية له في الاكوار و الادوار فحكي مثال ظهور اللّه الواحد القهّار فكان هو المثل الاعلي و الاية العظمي و هيكل التوحيد و مثال التنزيه و التفريد فالسحاب الذي هو العماء هو سحاب المعرفة اولاً و الماء النازل منه ماء المحبة و المعرفة يحكي وجه ذلك السحاب فجري في ارض القابليات فسالت اودية بقدرها من المعرفة بتقدير الكمّ و الكيف و الجهة و الوقت و المكان و الوضع و ذلك الماء النازل من السحاب المنخرق في الهواء و ان كان ليس فيه تكييف و تحديد الاّ انه من عالم اللانهاية و وصف اللاكيفية و عين معرفة الحق اعرفوا اللّه باللّه، يا من دلّ علي ذاته بذاته و تنزّه عن مجانسة مخلوقاته الاّ انه يظهر علي حسب ذلك التقدير من غير التفات اليه كالصورة الظاهرة في المرءاة الحاكية للمقابل علي ما في المرءاة و ما المرءاة عليه مع قطع النظر عن خصوصية المرءاة و تقاديرها فالخرق الواقع في هذا الهواء (الماء خ‏ل) علي ضربين الاول خرق ينفتح و ينفجر منه ماء المعرفة و شراب المحبة في مقام بينونة الصفة في عالم الامكان و اشار الي هذا المعني في قوله العزيز كهيعص فالكاف هو الكاف المستديرة علي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 44 *»

نفسها و الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و قول كـن و هو مظهر الهوية و الشمس المضيئة و العماء التي فوقه هواء و تحته هواء في الازلية الثانية فانفجر من هذه (هذا خ‏ل) العين ماءان و تشعّب منه (منها خ‏ل) طتنجان الماء الاول و الطتنج الاول مقام الظهور الالهي و البيان الحالي و التجلي الوصفي فاشار اليه بالهاء التي تكون بعد الاشباع «هو» قال تعالي قل هو اللّه احد انما لم‏يأت بالواو اشارة الي ان مقام الظهور المطلق لايلتفت الي الاشباع و هو في عالم النسبة و هذا في مقام قطع النسبة و لذا يقال لسورة التوحيد نسبة الرب و اختار الهاء لانها اشارة الي تثبيت الثابت و ان التوحيد ظاهره في باطنه و باطنه في ظاهره ظاهره موصوف لايري و باطنه موجود لايخفي لان صورة ظاهر الهاء عين صورة باطنها و لان ذلك التجلي الذي هو خرق الهواء انما ظهر في خمس مقامات و هي المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه لا فرق بينه و بينها الاّ انها عباده و خلقه و لتوضيح هذا الشأن و تشييد هذا البنيان قال مولينا اميرالمؤمنين7 ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ان قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته الخطبة و لعمري ان الهواء هو «هو» و انما زيد فيه الالف و الهمزة اللتان هما من اغيب الغيوب لمبالغة الغيبة الذاتية و الشهود الفعلي المشار اليه بالواو التي هي من حروف الشهادة فالهواء اثبت في الغيبة من «هو» و هو جزء منه ظهور له انفصل منه و انخرق عنه و لذا يشار به الي الامكان الراجح و الجائز ايضاً في بعض المقامات لعدم وجود الامكان و ظهوره في الاكوان و الاعيان حتي سمّوه عدماً و ليساً و العدم المتصور و العدم المخلوق المدرك المميز المعبّر عنه ليس الاّ الامكان و كل الاشياء مما كان و مايكون من الذوات و الصفات و التوصيفات و الامدادات الوجودية و العدمية و الاكوان الشرعية و الشريعة الكونية كلها قد انخرقت من هذا الهواء الاّ ان اول ماخرق منه كان هو العماء الذي كان اللّه سبحانه ظاهراً و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 45 *»

متجلّياً فيه و اول ماظهر من ذلك العماء هو الهاء لنفسه و لغيره و الماء الثاني و الطتنج الاخر هو ماء الوجود و المداد الاول و الدواة الاولي و النفس الرحماني الثانوي مادة المواد و هيولي الهيولات و اسطقس الاسطقسات و قديطلق الهواء علي هذا الماء ايضاً لذكر الماهيات و صلوح الانيات و ظهور النشئات و قد خرق منه ماشاء من خلقه بالمشية الكونية كما ذكرنا سابقاً و روي الصدوق; في التوحيد عن علي بن الحسين8 انه قال ان اللّه عزّوجلّ خلق العرش ارباعاً لم‏يخلق قبله الاّ ثلثة اشياء الهواء و القلم و النور ثم خلقه من انوار مختلفة الحديث يريد7بالهواء هو العمق الاكبر علي الوجه الحقيقي لا المجازي فان المجاز لايسبق الحقيقة بل يستلزمه ولو سلّم عدم الاستلزام فلابدّ من تقدّم الوضع و يقبح من الحكيم ان‏يمنع المستحق اولاً من عطيّته ثم يجعله فرعاً و تابعاً في الاسم لفرعه و تابعه في الذات تعالي تعالي ربي عن ذلك علواً كبيراً و يريد بالقلم الماء الذي به حيوة كل شي‏ء و قد يطلق عليه المداد ايضاً و يريد بالنور ارض الجرز و البلد الطيب الذي يخرج نباته باذن ربه هكذا قال شيخنا اطال اللّه بقاه و جعلني من (في خ‏ل) كل محذور فداه. اقول و يجوز ان يراد بالهواء هو السحاب المزجي و بالقلم هو السحاب المتراكم لانه القلم الاعلي يمدّه سبحانه من طمطام يمّ الوحدانية و سماء فلك القيومية انحاء الامدادات و انواع الفيوضات و التجليات المكنونة المخزونة في حقيقة ذلك السحاب بقيومية نفسه بظهوره عليه و هو اول غصن اخذ من شجرة الخلد علي اعلي المعاني لان شجرة الخلد حقيقة هي الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية و لا غربية لكونها مغروسة علي سواء الجبل من ارض الامكان الراجح و هو البيت الذي من دخله كان امناً من العدم و الفناء و مادخله الاّ اناس مخصوصون فحيوا بحيوة الابد و داموا بدوام السرمد فتشرّفوا بمقام الوجهية و فازوا مقام البابية كل شي‏ء هالك الاّ وجهه لانقطاع ارتباط حقايقهم و انفصام روابط ذواتهم و انّياتهم في اصل التذوّت في التكوين و التشريع عن (من خ‏ل) غير المبدء فمااستدعوا شرطاً و لازماً و مقوماً غير بارئهم و خالقهم فمااحتاجوا الي مقوّم الاّ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 46 *»

في الصدور خاصة و جلّ جناب الباري جلّ اسمه ان‏يطرد من اناخ ببابه و لاذ بجنابه و انقطع عن غيره فذلك البيت بيت الامان و تلك الدار دار الخلد و تلك الشجرة شجرة الخلد فليس من اهل الخلود حقيقة واقعياً الاّ من كان واقفاً مقام الرجحان في عالم الوجود و الامكان. و اما في مقام الوجود المقيد الذي هو الامكان الجايز فهو و ان كان ايضاً مقام الخلود لكنه مع البيود و الفناء و التغير و الاضمحلال و الانقطاع و الانفصال و عدم الاستمرار و الكسر و الصوغ بخلاف الوجود المطلق اذ لايجري عليه شي‏ء من هذه الاحوال لانه لايجري عليه ما هو اجراه فشجرة الخلد هي شجرة الوجود المطلق و اول غصن منها هي المشية و هي القلم الاعلي و الحجاب الادني هذا بناء علي ان مافوق العقل من المراتب كلها من الوجود المطلق و اما اذا حصر الوجود المطلق بالمشية و اجري علي المراتب الاخر حكم البرزخ فيكون هو المشية و اولادها من المشيات الجزئية فتكون المشية الكلية اول غصن منها و باقي الاغصان كلها كليّها و جزئيّها غصن لهذا الغصن الكلي فاذن ظهر المراد من قوله7 اول ماخلق اللّه القلم من غير تكلف الحمل علي الاولية الاضافية. و يراد بالنور الوجود المقيد اي الوجود الصالح للتقييد لانه النور الذي استضاء منه كل نور و نوّرت به الانوار في الاعلان و الاسرار فاذا اريد بالهواء العمق الاكبر فمعني خرقه هو ماذكرنا لك سابقاً و ان اريد به السحاب المزجي كماذكرنا فخرقه عبارة عن انقسامه الي احدعشر قسماً من غير زيادة و لا نقصان كل ذلك من الالف الذي هو النفس الرحماني الاولي قدنشأت منه و عادت اليه و كلها مجتمعة في السحاب المتراكم و اليه يشير تأويل قوله تعالي حم و الكتاب المبين انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين روي القمي باسناده عن احدهم: انه قال حم هو رسول‏اللّه9و الكتاب المبين هو اميرالمؤمنين7 و الليلة المباركة هي فاطمة الزهراء فيها يفرق كل امر حكيم اي امام حكيم بعد امام حكيم فلمّا دلّت الاخبار و صحيح‏الاعتبار انهم كلمة اللّه العليا و المثل الاعلي و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 47 *»

الكلمة الطيبة كان مقام رسول‏اللّه9 هو النقطة و مقام علي7هو الالف و النفس و مقام الائمة: مقام الحروف العاليات و هو مقام السحاب المزجي في قوله تعالي هو الذي يرسل الرياح و هو علي7 بشري بين يدي رحمته و الرحمة هو محمّد9 و علي7 هو دليل محمّد9 و ايته و اسمه و نوره و يرجع في الكرة الثانية بين يدي رسول‏اللّه9 و قال في الاية الاخري هو الذي يزجي سحاباً و هذا السحاب انما اثير من الرياح لقوله تعالي هو الذي ارسل الرياح فتثير سحاباً الاية و هذا السحاب المزجي هو الائمة المعصومون: الاحدعشر من اولاد اميرالمؤمنين7 و هذا هو الهواء المنخرق الي هذا المقدار و العدد المعين ثمّ يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً و انما عبّر عنهم: حيث كونهم مجتمعين في صقع واحد هواء لانه7 ابوتراب و مقام الحجاب و وجه الباب و رسول‏اللّه9 هو النقطة الجوهرية الالهية و هي النار المشرقة عن شمس‏الازل و هي الحديدة المحماة بالنار في ثاني المقام اذ ليس ذاته الاّ حركة الظهور بالبطون فهو9 دائم‏الحركة حاكٍ لصرف الوحدة و ليس في ذاته مقام سكون و وقوف بل ذاته مجري الافاضة و فوّارة القدر بل نفس القدر الذي يفور بل ظهور المقدر بالتقدير كما سنشرح (نشرح خ‏ل) لك ان شاء اللّه فيما بعد.

و اما علي7 فهو حامل الخطاب و طارق الباب بل هو الباب و حقيقة الخطاب و لذا كنّي بابي‏تراب و اما الهواء في ذلك الصقع و الفضاء ليس الاّ الائمة الهداة سلام اللّه عليهم لانهم الروابط و النسب و الفاصلة (الفاصل خ‏ل) بين البحرين بحر النبوة النبوية المحمديّة9 و الولاية العلوية7 الخارجون من الدرّة الفاطمية صلوات اللّه عليها و علي ابيها و بعلها و بنيها كالهواء الفاصل و الرابط بين النار و الماء و التراب و كرة التراب في عالم الانوار مقدّم علي الهواء و الماء و في عالم الاكدار مؤخّر لسرّ يطول بذكره الكلام و لذا تري البرج الترابي واقعاً بعد الناري و قبل الهوائي فنقول الحمل ناري و الثور ترابي و الجوزا هوائي و السرطان مائي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 48 *»

فافهم.و اما فاطمة3 فهي مزاج القابلية و طبع الحاملية و مقام الصورة و هو طبع الماء فتمّت العناصر الاربعة في عالم السرمد و رتبة الابد فخرق الهواء لاظهار الاسم الاعظم «هو» فهو منخرق من الهواء لفظاً و معني كما اشرنا اليه و انما كان هو منخرقاً عن هذا الهواء لظهور كل اركان التوحيد مشروحاً مبيّناً في الاحد عشر الهيكل التوحيد لظهور التوحيد و النبوة و الولاية و احكام ليلة القدر كلها فيهم بخلاف ماعداهم صلي اللّه عليهم لان في عالم التفصيل يظهر ماكان مخفياً متفرقاً في عالم الاجمال و لذا ماظهر اسم «هو» في قل هو اللّه احد الاّ في هذه الهياكل وراثة عن محمّد و علي و فاطمة صلي اللّه عليهم قال7فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت و هذا المعني هو المراد من قوله7خرق الهواء لمن يفهم و يعقل ثم انك قدعرفت مما سبق ان الهواء هو محل الاعتدال و مقام النضج و رتبة الطبخ و انت لو كان لك بصر حديد عرفت ان النضج و الطبخ و التعفين في التشريع و التكوين و التمكين و التمرين و الاطلاق و التعيين و الابهام و التبيين انما صار في هذا الهواء و ليس بعده الاّ التقطير و التصفية و اخذ الصافي و رمي الثفل /التراب (زائد خ‏ل) و لذا ورد اذا خرج الحسين بن علي بن ابي‏طالب: يطهّر الارض عن كل رجس و دنس و نجس حتي الحيوانات التي لاتؤكل لحومهم هذا معني قولهم «خذ الثفل و ارم الرماد» فرسول‏اللّه9 هو معرّف المادة الاكسيرية و مميّز نوعها قال تعالي انما انت منذر، و ما علي الرسول الاّ البلاغ و علي صلّي اللّه عليه و علي اولاده مفصّل المادة الي الماء و الثفل الي (اي خ‏ل) النار و الماء و الائمة الاحد عشر المعصومون: معفّنوا المادة احد عشر مرة مرتان لتحصيل النطفتين و تسع مرات لتكون اكسيراً فعّالاً يحيي العظام و هي رميم فلمّا كان التعفين احد عشر مرة ليصفي المادة الاكسيرية عن كل الغرائب و الاعراض و يحصل له مقام اطعني اجعلك مثلي اقول للشي‏ء كن فيكون و انت تقول للشي‏ء كن فيكون و قدعرفت ان التعفين لايكون الاّ في الهواء مادة الحرارة و الرطوبة اقتضي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 49 *»

التقدير من العليم الخبير ان‏يكون الهواء المتصل المرتوق منفتقاً و منخرقاً الي احد عشر قسماً لا اله الاّ هو العلي الكبير و شرح هذا الرمز و بيانه ممايطول به الكلام و لست بصدده و انما اتيت بالاشاره لان لااكون ظالماً لاهل الحكمة و اظهاراً للمرادات المخفية من كلامه7 و شاهداً علي قولهم ان حديثنا صعب مستصعب خشن مخشوش فانبذوا الي الناس نبذاً فمن عرفه فزيدوه و الاّ فاسكتوا (فامسكوا خ‏ل).

ثم اعلم ان قوله7 فتق الاجواء لبيان خلق السموات و الافلاك و خرق الهواء لبيان خلق كائنات الجوّ و الحوادث الواقعة في الارض و هما اشارتان الي قوله تعالي اولم‏ير الذين كفروا ان السموات و الارض كانتا رتقاً ففتقناهما و جعلنا من الماء كل شي‏ء حي و اراد7ان‏يبين مبدء هذا الماء و منشأه قال7 خرق الهواء لبيان ان الماء الذي به كل شي‏ء حي انما حدث و حصل بخرق الهواء لكنه7 ذكر كلاماً عامّاً من بعض افراده و جزئياته تكوّن الماء الذي به كل شي‏ء حي اذ بخرق الهواء يتحقق الرياح باقسامها من الشمال و الجنوب و الدبور و الصبا و الرياح المظلمة المهلكة كالريح العقيم و ريح صرصر عاتية و ريح السموم و امثالها و الرياح المنجية النافعة و هي معروفة و يتحقق ايضاً الشهب و التيازك (النيازك خ‏ل) و الكواكب ذوات الاذناب و السحب و الرعد و البرق و المطر و الطل و يتصاعد البخار و الدخان و الهباء و يحصل من تصاعدها قرانات و اوضاع و عجائب كقوس اللّه المشهور عند العامة بقوس قزح و شرج السماء المعروف عندهم بكهكشان و الحمرة و الشفق و الصبح الكاذب و اختلاف الوان الكواكب و مقادير عظمها بحسب الحجم و بحسب القلة و الكثرة في العدد بحسب الاحساس و خضرة السماء و تحقق الهالة التي احاطت بالقمر و وقوع الامراض و الاسقام العامّة البلوي كالوباء و امثالها و هبوب الرياح السوداء و الصفراء و الحمراء و امثالها من الامور و الاحوال و كل ذلك انما هو بخرق الهواء لانبعاث الماء لاحياء الارض و يأتي مجمل شرح هذه الجملة في خلال الكلام بعون اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 50 *»

سبحانه و قد قال مولينا الرضا7 قدعلم اولوا الالباب ان ماهنالك لايعلم الاّ بماهيهنا و قال جدّه الصادق الامين7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال اللّه تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انه الحق الحديث فاذا وجدت شيئاً في هذا العالم الجسماني فاجره في كل العوالم علي طبقه الاشرف فالاشرف علي النهج الاشرف الاّ انه في السافل مفصل مشروح بخلاف العالي فان فيه مخفي مجمل فكل مارأيت بحاسّتك قد حصل بخرق الهواء في عالم العناصر فاعلم ان مبادي كل ذلك في عالم المثال موجود علي طبق عالم النفوس علي طبق عالم العقول علي طبق عالم الحقايق الاولية في الخلق الاول علي طبق الفعل علي طبق نفس الفعل حين حدث و انفعل بالوجود عن المبدء ولو اردنا ان‏نشرح كل ذلك مايسع الدفاتر و اما التلويح فقد لوّحنا الي نوع المسألة فيما تقدّم انفاً.

و اما الاشارة فتطول بها العبارة و ليس لي الان اقبال ذلك لكن الاشارة المجملة ان الهواء كما ذكرنا هو الواقف بين الطتنجين و البرزخ بين العالمين بل ملتقي البحرين بحر الفاعل الظاهر باثره و بحر القابل فيتوجه القابل و يصعد الي جهة الفاعل الي حدّ الهواء اذ لو تقدّم لاحترق لخرق الحجاب و في الحديث ان للّه سبعين الف حجاب من نور و ظلمة لو كشف واحد منها لاحرقت سبحات وجهه ماانتهي اليه بصره من الخلق و ينزل العالي باثره ايضاً الي حدّ الهواء اذ لو نزل الي الماء او التراب لذهب تأثيره و بطل تقديره اذ كل شي‏ء له مقام معلوم و حدّ محدود قال تعالي و ما منّا الاّ له مقام معلوم فلطائف الماء و الارض تصعد خارقة للهواء طالبة لتلقي فيض الاله و اشعة الكواكب المضيئات تنزل هابطة الي مقام الهواء خارقة له بالحرارة الاصلية لتتميم القابلية و تمكين الماهية فهناك يتصل فعل الفاعل باثره بالمفعول فينفذ هذا التأثير و هذا الاثر في كل اجزاء القابل و اطواره و اوطاره و احواله و حركاته و سكناته و صفاته و اعراضه و باقي احكامه فيتمّ بذلك الشي‏ء و هذا هو القول الكلي فاصرفه في كل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 51 *»

عالم في كل صقع الاّ انه يختلف في الشرافة و الكثافة و اللطف و الغلظة حسب مابيّنّا.

قوله7 : «و علق الارجاء» اشارة الي قوله تعالي و الملك علي ارجائها و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية و الارجاء هي نهايات الشي‏ء و اطرافه و جوانبه و هو اول عالم النهاية شرع في بيانه9 بعد مافرغ عن بيان عالم اللانهاية فان الوجود علي ثلثة اقسام: الاول الوجود الحق و هو اللّه سبحانه الحي القيوم الازل الابد الذي لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد فلا نهاية له سبحانه و لا بداية و لا اولية و لا اخرية و لا ظاهرية و لا باطنية و الطريق اليه مسدود و الطلب مردود. الثاني الوجود المطلق و هو فعله و مشيّته و اختراعه و ابتداعه و محل ذلك الفعل و انفعاله الاول الذي هو الامكان الراجح و هو الجوّ الاول من الاجواء التي فتقها اللّه سبحانه كما مرّ و هو الهواء الذي خرقه الي اربعة عشر هيكلاً او احد عشر علي ماعرفت و يمكن ان‏تجعل لهذا المقام اجواء كل جوّ فتقه سبحانه بظهوره له به فيه كجوّ النقطة و جوّ الالف النفس الرحماني و جوّ الحروف العاليات و جوّ الكلمة التامّة و جوّ الباطن الظاهر في النقطة و جوّ الباطن من حيث هو باطن الظاهر في الالف و السرّ المستسر بالسرّ و جوّ الظاهر الظاهر في الحروف العاليات و جوّ الظاهر من حيث هو ظاهر الظاهر في الكلمة التامة و هذه هي الاجواء التي فتقها سبحانه و تعالي بظهور التوحيد و هيكل التفريد و اظهار النقش الفهواني و لا نهاية لهذا الوجود و لا بداية له بل هو متقوّم بفاعلية اللّه سبحانه المتقوّمة بنفس ذلك الوجود فالنهايات و الاطراف و الغايات كلها منتفية عنه و لايلزم من ذلك قدمه لان القديم سبحانه و تعالي لايحيط به شي‏ء و هذا الوجود يحيط به الحق سبحانه و تعالي فيما لايتناهي بما لايتناهي ولو فرض تناهيه الي اللّه يلزم اقتران الازل و تحديده و اتصاله و هذا كفر باللّه العظيم و خروج عن الدين القويم و ليس مرادنا بنفي النهاية و الازلية (الاولية خ‏ل) نفيهما مطلقاً و انما المنفي هو الاولية و الاخرية و النهايات الموجودة الثابتة في المخلوقات اذ كل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 52 *»

مايصدق عليه الشيئية ماسوي اللّه سبحانه متحقق بهذا الوجود و متقوّم به و صادر عن اللّه به و الشي‏ء انما كان شيئاً لانه مشاء بالمشية قال اميرالمؤمنين7 و هو منشئ الشي‏ء اذ لا شي‏ء اذ كان الشي‏ء من مشيته فاذا صحّ ان الاشياء كلها صادرة عن اللّه بالمشية فلايجري عليه ما هو اجراه فالنهايات و الجهات و الحيثيات المعتبرة في الخلق كلها منتفية عن هذا الوجود و لذا سمّيناه مطلقاً لعدم توقّفه علي شرط سوي خالقه و بارئه و فيض اللّه لاينقطع و باب الافاضة لمن لا مانع له من ذاته لاستدعائه (لاستدعاء خ‏ل) الشرايط و الاسباب و المعدّات و ساير المتممات و المكملات لاتنسدّ فخلق سبحانه ذلك الوجود فيما لا نهاية له بما لا نهاية له فخرج كعموم قدرة اللّه سبحانه واسعاً كلياً بوحدته يسع كل شي‏ء مما كان و مايكون الي يوم القيمة و مابعده الي ما لا نهاية له و هو بحر و خزينة لايشذّ عنها شي‏ء ينفق منها كيف يشاء و لا نفاد لها ما عندكم ينفد و ما عند اللّه باق. و لمّا اراد الحق سبحانه ان‏يكوّن الاكوان و يبرز ماكان من (في خ‏ل) غيب الامكان الي عالم العيان و الاعيان اوجد بفعله اي بذلك الوجود المطلق القسم الثالث من الوجود الذي هو الوجود المقيد و هذا الوجود قبل ان‏يقيّد شي‏ء واحد بسيط منبسط يعبّر عنه تارة بالماء لان حيوة الشي‏ء و تأصّله و تحقّقه بحقيقته و هو حقيقة الاشياء و ذوات الموجودات فبه جعل اللّه سبحانه كل شي‏ء حي و اخري بالهواء لانه الرابطة و الفاصلة بين تأثير المؤثر و قبول المنفعل المتأثر فتنزل الفيوضات و الامدادات كلها الي هذا المقام ثم منه تفيض الي قوابل الاعيان و انّيّات الاكوان و لمّا كان هذا الوجود هو اول اثر صدر عن الوجود المطلق ظهر حاكياً لمثاله و واصفاً لحاله لانه جهته فلا نهاية لهذا الوجود ايضاً لكونه ظهور ما لا نهاية له مع قطع النظر عن المظاهر و هو (فهو خ‏ل) مثاله و دليله و الدليل لايخالف مدلوله و المثال لايناقض ممثّله فهذا الوجود مجرّد عن كل القيود و منزّه عن كل الحدود لان الحدود جهة المخالفة و التكثر و المباينة و التعدد فلولا (فلو كان خ‏ل) هذا الوجود من اين تظهر الوحدة السارية في كل مفقود و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 53 *»

مشهود و معدوم و موجود فلمّا صحّت الوحدة لايجوز ان‏يكون متأخّراً عن الكثرة لان الكثرة مذمومة (مدفوعة خ‏ل) فيجب ان‏يكون متقدّماً و لمّا كانت الكثرات و انحاء التمايزات (التميزات خ‏ل) و الاختلافات و اعتبار الجهات و الحيثيات انما هي بالحدود و التعينات و هذا الوجود جهة الوحدة البحت (البات خ‏ل) لم‏تكن فيه لذاته شائبة من تلك الحالات و الاضافات و الاوضاع و القرانات فلاتوصف بالاولية المتداولة و لا بالاخرية المتعاكسة بل هو صرف الشي‏ء و وجه الوجود المطلق بل ربما جعل من ذلك الصقع فجعله اللّه بلطيف صنعه مادة الاشياء و خرق هذا الهواء بتعليق الارجاء التي هي الاطراف و هي الحدود المشخصة و القيود المعيّنة لتلك الحقيقة المطلقة المقيدة من الكمّ و الكيف و الجهة و الرتبة و الزمان و المكان فبتعليق هذه الحدود بتلك الحقيقة ظهرت منها الاشياء علي حسب الحدود و مقتضي القيود فبتراكم القيود تكاثفت و غلظت حتي صارت جسماً و جسمانياً و برقّة الحدود و قلتها تلطفت فصارت روحاً و روحانياً و عقلاً و عقلانياً و كلما تكامل مرتبة ظهر منها اثر من نوع تلك المرتبة و ذلك الاثر هو جمالها و لجمالها جمال و لجمال جمالها جمال وهكذا الي ما لا نهاية له من ترامي سلسلة الايجاد بقابلية الانوجاد في الايام الثلثة ايام الايلاج اول الاقتران و ايام الغشيان اول التعفين و تمام التمرين و ايام الشأن لتمام التكوين و ظهور التمكين و كل هذه الكثرات و انحاء الاختلافات و احكام الاضافات و القرانات و تكثر الدقائق و الساعات بل /و (زائد خ‏ل) اقتضاء (اقتضاءات خ‏ل) الانات عند تصادم الكيفيات الي ان امتلأ الوجود و ظهر سرّ المعبود باختلاف الركوع و السجود كل ذلك بضم الحدود و القيود التي هي عبارة عن الارجاء و الاطراف و هي الجهات و اقتضاء الانيات و لذا قال7 علّق الارجاء بعد خرق الهواء بل تعليق الارجاء لمن يفهم الكلام بيان و شرح لقوله7 و خرق الهواء و متفرع عليه و متصل به و الملك الذي علي الارجاء هو الملك الذي له رؤس بعدد رؤس الخلايق ممن وجد او لم‏يوجد الي يوم‏القيمة و هو روح‏القدس اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش و معني كونه علي الارجاء انه حامل لها و هي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 54 *»

تنتهي اليه و تنقطع دونه فليس فوقه طرف و لا نهاية و ذلك الملك واقف اول مقام النهاية و العرش هو الانوار الاربعة و هي النور الاحمر الذي منه احمرّت الحمرة و النور الاخضر الذي منه اخضرّت الخضرة و النور الاصفر الذي من اصفرّت الصفرة و النور الابيض الذي منه البياض و منه ضوء النهار و هو نور الانوار و الثمانية الحاملون اربعة من الاولين نوح و ابرهيم و موسي و عيسي و اربعة من الاخرين محمّد و علي و الحسن و الحسين عليهم سلام اللّه ابد الابدين و دهر الداهرين و معني حملهم قيامهم بالامدادات المفاضة منه عليهم سلام اللّه حين استوي الرحمن برحمانيته عليه و تأديتهم الي من دونهم حسب ماجري قلم التقدير علي لوح التدبير باذن اللّه اللطيف الخبير و الاخرون هم الاولون و الاولون هم الاخرون يؤدي اليهم الكروبيون حين مايؤدي الي الكروبيين العالون و ذلك في الرتبة الثالثة رتبة الابواب مقام الحجاب و وجه الجناب و قرع الباب و اما في المقامات الاخر فلهم: مقام الحديدة المحماة و رتبة الظاهر في المرءاة و مقام نزّلونا عن الربوبية و قولوا فينا ماشئتم و لن‏تبلغوا فكم من عجائب قد تركتها و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم.

و ان اريد بالملك هو الجنس لا الواحد في قوله تعالي و الملك علي ارجائها بدليل ضمير «هـم» في قوله عزّوجلّ فوقهم يومئذ ثمانية فالمراد بالسماء مطرح الفيض و الامداد و مهبط الوجود و الايجاد في كل عالم بحسبه من السرمد الي الدهر و هو السبع السموات المتطابقات في قوله تعالي هو الذي خلق سبع سموات طباقاً و هي سماء العقول و سماء الارواح و سماء النفوس و سماء الطبايع و سماء المواد و سماء الاشباح و المثال و سماء الاجسام و الملائكة هم حملة الافاضة و مظاهر التدبير و الارجاء هي النهايات و الاطراف المتعلقة علي المفاض عليه بواسطة الملك الذي هو علي ذلك الرجاء (الترجي خ‏ل) في الاجسام جسمانيون و في الاشباح شبحيون و في المواد ماديون و في الطبايع طبيعيون و في النفوس نفسانيون و في الارواح روحانيون و في العقول عقلانيون و حملة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 55 *»

العرش هم جبرئيل و عزرائيل و اسرافيل و ميكائيل في العرش العقلي باجنحتهم العقلانية يحملون الامدادات العقلية الي متعلقاتها وهكذا الي اخر المراتب فقوله7 علّق الارجاء كلام عام يشمل هذه المراتب كلها و تعليق الارجاء في عالم البيان ظهور الاسماء الكلية و الجزئية و المتقابلة و المتألفة الي ما لا نهاية له التي قديحصر كلياتها من اربعة اسماء و هي سبحان‏اللّه و الحمدللّه و لااله الاّاللّه و اللّه‏اكبر الي اثني‏عشر الي ثلاثين الي ثلثمائة و ستين الي تسعة (تسعه‏مائة خ‏ل) و تسعين الي المائة الي الالف الي الالف الف و في عالم المعاني ظهور المفاعيل المطلقة و المصادر السيالة التي هي متعلقات الاسماء في عالم العماء و في عالم الابواب ظهور الحجب الثمانية من الحجاب الابيض و الاصفر و الاخضر و الاحمر و الكمد و الاخضر المايل الي السواد و الاسود و الاسود البالغ في السواد و في عالم الاجسام ظهور الشرق و الغرب و الجنوب و الشمال و البروج و المنازل و تعدد الافلاك الجزئية و اختلاف الانظار الكوكبية و القرانات الجسمية في السماء و في الارض ظهور الاقاليم السبعة و الجهات الستة و الرياح الاربعة و البحار و الانهار و الجبال و الاشجار و في الانسان في الظاهر الجسمي اعضاء الوضوء و الرابطي هي الحواس الظاهرة و الباطني هي الحواس الخمسة و اللبّي هو تجاويف القلب المعنوي حسب تجاويف القلب الظاهري اللحم الصنوبري و ظهور العرش الكلي في الكلمة الواحدة من المراتب الاربعة و الكلمات الاربعة و الانوار الاربعة و كل هذه مقامات تعليق الارجاء و شرح هذه المقامات قد مضي و يأتي ان شاء اللّه تعالي.

قوله7 : «و اضاء الضياء» يريد بالضياء هو البهاء و هو نور الانوار و النور الذي نوّرت به الانوار و الاشارة اليه في الكلام الكريم بباء بسم اللّه الرحمن الرحيم قال7الباء بهاء اللّه و هو الذي ابتدأ به في دعاء السحر بقوله7 اللّهم اني اسألك من بهائك بابهاه و هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 56 *»

الضياء اول ماظهر من تعليق الارجاء و اول مصباح اوقد مادّته من الدهن الذي يكاد يضيئ ولو لم‏تمسسه نار من الزيت المأخوذ من الشجرة الزيتونة لا شرقية و لا غربية بالنار التي هي من تلك الشجرة قال سبحانه الذي جعل لكم من الشجر الاخضر ناراً فاذا انتم منه توقدون قال تعالي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربيه و هو بلسان اهل الشرع روح‏القدس اول ذائق الباكورة في جنان الصاقورة من حدائق ال‏محمّد: و القلم اول غصن اخذ من شجرة الخلد اي الوجود التكويني خلقتم للبقاء ماخلقتم للفناء و اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش المركّب من الانوار الاربعة و الروح المحمّدي9 و النور المحمّدي9 و العقل الكلي الذي استنطقه اللّه بالمدد النوري و الفيض الالهي و بماجعل عنده من السرّ الغيبي و الظهور المعنوي و بماظهر عليه من الايجاد الكوني و العيني و كونه مخزناً و محلاً لكل المعاني ثم قال له ادبر فادبر ادباراً امتثالياً الذي هو الاقبال حقيقة لا الادبار مولّياً كما في الجهل فانّ خطاب الادبار قد ورد عليهما فواحد ادبر امتثالاً و الاخر ادبر مولّياً و عناداً فصار الادبار الاول نوراً و ضياء لاتصاله الي الحق سبحانه اظهر الاشياء و صار ادبار الثاني جهلاً و ظلمة لانفصاله عن القضاء و هو قوله عزّوجلّ قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب ينادونهم الم‏نكن معكم قالوا بلي ولكنكم فتنتم انفسكم و تربّصتم و ارتبتم و غرّتكم الاماني حتي جاء امر اللّه و غرّكم باللّه الغرور فادبر العقل ممتثلاً لامر اللّه سبحانه و تعالي و متنزلاً بسرّ اسم اللّه البديع الي مقام الروح الرقيقة المعنوية و العلقة الصفراء بسرّ اسم اللّه الرحمن و هو اول مقام الحلّ الثاني في الخلق الاول من عالم الوجود المقيد و قدسبقه الخلق الاول باطواره في عالم الوجود المطلق ثم ادبر متنزلاً الي مقام النفس الصورة المجردة عن المادة الجسمية و المثالية و المدة الزمانية و الشبحية السفلية عالم الذر الاول او الثاني او الثالث و تمام الخلق الاول و الصوغ الاول و كمال العقل (العقد خ‏ل) الثاني و تمام ظهور المعاني و المباني ثم ادبر متنزلاً بسرّ اسم اللّه الباعث الي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 57 *»

مقام الطبيعة مقام الكسر الاول للصوغ الثاني حجاب الياقوت ثم ادبر متنزلاً بسرّ اسم اللّه الباطن الي عالم المواد الجسمانية تمام الكسر و الحل و جوهر الهباء ثم ادبر متنزلاً بسرّ اسم اللّه الاخر الي عالم المثال اول الصوغ الثاني محل الصور المقدارية ثم ادبر متنزلاً بسرّ اسم اللّه الظاهر الي عالم الاجسام مقام النقش و الارتسام ثم ادبر متنزلاً من الاشرف الي الادني حتي قطع الافلاك و ظهرت العناصر و تولّدت المتولّدات و كثرت الانوار و تحقّقت الاضواء فصارت الافلاك بل العالم كرة واحدة تدور علي قطبها و هو ذلك الضياء الذي اضاءه اللّه سبحانه بنور توحيده و انقياد (انقاد خ‏ل) ذلك النور له بالتسليم و الرضا و الخضوع و الخشوع و المسكنة و لك ان‏تجرّد هذه الحركة عن المحور لتكون حركتها علي القطب وحده لا الي جهة اذا نظرت الي ذلك النور نظر الظهور كالحديدة المحماة فيكون حينئذ قيام الاشياء به قياماً صدورياً و حركتها اليه حركة كينونية سيالة لا بقاء لها الاّ بنفس تلك الحركة حين الحركة لا الي جهة فلا وضع و لا كيف و لا كمّ و لا اين و اشار الي هذا المعني في هذا المقام بقوله الحق اللّه نور السموات و الارض و هذا النور الذي هو الضياء هو مظهر الالوهية قد ظهرت فيه له و لغيره به و يكون هذا القوام حين سير ذلك النور في عالم اللانهاية في صقع اللاهوت حين تمحضه في القرب الي ربه و البعد عن نفسه فرقّ و لطف الي ان شابهه في الصفة الفعلية قال اللّه سبحانه في الحديث القدسي اطعني اجعلك مثلي اقول للشي‏ء كن فيكون و انت تقول للشي‏ء كن فيكون و نعم ماقال (نعمّا قال خ‏ل):

رقّ الزجاج و رقّت الخمر فتشاكلا و تشابه الامر
فكأنّما خمر و لا قدح و كأنّما قدح و لا خمر

و لذا قال7 لنا مع اللّه حالات نحن فيها هو و هو فيها نحن و هو هو و نحن نحن و لك ان‏تجعل هذا النور هو المحور لتكون حركة فلك الوجود عليه و ذلك حين كونه مترجماً للخطاب و حاملاً و مؤدّياً علي مقتضي القوابل بتنزّله و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 58 *»

ترقّيه فيكون هذا مقام قوله عزّوجلّ مثل نوره كمشكوة فيها مصباح و لمّا كان المحور هو الخط الفاصل بين القطبين اللذين احدهما عين الاخر اشار سبحانه و تعالي الي بيان هذه الفاصلة و الرابطة بقوله الحق المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم‏تمسسه نار فدلّ البيان علي انّ هذا الضياء هو النور الذي نوّرت به الانوار و هو نور كل نور و مظهر اسم البديع و رفيع الدرجات الم‏تنظر الي قوله عزّوجلّ هو الذي جعل الشمس ضياء و القمر نوراً و الانوار و الاضواء التي في العالم الجسماني كلها من الشمس و هي قد سقط اليها نور من ذلك النور بقدر سمّ الابرة و انما كانت الشمس ضياء مضيئة لهذا العالم لكونها محلاً لظهور العلّية (العلة خ‏ل) الفاعلية التي هي الحرارة و اليبوسة و نسبة الشمس الي العالم كنسبة الحرارة الغريزية الي جميع اقطار البدن لانها نور اي نار قدانفعلت الاجزاء الارضية القلبية التي هي اللحم الصنوبري عنها بالاستضاءة فاستنارت القوي و المشاعر و المدارك و الالات و العروق و الاعصاب و العضاريف (العصاريف خ‏ل) (الغضاريف ظ) و الاوردة و الشرائين و العضلات كلها من الحرارة الغريزية الظاهرة في القلب و تلك الحرارة التي يعبّر عنها بالدم الاصفر في تجاويف القلب او العلقة متعلقة بالريح و هي الدخان و البخار اللطيف في القلب الذي هو الروح في عرف الاطباء و تلك متعلقة بالهواء الذي هو النفس الحيوانية الحسية الفلكية الغيبية و تلك النفس متقومة بالنفس القدسية الانسانية و تلك متقوّمة بالعقل في الجزئي و اما في الكلي فالانسانية متقومة بالنفس الملكوتية الالهية و هي متقومة بالعقل و لذا قال اميرالمؤمنين7 في بيان هذه النفس ان اصلها العقل منه بدءت و عنه وعت و اليه اشارت و دلّت و هي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي الخ (هـ خ‏ل) و هذه الذات و الشجرة و السدرة و الجنة التي هي صافي الوجود و نور الاله المعبود و ثمرة الركوع و السجود و الانوار التي بها ظهر الوجود و الموجود كما قال9 ظهرت الموجودات من باء بسم اللّه الرحمن الرحيم كلها ظهور و شئون لذلك الضياء الذي قال7

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 59 *»

اصلها العقل الخ و اول ماخلق اللّه النور و هو نور الرب في قوله عزّوجلّ و اشرقت الارض بنور ربها و الارض هي ارض النفوس في هذا التفسير في هذا المقام.

ثم اعلم ان قوله7 اضاء الضياء ردّ علي من زعم ان الماهيات ليست بمجعولة و ان اللّه ماجعل المشمش مشمشاً بل جعله موجوداً فان قوله7 معناه انه سبحانه جعل الضياء ضياء كما في قوله7 هو كيّف الكيف و ايّن الاين اي جعل الكيف كيفاً و الاين ايناً و جعل المشمش مشمشاً اذ لايجوز ان‏يكون في ملك اللّه سبحانه شي‏ء يترتّب عليه الاثر لم‏يكن من خلق اللّه او يكون شي‏ء في الوجود لايكون في ملك اللّه سبحانه فان لم‏يكن شيئاً و لم‏يترتّب عليه شي‏ء لم‏يكن لقولهم فائدة و انما هو كذب محض والاّ فاما هو خلق اللّه او قديم مع اللّه او هو اللّه او خلق لغير اللّه او احدث نفسه من غير اللّه او حدث لقديم غير اللّه تعالي و ماعدا الاول كله باطل و ذلك ظاهر ان شاء اللّه و ليس هذا المقام مقام هذه المسألة ببسطها و شقوقها.

ثم ان قوله7 اضاء الضياء استنباط و استخراج مما ظهر مستجناً فيماتقدّم من كلماته الشريفة (كلامه الشريف خ‏ل) فان هذا الضياء هو المصباح الذي في الاية الشريفة فاشار7 بقوله فتق الاجواء الي الشجرة الالهية التي تخرج منها النار فبفتق تلك الاجواء ظهرت تلك الشجرة الكلية و المراد بالشجرة هو الاختراع الاول و الابتداع الاول قال مولينا الرضا7 ان اول ماخلق اللّه الاختراع و الابتداع ثم خلق الحروف فجعلها فعلاً منه يقول للشي‏ء كن فيكون و تلك الاجواء هي مقامات الامكان الراجح من الظهورات الفعلية الالهية و محل المقامات و الايات و العلامات علي ماسبق فنبتت تلك الشجرة في تلك الارض بفتق اجواء افلاكها و عناصرها و دوران بعضها علي بعض و ليس من متولدات تلك العناصر و الافلاك من الاباء و الامهات سواها فان جعلتها جماد ذلك العالم او نباته او حيوانه او انسانه صدقت اذ كل ذلك قد جمع فيها بطور الوحدة اذ في الكل خاصية الكل الم‏تسمع ان في الجنة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 60 *»

تعمل الاجسام عمل الارواح من غير توسطها و الارواح تعمل عمل الاجسام من غير توسطها لان دار الاخرة لهي /دار (زائد خ‏ل) الحيوان و (او خ‏ل) حيوة دار الاخرة من فاضل فاضل حيوة هذه الشجرة بل ليست الجنة بقضّها و قضيضها الاّ ثمرات ثمرات هذه الشجرة فلاتستغرب اذن مما قلت و اشار7بقوله خرق الهواء و علّق الارجاء الي ظهور نار الشجرة في الهواء لماذكرنا من ان الهواء مجمع البحرين و ملتقي العالمين فيصعد القابل المتلقي (للتلقي خ‏ل) الي المبدأ الي مقامه و ينزل العالي باثره للامداد الي مقامه فهو الرابطة و الفاصلة و المراد بالهواء بلسان الظاهر هو الوجود المقيد قبل التقييد و هو ظهور المشية باثرها و هو اثرها و نسبته اليها نسبة الضرب الي ضَرَب كمايأتي ان شاء اللّه فكان هو مسّ النار و الارجاء هي الدهن و ارض الجرز و البلد الطيب و هي القابلية و خرق الهواء اشارة الي مسّ النار للدهن اي التعلق المحض و تعليق الارجاء اشارة الي ميل القوابل الي مقبولاتها و صعودها اليها بلطايفها و صافيها و هو تكلّس الدهن الي ان‏يصير اجزاء قريبة الاستحالة الي الدخان الي ان‏يصير دخاناً ينفعل بمس النار بالاضاءة (بالاستضاءة خ‏ل) و ذلك التكليس هو تمكين القابلية لقبول اثر الفاعل فاذا تعلقت النار بالدهن و كلّسته الي ان‏يصير دخاناً تحقق المصباح و اضاء الضياء و هو السراج الوهّاج قال تعالي و جعلناه سراجاً وهّاجاً فمنه استضاء العالم فاشار7 الي بدء الوجود و ظهور الشهود بما لا مزيد عليه و لعمري انه7 شرح احوال المبدأ و الخلق الاول بكل احواله و اطواره و صفاته و شئونه و جهاته و كلياته و جزئياته في هذه الكلمات بين ماصرّح تصريحاً و مااشار اشارةً و مالوّح تلويحاً بالكلمات و الحروف و صفاتها و اعدادها و طبايعها و قراناتها و ولاداتها قد انقطع دونها علم العلماء و فهم البلغاء لاتفني عجائبها و لاتبيد غرائبها و هي طريّة ابداً و ماطوينا مماعرفنا اكثر مماكتبنا و ما لم‏نعرف و لم‏ندرك و لم‏نتخيّل بل لم‏نعقل اكثر و اكثر اشهد ان كلامهم نور صعب مستصعب.

قوله7 : «و احيي الموتي و امات الاحياء» اعلم ان الموت قديطلق

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 61 *»

علي مجرد الفقدان سواء سبقه وجدان ام لا كما في قوله عزّوجلّ سقناه الي بلد ميّت و هو الارض المعدّة المستأهلة للنبات و الاثمار اذا وقع عليها المطر فتكون قبل وقوعه عليها ميتاً غير موجودة بالعمارة و الظهور و الشهود و انما هي ذكر و صلوح قابلية محضة فاذا اتاها المطر الخارج من السحاب و وقع علي تلك الارض انفتقت و حييت باذن اللّه تعالي قال تعالي و من اياته انك تري الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزّت و ربت الاية فهذا موت قبل الحيوة قد اطلق الموت عليه و قديطلق علي الكسر بعد الصوغ و علي العدم بعد الوجود و الغيب بعد الشهود و الامكان بعد الاكوان و الاعيان و الظلمة بعد النور و الخفاء بعد الظهور و الاطلاقان كلاهما يحتملان في هذا المقام.

ثم اعلم ان الموت بقول مطلق هو قطع العالي نظره عن السافل فينقطع السافل فيبقي ميّتاً لا حراك له و ذلك القطع لايكون الاّ بعدم اقبال السافل الي العالي لضعف قابليته و انهدام بنيته و غلبة برودته و يبوسته او رطوبته مع البرودة المانعة عن ظهور الحرارة التي هي مثال الفاعل العالي او لاشتغال العالي و نظره و اشتياقه و محبته الي اعلي منه او المناسب له في الغاية و النهاية فاذا حصل له الشغل الكلي يقطع عن السافل فيقع ميتاً فظهر لك ان علة القطع امران.

فاذا عرفت هذا فاعلم ان الموت موتان اقبالي و ادباري فالاول هو موت الوفاء و الفناء و الثاني هو موت العناء و الشقاء و الثاني امتثالي و انفصالي انقطاعي فالاول هو الرحمة و الثاني هو النقمة و الاشارة الي بيان هذه الجملة هي ان اللّه سبحانه لمّا احبّ ان‏يعرف خلق الخلق لكي‏يعرف فالمحبة الحقيقية للايجاد هي المعرفة و هي محل المحبة و المحب ليس نظره الاّ الي محبوبه و مطلوبه بالمحبة التي هي عين ذلك المحبوب فايجاد تلك المعرفة و تلك المحبة و الوجدان الحامل لتلك المحبة و المعرفة لتساوقهما لا شك انه متقدم فاوجد سبحانه العارف المحب المحبوب اولاً قبل كل شي‏ء لكونه الغاية في الايجاد و محل نظر رب العباد فوهبه الحيوة و الدوام الابدي و البقاء السرمدي لانه محل التجلي و ظهور المتجلي لان اللّه سبحانه احبّه به و تجلي له به قال مولينا علي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 62 *»

لاتحيط به الاوهام بل تجلي لها بها و بها امتنع عنها (منها خ‏ل) فذلك النظر هو علة الحيوة و عين الحيوة بقاء لا فناء فيه و دوام لا زوال له و استقلال لا اضمحلال له و غني لا فقر له لانه محل رحمة اللّه و منبع فيضه و احسانه و هذا هو الهواء في قوله7 المتقدم خرق الهواء لان الهواء هو طبع الحيوة و الاسم المربّي له الحي و هو قوله7 ان الروح مجانس للريح و قوله7 ان الروح متعلقة بالريح و الريح متعلقة بالهواء و هذا هو الوجود المعبّر عنه بنور اللّه و ايته مبدأ الوجود المقيد و اما في عالم الوجود المطلق فهو عالم احببت ان‏اعرف و المحبة الحقيقية التي هي الحقيقة المحمدية9 و هو مقام الاحدية الظاهرة (الظاهرية خ‏ل) للمخلوق التي يعرفون الاحد بها ثم لمّا اراد ان‏يخلق مراتب الخلق لاظهار كبريائه و عظمته و جلاله و جماله و قهره و غلبته امر ذلك النور الحقيقي و السرّ الغيبي الخفي الحقيقي الالهي بالادبار و النظر الي القوابل المدلهمّة الغاسقة الموجودة المتحققة بعين ذلك النظر و لا شك ان القابل طبيعته البرودة و اليبوسة التي قد احاطت بظاهرها الذي هو ظهور الميل الي المبدأ (مبدأ خ‏ل) البرودة و الرطوبة و قد قلنا سابقاً ان الشي‏ء لايتمّ الاّ بالمقبول و القابل و القابل لايتحقق و لايقبل الاّ بتمكين المقبول او الفاعل اياه للقبول و ذلك التمكين مايمكن (لايمكن خ‏ل) الاّ بمزج اثر الفاعل و ظهوره و كينونته للقابل مع طبيعة المقبول في ارض الجرز و البلد الميت الطيب ففي اول ظهور الاثر الذي هو النار و الحرارة المصلحة المنضجة لتكوين المكوّن القابل فالغلب و الظهور و جريان الاثر للقابل ببرودته و يبوسته الممزوجة بالرطوبة و انت قد عرفت ان البرد الخالص اذا اصاب الرطوبة التي فيها اليبوسة الجزئية يجمدها فالحرارة التي هي اثر الفاعل و هو ذلك لمّا كانت من عالم الغيب و الباطن تبقي في الباطن و لم‏يظهر لها اثر في الظاهر بل ظهور الاثر و جريان الاحكام انما هو للبرودة و اليبوسة اللتان هما طبع الموت فهذا اول موت وقع في الوجود و مثاله و ايته في عالم التفصيل فصل الشتاء فان الحرارة في ذلك الفصل تتوجه الي الباطن فتنجمد الظواهر بالبرودة و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 63 *»

الرطوبة المشوبة باليبوسة و تنسدّ المسام و لم‏يبق للحرارة حكم و لا اثر فيحتاج الخلق الي حرارة اخري غير ما في الغرايز و الطبايع و انما كثرت الرطوبة في هذا المقام و في هذا الفصل لكونه اول مقام القابلية و ميل القابل الي الانفعال للتأثير و ذلك يستدعي الرطوبة و اما سرّ انجمادها فلمزجها مع اليبوسة الحافظة الماسكة لذلك التأثير و اما سرّ زيادة البرودة فلبعده عن الحرارة و تأثير الفاعل بالتأثير الخاص او العامّ و هذا الموت ادباري الاّ انه امتثالي و لذا كان رحمة و فضلاً فاذا تمكّنت الحرارة و رسخت و استقرّت في الباطن لتمكين القابلية و تسويتها تؤثر فيها و تنضجها شيئاً فشيئاً الي ان‏يضمحلّ ذلك البرد الكلي الموجب لانجماد القريحة المانع لذوبانها و ميلها الي مبدئها و بارئها فتذوب تلك اليبوسة و الرطوبة المجتمعة الجامدة و تفتح المسام و تؤثّر الحرارة في الظاهر فيظهر النبات و هنا اول الحيوة و اول مقام الاعتدال و مثاله هو فصل الربيع بعد الشتاء و لذا تكثر الامطار و تقل الثلوج في هذا الفصل و ذلك لسرّ الذوبان فبقدر ماتقلّ البرودة تظهر و تضاعف الحرارة و يقوي النبات و يظهر طلع الثمار فكلما تزيد يوماً اما من القمري او من ايام الشأن تزيد الحرارة و الرطوبة فاذا زادت الحرارة خففت (جففت خ‏ل) الرطوبات الفضلية فتزيد اليبوسة الي اخر فصل الربيع و هو انتهاء غلبة الرطوبة ففي فصل الصيف تكون الغلبة لليبوسة مع الحرارة و هناك مقام نار السبك فتنضج الثمار و تتقوي الاشجار و هذا تمام الحيوة بعد الموت فالموت الاول في اول الادبار و النظر الي القابلية و ميله اليها و ميلها اليه كما قال سبحانه و تعالي يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل و قال7 في الصحيفة يولج كل واحد منهما في صاحبه و يولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد فيمايغذوهم به و ينشئهم عليه ليصير المجموع شيئاً واحداً مخمول الحكم و معزول الوصف حتي تتم الخلقة في بطن الام اي الصورة من احكام التقدير و اجراء التدبير و هذا هو التعفين فبعد ذلك ينشئ خلقاً اخر من ايلاج الروح المناسب للصورة اي الام و هو الحيوة فالحيوة بالصورة و القوام بالمادة و عند الانفصال كل منهما ميّت ذلك تقدير العزيز العليم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 64 *»

فاحيي الموتي اوّلهم ادم الاول حين عانق (عانقه خ‏ل) حوّاه و مات في حبّها و هو عبارة عن تعلق المشية الكلية (الكونية خ‏ل) و الرحمة الواسعة بارض الامكان الراجح و هذا كان موتها لانقطاعها عن النظر الي نفسها التي هي جهة مبدئها و علتها و فاعلها و قد قلنا ان الموت هو قطع نظر العالي عن السافل بالوجدان ام بالوجود ام بالامرين و لا شك انها اذا نظرت الي نفسها من حيث تعلقاتها منقطعة عن النظر الي نفسها مجردة عنها مع انه قد ارتفع تمييزها حينئذ اي في حال التعلق فهو موت (الموت خ‏ل). لايقال ان المشية حيوة لا موت لها لانا نقول بلي بالنسبة الي ماعداها كما نقول انها بسيطة ليس في الامكان ابسط منها مع انها ممكنة و كل ممكن زوج تركيبي فافهم و حيوتها الاضافية ظهورها بالواحدية و تمام الكلمة التامة التي هي كلمة كـن و انما قلنا الاضافية لان هنا مقام ظهور اولادها التي هي وجوهها و رؤسها و مقام ظهور الاسماء الحسني و الصفات العليا او (و خ‏ل) ظهور العلم الامكاني و الاعيان الثابتة الحدوثية.

و لك ان‏تجعل الموتي هي الامكانات و الصلاحيات التي لا حيوة لها و لا ظهور و لا وجود لها في الاكوان حتي اطلق عليها العدم كما قال عزّوجلّ اولايذكر الانسان انا خلقناه من قبل و لم‏يك شيئاً و قد ورد في بعض الاخبار ان اللّه سبحانه خلق الاشياء من العدم يراد به العدم الامكاني فيصحّ ان‏تجعلها موتي حيوتها بايجادها في الاكوان فاول حيوتها و ظهور بعض احكامها([2]) في الهواء كما تقدّم و ثاني ظهورها بفرد من افرادها الضياء فيكون قوله7 و احيي الموتي بيان اصل من الاصول الكونية و مرتبة من مراتب البدء في الكونين الكون الاطلاقي و التقييدي و الاختراعين الاوّلي و الثانوي و لمّا كان قوله7 فتق الاجواء اشارة الي الاختراع الاول و اضاء الضياء الي الاختراع الثاني و خرق الهواء الي البرزخ المتوسط الجامع لاحكامهما و الهواء عبارة عن ماء الوجود و ارض القابليات و الموتي قد

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 65 *»

تحققت في الاختراعين اتي7 بعدهما بحكم المشترك بينهما لما ذكرنا من تأثير الفاعل العالي المقبل المدبر الي السافل المفعول باثره فالموت للاثر اذا امتزج مع قابلية المتأثر و غلبت عليه البرودة و اليبوسة و حيوته اذا ظهر الاثر في كينونة القابل المتأثر مشروح الحكم ظاهر التأثير متفرّداً في الامر بالعمل (بالامر في العمل خ‏ل) و لمّا غاب ذلك النور المعبّر عنه بالهواء (بالفؤاد خ‏ل) في ارض الجرز و البلد الميت تحقق موته بتلك الغيبوبة و لمّا صعد بالابخرة و الادخنة اللطيفة الي سماء الصاقورة اي جهة العلة الدائرة علي نفسها بنفسها فاصابته برودة الرحمة مبدء العلة الصورية تحت الكرة الاثيرية مبدء العلة المادية فانجمد يبوسة هباء تلك الارض الي ان‏تكون السحاب المزجي جهات الميل الي القابلية فانعقد سحاباً متراكماً بتحقق الصورة الشخصية فجري باشراق شمس الايجاد من عالم الامر عليه بحكم الانوجاد ماء ذائباً صالحاً صلوحاً نوعياً لكل مايمكن في حقه و وقع علي ارض القابليات الشخصية الجزئية المتقابلة المتمايزة و هو قوله تعالي انزل من السماء اي من سماء الاختراع و الابتداع و سماء المتجلي (التجلي خ‏ل) ماء التجلي و الاحداث و الايجاد بعد الحلّ الاول و العقد الاول فسالت اودية تلك القوابل بقدرها فاذا ارادوا النبات اخذ من ذلك الماء الصالح جزءان لمزج القابل مع المقبول فان النسبة لها طرفان و اخذ من تلك الارض جزء واحد لئلاتنجمد فلاتتمكن من الصورة المطلوبة الممكنة في حقها المطلوب وجودها بتوفّر الاسباب و الدواعي و اجتماع الشهوات و الطلبات و لئلاتذوب فلايصحّ الانعقاد المطلوب علي الوجه المطلوب فتمت مراتبه و متممات قابلياته (قابليته خ‏ل) و مكملاته فظهر الاثر و مال الي صقعه فتحرك ذلك الشي‏ء بقابليته الي جهته فان كان ذلك الاثر من المؤثر بيمينه فيصعد به علي (الي خ‏ل) اعلا عليين و ان كان بشماله فيهبط به الي اسفل السافلين سواء كان في الاصل غرفة من العليين او من السجين او لا بل باللطخ و الخلط كما قرّر في محله و بالجملة فحيوة الشي‏ء بعد مماته ظهور الشي‏ء بتأثير الفاعل مشروح العلل مبيّن الاسباب و هذا يتصور في كل شي‏ء من الاشياء الاّ ان الاشياء في

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 66 *»

الظهور و الخفاء مختلفة فدلّ العقل بدلالة قول علي7 ان الحيوة الاولية التي هي عين لحاظ الرب متقدمة علي الموت و اما الحيوة التركيبية المزجية الحاصلة من الائتلاف فانها مؤخّرة عن الموت فان الادبار موت و هو الاول و الاقبال حيوة و هو الثاني و لذا قال7 احيي الموتي و امات الاحياء.

و ان قيل ان الواو لاتدلّ علي الترتيب لان سياق الكلام يقتضي ذلك مع ان في عدم دلالة الواو علي الترتيب نظر اعلم ان الشي‏ء لمّا كان لم‏يتحقق الاّ بحلّين و عقدين و لمّا كان العالم كرة واحدة و حقيقة واحدة و شخصاً واحداً كان الحلاّن و العقدان فيه عبارة عن الخلقين في العالمين عالم الغيب و عالم الشهادة و الخلق الاول و الثاني فالخلق الاول في عالم الغيب قد انعقد بعد ما حلّ فالحلّ هو الموت و العقد هو الحيوة فالحل الاول في ماء الوجود حين (عين خ‏ل) مزجه بارض القابليات و هنا امات الاحياء و اول العقد الاول في العقل و وسطه في الروح و اخره و تمامه في النفس عالم الذر الثالث او الثاني او الاول و هنا احيي الموتي اول الحيوة في مقام العقل علي جهة البساطة و المعنوية و اول ظهورها في عالم التفصيل جامعة الشؤن تامة الاقتضاءات و الاضافات و القرانات في مقام الروح الرقيقة الحاجزة بين الاجمال و التفصيل و تمام ظهورها و كمالها مجتمعة المراتب حاوية المئارب في النفس و لذا خصّوا التكليف في الخلق الاول بهذا المقام مع ان التكليف سار في كل ذرات الوجود بكل انحائها و انواعها ففي عالم النفس كمال الحيوة الممكنة ثم ان اللّه سبحانه كسر هذا المركب و نثر هذا المنظوم في الحل الثاني ارادة للخلق الثاني الذي هو خلق عالم الشهادة و الاجسام مقام النقش و الارتسام و كان هذا الكسر تحت الحجاب الاحمر عالم الطبيعة فهي (فهو خ‏ل) اول الحل الثاني و تمامه في المادة الجسمانية جوهر الهباء فامات الاحياء الذين كانوا ذوات الشعور و الادراك و المعرفة و البصيرة المكلفين الطائعين و العاصين بحيث قد اضمحلت انيّتهم و اندكّت جبلّتهم و ذهب شعورهم و احساسهم فبقوا اموات فيحييهم اللّه سبحانه بل احياهم في الخلق الثاني الذي هو العقد الثاني و هو لايكون الاّ في عالم الاجسام

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 67 *»

فاشار الامام7 في هذه الفقرات الموجزة تفصيل مراتب الوجود من بدء الايجاد و الانوجاد بتفاصيل احوالها مجملة الي تمام الخلق الاول و قد اشرنا الي بعض منها في هذه الاوراق و قد اعرضنا عن اغلبها و اكثرها.

ثم شرع7 في بيان كيفية الخلق الثاني اي عالم الاجسام لان للخلق الاول و الثاني عندنا اطلاقان قدنطلق و نريد بالخلق الاول عالم الغيب و بالخلق الثاني عالم الشهادة كما هنا و قدنطلق و نريد بالخلق الاول هو مقام الحل في الماهية الاولي و الهيولي الاولي قبل السعادة و الشقاوة و لزوم الحكم عليه و بالخلق الثاني العقد الثاني و حله في الماهية الثانية مقام امتياز هيكل التوحيد عن هيكل الكفر و الشرك (الشرور خ‏ل) و الصورة الانسانية عن الصورة الشيطانية و اما هنا فلانريد الاّ الاول.

فقال7 : «احمده حمداً سطع فارتفع و شعشع فلمع حمداً يتصاعد في السماء ارسالاً و يذهب في الجوّ اعتدالاً»

اقـول: ما من عالم من العوالم و مقام من المقامات من العلوية و السفلية و الجوهرية و العرضية و الحقيقية و المجازية الاّ و هو مظهر اسم من الاسماء و مجلي صفة من الصفات و مهبط فيض من الفيوضات و مجلي تجلٍ من التجليات و مطرح اشراق من الاشراقات يحكي بما نقش فيه من الاوصاف و التوصيفات ظهوراً من ظهورات خالق (الخالق خ‏ل) الارضين و السموات قال اللّه سبحانه في كتابه العزيز و ان من شي‏ء الاّ يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم و قال7 في الزيارة الجامعة الصغيره يسبح اللّه باسمائه جميع خلقه قال سبحانه و تعالي و للّه الاسماء الحسني فادعوه بها و ذروا الذين يلحدون في اسمائه و قد قلنا ان الحمد هو صفة التجلي و البهاء الدالّ علي جمال المتجلي و جلاله و عظمته و كبريائه من غير ملاحظة ظهوره بالمتجلي له ليشمل الصفات القدسية و الاسماء التنزيهية ليكون مقام الحمد مقام الولاية المطلقة الحاملة لجميع الظهورات الالهية بانواع التوصيفات فان الظهور ليس الاّ للتوصيف و التوصيف

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 68 *»

اعم من الوحدانية و العظمة و الكبرياء و الوحدانية اعم من الواحدية بل تشمل الاحدية و هي هيكل التوحيد المطلق لا من حيث هو هيكل و هو سبحانه في كل مقام من المقامات ظاهر بالحمد فيستحقه و اما اذا لاحظت المقامات مترتّبة فيلاحظ فيها ظهور الصفة و خفاؤها فيحكم عليها بماظهر فيها من تلك الصفة و ان خفيت فيها الصفات الاخر و اشتملت عليها كماتقول في الامزجة و تحكم (علي ظ) بعضها بالصفراوية و بعضها بالدموية و بعضها بالبلغمية و بعضها بالسوداوية مع ان المزاج لايتحقق الاّ بالمجموع و لذا تعددت الاوصاف بحسب الظهور في المقامات فكانت الكلمات الاربع سبحان‏اللّه و الحمدللّه و لااله الاّاللّه و اللّه‏اكبر جامعة لاركان الاسلام و الاسلام هو الدين قال اللّه تعالي ان الدين عند اللّه الاسلام و الدين هو الماء الذي كان حاملاً للعرش قبل خلق السموات و الارض قال تعالي و كان عرشه علي الماء فيكون الاسلام اعم من ان‏يكون تكوينياً او تكليفياً تشريعياً فهذه الكلمات جامعة لمقامات المقامين فالتسبيح في حجاب العظمة و الجبروت و التحميد في حجاب القدرة و الملكوت اذ الولاية ظهرت في هذا المقام كما قال صلوات اللّه عليه ظهرت الموجودات من باء بسم اللّه الرحمن الرحيم مع ان الالف مقدم علي الباء و هو متقوّم به كما قرّر في محلّه و التهليل في مقام حجاب الياقوت لظهور القهارية الماحية لكل متكبر و مقام خطاب الملك للّه الواحد القهار اذ في مقام حجاب الملكوت ظهر ظاهر الولاية علي بعض الانيات المدبرة فقامت تدعو الي نفسها مولّية عن ربها افرأيت من اتخذ الهه هويه فقهرهم اللّه سبحانه و احرقهم بنار الغضب فخلص التوحيد و ظهر التهليل فقبل ذلك ما من مقام الاّ مقام التسبيح و التحميد و التكبير في حجاب الكبرياء حجاب الزمردة الخضراء لمكان الظهور علي القشور فاختلفت الصفات في مقام تعدد المقامات علي الترتيب مع ان الكل ظاهر في الكل و اما مولينا الامام7 لمّا كان في مقام بيان الخلق الثاني و ان كان هو العالم الجسماني فابتدأ بالحمد لبيان سرّ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و بيان ظهور الولاية بالتوحيد الذي هو البيان و المعاني في هذا المقام الذي هو

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 69 *»

الخلق الثاني و جعل كل عالم تامّ الصنعة ظاهر الحكمة و اليه ناظر كلام مولينا الصادق7 كمال التدبير و تمام الصنع و لذا نقول ان العالم الجسماني من حيث المجموع ماوجد في الزمان و ان كانت اجزاؤه وجدت فيه و لايتحرك الي جهة و ان كان من حيث ظهوره و تفصيله يتحرك وضعاً علي المحور و انما يتحرك حركة صدورية لا الي جهة و حركة علي القطب الذي هو وجه المبدأ بكل جهة بل بلا جهة فلو تحرك علي المحور لم‏يكن كرة و انما كانت دائرة فلم‏يتمحّض في الافتقار فافهم لكنه7 اتي الحمد بالجملة الفعلية سيما المضارعة لبيان ان هذا العالم الظاهر فيه الحمد زماني متغير متجدد متصرّم سيال و المدد الذي هو الحمد و ان كان متجدداً الاّ ان تجدد الامداد من بحر المداد لايظهر الاّ في هذا العالم الطري الاستعداد و هو و ان كان طريّاً مطلقاً الاّ ان ظهوره و تفصيله علي كمال الاختلاف الظاهري لم‏يكن الاّ في هذا العالم و لذا لم‏يأت في ذكر العالم الاول في الاختراع الاول بالجملة الفعلية و انما اتي هناك بالاسمية لبيان انه خلق ساكن لايدرك بالسكون و بيان انه الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها بخلاف هذا العالم الثاني الجسماني فانه زماني متجدد مختلف و الفعل يؤدي هذا المؤدّي و المضارع الي التجدد الاني و السياليّة الزمانية و لك ان‏تجعل هذا المقام تفاصيل مااجمل في الكلمات الاول فيكون هذا الحمد و مابعده تفصيلاً و شرحاً للحمد الاول و لذا اتي بالحمد في المقام الاول وحده و اتي به هنا مفصلاً وصفه بماوصف ليطابق (ليتطابق خ‏ل) التدوين التكوين و يوافق الظاهر الباطن و الصورة الكينونة فان في عالم الكينونة علي جهة الاطلاق مايوجد الشي‏ء الاّ مجملاً ثم يفصّل بمرتبة اخري فالاحدية بالواحدية و الواحدية بالالوهية و الالوهية بالرحمانية و الرحمانية بالملكية و هكذا و الوجود بالعقل و العقل بالروح و الروح بالنفس و هكذا و النطفة بالعلقة و العلقة بالمضغة و المضغة بالعظام و العظام باكتساء اللحم و هكذا و النقطة بالالف و الالف بالباء و الباء بالبسملة و البسملة بالحمد و الحمد بالكتاب و هكذا فلو

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 70 *»

تأمّلت و امعنت النظر لرأيت كلام الحكيم الذي عرف الحيث و الكيف و الكم و اشهده اللّه خلق نفسه و خلق السموات و الارض علي هذا الترتيب مطلقاً سواء مع العالم او الجاهل الاّ ان للجاهل يأتي بعبارة واضحة لو فصّلتها و ذيّلتها رأيتها بعينها العبارة التي للعالم فماتري في خلق الرحمن من تفاوت لكن الرحمن استوي علي العرش فاعطي كل ذي حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه ربنا الذي اعطي كل شي‏ء خلقه ثم هدي فافهم هذه القاعدة المطردة فعلي هذا يكون كلامه7 في هذا المقام تفاصيل تلك المجملات و بيان تلك المبهمات و مئال المعنيين اللذين ذكرنا الي واحد فان نقطة الايجاد سرت في القوابل الكونية و العينية كلها علي طور واحد و انما اتي بصيغة المتكلم الواحد دون الذي معه غيره مع انه اولي في مقام العظمة لان الاولوية انما تتحقق اذا كان الغير معه في صقع واحد في السلسلة العرضية و لا كذلك في هذا المقام بالنسبة الي هذا المتكلم روحي فداه فان الاغيار كلها عنده عدم بحت و لاشي‏ء محض فهو وحده كيف لا و هو ذات الذوات و الذات في الذوات للذات فلايجتمع الصفات مع الموصوف في صقع و لا الاعراض مع الجواهر و لا الامثال مع الذات و اين الثريا من يد المتناول نعم قديتنزّل مع الغير بظهوره في رتبته في مقام انما انا بشر مثلكم و مقام يأكل مماتأكلون منه و يشرب مماتشربون لكن مقام انشاء هذه الخطبة ليس مقام التنزل اذ لايشارك احد معه في هذه الاحكام فيجب التوحّد كالواقع.

ان قلت ان رسول‏اللّه9 و فاطمة و ساير الائمة: معه صلوات اللّه عليه في رتبة واحدة فلو اتي بصيغة المتكلم معه غيره لكان اتمّ و اولي. قلت ان اللّه سبحانه خلق محمّداً9 في جلال القدرة فبقي يطوف حول ذلك الجلال ثمانين الف سنة الي ان وصل الي جلال العظمة فخلق اللّه سبحانه هناك نور علي7 فبقي نور علي7 يطوف حول جلال القدرة و نور محمّد9 يطوف حول جلال العظمة و هو معني قوله9اعطيت لواء

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 71 *»

االحمد و علي حاملها فعلي7 هو حامل اللواء و هو الظاهر بالولاية و هو الباء الذي ظهرت الموجودات كلها منه و به بخلاف الالف الذي استضاء منه الباء كالضوء من الضوء و لايأتي الي الباء امر و حكم الاّ بالالف الاّ ان التفاصيل و اعطاء كل ذي حق حقه ليس مفصّلاً في الالف كالباء فالباء هو المتوحّد في هذا المقام اي في الظهور و ان كان غيره معه في المبدء و لمّا كان هذه الخطبة في مقام اظهار الولاية لا بيان حقيقتها يختصّ حكمها به7 و اما اولاده المنتجبون: فهو اميرالمؤمنين و المؤمنون هم: يميرهم العلم لان مقامه الالف و النفس الرحماني في الكلمة و مقامهم الحروف فكلّ الامدادات الحرفية كلها تأتي من الالف /كالالف (زائد خ‏ل) بالنسبة الي النقطة فلايصلون ايضاً مقامه7 فهو المتوحّد روحي فداه في هذه الخطبة الشريفة و ان كان اولاده الطيبون: يشاركونه في هذا الحكم و شبهه الاّ انه به فيجب التنزل الي مقامهم و المقام يأبي عن ذلك و اما فاطمة3 فان الرجال قوّامون علي النساء بما فضّل اللّه بعضهم علي بعض و بماانفقوا من اموالهم فهو7 المتفرد في هذا المقام هذا كلام في مقام الفرق و التفصيل و اما في مقام الجمع فهم شي‏ء واحد و حقيقة واحدة علي الحقيقة سيما عند ظهور الولاية اذ في ذلك المقام لا فرق بينهم قال7 كلنا محمّد و اولنا محمّد و اخرنا محمّد و اوسطنا محمّد و في هذه الخطبة الشريفة انا محمّد و محمّد انا فقولهم واحد و عملهم واحد و حكمهم واحد و نورهم واحد و امرهم واحد لانفرّق بين احد منهم و نحن له مسلمون قال7 و اشهد ان ارواحكم و طينتكم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض فافهم.

و انما اكّد الفعل بالمصدر لان المصدر هو اول مااشتق من الفعل و هو اول ظاهر ظهر من الفعل فلايظهر الفعل الاّ بالمصدر و هو الاثر الحاصل منه فالمصدر له ثلثة وجوه: الوجه الاول الاعلي الي الفعل من حيث المبدئية لا من حيث انه فعل و في هذا الوجه مثال للمبدء و حاكٍ لتجليه له به فيظهر و يستنطق

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 72 *»

منه الحامد في هذا المثال فالحامد هو مثال الشخص الظاهر في الحمد و اذا قلنا ان الحمد الذي للّه رب العالمين هو الولاية التي للّه الحق فاذا نسبته (نسبه خ‏ل) الي اللّه سبحانه يكون مبدء لكل الاسماء و الصفات التي هي المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان فليس اسم يشذّ عنه فيكون مظهر اسم اللّه المستجمع لكل الاسماء و الصفات الكمالية اذ المشتقات كلها مادتها المصادر و صورتها ظهور الذات بتلك المصادر و قدشرحنا و بيّنا هذه المسألة في كثير من مباحثاتنا فاسم الفاعل حقيقة مركّب من المصدر و من ظهور الفعل و لذا تري النحاة قداجمعوا علي ان اسماء الفاعلين كلها مشتقة من الفعل و ان اختلفوا في الفعل بين قائل باشتقاقه من المصدر و قائل باشتقاق المصدر منه و اما اشتقاق اسم الفاعل من الفعل فمما لا خلاف فيه فيكون الفاعل مشتقاً من الفعل و لمّا كان الاشتقاق فرعاً و تابعاً فيكون المشتق تابعاً و فرعاً للمشتق منه و ليس هذه التابعية الاّ الصدورية فالصادر الاول من الفعل و هو الحدث قبل التعلق بمتعلق بالنسبة الي الفعل المبدء هو الفاعل في مثال فعل و القائم في مثال قام و الضارب في مثال ضرب وهكذا فالحامدية لاتوجد و لاتظهر الاّ في مقام الحمد بل الحامد عين الحمد الذي هو المصدر لكنه من جهة اضمحلاله في نفسه و فنائه في بقاء مبدئه تسمي باسمه و تحلّي بحليته كالحديدة المحماة بالنار و بينهما بون بعيد قال7 لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو و هو هو و نحن نحن و قوله7 هو فيها نحن لايريد به الذات البحت سبحانه و تعالي و لايريد ارتفاعه عن مقامه و وصوله الي مقام اعلي فان ذلك مستحيل عقلاً و نقلاً بل انما يريد به صرف المصدر مع ملاحظة ظهور المبدء فيه بنفس ذلك المصدر و لذا اكّد الفعل بالمصدر لبيان ان الفعل لايظهر الاّ بالمصدر و الظهور بالمصدر ليس الاّ عين ظهور الفعل الذي هو عين المصدر الذي هو عين الفعل للمصدر و الفعل قبل المتعلق لم‏يوجد و بعد ماتعلق اظهر نفسه بذلك المتعلق فليس لمتساويه او اعلي منه سبيل الي ذلك الفعل الاّ بنفس ذلك المصدر فلاتظهر الحامدية الاّ بنفس الحمد الذي هو تأكيده كقولك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 73 *»

حمدت حمدت فحمدت الذي عند الشخص لايعرف الاّ بمثاله و هو حمدت الذي في نفس الحمد كالصورة في المرءاة و انما كرّرت العبارة لتحظي بغامض الاشارة.

و هنا دقيقة اخري و هي انّ عليّاً ذكره في الذاكرين و اسمه في الاسماء و نفسه في النفوس و اثره في الاثار فاذا قال اني احمد اللّه فله معنيان احدهما حمده له سبحانه بذاته و بكينونته الذي هو حمده حقيقة و ثانيهما حمده له سبحانه باثاره كمايقولون الحمد هو الثناء باللسان فان هذا هو حمد بالاثر لا بالذات و الكينونة فحمده7 بذاته للّه سبحانه و تعالي هو ظهور المصدر الذي ظهر الحق سبحانه فيه بفعله الكلي بنفس ذلك الفعل بنفس ذلك المصدر فان ذاته الشريفة هي المحبة التي كانت علة لايجاد الموجودات لقوله عزّوجلّ فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف فذاته المقدسة هي ذلك العالم و تلك المحبة و هي اول صادر و اول ناطق له بالثناء و تلك المحبة الالهية هي التي قامت بها كل الاشياء و الاسماء فان الاسماء ماظهرت الاّ عند تعلق تلك المحبة بالاشياء فالمحبة الكلية هي الثناء الكلي و المدح العلي و الحمد الجلي للّه سبحانه و هي كلمات اللّه التي لو كان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه مع ان هذه الكلمة اعلاها و اسناها و اشرفها و اقدمها و اين الجزئي من الاحاطة بالكلي و تلك المحبة هي المصدر الاول فمحبة (لمحبة خ‏ل) اللّه له و محبته للّه انما كانت بذلك قال رسول‏اللّه9 لاعطين الراية غداً رجلاً يحب اللّه و رسوله و يحبه اللّه و رسوله كرّار غير فرّار و هذا الحمد و الثناء و المجد لم‏يلحقه احد من الخلق الاّ محمّد9 كماقال9 يا علي ماعرف اللّه الاّ انا و انت و هذا الحصر حقيقي ليس فيه اضافي لانّ عليّاً7 قد سبق الخلق كلهم و سبق اولاده الطاهرين بحرف واحد في التوحيد و المعرفة لم‏يصل اليها احد ابداً الاّ رسول‏اللّه9 فانه قدسبق عليّاً7 بحرف واحد كذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 74 *»

فتوحيده و حمده و ثناؤه بكينونته بذاته قدفاق كل شي‏ء و هو اقصي مايمكن في عالم الامكان و كذلك حمده للّه سبحانه بصفات ذاته كما في عالم عقله الشريف و روحه و نفسه و طبيعته و مادته و مثاله و جسمه7 (9 خ‏ل) لان علوّ الحمد و سموّ مرتبته انما يتصور في مقامين: احدهما ان‏يكون الحامد في مقام المنير و كل ماعداه في مقام النور و ثانيهما خلوص حمده عن (من خ‏ل) كل الشوائب الغيرية و جهات السوءي و مرديات الهوي بحيث يكون كمالاً صرفاً في غاية مرتبة (رتبة خ‏ل) الاستقامة و لايتأتي ذلك الاّ له و لاخيه و زوجته و بنيه صلوات اللّه عليهم اجمعين لانهم: المستقيمون في حقايقهم بان جرّدوها و نزّهوها عن كل ذكر سوي محبوبهم و سيدهم فمن شدة الصفاء و الضياء و الخلوص و عدم وجدان الانية صاروا بحيث قولهم قول اللّه و حكمهم حكم اللّه و معرفتهم معرفة اللّه و طاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه و جهلهم جهل اللّه وهكذا كل الاوصاف فصاروا في ذلك المقام مقام اللّه و ايته و دليله و علامته الي ان قال الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك الدعاء و هكذا الحكم في عقولهم و نفوسهم حتي صاروا في ذلك المقام هيكل التوحيد و المثل الاعلي و الكلمة العليا الي اجسامهم المطهّرة حيث كانت منزّهة عن كل نقص و وصمة و عيب من حيث الاعتدال الطبيعي و المزاج الجسمي و الصفاء اللبي و النور الكيلوسي و الكيموسي لم‏تدنّسهم الكثافات و ماخرجوا عن الاستقامة طرفة عين بل و لا اقل و لا اقل من الاقل فهم في كل مقام و كل رتبة حمد اللّه و ايته و وصفه و دليله فروحهم من روح اللّه و طبيعتهم موافقة لكينونة اللّه سبحانه و تعالي.

و اما حمده العملي و القولي و الجناني و اللساني و الاركاني التي كل منها لسان مستقل في الثناء علي اللّه سبحانه فهو لايخفي علي احد و لايحتاج الي بيان فصار حمده و ثناؤه و توحيده للّه عزّوجلّ امراً لايلحقه احد الاّ محمّد9 فانه اقوي منه7 بكل المعاني و عدم اللحوق ايضاً بكل المعاني فافهم و هذا الذي ذكرنا هو ذكر نوع حمده للّه سبحانه و تعالي بذاته علي المراتب اعم من ان‏تكون

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 75 *»

الذات في مقابلة الصفة او في مقابلة الغير ليعمّ جميع مايستند اليه بلا واسطة من الاحوال و المراتب و الاعمال و الاقوال و غيرها.

و اما حمده7 باثره و هو حقايق الاشياء كلها من اول الوجود الي اخره اذ كلها خلقت من فاضل نوره من حيث نور اللّه و وصفه فصار كل الكمالات و الصفات الحسنة الظاهرة في عالم الخلق بالغة مابلغت و كائنة ماكانت كلها من الاسماء و الصفات و ساير الكمالات منه نشأت و عنه برزت و اليه عادت حين كونه باب اللّه للخلق و وجهه اليهم و وجههم اليه فهو يثني و يحمد اللّه سبحانه بمااظهر في الخلق من اثر حمده و نور تجلّيه و ظهوره فاذا قال7 احمده يريد به الحمد الاول الذي يحمد اللّه سبحانه في ذاته و اذا اكّد بالمصدر الذي هو حمد يريد به الحمد للّه الذي ظهر في خلقه فان ما في الخلق ليس هو نفس الفعل و انما هو نفس الحدث الذي هو المصدر الاّ انه مثال المتجلي له به فصار كل ما في الخلق من الكمالات و انواع الثناء مجد (مجداً ظ) و ثناء لعلي7 /للّه (زائد خ‏ل) بل نفس الخلق بمادته و صورته ثناء منه علي اللّه جلّ ثناؤه (شأنه خ‏ل) الم‏تر الي السراج فانه نفس ثناء النار علي النار و ثناء نفسه علي النار و الاشعة ليست الاّ ثناء السراج علي النار علي جميع مراتب الاشعة بكل احوالها و اوضاعها و ستعرف ان شاء اللّه تعالي حقيقة هذا القول فاتيانه بالمصدر لبيان الحمد الثاني له فان المصدر تأكيد تابع و هو ظهور من ظهورات الفعل لا عين ذات الفعل والاّ لم‏يكن تابعاً اذ الشي‏ء لايتبع نفسه فحمد المصدر يشير الي هذه الدقيقة الشريفة و انما نسب الحمد الي نفسه في هذا المقام دون المقام الاول فانه7 اثبت الحمد للّه سبحانه من غير الاستناد (استناد خ‏ل) الي احد لما ذكرنا من ان المقام الاول مقام الاجمال فيطوي في ذلك المقام الوسايط و يجري الكلام علي ما هو الاعم (الاهم خ‏ل) في النظر و اما هذا المقام الثاني فهو مقام التفصيل و في هذا المقام ينظر الي الوسايط لا نظر الاستقلال بل نظر المعرفة اثباتاً للعظمة و تنبيهاً للقدرة و في المقام الاول جعل الفعل مصدراً ليكون الفعل عين المصدر و المصدر عين الفعل لا مطلق المصدر بل الذي هو عين الفعل اذا جعلت الفعل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 76 *»

حدثاً و اثراً فله محدث و مؤثر فالحمد الاول هو حقيقة احمد و الحمد الثاني صفة تلك الحقيقة و ظهورها و المصدر في الثاني صفة الصفة ليتمّ بسم اللّه الرحمن الرحيم فافهم.

و الوجه الاخر للاتيان بالمصدر للتأكيد لاثبات الصفة له من حيث هو فان المصادر علي ماقلنا لها ثلث حالات: الحالة الاولي هو ماذكرنا من انها اسماء الفاعلين عند ملاحظة تجلي الذات بفعلها فيها و الحالة الثانية ملاحظة انها اثار صدرت من حيث انها اثار فهناك تقع عليها الصفات و تجري عليها الاحكام فالمفعول المطلق هو في هذا المقام فالمصدر المفعول المطلق هو ركن للاسماء و معانٍ لها كالقيام ركن للقائم و معني له و الضرب ركن للضارب و معني له و كذا غيرهما من اشباهها (اشباههما ظ) فالمعني من حيث هو معني له حكم غير حكم الاسم و هو ظاهر و الحالة الثالثة ملاحظة ارتباط هذا المصدر المفعول المطلق بامر اخر غير جهة الفاعل و هو المفعول به كالمضروب مثلاً و لذا تري النحاة يقولون ان المصدر قديأتي علي معني اسم الفاعل و قديأتي علي معني اسم المفعول ففي الحمد اربعة امور: الحامد و المحمود و المحمودعليه و المحمود به و الحمد المصدر مادة لهذه الاربعة و هي شي‏ء واحد و لا شك ان الشي‏ء الواحد لايمكن ان‏يكون له اصقاع متعددة والاّ لم‏يكن واحداً و تجاوز الشي‏ء عن مبدئه مستحيل عقلاً و نقلاً فاذا كان كذلك فالحمد اذا اعتبرت فيه جهة المبدء الذي هو الفعل يتحقق الحامد فالحامد اسم معناه الحمد و هو مركّب منه و من ظهور المبدء فيه به و اذا اعتبرت فيه جهة التعلق اي تعلق اثر فعل الحامد به اولاً فيكون محموداً فان اول مايتعلق به فعل الفاعل الحامد ليس الاّ الحمد و الحمد المتعلق بغيره ان لوحظ جهة الغير لم‏يكن للحمد اثر اذ ذكر الشي‏ء في الاخر لايكون الاّ اذا كان ذلك الاخر /عن (زائد خ‏ل) مرءاة لاتلتفت (لايلتفت خ‏ل) اليها اصلاً فان المظهر لايحكي الظاهر الاّ اذا تمحّض في المظهرية و لايتمحض فيها الاّ اذا لم‏تر له جهة غير جهة الظاهر ليستدلّ به عليه والاّ لكان محتجباً عنه اماتقرأ قول علي بن الحسين7 و انك لاتحتجب عن خلقك الاّ ان‏تحجبهم الامال دونك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 77 *»

و قول مولينا علي7 بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها اذ الشي‏ء الواحد في حال واحد لايحكي امرين متناقضين و لذا اذا نظرت في زيد من حيث هو هو احتجبت عن معرفة الانسان و اذا نظرت اليه من حيث هو انسان اعتبرت الجهة الانسانية فماعرفت انسانية زيد الاّ بالحصة الانسانية التي فيه فعرفت الشي‏ء به فافهم هذا الكلام المردّد بالفهم المسدد. فاذا قلت المحمود فان لاحظت فيه جهة غير جهة الحمد فقد احتجب (احتجبت خ‏ل) عن الحمد فلم‏يكن محموداً و ان لاحظته من حيث ظهور الحمد فيه به فليس ذلك الاّ الحمد فان المحمود هو الذي تقع عليه الصفة و وقوع الصفة ليس عين الموصوف و لا الصفة الذاتية له والاّ استحال الوقوع و المحمود ليس الاّ الظاهر بالصفة و المقصود بالحمد و هو ليس الاّ ماظهر لك عندك فافهم فانه دقيق فان بيّنّاه بواضح البيان لارتاب المبطلون و انكر المعاندون.

و كذا القول في المحمود عليه و المحمود به و مجمل القول في هذا و اشباهه هو ماذكرت لك ان الشي‏ء اذا فرض مجرداً عن غيره ان ثبت و استقر لايكون عين ذلك الغير و ان انتسب اليه الاّ ان الانتساب ليس ذاتياً والاّ امتنع ملاحظة الانفكاك فاذا صحّ ذلك فنقول هذا (هل خ‏ل) الحمد مادة للحامد و المحمودعليه و به ام لا و الثاني باطل بحكم العيان الاّ ان‏تقول ان اطلاق الحمد علي هذه المواد و الهيئات علي الاشتراك اللفظي و لم‏يقل به احد فاذا صحّ المعنوي فالحمد المأخوذ في تلك الهيئات بعد صحة المغايرة و كونه حدثاً مصدراً لايجوز ان‏يتصل بذات الحامد و المحمودعليه و به والاّ لتغيّرت الذات بحدوث اثرها و تنفعل بفعلها و هو باطل بالبديهة فيجب ان‏يكون الحمد شيئاً واحداً اختلف بحسب الانتساب في مكانه و كينونته فهو شي‏ء واحد مختلف الجهات و الاعتبارات و الحيثيات و مثال ماذكرنا اشعة الشمس بالنسبة الي الشمس و الارض و النار في الحديدة بالنسبة الي النار الاصلية و الحديدة و الصورة في المرءاة بالنسبة الي المرءاة و المقابل فافهم التصريح في التلويح و لولا خوفي ان‏تقول بهذا تنخرم القواعد و لم‏يقل به علماؤنا فيكون باطلاً لشرحت هذه المعاني و اريتك ان احاديث اهل‏البيت

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 78 *»

: مشحونة بذلك و كلمات اهل النحو و الصرف كلها جارية علي هذا الاّ انهم كماقال الشاعر:

قديطرب القمري اسماعنا و نحن لانعرف (لانفهم خ‏ل) الحانه

و علي هذا يظهر لك سرّ التأكيد بالمصدر الذي هو الحمد.

و اما وصفه بالسطوع و الارتفاع و التشعشع و اللمعان فلانّ الحمد هو اظهار الصفة الكمالية الالهية بالصفة الكمالية لا بغيرها الاّ ان‏يكون ذلك الغير كالارض الحاملة لشعاع الشمس او كالزجاجة الحاملة للمرءاة و لا شك ان الصفة الكمالية الجمالية و الجلالية متكثرة و الكل تحت هيمنة الاسم الواحد و هو تحت هيمنة الهوية القاهرة لكل الاسماء و الصفات و الاضافات و القرانات و تلك الهوية ظهور الاحدية فهي مرتفعة عن كل الكثرات و التعلقات الاسمائية و الصفاتية و لا شك ان الكمال كلما كان خالصاً عن شوب التعلقات و الكثرات كان اعظم و اكمل لانه حينئذ يغيب في ظهور الذات فيظهر بالهيمنة و السطوع في كل شي‏ء و كلما كان بالتعلق اقرب كان من جهة الاطلاق ابعد حتي يكاد يخفي عن الظهور فيظهر في المتعلق فان كان الحامد يحمده في مقام تلك الهوية الجامعة و الكمال المطلق و يحمد اللّه سبحانه و يثني عليه في تلك الرتبة اي في رتبة حمد اللّه لنفسه به يكون ذلك الحمد نوره ساطعاً مرتفعاً عن كل الشوائب و الكثرات التي هي عين النقصان و لواحق الامكان فالوصف البالغ هو الوصف المرتفع عن ذكر كل ماعدا الموصوف الكامل فالاسماء التعلقية (التعليقية خ‏ل) و ان كانت مرتفعة و دالّة علي الكمال الاّ انه ليس ارتفاعاً تامّاً بحيث لايدلّ الاّ علي الواحد الاحد سبحانه و تعالي و لمّا كان مولينا علي اميرالمؤمنين7 في حمد ذاته بذاته([3]) واقفاً في ذلك المقام و هو نور صرف و كمال بحت مرتفع عن الخيال و الاوهام خالص عن شوب الكثرات و الظلام فيكون حمده7 حمداً اي ثناءً علي كمال مهيمن علي كل الكمالات مرتفع عن كل التعلقات او مرتفع علي كل حمد علي ساير الكمالات اذ مراتب الحمد تختلف فحمد علي كل الكمالات الخاصة كالقادر العالم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 79 *»

القاهر الجميل الجليل الغفّار الستار و امثالها مماتجد في الادعية و الاثار من الصفات الخاصة و الاسماء المتعلقة و حمد علي الكمال الجامع و الاسم المطلق جزئياً (جزئياً اضافياً خ‏ل) كان ام كلياً كالرحمن و اللّه و هذان الاسمان و ان كانا اعظم الاسماء حسب الاحاطة /اضافياً (زائد خ‏ل) الاّ انهما ماخلصا عن شوب التعلق الذي فيه ذكر للغير و حمد علي الهوية و هي الظهور المطلق المسمي باسم «هو» و هذا الاسم و ان كان اعظم و اعظم و اعظم خالصاً عن شوب التعلق لكنه ليس خالصاً عن ذكر المتعلق (التعلق خ‏ل) الذي فيه ذكر ذكر الغير و حمد علي الظاهر بالظهور الذي هو عين الظهور من غير ملاحظة الظهور ليكون الحمد عين الحامد و هذا الحمد هو اعلي مراتب الحمد و اقصي مقاماته لانه بالغ في الثناء علي فوق طاقة الامكان فهذا الحمد ساطع اي ظاهر في عين خفائه و مرتفع علي كل حمد و اعلي عن كل مقام اذ فيه من توصيف الخالق ما لايطيقه احد من الخلايق هذا اذا كان سطع بمعني ارتفع و ذكر سطع اما للتأكيد او بالتجريد كما في قوله تعالي سبحان الذي اسري بعبده ليلاً فان الاسراء هو (هي خ‏ل) السير في الليل و ان قلت ان التأسيس خير من التأكيد تتعدّي الارتفاع بـ «عن» فيفيد المعني الاول بقوله سطع و يفيد ايضاً تنزه هذا الحمد عن كل شوب تعلق و كثرة كما هو مقام الاحدية التي هي فوق مقامات الموحدين و فوق مقامات التوحيد و لك ان‏تجعل الحمد علي الكمال المطلق جزئياً كان ام كلياً خاصاً كان ام عاماً بل تقصد كل الكمالات علي انحائها متعلقها ام غير متعلقها و تخصّ الحمد بالحضرة العلوية روحي فداه فيكون حمده مطلقاً بالنسبة الي حمد من دونه من الانبياء و المرسلين و الملائكة المقربين و الشهداء و الصديقين و المؤمنين الممتحنين بل الخلق كلهم اجمعين ماعدا محمّد خاتم النبيين9 ساطعاً مرتفعاً علي المعنيين.

او تقول ان الحامدين مقاماتهم مختلفة فمن حامد باللسان وحده يقول الحمد للّه و الشكر للّه بلسانه و قلبه ملتهٍ بالهوي و جوارحه مشتغلة بالدنيا و سرّه غافل عن ذكر اللّه فهذا حمده وبال عليه و قوله نكال عليه نعوذباللّه من ذلك. و من حامد يحمد اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 80 *»

بلسانه و يستشعر بقبله حين قوله لكنه ينكر ذلك بعمله فان عمل المعصية اظهار ولاية الاعداء و الاعراض عن اللّه سبحانه و هذا الرجل احسن حالاً من الاول و يرجي له الخير ان كان من اهل الولاية و لايعصي متهاوناً متكبراً جحوداً. و من حامد يحمد اللّه سبحانه بلسانه و يستشعر ذلك بقلبه و يعمل علي مقتضاه بظاهر عمله في الجوارح الاّ انه ليس مطمئن القلب بارد الفؤاد له قلب مضطرب و فؤاد مشوّش يدور يميناً و شمالاً بظاهر اعماله مطيع و بباطنها عاص لاضطراب القلب و تبلبل البال. و من حامد يحمد اللّه سبحانه بلسانه و قلبه و عمله بظاهره و باطنه الاّ انه قديحصل له بعض الخواطر فينقص ذلك في مقام حمده. و من حامد يحمد اللّه سبحانه بجميع ماذكر الاّ انه سرّه غير مصون و درّه غير مكنون. و من حامد يحمد اللّه سبحانه بلسانه و قلبه و اركانه و اعماله الظاهرة و الباطنة و السرية و يحفظ فؤاده عن ذكر الغير و يكون بحيث لايسمع صوتاً الاّ صوته و لايري نوراً الاّ نوره و لايخطر في قلبه الاّ حبّه و ذكره فاولئك هم الاولياء و السعداء الفائزون الدرجات العلي و هذا الحمد هو حمد سطع نوره و ارتفع علي كل /حمد (زائد خ‏ل) الحامدين المذكورين و الغير المذكورين او ارتفع و تنزه عن حمدهم لان حمدهم ماكان خالصاً للّه سبحانه بل كان مشوباً بالظلمات علي حسب المقامات.

و لكل رأيت منهم مقاماً شرحه في الكتاب ممايطول

و اما هؤلاء الحامدين فمراتبهم كثيرة و مقاماتهم عديدة حسب ملاحظة التجليات و سلب الانّيات و مشاهدة جمال خالق الارضين و السموات الاّ ان عليّاً و اخاه و زوجته و بنيه: بلغوا مقاماً في الحمد لايسبقهم سابق و لايلحقهم لاحق و لايفوقهم فائق و لايطمع في ادراكه طامع من اول الوجود الي اخره او يكون المعني في مقام التنزل او في مقام الاضمحلال دعاء و طلب (طلباً ظ) لتلك الرتبة اي يجعل اللّه سبحانه حمده من ذلك الحمد الساطع نوره و المرتفع عن النقايص و شوائب الامكان و جهات الانية (الانيات خ‏ل) و امثلة ذلك في الادعية كثيرة.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 81 *»

و اما وصف الحمد بالتشعشع و اللمعان فاعلم ان شعاع الشمس في اول ظهورها يري كالقضبان و يقال له التشعشع و اما في هذا المقام فان الشخص اذا اراد ان‏يحمد اللّه سبحانه بالحمد الكامل المرتفع عن كل شوب السوءي الذي هو النور الالهي و شمس الظهور الازلي الابدي ليكون هو نفس الحامد ليتّحد مع حمده و يكون حمد اللّه عزّوجلّ ينظر اولاً في عالم التحديد الي ذلك النور فيظهر (ليظهر خ‏ل) له من ذلك بقدر سمّ الابرة من شعاع ذلك النور و ان شئت قلت تلك الشمس و ان شئت قلت ذلك الحمد.

و ما الوجه الاّ واحد غير انه اذا انت عدّدت المرايا تعددا

فيتشعشع ذلك الشعاع فاذا استدام النظر و قوي البصر يقوي ظهور النور المشرق من صبح الازل فيلمع بحيث يغشي الناظر و يحيط بكله في جميع جهاته الستّ من فوقه و تحته و قدّامه و خلفه حتي لاينظر الي جهة الاّ و يري ذلك النور لامعاً في تلك الجهة لا الي جهة فتستوي الجهات و تتحد الاصقاع و يظهر له جلال العظمة فيحمد اللّه في سرّه و علانيته، علانيته في سرّه و سرّه في علانيته ظاهره في باطنه و باطنه في ظاهره فلايتوجه الي جهة الاّ و يري اللّه ظاهراً في تلك الجهة فاينما تولّوا فثمّ وجه اللّه فكان اول ظهوره نوراً شعشعانياً لعدم الظهور بالكلية و التمام بل كان في اول مقام خرق حجاب اللانهاية و اول صعوده الي عالم الحمد اللانهاية فيحصل الخطوط الشعاعية من مزج العالمين و التقاء البحرين ثمّ اذا انخرق الحجاب و فتح ذلك الباب التمع النور و اشرق بحيث اضاء الفضاء و ملأ مابين الارض و السماء و ظهر سرّ لااله الاّاللّه فالحمد نقطة من عالم اللانهاية قدنظرت الي عالم النهايات بتعليق الارجاء فظهرت في كل مقام بنسبته و اعطت كل ذي حق حقه و هذه الانظار و الوجوه كلها التفاتات و رؤس منه قدلحقته بالعرض و اما هو من حيث الحقيقة فليس الاّ تلك النقطة الغيرالمنقسمة و الغيرالمتعددة (الغيرالمتحدة خ‏ل) و تلك النقطة ظهرت بالالف و هو مقام حقيقة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 82 *»

مولينا علي7 فالحمد هو النقطة و الالف لواؤه فكان علي7 هو حامل لواء الحمد فحمد علي7 في مقام المسمي نور شعشع و في مقام انا الذي لايقع عليه (علي خ‏ل) اسم و لا صفة ظاهري ولاية و باطني غيب لايدرك نور لمع و لمّا كان صلوات اللّه عليه في مقام التعلق باعطاء كل ذي حق حقه عند انشاء الخطبة (خطبته خ‏ل) الشريفة بين المدينة و الكوفة ناسب تقديم التشعشع علي اللمعان و لذا اتي بالفاء التعقيبية فصارت الفقرات مترتبة فقوله7 سطع اي علا و ارتفع علي الاطلاق و هذا يقتضي ان‏يكون مرتفعاً عن الاوهام و الافهام و عن حمد كل حامد في كل مقام فاتي بفاء التفريع فعقّبه بقوله7فارتفع و لمّا كان هذا الحمد اي النور في بدء ظهوره لاهل عالم النهاية في حجاب رقيق يقتضي التشعشع فذكره بعد الارتفاع من غير الفاء لان ذلك حال ظهور ذلك النور لا متفرّع عليه نعم اللمعان متفرّع عليه فعقّبه به بالفاء هذا الذي ذكرنا هو اعلي مقامات الحمد و هذا المعني يريد7 من هذا الكلام.

و اما كيفية ظهور حمده في كل ذرات الوجود و سريان ذلك النور في كل مفقود و مشهود و بيان ان كينونات الاشياء و ذوات الموجودات حمده7 للّه عزّوجلّ و ثناؤه عليه و ان الوجودات الشرعية و التكليفات الالهية الكونية كلها تأسيس لثنائه علي اللّه عزّوجلّ و كون الحمد في كل ذرات الوجود نور سطع فارتفع و شعشع فلمع ممايطول بذكره الكلام مع ان بيان (ببيان خ‏ل) اكثرها تستنطق الطبايع المنكرة و الغرايز المنتنة بنتن الجهل و الانكار الاّ ان فيماذكرنا كفاية لاهل الدراية و يأتي الكلام ان شاء اللّه تعالي في اثناء الشرح.

قوله حمداً يتصاعد في السماء ارسالاً اقول: اهل الحقيقة يعرفون من هذه الفقرة تفريعاً علي الفقرة الاولي و يقصدون من السماء سماء المتجلي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 83 *»

الظاهر بالتجلي الذي هو الحمد و من التصاعد التصاعد في مقام اعلي من مقام ادني من مقامات التجلي اثباتاً لقوله عزّوجلّ في الحديث القدسي كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية فان الواصلين الي مقام الحمد اعلي مقامات الظهور علي ماوصفت لك لايزالون في السير و الانتباه كلّما ظهر لهم الجبار بالصحو و المحو يظهر لهم مقام اعلي من المقام الاول فيصعدون الي جانب تلك السماء و لا غاية لصعودهم و تجدد ظهور التجلي لهم و لا غاية للسماء ايضاً فلايصلون و دائماً يصعدون و في الدعاء تدلج بين يدي المدلج من خلقك فهم في هذا المقام في اعلي مقامات جنة الرضوان في صحو دائم و محو قائم ظهور بعد ظهور و نور بعد نور و اشراق بعد اشراق و تجلٍ بعد تجلٍ و في كل صعود يظهر لهم مقام في التوحيد و الحمد لم‏يكن عندهم قبل ذلك بحيث يجدونه الشرك الجلي لا الخفي و لذا كرّر الحمد المصدر مرة اخري بعد توصيفه اولاً بالسطوع و الارتفاع و التشعشع و اللمعان فان الاول بيان اثبات هذا الحمد و تحققه و الثاني تجدد ظهوراته و بروزاته فيما لا نهاية له و هو من السرّ في الاتيان بالجملة الفعلية و اليه يشير قوله7 ارسالاً اي افواجاً و فرقاً متقطعة يتبع بعضها بعضاً بلا انقطاع اذ الانقطاع انما يتصور عند النظر الي الحدود و الانية و كلها قدارتفعت و اضمحلت بل فنيت و عدمت فهنالك انتباه لا سنة بعده و لا نوم فضلاً عن الموت فهو اذن مقابل لفوّارة النور من غير مانع و لا نهاية لفوران تلك الفوارة و لا غاية لمقابلته فحمده يتصاعد في سماء المتجلي بالتجلي ارسالاً افواجاً يتبع بعضها بعضاً و هو قوله عزّوجلّ اليه يصعد الكلم الطيب اي قول لااله الاّاللّه و العمل الصالح يرفعه و العمل الصالح هو الخالص عن شوب السوءي و دعوي اني انا اللّه و لايكون ذلك الاّ بوصوله مقام الحمد و تحميد اللّه سبحانه بلسان المجد فهو سبب لرفع الحمد و تصاعده في السماء ارسالاً افواجاً و مثال هذه الفقرة بالنسبة الي الفقرة الاولي زيادة السقي للمركّب بعد اتمامه اكسيراً ثم سقيه لزيادة الفعل و كلما يزداد سقياً يزداد بهاءً و فعلاً الي ان‏يبلغ القيراط في الطرح الي القنطار

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 84 *»

فلايقصر الحكيم ان كان له ماء زايد و لم‏تقصر قابلية المركّب ايضاً للقبول لصفائه من الاعراض و الغرائب المانعة.

و قوله7 و يذهب في الجو اعتدالاً يريد بالجوّ هو الجوّ المفتوق في قوله7 فتق الاجواء و السموات انما فتقت منه علي جميع المعاني المتقدمة علي النهج المقرر المذكور فراجع و الاعتدال هو الاستقامة و استقامة كل شي‏ء في كل مرتبة بحسبها و هي صفة الحمد بل عين ماهيته و انما اتي بوصف الاستقامة فان حمد الحامدين علي انحاء قدذكرنا بعضاً منها من الاقوال و الافعال (الاعمال خ‏ل) و الاحوال و الاطوار و الاوطار و المعتقدات و السرائر و الضماير من الشرعيات الوجودية و الوجودات (الوجوديات خ‏ل) الشرعية و تختلف جهات الاستقامة في كل مقام بنسبته و الواقف علي مقام الاستقامة علي الحقيقة الواقعية هو الحامد حقيقة و هو الذي امر بها في قوله تعالي و استقم كما امرت و قال9 شيّبتني هذه الاية فان هذه الاستقامة هي لواء الحمد الذي له سبعون الف شقة.

و مجمل القول ان الحمد له مقام ماوصل اليه علي الحقيقة الاصلية بالاصالة الاّ محمّد9 و اهل بيته الطاهرون: و كل ماعداهم فماوصلوا الاّ الي عالم المجاز الاّ ان‏يكون قد انقطعت انفسهم فوقفوا و ثبتوا في مقام المجاز لمشابهتهم مع الحقيقة لتصحيح العلاقة المجازية و هو قول اميرالمؤمنين7 لمن يفهم في وصف الملأ الاعلي صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت و القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و خلق الانسان ذانفس ناطقة ان زكّيها بالعلم و العمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها فاذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد هـ و السبع الشداد هي ظاهر السبع المثاني و القرءان العظيم و هم اوائل جواهر العلل و مشاهدتك اياهم وصولك الي الورقة الخاصة بك من شجرتهم التي غرسوها في جنان الصاقورة فان وصلت الي مقام تلك الورقة فانت حينئذ مجاز مشابه للحقيقة فانت اذن مثل المثل و يكفيك في هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 85 *»

المقام ماقال اللّه سبحانه و تعالي سبحان ربك رب العزة عمايصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين فالحمد يخصّ باللّه سبحانه اي الظاهر بالالوهية و هو رب العزة و السبحان فالحمد الحقيقي هو مقام اياك نعبد و هذا ماوصل اليه رسول‏اللّه9 و اما الحمد الحقي فهو الذي قال9 انا لااحصي ثناءً عليك انت كما اثنيت علي نفسك و ثناء اللّه علي نفسه هو مقام فوق مقام اياك نعبد و هو مقام اوادني و فوقه مقام الهوية المطلقة لا الظاهرة فهم من فهم.

قال7 : «خلق السموات بلا دعائم و اقامها بغير قوائم و زيّنها بالكواكب المضيئات و حبس في الجوّ سحائب مكفهرات».

اقول: لمّا فصّل7 الحمد المعنون في اول الكلام مجملاً مطلقاً بمافصّل و وصفه بماوصف و ابان عن مقامه و حقيقته و ماهيته و مائيته و مراتبه و درجاته و صافيه و كدره بماشرح و اوضح اراد ان‏يفصّل فتق الاجواء المأتي‏به بعد الحمد للّه او انه7 لمّا فرغ من الثناء علي اللّه عزّوجلّ بظهوره و سطوع نوره علي مايقتضي المقام في الخلق الثاني اراد ان‏يبيّن تفاصيل مبادي هذا الخلق و ربط علله بمعلولاته و اسبابه بمسبّباته ليظهر بذلك عظمة اللّه سبحانه المستغرقة لكل شي‏ء المحيطة بكل شي‏ء و ان الاكوان و الاعيان و الازمان و مااحاط بها من الممكن و الامكان متحركة اليه دائمة الحركة مستديرة السير بحيث لا بقاء لها الاّ حين صدورها و وجودها هو عين صدورها و صدورها هو عين وجودها فلم‏تزل صادرة طريّة الي ما لا نهاية له فيفني الخلق عند بقاء الخالق و ينفخ في الصور ليوم النشور و ينادي منادٍ لمن الملك اليوم و يجيب المجيب للّه الواحد القهار بحيث يسمعه الان من له اذنان و يعرفه و يراه من له عينان فقال7 خلق السموات و المراد بـ خلق اعم من اراد و قدّر و قضي و امضي فان هذه الكلمات فيها افتراق عند الاجتماع كما اذا قيل خلق او شاء و اراد و قدّر و قضي و امضي و عند الافتراق اجتماع كما هنا و الدليل علي ان

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 86 *»

المراد بخلق اعم بعد العقل لان الشي‏ء لايمكن كونه الاّ بهذه الامور الاربعة او الخمسة او السبعة من النقل مارواه في الكافي عن مولينا الصادق7 لايكون شي‏ء في الارض و لا في السماء الاّ بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن زعم انه يقدر علي نقص واحدة فقد كفر و في رواية عن الكاظم7 هذه السبعة بتقديم و تأخير في‏الجملة الاّ انه فقد اشرك هـ و قدقال عزّوجلّ الذي خلقك فسوّيك فعدلك في اي صورة ماشاء ركّبك.

و بالجملة فاللّه عزّوجلّ خلق السموات بموادها و برأ كينوناتها و قدّر هيئاتها و صفاتها و اعراضها و اعراض اعراضها و مقادير اشعتها و مدة بقائها و دوامها و استمرارها و فعلها و مقدار حركاتها و تقلّب اوضاعها و حدودها من كمّها من المقادير النورية و الاجسام التعليمية و كيفها من الهيئات و الالوان و الصفات و الحالات و الاستدارات و المتممات و الجوزهرات و الممثلات و خوارج المراكز (المركز خ‏ل) و وقتها من الازمان و المدد النورية الفلكية الذاتية لا المنتزعة من الحركة فان تلك تعريفات (تفريعات /لعل خ‏ل) لا اوقات حقيقية و جهتها في الجهات الست /من الجهات الست (زائد خ‏ل) الحاصلة من الحركة علي المحور او لا الي جهة اذا كانت الاستدارة علي القطب و رتبتها و (من خ‏ل) نسبتها الي مبدئها و منتهاها و نفسها و ظهورها في مقامها و اذنها و اجلها و كتابها و ساير قراناتها و اضافاتها و نسبها و احوالها و افعالها و ضبط مقادير حركاتها التسخيرية و التقديرية و الممثلية و الخارجية و الحركات التقويمية و الحركات المستقيمة و المقيمة و الراجعة و امثالها من الاحوال و الاطوار و الاوطار ممايجري عن فوارة القدر بحكم مستقر و قضي ماقدّر و الزم مافصّل و ركّب مافرّق و فصّل مااجمل و اظهر ماذكر و ربط المعلولات بالعلل و الاسباب بالمسببات و استنطق عجم الاكوان بفصيح البيان و افاض علي المسئول مأموله و بلّغ الطالب مطلوبه ثم امضي ماقضي و اذن له بالاظهار مشروح‏العلل مبين‏الاسباب فاظهر منها اثار التوحيد و العظمة و الجلال و الجمال و العزة و القدرة و الكمال كماقال سبحانه ابانة عن هذا الشرح بقوله

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 87 *»

الحق ان في خلق السموات و الارض و اختلاف الليل و النهار لايات لاولي‏الالباب الذين يذكرون اللّه قياماً و قعوداً و علي جنوبهم و يتفكرون في خلق السموات و الارض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار فابان عن العلة الفاعلية بقوله عزّوجلّ ربنا و عن العلة المادية و الصورية بقوله تعالي ماخلقت هذا و عن العلة الغائية بقوله تعالي باطلاً و عن الحركتين الساريتين في الحركات السماوية اللتين بهما تذوّت كل متحرك و ساكن و توصلان الخلايق الي مقاماتها و مراتبها التي خلقت لها و اتت منها و تعود اليها كما قال عزّوجلّ كما بدأكم تعودون بقوله الحق فقنا عذاب النار فاشار الي اسباب الوقاية و هي نون الوقاية او هائها التي هي عين نونها من الاحكام التشريعية و الوقايات التكوينية بالتضمن و هذا معني قولنا مشروح‏العلل مبين‏الاسباب اذ كل مقامات العارفين و درجات الموحدين و مراتب المتكلمين و ساير العلماء من الروحانيين و الجسمانيين كلها مطوية في مضمون الاية الشريفة قال مولينا سيدالشهداء عليه الاف التحية و الثناء اشارة الي هذا الشرح و البيان بقوله الهي امرتني بالرجوع الي الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتي ارجع اليك منها كمادخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها و مرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك علي كل شي‏ء قدير فالخلق دليل الخالق و الخلايق و المبادي الواسطة و الحركات الكونية الصدورية و الاصدارية (الانصدارية خ‏ل) و الوجودية و العروضية و التكليفية الشرعية الباطنية و التكليفية الشرعية الكونية الظاهرية و امثالها من الاحوال و سنذكر في خلال الكلام علي حسب المقام بعون اللّه الملك العلام.

فقوله7 خلق السموات يريد به هذه المراتب كلها من لفظ خلق (الخلق خ‏ل) الحاكي لمعناه الحامل له فالخلق متعلق المشية و هو المصدر و هو الكون الصادر عن كاف كن و هو الذي اذا لاحظت المبدء فيه يستنطق منه الهاء و هو كهيعص و العين و التسوية متعلق الارادة و هي العزيمة علي مايشاء و عندها يتمّ الخلق الاول الجامع بين الحل الاول و العقد الاول و هو مقام ادعوك كما امرتني و تحقق المسألة للسائلين الواقفين ببابه الفقراء اللائذين بجنابه من فاضل جوده

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 88 *»

بيده اليمني و اليسري و كلتا يديه يمين و الهندسة و الحدود و تقدير البقاء و الفناء و الاجل و الكتاب متعلق القدر و هنا مبدأ الخلق الثاني و هو الحلّ الثاني مبدأ السعادة و الشقاوة و ظهور الاحكام الشخصية التفصيلية و الالزام و التركيب متعلق القضاء و هو تمام العقد الثاني و هذا الذي لا بداء فيه اي في كون الشي‏ء تامّاً سويّاً و ان كان فيه البداء في محوه و تغييره و استمراره و الاظهار مشروح‏العلل مبين‏الاسباب ليظهر جميع الاثار الفعلية الالهية مفصّلة مشروحة متعلق الامضاء و هو الاذن و ان كان شي‏ء من الاحوال المتقدمة لاتخلو من الاذن الاّ ان هذا اخر تمام الشي‏ء و ان كان في كل اطواره و اوطاره لايخلو من الاذن الي ما لا نهاية له و كذلك الكتاب فـ خلق كفّ الحكيم و هو الاشارة الي المراتب الخمسة المذكورة و هذا الكفّ له اربعة عشر عقداً و هو يد اللّه التي ينفق منها كيف يشاء في سبعة اطوار اجمالها و تفصيلها فاذا لاحظت المراتب الخمسة في المراتب الاربعة للكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر تستنطق الكاف المستديرة علي نفسها فجعلت الكاف في اول حروف تلك الكلمة و لمّا كانت المراتب الخمسة متعلقة بالتعلق لا لنفس الكلمة و متعلقها هي القبضات العشر و الليال العشر فلوحظت هذه المراتب مع (في خ‏ل) مراتب المتعلقات حين التعلق فاستنطقت عنهما نون فجعلت في اخر تلك الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر فقيل كـن فالاثنان اشارة الي حق و خلق و الواو المحذوفة اشارة الي الدواة حتي تصلح و تتمكن من قبول المداد حتي يجري في القلم و هذه الواو هي الواو المنكوسة في اخر الخاتم الاعظم و القيام بين الواوين يدلّ علي الواقف بين الطتنجين فتمت الكلمة التامة من الاشارة بقوله7 خلـق فجاءت تلك الكلمة شرحاً لـ بسم اللّه الرحمن الرحيم كماذكرنا في كثير من رسائلنا و مباحثاتنا فلانعيد.

و لمّا كانت هذه الفقرات تفصيلاً و شرحاً لمااجمله في الكلمات الاولي (الاُوَل خ‏ل) اثر لفظ خلق بذكر متعلقه و هو السموات تنبيهاً لجميع مراتب الفعل بجميع انحائها و اطوارها لان خلق اشارة الي الاختراع الاول و هو بعد التعلق بالكون

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 89 *»

يستلزم الابتداع الاول و كلاهما يستلزمان الاختراع الثاني و الابتداع الثاني و هذه الاختراعات كلها ماظهرت الاّ في السموات علي جهة الاطلاق فالاختراع الاول الذي هو المشية هو القطب المدبّر (المدير خ‏ل) لتلك السموات في حال استدارتها لا الي جهة و الابتداع الاول الذي هو الارادة محوّل (محور خ‏ل) لها ان كانت استدارتها الي جهة معنوية كانت ام صورية ام شبحية ام جسمية فافهم قال اللّه تعالي الذي خلق سبع سموات طباقاً ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و الاختراع الثاني الذي هو الالف اللينية هو البحر الذي تحصّل من ذوبان النقطة التي هي الياقوتة الحمراء لمّا نظر اليها اللّه سبحانه بنظر الهيبة و القدرة و حمرتها لكونها علي طبيعة الفاعل لكونها الحديدة المحماة بنار الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضي‏ء ولو لم‏تمسسه نار فصار الزيت و النار من تلك الشجرة الالهية و الدوحة الاحدية النابتة في الجنة الاحمدية بالسقيات العلوية في الارض الفاطمية صلوات اللّه عليهم فذاق روح‏القدس منها الباكورة و الابتداع الثاني هو ظهور الالف اللينية الظاهرة في الالف المتحركة الظاهرة في الالف المبسوطة الظاهرة في الفلك الكرسي الظاهر بثمانية و عشرين منزلة فتمّت عنده الحروف الكونية في الرتبة الاسمائية و لمّا ان اوان ظهور الحروف الكونية في المراتب المفعولية ظهرت الافلاك السبعة حاملة للاركان الاربعة علي حسب مقامها من الظهور و الخفاء لنشر العوائد علي المستحقين

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 90 *»

السائلين فالملائكة الاربعة الذين هم جبرئيل (جبرائيل خ‏ل) و عزرائيل و اسرافيل و ميكائيل في بعض السموات يتحملون و في بعضها يؤدّون و يلقون علي تفصيل ربما ذكرناه فيما بعد بعون اللّه و تأييده فتمت الحروف الكونية بمراتبها الثمانية و العشرين ثم انعكست الحروف قهقري و سارت (صارت خ‏ل) معكوسة لاتمام عوالم الجهل الكلي بسمواتها و ارضيها علي التفصيل المذكور في الاركان الاربعة التي هي العدم و الحرمان و الموت الاعظم الاكبر نعوذ باللّه و الاعراض و الادبار عن اللّه سبحانه هذا اخر ادبار الجهل النقطة الادبارية الياقوتية (الياقوتة خ‏ل) الحمراء من نار السموم و نار الغضب فذابت من اول الثري حتي تمّ كمال الذوبان و الانتشار في الطمطام فظهرت في اربعة عشر منزلة ظلمانية و تقسمت الي الثمانية و العشرين فتمت الحروف المعكوسة و الاسماء السوءي الخبيثة في مقابلة الاسماء الحسني فكانت مظاهر يد الشمال كما ان الاسماء الحسني مظاهر اليد اليمني فتمت جميع مراتب الافعال علي حسب المتعلقات والاّ فالفعل من حيث هو ليست له مراتب هذا كلام علي سبيل الاجمال.

و اما تفصيل الاسماء من حيث كليتها و جزئيتها علي جهة التلويح لاهل الاشارة فاشار الي الاسم الاكبر الاعظم الذي هو اللّه لكونه بمنزلة الذات بالاضافة الي سائر الاسماء علي ماتقدّم بقوله7 خلق فان المتعلق بالخلق من حيث الكينونة لا من حيث هو خلق ليجمع صفات القدس و الاضافة و الخلق هو الاسم اللّه كما قال عزّوجلّ قل اللّه خالق كل شي‏ء فجعل متعلق الخلق هو اللّه لكن كماذكرنا بدليل قوله عزّوجلّ قل هو اللّه احد حيث كانت الاحدية تحت الالوهية لان الالوهية هي الجامعة كما ان الاحدية هي الفارقة فكانت مقاماً من مقامات الالوهية كما ان الالوهية مقام من مقامات الهوية و انما

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 91 *»

قلنا ان الاحدية مقام من مقامات الالوهية لانها ماظهرت الاّ فيها فتجلي لها بها فافهم فاجتمع عند هذا الاسم المبارك كل الاسماء الحسني.

ثم اراد تفصيل كليات الاسماء و الاصول المتشعّبة (المنشعبة خ‏ل) منها الصفات العليا ليكون تفصيلاً بعد تفصيل و شرحاً بعد شرح اذ فيه تفصيل كل شي‏ء و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين و كل شي‏ء احصيناه في امام مبين و فيه تفصيل كل شي‏ء و هدي و رحمة لقوم يعقلون فاشار بالتعلق الخاص اي تعلق الخلق بالسموات علي الصفة المخصوصة علي ماقال7 خلق السموات بلا دعائم الي الاسم الذي رفعت به السموات بلا عمد و سطحت به الارض علي فوق ماء جمد و ذلك الاسم هو البديع لقوله عزّوجلّ بديع السموات و الارض انّي يكون له ولد و لمّا كان السموات خلقت و نشأت في ستة ايام كما سنذكر ان شاء اللّه تعالي و قدتحقق عندنا ان الايام جزء لماهية الشي‏ء سواء جعلت اوقات او مراتب و درجات و لا شك ان الدرجات اذا تفاوتت بالقرب و البعد كان الطف الدرجات و اقربها الي المبدء اول ماتعلق به الفعل الظاهر في الاسم علي نهج المتعلَّق (بفتح الفاء /اللام ظ) الذي هو المظهر الذي هو المفعول المطلق الاضافي و لا شك ان اقرب المقامات و الطف الدرجات في السموات هو عالم العقول ثم عالم النفوس وهكذا الي عالم الاجسام ثم العرش الذي هو اول السموات ثم الكرسي ثم فلك البروج ثم فلك المنازل ثم فلك الشمس ثم فلك زحل و القمر ثم فلك المشتري و عطارد ثم فلك المريخ و الزهرة فظهرت الاسماء الكلية خمسة عشر (سبعة عشر ظ) منها و هي البديع و الباعث و الباطن و الاخر و الظاهر و الحكيم و المحيط و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 92 *»

الشكور و غني الدهر و المقتدر و الرب و العليم و القاهر و النور و المصور و المحصي و المبين ثم يذكر7 باقي المراتب و يشير الي اسم تلك المرتبة التي (الذي خ‏ل) هو ربها قال تعالي فلمّا تجلي ربه للجبل جعله دكّاً و خرّ موسي صعقاً.

ثم اعلم ان الاسماء و ان كانت هي الامثال و المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و هي مشتقة من الافعال المتحققة بها المصادر الحاملة لظهورات الافعال التي هي عين تلك المشتقات الاّ انها قد اقيمت مقام الحق جلّ‏شأنه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار فليست فيها الاّ وجه الحق و جهته بحيث لايلتفت الناظر اليها الاّ اليه سبحانه اما من حيث هو او من حيث ظهوره بظهوره لا بذاته في الاسماء الخاصة او (و خ‏ل) العامة من حيث التعلق او لا من حيث هو كذلك و لذا تري العوام مايعرفون من هذه الاسماء الاّ الواحد الحق جلّ‏وعلا و لايعرفون الذي نذكر و ذكرنا من /انها هي (انه خ‏ل) الظهور الاسمي و التجلي الخلقي و لذا قال الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه و روحي له الفداء لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك فمن هذه الجهة ان للاسماء المتعلقة قبل التعلق و حين التعلق لها مقامات منها مقام الظهور الصرف و هو مقام لا فرق بينك و بينها و هنا تردّ الاسماء كلها الي الواحد لا من حيث الواحدية بل و لا من حيث الاحدية المقابلة للواحدية و مجمل القول فيه هو مااجمله المعصوم7

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 93 *»

بالاجمال الوافي التفصيلي لا فرق بينك و بينها و هذا يشمل و يوضح كل احكام هذه المرتبة دقيقها و جليلها صغيرها و كبيرها كليها و جزئيها و يوضح ايضاً تعبيري بالاحكام الدقيقة و الجليلة بحسب الاطوار و يبيّن ان لا طور هناك و هذا اعظم مقامات الاسماء و هذا هو الاسم الاعظم الاعظم الاعظم الذي اذا دعي به اجاب و اذا سئل به اعطي فالداعي بهذا الاسم هو عين هذا الاسم و ليس هذا بلفظ اذ ليس مرادنا من الاسماء هي الاسماء اللفظية بل الاسماء الحقيقية اذ اللفظ ماعسي ان‏يبلغ و منها مقام الظهور الاسمي و هذا هو الحضرة الواحدية و ينبوع الاسماء و الصفات و منتهي جميع التعلقات اليه تنتهي علوم العلماء و رسوم الحكماء و افهام العقلاء و تكثر الاسماء هذا اخر مواقع الاشارة و اقصي معاني العبارة و اخر درجة الكلام و مرادي بالعلم و الحكمة و الفهم و الادراك هو الذي في علم التوحيد في معرفة احوال المبدء جلّ شأنه والاّ فالعلوم الحقيقية كلها دون هذه المرتبة و منها مقام التعلق اي التوجه الي التعلق قبله فلا تعدد ايضاً في هذا المقام الاّ التعدد الرقايقي يكاد ان‏يظهر في عالم التعلق بالمفعولات الذي هو مقام بعدها عن اصلها و منها مقام التعلق الفعلي الوجودي الكوني و هنا مقام ظهور الكثرات و اراءة الايات و خلق السموات فاول ماظهر من الاسماء في عالم البيان قال اللّه سبحانه خلق الانسان علّمه البيان هو الاسم اللّه فظهر به اي خلق و وجد العرش الاعظم الاعلي و ثاني ماظهر منها هو الاسم الرحمن فاستوي به علي العرش فاعطي كل ذي حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه و ثالث اسم ظهر هو الاسم البديع خلق بها قلب السموات ثم الباعث خلقت بها نفس السموات و روحها ثم الباطن خلقت بها طبيعة السموات

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 94 *»

ثم الاخر خلقت بها مادة السموات ثم الظاهر خلقت بها صورة السموات و شكلها و مثالها ثم الحكيم خلقت بها جسم السموات ثم المحيط خلق به قلب السموات و هذا ظاهر القلب الاول ثم الشكور خلق به صدر السموات ثم الغني خلق به نور السموات و ظهوراتها (ظهورها خ‏ل) بالتأثيرات ثم المقتدر خلق به القوي التقديرية للسموات تقدّر بها فيض اللّه النازل اليها ثم تؤديها الي قوابل السفليات ان اللّه يأمركم ان‏تؤدّوا الامانات الي اهلها ثم الرب خلق به عقل السموات ثم العليم خلق به علم السموات ثم القاهر خلق به وهم السموات ثم النور خلق به وجود السموات ثم المصور خلق به خيال السموات ثم المحصي خلق به فكر السموات ثم المبين خلق به حيوة السموات ثم باستدارة هذه الافلاك المعنوية بعضها مع بعض ظهرت الاسماء الاخر كلها فهذه الاسماء هي المبادي و الاصول و الاسماء الاخر متولدة منها و متشعّبة عنها فبكل اسم ظهر سرّ من اسرار المعبود بظهور كون من اكوان الوجود فلا نهاية لهذه الاكوان اذ لا غاية لهذه الاستدارة فلا حدّ و لا انتهاء لظهور الاسرار من الملك الجبّار و هو قوله تعالي في حديث الاسرار كلّما رفعت لهم علماً بظهور ذلك السرّ في حقيقة كون ذاته و حروف نفسه عند حلول رمسه عند تساوي غده و امسه وضعت لهم حلماً باظهار نور العظمة و الجبروت و نسخ القاء الشيطان في امنيّة الرحمن بقهر

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 95 *»

الملك و الملكوت ليس لمحبتي غاية و لا نهاية لانه سبحانه يحبّ الافاضة و الامداد علي قوابل العباد بسرّ الاستمداد بلسان الاستعداد فمن توكل عليه حسبه و كفاه و من انقطع اليه قرّبه و ادناه و من اراد الاستمداد علي مقتضي نفسه و هواه فقد امدّه بماهو يهواه و لذا تري الصوفيين بلغوا صدر الحديث رفعت لهم علماً لكنهم تكبّروا و استقلّوا انّ الانسان ليطغي ان رءاه استغني فادّعوا اني انا اللّه فماوضع اللّه لهم حلماً لانه (لان اللّه خ‏ل) سبحانه عند ظن كل امرء فمن طلبه وجده فلمّا لم‏يضع له حلماً انقلب علمهم جهلاً فافهم.

فشمل قوله7 خلق السموات علل كل الذوات (الذرّات خ‏ل) و مبادي جميع الكاينات و الاسماء المنتهية اليها جميع التعلقات و الاسماء التي هي روابط العباد الي /استمدادهم لاستحقاق (استحقاقهم لاستمداد خ‏ل) الفيض من اللّه سبحانه و وجههم اليه في تلقّيهم المدد الكوني و المدد الشرعي و المدد الذاتي و المدد الصفتي و المدد النسبي و المدد الاضافي و المدد الجمعي و المدد الفرقي و المدد الاجمالي و المدد التفصيلي و المدد العروضي و المدد الظهوري و المدد التحققي و العضدي و الركني و المدد الصدوري الفعلي و المدد الافتقاري و المدد الاستغنائي و المدد الفعلي و المدد الانفعالي و المدد الشرطي و المدد اللزومي و ساير جهات الامداد علي نهج الاستمداد بالاستعداد عن اللّه سبحانه فلكل شخص اي فرد من افراد الوجود اسم خاص به يكون ذلك الشي‏ء ثمرة ذلك الاسم و مفتاحاً لذلك الطلسم و باباً لايجاده و متمماً لانوجاده يدعو اللّه بذلك الاسم و ذلك (هذا خ‏ل) الاسم الخاص بالشخص من حيث هو هو كلي و له وجوه و رؤس كل /رأس و وجه (وجه و رأس خ‏ل) اسم خاص بذلك الشي‏ء من حيث ذلك الشأن و ذلك الطور و ذلك اللحاظ و لطوره طور اخر و علي ذلك اسم يخص به وهكذا الي ما لا نهاية له فالذوات من شئونات ذلك الشي‏ء الواحد تستفيد التذوت من ذلك الاسم و الصفات من صفته و التوصيفات و هي النسب و الاضافات و القرانات و انحاء الالزامات من هيئات ذلك الاسم الشريف فالاسم الاعظم هو ذلك الاسم الشريف و ماسواه كله رؤس و وجوه له عند المواظبة يظهر له وجه من ذلك الباب الكلي الالهي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 96 *»

فمن قرع الباب فتح له علي مقدار مايقرع و المقام الذي هو واقف عليه فالكلي في الكلي و الجزئي في الجزئي و العرضي في العرضي و الذاتي في الذاتي و الكثيف في الكثيف و اللطيف في اللطيف و الوضيع في الوضيع و الشريف في الشريف و هنا مقامات كثيرة تجمع الكل قوله تعالي فللّه الاسماء الحسني فادعوه بها و ذروا الذين يلحدون في اسمائه و قال الامام7 في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبح اللّه باسمائه جميع خلقه و هو قوله عزّوجلّ و ان من شي‏ء الاّ يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم ولو اردنا ان‏نذكر تفاصيل مااراد الامام7 من بيان الاسماء في قوله7 خلق السموات بلا دعائم لادّي الي تطويل كثير و ان كان ذلك انفع مايكون لكنه مايسعني الوقت و لايساعدني الاقبال و اللّه الموفق الاّ ان فيما ذكرنا كفاية لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد و عرف نوع الاستنباط.

ثم لمّا اشار7 الي تفاصيل العلل الفاعلية اراد ان‏يذكر تفاصيل المفاعيل و المعلولات و اراد ان‏يبين ان المفعول‏به هو عين المفعول المطلق باعتبار فقال7 خلق السموات فخلق هو الفعل اي المشية و الضمير المستتر هو باطنه الظاهر بالاثر الذي هو حكاية وصف عدم استقلاله و افتقاره الي غيره و فنائه في بقائه بوصفه لاثره فالوصف الذي هو الاثر في رتبة ذاته يصف وصف الفعل له الذي ليس بمستقل و الفاعل الضمير /الذي (زائد خ‏ل) هو تلك الحكاية و ذلك المثال ترجمة من الفعل الي المفعول فالضمير يعود الي مثال نفس الفعل الذي هو جهة عليته كماقال7 خلق المشية و الفعل جسد لذلك و مرادي بالفعل هو الظاهر بالمفعول لا الفعل المطلق فلمّا كان ذلك الضمير مثال المستقل في الغيرالمستقل و حكاية كينونته له تحلّي بحليته و تلبّس بلباسه فارتفع بالفاعلية لسرّ قوله تعالي يابن ادم اطعني اجعلك مثلي و الاشارة الي هذا الضمير من قول اميرالمؤمنين7 استخلصه في القدم علي ساير الامم اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 97 *»

و اما السموات فاختلفت كلمات اهل النحو في ذلك فمن قائل بانه المفعول‏به و اورد عليهم بان المفعول‏به هو الذي وقع عليه فعل الفاعل و هذا يستلزم ان‏يكون شيئاً يقع عليه فعل الفاعل مع ان السموات ماكانت شيئاً حتي يتصور الوقوع عليه و من قائل بانها المفعول المطلق لكنه (لكنها خ‏ل) بدل اي بدل البعض عن الكل فتقدير الكلام خلق خلقاً منه السموات فحذف المفعول المطلق و اقيم بدله مقامه و اعرب باعرابه و اورد عليهم اولاً بان بدل البعض عن الكل انما يتحقق اذا كان البدل و المبدل‏منه في صقع واحد و رتبة واحدة و لا شك ان الخلق مصدر حدث اسم معني و السموات ذات اسم عين فلايكون احدهما بعضاً للاخر و ثانياً ان خلق لا شك انه الفعل المتعدي و الفرق بينه و بين اللازم هو نصب المفعول‏به خاصة لا ساير المفاعيل كالمفعول المطلق و المفعول‏له و امثالهما فعلي هذا التقدير يلزم ان لايكون لـ خلق الذي هو الفعل المتعدي مفعولاًبه فبطل الفارق او /بطل (زائد خ‏ل) كونه مفعولاً مطلقاً و الاول مستحيل لاجماعهم عليه فثبت الثاني.

اقول اما قولهم بانه يجب ان‏يكون شي‏ء يقع عليه فعل الفاعل متقدماً علي الفعل باطل اما اولاً فلانّ في مثال ضرب زيدٌ عمراً لا شك ان عمراً من حيث الحقيقة و الماهية و الذات ليس مفعولاً و وصفك عند قولك رأيت عمراً المفعول ليس وصفاً ذاتياً له والاّ لماتخلف لان الوصف الذاتي دائم بدوام موصوفه الذي هو الذات و مقتضي ذلك ان لايوصف بضدّه مادام وجود الذات لامتناع توارد الضدين و النقيضين علي شي‏ء واحد من حيث هو و الواقع بخلافه فان عمراً يوصف بالفاعلية و زيداً يوصف بالمفعولية و انك اذا اردت ان‏تتصور عمراً او زيداً تصورهما لذاتهما من غير عروض فاعلية و لا مفعولية بخلاف الانسان فانك ماتقدر ان‏تدركه الاّ بالامرين الحيوان و الناطق لمكان ذاتيتهما لان الاعراض تخترق عند ظهور الذات فمابقي مع الذات و مااحترقت عند تجليها فاعلم ان ذلك من سنخها اما عينها او جزؤها و هذا ظاهر معلوم ان شاء اللّه فاذا بطل كون المفعولية صفة ذاتية لعمرو فليس المفعول هو حقيقة عمرو (عمراً خ‏ل) فاذا كان كذلك فتسميتك بانه مفعول لاتكون الاّ عند ذلك الفعل كالمضروب عند

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 98 *»

الضرب و المكتوب عند الكتابة وهكذا فهذه الصفة التي حصلت حين الفعل لايجوز ان‏يكون موصوفها الذات فلو كان موصوفها الذات و هذه الصفة انما لحقت الذات وجب ان لاتوصف بضدها الاّ ان‏تعدم مع انها توصف بضدها و لم‏تعدم تقول عمرو فاعل و مفعول و هذا بديهي لمن فتح اللّه عين بصيرته فاذا كان كذلك فمن المفعول؟ ان قلت هو الذات لم‏يصح لماذكرنا و ان قلت هو ظهور الذات اذ لا ثالث قلت هل هو الظهور المطلق ام الظهور المخصوص؟ فان قلت بالاول لم‏يصح بعين ماذكرنا اذ الظهور قديخصص بغيره و ان قلت بالثاني قلت ما المراد بالظهور المخصوص أليس قبول ذلك الضرب اذ ليس امر اخر فان قلت بلي قلت من قابل هذا القبول ان قلت هو الذات عدنا الي الكلام من صحة السلب في حقيقة الذات ان قلت بظهور الذات بالقبول قلت هل كان لهذا الظهور قبل الضرب ذكر و كون في مرتبة من المراتب و عين من الاعيان ام لا ان قلت بالاول فقد اتيت بماتشهد الضرورة علي بطلانه و ان قلت بالثاني فقداقررت بان المفعول ماتحقق الاّ حين وجود الفعل فاذن بطل قولهم ان المفعول يجب ان‏يكون مقدماً علي الفعل كيف ذلك و ان الفعل مأخوذ في حقيقة المفعول مع ان المعروف ان المبدأ مقدم علي المشتق لا العكس و لا شك ان المفعول مشتق من الفعل و لايتحقق الاّ بعد تحقق الفعل ذاتاً و معه زماناً و ان الفعل عامل في المفعول و العامل لايتأخر عن معموله لايقال ان هذه امور لفظية لاتجري علي الحقيقة لانا نقول الالفاظ قوالب المعاني و حكم الالفاظ علي مقتضي حكم المعاني و قدقال اميرالمؤمنين7 ان المعني في اللفظ كالروح في الجسد ولو ان لك بصر حديد و تأمّلت في كيفية صدور الافعال لرأيت عياناً ان المفعول غير الذات و ان المضروب غير المنصور و هو غير المرجوّ و هو غير المطلوب و هو غير المردود و هو غير الموعود و ان كان الجميع ظهورات لشي‏ء واحد الاّ ان كل ظهور في مقام لايشتبه مع الاخر و كل ذلك امثال الشخص و اشباهه و معاني جهاته و مُثُل حيثياته و صور اعماله و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 99 *»

كلها منفصلة عنه كل في مكانه و زمانه و حدوده الاتري انك اذا رأيت زيداً مضروباً في عصر يوم الجمعة في المكان الفلاني فكلما تلتفت الي مضروبية زيد ماتراها الاّ في ذلك المقام و ذلك الوقت علي ذلك الشبح بل هو عين الشبح فذلك الشبح هو المفعول في مقام المفعول و هو الفاعل في مقام الفاعل فانك مايمكنك تري مضروبية زيد مثلاً الاّ بذلك الشبح في ذلك المكان و مايمكن ان‏تراها في غيرهما فدلّ علي ان المفعول ليس الاّ ذلك الشبح و هو ظهور من ظهورات زيد قائم به قيام صدور و بظهوره قيام تحقق و بذلك المكان و الزمان و الهواء و الارض قيام عروض و قيام ظهور الاّ ان الذات لمّا كانت غيّبت الصفات لايلتفت الناظر الي الصفات و المثال فيزعمون ان تلك الاوصاف للذات و الذات متعالية عن كل هذه الصفات فعلي هذا فالمفعول‏به مساوق للفعل في الوجود و الظهور فالفعل الظاهر بالمصدر هو المفعول المطلق و ملاحظة المصدر مع حدوده و مشخصاته من زمانه و مكانه و كمّه و كيفه و جهته و رتبته و وضعه و اضافته و قرانه و وصله مع غيره و فصله و جمعه و فرقه و ساير حدوده فالشخص جزء العلة الصورية و ركن القابلية لا بذاته بل بظهوره و ذلك الظهور ايضاً ماتحقق الاّ بصدور الفعل و قداقمنا براهين علي ان القابلية متأخّرة عن وجود المقبول و متفرّعة عليه فان جرّدت المصدر عن الحدود و القيود فهو المفعول المطلق و ان لاحظته مع الحدود و المشخصات فهو المفعول‏به مع ان المعروف عندهم ان المشتقات مأخوذة من المصادر لا من الافعال فتكون مادة اسم الفاعل و اسم المفعول واحدة و لا شك ان الشي‏ء لايتقوّم الاّ بالمادة و الصورة و لا شك ان الاصل و الحقيقة هي المادة و الصورة عرض و حدّ تابع و المضروب ليس الاّ الضرب مع الخصوصية و الصورة الخاصة فكيف يعقل ان‏يكون متقدّماً علي مادته و اصله و هل هذا الاّ القول بان الشي‏ء موجود قبل وجود نفسه و يتقدّم الشي‏ء علي نفسه و هو باطل قطعاً فاذن لايكون المفعول‏به مقدماً علي الفعل و انما هو مساوق له.

فان قلت ان الاشتقاق بحسب الالفاظ و كون المصدر مادة لاسمي الفاعل و المفعول بحسب اللفظ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 100 *»

لايدلّ علي انه كذلك بحسب المعني قلت قدقرّرنا في مباحثاتنا و رسائلنا ان الالفاظ و المعاني بينهما مناسبة ذاتية فلايتصرف في المعني الاّ ماكان في اللفظ و كذا العكس ولو قلنا بعدم المناسبة كما هو المشهور عندهم نقول قدبيّنا فيماكتبنا في الاصول ان الالفاظ لا حكم لها و لا شي‏ء يترتب عليها ابداً لانها مقصود بالعرض و ماكان كذلك فهو يتبع المقصود بالذات فحكم الالفاظ من التقديم و التأخير و الزيادة و النقصان و الاعراب و البناء و العمل و عدمه و الاستقلال و عدمه كلها تابعة للمعاني والاّ فلا تفاوت بين هذه الحروف و لا اختصاص ببعضها دون بعض في التأثير و العمل عن غيره و ليس ذلك الاّ من جهة المعاني و التأثيرات المعنوية و ليس هذا المقام موضع استقصاء هذا المرام.

و بالجملة فلاينبغي التشكيك في ان المفعول‏به ليس مقدماً علي الفعل بل لو لم‏ندّع تقدم الفعل كما هو الواقع فلا اقل من المساوقة فبطل الايراد الوارد علي الاولين حيث حملوا السموات في الاعراب علي انه مفعول‏به و اما ايرادهم علي الاخرين باستحالة بدل البعض لعدم السنخية فغلط لان السموات اعظم في الحدثية و عدم الاستقلال من الخلق الذي يزعمون انه المصدر الحدث و لا شك ان السموات مخلوق و الخلق مادة لها و المادة اشد و اعظم في التأصل من الصورة فالخلق مادة واحدة منها سماء و منها ارض و منها بحر و منها برّ وهكذا بل هذا كمال السنخية بل العينية في السموات و الارض في كل عالم بحسبه فكيف يتصور القول بان السموات ذات و الخلق حدث و معني بل الامر بالعكس فان الخلق ذات و ان كان حدثاً و لايمتنع ان‏يكون الشي‏ء الواحد ذاتاً باعتبار و عرضاً باعتبار اخر و حدثاً باعتبار اخر و لا تنافي بين هذه الاشياء في الوجود بوجه.

و اما ايرادهم الاخر بان المتعدي مايتعدي الي المفعول‏به فساقط لان المفعول‏به حاصل في هذا المقام الاّ ان لك لحاظان لحاظ نفس الحدث و هو الخلق و لحاظ ربط الحدث ففي الصورة الاولي يكون الفعل مفعولاً مطلقاً و في الصورة الثانية يكون مفعولاًبه و هو شي‏ء واحد فيصحّ ان‏يكون بدلاً فهناك متمحّض في الاثرية و هو اعلي مقاماته و يصحّ ان‏يكون

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 101 *»

مفعولاًبه لملاحظة الرابطية (الرابطة خ‏ل).

فان قلت لو جعلت مطلق الرابطة دليل المفعول‏به فلايتحقق اذن المفعول المطلق النوعي و العددي لصحة الارتباط قلت المراد بالارتباط هو ان‏يصير المرتبطان بالارتباط شيئاً واحداً تغفل عن احدهما حين تلاحظهما كالمركبات مثل ضرب زيد عمراً فان عمراً يلحظ من حيث وقوع الضرب عليه لا من حيث الضرب بل ليس في عمرو الذي هو ظهور الذات ذكر من الضرب الاّ بالتحليل العقلي و الدليل الوجداني و لا كذلك في المفعول المطلق النوعي و العددي فان النوع و العدد صفتان تعرض الحقيقة و الصفة لاتعارض الموصوف فالملحوظ بالذات فيهما هو المصدر و الحدث لا المجموع المركب بخلاف المفعول‏به اذ الملحوظ فيه ذلك فافهم.

ثم اعلم ان الفعل لايظهر بل لايوجد الاّ بالمفعول فاذن فما معني قولهم ان الفعل اللازم لايتعدي الي المفعول و الجواب ان الفعل لايتقوّم في الظهور الاّ بالاثر و هو المصدر فمن جهة تلازم المصدر مع الفعل و عدم انفكاكه عنه قالوا ان الفعل مشتق من المصدر فجري فيهم ماقال مولينا الصادق7 بدت قدرتك يا الهي و لَمْ‏تُبْدَ هَيْئَةٌ فشبّهوك و جعلوا بعض اياتك ارباباً يا الهي فمن ثم لم‏يعرفوك يا سيدي فالمصدر اثر للفعل و محل لظهوره و اول صادر عنه و متقوّم به قيام صدور لوقوعه تأكيداً للفعل و المؤكّد فرع للمؤكّد و وقوعه معمولاً للفعل و عمله بشرايطه لمناسبته للفعل (بالفعل خ‏ل) و لايجوز في الحكمة ان‏يكون المتبوع بالذات تابعاً في الصفات الاّ ان‏تختلف الاقتضاءات و هو عند اللّه مستحيل فصحّ ان المصدر اول ظاهر من الفعل فهو في الحقيقة مفعول لكن له ثلث جهات و نظرات:

جهة و نظر الي المبدء و العلة و الذات و هذا النظر لايكون الاّ بنظر العلة له /و (زائد خ‏ل) به فذلك هو الفاعل في الفعل و القائم في القيام و الضارب في الضرب و امثال ذلك و هو بهذا النظر مرفوع لماذكرنا فلانعيد و لذا يقولون ان العامل في الفاعل هو الفعل يعمل فيه الرفع و لا شك ان العامل اقوي من المعمول فيه و كذا يقولون ان الاسم الفاعل و الاسم المفعول مشتقان من الفعل كالضارب من ضرب بغير

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 102 *»

واسطة او بواسطة يضرب و مئال الحكمين واحد و لا شك ان المشتق منه اقوي من المشتق و اقدم لكن المفعول لمّا نظر الي جهة الحق سبحانه و محي الموهوم و هتك الستر و غلب عليه السرّ تمحّض في الاثرية فتمحّض في المظهرية الي ان صار ظهور الظاهر عين الوصف الحاكي للمبدء بالوصف الحالي فاندكّت انّية المفعولية و مابقي الاّ النظر الواحد الي الواحد فحكي مثال الذات و ظهرت فيه الفاعلية و لذا تري الفاعل مستتر (مستتراً ظ) في الفعل و الفعل هو الفعل الظاهر في المفعول اما بنفسه في نفسه او بظهوره في غيره فكان ذلك النظر الذي هو المثال فاعلاً فارتفع في الصفة و الاعراب طبقاً للظاهر علي الباطن و لذا تري زيداً الواحد يرتفع في «قام زيدٌ» بالفاعلية و هو ينتصب في «رأيت زيداً» بالمفعولية و ينجّر في «غلام زيدٍ» بالاضافة فظهرت المقامات لمن فهم الاشارات و الرفع هو اعلي الصفات و اشرف الاعراب و هو صفة القيومية مقام الحديدة المحماة بالنار. فظهر لك ان فاعل الفعل اللازم هو الجهة العليا من مفعوله و لمّا قصر نظره الي تلك الجهة بقي واقفاً في مقامه و شاهداً جمال مبدئه و جلاله فلايرتبط بالغير الاّ بالقسر لا الواقعي بل المتعارف و الدليل علي مفعوليته معموليته كماذكرنا و اما عمل فعل اللازم في المفعول المطلق و الحال و التمييز و المفعول‏له و المفعول‏معه و غيرها فمن جهة بقاء ذلك الارتباط بخلاف المفعول‏به كماذكرنا حرفاً بحرف في المفعول المطلق النوعي و العددي.

و النظر الثاني نظره الي نفس المصدر /و (زائد خ‏ل) من حيث انه صادر فهناك امور ثلثة صادر و صدور و مصدر و هذا و ان كان متمحّضاً في الاثرية لكنه ليس متمحّضاً في المظهرية حيث ذكر عنده المبدء و وجده حيث شعر به فلم‏يبلغ مقام هو نحن و نحن هو بل في مقام هو هو و نحن نحن فصار مفعولاً مطلقاً لعدم انفكاكه عن فاعله و عدم تحقق مقام له لايكون مبدؤه ظاهراً فيه و كونه مقام

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 103 *»

أيكون لغيرك من الظهور ماليس لك حتي يكون هو المظهر لك فنزل في الاعراب كما في المقام فكان اعرابه نصباً لانه في المقام (مقام خ‏ل) تحت مقام الرفع و فوق مقام الجرّ.

و النظر الثالث نظره الي نفسه الصادرة من حيث حدوده المشخصة كالزمان و المكان و الجهة و الرتبة و الوضع و الاضافة و الكمّ و الكيف و امثالها فهناك امور اربعة الصادر و المصدر و الصدور و القابلية فتألف الحدث و قامت زوايا مربع و تمّت بالتأليف فخفي المبدء من هذا التأليف فليس متمحّضاً في الاثرية المقصودة بالاصالة بل فيه ذكر للغير و ان كان بالتبعية و هو قوله عزّوجلّ روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي و قال ايضاً خطاباً له7 بروحي نطقت و بضعف كينونتك تكلّفت ماليس لك به علم ولكن لمّا كان ذلك الغير ليس مقصوداً بالاصالة و انما هو مقصود بالتبع ماارتفع ذكر المبدء بالكلية بل بقي لكنه اقل من المفعول المطلق و لذا تري ماارتفع المفعول‏به و انما انتصب مع ان مقامه ان لايكون ذلك اذ الجرّ علامة الشرّ و دليل خفاء الظهور و في المفعول‏به علامة المبدء و ظهوره و ان كان قليلاً مقام المستدلين علي المؤثر بالاثر و الواقفين مقام الدليل الانّي فلم‏يناسب الخفض و الجرّ و الكسر فناسب النصب و الفتح و ان كان اقل مقاماً من المفعول المطلق لانه المفعول المطلق المتعيّن بالتعين الارتباطي فالمفعول المطلق و المفعول‏به واحد و الفرق ملاحظة الارتباط و عدمه فافهم ان كنت تفهم والاّ فاسلم تسلم فاني اظهرت ماجهله الاكثرون و كتمه العالمون و اشار اليه العارفون و لوّحوا اليه في ظواهر اقوالهم الحكماء الالهيون.

فان كنت ذافهم تشاهد ماقلنا و ان لم‏يكن فهم فتأخذه عنا
فما ثمّ الاّ ماذكرناه فاعتمد عليــ ــه و كن في الحال فيه كما كنّا

و اهل الاشارة يفهمون من قوله7 بلا دعائم تحقيق حقيقة القول في المفعول‏به و ردّ القول بان المفعول‏به لايتقدم (يتقدم خ‏ل) علي الفعل و سبب اشتباه القائلين بالتقدم لان الخلق هو احداث المادة و هي لاتحدث الاّ لا من شي‏ء اذ لو فرضته

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 104 *»

من شي‏ء لم‏يكن مادة صرفة اولية و انما هي الهيولي الثانية المركبة مع المادة الاولي و الصورة الاولي فماتمحّضت في المادية فالمادة من حيث هي غير مشوبة بصورة من حيث هي فتكون هذا الخلق الناشي الصادر من خَلَقَ مادة كماهو المفروض فيكون مادة للسموات و ليست السموات الاّ الخلق الذي هو النور و المادة و امر اللّه مع حدود العلوّ و الطبقات و الهيئات و الحركات و الاستدارات فاذا ازلت عنها هذه الحدود لم‏تبق الاّ المادة الواحدة و ان شئت سمّيتها ماء او هواء او دخاناً او غير ذلك فقبل هذا التحديد كان رتقاً لم‏تكن سموات و لا ارضون فبعد الفتق بالتحديد قيل سماء و ارض و لا شك ان الحدود انما هي متأخرة عن المادة و هيئة و عرض لها و المفعول‏به (المفعول خ‏ل) الذي هو السموات مجموع المادة و الصورة فتكون السموات المفعول‏بها متأخرة عن الفعل و لا اقل مساوقة له لا قبله و القول بان هذا هو المفعول المطلق لهذه الشبهة التي دخلت و ان كان صحيحاً لا لهذه الشبهة الاّ انه كلام قشري ليس بحقيقي لان البدل البعض لايخالف كله و لا شك ان جهة السموات من حيث هي غير جهة الخلق من حيث هو اذ الاولي جهة بساطة و الثانية جهة تركيب و حكم مجموعي فلايكون الثاني من حيث هو جزء و بعضاً للاول من حيث هو و ان كان جزء منه من حيث البساطة و الجزء لايكون الاّ عند ملاحظة الحصص في تلك الحقيقة الالهية الجامعة و تلك الملاحظة لاتكون الاّ عند ذكر الحصص و اما في ذاتها فلا.

ثمّ لمّا اشار7 الي هذه الدقيقة اللطيفة اراد ان‏يذكر و ينبّه سبب اشتباه الذين حكموا بتقديم المفعول‏به لانهم سلام اللّه عليهم يعرفون من نجي بمانجي و من هلك بماهلك فاشار7 الي انهم نظروا الي المحل و موقع الظهور و دعامة البروز فتوهّموا ان تلك الدعامة و المحل هو (هي خ‏ل) المفعول‏به و ماعرفوا انها سبب لظهوره و هو في ذاته مايحتاج عند تحققها الي هذه المحال و المواقع و الدعائم كالصورة في المرءاة اذ لولا المرءاة التي هي الزجاجة لم‏تظهر الصورة فهي صارت سبب ظهور المرءاة الاصلية التي هي الصورة و لاتحكي المقابل الاّ هي و هي لاتتقدّم علي المقابل بل هي متأخرة عنه و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 105 *»

مساوقة لظهوره الخاص بها الذي هو عينها و اما الزجاجة فانها قبل الظهور للاظهار و وجودها كعدمها عند العارفين و كذا الارض لاظهار اشعة الشمس و كذا ذات زيد لاظهار المفعولية او الفاعلية فانها كالارض و المرءاة اي الزجاجة دعامة لظهور ذلك النور اي الشمسي و الشخصي و الشبحي و الفاعلية و المفعولية اشباح متقوّمة بظهورات تلك الذات في مراتب اماكن تلك الاشباح و الظهورات و ماتحقّقت الاّ بالفعل لا قبله و لا بعده فالمحالّ الجسمية دعائم للظهور و هم لمّا اقتصروا نظرهم علي الظواهر و ماالتفتوا الي حلّ الشي‏ء و عقده و بثّ كل شئوناته ليخصّ كل شي‏ء بمايناسبه فجعلوا المحل اصلاً و الفرع ذاتاً او الذات فرعاً و الاصل محلاً و قولي بالمحل لااريد محل كون الشي‏ء الذي هو جزء لماهيته بل اريد محل الظهور لا بحيث اتحد الظاهر و المظهر و الظهور و انما اريد مثل الزجاجة بالنسبة الي المرءاة و الارض الي الاشعة فافهم و ابطل (فابطل خ‏ل) هذا التوهّم بنفي هذه الدعامة في اول المفعولات التي ماكانت له ذاتاً الاّ نفس كونه مفعولاًبه الذي استنطقه فقال له ادبر فادبر فجري كل الافعال في كل الاحوال علي ذلك المثال.

ثم استدل7 علي هذا المطلب من تساوق المفعول‏به مع الفعل و اتحاده مع المفعول المطلق بقوله عزّوجلّ كن فيكون الملوّح اليه و المستفاد من قوله7 خلق السموات بلا دعائم فان الخلق كماذكرنا هو متعلق المشية الذكر الاول و الارتباط بالسموات هو الارادة و هي العزيمة علي مايشاء و هما تمام الكلمة التي هي كـن و هي كلمة خطاب و كلمة امر و يكون اخبار و اعلام بالامتثال و بالوقوع علي المخاطب فمن المخاطب و من المأمور بالتكوّن حتي صار فاعلاً و يرجع ضمير الفاعل في فيكون اليه ان قلت هو ذات اللّه سبحانه و تعالي ليكون هو الامر و هو الفاعل و هو القابل و هو المخاطِب (بالكسر) و المخاطَب (بالفتح) كما قالوا «و الفاعل بعينه هو القابل و الفعل و القبول له يدان و هو الفاعل باحدي يديه و القابل بالاخري و الذات واحدة و الكثرة نقوش فصحّ انه مااوجد شيئاً الاّ نفسه فليس (و ليس خ‏ل) الاّ ظهوره» مأخذ فهذا لا شك انه ليس قول المسلمين.

و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 106 *»

ان قلت ان المخاطب المأمور هو الخلق المتحقق الموجود فلا شك في بطلانه و قبح هذا الخطاب لاستلزامه تحصيل الحاصل و ان قلت ان المخاطب اعيان ثابتة في الازل معدومة العين صالحة لامتثال امر كن كما قالوا ان الاعيان الثابتة مستجنة في غيب الذات و مندرجة فيها اندراج اللوازم في الملزومات و قالوا ايضاً انها مستجنة فيها استجنان الشجرة في النواة و هذا ايضاً كفر باللّه العلي العظيم لما فيه من تعدد القدماء و وقوع التركيب في ذات اللّه سبحانه و لزوم التغيير و الابادة و الفناء تعالي ربنا و تقدّس حتي قال بعضهم ان هذه الاعيان شئون و ذاتيات للحق و ذاتيات الحق لاتقبل الجعل و التغيير و التبديل و الزيادة و النقصان و هذا القول في البطلان بمكان.

فان قلت هذه الكلمة تعبير عن الايجاب و ليست بخطاب و لا امر فان ذلك كله في مقام كثرة الالفاظ قلت اذن عبّر الحق سبحانه عن خلاف الواقع و خلاف الحقيقة ام كان عاجزاً عن التعبير بما هو في الواقع تعالي ربنا عن ذلك علواً كبيراً.

ان قلت ان ذلك من اقسام المجازات و هي في القرءان شايعة و في كلمات امناء الرحمن: ذايعة قلت لو سلّمنا ذلك نقول ان المجاز خلاف الاصل لايصار اليه الاّ بدليل قطعي فحيث انتفي الدليل امتنع المصير لانسداد الطريق ان قلت ان الدليل موجود من النقل و العقل اما الاول فلقول مولينا الرضا ارادته احداثه لا غير لانه لايروّي و لايهمّ و لايفكّر و انما يقول للشي‏ء كن فيكون من غير لفظ و لا كيف لذلك كما انه لا كيف له و لقول اهل اللغة ان الخطاب توجيه الكلام الي نحو الغير و الامر تعلق الخطاب الي المأمور و هما يستلزمان وجود الغير و المأمور به حين الخطاب و اما العقل فمن المعروف بالوجدان و العيان ان الخطاب و الامر لايكونان الاّ لشخص اخر اذ الوحدة تستلزم تحصيل الحاصل و في الخلق الاول لم‏يتصور ذلك فوجب حمل الاية علي المجاز كناية عن القهر و السلطنة و الجبارية و القهارية قلت اما قول مولينا الرضا7 فالمستفاد منه ان المعبّر عنه ليس بلفظ و هذا لا شك فيه و لايستفاد منه ان هذا التعبير علي خلاف الواقع و الحقيقة و لا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 107 *»

تلازم بين الخطاب و الامر و اللفظ حتي يثبت به المطلوب بل هو مطلوبنا لقوله و لا كيف لذلك فلو كان هو محض الايجاد من غير امر و خطاب و تكليف لكان له كيف يعرفه كل احد بمثل مايعرفون من معني الايجاد و انما هو خطاب و امر اختياري بالنسبة الي المخاطب لكنه لا كيف له ليعرفه اهل التكييف و التحديد و اما قول اهل اللغة فمسلّم لكنه ليس فيه اشتراط تقديم المأمور علي الامر و المخاطب علي الخطاب و مافهم بعضهم ذلك من كلامهم فليس بحجة و اما العقل فليس بحاصل لان الوحدة الحقيقية ممتنعة و قدتكون وحدة لاتنافي الكثرة و كثرة لاتنافي الوحدة و تحقق هناك الاختيار و لا امتناع لهذا الاحتمال (و هو ظ) ممكن و ان لم‏تدركه الافهام و لم‏تنله ايدي العوام فاذا اخبر به الملك الحكيم العلاّم وجب القبول و الاعراض عن التأويل بسخيف الكلام فاستشهاد الامام7 بالاية الشريفة ملوّحاً استشهاد تام لايعتريه شك و لا شبهة لان المخاطِب (بالكسر) هو فعل اللّه سبحانه و مشيته و اختراعه و هو لسان اللّه المعبّر عن كل ظهوراته بكل اطواره و شئونه من ايام الشأن و الخطاب هو دلالة تلك الكلمة التامة الواقعة علي ارض قلب المخاطب و هو الغدق المغدق النازل من سحاب الكرم و الجود من بحر الصاد من الماء الذي توضّأ منه رسول‏اللّه9 ليلة المعراج لصلوة الظهر و هذا البحر تحت العرش و هو الفعل و هذا العرش هو الخطاب الصادر و المخاطَب (بالفتح) هو نفس هذا الخطاب مع الحدود و المشخصات كما ان اللفظ كذلك فجري التطابق بين اللفظ و المعني و هذا المجموع هو فاعل يكون في قوله تعالي كن فيكون فالمفعول‏

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 108 *»

به هو فاعل فعل الفاعل فان التكوّن من فعل الفاعل لكنه ماتحقق و ماوجد الاّ بالمفعول و هذا المفعول هو ذلك الفعل الظاهر الذي هو الحدث و هو المصدر فحقيقة اول الموجود في الحقيقة الاولية هو المفعول المطلق و هو خطاباً و امراً و كوناً (تكويناً ظ) في قولك خاطبت خطاباً و امرت امراً و كوّنت تكويناً و غير ذلك و في الحقيقة الثانية هو المفعول‏به الذي وقع عليه فعل الفاعل فكانت له جهتان و ثبتت له حقيقتان في البدء الاصلي و الظهور الخلقي و النور القدسي الالهي فمااحتاج الخطاب الي مخاطب مقدم في الوجود و كذا الفعل الي مفعول‏به كذلك نعم في الظهور و البروز الشهودي الحسّي في كل عالم يحتاج فالمخاطب هو قابلية الخطاب و الخطاب هو مادة المخاطب و هو صورة له فاذا اقترنتا ظهر الخطاب علي مقتضي الاختيار في الكينونة والاّ فيبقي الخطاب متعلقاً بمركزه مشغولاً بحمد ربه الي ان‏يحصل له متعلق فيظهر في ذلك بعين ماظهر في غيره فالخطاب واحد و المخاطب لايتناهي من اول الوجود الي اخره و من ظاهره الي باطنه فالخطاب الشفاهي امر مستقر و صوت مستمرّ فقول اللّه سبحانه كـن حقيقة باقية كان في الخلق الاول التكويني هذه صورتها و في الخلق الثاني صورة التعبير عنها ادبر الي نهاياته و في الخلق الثالث كانت الصورة اقبل و في الخلق التشريعي صورة التعبير صلّ و زكّ و حجّ و كل من سمع الخطاب نادي ملبّياً و من لم‏يسمع بقي علي وجهه مكبوباً ملويّاً فهو نداء واحد و السامعون متفاوتون في الاستماع لحدّة سامعتهم و عدمها فافهم و سنزيد القول ان شاء اللّه الرحمن.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 109 *»

و انما ابتدأ7 بذكر السموات دون غيرها من المخلوقات لانها هي المبادي العالية و لتطابق الوصف التدويني و اللفظي مع الوصف التكويني و الهيئة الوجودية فان الطفرة في الوجود باطلة فاول الموجودات هو جمال اللّه و جلاله و الجمال له جمال و لجمال جماله جمال كالجلال وهكذا الي ما لا نهاية له فقدّم المبادي علي قول مطلق علي غيرها و الفواعل علي القوابل و انما خصّص السموات بالذكر دون ساير المبادي لبيان قسمي المبدء و شقّيه فان المبدء علي قسمين مبدء هو علة فاعلية و مبدء هو ترجمان و باب و واسطة الفيض فالسموات انما هي الثاني و محل لظهور الاول فكانت وصفاً جامعاً مع اشتمالها لتفاصيل احكام المبادي و العلل كلها من ظهور مراتبها في مقام الاجمال و التفصيل و شرح قوله عزّوجلّ بل يداه مبسوطتان /ينفق (زائد خ‏ل) و قوله عزّوجلّ و السموات مطويّات بيمينه و بيان الكمال المطلق الملوّح اليه في قوله تعالي و لقد اتيناك سبعاً من المثاني و القرءان العظيم و ظهور الاركان الاربعة مع تفاصيل نسبها الحاصلة من ملاحظة بعضها مع بعض و ذكر الاسم الاعظم الاعظم الذي ليس بالحروف مصوّت و لا باللفظ منطق و لا بالشخص مجسّد و اجزائه الاربعة و اركانه الاثني‏عشر و اسمائه الثلاثين و صفاته الثلثمائة و الستين و كيفية ترتّب العلل في الامداد و الافاضة و كيفية الحركات الذاتية و الاستدارات العرضية و كيفية استمداد السافل عن العالي و كيفية حجب السافل عن مشاهدة العالي مع تقومه به و علة قطع التفات العالي عن السافل و كيفية ظهور التجلي و حركة المتجلي و حدوث الفاعل و فاعلية القابل و قدس الالوهية و خزائن الرحمة و مفتاح الغيب و السرّ اللاّريب و علل الترقي و احواله و سبب التنزل و اطواره و سرّ المحبة السارية و المودّة المستجنة في الذرات الغيرالمتناهية و دوران الوجود بالميل و تمام الستة و احوالها و اقاليم الظهور و كشف حجاب النور و ظهور مقام الطور بابي هو و امّي قداشار لاهل الاشارة في هذا المقام بهذا الكلام الي اسرار و عجائب و غرائب يقصر عنها النظر و يضلّ دونها الفكر ولو اردنا ان‏نشرح جزء من مائة الف جزء من رأس‏الشعير من ذلك يطوي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 110 *»

الزمان و لم‏يظهر شي‏ء منه لا اله الاّ اللّه العلي العظيم اللّه اعلم حيث يجعل رسالته عجباً لقوم يقولون ان هذه الخطبة من وضع الغلاة انّي لهم و ذلك و نحن نشير بعون اللّه الي بعض ماذكرنا مجملاً و تلويحاً اذ البيان يقصر عنه اللسان مع ما في طبايع (طباع خ‏ل) بعض اشباح الانسان من المعاندة و الطغيان.

فنقول: اعلم ان النقطة الالهية السرمدية لمّا ظهرت استدارت علي نفسها فساوت كل اجزائها (احوالها خ‏ل) و اطوارها و شئونها (شئوناتها خ‏ل) و اوليتها و اخريتها و ظاهريتها و باطنيتها فنطقت بالواحدية للّه الواحد القهار فكان بسم اللّه الرحمن الرحيم في اول كتاب اللّه العليم الحكيم في الكتاب الاوّلي التكويني الوجودي فدارت ثلث دورات حال النظر الي ربه و الي نفسه و الي غيره و لذا استنطقت عنه الكاف من الحروف المكتوبة فلمّا نظرت الثلثة الي نفسها الجامعة تمت التسعة و كملت الرتبة لان الشي‏ء في تحققه له ثلث حالات الاولي حالة الاجمال و الثانية حالة التفصيل و الثالثة مقام الظهور مشروح‏العلل مبيّن‏الاسباب و لكل حالة ثلث حالات الاولي حال مبدء التلقي من عالم اللانهاية الثانية تمام /مقام (زائد خ‏ل) التلقي في النهاية الاجمالية في العقد الاول بعد الحلّ الاول الثالثة حال ميله و نزوله الي عالم الغير اما لتحقق بينونة الصفة او لارتباط الجهة فلمّا دارت تلك الثلثة علي هذه الثلثة تمّت التسعة و هذا الحكم جارٍ من اول

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 111 *»

مقام المحبة في نفسها لنفسها الي اخر مقام (مقامات خ‏ل) التفصيل و هي السموات الظاهرة الشهودية اذ في مقامات المحبة ثلث مراتب الاولي مقام المحبّ الظاهر بالمحبة المعبّر عنه بعنوان كنت، فاحببت الثانية نفس المحبة المتحققة في احببت ان‏اعرف و هي الموصلة (الوصلة خ‏ل) و باء التعدية و الصلة التي هي حجاب بين المحب و المحبوب الثالثة حقيقة المحبوب و لا حقيقة له الاّ عين تلك المحبة التي هي الرابطة بينهما اذ المنافر لايكون محبوباً و طبيعتك خلاف كينونتي فاذا ارتفعت المخالفة بقيت نفس الكينونة و هي قوله تعالي روحك من روحي و هو عين تلك المحبة فافهم و هذه الثلثة لاتتمّ و لاتظهر الاّ بالتجذير اذ لا غيرها في نظرنا هذا فمجذورها تمام المبادي فالمبادي لاتكون الاّ تسعة لانها مجذور اول الاعداد و تمام رتبة الاحاد التي بها تقوّمت الاعداد و هي المبادي لها في التكون (بالتكون خ‏ل) و الايجاد و اليها ترجع يوم الرجوع و المعاد و انما كان مجذور اول الاعداد هو المعاني اذ لا مذهب عنها في مقام التفصيل لان المبدء هو الواحد و هو الثلثة و الكثرات كلها قدتحققت به لانها هي اول الاعداد و اول مابرز من الايجاد فاول المنسوبات اليها في مقام التفصيل هو التسعة و حيث كانت اول مراتب التفصيل و اقرب الاحوال الي البساطة ظهرت العلة التي هي مبدء المبادي و علة العلل بمثالها و ظهورها في كل التسعة لانها صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلّي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فظهر في كل التسعة بظهور واحد فهي في رتبة واحدة و مرتبة غير متعددة و خلقت من طينة واحدة لانها المتحصلة من ملاحظة الشي‏ء من نفسه مع نفسه قال9 انا الشجرة و فاطمة3اصلها و علي7 لقاحها و الائمة: اغصانها و لذا ظهرت الطاء مع كماليها الظهوري و الشعوري في اسم مهبط الانوار الالهية و مجمع الشئونات الصمدانية و العنوانات الازلية الثانية و الكلمة التامة و ليلة القدر التي هي خير من الف شهر بحكم المناسبة الذاتية بين الاسم و المسمّي و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 112 *»

المرابطة الحقيقية بين اللفظ و المعني و ذلك هو اسم فاطمة صلوات الله علي ابيها و بعلها و عليها و بنيها و كذلك القول في كل المبادي و انا قدبيّنت لك اشدّها غموضاً و خفاءً في العالم الاعلي الاول الذي ليس فيه كثرة و لا تعدد و لا اختلاف.

و اما كيفية خلق هذه الافلاك و السموات فاعلم ان اللّه سبحانه خلق ياقوتة حمراء من جزء من صفو النار و جزئين من صفو الماء بيبوسة ارض القابلية فنظر اليها بعين الهيبة فماعت و ذابت و صارت ماءً رجراجاً و بحراً عظيماً يضرب امواجاً فاشرقت (فاشرق خ‏ل) علي ذلك البحر شمس اسم اللّه القابض فظهر اسم اللّه الحي و الرحمن بريح الجنوب فتموج البحر و اضطرب بتصفيق الرياح الشديدة فصعدت الابخرة المختلطة بالاجزاء النارية و الترابية المستجنة في زبد البحر فكانت تلك الابخرة و الادخنة المتصاعدة مادة السموات السبع و الافلاك التسع و بقي الزبد علي وجه الماء فجعله سبحانه مادة للارضين السبع فبعد ما دحي الارض و استوت و استقرت في يومين يوم المادة و يوم الصورة استوي /الرحمن (زائد خ‏ل) الي السماء و هي دخان فسوّيهن سبع سموات فاول ماظهر منها فلك الشمس فدارت الافلاك فوقها و تحتها بها حسب مافيها من القوي الالهية لكونها مهبط الاسماء الفعلية و الانوار الاربعة القدسية العرشية ثم لمّا كانت تلك الادخنة متفاوتة في الغلظة و التصفية رتّبت السموات علي الترتيب المعروف فملأ ذلك /البحر (زائد خ‏ل) الوجود بمائه و دخانه و زبده فاستدار بعضها علي بعض و تحقق الليل و النهار و ظهرت مكنونات خبايا الاسرار هذا الذي ذكرنا كلام جارٍ علي الحقيقة بالاجمال.

و الاشارة الي حقيقة الامر و الواقع اعلم ان النون اي بحر الصاد اول المداد الماء الذي كان عليه عرش الرحمن و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 113 *»

الماء الذي منه كلّ شي‏ء حي و به قام كل شي‏ء لمّا كان متمّم ظهور الهاء عن الكاف لا كتتميم الهاء المشبّع الذي هو هو للاسماء الحسني و تتميم الاحد للواحد بل كتتميم الصفة لظهور الموصوف و تتميم الفرع لجهات تعريف الاصل ظهر مثالاً للظاهر و حاكياً له بذاته فكان حافظاً لوجوده في جميع مراتب التربيع و التكعيب فاحكم قوله تعالي مايكون من نجوي ثلثة الاّ و هو رابعهم الاية فظهر حافظاً لنفسه في كل الاطوار من الاكوار و الادوار فصار به كل شي‏ء حي في الاعلان و الاسرار من الاكوان الستة التي عليها المدار. اما الكون الاول فنوراني لا غير و اما الكون الثاني فجوهري لا غير و اما الكون الثالث فهوائي لا غير و الكون الرابع فمائي لا غير و الكون الخامس فناري لا غير و اما الكون السادس فاظلة و ذرّ ثم سماء مبنيّة و ارض مدحيّة.

و ان اردت ان‏تعرف حقيقة هذا الماء و سبب نشوه و مادته و صورته فاعلم ان التكوين اقتضي الحرارة لانه (لان خ‏ل) الحركة بنفسها من الظاهر بالفعل الي المكوَّن (بالفتح) و التكوّن اقتضي البرودة لانه السكون المنتهي اليه الحركة مقام الجمود و الوقوف و لمّا كان التكوين هو الفعل الاسم الذي استقر في ظله فلايخرج منه الي غيره اقتضي مع الحرارة اليبوسة لثبات الاستقرار و تحقق القرار قال عزّوجلّ و ما منّا الاّ و له مقام معلوم و لمّا كان التكوّن هو الحامل لاثر

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 114 *»

التكوين و الماسك له اقتضي مع البرودة اليبوسة والاّ لمااستقر و لمّا كان المكوّن هو المتحقق بالتكوين و لايكون ذلك الاّ بالارتباط و لايكون ذلك في استقراره في ظله الاّ بالقاء الاثر فيه اقتضي ان‏يكون ذلك الاثر حارّاً لتحقق المثلية (المثلّثية خ‏ل) و كذا ان‏يكون رطباً للسيلان الي التكون (المكون خ‏ل) و الربط الي المكون ليتحقق الحلّ الاول المستلزم للعقد الاول الذي هو الاتحاد و لمّا كان التكون لايكون الاّ بالقبول لاثر التكوين و ذلك لايكون الاّ بالاقبال الي المقبول و الارتباط به من جهة القابل اقتضي الرطوبة مع البرودة فتمّت العناصر الاربعة الاول الحارّ اليابس و هو النار اي الفاعل الثاني الحارّ الرطب و هو الهواء و هو اثر الفاعل اي المصدر و هو المفعول المطلق و هو الهاضمة و بطن فرس و حمام مارية الثالث البارد الرطب و هو الماء و هو جهة القابلية المحضة الفتاة الغربية و البنتة (اللبنة خ‏ل) العذراء الرابع البارد اليابس و هو الارض و هو جهة حفظ القابل لفعل الفاعل و امساكه اياه و هو الارض المقدسة و الجسد الجديد هذا في اصل الكون عند التكوين الاول في ثاني الازل فلمّا اقترنت هذه العناصر الاربعة و اتصلت بهذا الترتيب و وقع اثر الفاعل علي القابل و استجنّت الحرارة الفاعلية في الاجزاء الارضية القابلة و كانت الحرارة الاصلية الاولية دائمة الاشراق علي الاراضي القابلة تهيّجت تلك الحرارة المستجنة في الاجزاء الارضية و اقبلت الي مبدئها باعانة الامدادات الفائضة من الاشراق الدائم و صحبت معها الاجزاء المائية اللطيفة المستجنة فيها الاجزاء الارضية اللطيفة بحكم المشابهة و المناسبة الذاتية فان تابوا و اقاموا الصلوة و اتوا الزكوة فاخوانكم في الدين لكن الاجزاء الارضية مستهلكة مضمحلة تكاد تفني تتلألؤ بخفق و الاجزاء المائية اللطيفة التي هي محض القابلية و الاستعداد المقابلة لفوّارة النور بسرّ الامداد مضاعفة فاصابه برد التكوّن بالتكوين ثانياً فانجمد و انعقد تحت سماء التكوين فثقل و تقاطر و نزل لحصول النسب و الاضافات المستدعية للنزول عن مقام البساطة الحقيقية فكان ماء رجراجاً و بحراً مواجاً فهذا هو الماء الاول و ان كان المصطلح عليه هو الماء الذي به حيوة الموجودات المقيدة التي هي النون و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 115 *»

الصاد و المزن المذكور انفاً.

و لو كان لك بصر حديد علمت ان هذا القول يجري في كل ماتلاحظ مخلوقيته من السرمد الي الدهر الي الزمان و بالجملة نحن نحكم حكماً كلياً فان قدرت ان‏تجريه في جميع الجزئيات فعلت ملاحظاً للصدق اللفظي و الوصف التأثيري والاّ فعلي مقدار مااستطعت و لمّاتحقق ذلك البحر الموّاج و الماء الرجراج و قابلية نار التكوين صعدت بها الابخرة و هي اللطايف المستجنة و الارواح المستكنة فتراكمت الابخرة و تطابقت و ظهرت علي هيئة اللطافة و البساطة التي هي هيئة الاستدارة و هيئة الفقر و الفاقة و هيئة الغني و الافاضة و دارت للاتصال بالمبدء بحكم المناسبة لوجود المثال الملقي في الهوية و هي الافلاك مادتها و حقيقتها و اصلها و منشأها فلمّا اختلفت مظاهر ذلك الماء و مراتبها باللطافة و الشرافة و الكثافة و الغلظة و البعد و القرب و بطلت الطفرة جري الفيض الاختراعي و الابتداعي عليها علي ذلك الترتيب فدارت العلويات علي السفليات و احاطت علي الجزئيات فاعطي اللّه بها كل ذي حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه و هذا الحكم يجري في كل دور و كور و عالم من العوالم الالف الالف فيكون الف الف افلاك و الف الف سموات و الف الف ارضين فافهم هذه مبدء الافلاك و السموات.

و اما منتهاها فاعلم انها لاتنتهي الي حدّ في حركتها و سيرها بل هي سائرة دائمة الي الابد و ان سكنت و تفككت عند ظهور سلطان الجبار و خلوص الامر للّه الواحد القهار و طي الوسايط و محو الاغيار باذهاب الغرائب و الاعراض و اندكاك جبال الانية لخلوص التوحيد في الذات و الصفات و الافعال و العبادة الا للّه الدين الخالص ثم تعود الي ماكانت عليه من الصفاء و تتحرك حركة شوقية الي خالق الاشياء و لا نهاية لذلك و لا فناء انما خلقتم للبقاء و ماخلقتم للفناء و انما تنتقلون من دار الي دار فاذا ذهبت صفوة الافلاك و الاملاك /و (زائد خ‏ل) بقيت القشور و الاعراض فتستدير ذلك دورة عرضية تبعية و تربي سوافلها المحيطة بها من القشر و العرض وهكذا الي ان‏تصفو تلك وهكذا الي ما لا نهاية له سبحان من هو ملكه دائم و سلطانه قديم لا اله الاّ هو الحي القيوم قال مولينا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 116 *»

الباقر7 ان اللّه تعالي اذا ادخل اهل الجنة الجنة و اهل النار النار يخلق خلقاً اخر من غير فحولة و لا اناث يعبدون اللّه في الارض و هو قوله تعالي أفعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد.

و اما العبارة الظاهرة في كشف هذه الافعال فلايسعني الان بيانها لتطويل المقال و تبلبل (بلبال خ‏ل) البال و عدم الاقبال الاّ ان حقيقة الامر تظهر مماذكرنا من دليل الحكمة و انما جمع السموات لبيان تعددها و هي اذا اطلقت لايراد منها في عرف اهل‏البيت: الاّ السموات السبع و قدتطلق في كلماتهم: و يراد منها غيرها كما في قوله تعالي و نزّلنا من السماء ماء مباركاً و المراد منها في هذه الاية الشريفة علي مادلّت عليه الاخبار البحر الذي في الجوّ بين السماء و الارض و قوله تعالي و ينزّل من السماء من جبال فيها من برد و يراد منها هنا ماروي عن النبي9 البحر المكفوف فوق السموات السبع بحيث يكون كلهن و من فيهن و من عليهن كحلقة ملقاة في فلاة قي و كذا في غيرهما من المواضع في كتاب اللّه و كلمات آل‏اللّه.

و محصّل هذه الاطلاقات ان السماء يراد منها جهة العلو مطلقاً و هي من اول الهواء الي اعلي الهواء في الخلق (الخلق الاوّل خ‏ل) الاّ ان السموات علي قسمين احديهما مجردة بمراتبها من العقلانية و الروحانية و النفسانية و غيرها و الثانية جسمانية و هي باتفاق العلماء و مساعدة الادلة العقلية و النقلية تسعة و هي السموات السبع و العرش و الكرسي في اصطلاح اهل الشرع و الافلاك التسعة في اصطلاح الحكماء الرياضيين و الطبيعيين و غيرهم و هم انما عرّفوها حسب مشاهدة الحركات المقدرة بالارصاد لانهم وجدوا تسع حركات مختلفة و اثبتوا لكل حركة فلكاً و جوّزوا اقل من ذلك ايضاً و اما الاكثر فامكانه لا اشكال عندهم لانهم ماقالوا الاّ ماشاهدوا بابصارهم و احساسهم من الحركات المختلفة و قديكون افلاك اخر متشابهة الحركة او بطيئة بطؤاً لاتحسّ و بالجملة ليسوا علي بصيرة في الامر لا في حصر العدد و لا في كيفية الترتيب و خصوصيته حيث ارادوا ان‏يأخذوا الحق بعقولهم و يستندوا في معرفة حقايق الموجودات علي ما

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 117 *»

هي عليه بارائهم و افهامهم و لم‏يركنوا في معرفتها الي ائمة الدين سلام اللّه عليهم فصاروا كماتري غير جازمين بامر من الامور و حكم من الاحكام كلما اضاء لهم مشوا فيه و اذا اظلم عليهم قاموا.

و اما نحن قلنا في هذه المقامات من جهة دليل الحكمة المستنيرة بنور اهل بيت‏النبوة: كلمات يطول بذكرها الكلام و نشير الي بعضها في هذا المقام مجملاً ليتنبّه (لتنبيه خ‏ل) العارف الي نوع الاستدلال.

فنقول: اعلم ان المبدء لابد و ان كان عرشاً لاستواء الرحمن و خزانة لجميع ماتستحق السوافل من الاركان و الاكوان و الاعيان والاّ لم‏يكن واقفاً بالباب بل ضرب بينهما الف حجاب و لمّا كان الباب واقفاً مقام اطعني اجعلك مثلي و روحك من روحي وجب ان‏يكون كاملاً في رتبة البساطة لمكان المشابهة علي ان الفيض لايجوز ان‏يصدر عن المبدء جزئياً لعدم سعته بل يجب ان‏يكون كلياً معنوياً محيطاً بكل الاجزاء و الجزئيات و لمّا كانت العلويات هي المبادي وجب ان‏يكون هنا فلكاً كلياً محيطاً بجميع المراتب السفلية و مهبطاً لجميع الانوار و خزانة لكل الاسرار و ذلك هو العرش مستوي الرحمن فهو اول الافلاك و اعظمها و اشرفها و ارقّها و الطفها و تنتهي اليه الحدود الجسمانية و تنقطع عنده الاشارات الحسية و يكون ذلك طبق الفلك الاعظم و العرش الاقدم في عالم التجرد او عالم الوجود المطلق فان مراتب الاختراع و مقاماتها متطابقة و ان اختلفت بالاولية و الثانوية فان الثاني دليل الاول و حكايته و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال اللّه تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق فافهم فكان المبدء الجسماني طبقاً للمبدء الروحاني و المبدء الزماني طبقاً للمبدء الدهري كما ان البيت اي الكعبة علي طبق البيت المعمور في السماء الرابعة و هو علي طبق العرش و هو علي طبق الكلمات الاربعة سبحان‏اللّه و الحمدللّه و لااله الاّاللّه و اللّه‏اكبر ثم لمّا كانت الفيوضات المستقرة في الفلك الاعلي اي عرش الرحمن معنوية كلية غيبية مجملة و لا استيهال للسوافل ان‏تتلقّيها كذلك مع امتناع ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 118 *»

مع انه لو كان كذلك لما اختلفت الاشياء و ماحصلت الجزئيات فلم‏يظهر مقام العظمة الذي هو مقام العلماء الخائفين وجب ان‏يكون لتلك الاجمالات مقام تفصيل و تلك المغيبات رتبة ظهور لتمييز الاسماء الالهية و تبيين النعم الغير المتناهية ليعلم كل اناس مشربهم و يصل كل احد مطلبهم و لمّا كان هذا المقام تحت المقام الاول الذي ظهر بالفلك المحيط وجب ان‏يكون هذا التفصيل في الرتبة الثانية الجسمية و لايكون ذلك الاّ في الفلك الثاني تحت الاول و هو فلك الكرسي مقام تفصيل العرش و كل ماكان مخفياً غيباً في العرش قدظهر في الكرسي فكان هو بمنزلة الباء للالف و النفس للعقل و هذا هو فلك البروج و فلك المنازل و قديعـدّ كل منها فلكاً عليحدة لاجراء الاحكام والاّ فهما في الحقيقة شي‏ء واحد فظهرت في هذا الفلك القوي الجزئية الاسمية المدبّرة للعالم الجسماني او مطلقاً ان كان نظرك مطلقاً من الاسم الاكبر الاعظم الكلي المتعلق بالعرش و من هنا ظهر سرّ عدم الكواكب في الفلك الاعلي و وجودها هنا مع كثراتها فتمّ الفيض الاول مجمله و مفصله و هذا هو الحلّ و العقد الاوليان باعتبار في تكوّن هذا العالم و هو رتبة المقبول.

ثم لمّا كانت الافاضة لاتتم الاّ بتمكين القابل و تهيئه للقبول والاّ لم‏يتحقق الفيض و لم‏يوجد الشي‏ء و ذلك التمكين يجب ان‏يكون من جهة المكوّن المفيض لكن بالات و اسباب تناسب المفاض عليه و توافقه و لمّا كانت تلك الالات هي جهات التدبير و التقدير وجب ان‏تكون محيطة بكل السفليات لكونها متممات لقوابلها و لاتتم الاّ بالمحاذاة بايقاع الاشعة و هي تستلزم الاحاطة فتكون افلاكاً دائرة علي القابليات و مهيئة اياها لقبول الفيض الاول علي الوجه الاكمل و وصلة بينها و بين المفيض و اقتضي (فاقتضي خ‏ل) الكون افلاكاً اخر تحت الفلكين المذكورين.

ثم لمّا كانت الاكوان خرجت مسبّعة متمايزة في التسبيع و لايتم الفيض الاّ اذا تمت قابلية تلك المراتب و لايتم ذلك الاّ ان‏يكون لكل منها مبدء متميّز فان الاثر يشابه صفة المؤثر و جهتها فالمجمل يؤثر المجمل و المفصل المفصل وجب ان‏تكون تلك الافلاك التي هي روابط ايصال الفيض و متممات قابليات المفاض عليه سبعة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 119 *»

فخلق اللّه سبحانه اولاً المبادي السبعة التي هي السموات السبع فاذا اضفتها الي الفلكين المذكورين كانت تسعة فالسموات السبع لتتميم القابلية و تكوين البنية الظاهرية و الفلكان الاعظمان للفيض الباطني و احداث المقبول.

و قدوردت الاخبار عن الائمة الاطهار صلوات اللّه عليهم بشرح اسماء السموات و قواها و طبايعها و الوانها و ثخنها و غلظها. فمنها الخبر المشهور عن ابن‏سلام انه قال للنبي9 اخبرني ما بال السماء الدنيا خضراء قال9 يا ابن سلام اخضرّت من جبل قاف قال صدقت فاخبرني ممّ خلقت قال من موج مكفوف (قال و ما الموج المكفوف) قال9 يا ابن سلام ماء قائم لا اضطراب لها و كانت في الاصل دخاناً قال صدقت يا محمّد9 فاخبرني عن السموات ألها ابواب قال نعم لها ابواب و هي مغلقة لها مفاتيح و هي مخزونة قال صدقت فاخبرني عن ابواب السماء ما هي (قال ذهب قال فما اقفالها من نور قال فمفاتيحها) قال9 بسم اللّه العظيم قال صدقت فاخبرني عن طول كل سماء و عرضها و كم ارتفاعها و ما سكّانها قال9 طول كل سماء خمسمائة عام و عرضها كذلك و بين كل سماء الي سماء خمسمائة عام و سكّان كل سماء جند من الملائكة لايعلم عددهم الاّ اللّه قال صدقت فاخبرني عن السماء الثانية مم خلقت قال9 من الغمام قال صدقت فاخبرني عن السماء الثالثة مم خلقت قال9من زبرجد (ة خضراء) قال فالرابعة قال9 من ذهب احمر قال فالخامسة قال9 من ياقوتة حمراء قال فالسادسة قال9 من فضة بيضاء قال فالسابعة قال9 من ذهب قال صدقت يا محمّد فاخبرني ما فوق السماء السابعة قال9 بحر الحيوان قال فما فوقه قال9 بحر الظلمة قال فما فوقه قال9 بحر النور قال فما فوقه قال9 الحجب قال فمافوقه قال9 سدرة المنتهي قال فما فوق سدرة المنتهي قال9 جنة المأوي قال فما فوق جنة المأوي قال9 حجاب المجد قال فما فوق حجاب المجد قال9 حجاب الحمد قال فما فوق حجاب الحمد قال9 حجاب الجبروت قال فما فوق حجاب الجبروت قال9 حجاب العزّ قال فما فوق حجاب العز قال9 حجاب العظمة قال فما فوق حجاب العظمة قال9 حجاب الكبر (ياء) قال فما فوق حجاب الكبر قال9الكرسي قال (قداوتيت علوم الاولين و الاخرين و انك لتنطق بالحق اليقين قال) فما فوق الكرسي قال9 العرش الحديث.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 120 *»

و بيان هذا الحديث الشريف و ذكر مافيه من العجائب و الاسرار يؤدي الي التطويل الاّ اني اشير الي ما هو الاهمّ و المقصود علي سبيل التلويح و الاشارة فقوله9 في السماء الدنيا هي اخر السموات و الافلاك و اقربها الي الارض و هي مبدء الصور و علة البرودة و الرطوبة و ينسب اليه المدّ و الجزر في البحر و هي (هو خ‏ل) كما قال9 موج في (من خ‏ل) البحر مكفوف اي ماء قائم فطبعها الحيوة و طعمها قال9 الماء سيد الشراب و طعمه طعم الحيوة.

و لا اضطراب لها كما يوجد في هذا الماء الموجود في الارض لخلوصه من الغرائب و الاعراض و لكونه مبدء بالنسبة اليه و المبدء خلق ساكن لايدرك بالسكون في كل مقام بحسبه.

و قوله9 و كان في الاصل دخاناً يشير الي بيان عدم تناقض قوله7 و قول اللّه عزّوجلّ حيث قال ثم استوي الي السماء و هي دخان تنبيهاً بان المادة تنصبغ بصبغ الصورة حين التحديد /بل (زائد خ‏ل) و تجري عليها احكامها و قوله9 في ابواب السماء انها من ذهب اشارة الي التأثير الي العالم السفلي باحداث الاشعة فالاشعة ابواب السماء الي الارض ينزل الفيض منها الي الارض بواسطتها فهي حارة لكونها مثال التأثير الفلكي الحارّ اليابس و رطبة لحكم السيلان و الاقتران و النسب و هي طبع الحيوة بناء علي ان الذهب حار و رطب علي ماهو التحقيق و هذا لاينافي كون بعض الاشعة باردة او يابسة او مختلفة فافهم.

قوله9 و مفاتيحها بسم اللّه العظيم يريد بهذا الاسم هو الظاهر المتجلي علي الطائف حول جلال العظمة و هو اول اسماء اللّه عزّوجلّ بعد اسمه العلي قال مولينا الرضا7فاول اسمائه العلي العظيم لانه علا علي كل شي‏ء الحديث و الاسم العلي هو الطائف حول جلال القدرة كما ان الاسم العظيم هو الطائف حول جلال العظمة فظهر الاسم في الظاهر بالطواف حول جلال القدرة و بقي علي الحقيقة في السجود في ذكره للطائف حول جلال

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 121 *»

القدرة حقيقة و العظيم للطائف حول جلال العظمة و هو قول مولينا علي7 انا الذي كتب اسمي علي البرق فلمع و علي الودق فهمع و علي الليل فاظلم و علي النهار فاضاء و تبسم فهذا الاسم العظيم هو مفتاح كل برّ و خير ففي الافلاك و السموات الجسمية بظاهر ظهوره و في السموات الباطنية الغيبية بباطن ظهوره فافهم.

قوله9 طول كل سماء خمسمائة عام اعلم ان المراد بهذا العام ليس هو العام المقدر بالتقدير اليومي المعروف اذ مااقصر هذه الايام عند مدد الافلاك و اوقاتها فلاتتقدّر بهذا التقدير و قد ورد ان نبينا9 ليلة المعراج سأل جبرئيل عن زوال الشمس هل زالت ام لا قال لا نعم ثم قال من مقدار قولي لا سارت الشمس مسيرة خمسمائة عام فان قلت ان العام يراد به علي حسب الافلاك قلت ان الافلاك تختلف فالوصف الجامع في العام هو مبادي العام من الثلثمائة و الستين درجة فكل درجة يوم من ايام كل فلك علي مقداره في الصغر و الكبر و المراد من خمسمائة مراتب الافلاك بعضها مع بعض فان كل فلك لايتصل بالفلك الاخر الاّ بخمسة افلاك فاصلة بينهما و هي الممثّل و المتممان الحاوي و المحوي في كل فلك من السبعة فتكون خمسة فان السماء التي عليها المدار و الحكم هو فلك الحامل اي الخارج المركز لا ممثّلاتها اذ الممثّل حركته حركة فلك البروج فلاتزيد عليها بشي‏ء بل يسير في كل مائة سنة درجة واحدة فالمدار و العمل علي الخارج الحامل للكواكب او التدوير و به يحصل التدبير المطلوب من الافلاك لا ممثّلاتها فان ذلك لاينفع في تكوين العالم السفلي و تدبيره الاّ بشي‏ء يسير اذ من العرش التسخير و من الافلاك الاخر التدبير فلايظهر التقدير الاّ بعد اتمام التدبير و اختلاف المدبّر بالهيئات و الاوضاع و الاحوال و الدليل علي هذا الحمل و التأويل زايداً علي ماقلنا ماورد عنه9 في حديث زينب العطّارة من ان كلّ سماء و من فيها و من عليها بالنسبة الي السماء فوقها كحلقة ملقاة في فلاة قي و في هذا الحديث الشريف ساوي بين السموات في الحجم و المقدار و الطول و العرض و ان جاز ان‏تقول ان ذلك علي نسبة سعة كل فلك و كل سماء الاّ انه كلام ليس من

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 122 *»

التحقيق فصحّ ان المراد هو الدرجات الفلكية و مدد انتقال الكواكب في كل درجة حيث تطابق درجاتها مع المكوكب و انما قال9 و عرضها كذلك لبيان اثبات انها كرة مستديرة صحيحة الاستدارة بمعونة قول اميرالمؤمنين7 و اذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد هـ و الجهات اضداد فافهم و هذا اوضح دليل علي استدارة السموات السبع لمن يفهم و يعقل.

و قوله9 و سكّان كل سماء جند من الملائكة لايعلم عددهم الاّ اللّه يريد به من جهة الجزئيات و الاشخاص و الاعوان و الخدّام و الاّ فرؤساء الملائكة في كل سماء معلومون فالفلك الاول ملكه الكلي اسمعيل و الفلك الثاني سيخائيل (شيخائيل خ‏ل) و سيمون و زيتون و شمعون و عطيائيل و السماء الثالثة سيديائيل و زهريائيل و الرابعة صاصائيل و كليائيل و شمائيل و الخامسة كاكائيل و مزقائيل (مرتائيل خ‏ل) و السادسة سمحائيل و مشوائيل (مشرائيل خ‏ل) و السابعة قرثائيل و رقيائيل و الثامنة فملائكتها كثيرة و كذلك الرؤساء الاّ انّهم يجمعهم انّهم صنفان الاول اسماء الملائكة الكلية هكذا شراحيل عزرائيل اسرائيل (اسرافيل خ‏ل) نهفائيل شراطيل شهكيل سهراليل صرصرائيل سربطائيل شمكائيل مهيكائيل (مهكائيل خ‏ل) فقبيائيل و الثاني فاسماؤهم هكذا معائيل بطائيل مهقائيل (عهقائيل خ‏ل) نهعائيل سمكائيل فقرائيل سعائيل ذوغائيل (ذرعائيل خ‏ل) شرائيل قرتيائيل (ترتيائيل خ‏ل) كليائيل جينائيل غفرائيل دخرائيل دثيائيل ذريائيل فرصائيل عروائيل هلدائيل رشائيل شرهائيل (ثرهائيل خ‏ل) لقبائيل شولبائيل (شوليائيل خ‏ل) دبليائيل دربائيل (دريائيل خ‏ل) عدبائيل (عديائيل خ‏ل) حنائيل نودبائيل (تودنائيل خ‏ل) و لهذه الملائكة اسماء اخر و عليها اعتمادي فلا بأس ان‏نذكرها و هي همقغائيل و عخائيل الذائيل و كفائيل هكثائيل و عقغائيل (عقخائيل خ‏ل) امضيائيل و فخغائيل و عضائيل بكقائيل طمثغائيل و نفائيل (نغائيل خ‏ل) احيذقائيل (احيذعائيل خ‏ل) حكذاعيل و لظغائيل (لطغائيل خ‏ل) و سخائيل و طذائيل و صنائيل (صتائيل خ‏ل) طتتائيل (طنتائيل خ‏ل) طكرائيل و مقغائيل و طخذائيل دكذائيل هلظائيل حكثائيل (حكتائيل خ‏ل) جفتقائيل (جغثغائيل خ‏ل) لسقغائيل (بسقغائيل خ‏ل) ذنقغائيل و السماء التاسعة و هو العرش و الفلك الاعظم و محدد الجهات و له ظاهر و باطن فالملائكة الظاهرة اربعة ميكائيل و اسرافيل و عزرائيل و جبرائيل و الباطنة هم الملائكة العالون

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 123 *»

الذين ماسجدوا لادم كما اخبر الحق سبحانه عنهم حين معاتبة ابليس استكبرت ام كنت من العالين و هم اربعة ايضاً الاول روح‏القدس و الثاني الروح من امراللّه و الثالث ذات‏اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي و الرابع الروح علي ملائكة الحجب و بيان حقايق هذه الظواهر مما لاتسعه الدفاتر و الاجمال يورت الاخلال و اللّه الموفق في كل حال.

و قوله9 في السماء الثانية انها خلقت من الغمام اشار بابي هو و امّي بهذا الكلام الموجز الي كل احوال الفلك الثاني فاشار بالغمام الي ان طبعها بارد رطب مختلطة باليبوسة الهبائية الممتزجة بالهواء فظاهرها البرودة و اليبوسة الذائبة الغيرالمنجمدة و باطنها الحرارة و الرطوبة و لمّا كانت مجاورة للسماء الاولي التي هي البرودة و الرطوبة خفيت الحرارة فصار طبعها طبعاً سيالاً ينقلب مع كل ذي‏طبيعة لاجتماعها الطبايع السيالة كالغمام قال الشاعر:

عاشر اخا ثقة تحظي بصحبته فالطبع مكتسب من كل مصحوب
كالريح اخذة مما تمرّ به نتناً من النتن او طيباً من الطيب

فعلي مابيّنا ظهر لك وجه الجمع بين كلمات علماء اهل هذا الشأن فمنهم من قال انها باردة يابسة و منهم من قال انها باردة رطبة و اهل الحروف ذكروا لها طبيعتين لظاهرها طبيعة التراب و لباطنها طبيعة الهواء و بعض اهل النجوم قال انها ليست لها طبيعة خاصة فمع كل طبيعة تأخذ طبيعته و ان ارتفع التناظر فينظر مقارنتها مع البروج و هم و ان قالوا ذلك في عطارد الاّ انه لا فرق بين الكوكب و فلكه في الطبيعة الاّ ان في الكوكب اقوي مما في الفلك و قول النبي9 اتي بياناً جامعاً لكل هذه المذاهب و شرحاً لحقيقة هذا الكوكب و الفلك و انه سماء الفكر و انه للكتّاب و اهل (ارباب خ‏ل) القلم كمانذكر ان شاء اللّه.

و قوله9 في السماء الثالثة انها خلقت من زبرجد لان

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 124 *»

باطنها حارّ رطب و لونه الصفرة و ظاهرها بارد يابس علي ماذهب اليه بعض اهل الحروف و لونه السواد و الزبرجد يطلق علي هذا اللون.

و قوله9 في الرابعة انها خلقت من ذهب يريد بالذهب (بالذهب هو خ‏ل) الطبع الذاتي له اولاً فانه انما يتكوّن بنظر الشمس حتي قال بعضهم ان طبيعته (طبعه خ‏ل) حارّ يابس لمشابهة الاثر مع مؤثره و الذي يقول ان طبعه حارّ رطب كما هو التحقيق يقول ان ما من الشمس هو الحرارة و اليبوسة و الرطوبة انما هي من المكان الذي يتولد فيه فطبعه الاصلي هو الحرارة و اليبوسة المعتدلة كما في الفلك الرابع و اما صفرة الذهب فكصفرة نور الشمس لاختلاطه بالابخرة الرطبة و كذا لاختلاط الذهب مع الرطوبة الارضية كالمرّة الصفراء و مقتضي هذه الامور كلها الحمرة كما قرّر في العلم الطبيعي.

قوله9 فالخامسة من ياقوتة حمراء علي مقتضي ظاهر السماء فان الفلك الخامس له جهتان بظاهره حارّ يابس لونه احمر شديد الحمرة نحس اصفر (اصغر خ‏ل) و بباطنه بارد رطب كما قرّر في علم الحروف و هو بباطنه سعد و بظاهره نحس و بظاهره ياقوتة حمراء و بباطنه درّة بيضاء و لذا يعبّرون عند الاشارة الي كوكب المريخ صاحب السماء الخامسة يقولون انه شيخ كبير قاعد علي كرسي من الدم اذ سنّ الشيخوخة يقتضي تزايد البرودة و الرطوبة لتقليل الحرارة الغريزية التي في سنّ الشباب و كونه علي كرسي الدّم اشارة الي ان هذه الحرارة انما هي لاحقة له عارضة عليه و ليست ذاتية له كما في قوله عزّوجلّ فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و ننزّل من القرءان ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً.

قوله9 فالسادسة من فضّة بيضاء علي ظاهره لان السماء السادسة هي سماء المشتري و هو بارد رطب الاّ ان في باطنه اجزاء حارّة لتقوية الحيوة كالفضة فان في باطنها جزء من الحرارة و لذا اذا ارادوا ان‏يصنعوا اكسير الفضة يأخذون جزئين من الفتاة الغربية و لبنة العذراء و جزء واحداً من الفتي الشرقي و هو شي‏ء يشبه البرقا و جزء من الانفخة و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 125 *»

هو القاضي الذي يشير اليها (اليهما خ‏ل) بالتراضي فينفخون في المجموع بريح الجنوب فينعقد فضّة صافية يؤثر فيها فقوله9 فضة بيضاء يشير الي حقيقة الامر في هذه السماء و هذا الفلك لانهم سلام اللّه عليهم يتكلمون عما هو الواقع الاولي فافهم ان كنت تفهم.

قوله9 فالسابعة من ذهب و هو يشير الي باطن تلك السماء لا ظاهرها فان ظاهرها بارد يابس طبع الموت و هو نحس الاكبر (اكبر ظ) لابناء الدنيا و اما باطنها حارّ رطب كما صرّح بذلك علماء الحروف و دلّ عليه العقل و الوجدان و الحارّ الرطب لونه الصفرة كالذهب فانه حارّ رطب علي الاصح مطابق (طابق خ‏ل) لونه طبعه و لذا شبّهه9بالذهب مراعاة لباطن الامر لان السماء السابعة و كوكبها منسوبتان الي علي7 و هو7عذاب علي الكافرين و موت لهم و حيوة و رحمة علي المؤمنين كما في الزيارة السلام علي نعمة اللّه علي الابرار و نقمته علي الفجّار و لمّا ظهر طبع الباطن في طبع ظاهره ظهرت الحمرة المائلة الي السواد في الكوكب و هو النجم الثاقب و مرادي بالباطن و الظاهر ليس هو الغيب و الشهادة و الجسد و الروح و انما المراد بهما الذاتية الاصلية و العرضية الفرعية كما قال عزّوجلّ باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و ليس البر ان‏تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقي و اتوا البيوت من ابوابها.

قوله9 فوق السماء السابعة بحر الحيوان الي آخر الحجب بيانه علي وجوه كثيرة و ليس لي الان اقبال لبيان كلها او اغلبها او ادقها و اعظمها و انما اذكر وجهاً واحداً من تلك الوجوه حسب مايظهر في بادي النظر.

فنقول قوله9 بحر الحيوان يريد به البحر المكفوف الذي كل السموات السبع و الارضين السبع و من فيهن و من عليهن عنده كحلقة ملقاة في فلاة قي و ذلك البحر هو ينبوع الثلوج و الامطار و فيه جبال البرد و به فسّر قوله تعالي و ينزّل من السماء من جبال فيها من برد و القمر انما يأخذ من ذلك البحر اي من صفته فهو بحر عند استمداد القمر منه بواسطة الشمس و جبل بالنسبة الي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 126 *»

مقامه و هذا معني مكفوفيته و لذا ورد في القرءان بعنوان الجبل و في الاخبار بعنوان البحر و الحيوة انما نسبت اليه لكون القمر الذي هو العلة الصورية التي بها الحيوة مستمداً منه.

قوله9 و فوقه بحر الظلمة يريد بالظلمة الهواء كما في حديث زينب العطّارة و يريد بها السماء الثامنة و هي فلك الثوابت و البروج و المنازل من حيث هي و عبّر عنها بالظلمة لكونها عالم الكثرة و هي تستلزم السواد و هو قوله صلوات اللّه عليه عليكم بالسواد الاعظم و الظلة (الظلمة خ‏ل) الخضراء و حجاب الزبرجد و حجاب الزمرد و كل ذلك يريدون: به الكثرة المستلزمة للسواد المختلطة بالوان اخر او باقية بصرافة سذاجته.

قوله9 بحر النور يريد به البهاء الجسماني في العالم الظلماني و ذلك ليس الاّ العرش محدد الجهات الجسمانية الحسية و هو نور لخلوصه من ظلمة كثرات الكواكب و كونه مهبطاً للانوار الالهية القدسية و محلاً لاستواء الرحمن في العوالم الجسمية و مثالاً للعرش الاعظم الاعلي.

قوله9 الحجب اقول هذه المراتب التي سيذكر (ستذكر ظ) كلها انوار متصلة بالاجساد الفلكية و لا شك ان الانوار مقامها اعلي من الاجساد فلمّا فرغ9 من بيان مراتب الاجساد اراد ان‏يبيّن مراتب الارواح و الانوار فاشار الي الانوار المتعلقة بالسماء الاولي و هي في عالمها و صقعها بالحجب لتعدد المتعلقات (التعلقات خ‏ل) حيث ان لها اربعة افلاك و علي كل فلك قدتعلق نور من الانوار و هو واسطة لايصال الفيض من المبدء اليه و منه الي ماتحته فهو الحجب بجميع مراتبه و الواسطة بين الممدّ و المستمدّ فان المبادي كلها تنتهي الي السماء الاولي و لذا كانت هي سماء الحيوة المتحققة بالصورة الشخصية فالصورة حجاب المادة و لمّا كانت الشمس هي العلة المادية و هي /جهة (زائد خ‏ل) الفاعل و المبدء و القمر هو العلة الصورية و الحجاب انما هو بالصورة فان بالمادة من غير الارتباط بالصورة وصال و اتصال و بالصورة كائنة ماكانت حجاب و فراق و انقطاع او ان الظاهر بالصورة حجاب للحقيقة و هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 127 *»

الفلك اخر مراتب الصور في المبادي العليّة العالية و لذا يستنطق من الحروف الطاء مع كماليها الشعوري و الظهوري اثباتاً لمقام فيها يفرق كل امر حكيم اي امام حكيم بعد امام حكيم و الكمال الشعوري للطاء «فا» و الكمال الظهوري لها «مه» فاذا جمعتهما مع الطاء يكون المستنطق فاطمة صلوات اللّه عليها و علي ابيها و بعلها و بنيها فافهم السرّ الحقيقي و كن به ضنيناً.

قوله9 سدرة المنتهي يريد بها النور المتعلق بالفلك الثاني و السماء الثانية و علي هذا يكون هذا النور المتعلق بهذا الفلك اخر مراتب السدرة و اما اعلاها فهو (ففي خ‏ل) الكرسي التي يأتي ذكره ان شاء اللّه و بينهما من المراتب كلها مراتب اغصانها الكلية و الجزئية و اوراقها و اوراق اوراقها وهكذا الي ما لا نهاية له و انما اختص هذا الفلك بهذه المرتبة لكونه فلك الفكر المتقلب في الاشياء و ظهور الكثرة فيها و لذا كان التحير الذي هو الاقامة و الاستقامة و الرجعة فيه اكثر من غيره و له اوجان و حضيضان بخلاف غيره و هو مع كل طبيعة يميل الي طبيعته و امثال ذلك من التقلّبات المتشعّبة من اصل واحد كالشجرة مع ان هذا الفلك هو كاتب الكرسي فانتهت السدرة اليه فافهم.

قوله9 جنة المأوي يريد بها النور المتعلق بالسماء الثالثة و هي محل الطرب و العيش و الفرح و الحسن و الجمال و الغناء و النغمات المطربة و امثالها من انواع النعيم و هذه ظاهر الجنة الحقيقية الظاهرة كالسدرة حرفاً بحرف.

قوله9 حجاب المجد يريد به النور المتعلق بالفلك الرابع اذ له العلوّ علي كل الافلاك السبعة و هو العرش الثاني في العالم الجسماني و هو باب الوجود و منه مواد الموجود و باقي الافلاك تستمد منه و هو يمدّها باوائل جواهر علله و لذا سمّاه9 حجاب المجد و انما سمّاه حجاباً لكونه ليس الاّ حكاية مثال المبدء فكان حجابه و بابه و ليس المراد منه ماذكرنا في الفلك الاول الذي هو التاسع اولاً.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 128 *»

قوله9 حجاب الحمد يريد به النور المتعلق بالفلك الخامس من حيث باطنه لكونه من تلك الحيثية رحمة عظيمة علي المواد السفلية و الرحمة الواسعة (الواسطة خ‏ل) هي الحمد كما ذكرنا سابقاً مراراً فراجع تفهم ان شاء اللّه تعالي لان مرجع الرحمة الي الولاية و هي لواء الحمد قال9 اعطيت لواء الحمد و علي حاملها قال تعالي هنالك الولاية للّه الحق.

قوله9 حجاب الجبروت يريد به النور المتعلق بالفلك السابع فانه حجاب الجبروت الذي هو النور الاعظم الذي حامله روح‏القدس و هو ملك له رؤس بعدد رؤس الخلايق و هذا ظاهر ان شاء اللّه تعالي و نسبة هذا الحجاب الي الجبروت نسبة الدماغ الي القلب.

قوله9 حجاب العزّ يريد به النور المتعلق ببحر الحيوان و هو جبال البرد كما ذكرنا سابقاً و انما عبّر عنه بالعزّ لان كل ماتحته مستمدّ منه و مستقهر لديه و له هيمنة عليه فكان عزيزاً منيعاً غالباً.

قوله9 حجاب العظمة يريد بها النور المتعلق بفلك الثوابت و فلك البروج و فلك المنازل و الوجه هنا ظاهر و قدتكرّر منّا في هذا الشرح مايدلّ علي ذلك فان العظمة مقام الظهور مشروح‏العلل و مبيّن‏الاسباب و تجلّي الاسماء الفعلية الالهية ظاهرة مفصّلة كلية و جزئية نوعية و شخصية كما ظهرت العظمة في باء بسم اللّه الرحمن الرحيم و لذا شرع التسبيح باسم اللّه العظيم في الركوع فافهم.

قوله9 حجاب الكبر يريد به النور المتعلق بمجموع الافلاك و السموات الجسمانية فان الكبرياء هي الظهور في العالم الادني الاضافي و حكم المجموع كالشجرة غير حكم كل واحد كالغصن و الورقة فالكبرياء هي النور المقوّم لكل هذه الكرة من حيث هي و مثال البحر الحيوان في الانسان كالحرارة الغريزية الظاهرة بالدم الاصفر المتخلّلة في تجاويف القلب و الظلمة هي البخار اللطيف الغيرالمحسوس في تجاويف القلب الذي يعبّر عنها الاطباء بالروح الحيواني و بحر النور هو الروح القديمة التي هي عبارة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 129 *»

عن الخلق الاخر في قوله عزّوجلّ ثمّ انشأناه خلقاً اخر و هذه الحجب جهات تجليات تلك الروح من حيث كونها حاملة لظهور اسم من اسماء اللّه تعالي بصفة من صفاته.

قوله9 الكرسي يريد به مبدء السدرة المنتهي (سدرة المنتهي ظ) و جنة المأوي و نهايات الاشياء و هو نور الستر الظاهر بظهوره في الفلك الثامن نفسه لا من حيث البروج و المنازل كما تقدمت اليه الاشارة و هو ذات اللّه العليا و النفس التي لايعلم مافيها عيسي7 و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لم‏يشق ابداً و من لم‏يعرفها ضلّ و غوي و الاضافة في ذات اللّه لامية تمليكية يعني ذات مملوكة للّه سبحانه و هي اعلي الذات (الذوات خ‏ل) المملوكة و اشرفها و هي سرّ بسم اللّه الرحمن الرحيم و باؤها.

قوله9 العرش يريد به القطب الاعظم و النور الاقدم و علم الكيفوفة و مصدر البداء و علل الاشياء علي حسب مراتبه و اركانه و انواره و اسراره و امداداته الي غيرها من الاحوال التي لو تصدّينا لشرحها لادّي الي التطويل فاكتفينا بالاشارة لاهل التلويح و هذا الحديث الشريف صلّي اللّه علي قائله جمع اصول مراتب المطويات (العلويات خ‏ل) ممايطلق عليه السموات في الظاهر و الباطن بطبايعها و الوانها.

و اما اسماء السموات فعن اميرالمؤمنين7 ان اسم السماء الدنيا رفيع و هي من ماء و دخان و اسم السماء الثانية قيدوم و هي علي لون نحاس و السماء الثالثة اسمها الماروم و هي علي لون الشبه و السماء الرابعة اسمها ارفلون و هي علي لون الفضة و السماء الخامسة اسمها هيعون و هي علي لون الذهب و السماء السادسة اسمها عروس و هي ياقوتة خضراء و السماء السابعة اسمها عجماء و هي درّة بيضاء انتهي([4]) و اهل الحروف ذكروا لكل سماء اسماً اخر و قالوا ان السماء السابعة اسمها عجويبا و السماء السادسة اسمها بريقا و الخامسة عرتقا و الرابعة افلون و الثالثة ماعون (مامون خ‏ل) و الثانية برقيد و الاولي برقيقا.

و لاتتوهّم ان قول اميرالمؤمنين7 في السماء الثانية انها علي لون النحاس ينافي ماتقدم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 130 *»

من تلويح الحديث و مااتفق عليه اهل الفلك من ان طبعها بارد يابس او بارد رطب او حار رطب كما عن اهل الحروف و لايقتضي احد من هذه الطبايع لون النحاس لانه حار يابس في الثالثة لانا نقول ان لون النحاس هو الحمرة الاّ انها علي ثلثة انواع فيه احدها حمرة تميل الي البياض و ثانيها حمرة تميل الي الصفرة و ثالثها حمرة تميل الي السواد و انت قدعلمت ان في طبع ذلك الفلك رطوبة سيالة و هو في باطنه حار رطب فباطنه يقتضي الصفرة و ظاهره يقتضي البياض او السواد فاذا اجتمع البياض و الصفرة تحدث عنهما الحمرة فان نظرت الي ظاهره من جهة السواد بملاحظة البرودة و اليبوسة يكون اللون حينئذ حمرة تميل الي السواد لان البرودة و اليبوسة مختلطة مع البرودة و الرطوبة فافهم و ان نظرت الي خفاء الحرارة فيه و استجنانه و عدم ظهوره الاّ قليل تكون الحمرة الي البياض اقرب و لك ان‏تجعل لون النحاس اشارة الي الخضر من جهة زنجاره كما ورد التصريح به في بعض الروايات في المولود الفلسفي و زنجار النحاس الاخضر فحينئذ يكون المراد بيان لونه من جهت ذاته و رتبته و فعله فانه اخر مراتب السدرة المنتهي التي تغرّد علي اغصانها طيور اخضر.

و اما بيان قوله7 في السماء الرابعة انها علي لون الفضة مع ان لونها الحمرة علي مقتضي طبيعتها من الحرارة و اليبوسة و لم‏يذكروا لها طبيعة اخري و الفضة لونها البياض علي مقتضي طبيعته التي هي البرودة و الرطوبة و هذا نقيض ما هو المعروف من الشمس و الامام7 مايقول الاّ الحق و المعروف عندهم ايضاً حق لدلالة العقل و النقل و الوجدان و المشاهدة فاعلم ان الشمس التي هي صاحب السماء الرابعة لها احوال منها حال مبدئيتها و انها اصل و منشأ للافلاك الستة الباقية و هي منها نشأت و عنها برزت و اليها عادت و منها حال كونها ظاهر العرش المركّب من الانوار الاربعة المعروفة من النور الابيض و النور الاصفر و النور الاخضر و النور الاحمر و منها حال كونها مربية للمواد و مفيضة علي الاستعداد و كل هذه احوال ذاتية حقيقية يترتّب عليها احكام ظاهرية و باطنية فالحالة الاولي تقتضي البساطة و سلب الاضافة و رتبة القهارية

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 131 *»

فاذا اردنا ان‏ننسب اليها لوناً في هذه الحالة مايليق لها الاّ البياض لانه ابسط الالوان و اشرفها حتي قالوا انه ذاتي و ليس بلون و هذا هو لون المبدء و قدظهر هذا اللون من الشمس أَوَ ماتري بياض النهار خصوصاً الصبح الكاذب و الصادق و لا شك ان بياض النهار و الصبح ليس الاّ من الشمس و قد صرّح بذلك مولينا علي بن الحسين7 في حديث الوان (انوار خ‏ل) العرش الي ان قال7 و نور ابيض منه البياض و منه ضوء النهار فعلي هذا فالمناسب للتعبير هو لون الفضة التي في الغاية و النهاية في صفاء البياض و الحالة الثانية حالة الامتزاج و قوة التركيب المستلزم (المستلزمة خ‏ل) للاعاجيب فاذا اردنا ان‏ننسب اليها اللون في هذه الحالة نعبّر عنها بالوان الطواويس و هو كماتري من ضوء الشمس اذا نظرت اليها تحت حجاب اسود فانك تري الواناً مختلفة من الحمرة و الصفرة و الخضرة و الحالة الثالثة تقتضي الحرارة و اليبوسة للتصعيد و التجفيف (التخفيف خ‏ل) و نضج المواد و ظهور مثال الفاعل فيه الظاهر يوم الرجعة فان الناس يرون جسد اميرالمؤمنين7 في عين الشمس فاذا اردنا ان‏ننسب اليها اللون في هذه الحالة نعبّر عنها بالحمرة او الذهب او امثال ذلك و هذا كما تري من ظهور الحمرة المشرقية و المغربية عند تكاثف البخار او تراكم السحاب المزجي قبل ان‏يتراكم فعلي هذا فلا تنافي و لا تعارض بين الاخبار و الروايات و كلمات سادة البريات.

و قوله7 في السماء السادسة انها من ياقوتة خضراء يشير به الي حقيقة الامر في ذلك فان السماء السادسة هي سماء العلم و هو النور الاخضر الذي في الحديث المتقدم و النور الاخضر الذي منه اخضرّت الخضرة.

و قوله7 في السماء السابعة انها من الدرة البيضاء قد قال في الحديث المتقدم انها من الذهب يشير به ايضاً الي الواقع لان السماء السابعة سماء العقل و لا شك ان العقل نور ابيض فصح التعبير بالدرّة.

روي علي بن ابرهيم عن ابيه عن الحسين بن خالد عن ابي‏الحسن الرضا7 قال قلت له اخبرني عن قول اللّه عزّوجلّ و السماء ذات الحبك فقال محبوكة الي الارض و شبّك بين اصابعه فقلت كيف تكون محبوكة الي الارض

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 132 *»

و اللّه تعالي يقول رفع السماء بغير عمد فقال سبحان اللّه أليس يقول بغير عمد ترونها قلت بلي قال فثمّ عمد ولكن لاتري فقلت و كيف ذلك جعلني اللّه فداك؟ قال فبسط كفّه اليسري ثمّ وضع اليمني عليها فقال هذه ارض الدنيا و السماء الدنيا فوقها قبة و الارض الثانية فوق السماء الدنيا و السماء الثانية فوقها قبة و الارض الثالثة فوق السماء الثانية و السماء الثالثة فوقها قبة ثم هكذا الي الارض السابعة فوق السماء السادسة و السماء السابعة فوقها قبة و عرش الرحمن فوق السماء السابعة و هو قوله تعالي خلق سبع سموات و من الارض مثلهنّ يتنزّل الامر بينهنّ فاما صاحب‏الامر فهو النبي9 و الوصي من بعده قائم هو علي وجه الارض و انما يتنزّل الامر اليه من فوق السماء من بين السموات و الارض قلت فماتحتنا الاّ ارض واحدة قال7 و ماتحتنا الاّ ارض واحدة.

و اما مقدار السموات و سعتها و مركز جرمها و وزنها و سعة دائرتها و ابعادها فهي مذكورة في كتب القوم فليراجع اليها اذ ليس في ذكرها هنا لنا مزيد فائدة اذ لسنا بصدد ذكر اقوال العلماء فما هو منسوب اليهم موكول الي كتبهم.

قوله7 خلق السموات بلا دعائم يريد به دعامة غير ذاتها عرضية لها كما في دعامة البيت حيث لايستقرّ بدونها و هو كذلك فان هذه الحاجة من جهة ضعف البنية و خلطها مع طبيعة غيرها فاذا ارادوا رفعها الي احد مرتبة بسائطها لايمكن الاّ بدعامة ارتباطها الي الجهة الاخري ألاتري الجماد من المركبات فانه لايمكن رفعها و تصعيدها الاّ باسطوانة رابطة بين الجهتين جهة العلو من جهة الهواء و النار و جهة السفل من جهة التراب و الماء هذا اذا كانت الغلبة لاحدي الجهتين و اما التساوي من جميع الجهات فالاطباء و الحكماء علي امتناعه لاستلزام عدم المكان و اما نحن فعلي جوازه و امكانه و وقوعه في الحضرة المحمدية9 كما وصفه اللّه سبحانه بذلك حيث قال تعالي و انك لعلي خلق عظيم و مكانه ايضاً في الوسط و هو رتبة القطبية و خلوص مقام الفقر الذي كان يفتخر به و حدوث الكرة المصمتة الصحيحة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 133 *»

الاستدارة و هذا كمال رتبة العبودية و لذا لمّا اراد اللّه سبحانه وصف تلك الحضرة فحكي عنها بلسانها بقوله عزّوجلّ اياك نعبد و اشهد انّ محمداً عبده و رسوله و لذا (فلذا خ‏ل) كانت تلك الحضرة المقدسة هي الاسم الاعظم الذي ينجذب اليه كل شي‏ء و ينفعل له كل شي‏ء لاعتدال المزاج و بلوغه رتبة السراج الوهّاج و اما اذا غلبت احدي الجهتين فالحكم للغالب مكاناً و زماناً و وصفاً و حكماً لكن فيه ملاحظة ارتباط مع الجهة الاخري و اما اذا خلصت عن الاعراض و الغرائب و بلغت رتبة البساطة فهي في مركزها تدور و لايلتفت و لايميل و لايرتبط لشي‏ء ابداً في تقوّمه اصلاً فلايحتاج الي الدعامة لقوله عزّوجلّ و ما منّا الاّ له مقام معلوم فلمّا كانت السموات في كمال بساطتها و شرفها و علوّها و خلوصها عن تدنّس السفليات فهي في مقامها من غير دعامة تسبّح اللّه سبحانه بسبعين الف الف لغة كل واحدة لاتشبه الاخري فاقامها اللّه سبحانه مقامها و ادارها حول مركزها فهي دائمة الحركة بمدد اللّه سبحانه الي جهة (جهات خ‏ل) امدادها و استمدادها الي ما لا نهاية و لها دعائم ذاتية و هي امر اللّه الذي قام به كل شي‏ء قال سبحانه و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره قال7 كل شي‏ء سواك قام بامرك و هو العمد التي لايرونها قال تعالي رفع السماء بغير عمد ترونها و تلك العمد هي باب فيض اللّه من المبدء اليها اي السموات فتقوم بذلك بمادتها و صورتها و تلك العمد هي العضد و الركن قال7 في الدعاء اعضاد و اشهاد و قال عزّوجلّ و ماكنت متّخذ المضلّين عضداً فدلّت الاية بمفهومها علي انه سبحانه اتخذ الهادين عضداً لخلقه و العضد هو الدعامة الاّ ان هذه الدعامة حكم ذاتي حقيقي لاتدرك بالحواس الظاهرة بل و لا الباطنة ايضاً و انما تدرك بعين اللّه سبحانه و طرفه الذي يري به نفسه و خلقه قال تعالي و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس و ذلك النور هو قول رسول‏اللّه9 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه و ذلك النور هو نفس الدعامة قال7 ان اللّه خلق المؤمن (المؤمنين خ‏ل) من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امّه ابوه النور و امّه الرحمة الحديث و هذه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 134 *»

الدعامة هي قول اللّه سبحانه للشخص الست بربكم فافهم السرّ.

قوله7 و اقامها بغير قوائم يريد مقام الاصدار فان قيام الشي‏ء بالشي‏ء له اربع مقامات شرحناها مفصّلاً في تفسيرنا علي اية الكرسي عند قوله تعالي الحي القيّوم و الاشارة اليه ان القيام اما قيام صدوري و هو قيام الاثر بالمؤثر و المعلول بالعلة كل واحد في رتبة مقامه او قيام تحقّقي ركني عضدي و هو قيام الشرايط بمشروطاتها و اللوازم بملزوماتها و الصور بموادها و العروق باصولها او قيام ظهوري كقيام اشعة الشمس بالارض و قيام الصورة بالمرءاة و قيام الصفة بالموصوف او قيام عروضي كقيام الالوان و الاعراض بالاجسام. فقيام الاشياء بفعل اللّه سبحانه قيام صدوري ليس بينهما اتصال و لا انفصال و لا تباين و لا تناسب و لا تضاد و لا توافق و لا اجتماع و لا افتراق و لا غيرها من الاحوال المتعلقة بالخلق الظاهرة لان فعله سبحانه قد سبق هذه الاشياء كلها فلايوصف بها و لايجري عليه ماهو اجراه و قيام الاشياء بموادها و صورها قيام ركني عضدي اي كل واحد منهما عضد و دعامة مستقلة في تكوّنه و اصداره و انصداره و هذا القيام يشترط فيه التناسب و التوافق و الاتصال و عدم البينونة الافتراقية (الاقترانية خ‏ل) و قيامها بمظاهرها اي قيام المبادي و العلل الظاهرة باركان ظهورها التي هي نفس معلولاتها و عين اثارها قيام ظهور و هو قوله عزّوجلّ فخلقت الخلق لكي‏اعرف و هذا هو السرّ في معمولية الفاعل للفعل في قولك «ضرَب زيد عمراً» فان زيداً مرفوع علي الفاعلية و العامل فيه هو ضرب و هو فعله فافهم.

فالموجودات علي اقسام و انحاء منها مايحتاج الي الغير و يقوم به في هذه القيامات الاربعة و هو اضعفها و ادناها كالالوان و منها مايحتاج الي المقوّم في الثلثة كالوجود المقيد باسره فان كل واحد من اجزائه و جزئياته متقوّم بمادته و صورته قيام تحقق و عضد و ركن و بعلّته و مصدره و موجده قيام صدور و مادته متقومة بصورته قيام ظهور و صورته متقوّمة بمادته قيام تحقق و قيام عروض ايضاً علي اعتبار و هذه الموجودات تختلف احوالها و اوضاعها في

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 135 *»

اللطافة و الكثافة بحسب قلّة الافتقار الي حدود الصورة و اجزائها و متمماتها و كثراتها (كثرتها خ‏ل) و الي تركّب المادة و بساطتها فالمفتقر الي المادة البسيطة اشرف و اعلا من المفتقر الي المادة المركبة و المركبة بالتركيب الاول اعلا و اشرف من التركيب الثاني و كذا الصورة وهكذا الي ما لا نهاية له بحسب الاكوار و الادوار و الاطوار و الاوطار و هذان القسمان من الموجودات لا رجحان لوجودهما و كونهما لانهما متوقّفان في الكون الوجودي العيني الي الشرائط الخارجة عن حقيقة ذاتهما فان وجدت الشرايط وجدا والاّ عدما بالعدم الاضافي الامكاني و منها ما لايحتاج الاّ الي الواحد و هو المصدر خاصة و لايترتّب وجوده علي شرط و حكم خارج عن حقيقة ذاته كالامكان الراجح و الوجود الراجح و اللّه سبحانه لمّا استوي برحمانيته علي العرش فاعطي كل ذي حق حقه فاعطي ذي‏الاربعة و ذي‏الثلثة حقهما و ظهر بنوره سبحانه و تعالي في ذي‏الواحدة فتجلي له به و اظهر امثاله و ايته و دليله فيه فهو فاعليته فيه و في الاشياء و هو فاعل الفعل اللازم الذي لايتعدي الي المفعول‏به الاّ بامر خارج عن حقيقة ذاته فالسموات ان كان المراد بها سموات عالم الاطلاق فالقوائم و الاعضاد كلها منتفية هناك مماتري و مالاتري لان تلك هي افلاك الانوار التي تمحي بها الاغيار و القوائم اغيار و هي تستلزم الاكدار قال مولينا سيدالشهداء و الصديقين روحي فداه محقت الاثار بالاثار و محوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار فتدور تلك السموات دورة متوالية لا الي نهاية لا بل ليس هنا توالي و عدمه و انما تدور علي قطبها لا الي جهة و لذا كانت الجهات كلها جهاتها قال تعالي فاينما تولّوا فثمّ وجه اللّه قال الحجة عجّل اللّه فرجه و جعلني فداه و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان الخ فلو كان لتلك المقامات جهة و مكان لكان لها تعطيل و تلك السموات هي التي سمع ايوب صوت حركة (حركات خ‏ل) افلاكها سماعاً جزئياً و لم‏يطق حتي شكّ و بكي و قال هذا امر عظيم و خطب جسيم فاوحي اللّه تعالي اليه مااوحي و ابتلاه اللّه سبحانه ماابتلا به كما هو مفصّل في حديث سلمان و يأتي بيانه ان شاء اللّه مفصلاً مشروحاً و تلك السموات لا محور لها اذن لا غاية لسيرها و لا نهاية لكرّها سبحان من هو ملكه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 136 *»

دائم لايزول.

و ان اريد بها سموات عالم التقييد علي ما هو المحقق عندنا لا علي مايعرفون من معني الاطلاق و التقييد فتلك السموات لها دعائم ذاتية غير مرئية و هي مواد وجوداتها و ذوات اعيانها و اكوانها السائرة لا الي جهة المسخرة لها اليها لان تلك رشح تلك السموات و دليل ذلك العالم البحت البات و صورها و اشباح هياكلها و امثالها السائرة الي جهة لكون سيرها الي المحور و علي المحور فحدث لها قطبان قطب جنوبي و قطب شمالي فيكون لها مشرقان فهنالك (فهناك خ‏ل) التدبير لحكم التقدير و لمّا كانت تلك الاشباح و ان كانت كما قال اللّه عزّوجلّ و طبيعتك خلاف كينونتي لكنها علي ماقال سبحانه كما في الحديث القدسي اني جعلت معصية ادم سبباً لعمارة الدنيا كانت تلك الاشباح حجباً رقيقة و استاراً دقيقة لاتمنع من نفوذ النور من عالم السرور فاستولي عليها حكم ذلك الصقع فخرجت مشابهة له و حاكية عنه فظهرت بهيئة الاستدارة لبيان العبارة (العمارة خ‏ل) فاستدارت علي نفسها في مركزها من جهة مبدئها و خالقها و ماارتبطت بشي‏ء اخر غيره فاقامها اللّه سبحانه مقامها و ماربطها بقائمة و دعامة غيرها و تفضل عليها بالتأثير لانها وصلت مقام اجعلك مثلي حيث عملت علي مقتضي الاولي اطعني و هذا معني قولهم احسن الاشكال شكل المستدير فصارت السموات مرتفعة ظاهراً و باطناً بغير قوائم.

و حيث ان مولينا و امامنا الرضا7 اثبت لها قوائم و دعامة و استدلّ بمفهوم الصفة و اشار الي حجيته في قوله تعالي رفع السموات بغير عمد ترونها فلا بأس ان‏نشير الي قوائمها الغيرالمرئية. فنقول ان الدعامة العظمي و القائمة الكبري لكل السموات و مافيهن و مابينهن و مافوقهن و ماتحتهن هو امر اللّه سبحانه القائم به كل شي‏ء و هو الجوهرة الالهية و اللطيفة الاكسيرية السارية في كل اكوان البرية قال اميرالمؤمنين7 و ان من شي‏ء الاّ و فيه منه اصل او فرع و هذا مادة الاكسير و يصلح للتعلق بكل اسم لكل فلز من فلزات العالم و السماء السابعة لها دعامة من تلك الدعامة الكبري الاّ انها من الدرة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 137 *»

البيضاء و السماء السادسة لها دعامة من الزمردة الخضراء و السماء الخامسة لها دعامة من الياقوتة الحمراء و السماء الرابعة لها دعامة من الذهب و السماء الثالثة لها دعامة من العقيق الاصفر و السماء الثانية لها دعامة من الحديد المزعفر و السماء الاولي لها دعامة من الفضة البيضاء الصافية و هذه هي دعائم الافلاك و قوائمها الاّ انها ليست مستقيمة و انما هي مستديرة و كل ذلك صفة العمود الذي من النور عند اهل البيت المعمور (بيت المعمور خ‏ل) لان اللّه تعالي يعطي وليّه عموداً من نور يري به اعمال الخلايق في تكوينهم و تشريعهم و ذواتهم و صفاتهم و قراناتهم و اعتباراتهم حين التكوين و قبله و بعده و ذلك العمود هو اول ظهور النور الامري و هو دعامة العرش و قائمته فافهم والاّ فاسلم تسلم.

ثم اعلم ان المتبادر من القوائم هو الاربعة اذ ذات القوائم هي التي كل اضلاعها تكون قائمة و هذه لم‏يتحقق الاّ في المربع فتعليق الامام7 الاقامة بالقوائم اشارة الي ان الشي‏ء لايقوم ظاهراً معروف الحكم مشروح الاسباب و مبيّن العلل الاّ باربعة اضلاع لتمام الوفق المربع فمهما نقص منها ضلع واحد لايتحقق و لايتقوم و لذا كان شكل المثلث شكل الاعدام و الافناء و الاهلاك بخلاف المربع فانه للتأليف و المحبة و المودّة و لاتتوهّم ان ذلك ينافي مااطبق عليه علماء الهيئة و دلّت عليه التجربة انّ نظر التثليث في الكواكب نظر محبة و صداقة و الفة و نظر التربيع نظر العداوة و البغضاء لان التثليث عندهم هو التربيع و التربيع انما هو التثليث و اختلفوا في الاسم بحسب الظاهر للامر الظاهري من بعدهما بثلث الفلك او ربعه و ثلث الفلك هو مائة و عشرون درجة و هذا مربع لكونه مخرج الربع بخلاف ربع الفلك لانه تسعون و هو مخرج الثلث و ليس له مخرج الربع ابداً فيكون مثلثاً فنظره عداوة و فساد و لهذا الكلام مرادات كثيرة طويتها للتطويل.

قال7 : «و زيّنها بالكواكب المضيئات» اعلم ان اللّه سبحانه لمّا خلق نار الشجر الاخضر نظرت الي نفسها فخمدت و بردت ثم نظر اليها الرب

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 138 *»

سبحانه و تعالي فذابت و ماعت فخلق اللّه سبحانه من نارها الافعال التي من صفاتها عند ظهور المثال الفاعل و من برودتها و خمودها و جمودها المفعول و من الرطوبة الذائبة السيالة ارتباط الفاعل الي المفعول و ارتباط المفعول الي الفاعل فاذا تعدّدت المفاعيل تعدّدت (تتعدّد خ‏ل) وجوه تلك النار في ذلك المفعول الذي هو الارض و الماء بنفخ ريح الجنوب فادام الملك في الملك و رجع من الوصف الي الوصف فان كان ذلك في صقع واحد يكون التعدد في الاشخاص و ان كان في صقع مختلف فان كان علي جهة الانجماد فالفاعلية علي حسب تلك الجهة فان كان في العقول يظهر الفاعل باستوائه علي العرش الذي هو العقل الكلي و بظهوره و وجوهه في العقول الجزئية فكانت فاعلية كل جزء و وجه من العقول هو الوجه الجزئي من العقل الكلي الذي ظهر له به و ان كان في عالم النفوس يظهر باستوائه علي العرش الذي هو النفس الكلية و بظهوره و وجوهه في النفوس الجزئية فكانت فاعلية كل جزء و وجه من النفوس هو الوجه الجزئي من النفس الكلية التي (الذي خ‏ل) ظهر لها بها وهكذا الي عالم الاجسام و لمّا كان الفاعل انما يوجد المفعول في رتبة المفعول لا في رتبه ذاته يكون ظهور الفاعلية علي حسب ذلك المفعول فان كان المفعول غيبيّاً كان الفاعل بظهوره كذلك و ان كان شهوديّاً كان الفاعل ايضاً بظهوره شهوديّاً وهكذا (و كذا خ‏ل) الحال في كل الاحوال في كل الاطوار الاّ ان في كل عالم تظهر تلك النار التي هي مثال الفاعل و ظهوره علي كل (كلي خ‏ل) ذلك العالم مجملاً ثم تظهر بوجوهه و رؤسه في تفصيل ذلك العالم فلمّا كان الفاعل محيطاً بجميع مراتب المفعول و قد قلنا للفاعل في كل عالم ظهوران اجمالي و تفصيلي فيكونان هذان الظهوران فلكين محيطين بكل مراتب المفعولات و في الفلك الثاني الذي هو مقام التفصيل تظهر شعلات تلك النار متمايزة بالتعلق الاّ ان تلك الشعلات في كل عالم بحسبه فان كان في عالم الارواح فانوار و ان كان في عالم الاجسام فشعلات جسمية نوريه حاملة لظهور الفاعل علي حسب استعداد القابلين و تلك الشعلات التي هي حوامل ظهور الفاعل بالتدبير و التقدير هي الكواكب لينطبق الظاهر بالباطن و المعني باللفظ (اللفظ بالمعني خ‏ل)

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 139 *»

و لمّا كان الفلك الاول لا كثرة فيه لكونه مقام الاجمال لم‏يظهر كوكب فيها لشدة اللطافة و اما الفلك الثاني فمن جهة كونه مقام التفصيل ظهرت الكواكب فيه مفصلة مشروحة فكان كل كوكب مظهر فعل من الافعال الجزئية و متعلقاً بمفعول من المفعولات السفلية و الفلك بمنزلة جسد الكوكب و الكوكب بمنزلة قواه لايستغني احدهما عن (من خ‏ل) الاخر بل قوام الفلك بالكوكب كما قال9 ان اهل بيتي امان لاهل الارض كما ان الكوكب امان لاهل السماء فجعل اللّه سبحانه الكواكب كلها في الفلك الثاني فاللّه سبحانه زيّن السموات بالكواكب و جعل الكواكب كلها في الثامن و امدّ الافلاك بها و جعل لكل فلك من السبعة كوكباً واحداً و الوجه كما ذكرنا لان الكواكب هي مظاهر التدبير و محال مشية اللّه المتعلقة بالعوالم الجسمانية و مهابط التجليات الروحانية و مواقع الفيوضات الرحمانية في المقامات التفصيلية و لمّا كان الكرسي هو محل التفصيل و مظهر الانوار العرشية من الجليل و القليل ظهرت الكواكب التي هي محال تلك الانوار و مجالي تلك الاثار علي التفصيل فيه فليس للكواكب موقع و محل الاّ هناك والاّ لم‏يكن الكواكب اسباب التأثير او لايكون الكرسي مقام التفصيل و قد دلّ الدليل العقلي و النقلي علي الامرين و هو مثال اللوح المحفوظ و النفس الكلية و الظاهر طبق الباطن كما ان العرش مثال القلم و العقل و اما السبعة فلمّا كانت اسباب التمكين و الات التكوين و بدونها لم‏تتحقق الفيوضات و الوجودات في العالم السفلي و قدقلنا ان المؤثر في‏الحقيقة هو الكوكب و الفلك هو محل لذلك و ان كان له ايضاً تأثير من نوع تأثير الكوكب و نظيرهما في العالم الصغير هو القوي الاربع بالنسبة الي كل البدن من الجاذبة و الهاضمة و الدافعة و الماسكة وجب ان‏يكون كل فلك من السبعة محلاً لكوكب.

و اما وجه انقسام الكرسي من جهة الكواكب الي البروج و المنازل و الدرج و اختصاص كواكب البروج و المنازل باغلب التأثيرات دون غيرها فاعلم ان النفس الرحماني الاولي و الثانوي لمّا تعلق بالايجاد علي جهة الابتداء

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 140 *»

ظهر من كل واحد منها (منهما خ‏ل) علي جهة الترتيب ثمانية و عشرون اسماً من اسماء اللّه سبحانه و بها قوام الاكوان و الاعيان و الانقلابات التي تقع في الزمان و المكان و لذا جرت الحروف التدوينية التي هي اصول الصفات الحرفية و الاشباح المنفصلة من (في خ‏ل) كل التأثيرات و التركيبات الغيرالمتناهية علي ذلك العدد فتلك (فلتلك خ‏ل) الاسماء مظاهر و مجالي تظهر في كل عالم بحسبه فظهرت في الصفات الحاكية التدوينية حروفاً و في العوالم الغيبية حقايق و في العوالم الشهودية كواكب و لذا انقسمت منطقة البروج الي هذه الاقسام الثمانية و العشرين التي هي منازل القمر لانها المبادي و العلل في الجسمانيات و هو مقام الباء في البسملة قال صلوات‏اللّه عليه ظهرت الموجودات من باء بسم اللّه الرحمن الرحيم.

و هنا وجه اخر دقيق و هو ماقلنا سابقاً ان الوجود مع ما فيه من الاحوال و الاوضاع انما هو متقوّم بيد اللّه سبحانه و كل ما في الكون قبضات تقبضه اليد اما باليمين او بالشمال و ان كانت كلتا يديه يمين فالاشارة الي الاول قوله عزّوجلّ و ماقدروا اللّه حق قدره و الارض جميعاً قبضته و السموات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالي عمايصفون و الاشارة الي الثاني قوله عزّوجلّ و من يرد اللّه ان‏يهديه يشرح صدره للاسلام و من يرد ان‏يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كانّما يصّعّد في السماء كذلك يجعل اللّه الرجس علي الذين لايؤمنون و هذا صراط ربك مستقيماً قد فصّلنا الايات لقوم يعلمون و الاشارة الي ان كل الوجود بيد اللّه سبحانه قوله عزّوجلّ قالت اليهود يد اللّه مغلولة غلّت ايديهم و لعنوا بماقالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء و اليد قد ظهرت في اليمين و الشمال و هما اليدان و كل يد مشتملة علي اربعة عشر عقداً فالمجموع ثمانية و عشرون و هو عدد المنازل و اربعة عشر منها نورانية ابداً و هو صراط علي حق نمسكه و اربعة عشر منها ظلمانية ابداً لتمام ظهور اليدين في المقامين.

و اما البروج فاعلم ان الاسماء الكلية التي عليها مدار الكون اثناعشر اسماً و هو قوله7ان اللّه خلق اسماً بالحروف غير مصوّت الي ان قال7 فجعله اربعة اجزاء ليس واحد منها قبل الاخر و حجب واحداً منها و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 141 *»

 المكنون المخزون و اظهرت ثلثة منها لفاقة الخلق اليها ثم جعل لكل واحد اربعة اركان فذلك اثناعشر ركناً و هذه الاثناعشر هي الاصول و عليها يدور الاملاك الاربعة جبرئيل و عزرائيل و اسرافيل و ميكائيل و بها قامت اركان العرش ثم يفصّل كل ركن او قل كل اسم الي ثلثين اسماً او ركناً فيكون التقسيم في الاثني‏عشر ثلثمائة و ستين اسماً و كل هذه الاسماء مندرجة تحت هيمنة اسم «اللّه» و «الرحمن» و لمّا كان رتبة الالوهية رتبة البساطة و القدوسية و التنزيهية و ليس فيها تكثر الاسماء و الصفات و الاضافات الاّ ذكراً و امكاناً و اجمالاً و الظهور في عالم البروز الي هذه المراتب و المقامات و الاسماء و الصفات في رتبة الرحمانية و العوالم متطابقة و الاكوان متناسقة جرت الحكمة في ابداع عالم الشهادة و الاجسام علي ذلك النهج و لمّا كانت المشابهة و المناسبة بين الاثر و صفة المؤثر مما لابد منه ليمكن للاثر التلقي و الاستفاضة من المؤثر وجب ان‏تكون لتلك الاسماء مظاهر تتجلي بها في العوالم الشهودية و قداثبتنا ان المبادي العالية في الكون الجسمي هي الافلاك لا غير اذ ما من الطف و اشرف منها فوجب ان‏تكون هي المظاهر و لمّا كانت الالوهية و الرحمانية لهما هيمنة و تسلط و احاطة علي كل الاكوان و الاسماء فكذلك الفلكان الاعظمان لهما احاطة تامة لكل (علي كل (خ‏ل) الاجسام و لمّا كانت الالوهية مقدمة و محيطة علي الرحمانية كان مظهرها في عالم الاجسام و هو الفلك الاول كذلك و لمّا كانت الالوهية ليس فيها الكثرات الاسمائية الاّ بالذكر وجب ان‏يكون المظهر علي هيئة الظاهر فلم‏يكن في الفلك الاعلي كوكب و كثرة بوجه من الوجوه و لمّا كانت الرحمانية تحت الالوهية و عندها ظهرت الاسماء و فصّلت و وجدت المتعلقات و الاسماء المتقابلة كان مظهرها تحت مظهر الالوهية و لمّا كان مظهر الالوهية هو الفلك الاول كان مظهر الرحمانية هو الفلك الثاني و لمّا كانت الكواكب علي ماعرفت مظاهر التدبير و مواقع الاسماء ظهرت الكواكب كلها في فلك البروج فظهرت اولاً مبادي الاسماء و اصول مظاهرها و هي الكواكب المركوزة في المنطقة /البروج (زائد خ‏ل) المحيطة بكل ذرة من ذرات الوجود

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 142 *»

فكانت البروج اثني‏عشر (الاثناعشر خ‏ل) علي طبق الاسماء و الاركان الاثني‏عشر فطابق المظهر الظاهر ذلك تقدير العزيز العليم.

ثم قسّم كل برج ثلثين قسمة علي قياس تقسيم كل من الاسماء الاثني‏عشر الي ثلثين اسماً منسوباً اليها فبلغت الاسماء الي ثلثمائة و ستين كذلك البروج قد قسّمت علي ذلك النهج فصار تقسيم مجموع الدورة ثلثمائة و ستين درجة و هي تمام الدورة و قد علمت ان الكواكب كلها في الكرسي و ماسواه من الافلاك ليس في كل منها الاّ كوكب واحد.

و اما قوله سبحانه و لقد زيّنّا السماء الدنيا بزينة الكواكب و حفظاً من كل شيطان مارد فالمراد به الدنيا بمعني الادون فان السماء الحقيقية سماءان سماء عليا و سماء دنيا. فالعليا هي العرش و هو الفلك الاعظم ثم من بعدها تكون السماء الدنيا و السماء الدنيا هي الكرسي علي هذا الاعتبار و الكواكب كلها مركوزة فيه علي الواقع او يراد من السماء الدنيا اخر الافلاك كما هو الظاهر المتبادر من اطلاقات كلمات اهل‏العصمة: فحينئذ يكون المراد بتزيينها بالكواكب لكونها اول محطّ نظر الناظر فتظهر الكواكب فيها منطبعة كالهواء المنطبع فيها الصور و الهيئات و الاشكال و المقادير و عدم الظهور لايستلزم عدم الوجود مع ان هذا امر واضح فان الكواكب تختلف هيئاتها بحسب النظر لغلظة الهواء و رقتها و كثافته و لطافته. الاتري الشمس في بعض الايام كبيرة عند الطلوع فاذا بلغت كبد السماء تصغر و كذا القمر و كذا ساير الكواكب و ليس ذلك الاّ للانطباع والاّ فذات الشي‏ء الواقعي (الواقع خ‏ل) لم‏تتغيّر و لم‏تتبدّل و لم‏تزل علي حالها و التغير دليل الانطباع كصورتك في المرءاة فعلي هذا كل فلك من الافلاك يحكي الكواكب بل كل السوافل اذا كانت صيقلية الاتري المرءاة و الماء و ساير الاجسام كيف تحكي الكواكب بمثالها و شبحها و هي في مكانها فاذا اريد بيان امر من الامور يذكر ماهو الاقرب الي المبيّن له فتكون السماء الدنيا اعم من فلك القمر و كرة النار و كرة الهواء و كرة البخار و الهباء فان السماء تطلق عليها كما في قوله تعالي و انزل من السماء ماء.

و اما كيفية تركيب الكواكب و خلقتها

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 143 *»

فاعلم ان اللّه سبحانه خلقها سبع طبقات من صفو العناصر الاربعة من عالم هورقليا كل كوكب علي حسب مافيه من القوة و تختلف قوي الكواكب و طبايعها و الدليل علي اختلاف طبايعها اختلاف الوانها و اعمالها و اثارها و اشعتها و تأثيراتها في العالم السفلي و لاتسمع الي مايقولون من ان الافلاك بسيطة ليست مركبة من الطبايع المختلفة فان ذلك انكار للاحساس و الوجدان و دليل العقل يأبي عن ذلك اذ من المحال ان‏يجعل اللّه سبحانه الشي‏ء الواحد في الطبيعة و المزاج و الذات مختلف الاحوال و التأثير و الالوان و ما هكذا جرت عادة الحق سبحانه لان ذلك يستلزم الجبر و خلاف الحكمة بل الكواكب مركّبة من الطبايع المختلفة فالشمس من نور النار و صفاء الماء و القمر من صفاء الماء و نور النار و زحل من صفو التراب و خالص الماء و الزهرة من صفو الهواء وهكذا و هذه العناصر ليست من عناصر هذه الدنيا و انما هي من عناصر اسفل هورقليا.

و قولي انها سبع طبقات اريد به وفاقاً للاخبار الكمال المطلق فان صنع اللّه سبحانه علي نظم محكم متقن و خلقه علي طور واحد و الشي‏ء لايبرز في الوجود الاّ جامعاً للاصلين اصل راجع الي المبدء و اصل راجع الي نفسه. فالاصل الاول مبدء الفرد لفردية المبدء و الاصل الثاني مبدء الزوج لزوجية المصنوع و من كل شي‏ء خلقنا زوجين و مبدء الفرد ليس الاّ ثلثة (الثلثة خ‏ل) لان الفرد الظاهر في المفعول و المقترن به ليس الاّ الواحد و هو ليس الاّ الثلثة لنظر ذلك الواحد حين الاقتران الي اعلاه و اسفله و نفسه و هذه الثلثة في عالم الجمع يعبّر عنها بالواحد و في عالم الفصل و الفرق يعبّر عنها بالثلثة و من (عن خ‏ل) هذه الثلثة في عالم النور يعبّر عنها بالظاهر و المظهر و الظهور و في عالم الخلط و المزج يعبّر عنها بالعقل و النفس و الجسد وهكذا الامر في كل شي‏ء فافهم ان شاء اللّه. و مبدء الزوج ليس الاّ الاربعة لان التأليف لايتحقق الاّ بقيام الزاوية و لايكون كذلك الاّ المربع و المثلث القائم‏الزاوية مربع حقيقة و لمّا كان كل الاشياء جامعة لهذين الاصلين خرجت كلها في الوجود مسبّعة الاّ ان هذا التسبيع مختلف في الخفاء و الظهور فكل‏ما هو اقرب الي النور و الي المبدء اظهر في الفعل و التأثير لانه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 144 *»

جامع مملك فيكون واسطة في الايجاد في المراتب السبعة كلها و لذا تري مبادي الكون من حيث الكمال اما سبعة او مثنّاها قال تعالي و لقد اتيناك سبعاً من المثاني و القرءان العظيم روي علي بن ابرهيم عن الباقر7 انه سئل عن الشمس لاي شي‏ء صارت اشدّ حرارة من القمر؟ فقال7 ان اللّه خلق الشمس من نور النار و صفو الماء طبقاً من هذا و طبقاً من هذا حتي اذا كانت سبعة اطباق البسها اللّه لباساً من النار ثم صارت اشدّ حرارة من القمر قيل و القمر؟ فقال7 ان اللّه تعالي ذكره خلق القمر من ضوء نور النار و صفو الماء طبقاً من هذا و طبقاً من هذا حتي اذا كانت به سبعة اطباق البسها لباساً من ماء فمن ثمّ صار القمر ابرد من الشمس و شرح كيفية هذه الاطباق و بيان حقيقة المزج يطول به الكلام فاكتفينا بذكر الحديث و ماتقدّم من الكلام ينبئ عن هذا المرام.

قوله7 الكواكب المضيئات اما الشمس فلا شك و لا ريب ان ضوءها ذاتي ليس بمكتسب و حديث ان نور الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي لايراد منه الحكم الجسمي و انما يراد منه الامداد الباطني الحقيقي و قولي ان ضوءها ذاتي لايراد (لااريد خ‏ل) به انها مستقلة في ذلك كلاّ و حاشا بل علي ماروي الصدوق في التوحيد باسناده عن ابي‏ذر قال كنت اخذاً بيد النبي9 و نحن نتماشي جميعاً فمازلنا ننظر الي الشمس حتي غابت فقلت يا رسول‏اللّه اين تغيب؟ فقال في السماء ثمّ ترفع من سماء الي سماء حتي ترفع الي السماء السابعة العليا حتي تكون تحت العرش فتخرّ ساجدة فتسجد معها الملائكة الموكّلون بها ثم (قال خ‏ل) تقول يا ربّ من اين تأمرني ان‏اطلع أمن مغربي ام من مطلعي فذلك قوله عزّوجلّ و الشمس تجري لمستقرّ لها ذلك تقدير العزيز العليم يعني بذلك صنع الرب العزيز بخلقه قال فيأتيها جبرئيل بحلّة ضوء من نور العرش علي مقدار ساعات النهار في طوله في الصيف او قصره في الشتاء او مابين ذلك في الربيع و الخريف قال فتلبس تلك الحلّة كمايلبس احدكم ثيابه ثم ينطلق بها في جو السماء حتي تطلع من مطلعها قال9 فكأنّي بها قد حبست مقدار ثلث ليال ثم لاتكسي ضوءه و تؤمر ان‏تطلع من مغربها فذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 145 *»

قوله عزّوجلّ اذا الشمس كوّرت و اذا النجوم انكدرت و القمر كذلك من مطلعه و مجراه من افق السماء و مغربه و ارتفاعه الي السماء السابعة و يسجد تحت العرش ثم يأتيه جبرئيل بحلة من نور الكرسي و ذلك قوله تعالي جعل الشمس ضياءاً و القمر نوراً هـ و روي الكليني في الكافي عن اميرالمؤمنين7 ان الشمس لها ثلثمائة و ستين برجاً لكل برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب فيتنزّل (فتنزل خ‏ل) كل يوم علي برج منها فاذا غابت انتهت الي حد بطنان العرش فلم‏تزل ساجدة الي الغد ثمّ تردّ الي موضع مطلعها و معها ملكان يهتفان معها و ان وجهها لاهل السماء و قفاها لاهل الارض ولو كان وجهها لاهل الارض لاحرقت الارض و من عليها من شدة حرّها و معني سجودها ماقال سبحانه الم‏تر ان اللّه يسجد له من في السموات و من في الارض و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و الشجر و الدوابّ و كثير من الناس هـ فمعني ذاتية ضوء الشمس مع ماذكر في الحديثين الشريفين ان اللّه سبحانه وهبها النور تفضلاً و منّاً لمّا سألت الحق سبحانه عن ذلك لمّا منّ اللّه عليه بقوة الطلب فهي دائماً تسأل النور و اللّه سبحانه يمدّها به من جوده و موهبته و يده فيفيض سبحانه بها علي ماسواها و الوجه في ذلك ظاهر ظاهراً و باطناً.

اما الاول فلانّ الشمس اذا غابت تغيب معها الانوار كلها فلو لم‏تكن الانوار لها او (و خ‏ل) هي مكتسبة مما هو اقوي منها يجب ان‏يقوم ذلك النور مقام نورها اذا غابت و لم‏تحدث الظلمة كالقمر اذا غاب يقوم نور الشمس مقامه و /نوره (زائد خ‏ل) هو اقوي منه و ذلك في محل المحاذاة مع ان الشمس اذا ظهرت تغيب انوار غيرها من الكواكب و لا شك ان القوي يضمحل الضعيف فلو كان في الكواكب ما هو اقوي منها لماخفي عند ظهورها لان العالي اذا اشرق يضمحل السافل كنور السراج عند نور الشمس و هذا ظاهر معلوم.

و اما الثاني فاعلم ان الشمس مربية للوجود الثاني في السفليات و هي مربية للمواد و المواد اصل لوجود الشي‏ء فان الشي‏ء ليس الاّ مادة و صورة و الصورة ليست الاّ الحدود و العوارض و الهيئات و هي لا قوام لها الاّ بالمادة و لا شك ان المادة هي جهة الفاعل لعلوّها و شرفها و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 146 *»

وحدتها و بساطتها و الصورة هي جهة القابل لاختلافها و تكثّرها و تضادّها و لمّا كان الاثر يشابه صفة مؤثره وجب ان‏يكون مربّي المادة اشدّ و اقوي و اظهر و اتمّ و اثبت و انور من مربّي الحدود و الصور او المجموع من حيث الصورة والاّ لزم عدم دلالة الاثر علي المؤثر فان الاثر القوي يدلّ علي المؤثر كذلك و لمّا كانت الشمس هي مظهر الفاعلية لكونها تربّي المادة التي هي جهته وجب ان‏تكون نيّرة لذاتها من غير الاكتساب لكون الفاعل نيّرة بذاته قال تعالي اللّه نور السموات و الارض و المظهر لو كانت له جهة من غير جهة الظهور لم‏يكن مظهراً فوجب ان‏تكون الشمس مضيئة بذاتها اي بان جعلها اللّه سبحانه حين خلقها كذلك فلمّا كانت هي مظهر الفاعلية فتكون مستوي الرحمن و قلب الانسان فتدور الكواكب الاخر التي هي بمنزلة القوي و الالات لها فوقها و تحتها كالقوي الانسانية بالنسبة الي قلبه فظهرت فيها الانوار و صارت مجمع الاسرار فامدّت الفلك السابع اي كوكبه و هو زحل من ذات النور الابيض فكان بارداً يابساً كما قال الرضا7 ان اللّه ماخلق نبياً الاّ و هو صاحب مرّة سوداء صافية و حاراً رطباً ليحكي مثال الشمس الظاهر فيه فان النبوة هي الشمس و امدّت السماء الاولي (الدنيا خ‏ل) اي كوكبها و هو القمر من صفة النور الابيض التي هي الحيوة و التصوير و امدّت السماء السادسة اي كوكبها و هو المشتري من ذات النور الاخضر فكان بارداً رطباً و امدّت عطارد صاحب السماء الثانية من صفته و امدّت المريخ من ذات النور الاحمر و امدت الزهرة من صفته فكانت الكواكب الستة كلها مستمدة من الشمس و مكتسبة منها لان حكم اللّه سبحانه و تعالي في الاكوان واحد كما ان الفيض انما يصل الي /شئون كل شي‏ء (كل شئون الشي‏ء خ‏ل) و اضافاته و احواله و اطواره و اوطاره بواسطة الفيض المفاض علي مادة ذلك الشي‏ء كذلك العلة المادية المطلقة بالنسبة الي العلة الصورية و قدبيّنا ان الشمس هي العلة المادية بمعني ان المواد انما تربّي بنظرها فتكون العلل المتعلقة بشئون المواد مكتسبة عن العلة المتعلقة باصل المواد و هذا معني قوله7 و بالمشية كانت الارادة و بالارادة كان القدر و بالقدر كان القضاء و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 147 *»

قوله7 لايكون شي‏ء في الارض و لا في السماء الاّ بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن زعم علي انه يقدر علي نقص واحدة فقد كفر و في رواية اخري فقد اشرك و لمّا كان عالم الوجود المطلق الذي هو عالم الفعل عالم البساطة و الوحدة كان اعتبار المقامات السبعة فيه علي جهة التعلق و الالتفات و التوجه الي المتعلق و لمّا كانت الكواكب هي مظاهر الافعال في عالم التفصيل اي عالم الاجسام خرجت تلك السبعة التي لايكون شي‏ء الاّ بها مفصلة مشخصة اذ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و السافل هو تفصيل وجود (وجوه خ‏ل) العالي و لمّا كانت المشية في تلك المراتب هي الاصل و سائر المراتب كلها عنها تشعّبت و تأصّلت و هي وجوه لها و اولادها كان الامر كذلك في عالم التفصيل فمثال المشية التي هي الشمس اصل لمثال المراتب الاخر التي هي الكواكب الاخر و انما كانت الشمس مثالاً للمشية لانهم: فسّروا المشية بانها الذكر الاول للشي‏ء و المراتب الاخر حدود لذلك الذكر و الذكر الاول للشي‏ء لايكون الاّ احداث مادة الشي‏ء اذ ليس للشي‏ء قبل مادته ذكر اصلاً الاّ في الامكان و الصلوح و لا شك ان الشمس هي مربية للمواد فتكون مثالاً للمشية في عالم المواد فتكون اصلاً للكواكب الستة الباقية. الاتري السبع المثاني في قوله عزّوجلّ و لقد اتيناك سبعاً من المثاني و القرءان العظيم ان الاصل فيهم واحد و الباقون كلهم متشعّبون منه و هو الشجرة و الباقون اصلها و فرعها و لقاحها و تلك السبعة هي محمّد9 و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و جعفر و موسي: تصوير فاذا ثنّيت تكون اربعة عشر كما ظهر في الخاتم المكرّم سبعة باربعة عشر حرفاً و لا شك ان محمّداً9 هو الشمس فيهم و هو افضلهم و سيّدهم و هم مستضيئون بضوئه كالضوء من الضوء صلوات اللّه عليهم اجمعين و كذلك الامر قدجري في مثال تلك الامثال العليا و الاسماء الحسني

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 148 *»

و كذلك الامر في السبعة الانسانية و هي قلبه اللحم الصنوبري و صدره الذي هو وعاء لقلبه و البطون الخمسة التي /هي الدماغ (للدماغ خ‏ل) التي هي محل المشاعر الخمسة و لا شك ان القلب هو سيدها و مولاها و فخرها و شرفها و كلّها تستمدّ منه و هو محل الحرارة الغريزية التي حيوة كل البدن بها و تلك الستة رؤسها و الطف ما في البدن من القوي و الالات فصارت محلاً للارواح و مسكناً لظهور الاشباح و القلب هو مثال الشمس لكونها هي الحرارة الغريزية للعالم و لذا اذا كوّرت الشمس تتكدّر النجوم فان كان تكويراً تفكيكياً يخرب العالم و يفسد النظام و ان كان انكسافياً يحصل خلل كلي بقدر الكسف من محاذي المنكسفة عنه فيجبر ذلك بالصلوة كالحرارة الغريزية اذا انطفت في البدن ينطفي سراج البدن فان البدن لتلك الحرارة كالدهن للنار و اصلاح البدن و افساده بحسب قوة الحرارة الغريزية و ضعفها و صفائها و كدورتها كما هو مقرّر عند الاطباء و لا شك ان القوي كلها مستمدة منها فاذا ثنّيت هذه السبعة بالروح و الجسد فان القلب روح و اللحم الصنوبري جسده و كذلك الصدر و ساير القوي فيكون المجموع اربعة عشر فجسد الشمس و روحها كليان بالنسبة الي غيرها كالقلب فافهم. فدلّ العقل و النقل و الايات الافاقية و الانفسية علي ان الشمس هي الاصل في الكواكب السبعة و ضوء الكل مكتسب عنها و اما الكواكب الاخر المركوزة في الفلك الثامن فضوءها لظهورها ايضاً منها و ان كانت لذاتها من العرش بالكرسي.

اما في عالم الوجود المطلق فالكواكب هناك هي الاعيان الثابتة في العلم الامكاني في الامكان الراجح و لا شك ان ذلك غيب لايظهر في الكون العيني و الكوني مشروح‏العلل مبيّن‏الاسباب الاّ بالمشية التي هي مثالها الشمس كما مـرّ.

و اما في عالم هياكل التوحيد و قصبة الياقوت فجلال القدرة التي هي الولاية المطلقة لم‏تظهر الاّ عند الطواف حول جلال العظمة فكان جلال العظمة التي مثالها الشمس سبباً لظهورات (لظهور خ‏ل) جلال القدرة كما قال النبي9 اول ماخلق اللّه نور نبيّك يا جابر و كان يطوف حول

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 149 *»

جلال القدرة فاذا انتهي الي جلال العظمة ثمانين الف سنه خلق اللّه نور علي فكان نور علي يطوف حول جلال القدرة و نوري يطوف حول جلال العظمة هـ و ظاهر جلال القدرة هي (هو خ‏ل) اللواء التي يؤتي بها في القيمة و النبي9 علي الوسيلة و هي المنبر التي لها الف مرقاة و من كل مرقاة الي الاخري عدو الفرس الجواد الف سنة و علي7 تحته بمرقاة و تلك اللواء لها سبعون الف شقة و كل شقة تسع الخلق اجمعين فتعطي النبي9 و هو يسلّمها بيد علي7 قال9 اعطيت لواء الحمد و علي حاملها و اعطيت الحوض و علي7 ساقيه و اعطيت الجنة و النار و علي7 قسيمهما و النبي الطائف حول جلال العظمة هو الشمس و الولي الطائف حول جلال القدرة قبل الطائف حول جلال العظمة هو الكرسي و الولي الطائف حول جلال القدرة بعد الطائف حول جلال العظمة هو القمر فتلك الولاية الاولية الاصلية التي هي ولاية اللّه في قوله تعالي هنالك الولاية للّه الحق ظهرت مشروحة مفصلة حين قال النبي9 من كنت مولاه فهذا علي مولاه حين انتجبه اللّه في القدم علي ساير الامم و اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و كان ذلك في شهر رجب من اشهر الحرم و كان الاظهار في عالم الاسرار و عالم الانوار و عالم الاظلة و عالم الاشباح و عالم الاجسام و عالم الاجساد و عالم الاعراض و عالم الاوضاع و الاضافات و القرانات و الالزامات كلها في شهر ذي‏الحجة من اشهر الحرم فامر النبي9 بالاستزادة لقوله عزّوجلّ قل رب زدني علماً لاظهار تلك النجوم و هو9 طلب التحيّر فاقتضي التحيّر ان‏يدور علي منطقة ذلك الفلك و لايتعدّاه لا الي نهاية و لا الي جهة و قولي منطقة هو عين قولي القطب في الحقيقة و ان كان باعتبار الفرق في الظاهر و تلك المحاذاة صارت سبباً لظهور مااراد اللّه سبحانه من تلك الكواكب قال تعالي و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بما شاء وسع كرسيه السموات و الارض فعلمه سبحانه في الكرسي الذي وسع كل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 150 *»

شي‏ء و قال عزّوجلّ عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول فالشمس رسول‏اللّه الي خلقه يفيض عليها من نور العرش الظاهر بالكرسي فهي مظهر لتلك الانوار و حاوية لتلك الاسرار فلولا الشمس ماظهرت تلك الانوار فبها ظهرت و عنها برزت نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و انا عبد من عبيد محمّد9 و انا من محمّد9 كالضوء من الضوء و المراد بالكرسي هو بحر القدر الذي هو سرّ من اسرار (سرّ خ‏ل) اللّه و حرز من حرز اللّه و ستر من ستر اللّه مختوم بخاتم اللّه موضوع عن العباد علمه رفعه اللّه فوق شهاداتهم و مبلغ عقولهم لانهم لاينالونه بحقيقة الصمدانية و لا بعزّة الوحدانية بحر ذاخر كثير الحيّات و الحيتان يعلو مرّة و يسفل اخري في قعره شمس تضي‏ء لاينبغي ان‏يطلع عليها الاّ الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضادّ اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير هـ و تلك الشمس هي مظهر ما في البحر و مضيئة مافيه من احكام البداء و علل الاشياء و كون المحو و الاثبات فانتشر العلم بمحمّد9 الي علي و فاطمة و الطيبين من اولاده صلوات اللّه عليهم كالشمس الظاهري بالنسبة الي الكواكب الاخر و ذكر جميع الاحكام يطول به الكلام فاكتفينا بماذكرنا مااسعدك لو وفّقت لفهمه.

و اما في العالم الانساني فاعلم ان القلب هو مظهر ما في النفس من احكام الصنع و الايجاد و التربية و الادراك و كل الاحوال المنبثة في الجوارح و الاعضاء و الامدادات الروحية الغيبية المجرّدة المتعلّقة بالبخار اللطيف الذي في تجاويف القلب المتعلق بالدم الاصفر الذي في اسافل تجاويف القلب المسمي في عرف الاطباء بالروح الحيواني كلها (فكلها خ‏ل) انما تظهر ظاهرة منبثة في الاعضاء و الجوارح و العروق و الاعصاب و العضافير و الاوردة و العضلات و ساير المخارج و المداخل البدنية و مايتصاعد الي الدماغ و يصير مبدء للقوي النفسانية المسمي في عرفهم بالروح النفساني و مايتسافل الي الكبد و يصير مبدء للتوليد و التنمية و التغذية المسمي في عرفهم بالروح الطبيعي كل ذلك انما

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 151 *»

هو ظهورات الروح الاصلي الظاهر بالبخار اللطيف المتعلق بالحرارة الغريزية التي بها قوام الجسد فماظهرت تلك النجوم الغائبة الاّ بالشمس التي هي الحرارة الغريزية المستجنة في القلب و لذا كانت الحرارة دائمة النظر و التعلق و الالتفات بذلك البخار فلاتفارقه ابداً والاّ لاختل الجسد و فسدت البنية و لمّا تطابقت العوالم و صار العالم السفلي وجهاً للعالم العلوي اقتضي ان‏يكون الشمس الظاهري (الظاهر خ‏ل) (الظاهرية او الظاهرة ظ) التي هي احد الكواكب السيارة مظهرة للكواكب المركوزة في الفلك الثامن و ان كان ذلك الكواكب اعلي مرتبة منها كما ورد ان الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش الحديث و من ذلك ظهر لك سرّ كون سير الشمس دائماً علي منطقة البروج و عدم مفارقتها اياها و الامدادات الواردة علي العالم السفلي كلها من قرانات الشمس مع تلك الكواكب و ذلك الفلك و هو من الفلك الاعلي و هو من العرش المركّب من الانوار الاربعة النور الاحمر الذي منه احمرّت الحمرة و النور الاخضر الذي منه اخضرّت الخضرة و النور الاصفر الذي منه اصفرّت الصفرة و النور الابيض الذي منه البياض و منه ضوء النهار و انت لو نظرت الي الشمس تحت الحجاب الاسود لرأيت هذه الانوار كلها ظاهرة فيها متمايزة.

و اما اضاءة الكواكب فهي اشارة الي امدادها لاهل السموات و لاهل (اهل خ‏ل) الارضين علي ما في الحديث ان اهل بيتي امان لاهل الارض كما ان الكواكب امان لاهل السموات و وجه الاشارة في قوله عزّوجلّ اللّه نور السموات و الارض فالعلة مطلقاً فاعلية كانت ام معدّية ام مادية منورّة و مضيئة لمعلولاتها و لذا اتي7 بالضوء بصيغة المتعدي للاشارة الي السرّ كما في الدعاء اللّهم اني اسألك من بهائك بابهاه و كل بهائك بهي فالاضاءة هي التأثير بالضوء سواء كان كالضوء من الضوء كالعلويات او كالنور من المنير كما في السفليات لان الاضاءة اشارة الي اللطيفة الزائدة علي ذات الشي‏ء فتلك (فبتلك خ‏ل) الزيادة تمدّ سافلها من الاحكام الوجودية و التكليفية الذاتية و الصفتية و امثالها فقامت السموات و الارض باضاءة الكواكب اما الارض و متولداتها من الجماد و المعدن و النبات و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 152 *»

الحيوان فظاهر و اما السموات فالافلاك محالّ و مواقع للنجوم و جسد للقوة الفاعلية الطبيعية و لا شك ان المحل متقوم بالحالّ و الحد بالمحدود و الجسد بالقوة الطبيعية من المرارة مثلاً فلولا المرارة لم‏تتقوّم البنية فالحرارة و اليبوسة مثلاً و ان كان في كل الجسد الاّ ان مجمعها في المرّة الصفراء و منها يستمدّ باقي الاعضاء و كذا ساير القوي فالكوكب يفضل علي الفلك كفضل القوة علي الجسد و لذا تري الكواكب و لم‏تر الافلاك و ذلك لقوة التركيب و لقوة ظهور النور فيها دون الفلك فان التركيب و التصوير مستلزم للرؤية لا الكثافة علي مايزعمون من ان الكواكب اجسام كثيفة تري و الافلاك اجسام لطيفة لاتري فان ذلك باطل اذ لو كان كذلك للزم الطفرة لاجتماع الكثيف و اللطيف في الرتبة الواحدة و يلزم علي هذا التقدير ان‏يكون الهواء الطف من الكواكب و في هذا بطلان كل شي‏ء يعود الي مركزه لقول اميرالمؤمنين7 انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظايرها فيجب ان‏يكون الهواء علي هذا التقدير اعلي رتبة و مكانة من الكواكب و يجب ان‏تقتضي الحكمة كونها تحت كرة الهواء مع ان الواقع خلافه و اللّه سبحانه لايفضّل المفضول علي الفاضل اذ كل ماكان اكثف اقرب الي الارض و احوالها فلايقرب الي السماء بل يكون عين السماء الاّ ان‏يقولوا بجواز الطفرة و جواز تقديم المفضول علي الفاضل كما تقوله المعتزلة فحينئذ ينقطع الكلام فصريح القول و صحيحه ان الكواكب اجسام لطيفة عالية صافية و الرؤية ليست لاجل الكثافة و الثقالة اذ ليست شرطاً للرؤية الاتري الاشباح الظاهرة في المرايا و غيرها من الاجسام الصيقلية مع ان رتبتها فوق محدد الجهات و لطافتها اشدّ من لطافة محدد الجهات اي محدبه و كذا الارواح المتنزلة الي مقام البشرية مثل جبرئيل اذا تصور بصورة دحية الكلبي و امثال ذلك فان المقادير و الهيئات لا وزن لها و لا ثقل و الماء الصافي اذا حرّكته يتكدّر و يحجب و ليس ذلك من جهة عروض كثافة عليه زايداً عما عنده اولاً فمقتضي الرؤية و علّتها قوة التركيب و هو لايستلزم الثقل المستلزم للنزول فالكواكب قوي نورانية صيغت بنور اللّه (بقدرة اللّه خ‏ل) تعالي صيغة اشدّ و اقوي من

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 153 *»

صوغ الافلاك فلها تركيب اقوي و اشدّ من تركيب الافلاك و قد ورد في الاخبار علي ماتقدّم ان الشمس لها سبع طبقات و كذا القمر و لذا تري التأثير في الكواكب اكثر و اشدّ بل لايحس تأثير الافلاك باجرامها الاّ قليلاً و لذا اذا غربت الشمس يبرد الهواء مع وجود فلك الشمس و كذلك القمر و ساير الكواكب و هذا معلوم فالكواكب لها رتبة تساوي فيها جرم الافلاك و زيادة و لذا لمّا انشق القمر ماانخرق الفلك و لمّا نزل الي جيب النبي9 ماحصلت في الفلك ثقبة الاتري الي الجسم المطهر النبوي9 مع انه يري لم‏يكن له ظلّ لشدّة نورانيته و صفائه و انه اعلي من عقول النبيين عليه و: ابدالابدين و قد صعد بجسمه الشريف المحسوس الي السماء و ماحصل منه خرق فدلّ العقل و النقل ان مدار الابصار ليس الكثافة كما عرفت و انما هو التركيب و التحديد فافهم.

ثم ان الامام7 اشار بذكر خلق السموات اولاً الي ان خلق السموات مقدّم علي خلق الارض كما هو الواقع و خلق اليوم مقدّم علي خلق الليل و ان كانت الايات و الاخبار بظاهرها علي ماتعرفه العامة مختلفة اذ يستفاد من بعض الايات تقدّم السماء علي الارض كما في قوله عزّوجلّ و الارض بعد ذلك دحيها و من بعضها العكس كالاخبار كقوله تعالي خلق الارض في يومين ثم استوي الي السماء و هي دخان فقال لها و للارض ائتيا طوعاً او كرهاً و لا منافاة في الحقيقة لان اللّه سبحانه و تعالي لمّا اجري عادته علي الخلق و الايجاد علي مقتضي القابلية استدعي ظهور المقبول بعد وجود القابل و ترتّب اثار الفاعل الذي وجهه المقبول انما هو بعد وجود القابل الاتري ان اتصاف ظهور زيد بالقائم مايمكن الاّ بعد تحقق القيام فبالقيام يظهر القائم فافهم المثال التقريبي.

و لمّا كانت السموات مبادي و علل (عللاً ظ) و الارض و من فيها قوابل لم‏تظهر السموات تامة الحركات صحيحة الطبقات ظاهرة الدلالات الاّ بعد اتمام وجود الارض القابلة لفيضها فمادة السموات موجودة و متحققة قبل الارضين و اما تسويتها سبع سموات و ظهور الحركات ماتحقّقت الاّ بعد ذلك و لذا قال عزّو

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 154 *»

جلّ ثم استوي الي السماء و هي دخان فدلّ علي انها كانت دخاناً فان اللّه جلّ و علا لمّا خلق الياقوتة الحمراء فنظر اليها بعين الهيبة فماعت و ذابت ثم سلط الريح علي ذلك الماء فتموّج فازبد و صعد منه دخان فخلق اللّه سبحانه من الزبد الحاصل بعد الدخان الارض ثم سوّي الدخان سموات و اخرج الشعلات المستجنة في زبد البحر فزيّنها بالكواكب المضيئات ثم ادار العلويات علي السفليات فاخرج مااراد من الحيوان و النبات كذلك صنع ربنا لا اله الاّ هو العزيز الغفّار و كذلك حكم الليل و النهار فان اللّه سبحانه لمّا خلق الدنيا كان طالع الدنيا السرطان و الكواكب في اشرافها فكانت الشمس في كبد السماء اول وقت صلوة الظهر فلمّا تحركت الافلاك ظهر الليل ثم دار الفلك حتي ظهر النهار فصار مبدء حساب اليوم من الليل فتقدّم الليل علي النهار لتقدم الظلمة علي النور في قوس الصعود و تقدم القوة علي الفعل والاّ فالنور مقدم علي الظلمة و النهار علي الليل في القوس الاول النزولي و تمام الكلام في هذا المرام ربما ذكرناه فيما بعد ان شاء اللّه.

قوله7 : «و حبس في الجوّ سحائب مكفهرّات» لمّا فرغ الامام7 عن ذكر المبادي و علل الكينونات التي هي السموات و الكواكب المضيئات في عالم التفصيل و مقام التحويل اراد ان‏يبيّن كينونة المعلولات و كيفية تلقّيها الفيض عن العلل العاليات فابتدء بذكر السحائب المكفهرّات فهو كلام جامع للمقامات و حاوٍ للامور الشتات و الاشارة الي مجمل بيانه اعلم انا قد ذكرنا ان المبادي هي الحديدة المحماة بالنار او انها خلقت من النار و المعلول و السافل هو الارض التي هي مطرح اشعة المبادي و قابلية فيضها و لمّا ان المبادي فعلها و تأثيرها في المفاعيل ليس في رتبة ذاتها اذن لاحترق المفاعيل اذ لاتقوي فيجب ان‏يكون ذلك الفعل و التأثير تحت الحجاب لتتمكّن المبادي من التلقي من (عن خ‏ل) ذلك الباب بذلك الجناب و يجب ايضاً ان‏يكون ذلك الحجاب من رتبة مقام المفعول والاّ لارتفعت فائدة اخذ الحجاب و جعل الجناب و الامر بقرع الباب و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 155 *»

لمّا كان نظر الفاعل الي جميع مفعولاته علي حد السواء كان حجابه ايضاً كذلك و اختلاف الحجب لاقتضاء كينونة المفعول وجب ان‏يكون ذلك الحجاب هو عين حقيقة المفعول و تجلي الفاعل له به و لمّا قرّرنا ان السموات هي المبادي / و الكواكب (بالكواكب خ‏ل) و هي لاتؤثر في المفعولات اي المتولدات بذاتها اذن لنفدت و فسدت و اختلّت و انما هي ذوات مستقلة لايطرؤ عليها الفساد و البيود و الدثور بالنسبة الي سافلها كانت لاتؤثّر الاّ بمثالها و هو اشعتها و ذلك المثال من حيث حكايته لتأثير المبدء من حيث هو تأثير المبدء ناوٍ لما ذكرنا و شرحنا فظهرت الكرة النارية التي هي مجمع اشعة الكواكب من حيث كونها حاملة لنار الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية و لا غربية و كانت شجرة موسي حكاية و مثالاً لها.

ان قلت انك قد قرّرت سابقاً ان الكواكب مختلفة في الطبايع نارية و هوائية و مائية و ترابية فكيف تكون الكرة النارية اشعة للكواكب علي الاطلاق قلت لا منافاة لان تلك الطبايع في صقعها و نسبة بعضها مع بعض و اما بالنسبة الي السافل كلها نار بل اشدّ لكونها حينئذ حاملة للمثال الملقي في هويتها كالفتاة الغربية المعبّر عنها بالحمامة عند اهل الصناعة و يحكمون عليها بالبرودة و الرطوبة مع انها في الشدة و الحرارة اشد من النار المعروفة و كذلك الماء الاول الذي يأخذون عنده تفصيل المادة الي النطفتين يحكمون عليه بالبرودة و الرطوبة مع انه في الحرارة بحيث لو استشمّ انسان بخاره المتصاعد منه لمات في ساعته و هم انما قالوا بالاضافة فهي (ففي خ‏ل) الفتاة الغربية بالنسبة الي الفتي الشرقي و الفتي الكرشي (الكويثي خ‏ل) و في الماء الاول بالنسبة الي الماء الثاني الغليظ الذي هو في قوام العسل و كذلك اذا قلنا ان القمر بارد رطب و زحل بارد يابس و الزهرة حارة رطبة و المريخ حار يابس فافهم و لمّا كانت الارض التي هي القابلية باردة يابسة لاتقوي علي الحرارة النارية الفلكية لاحتراقها و فنائها و عدمها اذ البرودة ماتبقي عند ظهور سلطان الحرارة و اليبوسة من سنخها فتعدم الغريب و تجذب اليها القريب فيبطل تركيب ذلك الشي‏ء و اليه الاشارة بقول اميرالمؤمنين7 جذب الاحدية لصفة التوحيد بعد قوله7 محو الموهوم و صحو المعلوم و في

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 156 *»

هذا فناء المعلول و عدمه و هو خلاف ماهو المقصود و المراد وجوده و تحققه و ربط الاسباب بالمسببات و العلل بالمعلولات احتاجت الي وقاية لتحفظ وجودها باستمرار اشراق نار الايجاد عليها و تلك الوقاية هي الرطوبة المعتدلة لانها تحفظ تأثير النار لعدم الغرابة الكلية و تحفظ اليبوسة ايضاً عن الاعدام بالمرة و لذا كانت الوقاية هي النون اذا ارادوا ان‏يقوا الفعل عن الكسر الذي هو من خواص الاسم في قولهم ضربني زيد و النون هي الرطوبة و هي مداد القلم في قوله عزّوجلّ ن والقلم و مايسطرون فافهم ضرب المثل و لمّا كانت هذه الرطوبة ببساطتها يضادّ (تضادّ ظ) الطرفين اي اليبوسة النارية و اليبوسة الارضية و في ذلك اعدامها اذ الضد لايقوم مع الضد الاخر فجعل معها شيئاً من طبيعتهما لتكون رابطة حافظة فانقسمت الي قسمين قسم اضيفت اليه الحرارة فلطفت و رقّت و صعدت الي العلوّ و قسم اضيفت اليه البرودة فثقلت و كثفت و نزلت الي السفل روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي، سبحان من حكمه متقن و امره محكم تعالي ربي لا اله الاّ هو فتمّت هذه المراتب و صارت اصولاً للمبادي اي لظهوراتها و حقايق و مواداً (موادَّ ظ) للمفاعيل و خزينة خامسة لا نفاد لها ينفق منها كيف يشاء و هي العناصر الاربعة التي تحت كرة القمر الاول او الثاني او الثالث وهكذا الي ان‏يتم اربعون او الف الف وهكذا الي ما لا نهاية له من الاكوار و الادوار و الاطوار و لمّا كانت النسمات و حقايق الذوات (الذرّات خ‏ل) من الملأ الاعلي الذين وصفهم مولينا اميرالمؤمنين7بانهم صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فابان7 انها كالحديدة المحماة لقربها الي عالم النور و ان فيها مثال الفاعل و قدعرفت ان مثال الفاعل ليس الاّ النار لان اللّه سبحانه خلق الفاعل من نار الشجرة و تلك النسمات لمّا اراد اللّه عزّوجلّ اظهار القهارية و الجبروت و يعرفهم توحّده في الملك و الملكوت و تقدسه في عالم اللاهوت انزلهم من عالم الي عالم و من مقام الي مقام حتي انتهي بهم الي عالم الاجسام فرمي بهم الي الكثافات و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 157 *»

الكدورات لينالوا نصيبهم من الكتاب و يستوفوا حظّهم من الخطاب و يثبت وقوفهم بذلك الباب و لواذهم بذلك الجناب فانزلهم الي الارض الجسمي فاستجنّوا و استكنّوا فيها عند نهايات الادبار فلمّا دعاهم الي الاقبال وجب فلق الارض لتظهر منها تلك الحقايق و الانوار لتمكين قابليتهم للاجابة.

و الفلق علي انحاء و مراتب من الظاهري و الباطني: اما الباطني فقد مضي الكلام في شي‏ء يسير منه عند قوله7 فتق الاجواء و اما الظاهري فهو علي قسمين: قسم هو الشقّ المعروف كالينابيع و العيون و البئار او الشقّ (و شقّ خ‏ل) لاستخراج الكنوز و هذا لايراد به الاّ في المواضع التي يكون المستجن فيها استجناناً ظاهرياً وعائياً و لا هكذا استجنان الارواح في الاجسام بل استجنانها استجنان غيبي لابد من حلّ الارض و ذوبانها لتخلص عن الاعراض المانعة و تحكي تلك الحقايق الالهية و الحلّ لايكون الاّ بالحرارة و الرطوبة و اليبوسة اذ الحرارة تفرّق المجتمع و الرطوبة تربط الاجزاء المنحلة بعضها مع بعض فاليبوسة (و اليبوسة خ‏ل) تجمعها قبل التفصيل و الذوبان و بعدهما و اليبوسة اذا كانت يبوسة ارضية كثيفة غاسقة لايليّنها و لايحلّها الاّ الرطوبة التي هي من سنخها و جنسها و اما الرطوبات اللطيفة فلاتنفع لتليين الكثيف الغاسق لانك ان زيّدت الحرارة تحترق و ان قلّلتها تحتاج الي مدة طويلة يفوت بها المقصود و هذا امر ظاهر بديهي مايحتاج الي البيان.

فثبت ان الرطوبات الهوائية اللطيفة لمجاورة النار ماتؤثّر في حلّ الاجزاء الارضية الكثيفة فيجب ان‏تضاف اليها عند الحلّ الرطوبة (الرطوبات خ‏ل) المناسبة لمقامها و ليس ذلك الاّ الماء و لمّا كانت الانوار المستجنة من النباتية و الحيوانية و الانسانية اموراً غيبية يجب ان‏يكون الحلّ الواقع مؤثراً في الجهات الغيبية علي حسب مقامه و لا شك ان الكثيف من هذا الكثيف لو فرض حلّه يبلغ الي ادني مرتبة اللطافة و في ذلك طول العمل من غير طائل و كذا الرطوبة التي تحلّ الاجزاء كلّما كانت الطف و اعلي كانت في النفوذ اشد و لمّا كان الانحلال في غير الكبد مايتحصّل لحكم (بحكم خ‏ل) الحرارة و الرطوبة اللايقة وجب ان‏يكون ذلك الانحلال في الهواء فحصلت ثلثة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 158 *»

اشياء: الاول الاجزاء الارضية اللطيفة الغير الكثيفة الغير المجاورة للارض و هذه هي الهباء و اذا اطلقنا الهباء نريد في هذا المقام هذه الاجزاء. الثاني الاجزاء المائية اللطيفة المتصاعدة عن وجه الماء المختلطة بالاجزاء الهوائية و هي البخار. الثالث الهواء بنفسه في الربع الاخير من حيث كونه حاملاً لتأثير النار مترجماً له عنها و لمّا وجب ميل السافل الي العالي و ميل العالي الي السافل في تكوّن الشي‏ء صعدت الاجزاء الارضية الي العلوّ الي جهة السماء و نزلت التأثيرات الكوكبية من كرة النار بحاملها الي الهواء فاجتمعت الامور الثلثة كلّها في الهواء فلمّا انضمّت الرطوبة مع اليبوسة بالحرارة و نفخ عليها بريح الجنوب مالت اليبوسة الي الانحلال و الي الرطوبة و مالت الرطوبة الي الانعقاد و الي اليبوسة الي سبعة ايام من ايام الشأن فانعقدت هذه الاربعة انعقاداً لطيفاً فصارت بالنسبة الي الذوبان و البساطة كثيفة فبقيت في الجوّ و انعقدت فكانت سحاباً مكفهّراً و هذه هي المادة لكل مايتكوّن في الجوّ من الامطار و الثلوج و الطل و الرعد و البرق و البرد و الشهب و غيرها ولو اردنا شرح تفاصيل هذه الامور ان كان كما ذكروا فلا فائدة لذكرنا و ان كان علي ماعندنا من دليل الحكمة فيطول به الكلام و ليس لي الان اقبال ذلك لكن الذي ذكرنا من دليل الحكمة من بيان مادة السحاب يظهر الباقي لمن له نوع فطانة و ذكاوة و انس بكلماتنا و هذا معني قوله7 و حبس في الجوّ سحائب مكفهرّات اي مغلّظات و انما وصفها7 بها للاشارة الي اسرار كثيرة يضيق الصدر باظهارها و لايضيق بكتمانها ان في ذلك لايات للمتوسمين.

و هذه الكثافة امر عرضي ليست بذاتية و انما هي لتحقق الاعراض و استخراج الذوات فجاء سرّ المتشابهات و هذه انما كانت من المفعول قدحجبت عن الفاعل الذي قوامها به و هو العلويات من الافلاك و النجوم فقلّ النور علي وجه الارض و تكدّرت.

تغيّرت البلاد و من عليها و وجه الارض مغبرّ قبيح

 

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 159 *»

لكن هذا الحجب ليس كلياً و انما هو جزئي اسرع مايكون في الاضمحلال لانه مجتثّ و انما اوتي به اتماماً لقابلية المفعول و استنطاقاً لطبايعهم مع انه ليس محيطاً بكل اقطار الارض ليحتجب نور الشمس بالكلية و انما هو محاذي جزء من اجزاء الشمس او القمر بالنسبة الي الناظر فاذا تطرّف عند (عنه خ‏ل) الناظر يري الشمس ظاهراً عياناً من غير حجاب و يشاهد جمال المحبوب المطلوب من غير نقاب ان في ذلك لايات لاولي الالباب و اليه الاشارة بقوله تعالي ان الذين توفّاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الارض قالوا الم‏تكن ارض اللّه واسعة فتهاجروا فيها فاولئك مأويهم جهنم و ساءت مصيراً الاّ المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان الذين لايستطيعون حيلة و لايهتدون سبيلاً عسي اللّه ان‏يعفو عنهم و كان اللّه عفوّاً غفوراً و من يهاجر في سبيل اللّه يجد في الارض مراغماً كثيراً و سعة و من يخرج من بيته مهاجراً الي اللّه و رسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره علي اللّه و كان اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 160 *»

غفوراً رحيماً.(([5]) خ‏ل)

و قوله7 و حبس في الجوّ الخ جواب عن كل الاعتراضات و ردّ لكل الشبهات و متمّم لماسبق من الكلمات فانه7 اثبت بقوله الحمد للّه الذي فتق الاجواء الولاية المطلقة الظاهرة في جلال القدرة رتبة الواحدية حضرة الاسماء و الصفات و الاضافات و مقام قل من بيده ملكوت كل شي‏ء و هو يجير و لايجار عليه و اثبت7 بقوله خلق السموات بلا عمد (بلا دعائم خ‏ل) الخ (هـ خ‏ل) مقام حامل اللواء و قوله تعالي و ان اللّه هو العلي الكبير و مقام قوله تعالي و ماقدروا اللّه حق قدره و الارض جميعاً قبضته يوم القيمة و السموات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالي عمايشركون فلمّا تمت البراعة و اظهر السرّ التفت الي ما القي الشيطان في قلوب اوليائه اما بذاته او باللطخ و الخلط من ان الامر لو كان كذلك فما وجه الضعف و عدم الظهور لان العلة ماتخفي و لاتهان فاجاب7 و نسخ ما القي الشيطان بقوله و حبس في الجوّ سحائب مكفهرّات اشارة الي ان الخالق هو الحابس و السحاب هو جهة (جهات خ‏ل) انية المفعول القابل حيث حجبته عن مشاهدة نور الظهور الساطع علي الطور فلو كشف الحجاب لرأوا الامر واضحاً ظاهراً فهو احتجب بهم فلو تطرّفوا عن هذا الحجاب و دخلوا الباب لوجدوا الشمس ظاهرة بارزة تشرق الكون و تمدّ الخلق من المعني و العين و لذا لمّا قيل لطلحة و هو يجود بنفسه من رماك يا طلحة قال رماني علي بن ابي‏طالب7 قيل انه لايرمي بالنبل و انما يقاتل بالسيف. قال ويحك اماتنظر اليه كيف يصعد الي السماء و يخرق الارض و يذهب الي المشرق و المغرب و يقاتل بالسيف و يرمي بالنبل و يقول مت يا عدوّ اللّه فيموت في ساعته و ذلك عند ارتفاع السحاب و صرّح7 بالذي فهّمنا من التلويح من ان هذا جواب لمايتوهّمه المتلوّنون او اثبات حقيقة الامر و الواقع و لابدية الوجود المشوب بالظلمة من ذلك بقوله7 و كأنّي بضعيفكم يقول الاتسمعون الي مايدّعيه ابن ابي‏طالب في نفسه و بالامس تكفهرّ عليه عساكر اهل الشام فلايخرج اليها و باعث محمّد9 اه و انما اتي بلفظ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 161 *»

تكفهّر للاشارة الي ان ذلك من تلك السحب و نحن ان شاء اللّه العزيز نكشف عن الواقع و الحقيقة علي التصريح اذا بلغنا شرح هذه الكلمات.

قوله7 : «و خلق البحار و الجبال علي تلاطم تيّار رقيق رتيق فتق رتاجها فتغطمطت امواجها» اقول: لمّا فرغ الامام7 عن بيان تفاصيل المبادي و الاصول و مظاهر العلل الفاعلية و كيفية ربط الفاعل بالمفعول و اتصال المسبب بالسبب و معني الايجاد و الاحداث و الاختراع و الابتداع و الامر الفعلي و المفعولي و براعة هذه الخطبة الشريفة و الي مظاهر التوحيد (التوصيف خ‏ل) و هياكل التنزيه و التفريد الي غير ذلك من الامور التي جهلنا اكثرها و اشرنا الي بعض ماعرفنا شرع7 في بيان العلل المادية و يلزمه بيان العلة الصورية و ان الشي‏ء في مكانه له مكانان مكان ذاتي طبيعي بحسب كينونته الثانية و مكان غير طبيعي في الظاهر المتوقّف الي المعين لا القاسر فيتحلّي حينئذ بحلية اهل ذلك المكان و يلزمه بيان ان الشي‏ء قديتعلق به النور فيصعد به الي اعلي المقامات و مكانه الاصلي في اسفل الدرجات بل الدركات الاّ انه مايتحلّي بحلية اهل ذلك المكان لان هذا الصعود و البلوغ عرضي يزول حكمه سريعاً و لاتتوهّم ان الذي ذكرنا هو المتحصل من هذه العبارات خاصة بل هذا و غيره امور اخر مما لم‏يحط به علمنا و لم‏تبلغ اليه سعتنا و قدقالوا: ان حديثنا ذكي اي طري ابداً لاتفني عجائبه و لاتبيد غرائبه كلّما يتغوّص السابح في تلك اللجة يري البحر اعمق و الساحل ابعد كيف لا و هو طمطام بحر الاحدية و لجة يمّ الوحدانية و لا ساحل لذلك و قد قال سبحانه و تعالي ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه و هم تلك الكلمات الاربعة التي بني عليها الاسلام المكررة ثلث مرّات قال مولينا الكاظم7 نحن الكلمات التي لايستقصي فضلنا و لايستحصي و بالجملة اياك ان‏تحصر معاني كلماتهم: فيما تفهم او فهم العلماء و ان بلغوا مابلغوا لانهم ما اوتوا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 162 *»

العلم الاّ قليلاً و هم سلام اللّه عليهم اوتوا العلم كلّه قال تعالي و كل شي‏ء احصيناه في امام مبين، و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين، عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول فاحفظ وصيتي و اللّه خليفتي عليك.

قوله7 خلق البحار اعلم انه لمّا كانت البينونة بينه تعالي و بين خلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة بمعني ان الخلق صفات له سبحانه صفة استدلال عليه لا صفة تكشّف له سري سرّ الوحدة في كل ذرات الوجود في الغيب و الشهود فلن‏تجد شيئاً و ان عمّ و كثر الاّ شيئاً واحداً /و لذا تري ان رتبة الاعداد كل رتبة (و لذا تري رتبة الاعداد اذ كل رتبة خ‏ل) تفرض فيها تفرض انها واحد اذ الكسور التسعة لاتترتّب الاّ علي مايفرض انه واحد و الواحد لا كسر له و كل مرتبة تفرض من مراتب العدد و ان تبلغ الي ماتبلغ تري الواحد امامه فكلّما تترقّي في العدد لايمكنك الوصول الي ذلك الواحد و هو امام كل عدد قال7 تدلج بين يدي المدلج من خلقك فالواحد عادّ العدد و لاينتهي الي امد الي الابد و ذلك الواحد الساري في كل عدد من الاعداد الكونية و الذاتية و الصفتية و المقدارية و الغير المقدارية من المتصلة و المنفصلة من جهة حدوثه و امكانه له شئون و اطوار و درجات و مقامات و له فيها اوطار و تلك الشئون و الاطوار له مقامان مقام ظهور عيني كوني مشروح العلل مبيّن الاسباب ظاهراً بالكثرات خارجاً عن طور الوحدة بكثرة الاضافات و القرانات و مقام ظهور غيبي استجناني اي استجنان الاستعداد و الصلوح لا الشجرة في النواة ظاهراً بالوحدة بتكثر الاسماء و الصفات فان الاسماء و الصفات لاينبئان الاّ عن الذات و هذا الامر الواحد الساري في الشئون و الاطوار هو البحر عند اهل الاسرار و الائمة الاطهار عليهم سلام اللّه الملك الجبّار كما دلّت عليه الاخبار و شهد له صحيح الاعتبار و هو بحر حال ذوبانه و جبل حال انجماده نور في وحدته و ظلمة في كثرته نار في ظهور مبدئه و لحظ (لحاظ خ‏ل) حرارة تعيّنه و ماء في كينونته و بحر لامواجه او للواقف بساحله او للسابح في لجّته او للصدف في قعره او لبعده في عمقه و عدم وصول المحاول اليه و غرقه او لحمله متاع غيره بسفينة ارتباطه وهكذا من ملاحظة الاطوار و الاوطار قال

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 163 *»

الشاعر:

انظر الي العرش الي مائه سفينة تجري باسمائه
و اعجب له من مركب دائر قد اودع الخلق باحشائه
يسبح في لجّ بلا ساحل في جندل الغيب و ظلمائه
و موجه احوال عشّاقه و ريحه انفاس ابنائه
فلو تراه بالوري سائراً من الف الخطّ الي يائه
و مرجع العود الي بدئه و لا نهايات لابدائه
يكوّر الليل علي صبحه و صبحه يفني باسمائه

و هذا المعني الجامع هو المحصّل من مفاهيم الفاظ اخبار اهل‏البيت: .

و اما في‏الحقيقة فليس لاطلاقاته (لاطلاقه خ‏ل) في اغلب المواضع حقيقة جامعة فيكون الاشتراك بين تلك المواضع و الموارد في اللفظ لا الحقيقة و لاتسمع الي مايقولون من ان الاشتراك خلاف الاصل فيجب الحمل علي الماء الكثير المالح لان المجاز لايتصور قبل الوضع و الوضع لايتصور قبل حصول المعني الموضوع له و لا شك ان تلك المعاني التي اطلق عليها لفظ البحر و الماء قبل خلق السموات و الارض فيكون بحار السموات و الارض كلها تابعة لتلك الابحر و تأبي الحكمة الالهية ان‏يجعل التابع متبوعاً في اللفظ فان الالفاظ صفات الكينونات فيجري علي طبقها لئلاتتناقض احكام اللّه و تختلف ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فاوسع البحار و اشملها و اعمّها و اكثرها هو العمق الاكبر بحر الامكان و هذا بحر لا ساحل له و لا نهاية له و لا بداية له يجري من عين الرحمة الواسعة الي ما لا نهاية له ثم بعده شمولاً و احاطة بحر الوجود و الماء الذي كان العرش عليه و الماء الذي منه كل شي‏ء حي و هو بحر الصاد و اول المداد مجراه في الفؤاد بلا نفاد وهكذا في المراتب من البحر الابيض و البحر الاخضر و الماء الاحمر و البحر الكمد و البحر الاسود و البحر الاشقر و بحر الظلمة التي تحت

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 164 *»

الحجب و بحر الحيوان الذي فوق السماء السابعة و البحر الذي بين السماء و الارض و البحر المحيط علي الارض و البحر القلزم و البحر الاخضر المسمي ببحر الفارس وهكذا الي اخر هذه البحور التي ذكرها العلماء في كتبهم في هذا الشأن و اشرف البحار و اعظمها و احسنها بل /و (زائد خ‏ل) لا بحر سواه هو بحر الاحدية و هو بحر الوجوب و الازل الظاهر في الامكان للممكن فالسابح في هذا البحر يسبح الي ما لا نهاية له و لا سفينة له سواه و لا ساحل له غيره و لا ملاّح سواه و لا شراع غيره و ذلك البحر هو بحر و سفينة و ملاّح و راكب و سائر و مطلوب و مقصود و ساحل يسير به الي ربه في مقامات الامكان فلا نهاية لهذا السير و لا خروج عن هذا البحر و لا بلوغ الي الساحل و لا وصول الي المقصود و لا خروج عن المقصود و هو سبيل اللّه و لاينقطع السبيل كلّما ينقطع مسافة يجد بعدها /مسافة (زائد خ‏ل) اخري فلا وصول و لا اتصال و لا انفصال و لا اجتماع و لا افتراق سبحان ربك رب العزة عمايصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين و هذا البحر ليس هو ذات اللّه تعالي ربي عن ذلك و انما هو ظهور من ظهوراته لخلقه و هذا البحر هو الذي قال اميرالمؤمنين7 في الدعاء رب ادخلني في لجّة بحر احديتك و لا موج لهذا البحر و لا اضطراب و لا اغتشاش و لا حركة و لا خوف و لا سارق و لا التنين و لا الحيتان و لا شي‏ء و انما هو صرف التجلي و ماء الظهور الخالص الصفي و هذا بحر المحبة محل الانس و الشفقة و مقام ايثار المحبوب علي ماسواه و مقام الغرق و الفناء و مقام البقاء و البهاء و مقام سكر المعرفة فلايري السابح في هذه اللجة بحراً ابداً و لايتوهّم و انما هو لشموله و احاطته و سعته يفني كل البحور قال7جذب الاحدية لصفة التوحيد ثم بعد هذا البحر في الشرف و البهاء و الفخر بحر الوحدانية و هو بحر الواحدية قال اميرالمؤمنين7 و طمطام يمّ وحدانيتك و هذا البحر قدتموّج بموج الاسماء و ظهرت فيه سفن الصفات و شرعت بشراع المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و يسير السائر الراكب في تلك السفن

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 165 *»

الي انحاء التجليات و ساحل الظهورات و لا نهاية لذلك و هذا اول العدد و صاحب الابد بلا امد مع انه قد صحّ ان الواحد ليس من العدد ثم بحر القدر و هو بحر ذاخر مظلم كالليل الدامس كثير الحيات و الحيتان يعلو مرة و يسفل اخري في قعره شمس تضي‏ء لاينبغي ان‏يطلع عليها الاّ الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضادّ اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير و هذا البحر مادته نهر يجري من تحت جبل الازل الي ما لا نهاية له و لايسبح في هذا البحر بالاصالة احد الاّ محمّد و اهل بيته الطيبون صلي اللّه عليه و عليهم و ليس معني سباحتهم احاطتهم و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بما شاء /وسع كرسيه السموات و الارض (زائد خ‏ل) بل لزيادة التحيّر في عظمة اللّه سبحانه لشدة فوران هذا البحر و غليانه فافهم و هذا هو اللجج الغامرة التي لايسبح و لايسير فيها الاّ السفن العامرة قال7 اللّهم صلّ علي محمّد و ال‏محمّد السفن الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها و يخذل من تركها.

ثم البحور الاثناعشر التي تغوّص فيها النبي9 في العالم الاول حين استخلصه اللّه في القدم علي سائر الامم اقامه مقامه في سائر عالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحيط به خواطر الافكار و تلك هي النجوم الاثناعشر و البروج الاثناعشر و الشهور الاثناعشر و حروف لااله الاّاللّه المنبسطة في اقطار الكون و هم الائمة الاثناعشر عليهم سلام اللّه ابداً و كل واحد منهم: بحر قداحاط بشأنه كل الوجودات و لذا نقول ان كل واحد منهم علة مستقلة كلية في الايجاد باللّه سبحانه و تعالي و اللّه من ورائهم محيط عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم مابين ايديهم و ماخلفهم و لايشفعون الاّ لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين و معني سباحة النبي9 في هذه الابحر ظهوره فيهم كالعرش الظاهر في الكرسي في البروج الاثني‏عشر و المنازل الاربعة عشر النوريه ثم البحور الاثناعشر او العشرين التي هي وجوه و ظهور هذه الاثني‏عشر

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 166 *»

عند الامداد و الافاضة و تلك الابحر انما وجدت من نور محمد9 كماقال اميرالمؤمنين7 ان اللّه خلق من نور محمّد9 عشرين بحراً من نور في كل بحر علوم لايعلمها الاّ اللّه سبحانه ثم قال لنور محمّد9 انزل في بحر العزّ ثم في بحر الصبر ثم في بحر الخشوع ثم في بحر التواضع ثم في بحر الرضا ثم في بحر الوفاء ثم في بحر الحلم ثم في بحر التقي ثم في بحر الخشية ثم في بحر الانابة ثم في بحر العمل ثم في بحر المزيد ثم في بحر الهدي ثم في بحر الصيانة ثم في بحر الحياء حتي تقلب (تتقلب خ‏ل) في عشرين بحراً و هذه الابحر هي جهات العبودية المشاراليها بقوله تعالي اياك نعبد اذ العبد المخلص له في كل مقاماته انكسار و انفعال و تسبيح للّه عزّوجلّ و ذلك هو البحر الذي يسبح فيه في ذلك المقام فاذا تمّ الانكسار و الانفعال في كل المراتب و المقامات و الحالات فتصفو طويته عن كل الرذائل و السيئات فتبلغ مرتبة الاكسيرية فيدعو اللّه باسميه الحي القيّوم و يخاطب بخطاب انك لعلي خلق عظيم.

و لمّا كان الانسان قدخلق من عشر قبضات في الظاهر و الباطن و الغيب و الشهادة فيكون له عشرون مقاماً و لمّا كان في كل مقام له حال ذلّ و مسكنة بالنسبة اليه فتظهر جهة الحق فيه فيتّسع المقام بظهور القادر العلاّم فيكون بحراً واسعاً و طمطاماً بالغاً فيؤثّر في غيره و يصفّي بفاضل نوره و لذا قال7 فلمّا خرج من اخر الابحر قال اللّه تعالي يا حبيبي و يا سيد رسلي و يا اول مخلوقاتي و اخر رسلي انت الشفيع يوم المحشر فخرّ النور ساجداً ثم قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة الف و اربعة و عشرون الف قطرة فخلق اللّه من كل قطرة من نوره نبياً من الانبياء فلمّا تكاملت الانوار صارت تطوف حول نور محمّد9 كمايطوف الحجاج حول بيت اللّه الحديث.

ثم البحور السبعة التي اشار اليها الحق سبحانه في كتابه المجيد قال ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه و هذه الابحر هي التي يسبح الخلق فيها علي اختلاف مراتبهم و مقاماتهم علي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 167 *»

اختلاف مراتبها و مقاماتها و في كل بحر للسابحين تسبيح. فالبحر الاول هو البحر الابيض و الماء الابيض الذي في قرب الجزيرة الخضراء بلاد القائم7 في المغرب و في هذا البحر يسبح اللّه سبحانه بقوله سبّوح قدّوس ربّنا و ربّ الملائكة و الروح و سبحان اللّه ذي العزة و الجبروت. و البحر الثاني بحر الرقايق و الماء الاصفر الذي لونه يسرّ الناظرين و في هذا البحر يسبح اللّه سبحانه بقوله سبحان ذي العظمة و الجلال. و البحر الثالث البحر المحيط و القلزم الموّاج الذي يصعد باللئالي الي تحته و يلقي في اطرافه بحر كثير الموج و شديد الزلزال قدغرقت فيه سفن كثيرة و له جزيرتان احديهما في المغرب و هي الجزيرة الخضراء التي فيها اولاد القائم7 و الاخري في المشرق المكان الذي اغرق اللّه فيه فرعون و جنوده و مراكبه و هو من الخاسرين و في هذا البحر يسبح اللّه تعالي بقوله سبحان ذي القدرة و الملكوت. و البحر الرابع بحر القوة و الاستعداد و مقام الرجوع الي الطين و هو بحر شديد الحمرة و في هذا البحر يسبح اللّه تعالي بقوله سبحان ذي الغلبة و القهر لا اله الاّ هو له الملك و اليه يرجعون. و البحر الخامس بحر الهيولي و لجة الهباء و الماء الكمد و كل لئاليه زبرجد و في هذا البحر يسبح اللّه تعالي بقوله سبحان ذي القوة و السلطان. و البحر السادس البحر الاخضر المائل الي السواد و في هذا البحر يسبح اللّه تعالي بقوله سبحان من خلق فسوّي و قدّر فهدي. و البحر السابع البحر الاسود كالليل الدامس و هو القلزم الاعظم و في هذا البحر يسبح اللّه تعالي بقوله سبحان من خلق و برأ و قدّر و قضي و امضي سبحان ذي الملك و الملكوت و هذا البحر بين السماء و الارض بل هو البحر الذي كان رتقاً ففتق اللّه سبحانه منه السموات و الارض بدخانه و زبده و من هذا البحر تشعّب بحور كثيرة كبحر الحيوان و بحر الظلمة و البحر الذي بين السماء و الارض و بحار الارض كالمحيط و غيره مماتشعّب منه كما هو مذكور في كتب القوم.

ثم البحور السبعة التي اشار اليها مولينا الكاظم7 في تفسير قوله تعالي كماتقدّم انها عين اليمين و عين الكبريت و عين ابرهوت و عين الطبرية و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 168 *»

جمّة ماسيدان و جمّة ناجروان و في نسخة بلعوران و عين افريقية الحديث و هذه الابحر هي الروابط و الوحدة الرابطية كما ان الاصول تنقسم الي سبعة لظهور الكمال كذلك الروابط و المناسبات و الحدود الشخصية المجتمعة.

و بيان ذلك مجملاً: ان الوجود في نفسه واحد ينقسم باعتبار قربه من الفيض و بعده و باعتبار قابلياته الي اقسام سبعة اشارة الي كماله في نفس انقسامه الي العدد الكامل و هذه الخمسة العيون و الجمتان مختلفات (مختلفان خ‏ل) فطيّب بارد كعين اليمين و خبيث منتن اسود حارّ كعين ابرهوت و مختلط بين الحارّ و البارد فاذا اخذ كان الجميع بارداً كعين الطبرية و بين الجاري كالعيون و الراكد كالجمّتين و في المركبات الجسمية كعين الكبريت و غيرها و كل ذلك اشارة الي اقسام الوجود و انقسامه يعني ان الوجود المقيد ثقيله و خفيفه و كثيفه و لطيفه لو كان مداداً للكلمات و حصر فضائلها لنفدت قبل ان‏تنفد الكلمات: هكذا ذكره شيخنا الاستاد اطال اللّه ظلاله علي رؤس العباد و هو كما قال سلّمه‏اللّه.

و اما معرفة تفاصيل هذه الابحر فيحتاج الي معرفة تلك البلدان و طبايعها و احوالها و الكواكب المربية لها و معرفة عرضها و طولها و حرّها و بردها و مقتضيات خواصّها و قرانات اوضاعها و طبايع احوالها و اشخاصها و لم‏يحضرني الان تلك الاحوال و علي اللّه قصد السبيل.

ثم الابحر الاربعة و هي الانهار الاربعة كما ذكر اللّه عزّوجلّ في كتابه العزيز: الاول الماء الغير الاسن و هو الجاري من ميم بسم و هذا الماء يجري تحت الحجاب الابيض الاعلي في عالم الوجود المطلق النازل بظهوره الذي هو اثره في اول رتبة الوجود المقيد النازل بظهوره الي ريح الصبا المستكنّ المستجنّ في الركن اليماني و عنده مجمع الرياح. الثاني اللبن الذي لم‏يتغيّر طعمه و هو الحجاب الاصفر و النور الاصفر المشرق من صبح الازل عند ظهور الصبح و اسفاره و تبين الحمرة و هو النازل بظهوره في ثاني رتبة الوجود المقيد رتبة البراق مركب النبي9 عند عروجه الي عالم القدس و مقام الانس الاخذ بزمامه اسرافيل النازل بظهوره الي ريح الجنوب المستكنّ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 169 *»

المستجنّ في الركن العراقي من الكعبة شرّفها اللّه تعالي. الثالث الخمر الذي هو لذّة للشاربين و هو الجاري من ميم الرحمن تحت الحجاب الاخضر في عالم الوجود المطلق مقام القدر و الهندسة الايجادية النازل بظهوره و اثره الي النور الاخضر المشرق من صبح الازل الذي هو القدر من عالم الامر و هو اللوح المنشور بين يدي عزرائيل النازل بظهوره الي ريح الشمال المستجنّ في الركن الشامي من الكعبة عظّمها اللّه تعالي ظاهراً و باطناً. الرابع العسل المصفّي و هو النابع الجاري من ميم الرحيم تحت الحجاب الاحمر في عالم الوجود المطلق مقام القضاء و التركيب و الالزام النازل بظهوره الي رابع رتبة الوجود المقيد و هو النور الاحمر المشرق من صبح الازل الذي هو نفس الوجود المطلق النازل بظهوره الي ريح الدبور المستكنّ المستجنّ في الركن الغربي و الواقف عليه جبرائيل رسول‏اللّه الي انبيائه و هذا معني قوله عزّوجلّ مثل الجنة التي وعد المتقون فيها انهار من ماء غير اسن و انهار من لبن لم‏يتغيّر طعمه و انهار من خمر لذة للشاربين و انهار من عسل مصفّي و لهم فيها من كل الثمرات و مغفرة من ربهم. و انما اشير الي الاول بالماء الغير الاسن لانه بحر الحيوة و هو الرحمة قال تعالي فانظر الي اثار رحمة اللّه كيف يحيي الارض بعد موتها و هو الماء الذي به كل شي‏ء حي. و الي الثاني باللبن لانه مادة الحيوة و طارد الممات و هو البقرة الصفراء التي فاقع لونها تسرّ الناظرين قال اللّه عزّوجلّ فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي اللّه الموتي و يريكم اياته لعلّكم تعقلون و اللبن اسرع الاشياء الي الاستحالة بالنطفة و الظاهر طبق الباطن و الصورة مثال الحقيقة فافهم. و الي الثالث بالخمر لانه مقام السكر و حالة الاضطجاع و الكسالة قال تعالي لاتقربوا الصلوة و انتم سكاري حتي تعلموا ماتقولون و قال تعالي و لايأتون الصلوة الاّ و هم كسالي و هناك مقام الكثرة الحاجبة عن الوحدة و مشاهدة جمالها و جلالها فيظهر مقتضاها ان عمل فيها بمقتضاها في دار الاخرة من غير مايترتّب عليها مقتضاها الدنيوية فاشار بالظاهر الي الباطن فافهم. و الي الرابع بالعسل لانه حارّ يابس طبع النار نار الطبيعة المهيجة للاشواق الساكنة قال تعالي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 170 *»

فيه بالطف اشارة للمؤمن الممتحن و اوحي ربك الي النحل ان اتّخذي من الجبال بيوتاً و من الشجر و ممايعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس و هدي و رحمة لقوم يؤمنون.

و الابحر الثلثة: الاول بحر النور و هو عالم السرور عالم الجبروت و حجاب اللاهوت و خزانة الحي الذي لايموت و هو اول العدد و صاحب الابد روحه نسخة الاحدية في اللاهوت و جسده صورة معاني الملك و الملكوت و قلبه خزانة الحي الذي لايموت طاوس الكبرياء و حمامة الجبروت كما قال اميرالمؤمنين7 . الثاني بحر الظلمة و هو ظاهر اسم ذلك البحر و باب ذلك السور قال تعالي فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب، اذلّة علي المؤمنين اعزّة علي الكافرين، و ننزّل من القرءان ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً و في الزيارة السلام علي رحمة اللّه علي الابرار و نقمته علي الفجار الاتري كوكب زحل فانهم حكموا له بالسواد المايل الي الحمرة و هو كذلك و قالوا انه نحس اكبر و دلّت اخبارنا بانه كوكب اميرالمؤمنين7 و هو النجم الثاقب يأمر بالورع و التزهّد و لبس الخشن. الثالث بحر النار و هو مهيّج الاشواق و راعي الاذواق و مملي الافاق بالاشراق و لايخاف في اللّه لومة لائم لشدة حرارة المحبة الغريزية و النايرة الطبيعية و لذا ظهر بالحمرة عند وفاته9 و ظهرت له الحمرة في افاق السماء و اعناق الهواء فاحرق بتلك النار الرطوبات و اليبوسات الفضلية العارضية و هيّج حرارة الشوق في الرطوبة الذاتية السليمة المعتدلة فاخذت تلك بالنضج و تلك بالاحراق الي ان‏يتمّ النضج و يحترق الاكدار فهناك تظهر شمساً مضيئة تستأهل اراضي القلوب لاشراقها و لاتطلب احتجابها بالسحب و الليل فينادي منادي الحق الا ان الحق مع علي7 و اصحابه من دون النداء الثاني لاحتراق النداء و المنادي قال7 علي مارواه علي بن مهزيار في تفسيره في قوله تعالي سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 171 *»

من اللّه ذی المعارج تعرج الملائكة و الروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة فاصبر صبراً جميلاً انهم يرونه بعيداً و نريه قريباً قال7 انه هو القائم7 و هو الغاشية في قوله عزّوجلّ هل اتيك حديث الغاشية.

و التفسير الاخر لهذه البحور الثلثة فاعلم ان بحر النور هو الحق لانه من بحر الصاد و النون و المزن و هذا الماء نور في القلوب و شفاء للصدور و بحر الظلمة هو الباطل لانه عكسه و ضدّه و خلافه قال7 الرشد في خلافهم و بحر النار هو البحران (الامران خ‏ل) المتضادّان المتعاكسان احدهما النار التي بها تنضج ثمار الجنة و هي نار الشجرة في قوله تعالي ولو لم‏تمسسه نار و ثانيهما نار اللّه الموقدة التي تطلع علي الافئدة قال اللّه تعالي و ماادريك ما الحطمة نار اللّه الموقدة التي تطلع علي الافئدة انها عليهم مؤصدة في عمد ممدّدة و البحران قال تعالي هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات سائغ شرابه و هذا ملح اجاج و جعل بينهما برزخاً و حجراً محجوراً و قال ايضاً سبحانه و تعالي مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان الاول البحر العذب و هو ماء الوجود لانه نور اللّه سبحانه قال7 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه قال مولانا الصادق7 في تفسيره اي من نوره الذي خلق منه هـ و هو الوجود لان اللّه عزّوجلّ خلق الاشياء منه و هو نور اللّه لانه متعلق الجعل الذاتي و هو كالحديدة المحماة و هو بحر حقيقة لذوبانه و سريانه في كل امواجه و حدود تعيّناته و الثاني بحر الماهية و هو بحر الانية مقام الصورة و هو ملح اجاج لانه في سجين بل تحته و هو الطمطام فلايسوغ شربه و هذان البحران مختلطان في غاية الاختلاط بحيث يصدق علي المجموع اسم واحد لكن بينهما برزخ و حاجز من قدرة اللّه سبحانه يمنعهما عن استهلاك احدهما في الاخر بل هما باقيان بفعلهما و تأثيرهما و مقتضياتهما و خواصهما و احوالهما كما كانا قبل الاختلاط و هذا كمال القدرة و بالغ الحكمة اماتري الرجل فانه مرة يعصي و الاخري (اخري خ‏ل) يطيع فلو كان البحران فيه ممزوجين مختلطين وجب ان‏يصدر عنه امر ثالث لا طاعة و لا معصية كساير المركبات ولو لم‏يكونا مختلطين

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 172 *»

ممزوجين وجب ان لايصدق عليهما في حال التركيب اسم واحد فصحّ المزج و الاختلاط من غير استهلاك و امتزاج و هذا شأن البرزخ و كل الوجود يدور علي هذين البحرين و لم‏يخرج منهما شي‏ء و هما الزوجان في قوله عزّوجلّ و من كل شي‏ء خلقنا زوجين و قولهم «كل ممكن زوج تركيبي» فمن خرج عنهما فني و لحق بالبحر الاعظم و هناك ايضاً رائحة منهما و قال اللّه تعالي في سورة الرحمن مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان الاية و فسّر في الاخبار ان البحرين الملتقيين هما علي و فاطمة صلي اللّه عليهما و البرزخ بينهما هو رسول‏اللّه9 و اللؤلؤ و المرجان الخارجان من هذين البحرين الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنة صلي اللّه عليهما و علي جدهما و ابيهما و امهما و ابنائهما فعلي7بحر الولاية و فاطمة3 بحر وعاء الحكمة و رسول‏اللّه9 بحر النبوة قدظهرت المراتب كلها في الحسن و الحسين8 كمايشهد عليهما اسمهما الشريف كمانذكره ان شاء اللّه فيما بعد.

ثم البحر الواحد و هو بحر الصاد و اول المداد و هو الذي توضّأ منه رسول‏اللّه9 ليلة عرج فيها الي السماء (المعراج خ‏ل) و صلّي صلوة الظهر و هو دليل علي ان هذا البحر هو مبدء الوجود و علة الموجود و هو الماء الذي كان عرش الرحمن عليه قال تعالي و كان عرشه علي الماء و هو الماء الذي يسقي به جنان الصاقورة و قدسئل اميرالمؤمنين7 كم بقي العرش علي الماء قبل خلق السموات و الارض قال7 أتحسن ان‏تحسب قال بلي قال7 اخاف ان لاتحسن قال بلي قال7 لو صبّ خردل بحيث ملأ الفضاء و سدّ مابين الارض و السماء ثم لو امرت (عمّرت خ‏ل) مع ضعفك ان‏تنقل حبّة حبّة من المشرق الي المغرب لكان ذلك اقل من جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير ممابقي العرش علي الماء قبل خلق السموات و الارض و استغفر اللّه عن التحديد بالقليل فكان الوجود بأسره قدتشعّب عن ذلك البحر و هو امر اللّه الذي قام به كل شي‏ء فكل البحار خلجان من هذا البحر الواحد و هو ماء يجري

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 173 *»

من تحت جبل الازل الي مالا نهاية له قال تعالي ليس لمحبتي غاية و لا نهاية.

و اعلم ان اطلاقات (اطلاق خ‏ل) البحر (البحار خ‏ل) في اخبار الائمه الاطهار: و كذا في كلام اللّه تعالي كثيرة و يريدون بها مااشرنا اليه بالنوع بالاجمال ولو اردنا شرح ذلك كلّه لضاقت الدفاتر الاّ ان الذي له ادني تأمّل يعرف النوع مماذكرنا و يحمل عليه ما لم‏نذكر و اطلاق البحر علي المراتب المذكورة و المقامات المسطورة ليس علي سبيل المجاز كما يتوهّمون و انما هو علي سبيل الحقيقة الاّ ان في بعض الموارد كاطلاق الكلي علي افراده من حيث انه كلي و في المواضع الاخر علي سبيل الحقيقة بعد الحقيقة و قد اشرنا في اول الكلام الي ذلك فراجع تفهم.

ولكن الذين ماانسوا بالعوالم الاخر و ماسمعوا (لاسمعوا خ‏ل) منها رسماً و اسماً و لا خبر مايتبادر عندهم البحر الاّ علي مجمع المياه الكثيرة كما هو المعروف عندهم حتي حملوا قوله7 ان البحر الذي بين السماء و الارض علي مثل هذا البحر الماء الجسم الثقيل السيال و لعمري لو كان الامر كما يقولون لوجب ان لايستقرّ ذلك البحر هناك و يلزم بذلك الطفرة اذ كل ثقيل يميل الي مركزه و هو الارض و قدوقع النص عن مولينا الصادق7 بذلك في جوابه لاسؤلة ذلك الزنديق علي ما في الاحتجاج و لمّا كان الامر كذلك احببت ان اورد حقيقة هذه البحار الموجودة في الارض من المحيط و غيره و اصل منشئها و مبدئها و وجه كون مياهها مالحة و حقيقة المدّ و الجزر علي جهة الاجمال و الاختصار.

فاقول: اعلم ان الشي‏ء له جهتان و حالتان و هما رسم (وسم خ‏ل) جميع المخلوقات حالة و جهة ينظر بها الي مبدئه و الجهة الثانية ينظر بها الي قابليته و له مقامان مقام بساطة و مقام تركيب و التركيب مرّتان الاولي لذكر المركّب و صلوحه و الثانية لتمام التركيب و التشخيص و التعيين و الاولي يحتاج الي رطوبة تامة زايدة مع البرودة و اليبوسة و الثانية الي نصف الاولي كما هو مبرهن في العلم الطبيعي و اشرنا اليه ايضاً فيما تقدم و قدعلمت مما (فيما خ‏ل) ذكرنا سابقاً ان الحلّ يحتاج الي اجزاء يابسة لطيفة في غاية اللطافة و تكون صاعدة الي جهة المبدء لتحقق (لتتحقق خ‏ل) المقابلة و كذلك و الي اجزاء رطبة لطيفة و تكون صاعدة ايضاً والاّ فلايتكوّن

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 174 *»

ذلك الشي‏ء كما قال مولينا علي بن الحسين8 و انك لاتحتجب عن خلقك الاّ ان‏تحجبهم الامال دونك فوجب قطع الامال لتحصيل المقابلة و يرتفع الحجاب و هو معني الصعود في كل عالم بحسبه فان الامال اذا ارتفعت خفّت جهة الانية و الخفّة تقتضي الصعود الي العلوّ و قدقلنا سابقاً ان هذه الكرات الاربعة اعني النار و الهواء و الماء و التراب اجزاء وجود الشي‏ء و بسايط مركباته و ان الارض هي اليبوسة الحافظة الماسكة لاثر الفاعل و ان الماء هو الرطوبة المائلة القابلة و ان الهواء هي الرطوبة الهابطة الواقفة و النار هي الحرارة الهابطة الحافظة لتأثير الفاعل فباجتماع هذه الاربعة يتكوّن الشي‏ء و لا شك ان الاجتماع لايكون الاّ بالمناسبة فوجب ان‏يكون للنار رابطة ثقل و للارض رابطة خفّة و للماء رابطة حرارة و للهواء رابطة يبوسة فلو كان كل شي‏ء في مكانه لم‏تتحقق الرابطة لانها لاتحصل الاّ بالسير و السفر و الميل الي الاخر فوجب ان‏يكون للارض صعود لتلحق الحرارة في تكوّن الشي‏ء لتمام قابليته لا لتمكين القابلية فان الحرارة تقع عليها اولاً حتي تمكّنها من قبول اثرها لحصول المناسبة بينهما و الفرق في المقامين ظاهر ان شاء اللّه تعالي. و لا شك ان هذه العناصر لترتّبها في الوجود مترتّبة الوجود فيكون العالي محيطاً بالسافل احاطة حقيقية فيكون سطح محدب كل منها مماسّاً بسطح (لسطح خ‏ل) مقعّر الاعلي علي مقتضي الكون و الايجاد لكن لو كان الامر كذلك كلياً لم‏يحصل النظام كلياً من جهة الاسباب و حكم اللّه علي الاشياء كذلك والاّ فهو القادر علي مايشاء كمايشاء بمايشاء لمايشاء ممايشاء علي مايشاء لايسأل عن فعله و لاينازع في ملكه و لايضادّ في حكمه لا اله الاّ هو العلي الكبير.

و لمّا اجري سبحانه عادته ان‏يجري الاشياء علي نهج الاسباب ليتم كمال الصنع و يظهر تمام الحكمة قلنا ان ذلك لايكون لان الماء لو كان محيطاً علي الارض بكلّها لم‏يصعد من الارض شي‏ء لان الماء بنفسه ثقيل لايميل الاّ الي السفل و كذا الارض و انما هي (هو خ‏ل) اثقل من الماء فلو كانت (كان خ‏ل) تحت الارض ماامكن لها الصعود لان الصعود لايكون الاّ بمعين خارجي فان طبعه (طبعها خ‏ل) الظاهري

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 175 *»

يقتضي النزول و ذلك المعين لايجوز ان‏يكون ماء لما هو المعلوم و لا هواء لمكان رطوبته المناسبة لرطوبتهما و المقويّة لهما فلاتقاوم الحرارة وحدها فوجب ان‏يكون هو النار و لمّا كانت هذه العناصر اجساماً و التأثير الجسمي لايكون الاّ بالمحاذاة و المقابلة فاذا كانت تحت الماء المانع المخالف بطبعه لطبع النار لم لاتحصل المقابلة و صعود الابخرة المائية من دون الاجزاء اليابسة ماينفع اذ العقد لايكون الاّ باليبوسة و لاتنعقد اليبوسة الاّ اذا مازجها الحرارة و الرطوبة و لاتمازجها الاّ اذا قابلتها فاقتضت الحكمة الالهية و الولاية الربّانية ان‏يكون جزء من الارض بارزاً ظاهراً لتقع عليها اشعة الشمس و القمر فترطبها اشعة القمر و تيبّسها اشعة الشمس ثم تلطّفها بكرّ الليل و النهار حتي تخفّ عنها الكثافات و العوارض فناسبت المبادي العالية فانجذبت اليها و صعدت لديها فتنعقد في الجوّ سحاباً مكفهرّاً باختلاطها مع الاجزاء البخارية الباردة الرطبة مع اختلاطها بالاجزاء الهوائية الحارة الرطبة مع تكرّر وقوع الشعلات النارية عليها فاذا وجب بروز الارض علي خلاف مقتضي الطبيعة الاولية و وفاق مقتضي الطبيعة الايجادية لايجوز ان‏يكون البروز كلياً لان الضرورات انما تتقدّر بقدرها و لانه يستلزم تكثّر اليبوسة و هو منافٍ للانعقاد و الانحلال كما بيّنّا في مباحثاتنا فوجب ان‏يكون جزء يسيراً من الارض فيكون الماء محيطاً علي الارض بكلّها الاّ المقدار الظاهر منها و هو البحر المحيط ثم لمّا كانت القابلية تحتاج الي رطوبة زايدة لتكثّر الحلّ و الربط و الميل في الصورة التي هي القابلية اقتضت الحكمة الالهية ان‏يكون القمر بفلكه الجوزهرّ اخر الافلاك و اقربها الي الارض و القوابل السافلة لكونه مدبّراً للحيوة فيفيض عليها البرودة و الرطوبة جبراً لكسر ماظهر من الارض من اليبوسة فان الاحتياج الي اليبوسة في الحلّ الاول انما هو قليل فلانت الارض اليابسة بتكرّر الرطوبات النازلة من صفة الرحمن الظاهرة في القمر و نعمت و صلحت و تخلّلت فيها باعانة ذوبان الشمس فاحاطت بظاهرها و باطنها و لمّا كانت الحاجة الي الرطوبة اكثر و القمر دائماً يؤثر بامر اللّه بالملائكة الموكّلين به برئيسهم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 176 *»

الذي هو اسمعيل الرطوبة في الارض بالشمس التي هي امر اللّه سبحانه لتليين الارض و اصلاحها و لزيادة الرطوبة عند الحلّ الاول و الثاني و عند تحقق صورة التركيب و من جهة اتصال تلك الرطوبات بالاجزاء الارضية انعقدت المياه و تفجّرت العيون اذا تخلّلت الابخرة في الارض و اصابها برد هناك و كانت مسامّ الارض مفتوحة فلمّا كان القمر دائم الفيضان كثرت المياه الظاهرة من جهة الاخلاط و لمّا كان ذلك يستلزم اجتماع المياه علي وجه الارض لكثرة الرطوبات و ذلك يبطل فائدة ابراز الارض و لم‏تكن الارض مهاداً خلق اللّه سبحانه الرياح و جعل مهبّ الشمال ارفع من مهبّ الجنوب لينحدر الماء عن وجه الارض و يجعلها في جهة من الجهات و طرف من الاطراف علي حسب اقتضاء الحكمة التي لو شرحنا بعض ماظهر لنا يطول به الكلام فاجتمعت المياه كلها او اكثرها في جهة دون الاخري و تراكمت و تكاثفت و تزايدت باتصال العيون و الانهار و تكثر البخار (البحار خ‏ل) من الاعلي و الاسفل و اعانة الامطار و الثلوج و السيول و اشباه ذلك مع الرطوبة النازلة الدائمة القمرية و مجمع تلك المياه هو البحر الجسماني المائي و قد قال مولينا و امامنا الصادق7 و من تدبير الحكيم ان مهبّ الشمال ارفع من مهبّ الجنوب لينحدر الماء عن وجه الارض فيسقيها و يرويها ثم يفيض اخر ذلك الي البحر كما يرفع احد جانبي السطح و يخفض الاخر لينحدر الماء عنه و لولا ذلك لبقي الماء متحيّراً علي وجه الارض فكان يمنع الناس من اعتمالها و يقطع الطرق و المسالك الحديث.

فلمّا انعقدت البحار فاختلفت بالقلة و الكثرة و العظم و الصغر فاختلفت باتصالها بالمحيط و عدمه و لمّا كان صنع الحكيم تعالي شأنه لايخلو من فائدة و حكمة اذ كل ماتفرض انه شي‏ء وجبت فيه المصلحة و هي تامة في مقامها و رتبتها و ان تفاوتت بعضها بالنسبة الي الاخر جعل اللّه سبحانه قطعة من الجبل الذي اندكّ لتجلّي الرب علي موسي7 علي ذلك الجبل و جعل هباء منبثّاً فامتزج بماء البحر حاملاً لحرارة اشراق شمس التجلي الظاهر بهذه الشمس الظاهرة و استجنّت تلك الحرارة في تلك الاجزاء و اختلطت و امتزجت بالبحر و هو الماء الخالص

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 177 *»

فغلبت الرطوبة علي ظاهرها فحدثت في الماء الملوحة و لذا كان ماء البحر مالحاً و لذا كان الملح ابيض في الصورة و الظاهر و لاينعقد الاّ في الاراضي الرطبة و يذيب (يذوب ظ) اذا اصابته الرطوبة و يجمد اذا اصابته الحرارة و لمّا كان الماء قد غلب علي تلك الاجزاء اليابسة و الحرارة النارية من الشمس الاصلية و الفرعية بقي طعم الملح لا جرمه و خاصيته علي مقدارها لا حقيقته فتكوّن بذلك بامر اللّه سبحانه بالملائكة الموكّلين علي البحار الحيوانات البحرية بانواعها و اقسامها فعرض عليهم ولاية اميرالمؤمنين7 و اولاده الطيبين الطاهرين و فاطمة الصديقة الطاهرة عليها و عليهم صلوات اللّه مادامت الدنيا و الاخرة فصار تلك الحيوانات بقبولهم لها و عدمه مختلفي المراتب و المقامات في الحلّيّة و الحرمة و المنفعة و المضرّة و الحسن و القبح و حسن الصورة و قبحها و طيب الخلقة و رديها قال رسول‏اللّه9 مااختلف في اللّه و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي و لاتستغرب عن تكليف حيوانات البحر لطاعتهم فانه قد ورد عنهم بما لايسع لاحد انكاره ان الاعراض مكلفة بطاعتهم و قصة الحسين7 مع الحمّي حيث خاطبها و قال يا كبّاسة فسمع الحاضرون الصوت و لم‏يروا الشخص يقول لبّيك قال7 الم‏يأمرك اميرالمؤمنين7 ان لاتقربي الاّ عدواً او مذنباً لتكوني كفارة لذنوبه فمابال هذا الرجل مشهور و يأتي تحقيق هذا الكلام ان شاء اللّه الرحمن. و بالجملة لهذا السرّ اختلفت مراتب الحيوانات البحرية في الطبيعة ايضاً و كذلك اللئالي المتكوّنة في الاصداف و المرجان النابت في قعر البحر و ساير المعادن مماغلبت عليه الرطوبة قال تعالي و من كلّ تأكلون لحماً طريّاً و تستخرجون حليه تلبسونها.

ان قلت ان الاجزاء الهبائية الحاملة لحرارة الشمس لا شك انها في العيون و الانهار موجودة و الغلبة للماء ظاهرة فلم لم‏يكن طعمها مالحاً؟ قلت اني قدقلت لك ان تلك الاجزاء من اجزاء الجبل المندكّ كما عن اميرالمؤمنين7 حين سأله ابنه محمّد بن الحنفية عن الغبار الظاهر في الكوّة و الرواشن اذا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 178 *»

اشرقت عليها الشمس قال7 ما معناه ان الجبل الذي اندكّ عند تجلي الرب صارت اربع قطع الاولي انبثّت في الجوّ فصارت ماتري من الهباء و الثانية وقعت في البحر فصارت غذاء للحيوانات البحرية و الثالثة ساخت الي الارض و هي تهوي و الرابعة بقيت علي وجه الارض هـ بابي هو و امّي قد جمع في هذه الكلمات كل الحِكَم و الاشارات و جعل لشيعته المفرّ و المخلص في كل الشبهات فللّه الحمد و له الشكر علي هدايتنا لدينه و التوفيق للتمسك بحبله و الاستمساك بعروته الوثقي التي لا انفصام لها.

فان ابيت الاّ الكلام الظاهري في الجواب قلت ان الاجزاء المختلطة بالعيون و الانهار اذا لم‏تجر علي الارض السبخة او ارض الكبريت قليلة سيّما اذا كانت جارية متجددة دائمة فان الجريان و السير و السفر يلطّف البنية و يذهب الكثافة و يقرّب الاشياء الي اصولها و مباديها مع مالحقت تلك الاجزاء من البرودة الهوائية العرضية و المائية و الارضية الجوهريتان و اما البحر فهو راكد واقف فالمزج فيه اكثر الاتري الماء اذا كان راكداً في حوض او غير ذلك كيف يغلظ بعد كم يوم سيّما اذا كان مكشوف الرأس و ان لم‏يتفاوت الحال الاّ انه في تلك الحالة تقع الاجزاء الهبائية فيه اكثر لان تلك الاجزاء (اجزاء خ‏ل) ارضية انما صعدت بتلطيف الشمس بتجفيفها فاذا حاذت الماء و البخار اللطيف المتصاعد عن وجهه تتصل تلك الاجزاء بذلك البخار و تتثاقل و تميل الي المركز فتقع علي الماء فكلما كان الماء اكثر كان الوقوع اكثر فان كان الماء جارياً تنزل تلك الاجزاء الي الارض و تلحق بالمركز و يبقي وجه الماء صافياً و ان كان واقفاً تختلط به فتغلظ فتتعفّن و يحصل منها رائحة منتنة لكونها في ذلك الحين ميتة مسترخية لانقطاع روح الحيوة التي هي الحرارة عنها و اما اذا كان الماء متحركاً متموّجاً في مكانه يصعد بما في قعره الي وجهه و ينزل بما في وجهه الي قعره فحينئذ تعود الروح الحيوانية لتلك الاجزاء و هي الحرارة الحاصلة من شدة الحركة فلايزال يشتدّ في الحركة و التموّج و تقع الاجزاء الهبائية و تشرق عليها الشمس و الكواكب الاخر كالمريخ و الزهرة و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 179 *»

زحل بباطنه و البروج النارية و القرانات الحارة و كل الاشعة انما هي تستجنّ في الماء عند محاذاته لها و مقابلته اياها مع الحركة الباعثة للحرارة مع الاجزاء الهبائية اللطيفة الحاملة للحرارة و مع الاجزاء الارضية الاخري التي يصعد بها من قعر البحر حين الحركة فتستجنّ الحرارة في تلك الاجزاء الهبائية لانها هي الرابطة و الانفحة و القاضي فتناسب النار بيبوستها و تناسب الماء ببرودتها فتقوي تلك الحرارة المستجنّة و تغلب الرطوبة الظاهرة فيذهب العفونة و ينعقد ملحاً ذائباً فلو استعمله الانسان و باشره بجسده فاذا يبس يجد اثار الملوحة فيه كماجرّبنا مراراً و اما سرّ الحركة فباستجنان تلك الاجزاء الحارّة باعانة الهواء المناسب لتلك الاجزاء و لذا تري حيتان البحر المالح احلي و الذّ و اقوي و اسمن من الحيتان التي تصطاد من الماء العذب و اما سرّ نتن بعض البحار كبحر الفارس الذي هو البحر الاخضر فهو من جهة قلة تموّجه و تحركه كما في البحر القلزم الموّاج المتحرك فليس فيه الاّ الملوحة و لا نتن فيه كماجرّبنا و لمّا كانت الحيوانات المتولدة من البحر انما هو مددها بعد وجودها من استنشاق الماء كانت لاتعيش في البرّ لعدم المدد الذي بها قوام اجسادهم و ارواحهم كالحيوانات البرّية فانها لاتعيش في الماء لكون مددهم من الهواء و من التراب فدائماً يستنشقون من الهواء الممتزج بالهباء فلو كانوا في الماء لماتوا من جهة عدم المدد و لكلّ جعلنا منكم شرعةً و منهاجاً كذلك صنع اللّه ربّنا لا اله الاّ هو و لكل من الحيوانات البحرية خواص ينتفع بها الانسان كما هي مذكورة في كتب الاطباء في باب مفرداتها و مركّباتها و في كتاب خواص الحيوان و ساير الكتب فلانطول الكلام بذكرها.

و اما سرّ المدّ و الجزر فان ملكاً من الملائكة موكّل بالبحار فاذا وضع قدميه فيها يحصل المدّ و اذا رفعهما يكون جزراً و سبب وضع الملك هو محاذاة القمر فانه يحدث الرطوبات فتكثر الابخرة فتتخلخل في ماء البحر فيكون المدّ فاذا انحرف عن المحاذاة عاد الي ماكان ثم لمّا كان اللّه سبحانه تفضّلاً علي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 180 *»

عباده يريد بهم اليسر و لايريد بهم العسر و يريد اللّه ان‏يخفّف عنهم و خلق الانسان ضعيفاً فقصر بهم المسافة و رفع عنهم المؤنة و جعل لهم مراكب في البحر تحمل الثقيل من الامور التي لو كانت علي ظهر الدوابّ تعسّر حملها بل ربما تعذّر و جعل لهم رياحاً يسير بالمراكب حسب ماقدّر لهم من السرعة و البطؤ و الشدة و الراحة هو الذي يسيّركم في البرّ و البحر قال مولينا الصادق7 في حديث المفضّل فان شككت في منفعة هذا الماء الكثير المتراكم في البحار فهو مكتنف ما لايحصي من اصناف السمك و دوابّ البحر و معدن اللؤلؤ و الياقوت و العنبر و اصناف شتّي تستخرج من البحر و في سواحله منابت العود و ضروب من الطيب و العقاقير ثم هو بعد مركب الانسان و محمل لهذه التجارات التي تجلب من البلدان البعيدة كمثل مايجلب من الصين الي العراق فان هذه التجارات لو لم‏يكن لها محمل الاّ علي الظهر لبادت (لبارت في الحديث) و بقيت في بلدانها الحديث.

ثم اعلم ان ماوصفنا لك من احوال البحر و اوضاعه كل ذلك امثال ضربها اللّه سبحانه لقوم يعقلون و اشارات لقوم يسمعون و ان جميع ماذكرنا دلالات علي احوال و اوضاع غريبة في عالم الغيب و فيماذكرنا كفاية لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد بشرط ان‏ينظر ايضاً فيماذكرنا من المعاني الحقيقية التي للبحر. تغوّص في هذا البحر تستخرج اللئالي التي لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر و اللّه خليفتي عليك.

و اعلم ان مادة كل عالم من العوالم السبعة بحر يتموّج بالحدود و الصور و الموج هو شؤنات تلك المادة و ظهوراتها و صورها و اطوارها و احوالها و انفصالها و اتصالها و تفرّقها و بينونتها و كلها متقوّمة بتلك المادة تقوّم الموج بالبحر فاذا سكنت غابت الحدود و خفيت عند ظهورها و انمحت و انعدمت انعدام الجزء في الكل و الفرع في الاصل.

قوله7 و روحي له الفداء و الجبال اعلم ان الشي‏ء الحادث له حالتان: حالة ذوبان و انتشار و حالة انجماد و انعقاد و الحالة الاولي لها

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 181 *»

مقامان: مقام انتشار للاضمحلال و الانعدام و الفناء علي الدوام و مقام انتشار و ارتباط للايجاد و الاحكام و اتقان الصنع علي التمام. فالاول مقام القها يا موسي فلمّا القيها فاذا هي حيّة تسعي و مقام الق نفسك و تعال الي و مقام جذب الهوية اي الاحدية لصفة التوحيد اذ الذوبان الاضمحلالي الانعدامي لايتصور الاّ عند ظهور العالي علي مراتبه الي ان‏يخفي الظهور و يسطع النور في الديجور و يدخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فهذا الذوبان للاحتراق و ذلك عند قرع الباب و رفع الحجاب و ظهور اللباب و خلوص التراب و هدم القباب و كشف النقاب قال7 ان للّه سبعين الف حجاب من نور و ظلمة لو كشف واحد منها لاحرقت سبحات وجهه ماانتهي اليه بصره من الخلق و الخلق انما خلقوا للبقاء لا للفناء و انما ينتقلون من دار الي دار فافهم فالشي‏ء في حالة الذوبان و الانتشار بحر راكد و جارٍ ففي الحالة الاولي هو بحر الاحدية و طمطام يمّ الوحدانية و في الحالة الثانية هي الابحر المتقدمة كبحر القدر و بحر الصاد و بحر النور و بحر الظلمة و بحر الحيوان و امثالها مماقدّمنا. و حالة الانجماد و الانعقاد لها مقامان كحالة الذوبان: فالاولي مقام ظهور المثال و كون الفاعل و ظهور الاسماء الحسني و الامثال العليا و الكبرياء و الالاء و مقام الخطاب و علامة المخاطب و مقام لازلت اكرّر هذه الكلمة حتي سمعت من قائلها و مقام ظهور الاحدية و الواحدية و الهوية و الالوهية و الرحمانية و الرحيمية و الملكية و الشارعية و الديّانية و مجمل القول هو مقام تجلّي لها بها و هو مقام الفاعل في قولك «ضرَب زيد عمراً» فالفاعل هو زيد الضارب اي نفس الضارب لا زيد من حيث هو و الضارب لا شك انه مشتق من ضرب مع انه معمول له و الفعل هو العامل فيه فيكون تحت الفعل لان المعمول متأخّر عن عامله و المشتق متأخر عن المشتق منه مع ان الناس مايعنون بالفاعل و الضارب الاّ زيداً فصحّ ماذكرنا و تبيّن ماقلنا فان ضرباً المفعول المطلق لمّا صدر عن ضرب انتشر و ذاب و فني في بقاء الذات و القي ملاحظة الغير فاستعلي و طوي الوسايط فصار مرفوعاً علي انه فاعل و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 182 *»

كالحديدة المحماة و هو العقد لهذا الحلّ و الانجماد لهذا الانتشار و السكون لهذه الحركة فافهم ماالقيت عليك من الاكسير الاحمر. و الثانية مقام العقد الحاصل من الميلين و صيرورة المجموع شيئاً واحداً مقاماً من المقامات الخلقية و مرتبة من المراتب الكونية من الفعل و المفعول المطلق و المفعول‏به و المفعول‏له و المفعول‏معه و الحال و التمييز و المفعول‏فيه و امثال ذلك و الشي‏ء في حال الانجماد و الانعقاد جبل راسي (راسٍ ظ) و هو وتد للارض ارض القابلية و قدكانت علي الماء ماء الوجود لانها زبده الحاصل عنه المتولد منه و كانت مضطربة لعدم الالزام التام و السكون العام فاثبتها اللّه سبحانه بالجبال و هي اطوار الانجماد و الانعقاد و تمام الشي‏ء و كماله فهناك تكون ثابتة غير مضطربة فللشي‏ء ثلث حالات: الاولي حالة ظهور المبدء له به باطواره و اكواره و ادواره و اوطاره و هو السماء اذ به يفيض الحق سبحانه و تعالي عليه مدده و جوده من فاضل مدده و جوده النازل من بحر الكينونة و تلك الحالة و الجهة هي الدخان المتصاعد من البحر بحر المادة /و صعد (فصعد خ‏ل) الي الجوّ ففتقه اللّه سبحانه سبع سموات و العرش و الكرسي و جعلها (جعلهما خ‏ل) باباً للمواد السفلية و الاطوار الجسمية. و الثانية حالة قبول و انفعال و انكسار و هي ارض الجرز و ارض القابلية الرطبة الماهيات (المهياة خ‏ل) المستعدة لقبول الاثار الالهية و المظاهر الرحمانية قال تعالي و من اياته انك تري الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزّت و ربت و انبتت من كل زوج بهيج. و الثالثة حالة الانجماد و التمام و الكمال الذي يستحق به اسماً و يستوجب به حكماً و يقتضي به امراً من الامور و متمم للامرين الاولين و هو في هذه الحالة جبل و قد وقع التصريح في كلام اللّه سبحانه لاهل التلويح بهذه المراتب الثلثة بقوله عزّوجلّ و الي السماء كيف رفعت و الي الجبال كيف نصبت و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 183 *»

الي الارض كيف سطحت فجمع بين السماء و الجبال و الارض اشارة الي هذه الدقيقة اللطيفة و لمّا كان المبدء الذي هو ظلّ الكينونة في حال وجوده الاوّلي انما تثلّث بهذه الاطوار الثلثة جري هذا الحكم في كل الاطوار و الاحوال الكينونية (الكونية خ‏ل) مختلطة بالاجمال و التفصيل و الكمون و البروز فكل مرتبة سافلة اكثر جهة و اغلظ طوية عن المرتبة الاولي بل الرتبة الثانية تفصيل جهات الرتبة الاولي كما تري في العدد فان الواحد هو الاصل و الاثنان تفصيله و تكريره و الثلثة تفصيل الاثنين و التسعة تفصيل الثلثة و المائة تفصيل العشرة و الالف تفصيل المائة وهكذا ففي كل مرتبة ثانية تشرح جهات الرتبة الاولي و لمّا كانت السماء و الجبال و الارض مذكورة موجودة في مبدء الوجود جرت في كل اطواره و لمّا كانت رتبة الاجسام ادني المراتب و اسفلها و ليس دونها مقام ظهرت المقامات الثلثة مفصّلة ظاهرة متمايزة (مغايرة خ‏ل) و لمّا كانت هي اعظم احوال الشي‏ء ظهر في هذه الرتبة الجسمية علي اعظم مقام و اعظم حال بحيث لايستقيم الكون الجسمي الاّ بهذه الثلثة اما السماء فظاهرة لانها مظهر العلة الفاعلية و اما الارض فكذلك و اما الجبال فلمّا قال عزّوجلّ و الجبال اوتاداً فالصلابة و الانجماد و ترتّب الاحكام و الاحوال و الاقتضاءات لايكون الاّ بها كماذكرنا فالذي لم‏يرد علي حوض اميرالمؤمنين7 و لم‏يشرب من الماء المعين يستشكل في كون الجبال اوتاداً للارض لماصحّ عند الحكماء ان كل شي‏ء له مقام طبيعي فالارض لا شك ان لها مكاناً طبيعياً و هي في مكانها لاتحتاج الي وتد اذ الشي‏ء في المكان الطبيعي لايحتاج الي معين خارجي غير ذاته كما نذكر ان شاء اللّه تعالي فيمابعد و نجيب عنه مفصّلاً علي مقتضي فهم اهل المجادلة و اما /الذكر (زائد خ‏ل) الذي ذكرنا فهو علي مذاق اهل الحكمة و معرفتها حظّ المؤمنين الممتحنين.

فاذا علمت ان كل شي‏ء سماء من جهة و ارض من جهة و جبل من جهة و برّ من جهة و بحر من جهة فاعلم ان اللّه سبحانه لمّا حكم ان‏يحكم علي الخلق بماهم عليه فعرض عليهم النور عرض تكليف و اختيار فاختلفت الموجودات حسب قبولها لذلك النور فاختلفت هذه الجهات في الشدة و الضعف و الزيادة و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 184 *»

النقصان و القلة و الكثرة والاّ فما من شي‏ء الاّ و هو حاوٍ للاشياء كلها اذ كل شي‏ء يحكي صنع الحكيم و فعله و اثره و ظهر اثره حاكياً لعموم قدرته ففي الاشياء من فيه جهة السماء اظهر كالعقول و كالافلاك و كالملائكة و الانبياء و خيار المؤمنين و فيها من فيه جهة الارض اظهر كالنفوس و الارض المعروفة و النساء و اهل التقليد و الجهّال و امثالهم و فيها من فيه جهة الجبل اظهر كالاجسام و الاشباح و الجبال المعروفة و لكل من هذه الثلثة جهات و شئونات تختلف الاشياء بالاتصاف بها في القوة و الضعف و الخفاء و الظهور و امثالها مما لايسعني الان بيانها لكثرتها و تشعّبها فاذا قيل السماء فالمطلوب منها العلوّ فكلّما كان اعلا و ظهور العلوّ فيه اكثر كان هو المطلوب الي ان‏ينتهي الي اخر المقامات و اذا قيل الارض فالمطلوب منها الماهية القابلة لظهور النور معتدلة في الظهور كما وصفها مولينا و سيدنا الحسن العسكري صلوات اللّه عليه في قوله تعالي الذي جعل لكم الارض فراشاً قال7جعلها ملائمة لاطباعكم (لطبايعكم في الحديث) موافقة لاجسادكم لم‏يجعلها شديدة الحمي و الحرارة فتحرقكم و لا شديدة البرد فتجمدكم و لا شديدة نتن الريح (طيب الريح في الحديث) فتصدع هامّاتكم و لا شديدة النتن فتعطبكم و لا شديدة اللين كالماء فتغرقكم و لا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في حرثكم و ابنيتكم و دفن موتاكم ولكن جعل فيها من الصلابة ماتنتفعون به و تتماسكون و تتماسك عليها ابدانكم و جعل فيها من اللين ماتنقاد به لحرثكم و قبوركم و كثير من منافعكم فكذلك جعل الارض فراشاً لكم هـ و كلامه صلي اللّه عليه و علي ابائه و ولده الخلف علي بركة اللّه الحق عجّل اللّه فرجه و فرجهم شرح و تفسير لقوله عزّوجلّ و من اياته انك تري الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزّت و ربت و انبتت من كل زوج بهيج و هذا الاعتدال (الاعتداد خ‏ل) و الاستعداد و التهيّؤ هو المطلوب من الارض فالاعدل اقوم وهكذا الي اخر المراتب و اذا قيل الجبال فالمطلوب منها حسن الانعقاد و الانجماد و عدم التفكك و عدم الاضطراب و كونها حافظة و كونها مرتفعة عن الوصول اليها اي الي قلّتها و كونها مرتفعة الي العلوّ اي الي جهة المبدء للتجلّي وهكذا من

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 185 *»

احوالها الخاصة بها فكلّ‏ما اولي بهذه الصفات اولي بهذا الاطلاق و هذا الاسم و الاطلاق علي ما مرّ في البحار من انه ليس علي سبيل المجاز و انما هو حقيقة بعد حقيقة.

فاعظم الجبال و اكبرها و اعلاها الذي لايصل الي ذروته الاّ قليل و مانال قلّته الاّ يسير هو جبل المعرفة جبل الظهور قال7 و اذا تجلّي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة فاستأنس في ظلال المحبوب و اثر محبوبه علي من (ما خ‏ل) سواه و باشر اوامره و نواهيه و هذا جبل الاكسير و لا لون لهذا الجبل و لايشبه بمعدن من المعادن بل كل المعادن منه تستمدّ و اليه تنتهي يناسب كل طبيعة و هو لا طبيعة له سبحان من خلقه عظيم و ملكه قديم لااله الاّ هو.

ثم بعده في السعة و الثبات و الصلابة جبل اليقين و الاطمينان و الاستقرار قال7مامعناه ان اليقين اقلّ ماقسّم اللّه بين العباد و هذا الجبل هو اعظم اوتاد الارض و اكبرها و اعلاها راسخ في جميع عروق الارض و هو معدن الذهب علي الحقيقة و في بعض الاحوال معدن الدرّ و الارض كما قال عزّوجلّ اولم يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال7 يعني بموت العلماء فالعلم هو نهاية الارض و اعلي مقاماتها و هو متقوّم باليقين قال امامنا و سيدنا الصادق7 و اذا اشرق نور اليقين في القلب وجد حلاوة الرجاء الحديث.

ثم بعده جبل العلم انما يخشي اللّه من عباده العلماء و هو معدن الفضة و قديتولّد منه العقيق الاصفر و الاحمر و ظاهره معدن الحديد قال تعالي و انزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس و ليعلم اللّه من ينصره و رسله بالغيب و الناظر علي هذا الجبل المريخ و هو شيخ كبير قاعد علي كرسي من الدم فقديتولّد من هذا الجبل الياقوت الاحمر و هذا الجبل هو معدن الزمرد و هو جبل قاف المحيط بالكاف المتولد عنه اللام و خضرة السماء([6]) من هذا الجبل و هذه الجبال الثلثة قد حوت كل اقطار الارض لكن لهذه الجبال الرواسي مقوّمات و اوتاد اخر لاتستقرّ بدونها و لاتثبت بغيرها و هي ماقال اللّه عزّوجلّ في كتابه العزيز افلاينظرون الي الابل كيف خلقت و الي السماء

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 186 *»

كيف رفعت و الي الجبال كيف نصبت و الي الارض كيف سطحت و قال تعالي الم‏نجعل الارض مهاداً و الجبال اوتاداً و لمّا حصر السماء و الارض و الجبال علمنا انه سبحانه يريد بالجبال هي الاوتاد لا مطلق الجبال لانها تختلف و ان كانت من حيث هي جبال تشترك في الوتدية الاّ ان بعضها الي الارضية اقرب من الجبلية فتحتاج الي الوتد فيكون الجبل المقوّم للكل وتد الوتد و هو العمد الذي (التي ظ) لاترونها و هو الجبال المذكورة في الاية الشريفة المتقدمة و تلك الجبال اربعة عشر جبلاً تقوّم الجبال و الارضين كلها و اشار الحق سبحانه اليها بالحروف المقطّعة في اوايل السور و يجمعها قولك صراط علي حق نمسكه و هذه الجبال هي مظاهر اسم اللّه الجواد و الوهاب و هي وجه‏اللّه سبحانه لكل متوجه الي ذلك الجناب بذلك الباب و هي يد اللّه سبحانه المبسوطة بالاعطاء و الانفاق و هي نور اللّه الذي قد ملأ به الافاق و هي السبع المثاني و هي ركن البيان و المعاني و هي القلب الانساني و هي محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي و محمّد و جعفر و موسي و علي و محمّد و علي و الحسن و الخلف الصالح المهدي سلام اللّه عليهم اقطاب الولاية و مراكز النهاية و البداية و الاولية و الاخرية و الظاهرية و الباطنية و النهاية و اللانهاية و سرّ اللّه الاكبر و نور اللّه الازهر و نقطة دائرة الاكوار و الادوار و الاطوار و الاوطار و طور تجلي اللّه القاهر الجبّار و جبل التجلي في كل الاطوار و هذه الجبال وتد الاتد و عمد العمد و ارباب الابد و احاد العدد و اصحاب السرمد ينفجر من تحتها عيون الجلال و الجمال و يتكوّن فيها معادن الفضل و الافضال لايصل الي قلّتها احد و لايعدّها عدد و لاينالها غير اللّه و لايحيط بكنوزها ماسوي اللّه جبال فيها من صلابة العبودية و مهابة القهارية المفنية كل‏ما سوي اللّه اعلاها و من رفعة المجد و الشرف و الولاية اقصاها و من اطوار التجلي اعظمها و اسناها و هي جبال الاحدية و اطوار الواحدية و مظاهر الرحمانية لا اله الاّ اللّه وحده لا شريك له.

ثم الجبال العشرة و هي جبال ابرهيم علي نبينا و اله و7 قد

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 187 *»

وضع عليها الطيور الاربعة اعلاها و الطفها و اشرفها و ابقاها قلب المؤمن و محدد الجهات و الصاقورة العليا و مركب العلل و علوم الكيف و اللم و عرش الاستواء الرحماني و المنظر الاعلي. و الجبل الثاني صدر العلم قال تعالي بل هو ايات بيّنات في صدور الذين اوتوا العلم و الكرسي الواسع للسموات و الارض و الكتاب المسطور. و الثالث سماء الامان و سلّم الايمان و برج كيوان و جبل ظهور النور و الاستعلان و مطيع الرحمن و طريق الجنان. و الرابع خزانة الحلم و وعاء الحكم و مظهر العلم و حجاب الزبرجد و فلك الكوكب الاسعد. و الخامس جبل السطوة و مظهر القهر العزرائيلي و الحجاب الاحمر. و السادس جبل الهيولي الثانية و منبع الوجود الفيّاض و العرش الثاني الجسماني النوراني و الباب الالهي. و السابع جبل الاكوان الملكوتية المحفوظة في الخزائن الالهية و معدن العقيق الاصفر. و الثامن جبل الهياكل الرقمية المنزلة بالقدر المعلوم و ينبوع القرار و مقام الاستقرار و اختلاف الاطوار و الانظار. و التاسع جبل الحيوة الذي حييت بظله الحيوانات. و العاشر جبل الطور و القاف المذكور و هذه الجبال العشرة عاشرها حاملها و تاسعها مثل العاشر و العاشر علي ظهر التاسع و هما سواء و الثامن و السابع يجمعهما في الظاهر مقدار واحد و الستة الباقية يجمعها مقدار واحد في الظاهر الاّ ان لكل واحد من هذه العشرة حكماً و يكون له و به طبع غير الاخر و العاشر يجمعها و يضمّها اليه.

و ذلك معني قولهم ان واحداً سيغلب تسعاً من بنات البطارق

و لا ريب ان جبل القاف محيط بالدنيا كلها علي مانذكره ان شاء اللّه تعالي.

و هذه الجبال العشرة لها مقامان: المقام الاول مقام القشر و هي في هذا المقام ظواهر جبال ابرهيم للطيور الاربعة الالهية المأمور بذبحها و مزجها و وضع المختلط الممزوج عليها و هذه الجبال اسباب لقابلية اظهار تلك الجبال فالجبل الاول حجر صلد اسود معدن القار و محل القرار و مقام الاستقرار اول منزل المولود الصالح الصفي المكرّم كثير المخاوف عظيم المنافع اذا وصل المولود المكرّم هذا المنزل سلم عن الاخطار فيسجد للّه الواحد القهار. ثم الجبل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 188 *»

الثاني جبل الزبرجد و محل نظر الكوكب الاسعد و اول ظهور النور و اول اضمحلال الديجور جبل عظيم راسي يبقي المولود المكرّم علي هذا الجبل عشرين يوماً لاخذ الاهبة و الاستعداد لبلوغ المراد. و الثالث جبل الفيروزج و ثاني ظهور النور و بسط مقام الظهور. و الرابع جبل الدرّ الابيض كمد اللون مكدّر. و الخامس جبل الذهب و مقام الطرب. و السادس جبل الاسرب و عليه سرير القاضي العاقد علي الزوج و الزوجة و محل الانفحة و اكليل الغلبة و تربة المولود و ركن السعود. و السابع جبل فيه معدن القلع و التصدير. و الثامن جبل الزمرد و محل التجرد و رتبة التفرد. و التاسع جبل الياقوت و باب الملكوت. و العاشر جبل الفضة و مقام النعمة و ظهور النقمة و مهبط جبرائيل و مظهر ميكائيل.

فلمّا تمت هذه الجبال العشرة و سير المولود الكريم في هذه الجبال ظهرت خمسة (ستة ظ) جبال اخر: الاول جبل الحديد محل نظر المريخ ظاهره ذهب و باطنه فضة و هو ذوالوجهين كوكب اميرالمؤمنين7 . و الثاني جبل يجري تحته معدن الزيبق علي ذلك الجبل الفتاة الغربية و عليه استقرّ هرمس الحكيم و اليه ينظر القمر في فلكه الجوزهر و هناك مقام يوشع بن نون الداخل علي القوم الجبارين و قال يا قوم ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون و علي اللّه فتوكلوا ان كنتم مؤمنين. و الثالث جبل العقيق الاصفر و عليه استقرّ الشابّ الجميل صاحب القباء الاصفر الماشي علي الارض بالتبختر. و الرابع جبل الياقوت الاحمر و عليه مقرّ الفتي الكوشي و عنده التسلط الجبرائيلي. و الخامس جبل معدن الذهب و مطرح اشعة الشمس و طور موسي و منزل عيسي و تابوت هرون و بئر دانيال و مقام الاقبال. و السادس جبل الاسرب ظاهره الحديد و باطنه الذهب و هو جبل وعر مشتمل علي الاحجار و لايثبت لواقفه قرار فلمّا تمّ سير المولود المكرّم و الشاب الموفق المعظّم في هذه الجبال الستة ظهرت جبال ابرهيم النبي علي نبينا و اله و عليه السلام و هي الجبال العشرة و خلف كل جبل واحد مفسد عن يمينه و واحد مصلح عن يساره فعند الصعود علي كل جبل ازال مفسداً فطهرت الارض من التسعة المفسدة فافهم.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 189 *»

قال اللّه سبحانه و اوحي ربك الي النحل ان اتّخذي من الجبال بيوتاً فمن الجبال جبل القاف و هو جبل محيط بالدنيا كلها و هي من زمردة خضراء و خضرة السماء منه و عليه استقرّت اطراف السماء و ليس في الارض جبل الاّ و له عرق فيه كما ورد عنهم: و هذا الجبل هو الوتد الاعظم الاعلي للارض كمانذكره ان شاء اللّه تعالي. و انما كان اخضر لانه مجمع الاجزاء النارية المختلطة بالاجزاء الهوائية المختلطة بالاجزاء الارضية فيستدعي الخلط الاول الصفرة و الثاني الخضرة و صرف الاول الحمرة و صرف الثاني الصفرة و صرف الثالث السواد و انما كان من زمردة لانها معدن التئمت اجزاؤها من لطائف الارض باشراق الانوار الشمسية عليها و انما قال7 ان خضرة السماء منه يريد بالسماء الجوّ كما في قوله تعالي و انزلنا من السماء ماءً مباركاً فانها من البحر الذي بين السماء و الارض والاّ فالسماء الحقيقية علي الوان مختلفة كما سبق من ان لون سماء الدنيا لون الفضة وهكذا و هذه الخضرة المرئية في الجوّ انما حصلت من الاجزاء اللطيفة الارضية المصوغة المنفصلة من ذلك الجبل و مزجها بالبخار و اشراق الشمس عليها و انما كان اطراف السماء عليه لانه محيط دائرة الافق في اليوم الذي كان طالع الدنيا سرطان (السرطان خ‏ل) و كانت الكواكب في اشرافها و وجبت صلوة الظهر فذلك الجبل المحيط بالارض كلها في الافق الواحد الغير المتعدد هو القاف و لذا كان كل الجبل لها عرق فيه و لذا عبّر عنه بالزمردة الخضراء و اما بعد ماتحركت الافلاك و اختلفت الافاق فاهل كل بلدة و افق مايصلون الاّ الي عرق واحد منه الاّ لمن وصل ذلك الافق الاعظم فيحيط بذلك الجبل فيري الملك الموكّل به كما فعل (نقل خ‏ل) ذوالقرنين في الحديث المشهور المذكور في باب الزلزلة و هذا حكم الظاهر في الكون الجسمي في الانسان الكبير الكلّي و اما في الانسان الصغير فهو الجسد و الجسم المحيطان الحاويان لكل ما في الانسان من الاركان الغيبية و الشهودية و عليه دائرة الافق الاعظم فينصف الانسان الي علوي و سفلي و هو زمردي اللون و ان ظهر بالبياض في بعض و بالسواد في الاخرين و هو لما قلنا من اختلاف الافاق و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 190 *»

ميلها عن وقوع اشعة الاشراق و مزجه بخلاف جنسه فقبل (فقيل خ‏ل) اما طبيعة المازج و لونه او طبيعة ثالثة بينهما و ليس المقام لبسط الكلام فيه و خضرة سماء عالم هورقليا بالاقتران به و الميل اليه و هي عالمه في الرؤيا و اما في الباطن الاضافي فكل عالم الاجسام سمواته و ارضوه و بحاره و انهاره و اشجاره ظهر عليها عالم الغيب بشئونه و اطواره و اسراره و انواره.

و لمّا كان عالم الغيب يختلف في الغيبة و الشهود بحسبه فيصرف هذا الجبل في كل مقام بحسبه و هذا الصرف و الاطلاق حقيقي لا مجازي علي ماقال7 انما كان الكعبة مربعة لكونها بازاء بيت‏المعمور و هو مربع و انما كان بيت‏المعمور مربعاً لكونه بازاء العرش و هو مربع و انما كان العرش مربعاً لكونه بازاء الكلمات التي بني عليها الاسلام و هي سبحان‏اللّه و الحمدللّه و لااله الاّاللّه و اللّه‏اكبر و هذا الجبل هو عالم (علم خ‏ل) الظاهر و الصورة كما قال تعالي و من اصوافها و اوبارها و اشعارها اثاثاً و متاعاً الي حين في كل عالم بحسبه و كل مقام برتبته فافهم.

و هذا الجبل هو علم الحقيقة و لبّ الطريقة و باطن الشريعة قال7 في حمعسق، ان حم هو محمّد9 و علم علي كله في عسق فالعين عبودية و السين سناء المجد و بهاء الشرف اللازم للعبودية و اشهد ان محمّداً عبده و رسوله الي الاكوان و الاعيان و الاطوار و الاوطار و الذوات و الصفات و اللوازم و القرانات و امثالها و القاف قرب و وصال و نعيم و اتصال فظهر مقام الحجب و صلّي اللّه علي محمّد المنتجب و علي اوصيائه الحجب و مقام الظاهرية نحن ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوّض الينا امور عباده، ان الينا اياب هذا الخلق ثمّ ان علينا حسابهم و هذا الجبل معدن الحقايق و الاسرار و ينبوع الحقايق و الانوار مفتاح الجنان و عرش الرحمن و وعاء الاسماء و ظهور المسمي فافهم الاشارة و لاتجمد علي العبارة.

و منها جبل النور و هو جبل حرم مكّة شرّفها اللّه و هو جبل شامخ من حضيضه الي اعلاه اربعة فراسخ و ذلك لسرّ العبودية في التوحيد لكونه حرم اللّه الواحد القهّار و التوحيد لايتمّ الاّ في اربعة مقامات و لتربيع اركان البيت جرياً

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 191 *»

بحكم (لحكم خ‏ل) المطابقة بالانوار الاربعة و الاسرار الاربعة و الاطوار الاربعة و الاوطار الاربعة و الاكوار الاربعة و الادوار الاربعة فللّه في كل عالم حرم و بيت و جباله اربعة فراسخ في ثلثة اطوار الم‏تسمع قول اللّه تعالي في بيوت اذن اللّه ان‏ترفع و يذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ و الاصال علي قراءة يسبَّح بالبناء للمفعول و الوقف علي الاصال، رجال اي تلك البيوت رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه الاية و البيت انما هو واقع بين الجبلين كماتري في الظاهر و هو يشير الي ان ظهور الحق سبحانه للخلق مايمكن الاّ بين جبل النبوة و الولاية قال تعالي انما انت منذر و لكلّ قوم هاد و في الدعاء فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لااله الاّانت و هذان الجبلان في الظاهر اسودان لم‏ينبت عليهما شي‏ء محترقان لشدة حرارة الشمس و الوجه في ذلك ذلّ العبودية و كونهما مظهري التكليف و مصدري المشاقّ (الميثاق خ‏ل) الجسمانية المخالفة للطبيعة الظاهرية الجسدية و قد قال عزّوجلّ و استعينوا بالصبر و الصلوة و انها لكبيرة الاّ علي الخاشعين و قال عزّوجلّ و لولا ان‏يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن الاية و قدظهر ان النبي و الولي8 ماشبعا من خبز الشعير و هذا هو السرّ في احتراق الاراضي الطيبة و ملوحة مائها و قلتها و قلة اثمارها و اشجارها و شقاوة اغلب اهلها و افسادهم فاذا رجعت الاشياء الي مباديها و اصولها رجعت تلك الاراضي الطيبة الي الحسن الذاتي فتفجر انهارها و تنضج ثمارها و تكثر ازهارها و يعتدل هواؤها و يستصلح اهلها لانها هي الارض المقدسة و الجسد الحديد (الجديد خ‏ل) فقبل ازالة الريش هو غراب و ارض منتنة فاذا ازيل (ازيلت خ‏ل) فيكون عقاباً و ارضاً مقدسة مطهّرة و تكون مادة للاكسير الاحمر و الابيض.

و منها جبل احد الواقع بقرب المدينة الذي استشهد عنده حمزة سيدالشهداء عمّ النبي9 و هذا الجبل اعظم الجبال و اعلاها و لذا يقع التشبيه للامور العظيمة الكبيرة الداهية به و هو في اخبارنا كثيرة مع انه في الصورة الظاهرية صغير ليس له ارتفاع تامّ كجبل ابي‏قبيس الذي هو في مكة و عظمته انما هو لاصله لانه ثابت و راسخ الي التخوم و لا كذلك ساير الجبال و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 192 *»

انما هي علي ظهر الارض فيكون هذا الجبل من اعظم اوتاد الارض في كل عالم بحسبه و انما كان هذا الجبل مختصاً بهذا الحكم لكونه في مدينة الرسول9 ظهر مثالاً للنبوة علي الاطوار المختلفة منها كسر العبودية و اندكاك جبل الانية و اعدام نفسه عند بقاء ربه فثبت و استقرّ و استعلي باطناً و صار به قرار الارض فلم‏يرتفع ظاهراً للفرق بينه و بين جبال مكة كالفرق بين حرم اللّه و رسوله9 و الفرق بين القيام و الركوع و انما صار جبل احد راسخاً ثابتاً الي التخوم دون ابي‏قبيس لسرّ ان التوحيد لايتمّ الاّ بالنبوة و لذا كان مقام الركوع اعلي من مقام القيام و لانه مقام جلال العظمة و لذا اختص الركوع بذكر العظمة سبحان ربي العظيم و بحمده.

و منها جبل النجف الاشرف و هو من اعظم جبال الدنيا و هو الجبل الذي اوي اليه ابن‏نوح عند الطوفان لارتفاعه و عظمته و علوّه كما قال مولينا الصادق7 علي مافي البحار عن ابي‏بصير انه قال7 ان النجف كان جبلاً و هو الذي قال ابن نوح ساوي الي جبل يعصمني من الماء و لم‏يكن علي وجه الارض جبل اعظم منه فاوحي اللّه عزّوجلّ اليه يا جبل أيعتصم بك مني فتقطّع قطعاً الي بلاد الشام و صار رملاً رقيقاً (دقيقاً خ‏ل) و صار بعد ذلك بحراً عظيماً و كان يسمّي ذلك البحر ني ثم جفّ بعد ذلك فقيل ني جفّ فسمي بنيجف ثم صار بعد ذلك يسمونه نجف لانه كان اخفّ علي السنتهم هـ و انما تقطع هذا الجبل الي بلاد الشام لانها هي الارض المقدسة و صار رملاً رقيقاً (دقيقاً خ‏ل) لظهور نور التجلي حتي تخلّل بالاستيلاء و الغلبة علي كل جزء جزء من اجزائه الي ان عجز عن التماسك فان التماسك لايكون الاّ بالاجزاء الارضية المستجنة فيها الاجزاء الرطبة المائية و الهوائية المشرق علي ظواهرها النار و اما اذا تخللت النار في كل جزء جزء و استولت و غلبت تفككت الاجزاء له و تفرّقت و ذابت لعظمة اللّه سبحانه الي ان صارت بحراً و انما كان اسم ذلك البحر ني لانه اسم للسين الذي هو اسم محمّد9 كما في قوله عزّوجلّ يس و القران الحكيم و لمّا كان كل حرف له اسم يخصّ (يختص خ‏ل) به كان اسم السين هو الياء و النون و هما بيّناته

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 193 *»

فان البينات اسم للزبر علي مافصّل في علم الحروف و قد اتفق في هذا الحرف خاصة تطابق الاسم و المسمي و الزبر و البينات في القوة و العدد و لمّا كان علي7 هو اية رسول‏اللّه9 و دليله و عصا عزّه و تاج فخره كان اسماً له لان الاسم هو الوسم و هو الدليل و الاية فلمّا كان رسول‏اللّه9 اسمه السين كما سمّاه اللّه سبحانه بذلك فيكون بيّنات اسمه هو علي7 قال اللّه تعالي بل هو ايات بيّنات في صدور الذين اوتوا العلم و لا شك ان البينات مطويّة و مخفيّة عند الزبر كذلك علي7 صامت عند ظهور النبي9 و لمّا كانت المدينة منسوبة الي النبي9 و النجف الي علي7 فجرت المناسبة في الظاهر كما كانت جارية في الباطن فسمي ذلك البحر ني تسمية للنور باسم المنير و وجه التقطّع لماذكرنا من وجه ارتفاع جبل ابي‏قبيس علي جبل احد و انخفاض جبل احد فاقتضي الحكم ان‏يتقطع هذا الجبل لانه مقام السجود بالنسبة الي الركوع في الصلوة و هو مقام جلال القدرة و لذا اختص السجود بذكر سبحان ربي الاعلي و بحمده و اما جفاف البحر لاظهار النور و ابراز السرور و كونها ارض النشور و دار السلام و دار الحبور و صلّي اللّه علي محمّد و علي و الهما الطيبين الطاهرين و هذا الجبل هو الربوة التي في القرءان في قوله تعالي و اويناهما الي ربوة ذات قرار و معين فهناك وضع عيسي قال7 الربوة الكوفة و القرار المسجد و المعين الفرات و عنه7 مصرحاً بالامر ان الربوة نجف الكوفة و المعين الفرات هـ و لهذا اشتهر بين الخلق ان ارض النجف اعلي الاراضي كلها بكل معني.

و منها جبل طور سيناء و هو ربوة النجف ظاهراً و باطناً و ماقيل انه في الشام و هي الارض المقدسة فالمراد به قطعة من جبل النجف الذي تقطع و صار قطعاً قطعاً الي ارض الشام و اما في‏الحقيقة فهو هذه البقعة المباركة قال7 الغري قطعة من الجبل الذي كلّم اللّه عليه موسي تكليماً و قدّس عليه عيسي تقديساً و اتخذ عليه ابرهيم خليلاً و محمّداً9 حبيباً و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 194 *»

جعله للنبيين مسكناً و الوجه في الكل ظاهر لانهم تبع فلايخالف التابع المتبوع من حيث انه تابع ابداً في المقامات كلها وجوداً كان ام ظهوراً و لمّا كانت الانبياء متمحّضين في الولاء مخلصين في ولاية سيد الانبياء و الاولياء ظهر لهم الحق سبحانه في محل ظهور صفوة الاصفياء علي امين اللّه في الارض و السماء عليه سلام اللّه الي ما لا نهاية له و لا وراء كرفع قائم في قولك «جاءني زيد القائم» و نصبه في قولك «رأيت زيداً القائم» و جرّه في قولك «مررت بزيد القائم» و القائم تابع لزيد في كل احواله فكذلك الانبياء تبعوا اميرالمؤمنين7 في كل مظاهره و احواله الظاهرة و الصفات اللازمة و اما رسول‏اللّه9 فمن جهة انه نفسه قال تعالي و انفسنا و انفسكم قال النبي9 ياعلي انت نفسي التي بين جنبي و لكونه7 طائفاً حول جلال القدرة و النبي9طائفاً حول جلال العظمة و هذا الظهور عامّ كلّي في كل مقام بحسبه و رتبته و لانفصّل لما اشرنا سابقاً لاهلها و هذا الكلام في مقام الجمع.

اما في مقام التفصيل فنقول مجملاً قال شيخنا اطال اللّه بقاءه: «اما الجبل الذي كلّم اللّه (عليه ظ) موسي تكليماً هو جبل طور سيناء و جبل حوريث و اما الجبل الذي قدّس اللّه عليه عيسي تقديساً فهو جبل ساعير علي المعاني كلها و قيل ساعير جبل بالحجاز يدعي جبل الشراة كان عيسي يناجي اللّه تعالي عليه.» اقول: انما كان بالحجاز لانه حرم اللّه و حرم رسوله9 قال سلّمه‏اللّه: «و عنده اجابة الدعاء و قيل ساعير قبّة كانت مع موسي7 كالتخت للملك و اما الجبل الذي اتخذ اللّه عليه ابرهيم خليلاً يعني الذي ظهر له عليه فهو الربوة (ربوة خ‏ل) من مني في مسجد الخيف او في ايليا و هي مدينة القدس او في جبل فلسطين عند بئر شيع و هو البئر الذي حفره و بناه (بنا ظ) عنده مسجداً و اما الجبل الذي ظهر فيه لمحمّد9 و هو جبل فاران من جبال مكة بينه و بين مكة يوم كذا في الخبر عن الرضا7 ظهر فيه بربوات المقدسين فوق احساس الكروبيين.» انتهي كلامه اطال اللّه بقاءه فوق غمائم النور و فوق هذا الجبل كان ينبوع علم الجفر الاحمر و الابيض البقرة التي اتي بها جبرئيل من الجنة فذبحها

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 195 *»

علي7 و سلخ جلدها فاملي عليه رسول‏اللّه9 و كتب ذلك العلم علي جلد تلك البقرة التي اسمها الجفر و هذه هي البقرة الصفراء فاقع لونه تسرّ الناظرين فجعلها7 ثمانية و عشرين جزء في ثمانية و عشرين ورقة في صفحتين في ثمانية و عشرين سطراً في ثمانية و عشرين بيتاً في اربعة احرف و تلك البقرة ظاهر البراق الذي صعد به رسول‏اللّه9الي عالم القدس و بلغ مقام قاب قوسين و بين هذا الجبل و مكة التي هي حرم اللّه سبحانه يوم جري الظاهر طبق الباطن فان قلب المؤمن هو عرش الرحمن و هذه البقرة المذبوحة علي جبل فاران مقام الروح عالم الظلال علي شكل ورق الاس و بينه و بين القلب مرتبة واحدة و هذه الثمانية و العشرون تطورات الوجود و ضبط نسبه و اوضاعه و احواله و صفاته و اضافاته و قراناته كما هو معلوم عند اهله و هذه الجبال المفصّلة كلها جبل واحد كما قال مولينا الصادق7 انها هي نجف الكوفة اذ مرجع جميع التجليات الكونية و العينية بل الامكانية و الازلية الوصفية الظاهرة في الرتبة الامكانية كلها الي الولاية قال تعالي و اليه يرجع الامر كله و ماظهر بالولاية العامة المطلقة الكلية الاّ مولينا اميرالمؤمنين علي بن ابي‏طالب7 وراثة من رسول‏اللّه9 فيكون محل ظهوره الخاص و موقفه محل جميع الانبياء و المرسلين و هذا معني ماورد ان جبرئيل ماكان يأتي رسول‏اللّه9 الاّ باذن علي7 فافهم فاني كرّرت العبارة لتحظي بالاشارة.

فاذا عرفت هذا القدر من الكلام فاعلم اني احب ان اذكر في هذا المقام منشأ تكوّن الجبال و اسباب وجودها و علة تحققها علي جهة الاجمال فان بعض المموّهين من اهل الضلال من النصاري قد اورد نقوضاً علي القرءان لابطال امر اللّه و اطفاء نور اللّه و ابي اللّه الاّ ان‏يتمّ نوره و يحكم امره و كان مما قال خذله اللّه في النقض علي قوله عزّوجلّ ألم‏نجعل الارض مهاداً و الجبال اوتاداً ان الاجسام من البسايط و المركبات لا شك ان لها مكاناً طبيعياً اذا خلّيت و طبعها ماتطلب الاّ اياه فلايحتاج في طلب المكان الطبيعي الي قاسر و معين فاذا كان

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 196 *»

كذلك فلا معني لقوله و الجبال اوتاداً فان الارض في مكانها الطبيعي لايحتاج الي الوتد و هذا كلام لو تأمّلته وجدته ان صاحب هذا القول ما ذاق من المعرفة شيئاً ليس بناؤه الاّ التمويه لانا نقول له ان الشي‏ء في المكان الطبيعي لايحتاج الي معين او الي قاسر لو صحّ لكنك اثبت اولاً هل الارض في مكانها الطبيعي ام لا؟ فان قلت انها في مكانها الطبيعي قلت لماذا اخرجت قطعة منها من الماء دون باقيها مع ان كل سافل مركز للعالي الاتري الافلاك فانها محيطة علي كرة النار في كل جوانبها و النار محيطة علي الهواء كذلك والاّ لم‏تكونا في مكانيهما الطبيعيين بتقدير اللّه سبحانه فيجب ان‏يكون الماء ايضاً محيطاً بالارض في جميع جوانبها والاّ لاختلّ النظام الطبيعي و مع ان الامر ليس كذلك فان الارض قطعة منها بارزة عن الماء ليست في احاطة الماء للبرهان الذوقي و السرّ الالهي الذي ذكرنا سابقاً في البحار فخرجت الارض عن مكانها الطبيعي بتسخير اللّه سبحانه الذي خضع له كل شي‏ء و ذلّ له كل شي‏ء.

و لمّا ان اللّه سبحانه ابي ان‏يجري الاشياء الاّ علي اسبابها لانه هو مقتضي الحكمة و اظهار الاسماء الجلالية و الجمالية و باقي الاسماء المتقابلة جعل لتلك القطعة اسباباً يمنعها عن الغوص في الماء والاّ فهي بمقتضي ذاتها و طويّتها و ضعف اختيارها لبرودة القابلية و انحطاطها عن رتبة الصعود الي الفاعل و المقبول فصارت تهوي الي مركز سفلها الاّ ان‏يمنعها مانع من اشراقات انوار الفاعل و روابط اثاره المقتضية للصعود و انت قدعلمت ماذكرنا سابقاً ان النار هي ظهور الفاعل و مثاله في العالم الجسمي و الهواء ظهور المقبول و مثاله في ذلك العالم فالفاعل بذاته يقتضي الرفع و الصعود لانه مركز الخفّة و كذا المقبول لانه جهته فصار مثاله ايضاً كذلك فاذا القي الفاعل مثاله الذي هو النار بواسطة المقبول الذي هو الهواء الرطوبة الذاتية المعتدلة في هويّة القابل المفعول فان كان ذلك المثال بالظهور اقوي من ماهية المفعول و انّيّته فيظهر فعل الفاعل الظاهر من المثال من حقيقة المفعول كالحديدة المحماة بالنار و ان كانت الانّيّة و الماهية اقوي فيتبع ذلك المثال مقهوراً مضمحلاً فانياً فيجري علي المفعول مقتضي الماهية المجتثّة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 197 *»

الهابطة الي اسفل السافلين قال سبحانه و تعالي لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ثم رددناه اسفل سافلين.

فاذا صحّ ذلك فاعلم ان اللّه سبحانه لمّا خلق العالم كان طالع الدنيا السرطان و كانت الكواكب في اشرافها (اشراقها خ‏ل) فكانت الشمس في التاسع‏عشر درجة من الحمل و اول وقت الزوال وقت فريضة الظهر و الشمس قبل ان‏تغيبها السحب و الموانع و اول ظهور المبدء كانت في كمال القوة من الظهور سيّما اذا كانت في بيت شرفها فان الكواكب في بيت الشرف اقوي تأثيراً مما اذا كان في غيره سيما اذا كان بيت الشمس الحمل اول برج من البروج النارية الفاعلية ليس برج في البروج اقوي و اشدّ تأثيراً منه لان الحرف المقابل له الالف و هو من الحروف النارية في مقام الرتبة فظهر الفاعل بكمال التأثير في بدء التدبير فمكن القابل من المقبول (القبول خ‏ل) لحكم التسخير فاحترقت المياه التي كانت علي الارض القابلية المانعة من قبولها لتأثير الفاعل ممايحاذي منطقة البروج اذ الشمس انما يكون مسيرها عليها فوقعت اشعة الشمس و كواكب البروج النارية و ساير الكواكب لانا قد قلنا سابقاً ان الكواكب شعلات نارية كانت مستجنة في زبد البحر و الارض الظاهرة عن الماء المقابلة للكواكب في بدء ظهورها و فقدان الموانع المانعة كانت مهيّأة للقبول و مستعدّة له و هي الارض الجرز و هي التي قال اللّه عزّوجلّ و من اياته انك تري الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزّت و ربت و انبتت من كل زوج بهيج فلمّا وقعت اشعة الشمس الشعلات النارية الخارجة من قدح زناد مقابلة الشمس للارض علي الارض حفظها الهواء برطوبتها والاّ فالشمس حارة يابسة و الارض باردة يابسة كانت تحترق و لم‏يبق لها قرار فاحتاجت الي مليّن من جهة النار و مليّن من جهة الارض لتحفظ تلك الاشعة عن اللحوق بالمركز و تظهر الافاعيل حسب مااقتضت المصلحة الاّ ان الفاعل في البدء لمّا كان قوي الظهور فيكون ظهوره و بروز اثاره و افعاله اقوي من غيره فظهرت الحرارة في الارض و استجنّت فيها و تلطّفت الارض بالتليين المائي من الاجزاء البخارية و الهوائية و غلبت عليها الحرارة اي علي الوجه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 198 *»

المقابل للشمس و الكواكب فلطفت و تخلّلت الحرارة في جميع الاجزاء الظاهرة المقابلة فتفككت فبعضها صعدت الي الجوّ و هي اللطايف التي ذهبت انّيّتها فشابهت اوائل عللها فلحقت بمركزها بمقدار قوة المشابهة و ضعفها و قلّتها و كثرتها و بعضها بقيت علي الارض فهي في حال تفرّقها لم‏يظهر لها تأثير تامّ بحيث يمنع الارض عن اللحوق بمركزها فارسل اللّه سبحانه ريح الدبور فحركت تلك الاجزاء المستجنّة فيها الشعلات النارية و جعلها الي ناحية من النواحي باسباب يطول بذكرها الكلام فارسل ريح الصبا فهبّت عليها و احدثت الرطوبة فيها فلانت الاجزاء و مالت بعضها الي بعض فارسل اللّه سبحانه ريح الجنوب الموكّل به اعوان من جنود اسرافيل فمزجت بين تلك الاجزاء مزجاً تاماً بقوة الحرارة و الرطوبة فارسل اللّه سبحانه ريح الشمال الموكّل به اعوان من جنود عزرائيل فعقدت تلك الاجزاء الي ان انجمدت و علي هذا القياس تراكمت الاجزاء الارضية و انعقدت باعانة اللّه سبحانه بتسبيب هذه الملائكة الاربعة الموكّلة بالرياح الاربعة فتكوّنت الجبال فهي بذاتها باستجنان تلك الاشعة النارية تقتضي الصعود الي العلوّ و غلبة الاجزاء الارضية عليها تقتضي الهبوط الي السفل فالاجزاء النارية القوية تمنعها عن الهبوط و الاجزاء المتراكمة الارضية تمنعها عن الصعود فبقيت في مكانها في غاية الاعتدال و لمّا كانت القطعة الخارجة عن الماء متصلة بهذه الجبال و مرتبطة بها مع ماظهر عليها ايضاً من انواع التسخينات بحفظ الجبال اياها لها ماهبطت فبقيت علي الحالة التي تري فكانت اوتاداً للارض و اعمدة لتقوّمها فوق الماء و هذا الذي ذكرنا هو معني ماقال اميرالمؤمنين7ان الجبال خلقت من الامواج و السماء خلقت من الدخان و الارض من الزبد كما روي الصدوق باسناده عنه7 في حديث طويل الي ان قال فسأله ممّ خلق السموات؟ قال اميرالمؤمنين7 من بخار الماء قال ممّ خلقت الارض؟ قال7 من زبد الماء قال ممّ خلقت الجبال؟ قال7 من الامواج الحديث. يريد7 بالماء هو المادة الجسمانية و يريد من بخارها لطايفها و صافيها كما هو الواقع و يريد

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 199 *»

بالزبد غلظتها و كثافتها و عدم ثباتها و كونها علي وجه الماء و يريد بالامواج هي الشعلات المستجنّة في المادة الجسمانية بواسطة اشعة الكواكب مع الاجزاء الكثيفة و لذا تري ان المعادن كلها مادتها الكبريت و الزيبق و اختلاف انواعها باختلاف وقوع اشعة الكواكب عليها و تصفيتها و عدمها و اعتدالها و عدمه و غلبة بعض الطبايع (الكواكب خ‏ل) و امثال ذلك و هذه الاحجار الصلبة الحمراء و الصفراء و السوداء و ساير اقسامها ماتنعقد الاّ بحرارة قوية من اشعة الكواكب و شرحها و تفصيلها مذكور في كتب القوم في المعادن و مرادنا هنا الاقتصار بما لم‏يذكروا.

و بدن الانسان ايضاً كذلك كالشجرة فان الروح تصعد به الي العلوّ و الاجزاء الارضية تهبط به فبقي واقفاً مائلاً الي العلوّ متصلاً بالسفل و الانسان استعلي رأسه و رقبته و صدره لقوة الحرارة فكل‏ما فيه الحرارة اكثر هو اعلي الي الرجل المتصل بالارض لمناسبة البرودة فلولا الروح لوقع ملقي علي الارض مايتحرك كمانشاهد عند نزع الروح عنه و لولا الجسد كان فوق الافلاك باربعة الاف فرسخ فبالامرين تمّ خلق الانسان و الحيوان في احسن تقويم فالجسد جبل للطينة الحيوانية و الانسانية وهكذا و التربة التي يأتي بها الملك فيمزجها بين النطفتين جبل و وتد لنطفة المرأة و لولاها لاحترقت بحرارة نطفة الرجل او انخمدت حرارة نطفة الرجل ببرودة نطفة المرأة ذلك تقدير العزيز العليم.

قوله7 علي تلاطم تيّار بيان لحقيقة الجبال و مادة تكوّنها و بيان لتطورات البحار بالاطوار و شرح لماذكرنا من الانوار من ان الشي‏ء من حيث الذوبان بحر و من حيث الانجماد جبل و الانجماد لايكون الاّ بالذوبان فيكون الجبل موجاً من امواج البحر الاّ ان موج كل بحر علي حسبه (بحسبه خ‏ل) فالجسم جسماني و الروح روحاني و النفس نفساني و العقل عقلاني و الجامد منجمد و السيال جارٍ و ذائب و انت قدعلمت سابقاً ان البحر يطلق علي الحقيقة علي الشي‏ء الواحد الصالح للشئون و الاطوار الكثيرة كما دلّت اخبار اهل العصمة: عليه كبحر النار و بحر الظلمة و امثال ذلك و البحر له ثلث مقامات: الاول مقام

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 200 *»

مايتصاعد منه من الابخرة و هذا ليس فيه موج محسوس و ان كان فيه موج بحسب مقامه و انما هو اجزاء لطيفة شريفة يخرج عن مركز السفل الي مركز العلو و الخفّة. و الثاني مقام سكونه و اطمينانه و مقام ذاته من حيث هو. و الثالث مقام الموج و الاضطراب و الحركة و الميل و الاحوال.

فالمقام الاول فليس مما نحن فيه لانها امور تخرج عن البحر و تدخل في البحر الاخر فان كان فيها حرارة انما هي مكتسبة من امور اخر.

و المقام الثاني هو مقام السكون و هو علي قسمين: احدهما سكون ليس فيه حركة اصلاً بوجه من الوجوه و هذا السكون ليس ضداً للحركة اذ ليس فيه ذكر للحركة و احد الضدين مذكور عند الاخر فلايخرج من هذا البحر في هذا المقام شي‏ء و لايدخله شي‏ء.([7]) و ثانيهما مقام سكون عن الحركة او عن صلوحها فان الواحد و ان قيل انه غير متكثّر و لا متحرّك لكن فيه حركات ذكرية قلبية غير ظاهرة في الجوارح و عالم الحس في كل عالم بحسبه و البحر في هذا المقام مادة للامواج و مايخرج منه الي الاعلي فله في المقام الاول حركات شديدة و اضطرابات عنيفة و ميولات سريعة لكنها غير ظاهرة و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمرّ مرّ السحاب و في المقام الثاني حركات ظاهرة لاهل الاشارة يعرفها الملاّحون و اهل السفينة العالمون باحوال البحر و اقتضاءاته فلايتصور موج في المقامين الاّ باعتبارات قريبة بعيدة انهم يرونه بعيداً و نريه قريباً.

و المقام الثالث مقام ظهور الحرارة لاستدعائها الحركة فكلّما تتزايد الحركة تتزايد الحرارة و كلّما تتزايد الحرارة تتلطف الامواج و لذا اذا نظرت الي البحر الموّاج في الليل تري الامواج كأنها نيران اشتعلت علي وجه الماء و تلك الحرارة هي المستجنة في البحر اظهرها داعي الحركة من العواصف او الادخنة او غير ذلك فالامواج محل النيران و مظهرها و النيران محلها الافلاك فتميل اليها لكن لحقها ثاء الثقيل فبقيت في مكانها فكانت الجبال اوتاداً علي مابيّنا لك سابقاً و انفاً.

و اما الامواج بالنسبة الي البحار فاعلم ان امواج بحر الاحدية هي هياكل التوحيد و سكّان عرش اللّه المجيد و جبال التنزيه و التفريد و امواج بحر

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 201 *»

الواحدية هي الاسماء و الصفات و مواقع التجليات و مظاهر التعلقات و ظهور الاسماء المتقابلة و الصفات المتضادة و المتباينة يسبّح اللّه باسمائه جميع خلقه كم غرقت هذه الامواج سفناً كثيرة و كم كسرت مراكب عديدة مايسير في هذا البحر عند التلاطم و التيّار الاّ اهل الجزيرة الخضراء المخضرّة من نور الزمردة الخضراء كتاب الابرار لكنه في كون الكينونة لا كون البينونة و كون الاطلاق لا كون التقييد و كون النار ولو لم‏تمسسه نار لا كون الهواء يكاد زيتها يضي‏ء فهم من فهم. و امواج بحر اللاهوت هي سطوات الجبروت و اعتبار ظهورات قصبة الياقوت و مبدء الكينونة الثانوية في الرحموت و امواج بحر الجبروت ذرات (ذوات خ‏ل) الملكوت. و امواج بحر الملكوت هي الشئونات الشبحية و المقدارية و امواج البحر الابيض قريب الجزيرة الخضراء هي عالم الملك و امواج هذا العالم علي انحاء كثيرة و اطوار غريبة عجيبة طور هي الافلاك و طور هي العناصر و طور هي المتولدات و طور هي الجبال و طور هي المعادن و طور هي النبات و طور هي الحيوان لا اله الاّ اللّه ذو الملك القديم و المنّ الجسيم له الكبرياء و القدس و العظمة سبحانه و تعالي عمايصفون.

قوله7 رقيق رتيق فتق رتاجها فتغطمطت امواجها قال في مجمع البحرين: «الرِّقّ بالكسر من الملك و هو العبودية و هو مصدر رقّ الشي‏ء من باب ضرَب و منه الدعاء سجدت لك يا ربّ تعبّداً و رقّاً و الرقيق يطلق علي الذكر و الانثي و الجمع ارقّاء مثل شحيح و اشحّاء و قديطلق علي الجمع ايضاً فيقال ليس في الرقيق صدقة اي في عبيد الخدمة و الرقيق خلاف الثخين و الغليظ و منه الثياب الرقاق و خبز رقاق بالضم اي رقيق الواحدة رقاقة و الرقّة بالكسر ضد القوة و الشدة و الرقّة بمعني الرحمة من رقّ لهم رحمهم و منه الحديث ان اصحاب ابي اتوه فسألوه عمايأخذه السلطان فرقّ لهم.» «و الرتق هو ضدّ الفتق و هو الالتيام و الفتق الشقّ و الفتح و فتقت الشي‏ء فتقاً شققته الفتق شقّ عصي الجماعة و وقوع الحرب بينهم و فتقت الثوب من باب قتل نقضت خياطته

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 202 *»

حتي فصلت بعضه عن بعض فانفتق و فتّقت بالتشديد مبالغة و تكثير.» الرتج في المجمع: «في الحديث السماء تفتح فلاترتج اي لاتغلق من ارتجت الباب اغلقته و منه امرنا النبي9 بارتاج الباب اي باغلاقه و ارتج علي القاري اذا لم‏يقدر علي القراءة و في حديث فاطمة بنت اسد و قد سألت من امامها فارتج عليها فقال لها النبي9 ابنك ابنك يعني استغلق عليها معرفته و الارتتاج بتائين مثنّاتين فوقانيّتين بمعني الانغلاق و الرتاج بالكسر الباب العظيم.» و في المنتخب: «غطمطم و غطم بحر عظيم.»

اقول: اذا اخذنا الرقيق بمعني الرقّة ضد الثخين و الغلظة يجوز ان‏يكون صفة للتلاطم و التيّار و ان‏يكون صفة للجبال و البحار بالقول بتساوي المذكر و المؤنث في الفعيل بمعني المفعول كقولك رجل جريح و امرأة جريح فيصح التوصيف او بان‏يجعل الصفة معنوية ليكون المراد من البحار هو البحر الواحد الحقيقة الجامعة لكل الابحر و الجبال هو الجبل الواحد الشامل لكل الجبال ليكون المراد بالبحار هو بحر الاحدية لانه جامع بين الكثرة و الوحدة فهو الكل في وحدته علي اعتبارين و الجبال هو جبل القاف و مظهر الكاف و سرّ العين و حقيقة اللام و لطيفة الميم و مثل هذا الاستعمال كثير في الكلام الكريم كمافي قوله عزّوجلّ و علّم ادم الاسماء كلها ثم عرضهم علي الملائكة حيث ذكر الاسماء و هي في الظاهر مؤنث غير ذات الشعور فالمناسب ارجاع الضمير المؤنث اليها مع انه اتي بالجمع المذكر و كقوله عزّوجلّ اني رأيت احدعشر كوكباً و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين و قوله تعالي يتفيّأ ظلاله عن اليمين و الشمائل سجّداً للّه و هم داخرون و امثال ذلك في القرءان و الاخبار كثير جداً فيجوز ان‏يأتي بالموصوف /في الظاهر (بمافي الضمير خ‏ل) بصورة الجمع و الصفة بصورة المفرد للاشارة الي سرّ و لايقال ان ذلك يستلزم عدم تطابق الموصوف مع الصفة المجمع علي بطلانه لانا نقول ان الموصوف في الحقيقة مفرد و ليس بجمع و انما اتي بالجمع من باب الحكاية و المظهرية لا بالاستقلال (للاستقلال خ‏ل) ولو اتي كذلك ايضاً فلايضرّ لانه لايوصف به و انما الموصوف هو الحقيقة السارية في كل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 203 *»

الافراد و لا ضير في ذلك بل هذا هو الواقع الحقيقي و المطابقة الحقيقية موجودة لفظاً و معني.

فعلي هذا الوجه يكون المعني ان اللّه سبحانه خلق البحار و الجبال و هي في اصل مبدئها و فطرتها في مقام الحلّ الاول او الثاني في الحركة الاولي الطبيعية (الطبيعة خ‏ل) الذاتية او الثانية قبل انتشارها في الحركة العرضية الظهورية رقيق مشابهة للمبدء شباهة القشر مع اللبّ او الاثر مع المؤثر اضمحلت عندها جهات الكثرة و رقّت حجب الانية و ظهرت في مقام الوحدة لا الوحدة الحقيقية بل علي حسب مقامها فكانت رتقاً فالبحار بحر واحد و الجبال جبل واحد فرتق اللّه سبحانه ذلك البحر بالبخار علي مافصّل سابقاً لكن مرجعها كلها الي ذلك البحر و كذا الجبال و هو الجبل الذي عنده عروق كل جبال الارض من الدنيا و الاخرة فالبحار امواج ذلك البحر الواحد و خلجان منه و كل موج بحر له امواج متلاطمة متغطمطة كماقال9 . قال ابن ابي‏الحديد:

يا فلك نوح حيث كل بسيطة بحر تجول و كل بحر جدول

فافهم. فكان بحر الاحدية او موجه رقيقاً رتيقاً فتق اللّه سبحانه رتاجه اي بابه و جهات ظهوراته فتموّج ببحر (بحر خ‏ل) الاحدية بسرّ الهوية و لبّ الالوهية و ذلك الموج بحر تموّج بالاسرار و الانوار و الاطوار و الاوطار و الاكدار و الاخيار و الاشرار الي ما لا نهاية له من الاكوار و الادوار و من اسرار هذا البحر امر النبي9 بالاستزادة حيث قال سبحانه قل ربّ زدني علماً و هو9 استزاد التحيّر و قال9 اللّهم زدني فيك تحيّراً و كل البحار الموجودة في كل السموات و الارض امواج من هذا البحر و كل موج بحر يحكي هذا البحر بعينه لسرّ المشابهة فلا نهاية لامواجه و امواج امواجه و امواج امواج امواجه وهكذا الكلام في كل موج من الامواج الي ما لا نهاية له ولو كان لك بصر حديد لرأيت بالعيان و المشاهدة فتق رتاجها و تغطمط امواجها و اضطراب مائها و سرعة حركاتها و لرأيتها قبل الفتق حين الرتق و بعد الفتق و لرأيت انها لاتزال مفتوقة مرتوقة و لا نفاد لهذا الفتق و الرتق و اضطراب الموج و موج الاجسام جبال و كل جبل معدن كنز و مفتاح باب غيب قال تعالي و عنده

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 204 *»

مفاتيح الغيب لايعلمها الاّ هو و يعلم ما في البر و البحر و ماتسقط من ورقة الاّ يعلمها و لا حبّة في ظلمات الارض و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين و شرح حقيقة هذه الاحوال لايسعه المجال.

و اذا جعلت رقيقاً و بعده صفة للتلاطم و التيّار فالمعني كماذكرنا الاّ انه في المقام الثاني من المقام الثاني للبحر كما مرّ من ان البحر له ثلث مقامات فراجع اذ في ذلك المقام موج رقيق و تلاطم دقيق لايحسّ و لايدرك لكونه مقام السرّ المقنّع بالسرّ و السر المستسرّ والاّ فالبحر مطلقاً لم‏يزل في الحركة و التموج لاستجنان الحرارة الباعثة للشوق الي التحرك نحو المبدء في الاجزاء الهبائية المختلطة بالاجزاء المائية و كمون الادخنة و وقوف الماء فالحرارة جاذبة و محركة الي العلوّ و الوقوف و الركود كما ذكرنا يجمع الشعلات النارية بكثرة وقوع الادخنة و الغبار فيميل اليها بالطبع و الوصف و اللون و تميل تلك الاجزاء اليه كذلك و لولا ذلك لم‏يبق ماء للاحتراق و لذا تري اذا كان الماء قليلاً تعدمه الحرارة في زمان قليل فبميل النار الي الماء بتوسط الدخان و الهباء بقي الماء علي حاله في السيلان و بميل الماء الي النار بتوسط تلك الاجزاء وجدت الحيوانات المائية و الحركات الذاتية و دوام التموج الاّ اذا غلبت جهة المائية و لم‏يمنعها مانع اقوي و ظهور اشتداد التموج انما هو بالامور المؤيّدة و زيادة الحرارة او هبوب الريح العاصف من الرياح الاربعة و امثالها و بهذه الامور و امثالها يفتق رتاج البحر حتي ظهر بالامواج و التلاطم العظيم و الحرارة و ان كانت جاذبة الي العلوّ الاّ انها لمّا علقتها ثاء الثقيل فتحرك البحر و تموج و هو في مكانه و رتبته بخلاف الاجزاء البخارية فانها قد صعد بها لكمال المشابهة و هذا الحكم كلي في كل عالم بحسبه.

و العبارة الواقعية في سبب الامواج فاعلم ان اللّه سبحانه لمّا حكم ان‏يظهر ايات صنعه و علامات قدرته في البرّ و البحر و السهل و الجبل ليتبيّن للخلق انّه الحق خلق في الكل خلقاً مختلف الصور مختلف الهيئات و الاشباح و الهياكل و الطبايع ليستدلّ بهذا الاختلاف و الكثرة بالواحد القاهر للكثرات و العادّ للاعداد

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 205 *»

و لمّا كان حكمه تعالي واحد (واحداً ظ) و الايجاد لايمكن الاّ بحركتين حركة وجه المبدء الي المفعول و حركته الي وجه المبدء فوجب مزج اثار تينك الحركتين و اختلاطهما حتي صار معترك المزجين و مصلصل الخلطين منشأ خلق اخر ثم انشأناه خلقاً اخر فتبارك اللّه احسن الخالقين. و لمّا كان المزج في الحيوانات البحرية و المعادن لايكون الاّ بالبحر و المزج و التعفين لابدّ له من الحرارة و الماء بطبعه مضادّ لها و الاجزاء الهبائية بحرارتها لاتقاوم برودة الماء فيأمر اللّه سبحانه و تعالي الملائكة بزجر البحر حتي يتحرك و يتموج حتي يحصل كمال المزج و النضج بضمّ بعض الاجزاء بقوة حرارة الحركة المعينة للحرارة المستجنة في الاجزاء الهبائية و لمّا كانت هذه الحركة مخالفة لطبيعة البحر من حيث انه ماء و انما هو بزجر الملك يسمع منه تلك الضجة و الصوت الهائل و هذا الصوت ضجيج البحر و انينه من شدة زجر الملك و خوفه منه للّه سبحانه او قل ان اللّه سبحانه يأمر الملك ان‏يلقوا (ان‏يلقي ظ) في البحر شعلات نارية موقدة من نوائر الكواكب السيارة و الثابتة لتمام الخلقة قال تعالي و من كل تأكلون لحماً طرياً و تستخرجون حلية تلبسونها او قل ان الاشياء كلها خاضعة للّه و خاشعة له منكسرة ذليلة عنده فانية لعظمته سبحانه الاّ ان الاشياء لمّا اختلفت مراتبها في الشدة و الضعف و اللطافة و الغلظة و الجمود و الذوبان اختلفت مقامات تذلّلهم و انكسارهم لباريهم و صانعهم فكلّ‏ما الي اللطافة اقرب خضوعه للّه اكثر قال علي بن الحسين8 اعلمهم بك اخوفهم لك في الصحيفة و لذا تري الطايفة الشريفة الانسانية اشد الاشياء خضوعاً للّه سبحانه في كل احوالها و شرحها يؤدّي الي التطويل ثم الحيوانات علي مراتبها ثم النباتات علي مراتبها و ذلك عند التفاتها الي ربها و التفاتها الي نفسها و ذلك اذا يبست اغصانها و اصفرّت اوراقها و غارت ماؤها و انقطعت اثمارها فهنالك استشعرت عظمة اللّه سبحانه المذلّل لها كل شي‏ء ثم الجماد و هو علي اختلاف مراتبه في الذوبان و الانجماد فالجدار اذا انشقّ قيل لابي‏عبداللّه7 كيف تسبيح الجدار؟ قال7 أماتراه يتشقّق و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 206 *»

التجارات اذا كسدت و العيون اذا غارت و النيران اذا خمدت و الابدان اذا مرضت و البحار اذا تلاطمت و تغطمطت و لايكون ذلك الاّ اذا اتيها الملك و اخبرها بها فهنالك تتلاطم و تضطرب و ترتعد فرائصه و تتغلغل احشاؤه و جوارحه خوفاً للّه الواحد القهار فاخبار الملك هو فتق رتاجها فافهم.

او قل تلاطم البحار و تغطمطها عند ذكر مصائب سيدالشهداء سيد شباب اهل الجنة ابي‏عبداللّه الحسين7 ابن رسول‏اللّه9 و ابن اميرالمؤمنين7 و ابن فاطمة الزهرا3 و اخي الحسن الزكي7 و ابي الائمة الطيبين الطاهرين سلام اللّه عليهم اجمعين و ذلك ان مصيبته صلوات اللّه عليه كدرت صافي العيش لكل مخلوق من مخلوق اللّه سبحانه بقدر لطيفة وجوده فلم‏يذكره احد الاّ و قدانكسر قلبه و تغيّر حاله في كل مرتبة من مراتب التكوين و التكليف فالبحار اذا ذكرت تلك اضطربت و ارتعدت من خشية اللّه فلولا ان اللّه سبحانه يمسكها بقدرته لاغرق العالم من شدة هيجان ذاته لانها اثرت في الذوات لا الصفات و مصيبته7 ذاتية للخلق و لذا لاتنقطع و ينقطع كل شي‏ء و كذلك الهواء اذا ذكرها يتحرك و يكون ريحاً عاصفاً فلولا امساك اللّه اياها لاهلك العالم رقّة علي الحسين7 سبحانك يا حليم عمايعمل الظالمون تري عظيم الجرم من عبادك فلاتعجل عليهم تعاليت عمايعمل الظالمون علواً كبيراً. و لايقال ان البحار كانت متلاطمة قبل قتل الحسين7 لانا نقول قد بكي عليه7 كل نبي و كل وصي و كل الخلق و كل الملائكة قبل ان‏يخلق اللّه الخلق و بكي عليه كل شي‏ء مما هو في الوجود المقيد و يأتي شرح هذا و بيانه ان شاء اللّه.

و اعلم اني لم‏ارد من الصفة من قولي ان رقيقاً و رتيقاً صفة البحار و الجبال الصفة المصطلح عند النحويين بل مايعمّها و خبر المبتداء فان الخبر صفة للمبتداء و لذا اذا كان مشتقاً وجبت مطابقته مع المبتداء فاذا (و اذا خ‏ل) قرأتها بالرفع يكون خبر مبتداء و هو الضمير و هو يصلح لان‏يرجع الي البحار او الجبال او التيّار و التلاطم و اذا قرأتهما بالجرّ تتعيّن الصفة.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 207 *»

ثم اعلم ان قوله روحي فداه هذا بشارة لاهل الاشارة من المؤمن الممتحن لما تكدّر صافي العيش بغامض العبارة في قوله7 المتقدّم و حبس في الجوّ سحائب مكفهرّات فاشار7 بهذه الفقرات (الفقرة خ‏ل) الي قوله تعالي أم حسبتم ان‏تدخلوا الجنة و لمّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء و الضرّاء و زلزلوا حتي يقول الرسول و الذين امنوا معه متي نصر اللّه و اشار بقوله رقيق اه الي الا انّ نصر اللّه قريب و اشار بالاول الي قوله عزّوجلّ و قضينا الي بني‏اسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الارض مرّتين و لتعلنّ علواً كبيراً فاذا جاء وعد اوليهما بعثنا عليكم عباداً لنا اولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار و كان وعداً مفعولاً ثم رددنا لكم الكرّة عليهم و امددناكم باموال و بنين و جعلناكم اكثر نفيراً ان احسنتم احسنتم لانفسكم و ان اسأتم فلها و اشار بالثاني الي قوله عزّوجلّ فاذا جاء وعد الاخرة ليسوءوا وجوهكم و ليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرّة و ليتبّروا ماعلوا تتبيراً عسي ربكم ان‏يرحمكم و ان عدتم عدنا و جعلنا جهنم للكافرين حصيراً و اشار بالاول الي قوله تعالي قال يابن امّ ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني فلاتشمت بي الاعداء و لاتجعلني مع القوم الظالمين و اشار بالثاني الي قوله عزّوجلّ و نريد ان‏نمنّ علي الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم ائمة و نجعلهم الوارثين و نمكّن لهم في الارض و نري فرعون و هامان و جنودهما منهم ماكانوا يحذرون و اشار بالاول الي مقام الحجاب انّ شيعتنا يؤذوننا يزعمون انا نعلم الغيب فواللّه لقد هممت بضرب جارية مني فانحادت و لم‏ادر في اي زاوية من البيت هي و اشار بالثاني الي كشف النقاب و فتح الباب انّ الكليم البس حلّة الاصطفاء لمّا عهدنا منه الوفاء و روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة و شيعتنا الفئة الناجية و سينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظي النيران لتمام الم و طه و الطواسين.

و الاشارة الي بيان ظاهر العبارة بلطيف الاشارة اعلم ان السحب لمّا اكفهرّت و انعقدت و ارتتقت و بلغت مبلغها و نالت من الكتاب نصيبها اذابتها

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 208 *»

حرارة شمس العناية و اشعة اسم اللّه النور القابض الباسط فافتتقت فانعقدت من افتتاقها و جريانها و خضوعها للّه سبحانه بارئها و منشئها البحار و لذا ورد ان مياه الارض كلها من السماء و لمّا ان اللّه سبحانه فتق ابواب السماء بماء منهمر يوم الطوفان و امطر من غير كيل و وزن مقدّر و فجّر الارض عيوناً فالتقي الماء علي امر قد قدر و لمّا حصل المقصود و بلغ الكتاب اجله اوحي اللّه سبحانه يا ارض ابلعي ماءك و يا سماء اقلعي و غيض الماء و قضي الامر فلمّا ان الارض لم‏تؤمر ببلع المياه السماوية لانها فوق هاضمتها و لاتقدر علي بلعها و ماامرت السماء بتصعيد مياهها فبقيت علي وجه الارض فكانت مياه الارض كلها من بحارها و انهارها و عيونها و ابارها من انفتاق السحاب المكفهرّ المحتبس في جوّ السماء قال سبحانه هو الذي انزل من السماء ماء لكم منه شراب و منه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع و الزيتون و النخيل و الاعناب و من كل الثمرات ان في ذلك لاية لقوم يتفكّرون و كذلك الجبال انما انعقدت من افتتاق السحاب لانها موج البحار علي مافصّلنا سابقاً فالبحار و الجبال و ان انعقدتا و تمّتا لكن السحاب المانع من ايصال الحرارة الالهية النورية و من هيجان الرياح العاصفة المهيّجة للماء للتلاطم و التيار و المهيئة للجبال للمعادن و الانوار ففتق اللّه سبحانه رتاجها عند طلوع الصبح أليس الصبح بقريب، ان قرءان الفجر كان مشهوداً فتغطمطت امواجها عند الظهر يوم الجمعة يوم عاشوراء يوم النيروز فاول موجة ظهرت انهدمت بها سفينة الظلم و الجور الجاري علي ماء زمزم و ذلك البحر الموّاج هو بحر النار انها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر او جمالات صفر، ويل يومئذ للكمذّبين و ذلك هو الغاشية في قوله عزّوجلّ هل اتيك حديث الغاشية و هو العذاب الواقع للكافرين ليس له دافع من اللّه ذي‏المعارج و كلما ترتفع السحاب (السحائب خ‏ل) تشتد الامواج و تغرق السفن (السفينة خ‏ل) العتيقة([8]) المندرسة الضايعة و تقوي السفن الجارية في اللجج الغامرة يأمن من ركبها و يغرق من تركها.

ثم ظهر بحر العزّة بامواجه المتلاطمة المتعاظمة المتغطمطة ثم بحر القدرة كذلك الاّ انه ماتمايزت امواجه و اختلطت بامواج

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 209 *»

بحر العزّة ثم البحور الاخر ظهرت بامواجها و حيواناتها كبحر العظمة و بحر الهيبة و بحر الجبروت و بحر الرحمة و بحر القدس و بحر الكرامة و بحر المنزلة و بحر الرفعة و بحر السعادة و بحر الشفاعة ثم يظهر تأويل قوله تعالي يوم ننزّل الملائكة بالغمام([9]) فاتصل الاول بالاخر و الظاهر بالباطن قال تعالي كما بدأكم تعودون فريقاً هدي و فريقاً حقّ عليهم الضلالة و ظهر قوله تعالي و ليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة و ليتبّروا ماعلوا تتبيراً و ظهر سرّ الباء في بسم اللّه الرحمن الرحيم و انجلت الهاء من الكاف فظهرت الباء و بالمجموع ظهرت النون و بالجميع ظهرت العين فاثرت في الصاد بظهور المداد و بلوغ المراد فاشار الي الامرين في كلامه المجيد بقوله العزيز كهيعص فاشار الي الاول مولينا القائم7 بان الكاف اشارة الي كربلاء و الهاء هلاك العترة الطاهرة و الياء الي يزيد و العين الي عطش اهل بيت النبوة و الرسالة و الصاد صبرهم علي ذلك و هذا هو المراد من قوله7 و حبس في الجوّ سحائب مكفهرّات و اشار الي الثاني بباطن هذه الكلمة الشريفة من ان الكاف هي الكاف المستديرة علي نفسها و الهاء هي حرف ليلة القدر و المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و الياء لاول ظهور الرتبة الثانية و النون ارتباط الهاء مع الياء و العين تمام كلمة كـن و الصاد هو البحر الذي تحت العرش توضّأ9 منه ليلة المعراج لصلوة الظهر مع جميع الانبياء و المرسلين او وحده مع اخيه و وصيّه اميرالمؤمنين8 و هذا هو المراد من قوله7 فتق رتاجها فتغطمطت امواجها و جدّدت الارض ابتهاجها و زيّنت السماء ابراجها و هنا اشارات غريبة يطول الكلام بذكرها.

قال7 و روحي له الفداء احمده و له الحمد و اشهد ان لا اله الاّ هو ابتدأ7 بالحمد و اختتم به لسرّ ماقدّم في الخطبة الشريفة و افتتح الكلام به تبعاً لكلام اللّه سبحانه و تعالي حيث قال الحمد للّه فأتي بلام

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 210 *»

الاختصاص و هو يستلزم عدم الانفكاك و الانفصال و قد اوضح هذا السر و كشف في قوله الكريم و له من في السموات و الارض و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون و قال تعالي قل كفي باللّه شهيداً بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب فالذي له سبحانه عنده فاذا كان اللّه سبحانه ايضاً عند الذي له هناك يتمّ يسبّحون الليل و النهار لايفترون فالحمد للّه و عنده و اللّه عند الحمد لانه ليس الاّ صفته و ظهوره و الموصوف عند الصفة ظاهر بها و حاضر لديها بها و لمّا كان اللّه سبحانه احاط بكل شي‏ء و هو في مكانه سبق الاولية و الاخرية و القبلية و البعدية فلايوصف بالقبلية الاّ بعين البعدية و العكس العكس كان صفته مثال تجلّي فعله فلو سبقتها الاولية و لحقتها الاخرية لم‏يكن صفة له سبحانه و انما هو صفة الممكن الفقير المحتاج هذا خلف فلم‏يكن اللّه عنده بل و لم‏يكن عند اللّه هذا خلف فوجب ان‏يكون الحمد قد سبق النهاية و البداية و الاولية و الاخرية و القبلية و البعدية و الظاهرية و الباطنية فاذا سبقها فهي تنتهي دونها فالاول عنده هو عين الاخر و القبل عين البعد كما هو حال كل عالٍ بالنسبة الي السافل (سافله خ‏ل) فالحمد اذن (اذا خ‏ل) سبق النهايات و الحدود فاحاط بالاشياء لم‏تجد شيئاً الاّ و تراه حاكياً لمثاله و ظاهراً بنوره يسبّح اللّه باسمائه جميع خلقه سبحان اللّه ذي‏الملك و الملكوت فالحمد اما عين كينونة الشي‏ء من حيث ربه او سابق عليه و تلك الكينونة قبل الشي‏ء و مع الشي‏ء و بعد الشي‏ء لانه صفة كمال اللّه سبحانه و هو (هي خ‏ل) لاتظهر الاّ في جهة اللّه و لا شك ان تلك الجهة متقدّمة علي كل الجهات كتقدّم فعل اللّه علي كل الافعال و التأثيرات فتكون الجهات كلها منحطة عن مقام الحمد كما كانت منحطة عن فعل اللّه سبحانه و تعالي لكن اهل الكثرة المتنزّلين عن مقام النقطة الواقفين مقام الشئون المتمايزة المتضادة لايرون الاتحاد و سريان ذلك الواحد في الاحاد فيجعلون الحمد اولاً ثم يبتدءون بالمراد و اما السالكون مسالك الوحدة و القاطعون مسافة الكثرة و الواصلون مقام النقطة لايرون شيئاً الاّ و يرونه شعبة من شعب الحمد و لمعة من انواره فيبتدءون بالحمد و يختتمون به و يتوسّطون به.

و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 211 *»

لمّا كانت هذه الخطبة الشريفة شرح حال للخواص و بيان مقام للخصّيص و لا حظّ للعوام في ذلك و هؤلاء هم اهل النقطة علي مراتبهم المتفاوتة في معرفة تلك النقطة الالهية فاجري الكلام7 علي مقتضي مقامهم لانه يعطي كل ذي حق حقه و يسوق الي كل مخلوق رزقه من الارزاق الظاهرية و الباطنية و الغيبية و الشهودية و الحقية و الحقيقية فابتدء بالحمد لانه المبدء الاول السابق كلَّ لاحق لانه ظهور اللّه المطلق و نور اللّه الحق و قوام الخلق و طور النور و عين السرور و ينبوع المعرفة و طمطام المحبة ثم ابان7 عن مقامات الاطلاق و اشعة شمس (شموس خ‏ل) الاشراق و مبادي الظهورات الاولية و حقايق الماهيات المجعولة الابتدائية و الاكوان المطلقة المجملة الغير المفصّلة الاّ بالذكر و الصلوح و هي في‏الحقيقة ابواب يفتح منها الف الف باب من احوال المبدء و المآب.

فلمّا فرغ عن بيان هذا الطور و اجري كلامه كما اجري الحق سبحانه قلمه المتخذ من قصبة الياقوت عليه و اراد التفصيل و شرح حقيقة الحال و اظهار الوجوه المطوية في خلال المقال ابتدأ بالحمد لانه مقام لواء الحمد الذي علي7 حاملها بخلاف الاول فان حامل اللواء الاولي هو رسول‏اللّه9 و لذا اتي بالجملة الاسمية و اطلق الحمد معرّفاً بلام الحقيقة في المقام الاول و في المقام الثاني نسبه الي نفسه الشريفه فقال7 احمده حمداً اه ثم وصفه بماوصفه لكونه مقام التفصيل و هو مقام قوله تعالي هنالك الولاية للّه الحق و قد ظهرت في ولي اللّه سبحانه اللّه ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الي النور /الي ان (و ظ) قال و هو العلي العظيم([10]) و قال و ان اللّه هو العلي الكبير فعلي7 هو ولاية اللّه بذاته و هو (هي خ‏ل) لواء الحمد و هي مجمع الشئون المتمايزة و الاسماء المتقابلة المظهرة لكمال من الكمالات و صفة من الصفات كما كان المقام الثاني مقتضياً لذلك.

فلمّا فرغ7 عن بيان هذا المقام علي اكمل ماينبغي علي التفصيل التام و البيان العام اختتم الجهة العليا و المرتبة القصوي بالحمد و التوحيد و قدّم الحمد علي التوحيد

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 212 *»

ملاحظاً لمقام الصعود فان الحمد مقام الكثرة الاسمائية و الصفاتية و الجلالية و الجمالية و القدسية و الاضافية و التوحيد هو نهاية المقصود و المأمور فرجع الامر اخراً كما كان اولاً و لذا قال سيدالشهداء7 الهي امرتني بالرجوع الي الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتي ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السرّ عن النظر اليها و مرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك علي كل شي‏ء قدير و انما خصّ الحمد7 بنفسه و اتي بالجملة الفعلية لماتقدّم و لبيان سرّ من عرف نفسه فقد عرف ربه فكشف عن ذلك بقوله7 و له الحمد فان ذلك اللواء للّه سبحانه اعطاه اياها و حمله لها اللّه اعلم حيث يجعل رسالته الي الاكوان الوجودية و الشرعية في الدنيا و الاخرة فالحمد هو للّه سبحانه و هو الكمال المطلق الظاهر في النقطة الواحدية الظاهرة في الحقيقة المحمدية9 الظاهرة بالتفصيل الالفي في الرتبة العلوية7 فذواتهم حقايق القدس و حظاير الانس و صفاتهم مظاهر التفصيل و مراتب التعليل فعندهم الكثير و القليل و لديهم الحقير و الجليل فذواتهم ذوات (صفات خ‏ل) فكانت حمداً للّه ربّ العزة لا لسواه و اصطنعتك لنفسي و صارت فاعل فعل اللازم و اتصلت و تخلّقت بالاخلاق السرمدية الازلية الثانية فصارت ينبوع الكمالات و معدن الحقايق و الصفات و مخزن التجليات و الظاهر بالظهورات و الشئونات لانها له سبحانه فاتخّذها اعضاداً لخلقه و اشهاداً عليهم و حفظة لهم و ابواباً لفيوضاتهم و امداداتهم فاول ذلك ظهور الكينونات الازلية الظاهرة في العوالم الامكانية و ثانيه ظهور الكمالات المنبئة عن الحمد بل هي (هو خ‏ل) نفس الحمد فكل‏ما ظهر من اطوار الحمد و احواله و جزئياته المتشعّبة في كل الخلق المنبثة في كل الوجود فكلها لتلك الحقايق الشريفة اذ عنها صدرت و منها بدأت (بدت خ‏ل) فاليها تعود اذا رجعت و تلك الحقايق للّه سبحانه فالحمد كان له بحقيقته و ماهيته و افراده و اجزائه و جزئياته و جميع اضافاته انا للّه و انا اليه راجعون و انما قلنا الحقايق لبيان تشعّب الظهورات والاّ فما هي الاّ الامر الواحد كما قال اميرالمؤمنين7نور

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 213 *»

اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره و تلك الحقايق و الهياكل اربعة عشر كمايشهد عليه لفظ الحمد و اثناعشر كما تشهد عليه حروف لا اله الاّ اللّه في الرقوم المسطرات و هذا معني قوله تعالي و اخر دعويهم ان الحمد للّه رب العالمين لان هذا هو قول سبحان اللّه الذي هو اول دعويهم كما قال عزّوجلّ دعويهم فيها سبحانك اللّهم و تحيّتهم فيها سلام و اخر دعويهم ان الحمد للّه رب العالمين و اشار الي مجموع التسبيح و التحميد قوله الحق سبحانه سبحان ربك رب العزة عمايصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين قال رسول‏اللّه9 علي مااخبرني به شيخي و ثقتي اطال اللّه بقاءه لاينبغي ان اصغر ماعظّمه اللّه تعالي من قدري اوحي اللّه عزّوجلّ الي يا محمّد فضلك علي الانبياء كفضلي و انا رب العزة علي كل الخلق و قال ايضاً9 اعطيت لواء الحمد و علي7 حاملها اجمع بين هذه الكلمات و لاحظ هذه الاشارات لتفهم منها ما لاتسعه العبارات و لاتحدّ بالاشارات.

و اعلم بان المراد من قوله7 احمده و له الحمد اني اؤمن باللّه سبحانه بمحمّد9 الي ما لا نهاية له في الاكوار و الادوار قبل اختلاف الليل و النهار و بعده في الاعلان و الاسرار و الاطوار و الاوطار و الحمد هو محمّد9 لانه اول نقطة ظهور الكاينات و الحمد ليس الاّ ظهور الصفات بل نفس الكمالات لانه الثناء البالغ و ماتمّ ذلك الثناء الاّ في تلك الحقيقة المقدسة علي ماقال سبحانه ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن و هو الذي استخلصه اللّه في القدم علي ساير الامم اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء فهو نفس الثناء و مظهر الثناء و مظهر الثناء و علة الثناء و حقيقة الاسماء فالكمال البالغ و الظهور المطلق و التجلي الحقّ انما ظهر عنه و منه و فيه و له و به فالحمد حقيقة حقيقته و لذا اشتق له اسم من مادة الحمد محمّد و احمد علي ما فصّلنا سابقاً فلايحمد اللّه سبحانه احد الاّ بالتمسك بطور من اطوار ظهوراته9 في جميع المراتب و الاكوان من التكوينية و التدوينية و التشريعية فمن ولّي الدبر عنه9 كان

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 214 *»

بقدر (يقدر خ‏ل) ادباره ذمّاً يسبّح اللّه باسمائه جميع خلقه و هو9 الاسم الاعظم الاعظم الاعظم الاجلّ الاكرم الذي يحبّه اللّه و يهواه و يرضي به عمّن دعاه فهو ثناء اللّه علي نفسه لخلقه في خلقه و لا ثناء اعظم من ذلك قال9 انا لااحصي ثناء عليك انت كما اثنيت علي نفسك لان ثناء اللّه علي نفسه هو حقيقته فهو9 في مقام حقيقته ثناء اللّه بلسان اللّه و في مقام تعيّنه و عبادته مقام اياك نعبد و اياك نستعين مقرّ بالعجز عن ذلك المقام و هو كذلك و اما مقام الذات فانقطع الكلام و علي صلوات اللّه عليه اول من امن به و اقرّ بنبوّته في عالم اللانهاية و استغرق في ذاته و صفاته حتي صار مثله و حامل لوائه.

و لمّا كان هذه الاولية هي عين الاخرية ظهرت تلك الشجرة الكلية الالهية التي ليست شرقية و لا غربية في كل ذرة من الذرات و شاهدت كل الذوات و الصفات و تعدّت عنها و فنيت الاشياء عندها فكانت اخراً بعين كونها اولاً و ظاهراً بعين كونها باطناً فصارت تدلج بين يدي المدلج من خلق اللّه في جميع الاحوال و كانت اقرب اليها من انفسها بلانهاية بمقدار بعدها عنها بلانهاية فاحاطت بالاشياء اولاً و اخراً و ظاهراً و باطناً و لاتستغرب هذا الذي سمعت في قدرة اللّه و لاتصغّر عظمة اللّه فان اللّه سبحانه وراء ما لايتناهي بما لايتناهي فواللّه ظهور مشية محمّد9 في مشية اللّه بقدر البعوضة يطير في هذا العالم و مشية علي7 في مشية اللّه بقدر الذبابة تطير في هذا العالم و اقلّ من ذلك بل لا شي‏ء و لا نسبة سبحان‏اللّه العظيم و بحمده.

و لمّا كان ظهور ولاية محمّد9 انما كان بعلي7 خاصّة و بالطيبين من اولاده سلام‏اللّه عليهم به7 ادّي التحميد بالجملة الفعلية و صيغة المتكلم الواحد علي الفعل المضارع فدلّ بالواحد علي انه هو الواحد الذي يظهر الحمد و يعلنه في كل العوالم من الالف الف و بالجملة الفعلية علي التجدد و بالمضارع علي عدم الاستمرار بمعني ان هذا الاظهار ليس له حدّ القرار بل لايزال /متجدد و ثابت (متجدداً و ثابتاً ظ) كلما تطول المداء تظهر طراوته و تجدده و في القيمة الي ان‏يدخل اهل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 215 *»

الجنة الجنة و اهل النار النار و يظهر من ولاية اللّه الظاهرة في القطب الاحمدي صلوات اللّه عليه و اله بالامدادات النعيمية الوجودية لاهل الجنة و التبعيدات الاليمية لاهل النار فوق الاحساس و الادراك سيما في كل جمعة اذا اتوا اهل الجنة لزيارة الرب فيتجلي عليهم الرب و يفيض عليهم من تلك الولاية من التجليات و انواع التنعمات و التلذذات من جهة القرب و المشاهدة او من المعلوم و المعاينة او من المئاكل و الملابس الطيّبة العالية ما لايدخل تحت النهاية من اول وقوف اهل الجنة علي الباب و اكلهم من كبد الحوت ثم من كبد الثور ثم من عين الحيوان ثم من عين السلسبيل الي ان‏يأتوا مقام الكثيب الاحمر ثم مقام الرفرف ثم مقام ارض الزعفران ثم مقام الاعراف ثم مقام الرضوان ثم الي ما لانهاية له من الاطوار و كل ذلك انما هو من اثار الحمد الظاهر في هذا الحامد الذي خصّ نفسه الشريفة فقال احمده و له الحمد و هذه الامدادات دائمة التجدد ابدية الفوران بل هم في لبس من خلق جديد و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين فاني قداسمعتك تغريد الورقاء علي اغصان سدرة المنتهي و اللّه الموفّق و المؤيّد و المسدّد.

قوله7 و اشهد ان لا اله الاّ هو هذه الشهادة شهادة عزم و ثبات في الذات و الصفات و الاعتقاد و الكينونات و القرانات و الاضافات و الاقوال و الاعمال و العبارات و الاشارات و انحاء الظهورات و التجليات و هذه الشهادة هي الصراط المستقيم في كل العوالم و وجه‏اللّه في كل الاقاليم ففي عالم المحبة مقام احببت ان اعرف بالفناء في البقاء و محو السوي و القطع عن كل ماسوي اللّه شهود التوحيد بطرف الواحد الاحد و ذلك الطرف لايري سواه. قال الشاعر:

اعارته طرفا رءاها به فكان البصير بها طرفها

و ذلك مقام شهود الموحِّد (بكسر الحاء) ظهور الموحَّد (بالفتح) بظهوره و شهود الموحَّد (بالفتح) له بذلك الظهور فاحبّه به و احبّه به فاجتمعت المحبتان و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 216 *»

المشاهدتان في شي‏ء واحد و ليس هذا اجتماع اتحاد حاشاه عن ذلك بل اجتماع وحدة و اتصال بل و لا اتصال بل و لا انفصال بل وصل بل و لا وصل بل فصل بل و لا فصل و لا وصل قال مولينا الصادق7 من عرف الفصل من الوصل و الحركة من السكون فقد بلغ القرار في التوحيد. قال الشاعر و اجاد:

رأت قمر السماء فذكرتني ليالي وصلنا بالرقمتين
كلانا ناظر قمراً ولكن رأيت بعينها و رأت بعيني

و هذه الرؤية هي شهادة اللّه سبحانه له بان لا اله الاّ اللّه و بها يناديه اني انا اللّه لا اله الاّ انا و هو يحكي عن اللّه بلسانه فهذه الشهادة نفي الاضافات و سلب الصفات و قطع الانيات و ملاحظة الوحدة البحت البات فشهادة اللّه سبحانه له عليه الصلوة و السلام في هذا المقام في مقام السرّ المستسرّ بالسرّ كما كان شهادته تعالي لاخيه الطيّب الطاهر8 في مقام السرّ المقنّع بالسرّ و هذه الشهادة في مقامات /السرّ المقنع بالسرّ و هذه الشهادة في مقامات (زائد خ‏ل) هو من حيث المدلول و الدالّ لا من حيث المطلوب و المقصود فان ذلك في العماء التي فوقها هواء و تحتها هواء و قد سئل مولينا الصادق7 اين كان اللّه قبل خلق السموات و الارض قال7 كان في عماء تحتها هواء و فوقها هواء و العماء هي السحاب الرقيق و هو السحاب المزجي قبل ان‏يتراكم و يأتي زيادة شرح لهذا الكلام فيما يأتي ان شاء اللّه.

و في عالم الجبروت محو الاغيار و صافي العيار و الصافي عن الاكدار و مشاهدة نور الجمال و الجلال و حذف القيل و القال و الوقوف علي ظهور الحي اللايزال في اول مقاماته مقام مارأيت شيئاً الاّ و رأيت اللّه معه و في اعلي مقاماته مقام مارأيت شيئاً الاّ و رأيت اللّه قبله و اليه يشير كلام مولينا الحسين7 في الدعاء أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدلّ عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصل اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً و خسرت صفقة عبد لم‏تجعل من حبّك له نصيباً و كلام مولينا علي بن الحسين8 و ان كل معبود ممادون عرشك الي قرار ارضيك السابعة السفلي باطل مضمحل ماخلا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 217 *»

وجهك الكريم و توحيد اهل هذه المرتبة هو التوحيد الشهودي هذا في الاعتقاد العلمي.

اما التوحيد العملي فمشاهدة النقطة السارية في كل الاكوان و الاعيان و مستجنّات سراير الانسان من الاناسي الثلثة اي الكبير و الوسيط و الصغير و ملاحظة ان العلم نقطة كثّرها الجاهلون و معرفة ماخاطبهم اللّه سبحانه في كتابه العزيز بقوله تعالي و اوحي ربك الي النحل ان اتخذي من الجبال اي الاجسام او الظواهر مطلقاً في كل عالم بحسبه من العوالم الالف الف بيوتاً اي قواعد و كليات و هي مشاهدة الوحدة في الكثرة و المجمل في المفصّل و الواحد في الاعداد و المادة في قوابل الاستعداد و من الشجر اي النفوس المتطورة بالاطوار المختلفة و المتشأّنة بالشئونات المتباينة الراجعة الي اصل واحد او مطلق الغيب الذي هذا صفته و حاله و ممايعرشون من احوال الروابط الغيبية و الشهوية و الظاهرية و الباطنية ثم كلي من كل الثمرات و هو صرف تلك النقطة و الوحدة في اطوار الكثرات من الصفات و الذوات و ساير الشئون و الاضافات بحيث لايخفي عليه شي‏ء من احوالها و اوضاعها فيجعل كل شي‏ء في محله و علامة هذا الموحّد و هذا التوحيد ان لايجد في كتاب اللّه و لا في احاديث ال‏اللّه تناقض و لا تعارض و لا اختلاف و لا بينونة و انما يجد كلام‏اللّه الحق المبين و كلام ساداته الميامين عليهم سلام اللّه اجمعين الي يوم الدين كلاماً واحداً سارياً في العبارات المختلفة و الوجوه المخفية الغائبة (الذائبة خ‏ل) سريان الماء في النباتات من الاشجار و البقولات و امثال ذلك. فلو قصر عن تحصيل هذه المرتبة فهو ليس بموحّد في هذا المقام و غير واصل الي المقام الاول و ان كان موحّداً في المقامات الاخر و المراتب الاخر والاّ لجري عليهم تأويل قوله تعالي و مايؤمن اكثرهم باللّه الاّ و هم مشركون و كذلك من توحيد هؤلاء الطائفة ان لايلتفتوا الي الرأس المنكوس الي اسفل السافلين علماً و عملاً قلباً و لساناً قولاً و فعلاً و جامع هذه العبارات ان لايجد راجحاً الاّ ان‏يفعله والاّ لجري عليه تأويل قوله تعالي و اذا قيل لهم لا اله الاّ اللّه يستكبرون.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 218 *»

و في عالم الملكوت توحيد اللّه سبحانه في المراتب الاربع توحيد الذات و توحيد الصفات و توحيد الافعال و توحيد العبادة و معرفة الصفات الثبوتية و السلبية و القدسية و الاضافية و الخلقية و العدل و النبوة و الامامة و الرجعة و المعاد و القيمة الصغري و الكبري و الميزان و الصراط و غيرها مماجرت عليه الشريعة الحقّة علي الصادع بها الاف الثناء و التحية و معرفة كل ذلك بالادلة القاطعة و البراهين السادّة لجميع حجج الخصم و اقاويله و اباطيله علي جهة المجادلة بالتي هي احسن بان لايكون فيه انكار حق و الاستدلال بباطل علي الحق و لايحقّ علي باطل علي جهة التمويه والاّ فالحق لايستدلّ به علي الباطل و لا العكس.

و كذلك من التوحيد اعمال الصالحات و ترك المحرّمات و الاجتناب عن المكروهات و عقد القلب و ثبات العزم و حسن السريرة و صفاء القلب عن الاكدار الشيطانية و الوساوس النفسانية و عدم التصورات الباطلة الفاسدة و الخطورات الغير المرضية و عدم الجدل و تصور الشبهات و ايراد الشكوك و التمويهات و ان كان لايعتقدها و عدم البلادة و الجربزة و عدم الميولات الغير الشرعية و عدم الالتذاذ بالصور الحسنة ليئول امره الي العشق الذي يلهيه عن اللّه سبحانه و مراقبة النظر في ملكوت السموات و الارض و تصور العظمة و القهارية لبارئ السموات /و الارض (زائد خ‏ل) و مالك الرقاب و مسبب الاسباب و الخوف منه و علامة الخوف الهرب و علامة الهرب ان لاينكر حقاً و لايقول بما لايعلم و لاينكر ما لم‏يحط به علماً و لايتوقف اذا ظهر له الحق لقاعدة عنده او لانسه بطائفة تخالف الذي ظهر له او للعناد العياذ للّه و لايتكلف ماليس له اليه سبيل و لايستحقر طاعة و لا معصية و امثال هذه من انواع الاستقامات كلها اجزاء و حدود لكلمة لااله الاّاللّه في هذه المرتبة فان خالف شيئاً مماذكرنا دخل في قوله تعالي و اذا قيل لهم لا اله الاّ اللّه يستكبرون.

و في عالم الملك و عالم الشهادة عدم اتخاذه مع اللّه شريكاً اخر قال تعالي لاتتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد و عدم عبادة الاصنام و عدم انكار ما علم من الدين ضرورة و ترك المحرمات البدنية كالزنا و اللواط و السرقة و الغيبة و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 219 *»

امثالها و عدم التقوّل علي اللّه و رسوله و فعل الواجبات كالصلوة و الزكوة و الحج و الجهاد و امثالها و كذلك فعل المستحبات في كمال التوحيد و عدم المخاصمة و المجادلة و المنازعة و المراء و كونه علي اكمل الاستقامة في الخلقة بان لايكون معوجّ الخلقة و لا قبيح الصورة و لا طويلاً مفرطاً و لا قصيراً كذلك و لا مختلف الاعضاء في الاستقامة و لا زائد العضو و لا ناقصه و لا صفراويّاً بالافراط و لا سوداوياً كذلك و لا دموياً و لا بلغمياً بل يكون معتدل الطبايع. اما الاعتدال التام كما كان فيهم: حتي خوطبوا بلسان الوحي انك لعلي خلق عظيم، و ما انا من المتكلفين او الاضافي بان‏يؤخذ جزء من السوداء و جزء من الصفراء و الدم و جزءان من البلغم فيطبخ تسع طبخات حتي يكمل توحيده و يستقيم تنزيهه و يتم ايمانه و لايكون ولد الزنا و لا ولد الحيض و لا ولد الحرام و لا ولد الشبهة و لا ماجعل صداق امّه من الحرام و لا اسود و لا احمر و لا ابيض شديد البياض و ان كان الاخيران ممدوحين في بعض الاحوال بل يكون معتدل الوجه معتدل القامة معتدل الطبيعة معتدل اليدين و الرجلين علي اكمل وجه يتصور هذا في شهادة الانسان. و اما الحيوان فبان‏يكون طيّب اللحم غير موذٍ و لا نجس و لا حرام و لا كدر و مستوي الخلقة و الطبيعة و تكون الي البرودة و الرطوبة و الرطوبة و الحرارة اقرب منهما الي البرودة و اليبوسة و اليبوسة و الحرارة. و اما النبات فبان‏تكون اشجاراً طيّبة معتدلة مستقيمة مونعة اثمارها بينة ازهارها حلوة لطيفة طيّبة لا حامضة و لا مرّة و لا غليظة و لا كثيفة و لا كدرة و لا مدودة و لا يابسة ضايعة و امثال ذلك. و اما الجماد فبان‏يكون كلّها معادن و المعادن كلّها ذهباً و الذهب كله اكسيراً و هنا نهاية الرتبة لانه هنا مثال الفاعل و بلغ (بالغ خ‏ل) مقام اطعني اجعلك مثلي اقول للشي‏ء كن فيكون و انت تقول للشي‏ء كن فيكون و مابلغ الي ذلك الاّ بكمال العبادة و العمل و العمل لاينمو و لايطيب الاّ بالاخلاص و الاخلاص لايتحقق الاّ بكمال التوحيد و التوحيد لايتيسّر الاّ بقطع الالتفات و ازالة الانّيات و قد جمع الكل في الاكسير و لذا سمّاه الامام اميرالمؤمنين7 اخت النبوة و عصمة المروّة و القوم سمّوه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 220 *»

عبدالواسع و عبدالكريم و انما سمّيته تبعاً لسيدي و مولاي اميرالمؤمنين7 بعبداللّه لكمال بلوغه في مقام التوحيد الجمادي لان العبد هو العالم باللّه البائن عماسوي اللّه الداني الي اللّه بلا كيف و لا اشاره و هذا الذي ذكرنا مجمل مقامات توحيد عالم الملك و ظهور شهادة ان لا اله الاّ اللّه في هذا العالم فان خالف امر (امراً خ‏ل) من الذي ذكرت نوعه فيكون مصداق قوله عزّوجلّ و اذا قيل لهم لااله الاّاللّه يستكبرون.

و اما ظهور شهادة لااله الاّاللّه في مقام القرانات و الاضافات فهو الصلوة عند قرانه الحلم (العلم خ‏ل) و عدمها عند قرانه الجنون و فعلها قاعداً عند قرانه المرض و قائماً عند برئه منه و علي الهيئات المتشتّتة عند قرانه الخوف و لقاء العدوّ و علي الهيئة المستقيمة مع التوجه الي جهة الكعبة عند عدمه و شبهه و الزكوة عند قران ماله النصاب و الحج عند وجود الاستطاعة و الجهاد عند الامام7 و تمرد اهل الطغيان و قس علي ماذكرنا ساير العقود و الايقاعات و الالزامات مما هي مشروحة في محالّها و كلها حدود لااله الاّاللّه في ذلك العالم و اجزائها و منها وجوب الكذب اذا توقّف عليه نجاة المؤمن و حدّ الشهداء علي الزنا اذا نقصوا عن اربعة و تنزيه المقذوف به عن ذلك قال تعالي فان لم‏يأتوا بالشهداء فاولئك عند اللّه هم الكاذبون و امثال ذلك و منها التقية لحفظ الدين و البدن و النفس من الظاهرية و الباطنية ان‏توقفت عليها و العمل بالظن و العمل بمختلف الاراء و امساك العلم عن الجهلاء قال تعالي و لاتؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل اللّه لكم قياماً فارزقوهم منها و اكسوهم و قولوا لهم قولاً معروفاً و منها سكوت الرئيس المطلق عند منازعة المنافق و تحمّله و صبره علي الاذي و متابعته و مشاهدته لخلاف الحق و مزاوجة الكافرة و مباعدة المؤمنة و ذكر الكلمات المتشابهة مع الاقتدار علي ازالة الكل و تعكسر العساكر للجهاد مع الملحد الكافر و تحمل الاذي من عساكره مع اقتداره بانفراده علي دفع مااراد دفعه بالعساكر و السكوت اذا لم‏يجد وليّاً ناصراً مع انه بنفسه يغني عن الكل و الرضا بالقتل و سبي العيال و نهب الاثقال مع عدم الناصر و امكان استخلاصه بقوة شوكته من غير تقية او

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 221 *»

معها بالتسليم و المداراة كما فعل الاوائل و سكوت بعض الرؤساء حتي عن الكلام و نطق بعض (البعض ظ) الاخر بالكلام و البيان الواضح الصريح او المخفي او المرموز الملوّح بالاشارة او بالمنطوق او المفهوم او لحن الخطاب او دليل الخطاب او بالتقرير او بالفعل او بالترك او بالسكوت او بالاعراض او بالاجمال او بالكتمان او بالاعلان او بقول اياك اعني و اسمعي يا جارة و لم‏يأت بصريح العبارة مع اقتداره عليها من غير وصول سوء اليه و كذلك حكم الغائب الخائف المترقب عجّل اللّه فرجه و سهّل مخرجه و امساك الكون و اهله في ذواتهم و صفاتهم و افعالهم و احوالهم و اقوالهم و حركاتهم و سكناتهم و نومهم و يقظتهم و علومهم و معارفهم و كل‏ما (كلها خ‏ل) لهم و بهم و منهم و اليهم و عنهم و لديهم و عليهم و عندهم بنوره و فاضل ظهوره علي مقتضي قوله الحق و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلّبهم ذات اليمين و ذات الشمال و كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لولّيت منهم فراراً و لملئت منهم رعباً و جعل بعضهم في مقام الظن و الاخرون في مقام الشك و طائفة في مقام الوهم و طائفة في مقام الترديد و طائفة في مقام الانكار و طائفة في مقام الجهل البسيط و طائفة في مقام الجهل المركب و طائفة متردّد (متردداً ظ) بين الصافي و الكدر و طائفة مضطرب الامر مشوّش الحال اما بلسانه و قلبه او قلبه دون لسانه او باعماله او بشئون تطورات احواله و طائفة في مقام صافي العلم و طائفة في مورد اليقين و طائفة في شريع (شرايع خ‏ل) المصافات و المحبة و المعرفة اما صافي هذه الثلثة في الاحوال كلها او في بعضها دون بعض في بعض الاحوال فيوصل اهل الوصول اما بالقرائن و الاحوال او بالكشوف و الاقبال بدواعي مقتضيات الاعمال فيري معاينة انها منقوشة في الواح المحو و الاثبات اي في اللوح المحفوظ الثابت الدائم الباقي فيما لايزال او بالمكاشفات النومية و المشاهدات الطيفية و المعاينات الحقيقية في عالم الرؤيا او بتصفية القلب و تزكية اللبّ و تطهير السرّ فيقذف النور في قلبه قذفاً من دون المراجعة الي حال من الاحوال او غير ذلك من الاحوال كلها من حدود لااله الاّاللّه و اركانها و اجزائها فلولا واحد منها اي ممّااشرنا الي نوعه لجري قوله عزّو

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 222 *»

جلّ و اذا قيل لهم لااله الاّاللّه يستكبرون ولو اردنا بيان هذه الاحوال و وجه كونها حدود لااله الاّاللّه يطول علينا الكلام و الاشارة كافية لاهلها و العبارة قاصرة عنها انا للّه و انا اليه راجعون.

و اما ظهور لااله الاّاللّه في الاكوان الوجودية في الذوات فاقتضاء الاكوار الاربعة كل كور و كل دور اشرف مايقتضي ذلك الكور في تلك المرتبة فاذا نقصت عن ذلك كان استكباراً في قوله لااله الاّاللّه علي مراتبه من القولي و العملي و الاعتقادي و امثالها و لمّا كان علي اميرالمؤمنين7 و اولاده الاحدعشر الطيبون الطاهرون صلوات اللّه عليهم قدظهروا بالمراتب كلّها مما ذكرنا و ما لم‏نذكر سواء كان ذلك الظهور لذواتهم او لغيرهم فكملت شهادتهم في كل تلك المقامات سيّما علي7 فانه اميرالمؤمنين و قدقال رسول‏اللّه9 في حقه ياعلي ماعرف اللّه الاّ انا و انت فكانت شهادته هي الشهادة الصادقة التي لا اعوجاج فيها ابداً بوجه من الوجوه لان الاستقامة التي امر اللّه تعالي نبيه9 بها هي ولايته و الصراط المستقيم هي ولايته و الصراط الممدود بين الجنة و النار هي ولايته صلّي اللّه عليه فافرد صيغة الشهادة اما لكون الاربعة عشر قصبة (قبضة خ‏ل) واحدة شهادة احدهم عين شهادة الاخر كما قال7 كلّنا محمّد اوّلنا محمّد و اخرنا محمّد و اوسطنا محمّد و كلّنا محمّد9 و اما لان ظهور الشهادة التفصيلية ماتحقق بكمالها و حقيقتها الاّ فيه صلوات الله عليه و شهادة رسول‏اللّه9 و ان كانت ابلغ الاّ انها ماظهرت في مقام الظهور مثل ماظهر عنه7 حتي قالوا بالوهيته و ربوبيته و بتفضيله علي رسول‏اللّه9 و كونه7 طائفاً حول جلال القدرة و كون رسول‏اللّه9 طائفاً حول جلال العظمة و لبيان ان شهادته7 هي الشهادة الكاملة البالغة و هي التي ارادها اللّه سبحانه و تعالي من خلقه حين خلقه (خلقهم خ‏ل) كماقال عزّوجلّ كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف و تلك المعرفة المستلزمة للشهادة ماكملت و ماتمّت و مااعتدلت الاّ في حقيقته7 و كل المعارف بعده و الشهادات دون شهاداته

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 223 *»

7ماتبلغ تلك المعرفة و تلك الشهادة لان كلمة التوحيد حقايقهم و قداشار سبحانه الي ذلك بقوله الحق ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه و هي كلمات التوحيد ان شئت عبّرت عنها بكلمة واحدة لها اثناعشر حرفاً و ان شئت عبّرت عنها باثني‏عشر (باثنتي‏عشرة ظ) كلمة و كل الخلق في كل احوالهم و اطوارهم و مقاماتهم و مشاعرهم و فيمايعرفون به معبودهم يقصرون عن معرفة تلك الكلم الطيّب فلاتزيد معرفة الخلق علي تلك المعرفة بل لم‏تبلغ جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير من تلك المعرفة فليست الشهادة الاّ شهادته قال تعالي شهد اللّه انّه لا اله الاّ هو و الملئكة و اولوا العلم فشهادته7 هي عين شهادة اللّه لخلقه قال مولينا الصادق7 ان كنت تريد اللّه الذي ليس كمثله شي‏ء فذلك لايعلمه الاّ نحن كما قال تعالي عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول الحديث لان شهادة اللّه لخلقه ماتظهر الاّ بولاية اللّه و ولاية اللّه لم‏تظهر و لن‏تظهر الاّ فيهم صلوات اللّه عليهم فحقيقتهم شهادة اللّه بالوحدانيّة لنفسه لخلقه لانّهم نفس اللّه و عين اللّه قال تعالي حكاية عن عيسي تعلم مافي نفسي و لااعلم مافي نفسك و قال تعالي و اصبر لحكم ربّك فانّك باعيننا و هم علم اللّه قال اللّه عزّوجلّ علمها عند ربي في كتاب و كل شي‏ء احصيناه في امام مبين و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين، الم‏تعلم ان اللّه يعلم مافي السماء و الارض ان ذلك في كتاب و هم ذات اللّه الظاهرة للخلق بالاحداث و الايجاد قال7 في النفس الملكوتية الالهية انها هي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي من عرفها لم‏يشق ابداً و من جهلها ضلّ و غوي و بالجملة هم ظاهر اللّه في خلقه و خليفة اللّه و بقيّة اللّه في بريّته قال مولينا الباقر7 نحن ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوّض الينا امور عباده، انّ الينا اياب هذا الخلق ثمّ انّ علينا حسابهم فاذا كان كذلك فيكون شهادة اللّه لخلقه هي شهادة اميرالمؤمنين7 لانه7 صاحب التفصيل و محل التأويل او نقول انه7 انما افرد الشهادة لبيان ان كل الشهادة التي صدرت عن كل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 224 *»

الخلق من مبدء الوجود المقيد الي نهاياته و نهايات نهاياته الي مالا نهاية له كلها شهادته7 لربه بالوحدانية فان الخلق كلهم من عكوسات انواره و اشعة اثاره و مظاهر اسراره و كلها تسبيحه و تقديسه و تنزيهه7 للّه كما ان الضوء المنتشر في البيت هو بعينه نور السراج و اضاءة السراج و انارة السراج الظاهرة ليست الاّ نفس الاشعة فهو7 تسبيح (يسبّح خ‏ل) اللّه باطواره كما انك تسبّحه بلسانك او بجنانك او باركانك و افعالك و اعمالك و حركاتك و سكناتك و اثارك و ساير اطوارك و كلها خارجة عن ذاتك و انما هي شئونات لها و تسبيحك في عالم الظهور ليس الاّ بها و تسبيحها ليس الاّ تسبيحك للّه (اللّه خ‏ل) بها و كذلك الحكم في الشهادة فان شهادة كل احد للّه سبحانه هي شهادة مولينا اميرالمؤمنين7 بلسانه او بجنانه او باركانه فافهم فاني قد كشفت سرّاً معمّي و رمزاً منمنماً فاشرب عذباً صافياً واللّه خليفتي عليك.

و لذا قال روحي فداه اشهد ان لااله الاّاللّه و هذه الشهادة قد ثبتت و كملت و رسخت و ازالت الاغيار و صفّت الاكدار الي ان ظهرت في هذه الدار فصار شهيداً7فهو شاهد و مشهود و تلك الشهادة العليا و الدرجة القصوي و الرتبة الاسني و ان ظهرت فيه صلوات‏اللّه عليه الاّ انها قدظهرت كمال الظهور بعظم النور مشروحة العلل و مبيّنة الاسباب في قرّة عينه و فلذة كبده و بهجته و مهجته سيّد شباب اهل الجنة ابي‏عبداللّه الحسين7 و روحنا له الفداء فان شهادته7 من تلك الشهادة اي شهادة ان لااله الاّاللّه و قداقرّ اللّه سبحانه له بذلك حيث قال في كتابه الكريم انّ قرءان الفجر كان مشهوداً و لاتقتلوا النفس التي حرّم اللّه الاّ بالحق و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلايسرف في القتل انه كان منصوراً و نشير ان شاء اللّه تعالي فيمابعد الي تفصيل هذه الاحوال و نكشف بعون اللّه تعالي حجاب الاشكال و لااله الاّاللّه هي الكلمة الطيبة التي هي كالشجرة الطيبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها و تلك الكلمة قد التئمت من

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 225 *»

اثني‏عشر حرفاً و هي اشارة الي ظهور عين التوحيد بتوسط النبي9 الي اثني‏عشر مقاماً و هو مجمع الكون و معدن العين و قداشار الحق سبحانه اليه في الباطن في قوله عزّوجلّ و اذ استسقي موسي لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتاعشرة عيناً قد علم كل اناس مشربهم و تلك العيون منبعها من عين واحدة و قال ايضاً سبحانه و تعالي و من قوم موسي امّة يهدون بالحق و به يعدلون و قطّعناهم اثنتي‏عشرة اسباط امماً و اوحينا اليهم فعل الخيرات الاية و قال ايضاً سبحانه و تعالي انّ عدّة الشهور عنداللّه اثناعشر شهراً في كتاب اللّه يوم خلق السموات و الارض منها اربعة حرم فلاتظلموا فيهنّ انفسكم و هذه الاثناعشر هي مثنّي الستّة العدد التامّ الذي تمّ خلق السموات و الارض و خلق كل شي‏ء فيها و مثنّاها تكرارها في عالم الغيب و الشهادة و كل هذه المراتب من منبع التوحيد لقدظهر فيها علي حسب ذلك المقام و تلك المرتبة و اشار الي سرّ ماذكرنا مولينا الجواد التقي7في زيارة ابيه7 السلام علي اقبال الدنيا و سعودها و من سئل عن كلمة التوحيد فقال انا واللّه من شروطها السلام علي شهور الحول و عدد الساعات و حروف لااله الاّاللّه في الرقوم المسطّرات و قد قال مولينا الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لااله الاّاللّه فهم اثناعشر هيكل التوحيد قدحصلت و صدرت عن منبع واحد فهم واحد في عين التكثّر و وحدتهم حقيقة منبئة عن كمال التوحيد المستدعي لسلب الجهات و محو الكثرات و ازالة الانيّات و قطع عالم الصفات و دكّ جبل الانّيات و ذلك التوحيد مايمكن بروزه و ظهوره و انتشاره الاّ في هذه الهياكل المقدسة المطهّرة المنوّرة لماذكرنا من سرّ المراتب.

و انما خصّ الاثني‏عشر من الحروف النورانية دون الاربعة عشر لان ذلك مقام التمام و الاربعة عشر مقام الكمال و مقام التوحيد الظاهر مقام الولاية الظاهرة علي جهة التكليف و مظهر هذه الولاية مايمكن الاّ باثني‏عشر دون الاربعة عشر لان ذلك علي نظم اقتضاء الكون الوجودي و التشريعي و الحقيقي و الصفتي و الذاتي و الاضافي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 226 *»

لكن هنا شي‏ء و هو انه7 مااتي بـ لااله الاّاللّه ليكون ذلك تمام اثني‏عشر و انما اتي بـ لااله الاّهو و هو تمام العشرة الكاملة و يريد بذلك بيان سرّ تمام ميقات موسي في قوله عزّوجلّ و واعدنا موسي ثلثين ليلة و اتممناها بعشر فتمّ ميقات ربه اربعين ليلة و قوله عزّوجلّ والفجر و ليال عشر و يريد بهذا العشر مجموع مراتب الاكوان التي ظهرت فيها تلك الهياكل الاثناعشر التي تمّت بها التوحيد و كملت اركان العرش المجيد.

و وجه الاشارة ان «هو» يشمل علي اسم اللّه و زيادة هذه الدقة لان هو روح اللّه و قوام ذلك الاسم و لذا قال سبحانه قل هو اللّه احد فقدّم الهوية علي الالوهية فقوام الالوهية بالهوية فشمل علي ماشمل به اللّه حين قولك لااله الاّاللّه و زاد علي ذلك بعشر لان «هو» عدده احدعشر و واحد يزاد علي عدد اللّه في الحروف المقطّعة ليتمّ الاثناعشر و تبقي العشرة بعد ذلك اشارة الي ظهور الاثني‏عشر في العشر ليكون تفصيلاً لقول مولينا الحجة7 فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لااله الاّانت و قال النبي9الذي ملأ الدهر قدسه و هذا الذي ذكر7 بيان لكيفية (كيفية خ‏ل) الامتلاء و سريان نور التوحيد الساطع عنهم: في كل ذرات السماء و الارض الي ما لا نهاية له لانّها لاتخلو عن هذه العشرة و هي القبضات العشر من الافلاك التسعة و الارض و مايتعلّق بهما من القرانات و المزاجات و كل شي‏ء يتصوّره المتصوّر او يدركه المدرك لايتقوّم الاّ بهذه العشرة فتمّ الوجود بسريان نور التوحيد من هياكل التوحيد الاثني‏عشر و هو المستفاد من كلامه7 و روحي له الفداء.

ثم انه7 اراد بذكر «هو» الاشارة الي سرّ اخر و هو بيان اصناف الموحدين و كل من ينطق في التوحيد من المحقّين و المبطلين و يجمع الكل بمراتبهم المتباينة المختلفة احدعشر صنفاً.

خمسة منهم من الضالّين المضلّين و هم الذين نظروا الي انفسهم فعرفوا ربهم بماوجدوا في انفسهم من حيث هي. فمنهم من قال انه جسم من (علي خ‏ل) الشعب المختلفة. و منهم من قال انه سبحانه صورة و مثال. و منهم من قال انه مادة و هيولي لكل الوجود اي الموجودات من العوالم. و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 227 *»

منهم من قال انه طبيعة العالم. و منهم من قال انه نفس العالم و روحه. و منهم من قال انه معني فهذا ان اشار الي جهة معنوية فهو كغيره من الهالكين الضالّين المضلّين والاّ فهي ادني مقام التوحيد.

و الخمسة الاخر درجات الفائزين و مقامات المقرّبين. فالاول مقام الواقف في مقام الظاهر و الحق و السرّ و هذا ادني المقامات. و الثاني مقام الواقف في مقام سرّ السرّ و باطن الظاهر و حق الحق مقام الكلمة التامّة. و الثالث مقام الواقف في مقام السرّ المستسرّ بالسرّ و باطن الباطن و حقّ الحق مقام الحروف العاليات. و الرابع مقام الواقف مقام السرّ المقنّع بالسرّ و باطن باطن الباطن و حقّ الحق مقام الالف و النفس الرحماني الاوّلي. و الخامس مقام الواقف مقام السرّ المجلّل بالسرّ و باطن باطن باطن الباطن و حقّ الحق و هو مقام النقطة و هي النقطة الالهية و قطب الدوائر الكونية و الامكانية و مقام الوحدة المطلقة التي تنتهي اليها النهايات و البدايات و تدور عليها اللانهايات و اللابدايات و هو السرّ المكنون المخزون فالالف يدور علي النقطة دوران تعلّم و ارشاد و عطيّة و استمداد و النقطة تدور عليه دوران افاضة و امداد و تفصيل و انبساط و ظهور و انجماد و كذلك الالف بالنسبة الي الحروف و هي بالنسبة الي الكلمة التامة و هي بالنسبة الي الدلالة التي هي اخر المراتب و المقامات و عليها يدور رحي الكائنات و هذه الخمسة هي الهاء المتولدة من الكاف المستديرة علي نفسها المتولّدة من البسملة المتولّدة من الباء المتولّدة من النقطة فافهم و سأشرح لك ذلك ان شاء اللّه تعالي.

فقوله7 لااله الاّهو اثبات وقوفه في مقامات الهاء التي هي اشارة الي تثبيت الثابت و تنزيهه الحق سبحانه عن دركات الواو فيكون الاصل في مقامه7 هو الهاء و الواو في هذا المقام انما حصلت باشباع ضمة الهاء لكونها في محل الرفع و مقام الضمّ فالواو ظهور الهاء و ان شئت قلت انها ابنته المتولدة منها فلاتلاحظ معها و لاترتبط بها فالهاء هو روح هاء «اللّه» و هذه الهاء مثال لها و تلك الهاء سار في كل اطوار الاسم «اللّه» و لذا تريها تحفظ نفسها في جميع مراتب التكعيب و التربيع و التجذير و صورة ظاهرها عين صورة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 228 *»

باطنها و هي من حروف ليلة القدر و هي الليلة المباركة التي اخبر اللّه سبحانه بها في كتابه الكريم و قال حم والكتاب المبين انّا انزلناه في ليلة مباركة انّا كنّا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم قال7 حم هو رسول‏اللّه9 والكتاب المبين هو علي7 و الليلة المباركة هي فاطمة3 و فيها يفرق كل امر حكيم اي كل امام حكيم بعد امام حكيم و انما اشير بها الي فاطمة صلوات اللّه عليها لانها خمسة و هي3 خامسة اهل الكساء و خامسة النقباء النجباء بحسب الفضل و الرتبة و المقام و الشرف و ان كان بحسب القوس النزولي الحسين7 هو الخامس الاّ ان المعتبر هو ترتيب الايجاد علي نظم الانوجاد بقابلية الاستعداد فالهاء هو السرّ القيّومي في الخلق الكوني و العيني.

ثم انه7 بذكر «هو» اشار الي سرّ اخر و هو انّ «هو» هو اعظم الاسماء و متمّم لها فاذا اضفته الي التسعة و التسعين الاسم فان لاحظته واحداً يظهر القاف الجبل المحيط بالدنيا علي ماسبق و هو حم عسق قال7 حم هو رسول‏اللّه9 و علم علي7 كله في عسق فان لاحظته بعدد بسائط حروفه مع الاسماء الحسني يظهر عدد الاسم الاعظم الاعظم الاعظم الذي يحبّه اللّه و يهويه فاضافة ساير الاسماء اليه اضافة المتقوّم بالمقوّم و تلك الاسماء ليست الاّ ظهورات «هو» و الدليل عليه انه بنفسه من غير ملاحظة الاسماء الحسني مستقل في هذه الافادة لانك اذا نزلته في المرتبة الثانية يكون الاسم العلي العظيم قال اللّه عزّوجلّ و انه في امّ‏الكتاب لدينا لعلي حكيم فان الهاء اذا اشبعتها يتولّد منها الواو فيكون المجموع حرفان (حرفين ظ) اشارة الي جلال القدرة و جلال العظمة و الي الطائف حول جلال القدرة و الطائف حول جلال العظمة و مرتبة الولاية الكلية و مرتبة النبوة الكلية و مرتبة القدس و التنزيه و مرتبة الاضافة و مرتبة الاحدية الظاهرة و مرتبة الواحدية و مرتبة الالوهية و مرتبة الرحمانية قال اللّه تعالي قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن ايّاًما تدعوا فله الاسماء الحسني ثم العدد احدعشر فاذا لاحظته في المرتبة الثانية تكون العشرة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 229 *»

تظهر في مائة لانها النسبة الثانية للعشرة التي هي النسبة الثانية للثلثة التي هي النسبة الثانية للواحد الذي هو النسبة الثانية للاحد فرجعت الاضافات الي نفسها و فنيت و بقي الدوام و البقاء الابد للاحد و هو الوجه الباقي بعد فناء كل شي‏ء فاذا لاحظت نسبة العددين في المقام الثاني تكون (يكون خ‏ل) مائة و عشرة و هو عدد علي7 و لذا قال تعالي و هو العلي العظيم و لدينا لعلي حكيم و ان اللّه هو العلي الكبير فرجعت تلك الاثنينية التي كانت في «هو» الي الواحد فغاب المجمل في المفصّل و الباطن في الظاهر و العرش في الكرسي و هو معني قوله9 فلما وصل الي جلال العظمة خلق اللّه نور علي7 فكان نوري يطوف حول جلال العظمة و نور علي7 يطوف حول جلال القدرة و قال اللّه تعالي و ماقدروا اللّه حق قدره و الارض جميعاً قبضته يوم القيمة و السموات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالي عمايشركون فافهم الاشارة في التنزيه و اليمين هو علي7 لانه مائة و عشرة فالاسم العلي هو الاسم الاعظم لانه هو في مقام المسمّي و علي7 في مقام الاسماء فجمعت الاسماء الحسني كلها مع المسمّي فماشذّ عنه ظهور من الظهورات في اقاليم (اقليم خ‏ل) الاسماء و المسميات و مقامات الاسماء و الصفات فذكر «هو» اعظم من ذكر الاسم اللّه فان الاسم اللّه و ان كان يؤدّي هذا المؤدّي لكنّه في مقام الظاهر علي مايعرفه العوام لدلالة ذلك الاسم المكرّم بيّناته علي محمّد و علي8 لبيان انهما8اسمان للّه سبحانه فان البيّنات اسم للزبر و اما «هو» فقد اشار به الي ماهو الاعظم و لذا قال مولينا الرضا7 ان اوّل مااختاره لنفسه العلي العظيم لانه علا علي كل شي‏ء فاسمه العلي و معناه اللّه فافهم راشداً موفّقا و اعرف حدود لااله الاّاللّه و اعلم ان الامر كماقال اميرالمؤمنين7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا علي المعاني الثلثة كلها اي بدلالتنا او بترجمتنا و وساطتنا او بمعرفتنا و هو قول مولينا الجواد7المتقدم و حروف لااله الاّاللّه في الرقوم المسطرات.

ثم اعلم ان حروف لااله الاّاللّه كلها بين ثلثة احرف و الاثنان في اغلب المقامات واحد لانهما معاً حرف تعريف و هما الالف و اللام و حرف التعريف

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 230 *»

هو الالف وحده الاّ ان اللام انما اتي بها اتماماً لقابلية ظهور الالف و انما خصّوا اللام لانها جامعة لمراتب القابليات فاشار بحرف التعريف الي قول علي7 المتقدّم انفاً نحن الاعراف الذين اه و قوله7 في الزيارة من اراد اللّه بدأ بكم و ذلك لان اللّه سبحانه هو المعروف الذي لا جهالة فيه و الظاهر الذي لا خفاء فيه و الوحدة جهة المعرفة و الكثرة علة النكرة و لمّا كانوا: محالّ معرفة اللّه فظهرت المعرفة و المعروفية و الظهور المطلق فيهم: و هم: حقيقة الاعراف و معروفية كل المعارف بفاضل معروفيتهم صلّي اللّه عليهم و لذا احاطوا علماً بكل الوجود علم احاطة لا علم اخبار و عيان و قداشار اللّه سبحانه الي هذه الدقيقة اللطيفة و القيومية المطلقة و المعروفية الالهية بقوله الحق في سورة الاعراف و علي الاعراف رجال يعرفون كلاّ بسيماهم قالوا ما اغني عنكم جمعكم و ماكنتم تستكبرون([11]) و هؤلاء الرجال هم البيوت التي اذن اللّه ان‏ترفع و يذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ و الاصال و اوّل البيوت اوّل بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً و هدي للعالمين فيه ايات بيّنات مقام ابرهيم و من دخله كان امناً و للّه علي الناس حجّ البيت من استطاع اليه سبيلاً و من كفر فان اللّه غني عن العالمين.

و لمّا كان مقام التوحيد مقام المعرفة لا مقام النكرة اتي بحروف المعرفة في اللفظ الدالّ عليه فجري الظاهر اللفظي علي طبق الباطن المعنوي لكنّه مااتي تلك الحروف علي هيئة التعريف و جعلوا (جعل خ‏ل) اوّلها مقام النفي لبيان ان هذه المعلومية عين المجهولية و هذا الظهور الذي بفاضل ظهوره ظهرت الاكوان و الاعيان و مستجنّات غيوب الامكان هو عين الخفاء لشدة الظهور لانه تجاوز عن مقام مدارك الخلق و مشاعرهم بما لا نهاية له فلذا وضع لفظ النفي من مادة حرف التعريف الاّ انهم قدّموا اللام علي الالف في النفي لبيان ماقال علي‏بن‏الحسين8 و انك لاتحتجب عن خلقك الاّ ان تحجبهم الامال دونك و اللام هي مقام الكثرة اللازمة للماهية التي ماشمّت رائحة الوجود فهي نفي و عدم و لمّا ان الكثرة ليست بشي‏ء ولو مجتثاً و عدماً الاّ بالوحدة فاتوا بالالف بعد اللام

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 231 *»

لبيان ان النفي شي‏ء لان فيه من اثار الوجود و هو قول مولينا الصادق7 ان النفي شي‏ء و لمّا كانت جهة الوجود فيه ضعيفة تأخّرت الالف و انما اتي بالحرفين لبيان ان كل ممكن زوج تركيبي و ان العدم ماهية الوجود كمافصّلنا في كتابنا «اللوامع الحسينيّة7 » فطابق اللفظ المعني و الاسم المسمّي.

و اما الاله فلمّا كان وضع الالفاظ علي الحقايق الحقّة الالهية الاولية و جرت في الدعاوي المجتثّة الباطلة الافكيّة روعيت فيه جهة المناسبة الحقّة فقدّم الالف علي اللام و اما الالف فلبيان الاثبات و التعيين و التعريف و اما اللام فلبيان ظهور ذلك التعريف في عالم الخلق من احوال الكثرات و جهات الانّيات و بيان اكتسابها التعريف اذا جعلوا الالف الذي هو مثال الوحدة تاجاً لهم و مشوا علي طريقة رشده و هدايته ظاهراً و باطناً و بيّنات الالف هو (من خ‏ل) ظاهر علي7 لانها مائة و عشرة و زبره هو باطنه الذي سرّه عين علانيته كمايأتي و اللام ايضاً ظهوره7 محلاً لاستواء الرحمن و مؤدّياً الي كل ذي حق حقّه من بحر الجود و الامتنان و مثال ذلك القمر الظاهر في فلكه الجوزهر المسبّح للّه باسمه المبين و هو صاحب التفصيل و العدد و الحساب و مميّز الصور و مستنطق الطبايع و مستظهر مستجنّات السرائر و منشأ الاختلاف و داعي وسم الايمان و الكفر و الطيّب و الخبيث و المستقيم و المعتدل و الحلو و الحامض و المرّ و التَفِه([12]) و امثالها و لايحصل الكل الاّ في القمر و القمر يقطع الدورة ثلثين يوماً لحكم مستقر و امر مقدّر يطول بذكره الكلام و القمر هو مثال علي7 في الظاهر لانه صاحب التفصيل و علة الاختلاف قال اللّه سبحانه عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و قال قل هو نبأ عظيم انتم عنه معرضون و قال رسول‏اللّه9 مااختلف في اللّه و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي و قال7 اي اية اكبر منّي و اي نبأ اعظم منّي فكانت اللام اسماً له7 و لذا جعلت في اسمه الشريف اشارة الي انه الثلثون ليلة لميقات موسي و الياء بعد اللام اشارة الي اتمام العشر و هو اولاده الطيبون سوي الحسين7 و روحي له الفداء لكونه الفجر لا الليل قال تعالي والفجر و ليالٍ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 232 *»

عشر و مجموع اللام و الياء هو الميم فصار في اول اسم محمّد9 ثمّ زادوا الهاء في الاله بعد الالف و اللام للاشارة الي التوحيد كما كانت الالف و اللام اشارتين الي التعريف علي الطريق المعلوم لان الهاء خمسة اشارة الي المقامات و العلامات الخمسة التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرف اللّه بها من عرفه لا فرق بينه و بينها الاّ انهم عباده و خلقه و تلك الخمسة في عالم ظهور الوحدة عين الوحدة فظاهرها (ظاهرها خ‏ل) في باطنها و باطنها في ظاهرها قال رسول‏اللّه9 التوحيد ظاهره في باطنه و باطنه في ظاهره ظاهره موجود لايري و باطنه مفقود لايخفي و الهاء مثال لذلك لكون ظاهرها عين باطنها في الصورة الرقمية و سرّها عين علانيتها و اسمها عين مسمّاها و ظهورها عين خفائها و اوّليتها عين اخريّتها و قبليّتها عين بعديّتها و قدظهرت هذه الصفات كلها في علي صلوات اللّه عليه و روحي له الفداء كما قدّمنا يسيراً منها في حق النبي9 و قال7 انا باطن السين و السين من الحروف التي ظاهرها عين باطنها و اسمها عين مسمّاها لا في الصورة الرقمية بل لقدطابقت زبرها بيّناتها و لفظها معناها و الهاء اشارة الي تثبيت الثابت و ماظهر هذا الثبات و الاثبات البحت الباتّ الاّ في مولينا علي7 و لذا لمّاظهر للخضر من قشور ذلك الثبات الحامل للثابت الذات قال في حقه7 كنت كالجبل لاتحرّكه العواصف و المشبّه عين المشبّه به عندنا في القرءان و الاخبار و الجبل هو جبل الاحدية الظاهرة علي جبل الواحدية مع ماتقدّم سابقاً فتمّ اسم الاله طبقاً لمسمّاه و ظهر العبد دالاً علي مولاه فاذا اطلق علي سواه فليس من باب الوضع الاوّل و لا المجاز بل هو وضع مجتثّي ظلّي من باب تناسب التضاد.

و اما الاستثناء فلمّا كان حصراً و اختصاصاً و ذلك لايكون الاّ بنفي السوي اوتي لها بـ «ال» لدلالة الثبات و التعيين و التخصيص و «لا» الدالّة علي النفي لسلب الاغيار و تصفية الاكدار فادغمت من جهة قران المثلين فكسرت الهمزة للمبالغة في التعيين و الاختصار او لئلايشتبه بـ «اَن لا» المدغمة لقران المتجانسين و لم‏يعكسوا لئلايشتبه بـ «اِن لا» الشرطية فالنفي تنزيه و الاثبات توصيف و النفي فناء

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 233 *»

و الاثبات بقاء و الاثبات اشارة و النفي سلبها و لذا لايتحقق الاّ في مقام ذكر اثبات المخالف و اثبات المخالف مخالف للاثبات البحت و هذا الذكر في مقام الواحدية و مابعدها و ماتحقق الاّ بالولاية و مايمحي الاّ بالولاية فحقيقة الاستثناء هي الولاية و الولي المطلق فان ظاهره التعلق و الارتباط و هو «ال» و باطنه التقديس و التنزيه الصرف و هو «لا» فلمّا كان هذا الظاهر و الباطن في الشي‏ء الواحد جري الادغام لخفاء احدهما عند ظهور الاخر قال7ظاهري امامة و باطني غيب لايدرك فالاستثناء حكم البرزخية بين الثابت البحت و النفي البحت فهو يثبت الحق و ينفي الباطل قل جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقاً قال رسول‏اللّه9 الحق مع علي و علي مع الحق يدور معه حيثما دار و من هنا يظهر ان الاصل في الاستثناء الاتصال.

و اما اللّه فهو الاسم الجامع للاسمين الاعلين لانه مركب في اللفظ من الالف و اللامين و الهاء و من بيّنات المجموع يستنطق اسم علي7 و محمّد9 فمن بيّنات الالف تستنطق اسم علي7 و من الباقي اسم محمّد9 لبيان انهما اسمان للّه سبحانه و تعالي فقدّم اسم علي7 و كان بيّنات الالف لكونه7 ظهر بالولاية و محمّد9 ظهر بالنبوة و النبوة ظاهر الولاية و علي7 ظاهر الولاية الظاهرة بالنبوة و لذا كان جبرئيل7 اذا اراد ان‏يأتي النبي9 مايأتيه الاّ بامر علي7 و اذنه و ماعند علي7 وراثة عمّاعند الرسول عليه و اله السلام فافهم. فـ لااله الاّاللّه مقام النبوة و لااله الاّهو مقام الولاية و لمّا كان اميرالمؤمنين7 حامل اللواء اختار اسم هو علي اللّه فقال7 اشهد ان لا اله الاّ هو.

ثم اعلم ان مايتعلق بهذه الكلمة الطيبة في ظاهرها و باطنها من مراتب التوحيد التي هي مائة و ستّون و احوالها و احكامها و اصحابها و علاماتها و ظهوراتها و مقاماتها و سرّ اختلاف مراتب التوحيد مع وحدة الموحّد و مايتعلق بكلمة «هو» من الاسرار و المعارف و المراتب و الكرات و الدوائر قد ذكرناها

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 234 *»

في تفسيرنا علي اية الكرسي فلانطوّل الكلام هنا بذكرها و الذي ذكرنا هنا ذكرناها (ماذكرناها خ‏ل) في مقام اخر من الامور المتعلقة بهذه الخطبة الشريفة من اسرار اهل‏البيت: والاّ فكم من امور ممايتعلق بالتأويلات و انحاء البواطن و الاسرار قدتركتها هنالك و هنا خوفاً للتطويل و تقيةً من اصحاب القال و القيل. قال الشاعر و اجاد:

اخاف عليك من غيري و منّي و منك و من زمانك و المكان
فلو انّي جعلتك في عيوني الي يوم القيمة ماكفاني

قال7 و روحي له الفداء: «و اشهد انّ محمّداً عبده و رسوله انتجبه من البحبوحة العليا و ارسله في العرب العرباء» لمّا اظهر7 التوحيد بمالا عليه مزيد و احكم مقامات التنزيه و التفريد و سدّ ابواب الشبهات و ازال اوساخ التوهّمات و ابان عن مقام الجمال و الجلال و العظمة و القدرة و القهّارية و الرحمانية و الالوهية و الواحدية و الاحدية و القيوميّة و تفرّده بالاحداث و الايجاد و عدم تحقّق شي‏ء في عالم الكون و الفساد و ان كل شي‏ء سواه من عالم الكون و الفساد و سريان نور التوحيد في افراد الكاينات و ظهور الحق للخلق بانحاء التجليات و ظهور التجليات في مرايا الاسماء و الصفات و تقابل الاسماء و الصفات مجالي التعلقات و ظهر بيان قول سيدالشهداء عليه الاف التحية و الثناء حتي ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها و ماقال هو7 انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود.

و لمّاظهر (اظهر خ‏ل) لنا من وصف كينونة الازل الظاهر لنا بنا الذي هو حكاية الفاعل عدم استقلال نفسه للمفعول بالمفعول ان الذات الازلية القديمة تعالي شأنه و تقدّس في مقام قدسها و كينونة تنزّهها منزّهة عن الاتصال و الاقتران و عن الظهور و عدمه فيكون تلك الظهورات اما بالايجاد و الاحداث او بالصفات و الاسماء او بالقدرة و العظمة و الكبرياء او بغير ذلك ليست من حقيقة الذات البحت البات و انما هي بظهور

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 235 *»

كينونات الصفات و تلك الصفات هي المتجلّية في المخلوقات بالمخلوقات كماقال7 اقام الاشياء باظلّتها و قال كل شي‏ء سواك قام بامرك.

و لمّا كان تلك الظهورات كلها متقوّمة بظهور واحد و تلك الشئونات متحصّلة من شأن واحد و الاوامر راجعة الي امر واحد و الخلائق ائلة الي مبدء واحد و ذلك هو الذي يبقي عند ازالة الشئون و يظهر عند سلب الاقترانات و الاضافات حتي لايبقي غيره سوي ربه و يعدم الكل عند ظهور نفسه لمشاهدة جمال ربه و الجزئيات مثال للكلّي و الوحدة الظاهرة في الجزئيات شئون كثرة للكلّي.

و لمّا كان في الجزئي يبقي الواحد عند سلب الشئون وجب ان‏يكون في الكلّي ايضاً كذلك فرجعت الجزئيات الي الكليات و الكليات الاضافية الي الكلّي الحقيقي الذي سدّ دونه الابواب و انقطع عنده الخطاب و هو الواحد الاحد الذي جمع بوحدته كل الشئون و ظهر بصفته (بصفة خ‏ل) الكاف و النون و ذلك هو الظهور المطلق و الوجود المطلق و المثل الاعلي و الكلمة العليا و مبدء الاسماء الحسني و رتبة البرزخية الكبري و مقام الي ربّك المنتهي منه نشأت الفيوضات و عنه تشعّبت التعلقات و به افيضت الامدادات و بفاضل ظهوره ظهر الصاد و بنور تجلّيه تحقق المداد و باشراق نوره وجد القلم و ببسط ظهوره انبسط اللوح و بشئون كينونته جري القلم بالمداد في اللوح فلا انقطاع و لا جفاف الي مالا نهاية له من احوال الذوات و الصفات و سائر الاتصالات و القرانات و المفارقات.

و لمّا كان ذلك الامر الذي قام به كل شي‏ء و ظهرت منه الظهورات و تجلّت فيه الاسماء و الصفات محتجباً بحجب الغيوب و مقنّعاً بالسرّ المستسرّ بالسرّ في غيب الغيوب اراد الامام7 ان‏يظهر في هذه الخطبة الموضوعة لكشف الاسرار ذلك السرّ و يبيّن ذلك الامر و يشرح هذا المعمّي و يكشف ذلك العماء برفع الغطاء و يستخرج الكنز من هذا الطلسم و يصرّح بحقيقة الاسم و الرسم فقال7 و اشهد انّ محمّداً عبده و رسوله و هو ذلك الامر و الشأن و بحر الامتنان و الشجرة المباركة الزيتونة التي لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضي‏ء ولو لم‏تمسسه نار و تلك الشجرة في عالم اللايتناهي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 236 *»

اسمه المثل الاعلي و حامل لواء انّي انا اللّه و هيكل التوحيد و حقيقة التجريد و صبح الازل و مبدء ظهور كـن و الكاف الظاهر عنها الهاء في كهيعص و النقطة العليا و الكلمة الكبري فلمّا نظر الي مقام التناهي في مقام اللانهاية فذكرت النهايات من حيث المبادي لديه و حضرت من حيث الذكر الالهي عنده بملاحظة المتعلّق (بالكسر) و قطع النظر عن المتعلّق و التعلّق فهناك مادة الاسماء و معني المسمي و اسمه حينئذ حمد و مجد و قدس و تنزيه قال9 في خطبة يوم‏الغدير عند نصب علي7 للخلافة الذي ملأ الدهر قدسه و هو حينئذ البهاء و ابهاه و الجمال و اجمله و الجلال و اجلّه و العظمة و اعظمها و الكمال و اكمله و الاسماء و اكبرها و المشية و امضاها و العلم و انفذه و الرحمة و اوسعها و القدرة التي استطال اللّه بها علي كل شي‏ء الي غير ذلك من الاركان المتقوّمة بها الاسماء.

و لمّا لوحظ فيه جهة التعيّن و الظهور و تغشيه بجلباب النور من حيث المتعلّق (بالفتح) دون المتعلّق (بالكسر) الاّ ضمناً و تلويحاً و ارادة كان اسمه الماء الذي كان العرش عليه و الهواء الذي خلق اللّه قبل الخلق حين استوي (استواء خ‏ل) الرحمن عليه و الصاد الذي توضّأ منه رسول‏اللّه9 ليلة المعراج لصلوة الظهر و المداد الذي امتدّ به القلم و النون و بحر المزن و برزخ الوجود المطلق و المقيد و بحر النور و معدن السرور و جنة الصاقورة و الالف اللينية و نور الكينونة و هيولي الهيوليات و اسطقس الاسطقسّات و ذات الذوات و بحر الامدادات و خزانة الكائنات و ثاني الغيب و امر اللّه اللاّريب و حجاب اللّه المحتجب بحجب الغيب و مقام المصدر و حقيقة التأكيد و الحقيقة المطلقة و جوهر الجواهر و منقطع الاضافات و مسلوب الرباطات و المنتهي اليه جميع التعلقات و مقام المعاني و علة الاكوان و المباني و النفس الرحماني الثاني الي غير ذلك من الاسماء في هذا المقام.

و لمّا لبس لباس التعيّن و تردّي برداء العزّ و الوقار و تسربل بسربال المجد و الاقتدار و تقمّص بقميص العظمة و الفخار و قام بالعبودية بين يدي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 237 *»

الملك الجبّار و تنطق بايّاك نعبد بالذلّ و الانكسار ناداه اللّه سبحانه بلسان الاقتدار اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر فقال اللّه عزّوجلّ فو عزّتي و جلالي ماخلقت خلقاً احبّ الي منك و لااكملتك الاّ فيمن احبّ فاسمه الشريف في هذا المقام المنيف حبيب و محبوب و محبة و عقل و قلم و روح و الروح‏القدس (روح‏القدس ظ) الذي ذاق من حدائق ال‏محمّد صلّي اللّه عليهم الباكورة قال مولينا الحسن العسكري7 قدصعدنا ذري الحقايق باقدام النبوة و الولاية و الكليم البس حلّة الاصطفاء لمّا عهدنا منه الوفاء و روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة و قال7 اول ماخلق اللّه روحي و اول ماخلق اللّه القلم و القلم اول غصن اخذ من شجر الخلد و قال7 ان اللّه خلق العقل من الماء العذب الفرات نورانياً و هو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش و قال7 المحبة حجاب بين المحبّ و المحبوب و هو الملك الذي له رؤس بعدد رؤس الخلائق ممن وجد و لم‏يوجد و سيوجد الي يوم‏القيمة و هو النور الابيض المشرق من صبح‏الازل الذي منه البياض و منه ضوء النهار و هو العرش الثالث و هو مخزن المعاني و هو ينبوع المباني و اول العالين و نور اللّه الذي اشرقت به السموات و الارض و اليمين الذي كانت السموات مطويّات به و القبضة التي كانت الارض جميعاً فيها و بها الي غير ذلك من الاطلاقات المعصومية في هذا المقام.

و لمّا ظهر في عالم الشهود و استضاء به ثاني الوجود و ظهر بصورة المظاهر و جمع المناقب و المفاخر و تكثّرت الشئون و ظهرت بكمال الظهور الكاف و النون كان اسمه محمّد و احمد9 فاخذ اسمه من مادة الحمد ليعلم ان هذا الاخر هو عين الحمد الاول الاّ انه كرّر الحمد في اسمه الثاني كماكرّرت الشئون و الاضافات في العالم الثاني و في الثاني الذي هو الوسط كان اسمه الباء في بسم اللّه الرحمن الرحيم اشارة الي الحمد فان الباء اذا كرّرت تستنطق منه الدال و الدال اذا كرّرت تستنطق منه الحاء و الحاء اذا كرّرت خمس مرات تستنطق منه الميم فبالاجتماع تحقق الحمد و الميم كرّرت

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 238 *»

مرّتان فجعلت احديهما في الاول و الثانية في الوسط فلمّا اجتمع المثلان جاء الادغام فصار محمّداً9 فدلّ اسمه علي شخصه و ان المسمي بحكم المناسبة الذاتية بين الاسم و المسمي نزل متكرّراً في ذاته تكرّر الواحد في الاعداد و في اثاره تكرّر الشمس بظهورها في مقامات الاشعة و احمد اشارة الي مقامه الاعلي9 لظهور الاصل فقد ظهر الالف في العالم الاول للاشارة الي ظهوره في العالم الاول كمانشير اليه فيما بعد ان شاء اللّه فتكرّر في الباء فاشار اليه9 في العالم الثاني في البسملة فتكرّر في الحمد اشارة الي ظهورات الالف حاملة لكمال النقطة الاحدية في العوالم الثلثة و هي الجبروت و الملكوت و الملك فالحاء اشارة الي العالم الاول و هو و ان كان فيه وحدة الاّ ان الحاء من الحروف الغيبية و فيها اشارة الي حملة العرش الاعظم و الدال اشارة الي العالم الثاني لظهور التربيع تامّاً مفصلاً ممتاز الحكم مشروح العلل فيه و الميم اشارة الي العالم الثالث لكونه مقام الكثرة و هي من حرف عالم الشهادة كما كان الدال من عالم الوسط المناسب للمشاراليه و لكونه مقام الاجتماع و محل قران الاسباب بالمسبّبات و ربط العلل بالمعلولات و لذا كان يومه يوم الجمعة.

و لمّا كان المراد من الحروف الثلثة حكاية الظهور في العوالم الثلثة من حيث هو ظهور لا من حيث العالم كان الظهور في الكل متحداً و ان اختلف من حيث العوالم الاتري الاجسام فانها تتحرك الي جهة علي جهة الاطلاق بسائطها و مركباتها حتي الافلاك التي ليس فوقها رتبة في الاجسام فتلك الحركات تكون زمانية جسمانية و لها حركات صدورية دائرة مستديرة علي قطب مركزها و هو وجه مبدئها لا الي جهة و تلك الحركة سريعة غير زمانية بل و لا دهرية و انما هي حركات سرمدية استمدادية متساوية متحدة و كذلك حكم ظهور الحمد الذي هي النقطة الكمالية الاسمائية و الصفاتية من حيث هي في العوالم الثلثة فالظاهر في الاول هو بعينه الظاهر في الثاني و الظاهر في الثاني هو بعينه الظاهر في الثالث فالالف هو بعينه الباء و هي بعينه (بعينها ظ) الدال و هي بعينه الحاء و هي بعينه الميم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 239 *»

فالحمد هو بعينه محمّد9 و محمد هو بعينه حمد و احمد و محمود قال تعالي شققت لك اسماً من اسمي فانا المحمود و انت محمّد و هذا الاسم المشتق منه لا شك انه حادث و لا شكّ انه موجود و ليس للّه ذكر و ظهور محدث الاّ عنده9 الاّ ان الاسماء تختلف حسب الظهورات و الانتسابات و تختلف الاحكام بالنسبة اليها الاتري ان الذي يخرب الكعبة و العياذ باللّه يكفر و يجب قتله و الذي يخرب بيتاً من بيوت ساير الناس لم‏يكفر مع انهما متساويان في اصل المادة و الصقع في الظاهر اذ الاثنان من الجصّ و الحجارة و ليس هذا التفاوت العظيم الاّ من جهة الانتساب قال مولينا الصادق7 من استمع الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان فافهم فقد اطلعتك علي سرّ غريب.

فالمحمود هو مشتقّ من الحمد و احمد مشتق من الحمد و محمّد مشتق منه و حامد مشتق منه فالمحمود هو الحمد و الحمد هو محمّد و محمّد هو احمد و احمد هو الحامد و المجموع شي‏ء واحد تدور الاحوال عليها و ترجع الاحكام اليها و تختلف الاثار لديها كلها بالاضافات الخارجية و القرانات الاضافية فمحمّد9محمود في المقام الاعلي في العالم الاول و محمّد9 في المقام الثاني عند التنزل الي السبع المثاني كما انّ عليّاً7 هو اسم اللّه «هو» في المقام الاعلي في العالم الاول في الازل الثاني و «علي» في مقام التنزل الي المرتبة الثانية مقام الاسماء و الكثرات و الاضافات. قال اللّه تعالي و هو العلي العظيم و انه في امّ الكتاب لدينا لعلي حكيم علي تفسير ظاهر الظاهر فالاسم احمد اشارة الي عالم فوق عالم الحمد لدلالة الالف القائم الذي حصل الحمد من تكرّره مضاعفاً فدلّ علي الاصل و الاسم الحقيقي هو الاول و الباقي مواقع ظهوره فنسبة الحرف الاول الي باقي حروف الاسم كنسبة المرّة الصفراء و السوداء و البلغم و الدمّ الي باقي البدن و كنسبة الكوكب الي كل اجزاء الفلك و قد قال الشاعر في وصف الروح:

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 240 *»

حتي اذا اتّصلت بهاء هبوطها من ميم مركزها بذات الاجرع
علقت بها ثاء الثقيل فاصبحت بين المعالم و الطلوع(الطلول خ‏ل) الخضّع

الابيات. و لذا تري اهل الحروف يجعلون الزبر مسمي و البيّنات اسماً له فدلّ ماذكرنا ان احمد في مقام فوق مقام الحمد الاّ انه ناظر اليه و هو حينئذ مشتق من اسم اللّه الاحد زادوا الميم لظهوره في مراتب الوجود كلها و هي تمام ميقات موسي قال اللّه تعالي و واعدنا موسي ثلثين ليلة و اتممناها بعشر فتمّ ميقات ربه اربعين ليلة و هم الميم.

و اما محمّد في مقام تحت مقام الحمد فهو حينئذ مشتق من الحمد و زادوا الميم ايضاً للدلالة علي ظهور الحمد الذي هو ظهوره9 في جميع مراتب الوجود و لمّا كان ذلك مقام التنزل تمايزت الكثرات فظهر مقام الغيب و الشهادة فاستدعي تكرّر الميم فان الوجود في كل مرتبة اربعون كماحقّـق في محله فمحمّد9 هو الاول و الاخر و الظاهر و الباطن و لا عجب في ذلك فان هو الذي اذا تنزّل يكون عليّاً هو الاول و الاخر و الظاهر و الباطن لان الهاء من عالم الغيب و الواو من عالم الشهادة و الهاء اول الحروف و اعلاها مخرجاً و مقاماً و الواو ادني الحروف مخرجاً و مقاماً فالهو هو الاول و الاخر و الاسم علي طبق المسمّي و اللفظ علي وفق المعني و المتنزل‏اليه علي حسب المبدأ لان التنزل تفصيل بعد الاجمال الاتري ان الاحاد اذا تنزّلت الي العشرات تظهر الكسور التسعة علي التفصيل منطقة و هي كانت في الاحاد لكنها ماكانت منطقة فظهرت هنا فلمّا كان «هو» هو الاول و الاخر و الظاهر و الباطن كان علي7 كذلك و قد اظهرت الشمس هذا السرّ لكونها عارفة بحقه7 لكونها مثاله و ايته و دليله حيث سلّمت علي علي7 في الحديث المشهور و قالت السلام عليك يا اول و يا اخر و يا ظاهر و يا باطن و كان علي7 في محضر جمع من الاصحاب و كان الثاني معهم فانكر هذا المعني و اتي الي النبي9 و قال ان الشمس سلّمت علي علي بما لايصلح الاّ للّه و قالت السلام عليك يا اول يا اخر قال9

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 241 *»

انها تريد بقولها يا اول ان عليّاً اول من امن بي و هو اخر الاوصياء و هذا الجواب جواب واقعي حقيقي الاّ ان الحمير ما فهم منه الاّ الظاهر عند العوام انظر الي قوله9 اوّل من امن بي و صدّق بنبوّتي و ذلك كان اليوم الذي استخلصه اللّه في البحبوحة العليا كمايأتي ان شاء اللّه.

فعلي7 انما كان ظهور «هو» لكونه حامل اللواء و قدعلمت ان اللواء لمحمّد9فعلي7 انما تشرّف بشرف محمّد9 و تعلّي بتعليته و تقوّي بقوّته و استعلي باسمه و علي في الحقيقة هو اسم محمّد9 الاتري في السجود المنسوب اليه9تذكر اللّه باسمه الاعلي و تقول سبحان ربّي الاعلي و بحمده و هو مقام محمّد9 و في الدعاء اللّهم اني اسألك بمعاقد العزّ من عرشك و منتهي الرحمة من كتابك و باسمك الاعظم الاعظم الاعظم و بذكرك الاجلّ الاعلي الاعلي الاعلي و بكلماتك التامّات الدعاء و يريد بالذكر هو رسول‏اللّه9 قال تعالي و انزلنا اليكم ذكراً رسولاً([13]) و الاسم هو علي7 و اشار الحق الي الجميع بالطف اشارة بقوله الحق و اذكر اسم ربك بكرة و عشيّاً([14]) فجعل الاعلي منسوباً الي محمّد9 و هو صلوات اللّه عليه و اله وهب ذلك الاسم عليّاً7 كما انه حمله اللواء فاعطاه اسمه ايضاً.

و بالجملة فاذا كان علي7 هو الاول و الاخر و الظاهر و الباطن فمحمّد9بالطريق الاولي علي النهج الاعلي لان عليّاً7 حسنة من حسنات محمّد صلي اللّه عليه و اله الطاهرين محمّد9 هو حمد اللّه و الحمد منسوب الي اللّه و لاينتسب الي غيره ابداً فهو وجه اللّه فلايبلي و لايفني فالوجه لايتناهي لكونه وجهاً و دليلاً لما لايتناهي و لايعرف المدلول الاّ بالدليل فلو تناهي الوجه فيلزم منه تناهي ذي‏الوجه او لم‏يكن وجهاً تعالي ربي عن ذلك علواً كبيراً فحمد اللّه هو الاول و الاخر و هو محمّد9لكون وجوده الاقدس سبق كل وجود و موجود و مفقود و مشهود فكلّ‏ما يفرض ففرض كل احد بمقدار وجوده و معرفته و ادراكه بمقدار شهوده و وجوده اذ الشي‏ء

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 242 *»

لايتجاوز ماوراء مبدئه و لايقرأ الاّ حروف نفسه فكلّ‏ما يفرض الاولية و الاخرية و الظاهرية و الباطنية و القبلية و البعدية و الخفاء و الظهور و الغيبة و الحضور كل ذلك من حدود نفسه فلايلحق نفسه التي من عرفها فقدعرف اللّه و تلك النفس لمعة من لمعات اشعة انوار ال‏محمّد سلام اللّه عليهم و هم: سُرُج و اضواء استنارت و استضاءت من السراج الوهّاج و عين المحبة و الابتهاج محمّد9 صاحب المعراج و هو الذي اراد اللّه من قوله عزّوجلّ رفيع الدرجات ذوالعرش يلقي الروح من امره علي من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون الاية فتأمّل بصافي طويّتك و خالص فطرتك الي ماذكرنا تجد مقاماً اعلي مماذكرنا و ارفع ممابيّنّا و اسني مماقلنا و لاتنكر ماذكرنا فانه انكار قدرة اللّه لانهم عباد و خلق اقدرهم اللّه تعالي بقدرته و هم بعد بيده و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين و لاانكر للّه قدرة و لاازعم الاّ ماشاء اللّه سبحان‏اللّه ذي‏الملك و الملكوت يسبّح اللّه باسمائه جميع خلقه و هذا الذي وصفنا و قلنا انه الاول و الاخر و الظاهر و الباطن و القبل و البعد و المخفي و الظاهر و الاية و العلامة التي لا تعطيل لها في كل مكان و الذات المتقوّمة بها كل مافي الاكوان و الاعيان و مستجنّات غيوب الامكان و مظاهر قدرة اللّه الملك الديّان و المالئ بنوره المكان و الزمان المدعوّ في السماء باحمد9 و في الارض بمحمّد9 و عند اللّه بحبيب و محبوب و في السرمد بظلّ ممدود و ماء مسكوب و في العرش الصاقورة العليا بالشاهد و المشهود و هو عبد اللّه و ملك له و خلق له و رقّه في ملكه لايملك لنفسه نفعاً و لا ضرّاً و لا موتاً و لا حيوةً و لا نشوراً لكنه استقام في العبودية و اخلص له الطاعة و اقرّ له بالربوبية و الالوهية مخلصاً صادقاً في كل احواله و اقواله و اعماله و افعاله و ذواته و صفاته و كينونات اشباحه و ظهوراته في ايجاده و انوجاده حال الوحدة و الانفراد و حال الكثرة و الاتصال و حال الاضافة و الاقتران و حال المشاهدة و العيان و قداشرنا الي نوع تفاصيل بعض ذلك في لااله الاّاللّه .

فالعبد في الحقيقة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 243 *»

هو اسم خاصّ له و لذا خصّه الي نفسه و قال عزّ من قائل و اصطنعتك لنفسي و قال ايضاً و ان كنتم في ريب ممّانزّلنا علي عبدنا فأتوا بسورة من مثله الاية و قال مولينا الصادق7 و روحي له الفداء العبد ثلثة احرف فالعين علمه باللّه و الباء بونه عن الخلق و الدال دنوّه من الخالق و الاصل في ذلك ان الشي‏ء اذا وجد و حين وجد لحقته نقايص الامكان من حدود الزمان و المكان و الجهة و الرتبة و الوضع و الاضافة و الاقتران و الكمّ و الكيف و الاين و متي و اذ و مذ و قد و من و الي و علي و حتّي و مهما و اذما و كيفما و الاّ و امثالها من شئون الكثرات و جهات الانيات فلايوجد الشي‏ء الاّ مصاحباً لهذه الامور و لايمكن انفكاكها عنه لانها حدود القابلية و الانوجاد فحينئذ يحصل له ثلثة انظار: نظر الي نفسه و نظر الي الاضافات الخارجة من اللازمة و الزائلة المفارقة و نظر الي ربه و مبدء وجوده و علة كونه و عينه و لا شك انه في الجهات الثلث فقير يحتاج الي مدد و مقوّم فهو بمسألة فقره دائماً لائذ بباب الفناء.

فان كان ملحداً في الاسماء و التفت الي الاضافات و القرانات و نظر الي الكثرات و جهات الانيات فيمايحتاج اليه من شئونات فقره فهو الفقير الذي هو سواد الوجه في الدارين و منكس الرأس في النشأتين و اللّه سبحانه عند ظن كل امرئ يمدّه بحسب ظنّه من المعايش المكدّرة و الاحوال الضايعة المنقّصة قال تعالي و من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً و لاتتوهّم ان الضيق و الضنك منحصرة في قلة الاكل و الشرب و اللباس و امثالها بل هذه عند اهل اللّه ليس ضنكاً و انما هي سعة و فرحة و قال اللّه عزّوجلّ لموسي اذا اقبل عليك الفقر قل مرحباً بشعار الصالحين بل الضنك و الضيق هو ضيق القلب و احتصاره بايراد الشكوك و الشبهات و الظلمات و التمويهات و هو دائماً في الاحتصار و هذا الشخص لو كان عنده سلطنة العالم مايلتذّ بها بوجه ابداً قال تعالي اشارة الي هذه اللطيفة و من يرد ان‏يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعّد في السماء كذلك يجعل اللّه الرجس علي الذين لايؤمنون و قال تعالي بل طبع اللّه عليها بكفرهم و هذا هو العيش المنقّص و الشرب المكدّر فلايري الخير ابداً فهذا هو

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 244 *»

الظالم لنفسه علي الحقيقة و الواقع و هو الظالم الذي يعضّ علي يديه و يقول ياليتني اتّخذت مع الرسول سبيلاً ياويلتي ليتني لم‏اتّخذ فلاناً خليلاً.

و ان كان الناظر ينظر الي نفسه من حيث الشئون المختلفة و الكثرات المتباينة و يري كل شي‏ء له سبب يسدّ فقره و خلّته و يعلم انها كلها من اللّه خالقه فقديلتفت الي اللّه و قديلتفت الي نفسه و هذا هو الفقر الذي كاد ان‏يكون كفراً لان الالتفات الي النفس يؤدّي الي الانقطاع عن اللّه سبحانه بالكلية لان الطبيعة الي الباطل اميل منها الي الحق (و ظ) لمناسبتها مع الاول اشدّ من مناسبتها مع الثاني و قداشـار الحق سبحانه الي هؤلاء بقوله الحق ان الذين ارتدّوا علي ادبارهم من بعد ماتبيّن لهم الهدي الشيطان سوّل لهم و املي لهم ذلك بانهم قالوا للذين كرهوا مانزّل اللّه سنطيعكم في بعض الامر و اللّه يعلم اسرارهم فكيف اذا توفّتهم الملائكة يضربون وجوههم و ادبارهم ذلك بانهم اتبعوا مااسخط اللّه و كرهوا رضوانه فاحبط اعمالهم و هؤلاء الذين تمسّكوا بظاهر الاخبار و الايات و ماالتفتوا الي البواطن و الايات البيّنات فجمدوا و وقفوا و نرجو من اللّه الفرج و المخرج و علي اللّه قصد السبيل و منها جائر. فالاثنان المتقدّمان ظاهرهما يخالف باطنهما و اعمالهما تخالف كينوناتهما و فعلهما يخالف قولهما و ان ادّعيا في ظاهر الامر العبودية فانهما بالفعل يدّعيان الاستقلال و الربوبية فان العبد لايخالف سيّده فان خالف فحين المخالفة لايري نفسه عبداً و ان كان هو عبداً في الواقع و نفس الامر.

فان (و ان ظ) كان الناظر ينظر الي ربه و ينقطع اليه و يقطع عن كل ماعداه و يتبرّأ عن كل ماسواه و يلتفت دائماً الي ربه عالماً بانه ليس شي‏ء في الوجود مستقلاً ثابتاً غنياً غير مفتقر و غير مستند الي احد سواه سبحانه فعلمه يدعوه الي ان‏يبين عن الخلق و يدنو من الخالق و هذه البينونة و الدنوّ لايكون الاّ بكثرة الالتفات و المراقبة بالاعمال و التوجه الخالص فكلّما خلص عن الغرايب قرب الي ظهور المبدء المطلق الي ان خلص كليّاً في جميع الاحوال فهناك يحكي المثال ظاهراً في مرءاة الجلال و العظمة و الكبرياء و هو مقام كنت سمعه الذي يسمع به و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 245 *»

بصره الذي يبصر به و يده الذي (التي ظ) يبطش بها و اخر هذا المقام مقام اطعني اجعلك مثلي اقول للشي‏ء كن فيكون و انت تقول للشي‏ء كن فيكون و انا حي لااموت و اجعلك حيّاً لاتموت قال7المؤمن حي في الدارين ثم ان خلص عن هذا الشوب الذي هو مشاهدة الاغيار المستلزم للاكدار و ان كان هذا الاغيار من اعظم حسنات الابرار لكن فيها ذكر للسوي و ان كان علي وجه الاضمحلال و الفناء لكنها من اعظم المعاصي عند ال اللّه فانهم يرون اعمالهم سيئات قال7 و انك لاتحتجب عن خلقك الاّ ان‏تحجبهم الامال (الاعمال خ‏ل) دونك لان ذكر السوي حاجبة عن ذكر اللّه فهو بمقدار مايذكر الغير غير مقابل لنور الجمال الازلي الظاهر للخلق بالخلق فيتوجّه اليه قول الادبار و انا اقرأ عليك دعاء علي‏بن‏الحسين8 في السجدة بعد الثامنة من صلوة الليل علي مارواه البهائي; في مفتاح الفلاح فاعرف منه ما لايمكن بيانه بالعبارة اكثر ممّاعبّر و فعل صلوات‏اللّه عليه حيث قال الهي و عزّتك و جلالك لو اني منذ بدعت فطرتي من اول الدهر عبدتك دوام خلود ربوبيتك بكلّ شعرة في كل طرفة عين سرمد الابد بحمد الخلايق و شكرهم اجمعين لكنت مقصّراً في بلوغ اداء شكر خفي نعمة من نعمك علي ولو اني يا الهي كربت معادن حديد الدنيا بانيابي و حرثت ارضيها باشفار عيني و بكيت من خشيتك مثل بحور السموات و الارض دماً و صديداً لكان ذلك قليلاً من كثير مايجب من حقّك علي ولو انك يا الهي عذّبتني بعد ذلك بعذاب الخلايق اجمعين و عظمت للنار خلقي و جسمي و ملأت طبقات جهنم منّي بحيث لايكون في النار معذّب غيري و لا لجهنم حطب سواي لكان ذلك قليلاً من كثير مااستحق من عقوبتك تأمّل في حدود هذه الكلمات تجد مالاتسعه العبارة.

فالعبودية الكاملة هي ان لايجد نفسه عند جلال عظمة ربه فيفني في بقائه و يمحو في صحو جماله الذي هو عين جلاله فهناك عين المثال و يظهر ماقال في الانجيل يابن ادم اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء و باطنك انا و هو قولهم: لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو الاّ انه هو هو و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 246 *»

نحن نحن فاذا بلغ هذا المقام يظهر له مقام الفاعل و الخالق و الرازق و مقام الامر و الناهي و هذا الفاعل هو الذي اشتقّ من الفعل كالضارب من ضرب فان كان المفعول الخاص و العبد الجزئي تظهر الفاعلية الجزئية الخاصة كالضارب مثلاً في ضرب و القائل في قال و الناصر في نصر و المتكلّم في تكلّم و امثال ذلك و ان كان المفعول المطلق العامّ الكلي يظهر فاعل الذي هو جامع كل الشئون و الظهورات علي جهة الاطلاق و العموم فيحيط بكل الشئون قال تعالي كل يوم هو في شأن و هذا معني قوله عزّوجلّ ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن اذ لا شك انه تعالي مايريد بقوله ما وسعنـي اي ذاتي و حقيقتي فان ذلك مستحيل بضرورة المسلمين فالمراد به الظهور و لا شك انه تعالي مايريد به الظهور الجزئي فان كل احد بل كل شي‏ء من الاشياء و ان صغر و ضعف حامل ظهور من الظهورات الالهية و الشئونات الربّانيّة فلا فخر للعبد المؤمن فيجب ان‏يكون هذا الظهور كلياً و لمّا ان الحكم تعلّق بالوصف المشتق علم ان المبدأ هو علة هذا الحكم فايمان العبد هو الذي صار علة لهذه الوسعة و المؤمن كل المؤمن هو الذي امتثل امر اللّه سبحانه و المخالف ليس بمؤمن علي حسب المخالفة و لمّا قال اللّه عزّوجلّ و استقم كما امرت و قال و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون و قال فاذكروني اذكركم و اشكروا لي و لاتكفرون علمنا ان الايمان التامّ لم‏يتحقق الاّ بالتزام مضمون تلك الايات و لمّا كان غير المعصوم كلهم عصاة لم‏يثبت وصف الايمان لهم دائماً ابداً و لمّا كان ائمتنا سلام‏اللّه عليهم اشرف من الانبياء و ذلك لايكون الاّ بقوة الايمان و المعرفة فيكون ايمانهم باللّه سبحانه اقوي من ايمان الانبياء اجمعين و لمّا كان محمّد9 هو فخرهم و شرفهم و سيّدهم علمنا انه9 اثبت في تلك بمعني الكمال فالمؤمن الحقيقي الاوّلي الاصلي لايكون الاّ محمّد9 و قدقال اللّه سبحانه اشارة الي ايمانه الكامل فامنوا باللّه و رسوله النبي الامّي الذي يؤمن باللّه و كلماته و اتبعوه لعلكم تفلحون و الايمان هو تفاصيل اقرار العبودية فلما اقرّ9 للّه سبحانه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 247 *»

بالعبودية المحضة الخالصة المنزّهة عن جميع شوب السوي بكينونته و ذاته و اعماله و صفته في مقام ادباره و اقباله وسع قلبه الشريف جميع الشئون الربوبية علي الاطلاق لكونه مقتضي العبودية لان اللّه سبحانه يتجلي بفعله فلمّا كانت مرءاة عبوديته و زيت قابليته9 صافية بالغة كاملة معتدلة منزّهة عن شوب كدورة و غيريّة و ظلمة انّية حكت المرءاة المثال علي اكمل مايكون في الامكان و استنار بمسّ النار المهيّجة من شمس الازل فسبق السابقين و فاق الفائقين فلم‏يلحقه الاوّلون و الاخرون و العاملون المتهجّدون المجتهدون فبفاضل عبوديته ظهرت العبادة و الخضوع و بفاضل تذلّله للّه سبحانه ظهر الانكسار فهو9 اخضع الخلق للّه و اخشعهم له و اخوفهم منه و اعبدهم له فتمّت فيه مقامات العبودية و هي الاستقامة في دار المقامة التي امر اللّه سبحانه اياه9 بها في قوله فاستقم كما امرت.

و مجمل القول ان النور الالهي و الكينونة الاحدية الوصفية المخلوقة ماتظهر و لاتستقرّ في الوجود الكوني الاّ بصورة و حدود هي تكون محلها و مظهرها فان كان صرف تلك الحدود اللازمة لها الغير المنفكّة عنها الغير المشوبة لمايضادّها و ينادّها من الحدود المقابلة فتلك هي حدود العبودية و صور الاستقامة التي هي الصورة الانسانية و تلك هي القيام باوامر اللّه و نواهيه و عزم الانقياد في السريرة بصافي الطويّة علي البقاء علي تلك الحالة و عدم قصد مايضادّها وصفاً و ذاتاً و قولاً و عملاً و الانزجار لفعله و الانكسار و الخضوع له فيمايطيع به ربّه و التذلّل له و اعدام نفسه و افناء شخصه و مشاهدة حلول رمسه و هو قوله7 في الدعاء الهي كيف ادعوك و انا انا و كيف لاادعوك و انت انت و هو قوله تعالي و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون و قوله تعالي فاذكروني اذكركم و هذا الذكر و هذا الالتفات هو الاستقامة المأمور بها و تلك الاستقامة هي كمال المقابلة لفوّارة النور فلمّا حصلت المقابلة الكلية فتنطبق علي الفوّارة فتجمع الانوار و يحتوي الاسرار فيسع قلبه كل الاوامر و الفيوضات و الامدادات اللاهوتية و الجبروتية و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 248 *»

الملكوتية و الملكية و الذاتية و الوصفية و الاصلية و الوضعية و الحقيقية و المجازية و الخلقية و الامرية لان المقابلة الكلية تستدعي اوّلية التلبية حين نادي الحق خلقه بلسانه الناطق فيهم بهم ألست بربكم و كان محمّد9 اول من لبّي ذلك الخطاب و دخل ذلك الباب و شاهد المطلوب بلا حجاب فكان حجاباً اعظماً (اعظمَ ظ) احتجب اللّه سبحانه به عن خلقه و لم‏تتحقّق الحجابية الاّ اذا استقرّت و استقامت في العبودية و هذا احد معاني قوله9 عند قوله تعالي فاستقم كما امرت، شيّبتني هذه الاية و الشيبة مقام الكمال و بلوغ الوصال و الاستقرار علي سرير الاقبال و هذه الشيبة عين الشباب و ذلك المبدأ عين المئاب و ذلك الماء عين التراب حيث قال عزّوجلّ في محكم الخطاب هو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً و ذلك البشر هو ابوتراب.

فلمّا تمّت مقامات العبودية و ظهرت فيها ظهورات الربوبية قال مولينا الصادق7العبودية جوهرة كنهها الربوبية و صار قلبه الشريف علي جميع معانيه عرشاً للرحمن اي النفس الرحماني الاوّلي و ذلك في ظهورات النقطة قبل الالف و استدارتها علي نفسها و حركتها حول مركزها لبيان انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله فاستجنّ في هذا العرش الكلّي الاعظم علي اعلي المقامات او الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات علي احد الاطلاقات جميع ماظهر و يظهر و يمكن من بديع السموات ذي‏العرش من علوم الكيفوفة و علم البداء و علل الاشياء و سرّ المحو و الاثبات و مصدر الاصدار (الاضداد خ‏ل) و منبع الايجاد و معدن الحقايق و حقايق لطائف الخلائق و سرّ اللاهوت و نور الحي الذي لايموت و دارت نقطة العبودية علي نفسها فاستوت جميع نسبها بباريها فصارت في كمال الاعتدال في الطويّة و السريرة و اللطيفة و الكثيفة من الاحوال البشرية كما قال عزّوجلّ و انك لعلي خلق عظيم، و ما انا من المتكلّفين فهناك اقتضت الرسالة المطلقة الكلية و الاستعانة الشاملة العامة في قوله تعالي اياك نستعين بعد قوله تعالي اياك نعبد و هذه الاستعانة استعانة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 249 *»

استمدادية (امدادية خ‏ل) الهية في جميع مايمكن في الاكوان الخلقية من شرايط الامداد و الاستمداد و متمّمات القابلية و مكمّلات الاستعداد فكان بذلك9رسولاً مطلقاً الي جميع الكاينات و الموجودات و هو قوله عزّوجلّ اللّه اعلم حيث يجعل رسالته فبالعبودية بلغ مقام الرسالة و بالرسالة ظهرت العبودية المطلقة كماقال تعالي في حديث الاسرار كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية هـ اذ الشي‏ء كلّما يخلص عن شئون نفسه تخفّ بنيته و كلّما تخفّ بنيته يسرع سيره و كلّما اسرع سيره بلغ مقام السبق و كلّما بلغ مقام السبق سطع عليه نور العناية و القرب و كلّما سطع عليه نور العناية و القرب استنار و استشرق و كلّما طالت الاستنارة و الاستشراق و خفّت البنية و صفت الانيّة و طابت الكينونة ظهر المثال و شهد ظهور الحال بصفة الاقبال و كلّما ظهر المثال تجلي الممثّل الموصوف بالوصف و المثال و كلّما تجلّي الممثّل غاب المثال و اضمحلت الصفة و كلّما غاب المثال صفي ذكر الممثّل الي ان اتي مقام هو فيها نحن و نحن فيها هو و مقام لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك فقام مقامه في الاداء في كل العوالم و هو قوله7 في الدعاء فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لااله الاّ انت فافهم والاّ فاسلم تسلم. و هذا معني قوله7 و اشهد ان محمّداً عبده و رسوله و الشهادة كينونية و ذاتية و صفتية (وصفية خ‏ل) و ظهورية و عملية و قولية و محمّد9 هو المحمدية البيضاء في مقام الحجاب الابيض الاعلي و العبودية هي المطلقة الكاملة مقتضي الفقر الذي افتقر به الي اللّه سبحانه و افتخر به في قوله9 الفقر فخري و به افتخر و الرسالة هي الرسالة الواسعة العامة الشاملة لكل من ذرء و برء في تمام مقتضيات احوالهم كمانذكر ان شاء اللّه الرحمن.

قوله7 انتجبه من البحبوحة العليا البحبوحة هي الوسط و اللبّ و الصفو و الاصل قال اللّه عزّوجلّ و كذلك جعلناكم امة وسطاً لتكونوا شهداء

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 250 *»

علي الناس و يكون الرسول عليكم شهيداً و قال اميرالمؤمنين7 في حديث كميل في بيان احوال النفس و العقل وسط الكل و قال ايضاً7 علي مافي الخطبة الشقشقيّة لقدتقمّصها ابن ابي‏قحافة و هو يعلم ان محلّي منها محل القطب من الرحي فالبحبوحة هي القطب و القطب هو الوسط و هو الاصل في الشي‏ء يدور ذلك الشي‏ء بجميع شئونه و احواله و اضافاته و جهاته و حيثياته و اعتباراته عليه و هو المدبّر (المدير خ‏ل) لها و المسخّر لها و المقدّر لاقواتها و المتمّم لقابلياتها و هو في كل شي‏ء من الاشياء فلكل نفس قطب يدور عليه احوالها فتعدّدت الاقطاب بعدد نفوس الخلايق و لمّا كان القطب جهة الحق للخلق كان بذلك ظهوره لهم و هو معني قوله7 الطرق الي اللّه بعدد انفاس الخلايق و يأتي تحقيق ذلك فيمابعد ان شاء اللّه تعالي فنقتصر علي موضع الحاجة و نقول:

ان الاقطاب كلها علي قسمين: احدهما ان‏تكون نقطة واحدة قدانبسطت فتكثّرت و تعدّدت كالنقطة فانها قطب للالف و الالف قطب للالف القائم و هو قطب للالف المبسوط الذي هو الباء و الباء قطب للدال و الالف و الباء معاً قطب للجيم و الباء و الدال معاً قطب للهاء وهكذا الي اخر الحروف الكونية و الحرفية و مرجع الكل الي الواحد و ذلك وجه استمداد الشي‏ء بلواذ فقره و فاقته بباب استغناء الغني المطلق فالوجه السفلي للقطب وجه استمداد الشي‏ء السافل و الوجه الاعلي باب استغناء الغني فهو سبحانه يمدّه منه به اليه الي انتهاء الوجود و هذا الوجه الذي هو القطب يجب ان‏يكون وسطاً ليتساوي نسبة الكرة اليه والاّ لم‏تكن الحركة مستديرة و اختلفت نسبة العالي مع السافل و هو مستحيل و لا شك ان القطب هو وجه العالي فيجري عليه حكمه و هذا ظاهر. و ثانيهما ان‏تكون الاقطاب متعددة لا بالعدد فلايجمعها عدد الاّ باعتبار المفهوم اللفظي و اما في‏الحقيقة فاحدهما عدم بحت و فناء صرف بالنسبة الي الاخري بحيث لا ذكر للاخير عند الاول ولو اجمالاً الاّ بالذكر الصلوحي التعلقي و هذه المراتب انما تكون في السلسلة الطولية بمعني ان المراتب

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 251 *»

السافلة معلولات للمراتب الاولي فالقطب في المرتبة الثانية شعاع المرتبة الاولي و اثرها و فعلها و الكرات الدائرة عليه احوال ذلك و شئوناته و ظهوراته و قراناته فهي بماهي عليه متقوّمة بذلك القطب تقوّم ركن و عضد و ذلك القطب متقوّم بالكرة الاولي تقوّم صدور و حدوث فهو مثال للكرة الاولية من حيث الاحوال و الشئون لا القطب الذي لتلك الكرة فمثال الاول هو النار الظاهرة في السرج الكثيرة و الظهور الواحد الظاهر في المرايا و النور المنبسط في الشعاع و الكلي المتعيّن في الجزئيات و الافراد و المطلق الظاهر في المقيّدات و امثال ذلك و مثال الثاني هو السراج الظاهر في الشعاع و النار الظاهرة في الحديدة و السراج و الشاخص المقابل الظاهر في المرءاة و امثال ذلك فانحصرت مراتب الوجود بهذين القسمين.

و لمّا كانت السلسلة الطولية مما لاتنكر في الوجود و السلسلة العرضية من الضروريات و البديهيات و لا شك ان الطفرة في الوجود ضروري البطلان فيكون الاعلي و الاشرف هو الاصل و القطب و لمّا دلّت الادلّة العقلية و النقلية علي ان الانبياء اشرف و اكرم علي اللّه سبحانه من كل المخلوقات من الجن و الانس و الملئكة و غيرهم ثبت لهم رتبة القطبية و لمّا كان ائمتنا المعصومون: قدبلغ اللّه بهم اشرف محل المكرّمين و اعلي منازل المقرّبين و اشرف (ارفع ظ) درجات المرسلين حيث لايلحقهم لاحق و لايسبقهم سابق و لايطمع في ادراك مقامهم طامع حتي لايبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا صدّيق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبّار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيمابين ذلك شهيد الاّ عرّفهم جلالة امرهم و عظم خطرهم و كبر شأنهم و جلالة قدرهم كانوا بذلك قطب الاقطاب فصار يدور عليهم صلّي اللّه عليهم كل ماكان و يكون و ماهو كائن الي يوم القيمة و بعدها في الجنة و النار ابد الابدين و دهر الداهرين فوق النهاية و اللانهاية.

و لمّا كان السافل لايصل الي ذات العالي و انما حظّه ظهوره بكينونته في

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 252 *»

كينونته قال تعالي روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي كان ظهورهم: في كل المراتب بتلك المراتب ألاتري السراج فانه لايظهر في مقام الشعاع الاّ بنفس الشعاع فالقطب للاشعة هو نفس النور الواحد الساري المنبسط في كل اقطار الاشعة و هو مثال السراج و ايته و دليله و اثره كما ان السراج مثال النار و ايتها و دليلها و ظهورها ولكن الظهور لا فرق بينه و بين الظاهر فيه الاّ انه عبده و خلقه فكذلك ظهورهم: بالقطبية في العوالم كلها من عالم اللاهوت و عالم الاسرار و عالم الانوار و عالم الارواح و عالم الاشباح و عالم الطبايع و عالم المواد و عالم الاظلّة و عالم الاجسام.

و لمّا كانت العوالم كلها في حركاتها المستديرة لها حركتان: حركة ذاتية اوّلية الهية و حركة ثانوية ذاتية (عرضية ظ) تبعيّة و لمّا كانت الاولي هي الحركة الجوهرية الحقيقية كان سيرها علي القطب الحقيقي ففي عالم اللاهوت ظهور حقايقهم قطب لذلك العالم و في عالم الاسرار ظهور عقولهم قطب له و في عالم الانوار ظهور ارواحهم النور الاصفر و في عالم الارواح ظهور نفوسهم الشريفة النور الاخضر و في عالم الطبايع ظهور طبيعتهم الكلية النور الاحمر و في عالم المواد ظهور موادهم الجسمية و في عالم الاظلة ظهور ظلّهم من فاضل شعاع نورهم و في عالم الاجسام ظهور اجسادهم الطيبة بفاضل تشعشع لمعان انوارهم و هذا هو الحكم الكلي المجمل و في عالم التفصيل ظهور و ظهور ظهور و ظهور ظهور ظهور وهكذا الي اخر المراتب و الاحكام و منتهي المقام و لذا تسيخ الارض باهلها اذا فقد جسد الامام7عن عالم الاجسام كمادلّت الاخبار و وقع اجماع الفرقة الناجية عليه الاّ ان هذه الظهورات شبحية و لايسعني الان بيان تفصيل الكلام و تبيان المرام بمقتضي المقام لئلايرتاب المبطلون والاّ هنا لطائف و اشارات عجيبة.

و بالجملة فالبحبوحة التي هي الوسط و القطب كثيرة مختلفة متفاوتة المراتب بالعلوّ و السفل و هم صلّي اللّه عليهم البحبوحة العليا و القطب الاعظم و العماد الاقوم و اليهم الاشارة بقوله عزّوجلّ و كذلك جعلناكم امة وسطاً

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 253 *»

لتكونوا شهداء علي الناس و الشاهد علي الناس لايكون الاّ المحيط باعلاهم و اسفلهم و اوسطهم و الناس اعمّ من الانسان و الانبياء و الملئكة و الجنّ و سائر المخلوقات كلّهم لان ماعدا الانسان كلهم علي هيئته و صورته كما قرّر في محله.

و لمّا كان محمّد9 اول من اجاب الحق سبحانه بظاهره و باطنه و سرّه و علانيته من بينهم سلام اللّه عليهم فكان9 منتجباً منهم و مصطفي فيهم فصار نبيّهم و سيّدهم و فخرهم و ذلك الانتجاب انما كان بتحمّله9 حرفاً واحداً دونهم من احوال المبدأ الحق سبحانه و تعالي خاصّة في معرفة التوحيد و هو علة الانتجاب و سرّ الانتخاب فلم‏يبلغ احد منهم صلّي اللّه عليهم ذلك الحرف و هذا سرّ اولية الاجابة بقابلية الاستفاضة و طواف الاسبوع حول جلال القدرة في ثمانين الف سنة من سني السرمد و هو القدم الذي استخلصه اللّه سبحانه فيه كماقال مولينا اميرالمؤمنين7 في خطبة يوم‏الغدير في وصف النبي9 استخلصه اللّه في القدم علي ساير الامم و اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و هذا القدم هو البحبوحة العليا و هي الازلية الثانية و القدم الثاني و هو صاحب الازلية الاولية علي الحقيقة الواقعية و اشار الي هذا الانتجاب بقوله الحق جلّ‏وعلا و اصطنعتك لنفسي لسرّ الاصطفاء فلمّا اصطنعه سبحانه لنفسه و اصطنع الاشياء كلها له صار هو9 علة للموجودات كلها و مجلي ظهور الواحدية و الوحدانية و الاحدية و الصمدية فالنفس علة و قطب له و هو علة و قطب للكاينات فالبحبوحة العليا كالقلب الذي هو القطب للقوي و المشاعر و المدارك و الالات و الاعصاب و العضلات و كالشمس للكواكب و الافلاك السبعة و فيماسواها كالشمس للاشعة و المقابل للصورة المنطبعة في المرءاة و قطبه9 هو النفس الذي اصطنع لها و هذا النفس هو المتجلي بالاحدية كما قال7 من عرف نفسه فقد عرف ربه.

و لمّا كان المتجلي انما يظهر بالتجلي فيكون التجلي انما يدور علي المتجلي و هو النفس فكان هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 254 *»

التجلي هو الكاف المستديرة علي نفسها و النفس هي نفس اللّه و الكاف هي كلمة اللّه و الاستدارة امداد و استمداد و افاضة و استفاضة و هذا هو حقيقة الانتجاب و معني قيامه مقام اللّه سبحانه في الانتساب.

و لمّا كان تلك النفس هي جلال القدرة التي كان يطوف حولها قبل خلق علي7 فلمّا خلق علي7 بقي يطوف حول جلال القدرة و هو9 يطوف حول جلال العظمة ظهرت تلك النفس في علي7 فكان هو نفس اللّه و نفس رسوله و ذات اللّه و ذات رسوله كما اشار اليه سبحانه و تعالي بقوله حكاية عن عيسي7 تعلم مافي نفسي و لااعلم مافي نفسك و لا شك ان هذه النفس ليست ذات اللّه سبحانه اذ ليس فيها شي‏ء لانها صمد فيكون هي النفس المخلوقة و قد صرّح مولينا الصادق7 بذلك في زيارة اميرالمؤمنين7 برواية صفوان السلام علي نفس اللّه القائمة فيه بالسنن و اما نفس رسوله صلي اللّه عليهما فكما قال سبحانه و تعالي و انفسنا و انفسكم و لا نزاع بيننا و بين مخالفينا ان المراد من النفس في هذه الاية الشريفة هو علي7 فهو7نفس رسول‏اللّه9 و اما ذات اللّه فكما في قوله7 في النفس الملكوتية الالهية هي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لم‏يشق ابداً و من جهلها ضلّ و غوي و اما ذات رسوله9 فلقوله7 انا محمّد و محمّد انا و قد اشار مولينا الباقر7 الي هذه الذات بقوله روحي فداه اخترعنا من نور ذاته و فوّض الينا امور عباده ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم و هذه الذات هي اميرالمؤمنين فان انوارهم سلام اللّه عليهم انما اخترعت من نوره7 كاختراع الحروف من الالف و هو سرّ عدم جواز تسميتهم باميرالمؤمنين و تلك الذات و تلك النفس انما كانت خاصّة بمحمّد9 و هو الاصل و المستقل فيهما و انما ظهرتا في علي7 لكونه حامل اللواء و مكلّم موسي في الشجرة انّي انا اللّه اي الظاهر لموسي بموسي بنوره7 و هو رجل من الكرّوبيين فتجلّي علي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 255 *»

7 لموسي في الشجرة عين تجلّي اللّه له فيها لان تجلي اللّه الاوّلي هو محمّد9 و علي7

هو نفس محمّد صلّي اللّه عليهما و الهما و مظهر اثاره و حامل لوائه و ذلك الرجل الذي هو واحد من الكروبيين هو عين تجلي علي7لموسي و ذلك الكروبي هو نفس موسي لقوله7 لاتحيط به الاوهام بل تجلي لها بها فافهم فاني اظهرت السر و لاتقل انه غلا بل و لعمري ذلك عين التقصير اماسمعت ماقال مولينا الصادق7 لمّا سئل عن الكروبيين قال7 قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم اللّه خلف العرش لو قسّم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم و لمّا سأل موسي ربه ماسأل امر رجلاً منهم فتجلي له بقدر سمّ الابرة فدكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً و اذا علمت ان التجلي للشي‏ء يمتنع الاّ ان‏يكون بنفس ذلك الشي‏ء يظهر لك صدق ماذكرنا فافهم راشداً مهديّاً موفّقاً.

فمحمّد9 هو المنتجب من البحبوحة العليا و هي الاسماء الحسني و الامثال العليا و الكبرياء و الالاء و العزّة و القدرة و الملك و السلطان فان الاشياء من الاكوان و الاعيان و مستجنّات غيوب الامكان انما تحقّقت بها و هي جهات الظهور المطلق كماقـال سيدالساجدين7 اللّهم يا ذا الملك المتأبّد بالخلود و السلطان الممتنع بغير جنود و لا اعوان و العزّ الباقي علي مرّ الدهور و خوالي الاعوام و مواضي الازمان و الايام عزّ سلطانك عزّاً لا حدّ له باوّلية و استعلي ملكك علواً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لم‏يبلغ ادني مااستأثرت به من ذلك اقصي نعت الناعتين و ذلك القيومية المطلقة و القطبية العامة الشاملة و المنتجب من تلك الالاء و الاسماء و الامثال هو اكرم الاسماء الي اللّه و احبّها اليه و اقربها منه وسيلة و اشرفها عنده منزلة و اجزلها لديه ثواباً و اسرعها في الامور اجابة و هو الاسم الاعظم الاعظم الاعظم و المنتجب من هذا الاسم هو الاسم المكنون المخزون الاعظم الاعزّ الاجلّ الاكرم الذي يحبّه و يهويه و هو الذكر الاجلّ الاعلي الاعلي الاعلي و هو مقام ذكر السجود في الصلوة و هذا هو الاسم المكنون المخزون الذي استقرّ في ظلّه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 256 *»

فلايخرج منه الي غيره فهو المنتجب من البحبوحة العليا او ان البحبوحة العليا هي الكلمة التامة التي انزجر لها العمق الاكبر و خضعت لها السموات و الارض و ركدت لها البحار و جرت بها الانهار و رست بها الجبال و تمّت بها الغدوّ و الاصال و هي الكلمات التي لايجاوزهنّ برّ و لا فاجر و هي الكلمات التي تلقّيها ادم من ربه و هي الكلمات التي ابتلي اللّه بها ابرهيم فاتمهنّ فصار اماماً و هي الكلمات التي لو انّ ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات‏اللّه و هي الكلم الطيب الذي يصعد الي اللّه سبحانه لا سواها و هي الكلمة الطيبة التي هي كالشجرة الطيبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها و هي كلمة اللّه العليا و هي كلمة واحدة مشتملة علي حروف كلّها كلمة مستقلة فالجمع باعتبار جعل كل حرف كلمة علي‏حدة و الافراد باعتبار جعل المجموع كلمة واحدة كما قال رسول‏اللّه9 انا الشجرة و علي اصلها و فاطمة فرعها و الائمة اغصانها فاطمة صلّي اللّه عليها هي تمام الكلمة و لذا كان اسمها الشريف الطاء مع كماليها الظهوري و الشعوري فالاول يستنطق «مه» و الثاني «فا» فعند الاجتماع صارت فاطمة3 و الطاء مجمع مراتب الاحاد و مظهر تمام المبادي في الاعداد من الكونية و الحرفية و كذلك هي صلوات اللّه عليها و قدصرّح اللّه سبحانه و تعالي بذلك في كتابه العزير بقوله حم والكتاب المبين انّا انزلناه في ليلة مباركة انا كنّا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم و فسّره الامام7 بالائمة الطاهرين الاربعة عشر المعصومين: فقال7 ان حم هو رسول‏اللّه9 و الكتاب المبين هو مولينا علي اميرالمؤمنين7 انا انزلناه يعني عليّاً7 في ليلة مباركة و هي فاطمة3لكون الليل منسوباً الي القمر و هو مربّي الصور و الهيئات و الحدود و التعيّنات و الحيوة التي هي الامّ مع انه بارد رطب كطبع المرأة و هي ليلة القدر التي هي خير من الف شهر و حرفها الهاء و قدظهرت في اخر اسمها3 فيها يفرق كل امر حكيم اي في فاطمة3 يمتاز كل امام حكيم بعد امام حكيم و باقي الائمة سلام

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 257 *»

اللّه عليهم حروف الكلمة علي تفاوت مراتبها فان الحروف تختلف بالشدة و الضعف و الجهر و الهمس و الاطباق و الانفتاح و الاستعلاء و التسفّل و تختلف في المراتب و الدرج و الدقايق و الثواني و الثوالث و الروابع و الخوامس وهكذا اختلاف مراتب تلك الحروف العاليات صلّي اللّه عليهم و علي اميرالمؤمنين7 هو الالف و النفس الرحماني الاوّلي و الثانوي و الثالثي و الرابعي وهكذا فتشعّبت تلك الحروف منه7 كتشعّب الاغصان من الشجرة فهو اميرهم و سيّدهم و مولاهم و فخرهم و شرفهم صلوات اللّه عليه و عليهم و محمّد رسول‏اللّه9 هو النقطة الحقيقية الدائرة عليها تلك الرحي و قدقال الشاعر:

قدطاشت النقطة في الدائرة و لم‏تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة
سمت علي الاسماء حتي لقد فوّضت الدنيا مع الاخرة

و تلك النقطة هي حجاب اللّه الاعظم المنتجبة المختارة المصطفاة من الالف المختار المرتضي من الحروف المختارة من الكلمة المختارة عن كل ماعداها بل لايقال للكلمة بالنسبة الي الدلالة و ماسواها من اثارها و افعالها و شئونها اختيار و انتجاب لان الوجود لاينتجب من العدم فافهم و لذا خصّ الامام7 الانتجاب في البحبوحة العليا اذ ليس لتلك البحبوحة بعضها مع البعض الاخر تأثير و فعل و انفعال و انما هو كالضوء من الضوء فالانتجاب يتحقق فيما اذا كان في صقع واحد و مقام غير متعدد لا في اصقاع مختلفة بحيث كل صقع يعدم عند الاخر و هذا الانتجاب انّما صار علة دوران رحي الكائنات عليه و لذا لقّب9 بالمصطفي فاذا اطلق لايراد به سواه كما لقّب علي7 بالمرتضي فاذا اطلق لايراد به سواه تفسيراً لقوله عزّوجلّ عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول و المرتضي من محمّد9 ليس الاّ علي7 و هذا الغيب الذي اظهره عليه7 هو الرسول الذي هو المصطفي و هو المنتجب في حجاب الغيب

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 258 *»

و هذا الاصطفاء انما نشأ من المحبة فالمحبوب هو المصطفي للمحبّ لا غير و المحبة الكاملة المطلقة سيّما المحبة الالهية المستدعية للاصطفاء لاتكون الاّ بميل المحبّ غراماً و محبة و صبابة و شغفاً الي جهة المحبوب فلايكون المحبوب محبوباً مطلقاً الاّ اذا كان محباً مطلقاً و لايكون المحب محبّاً صادقاً الاّ اذا كان محبوباً فصار الامر دوريّاً و لاتتمّ المحبة الكاملة الاّ اذا تخلّل المحب في كل جزئياته و اجزائه و قواه و مشاعره و يخلص عن كل ماسوي المحبوب فان بلغ مقاماً لايستدعي في قوام كونه و وجوده كما كان في وجدانه و شهوده سوي ذكر المحبوب فهو منتهي المقام في المحبة و غاية المني في المعرفة فهو لم‏يزل مع المحبوب مؤثراً كل ماسواه عليه في وجدانه و وجوده و احساسه و شهوده فان كان المحبوب باقياً ببقاء الابد فكذلك محبه لانه مصطفاه و مجتباه و لمّا كانت المحبة هي علة الخلق و الايجاد كما دلّ عليه فاحببت ان‏اعرف كانت المحبة اول ماظهر و وجد ولو كانت المحبة الالهية ليست ذاتية و انما هي خلقية كانت محبته عين محبوبه و ذلك اول ذكر الشي‏ء و كونه و المحبوب الثابت له المحبة لايكون كذلك الاّ اذا بلغ مقام المحبة و لاتصفو له المحبة الاّ اذا بلغ مقام تلك النقطة فهناك يكون محبوباً و محباً و محبة فاتّحدت الامور في عين الاختلاف و اختلف في عين الايتلاف فيبلغ حينئذ مقام فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلقَ الخاصَّ بذلك الخلق المحبّ للّه سبحانه.

و لمّا كان محمّد9 هو مبدأ الايجاد و علة الانوجاد تخلّلت في كلّه محبة اللّه سبحانه بحيث استغرق في بحر مشاهدة جمال المحبوب وجوداً و وجداناً و لذا قلنا انه من الوجود المطلق كما قـال سبحانه يكاد زيتها يضي‏ء ولو لم‏تمسسه نار فلايستدعي شيئاً سوي فعل الحق سبحانه في كينونة ذاته و وجوده فبلغ مقام المحبة بل مانزل عن مقامها مذ خلق صلوات اللّه عليه و اله فاحبّه اللّه سبحانه به فهو صلوات اللّه عليه و اله محبّ و محبوب و محبوب و محبّ و هو مقام فاحببت ان‏اعرف فلمّا بلغ نهاية المرتبة في المحبة و تعدّي فيها مقام النهاية و بلغ الي اللانهاية كما قـال عزّوجلّ ليس لمحبتي غاية و لا نهاية سمّي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 259 *»

9حبيب اللّه9 و هو اسم المبالغة في الفاعل و المفعول و الامران مرادان حقيقة و المبالغة لبيان تعدّيها طور النهاية و لذا ترانا نعدّ من اسماء الوجود /الوجود (زائد خ‏ل) المطلق الاختراع و الابتداع و عالم فاحببت ان‏اعرف و الحقيقة المحمّدية9 فلايراد اذا اطلق الحبيب الاّ هو9 فهو الحبيب علي الاطلاق بكل وجه و بكل معني مماسطرنا و مالم‏نسطر و مماعلمنا و مالم‏نعلم.

فلمّا صفت المحبة بحقايقها و كل مراتبها علي جهة الكمال له9 اختصّ بالعقل الفعّال كمايأتي ان شاء اللّه تعالي في قوله تعالي و لااكملتك الاّ فيمن احبّ و اختصّ ايضاً بالاصطفاء و الصفوة فكل مصطفي و صَفي فانما هو بفاضل اصطفائه و صفائه و بقدر قربه منه و هو و اهل بيته عليه و: عباد اللّه الذين اصطفي في قوله عزّوجلّ قل الحمد للّه و سلام علي عباده الذين اصطفي و اما قوله عزّوجلّ انّ اللّه اصطفي ادم و نوحاً و ال‏ابرهيم و ال‏عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض فان اريد به ادم الاول و نوح الاول و ابرهيم الاول و موسي الاول و عيسي الاول و الاولية الاجمالية او التفصيلية فصفي الامر و مرادي بالاجمال و التفصيل هو المبدء و المشتق فان الملائكة الكرّوبيين الذين قدتقدّم ذكرهم من انهم قوم من شيعة ال‏محمّد:عددهم عدد الانبياء و اسماؤهم اسماء الانبياء فان ذلك الرجل الذي تجلّي لموسي فخرّ موسي صعقاً اسمه موسي و اظنّ اني رأيت خبراً خاصاً ناصاً بماذكرت من التسمية و اما العمومات فكثيرة و هذا هو مقام التفصيل فيكون ذلك الرجل ادم الاول و الاخَر نوح الاول وهكذا و هؤلاء هي الصفوة الحقيقية لانهم مثال المصطفي الحقيقي الغير المشوب بشي‏ء من التعيّن و الغيرية بل هو نفس المثال مع قطع النظر عن الحدود و الاعراض و المثال ليس الاّ حكاية الممثّل (للممثّل خ‏ل) و وصفه و ايته و ليس الاّ بيانه و دليله فهو عين الصفوة و الاصطفاء و اما مقام الاجمال فسيأتي ان شاء اللّه شرح حقيقة الحال في قوله7 في هذه الخطبة المباركة انا موسي و انا عيسي و امثال ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 260 *»

فترقّب.

و ان اريد به الانبياء المعروفون علي نبينا و اله و عليهم سلام اللّه فانما اصطفاهم اللّه سبحانه لكونهم حملوا نوره و ادّوا امانته و ثبتوا علي المحبة و المودّة و عزموا علي العهد المأخوذ عليهم بالولاية و فرض الطاعة فجري فيهم ماقال سبحانه في الحديث القدسي يابن ادم اطعني اجعلك مثلي فافهم.

و اما ادم7 فهو و ان لم‏يعزم و نسي و لم‏نجد له عزماً لكنه لحمل ذلك النور الشعشعاني الذي اقتضي سجود الملائكة له بلغ مقام الاصطفاء بالتبعيّة و بالجملة فهو9 المصطفي و المنتجب لكونه حبيباً و لايصحّ اطلاق الاصطفاء و الانتجاب و الحبيبية علي الحقيقة و الاطلاق الاّ عليه9 و هذا الذي ذكرنا وجه من وجوه البواطن و اما مقتضي تلك البواطن من الظواهر فاعلم انه7 و جعلني اللّه فداه اراد ان‏يبيّن شرايط الرسالة و النبوة و الخلافة و صفاتها و احوالها و ان كلها علي كمال ماينبغي بل اشرف من ذلك و اتمّ و اكمل موجودة و ثابتة في نبيّنا9 و ذلك لان النبوة و الرسالة هي خلافة اللّه و القيام مقام اللّه سبحانه في التبليغ و الاداء اذ علي اللّه البيان و الايضاح بالحجة و البرهان علي جهة الفضل و الامتنان لانه خلق الخلق رحمة و تفضّلاً فلم‏يجعلهم في الحيرة و الضلالة لينقص ماخلق و يضيع مااوجد سبحانه سبحانه بل له الملك الكامل و الفعل التامّ الشامل و لمّا كان الحق سبحانه في الازل منزّهاً عن الاقتران و الحدوث و التنزل الي المقام الادني و ورود الاحوال بالاعمال و الاقوال و شرط الاداء و التبليغ ان‏يكون في مقام المبلّغ اليه والاّ لامتنع التبليغ و التأدية وجب ان‏يختصّ بذلك من عباده في عالم الامكان من يصلح للظهورات المختلفة و البروز بالتطورات (للتطورات خ‏ل) المتشتّتة و التقلب في الصور العديدة حيث ما اقتضت المصلحة من احوال الكينونة البشرية لان حكم اللّه سبحانه علي خلقه علي مقتضي صفاتهم الكلية و الجزئية والاّ فالذات من حيث هي هي لا حكم لها الاّ حكم الاذعان و الاقرار بالاحدية المطلقة و لم‏يتغيّر هذا الحكم و لم‏يتبدّل و اما الصفات و الاطوار فمن جهة انها مقتضي الحدود و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 261 *»

الصور فتختلف احكامها كماقال اللّه سبحانه ان اللّه لايغيّر مابقوم حتي يغيّروا ما بانفسهم و المبلّغ لو لم‏يظهر بتلك الصفة لماصـحّ التبليغ و امتنع التأدية فوجب ان‏يكون ذلك التبليغ (المبلّغ خ‏ل) ذائباً في ذاته غير منجمد علي صفة من الصفات و اعتبار من الاعتبارات و حيثية من الحيثيات والاّ لاختص بتلك الصفة و لاجري عليه حكماً فان كانت حسنة كاملة و لطيفتها زائدة يختصّ فيما فضـل من تلك اللطيفة بالتبليغ و التأدية الي المناسب لتلك الصفة حسب عمومها و خصوصها في مرتبة مقامها فيكون مبلّغاً جزئياً لا كلياً حقيقياً والاّ فيختصّ بنفسه و لايعمّ غيره. و اما المبلّغ الكلي فيجب ان‏يظهر في الوجود كعموم قدرة اللّه سبحانه و يكون متساوي النسبة مع كل الرعية في طبايعها و صفاتها و احوالها ليعطي كل ذي حـق حقه ممااودعه اللّه سبحانه في سرّه من مكنون علمه و لاتتساوي هذه النسبة الاّ اذا كان في ذاته معتدل الطبيعة و مستقيم البنية في الباطن و الظاهر بحيث لاتزيد طبيعة علي اخري لتغلب و يجري عليه حكم الطبيعة الغالبة كما في ساير الخلق بل تكون العناصر فيه متساوية النسبة و تكون له طبيعة خامسة غير الطبايع الاربع ليجري حكم كل طبيعة عند اقتضاء المصلحة لذلك بالعوارض الخارجة و لاتتساوي نسبة الطبايع الاّ اذا خلص و صفي و رقّ و لايكون هذا الخلوص و التصفية الاّ اذا كان نظره مقصوراً في عالم غير عالم الطبايع و المزج و التركيب اذ لو كان النظر مقصوراً عليه و لا شك انه عالم التضاد و الاختلاف و عدم الايتلاف فلابدّ من استيلاء احدها (احدهما خ‏ل) علي الاخر و اتيان حكم الغلبة لتحصيل المزاج و لذا تري الاطباء احالوا تساوي الطبايع في المركّب لقصر نظرهم الي عالم الكون و الفساد و عالم التركيب و التضاد و اما الذي نظره قاصر الي عالم البساطة و مقام اللانهاية و لم‏يزل مع الملك القهّار الجبّار المتكبّر المؤلّف بين المتعاديات و المفرّق بين المتؤالفات فيستولي عليه نور البهاء و الكبرياء و العظمة فيتألّف الطبايع و العناصر و القوي المتضادّة بحيث لا تغالب لبعضها علي بعض و لا تضاد في اظهار الاثر فيستوي الذئب و الغنم في المرعي و هو قوله عزّوجلّ مرج البحرين يلتقيان

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 262 *»

بينهما برزخ لايبغيان و هما الضدان الماء العذب الفرات و الماء المالح الاجاج فاختلطا فالحاجز من قدرة اللّه سبحانه منع احدهما علي (عن ظ) الغلب و البغي علي الاخر و الاخر عليه ليحصل من المجموع طبيعة اخري و طعم و لون اخر او تغلب احدي الطبيعتين و مثاله فيك موجود فانك تعصي و تطيع و انت مركّب من نور و ظلمة لكن ماغلب النور علي الظلمة في اصل التركيب لئلايمكن ان‏يصدر منه الطاعة في الوجود العيني و لا العكس لئلايمكن العكس كما ان العسل مايبرّد ابداً و ان كان فيه من الطبيعة المائية لكنها مغلوبة و الكافور مايسخّن ابداً و ان كان فيه من الطبيعة النارية و كذا ماامتزج النور و الظلمة بحيث يحدث عن اجتماعهما امر ثالث كتركيب الخلّ و العسل فيحصل من تركيبهما امر ثالث يخالف طبيعته و فعله و قوّته الجزئين لانه يقطع الصفراء بخلاف العسل فانه /يزيد مع (يزيده ح «حينئذ» ظ) ولو كان كذلك لوجب ان لايصدر من الانسان الاّ الطاعة المشوبة بالمعصية و المعصية المشوبة بالطاعة بل لاتكون طاعة لانها من اقتضاء النور و لاتكون معصية لانها من اقتضاء الظلمة بل يكون امراً ثالثاً لا طاعة و لا معصية و هو ممتنع في حقّ الانسان بل كل شي‏ء هذا صنع اللّه فاذا بلغت القدرة الي ان‏يبقي مع المزج و التركيب قوة الاجزاء علي ماهي عليه قبل التركيب و يتمّ التركيب بذلك بحيث يصدق علي المجموع اسم واحد و يحكم بحكم واحد و يجري عليه كل احكام الوحدة مع بقاء صرافة حكم الكثرات علي ماهي عليه من الاقتضاءات فبان‏يركب من الاجزاء المتساوية في الطبيعة و الوزن و التقدير الطبيعي احري و القدرة تتعلق عليه بالطريق الاولي فلا معني لانكار الاطباء ذلك نعم لمّا لم‏ينظروا الي جهة الربوبية و السلطنة الكاملة العامة عظم في نظرهم ذلك فصغّروا عظمة اللّه سبحانه فعلي ماقرّرنا وجب ان‏يكون المبلّغ الكلي في اكمل مقام اعتدال الطبيعة في كل المراتب من الاعتدال الحقيقي لا الاضافي و قدقلنـا ان ذلك لايكون الاّ اذا سطع عليه نور العظمة و الجلال و البهاء و يكون صاعداً مقام الاسماء الجزئية و الكلية فيتجلّي عليه نور البساطة و الوحدة الي ان‏تفني مقام الكثرة الوجودية و الوجدانية فيستولي عليه نور

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 263 *»

الجمال و جاء كماقـال الشاعر:

رقّ الزجاج و رقّت الخمر فتشابها و تشاكل الامر
فكأنّما خمر و لا قدح و كأنّما قدح و لا خمر

و يسبح في لجّة بحر الاحدية و طمطام يمّ الوحدانية فيحكي المثال فعند ذلك تكون الطبايع احديها عين الاخري تقول نار و ماء و هواء و تراب لكن كل واحد منها عين الاخر فالتراب هو الماء و الماء هو الهواء و الهواء هو النار و التعدد تعبيري لظهور اثارها في المراتب الكونية اي المبلّغ اليها و هذا كمال مقتضي العبودية فيتجلّي عليها احكام الربوبية فلايقال بشر لظهور احكام الربوبية فيه و لايقال ربّ تعالي عن ذلك لانه عبد مخلوق و نور مرزوق و قدقـال الشاعر:

ان قلته بشراً فالعقل يمنعني و اختشي اللّه من قولي هو اللّه

و هذا معني قوله تعالي في وصف الشجرة المباركة الزيتونة لا شرقية اي ليست بقديمة لانها حادثة مخلوقة مقترنة متطورة بالاطوار بل شجرة متفرّعة علي الغصون و الاصول و الاوراق و الاثمار و ليس هذا صفة القديم تعالي شأنه و لا غربية اي و لا حادثة لان الحادث مختلف متكثر متعددة (متعدد خ‏ل) جهاته و روابطه فانٍ هالك مضمحل و ليست هذه المذكورات صفة تلك الشجرة لانها وجه اللّه الذي لايهلك و يد اللّه التي لاتغلّ و لاتفني و نور اللّه الذي لايطفأ و عين اللّه الشاهدة علي الوري يكاد زيتها اي قابليتها للوجود يضيئ اي يظهر في عالم الكون لكمال الخلوص و الصفاء و عدم اقتضائها شرطاً و متمماً و مكملاً غير مصدره و موجده ولو لم‏تمسسه نار الايجاد و النار من تلك الشجرة و الزيت ايضاً من تلك الشجرة كما نـصّ عليه الحق سبحانه في كلامه العزيز و هذا هو مقام البرزخية الكبري و هو مقام فاعل الفعل (فعل خ‏ل) اللازم مع ان الفاعل معمول للفعل و الفعل عامل فيه و العامل اشرف من المعمول كمابيّنا فراجع و نبيّن ان شاء اللّه فترقب.

فلمّا استوت قابليته و اعتدلت طبيعته علي ماوصفنا لك ظهر في البحبوحة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 264 *»

الكبري العليا و انتجبه اللّه منها و هذا الظهور في هذا المقام ماتحقق الاّ بكمال العبودية و العبودية المطلقة تنافي الغفلة ولو يسيرة لانه في مقام الغفلة لايري لنفسه عبودية فضلاً عن المخالفة فوجب ان‏يكون معصوماً مطهّراً من الذنوب مبرّءً من العيوب من الظاهرية و الباطنية و السرّية و الجهرية و تمّت شهادة اللّه سبحانه له بذلك حيث قال و له من في السموات و الارض و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون و قوله تعالي عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم مابين ايديهم و ماخلفهم و لايشفعون الاّ لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون، و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين و الاصل في ذلك هو اعتدال الطبيعة و تصفية السريرة ففي المقام الاول الذي هو مقام النقطة الحقيقية المستديرة علي نفسها لا كلام خوفاً من فرعون و ملائهم و اما حال التنزل الي مقامات الارسال /و (زائد ظ) لمّا كانت المادة الالهية الاصلية في كمال النورانية و الصفاء فوق مقام الحد و الانتهاء ماغيّرتها الحدود و التعيّنات و الظهورات و استولت عليها اثارها فظهرت في كل عالم و كل مقام طيبة طاهرة حتي انتقلت الي الاصلاب و الارحام فحفظت بفاضل نورانيّته الاباء و الامّهات عن مخالفة الحق سبحانه لانه نور يطرد الظلمة بفاضل ظهوره و ان كان ظهوره بالظهور و اشراقه بالنور فكانت الطائفة المنسوبة اليه في كل زمان و اوان اشرف الطوايف لسريان ذلك النور اليها من جهة الانتساب فكانت اباؤه في عالم البشرية لاختلاص الصفوة البشرية المنسوبة الي النور المشرق من صبح الازل كلهم طيّبين طاهرين منزّهين عن كل دنس و رجس و من اهل التوحيد و التسليم للّه سبحانه لبقاء ذلك النور في الاصلاب اكثر و اشدّ و تخلّله في كل اجزائه و قواه و مشاعره و في الهضمات الاربعة فاثرت نورانية الجسد في الجسد و الروح المتعلق به في الروح و اما امهاته9 فبقدر حملهنّ اياه9 فهنّ معصومات بمقدار ذلك الزمان لاشراق النور الالهي عليهن و هو معني قوله7 في الزيارة اشهد انك كنت نوراً في

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 265 *»

الاصلاب الشامخة و الارحام المطهّرة لم‏تنجّسك الجاهلية بانجاسها و لم‏تلبسك من مدلهمّات ثيابها هـ حتي انتهت مراتب الاباء و الامّهات الظاهرية الي اشرف الطوائف و احسن القبائل اتفاقاً و اجماعاً من الناس فان العرب لم‏يزل اشرف من العجم من جهة النوع كمانبيّن ان شاء اللّه تعالي و اشرف طوائف العرب قريش كما هو الظاهر و لم‏تزل تفتخر قريش علي غيرها من الطوائف و هم لاينكرون ذلك حتي ان ابن ابي‏قحافة انما احتجّ عليهم و تقمّص بالخلافة علي انه من قريش فلايترأس عليها احد و اشرف طوائف قريش بنو هاشم و عبداللّه و ابوطالب من سادة بني عبدالمطلب كما هو المعلوم المذكور في كتب السير و التواريخ فهذه هي البحبوحة الكبري العليا و لذا قال مولينا الرضا7 في وصف الامام7 لايسبقهم احد في نسب و لايدانيهم في حسب البيت من قريش و الذروة من هاشم و العترة من الرسول9 و الرضا من اللّه عزّوجلّ شرف الاشراف و الفرع من بني عبدمناف فلمّا انتجب الرسول9 من هذه الطايفة الشريفة في عالم البشرية الظاهرية (الظاهرة خ‏ل) قطع حجة كل محتجّ و ظهر بالحجة البالغة اذ لم‏يقدروا علي انكاره بالحسب و لا بالنسب و لا بالشرافة و لا بالسيادة و لا بالطهارة لم‏يعرفوا كمالاً الاّ و قدوجـدوا عنده9 اعلاه و اسناه و لم‏يتخيّلوا مقاماً الاّ و قدوجـدوا عنده اقصاه فعرفوا انه خليفة اللّه فلم‏يبق لهم الاّ الاقرار به او الانكار له بعد المعرفة و الجحود بعد العلم قال اللّه تعالي يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها و اكثرهم الكافرون و قال عزّوجلّ و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم ظلماً و علوّاً بخلاف ما اذا كان يعصي او (و خ‏ل) لايكون من الذروة الاعلي بل يكون من اللئام الاراذل فانه حينئذ يكون الحجة عليه للعارف و الجاهل اما الجاهل فانه اذا وجد انه من اللئام و ليس من الطائفة الكرام تشمئزّ نفسه و تنبو طبيعته عن الاقرار به و الانقياد له و الاعتراف بالرقّية و العبودية و الطاعة له و يشقّ عليه انقياد ماهو في الحسب و النسب اشرف منه و هذا يبعده في اول الامر عن الانقياد و كذلك اذا رأيه يعصي في صغره او كبره قبل نبوته او

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 266 *»

بعد نبوته لم‏تطمئن نفسه عليه و لم‏يركن لقبول قوله و الاعتقاد بمايخبر عن ربه و سكون القلب عند اقواله و افعاله اذ له مناسبة مع الشيطان فلم‏يأمن من ان‏يتسلّط عليه و يفسد عليه امره و دينه و ايمانه و اتل عليهم نبأ الذي اتيناه اياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الي الارض و اتبع هويه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث /ذلك (زائد خ‏ل).

و له ان‏يقول لو ان اللّه سبحانه جعل النبوة و الرسالة في طائفة شريفة طيّبة طاهرة معروفة بالخير و الصلاح و السؤدد و الشرف و في رجل طيّب طاهر معصوم منزّه عن القبايح و الفواحش ماظهر منها و مابطن كان احسن و اوفق بالقبول و احري بالصواب و السداد و لا شك ان ذلك امر ممكن و اللّه سبحانه قادر عليه فلايعدل عما هو الاحسن الي الحسن لو فرضنا ذلك حتي لايقال لو كان كذا لكان احسن و كان في الواقع احسن و لم‏يكن هنا مانع اقوي الاّ لعاجز تعالي اللّه عن ذلك علواً كبيراً فدلّ علي ان الذي يدّعي النبوة او الولاية او الخلافة و هو يعصي او كان كذلك او يكون من ارذل الطوايف و اخسّها كاذب في دعواه مفترٍ في مدّعاه ليس مبعوثاً من الاله الحي القيّوم المنزّه عن كل نقص و وصمة و عيب و رسوله وجهه و جهته و دليله فلو كان ناقصاً ولو كان بوجه من الوجوه لدلّ علي نقصان ذي الوجه سبحانه و تعالي عمايقولون علواً كبيراً.

و اما العارف الناظر بنور اللّه المستدلّ بدليل الحكمة فيقطع بانّ الرئيس في التبليغ هو الرئيس في التكوين و الايجاد و هو كان مبلّغاً و مترجماً للوحي الوجودي في العالم الاول الي ان ظهرت الصفات و تكثرت الشئون و الاضافات فاقتضي كمال الصنع و الايجاد التكليف و التبليغ الوصفي (التوصيفي خ‏ل) و الظاهر عنوان الباطن و الصورة مثال الحقيقة ماتري في خلق الرحمن من تفاوت.

فلمّا كان الامر كذلك وجب ان‏يكون ذلك المبلّغ في كمال مرتبة النورانية و تكون نسبته الي رعيته نسبة السراج الي الاشعة فهو منزّه عن كل النقايص و الرذايل و الكدورات التي في الرعية بل عين كمالات الرعية و نورانيتهم هو بلوغهم مقام النور الالهي الظاهر فيهم المشرق من انّية الانبياء فاين توصف الانبياء بالنقايص

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 267 *»

الموجودة في رتبتهم و ذلك النبي اذا تنزّل بنوره و ظهوره في المراتب النازلة لتتميم الرعية و تكميلهم و تبليغهم الي غاياتهم و نهايات كمالهم فهو في كمال النورانية فيطهر اباؤه و امّهاته و قبيلته و طوايفه و كل من ينتسب اليه في الجنس و النوع عن الرذائل و الدناءات و الكدورات و الكثافات بفاضل نورانيته كماعرفـت انفاً.

و مثل النبي الوصي لان حكمها واحد و امرهما واحد و مقتضاهما واحد فاذا وجد احدهما او كلاهما من الطائفة الغير المعروفة او اللئيمة و الدنيّة او انهما او احدهما يعصي مثل سائر رعاياه في مقام البشرية بما هو معصية للرعية يقطع بانه كاذب لئيم و مفترٍ خبيث لان الاثر يدلّ علي المؤثر و اليه اشار ابن ابي‏الحديد في قصيدته الي ان قال:

فتي لم‏يعرّق فيه تيم بن مرة و لا عبد اللات الخبيثة اعصرا
و ماكان معزولاً غداة برائة و لا عن صلوة امّ فيها فاخّرا
و ماكان يوم الغار يهفو جنانه حذاراً و لا يوم العريش تستّرا

القصيدة.

(1) اين قسمت در نسخه خطي بود و در نسخه سنگي نبود.؟

([2]) انما قلنا بعض احكامها لانه في كل ان مستمد من مدد القدر و مقابل لفوارة النور التي تفور من بحر الامكان الي خليج الاكوان. منــه

([3]) اي حمد اللّه. منـه

([4]) قدقابلنا هذا الحديث الشريف مع اصله.

([5]) قوله تعالي ان الذين توفّاهم الملائكة ظالمي انفسهم حيث بقوا في مقام الجهل و الظن او العدول عن الامام بالحق او الميل الي المخالفين او النظر في كتب اهل الضلالة من مصنفات الاعداء قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض حيث حجبنا القيوم الغيوم (ظ) و ادركنا الظلام و لم‏ينصر (لم‏ننصر ظ) و انسد علينا باب الفتح قالوا الم‏تكن ارض اللّه واسعة فتهاجروا فيها و الارض الواسعة هي العلوم المستنبطة عن اهل بيت العصمة و الطهارة من تأييداتهم و تسديداتهم و اشاراتهم و تلويحاتهم حيث مااجروها في لغاتهم و كل من طلبهم وجدهم لانهم قالوا لنا مع كل ولي اذن سامعة فانقطع العذر و بطلت الحجة ثم جازاهم اللّه بسوء اعمالهم التي هي مخالفة امامهم و العمي عن نوره فقال تعالي اولئك مأويهم جهنم و ساءت مصيراً ثم استثني عن هؤلاء المستضعفين الذين ماعرفوا و ماتنبهوا و لم‏يجدوا ملجأً الاّ ما هو المعروف عند الجمهور فقال تعالي الاّ المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لايستطيعون حيلة و لايهتدون سبيلاً حيث ان الظلمة قداحاطت بهم فضيعوا الطريق و لم‏يجدوا الدليل و لم‏يهتدوا الي السبيل فوقفوا حياري و بقوا في قيد الظن و الجهل اساري فاولئك عسي اللّه ان‏يعفو عنهم لقصورهم لا لتقصيرهم و كان اللّه عفواً غفوراً ثم اشار الحق سبحانه الي المنافع المترتبة علي الخروج من تلك الوادي و السير الي القري التي بارك اللّه فيها و قال تعالي و من يهاجر في سبيل اللّه يجد في الارض مراغماً كثيراً و سعة من العلوم و الانوار و مشاهدة الاشياء كماهي و الاستبصار في امر دينه و مقابلته لنور الشمس مصفي عن الكدورات و منزهاً عن الدناءات و معرفة اقتضاء الكينونات و تباين الاقتضاءات ثم لمّا كان المقام لغير المعصوم7 و لايأمن من الخطاء و ان قلّ و ندر اشار الحق سبحانه الي حكمهم و حالهم عند الخطأ بقوله تعالي و من يخرج من بيته مهاجراً الي اللّه و رسوله ثم يدركه الموت الذي هو الجهل في الخطاء و الحكم بماخالف الواقع و عدم مقابلته للنور الذي طبعه طبع الحيوة قال تعالي أفمن كان ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً يمشي ففاقد النور علي طبيعة الموت فقدوقع اجره علي اللّه الي اللّه تعالي بفعله و فضله و كرمه جابر الكسر و متمم النقصان و كان اللّه غفوراً رحيماً و هذا الذي ذكرنا هو المستخرج من كلمات اهل العصمة: ان افتريته فعلي اجرامي و انا بري‏ء مماتجرمون. منــه ره

([6]) اي سماء العقل حين تلون. منـه

([7])  اي لا فعلاً و لا قوة. منـه

([8]) اشارة الي العتيق منه اليه. منـه

([9]) في القرءان: و يوم تشقق السماء بالغمام و نزل الملائكة تنزيلاً. الناشر

([10]) جمله «و هو العلي العظيم» آخر آية الكرسي است و آخر آيه مذكوره «هم فيها خالدون» مي‏باشد. ناشر

([11]) الاعراف 46 : و علي الاعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم و نادوا اصحاب الجنة . . . . . . . . . . . الاعراف 48 : و نادي اصحاب الاعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا مااغني عنكم جمعكم و ماكنتم تستكبرون.

([12]) مالم يكن حلواً و لا حامضاً و لا مرّاً فهو تفه. ناشر

([13]) في القرءان قدانزل الله اليكم ذكراً رسولاً.

([14]) في القرءان: و اذكر اسم ربك بكرة و اصيلاً.