06-01 جواهر الحکم المجلد السادس ـ المجلد الثاني من كتاب شرح الخطبة الطتنجية ـ مقابله – الجزء الاول

المجلد الثانی من کتاب شرح الخطبة الطتنجیة – الجزء الاول

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 9 *»

قال عليه‏الصلوة و السلام: «رأيت اللّه و الفردوس رأي‏العين و هو في البحر السابع يجري فيه الفلك في ذخاخيره النجوم و الفلك و الحبك.»

اعلم انّ في هذا الكلام اشارات كثيرة و اسرار غريبة نشير الي بعض وجوهها فنقول: لمّا اشار7 الي مقام البيان اي التوحيد التكويني التأسيسي الثابت له دون كلّ ذرات الوجود المشاراليه بقوله عزّوجلّ خلق الانسان علّمه البيان و قد قال7 اما البيان فهو ان‏تعرف انّ اللّه واحد ليس كمثله شي‏ء فتعبده و لاتشرك به شيئاً و ذلك هو مقام الاعراف الاصل لكلّ معرفة كماقال7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و هذا هو اعلي المقامات و اسني الدرجات الثابتة لهم: كما تقدّمت الاشارة اليها في قوله7 و ارسله في العرب العرباء.

و بالجملة لمّا اشار اليه بقوله7 انا الامل و المأمول و اشار الي مقام المعاني بقوله7 انا الواقف علي الطتنجين علي احد التفاسير المتقدّمة لكونه مقام المصدر الواقف بين مقام الفاعل و مقام المفعول فالمصدر /حينئذ (زائد خ‏ل) له جهتان و له ركنان و هما متقوّمان به تقوّم عضد و ركن كما هو المذكور في محلّه و اشار الي مقام الابواب بقوله7 انا الناظر في المغربين و المشرقين نظر التدبير و الاحاطة علي حدّ ماقال عزّوجلّ و ماكنّا عن الخلق غافلين فهو7 باب الافاضة و الاستفاضة اراد7 ان‏يشير الي مقام الامام و مقام حجة اللّه علي الخلق (الانام خ‏ل) و مقام انما انا بشر مثلكم فاراد ان‏يبيّن الجهة العليا من الاحاطة (الامامة خ‏ل) و شرايط الامام و صفاته و احواله و الامور اللازمة له حتي يكون بذلك رئيساً علي كلّ الخلق من اهل المشرق و المغرب بل الدنيا و الاخرة فمن الشرايط اللازمة ان‏يكون قاطعاً مسافة الاسفار الاربعة اي يكون عند ماقال اللّه عزّوجلّ له اقبـل ممتثلاً لقوله عزّوجلّ غير ناكل و لا مساهل (ساهل خ‏ل) و لا واقف حتي يقطع المقامات التحتية التكوينية فاذا بلغ حدّ التميز و الرشد لم‏يقف بالميل الي الشهوات و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 10 *»

متابعة اللّذات بل يكون سايراً الي خالق البريّات و عاملاً بقوله عزّوجلّ و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون الي ان‏يقطع مسافة النهاية و وصل في سيره الي ما لانهاية له فاذا وصل هذا المقام فهو نهاية السفر الاول الذي هو السفر من الخلق الي الحقّ فلمّا خرق حجاب الحدود (/و خ‏ل) وصل الي مقام الشهود و هو مبدء السفر الثاني الذي هو السفر في الحقّ بالحقّ فهناك يري اللّه برأي العين و هي العين التي جعلها اللّه سبحانه في العبد ليشاهد بها ظهوره لا ذاته فانها هي المجهول المطلق و الغيب الذي لايدرك ولكن اللّه عزّوجلّ لمّا كان ازليّاً انقطع الممكن عنه و عن معرفته وصف نفسه لهم بهم فلمّا كان وصفه لايشبه وصف المخلوقين لانه ليس كمثله شي‏ء فيجب ان‏يعطيهم مشعراً و عيناً يدركون بها ذلك الوصف خاصة فان القوي المدركة لابدّ ان‏تكون بينها و بين مدركاتها مناسبة ليصحّ الادراك بل الادراك ليس الاّ وقوع المدرَك (بفتح الراء) في المدرِك (بالكسر) اي ظهور المدرك له و ذلك الظهور ليس الاّ عين ماعند المدرك علي المراتب كلّها فلايصح ان‏يكون المدرك مبايناً للمدرك والاّ لم‏يقع الادراك فوجب ان‏يكون بين العين التي تدرك ظهور الحقّ سبحانه و معرفته و العين التي تدرك ظهور المخلوقين (المخلوق خ‏ل) تمييزاً كاملاً مطلقاً والاّ لعرف اللّه بصفات المخلوقين لان تلك القوة محدودة لاينطبع فيها و لاينعكس عنها الاّ محدوداً كما قال مولاي اميرالمؤمنين7 انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فاذا وجب التمييز وجب ان لايكون تلك القوة محدودة بالحدود الخلقية التمييزية لان كلّ محدود كماذكرنا لايقع فيه الاّ محدود كالمرءاة السوداء فان كلّ‏مايقع فيها يكون اسود و لمّا كان ظهور الحق للخلق ليس ظهور المساوي للمساوي و لا السافل للعالي و انما هو ظهور العالي للسافل و ظهور العالي للسافل ليس الاّ عين السافل و كان وصف العالي نفسه للسافل هو ظهوره له به فنفس العالي للسافل هو ظهور العالي الذي هو نفس السافل فكانت حقيقة ذات الخلق هي عين وصف معرفة الحقّ سبحانه للخلق بالخلق و هو شهادة الحقّ للخلق و لذا قال7

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 11 *»

من عرف نفسه فقدعـرف ربه، اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه و في الانجيل يا انسان اعرف نفسك تعرف ربّك ظاهرك للفناء و باطنك انا و «انا» ظهور الذات بالكلام المتفرد و هو قوله تعالي لموسي اني انا اللّه رب العالمين و الظهور الخاصّ غير الظهور المطلق و الظهور المطلق غير الذات فالنفس هي عين ظهور اللّه و هي عين وصف اللّه لكن بشرط ان لاتلاحظ معها امراً اخر او تستشعر بان هنا امراً اخر يجب عدم النظر اليه كما قال7 لكميل كشف سبحات الجلال من غير اشارة الجلال هو تلك النفس التي قديطلق عليها روح‏اللّه و كينونة اللّه كما في الكافي في احاديث الطينة فيماخاطب اللّه عزّوجلّ به ادم يا ادم بروحي نطقت و بضعف قوّتك تكلّفت ماليس لك به علم و قال عزّوجلّ فيه له روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي و هذه الروح و هذه الكينونة هي ماوصـف اللّه سبحانه نفسه بظهوره له به و السبحات عبارة عن الحدود و التعلّقات لانها انوار و حجب عن مشاهدة تلك العين و كشف السبحات عبارة عن سلب الحدود و الحجب عن وجدانه لا عن وجوده لان ذلك مستحيل و هذا لايكون الاّ بعدم الاشارة لان الاشارة من الوجدان و الحجب فاذا ازال تلك الحدود يظهر له الجبّار بصفة الجلال و يتجلّي له من نور الجمال بقدر سمّ الابرة فيفني في ذلك النور عند ملاحظة ذلك الظهور فيندكّ جبل انّيّته و لم‏يقدر علي الاستمساك فيقع مغشيّاً عليه تحت العرش و يبقي في هذا المقام الي ماشاءاللّه و هذا نور حادث قدخلقه اللّه بفعله و امسكه بظلّه و جعله وجهاً و ايةً لتعريفه و توصيفه بحيث لا فرق بينه و بينه في المعرفة الاّ انه عبده و خلقه فتقه و رتقه بيده عوده اليه كما كان بدؤه منه و اليه الاشارة بقول اميرالمؤمنين7 ارشاداً للمسترشدين في بيانه انه نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره هـ صبح‏الازل هو الفعل لانه اوّل ظهور شمس‏الازل التي هي التعبير عن الذات الظاهرة بالمقامات و العلامات و هذا النور انما اشرق و حدث من الفعل لكنّه حكاية عدم استقلاليّة الفعل و كونه اثراً للغير و مستنداً الي الغير كالضارب المشتق من ضرب المعمول له و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 12 *»

الاشتقاق و المعمولية دليل الفرعية مع انك حين ذكرك للضارب لاتذكر الفعل ابداً و انما تذكر الذات الظاهرة بالضرب الذي هو نفس الضرب فان حقيقة ذات ضارب من حيث هي لا من حيث ضارب غيب لايدرك و لايوصف و لاينعت فثبت للمؤمن الممتحن ان ذلك النور الذي هو عين و بصر يدرك و يعرف بها اللّه سبحانه حادث لايقع الاّ علي حادث و هو قوله7 انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته و قوله7رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و عمي القلب عن الفهم و الفهم عن الادراك و الادراك عن الاستنباط و هجم له الفحص عن العجز و البيان عن (علي خ‏ل) الفقد و الجهد علي اليأس الحديث فمن زعم ان ذات اللّه تنكشف لاحد و ان اللّه يتجلّي لعبد بذاته فقد كذب و افتري و ضلّ و غوي تكاد السموات يتفطّرن منه و تنشقّ الارض و تخرّ الجبال هدّاً لان الذي ينكشف له حقيقة الشي‏ء لايكون الاّ عين ذلك المنكشف او اعلي منه تعالي ربّي عن ذلك علواً كبيراً فلو كان الحقّ عين الخلق و ليس كذلك لزمه الاقتران و الاجتماع و الحركة و السكون و التركيب و الفقر و الحاجة تعالي ربّي عن ذلك علواً كبيراً و قدشرحت تفصيل الامر في هذه المسألة في تفسيرنا علي اية الكرسي فليس الخلق الاّ ظهور الحقّ و هذا الظهور اذا نظرت اليه قبل الاقتران بالحدود ينبئ عن الظاهر بذلك الظهور و مع الاقتران لاينبئ فكل قوّة و مدرك فيه جهة الغير لايعرف و لايري به اللّه عزّوجلّ فالعقل و مادونه من المشاعر لايعرف بها اللّه بل انما يعرف الحقّ عزّوجلّ بعين الفؤاد الذي هو وجه‏اللّه للخلق بالخلق و هو النفس و في هذا المقام تتّحد المقامات.

و اياك و اسم العامريّة انّني   اغار عليها من فم المتكلم

و هذه الرؤية هي باللّه لان العبد انما عرفه بظهوره له به في اعلي مقامات ذاته و هذا (هو خ‏ل) معني قول اميرالمؤمنين7 يا من دلّ علي ذاته بذاته و يريد7 بالذات /هي (زائد ظ) الذات الظاهرة للخلق لا الذات البحت فان الطريق اليها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 13 *»

مسدود كما صـرّح7 و هو ضروري الدين فالذات المدلول عليها هو الذات الظاهرة و تلك الذات هي عين الظهور الذي للسافل و ذلك الظهور هو عين السافل فنظر الحقّ الي الخلق بماظهـر لهم به و نظر الخلق الي الحقّ بماظهـر لهم به و هو قول الشاعر:

كلانا ناظر قمراً ولكن   رأيت بعينها و رأت بعيني

و قال ايضاً:

اعارته طرفاً رأها به    فكان البصير بها طرفها

فاذا اردت ان‏تعرف ذلك انظر الي الصورة التي في المرءاة فان المقابل انما ظهر لها بها لا بصورة اخري لا بذاته لاستحالة ان‏تكون الصورة عين المقابل فتصف الصورة المقابل بالاوصاف الموجودة فيها لا من حيث هي و انما هي من حيث ظهور المقابل لها بها فافهم والاّ فاسلم تسلم و هذا معني قول الصادق7 اعرفوا اللّه باللّه و قوله7 ان اللّه اجلّ ان‏يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به و امثال ذلك من الاخبار المتكثرة قال مولينا الحسين7 في دعاء عرفة علي مارواه السيد في الاقبال يا من استوي برحمانيته علي العرش فصار العرش غيباً في رحمانيته كما صارت العوالم غيباً في عرشه محقت الاثار بالاثار و محوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار فقوله7 محقت الاثار اه اشارة الي ماقال ابوه الطيّب الطاهر جذب الاحدية لصفة التوحيد هـ فالاحدية الجاذبة هي الاثر الذي يمحق الاثر و الاثار هي صفة التوحيد و هي سبحات الجلال و هي الوصف الذي رجع الي الوصف الذي هي الاحدية التي هي النور المشرق من صبح‏الازل و هذه الرؤية هي المرادة في الاخبار و الايات و كلام العلماء الاخيار من الفرقة المحقّة دون الصوفية الاشرار و في مناجات سيدالساجدين7 و رؤيتك حاجتي و وصلك منيتي (مني نفسي خ‏ل) و قال عزّوجلّ وجوه يومئذ ناضرة الي ربها ناظرة كماقال عزّوجلّ فلمّا تجلّي ربه للجبل جعله دكّاً و خرّ موسي صعقاً و اليه اشار اميرالمؤمنين7 في قوله لم‏اعبد رباً لم‏اره و قال7 لم‏تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 14 *»

بحقايق الايمان.

فالسالك (و السالك خ‏ل) في السفر الثاني الذي هو السفر في الحقّ بالحقّ له مقامات و منازل و مواقف: منها مقام التوحيد ففي هذا المقام يري اللّه الظاهر له به وحده بنفي الصفات و الظهورات كما قال7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه ففي هذا المقام لايري الموحّد نفسه و لا غيره و لا رابطة و لا نسبة و لا صفة و لا اضافة و لا حكم و لا امر و لا نهي لانه واقف في مقام صرف الظهور و قد طلع له الصبح المستدعي لاطفاء سرج الحواس و القوي و المشاعر كما قال7 اطفأ السراج فقد طلع الصبح فهذه هي الرؤية الحقيقية الممكنة في حقّ الممكن.

و الراءون في هذه الرؤية مختلفون: منهم من يرون ذلك الظهور و يشاهدون ذلك النور بغير واسطة انفسهم التي هي صرف الظهور المطلق و هم اول التعيّن و اول المرايا لاشراق نور شمس‏الازل الظاهرة في صبح‏الازل عليها و اوّل الحاكين و اول الرائين و هم الحجب الاولي الشاهدون من غير حجاب و هم محمّد و اله صلّي اللّه عليهم و لهم مقامات فيه و لذا قال النبي9 يا علي ماعرف اللّه الاّ انا و انت و ماعرفني الاّ اللّه و انت و ماعرفك الاّ اللّه و انا و لقد تجلّي اللّه عزّوجلّ فيهم بمالايسعه ممكن من الممكنات و لايطيق احد له و لايقابله سواهم الاّ و قداحترق و هم الحجب الاعلي و المثل الاعلي و الكلمة العليا و نور اللّه في الوري و هذه الرؤية هي رؤية اميرالمؤمنين7 و هي المرادة في (من خ‏ل) قوله7 رأيت اللّه و قوله7 مارأيت شيئا الاّ و رأيت اللّه قبله او معه.

و منهم من يرون ذلك الظهور بواسطة مرءاة اخري لانهم ماقابلوا الاّ تلك المرءاة المنطبع فيها ظهور المقابل فحكت المرءاة الاخيرة ذلك الظهور و المرءاة بجميعها فلايمكنهم الظهور الحاصل للاوّلين ابداً لكون رتبتهم تحت ذلك و هذا المقام منازل الكروبيّين الذين تجلّي اللّه لموسي بهم و هم قوم من شيعة ال‏محمّد صلّي اللّه عليه و عليهم جعلهم اللّه خلف العرش لو قسّم نور واحد منهم علي اهل الارض

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 15 *»

لكفاهم و لمّا سأل موسي ربه ماسأل امر رجلاً منهم فتجلّي له بقدر سمّ الابرة فدكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً علي مارواه عن الصادق7 في بصائرالدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار فتوحيد هؤلاء شرك بالنسبة الي توحيد الاوّلين و كمال و توحيد و اسلام بالنسبة الي رتبة مقامهم كما ان توحيد الاوّلين بالنسبة الي ذات اللّه عزّوجلّ كفر و شرك لكن ذلك عين توحيد ماظهر لهم و ذلك مقدار العين الموجودة المودعة عندهم انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها اي انزل من سماء المتجلّي ماء التجلّي فسالت اودية القوابل بقدرها فصارت كلّ واحدة تخبر عن الماء اي ماء الظهور لا ذات البحت تعالي و تقدّس بقدر مافيها.

و منهم من في الرتبة الثالثة فيرون ذلك الظهور بواسطتين وهكذا تتكثر المرايا و الصور و الوجوه حتي تضعف الرؤية لضعف العين المدركة الي ان‏تزعم و تري ان للّه زبانيتين وهكذا ساير المراتب و الموجودات في جميع انحائها يرون الحقّ و يشاهدونه الاّ انهم في مقامهم علي مابيّنت لك فتفهّم.

و منها مقام الاسماء و الصفات و جهات الروابط و التعلقات و له فيه مقامات و مواقف يسير فيها: منها مقام الاسماء القدسية التنزيهية كالقدوس و السبحان و العزيز و العلي و امثال ذلك فيسير في هذا المقام الي الفناء و الاضمحلال و عدم مشاهدة ذاته و فناء الاشياء و استهلاكها و ظهور كلّ شي‏ء هالك الاّ وجهه و في هذا المقام اغلب مقامات الادعية و المناجات كقول سيدالشهداء روحي له الفداء و7 أيكون لغيرك من الظهور ماليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدلّ عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصل اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً و خسرت صفقة عبد لم‏تجعل له من حبك نصيباً تعرّفت الي في كل شي‏ء فرأيتك ظاهراً في كل شي‏ء و قول مولينا علي‏بن‏الحسين7 و ان كل معبود ممادون عرشك الي قرار ارضك السابعة السفلي باطل مضمحل ماعدا وجهك الكريم و امثال ذلك من الادعية و الكلمات و الاشارات و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 16 *»

العبارات.

و منها مقام اسماء الاضافة كالعالم و السميع و البصير و القادر و القيّوم و امثال ذلك.

و منها مقام اسماء الافعال كالخالق و الرازق و المحيي و المميت و امثال ذلك و له في هذه المقامات سير و سفر و سلوك يطول الكلام بذكر الاحوال المقتضية.

و منها مقام العظمة و الجلال و الكبرياء و البهاء و النور و الجمال و الرحمة و القدرة و الارادة و المحبة و امثال ذلك و هذا السير يحصل له اذا بلغ رتبة المعاني فتظهر فيه هذه المباني (المعاني خ‏ل) بل هو في تلك الحالة عينها علي مقتضي حالها من الكلية و الجزئية فالعظمة عظمتان و كذا الجلال و الجمال و غيرهما كما في الدعاء اللّهم اني اسألك من بهائك بابهاه و كلّ بهائك بهي اللّهم اني اسألك ببهائك كلّه فالعظمة الكلية كما اشار اليها اللّه عزّوجلّ و هو العلي العظيم و اما الجزئية فنور تلك العظمة الساري في كلّ اقطار الوجود فكلّ موجود من الموجودات له مقام يحكي عظمة اللّه و مقام يحكي جلال اللّه و جماله و كبرياءه و هذه الحكاية هي عين وجه ذلك الكلّي فاذا سافر يصل في مقام سيره الي هذا المقام و هذا المقام اوّل منزل السفر الثاني و مبدؤه ثم يسير منه الي مقام الاسماء اوّل مراتبها اسماء الافعال ثاني مراتبها اسماء الاضافة ثالث مراتبها اسماء القدس و هي اخر منزل الاسماء ثم يسير منه الي مقام التوحيد و محل التفريد و موضع التجريد و له فيه مقامات كثيرة و هو نهايات السفر الثاني و هو المنزل المقصود لذاته و نحن عكسنا الترتيب في البيان ملاحظاً لمقام النزول الاشرف فالاشرف و اما الصعود فبعكس النزول فهو من الادني الي الاعلي فافهم ان شاءاللّه تعالي.

و للسالكين الواصلين الي هذه المقامات مراتب و درجات و مشاهدات حسب مابيّناه في مقام التوحيد فاعظم المشاهدين و اشرف الواصلين في اعلي مقامات هذه المقامات هو سيّدنا و مولينا اميرالمؤمنين مع اخيه و زوجته و ابنائه سلام‏اللّه عليهم اجمعين الي يوم الدين و ليس قولي اشرف الواصلين بافعل التفضيل حتي يتوهّم شركة الغير معه7 في هذا الوصول و انما هو كما قال عزّوجلّ احسن الخالقين و خير الرازقين والاّ فليس معهم في صقعهم احد كما قال مولينا الصادق7 و ليس في مثل الذي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 17 *»

خلقنا منه لاحد نصيب فعلي اميرالمؤمنين7 هو مشاهد الاسماء و الواقف عليها و الصاعد الي درجاتها و مقاماتها.

و لمّا كانت الاسماء كلها مستقهرة تحت هيمنة اسم اللّه عزّوجلّ فاللّه هو اسم جامع لكلّ الاسماء و الاضافات و الصفات فخصّ7 ذلك الاسم المبارك فقال7 رأيت اللّه فان الالوهية الظاهرة في محمّد الظاهرة في علي8 هي الالوهية المطلقة المشتقّة من اسم اللّه او اسم اللّه مشتق منها و قائم بها قيام تحقّق لا قيام صدور كقيام الضارب بالضرب هي اعلا مقامات الالوهية و ليست لها رتبة في الوجود اعظم منها و هذه‏الرؤية هي الرؤية في مقام الاسماء لا في مقام المسمي و هي دون رؤية التوحيد الذي فصّلت لك سابقاً.

فمعني انّي رأيت اللّه كقولك اني رأيت قائماً فان القائم ليس هو عين زيد و انما هو ظهور زيد بالقيام و هذا الظهور قائم بالفعل الذي هو نفس الظهور لقول مولينا الصادق7 خلق المشية بنفسها فاذا قلت رأيت القائم لايدلّ علي انك رأيت ذات الشخص فان رتبة الذات غير رتبة الظهور و بينهما من النسبة و ان كان لا نسبة من الثريا الي الثري و استغفر اللّه من التحديد بالقليل بل نسبة الوجود الي العدم فان الظهور عدم بحت عند الذات فلا استلزام بينهما ابداً فضلاً عن العينية فلايستلزم اثبات الحكم للظهور اثباته لكنه الذات بوجه من الوجوه ابداً و كذلك الكلام في قولك اني رأيت زيداً فان زيداً ليس اسماً للذات البحت المجردة عن كل الشئون و الاضافات و انما هو اسم للذات الظاهرة بالاسم و هو المسمّي فمقام المسمّي مقام الاسماء و مقام الذات فوق ذلك كلّه لان الاسم غير الذات لقول اميرالمؤمنين7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كلّ صفة علي انّها غير الموصوف و شهادة كلّ موصوف علي انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث فاذا كان الامر كذلك فلايكون المسمّي في مقام الذات لحدوثه عند الاسم اي الصفة فلايؤثّر في الذات فالاسم انما وقع علي الظهور لا الذات فلايدلّ قولك رأيت زيداً اني رأيت ذات زيد لان

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 18 *»

ذات زيد لا مجال للاسم فيها و لا الرسم و هذه الالفاظ و التوجهات (التوجيهات ظ) و التعبيرات انما تقع في مقام الظهورات فيكون زيد الظاهر بالاسم غير الذات البحت و هو الذي تتوجّه اليه الاحكام و تقع عليه اللغات و تدور عليه الصفات و كذلك الاسم الكريم العظيم اللّه فانه في مقام الظهور بالالوهية المطلقة و محل هذا الظهور و حامله هو اميرالمؤمنين7 فهو7 بمنزلة الحديدة و الالوهية كالنار الظاهرة فيها و اثار الالوهية ماظهرت في الكون الامكاني الاّ به7 و هو قوله7 بنا عرف اللّه و بنا عبد اللّه و هاتان الكلمتان جامعتان لكل ظهورات الالوهية و شئونات اثارها.

فقوله7 رأيت اللّه رأي العين اشارة الي اسرار كثيرة يسكن عندها العارف و يضطرب لديها الجاهل بعظمة اللّه و ظهورها في اوليائه لان الاسم المقدّس «اللّه» اذا حذفت عنه الروابط و الاضافات التي هي الحروف اللفظية الدالّة علي الحروف و الجهات المعنوية لماثبت بالدليل القطعي ان بين الاسم و المسمي مناسبة ذاتية مع ظهورها في هذا الاسم الكريم فاذا حذفت عنه الالف و اللامين تبقي الهاء التي هي من حروف ليلة القدر المشار بها الي تثبيت الثابت المحض فاذا اشبعت تولّد منها الواو للاشارة الي مقام الهويّة الجامعة للالوهيّة فكانت الهويّة موصوفة للالوهيّة لا العكس و لذا قال عزّوجلّ قل هو اللّه احد بتقديم «هو» علي «اللّه» فالهويّة لا شك انها مقدّمة علي الالوهية تقدّم الذات علي الصفة.

و قولي الذات لم‏ارد به الذات البحت القديمة جلّ‏شأنها بل المراد بها الهويّة التي فيها شوب لذكر الاسماء و ان كان بالاجمال و هذه الهويّة اذا نظرنا الظاهر فيها اشتقّ منها لفظ «هو» و ان كان الامر بالعكس كما اشتقّ «اللّه» من الالوهية اي اشتقاق الظهور او التحقق و ان كانت الهويّة مشتقة منه اشتقاق الصدور و هذا الـ «هو» اذا التفتّ الي مقام ظهوراته اشتق منه العلي العظيم قال عزّوجلّ و هو العلي العظيم كماذكـر غير مرّة فعلي هو «هو» و «هو» له هيمنة علي الاسم «اللّه» و اعظم منه فهو محيط به و مهيمن عليه و حاضر لديه رأي‏العين حضور الالف لدي النقطة و حضور الرياح لدي الرحمة و حضور الكرسي لدي العرش فاشار الحقّ سبحانه الي المقام

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 19 *»

الاوّل الذي ذكرنا من كون علي7 هو حامل ظهور اللّه بالالوهية ببيّنات لفظ «اللّه» فان البيّنات حاملة لاثار الزبر و تفاصيل و اسماء لها فاشار ببيّنات الالف الي علي7 اشارة الي انه روحي فداه و7 حامل لهذا الاسم و منه يظهر اثاره و هو ظهور هذا الاسم و اشار ببيّنات اللامين و الهاء الي محمّد9 اشارة الي ان الالوهية ماظهرت و ماتحقّقت اثارها و ماتكثّرت شئونها الاّ فيهما صلّي اللّه عليهما و قدّم اسم علي7 لانه كان يطوف حول جلال القدرة و نبيّنا محمّد9يطوف حول جلال العظمة مع ان الطائف حول جلال القدرة هو محمّد9 تنبيهاً لقوله9 لعلي7 اعطيت لواء الحمد و علي حاملها و اعطيت الحوض و علي ساقيها و اعطيت الجنة و النار و علي قسيمهما و لولا خوفي ان‏يقولوا جنّ او ارتدّ لبيّنت في هذا المقام اموراً عجيبة تدهش لها النفوس و تذهل لديها العقول و اما غيره صلوات اللّه عليه من التابعين فلهم في مقام مشاهدة الاسماء طبقات و درجات و مقامات علي حسب حالهم يطول بذكرها الكلام و الاشارة اليها ربما تفضي الي ما لايحسن و اللّه المستعان و عليه التكلان.

فاذا وصل المؤمن الموحّد في سيره الي هذه المقامات رجوعاً ليكون الوصول ثلث مرّات: مرة من حيث لايشعر في مقام التكوين الاوّلي النزولي و مرة عند الصعود و البلوغ فان الرجل لم‏يبلغ مقام التوحيد الحقيقي الاّ بعد خرق حجاب الاسماء و مرة عند النزول بعين اللّه و حفظه لاتمام الناقصين و اعانة الضعفاء و المساكين و جبر كسر المنكسرين و القاء الاكسير علي الاجساد البالية و الفلزات الناقصة و هذا النزول الثاني هو السفر الثالث و هو السفر من الحقّ الي الخلق بعد اكمال السير في منازل السفر الثاني و مقاماته و درجاته و في هذا المقام مقام اشهده اللّه خلق نفسه في الجزئي و خلق السموات و الارض في الكلي قال عزّوجلّ مااشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم فكما انّ اللّه تفضّل عليه و عرّفه نفسه و مقامات توحيده و اسمائه و صفاته و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 20 *»

كذلك يتفضّل عليه فيعرّفه حقايق خلقه و يريه ملكوت السموات و الارض فانه ذو مـنّ بعباده و متفضّل علي خلقه لايخيب من انقطع اليه و نزل بساحته.

و الخلق لايخلو من قسمين: احدهما مقصود لذاته و هو الجنة و مراتبها و درجاتها و اهاليها و سكانها و خدّامها و ولدانها و ثانيهما مقصود بالعرض و هو النار و دركاتها و مقاماتها و خزنتها و سكّانها و اهاليها و حيّاتها و عقاربها اذ لايجوز ان‏يكون الثاني مقصوداً بالذات او يكون متساوياً مع الاوّل في تعلق القصد و هو ظاهر قال عزّوجلّ سبقت رحمتي غضبي.

و لمّا كان المؤمن سيره من الاعلي الي الاسفل في السفر الثالث لا العكس كان مروره و مشاهدته للاعلي اولاً فاوّل مايريه اللّه سبحانه الجنة و مراتبها و مقاماتها فيريها بتوفيق اللّه عزّوجلّ رأي العين و يري مقامه و مرتبته و مقامات اهل الجنة و مراتبهم فيها و مقامهم في طبقاتها و ساير احوالها و كذلك النار الاّ ان هذه الرؤية رؤيتان: احديهما بالاحاطة و العلّية و الثانية بالمشاهدة و العيان علي حسب مقامه فالرؤية الاولي هي رؤية اميرالمؤمنين7 و الاحدعشر المعصومين: و فاطمة الصديقة الطاهرة وراثة عن رؤية السيد الاكبر9 و هي رؤية احاطة لان الجنة و الفردوس عنهم حدثت و منهم نشأت و اليهم انتسبت و بهم تأصّلت و تحقّقت و بنورهم استنارت و بوجودهم استقامت و استدامت فالجنة لهم عطيّة من اللّه سبحانه لهم و هدية اليهم و هي بستانهم يسكنون فيها من شاءوا و ارادوا من شيعتهم المخلصين لهم و المنتحلين لمحبتهم و مودّتهم و الواردين حوض ولايتهم و الصافّين في ولائهم و الساعين لاعلاء كلمتهم و المتمسّكين بحبلهم و الاخذين عنهم و المعتصمين بحججهم و براهينهم صلّي اللّه عليهم فقداحاطوا: بها علماً و هي بمافيها حاضرة لديهم حضور النور للمنير و الاثر عند المؤثر و كذلك الجنان الخاصة بهم صلّي اللّه عليهم من الفيوضات و الامدادات الواردة عليهم من بحر القدر الاوّل من انحاء الترقّيات في مراتبهم الذاتية التي لايصل اليها احد من الخلق فانهم: احاطوا بها احاطة الشي‏ء اطوار

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 21 *»

نفسه و شئونات ذاته و تنعّمات قلبه و هو المراد من قوله7 رأيت اللّه و الفردوس رأي العين فان المراد بالفردوس مطلق الجنان لا الجنة الاولي علي ماقيل في اسماء الجنان ان الاولي جنة الفردوس و الثانية جنة العالية و الثالثة جنة النعيم و الرابعة جنة عدن و هي التي لا حظيرة لها الخامسة جنة المقام السادسة جنة الخلد السابعة جنة المأوي و الثامنة جنة دارالسلام و الفردوس في اللغة بمعني البستان كالجنة بعينها فيطلق عليها الفردوس كمايطلق عليها الجنة الاّ ان الجنة اشهر اطلاقاتها.

ولكن لايذهب عليك ان مقام اللّه و الفردوس في الرؤية واحد لان ذلك باطل فان العين التي يري بها اللّه عزّوجلّ يجب ان‏يكون ليس كمثلها شي‏ء اذ لو كان لها مثل فقد ادركت الحقّ بالمثل لان الصفة لاتخالف موصوفه تعالي ربّي عن ذلك علوّاً كبيراً و كذلك العين التي يدرك بها اللّه في مقام الاسم الاعظم فان ذلك مقام الاحاطة و القيوميّة العامة الشاملة للفردوس و الجحيم و الفردوس احد ظهورات اثاره و هو اعلاها ولكن العين التي يري بها الفردوس تحت تلك العين ولكن لمّاكانت تلك العين ايضاً الهيّة لان الفردوس بيت رضاءاللّه سبحانه فماينسب اليه منسوب الي اللّه سبحانه مع ان الواقف في هذا المقام يكون اللّه سمعه و عينه و يده جمـع7 الرؤيتين في صقع واحد و ذلك لشدة الاتصال في الظهور فان ظهور كرامة اللّه و مواهب اللّه و عظم قدرة اللّه و جميل صنع اللّه و تمام نور اللّه و كمال رضوان اللّه و منتهي امتنان اللّه و غير ذلك كلّه في الجنة و الفردوس و هو حقيقة جامعة لكلّ الظهورات الغير المتناهية و هو الثناء البالغ مجمع كل الكمالات و معدن كل الخيرات و هو اول مااشتق من الاسم المقدّس «اللّه» فهو لكمال المناسبة و شدة حكاية الظهورات الالهية ادخل في تلك الجهة و حوسب من ذلك الصقع كماقال7 في النفس الملكوتية الالهية انها هي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي فجعل الجنة هي ذات اللّه العليا كماقـال و نفخت فيه من روحي فلهذا صحّ هذا الجمع و هذا الكلام يجري مجري الظاهر.

و اما في الحقيقة فاعلم ان الفردوس اشارة الي مثل نور اللّه جلّ جلاله في

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 22 *»

قوله عزّوجلّ مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم‏تمسسه نار نور علي نور يهدي اللّه لنوره من يشاء و يضرب اللّه الامثال للناس و اللّه بكلّ شي‏ء عليم و ليس للّه عزّوجلّ نور خارج عن الجنة فان الجنة ليست الاّ جهة اللّه و الاقبال اليه في التكوين و التشريع الاّ ان لهذا الاقبال مراتب كثيرة لاتتناهي في مقامات الوجود المقيد و كذا وجوه تعلّقات الوجود المطلق كالسراج الجامع لمرتبة النار الغائبة الظاهرة فيه و مسّها مثال الوجود المقيد و النار الظاهرة مثال الوجود المطلق فتكون الجنة هي نور السموات و الارض و قد قال عزّوجلّ اللّه نور السموات و الارض و هو الالوهية الظاهرة في الجنة المقوّمة لها بنفسها و النار بنفسها الاّ ان النفس الاولي هي الجهة العليا و النفس الثانية هي الجهة السفلي و هي القيومية الظاهرة في الوجود المقيد و ذلك النور هو نور الانوار الذي نورّت منه الانوار فيكون الاسم الكريم «اللّه» هو المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و الفردوس حامل تلك المقامات و مظهر تلك الايات فافهم التلويح اذ بالتصريح يرتاب فيه الجاهلون و يسلك سبيل الانكار المعاندون.

فعلي هذا ظهر المراد من قوله7 رأيت اللّه و الفردوس رأي العين فان الفردوس محل لذلك الظهور و مقرّ لذلك النور كماتقول «ضربت ضرباً» فهو ضارب و ذاك (ذلك خ‏ل) مضروب فاللّه هو اسم الفاعل و الفردوس هو المصدر المفعول المطلق و الفردوس المنقسم الي الثمانية هو المفعول‏به فان جعلت الفردوس هي الولاية الظاهرة المحيطة بالوجه الاعلي لكلّ ذرّات الكائنات في وجهها الاعلي كماقال7 لمن قال اللّهم ادخلني الجنة لاتقل هكذا انتم في الجنة بل قل اللّهم لاتخرجني منها و هذه الجنة هي الولاية مظهر الاسم الرحيم علي مراتبها في النعيم المشاراليه في قوله عزّوجلّ و لتسألنّ يومئذ عن النعيم فيكون الفردوس محلاً للاسم المبارك اللّه في الوجه الاعلي الذي اشار اليه مولينا و سيّدنا الصادق7 في تفسير اللّه الالف الاء اللّه علي خلقه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 23 *»

من النعيم بولايتنا و اللام الزام خلقه ولايتنا و الهاء هوان لمن خالف ولايتنا و هذه الالوهية هي التي محلّها و مصدرها و مظهرها الجنة العامة لكلّ الخلق من التابعين و تابعي التابعين و الخلق اجمعين و اللّه مشتق من الالوهية او قائم بها قيام تحقّق علي مافصّلت سابقاً فعلي‏هذا يكون المراد بالرؤيتين في قوله7 رأيت اللّه و الفردوس رأي العين هي رؤية الاحاطة و ان كانت العينان تختلفان و قولي هذا مسامحة و مداراة والاّ فعين واحدة لها جهتان: عليا و سفلي و علي اميرالمؤمنين7 محيط بهذه العين و مدركاتها و لمّا صحّ عندنا ان العلم عين المعلوم و الادراك عين المدرك كانت هذه العين الرائية عرضية لا ذاتية له7 و تلك العين هي عين الجنة و الفردوس و اللّه هو الظاهر بالالوهية الظاهرة في الفردوس المذكور و هذا الاسم الفاعل حقيقة هو الذي يعمل فيه الفعل و كذلك المفعول المطلق و المفعول‏به الذي هو عبارة عن الجنة و ابوابها و موارد (مورد خ‏ل) انقسامها فافهم ان شاءاللّه.

و هذه الجنة الحاملة لتلك الالوهية المفسّرة في كلام الامام7 بالولاية المنبسطة علي كلّ اعيان الممكنات و المكوّنات لها مراتب كثيرة في السلسلة الطولية و العرضية و كل مرتبة علي التفصيل الذي ذكرت من تقوّم اسم الفاعل بالفعل لكونه معمولاً له و المعمول متقوّم بالعامل لفظاً و معني و اهل كلّ مرتبة من المراتب الثمانية في السلسلة الطولية اذا سمعوا هذه الخطبة المباركة و هذه الفقرة الشريفة يصرفونها في رتبة مقامه و مرتبته.

و لكلّ رأيت منهم مقاماً   شرحه في الكلام مما يطول

و انما اجمل في الكلام و اغمض العبارة لعدم احتمال الناس والاّ لسمعوا الحان طيور القدس علي دوحات شجرة طوبي و سدرة المنتهي.

و ان جعلت الفردوس هي الولاية الحقيقيّة اي المحبة الاولية في احببت ان اعرف في اوّل الذكر فتكون هي الحقيقة المحمّدية9 الظاهرة في الحقيقة العلوية7 المجتمعة المتنزلة في الرتبة الفاطمية صلّي اللّه علي ابيها و بعلها و بنيها و عليها فالالوهية الظاهرة عليها المقرونة بها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 24 *»

التي اشتقّت من الاسم المقدس اللّه و تقومّت به قيام تحقّق كالعكس هو اللّه الذي قال النبي9 يا علي ماعرفك الاّ اللّه و انا و ماعرفني الاّ اللّه و انت و ماعرف اللّه الاّ انا و انت فحينئذ يكون المراد من الرؤيتين رؤية شهود و عيان لا احاطة و علّيّة لانهّ7 اذ ذاك يقرأ حروف نفسه و نظر الي نور العظمة الاولية مقدار سمّ الابرة فتناهي كونه فأتي مقام التحير فاستدار علي نفسه و ظهرت نقطة المحبة الاولية فاحببت ان اعرف فصارت مبدأ الجنان و الحور و الغلمان حور مقصورات في الخيام لم‏يطمثهنّ انس قبلهم و لا جانّ و الرؤية الثانية المتعلقة بالفردوس مبدء دليل الحكمة و معرفة حقايق الاشياء و ذوات الموجودات.

و لمّا كانت المعرفة عين المعروف كما ان العلم عين المعلوم فصارت تلك المعرفة هي وجود المعروف و مبادي الموجودات و اصولها و ذواتها التي هي محالّ المشيّات الخاصة بها هي الجنان و مقابلها هي النيران فصارت الجنة جنتين: جنة تخصّ بهم صلّي اللّه عليهم و جنة يعمّهم (تعمّهم ظ) و غيرهم فالاولي هي الاسم الاعظم اللّه و متعلقه في مقامهم و رتبتهم و الثانية هي الاسم الاعظم اللّه و متعلقه في مقام غيرهم فعندهم الجنة معلومة مرئية رأي العين و قد دخلها النبي9 ليلة اسري به الي السماء و كذلك سيّدنا علي7 كيف و قد قال روحي‏فداه لو كشف الغطاء ماازددت يقيناً يعني بالغطاء غطاء الجسد كماقال اللّه عزّوجلّ فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد و يريد باليقين هو العلم باحوال الاخرة و اطوارها و دورها و جنتها و نارها و نعيمها و اليمها و هو7 قسيم الجنة و النار و لاتكون القسمة خاصة في الاخرة بل في الدنيا فانه7رائد اوليائه و قائد اصحابه الي مقاماتهم التي خلقوا لها في الدنيا و الاخرة و يطول الكلام بذكر تلك الاحوال مع ما انا فيه من شدة الكسالة و الملال و قد قال النبي9 يوماً لاصحابه ما معناه أتدرون ما في يدي اليمني قالوا اللّه و رسوله اعلم قال9 فيها اسماء اهل الجنة و ابائهم و امهاتهم الي يوم القيمة و ان الرجل ليعمل طول عمره عمل اهل النار

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 25 *»

فيختم له بالخير فيدخل الجنة ثم قال9 أتدرون ما في يدي اليسري قالوا اللّه و رسوله اعلم قال9 فيها اسماء اهل النار و ابائهم و امّهاتهم الي يوم القيمة و ان الرجل ليعمل عمل اهل الجنة طول عمره فيختم له بالسوء فيدخل النار و في الكافي عن ابي‏عبداللّه7يقول انّي لاعلم ما في السموات و ما في الارض و اعلم ما في الجنة و اعلم ما في النار و اعلم ماكان و مايكون قال ثمّ مكث هنيئة فرأي انّ ذلك كبر علي من سمعه منه فقال7علمت ذلك من كتاب اللّه عزّوجلّ ان اللّه عزّوجلّ يقول فيه تبيان كل شي‏ء هـ و هذا الكتاب الذي اخذ العلم منه صلوات اللّه عليه هو اميرالمؤمنين7 لان اللّه عزّوجلّ يقول هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ و قد دلّت الاخبار علي ان هذا الكتاب هو علي7 و الائمة: انما تعلّموا كلّ‏ما عندهم من العلوم منه7 و هذا الكتاب الصامت الذي هو القران هو ظهور من ظهورات ولايته المتعلقة بمخلوقات اللّه عزّوجلّ و لذا لايجوز لاحد من الائمة: ان‏يسمّي اميرالمؤمنين غير علي7 لانه7 يمير الائمة العلم و هم المؤمنون حقيقة و ماسواهم حقيقة ثانية بعد حقيقة فاذا كان الائمة سلام اللّه عليهم يعلمون كلّ‏ما في الجنة و النار و كان ذلك بتعليم علي7 فهو صلوات اللّه عليه اولي و احري و اليق بعلم الجنة و مشاهدتها و رؤيتها و كيف يخفي عليه ماهو باعثه و منشئه و مقيمه باللّه عزّوجلّ و الفردوس بيته7 لنفسه و لرعاياه و هم كلّ الخلق فلايخفي عليه امر بيته و هو فضل اللّه يؤتيه من يشاء فالامامة الكبري و الرياسة العظمي في الظاهر مطابقاً للباطن لاتكون الاّ لمن كمل في السفر الثالث و لايكون عنده شي‏ء يحجب نور اللّه الساطع عليه و الظاهر له كما قديتوهّم حصوله في القوس النزولي فيجب تصفية ذلك كلّه حتي يظهر له نور الجلال فيتخلّل في كلّ احواله و اقواله و حركاته و سكناته فيمشي باللّه و يبطش باللّه و يقول باللّه و يعلم باللّه فاذا ظهر ذلك النور فازال

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 26 *»

الغيور فيري كلّ شي‏ء في مكانه و مرتبته قال عزّوجلّ قل اعملوا فسيري اللّه عملكم و رسوله و المؤمنون فيشاهد كلّ الاشياء من احوال الدنيا و العقبي و ماتنتهي اليه الامور الي ما لايتناهي لان المقتضي موجود و المانع هو كثافات الادبار مرفوع قال عزّوجلّ و دخل المدينة اي مدينة الوجود الانساني و الداخل هو الظهور الرحماني علي حين غفلة من اهلها اي اشتغال الحواسّ و القوي و المشاعر و جميع روابط الماهية اذ الشي‏ء حين ينظر الي روابط ذاته و نسب حدوده و يشتغل بمدركات القوي و المشاعر فهو غافل عن النور الواحد المنبسط علي كلّ الاكوار و الادوار و الاطوار فلايظهر ذلك النور له الاّ اذا سكنت الحواس و هجعت العيون و هدأت الاصوات فاذا ظهر ذلك النور في مدينة الكينونة بعد ماكان هارباً لتسلّط الظالمين القوي و المشاعر و رئيسهما النفس الامارة بالسوء فاذا دخل و قد سكنت الحواسّ وجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته و هو العقل المستنير بنور اللّه و هذا من عدوّه و هو النفس الامارة بالسوء المدبرة عن اللّه فوكزه موسي فقضي عليه فقتل العدوّ الذي هو النفس الامارة بالسوء و هو معني القاء موسي عصاه قال هذا اي النفس الامارة بالسوء من عمل الشيطان و هي الماهية الخبيثة انّه عدوّ مضلّ مبين فاذا انقتل العدوّ الظلماني و استولي الشيعي النوراني فغلب النور و ظهر في كلّ المدينة فكان يري الاشياء و ذلك النور هو العمود من النور الذي يعطيه اللّه وليّه فيري بذلك اعمال الخلايق و احوالهم كما عن الرضا روحي‏فداه فاذا لم‏يكن نورانياً كما وصفنا فلم‏تجـز له الامامة و الرياسة الكبري لانه مثل ساير رعاياه فيحتاج اليهم احياناً لان ذلك النور مانفـذ و ماتخلّل في كلّ ذرات وجوده حتي لايخفي علي شي‏ء فبقدر عدم التخلّل يبقي جاهلاً فاذا احتاجوا للحكم المتعلق بذلك الذي ماتخلّل فيه النور و لم‏يصل اليه العمود فيبقي واقفاً متحيراً كساير رعاياه حاشا ربّي ان‏يدحض حجّته و ينقص نوره و يجعل الجاهل الناقص خليفة له علي خلقه فمن اين يظهر اذن قدرته و قوّته و كماله فان الخليفة ظاهر للاصل و نايب عنه فيجري عليه حكمه كما قال عزّوجلّ الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه، من يطع

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 27 *»

الرسول فقد اطاع اللّه، قل ان كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني يحببكم اللّه و يغفر لكم ذنوبكم.

فلمّا كان العلم بحقايق الموجودات و قرانات احوالها و مقتضيات اثارها هو علامة الامامة و الرياسة كما اخبر الحق عزّوجلّ في كتابه العزيز عن ذلك فقال عزّ من قائل و اوحي ربك الي النحل و هو منتحل العلم و هو الامام7 كما ورد النصّ عنهم: قالوا نحن النحل، ان اتّخذي من الجبال اي من علم الشهادة و احوال الاجسام و القرانات الصورية و الحدود المقدارية جوهرية كانت ام عرضية حقيقية ام مجازية بيوتاً و هو اخذ النقطة الواحدة من العلم الذي كثّرها الجاهلون فيأوي اليها و يسكن عندها و يستريح لديها و يجريها في كلّ مااراد جريان الماء في النبات او جريان الشمس في الشعاع او جريان الشجرة في الاغصان و الاوراق و من الشجر اي من المقامات الغيبية و الحقايق المعنوية لانّها اصل واحد يتشعّب الي الصور و الحدود و الظواهر و الاحوال كالشجر و ممايعرشون اي الموالي و هي العلوم البرزخية و الروابط و النسب بين الغيب و الشهادة و الظاهر و الباطن في كلّ المراتب و الاطوار فان اغلب العلوم ممايتعلق بهذه الروابط و البرازخ ثم كلي من كلّ الثمرات بصرف تلك القواعد و الابواب من العلوم الي افرادها و اجزائها و جزئياتها و ردّ الفروع الي اصولها و الاثار الي مباديها حتي لاينظر الي شي‏ء من الاشياء الاّ و يلحقه بمبدئه و اصله و يجري عليه حكمه فان الثمرات علوم كمافسّرت في اخبار اهل‏البيت: فتكون هذه علوماً جزئية اضافية و هي الابواب الالف المنفتحة من باب واحد و ذلك هو البيت كماذكرنا فاسلكي سبل ربك ذللاً و سبيل الرب هو علي7 كما عن الباقر7 في حديث الي ان قال7 انه يعلم انّ سبيل‏اللّه هو علي7 و القتل في سبيل‏اللّه هو القتل في سبيل علي7 روحي فداه و معني هذا السلوك يختلف باعتبار اختلاف السالكين فان كان السالك هو الامام7 فمعني سلوكه ذللاً هو مااشار اليه الحق عزّوجلّ و لايشفعون الاّ لمن ارتضي و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 28 *»

هم من خشيته مشفقون، و من يقل منهم انّي اله من دونه فذلك نجزيه جهنّم كذلك نجزي الظالمين اي يقول اني انا و قال عزّوجلّ ياايها الذين امنوا لاتغلوا في دينكم و لاتقولوا علي اللّه الاّ الحقّ انما المسيح عيسي بن مريم رسول‏اللّه و كلمته القيها الي مريم و روح منه و قال عزّوجلّ لن‏يستنكف المسيح ان‏يكون عبداً للّه و لا الملائكة المقرّبون و من يستنكف عن عبادته و يستكبر فسيحشرهم اليه جميعاً و ان كان السالك غير الامام7 فمعني سلوكه ذللاً في سبيل الرب في العلم ان‏يكون في جميع احواله و علومه مستنداً الي علي7 و الطيبين من اولاده صلّي اللّه عليهم كما قال عزّوجلّ و اعتصموا بحبل اللّه جميعاً و لاتفرّقوا، و اقيموا الوزن بالقسط و لاتخسروا الميزان و قال عزّوجلّ و لاتقف ماليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كلّ اولئك كان عنه مسئولاً و لاتمش في الارض مرحاً انك لن‏تخرق الارض و لن‏تبلغ الجبال طولاً كلّ ذلك كان سيّئه عند ربك مكروهاً الارض هي الامام7 و هي التي وضعها للانام ليستأنسوا بها و يستريحوا عليها و يلجأوا اليها و يستمدّوا منها و يمشوا في مناكبها لان الامام7 هو اللوح المحفوظ الذي فيه كلّ احوال ذرّات الكائنات و كلّ شي‏ء احصيناه في امام مبين و الجبال هي الامام7 لانّه وتد الارض و لولاه لساخت الارض باهلها قال تعالي ألم‏نجعل الارض مهاداً و الجبال اوتاداً و بالجملة فاذا سلك العالم سبيل اللّه ذللاً منقاداً خاضعاً خاشعاً يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه من علوم المبدء و المئال و الاحوال و حقايق الاشياء و ماهياتها و جهات وحدتها و جهات كثرتها و مبدأ ايتلافها و محلّ اختلافها و قشورها و البابها و حدودها و اوضاعها و نورها و ظلمتها و ظاهرها و باطنها و علم الحقيقة و علم الطريقة و علم الشريعة و علم ماكان و علم مايكون من حيث اقتضاء الذي كان و ساير الاطوار و الروابط و الاضافات و الجهات و النسب فانّ كلّ شي‏ء من الاشياء مبدأ علم من العلوم و ماظهر للناس الاّ ماتوفّرت دواعيهم و عظمت حوائجهم اليه فيه شفاء للناس من امراض جهالتهم لان العلم هو اسم اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 29 *»

و ذكره لان نظر العالم في الاشياء ليس الاّ من جهة مبدئها و لهذا يحصّل الابواب و البيوت و القواعد فلو كان من جهة انفسها لم‏يتمكّن من ذلك لان تلك الجهة جهة الاختلاف و التمايز و الكثرات و الجزئية و امثال ذلك فالعالم في كلّ احواله /و (زائد خ‏ل) عند استفادته للعلم (العلم خ‏ل) يذكر اللّه و قد قال7 في الدعاء يا من اسمه دواء و ذكره شفاء و طاعته غني فيكون العلم شفاء من كلّ داء لانه حينئذ جرعة و شربة من حوض الكوثر و قطعة من الاكسير الاحمر فاذا شربه الانسان و استعمله لم‏يبق عنده ظمأ و لا داء فتندفع عنه امراض الجهالات الحاصلة من انواع التقليدات و الشكوك و الشبهات و ساير الواردات و الايرادات و هذه الاية الشريفة مشتملة علي جميع مراتب العلم بانحائها.

فاذا وجب في الرياسة الكبري العلم و العلم علمان العلم الظاهري و العلم الباطني و الامران يجب ان‏يكونا في الامام7 علي حدّ الكمال و كان المدّعي لهما كثيرين و استيلاء الباطل علي الحق بالدعاوي الكاذبة المجتثّة و الافتراءات الباطلة الافكيّة متحقق و المؤمنون الذين يطلبون الحق لايجوز في الحكمة ان‏يجعلهم اللّه مهملين متحيّرين لايدلّهم علي النجاة بل يجب ان‏يكون امر اللّه و حكمه اوضح من الشمس و ابين من الامس لئلايكون للناس علي اللّه حجة وجب علي الامام الحقّ7 اظهار العلمين و ابانة طرق الهداية في النشأتين ليهلك من هلك عن بيّنة و ينجو من سبقت له من اللّه العناية.

اما علم الظاهر فقد ابانوا عنه و كشفوا عن حقيقته و اشاروا الي ماهيّته و رموزه و اشاراته بحيث لم‏يبق لاحد ممن شاهدهم و سمع كلامهم شكّ و ريبة انهم اعلم الخلق بالحلال و الحرام و مواقع الاحكام و قد افسدوا مذاهب مخالفيهم و غاصبي حقوقهم بالنهي عن القياس و الرأي و الاستحسان و القول عما لايعلم و الخروج عن الكتاب و السنة و امثال ذلك من الاحوال التي لايشكّ عاقل بانّ الذي جميع علومه حاصلة من غير قياس و لا استحسان و لا رأي ليس الاّ من اللّه عزّوجلّ و ممن اشهده اللّه خلق السموات و الارض فان العلم الغير المستند الي اللّه عزّوجلّ لابدّ ان‏يكون مأخوذاً عن احد هذه الامور او المجموع او الملفّق منها لا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 30 *»

محالة و شرح كيفيته ممايطول به الكلام و العاقل تكفيه الاشارة.

و اما علم الباطن فقد اشاروا اليه: في تلويحات كلامهم و اشارات جميع ماتكلّموا في الظاهر حتي كان لكلامهم صلّي اللّه عليهم سبعون وجهاً مراداً لكن تلك الوجوه السبعون كلّها محتجبة تحت حجاب الظاهر و ذلك لعدم تحمّل الناس و ضعف بنيتهم و عقولهم عن ادراكه لان الطبايع بعد ماصفـت و الاحكام ماظهرت و الظلمة ماارتفعت بل غلبت فغطّت علي الافهام و العقول و منعتها عن الوصول فلو سمع الناس من تابعيهم شيئاً من ذلك مااستقرّت لذلك عقولهم و مااطمأنّت به قلوبهم و لااضطربت حواسهم و مشاعرهم و كانوا يظنون باللّه غير الحقّ ظنّ الجاهلية و ذلك لامور: احدها لانكارهم ذلك حيث اتاهم شي‏ء مايعقلون و لايدركون و لايسع اكثر الناس التسليم و الرضا لانّهما من شعار اهل الصفاء و الوفاء و هم اقلّ من الكبريت الاحمر. و ثانيها لتصديقهم و تسليمهم عن غير بصيرة فيتصوّرون شيئاً خلاف الواقع و يضعون الاشياء في غير مواضعها فيفسد عليهم دينهم و دنياهم و معاشهم و معادهم. و ثالثها لعدم احتمالهم و تحمّلهم و صبرهم عليه و كتمانهم فيخبرون من لا اهلية له فيقع منه الفساد العظيم الذي لايسدّ. و رابعها لعدم فهمهم لجهات كثيرة يطول بذكرها الكلام فيكون البيان عبثاً و امثال ذلك من الامور و لذا نقول كمااستفدنا من كلام اميرالمؤمنين7 انه ماكلّ من حضر مجلس العلم سمع و لا كلّ من سمع عرف و لا كلّ من عرف احسن التعبير عنه و لا كلّ من احسن التعبير عرف مواقع القول اذ لكلّ مقام مقال و هو قول مولينا الصادق7ماكلّ‏ما يعلم يقال و لا كلّ‏ما يقال حان وقته و لا كلّ‏ما حان وقته حضر اهله و قال مولينا اميرالمؤمنين7 اندمجت علي مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوي البعيدة و من هذه الجهة ماصرّحوا في الباطن بل اخفوه صوناً عن الاعداء و الاحبّاء و خوفاً عنهما ولكن لاجل اقامة الحجة و ابانة للامر و احكاماً للدين و اعانة للمؤمنين الممتحنين في معرفتهم و ديانتهم صرّحوا ببعض مقامات الباطن و باطن‏الباطن

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 31 *»

لاناس مخصوصين و امروهم بالكتمان عن ابناء الزمان فمااشتهرت تلك الاخبار بكلّ لسان فبقيت مطروحة حتي جرت علي لسان بعض المجاهيل و كثير منها ليست مسندة بل بقيت مرسلة و اغلبها مرفوعة لم‏يذكر الراوي و كثير منها ايضاً جرت علي لسان بعض الغلاة و الصوفية و غيرهم من المخالفين و الغلاة كثير منهم تقوّل (تُقُوِّل معربة في النسخة المطبوعة) عليهم و كثير منهم هم الغلاة في الواقع و هم سلام‏اللّه عليهم تعمّدوا لاظهار تلك الاخبار علي هذا الطريق حتي لايلتفت اليها من لا اهلية لها (له ظ) من الموافقين و المخالفين لتصون الفرقة المحقة عن شرّ هؤلاء الشياطين اعداء الدين.

اما الموافقون ممن لايعرفون فلاينظرون و لايلتفتون اليها لضعف اسانيدهم و عدم الاعتماد علي رواتها و هو عذر موجّه صحيح و اما الموافقون ممن يعرفون فهم علي بصيرة و يقين ينظرون بنور التوسّم فيعرفون كلام الامام7 و يميّزونه عن غيره باعانتهم: و نصب القرائن لهم فلايضرّهم فسق الرواة و كفرهم لانهم: قالوا ان لنا اوعية من العلم نملأها علماً لتنقلها اليكم فخذوها و صفّوها تجدوها نقيّة صافية و اياكم و الاوعية فتنكبوها فانها اوعية سوء و كذلك ارسال السند و رفعه فان قرائن الصحة اذا كانت موجودة فلايضرّ الارسال و الرفع و اما تلك القرائن فليست مشرعة لكل خائض و منهلاً لكل وارد و انما هي امور يخصّون بها من ارادوا سلام‏اللّه عليهم و قد تقدّم ماورد عنهم: ان حديثنا صعب مستصعب لايحتمله احد حتي الملك المقرّب و النبي المرسل و المؤمن الذي امتحن اللّه قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال7 من شئنا هـ و هم الذين ينصبون لهم قرائن و امارات مخصوصة و هم اهل التعليم الخاصّ ممن قال فيهم: لا جبر و لا قدر بل منزلة بينهما اوسع من السماء و الارض لايعلمها الاّ العالم او من علّمه اياه العالم و هذا التعليم ليس هو التعليم العامّ لكلّ احد لان هذه المسألة لايعرف حقيقتها الاّ اوحدي الزمان فيكون التعليم هو التعليم الخاص و هو حيث لم‏يشافه يكون بنصب القرائن المخصوصة لهم خاصة لايطّلع عليها سواهم و لايكلّف بها غيرهم.

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 32 *»

و لمّا كان هذه الخطبة المباركة من تلك الاخبار التي ظهرت فيها بعض الاسرار الباطنية و العلوم الحقيقية لاثبات علم الامامة في مقام انما انا بشر مثلكم قال7 رأيت اللّه و الفردوس رأي‏العين و هو اشارة الي جوامع العلوم لانّ العلوم لاتخلو اما ان‏تكون متعلقة باحوال المبدأ الخالق و صفاته و اسمائه او متعلقة بالاثار و المخلوقين و هم علي قسمين مقصود لذاته و مقصود لغيره فالمقصود لذاته هو الخير و جوامع الخير مقامات الفردوس و المقصود بالغير هو الشرّ و جوامعه هو النار و هي ظلّ الجنة متقوّمة بها حكمها حكمها في مقام التضادّ و العلم علمان علم بالاخبار و المفهوم و علم بالمشاهدة و العيان و العلم الثاني قسمان علم بالاحاطة و علم بدون ذلك فقال7 رأيت اللّه فاشار به الي علم التوحيد و مايتعلق به من المراتب و الاحوال و الاسماء و الصفات و احكام القيومية و غيرها مماهـو مذكور في علم التوحيد مماهـو ظاهر للعلماء و ماهـو مخفي عنهم و ظاهر للمؤمنين الممتحنين و ماهـو مخفي عنهم و ظاهر للملائكة المقرّبين و ماهـو مخفي عنهم و ظاهر للانبياء و المرسلين و ماهـو مخفي عنهم و ظاهر للصديقة الطاهرة صلّي اللّه علي ابيها و بعلها و بنيها و عليها و ماهـو مخفي عنها و ظاهر للائمة الطاهرين صلّي اللّه عليهم اجمعين و ماهـو مخفي عنهم و ظاهر للقائم بالحقّ صاحب‏الزمان عجل اللّه فرجه حجة اللّه علي الاولين و الاخرين و ماهـو مخفي عنه و ظاهر لسيدي شباب اهل الجنة اجمعين الحسن و الحسين صلّي اللّه عليهما و ماهـو مخفي عنهما و ظاهر له صلّي اللّه عليه و اله الطاهرين و ذلك كما مرّ غير مرة و اللّه اسم جامع لجميع الصفات و الاسماء فاثبت علم التوحيد الذي هو علم البيان الذي علّمه اللّه الانسان في قوله عزّوجلّ خلق الانسان و هو علي صلوات اللّه عليه و اله لانه الكامل في الانسانية البالغ في النهاية و الغاية و هو اسم حقيقي له و لاخيه و اولاده و زوجته الطاهرين و في مقام التفصيل يختص به7 في عالم الظهور علّمه البيان و هو علم التوحيد لقول الباقر7 عن جدّه الطيّب الطاهر اميرالمؤمنين7 و اما البيان فهو ان‏تعرف ان اللّه واحد ليس كمثله شي‏ء فتعبده و لاتشرك

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 33 *»

به شيئاً.

ثم اثبت القسم الاعلي من العلم الذي هو العلم العياني و المشاهدة الكشفية البالغة حدّ الرؤية علي مافصّلنا سابقاً و هو اعلي مقامات العلم و نسبته الي العلم المفهومي و الاخباري نسبة العلم الي الجهل فلمّا اثبت هذا العلم الشريف علي هذا النهج الشريف لنفسه روحي فداه اثبت الوجه الثاني من العلم الذي هو العلم بالمخلوقين و لمّا كان اهل الحق ليس نظرهم الي الباطل و الي المجتثّات و لايعدّونه شيئاً و لايلتفتون اليه خصّ الجنة بالذكر تشريفاً و تكريماً فيلزمها النار و العلم باحوالها و اوضاعها و سكّانها و لا شي‏ء من العلوم يخرج عنهما و لايئول اليهما و لمّاكان هذا قديكون بالاخبار و المفهوم و هو لايشمل الاحاطة بجميع الوجوه فلايعمّ العلم بكلّ احوال الخلق اذ كثير منها يئول اليهما بواسطة او بوسايط فالانظار المجتثة قدتقصر الي الواسطة و السبيل من حيث نفسها لا من حيث كونها واسطة كالعلوم المتداولة بين الناس اثبت7 العلم الاعلي و هو العلم العياني الشهودي الذوقي اي القسم الاعلي منه لانه7 يصرّح فيمابعد انّ كل هذه العلوم علم احاطة لا علم اخبار و لا عيان محض و الاحاطة لاتتصوّر الاّ بمعرفة جميع مبادي الشي‏ء و علله و اسبابه و شرائطه و لوازمه و معدّاته و متمّماته و مكمّلاته و حدوده و مقتضيات احواله و اثاره و شئون ذاته و امثالها ممايتوقّف عليه وجود الشي‏ء الواحد.

و لمّا كان العالم قد خلق علي نسق واحد و طور غير مختلف و لا متعدد اذا عرف الشي‏ء الواحد عرف الاشياء كلّها لاشتراكها في الروابط و الشرايط و المتمّمات و المكمّلات و غيرها فقد اثبت العلم الكلّي بكلّ ذرات الوجود علي جهة الرؤية و الشهود و هو تمام العلم و تمام الفخر و قد قال اللّه عزّوجلّ هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون و لا شرف الاّ بالعلم و لا فخر الاّ به فاذا حصل العلم الكلّي لاحد بحيث لايخفي عليه شي‏ء في الارض و لا في السماء فلايساويه احد و لايدانيه احد و له الرياسة الكبري من قبل اللّه عزّوجلّ علي كلّ ماسواه و هذا معلوم بالضرورة فاذا علم شيئاً و جهل الاخر لا رياسة له علي غيره اذ لا احد الاّ و يعلم شيئاً و يجهل اخر (الاخر خ‏ل) الاّ

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 34 *»

انهم يتفاوتون في القلّة و الكثرة لكنّهم محتاجون بعضهم الي بعض فيمايجهلون و لايجوز ان‏يكون حجة اللّه علي خلقه الرئيس علي الكلّ محتاجاً الي رعاياه و غنمه فلمّا اثبت العلم كلّه بجميع انحائه و اقسامه علي اكمل وجوهه لنفسه الشريفة اثبت له7 الرياسة الكلية و الخلافة العامّة ولكن لمّا كان قديتوهّم من ذلك ان المدّعين لذلك كثير و ان كان علي الباطل لماثبـت من تقابل دعوي الحق و دعوي الباطل اراد7 ان‏يجعل ميزاناً ليعرف كذب المدّعي من صدقه و هو بيان نوع العلم الجامع المدّعي و شرحه علي مايقتضيه اذ لا كلّ علم يمكن تفسيره في لسان الظاهر المعروف لان من العلوم سرّ لايفيده الاّ سرّ و منها سرّ مستسرّ بالسرّ و منها سرّ مقنّع علي السرّ فاذا عبّر بلسان الظاهر لايفيد الاّ الوجه الواحد الظاهر و هو خلاف المقصود و يجب ان‏يكون لماذكـر شاهد من كتاب اللّه عزّوجلّ يشهد بتصديقه و من السنّة النبوية و من نوع مذهب الفرقة المحقة لا ان‏يكون كلاماً مجملاً لمحض الادّعاء لان هذه الكلمات المجتثة كثيرة و اهل الحقّ لايزالون مستنيرين بنور اللّه فيشملهم بهاء رحمة اللّه و تكون علومهم لها اصل ثابت محكم و نور يتلألأ علي قلوب المؤمنين كما قالوا: ان لكلّ حقّ حقيقة و علي كل صواب نور ولكن معرفة تلك الشواهد و الانوار حظّ اولي‏البصاير و الابصار و هم خواصّ شيعتهم المستنيرين بنورهم و المعتصمين بحبل ولايتهم المنقطعين اليهم و هم حملة مثل هذه الاخبار و حفظتها قال اللّه عزّوجلّ انا نحن نزّلنا الذكر و انا له لحافظون اي عند اهله في كلّ مقام بحسبه و لذا اراد7 شرح الجنة و الفردوس علي حسب ماادّعي علي لسان الحقيقة و ان كان قديتراءي لاهل النظر انه رمز و اشارة ولكن اهل المعرفة يرونه لساناً حقيقياً لا رمز فيه لكن الامر عظيم و المطلب خطب جسيم فقال روحي فداه (و ظ) صلّي اللّه علي محمّد و عليه و زوجته الطاهرة و ابنائه المعصومين المطهّرين المنزّهين اشارة لبيان حقيقة الفردوس و مبدئه و اصله و منشأه و مستقرّه؛

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 35 *»

قال7 و هو في البحر السابع يجري فيه الفلك و هو اشاره الي قوله عزّوجلّ ولو انّ ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه و قد اشار بابي هو و امّي لاهل الكلام الي دليل اثبات العلم المدّعي و لاهل المعاني الي حقيقة المباني و لاهل البيان الي حقيقة سرّ الانسان و بكلّ ذلك قد نطقت اخبارهم و شهدت اثارهم و نطق القران بتصديقه و دلّ العقل المستنير بنور اللّه و ظاهر القول اولاً.

اعلم ان الخطاب لمّا كان علي مقدار فهم المخاطب و مناسب مرتبته و كانت الجنة سبع (ثماني خ‏ل ص6 ــ  ص237 س11) طبقات لكن طبقة منها لا حـظّ و لا نصيب لاحد فيها و هي تخصّ بهم و هي التي لا حظيرة لها لان لكل جنّة حظيرة سوي جنّة عدن و هي لا حظيرة لها لانقطاع روابطها من غير اهلها و تعلّقها ولو بالاضافة بمادون سكّانها فلايناسب ذكر تلك الجنة لانها ليست لهم فلاتصل اليها مشاعرهم و مداركهم و قويهم فيكون البيان لهم عبثاً اشار7 الي المراتب المقدّرة للخلق و الجنة التي يسكنونها بفضل اللّه و رحمته و تلك الجنات (الجنان خ‏ل) تكون سبعة و كلّ جنة بحر من عظمة اللّه عزّوجلّ نور واحد قد ظهر بالشئونات المختلفة المتكثّرة علي حسب شئون المؤمنين و احوالهم فان الجنة ظاهرها طعام و شراب و نكاح و باطنها علم قال7اسفلها طعام و اعلاها علم هـ و باطن باطنها لجّة بحر الاحدية و طمطام يمّ الوحدانية كماقـال7 في الدعاء ربّ ادخلني في لجّة بحر احديتك و طمطام يمّ وحدانيتك فاعلاها بحر لا موج له و لا حركة و لا صوت ماء واحد يجري من تحت جبل الجمال و يجري فيه فلك الوصال و اللقاء و التلاق و الفلك سرير المحبوب و قد ورد ان اهل الجنة كلّ يوم جمعة يأتون لزيارة الربّ و ملاقاته /فيفاض عليهم من النعيم ضعف ماكان عندهم من قبل و تلك الزيارة هي السباحة في تلك اللجّة و الركوب علي ذلك الفلك و الفلك هو ماقلنا انه سرير المحبوب يجري في البحر لا في ذات المحبوب فافهم و اوسط هذا الاعلي طمطام يمّ الوحدانية و هذا بحر له موجات لطيفة شريفة يدهش (تدهش خ‏ل) الناظر

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 36 *»

بحسن تقلّباتها و ظهوراتها و تلك انما حصلت من نسمات الالطاف الربانية و هبوب الميولات الصمدانية اي ظهور التجليات و بروز الاسماء و الصفات و طور الشئون و الاضافات و هذا البحر يجري من تحت جبل الازل اي العرش قال الشاعر:

انظر الي العرش علي مائه   سفينة تجري باسمائه
يسبح في لجّ بلا ساحل   في جندل الغيب و ظلمائه
و موجه احوال عشاقه   و ريحه انفاس ابنائه

و الفلك الجاري في هذا البحر هو فلك المعاني و حقيقة المباني و النور الشعشعاني مبادي مقام الرضوان و اشرف احوال الجنان و اخر هذا الاعلي بحر الصاد و اول المداد و منشأ الاستعداد و مجري الانهار الاربعة التي هي الماء الغير الاسن و اللبن الذي لم‏يتغيّر طعمه و الخمر الذي لذّة للشاربين و العسل المصفّي علي مامضـي شرحه و بيانه و هذا هو البحر الذي اتاه النبـي7 في ليلة المعراج لمّادخـل الجنة وقت صلوة الظهر و نودي يامحمّد ادن من صاد و توّضأ لصلوة الظهر و هو بحر الجود و اصل الوجود و الفلك الجاري في هذا البحر مراكب كبار بحيث يسع كل واحد منها الدنيا و مافيها مائة الف مرة و كل واحد منها قطعة من زمردة خضراء متشعشعة متلألأة لها نور يجلي الابصار و يصفي الانظار و يذهب الاكدار و يكشف الغبار و لايزال تتزايد نوراً و بهاءً و شرفاً و جدةً تسير في ذلك البحر و تجري الي مالا نهاية له و راكبوا تلك السفن رجال شبّان في سنّ ابناء ثلثين حسن‏الوجه حسن‏الشمائل لوجوههم نور يتلألأ كالشمس في اشراقها اذا كانت في رابعة النهار لو ظهر نور واحد منهم بقد سمّ الابرة لاهل هذه الدنيا كلّهم ماتوا عشقاً و محبةً و غراماً و صبابةً و تنجذب ارواحهم اليه انجذاب الحديد للمقناطيس (للمغناطيس ظ) و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 37 *»

ملك‏الموت عند قبض روح المؤمن يظهر بظهور نور تلك الصور الجميلة و الشمائل اللطيفة للمؤمن فتنجذب (تنجذب خ‏ل) روح المؤمن و ترتحل عن هذه الدنيا و هو في كمال الشعف و الشوق الي ذلك الجمال و النور الحق اللاّيزال و اعظم ملاذ اهل الجنة انما هي مشاهدة تلك الصور و الشمايل قال عزّ من قائل و نزعنا ما في صدورهم من غلّ اخواناً علي سرر متقابلين.

و السير في هذه السفن في هذه الابحر الثلثة اعظم ملاذ اهل الجنّة لانها مقامات الرضوان و رضوان من اللّه اكبر الاّ ان البحر الاول هو الاكمل ثم البحر الثاني ثم الثالث لكن كلّ واحد اذا اراد راكب السفينة ان‏يظهر بخاصية البحر الاخر امكن له ذلك لان له فيها ماتشتهي الانفس و تلذّ الاعين و هم فيها خالدون و لاتتوهّم من كلامي عن هذه الابحر انها ماء مثل مياه الدنيا كثيف غليظ اسود او اخضر او ابيض و تتصور ركوب البحار الدنيوية فتنقص عليك الشوق فوالذي نفسي بيده ان ذلك الماء ليس مثل هذا الماء و لا فيه كثافة و لا غلظة و لا شي‏ء مماتتوهّمه و انما هو ماء به حيوة كلّ شي‏ء و انه ماء لو ذاق احد شربة منه لايؤثر عليه شيئاً من نعيم الجنة و انه ماء لو رأيه احد لايحبّ ان‏يصرف نظره عنه لمايـري من شدة حسنه و طراوته و نظارته و انه ماء يحصل منه كلّ طعام و شراب و غيرهما من كلّ ماتشتهي الانفس و تلذّ الاعين في الظاهر و الباطن و الصورة و المعني و انه ماء مجمع الملاذّ و جامع اللذات كلّ لذة ظهور لذة من لذاته و كلّ حسن من فاضل حسنه فلايلحقه شي‏ء من اللذات و منه ينبوع عين الحيوان و منه ينبوع حوض الكوثر و منه ينبوع عين الكافور و منه ينبوع عين السلسبيل و منه ينبوع الشراب الطهور و منه منابت الاشجار و الثمار و بفاضل حلاوته و طيبه تكون حلاوة الثمار في الجنة و مع‏هذا كلّه فمن ذلك البحر علي ذلك الفلك يسار به الي ملاقات الرب عزّوجلّ سقاكم اللّه و ايانا منه بمحمّد و اله الطاهرين الاكرمين.

و اوسطها بحر العلم و عين الحلم فاعلاه بحر عين‏اليقين و مقام التمكين و اول التعيين و هو بحر ابيض كالدرّ الصافي يجري من جبل الميم في بسم اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 38 *»

الرحمن الرحيم و الفلك الجاري فيه قطعة من اللؤلؤ ظاهرها ابيض و باطنها احمر و بينهما خضرة ممتدة (ممدّة خ‏ل) و هذه الجوهرة بكلّ الوانها لها نور يتلألأ و يشرق اشدّ من اشراق الشمس في رابعة النهار فاذا نظر اليها المؤمن يمحو من شدة حسنها لاجتماع تلك الانوار في تلك الالوان و راكبوا تلك السفن جماعة مبيضّة وجوههم مشرقة الوانهم مزهرة انوارهم رزقنا اللّه مرافقتهم و جمعنا و اياهم و هذا البحر في جريانه ينتهي الي البحر الاصفر اي ماء الذهب يجري من الهاء في بسم اللّه الرحمن الرحيم و فلك هذا البحر من الذهب المكلّل بانواع الجواهر و الاته من الفضة و اعمدته من الزمردة الخضراء و شراعه من الاستبرق و علي ساحل هذا البحر سدرة المنتهي و علي دوحاتها طيور تغرّد لها الحان مطربة لو سمع شيئاً منها اهل الدنيا لماتوا من شدة انجذاب قلوبهم اليها فاذا هبّت نسمات الالطاف الالهية علي اغصانها و تحرّكت تظهر نغمات من اصطكاك اوراقها اشدّ و احسن من تلك النغمات الطيبة بما لا مزيد عليه و تلك النسمات لها روائح طيبة فاذا شمّها المؤمن يفني عن مقامه و يميل الي الاعلي و يفاض عليه من الانوار ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر و ذلك البحر هو مبدء النهر من لبن و هذا هو الذي اراد الشاعر بقوله:

انّ في الجنة نهراً من لبن   لعلي و حسين و حسن:

و اسفله علم‏اليقين و هو البحر الاخضر قد اجتمعت فيه ابحر و انهار كثيرة مختلفة في الالوان و اعظمها البحران المتقدمان يجري من تحت جبل ميم الرحمن في بسم اللّه الرحمن الرحيم و الفلك الجاري في هذا البحر من فضة صافية مكلّلة بالزمردة الخضراء المذهّب بالذهب الصافي الخالص له اعمدة من الياقوت الاحمر و من الدرّ و الزبرجد و شراعه من السندس و الراكبون في غاية الحسن و الجمال حور مقصورات في الخيام لم‏يطمثهنّ انس قبلهم و لا جـانّ و علي المركب غلمان و ولدان مخلّدون لو رأي اهل الدنيا نور واحد منهم لهلكوا و لهم اصوات حسنة و نغمات طيبة يترنّمون و يتغنّون بها لايحبّ السامع ان‏يلتفت الي شي‏ء غيرها اذ لا لذّة عندهم احسن و الذّ و اطيب

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 39 *»

منها ولو ظهرت شعرة واحدة من شعور الحور العين في الدنيا لماتوا من شدة طيبه و شدة ضيائه و كثرة نوره و بهائه فاذا كان هذا حال شعرة منها فكيف حالها و اهل الجنة مع تلك الانوار العظيمة التي احاطت بهم اذا تبسّمت الحور يظهر من ثناياه نور متلألئ حتي يزعموا انه من نور تجلّي الربّ فاذا التفتوا فاذا هي حورية قدتبسّمت حيث نظرت الي ولي‏اللّه فتأتيه فيتعانقان في معانقة واحدة مقدار خمسمائة سنة او سبعمائة فيفترقان من غير كلال و لا ملال و لا تغيّر حال و لا نقصان شوق و لا فتور محبة سبحان من لا غاية لنعيمه و علي ساحل ذلك البحر شجرة طوبي و تلك الشجرة اصلها في بيت سيّدنا و مولينا اميرالمؤمنين7 ثم انتشرت اغصانها في كلّ بيت في الجنة و عليها كلّ فاكهة من الفواكه التي يتعقّلها الانسان و اغصان تلك الشجرة من الياقوت و الزبرجد و الزمرد و حول تلك الشجرة قصور و بساتين و جنّات تجري من تحتها الانهار و هذا الذي ذكرنا هو باطن الجنة و هو العلم بمراتبه و اقسامه و احواله و قد سمّاه الامام7 بحراً لمااشرنا اليه و للسرّ الذي اراد ان‏يبيّن روحي فداه و اسفلها طعام و شراب و نكاح و تلذّذ و تنزّه كما هـو المشروح المفصّل في الاخبار عن الائمة الاطهار.

و اني احبّ ان‏اذكر حديثاً في هذا الباب يشمل بظاهره المقام الثالث و بباطنه و باطن باطنه المقامات الاخر في روضة الكافي عن ابي‏جعفر7 انّ رسول‏اللّه9 سئل عن قول اللّه عزّوجلّ يوم نحشر المتقين الي الرحمن وفداً فقال9 يا علي ان الوفد لايكون الاّ ركباناً اولئك رجال اتقوا اللّه فاحبّهم اللّه و اختصّهم و رضي اعمالهم فسمّاهم المتقين ثم قال له يا علي اما والذي فلق الحبّة و برأ النسمة انهم ليخرجون من قبورهم و ان الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العزّ عليها رحائل الذهب مكلّلة بالدرّ و الياقوت و جلائلها الاستبرق و السندس و خطمها جدل الارجوان تطير بهم الي المحشر مع كلّ رجل منهم الف ملك من قدّامه و عن يمينه و عن شماله يزفّونهم زفّاً حتي ينتهوا بهم الي باب الجنة الاعظم و علي باب الجنة شجرة ان الورقة منها ليستظلّ تحتها الف

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 40 *»

رجل من الناس و عن يمين الشجرة عين مطهّرة مزكّية فيسقون منها شربة فيطهّر اللّه بها قلوبهم من الحسد و يسقط من ابشارهم الشعر فذلك قول اللّه عزّوجلّ و سقاهم ربهم شراباً طهوراً و هو من تلك العين المطهّرة قال ثم ينصرفون الي عين اخري عن يسار الشجرة فيغتسلون فيها و هي عين الحيوة لايموتون ابداً ثم يوقف بهم قدّام العرش و قد سلموا من الافات و الاسقام و الحرّ و البرد قال فيقول الجبّار جلّ ذكره للملائكة الذين معهم احشروا اوليائي الي الجنة و لاتوقفوهم مع الخلائق فقد سبق رضائي فيهم و وجبت رحمتي لهم فكيف اذا اوقفهم مع اصحاب الحسنات و السيئات قال فتسوقهم الملائكة الي الجنة فاذا انتهوا بهم الي باب الجنّة الاعظم ضرب الملائكة الحلقة ضرباً فتصرّ صريراً يبلغ صوت صريرها كلّ حوراء اعدّ اللّه لاوليائه في الجنان فيتباشرون بهم فاذا سمعوا صرير الحلقة فيقول بعضهم لبعض قد جاءنا اولياء اللّه فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنة و تشرف عليهم ازواجهم من الحور العين فيقلن مرحباً بكم فماكان اشدّ شوقنا اليكم و يقول لهنّ اولياءاللّه مثل ذلك فقال علي يا رسول‏اللّه اخبرنا عن قول اللّه عزّوجلّ غرف من فوقها غرف مبنيّة بماذا بنيت يا رسول‏اللّه فقال يا علي تلك غرف بناها اللّه لاوليائه بالدرّ و الياقوت و الزبرجد سقوفها الذهب محبوكة بالفضة لكلّ غرفة منها الف باب من ذهب علي كلّ باب ملك موكّل به و فيها فرش مرفوعه بعضها فوق بعض من الحرير و الديباج بالوان مختلفة و حشوها المسك و العنبر و الكافور و ذلك قول اللّه عزّوجلّ و فرش مرفوعة فاذا ادخل المؤمن الي منازله في الجنة و وضع علي رأسه تاج الملك و الكرامة و البس حلل الذهب و الفضة و الياقوت و الدرّ المنظوم في الاكليل تحت التاج قال و البس سبعين حلّة حرير بالوان مختلفة و ضروب مختلفة منسوجة بالذهب و الفضة و اللؤلؤ و الياقوت الاحمر فذلك قوله عزّوجلّ يحلّون فيها من اساور من ذهب و لؤلؤاً و لباسهم فيها حرير فاذا جلس المؤمن علي سريره اهتزّ سريره فرحاً فاذا استقرّ بولي اللّه جلّ‏وعزّ منازله في الجنة استأذن عليه الموكّل بجنانه ليهنئه بكرامة اللّه اياه فيقولون له خدّام المؤمن من الوصفاء و الوصائف

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 41 *»

مكانك فانّ ولي‏اللّه قداتكّأ علي اريكته و زوجته الحوراء تهيّأت له فاصبر لولي اللّه قال فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمة لها مقبلة و حولها وصائفها و وصفاؤها و عليها سبعون حلّة منسوجة بالياقوت و اللؤلؤ و الزبرجد و هي مسك و عنبر و علي رأسها تاج الكرامة و عليها نعلان من ذهب مكلّلتان بالياقوت و اللؤلؤ شراكهما ياقوت احمر فاذا دنت من ولي اللّه فهمّ ان‏يقوم اليها شوقاً فتقول يا ولي اللّه ليس هذا يوم تعب و لا نصب فلاتقم انا لك و انت لي قال فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من اعوام الدنيا لايملّها و لاتملّه قال فاذا فتر بعض الفتور من غير ملالة نظر الي عنقها فاذا عليها قلائد من قصب من ياقوت احمر وسطها لوح صفحته درّ مكتوب انت يا ولي‏اللّه حبيبي و انا الحور حبيبتك اليك تناهت نفسي و الي تناهت نفسك ثم يبعث اللّه اليه الف ملك يهنّئونه بالجنة و بزوجته الحوراء قال فينتهون الي اوّل باب من جنانه فيقولون للملك الموكّل بابواب جنانه استأذن لنا علي ولي‏اللّه فان اللّه بعثنا اليه نهنّيه فيقول لهم الملك حتي اقول للحاجب فيعلمه بمكانكم قال فيدخل الملك الي الحاجب و بينه و بين الحاجب ثلاث جنان حتي ينتهي الي اوّل باب فيقول للحاجب انّ علي باب العرصة الف ملك ارسلهم رب العالمين تبارك و تعالي ليهنّئوا ولي‏اللّه و قد سألوني ان اذن لهم عليه فيقول الحاجب انه ليعظم علي ان استأذن لاحد علي ولي‏اللّه و هو مع زوجته الحوراء قال و بين الحاجب و بين ولي‏اللّه جنّتان قال فيدخل الحاجب الي القيّم فيقول له ان علي باب العرصة الف ملك ارسلهم ربّ العالمين يهنّئون ولي‏اللّه فاستأذن لهم فيتقدّم القيّم الي الخدّام فيقول لهم انّ رسل الجبّار علي باب العرصة و هم الف ملك ارسلهم يهنّئون ولي‏اللّه فاعلموا بمكانهم قال فيعلمونه فيؤذن للملائكة فيدخلون علي ولي‏اللّه و هو في الغرفة و لها الف باب و علي كلّ باب من ابوابها ملك موكّل به فاذا اذن للملائكة بالدخول علي ولي‏اللّه فتح كلّ ملك بابه الموكّل به قال فيدخل القيّم كلّ ملك من باب من ابواب الغرفة قال فيبلّغونه رسالة الجبار جلّ‏وعزّ و ذلك قول اللّه عزّوجلّ و الملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب من ابواب الغرفة سلام عليكم الي اخر

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 42 *»

الاية قال و ذلك قوله عزّوجلّ و اذا رأيت ثمّ رأيت نعيماً و ملكاً كبيراً يعني بذلك ولي‏اللّه و ماهو فيه من الكرامة و النعيم و الملك العظيم الكبير الملائكة من رسل اللّه عزّوجلّ يستأذنون عليه فلايدخلون عليه الاّ باذنه فذلك الملك العظيم الكبير قال و الانهار تجري من تحت مساكنهم و ذلك قوله عزّوجلّ تجري من تحتهم الانهار و الثمار دانية منهم و هو قوله عزّوجلّ و دانية عليهم ظلالها و ذلّلت قطوفها تذليلاً من قربها منهم يتناول المؤمن من النوع الذي يشتهيه من الثمار بفيه و هو متكئ و ان الانواع من الفاكهة ليقلن لولي‏اللّه يا ولي‏اللّه كلني قبل ان‏تأكل هذا قبلي قال و ليس من مؤمن في الجنة الاّ و له جنان كثيرة معروشات و غير معروشات و انهار من خمر و انهار من ماء و انهار من لبن و انهار من عسل فاذا دعا ولي‏اللّه بغذائه اتي بماتشتهي نفسه عند طلبه الغذاء من غير ان‏يسمّي شهوته قال ثم يتخلّي من اخوانه و يزور بعضهم بعضاً و يتنعّمون في جنّاتهم في ظلّ ممدود في مثل مابين طلوع الفجر الي طلوع الشمس و اطيب من ذلك و لكلّ مؤمن سبعون زوجة حوراء و اربع نسوة من الادميين و للمؤمن ساعة مع الحوراء و ساعة من الادمية و ساعة يخلو بنفسه علي الارائك متكّأ ينظر بعضهم الي بعض و ان المؤمن ليغشاه شعاع نور و هو علي اريكته و يقول لخدّامه ما هذا الشعاع اللامع لعلّ الجبّار لحظني قال فيقول له خدّامه قدوس قدوس جلّ جلال‏اللّه بل هذا حوراء من نسائك ممن لم‏تدخل بها بعد اشرفت عليك من خيمتها شوقاً اليك و قد تعرّضت لك و احبّت لقاءك فلمّا ان رأتك متكّأ علي سريرك تبسّمت نحوك شوقاً اليك فالشعاع الذي رأيت و النور الذي غشيك فهو من بياض ثغرها و صفائه و نقائه و رقّته قال فيقول ولي‏اللّه ائذنوا لها فتنزل /الي فيبتدر اليها الف وصيف و الف وصيفة يبشرونها بذلك فتنزل في المصدر؟؟؟ اليه من خيمتها و عليها سبعون حلّة منسوجة بالذهب و الفضة مكلّلة بالياقوت و الدرّ و الزبرجد صبغهنّ المسك و العنبر بالوان مختلفة /كاعب مصمومة خميصة كفلاً مسوّقاً ليس في المصدر؟؟؟ يري مخّ ساقها من وراء سبعين حلّة طولها سبعون ذراعاً و عرض منكبيها عشرة اذرع فاذا دنت من ولي‏اللّه اقبل الخدّام بصحائف الذهب و الفضة فيها الدرّ و الياقوت و الزبرجد فينثرونها عليها ثم يعانقها و تعانقه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 43 *»

لاتملّ و لايملّ قال ثم قال ابوجعفر7 اما الجنان المذكورة في الكتاب فانهن جنّة عدن و جنة الفردوس و جنة النعيم و جنة المأوي قال و ان للّه جناناً محفوفةً بهذه الجنان و ان المؤمن ليكون له من الجنان مااحبّ و اشتهي يتنعّم فيهنّ كيف شاء و اذا اراد المؤمن شيئاً او اشتهي انما دعواه به اذا اراد ان‏يقول سبحانك اللّهم فاذا قالها تبادر اليه الخدّام لما اشتهي من غير ان‏يكون طلبه منهم او امر به فذلك قول اللّه عزّوجلّ دعواهم فيها سبحانك اللّهم و تحيّتهم فيها سلام يعني الخدام قال و اخر دعواهم ان الحمد للّه رب العالمين يعني بذلك عند مايقضون من لذاتهم من الجماع و الطعام و الشراب يحمدون اللّه عزّوجلّ عند فراغهم فامّا قوله اولئك لهم رزق معلوم قال يعلمه الخدّام فيأتون به اولياء اللّه قبل ان‏يسألوهم اياه و اما قوله فواكه و هم مكرمون قال فانهم لايشتهون شيئاً في الجنة الاّ اكرموا به انتهي.

و انما ذكرت الحديث بطوله لما فيه من المنافع و تفصيل احوال اهل الجنة معها فاذا عرفت ان الجنة بحر و ان الجنة العامة للمؤمنين انما هي سبعة فاعلم ان الفردوس له اطلاقان: مرة يطلق و يراد به الجنة كمامـرّ. و مرة يطلق و يراد به الطبقة الاولي من طبقات الجنة. و هذه الاولي يحتمل ان‏يكون اعلي الجنان كلّها و يكون بعد جنّة عدن في الشرف و الرتبة كمايشير اليه قول مولينا الباقر7 في الحديث المتقدّم و ماتقدّم من ذكرها اولاً فلايضرّ حينئذ جعل جنّة عدن في الرابعة لان تلك الجنان كلّها تستمدّ منها كاستمداد الافلاك الستة من الشمس و هي في الفلك الرابع و فلك زحل في السابع و المريخ متصل بالشمس مع ان فلك زحل اشرف من المريخ و اوسع و اعلي و اوّل مايستمدّ منها من ذات العقل الكلّي فكذلك جنة الفردوس فانها تكون اعلي الجنان و هي الواقعة في الطبقة الاولي من الاعلي فاذا صعدت من الاسفل الي الاعلي فتكون هي السابعة و ان كان العكس فتكون هي الاولي فقوله7 و هو في البحر السابع يريد به انه اعلي الجنان /فتكون هي السابعة خ‏ل) و اقربها الي جنة عدن التي اهلها لايلتذّون الاّ بمشاهدة جمال الحقّ و جلاله و لايزال يسبحون في لجّة بحر الاحدية و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 44 *»

طمطام يمّ الوحدانية فاذا رأي7 الاعلي و احاط به علماً فقد رأي الاسفل بالطريق الاولي فان كلّ من رأي فلك زحل بالمشاهدة العيانية و وصل اليه فقد وصل الافلاك الاخر و احاط بها علماً في كلّ الاحوال من حيث الحجم و المقدار و ثخن الفلك و سعته و من حيث الحركة لانه ابطل الكل حركة لانه يقطع كلّ دورة في مدة ثلثين سنة و لا كذلك الكواكب الاخر فاذا قلنا بعيداً ان جنة الفردوس تحت الجنان كلّها و هي الاولي بالنسبة الي الصعودي و السابعة بالنسبة الي النزولي فاختصاصها بالذكر لحكايتها و مظهريّتها لمافوقها كما ان جسم الانسان يكون محلاًّ و مظهراً للمراتب الفوقية من الارواح و المجردات فالواقف في هذا المقام علي جهة اليقين اذا علم هذه المرتبة برأي العين و العلم الشهودي فقد شاهد المقامات الفوقية بما فيها لارتباطها بها و اتصالها معها و سرّ النزول زيادة العلم و المعرفة و الكمال و المرتبة والاّ لكان النزول عبثاً و هباء و هذا ظاهر ان شاء اللّه تعالي.

و ان كان المراد بالفردوس هو الاطلاق الاخر اي مطلق الجنة فاعلم ان الموجودات ماظهرت في الوجود الاّ مسبّعة و يطول الكلام بسرّ (بذكر خ‏ل) هذا التسبيع و ربما اشرنا اليه فيمابعد و لمّا كان الوجود علي نسق واحد ماتري في خلق الرحمن من تفاوت جري هذا السرّ في الكلّي و الجزئي و الكلّ و الجزء و لذا كانت مراتب العالم سبعة و كلّ مرتبة بحر كمااشرنا اليه عند قوله7 خلق البحار فراجع. المرتبة الاولي عالم الاجسام من الافلاك و العناصر و المتولدات. الثانية عالم المثال و عالم الاشباح. الثالثة عالم المواد و جوهر الهباء اخر المجرّدات. الرابعة عالم الطبايع النور الاحمر اوّل الحلّ الثاني. الخامسة عالم النفوس و وسط الملكوت و ظلّ الرحمة و الولاية. السادسة عالم الارواح عالم الرقائق. السابعة عالم العقول و اعلي الجبروت.

و الانسان ايضاً مركّب من هذه السبعة و هي كلياتها تجمعها ثلث مراتب:

الاولي عالم العقول و مبدء هذه هو العقل الكلي النور الابيض الذي منه البياض و منه ضوء النهار و هو اقرب الاشياء الي المبدء و بياضه عبارة عن غاية

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 45 *»

لطافته و عدم شوبه بالطبايع الاخر و بقائه علي صرف البساطة و النورانية و هو الذي خلقه اللّه عزّوجلّ قبل الخلق و هو حامل الانوار و جامع الاسرار المنزّه عن كلّ الاكدار ميله دائماً الي الاعلي و لايميل الي شي‏ء سوي اللّه و لذا استنطقه اللّه ثم قال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل ثم قال له عزّوجلّ فو عزّتي و جلالي ماخلقت خلقاً احبّ الي منك بك اثيب و بك اعاقب و لااكملتك الاّ فيمن احبّ فجعله عزّوجلّ مبدء الثواب و العقاب و لمّا كان الثواب ذاتياً فهو منه و اليه و لمّا كان العقاب عرضياً فهو به و لا اليه و لا منه الخير في يديك و الشرّ ليس اليك و العقل هو يد اللّه و فيها كلّ الخير اذ بها يفاض علي كلّ الخلق فهو بمنزلة السراج الوهّاج الذي لا ظلمة فيه و لا كثافة و فيه اصل الخير و هو معدنه فان وصل شي‏ء الي احد فهو منه و لذا قال تعالي ماخلقت خلقاً احبّ الي منك و لمّا كانت الجنة دار محبة اللّه جلّ‏وعلا ففيه اصلها و مستقرّها و منشأها لانه منبع الانوار و جامع الاسرار و قد سبق تفصيل الامر في ذلك و علمت ان كلّ نور و بهاء و خير تنتهي اليه كما بيّنا من جنود العقل و اطواره فاليه مردّ كلّ حق و صواب و ما لم‏ينسب اليه فهو باطل و كذب و زور.

الثانية عالم النفوس و هذا العالم له وجهان وجه الي العقل اي الي المبدء و وجه الي الشيطان فالوجه المتعلق بالعقل و الناظر اليه هي النفس المطمئنة و مافوقها من الراضية و المرضية و الكاملة فهي حينئذ اخت العقل قال عزّوجلّ فان تابوا و اقاموا الصلوة و اتوا الزكوة فاخوانكم في الدين و مواليكم و الوجه المتعلق الناظر الي الشيطان هي النفس الامارة بالسوء و النفس الملهمة و النفس اللوّامة و هذه الثلثة نظرها الي الشيطان و يسجدون للشمس من دون اللّه و مااطاعوا العقل و ماانقادوا فصاروا الي جهنم و بئس المصير.

الثالثة عالم الاجسام و هذا العالم ايضاً له وجهان: وجه الي العقل و وجه الي النفس الامارة بالسوء.

و اما المراتب الاخر فكلّها روابط و برازخ لا استقلال الاّ لهذه الثلثة و تلك توابع فلا حكم لها الاّ بالتبعية فالانسان مركّب من هذه الثلثة واحد طيّب

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 46 *»

طاهر و الاثنان من حيث انفسهما نجس فلايطهر الانسان الاّ اذا ذهب ثلثاه و هو نصيب الشيطان و في رواية اخري بول الشيطان و في اخري مصّه كما في التمر و العنب و هما مثالان للانسان فاذا ذهبت جهة النفس من الشهوات و اللذات المعنوية الغير المرادة للّه عزّوجلّ و جهة الجسم من اللذات الحسيّة الجسمية من شهوة الاكل و الشرب و الجماع و امثال ذلك علي غير الوجه المأمور من قبل اللّه عزّوجلّ و تبقي جهة العقل و مقتضياته و هو مايقتضي الاّ الخير و لايدعو الاّ اليه فهناك يفتح له ابواب الجنان فالعقل هو البحر السابع من الابحر السبعة و فيه الفردوس و الجنة لا في سواه الاّ اذا ال اليه و الفلك الجاري في ذلك البحر هو سفينة المعاني توصل الي معرفة غيوب الاشياء و اسرار حقايقها و الي معرفة اللّه و الي الجنة التي فيه او الفلك هي الاعمال و العبادات و الطاعات و انحاء القابليات الموصلة الي اللئالي المكنونة في قعر ذلك البحر و استخراج الكنوز و فكّ الرموز فالجنة مبدؤها العقل و اليه تعود بل العقل منشأ ظهورها و اول من ذاق الباكورة في حديقتها و اول غصن اخذ من شجرة الخلد التي فيها كماتأتي اليه الاشارة ان شاء اللّه تعالي.

او يكون المراد من الابحر هي التي اشار اليها مولينا الكاظم7 لمّا سأله يحيي بن اكثم عن قوله تعالي و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر قال7 انها عين اليمين و عين الكبريت و عين ابرهوت و عين الطبرية و جمة ماسيدان و جمة ناجروان و في نسخة بلعوران هـ و لمّا ان اللّه سبحانه حصر الوجود في هذه الابحر السبعة لمن يفهم كانت الجنة في البحر السابع و هو عين اليمين فان اللّه عزّوجلّ في الخلق الاوّل لمّا اراد ان‏يخلق الخلق قبض قبضة بيمينه فخلق منها ماء طيباً و ارضاً طيبة قال تعالي فقسناه الي بلد ميّت و خلق منهما الجنة و نعيمها ثم قبض قبضة من تلك الارض الطيبة التي هي ارض الجنة التي هي العلّيين فصلصلها فعركها عركاً شديداً و خلق منها اهل الجنة من الانبياء و المرسلين و الملائكة المقرّبين و المؤمنين الممتحنين و اولي الصفوة من الخلق اجمعين فعين اليمين بحر يجري من الجبل الذي تحت العرش و منها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 47 *»

الجنة و نعيمها و اهلها و سكّانها و حورها و غلمانها.

او يكون المراد من الابحر السبعة هو السبع المثاني و كلّ واحد من تلك السبعة بحر خِضَمّ و طمطام متلاطم من عظمة اللّه و جلاله و كبريائه و نوره و بهائه و اما الجنة اي ظهور اثارها و تفاصيل احوالها في البحر السابع و هو اول اسم خلقه اللّه لنفسه ليدعوه (ليدعي ظ) به و اوّل مااختار (مااختاره خ‏ل) لنفسه و هو العلي العظيم و اوّل بيت وضع للناس و اوّل نور اصطفاه اللّه و هو علي9 فان السبع المثاني هم الائمة الاربعة عشر و هم سبعة قد كرّرت و من غير تكرير سبعة و هم محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و جعفر و موسي صلّي اللّه عليهم و البحر السابع و ان كان محمّداً لكن لمّا كان علي7 هو حامل اللواء فكان يطوف حول جلال القدرة و محمّد9 يطوف حول جلال العظمة مع ان الامر بالعكس و لذا كان علي7 قسيم الجنان و هو7 ساقي الحوض (الكوثر خ‏ل) و ولايته جنّة لاتكفي ولاية النبي9 وحدها لدخول الجنّة فكم قد اقرّوا بالنبي9 و دخلوا النار و الاصل في ذلك ما ورد انّ الجنان سقفها عرش الرحمن فالجنة في مقام الكرسي لا في مقام العرش و ان كانت متقوّمة به قال تعالي وسع كرسيه السموات و الارض و قال عزّوجلّ و سارعوا الي مغفرة من ربكم و جنة عرضها السموات و الارض فتكون في الكرسي و علي صلوات اللّه عليه هو صاحب الكرسي كما ان محمّداً9 صاحب العرش فيكون البحر السابع هو علي7 فيكون الفردوس فيه و منه و له و عنه و به و لديه صلّي اللّه عليه و الفلك الجاري فيه هو ولايته و طاعته و الاخصال في محبته و الطيبين من اولاده و احفاده و الصديقة الطاهرة صلّي اللّه عليها و عليهم قال النبي9 مثل اهل‏بيتي كسفينة نوح من ركبها نجي و من تخلّف عنها هلك و من الفلك الجاري فيه الشيعة المخلصون لانهم القرية الظاهرة للسير الي القرية المباركة كما قال مولينا الصادق7 لعبيد بن زرارة في ابيه زرارة واللّه انه لمن اعظم السفن الجارية في اللجج الغامرة و هم الذين يوصلون

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 48 *»

الي ساداتهم و كبرائهم و ائمتهم سلام اللّه عليهم فان ولايتهم جنّة كما قال مولينا الصادق7 للرجل لمّا قال اللّهم ادخلني الجنة قال7 لاتقل هكذا انتم في الجنة قل اللّهم لاتخرجنا منها و اليه يشير تأويل قوله تعالي و اما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات و الارض الاّ ماشاء ربّك.

فاذا بلغ الكلام الي هذا المقام فلا علينا ان‏نذكر السرّ في كون الجنان ثماني طبقات و النيران سبع طبقات و هو ان الخلق بدا عن فعل اللّه عزّوجلّ علي الاستدارة الصحيحة الكاملة و لمّا ان غاية الايجاد هي المحبة و هي الوصلة بينه و بين خلقه خلق اللّه عزّوجلّ ايّاها قبل كلّ شي‏ء و خلق الخلق منها فهم حاملوا المحبة و الحاملون جرت الحكمة و اقتضت ان‏يكونوا سبعة لما اشرنا سابقاً من اقتضاء الايجاد التسبيع لظهور مراتب اوّل الفرد و اوّل الزوج فيه و لمّا كان الايجاد علي مقتضي الانوجاد كان لكلّ شي‏ء ضدّ فتلك النقطة الالهية بقيت لا ضـدّ لها لان التضاد تقابل و تحديد و لا حدّ و لا تقابل في تلك النقطة اذ لا كثرة فيها فلمّا دارت الموجودات علي الاستدارة فان دارت علي خلاف التوالي و خلاف وجه المبدء صار وجههم علي طرف (جهة خ‏ل) الضدّ فنكست رؤسهم علي مقتضي ذلك الضدّ علي ترتيب طبقات الاصل و لمّا انهم نظروا الي انفسهم و حدود انّيتهم و اعرضوا عن تلك النقطة الحقيقية الالهية التي هي المحبة بقوا في مقام التحديد و التقييد فنسيهم اللّه كمانسـوه قال تعالي نسوا اللّه فنسيهم فكان مقامات الادبار و مظاهر الغضب سبعة لاتزيد عليها لان الضدّ علي طبق ضدّه و لاينقص عنها فان دارت علي الاستدارة علي نقطة مبدئها و دارت علي وجه مبدئها تستنير المراتب و لمّا انّها تصعد الي مبدئها تخرق الحجب و الدواير الي ان وصلت الي النقطة الحقيقية التي هي نقطة المحبة و هي عالم اللانهاية و تصعد في مقامات ذلك العالم فتبقي تنزع الحدود و يظهر له الشهود و تتشرّف بلقاء ظهور المعبود /فيؤثر محبوبه (فتؤثر محبوبها ظ) علي من سواه فلايلتذّ (فلاتلتذّ ظ) الاّ بذلك فمن هذه الجهة ليست لتلك الجنة حظيرة لانقطاع الروابط و انفصام العلائق و اوّل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 49 *»

ظهورها في البحر السابع فلذا كان حظيرتها اعلي الحظائر و اشرفها و اقويها و اشدّها فلذا وجب ان‏تكون الجنة ثماني طبقات لاتصال سلسلتهم الي اللّه عزّوجلّ و النار سبع طبقات لانقطاع سلسلتهم عن اللّه عزّوجلّ فتبقي تلك المراتب السبعة المجتثّة و كانت لكلّ تلك المراتب حظائر لانها عين العلاقة و الارتباط.

و الوجه الاخر لهذه الخصوصية و هو ماسمعت من شيخي و ثقتي و استادي اطال اللّه بقاءه و جعلني فداه و هو ان الانسان له ثماني مراتب العقل و النفس و الجسد و الحواس الخمسة فاذا اطاع بكلّ مرتبة يفتح له باب من الجنّة و اذا عصي يفتح له باب من النار و اما العقل فلايعصي فليس بازائه باب في الجحيم و هذا الوجه انما قال اطال اللّه بقاءه للمبتدئين الذين لايعرفون والاّ فالوجه الحقيقي هو الذي اشرنا اليه ان وفّقت لفهمه فان ذلك ممااستفدنا منه اطال اللّه بقاه الاّ ان كلماته علي مقامات الاشخاص.

ثم اعلم ان قوله7 اشارة الي مافي الاية الشريفة ان الذين امنوا و عملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً خالدين فيها لايبغون عنها حولاً، قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربّي لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً و فسّر سبحانه هذا البحر و فصّله بقوله عزّوجلّ و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه و قد قال مولينا الكاظم7 نحن الكلمات التي لايستقصي فضلنا و لايستحصي و هذا هو الذي قلنا انه اشارة الي اهل المعاني بحقيقة المباني لانه7 جعل جنات الفردوس و منازلها كلّها في البحر السابع و ذلك البحر من بعض ماجعله اللّه سبحانه مداداً لبيان احوال الكلمات العاليات التامّات التي لايجاوزهنّ برّ و لا فاجر و ينفد قبل ان‏تنفد كلمات اللّه و هذا لايكون الاّ اذا كان ذلك المداد من شعاع الكلمات و دلالة تلك الحروف العاليات فينقطع الشعاع دون المنير و الدلالة دون الكلمة فلايصـلان الي حقيقة المنير و الكلمة او يكون من المراتب النازلة لها اي بمنزلة القشور و الظواهر فلاتصـل الي حقيقة اللبّ و الاصل و لايجوز ان‏تساوي مع الكلمات والاّ لم‏يتصوّر النفاد دونها مع كونه عينها و داخلاً في حقيقتها و لايجوز ان‏يكون

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 50 *»

اعلي فان الاسفل ينفد عند الاعلي لا العكس فلم‏يبق الاّ ماذكرناه فحينئذ يكون الجنة و مافيها من الاشعة و العكوسات بالنسبة اليهم صلّي اللّه عليهم و هي سابع الابحر اول ظهور انوارهم و مفتتح بروز اسرارهم و هي الجنة التي للخلق كلّهم فان المكان في مقام المتمكّن فلايكون اعلي منه بل مساوق لوجوده و قد دلّ العقل و النقل ان حبّهم جنّة و ذلك الحبّ هو ماجعـل في حقيقة ماسويهم من رشح سرّ احببت ان اعرف الظاهر فيهم و ذلك الحبّ هو نقطة الكون و منها انبسطت الموجودات و الكائنات فحقّ و باطل فالحق من موافقة النقطة و الباطل من مخالفتها و الاوّل ظهور الرحمة و تفاصيل الجنة و الثاني ظهور الغضب و تفاصيل الجحيم هذا بالنسبة الي الجنة التي لغيرهم.

و اما التي تخصّهم فما في البحر السابع و مادونه من المراتب النازلة تنفد و تنقطع عند سرّ فاحببت ان اعرف بل كنت كنزاً مخفياً و تلك هي الكلمة العليا و المثل الاعلي و هي حقيقتهم و ذاتهم صلّي اللّه عليهم لانّها اوّل كلمة تكلّم بها الحق سبحانه و من فروع تلك الكلمة و قشورها عيسي علي نبينا و اله و7 حيث يقول الحقّ سبحانه مصدّقاً بكلمة منه اسمه المسيح عيسي بن مريم و هذه الكلمة مثال لتلك الكلمة حيث يقول الحقّ سبحانه و لمّا ضرب ابن مريم الي ان قال ان هو الاّ عبد انعمنا عليه و جعلناه مثلاً لبني‏اسرائيل و هم بنو علي7 لانه7 اسرائيل هذه الامة كما قال7 في الزيارة السلام علي اسرائيل الامّة و ابي الائمّة الزيارة.

و اما الاشارة لاهل البيان فهم لايحتاجون الي البيان مع انه لايجوز فان للحيطان اذان و ما كلّ علم يقدر العالم ان‏يفسّره اذ من العلوم ماتحتمل و منها ما لاتحتمل و من الناس من يحتمل و منهم من لايحتمل و الاشارة الي بعض وجوهه السفلي: اعلم ان المراد بالبحر المطلق هو بحر الوجود المطلق عالم الرجحان و لا تعدد هناك و لا اختلاف و انما هو عالم الوحدة و الايتلاف و الابحر السبعة هناك هي جهات الوحدة بلحاظ انه مخلوق اذ كلّ مخلوق مماجري عليه اسم الايجاد و الاختراع سواء كان بنفسه او بغيره لابدّ له من السباحة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 51 *»

في السبعة الابحر و ان كانت بنفسها.

البحر الاول في القوس الصعودي و هو الاسفل بحر التراب الممسك لفيض المفيض الفاعل فلولا ذلك بطل الظهور.

و البحر الثاني بحر الماء القابل المايل من جهة القابل الي الفاعل لتلقّي الفيض.

و البحر الثالث بحر الهواء المايل الي القابل الموصل لاثر الفاعل الي القابل الممكّن للقابلية حتي تقبل بكمال النضج و التعفين.

و البحر الرابع بحر النار الفاعلة المشار اليها في قوله عزّوجلّ ولو لم‏تمسسه نار.

و البحر الخامس بحر المظهر الحامل لظهور الظاهر الواصف.

و البحر السادس بحر الظهور و تجلّي النور الحامل للظاهر.

و البحر السابع بحر الظاهر بالظهور في المظهر و في عالم الوجود المطلق هذه الابحر كلّ واحد منها عين الاخر الاّ ان هذه الجهات لابدّ من اعتبارها لظهور اثارها في عالم الجواز و الوجود المقيّد.

فمقام الفردوس انما هو البحر السابع اي بحر الظاهر لانه الاصل و الباقي كله شئون و ظهور له و الجنة مقام الظاهر و قطع الاسباب و الرجوع الي الاحباب و أول الامر الي الواحد في كلّ باب و لذا كان اهل الجنة دعويهم فيها سبحانك اللّهم و تحيتهم فيها سلام و اخر دعويهم ان الحمد للّه رب العالمين و هذا البحر هو اوّل مبادي الفردوس الاصلية و ماذكرنا كلّها مبادٍ اضافية و اما الحقيقية فلاتتجاوز هذا الحدّ و لاتتعدّي هذا المحل و المبدأ الاصلي و ان كان في الظاهر الظاهر في النار لكن مبدء نشوها و مقام صلوح ظهورها حاكية لثناء اللّه و مظهرة لجماله هو في الزيت الذي يكاد ان‏يضيئ ولو لم‏تمسسه نار.

و لمّا فرغ7 عن بيان شرح الجنة و احوالها و مقاماتها و محلّها و موقعها و مقامات اهلها في درجات ترقياتهم بالامور الثلثة المذكورة: الاوّل انها في البحر الثاني السابع الثالث يجري فيه الفُلْك (بضم الفاء و سكون اللام) اراد7 ان‏يبيّن مبادي الجنّة و عللها و مقوّمات وجودها و المراتب التي فوقها و ان كان لا مرتبة.

فقال7 في ذخاخيره النجوم و الفلك و الحبك اي في قعر

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 52 *»

البحر السابع او علوّ ارتفاعه و بالامرين نطقت اخبارهم صلّي اللّه عليهم: اما الاول ففي قوله7 في القدر انه بحر مظلم كالليل الدامس كثير الحيتان و الحيات يعلو مرّة و يسفل اخري في قعره شمس تضيئ لاينبغي ان‏يطّلع عليها الاّ الواحد الفرد. و اما الثاني فقد اشار اليه مولينا العسكري7 قد صعدنا ذري الحقايق باقدام النبوة و الولاية و الكليم البس حلّة الاصطفاء لمّا عهدنا منه الوفاء و روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة و قال7 ان الجنان سقفها عرش الرحمن و الامر في المجموع واحد و ليس بمختلف لان كلامهم صلّي اللّه عليهم له سبعون وجهاً مراداً و لكلّ وجه لهم المخرج و قد يجعلونه لمن شاؤا و ارادوا من شيعتهم المنقطعين اليهم صلوات اللّه عليهم فروح القدس هو العقل الكلّي الاعظم لقوله9 اول ماخلق اللّه روحي و اول ماخلق اللّه العقل و هو ماذكرنا من اول /الوجوه و (الوجود خ‏ل) انه البحر السابع و في قعره اي قطبه و هو الوسط و هو الاعلي المحيط بكلّ الكرات و الدوائر فلك ان‏تقول ان القطب في قعر الدائرة و لبّها فالدائرة حجاب له فمهما ارتفعت لايظهر فهو يظهر بعد رفع حجاب الكرة و الدائرة فهو في مقام القوس الصعودي واقع في القعر اي الاصل و اللبّ كما قال اميرالمؤمنين7 في قعره شمس تضيئ و هذه الشمس هي اللبّ و القطب كما قال7 و العقل وسط الكلّ و لك ان‏تقول ان القطب فلك كلّي و الكرة و الدائرة بمنزلة المركز السفلي و هو محيط بكلّ احوالها و شئونها و اطوارها.

و قد اشار بالامرين و الملاحظتين سيد الثقلين ابوالحسنين عليهم سلام‏اللّه في النشأتين بقوله في ذخاخيره النجوم و الفلك و الحبك فاشار بالاوّل الي القطب و الوسط و الصعود اليه في القوس الصعودي و اشار بالباقي الي الاحاطة و الاستدارة الامدادية الافاضية فاذا جعلنا البحر السابع هو العقل فيكون الجنة الثامنة هو الوجود المقيّد اي امر اللّه الذي قام به كلّ شي‏ء و نور اللّه الذي نوّرت منه الانوار و شجرة الخلد التي كانت (كان ظ) العقل اوّل غصن منها و هو محيط بكلّ الجنان و فوق كلّ جنان و اقربها اليه جنة الفردوس الذي هو في البحر السابع و هي للجنان كالنقطة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 53 *»

للالف و الحروف و الاشارة اليها بالالف اللينية المطوية لفظاً و خطاً في البسم و هي جنة عدن التي لا حظيرة لها لعدم الروابط و التعلقات فيها و هي التي اهلها لايلتذّون بطعام و لا شراب و لا جماع و انما يلتذّون بمشاهدة اللقاء و استماع اني انا اللّه و فلك هذه الجنان و سماؤها و قطبها و مبدؤها و منشأ فيوضاتها هو العرش و هو قوله7 الجنان سقفها عرش الرحمن و هي الصاقورة و انما عبّر7 عن العرش بالصاقورة لانها قحف الرأس المحيط به كالعرش المحيط بكلّ شي‏ء و العرش في هذا المقام اشارة الي العرش الاعظم الاعلي فان العرش له في كلمات اهل‏البيت: اطلاقات كثيرة و الوجود المطلق اعظم و اشرف مايطلق عليه العرش.

و الحبك قال في جمع الجوامع: «الحبك الطرائق مثل حبك الرمل و الماء اذا ضربته الريح» الي ان قال: «و الدرع محبوكة لان حلقها مطرقة طرائق و عن الحسن حبكها نجومها و عن علي7 حسنها و زينتها» الي ان قال: «و هي جمع حباك كمثال و مثل او حبيكه كطريقة و طرق» انتهي.

و الفلك تسعة افلاك و اليها اشار مولينا الحسين7 في الدعاء يا من استوي برحمانيته علي العرش فصار العرش غيباً في رحمانيته كما صارت العوالم غيباً في عرشه محقت الاثار بالاثار و محوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار هـ و تلك الافلاك هي حدود العرش المستوي عليه الرحمن برحمانيّته و اول ظهور الرحمانية في الوجود المطلق في عالم التفصيل في ذلك العالم فان الرحمانية مقام التفصيل و الالوهية مقام الاجمال كما تقدّمت اليها الاشارة.

و لمّا كان العرش هو مستوي الرحمن فيكون في مقام الارتباط و التفصيل و لمّا كان الوجود المطلق هو كلمة كـن المؤلّفة المتحصّلة من النقطة و الالف و الحروف و تمام الكلمة و كان مقام النقطة مقام الغيب الصرف و العماء المطلق و السر المقنّع بالسرّ كان اول مقام التفصيل مقام الالف و مابعده من المراتب الثلثة (الثلث ظ) و كان لكلّ واحد منها ثلثة مقامات: احدها مقامه مع الاعلي و ثانيها مع الاسفل و ثالثها هو مقامه في رتبة ذاته و كلّ مقام له تأثيرات و احكام و احوال و حركات و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 54 *»

استدارات فتكون الافلاك الواقعة تحت قعر البحر السابع تسعة و هي افلاك الانوار التي اشار اليها سيدالشهداء7 و هي تمحو الاغيار و تهتك الاستار في كلّ مقام بحسبه يطول الكلام بذكر كيفية محوها الاغيار و هتكها الاستار و نجوم تلك الفلاك هي رؤس المشية و وجوهها و مواقع تعلّقاتها و روابطها و ارتباطها و هذه النجوم الموجودة في الافلاك الجسمانية ظهورات و امثال و حكايات لتلك النجوم علي تلك الافلاك.

و انت لو تأمّلت في الحديث المتقدّم عن العسكري7 روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة و في قول النبي9 ان اهل بيتي امان لاهل الارض كما ان النجوم امان لاهل السماء و انه7 جعل الجنة ارضاً و العرش سماء لان قحف الرأس سماء للبدن يظهر لك ان الفلك هو رسول‏اللّه9 و الحبك هو علي7 و النجوم هم الائمة الهادون: كما روي في تفسير قوله تعالي و السماء ذات الحبك، ان السماء هو رسول‏اللّه9 و الحبك هو مولينا علي7 فرسول‏اللّه9 ذات علي7 هـ كما قال تعالي و انفسنا و انفسكم و النفس هو علي7 .

فقد اشار7 لاهل الاشارة في هذه اللطيفة الدقيقة الي احوال عجيبة من سرّ باطن الباطن فقد اشار الي الجنة بعللها الاربع: العلّة الفاعلية و هي الافلاك و النجوم و الحبك فان الافلاك هي مظاهر العلة الفاعلية لايظهر الفاعل الاّ فيها و لذا اشتهر عند العامة ان الافلاك اباء و العناصر امّهات و قولنا المظهر علي مافصّلنا سابقاً من احكام المشتق و المبدأ و اسم الفاعل و المفعول و المصدر و نسبة البعض مع الاخر فراجع تفهم.

العلة المادية و هي اشعة الكواكب الظاهرة في الكرة النارية و لذا ورد ان ثمار الجنة نضجها من النار و يريد7 بهذه النار هي نار الشجرة التي ليست شرقية و لا غربية و الافلاك هي نفس تلك الشجرة لكونها الاصل الواحد المتشعّب الي الاغصان و الاصول قال النبي9 انا الشجرة و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 55 *»

فاطمة اصلها و علي لقاحها و الائمة اغصانها و علومهم ثمرتها و الاشعة الظاهرة في الهواء المنضج المعفّن لتلك الثمار بقوة مافيه من الحرارة و الرطوبة و الظاهرة في الماء بقوة البرودة الدافعة و في التراب بقوة الماسكة في المقامات النورية و في قول اللّه عزّوجلّ لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلمات ربّي صراحة ان مواد الجنة و عناصرها اما من اشعة نجوم الافلاك و الحبك او من ظهور تنزلات تلك الافلاك علي ماتقدّم اليه الاشارة فافهم.

العلة الصورية و هي الحور و القصور و الانهار و البحار و البساتين و الجنان و امثال ذلك من الاحوال و الاطوار الظاهرة لاهل الاسرار و هذه العلة هي النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و قال رسول‏اللّه9 مااختلف في اللّه و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي و قال7 اي اية اكبر منّي و اي نبأ اعظم منّي و قال7 في النفس الملكوتية الالهية انها هي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لم‏يشق ابداً و من جهلها ضلّ و غوي فافهم المراد من هذه الاخبار الصحيحة القطعية المعلومة عندنا بكثرة القرائن الموجبة للقطع و وجود اللطيفة الثابتة التي مع كلّ حق و النور الذي مغع كلّ صواب قالوا: ان لكل حقّ حقيقة و علي كل صواب نور.

العلّة الغائية قال اللّه عزّوجلّ لولاك لماخلقت الافلاك و قال اميرالمؤمنين7 نحن صنائع ربنا و الخلق بعد صنائع لنا و يأتي الكلام ان شاء اللّه عن هذا المرام.

و ان جعلنا البحر السابع هو مقامات الوجود المطلق و مراتب المشية فيكون الفلك اشارة الي الهوية التي هي قطب للالوهية التي هي قطب للاحدية التي هي مقام الظاهر علي الظاهر قال اللّه عزّوجلّ قل هو اللّه احد فقدّم الهوية علي الالوهية و قدّمها علي الاحدية لسرّ ماقلنا فاذا كان البحر هو بحر الظاهر و الفلك المقوّم له هو الهوية و الحبك مقام الالوهية لكونها الطريق و المجاز الي الهوية كما ذكرنا غير مرة و النجوم هي الاسماء الحسني و الصفات العليا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 56 *»

فكلّ اسم نجم يؤثر فيمايتعلق به من روابط الجنة و احوالها فقوام الجنة بمافيها بالاسماء الجزئية و قوامها بالالوهية و قوامها بالهوية و هذه الافلاك ايضاً تسعة اذ الهوية الظاهرة في الظاهر الظاهر في المظاهر متعددة فظهور في مقام الجماد و ظهور في مقام النبات و ظهور في مقام الحيوان و ظهور في مقام الجانّ و ظهور في مقام الملك و ظهور في مقام الانسان و ظهور في مقام الانبياء و ظهور في مقام الحقيقة المحمّدية صلّي اللّه عليهم و ظهور في المشية الوجود المطلق و هذه تسعة افلاك اختلف الظهور باختلاف المظاهر و قد ذكرنا و فصّلنا في اول الشرح عند قوله7فتق الاجواء حقيقة تلك الافلاك و مراتبها و اسمائها و كيفية ترتيبها فلانعيد فراجع هناك تفهم ان شاء اللّه تعالي.

و النجوم التي علي منطقة الفلك الاعظم المذكور في اوّل الكتاب اثناعشر نجماً و هي الاسماء التي اشار اليها مولينا الصادق7 في قوله ان اللّه خلق اسماً بالحروف غير مصوّت الي ان قال7 فجعله اربعة اجزاء معاً ليس واحد منها قبل الاخر هـ و هي نقطة الجنوب و الشمال و المغرب و المشرق (المشرق و المغرب خ‏ل) في عالم الاسماء و افلاكها ثم قال7 فاظهر ثلثة منها لفاقة الخلق اليها الي ان قال7 فجعل لكل واحد منها اثني‏عشر ركناً هـ فصار كلّ ركن برجاً فجعل لكلّ ركن ثلثين اسماً منسوباً اليه و الثلثون الاسم هي الدرج لكل برج فصار مجموع الدرج في مجموع البروج ثلثمائة و ستين درجة علي تلك الافلاك و هذا الترتيب علي الافلاك الجسمانية مثال لترتيب الافلاك العقلية و تلك الافلاك دليل و مثال لترتيب الافلاك الفعلية و مراتب المشية و تلك مثال و حكاية لترتيب افلاك الاسماء و قد قال مولينا الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقـد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفـي في الربوبية اصيب في العبودية قال اللّه تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انه الحق الحديث و قال مولينا الرضا روحي فداه و7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ماهنالك لايعلم الاّ بماهيهنا فافهم وفّقك اللّه لمايحبّ و يرضي فان المسلك وعر والسلام.

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 57 *»

و الاشارة الي بيان قول اميرالمؤمنين7 بحر مظلم كالليل الدامس مراده في نظرنا هذا هو بحر الامكان الجايز لانه عالم التكثر و الاختلاف المستلزمين للظلمة و السواد و شدة الظلمة كثرة الروابط و القرانات و الاوضاع و الاضافات يعلو مرة بالنظر الي وجه مبدئه و الاستشراق بنوره و يسفل اخري بالنظر الي نفسه و حدود انّيته في قعره شمس تضيئ هذه الشمس هي الوجود و الفؤاد الذي هو حقيقة الاثر و مبدء الجنان و حقيقة الانسان لاينبغي ان‏يطلع عليها الاّ الواحد الفرد لانه عين‏اللّه و وجه‏اللّه فلايعرف بها الاّ اللّه و لايعرفها الاّ اللّه بظهوره لانّه صرف ظهوره فاذا لاحظت معه شيئاً غيره فكان محدوداً فلو عرفت اللّه به لجعلته محدوداً و لذا قال اميرالمؤمنين7 لو عرفت اللّه بمحمّد لكفرت لان اللّه لايعرف بغيره فعند معرفة اللّه يجب سلب كلّ ماعداه و رفع كلّ ماسواه فاذا رفع كلّ ماعداه لم‏يبق الاّ نور اللّه و ظهوره و هو الناظر و المنظور لانه الطرف قال الشاعر:

اذا رام عاشقها نظرة   فلم‏يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفاً رأها به   فكان البصير بها طرفها

فافهم فمن تطلّع عليها مع ملاحظة الحدود و عدم رفع القيود فقد ضـادّ اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير لانه نظـر الي اللّه في الامكان و عرّفه بالقيود و الحدود و التشبيه و الصفات الامكانية تعالي اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.

و لاينافي ماذكرنا ماجعلنا الجنة في البحر السابع و قلنا انه المراد من قوله7 بحر مظلم الحديث لان الاغيار اكدار لايصفو العيش الاّ برفعه قال7 انت الذي ازلت الاغيار عن قلوب احبّائك حتي لم‏يعرفوا سواك فاهل الجنة مادام لم‏يدخلوا لجّة بحر الاحدية ففيهم شوب الكدورة الاضافية فاذا دخلوا تلك اللجّة فقد تطهّروا عن كلّ كدورة و وصمة و نقص و هو معني قوله عزّوجلّ و سقاهم ربهم شراباً طهوراً هذا اذا جعلنا البحر السابع هو العقل.

و اذا جعلنا الرتبة السابعة من المشية فيراد به الامكان الراجح و ظلمات البحر كثرة الاسماء و الصفات و هي طمطام يمّ الوحدانية يعلو مرة اي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 58 *»

المشية تقرب الي مبدئها من نفسها و من السرمد و الامكان الراجح حتي تكاد تفني عن نفسها و تظهر في كلّ شي‏ء و يسفل اخري اذا نظرت الي الروابط و المتعلقات حتي تكاد تظهر في المفعولات في قعره شمس تضيئ و هي شمس الهوية و مصباح الاحدية و ظهور شمس الازل لان البحر صبح الازل الي اخر ماقلنا.

و لهذا الحديث الشريف معانٍ اخر في مقام العلم و سرّ القدر الذي يشير اليه صريح لفظه المبارك و قد اشـار اليه مولينا و استادنا جعلني اللّه فداه في رسالته الموضوعة في العلم شرحاً لكلام الملاّمحسن و هو ليس ممانحـن بصدد بيانه فاثبت عليه الصلوة في هذا الكلام الموجز جميع علم المبادي و العلل و الذوات المستقلة الالهية و الكينونات الرحمانية و المقامات النورية و جهات الفاعل و ظهورات اثاره فافهم فهّمك اللّه.

قال عليه الصلوة و السلام: «و رأيت الارض ملتفّة كالتفاف الثوب المقصور و هي في خرق من الطتنج الايمن ممايلـي المشرق و الطتنجان خليجان من ماء كأنهما ايسار طتنجين و انا المتولي دائرتها.»

لمّا اظهر صلوات اللّه عليه العلوم المتعلقة بالمبادي و العلل و الحقايق و الامور التي لها استقلال في القصد و شرح مقامات الاسماء و الصفات و مواقع الظهورات و التجليات اراد7 ان‏يشرح المراتب النازلة و المقامات السافلة و رتبة القوابل و مرتبة الماهيات و احكامها و لواحقها علي مانطق به الكتاب المجيد و السنة و دلّ عليه العقل السديد فاشار اليه بقوله7 رأيت الارض اه و الكلام في الارض و حقيقتها و مراتبها و احوالها و احكامها طويل الاّ اني اشير الي نبذة من الاخبار الواردة فيها تيمّناً و تبرّكاً ثم ابيّن بعض رموزها و افتح بعض مغلقها.

ذكر بعض السادات الاجلاّء في بعض مؤلّفاته عن الصادق7 انه قال الارض سبع منهنّ خمس فيهن خلق من خلق الربّ و اثنتان هواء ليس فيهما شي‏ء و في تفسير القمي عن اميرالمؤمنين7 الارض مسيرة خمسمائة عام الخراب منها مسيرة اربعمائة عام و العمران منها مسيرة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 59 *»

مائة عام هـ و في الدرّ المنثور عن النبي9 ان الارضين بين كل ارض و التي تليها مسيرة خمسمائة عام و العليا منها علي ظهر الحوت قد التقا طرفاه في السماء و الحوت علي الصخرة و الصخرة بيد الملك و الثانية مسجن الريح فلمّا اراد اللّه ان‏يهلك عاداً امر خادم (خازن في المصدر) الريح ان‏يرسل عليهم ريحاً يهلك عاداً فقال ارسل عليهم من الريح قدر منخر الثور /فقالت له الجبال ان‏يكفي (فقال له الجبار اذن تكفأ في المصدر) الارض و من عليها ولكن ارسل عليهم بقدر خاتم فهي التي قال اللّه تعالي في كتابه ماتذر من شي‏ء اتت عليه الاّ جعلته كالرميم و الثالثة فيها حجارة جهنم و الرابعة فيها كبريت جهنم قيل يا رسول‏اللّه للنار كبريت قال9 نعم و الذي نفسي بيده ان فيها لاودية من كبريت لو ارسل فيه (فيها في المصدر) الجبال الرواسي لماعت و الخامسة فيها حيّات جهنم ان افواهها كالاودية تلسع الكافر اللسعة فلايبقي منه لحم و لا وضم و السادسة فيها عقارب جهنم ان ادني عقربة منها كالبغال المؤكفة (/تضرب الكافر ضربة ينسيه ضربها حرّ جهنم زيادة في المصدر) و السابعة فيها ابليس مصفّداً بالحديد يد امامه و يد خلفه فاذا اراد اللّه ان‏يطلقه لمايشاء اطلقه و عن الصادق7 ان اللّه خلق النهار قبل الليل و الشمس قبل القمر و الارض قبل السماء و وضع الارض علي الحوت و الحوت علي الماء و الماء علي الصخرة و الصخرة علي عاتق ملك و الملك علي الثري و الثري علي الريح العقيم و الريح علي الهواء و الهواء تمسكه القدرة و ليس تحت الريح العقيم الاّ الهواء و الظلمات و لا وراء ذلك سعة و لا ضيق و لا شـي‏ء يتوهّم في روضة الكافي في حديث زينب العطّارة و قد سألت رسول‏اللّه9 عن عظمة اللّه جلّ جلاله قال9ساحدّثك عن بعض ذلك ثم قال9 ان هذه الارض بمن عليها عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قي و هاتان بمن فيهما و من عليهما عند التي تحتها كحلقة ملقاة في فلاة قي و الثالثة كذلك حتي انتهي الي السابعة و تلا هذه الاية خلق سبع سموات و من الارض مثلهنّ يتنزّل الامر بينهنّ و السبع الارضين بمن فيهنّ و من عليهنّ علي ظهر الديك كحلقة ملقاة في فلاة قي و الديك له جناحان جناح في المشرق و جناح في المغرب و رجلاه في التخوم و السبع و الديك بمن فيه و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 60 *»

من عليه علي الصخرة كحلقة ملقاة في فلاة قي و الصخرة بمن فيها و من عليها علي ظهر الحوت كحلقة ملقاة في فلاة قي و السبع و الديك و الصخرة و الحوت (بمن فيه و من عليه في المصدر) علي البحر المظلم كحلقة ملقاة في فلاة قي و السبع و الديك و الصخرة و الحوت و البحر المظلم علي الهواء الذاهب كحلقة ملقاة في فلاة قي و السبع و الديك و الصخرة و الحوت و البحر المظلم و الهواء علي الثري كحلقة ملقاة في فلاة قي ثم تلا هذه الاية له ما في السموات و ما في الارض و مابينهما و ماتحت الثري ثم انقطع الخبر عند الثري الحديث و في حديث ابن السلام عن النبي9قال اخبرني عن الارض ممّ خلقت قال من زبرجد قال فالزبرجد ممّ خلق قال9 من الموج قال فالموج ممّ خلق قال9 من البحر قال صدقت يا محمّد فكيف ذلك قال9ان اللّه عزّوجلّ لمّا خلق البحر امر الريح ان‏تضرب الامواج حتي اذا ازبدت امواجه ثم امرها ان‏تجتمع فاجتمعت ثم امرها ان‏تلين فلانت ثم امرها ان‏تعتدل فاعتدلت ثم امرها ان‏تمتدّ فامتدّت فصارت ارضاً قال صدقت فاخبرني من اين سكونها قال9 من جبل قاف و هو اصل اوتاد الارض التي نحن عليها قال فاخبرني ماتحت هذه الارض قال تحتها ثور قال و ماصفته قال يا ابن سلام له اربع قوائم و هو قائم علي صخرة بيضاء قال ماصفته قال9له اربعون قرناً و اربعون سناً رأسه بالمشرق و ذنبه بالمغرب و هو ساجد للّه تعالي الي يوم القيمة من القرن الي القرن مسيرة خمسين الف سنة قال ماتحت الصخرة قال9جبل يقال له الصعود قال و لمن ذلك الجبل قال9 لاهل النار يصعده المشركون الي يوم القيمة و هو مسيرة الف سنة حتي اذا بلغوا اعلي ذلك الجبل ضربوا بمقامع فيسقطون الي اسفله فيسحبون علي وجوههم قال ماتحت ذلك الجبل قال ارض قال مااسمها قال9 جارية قال ماتحتها قال9 بحـر قال و مااسمه قال9 سهسك قال فماتحت ذلك البحر قال9 ارض قال و ما

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 61 *»

اسمها قال9 ناعمة قال و ماتحتها قال9بحر قال و مااسمه قال9 الزاخر قال و ماتحته قال ارض قال و مااسمها قال فسيحة قال فصف لي هذه الارض قال9 هي ارض بيضاء كالشمس و ريحها كالمسك و ضوئها كالقمر و نباتها كالزعفران و يحشر عليها المتّقون يوم القيمة قال صدقت يا محمّد قال فاخبرني اين تكون هذه الارض التي نحن عليها اليوم قال9 تبدّل هذه الارض غيرها قال و ماتحت تلك الارض قال9 البحر قال و مااسمه قال9 القمقام قال و مافيه قال9 الحوت قال و مااسمه قال9 بهموت قال صدقت يا محمّد فصف لي الحوت قال9 رأسه بالمشرق و ذنبه بالمغرب قال فما علي ظهره قال9 الارض و البحار و الظلمة و الجبال قال فما في عينيه قال9 سبعة ابحر في كلّ بحر سبعون الف مدينة في كلّ مدينة الف لواء تحت كلّ لواء سبعون الف ملك قال فمايقولون قال9 يقولون لااله الاّاللّه وحده لاشريك له له الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو حي لايموت بيده الخير و هو علي كلّ شي‏ء قدير قال صدقت يا محمّد فاخبرني ماتحت الريح قال9 الظلمة قال فماتحت الظلمة قال9 الثري قال فماتحت الثري قال9 لايعلمه الاّ اللّه عزّوجلّ.

و اعلم ان الارض لها اطلاقات كثيرة و جامعها ثلث: الاول الارض البسيطة و هي صرف العنصر البرودة و اليبوسة. الثاني الارض البيضاء محشر المتّقين و مسكن المؤمنين العارفين. الثالث الارض السوداء مسكن الشياطين و محشر المنافقين الفاسقين الظالمين و الاطلاقات الاخر كلّها لمقامات هذه المراتب كلّها اما مجتمعة او متفرّقة و اصل الارض و حقيقتها هي ماذكرنا من البرودة و اليبوسة الصرفة و منشأهما الجهة السفلي في فيكون عند صدور الامر كـن و «انوجد» عند قوله «اوجدته» و قوامهما بكلمة كـن و الوجه الاعلي من فيكون

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 62 *»

سماء و الوجه الاسفل ارض.

و كيفية تكوّنها ان اللّه عزّوجلّ خلق بقدرته خلقاً القي فيه مثالها اي مثال القدرة فظهر حاكياً لصفتها فكان بذلك ياقوتة حمراء لان القدرة هي نار الشجرة و مثالها و صفتها الصلابة و الجفاف و الحمرة فاجتمعت كلّها في الياقوتة و هذا الخلق هو مظهر القهارية و العلوّ و الجلال ثم نظر سبحانه اليه بنظر العظمة المستدعية للكثرة المتحصّلة بكثرة الشئون و الروابط و الميولات المستدعية لكثرة الرطوبات فماع ذلك الخلق اي الياقوتة فذابت و تفرّقت الشئون المجتمعة و الصفة الحاكية و ارتفع التمايز و صارت شيئاً واحداً ثم ان اللّه عزّوجلّ امر الريح و هي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و هو الامكان من حيث روابطها بالمفعولات و تعلّقها لها عند تكوينها و تقطيرها بعد تعفينها و تفصيل المراتب المجتمعة الي الاحوال المتمايزة فاحدثت الريح فيها حرارة و رطوبة مهيّجة لما قداستجنّت فيها و تصادمت الاجزاء و اضطربت الي ان ظهرت كلّ المراتب منفصلة لازمة لمقامها فتصاعدت اللطائف و الشعلات النارية و الامثلة الظاهرة في الجوهرة الياقوتة و اجتمعت الكثافات النازلة فانعقدت زبداً باقية علي وجه الماء فاللطائف هي السماء و الكثافات اكثفها الارض فيجب ان‏يكون ساكنة لكونها طبع الموت و عدم الحرارة المستلزمة للتهيّج و الانبعاث و لكثرة اكتنافها بالاعراض و الدواعي المانعة عن الحركة هذه حكمها في نفسها و اما باعتبار تقوّمها بمبدئها فهي تتحرّك اليها حركة استمداد و اما قوله عزّوجلّ و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمرّ مرّ السحاب فمن جهة مافيها من الحرارة القويّة المستجنّة فيها كماذكرنا غير مرّة.

و لمّا كانت الارض هي الماهية و القابلية و هي لاتتمّ الاّ في سبعة ايام لان الستة حدود تمام القابلية و السبعة مقام اجتماعها و تراكمها و صيرورتها شيئاً واحداً كانت الارض سبع طبقات و لمّا كانت السماء هي وجه الفاعل المتعلق بالمفعول و ذلك واحد يختلف و يتعدّد بتعدّد الحدود وجب انقسام ذلك النور ايضاً الي سبعة لانه انما يتقدّر في هذه السبعة فكانت السموات ايضاً سبعة قال عزّوجلّ هو الذي خلق سبع سموات و من الارض مثلهن يتنزّل الامر بينهنّ و اما العرش

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 63 *»

و الكرسي فهما فوقها لكونهما ظهوري الاسمين الاعلين اللذين اذا اجتمعا افترقا و اذا افترقا اجتمعا فهذه حقيقة القول في السماء و الارض و اصله.

و هذه الارض هي الارض البسيطة الصرفة الساذجة و هي الارض الاولي قبل دوران الشمس و الكواكب عليها و محاذاتها و مقابلتها بالمبادي العالية لتنقسم الي ارض الجرز و ارض الكبريت و ارض السبخة و امثالها و هذا في كلّ عالم فالسماء هو النور الالهي و الفيض السرمدي و الارض هي القابلية و الانّية فلمّا اقترن القابل بالمقبول و اتصل العالي بالسافل و امتزجت النطفتان نطفة الاب التي هي السماء و نطفة الامّ التي هي الارض فاختلف الاولاد فمنهم من يشابه اباه و منهم من يشابه امّه مع اشتراك المجموع فيما من الاب و ما من الامّ و ما من اللّه فصار مايشابه الاب و يشاكله قد اجري عليه حكمه و مايشاكل الامّ و يشابهها اجري عليها حكمها و هو قوله عزّوجلّ هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها و بثّ منهما رجالاً كثيراً و نساء فكذلك اختلف حكم السماء و الارض اذ بعد انبساط الفيض و جريانه علي القوابل فكل‏ما كثر فيه النور و غلب عليه السرور بطل حكم القابلية فيه بحيث اضمحلّ فكان سماء و سمّي باسمها حقيقة فهذا تلطّف و استعلي و كلّ‏ما قلّ فيه النور و غلب عليه الماهية المظلمة الغاسقة كان ارضاً و سمّي باسمها حقيقة فصار يستمد من الذي فوقه و غلب عليه النور فجريا في الطبقات و الاحوال مجري ماقلنا فتعدّدت السموات و الارضون في كل عالم من العوالم.

و لك ان‏تجعل العالم السفلي بسمائه و ارضه ارضاً للعالم العلوي و لذا نقول ان محدّب محدّدالجهات و هو السطح الاعلي من الفلك الاعلي الذي ليس في السموات الطف و لا اعلي و لا اشرف منه ارض لعالم المثال في عالم الاشباح وهكذا سطح محدّب فلكه الاعلي ارض بالنسبة الي عالم النفوس و علي هذا القياس و هذا حكم ثانٍ يجري في كلّ ذرات الوجود.

و الحكم الثالثي ان العوالم و المراتب تختلف في غلبة الحكم الغالب و ظهوره فيختصّ كلّ من الغالب بالاسم الخاص به من السماء و الارض و من هنا اختلفت اطلاقات

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 64 *»

الارض بين ما اطلقت علي الانوار و اطلقت علي الظلمات و هما باعتبار ملاحظتها مقابلة للشمس و الكواكب و مستمدة منها ما هو من سنخها و جنسها و ملاحظة عكسها فبالاولي تطلق علي الانوار في هذا المقام اي مقام ظهور القابلية و بالثانية تطلق علي الظلمات.

فمن الاطلاقات و هي اعلاها اطلاقها علي ارض الامكان الراجح و هي اعلي الاراضي و تنتهي كلّها اليها فماتتجاوزها ابداً و هذه الارض قبل الاكوان و قبل الاعيان و سماء هذه الارض هي المشية الامكانية و الظهور الكلّي الاولي السرمدي.

و منها ارض الجرز و البلد الطيّب و القابلية الاولي و الدواة الاولي و هي الحقيقة المحمّدية9 علي معنيين: احدهما ملاحظة كونها محلّ المشية فتكون هذه الارض هي نور الانوار و النور الذي منه و به الانوار و البهاء الذي هو ابهي البهاء و اشرفه و الامر الذي قام به كلّ شي‏ء و الماء الذي حيي به كلّ شي‏ء و سماؤها هي المشية الكونية المسبوقة بالعلم قال عزّوجلّ و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بماشاء لان تلك الارض ماتنبت الاّ مااتاها من سمائها فافهم و قوله7 فبعلمه كانت المشية. و ثانيهما هو الزيت الذي يكاد يضيئ ولو لم‏تمسسه نار و سماء هذه الارض هي مسّ النار قال عزّوجلّ يكاد زيتها يضيئ ولو لم‏تمسسه نار.

و منها ارض الامكان الجائز و هو العمق الاكبر و هي كلّ الممكن و هي مطارح اشعة كواكب سماء المشية الكونية الظاهرة في العقل الكلّي و النور المحمّدي9 و المصباح الذي في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درّي.

و منها ارض النفوس قال تعالي اولم‏يروا انّا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال7بموت العلماء فجعل العالم طرف الارض و نهاياتها و هو اخر ماتنتهي اليه الارض و العلم في الصدر الذي هو النفس قال الصادق7 اذا تحقق في الصدر خاف و قال تعالي انما يخشي اللّه من عباده العلماء و قال مولينا علي بن الحسين8 في الصحيفة لا علم الاّ خشيتك و لا الحكم الاّ الايمان بك ليس لمن لم‏يخشك علم و لا لمن لم‏يؤمن بك حكم و انما اطلقت الارض علي النفس دون العقل للحكم الثالث فان القابلية و الحدود و الكثرات و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 65 *»

الاضافات و القرانات التي هي حدود الماهية و جهاتها اكثر و اشدّ بالنسبة الي العقل و فيه ليس الاّ جهة الوحدة و الاجمال و العموم و الانبساط الذي هو مقتضي الفيض الاوّل و بذلك كان العقل سماء لغلبة النور فيه و النفس ارضاً لغلبة الظلمة فيها و لذا كانت النفس نوراً اخضر و العقل نوراً ابيض.

و منها الامام7 و هو الوصي7 و السماء هو النبي9 قال تعالي و الارض وضعها للانام فيها فاكهة و النخل ذات الاكمام و قال عزّوجلّ و لاتمش في الارض مرحاً انك لن‏تخرق الارض و لن‏تبلغ الجبال طولاً و الارض في الموضعين و المواضع الاخر في القرءان قد فسّرت بالامام فانه7 محلّ الرسالة و مطرح فيوضات النبوة و مقام التميّز و التفصيل كما كانت النبوة مقام الوحدة كالسماء بالنسبة الي الارض قال اللّه عزّوجلّ عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و قال رسول‏اللّه9 مااختلف في اللّه و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي.

و منها الصديقة الطاهرة علي ابيها و بعلها و بنيها و عليها الصلوة و السلام لانها موقع النجوم و محلّ ظهور تفاصيل الولاية و سماؤها هو اميرالمؤمنين7 قال اللّه عزّوجلّ افلاينظرون الي الابل كيف خلقت و هو اميرالمؤمنين7 و الي السماء كيف رفعت و هو رسول‏اللّه9 و الي الجبال كيف نصبت و هم الائمة الهداة صلوات اللّه عليهم و الي الارض كيف سطحت و هي المطهّرة الزهراء صلّي اللّه عليها.

و منها الصورة مطلقاً نوعية كانت ام شخصية و سماؤها المادة و الوجه ظاهر و اليها الاشارة بقوله عزّوجلّ و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و الوجه ظاهر فيهما.

و منها مطلق الزوجة و سماؤها الزوج.

و منها هذه الارض و المعروفة التي هي مسكن ابداننا. و هذه الاطلاقات ليست مجازات و اما هي حقايق اولية و هذه الارض حقيقة بعد حقايق كثيرة فهي مجاز لها و حقيقة في مقامها و محلّها لان الواضع حكيم فلايجعل المتبوع تابعاً ابداً و التابع متبوعاً ابداً الاّ في ظاهر الغلبة لحكم التمكين فافهم.

و قوله7 رأيت الارض يريد هذه المعاني كلّها و رؤيتها رؤية احاطة و علّيّة لا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 66 *»

مشاهدة و عيان خاصة لان اللّه عزّوجلّ اشهده /اللّه (زائد ظ) خلق السموات و الارض و خلق نفسه و اتخذه عضداً لخلقه و جعله وليّاً من العزّ و ملأ به السموات و الارض حتي ظهر ان لا اله الاّ اللّه لانه يساوي علي ولي‏اللّه فافهم.

قوله7 ملتفّة اي مطبقة طبقات علي الاستدارة بحيث يكون بعضها في الاخر و هي حقيقة واحدة قدانقسمت الي هذه الطبقات بعضها علي الاخر و لذا شبّهها بالتفاف الثوب المقصور و تلك الطبقات الملتفّة بعضها ببعض سبعة علي مادلّ عليه العقل و النقل و قد اختلف تعبيرات اهل‏البيت: عن تلك الطبقات بحسب الجهات و الملاحظات الاّ ان ماذكرنا (بماذكرنا ظ) من القاعدة الكليّة في الارض و مراتبها يتبيّن (تبيّن ظ) لك الامر و جُمِعَ  تلك الاخبار من غير منافرة و مضادة لانا قد بيّنا ان اصل الارض و حقيقتها هي القابلية و السماء هي المقبول و بعبارة اخري ان السماء وجه الفاعل و الارض قابليته و مظهره فعلي‏هذا اذا تطابقت السموات فيكون كلّ ارض تحت سمائها لاستحالة الانفكاك فتكون ارض السماء الاولي فوق السماء الثانية وهكذا و اليه اشار مولينا الرضا7 في الحديث الذي رواه في مجمع‏البيان عن علي بن ابرهيم عن ابيه عن الحسين بن خالد عن ابي‏الحسن الرضا7 قال قلت له اخبرني عن قول اللّه عزّوجلّ والسماء ذات الحبك فقال محبوكة الي الارض و شبّك بين اصابعه فقلت كيف تكون محبوكة الي الارض و اللّه تعالي يقول رفع السموات بغير عمد فقال سبحان‏اللّه أليس اللّه يقول بغير عمد ترونها قلت بلي قال فثمّ عمد ولكن لاتري فقلت فكيف ذلك جعلني اللّه فداك قال فبسط كفّه اليسري ثمّ وضع اليمني عليها قال7 هذه ارض الدنيا و السماء الدنيا فوقها قبة و الارض الثانية فوق السماء الدنيا و السماء الثانية فوقها قبة و الارض الثالثة فوق السماء الثانية و السماء الثالثة فوقها قبة ثم هكذا الي الارض السابعة فوق السماء السادسة و السماء السابعة فوقها قبة و عرش الرحمن فوق السماء السابعة و هو قوله تعالي خلق سبع سموات و من الارض مثلهنّ يتنزّل الامر بينهنّ فاما صاحب‏الامر فهو النبي9 و الوصي من بعده قائم هو علي وجه الارض و انما يتنزّل الامر اليه من فوق السماء من بين السموات و الارض قلت فما

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 67 *»

تحتنا الاّ ارض واحدة قال7 و ماتحتنا الاّ ارض واحدة و ان الستّ لفوقنا هـ و يريد7 بهذه الارضين هو الاصل الارض البسيطة الصرفة و هي قابلية كلّ سماء فوجودهما متساوق لاتكون السماء الاّ بالارض و لا الارض الاّ بالسماء و لذا جعلها عموداً و هو القيام التحققي فاذا قطعت النظر عن الارض لم‏تكن السماء سماء لمابينهما من المساوقة و التضايف فبطل ماتوهّم بعض العلماء من هذا الحديث الشريف انه7 جعل محدّب كلّ سماء ارضاً لمقعر السماء التي فوقها اذ كلّ سماء منفصلة عن الاخري و ليس قوام احدهما بالاخري من حيث هي سماء و اما الملاحظة الثانية اي جعل كلّ سافل ارضاً للعالي فهي و ان كانت صحيحة الاّ انها لاتستقيم هنا لان هذه السموات المعروفة في صقع واحد ليس بينهما ترتّب شرف و علوّ و سفل مع ان الشمس اعلي السموات و اشرفها و باقي السموات كلّها بالنسبة اليها ارض مع انها في السماء الرابعة و مجرّد العلوّ الحسّي و التقدّم الزماني لايوجب الارضية والاّ كانت القشر سماء لللبّ و الجسد للروح مع ان الامر بعكس ذلك بالبديهة. و لهذا الحديث الشريف معني اخر ذكره شيخي اطال اللّه بقاه في بعض اجوبة المسائل.

و اذا نظرت الي الارض من حيث نفسها و ادبارها و نتنها و كثافتها فهي حينئذ تكون تحت السموات (السماء خ‏ل) السابعة (السبعة ظ) كلّ طبقة وادٍ من اودية جهنم لغلظة الانيّة و ظلمة الماهية و هي كما وصفها رسول‏اللّه9 فيماتقدّم من الحديث ان الارض الثانية مسجن الريح و الارض الثالثة فيها حجارة جهنم الي اخر ماقال و اذا نظرت الي مقام التعاكس و جعلت كلّ ارض ضدّاً و (او خ‏ل) ظلاًّ و عكساً لسماء فتكون اذن الارض الثانية اوسع و اعظم من الارض الاولي لان ظلّ كلّ سماء علي حسب تلك السماء و هو ماورد عن النبي9 كما تقدّم ان الارض الاولي بمن عليها و فيها في الارض الثانية كحلقة ملقاة في فلاة قي و الثانية بمن فيها و عليها مع الارض الاولي بالنسبة الي الارض الثالثة كحلقة ملقاة في فلاة قي وهكذا الي اخر ماذكـر9 و في هذا المقام

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 68 *»

وضع لكلّ ارض اسم فالسابعة اسمها ارض الشقاوة و السادسة اسمها ارض الالحاد في مقابلة السماء السادسة و الخامسة اسمها ارض الطغيان في مقابلة السماء الخامسة و الرابعة اسمها ارض الشهوة في مقابلة السماء الرابعة و الثالثة ارض الطبع في مقابلة السماء الثالثة و الثانية ارض العادات في مقابلة السماء الثانية و الاولي ارض الممات في مقابلة السماء الدنيا سماء الحيوة و لمّا كان كلّ سماء اوسع من الذي تحتها كان كلّ ارض اوسع من الذي فوقها لان ظلّ الاعلي اسفل و الي هذه السبعة اشار مولينا الصادق7 في الحديث المتقدّم ان الارض سبع منهن خمس فيهن خلق من خلق الرب و اثنتان هواء ليس فيهما شي‏ء و يريد7 بهما ارض الشهوة و ارض الممات فان ظلّ الوجود عدم مجتثّ و ظلّ الحيوة موت ففيهما ظلمة صرفة ليس فيهما شي‏ء من التمايز و التشخّصات كما في الخمسة الاخر فان الارض الرابعة ظلّ فلك الشمس و الارض الاولي ظلّ فلك القمر فعلي هذا التقدير لايجوز ان‏تكون تلك الطبقات اجساماً كالارض المعروفة و انما هي ارواح لنصّ قوله7 ان الثانية اوسع من الاولي فلو كانت جسماً كانت في جوف هذه الارض فلم‏تكن اوسع و لقول الرضا7 و ليس تحتنا الاّ ارض واحدة و تمام الكلام في ذلك يأتي ان شاء اللّه تعالي فترقّب.

او يكون المراد بالالتفاف عدم ظهور بسطها و سعتها و بروز عشبها و ثمرها و الانوار المستجنّة فيها و الحقايق المستقرّة فيها لاحاطة الظلمة و تقدّم الليل و سيكون لها ظهور و بسط و انتشار و سعة و احاطة. اما الارض الاولي اي ارض الامكان الراجح فقد خفيت اثارها و ظهوراتها بكثرة التغيّرات و التبدّلات و الكثافات و طريان العدم و الفناء و الفقر الي الاسباب و ظهور الاسباب المخصوصة الجزئية و كذلك الارض الثانية التي هي الحقيقة المحمّدية9 و لذا قد اختلف الناس فيهم فمن قائل بانهم: ارباب و من قائل بتقدّم غيرهم عليهم و من قائل بعدم حظّ لهم في الاسلام و من قائل بانهم رعايا كساير المخلوقين و من قائل بانهم حجج اللّه و اولياؤه و هم في هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 69 *»

القول مختلفون اختلافاً شديداً يطول بذكره الكلام و ماظهر كونهم محلاً للمشية الاّ لقليل من خواص المؤمنين الممتحنين فلو لم‏يكن امرهم مطويّاً ملتفّاً لماوقع الاختلاف لكنهم اوقعوا الاختلاف باخفاء اللطيف ليصحّ التكليف و يمتاز الخبيث من الشريف و سيظهر الامر بعد الخفاء و يدخلون المسجد عوداً كما دخلوه اول مرّة فينكشف الغطاء و يرجع الامر كلّه الي اللّه هنالك الولاية للّه الحق هو خير ثواباً و خير عقباً و كذلك الارض الثالثة اذ قدطويت اثارها و خفيت اثقالها و ماظهر للناس مالها و لذا تريهم يستحيلون كثيراً من الامور الممكنة بل المتحققة في عالمها كحكمهم باستحالة انفكاك اللازم من الملزوم و بامتناع وجود الحقايق المطلقة معرّاة عن القيودات الشخصية كقولهم «الشي‏ء ما لم‏يتشخّص لم‏يوجد» و بامتناع وجود كلّ مايوجد في الذهن و يتصوّر في الخارج و امثالها من الامور التي يطول بذكرها الكلام و ستنبسط تلك الارض و تظهر المستجنّات الكاملة فيها يوم تبدّل الارض غير الارض و يقال لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد و كذلك الارض الرابعة و قدقال اللّه عزّوجلّ و مااوتيتم من العلم الاّ قليلاً و قال عزّوجلّ و اذ لم‏يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم و قال عزّوجلّ بل كذّبوا بما لم‏يحيطوا بعلمه و لمّايأتهم تأويله و قال اميرالمؤمنين7 اندمجت علي مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوي البعيدة و قال مولينا سيدالعابدين7 :

انّي لاكتم من علمي جواهره   كيلا يري الحق ذوجهل فيفتتنا
و قد تقدّم في هذا ابوحسن   الي الحسين و وصي قبله الحسنا
يا ربّ جوهر علم لو ابوح به   لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
و لاستحلّ رجال مسلمون دمي   يرون اقبح مايأتونه حسنا

و قال مولينا الصادق7 ذكرت التقية يوماً عند علي بن الحسين8 فقال7 لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لقتله ان علم العلماء صعب مستصعب لايحتمله الاّ ملك مقرّب او نبي مرسل او مؤمن امتحن اللّه قلبه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 70 *»

للايمان انما قلت علم العلماء لان سلمان من العلماء هـ و قال7 ايضاً ما كلّ‏ما يعلم يقال و لا كلّ‏ما يقال حان وقته و لا كلّ‏ما حان وقته حضر اهله هـ و هذا معلوم تشهد به البديهة فان العلم لم‏يزل مكنوناً مخزوناً عند اهله فاذا ان اوان انبساط الارض و تبديلها بالارض الطيّبة الطاهرة تنتشر العلوم و تنبسط المعارف فـ يغن اللّه كلاًّ من سعته و كذلك الارض الخامسة و السادسة و الوجه في التفافهما و طيّهما و عدم انتشارهما و انبساطهما معلوم مستغنٍ عن البيان و كذلك ظهورهما و انبساطهما لما قدخرق الاسماع و ملأ الاصقاع من امر الرجعة و القيمة و انهم ولاة الامر و اولياء الحساب و مقدّروا الثواب و العقاب و كذلك الارض السابعة فان هذه الارض تنبسط و تنتشر في الاخرة بحيث انّ من ادّي زكوة ماله يخلق اللّه عزّوجلّ فرساً احسن جواد في الدنيا فيقال للمؤمن اركب هذا الفرس و اركض في ارض الجنة سنة فمابلغ جوادك فهو لك و انه ليقطع في كلّ طرفة عين مقدار الدنيا سبع مرات و كلّ يوم من السنة كالف سنة مماتعدّون فاستبصر من ذلك ضيق هذه الارض و التفافها و طيّها و عدم نموّ اشجارها و نضج ثمارها و جريان مياهها و عذوبتها و حلاوتها و طهارتها و شوبها بالكدورات و الكثافات و الرذائل و الدناءات.

ثم اعلم انه قد تقرّر عندنا ان المشبه في القرءان و الاخبار عين المشبه به فقوله7كالتفاف الثوب المقصور ليس المراد ان الثوب المقصور شي‏ء و الارض الملتفّة شي‏ء اخر كقولك زيد كالاسد بل الثوب المقصور هو عين الارض الملتفّة و ليس هذا بمجاز و انما هو حقيقة اصلية لان الارض قدقلنا سابقاً انها هي القابلية و جهة الانفعال و القابلية هي الصورة كما ان الاثر الصادر من الفاعل الذي هو وجه الفاعل هو المادة و الصورة ثوب و لباس لان المادة هي الاب و الصورة هي الام لقول الصادق7 ان اللّه خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امّه ابوه النور و امّه الرحمة فاذا صحّ ان الارض هي الصورة و الصورة هي الام و الليل منشأ العلة الصورية لان سلطانه و ايته القمر و منه الصورة الجسمية كما ان من الشمس المادة العنصرية

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 71 *»

فقد قال اللّه عزّوجلّ هنّ لباس لكم و انتم لباس لهنّ و قال عزّوجلّ و جعلنا الليل لباساً فتكون الارض هي الثوب في كلّ درجاتها و مقاماتها فافهم ان كنت تفهم والاّ فاسلم تسلم.

و اما توصيفها بالمقصور اشارة الي طبقاتها و كونها حقيقة واحدة متطبقة بطبقات لان‏تسلم من الاعدام و الافناء علي التفصيل الذي ذكرناه و سيأتي قريباً ان شاء اللّه تعالي اوان لبس هذا الثوب فيزول هذا الالتفاف و ينبسط الطوي لكن هذا الثوب علي قسمين: ثوب من نار و ثوب من نور فالثوب الذي من النار هي طينة سجين خبال جهنم التي قد خلق اللّه سبحانه منها الكفار و المنافقين و المشركين فقال لهم للنار و لاابالي و الثوب الذي من النور هي طينة عليّين من بحر المزن و الصاد التي قدخلق اللّه عزّوجلّ منها المؤمنين الموحّدين و الانبياء و المرسلين و الملائكة المقرّبين و اهل الخير اجمعين ففي دار التكليف يكون الثوبان ملتفّين مطويّين في ظاهر الامر فاذا انقطع التكليف تري كلّ احد لابساً ثوبه و ماربّك بظلاّم للعبيد.

و قولي في دار التكليف مرادي قبل تمييز الخبيث من الطيّب و مادام حكم الخلط و المزج باقياً قال اميرالمؤمنين7 لو خلص الحق لم‏يخف علي ذي حجي ولكن اخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فامتزجا فهنالك هلك من هلك و نجي من سبقت له من اللّه الحسني و اول ظهور الثوبين اذا خرج مولينا و سيّدنا القائم عجّل اللّه فرجه و سهّل مخرجه فيأخذ الامر في الظهور و الامتياز الي ان‏تظهر الجنّتان المدهامّتان في ظهر الكوفة ثم كمال الظهور علي التفصيل يوم حشرناهم فلم‏نغادر منهم احداً و الرجعة يوم و يوم نحشر من كل امّة فوجاً ممن يكذّب باياتنا و هم الفريقان اي ماحض‏الايمان محضاً و ماحض‏الكفر و النفاق و الطغيان.

قوله7 و هي في خرق من الطتنج الايمن ممايلـي المشرق اعلم ان الوجود ينقسم الي سماء و ارض و الارض تنقسم الي ارض طيّبة و ارض خبيثة قال اللّه تعالي و البلد الطيّب يخرج نباته باذن ربه و الذي خبث

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 72 *»

لايخرج الاّ نكداً و الجهة باعتبار حركة الشمس تنقسم الي قسمين شرق و غرب و الطتنج باعتبار الجهة ينقسم الي قسمين يميني و شمالي و لا ريب ان السماء اشرف من الارض و الارض الطيّبة اشرف من الارض الخبيثة و مايلي المشرق اشرف ممايلي المغرب لان الذي يلي المشرق نور و الذي يلي المغرب ظلمة و لا ريب ان النور اشرف من الظلمة و ان كانت جهة الغرب لكونها طبع الرحمة اشرف من جهة الشرق لكونها طبع الغضب و الطتنج الايمن اشرف من الطتنج الايسر فاذا نظرنا الي القاعدة المطرّدة و الاصل المؤسّس في قوله عزّوجلّ الطيّبات للطيّبين و الطيّبون للطيّبات و الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات وجب ان‏نحمل الاشرف علي الاشرف لئلاتنخرم القاعدة و يبطل الاصل الكلّي فوجب ان‏نحمل قوله7 و هي في خرق اه بالارض الطيّبة لا مطلق الارض اذ ليس الكلام في المطلق و الحقيقة و انما هو في الافراد الشريفة و الكثيفة لان مقتضي الحكمة حمل المناسب علي المناسب علي انّه لو كان مطلق الارض فما الذي يكون في خرق من الطتنج الايسر ان كان هو السماء فباطل بالضرورة و ان كان هو الارض فقد جعلت الارض كلّها في الطتنج الايمن و ان كان هو الظلمة و البحر و الحوت و الصخرة و الثور و الثري و تحت الثري فهل الاراضي الخبيثة المتقدّمة داخلة فيها ام لا فان كانت داخلة فخلصت الاراضي الطيّبة للطتنج الايمن و ان لم‏تكن داخلة فيلزم خلاف الحكمة اذ كلّ شي‏ء له مقام معلوم و حدّ معيّن عند اللّه و عند اوليائه فثبت ماقلنا من التخصيص و انما خصّ الارض الطيّبة و الطتنج الايمن في الذكر دون المجموع كمايقتضيه مقام التفصيل لان الباطل و الخبيث مجتثّ مقصود بالعرض لا قوام له الاّ بالمقصود بالذات فاذا ذكر المقصود بالذات في الايجاد و الاحداث فيدخل تحت ذكره المقصود بالعرض فيذكر معه في مقام التضادّ فتحصل به الغاية مع ماهو المطلوب في الكلام و الاداء من الايجاز المؤدّي الغير المخلّ.

و فيه سرّ اخر لبيان انهم منسيّون قال اللّه تعالي نسوا اللّه فنسيهم مع انه7 يذكر فيمابعد تفصيل احوالهم و شرح مستجنّات ضمائرهم و اسرارهم و التفصيل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 73 *»

المطلوب انما هو هذا بان‏يذكر جميع خصوصيات الحقايق و المعاني من غير تكثير الالفاظ فان ذلك دليل كمال البلاغة و الفصاحة كما ان الثاني دليل كمال العجز و عدم الاطلاع علي مأخذ الالفاظ و المباني و لذا تري القرءان الكريم فانه قد احتوي تفصيل كلّ شي‏ء و هو علي ماهو عليه من الايجاز و الاختصار.

و لمّا شرح7 محلّ الارض و موضعها و مستقرّها و اصلها و حقيقتها اراد7 ان‏يشرح ذلك الاصل و حقيقته ليكون قد ذكر العلم الاعلي و الاسفل بجميع فنونهما و احوالهما فقال7 و الطتنجان خليجان من ماء كأنهما ايسار طتنجين و هذا الماء هو الماء الذي به حيوة كلّ شي‏ء حي و هو الماء الذي خلق اللّه منه بشراً فجعله نسباً و صهراً و هو الماء الذي انزله اللّه من القرءان فكان شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً و هذا هو الماء الذي خلقه اللّه سبحانه قبل خلق كلّ شي‏ء من القلم و اللوح و الكرسي و العرش و السموات و الارضين و هذا الماء هو بحر الصاد و المزن و هو اوّل المداد و هو النون و هو طمطام يمّ الوحدانية و هو امر اللّه عزّوجلّ في قوله و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و هو هيولي الهيوليات و مادة المواد و عنصر العناصر و ذات الذوات و هذا الماء هو ظهور الولاية المطلقة و هو اثر رحمة اللّه عزّوجلّ قال تعالي اولم يروا الي اثار رحمة اللّه كيف يحيي الارض بعد موتها([1]) و هذا الماء لطايف ابخرة صافية متصاعدة من ارض الجواز بحرارة العناية (الغاية خ‏ل) الالهية و الظهورات الفاعلية فهو دائم‏الجريان علي الاراضي الميتة لدوام الحرارة المقابلة و لطايف الابخرة القابلة ولكن هذا الماء من جهة وقوعه علي الاراضي و المتعلقات انقسم قسمين فكان كلّ قسم منه خليجاً مختصاً بجهة من الجهات ينبت النبات و الثمرات علي مقتضي تلك الجهة من الاعتدال و عدمه فسكّر و حنظل و حشيش و غثاء فالخليج الايمن الاعلي محل الانوار و مشرب الاطهار و الخليج الثاني الايسر الاسفل كتاب الفجّار و مورد الاشرار و الثاني هو ظاهر الاول لقوله تعالي فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فالماء واحد و هو مايحصل من البرودة و الرطوبة المستجن فيهما جزء

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 74 *»

من الحرارة المستجنة في جزء من اليبوسة الحاصل من تدبير قمر الولاية الناشي من نظر الكرسي فلك البروج الظاهر في الجوزهر و هذا الماء هو مادة الصور و الحيوة و هي العلة الصورية في الكائنات ففي الارض الطيّبة تظهر الصور الطيّبة الموافقة للرحمة و في الارض الخبيثة تظهر الصور الخبيثة المخالفة للرحمة الموافقة للغضب فيقع البلد الطيّب في خرق من الطتنج الايمن و الارض الخبيثة في خرق من الطتنج الايسر و قوام الامرين بواحد و هو باب مدينة العلم.

و انما جعل7 الارض في خرق من الطتنج مع ان الامر بالعكس علي الظاهر فان الماء يقع علي الارض لا العكس و الماء يتولد منها لا العكس لان الامر في‏الحقيقة بالعكس لانا قد قلنا فيماسبق ان الارض هي القابلية و هي و ان كان بعد التحقق و وقوع المقبول عليه محلاًّ للمقبول الاّ انها لاتتحقق الاّ به لان القابلية حدود و صور لا قوام لها الاّ بالمحلّ و الموضوع الذي هو المقبول و لمّا كانت الارض هي القابلية و الماء هو المقبول كانت الارض متقوّمة بالماء فكانت الارض الطيّبة في الطتنج الايمن و الارض الخبيثة في الطتنج الايسر علي ماذكرنا فالارض هنا عامّة كالماء فافهم.

و لما كان المفعول علي هيئة الفعل و يحكي مثاله و صفته و وجه تعلّقه بل ليست حقيقة المفعول الاّ مثال الفعل و صفته و كان الطتنجان المذكوران اصولي الاكوان و المفاعيل فلايشذّ عنهما شي‏ء منها اراد7 ان‏يبيّن ربوبية ذينك الطتنجين كماقال مولينا الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فالعبودية من حيث الربوبية حقيقة ثانية ثابتة في كلّ‏ما للربوبية فقال7 كأنهما ايسار طتنجين اي كأنّ الخليجين اللذين هما الطتنجين (الطتنجان ظ) حدود و خطوط للطتنجين الاولين المنشعبين (المتشعبين خ‏ل) من بحر الرحمانية فأتي بالكاف لاثبات المثل اي الصفة فالطتنجان اللذان هما اصول المفاعيل نقش فهواني للطتنجين اللذين في مقام الاسماء الفعلية تحت حجاب الرحمانية لان مقام الالوهية مقام الاجمال الصرف و الجمع البحت فلمّا ظهـر اللّه سبحانه بصفة الرحمانية علي العرش فاعطي كلّ ذي حـقّ حقّه و ساق الي كلّ مخلوق رزقه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 75 *»

ظهرت الاسماء المتقابلة المتضادة في مقام اسم الرحمن فكان غافراً و منتقماً رؤفاً عطوفاً و قهّاراً و جبّاراً و محيياً و مميتاً و موجداً و معدماً وهكذا فانقسم الي اسماء الفضل و اسماء العدل الظاهرتين في اليدين المبسوطتين اللتين ينفق بهما كيف يشاء و اليدان هما الطتنجان فهما في المقام الثاني اي مقام المفعول مثالهما في المقام الاوّل اي مقام الفعل في مقام اسم الرحمن لان قبله مقام الوحدة و مقام الكثرة و الاختلاف انما هو في الرحمانية و لذا استوي بها علي العرش و اوّل مقام الكثرة في الاثنين فانقسم الفعل بالمفعول و المفعول بالفعل الي القسمين و هما الطتنجان فتكثّر كلّ قسم من الامرين بعد القسمين الاوّلين و شرح ذلك في الاسماء المخصوصة الجزئية هذا هو العبارة الحقيقية في الواقع.

اما العبارة الظاهرية تحت الاولي (الاوّل خ‏ل) فاعلم ان الرحمن هو الظاهر بالرحمة الواسعة و هذه الرحمة لها طرفان (ضربان خ‏ل) فضل و عدل فالاول هو الرحمة المكتوبة و هو الطتنج الايمن الاعلي و هو رحمة الفضل و الثاني هو رحمة العدل و هي التي تشمل الكافر و تسعه في النار و هو الطتنج الايسر الاسفل و الماء المفعولي النازل من ذلك السحاب و هو القرءان ايضاً ينقسم الي القسمين فقسم يحكي رحمة الفضل و هي الذوات الطيّبة و القسم الاخر يحكي رحمة العدل و هي الذوات الخبيثة و النفوس الغاسقة اللئيمة فالطتنجان الاخران المنشعبان من الماء هما صفة اميرالمؤمنين7 في مقام الافعال و الظهورات الجزئية و في هذا المقام هو البشر الذي خلق من الماء فجعله نسباً و صهراً فكان هنا الباب الذي باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و هو القوم الذين يحبّون اللّه و يحبّهم اللّه اذلّة علي المؤمنين اعزّة علي الكافرين و هو7 في هذا المقام ذكر الرحمن قال عزّوجلّ و من يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين اي من اعرض عن ولاية علي7 و قال عزّوجلّ و عباد الرحمن الذين يمشون علي الارض هوناً و هم شيعة علي7 و هو7 سبيل‏اللّه فمن سلكه نجي و من تخلّف عنه هلك قال تعالي و ان هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه و لاتتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله و قال عزّوجلّ و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 76 *»

لئن قتلتم في سبيل‏اللّه او متّم قال الباقر7 سبيل‏اللّه هو علي7 و القتل في سبيل‏اللّه هو القتل في سبيل علي7 و هو7 في هذا المقام الباب المبتلي به الناس و هو باب حطّة فمن دخله موقناً بولايته و عارفاً بفرض طاعته سلك سبيل الجنة و من لم‏يدخله و لم‏يؤمن به انحطّ الي اسفل السافلين و هو7 في هذا المقام قسيم الجنة و النار و هو7 هنا نعمة اللّه علي الابرار و نقمته علي الفجار و هو7 هنا بيت‏اللّه الذي من دخله كان امناً و من لم‏يدخله كان هالكاً و هو7 هنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و عنه يسألون و عليه يعرضون و هو7 هنا ساقي اوليائه من نهر الكوثر و ذائد اعدائه عنه و الطتنجان الاوّلان هما طتنج الرحمة و الغضب المنشعبان عن اسم الرحمن /و (زائد خ‏ل) هو معني اميرالمؤمنين7 قد ظهرت الصورة و الصفة علي هيكل المعني قال7 نور اشرق من صبح‏الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره و من هنا تحقّقت الكينونات من الذوات و الصفات و هنا قال روحي فداه انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات فظهرت اثار الغضب به7 في مراتب الجهل و مقامات ادباره و ظهور اسمائه الخبيثة و الحقايق المنتنة المجتثّة و ظهرت اثار الرحمة به7 في العقل و مراتبه و مقامات اقباله و ادباره الذي هو عين اقباله و ظهور اسماء اللّه الحسني و صفاته العليا و كلمته القصوي و هما طتنجان اخران هما باطن هذين الطتنجين و هما طتنج الحيوة و القيّومية المنشعبان من الالوهية و هما باطن اميرالمؤمنين7 و روحي له الفداء و هو7 في هذا المقام معني الاسم الاعظم و محلّه و مظهره و قد قال مولينا الصادق7 ان الحي القيّوم هو الاسم الاعظم و هو في ثلثة مواضع في كتاب اللّه و هو7 في هذا المقام امر اللّه الذي قام به كلّ شي‏ء كما قال7في الدعاء كلّ شي‏ء سواك قام بامرك و هو7 الروح من امر الرب قال7 انا الروح من امر ربي و هو7 امر اللّه الواحدة كما قال تعالي و ما امرنا الاّ واحدة و هو قد ظهـر بالامرين في

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 77 *»

الطتنجين و هو7 ولاية اللّه التي قامت بها الاشياء قال تعالي هنالك الولاية للّه الحقّ قال7 ظاهري امامة و ولاية و باطني غيب لايدرك و هو7 هنا يداللّه الباسطة و رحمته الواسعة و نعمته البالغة و جنبه القوي و وجهه المضيئ و اسمه العلي و صراطه السوي و بهاؤه و جماله و جلاله و نوره و عظمته و كبرياؤه و قدسه و عزّه و قهّاريته.

و هنا طتنجان اخران هما باطن هذين الطتنجين و هما طتنج الاحدية و الواحدية المنشعبين من بحر الالوهية و هما غيب اميرالمؤمنين7 و هنا قداستجيب دعاؤه حيث قال ربّ ادخلني في لجّة بحر احديّتك و طمطام يمّ وحدانيتك فصار7 بالاول محل معرفة اللّه و دليل توحيد اللّه و اية تنزيهه و تفريده و تسبيحه و بالثاني ينبوع الاسماء و الصفات و معدن الظهورات و التجلّيات و قد قال7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و هو7 ركن توحيده بل عين توحيده و مستودع سرّه و مخزن علمه كمايأتي ان شاء اللّه.

و هنا طتنجان اخران هما باطن هذين الطتنجين و هما طتنج الهويّة و الالوهية المنشعبين من بحر الازل لم‏يزل عزّوجلّ في العالم الظهور الامكاني و الكوني و العيني و هما سرّ اميرالمؤمنين7 و روحي له الفداء فمن هذه الجهة كان اسمه الشريف المبارك عليّاً7 و قد قال مولينا الرضا7 ان اوّل مااختار اللّه لنفسه العلي العظيم لانه علا علي كلّ شي‏ء فاسمه العلي و معناه اللّه و معني اللّه «هو» و «هو» في عالم المسمّي علي في عالم الاسماء كماتقدّم فراجع و لاتتعجّب فيماذكرت فان كلّ ذلك تحقيق عبوديته7 و تبيّن (تعين خ‏ل) انهم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و شرح لقوله7 نزّلونا عن الربوبية و قولوا فينا ماشئتم و لن‏تبلغوا و مالم‏اذكر اكثر و تدخل هذه المراتب كلّها في قوله7 كأنهما ايسار طتنجين لان كلاًّ من هذين الطتنجين علي هيئة الطتنجين الاعليين و مثالهما و خطوط ظهورهما و نقوش رسومهما و قد قال اميرالمؤمنين7 في هذه الخطبة الشريفة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 78 *»

المباركة انا الواقف علي الطتنجين كماتقدّم فيرجع امرهما اليه و ان صعدا و ترقيا في المراتب العالية من مراتب المفعولات و الافعال و الصفات و الاسماء و المسمّيات وهكذا و هو7 يدلج بين يدي المدلج من خلق اللّه سبحانه من هو علي كل شي‏ء قدير.

و يجوز في الظاهر ان‏تجعل الطتنجين المادة و الصورة في الموجودات التكوينية و التشريعية و الطتنجين الاعليين محمّداً و عليّاً8 قدتشعّبا من بحر القدرة و العظمة المنشعبين (المنشعبتين خ‏ل) من بحر السلطنة و القيّومية فخليج المادة انما هو محمّد9 و خليج الصورة انما هو علي ولي‏اللّه قال7 انا الذي كتب اسمي علي البرق فلمع و علي الودق فهمع و علي الليل فاظلم و علي النهار فاضاء و تبسّم فمواد الاشياء من نور محمّد9 لان الشمس التي هي ظهور من ظهورات النبوة انما هي تربّي المواد و الحقايق لان الشمس مظهر العلة الفاعلية متولّدة من العرش الذي خلق من نور محمّد9 و صور الاشياء من نور علي7 لان القمر الذي هو ظهور من ظهورات الولاية انما هو يربّي الصور كما مـرّ لانه متولّد من الكرسي الذي خلق من نور علي7 فلمّا سأل اللّه سبحانه الخلق حيث اقامهم في الاظلّة ألست بربكم و محمّد نبيّكم فمن اجابهما خلق له الامكان و الكون فلمّا سألهم و قال لهم و علي وليّكم و الائمة من ولده و فاطمة الصديقة اولياءكم فمن اجاب مقبلاً خلقه من طينة علّيين و من اجاب منكراً مدبراً مستهزءاً خلقه سبحانه من طينة سجّين و من اجاب ظاهراً و توقّف باطناً خلق ظاهره من طينة اجابته و بقي باطنه مادة مع الصورة النوعية الصلوحية و لم‏يتعيّن و لم‏يتشخّص حتي يقرّ بان عليّاً7 ولي‏اللّه و هكذا الحكم في كلّ الذوات و الصفات فمن اجاب قوله تعالي ألست بربكم و توقّف في محمّد9 و علي7 خلق اللّه عزّوجلّ امكانه و لم‏يخلق كونه لتوقفه علي المادة و الصورة فبقي في حيّز العدم في عالم الذكر حتي يقرّ بهما صلّي اللّه عليهما و هو قول مولينا الصادق7 ان اللّه خلق المؤمنين من نوره و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 79 *»

صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة و قال9 انا و علي ابوا هذه الامة هـ فالنور هو رسول‏اللّه9 و الرحمة هو علي7 فافهم.

او يكون المراد من الخليجين خليج الاسلام و خليج الايمان فالاوّل اسم و رسم للطتنج الاوّل و هو رسول‏اللّه9 لانّه قد تحقق في محلّه ان كلّ اسم له زبر و بيّنات فالزبر هو المسمي و البيّنات هي الاسم فاذا حاسبت بيّنات اسم محمّد9 يستنطق منها الاسلام من غير زيادة حرف و نقصانها فعلمنا ان الاسلام اسم له9 و الاسم هو حدّ المسمي و رسمه و وسمه و اذا حاسبت بيّنات اسم علي7 يستخرج منه لفظ الايمان من غير الحاجة الي الاستنطاق العددي و الحرفي كما في الاسلام فعلمنا ان الايمان هو اسم علي7 و حدّه و رسمه و وسمه فطابق اليمين الايمان في المسمي اي زبر علي7فكان اصحاب اليمين هو اصحاب علي7 كما ان محمّداً و عليّاً8 اسم للّه عزّوجلّ فان بيّنات اسم الجلالة تطابق زبر محمّد و علي8 كماهو المعروف.

قوله7 و انا المتولّي دائرتها اما في الظاهر فلانّ الارض كلّها عمرانها و خرابها ظاهرها و مخفيّها للامام7 كما دلّت عليه اخبارهم و شهدت اثارهم في الكافي عن ابي‏جعفر7قال وجدنا في كتاب علي7 ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين انا و اهل‏بيتي الذين اورثنا اللّه الارض و نحن المتّقون و الارض كلّها لنا فمن احيي ارضاً من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها الي الامام من اهل‏بيتي و له مااكل منها فان تركها او اخربها و اخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و احياها فهو احقّ بها من الذي تركها يؤدّي خراجها الي الامام من اهل‏بيتي و له مااكل منها حتي يظهر القائم7 من اهل‏بيتي بالسيف فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 80 *»

حواها رسول‏اللّه9 و منعها الاّ ماكان في ايدي شيعتنا فانه يقاطعهم علي مافي ايديهم و يترك الارض في ايديهم و فيه عمّن رواه قال الدنيا و مافيها للّه تبارك و تعالي و لرسوله9 و لنا فمن غلب علي شي‏ء منها فليتّق اللّه و ليؤدّ حق اللّه تبارك و تعالي و ليبرّ اخوانه فان لم‏يفعل ذلك فاللّه و رسوله و نحن براء منه و فيه عن عمر بن يزيد قال رأيت مسمعاً بالمدينة و قد كان حمل الي ابي‏عبداللّه7 تلك السنة مالاً فردّه ابوعبداللّه7 فقلت له لم ردّ عليك ابوعبداللّه7المال الذي حملته اليه قال فقال لي اني قلت له حين حملت اليه المال انّي كنت وليت البحرين الغوص فاصبت اربعمائة الف درهم و قد جئتك بخمسها بثمانين الف درهم و كرهت ان‏احبسها عنك و ان اعرض لها و هي حقّك الذي جعله اللّه تبارك و تعالي في اموالنا فقال7 أوما لنا من الارض و مااخرج اللّه منها الاّ الخمس يا با سيّار ان الارض كلّها لنا فمااخرج اللّه منها من شي‏ء فهو لنا فقلت له و انا احمل اليك المال كلّه فقال يا با سيّار قدطيّبناه لك و حللناك منه فضمّ اليك مالك و كلّ‏ما في ايدي شيعتنا من الارض فهم فيه محلّلون حتي يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ماكان في ايديهم و يترك الارض في ايديهم و اما ماكان في ايدي غيرهم فان كسبهم من الارض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا7 فيأخذ الارض من ايديهم و يخرجهم صغرة قال عمر بن يزيد فقال لي ابو سيار مااري احداً من اصحاب الضياع و لا ممن يلي الاعمال يأكل حلالاً غيري الاّ من طيّبوا له ذلك و فيه عن ابي‏بصير عن ابي‏عبداللّه7 قال قلت له أما علي الامام زكوة فقال7 احلت يا بامحمّد أما علمت ان الدنيا و الاخرة للامام يضعها حيث يشاء و يدفعها الي من يشاء جائز له ذلك من اللّه ان الامام يا بامحمّد لايبيت ليلة ابداً و للّه في عنقه حق يسأله عنه و فيه عن معلّي بن خنيس قال قلت لابي‏عبداللّه7 مالكم من هذه الارض فتبسّم ثم قال ان اللّه تبارك و تعالي بعث جبرئيل7 و امره ان‏يخرق بابهامه ثمانية انهار في الارض منها سيحان و جيحان و هو نهر بلخ و الخشوع و هو نهر الشاش و مهران و هو نهر الهند و نيل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 81 *»

مصر و دجلة و الفرات فماسقـت او استقت فهو لنا و ماكان لنا فهو لشيعتنا و ليس لعدوّنا منه شي‏ء الاّ ماغصب عليه و ان وليّنا لفي اوسع فيما بين ذه الي ذه يعني بين السماء و الارض ثم تلا هذه الاية قل هي للذين امنوا في الحيوة الدنيا المغصوبين عليها خالصة لهم يوم القيمة بلا غصب و فيه عن محمّد بن الريّان قال كتبت الي العسكري7 جعلت فداك روي لنا ان ليس لرسول‏اللّه9 من الدنيا الاّ الخمس فجاء الجواب الدنيا و ماعليها لرسول‏اللّه9 و فيه عن ابي‏عبداللّه7 قال ان جبرئيل كري برجله خمسة انهار و لسان الماء يتبعه الفرات و دجلة و نيل مصر و مهران و نهر بلخ فماسقـت او سقي منها فللامام و البحر المطيف بالدنيا هـ و امثال هذه من الاخبار كثيرة و يشير اليه في التأويل قوله تعالي و اصطنعتك لنفسي و قوله تعالي هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب و قوله تعالي مااتيكم الرسول فخذوه و مانهيكم عنه فانتهوا و قوله تعالي من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و قوله تعالي قل ان كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني و قوله تعالي ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه فجعله9 في جميع الاحوال المتعلّقة بالمخلوقين مثاله و صفته لا فرق بينه و بينه فكلّ‏ما ثبت له سبحانه في الصفات و الاحوال الراجعة الي الخلق فهو ثابت له9 الاّ العبادة فانها لاتصحّ الاّ للّه عزّوجلّ لانها مقام طي الوسائط و قطع المسافة فلولا ذلك لقلنا بها و لذا من جعل العبادة له9 لاتصـحّ و تقع باطلة و يأتي ان شاء اللّه تعالي تفصيل القول في ذلك و قد قال عزّوجلّ ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتّقين و محمّد9 و علي7 و الهما الطيبون الطاهرون: هم العباد الذين اورثهم اللّه الارض و هم المتّقون و هو قول رسول‏اللّه9 في الرجعة علي مافي حديث المفضّل الحمد للّه الذي صدقنا وعده و اورثنا الارض نتبوّء من الجنة حيث نشاء فاذا كانت الارض كلّها لهم صلّي اللّه عليهم فعلي7 هو المتولي دائرتها و المحامي حوزتها لانه7 صاحب الولاية و الامر و النهي و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 82 *»

الهادي لكلّ قوم فتولّي امرها و اقام فيها ما هو صلاح النشأتين فيمايتعلق بها و يتعلق بمن عليها.

فمن التولّي ان جعلها ملائمة لاطباع الساكنين عليها علي اختلافها و موافقة لاجسادهم لم‏يجعلها شديدة الحمّي و الحرارة بطول مكث الشمس و بطؤ حركتها او تقليل الرطوبات ببطؤ حركة القمر و امثال ذلك فتحرق تلك الاجساد و تفنيها و لا شديدة البرد فتجمدها و لا شديدة نتن‏الريح فتصدع هامات اهل الشعور في الظاهر و الباطن بالنتن الظاهري و الباطني و لذا ماجاز ان‏يكون الامام عاصياً و لم‏يكن الاّ معصوماً لان العاصي منتن‏الريح خبيث‏الرائحة لان الامام7 ارض وضعها اللّه للانام فيها فاكهة و نخل و رمّان كما مـرّ و لا جعلها شديدة اللين كالماء فيغرقها و لا شديدة الصلابة فتمتنع عليها في حرثها و نباتها (بنائها خ‏ل) و دفن موتاها ولكنّه تعالي جعلها بوليّه الحقّ مناسبة و مشابهة للطبايع لينتفعون بها و يتماسكون عليها و جعل فيها من اللين ماتنقاد به لحرثهم و قبورهم و دفن موتاهم و كثير من منافعهم و هو قوله تعالي جعل لكم الارض فراشاً.

و من التولّي ان جعل قطعة منها و هي مقدار الربع خارجة من الماء لتحصل الطبايع المعتدلة و تظهر احكام السموات و الافاضات النورية الظاهرية و الباطنية.

و من التولّي اختصاص بعض القطعات منها بطبايع تخصّ بها من انحاء مقابلات الكواكب لتنشر حوائج الخلق و شئوناتهم و ما به تسدّ خلّتهم ليظهر قوله عزّوجلّ قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المفسدين.

و من التولّي جعلها محلاًّ للينابيع و الانهار و حافظة لها لئلاتغلب بمن عليها اليبوسة التي من ذاتياتها ليهلك اذا قلّت الامطار و لاتصحّ كثرة الامطار لاستلزامها الاسترخاء في الطبايع المستدعية لاضمحلالها كالعروق في البدن الانساني الحافظة للرطوبات التي يستمدّ بها البدن من اللّه عزّوجلّ ولو اردنا شرح هذه التولية و بيان حقيقتها فانه لايمكن استقصاؤه لعموم قدرة اللّه و عموم فقر الخلق و الامران قد ظهرا في الارض.

و المتولي هو الواقف بين الطتنجين و البرزخ بين العالمين يجري احكام الكلّ ممايقتضي الكلّ لانه رئيس الايجاد و الوجود اقامه اللّه مقامه في سائر عالمه في الاداء اذ

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 83 *»

كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار ولو اردنا شرح ماظهر لنا من ذلك فكذلك لاحتياجه الي بسط في المقال و تمهيد المقدمات و بيان الاحوال التي لم‏تجـر علي بال و لم‏يخطر بخاطر احد من اصحاب المقال و ذلك يؤدّي الي بيان ما لايمكن بيانه لغموض تبيانه و خفاء برهانه الاّ ان فيما ذكر كفاية لمن اعتبر و استبصر.

فمجمل القول ان العالم كلّه بيت واحد و هو لاميرالمؤمنين و اولاده الطيبين و فاطمة الصديقة صلوات‏اللّه عليها و علي ابيها و بعلها و بنيها فهم يتصرّفون في بيتهم كيف مااراد اللّه و قدّره و قضاه و امضاه و اهل‏البيت ادري بالذي فيه فيدبّرون امر العالم كيف شاءوا و ارادوا و مايشاءون الاّ ان‏يشاء اللّه قال7 اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه مانريد نحن ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوّض الينا امور عباده ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم و قد تقدّم ان الارض هي النفس الكليّة الظاهرة في الكرسي المنشعب الي البروج الاثني‏عشر المقسم للاوقات و الازمان كلّها الي الشهور الاثني‏عشر فيكون قوله7 انا المتولي دائرتها تصحيحاً و تبييناً لوجه اختصاصه7 دون الخلق كلّهم باسم اميرالمؤمنين7 و قد وردت الاخبار عن الائمة الاطهار: ان هذا الاسم لايصلح الاّ له7 و لايدّعيه الاّ كافر او من طعن في عجانه و وجه الاختصاص هو مااشار اليه7 من انه المتولي لدائرة ارض النفس الكلية الملكوتية الالهية و ماظهرت هذه النفس الاّ في الهياكل الاربعة عشر: و ماظهرت فيها الاّ به7 كالضوء من الضوء اما ساير الائمة: فانهم اغصان لتلك الشجرة و طابقت الولادة الظاهرية بالولادية الباطنية فان الضوء الثاني متولّد من الضوء الاوّل و ناشٍ عنه فظهر سرّ البدلية فيهم ظاهراً و باطناً و اما الصديقة الطاهرة3 فانها خلقت من ظاهر صفته كماقال عزّوجلّ و من اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها و جعل بينكم مودّة و رحمة و من هنا قال اللّه عزّوجلّ الرجال قوّامون علي النساء الاية و اما رسول‏اللّه9 فان عليّاً7 هو مرءاة ظهورات الربوبية اذ مربوب كوناً و عيناً و فيها تشاهد

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 84 *»

المقامات التفصيلية كالعقل و النفس فان العقل اذا اراد ان‏ينظـر الي الصور و الكثرات و الاضافات ينظر في مرءاة النفس فيها يري مايري من الامور ممااراد اللّه ان‏يطّلع عليه فكان7 نفس رسول‏اللّه كما قال9 ياعلي انت نفسي التي بين جنبي و قال عزّوجلّ و انفسنا و انفسكم فعلي7 هو متولي دائرة ارض النفوس يمير المؤمنين و هم الائمة: العلم قال تعالي و نمير اهلنا و نحفظ اخانا فهو جامع الشئون في المقامات التفصيلية كلّها و يمير اهاليه القريب و البعيد و ان لا بعد فالقريب هم الائمة: و البعيد هم الانبياء: و غيرهم من الخلائق و يحفظ اخاه في عالم الظهور لانه سيفه و لسانه و نفسه و لولاه لانعدم الحفظ و لذا قال اللّه عزّوجلّ علي ماسمعت عن بعض المشايخ لولاك لماخلقت الافلاك و لولا علي لماخلقتك لعدم الحفظ و المراد بهذا الحفظ هو حفظ الدين و الايمان و العلم و الايقان و هو معني ماسيجيئ ان شاء اللّه عزّوجلّ في هذه الخطبة و علّمني علمه و علّمته علمي.

و ان اريد من الارض القابلية و الصورة كما تقدّم فالمعني حينئذ ظاهر لانه7 هو العلة الصورة و صور الاشياء كلّها من ظلّ صورته فالصور الانسانية من ظلّ موافقته و باطنه و من شعاع وجهه و هي هيكل التوحيد و الايمان و الصور الشيطانية و الباطلة من ظلّ مخالفته و عكسه و ظاهره و هي هيكل الشرك و الكفر و النفاق فالاولي به و منه و الثانية به لا منه و اصل القابلية انما نشأت من هاتين الجهتين فهو7 المتولّي دائرة ارض القابلية بوجهيها و طرفيها و الممكن لها و السبيل اليها و هي لاتتمّ الاّ به و اصل الايجاد متوقّف علي القابلية و القابلية هي الاجابة و هي لاتستقرّ و لاتثبت ليتوجّه اليه الايجاد الاّ به7 لانه الجزء الاخير للعلة التامّة فلايقبل احد الايجاد الاّ به و لذا لمّا عرض التكليف علي الخلق فقيل لهم عن اللّه ألست بربكم قالوا بلي لم‏يستقرّ لهم ايمان و لا كفر و كذلك لمّا قيل لهم و محمّد نبيّكم و لمّا قيل لهم و علي وليّكم و امامكم فمن اجاب علي انحاء مراتبه نفياً و اثباتاً

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 85 *»

جهلاً او علماً جحوداً او اخلاصاً ثبت له الحكم و لذا قال9 مااختلف في اللّه و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي لان منشأ الاختلاف انما هو الصورة التي هي القابلية و الاصل في ذلك هو ماذكرنا ان عليّاً7 هو حامل الربوبية اذ مربوب كوناً و عيناً و بهذه الربوبية ظهرت القيومية المطلقة و اما ربوبية اللّه سبحانه فهي اذ لامربوب مطلقاً و اما التي ظهرت في النبي9 هي الربوبية اذ مربوب ذكراً فهاتان الربوبيتان لا ظهور لهما الاّ بالثالثة فنهاية الاشياء انّما هي اليها و استنادها عليها و هي الواقفة بين الطتنجين اي عالم الحقّ في صقع الظهور الخلقي و عالم الخلق كنسبة الضرب الي الضارب و المضروب فان المضروب لو لم‏يقبل الضرب و لم‏يعرفه لم‏يكن موجوداً فقوام وجوده بالضرب و الضارب انما ظهر له بالضرب فلولاه لم‏يكن له تحقّق اصلاً و كالسراج بالنسبة الي النار و المسّ و الاشعة فمقام الظهور الالهي بالمثال التقريبي هو النار و الظهور النبوي هو المسّ و الظهور العلوي هو السراج و الخلق كلّهم كالشعاع فالاشعة لمّاقبلت عن السراج و ظهرت و تحقّقت ظهرت اية المسّ و النار فيها و في الحقيقة هاتان الايتان حكاية السراج للاشعة صفة عدم استقلاليته و استناده الي غيره و تلك الصفة هي الضارب الظاهر في الضرب. (ضرب خ‏ل)

فالاشياء لا غناء لها عن علي7 بوجه من الوجوه اما في التكوين فمن لم‏يقبل لم‏يوجد اصلاً و لن‏يوجد اذ قوامها بمادتها و صورتها و هما انما يفاضان من نوره7 عليها الاّ ان في المادة يفيض7 حكاية عن محمّد9 و في الصورة ينسبها الي نفسه الشريفة بمحمّد9 و مثال ذلك في الظاهر اذا قلت لك قال اللّه عزّوجلّ انا اللّه لا اله الاّ انا فاعبدني و اقم الصلوة لذكري ان الساعة الاية و قال رسول‏اللّه9 من كذب علي متعمّداً فليبوّأ مقعده من النار و انا اقول في بيانهما كذا و كذا فان هذه الاقوال الثلثة برز اليك منّي و لولا تكلّمي ماكنت تعرف ذلك فبي ظهرت لك الاّ ان القولين الاولين لاتنسبهما الي و لاتسندهما علي فافهم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 86 *»

و هكذا نسبة الاشياء في التوحيد و النبوة و الولاية الي الولي في تلقّيهم اياها عنه في اكوانهم و اعيانهم فالقابليات و روابطها الي المقبولات و روابط المقبولات اليها في مراتب الحلّ و العقد و المزج و الفرق و التمكين و التمكّن و الاجمال و التفصيل و الظهور و الخفاء و التفريق و التركيب و غيرها من اسبابها و شرايطها و متمماتها و مكمّلاتها كلّها متقومّة بعلي7 لانه صاحب التقدير و حامل التدبير و ولي اللطيف الخبير فهو المتولّي لدائرة تلك الارض علي سعتها لان طيّبها و سعيدها من اشعة هيئات اعماله7 و خبيثها و منتنها من عكوسات هيئات اعماله7فكلّها ترجع اليه بالذات و بالعرض قال تعالي و اليه يرجع الامر كلّه فاعبده قال7 ان الضمير في اليه يرجع الي الولي و الضمير في اعبده يرجع الي اللّه اي اعبد اللّه بهذا الاعتقاد و الي هذه الولاية اشار الحقّ سبحانه و ماقدروا اللّه حقّ قدره و الارض جميعاً قبضته يوم القيمة و السموات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالي عمايشركون و قد دلّ العقل و النقل ان اليمين و القبضة هو علي7 فكانت السموات و الارض منتهيتين اليه7 و منقطعتين لديه و هو المهيمن باللّه عليهما و المتولّي دائرتهما.

و هذا التأويل صريح في ان المراد من الارض في الخطبة هي الارض (ارض ظ) القابلية لا الارض المعروفة التي هي تقابل السماء لان اللّه عزّوجلّ صرّح بانه7 هو المتولّي لدائرة السماء و الارض فقوله7 انا المتولي دائرتها لاينافي ذلك لان الارض القابلية تعمّ السموات السبع و العرش و الكرسي و الجنة و النار و ماخلق ربنا ممايري و مما لايري في الدنيا و الاخرة و كلّ العوالم الالف الف و كذلك الي ما لانهاية له لانه7حامل ظهور اللّه الذي لا نهاية له و لا غاية بدءاً و عوداً فلا نفاد له.

قال عليه الصلوة و السلام: «و ما افرودوس و ما هم فيه الاّ كالخاتم في الاصبع.»

لمّا شرح الامام7 حقايق الانوار و الظلمات و حقايق المبادي و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 87 *»

مقامات العلل و اوائل جواهرها و علمه7 بتلك الحقايق و الاسرار و الانوار اراد7 ان‏يبيّن كيفية علمه بها فان العلم علي انحاء كثيرة: علم علي جهة الاحاطة القيومية و علم علي جهة الاحاطة العضديّة الركنية و علم علي جهة اللوازم و الاسباب و علم علي جهة المشاهدة و العيان و علم علي جهة الاخبار و المفهوم. فبيّن7 ان علمه بالاشياء مماتحت المشية الكونية كلّها بالاحاطة القيومية لكنّه ابان عن هذه الحقيقة باطوار مختلفة طور التلويح و طور الاشارة و طور التصريح لاهل النظر الصحيح جرياً علي مقتضي كتاب اللّه التكويني و التدويني فقال روحي فداه و ما افرودوس و هي كلمة سريانية يراد بها المبادي العالية و الانوار المتجلية المشرقة من صبح‏الازل و الاعيان الطيّبة و الاكوان الطاهرة و الصفات الحسنة و الروايح الطيّبة و المطاعم اللذيذة مماظهر فيه ذلك النور الالهي و التجلي القيّومي و النور المفعولي و القدر الخلقي نور الانوار و سرّ الاسرار و الحكم الظاهر في كلّ الاقطار و الامصار و ضمير هم يحتمل ان‏يكون راجعاً الي افرودوس لاحتمال كونه جنساً شايعاً في افراده الذي يعطي ماتحته اسمه و يحتمل ان‏يرجع الي الخلق المؤلّف المركّب من ظهورات تلك المبادي و قوابل انّياتهم و الموصول يراد به الاحوال و الاقوال و الصفات الناشئة عن كينونات الذوات و هي ارض القابلية المحدودة بالحدود الستة المتحققة في الايام الستة او هي نفس الايام الستة يوم الكمّ و يوم الكيف و يوم الزمان و يوم المكان و يوم الوضع و يوم الرتبة و مايتعلق بها و يترتّب عليها من القرانات و الاضافات و الاحكام و النتايج و الاوضاع و ماتستدعي و تقتضي من الشرائط و الاسباب و المكمّلات و المتمّمات و المعدّات و كون ذلك النور المتشعّب من الانوار في تلك الاحوال في بعضها بالظرفية الحقيقيّة و في بعضها بالاستجنان و في الاخر بالظهور و في الاخر بالاقتران و الاتصال و في الاخر بالوجود الامكاني لا الكوني و لا العيني و في الاخر بالقوام و القطبية الي غير ذلك من احكام القرانات و الاضافات و الجهات ممّاجـرت فيه المشية و الارادة و القدر و القضاء و الامضاء و الاذن و الاجل و الكتاب في الاحكام الوجودية و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 88 *»

الشرعية و الذاتية و الصفتية و اللفظية و المعنوية و مااشبه ذلك كلّها بجميع احوالها عند مولينا علي7 كالخاتم في الاصبع و كالدرهم بين يدي احدكم و كلّ ذلك حقير صغير بكمال عظمته عنده7 صغر الخاتم اذا كان في الاصبع يديره حيث يشاء و يتصرّف فيه كيف يشاء لان اللّه عزّوجلّ خلق الخلق له و فوّض اليه امره لا كماتزعمه المعطّلة لعنهم‏اللّه لانه تعالي خلق الخلق من نور محمّد و علي و الطيبين من اولادهما صلّي اللّه عليهما و عليهم فالنور واقف بين يدي المنير و طارق بابه لايجد لنفسه نفعاً و لا ضرّاً الاّ بالمنير و هو يدبّره حيث يشاء و اليه اشار7 في الزيارة من اراد اللّه بدأ بكم و من وحّده قبل عنكم و من قصده توجّه بكم الي ان قال7 بكم فتح اللّه و بكم يختم و بكم ينزّل الغيث و بكم يمسك السماء ان‏تقع علي الارض الاّ باذنه و بكم ينفّس الهمّ و بكم يكشف الضرّ لانهم: محالّ تدبيره و السنة ارادته كما عن الصادق7 في زيارة الحسين7 ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم فيكونوا هم القدرة الظاهرة في المخلوقين و لا شك ان المخلوق اثر القدرة و المتقوّم باليد فلا قوام له الاّ بها فكانت نسبة الموجودات كلّها اليه و الي اخيه و زوجته الصديقة و اولاده الطاهرين سلام‏اللّه عليهم نسبة الخاتم الي الاصبع فمااحقر الخاتم بالنسبة الي الاصبع و مااحقر الاصبع بالنسبة الي اليد و مااحقر و اصغر اليد بالنسبة الي الجسد و مااحقر الجسد بالنسبة الي النفس و مااحقرها بالنسبة الي العقل و مااحقره بالنسبة الي الحقيقة التي هي الفؤاد فاذا اردت ان‏تزن نسبة حقارة الخاتم و صغره مع الحقيقة لايمكن ذلك لان الحقيقة من عالم الامر و هو الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات و الارض و قد قدّر اميرالمؤمنين7 مقدار القبليّة بامر تقريبي ثم استغفر عن ذلك كماروي مامعناه انه7سئل كم بقي العرش علي الماء قبل خلق السموات و الارض فقال7 أتحسن ان‏تحسب قال بلي قال7 اخاف ان لاتحسن قال بلي احسن فقال7 لو صـبّ خردل حتي ملأ الفضاء و سدّ مابين الارض و السماء و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 89 *»

انت لو عمرت و امرت مع ضعفك ان‏تنقل حبّة حبّة من المشرق الي المغرب حتي ينفد لكان ذلك اقلّ من جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير ممابقـي العرش علي الماء قبل خلق السموات و الارض و استغفر اللّه من التحديد بالقليل هـ فاذا تأمّلت في ذلك وجدت نسبة صغر الزمانيات كلّها بالنسة اليه سيّما نسبة الاصبع الذي هو من جزء (اجزاء خ‏ل) البدن فترتفع النسبة لغاية الحقارة سيّما اذا قست الخاتم الذي هو المراد مع تلك المراتب العالية فانك تجد شيئاً لايوصف لغاية الصغر و الحقارة و الذلة فعلي هذا فقس الموجودات بعظمها و كبرها و كثرتها و شعبها الي مولينا علي7 .

فاذا اردت ان‏تعرف نوع عظمة العالم من جزء من مائة الف جزء من مثقال الذر فاعلم ان نسبة شهودك الي هذا العالم كنسبة غيبك اليه لان عالم الغيب قد ظهر في الوجود علي طبق عالم الشهادة من حيث ظهوره في عالم الشهادة فاذا نسبت جسدك الي جبل من جبال الارض تراه في الصغر ما لايكاد يدرك (يدركه خ‏ل) الطرف و اعظم جبال الارض نسبته الي كرة الارض نسبة سبع الشعير بالنسبة اليه علي ماقيل بالتقريب و الكوكب الصغير الذي في الكرسي اسمه السها اصغر نجم فيه اعظم من الارض كلّها خمسة عشر مرة و نسبة هذه الكواكب الي كلّ الفلك و الي العرش شي‏ء لايقاس و كذلك نسبة الغيب الي الشهادة فان كلّ عالم الشهادة بكلّ كثراته و ازمنته و امكنته و سمائه و ارضه و نجومه و افلاكه و كلّ‏ما برز في عالم الاجسام من اوّل العرش الي الثري اي الارض بمراتبها كلّ ذلك كنقطة واحدة في الغيب اي الخيال الاتري انك تتصور السموات و الارضين و المشرق و المغرب و الازمنة الماضية و المستقبلة كلّها دفعة واحدة في محشر واحد و مجمع واحد و نسبة كلّ‏ما في الخيال الكلّي اي اللوح المحفوظ الي العقل كنسبة الاجسام الي الخيال الذي هو النفس لانها بجميع كثراتها نقطة لديها علي ماقال7كحلقة ملقاة في فلاة قي و نسبة العقل المطوي لديه كلّ‏ما في اللوح المحفوظ المطوي لديه كلّ‏ما في عالمي الاشباح و الاجسام الي عالم اللاهوت اي حقيقتك ام حقيقة العالم الاكبر

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 90 *»

و فؤاده نسبة النهاية الي اللانهاية فلايمكنك تفرض نسبة و ان عظمت و جلّت لان اقصي مراتبه في العقل الذي هو عالم الجبروت و كلّما تفرض مقاماً اعلي تجد اعلي منه فلاتنتهي الي حدّ سبحان من ملكه عظيم و منّه قديم و فيضه عميم و لا حول و لا قوّة الاّ به و هذا الخلق العظيم و الامر الجسيم عند محمّد9 و اهل‏بيته الطاهرين كالخاتم في الاصبع الذي لايمكن قياس نسبته الي الشخص لغاية الصغر و الحقارة و لذا قصرت الخلايق عن ادراك ادني مقام من مقاماتهم: كما قال عزّوجلّ و ان تعدّوا نعمة اللّه اي الامام7 لاتحصوها و قال عزّوجلّ ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه هـ و الاشجار هي افراد الكائنات النابتات علي حافّة النهر الجاري من بحر الصاد المتحصّلة بحرارة شمس الاسماء الكونية الخاصة بكلّ شجرة و برطوبة ذلك النهر و يبوسة ارض القابلية و البحر هو بحر الوجود و ينبوع الجود و مظهر الاسم الودود و الابحر السبعة خلجان ذلك البحر المتلوّن (المتكوّن خ‏ل) المتكيّف بكيفيّة الارض الواقع عليها فحارّ و بارد و طيّب و منتن و غليظ و رقيق و الجامع و هي مداد الاشجار التي هي الاقلام كلّ واحد منها مختصّ بنوع من الاشجار و الكلمات قال مولينا الكاظم7 نحن الكلمات التي لايستقصي فضلنا و لايستحصي فصحّ ان كلّ الوجود و الموجود بجميع انحائه منقطع عند ذكر وصف ال‏محمّد: لانه منهم: كالخاتم في الاصبع و اليهم الاشارة بقوله تعالي و بئر معطّلة و قصر مشيد قال الشاعر:

بئر معطّلة و قصر مشرف   مثل لال محمّد مستطرف
فالقصر مجدهم الذي لايرتقي   و البئر علمهم الذي لاينزف

ثم اعلم انه7 انما شبّه الخلق بالخاتم في الاصبع اما الخاتم ففي تفسير ظاهر الظاهر فيه اشارات يصعب علي الاذهان قبولها و الاذعان بها لدقّة مأخذها قال7 لاتتكلّم بماتسارع العقول في انكاره و ان كان عندك اعتذاره و اما غيره فاعلم ان الخاتم انما هو للزينة و سمة الخير و الايمان و لذا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 91 *»

جعلوه: من علامة المؤمن و لمّا كان الخلق من شعاع انوارهم: و من فاضل طينتهم و كان النور كلّما كثر و عظم زينة لظهور المنير و الورق كلّما كثر و عظم زينة للشجرة و ان كانت الشجرة مستغنية عن الورق و الورق محتاج مستمدّ منها و كذلك الشيعة اذا كثرت و المظاهر و المرايا اذا تعدّدت و لذا قال9 تناكحوا تناسلوا فاني مباهٍ بكم الامم الماضية و القرون السالفة ولو بالسقط و ذلك لان المخلوقات كلّ ذرّة من ذرّاتها ثناء لال‏محمّد: و وصف لمحامدهم و محاسنهم فكان الخلق زينة لهم في ظهوراتهم و شروق انوارهم في الدنيا و الاخرة و الجنة و النار فلذا شبّههم بالخاتم فان الخلق باجمعهم سمات و صفات لهم: او سمات عبوديتهم للّه حيث اظهروها في هويّاتهم بلسان انهم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فالقوا مثال عبوديتهم: في الخلق بالقاء مثال الربوبية في الخلق حتي ظهر عندهم ان لا اله الاّ اللّه فلولا ذلك المثال الملقي بهم في هويّات الخلايق لم‏يدرك احد التوحيد و لايشكّ احد في استقلالهم و تفرّدهم بالامر كمازعمت الملائكة ذلك حتي قالوا: للملائكة لا اله الاّ اللّه و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه لتعرف الملائكة انهم عبيد مربوبون و ذلك المثال بهم تحقّق و بظهور نورهم تذوّت و عنهم استمدّ لكنه يدلّ علي اللّه عزّوجلّ دلالة استدلال لا دلالة التكشف و لذا تري اهل النحو يقولون في مثال «ضرب زيد عمراً» ان الفاعل معمول للفعل و الفعل عامل فيه و لا شك ان العامل له هيمنة علي معموله مع ان المعروف بين الناس ان الفاعل اقوي من الفعل و يرون ان الفعل متقوّم بالفاعل مع انهم يجعلونه فرعاً و تابعاً للفعل فافهم فانه من الاسرار المستصعبة و اليه الاشارة بقوله7 في الدعاء فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت فحقايق الخلق سمات توحيدهم اللّه (للّه خ‏ل) عزّوجلّ و عبوديتهم له قد صاغوها بيد القدرة الالهية فتختّموا به و هذ السرّ انما ظهر في الخاتم فاستحبّ و صار علامة للايمان ففي الحقيقة سمات ايمان الشخص و حدود توحيده اثاره و اعماله القائمة به كماقال اميرالمؤمنين7

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 92 *»

يقين المؤمن يري في عمله و يقين الكافر يري في عمله فصيغت هذه الهيئة الظاهرة كاشفة عن تلك اللطيفة المعنوية فجعلت دائرة لبيان استدارة المعلولات علي عللها و الاثار علي مؤثّراتها و جعل الفصّ عليها اشارة لظهور النور الالهي العملي الصاعد به الي اعلي درجات القرب في تلك الاعمال و الاثار فان الاعمال الخالصة لها نور تشرق و قد روي ان البيت الذي يعبد اللّه فيه له نور يزهر كمايزهر النجوم و مقدار الخاتم علي مقدار فصّه من الغلاء و الرخص و هو صفة اخلاص العمل و نور الولاية الظاهر في الوجه الاعلي من الدائرة فان لها وجهين اعلي و اسفل.

و جعل الخاتم في الاصبع لبيان تقوّم الدائرة بالقطب و ان القطب هو الوسط و اللّب و قوام الاثر و العمل بظهور العامل المؤثّر و ذلك الظهور هو قطب وجوده و هو لبّ وجوده و الحدود المميزّة للظهورات قشور قد اكتنفت بذلك اللبّ الباطني كاكتناف الخاتم بوجه من وجوه الاصبع و جعل في الاصبع و هو وجه من وجوه اليد و هي القدرة الكلية اي الفعل الكلّي بالنسبة اليك و الاثار الجزئية المتعددة متقوّمة (المتقوّمة خ‏ل) بوجه من وجوه ذلك الفعل الكلّي و قطب كلّ اثر هو الفعل الخاص بذلك الاثر و لذا جعل الخاتم في الاصبع.

و جعل الاغلب في الخنصر لبيان ان المخلوق من ظهور المقام الخامس من مقاماتهم: و ذلك المقام هو القطب لوجودات الخلايق لانهم: هم اليد في قوله عزّوجلّ يداللّه فوق ايديهم و قوله تعالي و قالت اليهود يداللّه مغلولة و هم اليدان في قوله عزّوجلّ بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء و هم الايدي في قوله عزّوجلّ و السماء بنيناها بايدٍ و الوحدة لمقام الجمع كلّنا محمّد9 و التثنية لظهور النبوة و الولاية او بملاحظة الظهور و البطون اي اليمين و الشمال و كلتا يديه يمين و الجمع لمقام التفصيل و الفرق.

و المراد باليد هي القدرة الواسعة الجامعة الشاملة لكلّ المقدورات و تلك القدرة هي كلمة كـن و هذه الكلمة ظهرت دلالتها و ملأت الوجود و سرت في كلّ غيب و شهود فقوام الموجودات كلّها بتلك الدلالة الظاهرة من تلك الكلمة الالهية التي انزجر لها العمق الاكبر و قوام الدلالة بالكلمة و هي لها اربع مراتب

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 93 *»

اي النقطة و الالف و الحروف و تمام التركيب اي الحلّ الاول مع العقد الاوّل و الحلّ الثاني مع العقد الثاني و الدلالة هي خامسها و هي اصغرها و ادونها و قوام الموجودات بها و لذا ظهرت اليد الظاهرية المجازية مفصّلة بتلك المراتب الخمسة و جعل الخاتم في الاخر الاصغر اشارة الي هذا السرّ لمن يعقل و يتفكّر.

فاذا ثبت ان الاصبع هو القطب للخاتم و ثبت ان القطب هو وجه الشي‏ء الي مبدئه و وجه مبدئه اليه و هو مورد المدد و وجه المستمد فيكون من التجلّي الظاهر للشي‏ء بالشي‏ء فيكون من نوع مقامه و مرتبته بحيث يغيب الشي‏ء اذا ظهر و لايحرقه كما غيب موسي علي محمّد و اله و7 من نور الكرّوبيين و مااحرقه كما احرق بني‏اسرائيل فكان قوام الموجودات بظهورهم: في الرتبة الخامسة لا بنفس ذلك المقام و ذلك الظهور هو قطب رحي وجودات الخلائق و كينوناتهم منه يستمدّون و اليه ينتهون و عن اللّه به يصدرون فافهم.

و لمّا كانت القدرة الظاهرة انما تمّت في التعلّق في اربعة عشر مرة لان مقام الموجودات كلّها في جميع مراتبها لايخلو عن مقامين: احدهما مقام الاجمال اي جهة الوحدة و البساطة و العموم و الانبساط الشامل كما هو شأن المبدأ المتجلّي في الشي‏ء بالشي‏ء و ثانيهما مقام التفصيل اي مقام التمييز و التعيين و كلّ مقام انما تمّ في ستّة ايام و ظهر مشروح‏العلل و مبيّن‏الاسباب في اليوم السابع فثنّيت السبعة فتمّت اربعة عشر فاختير بهذه القدرة الاوّلية الظاهرية في الهياكل الاربعة عشر اسم اليد ليكون الظاهر علي طبق المعني و الاسم مشيراً الي مراتب المسمي و اختير للظاهر بهذه القدرة الواسعة الكاملة الاسم الجواد و الوهّاب لهذا السرّ الحقيقي.

و لمّا كان هذه القدرة هي الرابطة بين الخلق و الحقّ الظاهر بالامداد الايجاد اختير له الاسم الوجه ليطابق الاسماء التي كلّ واحد منها بالاستنطاق الحرفي و العددي اربعة عشر معانيها.

و لمّا كانت هذه اليد الجسمانية المعروفة المحسوسة الملموسة ظاهر تلك اليد المتنزّلة في العوالم كلّها ظهر في هذا العالم حاكية لتفاصيل ماكان مجملاً في العالم الاعلي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 94 *»

فظهرت بوحدتها في خمسة اصابع اشارة الي سرّ ماذكرنا و ظهرت بالخمسة في اربعة عشر عقداً لتطابق (ليتطابق خ‏ل) العوالم كلّها فاذا لاحظت ظهور الخمسة في كلّ من الاربعة عشر كان المجموع سبعين و هو تمام كلمة كـن التي بها انزجر العمق الاكبر فدلّ صحيح‏الاعتبار و العقل الصافي عن شوائب الاغيار بمعونة كلام‏اللّه و اخبار الائمة الاطهار: ان اليد هي كلمة اللّه العليا و المثل الاعلي و ان الاسماء رجوعها كلّها اليها الم‏تر ان اليد بالعدد اربعة عشر و الوجه كذلك و هما اسماء المعاني و الجواد و الوهّاب ايضاً عددهما اربعة عشر و هما اسماء اللّه و لهذا السرّ كان المصدر و المشتق اي اسم الفاعل و المفعول من مادة واحدة كما هو المعلوم في النحو فكانت اليد هي قول كـن و لمّا كان هذه الكلمة رتبتها رتبة الواحدية و هي لاتتمّ و لاتكمل الاّ بالاحدية و كان الواحد بالعدد الاسمي المطابق للعدد الرسمي الباطني تسعة عشر و هو قوله تعالي عليها تسعة عشر و تمام الرتبة انما هو بالواحد اي الاحد الذي هو القطب فتمّ العشرون فاستنطق الاسم الاعظم بسم اللّه الرحمن الرحيم.

و لمّا كان الوجود ينقسم الي العلوي و السفلي انقسم العشرون الذي هو ظهور الواحدية بالاحدية في اطوار الوجود الي العلوي و السفلي فظهرت العشرة في اصابع اليدين و الاخري في اصابع الرجلين فكانت طينة علّيين مخلوقة من عشر قبضات و طينة سجّين كذلك لتمام المعادلة و المقابلة فالخاتم سمة و اسم لعلي7 لان فصّه حكاية عن ظهور الهاء في «هو» اي مقامات المبادي و العلل كماذكرنا سابقاً و الدائرة اشارة الي الواو في «هو» لانّها دائرة نصفها منبسطة و قوس منها ملتفّة مطويّة فاذا بسطت المجموع يكون دائرة تامّة صحيحة الاستدارة و الهاء فصّ عليها اي حكاية للاقطاب القريبة و البعيدة فاذ انزلت كلاًّ منهما الي مقام انزل لتصحيح الشعاعية و الاثرية كان المجموع حاكياً لاسم علي7 فهذا الاسم المبارك للخلق في رتبة النزول بالظهور للمخلوقين ليدعوا اللّه باسمائه و يعرفوه بصفاته من الاسماء و الصفات الظاهرة لهم بهم: و لذا قال7 اوّل مااختار لنفسه العلي العظيم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 95 *»

فهذا الاسم الشريف بمسمّاه في رتبة الظهور الاسمي الغيري و اما في رتبة ذاته المباركة فهو «هو» مع الاشباع و دونه كما قال عزّوجلّ و هو العلي العظيم فهذه الثلثة في مراتب ثلثة: فالاوّل في مقام الحقيقة و الثاني في مقام الظهور النوري الجبروتي و الثالث في مقام الظهور الملكوتي و قد قال عزّوجلّ و انّه في امّ‏الكتاب لدينا لعلي حكيم فحذف الاشباع و قال مولينا الرضا7 ان معني العلي معناه اللّه و اخبر الحق عزّوجلّ عن معني المعني و معني معني المعني و قد قال اللّه عزّوجلّ و ان اللّه هو العلي الكبير دلّ علي ان «اللّه» معني للاسم العلي و قال عزّوجلّ و هو العلي العظيم دلّ علي ان «هو» معناه و قال عزّوجلّ و انه في امّ‏الكتاب الاية دلّ علي ان الهاء المضمومة من غير اشباع معني العلي فاذا لاحظنا خبر مولينا الرضا7 مع هذه المراتب ظهر وجه الجمع فكان كماذكرنا من ان اللّه معني لعلي و هو معني للّه لانه مستخرج منه و الهاء المضمومة معني لـ «هو» لان الواو رسم قدتولّدت من الهاء عند الضمّة و لذا لمّا ارادت الشمس ان‏تسلم علي علي7 قال السلام عليك يا اوّل و يا اخر و يا ظاهر و يا باطن فلم‏تصرّح بالمراد و ذكرت بعض اوصافها فان الهاء من اوائل الخلق و اغمض الحروف و اعلاها و اشرفها و هي الاشارة الي تثبيت الثابت و مراتب الاقطاب و المبادي و الواو من عالم الشهادة من ادني المخرج لانها من الشفة فهو الاوّل بالهاء لفظاً و معني و الاخر بالواو لفظاً و معني و هو الظاهر بالواو و الباطن بالهاء لكنها لم‏تصرّح باللفظ المقصود المطلوب الذي لوّحنا اليه الان لئلاتفضح بالحكمة.

فعلي ماذكرت و فصّلت و اجملت و ابرزت و كتمت علمت ان الكاف في قوله7 و ماافرودوس و ما هم فيه الاّ كالخاتم في الاصبع تأكيد و تثبيت للمثل والاّ فالمشبّه عين المشبّه‏به بل الخلق كلّهم اجمعون خاتم في اصبع اميرالمؤمنين7 حقيقةً لا مجازاً كماوصفنا و هذا الخاتم المعروف انّما سمّوه خاتماً لكونه مجازاً لذلك الخاتم لكن لمّا كان اهل هذا العالم محجوبين عن مشاهدة تلك الحقايق ليعلموا ان كلّ‏ما في الدنيا و الاخرة مجازات للحقايق و الاصول المستودعة في اسرار اللاهوت و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 96 *»

خزانة الحي الذي لايموت وضعوا امثلة تلك الالفاظ علي امثلة تلك المعاني وضعاً ذاتياً تبعياً فكانت المعاني الثانية في تلك الالفاظ حقايق بعد حقايق و هي في الترتيب الطبيعي بالمجاز اشبه منها الي الحقيقة فافهم.

و هذا التشبيه ليس كمايزعمون من الاتحاد في الكيف كقولهم زيد كالاسد لاشتراك زيد و الاسد في الوصف الكيفي اي الشجاعة بل حقيقة هذا المشبّه‏به (المشبّه ظ) عين المثال و الصفة لا انها امر اخر لها صفة توافق هيئة المشبّه (المشبّه‏به ظ) فان المتناسبين بقول مجمل لايخلو اما ان‏يكونا في صقع واحد او في صقعين مختلفين بالعليّة و المعلوليّة و الاثرية و المؤثّرية و لا ثالث فان كانا في صقع واحد كان الاختلاف بينهما بالامور الخارجية عن الحقيقة الجامعة فتوافقهما في الشي‏ء الواحد ام اكثر مثلاً ينبئ عن وجود ذلك الشي‏ء فيهما بالوجود الجمعي و ان اختلف بعض صفاته من جهة المشخّصات الخارجية لكن عند ملاحظة التوافق و النسبة لاتلحظ جهة المخالفة فيقطع النظر عن الحدود المميزة فيكون مافي احدهما عين مافي الاخر كالشجاعة اذا فرضتها في زيد و عمرو فانها حقيقة واحدة فيهما اختلفت بالمشخّصات فظهرت في احدهما اكثر و اشدّ و خفيت في الاخر فتقول ان مافي زيد من الشجاعة مثل مافي عمرو من جهة اظهار شجاعة زيد لا لظهور شجاعة عمرو والاّ فالشجاعة فيهما واحدة.

و الاصل في ذلك ان الاشياء في كلّ احوالها في ذواتها و صفاتها واقفه بباب الفيض و مقابلة لفوّارة القدر فيفاض علي الكلّ بمايقتضي ذاته و كينونته من الهيئات و انحاء الاقتضاءات فان كان الواقفان في رتبة واحدة يفاض علي كلّ واحد من نوع مايفاض علي الاخر و ان كان ذلك الفيض من جهة الحدود و العوارض يختلف بالشخص لكن في مقام الجمع و رتبة الوحدة واحد حقيقي لا تخالف بينهما بوجه من الوجوه و ان كانا في رتبتين في السلسلة الطولية فيفاض علي المسبوق من فاضل ماافيض علي السابق مثاله الشمس فاذا كانت اجساماً كثيفة تقابل جرم الشمس كلّها فتفيض الشمس باشراقها عليها نوراً واحداً يختلف بالقابلية والاّ /فلا (زائد خ‏ل) فالنور الواقع علي احدهما عين الواقع علي الاخر و اذا كانت اجسام اخر تقابل النور الواقع علي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 97 *»

تلك الاجسام لا اصل الشمس فان النور الواقع عليها من فاضل النور الواقع علي الاجسام المقابلة للشمس و هذا واضح ان شاء اللّه.

فاذا فهمت هذا المثال فهمت انّ المتوافقين في الصفة سواء كانت الصفة ذاتية ام فعلية كانت احديهما عين الاخري في الحقيقة و ان اختلفتا في الجهات و الحدود و التشبيه يكشف عن هذه العينية الوصفية و تغاير المحلّ فالكاف لاظهار تلك الجهة الجامعة للامرين و ان كانا في صقعين كان حقيقة المتأخّر التابع صفة و مثلاً للسابق المتبوع و ان كان للتابع لا من جهة التابعية جهات منافية للمتبوع و هو غير مانحن فيه و من جهة هذه الحكاية و المثلية اجرينا علي الثاني كلّ احكام الاول ثانياً و بالعرض لانه من شعاع الاول و بالذات فالتشبيه و المشبّه و المشبّه‏به و وجه الشبه في المقامين واحد لا فرق بين شي‏ء منها في احد منهما اذ التشبيه لايقع في جهة المخالفة و انما هو في جهة الموافقة و هي كماذكرنا من الاتحاد في الذات او في الظهور فافهم والاّ فاسلم تسلم.

و لمّا كان محمّد و علي و الطيّبون من اولادهما عليهما و: محالّ مشية اللّه و السنة ارادته و اركان توحيده لايساويهم شي‏ء من الاشياء في الرتبة الذاتية كما قال مولينا الصادق7 انّ اللّه خلقنا من طينة مخزونة مكنونة عنده و لم‏يكن لاحد فيما خلقنا فيه نصيب هـ فاذا وقع التشبيه بينهم في صفة من الصفات و بين شي‏ء من الاشياء كان ذلك /الشي‏ء (زائد خ‏ل) عين ذلك الشي‏ء كما قال عزّوجلّ اللّه نور السموات و الارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح الاية فان المشكوة الموصوفة هي عين مثل النور و قوله تعالي و اضرب لهم مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه الاية فمثل الحيوة الدنيا هو عين الماء النازل من السماء و قوله تعالي مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً الاية فان مثلهم هو عين مثلهم ثم قال عزّوجلّ او كصيّب من السماء و لم‏يقل او كمثل صيّب فان حقيقة الصيّب هو المثل لا مثله.

فاذا امعنت النظر و تتبّعت في الكتاب و السنة وجدت كلّ التشبيهات القرانية و المعصومية من هذا القبيل بل اني اقول ان كلّ مشبّه هو عين المشبّه‏به لانك اذا قلت زيد كالاسد لاتريد بزيد هو زيد من حيث هو هو او

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 98 *»

من حيث انه انسان او من حيث انه كاتب او شاعر او قائم او قاعد و امثالها فان هذا كذب محض و لاتريد ايضاً بالاسد هو الاسد من حيث هو هو او من حيث انه حيوان مفترس او من حيث انه سبع و امثال ذلك و انما تريد بزيد من حيث ظهوره بالشجاعة و الاسد ايضاً من حيث ظهوره بالشجاعة و قدبرهنّا سابقاً ان المشتق انما يظهر في المبدأ المصدر بنفس ذلك المصدر لا بنفس الظاهر و لا بامر اخر فان القائم مايظهر الاّ بالقيام و القاعد الاّ بالقعود و الاكل الاّ بالاكل وهكذا و كذلك الشجاع لايظهر الاّ بالشجاعة فهي مرءاة ظهور الشجاع كما ان العلم مرءاة ظهور العالم فزيد و الاسد من حيث هما مثال الزجاجة الحامل للمرءاة اي الصورة و الشجاع الظاهر بالشجاعة كالصورة المتجلية في المرءاة فاذا تجلّي زيد مثلاً في مرءاتين كان ظهور زيد في احديهما عين ظهوره في الاخري اذ ليس المراد خصوصية المحلّ فانها جهة المباينة لا جهة الموافقة و المفروض خلافها فالشجاعة الظاهرة في زيد عين الشجاعة الظاهرة في الاسد ان قلت باتحاد المقام فيهما كما هو المعروف عند الجمهور ان صدق الشجاعة او الشجاع علي زيد و علي الاسد بالاشتراك المعنوي لا اللفظي كصدق الجسمية و الجسم عليهما فاذاً يكون الشجاعان ايضاً واحداً و ان اختلف محل الظهور كماتقول ان الانسان واحد في الافراد ليس بمتعدّد و ان اختلف مواقع ظهوراته فافهم و ان قلت ان الاسد هو من فاضل طينة الانسان و شعاعها فتكون شجاعة الاسد مثل شجاعة زيد و صفته بل الاسد الشجاع مثل لزيد الشجاع و وصف له كما كانت الاشعة وصفاً للشمس.

و لنا في هذا المقام بحث عجيب ينكشف منه اسرار البواطن القرانية اعرضنا عنه للتطويل و لادائه الي ماينبغي ان‏يؤدّي فان اللّه عزّوجلّ يقول انّ اللّه يأمركم ان‏تؤدّوا الامانات الي اهلها و لاتؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل اللّه لكم قياماً و ارزقوهم فيها و اكسوهم و قولوا لهم قولاً معروفاً و قداشرنا لتأدية الامانة و ماصرّحنا خوفاً لتصرّف السفهاء و اللّه الموفق.

فعلي ماشرحنا و اوضحنا ظهر لك انّ افرودوس و ماهم فيه هو نفس الخاتم و حقيقته و ان هذا الخاتم المعروف مثال لذلك و شرح له و دليل عليه و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 99 *»

ان الاصبع هو وجه من وجوه اليد و انّ عليّاً7 هو حقيقة اليد و الاصبع قطب الوجود المتقوّم باليد المتقوّم به الاشياء و هو ذات علي7 الظاهرة للذوات و الاعيان المالئ لكلّ الاكوان كما قال7انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات هـ و الذات في الذوات هي الاصبع في الخاتم و هي الشبح المنفصل منه7 المتقوّم به الكائنات بل اقول انها شبح الشبح المنفصل الذي هو شبح للشبح المتصل فهذا الشبح الثالث هو جوهر اي عرض لعلي7 قائم به قيام صدور قدتقوّم به الكون و هو قول الشاعر في مدحه روحي فداه:

يا جوهراً قام الوجود به   و الخلق بعدك كلّهم عرض

و قال عبدالحميد بن ابي‏الحديد في قصيدته الرائية:

صفاتك اسماء و ذاتك جوهر   بري‏ء المعاني عن صفات الجواهر
يجلّ عن الاعراض و الكيف و المتي   و يكبر عن تشبيهه بالعناصر

فظهر من هذا البيان انّ علمه7 بالخلق كلّهم علم احاطة قيّومية لان اللّه عزّوجلّ اقامه مقامه في الاداء و اتخذه وليّاً من العزّ و اشهده خلق السموات و الارض و انهي اليه علمها بمعني انه سبحانه جعلها في قبضته و طواها و قهرها و سوّيها فعدّلها بيمينه كما قال عزّوجلّ و ماقدروا اللّه حقّ قدره و الارض جميعاً قبضته يوم‏القيمة و السموات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالي عمايشركون و يريد بالقبضة و اليمين هو علي7 او قبضته و يمينه و كلا المعنيين مرادان كما قال مولينا الباقر7 يعتقد ان سبيل‏اللّه هو علي و القتل في سبيل‏اللّه هو القتل في سبيل علي7 و قد قال عزّوجلّ و ما من دابّة الاّ هو اخذ بناصيتها فانه في تفسير ظاهر ظاهر الظاهر مصرّح باسم علي7 لان اللّه عزّوجلّ ظهر بالقيوميّة فيه و في اخيه و زوجته و اولاده

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 100 *»

الطاهرين سلام اللّه عليهم اجمعين و قد اجمل الكلام الامام الهمام الصادق الامين7 بقوله ما معناه اجعلوا لنا ربّاً نئوب اليه و قولوا فينا ماشئتم و لن‏تبلغوا قال الراوي ماشئنا قال7 ماشئتم و ماعسي ان تقولوا فو اللّه ماوصل اليكم من فضلنا او من علمنا الاّ الف غير معطوفة اشهد ان هذا هو الحقّ و مااوتينا من العلم الاّ قليلاً.

و لمّا كان كون الموجودات كالخاتم في الاصبع ليس فيه شي‏ء يوهم الاختصاص ماخصّه بنفسه الشريفة في الظاهر كما خـصّ الارض بقوله7 و انا المتولّي دائرتها لكنّه في هذا المقام اطلق ليشمله كلّ تلك القصبة المباركة الثابتة في اجمّة اللاّهوت لان كلّ واحد منهم: علة مستقلة في العالم.

قوله عليه الصلوة و السلام: «و لقد رأيت الشمس عند غروبها و هي كالطير المنصرف الي وكره.»

لمّا بيّن7 ظهور سلطانهم و علوّ ارتفاع مكانهم و تشييد قواعد اركانهم و بطلان الخلائق و اضمحلالهم و شدة افتقارهم اليهم و عدم استغنائهم عنهم و اثبت بالخاتم في الاصبع حقيقة السرّ في قوله عزّوجلّ و قالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم مابين ايديهم و ماخلفهم و لايشفعون الاّ لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون و من يقل منهم انّي اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين فان الخاتم و ان كان معتمداً علي الاصبع و مستنداً اليه لكنه ليس شيئاً الاّ باليد لانه وجه من وجوهها فلا شيئية للوجه الاّ بذي الوجه و كذلك اليد لا استقلال و لا شيئية لها الاّ بذي اليد فان القدرة صفة القادر القائمة به قيام صدور في رتبة وجوده و حدوثه و لايمكن تحقّق الصفة الاّ بالموصوف و لا حراك لها الاّ به كماتري في اليد بالنسبة الي الشخص و الصورة بالنسبة الي المقابل الخارج الشاخص فاليد كالسراج فانه يد النار لاتوصل فيضاً الي الاشعة الاّ به و لا غناء له عنها و لا تذوّت و لا تحقّق له الاّ بها فهو مظهر قيّوميتها و عرش سلطنتها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 101 *»

فهي الظاهرة فيه به فاذا اعتبرت و فرضت استقلال السراج لم‏يصحّ اذ لو فرض ذلك في الواقع لانطفي و لاضمحلّ ولو فرضت ايضاً ايصال امر و حكم من النار الي الاشعة بدونه لم‏يصحّ ايضاً والاّ لكان الشعاع سراجاً فان الشعاع من حيث هو شعاع لايمكن ان‏يتكوّن في الوجود الاّ تابعاً للسراج و متقوّماً به و هذا مقام قد فـرّط فيه القالي و افرط فيه الغالي و نجي النمط الاوسط اذ من ادّعي استقلال اليد و السراج و الابواب الواسطة بين اللّه و بين خلقه فقد هلك و هوي و خرّ من السماء سماء المعرفة و القرب و الاتصال بالحبل المتين فتخطفه الطير اي شياطين الانس و الجن او تهوي به الريح اي هوي النفس في مكان سحيق اي بعيد عن الخير و الصواب و هي صخرة سجين و من ادّعي عدم الوسايط و انه اول مايتعلق به كـن و لا تفاضل بين الاشياء الاّ بالامور العرضية و انكر ماجعله اللّه سبحانه ابواباً و وسايط في الايجاد فقد فـرط و هلك و من جعلهم كما وصف اللّه عزّوجلّ عباد مكرمون بالقرب و الوصال و النور الباقي لم‏يزل و لايزال لكونهم وجه‏اللّه ذي‏الجلال كلّ شي‏ء هالك الاّ وجهه، لايسبقونه بالقول التكويني و التدويني بل واقفون بباب القدر و مقابلون لفوّارة النور التي تفور من حقايقهم باللّه العلي العظيم و هم بامره يعملون و هو الامر الوجودي و الكوني الذي كشف عن مثاله الامر القولي فانه صفة له و دليل عليه كالسراج الذي يعمل بامر النار و هو ماافاضت عليه من النور و الظهور الكوني الوجودي و لم‏يزل متقوّم بذلك الامر الذي هو المدد لا كمايزعمه بعض المعطّلة انهم خالقون بامر اللّه و اذنه و يفهمون منها (منهما خ‏ل) كمايأمر السيد لعبده افعل كذا و اترك كذا فان العبد حين مايفعله (يفعل خ‏ل) مستقلّ في فعله مستغنٍ عن سيّده و ان كان حين فعل مافعل الاّ بامر سيّده فان هذا هو التفويض الكفر الذي اتّفقت الفرقة الناجية علي بطلانه كما قال مولينا الصادق7 علي مارواه المجلسي في كتاب الاعتقادات عنه7 مامعناه ان من زعم انا خالقون بامر اللّه فقد كفر هـ لانهم مايعرفون من الامر الاّ كما يأمر الوكيل موكّله فتكون يد الوكيل يد الموكّل تعالي ربي عن ذلك علواً كبيراً و انما الامر الذي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 102 *»

هم يعملون به ماذكرنا لك من الامر التكويني اي المدد الوجودي و هو الامر المفعولي الذي به قوام الاشياء كما في قوله عزّوجلّ و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره ثم اشار سبحانه الي مقهوريّتهم و محاطيّتهم بقوله عزّوجلّ يعلم مابين ايديهم و ماخلفهم يعني مبدءهم و منشأهم و معادهم و مايصير اليه امورهم كلّها حاضرة عنده عزّوجلّ حضور النقطة في الدائرة و لايشفعون الاّ لمن ارتضي و الشفاعة دليل التوسط للغير من الغير و الاستمداد له منه و هم من خشيته مشفقون ان‏يعدمهم بقطع الالتفات عنهم فان السراج لم‏يزل وجلاً مشفقاً من النار ان‏تأخذ عنه مااعطته اياه و تذهب بالذي اعطاه (اعطته ظ) قال تعالي و لئن شئنا لنذهبنّ بالذي اوحينا اليك ثم لاتجـد لك علينا وكيلاً الاّ رحمة من ربك ان فضله كان عليك كبيراً ثم اشار سبحانه الي الردّ علي الغالين المفرطين بقوله عزّوجلّ و من يقل منهم اني اله من دونه اي انّي انا و ينظر الي نفسه نظر استقلال في حال من الاحوال فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين المتعدّين عن الحدّ الذي حدّه اللّه سبحانه لهم من الاقرار بربوبيته و نبوة انبيائه و ولاية خلفائه و احبّائه فهؤلاء الواصفون علي حدّ ماوصفهم اللّه سبحانه هم اهل النمط الاوسط قال7 هلك في اثنان محبّ غال و مفرط او مبغض قال و كلّ هذا الذي ذكرنا و لم‏نذكر كلّه مطوي في قوله7 و ما افرودوس و ماهم فيه الاّ كالخاتم في الاصبع و قد اشرنا الي نوع التلويح و بالتفصيل يطول المقال.

و بالجملة لمّا بيّن7 ظهور ولايتهم و سطوة سلطنتهم و هيمنتهم علي كلّ الوجود و الموجود بقدرة اللّه عزّوجلّ اراد ان‏يبيّن7 وقوع الفتن و الابتلاء و المحن و خفاء الامر و ظهور الظلمة و سرّ ذلك و منشأه فقال7 و لقد رأيت الشمس عند غروبها ابتدأ7بالغروب و ذكر احكامه و احواله لماقلنا مما هو بصدد بيانه.

اعلم ان الشمس كثيرة شرقها و غربها بعددها و تتعدد الشمس بتعدد العوالم ففي كلّ عالم شمس و قمر و نجوم و سماء و ارض و قد روي ان وراء هذه الشمس اربعين شمساً مابين شمس الي شمس اربعون عاماً فيها خلق كثير مايعلمون ان اللّه عزّوجلّ خلق

 

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 103 *»

ادم او لم‏يخلقه و ان من وراء قمركم هذا اربعين قمراً مابين قمر الي قمر مسيرة اربعين يوماً فيها خلق كثير لايعلمون انّ اللّه عزّوجلّ خلق ادم او لم‏يخلقه قد الهموا كما الهمت النحلة لعنة الاوّل و الثاني في كلّ وقت من الاوقات و قد وكّل بهم ملائكة متي لم‏يلعنوهما عذّبوا في الكافي قال دخل رجل علي ابي‏عبداللّه7 فقال له جعلت فداك هذه قبّة ادم قال7نعم و للّه قباب كثيرة الا ان خلف مغربكم هذا تسعة و ثلثين مغرباً ارضاً بيضاء مملوّة خلقاً يستضيئون بنوره لم‏يعصوا اللّه تعالي طرفة عين ابداً مايدرون خلق ادم ام لم‏يخلق يبرءون من فلان و فلان هـ فجعل7 المغرب تسعاً و ثلثين مغرباً و لايكون المغرب الاّ بالشمس و تعدّد المغرب و ان لم‏يستلزم تعدّد الشمس الاّ ان في هذا المقام يراد به التعدّد و في الخصال عن الصادق7 قال انّ للّه عزّوجلّ اثني‏عشر الف عالم كلّ عالم منه اكبر من سبع سموات و سبع ارضين مايري عالم منهم انّ اللّه عزّوجلّ خلق عالماً غيرهم و انّي الحجة عليهم هـ و لا شك ان في كلّ عالم شمس فيكون الشمس اثني‏عشر الف شمس و عن الباقر7 ان اللّه عزّوجلّ خلق الف الف عالم و الف الف ادم انتم في اخر تلك العوالم و اولئك الادميين فتكون الشمس بمقتضي هذا الخبر الف الف و كلّ هذه الشموس يراد بها من قوله7 و رأيت الشمس كما سنذكر ان شاء اللّه تعالي.

اما حقيقة الشمس فقد روي ان اللّه عزّوجلّ خلقها من نور النار و صفو الماء كما روي عن الباقر7 قيل له لاي شي‏ء صارت الشمس اشدّ حرارة من القمر فقال7 ان اللّه خلق الشمس من نور النار و صفو الماء طبقاً من هذا و طبقاً من هذا حتي اذا كانت سبعة اطباق البسها لباساً من نار ثم صارت اشدّ حرارة من القمر قيل و القمر فقال ان اللّه تعالي خلق القمر من ضوء نور النار و صفو الماء طبقاً من هذا و طبقاً من هذا حتي اذا كانت له سبعة اطباق البسها لباساً من ماء فمن ثمّ صار القمر ابرد من الشمس هـ فذكر7 ان حقيقة الشمس مركّبة من نور النار و صفو الماء و ان لها سبع طبقات

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 104 *»

في حقيقة وجودها و ذاتها كما يأتي ان شاء اللّه.

و اما قطر جرمها و مقدار ثخنها فقد روي عن اميرالمؤمنين7 انه سئل عن طول الشمس و القمر و عرضهما قال7 تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ و عنه7 قال الارض مسيرة خمسمائة عام الخراب منها مسيرة اربعمائة عام و العمران منها مسيرة مائة عام و الشمس ستّون فرسخاً في ستّين فرسخاً و القمر اربعون فرسخاً في اربعين فرسخاً بضوئهما يضيئان لاهل السماء و الكواكب كاعظم جبل علي الارض و خلق الشمس قبل القمر و روي القمي في تفسيره عنه7 قال هذه النجوم التي في السماء مدائن مثل المدائن التي في الارض مربوطة كلّ مدينة الي عمود من نور طول ذلك العمود في السماء مسيرة مأتين و خمسين سنة.

و اما محلها حين ما خلق اللّه العالم فعن مولينا الرضا7 انها حين ما خلق اللّه الخلق كان في وسط السماء لانه7 قال ان طالع الدنيا عند الايجاد كان السرطان و الكواكب كانت في اشرافها و شرف الشمس في التاسع‏عشر من برج الحمل فتكون (فيكون خ‏ل) عند الزوال في دائرة نصف‏النهار.

اما كيفية غروبها ففي التوحيد عن ابي‏ذرّ قال كنت اخذاً بيد النبي9 و نحن نتماشي جميعاً فما زلنا ننظر الي الشمس حتي غابت فقلت يا رسول‏اللّه اين تغيب فقال9 في السماء ترفع من سماء الي سماء حتي ترفع الي السماء السابعة العليا حتي تكون تحت العرش فتخرّ ساجدة فتسجد معها الملائكة الموكّلون بها ثم تقول ياربّ من اين تأمرني ان اطلع أمن مغربي ام من مطلعي فذلك قوله عزّوجلّ و الشمس تجري لمستقرّ لها ذلك تقدير العزيز العليم يعني بذلك صنع الربّ العزيز (في ملكه العليم في المصدر) بخلقه قال فيأتيها جبرئيل بحلّة ضوء من نور العرش علي مقادير ساعات النهار في طوله في الصيف او قصره في الشتاء او مابين ذلك في الخريف و الربيع قال فتلبس تلك الحلّة كمايلبس احدكم ثيابه ثم ينطلق بها في جوّ السماء حتي تطلع من مطلعها قال9 فكأنّي بها قد حبست مقدار ثلث ليال ثم لاتكسي ضوء و تؤمر

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 105 *»

ان‏تطلع من مغربها فذلك قوله تعالي اذا الشمس كوّرت و اذا النجوم انكدرت و القمر كذلك من مطلعه و مجراه من افق السماء و مغربه و ارتفاعه الي السماء السابعة و يسجد تحت العرش ثم يأتيه جبرئيل بحلّة من نور الكرسي و ذلك قوله تعالي جعل الشمس ضياءاً و القمر نوراً في الكافي عن اميرالمؤمنين7 ان للشمس ثلثمائة و ستّين برجاً كلّ برج منها مثل جزيرة من جزاير العرب فتنزل كلّ يوم علي برج منها فاذا غابت انتهت الي حدّ بطنان العرش فلم‏تزل ساجدة الي الغد ثم تردّ الي موضع مطلعها و معها ملكان يهتفان معها و ان وجهها لاهل السماء و قفاها لاهل الارض ولو كان وجهها لاهل الارض لاحرقت الارض و من عليها من شدّة حرّها و معني سجودها ماقال اللّه سبحانه الم‏تر ان اللّه يسجد له من في السموات و من في الارض و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و الشجر و الدوابّ و كثير من الناس.

و عن السجاد7 قال من الاقوات التي قدّرها اللّه للناس ممايحتاجون اليه البحر الذي خلقه اللّه بين السماء و الارض و ان اللّه قد قدّر فيه مجاري الشمس و القمر و النجوم و الكواكب ثم قدّر ذلك كلّه علي الفلك ثم وكّل بالفلك ملكاً و معه سبعون الف ملك و هم يديرون الفلك فاذا اداروه دارت الشمس و القمر و النجوم و الكواكب معه فتنزّلت في منازلها التي قدّرها اللّه فيها ليومها و ليلتها فاذا كثرت ذنوب العباد و اراد اللّه سبحانه ان‏يستعتبهم باية من اياته امر الملك الموكّل بالفلك ان‏يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس و القمر و النجوم و الكواكب فيأمر الملك اولئك السبعين الف ملك ان‏يزيلوا الفلك عن مجاريه فيزيلونه فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري /الفلك فيه (في الفلك في المصدر) فيطمس ضوؤها و يتغيّر لونها فاذا اراد اللّه ان‏يعظّـم الاية طمس الشمس في البحر علي مايحـبّ اللّه ان‏يخوف خلقه بالاية فذلك عند شدة انكساف الشمس و كذلك يفعل بالقمر فاذا اراد اللّه ان‏يجلّيها و يردّها الي مجراها امر الملك الموكّل بالفلك ان‏يـردّ الشمس (الفلك حديث) الي مجراها (مجراه حديث) فيردّ الملك الفلك الي مجراه /// فترجع الشمس الي مجراها فتخرج من الماء و هي كدرة و القمر مثل ذلك ثم قال السجاد7 اما انه لايفزع بهما (لهما حديث) و يرهب بهاتين الايتين

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 106 *»

الاّ من كان من شيعتنا فاذا كان كذلك فافزعوا الي اللّه تعالي ثم ارجعوا اليه في الفقيه عن محمّد بن مسلم انه سأل اباجعفر7 عن ركود الشمس فقال للسائل ما اصغر جثّتك و اعضل مسألتك و انك لاهل للجواب ان الشمس اذا طلعت جذبها سبعون الف ملك بعد ان اخذ بكلّ شعاع منها خمسة الاف من الملائكة من بين جاذب و دافع حتي اذا بلغت الجوّ و جازت الكرة قلبها ملك النور ظهراً لبطن فصار مايلي الارض الي السماء و بلغ شعاعها تخوم العرش فعند ذلك نادت الملائكة سبحان‏اللّه و لااله الاّاللّه و الحمد للّه الذي لم‏يتّخذ صاحبة و لا ولداً و لم‏يكن له شريك في الملك و لم‏يكن له ولي من الذل و كبّره تكبيراً فقيل له7 احافظ علي هذا الكلام عند زوال الشمس فقال7 نعم حافظ عليه كماتحافظ علي عينيك فاذا زالت الشمس صارت الملائكة من ورائها يسبحون في ذلك الجوّ الي ان‏تغيب الشمس و في رواية حريز قال كنت عند الصادق7 فسأله رجل ان الشمس تنقص ثم تركد ساعة من قبل ان‏تزول فقال7 انها تؤمر تزول ام لاتزول هـ اقول و هذا الذي تلوت عليك من الاخبار عامّ لكلّ شمس من الشموس من الالف الف الاّ انه في كلّ عالم بحسبه و اعلم انا لو اردنا شرح هذه الاخبار و رفع التنافي من ظواهر بعضها و بيان حقيقة المراد منها لطال علينا الكلام الاّ انا نشير الي حقيقة الامر في ذلك ممايطابق مراد الامام7 /عليه (زائد خ‏ل) في هذه الخطبة و هو جامع الامر فان وفقت لفهمه ارتفع التنافي بين الاخبار و ظهر المراد بصحيح‏الاعتبار.

اعلم انه لمّا كان بين اللّه و بين خلقه بينونة صفة لا بينونة عزلة القي اللّه عزّوجلّ مثاله اي صفة ظهور فعله في هويّات الاشياء فاظهر عنها افعاله كماقال اميرالمؤمنين7 في الملأ الاعلي صور عارية عن المواد خالية عن القوّة و الاستعداد تجلّي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و لمّا اختلفت الاشياء بالحدود و العوارض و القرانات و الاوضاع و الاضافات و الميولات الذاتية و العرضية و النورانية و الظلمانية فتأخّرت بعضها عن بعض لتأخّر اسبابه و شرايطه و متمّماته و توقّفها علي الامور

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 107 *»

المتقدّمة و تقدّمت بعضها علي بعض لتقدّم اسباب وجوده و شرائط حدوده اختلف ظهور المثال الملقي في هوياتها كذلك بالتقديم و التأخير فتحقّق مثال و الحاكي عن مثال و الناقل لاحكام افعاله الي غيره و مثال مثال و مثال مثال مثال وهكذا و لمّا كان كلّ اثر يشابه صفة مؤثره من حيث هي من حيث هو و المثال يتكثّر وجوهه بتكثّر المتعلّقات كان اول متلقّي (ملتقي خ‏ل) الفيض عن المبدأ من غير توسط اعلي المثال و اوسع الاشياء شمولاً و احاطة و قوة و اشدّها وحدة و بساطة فلمّا كان المثال جهة الوحدة و العموم و الشمول و القهر و الغلبة و القيومية و جهة القبول اي الهوية جهة الكثرة و الضعف و الفقر و النكارة و القبول مما لابدّ منه لكنّه لمّا وقع في اول الوجود و مبدأ الشهود غلبت عليه سلطان الوحدة و العموم و الغلبة بحيث اضمحلّت جهة القبول بمعني خفي اثارها و خمدت نارها و استولي عليها حكم المثال و خفي عنه مايقتضيه الحال فظهرت الوحدة فيه و خفيت الكثرة و مابقي منها الاّ الذكر و الصلوح و القابلية اذا وجد متعلق و لمّا كان الوجود يتنزّل بتكثّر دوران الحدود و اختلاف اوضاعها و انقلاب احوالها و اعتوار الاضافات عليه كان ذلك المبدأ اذا ظهر متنزّلاً من جهة بعد النور الوحداني و قوة القابلية ظهرت فيه تلك الوجوه و الحدود المستجنّة المخفيّة من جهة غلبة ظهور سلطان الوحدة و لمّا ظهرت الكثرات تكثّرت الامثال من جهة التعلق و تميّزت بعضها عن بعض فكان الجامع لاول المثال هو العرش و لذا كان امراً وحدانياً بسيطاً بعيداً عن لحوق الكثرات و اضافة التشخّصات فكان اوّل الخزائن و اعلاها و اشرفها لكمال المناسبة بالوحدة الحقيقية حتي يكاد ان لاتدركه الابصار في كلّ عالم بحسبه و لذا تري العرش الجسماني اظهر مثال اللفظ الصمد المطابق لمعناه لوجوده بذاته و ظهوره باثاره فلادركه البصر الحسّي لعدم ظهور الكواكب التي هي الامثال الشهودية الالهية فيه فكان هو المثل الاعلي و الاية العليا و الدعوة الحسني في كل عالم بحسبه و الحاكي الجامع للامثال و ظهور الاسماء المتميزة (متميزة خ‏ل) المراتب هو الكرسي فالعرش هو الحاكي للمثال الاجمالي و الكرسي هو الحاكي و الحاوي للمثال التفصيلي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 108 *»

فصارا مبدأ الايجاد يفاض المعاني و الحقايق علي العرش و منه ينتشر الي الكرسي و ينبثّ و يتصوّر فيه كالضوء من الضوء فكان العرش و الكرسي اخوين مرضعين من ثدي امّ القابلية الاولي و الدواة العليا المتربّين في حجر ادم الاول الاكبر و هو المداد الاوّل و هو النون و بحر الصاد الاّ ان الكرسي اصغر الاخوين ظاهر بالاولاد و البنين و العرش هو الاخ الاكبر قوي عظيم سلطان ظهرت رياسته و سلطنته و حكمه في اخيه اي الكرسي فهما كانا نوراً واحداً امرهما داعي الايجاد من قبل رب العباد فقال لنصف كن عرشاً و للاخر كن كرسيّاً و لايصح العكس في القول في الاولية و الاخرية فكان العرش هو جلال القدرة و الكرسي هو جلال العظمة.

و لمّا كان العرش هو اول ابواب الاستغناء اي اعظم ابواب الفقر ظهرت العلل الوجودية كلّها فيه بالمعني لا بالصورة و لمّا كان الحادث لايستغني عن الخلق و الرزق و الحيوة و الموت ظهرت مبادي هذه الاركان فيه فكان مربعاً كلّ ربع نور من انوار العظمة و مثال من الامثلة الفعلية الالهية قد تلوّن بلون متعلّقة (متعلّقه ظ) فمبدء الخلق نور احمر و مبدء الرزق نور ابيض و مبدء الحيوة نور اصفر و مبدء الممات نور اخضر و هذه المبادي و الالوان و الانوار كلّها معنوية ليست ظاهرة بالصورة بوجه من الوجوه الاّ في الكرسي فانها قد ظهرت فيه علي اكمل وجه اذ ظهرت الاربعة فيها في ثلثة عوالم فكانت البروج الجامعة لتلك الحقايق و الحاكية لتلك الامثال اثني‏عشر علي مااشرنا الي مجمله سابقاً.

و لمّا ان اللّه سبحانه خلق الخلق مشروح‏العلل و مبيّن‏الاسباب اظهاراً لكمال القدرة البالغة مااقتصر علي خلق العلويات وحدها لاسباب يطول الكلام بذكرها بل خلق السفليات كما خلق العلويات و لمّا كانت القوي السفلية مايمكن لها تلقي الفيض من العرش و الكرسي من غير واسطة لبعدها عنهما و لاحتراقها لديهما لكمال الحرارة الفعلية الظاهرة فيهما و كمال البرودة و الكثافة و اليبوسة الظاهرة المجتمعة فيها فجعل اللّه سبحانه لهما باباً من كرمه اليها ليكون حاملاً لاثارهما اليها و موصلاً لحوائجها لديهما ليفاض عليها به من

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 109 *»

نفسهما اللتين هما خزينة الوجود بجعل الحق المعبود ماتستحقّ تلك القوي علي حسبها و ذلك الباب و الجناب هو الشمس و هو نور اللّه عزّوجلّ و حجاب قدرته في العلويات و السفليات كساها اللّه عزّوجلّ حلّة النور من العرش فكانت به ضياء و خلقها من نور النار اي الحرارة الفعلية من قوله عزّوجلّ ولو لم‏تمسسه نار الظاهرة في العرش باركانه و قوائمه و ابوابه و حملته و من صفو الماء اي الماء الذي به حيوة كلّ شي‏ء او من صافي القابلية المأخوذة من القابلية الاولي الكبري مظهر الابتداع و محلّ الاختراع لكن احكام المثال اي الفاعلية قد ظهرت و غلبت و استولت و بطنت احكام القابلية اي البرودة فظهرت حرارتها و بطنت برودتها و جعلها سبع طبقات لظهور قوي الافلاك السبعة فيها لانها مدبّرة باللّه فيها او لكونها اي السبعة من مكملات الوجود الظاهرة في كلّ غيب و شهود و هي الكيان الثلثة و الكيفيات الاربعة (الاربع ظ) او ظهورات الايام الستة التي هي ايام التمام مع يوم الكمال فتكون سبعة و هي مأخوذة من العرش و مثال له و متولدة منه و لمّا كانت من جهة بعض الوسايط حصل لها بعد اضافي من المبدء ظهرت لها انّية تحفظ النور و تظهره لا انّية تخفيه و تبطنه كالهواء فانه لغاية اللطافة لم‏يظهر فيه النور و ان وجد فيه باكمل الوجوه و اما المرءاة الصافية المنوّرة فانها لكونها اكثف من الهواء تمسك النور و لكونها صافية متلألئة تظهره علي اكمل ماينبغي و لذا تري النور العرشي الغيبي في المظاهر قد ظهـر في الشمس علي كمال ماينبغي و ظهرت فيها تلك الانوار الاربعة الغيبية لانها مباديها في العالم الاوّلي و لذا اذا نظرت اليها تحت حجاب اسود تشاهد الالوان فيها لكن من جهة غلبة الحرارة ماتظهر في بادي النظر الاّ لون الحمرة عند الغروب و لون الصفرة عند ارتفاع النهار فان النور اذا ارتفعت الشمس تنبثّ و تنتشر في الهواء الممزوج بالبخار و الدخان المتكثرّة فيها انواع الرطوبات المحفوظة في الاجزاء الهبائية و تكون سبباً لصفرة النور بخلاف وقت الصبح و وقت المغرب لقلّة وقوع النور علي ماذكرنا لانخفاضها (لانحطاطها خ‏ل) و قربها الي الافق فالشمس هي محل العلة الفاعلية في الرتبة و جعلها اللّه سبحانه مقوّم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 110 *»

الاجسام و الاجساد و هي كالحرارة الغريزية في البدن و اظهر نورها و بثّ حرارتها ليعطي كلّ ذي حـق حقه و يسوق الي كلّ مخلوق رزقه فكانت الشمس مقامها مقام الاجمال و البساطة و مرتبتها في عالمها مرتبة الاختراع و الاسم المربّي لها من الاسماء الحسني اللّه و هي تسبّح اللّه عزّوجلّ باسمه البديع و الملك الموكّل بها من الملائكة ملك علي مثال الروح القدس و وجه من وجوه الروح من امر الرب و الروح علي ملائكة الحجب و هو ملك واحد كلّي و الملائكة الاربعة الذين هم جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و عزرائيل لائذون و حاملون /لاركانها من ا (زائد خ‏ل) لاركان الاربعة العرشية فجبرئيل لركن الخلق في النور الاحمر و ميكائيل لركن الرزق في النور الابيض و اسرافيل لركن الحيوة في النور الاصفر و عزرائيل لركن الموت في النور الاخضر و محلّها السماء الرابعة و هي البيت المعمور و السقف المرفوع و قد سئل مولينا الصادق7 عن الكعبة لم كانت مربعة قال7 لانها بازاء البيت المعمور و سئل عن البيت المعمور لم كان مربعاً قال7 لانه بازاء العرش و سئل عن العرش لم كان مربعاً قال7 لانه بازاء الكلمات الاربع التي بني عليها الاسلام و هي سبحان‏اللّه و الحمدللّه و لااله الاّاللّه و اللّه‏اكبر فالبيت المعمور هو الشمس و الملائكة كلّهم لائذون بهذا البيت و جعل اللّه سبحانه حوائج الخلق مما تحت الكرسي كلّها فيها و قد وكّل عليها سبعون الفاً من الملائكة و هي ذرّات المراتب المستمدة منها و الملائكة حملة الامثال و الاسماء المتكثّرة بتكثّر تلك الذرّات المتعلَّقة (بفتح اللام) و تلك الامثال من ظهورات المثال الملقي في هوية الشمس و تلك الاسماء من وجوه الاسم الذي حملته الشمس و الملائكة من شئون الملك الموكّل بالشمس و السبعون لظهور السبعة المجتمعة الحاصلة من تثليث الواحد و تربيع ظهور الاحد في الواحد في القبضات العشر التي خلق منها الشي‏ء و ذلك هو السبعون و كلّ رتبة مشتملة علي الف طور قال اللّه عزّوجلّ و ان يوماً عند ربك كالف سنة مماتعدّون و موكّل علي كلّ شعاع منها خمسة الاف ملك لان كلّ ذرة من الشعاع فيها حرارة و يبوسة و ضياء و مادة و صورة و الملائكة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 111 *»

حملة امر اللّه فاذا رقيت كلّ مرتبة منها الي رتبة الملائكة اي ظهور امر اللّه فيها تتّسع الدائرة و تنفرج لان السافل في كمال الضيق و الضنك فكلّما رقيت مرتبة اتّسعت الدائرة في مرتبة اعلي و اوسع و في الثانية تكون الفرجة اوسع و كذا في الثالثة الي الرابعة و هي نهاية المرتبة و لذا قال عزّوجلّ و ان يوماً عند ربك كالف سنة مماتعدّون اعتبر ماذكرنا لك بحال النقطة في الدائرة اذا رسمت منها خطوطاً الي المحيط فان الزاوية الحادثة عند النقطة بمنزلة الواحد فكلّما يتصاعد الخط تنفرج الزاوية فيكون الواحد عشرة و في الرتبة الثالثة يكون مائة و في الرابعة يكون الفاً فاذا نسبت شيئاً الي اللّه اي الي امره و حكمه تلاحظ فيه هذه النسب الاربعة (الاربع ظ) لان مقام امر اللّه فوق عوالم الخلق الثلثة من الملك و الملكوت و الجبروت و ان كان في احدي العوالم و لذا نقول ان حركة الاجسام في مقام الصدور ليست الي جهة بل حركتها حركة سرمدية و الملائكة حملة انوار تلك الافلاك فيكون واحد في السفلي الفاً في العلوي فافهم لقد كرّرت العبارة للتفهيم اذ قلّ ماتصل اليه افهام الناس.

فالشمس هي الاصل الثاني التي تدور عليها الاصول الثانوية كلّها فزحل يدور علي ذات النور الابيض الظاهر فيها و القمر يدور علي صفة النور الابيض الظاهر فيها و المشتري يدور علي ذات النور الاخضر الظاهر فيها و عطارد يدور علي صفة النور الاخضر الظاهر فيها و المريخ يدور علي ذات النور الاحمر الظاهر فيها و الزهرة تدور علي صفة النور الاحمر الظاهر فيها /النور الاصفر و هي مجمع الانوار و مهبط الاسرار و معدن الاخيار و كما ان الشمس باب للعرش يفاض بها الانوار العرشية حين استوي الرحمن /علي العرش (عليه خ‏ل) برحمانيته علي ذرات الوجود كذلك خلق اللّه سبحانه القمر بالشمس و جعله باباً للكرسي في ايصال الصور و الهيئات و الحدود و الاوضاع و رسوم الهيكلين هيكل التوحيد و هيكل الكفر و النفاق الي افراد الموجودات السفلية كما كان العرش محلاً للاختراع و الكرسي محلاً للابتداع كذلك الشمس ظاهر الاختراع و القمر ظاهر الابتداع فالشمس انما تولّدت من العرش كما ذكرنا و القمر انما تولّد من

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 112 *»

الكرسي كما قال7 ان القمر كسي حلّة النور من الكرسي و قد قلنا ان العرش و الكرسي اخوان كان الشمس و القمر ابني عمّ و قلنا ان العرش هو جلال القدرة و الكرسي هو جلال العظمة كانت الشمس ظهور الطائف حول جلال القدرة و القمر ظهور الطائف حول جلال العظمة فيدوران علي نقطة قطبهما و يسبّحان اللّه ربهما علي حكم التقديم و التأخير لحكم التدبير قال عزّوجلّ لا الشمس ينبغي لها ان‏تدرك القمر و لا الليل سابق النهار و كلّ في فلك يسبحون.

و لمّا كان المبدء لقربه الي فعل اللّه سبحانه يجب ان‏يكون اشرف و اعلي مايتصوّر في حقّ ذلك الشي‏ء وجب ان‏تكون الشمس حين ان‏توجـد في اشرف احوالها و اعلي مقامات ظهوراتها في ذاتها و في اشراقاتها و لا شكّ ان اشرف احوالها و احسنها و اظهرها و اعلاها ان‏تكون في كبد السماء في دايرة نصف‏النهار و ان‏تكون في بيت شرفها و هو التاسع‏عشر من برج الحمل اما الحمل فلكونه اشرف البروج و اوّلها و اكملها و هو اعلي البروج النارية في عالم الجبروت و هو اول المبدء مثال الفاعل اي اسم الفاعل و هذه الصفات هي صفات الشمس في الكواكب فاذا اجتمع الشرف مع الشرف و اقترن السعد بالسعد كانت نهاية الشرافة و السعادة اما التاسع‏عشر فلبيان ان الشمس في الكون الثاني ظهور الواحدية و رتبة الفاعلية و اوّل استنطاق بسم اللّه الرحمن الرحيم في التكويني ليطابق حكم التدويني و لمّا كانت القوابل السفلية بظاهرها و باطنها مفتقرة الي الشمس و مستمدة عن اللّه منها كانت الشمس محيطة بها و هي كالنقطة لها و لمّا كان دوام الاشراق عليها ممايفسدها و يهلكها و يعدمها و يحرقها كانت الشمس ابداً في جانب عنها و مقابلة بجزء منها فمرّة فوق الارض و مرة تحتها و مرة عن يمينها و مرة عن يسارها هذا الكلام علي ظاهر الحال قشري فان الشمس ابداً فوق الارض لا فوقية تقابل التحتية المعروفة و انما هي فوقية الاحاطة و علي الحقيقة فله معني دقيق قلّ من عثر عليه و سأنبّئك به ان شاءاللّه.

و هذا الظهور في بيت الشرف علي ترتيب البروج

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 113 *»

و قطع دائرة الافق الفلك نصفين فوقاني و تحتاني لايكون الاّ اذا كان طالع الدنيا سرطان فتكون بيت الوتد الذي هو الرابع الحمل و تكون الشمس في شرفها في الحلقة و هو اول الزوال و هو وقت يسبّح اللّه كلّ شي‏ء لكونه ظهور البدء (المبدء خ‏ل) و استيلاء الحي القيّوم علي كلّ دائرة الامكان و استواء الرحمن علي العرش و هذا احسن احوال العالم و اشرف اوقاته و لايرجع الي هذه الحالة الاّ يوم العود لانه يوم البدء /و (زائد خ‏ل) قال عزّوجلّ كمابدأكم تعودون فاذا جعلنا «ما» مصدريّة يكون التقدير كبدئكم عودكم و نحن قدقرّرنا فيمامضـي ان المشبّه عين المشبّه‏به سيّما في القرءان و الاخبار فيكون التقدير بدؤكم عودكم فاذا عكست يكون عودكم بدؤكم و هذا معني كلام سيّدنا و مولينا الرضا7 المتقدّم و قديعترض عليه الجاهل بالمراد فيقول لا شكّ في استدارة الارض و ميل الافاق فكيف يمكن ان‏يكون طالع الدنيا سرطان فان اريد في بعض الارض (الافاق خ‏ل) فهذا لايحتاج الي البيان لانه شي‏ء ضروري مع انه7 في صدد اثبات تقدّم النهار علي الليل علي الاطلاق لا في موضع دون موضع و قد ظهر الجواب عن ذلك فيما مضي في بيان تعدد المشارق و المغارب و قلنا ان الشمس لها حركات حركة لا مشرق لها و لا مغرب و هي الحركة الصدورية الوجودية و حركة لها مشرق واحد و مغرب واحد و هي الحركة البدئية التي هي الحركة العودية و حركة لها مشارق و مغارب و هي الحركة النزولية و الصعودية قبل ان‏يرجع كلّ شي‏ء الي اصله فاذا رجع كلّ شي‏ء الي اصله تري نهاراً دائماً و ليلاً دائماً من غير ان‏يختلط الليل بالنهار و النهار بالليل ليحصل من اختلاطهما هذه الاوقات كالصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء و انما هو وقت واحد و هو وقت الربيع عند شرف الشمس فاسألك هل في الجنة ليل و في النار نهار و هل في الجنة غدوّ و عشي و هل خرجت ارض الجنة عن الاستدارة بل استدارتها انما ظهرت هناك و هل كان اهل الجنة لا سماء يظلّهم و لا ارض يقلّهم اماسمعت قوله تعالي يوم تبدّل الارض غير الارض و السموات و برزوا للّه الواحد القهار فمراد مولينا الرضا7 انما هو في البدء الاول لا الثاني اذ

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 114 *»

لايستريب احد تقدّم الليل الان علي النهار و انعقد عليه اجماع كلّ العقلاء و الاخبار و الاحاديث مشحونة بذلك و لا شك ان الاوراد و الادعية و النوافل الواردة في الليالي المعيّنة لاتفعل بعد يومها فلاتقول ان ليلة الجمعة انما هي بعد يوم الجمعة فاذا امرت بزيارة مولاي الحسين7 ليلة الجمعة او نذرت انك تزوره7 ليلة الجمعة فلايجوز لك ان‏تزور الليلة التي بعد يوم الجمعة لانها ليلة السبت اجماعاً ضرورياً و هذا لا ريب فيه و مع‏ذلك كيف يحكم سيّدنا و مولينا الرضا7 بان اليوم مقدّم علي الليل او ان هذا التقدّم شي‏ء جري علي خلاف الحق فاذا قد خـرج الحق عن الفرقة الناجية و قد قال9 لايزال طائفة من امّتي علي الحق حتي تقوم الساعة.

و ها انا اشير الي شي‏ء لابدّ من بيانه لتتميم المقصود فاذا فهمته بفهم مسدّد يظهر لك المراد من الحديث و هو انه: اعلم ان الارض ارضان ارض تحجب نور الشمس اذا قابلتها و ارض لاتحجب و الارض الثانية هي الارض البسيطة التي هي من العناصر الاربعة فانها شفّافة لاتحجب ماوراءها و لقد سمعت من شيخي و استادي اطال اللّه بقاه و جعلني فداه ان الحكماء حفروا الارض الي ان وصلوا الي ارض هي ثقيلة /تمتلي بها الاواني (يتطرس المواعين بها خ‏ل) لكنها لاتري و هو كما قال و يؤيّده العقل و النقل و المشاهدة و الارض الاولي هي الاراضي السبعة الظلمانية المتقدّمة و هي ارض الشقاوة و ارض الالحاد و ارض الطغيان و ارض الشهوة و ارض الطبع و ارض العادات و ارض الممات و هذه هي التي تحجب نور الشمس عن النفوذ لانها ظلّها و ضدّها و عكسها و جهة ادبارها و مخالفتها فلاتصل الشمس اليها و هي في اماكنها في المراتب الظلمانية قوامها بالشمس قوام الظل بالنور فلايشرق عليها نور الشمس ابداً لان لها جهة غير جهتها ولكن الشي‏ء بالعرض من جهة المعين الخارجي قديصـل الي غير مرتبته كما وصـل ابليس الي الجنة بعد طرده و لعنه بواسطة الحيّة و المناسبة العرضية مع حوّا المناسبة لادم7 فكذلك الارض فمن جهة المعين المناسب صارت بحيث يشرق عليها نور الشمس فتحجب (فيحجب خ‏ل) نورها.

و بيان ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 115 *»

بالاجمال ان الارض التي هي احدي العناصر و ان كانت شفّافة لطيفة لكنها لبعدها عن عالم النور و قربها بعالم الغرور لانها الخط الفاصل بين الانوار و الظلمات فهي في عالم النزول قد غمسها الماء المتنزّل المشوب بلطخ الاغيار من اكدار الادبار و كثرت و غلبت عليها الرطوبة و البرودة و الرطوبة اذا لحقت اليبوسة و البرودة تزيد في كثافتها و قذارتها كما هـو المتحقق (المحقق خ‏ل) المعلوم فبعدت مناسبتها عن الشمس لغلبة البرودة و اليبوسة المختلطة بالرطوبة اللزجة و قويت الانية بطبيعتها فناسبت تلك الظلمات فتعلّقت بها علي مقتضي انواع المناسبات فغلظت الارض بتلك الظلمات و تكاثفت فصارت تحجب الشمس اذا حاذت و قابلت جزء منها و لمّا كانت الشمس لابدّ ان‏تشرق عليها لاستخراج تلك الانوار المستجنّة فيها و القوي الكامنة فيها لانها لاتخرج الاّ بتكليس الحرارة الحجب و الاعراض و الغرائب المانعة ليخرج الحجر المكرّم و تطهر الارض المقدسة و ذلك التكليس لايمكن الاّ بتدبير الحكيم العليم بانحاء التعفين و التقطير و تقليل الحرارة و تكثيرها و توسيطها علي مقتضي تحمل تلك الارض المشوبة فلو زيدت الحرارة اوّل المرة لاحترقت بكلّها ولو لم‏تزدد لما تكلّست و لما ازيلت ريش الغراب و لما اخرجت القوم الجبارون و التسعة المفسدة في الارض فجري التقدير ان‏تطلع الشمس في جهة و تغرب في جهة و تبعد عن جهة و تقرب الي جهة علي مقتضي حاجة الحرارة اذ في بعض المواضع لو زيدت الحرارة عن مقدار حرارة جناح الطاير لاحترق و فسـد و في بعض المواضع لو نقصت الحرارة عن مثل نار السبك لجمد و خمد و بطل و فسد و كذلك الاوساط لها حكم خاص لكل مرتبة منها لايجوز التعدي عنها و كلّ ذلك يحصل بتغيّر اوضاع الشمس مع القوابل السفلية الي ان‏يأتي اوان الحلّ الكلّي و التعفين الاصلي فامتزجت القوابل بالمقبولات و العلويات بالسفليات مزجاً لايبقي لشي‏ء منها التمايز الحسّي و بطل فعل الكلّ و هو اذا الشمس كوّرت و اذا النجوم انكدرت و اذا الجبال سيّرت فلايبقي لشي‏ء حيوة الاّ للّه الواحد القهار الظاهر وجهه المحتجب بشعاع نوره ثم تقطر فيمتاز كلّ عن

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 116 *»

الاخر ثم تشتدّ (تشدّ خ‏ل) النار شيئاً فشيئاً الي ان بلغت حدّ نار السبك علي حسبه و ذلك يوم القيمة فتحترق الاعراض و الغرائب و يخلص الاكسير و يعود كلّ شي‏ء الي اصله فيبطل المشرق و المغرب لعدم الحاجب و تطهير الارض المقدسة عن القوم الجبارين و تصفية الاحمر الشرقي و الابيض الغربي و الفتي الكوشي و الجمع بينها و سقيها من عين الحيوان و عين الكافور و عين السلسبيل فيظهر سرّ كمابدأكم تعودون فريقاً هدي و فريقاً حق عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون المؤمنين (اللّه في الاية) فقد ظهـر و تبيّن ان بدء وقوع الفتن و الاختلاف من الارض الصرفة عند اختلاطها مع الاراضي الخبيثة و ذلك الاختلاط سرّ غروب الشمس و علة تحقق المغرب (الغروب خ‏ل) فحينئذ وجب احد الامرين اما تحقق المغرب و غيبة الشمس في عرض اربعة (اربع ظ) و عشرين ساعة و وقوع الغيوم و السحب المكفهرة المانعة لظهور اشراق نور الشمس علي الارض او خراب الوجود او عدم الخلط و الاوّل اولي بالاختيار من الثاني لانه به يحصل الكمال التام الاتمّ شيئاً فشيئاً متدرّجاً بخلاف الثاني و عدم الخلط يستلزم النقصان في الوجود و عدم كمال الخلق و تمامه و عدم ظهور الفيض و الجود فوجب تحقّق المغرب و المشرق و الجنوب و الشمال و حدوث البخار و الدخان و الغيوم و الامطار و الثلوج و الظلّ و الشهب و النيازك و امثالها من الاحوال الجارية المستحدثة من حصول الخلط و وجود الاعراض و الغرائب و انتفاء الكلّ عند ظهور جمال مولينا علي بن ابي‏طالب7وجه‏اللّه في المشارق و المغارب اينما تولّوا فثمّ وجه اللّه.

و اعلم ان ماذكرنا في هذا المقام من اوّله الي اخره كلّها ظواهر و قشور و امثال و مجازات و لها بواطن و لباب و اصول و حقايق يرتاب بتصريحها المبطلون ولو اريد البيان مع الدليل و البرهان يطول الكلام اذ الكلام يجرّ الكلام و الحقايق تكشف عن حقايق اخر اذ البواطن كلّها حرف واحد انقسم قسمين محمّد و علي8 اختراع و ابتداع نقطة و خطّ عرش و كرسي نار و تراب كاف و نون و كلّ الخلايق نشأت من ظهورات هذين الحرفين الي مالايتناهي و هما الخزينة الواسعة وسعت كلّ

 

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 117 *»

شي‏ء مماكان و مايكون الي يوم القيمة و مابعده ابد الابدين و كلّها امثال و صفات لذينك الحرفين قال احد الانبياء و اظنه موسي علي نبينا و اله و7 ياربّ ارني خزائنك فاوحي اللّه اليه انما خزائني بين الكاف و النون و لقد كشفت لك عن السرّ المقنع بالسرّ و تفصيل القول و حل الرمز و اظهار الحقيقة يأتي ان شاءاللّه.

فقوله7 رأيت الشمس عند غروبها يشير في مقام لحن القول الي ماذكرنا فان المغرب انما حصل بالاختلاط بين النور و الظلمة في الظاهر و الباطن و هو قوله7 لو خلص الحقّ لم‏يخف علي ذي‏حجـي ولكن اخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فامتزجا فهنالك هلك من هلك و نجي من سبقت له من اللّه الحسني و قوله تعالي و ماارسلنا من قبلك من رسول و لا نبي الاّ اذا تمنّي القي الشيطان في امنيّته فينسخ اللّه مايلقي الشيطان ثمّ يحكم اللّه اياته و الله عليم حكيم ليجعل مايلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض و القاسية قلوبهم (و ان الظالمين لفي شقاق بعيد و ليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم في القرءان) و ان اللّه لهاد الذين امنوا الي صراط مستقيم الاتري الغيوم و السحب و الثلوج و الامطار و الكسوف و الخسوف كلّها بالشمس من حيث تكره فافهم وهكذا جري حكم شمس النبوة و قمر الولاية حرفاً بحرف من غروبهما و افول نورهما و غروب شمس النبوة و طلوع قمر الولاية لقوله عزّوجلّ و محونا اية الليل و تكثر غيوم الشكوك و الشبهات و ظلمات النفاق و الفسوق و العصيان و ارتفاع العلم القطعي في اغلب المسائل بل جلّها و تسلّط سلطان الظلمة وهكذا من الاحوال المعروفة بين الناس و وقوع الاختلاف الشديد بين العلماء و المعارضات و المناقضات الشديدة العظيمة الواقعة في العالم هذه و امثالها كلّها اجريت بشمس النبوة و قمر الولاية قال عزّوجلّ و ماكنّا عن الخلق غافلين و هما صلّي اللّه عليهما و اولادهما: اعضاد للخلق في ذواتهم و صفاتهم و كينوناتهم و قوامهم بهم: في موادّهم و صورهم فكيف يتصوّرون (يتصوّر خ‏ل) وقوع حادثة من الحوادث في العالم الكوني و الشرعي بدونهم: أليسوا عين اللّه الناظرة و يده الباسطة و رحمته الواسعة و اذنه الواعية و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 118 *»

وجهه الظاهر في كلّ شي‏ء لا تعطيل له في كلّ مكان الاّ ان الامور القبيحة و الاحكام التي يكرهها اللّه عزّوجلّ لاينسب اليهم لانّها ليست منهم و لا اليهم و انما هي بهم كماتقول الخير في يديك و الشرّ ليس اليك و قد عرفت انهم يداللّه فالخير منهم و بهم و اليهم و عنهم و فيهم و عندهم و الشرّ ليس منهم و لا اليهم و لذا ورد عن النبي9علي مارواه ابن‏عباس مامعناه انه لم‏يوجد في يد احد حقّ الاّ بتعليمي و تعليم علي عليهما و الهما الصلوة و السلام و هذه الرؤية رؤية قيّومية احاطية كماسيأتي بيانه ان شاء اللّه مشروحاً.

قوله7 و هي كالطير المنصرف الي وكره كما قلنا ان المشبّه عين المشبّه‏به فتكون الشمس هي الطير حقيقة تطير بجناحيه في هذا العالم و هو الطاوس مقامه جبل سرانديب لاجنحته الوان مختلفة غريبة عجيبة قويّة نظرة (نضرة ظ) يدهـش (تدهـش خ‏ل) الناظر عند النظر اليها بل يكاد يموت من شدة انجذاب نفسه اليها لماتجـد من شدة المناسبة و كلّ العالم مستضيئ لشدة نور ضياء تلك الاجنحة لان له جناحان علي احدهما مكتوب لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه9 نور السموات و بهذا الجناح يستضيئ اهل السماء و علي الاخر مكتوب علي و اولاده الطيبون و فاطمة الصديقة خلفاء اللّه و اولياؤه علي7 نور الارضين و بهذا الجناح يستضيئ اهل الارض و الان جهة خلط الطبايع بالظلمات احتجب الابصار عن مشاهدة تلك الكتابة الواضحة فاذا ارتفع الخلط او قلّ تنفتح العين و تظهر حدّتها علي مقدار خلوصها عن الخلط فتشاهد الكتابة الواضحة و لذا ورد في زمان الرجعة يظهر جسد مولينا اميرالمؤمنين7في قرص الشمس و هذا الجسد هو تلك الكتابة لان المراد بالكتابة اثبات الاشباح المنفصلة فلو نظرت باذن القلب الواعية لشاهدت ببصر قلبك المتنزّل الي هذا البصر الحسي تلك الكتابة علي كلّ ذرة من ذرّات الوجود و هو ماتقدّم من حديث كتابة لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين في العرش و الكرسي و اللوح و القلم و السماء و الارض و غيرها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 119 *»

ممافصـل بعض كلياتها فيه و لذا ظهر لطلحة بن عبداللّه ذلك حين موته لمّا خلـص عن الخلط الارضي شاهد الاصل (الارض خ‏ل) من غير حجاب و رأي انّ عليّاً7 يصعد الي السماء و ينزل الي الارض و يخرقها (يخربها خ‏ل) و يرمي بالنبل و يضرب بالسيف و يطعن بالرمح و يقول مـت يا عدوّاللّه فيموت في ساعته و لم‏ير شيئاً سواه7 و هذا الذي رأيه هو اشباحه المنفصلة و هو كتابة اسمه الشريف علي الانسان و الجماد و النبات و قد قال7 انا الذي كتب اسمي علي البرق فلمع و علي الودق فهمع و علي الليل فاظلم و علي النهار فاضاء و تبسّم فالشمس بهذين الجناحين بقوة تلك الاسماء المتبرّكة (المتنزلة خ‏ل) العالية تطير في فضاء الملك و الملكوت و تلحق بهواء اللاهوت و هو وكرها اذا غربت عن عالم الادبار الي عالم الاقبال و هو قوله7 حبّ الوطن من الايمان و ليس التعلّق بالعالم الخلقي من الوطن و اما هو دار غربة و كربة كما قال7 اللّهم ارحم في هذه الدنيا غربتي و عند الموت كربتي فالطير المنصرف الي وكره هو الخارج عن وكره لماقال اللّه عزّوجلّ له ادبر فادبر مبعداً عن وكره و موليّاً عن مبدئه حتي بلغ غاية الضيق فلم‏يجد مسلكاً للطيران مدبراً فناداه اللّه عزّوجلّ اقبل فاقبل منصرفاً الي وكره و طار متصاعداً الي ان بلغ كبد سماء الكون الكلّي و هو عالم النفوس و هناك ظهر نوره و تفرّقت اجنحته و تكثّرت و تزايدت رياشه و زادت الوانه سيّما خضرته و اصفراره و احمراره فلمّا انحرف في طيرانه عن ذلك العالم قرب الي عالم البساطة فخفي ظهوره و نوره الغيري شيئاً فشيئاً الي ان بلغ الي عالمه و غرب عن العوالم التحتية كلّها و التفت الي مبدئه و انصرف الي وكره و هو ليلة المعراج حين بلغ مقام قاب قوسين.

و هذا الوكر له مراتب كثيرة و مقامات عديدة كما ان او ادني كذلك فوصل الي مقام الدلالة للكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و هو اول بيت من وكره ثم ترقي في الطيران بجناح واحد الي مقام الكلمة و منها الي مقام الحروف العاليات و منها الي مقام النفس الرحماني الاولي اي الاولي الي هنا شاهده اميرالمؤمنين7 حين انصرافه الي وكره مشاهدة عيان ثم ترقي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 120 *»

منها الي مقام النقطة و ظهر له9 سرّ لي مع اللّه وقت لايسعه ملك مقرّب و لا نبي مرسل هو فيه انا و انا هو و اتصل الحبيب بالمحبوب و الطالب بالمطلوب و الشاهد بالمشهود و هذا الاتصال اتصال رسمي و هو الاتصال بلحظ المطلوب المحبوب الذي لحظه به و هو الطرف الخاص به كما قال:

قذفتهم الي الرسوم فكــ   ـــل دمعه في طلوله مطلول
منتهي الحظ ماتزوّد منه اللــ   ــحظ و المدركون ذاك قليل
جاءها من عرفت يبغي اقتباساً   و له البسط و المني و السئول
فتعالت عن المنال و عزّت   عن دنوّ اليه و هو رسول

الابيات فتفطن و افهم ماقاله7 انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته الخطبة و هذا المقام الاخير الذي هو اخر بيوت وكره و لا اخر انما شاهده و رأيه اميرالمؤمنين7 رؤية وصف و مشاهدة صفة و مثال و قد دلّت الاخبار بشهادة صحيح‏الاعتبار ان رسول‏اللّه9 ليلة المعراج ماوصل مقاماً الاّ و قد رأي عليّاً7 فيه الي ان وصل مقام المناجاة و المناداة سمع كلام الجبّار بلسان علي7 لانه لسان‏اللّه الناطق علي الخلق بماكان و مايكون و لمّا وصل مقام الامداد و اكل طعام القرب رأي يد اللّه يشاركه فيه و هو يد علي7 فاذا انقطع الكلام و اشتعلت نائرة المحبة و فني الحبيب في محبوبه فناء رسم و صفة انقطع مقام علي7 .

اعلم ان الغروب غروبان: احدهما نور و جمال و كمال فالجنة في هذا المغرب و نورانية هذا الغروب من جهتين احديهما لقطعه المقامات و سيره الدرجات و مشاهدته

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 121 *»

الايات و حصول منافع السفر الذي اشار اليها اميرالمؤمنين7 في الشعر المنسوب‏اليه:

تغرّب عن الاوطان في طلب العلي   و سافر ففي الاسفار خمس فوائد
تفرّج همّ و اكتساب معيشة   و علم و اداب و صحبة ماجد

و الشرق المذموم الذي نار جهنم فيه في مقابلة هذا الغرب كما اشار اليه7 بعد تلك الابيات:

فان قيل في الاسفار ذلّ و محنة   و قطع الفيافي و ارتكاب الشدائد
فموت الفتي خير له من حيوته   بدار هوان بين واش و حاسد

و الثانية هو الغروب عن عالم الخلق بالكلية و الرجوع الي مشاهدة جمال الاحدية بماتجلّي له في ذات الشي‏ء نفسه و صفاته و اثاره و نورانية هذا المغرب لمحو الموهوم و صحو المعلوم و هتك الستر لغلبة السرّ و اشراق النور المشرق من صبح‏الازل فهو غاية المني و القصد و ليس وراء عبادان قرية و هو اعلي مراتب الوطن الذي حبّه من الايمان.

و ثانيهما ظلمة و اختلاف و تضادّ و اعراض و غرائب و اهوال و احوال لايحبّها المبدأ و هو7 اراد بقوله الشريف و لقد رأيت الشمس عند غروبها /اراد (زائد ظ) المعنيين جميعاً فاشار الي الاوّل بقوله7 و هو كالطير المنصرف الي وكره و قد اشار النبي9في الحديث المتقدّم لمّاسئل عن الشمس اين تغيب قال9 في السماء ترفع من سماء الي سماء حتي ترفع الي السماء السابعة العليا حتي تكون تحت العرش فتخرّ ساجدة تحت

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 122 *»

العرش الحديث و يريدعلیه السلاممن السماء الي السابعة هي الطبقات السبعة التي التئمت وجود الشمس منها كما تقدّم في الحديث عن الباقر7 و تحت العرش هي جنة الصاقورة التي بدأت الشمس منها فعادت اليها فخرّت ساجدة للّه عزّوجل بكينونتها و ذاتها و غروبها عن كلّ ماسوي اللّه فالملائكة الحاملون للانوار و الاسرار المنشعبة من النور و السرّ الظاهرين فيها كلّها تتبعها لانها تجذبها قال7 جذب الاحدية لصفة التوحيد.

و لمّا كانت الموجودات كلّها طريّة دائمة السيلان و الاستمداد فهي في كلّ الاحوال سائلة من اللّه سبحانه الامداد اذ لاتستغني عنه ابداً في حال اذ لو جاز ذلك جاز في كلّ الاحوال فهي محتاجة في كل ان في ذواتها و صفاتها و اثارها و مقادير اطوارها و هيئات حركاتها و سكناتها وهكذا الي نهاية اطوار وجوداتها و من هذه الجهة قال9 ان الشمس تقول يا رب من اين تأمرني اطلع من مغربي ام من مشرقي فان الطلوع من المغرب علامة العود و فناء البدء و هذه الحالة ثابتة للشمس في كلّ الاوقات لان لها في كلّ وقت طلوع بالنسبة الي مكان و غروب بالنسبة الي مكان اخر اما في الظاهر فانها في كلّ حركة تقرب الي افق و تبعد عن افق و هذا معلوم و اما في الباطن فلسؤالها و امداد الحقّ اياها دائماً فافهم و قد اشار الي الثاني بقوله7 فيمابعد من قوله7 دخولها في الماء الاسود في العين الحمئة كمايأتي شرحه ان شاء اللّه.

اما ان الشمس طير فلان الموجودات كلّها اطيار يطيرون الي سماء الفقر الي اللّه عزّوجلّ بجناحيهم احدهما جناح الوجود و به يطيرون الي سماء المعرفة و فضاء هواء عالم اللاهوت و ثانيهما الماهية و بها يطيرون في هواء الشهوات و الميولات و المعاني و العلوم و الادراكات و بهما يطيرون في هواء الطاعات و العبادات و الخيرات و المبرّات و انواع الحوائج و الميولات في الذاتيات و العرضيات و الشمس هي مثال الفاعلية لها جناحان جناح لاهل السماء من السموات السبع و تمدّهم بماجعل اللّه فيها من السرّ المعنوي الغيبي و جناح لاهل الارض من العناصر و المتولدات تمدّهم بماقوّاها اللّه عزّوجلّ بما

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 123 *»

جعـل عندها من الاسم الاعظم و السرّ الاقدم و بذينك الجناحين يطير بهما الي اللّه عزّوجلّ في استمدادها و فقرها و لواذها بالباب الاعظم.

و انما عبّر عنها بالطير في هذا المقام لوجهين احدهما للحركة الي المبدء بكلّه بجميع اعضائه و الثاني لتكثّر شئونها و وجوهها و روابطها اذ ليس فيماتحت الكرسي ذرة من الذرات الذاتية و الوصفية الاّ و لها علاقة بها و هذه العلائق كلّها عرضية لا ذاتية و انما هي ظهوراتها تعلّقت بظاهر تأثيراتها كالطير و تكثر رياشه و انها كلّها خارجة عن حقيقة الطير و انما هي لاعانة الطيران و استمساكه في الهواء.

و اما قولنا انها طاوس فلطبيعتها من الحرارة و اليبوسة و ظهور اصول الالوان الاربعة من الانوار الاربعة العرشية و الالوان الحاصلة من قرانات تلك الالوان بعضها مع بعض تظهر شبه الوان الطواويس و اهل الصناعة يعبّرون عن النار الفعّالة بالطاوس كماقالوا في الطيور الاربعة التي ذبحها ابرهيم7 علي رواية انها الطاوس و الديك و الحمامة و الغراب قالوا ان الطاوس اشارة الي النار الحائلة (الهائلة) و الديك اشارة الي هواء راكد و الحمامة اشارة الي ماء جامد و الغراب اشارة الي ارض سائلة و لذا قالوا «ازل ريش الغراب يكون عقاباً».

و اما قولنا انه في جبل سرانديب نريد به جبل الوجود و الحيوة الاولية لانه اوّل جبل نزل ادم علي نبينا و اله و7 عليه و يعبّرون عنه بجبل العلم فان الشمس ادم من الادميين الالف الف و حواؤه الارض نريد بهذه الحواء في مقام الظهور بالفعل و التأثير و في‏الحقيقة تكون الارض حوّاء لاشراق الشمس لا ذاتها و زوجتها الاصلية هي ارض (الارض خ‏ل) القابلية زوجها النور الحامل للمثال فتكوّنت الشمس و هذه ايضاً عبارة قشرية فان الارض القابلية حينئذ تكون امّها لا زوجتها و الحقّ ان الزوجة لاتكون ذاتية و انما هي عرضية عند ظهور الاثار فتكون كماذكرنا هي الارض لكن لا الارض المعروفة فافهم.

و يحتمل ان‏يراد من الشمس مااراد اللّه عزّوجلّ في قوله الشمس و القمر بحسبان و حسبان طبقة من طبقات جهنم لقوله عزّوجلّ او يرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً او يصبح ماؤها الاية و قال احدهما8

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 124 *»

ان الشمس و القمر يؤتيان بهما يوم القيمة و يؤخذ نورهما و يحشران بصورة العجل و يدخلان في النار و المراد بهما شمس الضلالة و قمرها و التسمية من باب التضادّ و الالحاد اذ ما من حقّ الاّ و له صورة ضدّ تقابله و ما منها الاّ و قد ظهـر في الوجود و نال نصيبه من الكتاب فولّي مدبراً مولّياً و لحق باصله حاملاً لصفات اعماله.

و لمّا كانت الشمس هي النبوة المالئة بنورها كلّ الوجود المظهرة لاثار الحي المعبود كانت ضدّها الظاهر معها المالئ بظلمته كلّ الوجود المانع لظهوره مظاهر الحي المعبود كماقال عزّوجلّ و من اظلم ممن منع مساجد اللّه ان‏يذكر فيها اسمه و سعي في خرابها فكانت الشمس في عالم الضدّ هو الاول و شيطانه هو الثاني و قد ظهرا في هذه الدنيا بعد ظهورهما في عالم الغيب و ادبارهما مولّياً عن تحت الثري الي هذه الارض و سكنا فيها بنتنها و خبثها و اظهرا شرّهما فكثفت الارض و غلظت و تكدّر العالم بظلمتهما و لبسا لباس الانسانية لاظهار منتهي مراتب خبثهما فوهبهما اللّه سبحانه اياها استدراجاً و هي نورهما علي ماقال عزّوجلّ و لايحسبنّ الذي كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثماً و لهم عذاب اليم فاظهرا الظلمة و العناد و اكثرا في الارض الفساد حتي تقدّم الليل علي النهار فمكثا في الارض حتي نالا نصيبهما من الكتاب الي ان يردّا الي اصلهما و ينصرفا الي وكرهما فكان عاقبتهما انهما في النار خالدين فيها و قد اشار اميرالمؤمنين7 في الكتاب الذي كتبه الي ابي‏بكر الي ان قال7 ولكني اهوّن وجدي حتي القي ربي بيد جذاء صفراً من لذاتكم خلواً من طحناتكم فما مثل دنياكم عندي الاّ كمثل غيم علا فاستعلي ثم استغلظ فاستوي ثم تمزّق فانجلي رويداً فعن قليل ينجلي لكم القسطل فتجدون ثمر فعلكم مرّاً و تحصدون غرس ايديكم ذعافاً ممقراً و سمّاً قاتلاً و كفي باللّه حكيماً و برسول‏اللّه خصيماً و بالقيمة موقفاً و لاابعد اللّه فيها سواكم و لااتعس فيها غيركم و السلام علي من اتبع الهدي هـ فكان هو الطير المنصرف الي وكره و وكره جبّ في قعر جهنم في تابوت مقفّل علي ذلك الجبّ صخرة اذا اراد اللّه ان‏يسعر جهنم كشف تلك

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 125 *»

الصخرة عن ذلك الجبّ فاستعاذت جهنم من وهج ذلك الجبّ و هذا اصل بيوت وكره والاّ فكل جهنم وكره و صاحبه و كلّ‏ما فيها من الجحيم و العذاب الاليم له و لصاحبه و عليهما وزر كلّ‏ما علي الخلق كما روي عبداللّه بن جعفر بن ابي‏طالب بمشهد من معاوية في حديث طويل الي ان قال: «ثم نصّ اي رسول‏اللّه9 بالامامة علي الائمة تمام الاثني‏عشر: ثم قال صلوات اللّه عليه و لامّتي اثني‏عشر امام ضلالة كلّهم ضالّ مضـلّ عشرة من بني‏اميّة و رجلان من قريش وزر جميع الاثني‏عشر و مااضلّوا في اعناقهما ثمّ سماهما رسول‏اللّه9 و سمّي العشرة معهم» الحديث و قد قال سلمان  رضي‏الله‏عنهخطاباً للثاني: «اني لاشهد اني سمعت رسول‏اللّه9 يقول ان عليك و علي صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب امّته الي يوم القيمة و مثل عذابهم» هـ فكان وكرهما كما وصف اللّه سبحانه ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار لان ابليس المغوي لكلّ الخلايق هو مظهر اجلهما (اجهلهما خ‏ل) الكلّي فكان وكرهما في مبدء الاليم و الجحيم و هو اسفل طبقات جهنم و الكلام في هذا المقام طويل اعرضنا عنه لان مرادنا الاشارة ببعض المراد و اللّه لهما بالمرصاد لعن اللّه صنمي قريش و جبتيهما و طاغوتيهما و ابنتيهما.

و هذه الشمس الظلمانية لها ظهورات في المراتب الظلمانية و اصل كلّ مرتبة اسمه شمـس كمقابلها فتعدد الشموس من الطرفين الي ما لانهاية و الغروب في كلّ مقام له معني يناسبه امّا نوراني او ظلماني او فناء و عدم او اضمحلال و استهلاك او خفاء نور او استيلاء باطل او ظهور الكثرات و غلبة الروابط و القرانات او حلّ العقد و فكّ النظم في الحلّين الاوّل و الثاني او تداخل الامرين بحيث ارتفع التمايز من البين او مقام التعفين و رتبة التلوين و انصراف الشمس الي وكره حين اجتماع المياه الاربعة او الخمسة او الستّة او السبعة اي الماء الرقيق الابيض كوكب زحل كوكب اميرالمؤمنين7 و الماء الابيض الغليظ الفتاة الغربية و هرمس الحكيم و الفرار و الماء الاصفر الشرقي و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 126 *»

الماء الاحمر الشرقي و المجموع شي‏ء يشبه البرقا و الصبغ الاحمر و هو الشمس الغائبة في افق الخفاء و الانفحة و هي القاضي و الماء السيال اي الارض المقدسة فاذا اجتمعت هذه المياه في الارض المقدسة و سقيت بها فتغرب الشمس التي هي الصبغ الاحمر و يعود الي اصله و هو الطير المنصرف الي وكره لانه قد استخرج من اصله و هي الارض المقدسة الملوّثة بكثافات القوم الجبّارين فظهر منفرداً ثم ردّ منصرفاً الي وكره عائداً الي اصله ذاهلاً عن وجدانه فظهر بعد ماغرب شمساً مشرقة و ناراً محرقة يجذب الاشياء اليه جذباً ميلياً معنوياً و يوصلها الي غاياتها و كمالاتها ايصالاً حقيقياً فطلعت من مغربها و اعادت الاشياء الي اصولها و مباديها فهناك ينسدّ باب التوبة و الاستغفار و تهتك الاستار و يفضح الاغيار سترك الجميل يا ستّار.

و يحتمل ان‏يكون المراد من الشمس شمس الوجود و هو الماء النازل من سحاب المشية مبدء الموجودات (الوجودات خ‏ل) المقيدة و اصل الاكوان النورية و غروبها تعلّقها بالماهية و خفاء احكامها حال البساطة و الماهية هي ارض القابلية و ارض الجرز و البلد الطيّب و الذي خبث و هي وكر الوجود في عالم الظهور بل العوالم كلّها لان الممكن زوج تركيبي فالماهية وكر الوجود و قابليته و بيته الذي يأوي اليه و انما عبّر عن الوجود بالشمس لانه حامل مثال الفاعلية الظاهرة في المشية فقد ظهرت المشية به لافراد الكائنات جميعاً و هو الفاعل الذي هو معمول الفعل الذي هو المشية و هو المصدر و المفعول المطلق التأكيدي و منه يشتقّ اسم الفاعل و المفعول فقوامهما التحقيقي /و (زائد خ‏ل) الركني به و قوام المصدر بالفعل و لذا تري المصدر يعمل في الفاعل و المفعول بشرطه و هذه المذكورات هي صفات الشمس الظاهرة في العالم الجسماني بل هذه الشمـس صفة و مثال لتلك الشمـس و حكاية عنها.

و اما انّ اميرالمؤمنين7 رءاها ففي الظاهر لان اللّه عزّوجلّ اشهده خلق السموات و الارض و خلق نفسه كماقال اللّه عزّوجلّ لمّا قال النبي9 اللّهم انصر الاسلام باحد العمرين و يريد بهما عمر بن الخطاب و عمر بن هشام اباجهل قال اللّه عزّوجلّ

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 127 *»

مااشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم و ماكنت متّخذ المضلّين عضداً فدلّ مفهوم الاية علي انه عزّوجلّ اتّخذ الهادين عضداً و اشهدهم خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و قدتكثّرت الروايات بالطرق المتعددة عن الفريقين ان المراد بقوله عزّوجلّ انما انت منذر و لكلّ قوم هاد هو علي7 و قد فسّرها رسول‏اللّه9 حين نزولها و قال انا المنذر و علي الهادي فكان علي7 ممن اشهده اللّه خلق السموات و الارض و الخلق لايكون الاّ بالوجود و الماهية و اقترانه بها و اتصاله معها و هذا ظاهر و اما في الباطن فكما ذكرنا مراراً ان الموجودات كلّها موادها التي هي وجوداتها و صورها التي هي ماهيّاتها من نور علي7 و من هيئات اعماله فكانت متقوّمة به فهو7 يراها و يشاهدها بالمشاهدة القيّومية كمشاهدة السراج للاشعة فافهم.

قال7 : «و لولا اصطكاك رأس افرودوس و اختلاط الطتنجين و صرير الفلك لسمع من في السموات و الارض رنيم حميم دخولها في الماء الاسود في العين الحمئة».

هذا اشارة الي ذكر الوجه الثاني ممايراد من المغرب كماذكرنا سابقاً من ان المراد به بيان سرّ الاختلاف و وقوع الفتن و الشكوك و الشبهات باعتبار لحن القول و كشف سرّ الباطن من السرّ المقنّع بالسرّ و بيان هذه العبارات الشريفة في الظاهر المراد هو انه اعلم ان اللّه عزّوجلّ خلق الخلق من مادة نورانية و طينة ظلمانية ثم ان الموجودات اختلفت باختلاف جهات التركيب و مراتبه و انحائه و حدوده من الكمّ و الكيف و الجهة و الرتبة و الوضع و الزمان و المكان بزيادة النور و قلّته فكلما زاد فيه النور و قلّ فيه الطينة الظلمانية زادت مشابهته باوائل جواهر العلل فلطف و رقّ و استعلي و كلّما كثرت فيه الظلمة و قلّ النور فيه كثـف و تسافل اذ بعدت المناسبة بينها و بين اوائل جواهر عللها فالمادة النورانية هي وجه‏اللّه سبحانه في الاشياء و هي ظهور توحيده و اسمائه و صفاته

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 128 *»

و ماينسب اليه تعالي من اثار صنعه و احكام فعله و ايجاده و اختراعه و بالجملة هي دليله و الناطقة بتحميده و تقديسه و تنزيهه و تهليله في كلّ عالم و كلّ زمان و اوان و لمّا كان هذا النور قد سـري و جـري في كلّ شي‏ء من الاشياء كان كلّ شي‏ء علي مقدار ما فيه من النور ناطقاً بالتسبيح و التمجيد و التقديس و التهليل بكلّ مراتبه مماظهـر ذلك النور فيه فكلّ شي‏ء يسبّح بحمده و في الزيارة يسبّح اللّه باسمائه جميع خلقه و اليه يشير قوله عزّوجلّ و ان من شي‏ء الاّ يسبّح بحمده و تسبيح الاشياء كلّها بالنور المستودع في سرائرهم و ضمائرهم و احوالهم و اطوارهم ولكن هذا النور لمّا كان في العلويّات اشـدّ و اظهر و اكثر كان ظهور هذه الاثار فيها اقوي و اشدّ و في السفليات لمّا كان اضعف كان هذا الظهور اقلّ و هذا لا شك فيه.

و لمّا وجب اقتران العلويات بالسفليات و اتصالها بها لحصول النظام و لان السفليات لا قوام لها الاّ بالعلويّات حصل من هذا الاقتران و الوضع احوال و اوضاع اخر تأليفية تركيبية غير الاوضاع الاولية البسيطة الناظرة الي وجه المبدء و اسمائه و صفاته و تلك الاحوال و الاوضاع و الحركات ليست في اللطافة و النورانية مثل العلويّات و لا في الكثافة و الدناءة مثل السفليات و انما هي حالة برزخية فاذا جمع الواقف في السفلي حواسه و مشاعره و اجتمعت قوي قلبه يدرك تلك الاحوال و الاوضاع كما انك اذا سديت (سددْتَ ظ) اذنك ظاهراً ام ظاهراً و باطناً ام باطناً تسمع دويّاً كدوي صبّ الماء في شي‏ء و هو صوت صبّ الماء من بحر الصاد في الحوض الكوثر و اذا قعدت نصف الليل اذا هجعت العيون و هدأت الاصوات و انت فارغ‏البال تسمع اصواتاً و الحاناً و هي اصوات اقلام حملة الكتابة من الملائكة الموكّلين بتدبير الاجسام و هي احوال غيبية متعلقة بالاحوال الشهودية و الاطوار الجسمانية او السفلية مطلقاً كلّها علي وزان تلك الاحوال و علي طبقها و هذه الكثرات كلّها خلاف جهة الوحدة و النور لكن اقتران العلوي بالسفلي يستلزم ذلك لان العالم النازل عالم الظهور مجملات العالم الاوّل و لمّا كانت الكثرة جهة الانية و الظلمة لا جهة النور و الوحدة وجب قطع الالتفات عنها و عدم النظر اليها و الاقتصار علي جهة النور ليستولي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 129 *»

في الاحاطة بالاشياء فيعرف الاشياء كلّها علي ماهي عليه في اماكنها و اوقاتها و اوضاعها و يعرف جهاتهم الي ربهم و جهاتهم الي انفسهم و الجهات المتوسطة بين الجهتين و يعرف اسباب نجاتهم و وصولهم الي مباديهم و يعرف اسباب حرمانهم و هلاكهم و كيفية تسبيحهم و تهليلهم و تقديسهم و تنزيههم لباريهم و خالقهم و كيفية الاحوال الواردة عليهم و مبدء السعادة و الشقاوة و التوفيق و الخذلان و التوقف و الاستضعاف و مايحدث من قرانات الاشياء بعضها مع بعض و امثالها من الاحوال لانه قد وقف في مقام عالٍ ينحطّ دونه كلّ مقام و كلّ مرتبة فيري كلّ شي‏ء في موضعه كمن كان فوق المنارة و يتسلّط علي كلّ البلد فان مقام الوحدة له قيّومية علي كلّ الكثرات و كلّها عنده نقطة فهو محيط بها مستولي عليها ولكن المنغمسين في بحر الشهوات و الملتفتين الي جهات الانّيات قد حجبتهم ملاحظة تلك القرانات و الاوضاع و الكثرات عن مشاهدة نور التوحيد الظاهر في كلّ شي‏ء بالتحميد و التمجيد حتي جمدوا و خمدوا و لم‏ينالوا حظّاً من مشاهدة الاشياء و تنطّقها بتوحيد اللّه و تسبيحه و تحميده و اختيارها مااختارت من الشئون و الاحوال و مسألتها من اللّه عزّوجلّ بانحاء الطلبات و السؤلات و تضرّعها و ضجيجها اليه سبحانه بانواع اللغات من الصفات و الكينونات و لذا قال عزّوجلّ و ان من شي‏ء الاّ يسبّح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم و اليهم الاشارة بقوله عزّوجلّ الهيكم التكاثر حتي زرتم المقابر اي الهيكم مشاهدة الكثرات و الانهماك في الشهوات و ملاحظة الانيات حتي ذهبت عنكم روح الحيوة و لقيتم امواتاً كالخشب المسنّدة و اذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كأنّهم خشب مسنّدة يحسبون كلّ صيحة عليهم هم العدوّ فاحذرهم قاتلهم اللّه انّي يؤفكون.

و الي هذا المعني الذي ذكرنا اشار مولينا اميرالمؤمنين7 بقوله الشريف ولولا اصطكاك رأس افرودوس و قد قلنا ان افرودوس هو جهة النور و عالم الوحدة و السرور و مقام المبدء علي مراتبه و اصطكاك رأسه اشارة الي اقتران العلوي بالسفلي و الروابط الحاصلة عند الاقتران و ظهور ذلك النور لانه حامل ظهور الحق عزّو

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 130 *»

جلّ بالتأثير و الفعل و ذلك يظهر حال الاقتران علي مقتضي ذلك المقام لانه منشأ الحيوة و الحركة و السفلي علة التقدير و التصوير و الاختلاف حال اتصاله بالعلوي انما قال رأس افرودوس لان العلوي علي جهة الاطلاق لايقترن بالسفلي بذاته و انما الاقتران بوجه من وجوهه و ذلك الوجه هو رأس منه الي ذلك الشئون فاقتران العالي بالسافل برءوسه و وجوهه لا بذاته كما هو المعلوم المبرهن و انما افرد الرأس مع ان تعلّقات العالي بالسافل كثيرة لان المقام السفلي مقام الكثرة و كلّ منها لايتقوّم الاّ برأس و وجه من العلوي فلم قال7رأس و لم‏يقـل رءوس لان ماظهر من العلوي هو شي‏ء واحد و هو رأسه و وجهه الكلّي و تلك الكثرات كلّها وجوه ذلك الرأس الاتري الشخص فانه اذا وجد في مكان انفصل شبح منه هو وجهه و هو رأسه و هو شي‏ء واحد ولو قابلته الف مرءاة في كلّها ينطبع وجه من وجوه ذلك الشبح المنفصل و هو واحد و الكثرة في وجه الوجه و رأس الرأس.

و وجه اخر و هو ان‏نقول (ان‏تقول خ‏ل) ان الرأس واحد و الكثرة في وجوه ذلك الرأس الواحد و ان جاز لك ان‏تفرض كليات الوجوه رءوساً و اشخاصها وجوهاً او انواعها وجوهاً و اشخاصها السنة او اصنافها السنة و اشخاصها لغاتاً (لغاتٍ ظ) كما ورد ان للّه عزّوجلّ ملكاً له الف رأس و علي كلّ رأس الف وجه و علي كلّ وجه الف لسان و علي كلّ لسان الف لغة يسبّح اللّه تعالي بها هـ و هذا الملك انما هو لاصطكاك رأس افرودوس و الملائكة كلّها وجوه ذلك الرأس و عند ذلك الرأس ينقطع سير الملائكة و يتناهي وجودهم فليس لهم فوق ذلك مقام و لا رتبة.

قوله7 و اختلاط الطتنجين الاوّل هو الخليج المنشعب من الجهة اليمني من بحر الصاد و الثاني هو الخليج المنشعب من الجهة اليسري و هذان الخليجان يسيران علي جهة الاستدارة لكن من جهة الاختلاط قد حصـل شكلان مخروطان متوازي السطحين قاعدة كلّ منهما عند رأس الاخر و مع‏ذلك لايوجد ذرّة من ذرّات

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 131 *»

احد الخليجين الاّ و جري فيه الخليج الاخر الاّ ان اطوار الاختلاط مختلفة كما مثّلنا بالشكل المخروطي.

و وجه هذا الاختلاط و علّته من دليل الموعظة الحسنه فاعلم ان اللّه عزّوجلّ عدل حكيم خلق الخلق لاظهار كرمه و نشر عوائد مننه فلو اضطرّهم علي وجه واحد لم‏يصـحّ فرض ايصال النفع لان المجبور ليس له انّية حتي ينتفع بها مما افيض عليها من مُبدئها و بارئها و يكون كالالة للشي‏ء و علي ذلك لم‏يصـحّ فرض اختلاف انحاء الموجودات المستلزم لاختلاف مظاهر الاسماء و الصفات فلم‏تظهر الكمالات الالهية و الصفات الربانية و هي خلاف فائدة الايجاد فلو انه تعالي جعل الاختلاف من دون داعٍ و حكمة لكان فاعلاً للعبث تعالي ربي و تقدّس عن ذلك ثمّ انه لو فرض الجبر فاما ان‏يجبر الخلق علي الخير او علي الشرّ او يجبر بعضهم علي الخير و البعض الاخر علي الشر فان كان الاول فقد ظلم لانه وضع الشي‏ء في غير محلّه اذ لا ريب ان كلّ الخلق لو خلّوا و اختيارهم لم‏يقبلوا الخير و النور كما لم‏يقبلوا ممانشاهد فاعطاء الخير اياهم من غير شهوتهم و اختيارهم وضع للشي‏ء في غير موضعه و ابطال لاصل فائدة الايجاد فان الايجاد للانتفاع و الانتفاع لايحصل الاّ بمايلايم الطبع فان حصل للشي‏ء ما لايلايمه كان اكراهاً لا انتفاعاً كما هـو المعلوم فاذا جريان الاشياء علي نحو (نفع خ‏ل) واحد ليس نفعاً لها و انما هو نفع لصانعها والاّ لكان عبثاً مع ان النفع لايتصوّر الاّ عند امكان المضرة والاّ فلا فتبطل فائدة الايجاد و ان كان الثاني كان قبيحاً لان الشرّ لايكون مقصوداً بالذات للحكيم و ان كان الثالث فهو الترجيح من غير مرجّح مع ماذكرنا ان الشرّ لايكون مطلوباً للحكيم لان الشر خلاف جهة الحقّ فهو متوقف و متقوّم بجهة الحق و كيف يتصوّر ان‏يريد الشي‏ء اولاً خلاف مقصوده و هو باطل بالبديهة فرجع الامر الي القسم الاول و قد عرفت بطلانه.

فاذا بطل الجبر و الاضطرار وجب الاختيار لان صنع الحكيم الكامل يجب ان‏يكون علي اكمل مايتصوّر و اشرف مايكون الاّ ان‏يكون اسباب اقوي من المقتضي و لا شك ان الخلق علي وجه الاختيار اكمل من الخلق علي وجه الاضطرار و الاختيار لاينشأ الاّ بوجود اسبابه و علله و علته وجود

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 132 *»

الامرين المتضادين في شي‏ء واحد ليكون كلّ منهما مبدأ ميل بخلاف الاخر حتي حصل له الداعيان فتضاف اليهما القدرة و الحيوة فان قويت ظهرت اثار الميلين باجمعهما كالانسان و ساير الحيوانات تريهم يفعلون و يتركون و ان ضعفت قويت جهة و ضعفت الاخري فتحتاج لاظهار ميلها الي معين خارج عن حقيقة ذات الشي‏ء كالجمادات و النباتات من الاجسام اللطيفة المايلة بالطبع الي الصعود فيحتاج في النزول الي معين خارجي و الاجسام الكثيفة المائلة بالطبع الي النزول فيحتاج في الصعود الي معين خارجي فمن جهة تحقّق الاختيار خلق اللّه سبحانه بحراً من النور تحت العرش الاعظم و هو الصاقورة للجنان التي اكل روح‏القدس منها الباكورة و خلق ارضاً طيّبة تحت ذلك البحر و اجري ماء البحر عليها فصلصلهما و عركهما حتي صارا شيئاً واحداً و طينة واحدة ثم خلق سبحانه بحراً من الظلمة تحت الثري و خلق ارضاً خبيثة فوقها ثم تبخّر ذلك البحر بالحرارة الغضبية فصعدت تلك الابخرة الي ان وصلت تلك الارض الخبيثة فتراكمت الابخرة الخبيثة عليها حتي اذابتها فتصلصلت الي ان صارت طينة واحدة و هو قوله عزّوجلّ / مرج البحرين (و مايستوي البحران في القرءان) هذا عذب فرات سائغ شرابه و هذا ملح اجاج و من كلّ تأكلون لحماً طريّاً و تستخرجون حلية تلبسونها و تري الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله و لعلكم تشكرون ثم ان اللّه عزّوجلّ خلط بين الخليجين اي البحرين فصاغ الموجودات كلّها من هذا المختلط و هو قول ابي‏جعفر7 لو علم الناس كيف ابتدأ الخلق مااختلف اثنان ان اللّه عزّوجلّ قبل ان‏يخلق الخلق قال كن ماء عذباً اخلق منك جنّتي و اهل طاعتي و كن ملحاً اجاجاً اخلق منك ناري و اهل معصيتي ثم امرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر و الكافر المؤمن الحديث و قال ايضاً لمّا سئل عن قوله تعالي و اذ اخذ ربك من بني‏ادم من ظهورهم ذرّيتهم و اشهدهم علي انفسهم الست بربكم قالوا بلي الي اخر الاية فقال و ابوه يسمع8 حدّثني ابي ان اللّه عزّوجلّ قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها ادم7فصبّ عليها الماء العذب الفرات ثم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 133 *»

تركها اربعين صباحاً ثم صبّ عليها الماء المالح الاجاج فتركها اربعين صباحاً فلمّا اختمرت الطينة اخذها فعركها عركاً شديداً فخرجوا كالذرّ من يمينه و شماله و امرهم جميعاً ان‏يقعوا في النار فدخل اصحاب اليمين فصارت عليهم برداً و سلاماً و ابي اصحاب الشمال ان‏يدخلوها هـ و قال ايضاً7 ان اللّه تبارك و تعالي حيث خلق الخلق خلق ماء عذباً و ماء مالحاً اجاجاً فامتزج الماءان فاخذ طيناً من اديم الارض فعركه عركاً شديداً فقال لاصحاب اليمين و هم كالذرّ يدبّون الي الجنة بسلام و قال لاصحاب الشمال الي النار و لاابالي الحديث و قال مولينا الصادق7 ان اللّه عزّوجلّ لمّا اراد ان‏يخلق ادم7 بعث جبرئيل7 في اوّل ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة بلغت قبضته من السماء السابعة الي السماء الدنيا و اخذ من كلّ سماء تربة و قبض قبضة اخري من الارض السابعة العليا الي الارض السابعة القصوي فامر اللّه عزّوجلّ كلمته فامسك القبضة الاولي بيمينه و القبضة الاخري بشماله ففلق الطين فلقتين فذرأ من الارض ذرواً و من السموات ذرواً فقال للذي بيمينه منك الرسل و الانبياء و الاوصياء و الصديقون و المؤمنون و السعداء و من اريد كرامته فوجب لهم ماقال كماقال و قال للذي بشماله منك الجبارون و المشركون و الكافرون و الطواغيت و من اريد هوانه و شقوته فوجب لهم ماقال كماقال ثم ان الطينتين خلطتا جميعاً و ذلك قول اللّه عزّوجلّ ان اللّه فالق الحب و النوي فالحبّ طينة المؤمنين التي القي اللّه عليها محبته و النوي طينة الكافرين الذين نأوا عن كلّ خير و انما سمّي النوي من اجل انه نأي عن كلّ خير و تباعد عنه و قال اللّه عزّوجلّ يخرج الحي من الميّت و مخرج الميّت من الحي فالحي المؤمن الذي تخرج طينته من طينة الكافر و الميّت الذي يخرج من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن فالحي المؤمن و الميّت الكافر و ذلك قوله عزّوجلّ أو من كان ميتاً فاحييناه فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر و كان حيوته حين فرّق اللّه عزّوجلّ بينهما بكلمته و كذلك يخرج اللّه عزّوجلّ المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها الي النور و يخرج الكافر من النور

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 134 *»

الي الظلمة بعد دخوله الي النور و ذلك قوله عزّوجلّ لينذر من كان حيّاً و يحقّ القول علي الكافرين هـ .

و الاخبار في هذا الاختلاط كثيرة اقتصرنا علي بعضها فلمّا حصـل الاختلاط تحقّق الاختيار فلمّا تحقّق الاختيار و صيغ به الكاينات فخرجت في الوجود مجتمعة في صعيد واحد و محشر واحد فحصل بذلك قرانات و اوضاع و نسب و اضافات بين بعضها مع بعض فكلّفهم اللّه سبحانه و بعث محمّداً9 عليهم بشيراً و نذيراً فقال لهم عن اللّه عزّوجلّ ألست بربكم و محمّد نبيكم و علي وليّكم و الائمة من ولده الاحدعشر الطيّبون و فاطمة الصديقة اولياءكم فاقرّ الانبياء: و تبعهم خواص الشيعة المخلصون العارفون و انكر المنافقون و هم رؤساء الضلالة و هم اثناعشر و رئيسهم الاثنان و هما الاعرابيان و تبعهم خواصهم من المنافقين و ساير الشياطين فاستولت الانوار علي الاوّلين باقرارهم و البسوا من طينة عليين قال عزّوجلّ يهديهم ربهم بايمانهم و غلبت الظلمة و تراكمت علي الاخرين و البسوا طينة سجين و طبع اللّه علي قلوبهم بكفرهم ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشدّ قسوة و بقيت طائفة قدتراكمت عليهم ظلمة اولئك الفجرة و استولت عليهم انوار تلك الطبقة الطيّبة العالية ففسدت بنيتهم بتخلّل تلك الظلمات فما كملت في النضج بحرارة نورانية تلك الانوار فبقيت واقفة متحيّرة فمنهم من انكر ظاهراً بالتبع الظاهري ممن كانوا في جنب تلك الظلمات و منهم من اقرّ بمناسبة تلك الانوار بالاقرار العرضي التبعي ثم ان اللّه عزّوجلّ كسر صيغتهم و دكّ بنيتهم و اذابهم كلّهم و مزّجهم و جعلهم طينة واحدة تحت النور الاحمر فبقوا كذلك اربعمائة سنة فاختلط الطتنجين مرّة ثانية بعد الاختلاط الاول و الامتياز الاوّل فبقوا في هذا الكسر بالمدة التي ذكرنا حتي انزلهم اللّه عزّوجلّ الي هذه الدار و استودعهم في التراب فتعلّقت لطخات من المناسبة العرضية بالفريقين فمنهم من قوي اللطخ فيهم في الارواح و الابدان معاً حتي تعلقت الظلمة بالنور للمناسبة العرضية و استجنّت فيها و تولّد منها و اكتسب من

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 135 *»

عاداتها و ادابها و طبايعها حتي نسـي اصله و صبغ بصبغها الي ان‏يحصل له منبّه ينبّهه اصله و مبدأه و منشأه و وجه عداوته معها و مباينته اياها فيذكر فيعود الي عالمه فيرجع الي اصله و هم متفاوتون في وصول هذا التنبيه اليهم او تنبّههم بذلك فمنهم من قويت المناسبة فيه لايتنبّه الاّ عند موته و منهم من لايتنبّه الاّ في القبر و منهم في الدنيا اوان بلوغه و ربما بعضهم قبل بلوغه الحلم وهكذا في ساير الاطوار و منهم من حصل اللطخ في الابدان العنصرية خاصة قد تعلق بها لمناسبة البدن العرضي لغلظته و كثافته و هذا يتنبّه في اوّل الامر بادني شي‏ء و يتبرّأ منها كما في علي بن يقطين و منهم من لم‏يحصل اللطخ و المناسبة في الابدان لكنها قد حصلت في العادات و الاداب من الظاهرية و الباطنية حتي مال اليها و قال بقولها و تطوّر بطورها فبقدر الميل قويت الظلمة فيه الي ان‏ينجيه اللّه سبحانه منها و منهم من لم‏يبلغ الخلط في الابدان الي ان‏يتولّد منها و يستجنّ فيها لكنّه قد حصـل في المزاج و البنية بعد التركيب و التوليد او حين التوليد و التركيب من افراط احدي الطبايع اما من غلبة البلغم ليوصله الي البلادة او من غلبة الصفراء مع الدم ليوصله الي الجربزة او لغلبة الدم و البلغم ليوصله الي النسيان او لغلبة السوداء المحترقة ليوصله الي الاضطراب و الاغتشاش في ظاهره و باطنه و بالجملة مناسبته تخرجه عن الاستقامة البدنية فتهجم عليه الامراض و الاسقام و الالام و منهم من قويت المناسبة فيه في الطبايع و الغرايز و الاقوال و الاحوال تحت حجاب الزمرد و امثال ذلك من المناسبات الخلطية اللطخية العرضية وهكذا من جانب العكس و الباطل و مناسبتهم العرضية في جانب النور و من جهة تلك المناسبة تري الكفار و المنافقين قد تصوّروا بالصورة الانسانية و تصدّر عنهم افعال حسنة كالاحسان علي الفقراء و المساكين و صلة الارحام و بناء المساجد و القناطر و ساير الخيرات التي تحصل منهم و هم في ذلك علي انواع شتّي يطول الكلام بذكرها.

و لكلّ رأيت منهم مقاما   شرحه في الكتاب ممايطول

و ها انا اشير الي بعض الاخبار الدالة علي ماذكرنا مماذكره محمّد بن

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 136 *»

يعقوب الكليني ثقة الاسلام في الكافي عن عبداللّه بن سنان قال قلت لابي‏عبداللّه7 جعلت فداك اني لاري بعض اصحابنا يعتريه النزق و الحدّة و الطيش فاغتم لذلك غماً شديداً و اري من خالفنا فاراه حسن السمت قال7 لاتقل حسن السمت فان السمت سمت الطريق ولكن قل حسن السيماء فان اللّه عزّوجلّ يقول سيماهم في وجوههم قال قلت فاراه حسن السيماء له وقار فاغتم لذلك قال7 لاتغتم لمارايت من نزق اصحابك و لمارأيت من حسن سيماء من خالفك ان اللّه تبارك و تعالي لمّا اراد ان‏يخلق ادم خلق تلك الطينتين ثم فرّقهما فرقتين فقال لاصحاب اليمين كونوا خلقاً باذني فكانوا خلقاً بمنزلة الذرّ يسعي و قال لاهل الشمال كونوا خلقاً باذني فكانوا خلقاً بمنزلة الذرّ يدرج ثم رفع لهم ناراً فقال ادخلوها باذني فكان اوّل من دخلها محمّد9 ثم اتبعه اولواالعزم من الرسل و اوصياؤهم و اتباعهم ثم قال لاصحاب الشمال ادخلوها باذني فقالوا ربنا خلقتنا لتحرقنا فعصوا فقال لاصحاب اليمين اخرجوا باذني من النار فخرجوا لم‏تكلم منهم النار كلماً و لم‏تؤثّر فيهم اثراً فلمّا رءاهم اصحاب الشمال قالوا ربنا نري اصحابنا قد سلموا فاقلنا و مرنا بالدخول قال قد اقلتكم فادخلوها فلمّا دنوا و اصابهم الوهج رجعوا فقالوا ياربنا لا صبر لنا علي الاحتراق فعصوا فامرهم بالدخول ثلثاً كلّ ذلك يعصون و يرجعون و امر اولئك ثلثاً كلّ ذلك يطيعون و يخرجون فقال لهم كونوا طيناً باذني فخلق منه ادم7 قال فمن كان من هؤلاء لايكون من هؤلاء و من كان من هؤلاء لايكون من هؤلاء و مارأيت من نزق اصحابك و خُلقهم فمما اصابهم من لطخ اصحاب الشمال و مارأيت من حسن سيماء من خالفهم و وقارهم فمما اصابهم من لطخ اصحاب اليمين في الكافي عن عبداللّه بن كيسان عن ابي‏عبداللّه7قال قلت له جعلت فداك انا مولاك عبداللّه بن كيسان قال اما النسب فاعرفه و اما انت فلست اعرفك قال قلت له اني ولدت بالجبل و نشأت في ارض فارس و انني اخالط الناس في التجارات و غير ذلك فاخالط الرجل فاري له حسن السمت و حسن الخلق و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 137 *»

كثرة امانة ثم افتشه فاتبيّنه عن عداوتكم و اخالط الرجل فاري منه سوء الخلق و قلّة امانة و ذعارة ثم افتشه فاتبيّنه عن ولايتكم فكيف يكون ذلك قال فقال لي اماعلمت يابن كيسان ان اللّه عزّوجلّ اخذ طينة من الجنة و طينة من النار فخلطهما جميعاً ثم نزع هذه من هذه و هذه من هذه فمارأيت من اولئك من الامانة و حسن الخلق و حسن السمت فمما مسّتهم من طينة الجنة و هم يعودون الي ماخلقوا منه و مارأيت من هؤلاء من قلة الامانة و سوء الخلق و الذعارة فمما مسّتهم من طينة النار و هم يعودون الي ماخلقوا منه و عن علي بن الحسين7 قال ان اللّه تعالي خلق النبيين من طينة عليّين قلوبهم و ابدانهم و خلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة و جعل خلق ابدان المؤمنين من دون ذلك و خلق الكفار من طينة سجين قلوبهم و ابدانهم و خلط بين الطينتين فمن هذا يلد المؤمن الكافر و يلد الكافر المؤمن و من هيهنا يصيب المؤمن السيئة و من هيهنا يصيب الكافر الحسنة فقلوب المؤمنين تحنّ الي ماخلقوا منه و قلوب الكافرين تحنّ الي ماخلقوا منه هـ و الاخبار في هذا الباب كثيرة اكتفينا بماذكرنا.

و بهذا اللطخ و الخلط انقطعت الاستقامة و كثرت المعاصي و السيئات و صارت بحيث ملأ الدهر ظلماً و جوراً لان النطف الطيّبة قداستقرّت في الاصلاب الخبيثة و النطف الخبيثة قداستودعت في الاصلاب الطاهرة فلايمكن تطهير الارض من اوساخ اولئك الارجاس ملاحظاً لاستخراج تلك النطف لئلاّينقطع الفيض عن الطيّبين و لايتنجّس الارض مرّة ثانية بالخبيثين فضعف النور من جهة هذا الاختلاط و الاختلاف العظيم و الاختلال الجسيم لان النور مقام الوحدة و الايتلاف فلايبقي مع الكثرة و الاختلاف و هذا الاختلاط و النظر الي تلك الخصوصيات و حصول اللطخ و الخلط اقتضي اختلال طبايع الموجودات الدنيوية ظاهراً و باطناً و اورث فيها الامراض علي اختلاف مراتبها فضعفت المدارك و المشاعر و القوي بل عميت كثير من الابصار المعنوية الباطنية فصارت لم‏تدرك الانوار و لم‏تشاهد الاسرار و بقيت في مقام الجماد و احتجبت عن مشاهدة جلال ربّ العباد.

و سرّ هذا الخلط التكويني في الذوات

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 138 *»

اقتضي الخلط في الصفات و الالفاظ و العبارات فاشتملت الكتب الالهية و الاخبار المعصومية علي الظواهر و المتشابهات ليكون التشابه الوصفي كاشفاً عن التشابه الذاتي و مبيّناً و مظهراً لاحكام الخلط و اللطخ اذ الاشياء كلّها تميل الي مايناسبها فالمحكم الي المحكم و المتشابه الي المتشابه و اهل الحق الي الحق و اهل الباطل الي الباطل ليتميّز الخبيث من الطيّب و لولا ذلك لماحصـل التمايز و ماتمّت الحجة علي الخلق و لذا قال عزّوجلّ هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمات هنّ امّ الكتاب و اخر متشابهات فامّا الذين في قلوبهم زيغ و قدظهروا بزي المخلصين المؤمنين لحكم اللطخ فيتّبعون ماتشابه منه ممايحتمل خلاف الحق و المراد في الصورة الظاهرية ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله الاية.

و قال ايضاً سبحانه و تعالي و ماارسلنا من قبلك من رسول و لا نبي الاّ اذا تمنّي القي الشيطان في امنيّته فينسخ اللّه مايلقي الشيطان ثم يحكم اللّه اياته و اللّه عليم حكيم و التمنّي هو القراءة و القاء الشيطان هو احتمال خلاف الحق و المراد المحتمل في القراءة بحكم اللطخ و النسخ اثبات القرائن الدالّة الناصّة علي المراد ثم ان اللّه عزّوجلّ بيّن وجه هذا الالقاء و علّته فقال سبحانه ليجعل مايلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض و القاسية قلوبهم من المعاندين و المنكرين باطناً الذين قدظهروا بصورة المؤمنين لللطخ و ان الظالمين ال‏محمّد صلّي اللّه عليهم حقّهم لفي شقاق بعيد عن النور و الصواب و ليعلم الذين اوتوا العلم من اصحاب اليمين المخلصين الذين مااعتورهم لطخ من اهل الباطل او شي‏ء لايعبأ به لقلّته انه الحق من ربك فيؤمنوا به مخلصين عن الشبهات فتخبت له قلوبهم و ازدادوا ايماناً للتسليم و التصديق بما هو الحق من عند اللّه و ان اللّه لهاد الذين امنوا و صدقوا بالحق و مامالوا الي المتشابه من الكلام الي صراط مستقيم صراط النور و الهداية و الرشد و التسديد و التوفيق و الخير و الاخلاص و المحبة و اليقين و في الاخبار و الايات بيان هذا الخلط و اللطخ كثير.

و هذا الخلط انما هو لتميّز (لتمييز خ‏ل) الخلط و اللطخ الاوّل التكويني فلولا هذا اللطخ و الخلط لم‏يحجب شي‏ء من اسرار الملك و الملكوت علي تفاوت

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 139 *»

درجاتها علي احد من الخلق الاّ ان اهل السجّين عندهم الاسرار الظلّية السفلية الجحيمية الي ماتحت الثري و اهل العليّين قد جمعوا الاسرار و احاطوا بالانوار فيسمعون تسبيح الاشياء و جهات خضوعهم لخالق الارض و السماء بالسماع الحسي من السمعي و البصري و الشمّي و اللمسّي و الذوقي و المعنوي و الحقيقي بل الحقّي وهكذا من ساير الجهات بل بكلّ الجهات بل بلا جهات فهناك يسمعون صرير افلاك الانوار الظاهرة علي عرش الاسرار كما قال سيدالشهداء7 يا من استوي برحمانيته علي العرش فصار العرش غيباً في رحمانيته كما صارت العوالم غيباً في عرشه محقت الاثار بالاثار و محوت الاغيار بمحيطات افلاك الانوار و اما اهل الخلط اي الواقفين مقامه من الطرفين فهم محجوبون عن مشاهدة تلك الاسرار من النورانية و الظلمانية لتدافع الميلين الاّ انّ احدهما اقوي في‏الجملة و لذا تري لاحدهم يصحّ الاستدلال بكلام الاخر كما تري مخالفينا قد يستدلّون بكلام اصحابنا الاّ (لا خ‏ل) في الامور التي لها مدخليّة في المذهب فيما هو الظاهر المعلوم من الطرفين وجه المنافاة و المخالفة و تري اصحابنا كثيراًمّا يتمسّكون بكلامهم و يميلون اليه و ينقلون عنهم و يطلبون العلم بالتتبّع في كلماتهم و هذا كلّه من جهة اللطخ الذي بينهم فحجبهم ذلك عن مشاهدة وجه المنافرة التي بينهم و المعاداة التي عندهم و اما الخالصون من اللطخ من الطرفين فلايرون لكلامهم وجه صحة ابداً فلايميل احدهم الي الاخر لمايـرون من كمال المعاداة و المنافاة و المنافرة و لمّا كان امتزاج هذا الخلط ليس امتزاجاً بحيث لايمكن انفراد صاحب الخلط باحدهما دائماً و ليس كالمركبات الجسمانية في ظاهر الحال جاز للشخص ان‏ينفرد في مقام احدهما فيرقّ الاخر و يلطف حتي يشابهه كماقال عزّوجلّ فان تابوا و اقاموا الصلوة و اتوا الزكوة فاخوانكم في الدين و مواليكم و قال الشاعر:

رقّ الزجاج و رقّت الخمر   فتشابها و تشاكل الامر
فكأنّما خمر و لا قدح   و كأنّما قدح و لا خمر

 

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 140 *»

و لذا قال اميرالمؤمنين7 ليس العلم في السماء فينزل اليكم و لا في الارض فيصعد اليكم بل هو مكنون فيكم مخزون في قلوبكم تخلّقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم و قال ايضاً7 في وصف الملأ الاعلي صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلّي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويّتها مثاله فاظهر عنها افعاله و خلق الانسان ذانفس ناطقة ان زكّيها بالعلم و العمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها و اذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد هـ و قال رسول‏اللّه9 ليس العلم بكثرة التعلّم و انما هو نور من عند اللّه يقذفه في قلب من يحبّ فينفسح فيشاهد الغيب و ينشرح فيحتمل البلاء قيل هل لذلك من علامة يا رسول‏اللّه قال9 التجافي عن دار الغرور و الانابة الي دار الخلود و الاستعداد للموت قبل نزوله هـ و امثالها من الاخبار الدالّة علي الخلوص من شوائب اللطخ و الخلط كثيرة و العقل يؤيّدها.

الاّ ان الخلوص علي قسمين: خلوص في الوجدان و خلوص في الوجود و اما الخلوص في الوجدان فهو مما لابدّ منه فان لم‏يحصل في هذه الدنيا فهو يحصل في الاخرة ان كان من اهل الخير في الجنة و ان حصل هنا فيزيد جلاء و صفاء في الاخرة كالاكسير الذي سقيته من الماء الذي من نوعه و سنخه فانه يزيده بهاء و قوّة فكلّما يزداد السقي يزداد القوّة و التأثير و الفعل كما هو المعلوم عند اهله. و اما الخلوص في الوجود في الخلط الاول لتحصيل الصوغ فمستحيل لتوقّف الايجاد علي التكليف و توقف التكليف علي الاختيار و توقف الاختيار علي الخلط كماذكرنا اذ البسيط لايمكن تحقّقه كما عن الرضا7 ان اللّه لم‏يخلق فرداً قائماً بذاته للذي اراد من الدلالة عليه الحديث و اما في اللطخ فهو لابدّ منه فلايصفو الاّ بازالة ذلك منه و رجوعه الي اصله و مبدئه و هذه الدنيا و محنها و ابتلاءاتها و التكاليف و الاعمال و الاعتقادات كلّها لتصفية هذا اللطخ و هذه التصفية تختلف مراتبها في القوة و الضعف فمنها ماتحصـل في هذه الدنيا بالاعمال الصالحة و الاقبال الي اللّه عزّوجلّ و هذا له مراتب كثيرة اعرضنا عنها خوفاً للتطويل و منها ما

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 141 *»

يحصل عند الموت و منها ماتحصل في البرزخ و منها ماتحصل في القيمة و منها ماتحصل بالشفاعة و منها ما لاتحصل الاّ بالنار و المكث فيها احقاباً استجير باللّه من النار و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم.

ثم اعلم ان ماذكرنا كلّه في باب اللطخ من دليل الموعظة الحسنة و فيه شوب المجادلة بالتي هي احسن و اما الكلام فيه من دليل الحكمة التي من اوتيها فقد اوتي خيراً كثيراً فقد اعرضنا عنه لاحتياجه الي بسط في الكلام بذكر بعض المقدّمات الاّ انّ من عرف سياق كلامنا تمكّن من معرفته من اشارات العبارات.

قوله7 و صرير الفلك اعلم ان من الامور التي تحجب عن مشاهدة الاشياء علي نهج وحدتها و بساطتها و معرفتها علي ماهي عليه و تشغله و تلهيه عن ادراك مقام القرب و الوصال و الاتصال صرير الافلاك و هو الاصوات و النغمات الحاصلة من نسب حركات الافلاك السبعة او التسعة فان الحركات العلوية كلها اربعة و عشرون حركة و تلك الالحان المطربة و النغمات المتناسبة انما تحصل بنسبة حركة بعضها مع بعض و اقلّها الحركتان فلذا جعلوا مقامات الاصوات اي اصولها و كلياتها اثني‏عشر مقاماً ولكن يحصل بملاحظة اختلاف نسب (نسبها خ‏ل) بعضها مع بعض نغمات عجيبة غريبة لاتكاد تتحمل سماعها النفوس و هي ربما تبلغ الي ما لايحصي و قدذكـر استادنا و مولينا اطال اللّه بقاه و جعلني في كلّ محذور فداه في شرحه للحكمة العرشية للملاّصدرا انه نقل عن قدماء الحكماء باكتفاء تماسّ الافلاك بعضها مع بعض في السماع كما نسـب الي اساطين الحكمة كافلاطون و من قبله انهم يثبتون للافلاك اصواتاً عجيبة و نغمات غريبة يتحيّر من سماعها العقل و يحكي عن فيثاغورس انه عرج بنفسه الي عالم العلوي فسمع بصفاء جوهر نفسه و ذكاء قلبه نغمات الافلاك و اصوات حركات الكواكب ثم رجع الي استعمال القوي البدنية و رتب عليها الالحان و النغمات الي ان قال سلّمه اللّه تعالي: «و انما السامع لتلك الاصوات اذن القلب الواعية و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 142 *»

ينزل معنيها (معاينها خ‏ل) القلب الي الروح فتخلع عليها الخلع الصفر و تنزلها الروح الي النفس فتلبسها ثياباً خضراً من سندس و استبرق و تنزلها النفس طيناً و ذرّاً و تتقاسمها القوي الخمسة النفسانية علي نسبة سيرها في افلاكها فتخرجها بتلك النسب الحاناً موسيقية و ان اردت اني اتكلم فيها (بها خ‏ل) تكلّمت فاقول كماقـال علماء العروض ان الكلام باعتبار الحركات و السكنات يجمعها قولهم لَمْ اَرَ عَلي ظَهْرِ جَبَلِنْ سَمَكَتَنْ «لَمْ» سبب خفيف و هو كحركة زحل و «اَرَ» سبب ثقيل و هو كحركة المشتري و «عَلي» وتد مجموع و هو كحركة المريخ و «ظَهْر» وتد مفروق و هو كحركة الخيال و «جَبَلِن» فاصلة صغري و هو كحركة عطارد و «سَمَكَتَن» فاصلة كبري و هو كحركة القمر لانّ فلك القمر يماسّ فلك عطارد بنقطة هي شخصية من فلك القمر و نوعية من فلك عطارد و عطارد يماسّ فلك الزهرة او الشمس مثلاً والاّ فالثلثة متقاربان (متقاربات ظ) فتختلف النوعية و الشخصية فيها بالمحاذاة. و نحن نريد التمثيل للالحان فنقول لاجل البيان النقطة من عطارد او الزهرة او الشمس شخصية و من المريخ نوعية و من المريخ شخصية و من المشتري نوعية و من المشتري شخصية و من زحل نوعية و من زحل شخصية و من فلك البروج نوعية فاذا نسبت حركات الافلاك الاربع و العشرين الحركة بنسبة مامثّلنا بالشخصية و النوعية حصل من تناسب الاوضاع بين الشخصية و النوعية و نوعية النوعية و بين النوعية و نوعية نوعية النوعية و بالعكس و نحو هذا هيئات و اوضاع بين الاسباب و الاوتاد و الفواصل اذا اخرج الصوت عليها خرج بالحان و نغمات تكون اقرب كلّ شي‏ء الي مطابقة النفوس و ملائمتها لان النفس مركبة من تلك الالحان حيوتها من الفاصلة الكبري و فكرها من الفاصلة الصغري و خيالها من الوتد المفروق و وهمها من الوتد المجموع و علمها من السبب الثقيل و تعقّلها من السبب الخفيف». انتهي كلامه اعلي اللّه كلمته و مقامه.

اقـول: اعلم ان الاشياء لكونها قد بـدت عن فعل اللّه سبحانه لها مقامان: احدهما مقام تحليلها الي الاجزاء اي البساطة (البسايط خ‏ل) و ثانيهما مقام تركيبها و جمعها و تأليفها و لمّا كان تركيب الممكنات من جهة العلة و من جهة نفس المعلول كان

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 143 *»

لكلّ شي‏ء جهة وحدة و بساطة و عموم و شمول و انبساط و اطلاق و جهة تقييد و اختصاص و انجماد فالاولي جهة العلة و الثانية جهة المعلول و يحصل عند اقتران تلك الجهتين مراتب بل عوالم كثيرة من اوّل ميل الجهة العليا الي الجهة السفلي لاتحصي و هي مذكورة في اشارات ادعية اهل العصمة: و بواطن اخبارهم لكن تجمع كليات تلك المراتب ثلث مراتب: الاولي ميل الجهة العليا الي السفلي قبل الاقتران و الثانية اقترانهما و الثالثة مزجهما و تأليفهما بحيث تصير الجهتان جهة واحدة و الطبيعتان طبيعة واحدة تستحقّ اسماً واحداً. فالاولي يوم الايلاج قال تعالي يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل و النهار هو جهة العلة و هو الجهة العليا و الليل هو جهة المعلول و هو الجهة السفلي و الثانية يوم الغشيان قال تعالي يغشي الليل النهار و الثالثة يوم الشأن قال تعالي كلّ يوم هو في شـأن و هو تمام الامر بالاقتران و الامتزاج و لمّا كانت الجهة العليا بعد التركيب تنصبغ بصبغ الجهة السفلي كان الحكم التركيبي التحديدي علي مقتضي الجهة السفلي و هذه المراتب الثلثة كلّها جهة احتجاب المعلول عن مشاهدة العلة و عن مشاهدة انوار الوحدة السارية في اطوار الوجود الاّ انها تختلف بالغلظة و الرقة فالاولي ارقّها و الطفها و الثانية اوسطها و الثالثة اكثفها و اغلظها.

و لمّا كان الامام7 بصدد اثبات علة احتجاب الخلق عن مشاهدة الاشياء بحقايقها و اسرارها علي ماهي عليه ذكر7 المراتب الثلثة لاحتوائها جميع المراتب و اطوار الحجب فاشار الي الاولي بقوله7 و لولا اصطكاك رأس افرودوس و هذا الاصطكاك هو اتصال الميلين و التقاء البحرين و الي الثانية بقوله7 و اختلاط الطتنجين و هو مزج الخليجين و رفع التمايز من البين و الي الثالثة بقوله7 و صرير الفلك و هو ظهور الولد علي ما اعطته امّه من الصورة و الهيكل و انما اختار7 الصرير لانه7 يريد بيان ظهور الجهة العليا من حيث الجهة السفلي محدودة بحدودها و مصبوغة بصبغها و ان لا قوام للجهة السفلي الاّ بالعليا و انها مع‏ذلك تحتجب بها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 144 *»

كما قال7 بل تجلّي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها لانّ الصرير هو الصوت و الصوت هو الامر الوحداني المحدود بالحدود الخاصة فقوام تلك الحدود بذلك الامر الواحد و الاحكام الجارية علي ذلك الامر الواحد باعتبار الحدود و لانّ الصرير اغلظ الحجب لانه انتقالات باطوار قبل الاستقرار بطور من اطوارها فالناظر الملتفت اليها لم‏يزل في التردّد و الانتقال و لم‏يثبت له الاستقرار في حال من الاحوال و لذا كانت اكثف الحجب و ابعدها عن مشاهدة المبدأ الاوّل و لذا سمّيت الالحان و النغمات بالملاهي لانها تلهي عن ملاحظة الحق الظاهري في المخلوقات و انما نسب الصرير الي الافلاك لانها المبادي و الاصول و منها نشأت الي غيرها فكلّ‏ما في غيرها من السفليات فانما هو من ظهورات العلويات.

و لمّا كانت المبادي التسعة التي هي الافلاك التسعة كماذكرنا سابقاً مختلفة الاوضاع و النسب و اختلافها بالقرب و البعد و السرعة و البطؤ كانت ملاحظة ذلك المبدء الواحد في تلك الاوضاع القريبة و البعيدة و التنقّلات السريعة و البطيئة مستلزمة لظهور النغمات و الالحان العجيبة الملهية المطربة و هذه النسب و ان كانت كثيرة لاتعدّ كاختلاف الاصوات و النغمات الاّ انّ كلياتها تجتمع في ستة اطوار: الاول حركة و سكون و هو المسمي عند اهل العروض بالسبب الخفي. الثاني حركتان و هو المسمي عندهم بالسبب الثقيل. الثالث حركتان و ساكن و هو المسمي عندهم بالوتد المجموع. الرابع حركتان بينهما ساكن و هو المسمي عندهم بالوتد المفروق. الخامس ثلث حركات و ساكن و هو المسمي عندهم بالفاصلة الصغري. السادس اربع حركات و ساكن و هو المسمي عندهم بالفاصلة الكبري و يجمعها قولهم كماذكـر الشيخ سلّمه اللّه تعالي «لم‏ار علي ظهر جبلن سمكتن» و هذه هي مجمع (مجموع خ‏ل) الاوضاع المتناسبة المتوافقة و ماسواها من الاوضاع خارجة عن التناسب الطبيعي مثل خمس حركات و ساكن او ازيد فاذا نسبت هذه الاوضاع بعضها مع بعض تستخرج منها الاوزان الشعرية في الالفاظ و الكلمات و الاوزان الموسيقية في الاصوات و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 145 *»

الحركات و لايخرج منها وزن في حال من الحالات و اعمّ من الحركات الذاتية او العرضية و الوصفية فاذا نسبت الاقرب مع الابعد كانت حركة الاقرب بالنسبة الي الابعد اكثر فلا اقلّ من حركتين و حركة فالابعد له حركة و الاقرب له حركتان فللابعد سبب خفيف و للاقرب في اوّل المرتبة سبب ثقيل فكلّما تسافل مرتبة فتزيد بحركتين او اكثر او اقلّ و بهذا الاعتبار قال شيخنا اطال اللّه بقاه انّ حركة فلك زحل سبب خفيف لانها ابعد الحركات و ابطئها في السموات السبع و حركة فلك المشتري سبب ثقيل لانها تحتها و حركة فلك مريخ وتد مجموع و حركة فلك الزهرة وتد مفروق لانها (لكونها خ‏ل) انزل رتبة منها و حركة فلك عطارد فاصلة صغري و حركة القمر فاصلة كبري لانها اقرب الكواكب و اسرعها و انما لم‏يجعل بازاء الشمس شي‏ء من هذه النسب لان ما من الشمس هو المادة و الاصل و ما من غيرها من الافلاك هو الصورة و الحدود و نسبة حركة الشمس بالنسبة الي ساير الحركات الفلكية نسبة النفس (بفتح الفاء) الساري في المزمار فالحركات السريعة القريبة هي الزير و الحركات البطيئة هي البم و الالحان كلّها منوطة بهما و لهما احوال و اوضاع يطول بشرحها الكلام من ملاحظة الاوتاد مع الاسباب و الفواصل مع الجميع او الفاصلتين احديهما مع الاخري كذلك السببين و الوتدين او الاسباب مع الاوتاد و الاوتاد مع الفواصل وهكذا و اصول الاصوات من الافلاك السبعة لانها هي المتنقلة في الاطوار لكن في الحقيقة انما هي من مجموع التسعة مع الحركات (حركات ظ) الافلاك الجزئية و هذه النغمات لازمة لتلك الحركات بكلّ الاوضاع الاّ ان السامعين يلتفتون الي الوجه المناسب لهم في الحالات و الصفات لان الافلاك لمّاتحركت وقعت علي السفليات اشعتها و انوارها الحاملة لصفاتها و احوالها فاستجنّت فيها فاذا قوي نضج القوابل السفلية و اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد فقد شابه السبع الشداد فيظهر المثال الحاكي لتلك الاحوال فذلك المثال هو العين المبصرة لتلك الانوار و السمع السامعة لتلك النغمات و لذا تري الصوفية يقولون لابدّ للسلاّك من استماع الغنا لان النفس مخلوقة من الافلاك و الالحان انما هي مأخوذة و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 146 *»

مستنبطة من حركاتها فاذا سمعت شيئاً منها ذكرت عالمها و توجّهت الي مبدئها فترتفع من حضيض الجهل الي ذروة النور و العلم و هم حفظوا شيئاً و غابت عنهم اشياء نعم هذا شأن من ادبر عن ائمة الحق: و انت قد علمت ان الامام7 جعل صرير الافلاك ممايحجب عن مشاهدة انوار الوحدة و من هذه الجهة حرّم الشارع7 استماع الغنا لان الاصوات و الالحان من حدود الماهية و الانية و هي جهات البعد عن المبدء لانها مقامات الكثرة الممتنعة في المبدء لانه مقام الوحدة نعم اذا ظهرت انوار الوحدة فغيّبت بظهورها الكثرات و محـت الانّيات و ظهر رجوع الاشياء الي الواحد فهنالك لم‏تمنع الاصوات و الالحان عن المشاهدة و العيان كما قال اميرالمؤمنين7 مارأيت شيئاً الاّ و رأيت اللّه قبله او معه و لذا تري كلّ هذه الاشياء المحرّمة ممااعتريه القبح العرضي لوجود المانع القوي كالغنا و شرب الخمر و امثالهما تحلّ و تباح في الجنة غير ما هو قبحه ذاتي كالزنا و اللواط و قتل النفس و امثالها فالافلاك الجسمية صريرها حسّي لكن لا كالاحساس المعروف عند عامة الخلق فان الانسان لمّاتنزّل من تلك العوالم لحقته في كلّ عالم احوال ذلك العالم و عرف لغة اهله و صفاتهم و الحانهم و نغماتهم و تلبّس بلباسهم الي ان نزل الي ادني العوالم و اخسّ المقامات و اردي المراتب و هو عالم العناصر الجمادية فانصبغ بصبغها بالعرض و تلبّس بها فلمّا انس بهذا العالم و نسي مركزه و اصله كان احساسه البدنية منحصراً فيمايتعلق بهذه العناصر المعروفة و لمّا ان العناصر اختلط بعضها مع بعض و صيغ للانسان لباس من المختلط لا من البسيط و هو قد قصّر نظره في المرّكب المختلط و ماتروّح حتي يدرك البسايط كانت ادراكاته الحسية منحصرة في المختلط لا البسيط و لذا تريهم يقولون ان البسايط اي الماء و الهواء و النار و الارض شفافة لاتدركها الابصار و السرّ ماذكرنا لك ان مقامهم مقام الكثافة فلايرون الانوار اللطيفة و لذا احتجبوا عن مشاهدة الوان الافلاك و السموات فان لها الواناً عجيبة غريبة تدهش الناظر عند النظر اليها بين

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 147 *»

صفرة و خضرة و حمرة و بياض و خلط من المجموع كماتقدّم مجملها و عن استماع الحان الافلاك و نغماتها و ترنّماتها و عن استشمام روايحها فان الروايح الطيّبة هي اصلها و منشأها و منها بدؤها و اليها عودها و هي انما تحصل من تصادم الطبايع و هي اصلها من الافلاك فماعند السفليات انما هو من الافلاك فكيف يتصوّر فقدانها في الافلاك و عن ذوق حلاوة طعومها عند شرب ماء الحوض اي الكوثر حين ماينصبّ من العرش الي السماء الرابعة او الي السماء السابعة و قد يتّفق هذا الذوق من هذا الحوض لكثير من الناس ممن محض الايمان محضاً وهكذا ساير القوي فان في الانسان بدناً اخر له حواسّ تدرك الذي ذكرنا بالحس الظاهر دون الباطن و ذلك البدن غيب في البدن العنصري و قديظهر لاناس كمانقلنا عن فيثاغورس انه كان يسمع صرير الافلاك و انما وضع العلم الموسيقي من ترتيب اوضاع حركاتها و شاهد الوانها و ذاق طعومها و شيخنا جعلني اللّه فداه قد رأها و سمعها و ذاقها و قد ارانا شيئاً من ذلك و بيّن لنا كيفية ترتيب الالحان الموسيقية و استنباطها من الافلاك كلّ ذلك بالمشاهدة من دون سماعه من احد فاذن فالشرايط المعتبرة في ادراك الحواس الظاهرية بالبدن العنصري لايلزم ان‏تكون معتبرة في ادراكات البدن السماوي الغايب في البدن العنصري و صرير الافلاك الشبحية و المثالية برزخي يدرك بالحواس الغيبية بمعونة الحواسّ الظاهرة كاستماع صرير اقلام حملة الكتابة من الملائكة و صبّ الماء من العرش في الحوض الكوثر و امثالهما.

و صرير الافلاك النفسية علوم و صور و قوي و ساير الاحوال المتعلقة بالصور من الاوهام و الخيالات و الافكار و غيرها و صرير الافلاك العقلية معان و تسبيح و تقديس و تنزيه و تهليل و صلوة و صيام و غيرها من انحاء العبادات و هذه الالحان و الاصوات ايضاً حجاب علي ماذكره سيّدالساجدين علي ابائه و عليه و ابنائه الصلوة و السلام في الدعاء الي ان قال7 ولو اني كربت معادن حديد الدنيا بانيابي و حرثت ارضيها باشفار عيني و بكيت من خشيتك مثل بحور السموات و الارض دماً و صديداً لكان ذلك قليلاً من كثير مايجب من حقك علي ولو انك ياالهي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 148 *»

عذّبتني بعد ذلك بعذاب الخلائق اجمعين و عظمت للنار خلقي و جسمي و ملأت طبقات جهنم منّي بحيث لايكون في النار معذّب غيري و لا لجهنم حطب سواي لكان ذلك قليلاً من كثير مااستوجبه من عقوبتك علي فتدبّر في هذا الكلام تجد ماذكرنا واضحاً ظاهراً.

و صرير الافلاك الفؤادية و مرادنا بالفؤاد هو الوجود الذي يتركّب مع الماهية فيحصل منهما العقل لا الفؤاد الذي هو نور اللّه و ايته و صرير هذه الافلاك ادلّة الحكمة و علم الحقيقة و الاسرار الباطنية و المراد بها الاسرار المقنّعة بالسرّ لا مطلق الباطن فانه من صرير الافلاك القلبية و من صرير هذه الافلاك ان عليّاً7 هو الاول و الاخر و الظاهر و الباطن و هو بكلّ شي‏ء عليم و ماظهر من خطاب الشمس له7 بهذه الكلمات فقالت له السلام عليك يا اوّل يا اخر و يا ظاهر و يا باطن و يا من هو بكلّ شي‏ء عليم فانما هو حكاية و وصف لوصف شمس تلك الافلاك لكنّك اعلم ان لصرير تلك الافلاك وجهان وجه علوي فهو كماذكرنا لك من جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير من ادني معانيه و وجه سفلي و هو منشأ غروب شمسها و افول نجمها و ظهور ظلمتها.

و بالجملة كلّ الافلاك الالف الف لها صرير و نغمات و الحان علي مقتضي عالمها لكن تلك الاصوات و مقتضيات انيّاتها و ظهور نسبة بعضها مع بعض فلذا كانت ملهية عن المبدء الواحد اذ ليست فيه نسبة و لا كيف و لا وضع و لا قرب و لا بعد و لا سرعة و لا بطؤ و لا غير ذلك فمن تفضّل اللّه عليه و اشهده خلق نفسه و بلغه الي تلك اللطيفة الالهية ثم يشاهد سريانها في الاطوار و المراتب المتنزلّة فهو الممدود بالنصر من الذين لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و اقام الصلوة و اتي الزكوة و من قصر نظره الي صرف الحدود فهو من الذين نسوا اللّه فنسيهم استجير باللّه و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم.

قوله7 لسمع من في السموات و الارض رنيم حميم دخولها في الماء الاسود في العين الحمئة.

قال شيخنا و مولينا اطال اللّه بقاه و جعلني فداه: «امّا السمع فهو عبارة عن ادراك الصوت و الصوت يحدث من بين شيئين يكون بينهما قرع او قلع او ضغط

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 149 *»

فيصدم مابينهما من الهواء باحد الثلثة مايليه و يصدم مايليه مابعده بهيئة ما صدمه ماقبله وهكذا يتدافع الهواء بعضه البعض (لبعض خ‏ل) بهيئة الدفع الاوّل و الدفع الذي حصل بالهواء المتحرك بالقرع او القلع او الضغط يكون بتلك الهيئة في الشدة و الضعف و الجهر و الهمس و الرخاوة و اللين و القلقة و مااشبه ذلك من صفات الحروف و امثالها كالدقّ علي القرطاس و النحاس و الماء فان هذه الاصوات المختلفة هيئات تلك الحركات الثلث بين جسمين فيخرج من بينهما الهواء حاملاً لتلك الهيئات و الاوضاع و يدفع مايليه اي يصدم مايليه بنحو ما صدمه به الجسمان وهكذا حتي يصل الجزء الاخير من الهواء الي الصماخ من اذن السامع فيصدم تلك الجلدة الرقيقة التي تلي الدماغ كهيئة الطبل بما حمل من الهيئات فتتوجّه القوة السمعية عند دقّ بابها لهيئة الدقّ فتدرك الصدم الاول بما حمل لها الهواء من هيئاته بتدافعه كمايتدافع ماء الحوض و يكون من جميع الجهات فيسمع كلامك من هو امامك و خلفك و يمينك و شمالك و فوقك و تحتك لانه يتموّج الهواء بالصدم الاول مستديراً كما تري اذا حركت وسط حوض الماء الاّ انه قد لايستوي جهات امتداده علي الحقيقة و ان تساوت في‏الجملة لان الهواء المدفوع اولاً و هو المصدوم الذي يصدم ماوراءه ربما يكون في جهة انبعاثه اطول و اظهر و اقوي و لابدّ من الهواء في حمل الهيئات و مايشابهه في التخلّل و السيلان الاّ انه ضعيف جداً لايحكيها كما هي الاّ الهواء و لهذا قد يسمع الدقّ و الصوت تحت الماء بسيلانه و امكان تدافعه ولكنه لايتميّز الصوت لاجل ثقله.

و بالجملة ليس الحافظ للحروف مثلاً العقل او النفس او غير ذلك كماتوهّمه بعضهم و انما يحملها الهواء اذ هو المجانس لها و المتكيّف بها فاذا دقّ باب السامعة تلقته من وراء الحجاب فاذا دقّ بابها حفظت صورته بواسطة الحسّ المشترك المسمّي ببنطاسيا فيرفعه الي خزانة (خزانته خ‏ل) الخيال و حفظة (حفظته خ‏ل) النفس و تناول العقل معناه من الصورة النفسية فاذا اراد مالك القرية ابراز ذلك كما وصل اليه امر خدّامه فصاغوا اصواتاً بهيئات كما وصلها و البس تلك المعاني و الصور تلك الهيئات المصاغة علي هيئة ماوصله اليه الهواء و الاصحّ ان

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 150 *»

المسموع هو الصوت القائم بالهواء القارع للصماخ و هو المحسوس لا الصوت القائم بالهواء الخارج عن الاذن و شرط تحقق السماع علي كماله توسط الهواء بين السامع و ذي الصوت.» انتهي كلامه جعلني اللّه فداه.

و ماذكره من الاحوال كلّها راجعة الي السماع في عالم العناصر بالبدن العنصري و اما في العوالم الاخر فليست فيها هذه الشرايط و لايحتاج الي توسط الهواء الاّ بالمعني الحقيقي لان الهواء هو الرابطة بين العالي و السافل بل مطلق الرابطة و لمّا كان السماع فيه حكم التعلق وجب الرابطة و بدونها يستحيل و لمّا كان العوالم الف الف و كلّ عالم فيه اشخاص و اهل و كلّ الاشخاص و الاهالي مجتمعة في العالم الانساني كان للانسان الف الف بدن و كلّ بدن علي مثال البدن العنصري المحسوس علي حسب ذلك العالم و الشخص بذلك البدن سائر في ذلك العالم فان كان قد حبست الابدان كلّها في البدن السافل كانت المدارك و المشاعر كلّها منقطعة عن تلك العوالم لحكم الاحتجاب فلايسمع الحانها و لايبصر الوانها و لايشمّ روائحها والاّ فان وصل الي البدن الاصلي في مقام الانسان الحقيقي ظهر كلّ بدن بجميع قواه و مشاعره المدركة لما في العالم المختصّ به كما سبـق فراجع تفهمه ان شاء اللّه تعالي.

فمراد الامام7 من هذه العبارة انه لولا احتجاب الخلق بظهورات الابتداع في مظاهره و مجاليه و قطع التفاتهم عن مقامات الاختراع و ظهور النور الوحداني الساري في كلّ النشئات الانسانية و لولا حكم التمكين للتمرين و وقوع التعفين و مزج النور بالظلمة و نظر اكثر الناس الي الممتزج او الي الظلمة الصرفة لقويت بنية الخلق و تمّ نضج قابلياتهم و لشاهدوا الاشياء علي ماهي عليه و لعرفوا مبدء الاختلاف و سرّ الاختلاف و سبب وقوع الاختلاف و الاحكام الثابتة عند الاختلاف و لعرفوا مطلوبية الاختلاف في عين لامطلوبيته فالمطلوبية عرضية و اللامطلوبية ذاتية فقويت الاعراض حتي خفيت اثار الذوات و الاصول و الحقايق فلابدّ للشمس من الغروب و الافول لماذكرنا سابقاً من السرّ الخفي و الحكم المخفي لكن لها انين و رنين و ترنّم عند الغروب

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 151 *»

عند دخولها في الماء الاسود و هو كرة البخار عند الافق و هو المراد بالعين الحمئة لانها هي الطين الاسود فالماء هو البخار و الطين هو الهواء المنبثّ في كرة البخار فعند اختلاط الطين بالماء يحصل الماء الاسود لغلبة البخار علي الهباء او ان المغرب طبعه بارد رطب اما البرودة فلخفاء الحرارة اللازمة للشمس الحاملة لمثال الفاعل و اما الرطوبة فلظهور ميل السافل الي العالي لكن العالي قد غاب في السافل باثره كفصل الشتاء فان الحرارة قد توجّهت الي الباطن و غابت فيه و احاطت بظاهرها البرودة و الرطوبة المختلطة باليبوسة فانسدّت المسام و انجمد الشي‏ء فاحتاج الي حرارة اخري غير مافي الغرايز و الطبايع فتكون الغالب اثار البرودة و الرطوبة و اليبوسة و هي الماء الاسود و هي الماء و الطين و هي العين الحمئة و هذا الاختفاء ليس لمغلوبية الشمس او الحرارة بل انما هو تمكين لقابليات الاشياء و اعانة لقبولها الفيض من مبدئها و بارئها علي مقتضي قبولها حتي يظهر في الفصل الربيع و الصيف كلّ بذر ماحمل سكّراً كان ام حنظلاً فافهم ان شاء اللّه تعالي و عن اميرالمؤمنين7 في عين حامئة في بحر دون المدينة التي ممايلي المغرب يعني جابلقا و عنه7 لمّا انتهي اي ذوالقرنين مع الشمس الي العين الحامئة وجدها تغرب فيها و معها سبعون الف ملك يجرّونها بسلاسل الحديد و الكلاليب يجرّونها من قعر البحر في قطر الارض الايمن كماتجري السفينة علي ظهر الماء و فسّر7 بالبحر و من ذلك الانين و الرنين قول سيدّالساجدين7 في دعاء يوم الجمعة و يوم الاضحي اللّهم ان هذا المقام لخلفائك و اصفيائك و مواضع امنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها و انت المقدّر لذلك لايغالب امرك و لايجاوز المحتوم في (من في‏المصدر) تدبيرك كيف شئت و انّي شئت و لما انت اعلم به غير متهم علي خلقك و لا ارادتك حتي عاد صفوتك و خلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين يرون حكمك مبدّلاً و كتابك منبوذاً و فرائضك محرّفة عن جهات شرايعك و سنن نبيك متروكة اللّهم العن اعداءهم من الاولين و الاخرين و من رضي بفعالهم و اشياعهم و اتباعهم هـ .

و بهذا الكلام الشريف نختم الكلام

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 152 *»

ليكون ختامه مسكاً. قد تمّ الجزء الاوّل من شرح الخطبة الشريفة الطتنجية في شهر ذيقعدة الحرام في سنة 1235 و يتلوه الجزء الثاني و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم و صلي الله علي خير خلقه محمد و اله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم و ظالميهم اجمعين حسبنا اللّه و نعم الوكيل نعم المولي و نعم النصير.

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 155 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و صلّي اللّه علي خير خلقه محمّد و اله الطاهرين.

اما بعـد؛ فيقول العبد الفقير الحقير الفاني الجاني محمّدكاظم بن محمّدقاسم الحسيني الرشتي انّ هذا هو الجزء الثاني من شرح الخطبة الشريفة المشهورة بالخطبة الطتنجية لمولينا و سيّدنا و امامنا اميرالمؤمنين علي محمّد و عليه و زوجته الصديقة و ابنائه المعصومين صلوات اللّه ابد الابدين و دهر الداهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم و مبغضيهم اجمعين من الاوّلين و الاخرين.

قال عليه الصلوة و السلام: «و لقد علمتُ من عجائب خلق اللّه ما لايعلمه الاّ اللّه» لمّا بيّن7 و اوضح مقدار مايحتمله اولواالافهام من الخلق من الانبياء و المرسلين و الملائكة المقرّبين و المؤمنين الممتحنين و ساير الموحّدين من الناطقين و الصامتين من اسرار ولاية اللّه الظاهرة في تلك الذات المقدسة التي هي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنّة المأوي من تفاصيل مراتب الموجودات الامكانيّة و الكونيّة علي جهة الاجمال و التفصيل و الابهام و التبيين و التلويح و التصريح و الاشارة و العبارة بما لايمكن بيان اكمل و اتمّ من ذلك بحيث قطع حجة كلّ محتجّ و اثبت عذر الخلق و ابان من سبب تحيّر الخلق مع وضوح الامر و اثبت التحيّر لاهل الحكمة بايضاح الصبح الظاهر من شمس‏الازل بقوله7 انا الامل و المأمول و ازاح التفكر (التحيّر خ‏ل) عن اهل الموعظة الحسنة بما قديعتريهم من السنة المعلولة عن الحدود و ان كانت رقيقة بقوله7 و رأيت الشمس عند غروبها اه و قطع7 حجة المحتجّ من اهل المجادلة بالتي هي احسن بقوله7 و لولا اصطكاك اه علي مادلّ عليه الكتابان و نطق به اللسانان كما هو الظاهر لاهل المشاهدة و العيان و الاشارة الي ماذكر (ذكرنا خ‏ل) في قوله عزّوجلّ و اية لهم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 156 *»

الارض الميتة احييناها و اخرجنا منها حبّاً فمنه يأكلون الارض هي ارض الجواز و حيوتها هي باشراق نور الرجحان الظاهر من شمس الوجود الراجح عليها و الحبّ المخرج منها هو بحر المحبّة و هو ماذكرنا من نور الرجحان و هو الوجود المقيد و مثال الالوهية و مجلي الاسماء الحسني و الامثال العليا و الكبرياء و الالاء و من ذلك الوجود اكل كلّ موجود مشهود ام مفقود و به امدادهم و منه استمدادهم و اليه مردّهم و معادهم و جعلنا فيها جنّات من نخيل و اعناب و فجّرنا فيها من العيون الجنات هي العوالم المتحصلة من ذلك الحبّ في قوله عزّوجلّ فاحببت ان اعرف النخيل هي عالم العقول الي عالم الارواح و هي الي عالم النفوس اي الخلق الاول من عالم الغيب و الاعناب هي عالم الطبايع و المواد الي عالم الاجسام بجميع مراتبها و افلاكها و عناصرها و هي الخلق الثاني اي عالم الشهادة و العيون المفجّرة هي مواد الامدادات الواقعة علي اراضي الاستعدادات علي حسبها كماقال عزّوجلّ انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها في العالمين من الغيب و الشهادة و العوالم التي تحصل من قران العالمين من ميل الغيب الي الشهادة و ميل الشهادة الي الغيب و الروابط الحاصلة كلّها من انفجار تلك العيون و هي انما تحصّلت من ذلك الماء النازل من السماء المستجنّ في الارض الظاهر بمزج الهباء عيوناً مختلفة فالعين الروحاني لاهل عالم الغيب و العين الجسماني لاهل عالم الشهادة و بينهما مراتب كثيرة و احوال عجيبة غريبة فاشار سبحانه و تعالي الي الكون الاوّل من الكونين و هو الواقعي الاوّلي فلا اختلاف في هذا الكون و لا اضطراب و اشار سبحانه بالضمير المتكلم معه غيره الي ماقال اميرالمؤمنين7 انا المتولّي دائرتها و ما افرودوس و ما هم فيه الاّ كالخاتم في الاصبع فاشار سبحانه الي بدو العوالم بعللها و اسبابها من الفاعلية و المادية و الصورية ولو اردنا شرح كيفية الاشارة لطال الكلام زائداً عمايقتضيه المقام الاّ انه يظهر مماذكرنا و مانذكر ان شاء اللّه تعالي.

و هذا العالم المشاراليه و هو الواقعي الاوّلي هو المعاد يوم الاخرة عند رجوع كلّ شي‏ء الي اصله ثم اشار سبحانه الي العالم النفس‏

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 157 *»

الامري الثانوي و مكمّلات العالم الاوّل بل و متمّماته ليكون الاوّل مقصوداً بالعرض للثاني فقال عزّوجلّ انما جعلنا هذه العوالم ليأكلوا من ثمره و ماعملته ايديهم افلايشكرون الثمر هو مقتضي الاعمال و الميولات الي ماخلقوا لاجله اما شراب طهور من الحوض الكوثر و هو الثاني المكمّل للعالم الاوّل البدوي و اما طلع الشجر الزقّوم الذي طعام الاثيم كأنّه رءوس الشياطين و هذا ان كان في مركزه و في اصله الذي هو خبال جهنم يكون ايضاً كالبدء في الايجاد اذ كلّ نور لابدّ له من ظلمة تقابله و كلّ جنة لها نار تضادّه الاّ ان كلاً منهما في رتبته و مقامه و اما اذا جاء حكم الاختلاط و اللطخ علي مافسّر سابقاً فيكون تحصّل العالم الثانوي و الاحكام هي الاحكام النفس‏الامرية التي هي الواقعي الثانوي او الثالثي و من هنا بدء وقوع الاختلاف و ظهور النقصان في الوجود من اوّل ماخرج ادم علي نبينا و اله و7 من الجنة الي يوم قتل ابليس بيد النبي9 و بعد ذلك يرجع العود كالبدء كما بدأكم تعودون و ما عملت الايدي علي ان «ما» موصولة هي الاسباب المنتسبة الي القابليات و انحاء الطلبات و الثمر هو المسبب و المقتضي اسم المفعول علي الحكم الوضعي و اليه الاشارة في كلام اميرالمؤمنين7 و رأيت الشمس عند غروبها اه.

ثم ان اللّه عزّوجلّ اشار الي العوالم بقسميه من الواقعي و النفس‏الامري و الي مقام التنزيه (البشرية خ‏ل) الذي هو مقام العزة و ظهور الولاية بقوله سبحانه سبحان الذي خلق الازواج كلّها ممّاتنبت الارض و من انفسهم الازواج هي مراتب الامكان و الاكوان كلّها لما اتّفقوا عليه من انّ كلّ ممكن زوج تركيبي و الارض هي ارض القابليات و مقام الصور و الهياكل و الهيئات و النفس هي وجه‏اللّه و مدداللّه و اثره و هو موادّ الاشياء و اقطابها و نقطة دوائرها و هما تفاصيل كيفية خلق الازواج و بهما استقرّت الاكوان و الاعيان و كلّ التأثيرات منهما و اليهما و هما مجمع الموجودات و الخليجان اللذان كلّ الموجودات جداول و انهار و شرايع منشعبة (متشعبة خ‏ل) منهما كماذكرنا و نذكر ان شاء اللّه تعالي فتمّ في هذه الاية الشريفة جميع ماذكـر7 من اول الخطبة الي هذا المقام.

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 158 *»

ثمّ لمّا بيّن7 هذه الاطوار و الاوطار في الاكوار و الادوار اراد7 ان‏يشير الي سرّ و هو ان السافل و ان بلغ مابلغ مايصل رتبة ظهور العالي ابداً فكلّ مقام يصل يري ظهوراً و مقاماً اعلي وهكذا فلاينتهي الي حدّ و هو في مقامه انظر الي الواحد في الاعداد فان العدد في كلّ مقام يبلغ يظهر الواحد فوقه فيصير بانضمامه اليه مرتبة اخري وهكذا الي ما لا نهاية له اذ كلّ رتبة (مرتبة خ‏ل) في الحدود ظهور وجه من وجوه العالي فلايحصره و هو معني قوله7 تدلج بين يدي المدلج من خلقك و المخاطب هو الظاهر للخلق في رتبة الخلق اي الذي هو قطب وجودهم و نقطة دائرة تكوينهم لا الذات البحت سبحانه و تعالي و لا الفعل المطلق و لا المفعول المطلق في المراتب الطولية و انما هو ماتجلّي له به كالواحد المدلج بين يدي الاعداد فكلّ مرتبة يصل اليه العدد يكون الواحد بين يديه فلايلحق السافل ظهور العالي ابداً و هذا في كلّ مقام في معرفة العالي و معرفة كينونات الاشياء فان الكاتب الابداع بقلم الصنع و الاختراع من دواة الجود و العلم في لوح الكائنات و المبدعات يكتب فيما لايزال فلا جفاف لذلك المداد و لا انقطاع في اللوح من جهة الاستعداد و لا تعب للكاتب لسرّ الامداد و هذا رزقنا ماله من نفاد كلّ يوم هو في شأن، قالت اليهود يداللّه مغلولة غلّت ايديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية و مع ذلك كلّه فقد جفّ القلم بما هو كائن فالعالي و ان وصف نفسه و وصف غيره للسافل لكن ذلك الوصف ليس الاّ مايقتضي مقام السافل لا مقام العالي والاّ لكان عبثاً فلمّا وصف7 الخلق بمراتبه و مقاماته لشيعته اراد ان‏يبيّن لهم ان ذلك قطرة من رشح ماطفـح منه عليهم كماقال7 لكميل لمّا قال أولست بصاحب سرّك قال7 بلي ولكن يرشح عليك مايطفح منّي و هذا الرشح هو المداد الذي به يمدّ الخلق من الانبياء و غيرهم الاّ انهم يختلفون بالرشح و رشح الرشح و رشح رشح الرشح وهكذا فلايصلون الخلق نهايات هذا الرشح و ان بلغوا مابلغوا.و لمّا انه7

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 159 *»

اشار الي بعض مقاماته و مراتبه التي جعلها اللّه عزّوجلّ له لا لغيره و بعض احوال المخلوقات المتقوّمة بقيّومية اللّه الظاهرة فيه7 اراد ان‏يبيّن لهم مقامه7 و مقامهم من انّ ماذكرت لكم ليس غاية علمي و منتهي فهمي و مبلغ ادراكي فقال7 و لقد علمت من عجائب خلق اللّه ما لايعلمه الاّ اللّه بياناً لقوله عزّوجلّ خلق الازواج كلّها مماتنبت الارض و من انفسهم و مما لايعلمون فبيّن7 انه يعلم ذلك لان اللّه سبحانه جعله و المعصومين: اعضاداً لخلقه و اشهاداً عليهم و حفظة و روّاداً و بهم ملأ سماءه و ارضه حتي ظهرت ان لا اله الاّ هو كماقال الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه كمايأتي ان شاء اللّه لذلك زياده بيان.

و اما قوله7 و لقد علمت اه فله معنيان كلاهما مرادان احدهما انّ مايعلمه7 من عجايب بدايع الخلق و صنوف غرائب احوالهم لايعلمه احد من الخلق سواه7 و سوي الائمة الطاهرين من ولده: فان المشية الكلّية الكونية قد تعلّقت بحقيقتهم فهم علي طبقها في الاكوان كلّ واحد مساوق للاخر كالكسر و الانكسار و كالحديدة المحماة بالنار و لااريد بالحديدة هي الحديدة المعروفة و انما هي قابلية ظهور النار فيها و المعروفة حاملة لها كالزجاجة للمرءاة و الي سرّ ماذكرنا اشار الحق سبحانه في الحديث القدسي ماوسعني ارضي و لا سمائي بل وسعني قلب عبدي المؤمن و ذلك العبد هو تلك الحقيقة المقدّسة التي هي قصبة الياقوت لقولهم: نحن محالّ مشية اللّه و السنة ارادته و ترجمان وحيه.

و هذه المشية الظاهرة في هذه الحقيقة المقدسة لها وجوه و رؤس كثيرة يتعلّق كلّ وجه بكلّ فرد من افراد الموجودات من ذات او صفة و ذلك الرأس هو مشية اللّه الخاصة بذلك الفرد و لهذه المشية الخاصة اثر في حقيقته هو قطبها و نقطة دائرة وجودها و محلّ الامدادات الواردة عليها بجميع انحائها و احوالها في قواها و مشاعرها و ذلك القطب هو متقوّم بذلك الرأس و هو حرف باضافته الي الفعل المطلق و هو كلمة كلية انزجر لها العمق الاكبر جامع لكلّ تلك

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 160 *»

الحروف و الخلق بجميع افراده كلمة واحدة و كلّ فرد منه حرف منها علي طبق الفعل لانه هي الربوبية و المفعول هي العبودية و ماخفي في الربوبية اصيب في العبودية لكن كلّ مفعول يحكي الوجه المختصّ به من الفعل الكلّي كالكتابة بالنسبة الي حركة يد الكاتب و لذلك الرأس وجوه كثيرة باعتبار تعدّد جهات المفعول باعتبار اسبابه و شرائطه و مقوّماته من الوجود و الماهية و الزمان و المكان و الجهة و الرتبة و الكمّ و الكيف و الوضع و الاجل و الكتاب و الاذن و غير ذلك و نهايات تلك الاشياء المذكورة و اعراضها و اشعّتها الي انقطاع وجوداته كلّ واحد متعلق بوجه مختصّ به من ذلك الرأس المختصّ بذلك الفرد من الفعل الكلّي نسبة كلّ /فرد (زائد خ‏ل) وجه الي ذلك الرأس كنسبة ذلك الرأس الي الفعل الكلّي فهذه حروف لهذه الكلمة و الكلمات الجزئية حروف للكلمة الكلّية.

و لمّا كان الشي‏ء لايتجاور مبدأه و لايقرأ الاّ حروف نفسه كان كلّ فرد من افراد الموجودات يحكي مثال ذلك الوجه الخاص به علي مقتضي هيئة كينونته لا غير في معرفة العالي و اما معرفة ساير الموجودات و تطوّراتها فبقدر سعته لانّ مداركه كلّها متقوّمة بالمدرك الاعلي و هو ذاته و حامل ظهور ذلك الوجه كالضرب لـ «ضرَب» و القيام لـ «قام» و القعود لـ «قعـد» وهكذا و من نوره يستنير كلّ قواه و مشاعره فكلّها في الادراك تحت الاعلي و لا شك انه لايساوي الكلّ و لا البعض لعدم المادة الكلية و المدد الكلّي و انما هو يقدر الاشياء علي ماهو عليه لا علي ماهي عليه كما هو الظاهر المعلوم فانك اذا قابلت مرايا عديدة فكلّ مرءاة انما تحكي ظهورك علي ماهي عليه لا علي ماهو عليه و كلّ منها لايدرك و لايوصف ظهورك او غيرك من امثاله من ساير المرايا و لاتعرف الواحدة ما عليه الاثنان من حيث هما كالضرب فانه لايحكي الاّ الضارب و النصر لايحكي الاّ الناصر و القيام لايحكي الاّ القائم وهكذا كلّ اثر من الوجه الخاص من الفعل الكلّي لايحكي الاّ ذلك الوجه الخاص فلايحيط كلّ واحد بالمجموع و ما عليه من معرفة اوائل جواهر العلل و ساير المعلولات وهكذا الحكم بالنسبة الي صفة الصفة و شعاع الشعاع فان الخطب فيه اعظم اذ نسبة ذلك الوجه الي الشعاع

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 161 *»

و الصفة كنسبة الفعل الكلّي اليه وهكذا الي ترامي سلسلة الموجودات في الشعاعية و الوصفية الي نهاياتها فهنا مقامان:

احدهما نسبة قوة ذلك الوجه في المعرفة و الادراك الي ذلك الفرد و هذه النسبة نسبة الواحد الي السبعين و هذا الكلام تقريبي لكن هذه عبارة عن الحقيقة لسهولة الحصر و العدّ والاّ فكلّ واحد يرتقي الي ما لا نهاية له لان الوجه من عالم السرمد و الاثر من عالم الدهر ولو فرضنا سرمديته لكنّه متأخّر عن علّته الف دهر كما روي عنهم: و كل دهر مائة الف سنة وهكذا في ساير النسب من قوة الكمّ و الكيف و النورانية و القوة و غيرها و الرتبة الثانية التي هي رتبة الشعاع نسبتها الي ذلك الوجه ملاحظة جميع تلك النسب المتقدّمة اي ضربها في نفسها فان كانت سبعين ضربها في مثلها و ان كانت مائة الف كذلك في مثلها بل ربما اقول يتضاعف (بتضاعف خ‏ل) الثانية بالضرب في نفسها سبع مرّات فيبلغ الي امر عظيم فيكون الثانية واحدة من المجموع وهكذا الرتبة الثالثة فيتضاعف المجموع هناك بالضرب سبع مرات فيكون الثالثة واحدة من المجموع و ليس لي الان اقبال ضبط هذه الاعداد مع انه لا فائدة فيه اذ المطلوب هو الاشارة الي نوع المسألة لا استقصاؤها بحدودها فانه لايمكن في مثل هذا الشرح.

و هذا الذي ذكرنا هو حكم القوة و الضعف في الشي‏ء الواحد الثابت للوجه و ذي‏الوجه الخاص به في مقام العبودية جوهرة كنهها الربوبية فاذا قال الامام7 «زيد قائم» و قلت انت «زيد قائم» فاعلم ان نسبة قولك الي قوله7 في الدقّة و اللطافة و المعني المدلول عليه و المفهوم منه و المعني به نسبة الواحد الي مضروب المائة الف في نفسها سبع مرّات ثم كذلك انظر و تأمّل و تدبّر فيه اعرف مقامك و معرفتك بالنسبة الي الامام7 فسلّم له كلّ‏ما يقول لان الانبياء وجوه و اشعة لهم: و الانسان وجه و شعاع للانبياء كماذكـر غير مرّة و لذا قال7 اني لاتكلّم بكلمة و اريد منها احد سبعين وجهاً لي لكلّ منها المخرج و قالوا: ان حديثنا صعب مستصعب اجرد كريم ذكوان مقنّع لايحتمله الاّ ملك مقرّب او نبي مرسل او

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 162 *»

 مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان هذا في الرتبة الجامعة و قال في مقام الفرق ان حديثنا صعب مستصعب لايحتمله احد حتي الملك المقرّب و النبي المرسل و المؤمن الممتحن قيل فمن يحتمله قال7 نحـن و في رواية من شئنا فلايطمعنّ طامع معرفة كلامهم و تحمّل ظهور المعاني المطويّة فيه اذ كما ان لهم: مع شيعتهم و غنمهم مقامان مقام اجتماع مع الانسان في النفس الناطقة القدسية و مع الانبياء فيها ايضاً علي الحقيقة الاولية و مقام افتراق في النفس الملكوتية الالهية التي هي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي كما مـرّ كذلك لكلامهم: فيفهم العوام ظاهر ماظهـر لهم من الاشعار و الاصواف و الاوبار و الخواص و الخصيص يفهمون بواطنه علي حسب مقامهم و مرتبتهم الي ان‏ينتهي كونهم و ينفد وجودهم و نظروا في معانيه بعين الفؤاد الي ما لا نهاية له فبكلّ نظر يأتيهم معني جديد لم‏يكن و هو قوله7 زكي اي طري ابداً فلاينتهي الي حدّ.

فاذا انتهت اكوان هذه المرتبة و انقطعت وجوداتهم اتي مقام الانبياء: في النظر فيهم علي مراتبهم و مقاماتهم الكثيرة العظيمة في اطوار الظاهر و الباطن و باطن‏الباطن وهكذا الي المراتب السبعة او السبعين فتنقطع وجوداتهم عند ظهور الكروبيين الذين هم رجال من شيعة اميرالمؤمنين7 ثم يرجع كلامهم: اليهم ماعرف احد حقيقة المراد منه و هو قوله تعالي و بئر معطّلة فافهم و مع‏ذلك نقول انهم: يحيطون بظاهر القران و باطنه و باطن باطنه فلايشـذّ عنهم منه شيئاً (شي‏ء ظ) لان القرءان انما نزّله روح‏القدس علي قلب النبي9 باذن اللّه عزّوجلّ و روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدايقهم الباكورة و هي اوّل الثمرة فالقرءان تجلّي اللّه عزّوجلّ لهم: في مقام قلبهم و اين قلبهم من فؤادهم الذي هو حقيقتهم و القرءان هو تفاصيل مقامات التوحيد و اركانه و شرايطه في العوالم الثلثة عالم الجبروت و عالم الملكوت و عالم الملك و مجمع الكلّ هو قوله لااله الاّاللّه فانزل اللّه عزّوجلّ علي فؤاده بكلمة (بكلمته خ‏ل) لااله الاّاللّه و علي قلبه9 بروح‏القدس معاني القرءان و حقايقه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 163 *»

المعنوية و علي صدره بالروح الذي هو من امر اللّه هذه الصور و الهيئات المعروفة قال تعالي بل هو ايات بيّنات في صدور الذين اوتوا العلم و هم الائمة: و علي لسانه9 بواسطة جبرئيل7 هذه الالفاظ المخصوصة فهو و اميرالمؤمنين و الطيبون من اولادهما: يحيطون بحقيقة القرءان و ان تجدّدت الاحكام الكونية و الوجودية يتجدّد (بتجدّد خ‏ل) الصنع علي مقتضي كلّ يوم هو في شأن فيه كالمرءاة مثلاً اذ كلّما يحصل مقابل تظهر صورته فيها لكن تلك الاحكام انما تنشأ منهم و تعود اليهم صلوات اللّه عليهم كشعاع الشمس بالنسبة اليها و ليس للقرءان حقيقة خارجة عن حقيقة ذاتهم و شئوناتها (شئونها خ‏ل) فتصـل اليها مداركهم و مشاعرهم و لا كذلك كلماتهم الشريفة بالنسبة الي غيرهم فاذا تكلّموا بكلام فله حقيقة و معني عندهم: يريدونها ثمّ ينزل نور تلك الحقيقة و ذلك المعني و ذلك اللفظ ايضاً الي الانبياء: فيسمعون اللفظ باسماعهم و يدركون المعاني بقلوبهم و اذهانهم و الحقيقة بافئدتهم و ذواتهم ثم ينزل نور من المراتب الثلثة الي الرتبة الانسانية فيسمع من ارادوا: ماارادوا من المعاني و الحقايق الظاهرة لهم بهم فاذا قالوا: الماء طاهر او الماء اذا بلغ كرّاً لم‏ينجّسه شي‏ء فقدتكلّموا و نطقوا به قبل خلق الخلق مقدار مابقـي العرش علي الماء قبل خلق السموات و الارض كما ذكرنا سابقاً من التحديد القليل الذي حدّده اميرالمؤمنين7 ثم استغفر اللّه عن التحديد بالقليل و سمع الانبياء ذلك الصوت قبل خلق الخلق بالف دهر و هو مائة الف سنة و سمع اهل الرتبة الانسانية كلّ واحد في زمانه و مكانه مثلاً نحن الان سمعنا ذلك القول الذي قالوا: بعينه و اهل زمان حضورهم: سمعوه في ذلك الوقت و الذي يأتي بعد ذلك بالف سنة يسمعه بعينه في مكانه و زمانه فيدركون معناه قبل خلق السموات و الارض بسبعمائة سنة و يعرفون حقيقته قبله بما لا نهاية له من المدد لانها كلّها منقطعة عندها و تلك الحقيقة قشر قشر قشر القشر بالنسبة الي ماعرف الانبياء و معرفتهم قشر قشر قشر القشر بالنسبة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 164 *»

الي مرادهم: و قولي قشر لااريد به الذي هو قشر اللبّ لتجمعهما رتبة واحدة الاّ ان اللبّ اشرف و اقوي انما المراد به القشر بمعني الظاهر الذي هو الاثر و النور فلايلحق رتبة المؤثر المنير ابدالابدين و دهرالداهرين و اين الثريا من يد المتناول و قد قال الشاعر و اجاد في مدح النبي9 :

انما مثّلت صفاتك للنا   س كما مثّل النجوم الماء(للماء ظ)

فالذي يريدون من كلامهم صلّي اللّه عليهم لايصل اليه احد من الخلق و انما يعرفون اي الانبياء جزءاً من مائة الف جزء من ظاهر مرادهم كالنور من المنير فان مداركهم من عقولهم و حقايقهم بالنسبة اليهم كالنور للمنير فانظر ماذا تري وهكذا نسبة مافهمه الشيعة بالنسبة الي الانبياء: فلايصـل احد من الخلق غور علومهم و معاني كلامهم و حقيقة مرادهم و هو قوله7 في الزيارة الجامعة فبلغ اللّه بكم اشرف محلّ المكرّمين و اعلي منازل المقرّبين و ارفع درجات المرسلين حيث لايلحقه لاحق و لايفوقه فائق (و لايسبقه سابق في الزيارة) و لايطمع في ادراكه طامع الزيارة و انقطاع الطمع في كلّ ماينسب اليهم: من ذواتهم و صفاتهم و مقاماتهم و علومهم و معارفهم في كلّ شي‏ء من الاشياء و كلّ جزئي من الجزئيات مماوصـل الي الخلق قطرة من بحار رشح علومهم و اسرارهم فادركوا ما لم‏يدركه احد و فهموا ما لم‏يفهمه خلق و لا شك ان الذي لايفهمونه بالنسبة الي مايفهمونه غريب عجيب عندهم فغرائب علومهم: لايعلمها الاّ اللّه عزّوجلّ.

و ثانيهما نسبة ذلك الوجه الي الوجه الكلّي بالنسبة الي الفعل المطلق الكلّي و هي نسبة الواحد الي ما لانهاية له فان الوجه ظهور منه و ذلك الظهور لا نهاية له في الوجود من البدء و العود انظر الي القيام مثلاً بالنسبة الي جميع الاثار الصادرة عن الشخص فانه لايدرك شيئاً منها سواه و شئوناته فلايعرف القعود و لا الاكل و لا الشرب و لا الضرب و غير ذلك و انما انحصر ادراكه و معرفته في القيام و القائم خاصة فمااحقر و اقل نسبة قيام زيد الي الفعل المطلق منه بخلاف قلب زيد فانه حامل لجميع الظهورات و الاثار و الاحكام فلايصدر شي‏ء من زيد

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 165 *»

الاّ بالحركة القلبية ثم الحركة النفسية ثم الحركة الجسدية من العضلات و الشرائين و الغضاريف ثم الظاهرية من اللسان و اليدين و الرجلين و امثال ذلك فاذاً صـحّ و ثبت ان محمّداً و اهل بيته صلّي اللّه عليهم اجمعين محالّ مشية اللّه و السنة ارادته و تراجمة وحيه فلايبرز شي‏ء في الوجود الاّ بهم و منهم و عنهم (عليهم خ‏ل): فهم المحيطون بكلّ دائرة الاكوان و كلّها عندهم كالنقطة في الدائرة و كالدرهم بين يدي احدكم فالانبياء: لمّا خلقوا من شعاع انوارهم كانت علومهم بالنسبة الي علوم ائمتنا: نسبة المتناهي الي الغيرالمتناهي و لذا ورد في الحديث مامعناه ان موسي و خضر لمّا اجتمعا و كانا علي ساحل البحر اذ نظرا الي طير علي ساحل البحر قد اخذ بمنقاره قطرة من ماء البحر فرمي بها نحو المشرق و اخذ قطرة اخري و رمي بها نحو المغرب و اخذ قطرة اخري و رمي بها نحو السماء و اخذ قطرة اخري فرمي بها في البحر فتحيّر موسي و خضر في امره و ماعرفا المراد منه اذ رأيا صيّاداً علي ساحل البحر فقال لهما بالكما متحيّرين قالا8 في امر الطير و مافعله فقال ذلك الصيّاد ان الطير يريد بذلك انّ نبيّاً يبعث في اخرالزمان له وصي علمكما و علم من في المشرق و علم من في المغرب و علم من في السماء و علم من في الارض بالنسبة الي علمه كنسبة القطرة الي البحر المحيط هـ و هذا المثال تقريبي و تعبيري اذ لاتمكن العبارة الاّ هكذا والاّ فالامر اعظم و اعظم و قد قال مولينا الصادق7 لو حضرت موسي و خضر8 لاخبرتهما بانّي اعلم منهما هـ و المراد بهذا الحضور هو الحضور الحسّي الصوري في اللباس البشري والاّ فماتقوّما الاّ به و ابائه و ابنائه: و هذه الاعلمية ليست من باب افعل التفضيل و هذه الاعلمية كماتقول اللّه اعلم فانه سبحانه صرّح بالامر في حديث رواه شيخي و استادي جعلني اللّه فداه عن النبي9 ان يهوديّاً اتي اليه9 فقال يامحمّد بلغ من امرك الي ان‏تقول انّي نبي و انّي افضل من موسي و عيسي فقال يا يهودي اما قولك اني نبي فهو كذلك و اما قولك اني افضل من موسي و عيسي فلاينبغي ان اصغّر ماعظّمه اللّه في حقّي و لقد اوحي الي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 166 *»

 ربي انّ فضلك علي الانبياء كفضلي و انا ربّ العزة علي كلّ الخلق فتدبر في هذا الحديث تجد فيه ما لاتسعه الدفاتر و نسبة الانسان الي الانبياء في المعرفة و العلم نسبة الانبياء اليهم: فاذا كان ما عند الانبياء: وجه من وجوه تجلّيهم فيهم بهم كالقائم بالنسبة الي القيام و القاعد بالنسبة الي القعود و هم: محلّ مشية اللّه فلايظهر منها شي‏ء الاّ بهم من كلّ الوجوه فماظنّك بساير الخلق و نسبة علومهم و افهامهم و ادراكاتهم اليهم: فقد علموا من عجايب خلق اللّه عزّوجلّ و غرائب صنعه و ايجاده ما لايعلمه الاّ اللّه لانهم عبيد مربوبون نسبتهم و كلّ الخلق اليه سبحانه نسبة الكلام الي المتكلّم و مااحقر الكلام بالنسبة الي المتكلّم فالخلق كلّهم من العلل و المعلولات كلمة واحدة تكلم اللّه عزّوجلّ بها بظهور فعله و حدوث صنعه و لذا قال7ان الغلاة صغروا عظمة اللّه عزّوجلّ فهم سلام اللّه عليهم مع ما هم عليه من الجلالة و السلطنة و الهيمنة في كلّ حال من الاحوال فقراء محتاجون لايملكون لانفسهم نفعاً و لا ضراً و لا موتاً و لا حيوةً و لا نشوراً لكنهم لمّا تمحّضوا في الفقر و العبودية و لاذوا بباب رب العزة فشرّفهم اللّه و عظّمهم و منحهم ما لم‏يمنح به احداً من الاولين و الاخرين فقد نالوا بفضل اللّه ما لم‏ينله احد و بلغوا ما لم‏يبلغ اليه مخلوق و علموا ما لم‏يعلمه احد من الخلق فقد علموا من عجايب خلق‏اللّه ما لايعلمه احد الاّ اللّه لان عندهم سلام اللّه عليهم الاسم الذي رواه الكليني في الكافي عن ابي‏عبداللّه7 قال ان اللّه تبارك و تعالي خلق اسماً بالحروف غير مصوّت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسّد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ منفي عنه الاقطار مبعد عنه الحدود محجوب عنه حسّ كلّ متوهّم مستتر غير مستور فجعله كلمة تامّة علي اربعة اجزاء معاً ليس منها واحد قبل الاخر فاظهر منها ثلثة اسماء لفاقة الخلق اليها و حجب واحداً منها و هو الاسم المكنون المخزون فهذه الاسماء التي ظهرت فالظاهر هو اللّه تبارك و تعالي و سخّر سبحانه لكلّ اسم من هذه الاسماء اربعة اركان فذلك اثناعشر ركناً ثم خلق لكلّ ركن منها ثلثين اسماً فعلاً منسوباً اليها فهو الرحمن

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 167 *»

 الرحيم الملك القدّوس الخالق البارئ المصوّر الحي القيّوم لاتأخذه سنة و لا نوم العليم الخبير السميع البصير الحكيم العزيز الجبّار المتكبّر العلي العظيم المقتدر القادر السلام المؤمن المهيمن البارئ المنشئ البديع الرفيع الجليل الكريم الرازق المحيي المميت الباعث الوارث فهذه الاسماء و ماكان من الاسماء الحسني حتي تتمّ ثلثمائة و ستّين اسماً فهي نسبة لهذه الاسماء الثلثة و هذه الاسماء الثلثة اركان و حجب الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلثة و ذلك قوله تعالي قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن ايّاًمّا تدعوا فله الاسماء الحسني هـ فاذا كانت الاسماء الحسني كلّها ظاهرة مفصّلة من ذلك الاسم الواحد كانت المسمّيات ايضاً كذلك لما قد قدّمنا مراراً ان المسمي هو الظاهر بالاسم لا بالذات.

و لمّا كانت الاشياء كلّها قائمة بالاسماء في مقام التفصيل و الاجمال و الاسماء بذلك الاسم الواحد و ذلك الاسم عند محمّد و اهل‏بيته: كانت الاشياء كلّها حاضرة لديهم يرونها و يشاهدونها و كلّ شي‏ء عند جزء من ذلك العلم فلهم الكلّ و الكلّي و لماسواهم الجزء و الجزئي و اين الجزئي من الكلّي و اين الجزء من الكلّ فاذا ثبت و صحّ لك هذا الامر الضروري فسلّم الامر لهم تسليماً و لاتردّ شيئاً ممايرد عليك مماينسب اليهم من غير دليل الاّ لعدم الفهم و المعرفة لانّك مااوتيت العلم الاّ قليلاً و روي الكليني في الكافي عن ابي‏بصير قال دخلت علي ابي‏عبداللّه7 فقلت جعلت فداك اني اسألك عن مسألة هيهنا احد يسمع كلامي قال فرفع ابوعبداللّه7 ستراً بينه و بين بيت اخر فاطلع فيه ثم قال يا بامحمّد سل عمابدا لك قال قلت جعلت فداك ان شيعتك يتحدّثون ان رسول‏اللّه9 علّم عليّاً باباً يفتح له منه الف باب قال فقال يا بامحمّد علّم رسول‏اللّه9 عليّاً الف باب يفتح من كلّ باب الف باب قال قلت هذا واللّه العلم قال فمكث ساعة في الارض ثم قال7 انه لعلم و ما هو بذاك قال ثم قال يا بامحمّد و ان عندنا الجامعة و مايدريهم ما الجامعة قال قلت جعلت فداك و ما الجامعة قال صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول‏اللّه9 

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 168 *»

و املاؤه من فلق فيه و خطّ علي بيمينه فيها كل حلال و حرام و كل شي‏ء يحتاج الناس اليه حتي الارش في الخدش و ضرب بيده الي فقال لي تأذن لي يا بامحمّد قال قلت جعلت فداك انما انا لك فاصنع ماشئت قال فغمز لي بيده و قال حتي ارش هذا كأنّه مغضب قال قلت ان هذا واللّه العلم قال انه لعلم و ليس بذاك ثم سكت ساعة ثم قال و ان عندنا الجفر و مايدريهم ما الجفر قال قلت و ما الجفر قال وعاء من ادم فيه علم النبيين و الوصيين و علم العلماء الذين مضوا من بني‏اسرائيل قال قلت ان هذا هو العلم قال7 انه لعلم و ليس بذاك ثم سكت ساعة ثم قال و ان عندنا لمصحف فاطمه3 قال قلت و ما مصحف فاطمة3 قال7 مصحف فيه مثل قرانكم هذا ثلث مرات واللّه ما فيه من قرانكم حرف واحد قال قلت هذا واللّه العلم قال7 انه لعلم و ما هو بذاك ثم سكت ساعة ثم قال ان عندنا علم ماكان و علم ما هو كائن الي ان‏تقوم الساعة قال قلت جعلت فداك هذا واللّه هو العلم قال انه لعلم و ليس بذاك قال قلت جعلت فداك فاي شي‏ء العلم قال7 مايحدث بالليل و النهار الامر بعد الامر و الشي‏ء بعد الشي‏ء الي يوم القيمة و يأتي لهذا الحديث بيان ان شاء اللّه تعالي.

في الكافي ايضاً عن سدير قال كنت انا و ابوبصير و يحيي البزّاز و داود بن كثير في مجلس ابي‏عبداللّه7 اذ خرج الينا و هو مغضب فلمّا اخـذ مجلسه قال ياعجبا لاقوام يزعمون انا نعلم الغيب مايعلم الغيب الاّ اللّه عزّوجلّ لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت منّي فماعلمت في اي بيوت الدار هي قال سدير فلمّا ان قام من مجلسه و صار في منزله دخلت انا و ابوبصير و ميسر و قلت له جعلنا فداك سمعناك و انت تقول كذا و كذا في امر جاريتك و نحن نعلم انك تعلم علماً كثيراً و لاننسبك الي علم الغيب قال فقال يا سدير الم‏تقرأ القران قلت بلي قال فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه عزّوجلّ قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان‏يرتدّ اليك طرفك قال قلت جعلت فداك قد قرأته قال فهل عرفت الرجل و هل علمت ماكان عنده من علم الكتاب قال قلت اخبرني

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 169 *»

به قال7قدر قطرة من الماء في البحر الاخضر فمايكون ذلك من علم الكتاب قال قلت جعلت فداك مااقلّ هذا فقال يا سدير مااكثر هذا ان ينسبه اللّه عزّوجلّ الي العلم الذي اخبرك به يا سدير فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه عزّوجلّ ايضاً قل كفي باللّه شهيداً بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب قال قلت قد قرأته جعلت فداك قال فمن عنده علم الكتاب كلّه افهم ام من عنده علم الكتاب بعضه قلت لا بل من عنده علم الكتاب كلّه قال فأومأ بيده الي صدره قال علم الكتاب واللّه كلّه عندنا هـ الكتاب في الظاهر هو اللوح المحفوظ و في الباطن هو علي7 و الذي عنده علم من الكتاب هو اصف بن برخيا وصي سليمان علي نبينا و اله و عليهما السلام و قد وصف7 هذا العلم بما وصـف من قلّته و ضعفه بماوصـف و ذلك العلم هو الاسم الاعظم و ذلك هو ظهور مااستودع في سرّ اصف من نور الولي7 الذي هو ظهور اسم اللّه و هو بقدر سمّ الابرة و قوله7 و علم الكتاب واللّه كلّه عندنا لانه7 من حقيقة علي7 لقد ولده8 في الظاهر و الباطن فهم حقيقة واحدة عند كلّ واحد ما للاخر و علمهم: علي انحاء كثيرة نذكرها ان شاء اللّه فيمابعـد.

و انما افرد7 الضمير و اتي بصيغة المتكلم وحده في قوله7 و لقد علمت بناء علي ان الحصر حقيقي لا اضافي لان الائمة: كماذكرنا لهم مقامان: مقام تفصيل و مقام اجمال و جمع ففي المقام الثاني يطلق علي المجموع الحقيقة المحمّدية9 و هو قوله7 كلّنا محمّد اوّلنا محمّد و اخرنا محمّد9 فاذن حقيقتهم واحدة و قولهم واحد و حكمهم واحد فالحقيقة الواحدة تخاطب باربعة عشر لسان كلّها تنسب ماتقول الي نفسه فالظهورات المختلفة لتلك القصبة في اربعة عشر عقداً كظهور النار في اربعة عشر سراجاً فالحقيقة واحدة و الظهورات مختلفة و علّة الاختلاف في تلك الحقايق المقدسة ضعيفة جدّاً لاتكون سبباً لاختلاف الاثار و الاحوال كما في ظهور الانسان في زيد و عمرو فان علّة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 170 *»

الاختلاف فيهما قوية فلايجري علي احدهما حكم الاخر و لا كذلك اختلاف حقايق الائمة: بل جميع الاحوال الجارية علي احدهم هي الجارية علي الاخر فاذا نسبته اليه صدقت و لذا ورد عنهم: انهم رخّصوا شيعتهم ان‏يسندوا الحديث الذي قاله احدهم: الي الاخر فتقول ماقال الصادق7 قال رسول‏اللّه9 و قال اميرالمؤمنين7 وهكذا بالعكس لان اختلاف فيهم ضعيف و حكم الاتحاد و الوحدة جارٍ عليهم علي الحقيقة فعلي هذا مفاد الافراد و الجمع واحد فان معني قوله7 علمت هو معني قوله7 علمنا فافهم.

و المقام الاول اي مقام التفصيل ملاحظه جهة الاختلاف و ان كانت ضعيفة فان الاختلاف يستلزم القرب و البعد و زيادة التركيب و قلّتها و امثال ذلك فحيث كانوا:كلمة واحدة تكلّم بها الحقّ عزّوجلّ فانزجر و انقاد لها كلّ شي‏ء و كانت الكلمة متفاوتة الحكم في النقطة و الالف و الحروف و اجتماعها علي الهيئة المناسبة للمعني المطلوب و كان الالف ظاهراً من النقطة و منبسطاً عنها و الحروف منقطعة (متقطعة خ‏ل) من الالف و الكلمة مجتمعة من الحروف كانت مراتبهم: تختلف في عالم التفصيل فيكون رسول‏اللّه9 هو النقطة التي تدور عليها الكلمة كما قال9 انا الشجرة و علي7اصلها و فاطمة فرعها و الائمة اغصانها فهو9 القطب الذي يدور عليه الرحي و هو المنتجب من البحبوحة و علي صلوات اللّه عليه هو الالف المنبسط من النقطة كما قال7 انا من محمّد كالضوء من الضوء فهو7 محل الانبساط و الظهور بالشئون و الاطوار و حامل اللواء و الحروف المنشعبة منه هم الائمة: و لذا جرت الحكمة في تولدهم منه7 فهو ابوهم ظاهراً و باطناً و لذا كان7 اميرالمؤمنين يمير المؤمنين الذين هم الائمة: العلم و الامامة و الولاية و غيرها من الاحكام و الاحوال و الكلمة الجامعة هي مولاتنا فاطمة3 لان الائمة: كلّهم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 171 *»

قد اجتمعوا فيها و تفجّروا منها3 كمافي تفسير قوله تعالي و اذ استسقي موسي و هو رسول‏اللّه9 لقومه اي لامّته فقلنا اضرب بعصاك الحجر و عصي هي علي7 و الحجر هو فاطمة3 فانفجرت منه اثنتاعشرة عيناً هم الائمة: فهم عيون قد تفجّرت من ذلك الحجر فاذا كان كذلك فعلي صلوات اللّه عليه و اله هو المتفرّد بالعلم التفصيلي حقيقة اما ساير الائمة و فاطمة: فعنه7اخذوا و اليه استندوا فهو مولاهم و سيّدهم و اما رسول‏اللّه9 فظهرت تفاصيل علومه في علي7 لانه الطايف حول جلال القدرة و يأتي ان شاء اللّه تعالي بيان هذه المسألة في محلّها فعلي7 هو المتفرّد بمعرفة عجائب العلوم و غرائبها في المقامات التفصيليّة و في قوله7 علمـت اشعار الي ذلك فان العلم مقام النفس و النفس الكليّة انما ظهرت فيه7 فهو اللوح المحفوظ و الكتاب المسطور و كلّ شي‏ء احصيناه في امام مبين، و كلّ شي‏ء احصيناه كتاباً و قال تعالي اولم‏يروا انّا نأتي الارض ننقصها من اطرافها قال7يعني بموت العلماء فافهم.

قال عليه الصلوة و السلام: «و عرفت ماكان و مايكون و ماكان في الذرّ الاول مع من تقدّم مع ادم الاول».

اقول: هذا تتميم لكلامه السابق و بيان و تفصيل له او انّ هذا جامع القول و خلاصة ماتقدّم من ذكر العوالم و الاكوار و الادوار او انه بيان للرياسة الكبري و السياسة العظمي و الدرجة القصوي و جامع مظاهر الصفات و الاسماء اما ان الامام7 يعرف ماكان و مايكون فمما لااشكال فيه لمن نظر في الاخبار بصحيح الاعتبار و استعمل العقل المستنير بنور اللّه عزّوجلّ و جانب العناد و اللجاج فمن الاخبار ما في الكافي عن سيف التمّار قال كنّا مع ابي‏عبداللّه7 و جماعة من الشيعة في الحجر فقال7 علينا عيـن فالتفتنا يمنة و يسرة فلم‏نر احداً فقلنا ليس علينا عين فقال7 و ربّ الكعبة و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 172 *»

 رب البنية ثلث مرات لو كنت بين موسي و الخضر لاخبرتهما اني اعلم منهما و لانبأتهما بما ليس في ايديهما لان موسي و الخضر8 اعطيا علم ماكان و لم‏يعطيا علم مايكون و ما هو كائن حتي تقوم الساعة و قد ورثناه من رسول‏اللّه9 وراثة و فيه عن عدة من اصحابنا منهم عبدالاعلي و ابوعبيدة و عبداللّه بن بشر الخثعمي سمعوا اباعبداللّه7 يقول اني لأعلم ما في السموات و ما في الارض و اعلم ما في الجنة و اعلم ما في النار و اعلم ماكان و مايكون قال ثم مكث هنيئة فرأي انّ ذلك كبر علي من سمعه منه فقال علمت ذلك من كتاب اللّه عزّوجلّ ان اللّه عزّوجلّ يقول فيه تبيان كل شي‏ء و فيه عن ضريس الكناسي قال سمعت اباجعفر7 يقول و عنده اناس من اصحابه عجبت من قوم يتولّونا و يجعلونا ائمة و يصفون انّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول‏اللّه9 ثم يكسرون حجّتهم و يخصمون انفسهم بضعف قلوبهم فينقصونا حقنا و يعيبون ذلك علي من اعطاه اللّه برهان حق معرفتنا و التسليم لامرنا اترون ان اللّه تبارك و تعالي افترض طاعة اوليائه علي عباده ثم يخفي عنهم اخبار السموات و الارض و يقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم و فيه عن ابي‏حمزة قال سمعت اباجعفر7 يقول لا واللّه لايكون عالم جاهلاً ابداً عالماً بشي‏ء جاهلاً بشي‏ء ثم قال7 ان اللّه اجلّ و اعزّ و اكرم من ان‏يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه و ارضه ثم قال7 لايحجب ذلك عنه و في الحديث المتقدّم عن الصادق7 انه قال ان عندنا علم ماكان و علم ما هو كائن الي ان‏تقوم الساعة و فيه عنه7 في وصف مصحف فاطمة3 الي ان قال7 اما انه ليس فيه شي‏ء من الحلال و الحرام ولكن فيه علم مايكون و في الصحيفة السجادية يا من خصّ محمّداً و اله بالكرامة و حباهم بالرسالة الي ان قال7 و علّمهم علم ماكان و مابقي و جعل افئدة من الناس تهوي اليهم الدعاء و في القرءان المجيد عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول و قال عزّوجلّ و لايحيطون

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 173 *»

 بشي‏ء من علمه الاّ بماشاء و عن الباقر7 في حديث ليلة القدر علي مافي الكافي ان رسول‏اللّه7 لمّا اسري به لم‏يهبط حتي اعلمه اللّه جلّ ذكره علم ما قدكان و ماسيكون و كان كثير من علمه ذلك جملاً يأتي تفسيرها في ليلة القدر و كذلك كان علي بن ابي‏طالب7 قد علم جمل العلم و يأتي تفسيره في ليلة القدر كما كان مع رسول‏اللّه9 الي ان قال قال السائل يااباجعفر ارأيت النبي9 هل كان يأتيه في ليالي القدر شي‏ء لم‏يكن علمه قال7 لايحلّ لك ان‏تسأل عن هذا اما علم ماكان و ماسيكون فليس يموت نبي و لا وصي الاّ و الوصي الذي بعده يعلمه اما هذا العلم الذي تسأل عنه فان اللّه عزّوجلّ ابي ان‏يطلع الاوصياء عليه الاّ انفسهم الحديث و امثالها من الاخبار كثيرة و هذه الاخبار عامة تدلّ علي انّ عندهم سلام اللّه عليهم علم ماكان و مايكون.

و هنا اخبار اخر تدلّ علي انهم: يزدادون في كلّ يوم جمعة و في كلّ يوم و في كل ان و دقيقة و قد قال عزّوجلّ و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بماشاء و لا شكّ ان المراد بالعلم ليس هو الذات البحت عزّوجلّ اذا جعلت المستثني متصلاً كما هو الاصل فيه و اما اذا جعلته منقطعاً فالمعني انهم: لايحيطون بعلمه الذاتي لكنّهم يحيطون بماشاء اللّه من علمه الحادث الفعلي و هو الذي في الكتاب و هذا الكلام له وجهان: احدهما انهم: يحيطون بماشاء اللّه بالمشية الامكانية و الكونية معاً و ثانيهما انهم:يحيطون بماشاء اللّه بالمشية الكونية و يؤيّد الثاني بل يحقّقه و يرجّحه قوله تعالي قل رب زدني علماً فان الاستزادة عن الذات البحت مستحيلة و عما عنده قبيحة فيجب امر دون الامرين اي لايكون ذاته تعالي و لايكون ماعنده و انما مااستجنّ في الامكان فلايصحّ ارادة المعني الاول من الاية في الكافي عن ابي‏يحيي الصنعاني عن ابي‏عبدالله7 قال قال لي يا ابايحيي ان لنا في ليالي الجمعة لشأناً من الشأن قال قلت جعلت فداك و ماذاك الشأن قال7 يؤذن لارواح الانبياء الموتي: و ارواح الاوصياء الموتي و روح الوصي الذي بين

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 174 *»

اظهركم يعرج بها الي السماء حتي توافي عرش ربها فتطوف به اسبوعاً و تصلّي عند كلّ قائمة من قوائم العرش ركعتين ثم تردّ الي الابدان التي كانت فيها فتصبح الانبياء و الاوصياء قدملئوا سروراً و يصبح الوصي الذي بين ظهرانيكم و قد زيد في علمه مثل جمّ الغفير و فيه عن المفضّل قال قال لي ابوعبداللّه7 ذات يوم و كان لايكنّيني قبل ذلك يااباعبداللّه /قال قلت لبيك ــ  في المصدر) قال ان لنا في كلّ ليلة جمعة سروراً قال قلت زادك اللّه و ماذاك قال7 اذا كان ليلة الجمعة وافي رسول‏اللّه9 العرش و وافي الائمة: معه و وافينا معهم فلاترد ارواحنا الي ابداننا الاّ بعلم مستفاد و لولا ذلك لانفدنا و فيه ايضاً عن يونس او المفضّل عن ابي‏عبداللّه7 قال ما من ليلة جمعة الاّ و لاولياء اللّه فيها سرور قلت كيف ذلك جعلت فداك قال اذا كان ليلة الجمعة وافي رسول‏اللّه9 العرش و وافي الائمة و وافيت معهم فماارجع الاّ بعلم مستفاد و لولا ذلك لنفد ماعندي و فيه عن زرارة قال سمعت اباجعفر7 يقول لولا انا نزداد لانفدنا قال قلت تزدادون شيئاً لايعلمه رسول‏اللّه9 قال اما انّه اذا كان ذلك عرض علي رسول‏اللّه9 ثم علي علي7 ثم انتهي الامر الينا و في الحديث المتقدّم عن ابي‏بصير الي ان قال7 ان عندنا علم ماكان و ما هو كائن الي ان‏تقوم الساعة قال قلت جعلت فداك هذا واللّه هو العلم قال7 انه لعلم و ليس بذاك قال قلت جعلت فداك فاي شي‏ء العلم قال7 مايحدث بالليل و النهار الامر بعد الامر و الشي‏ء بعد الشي‏ء الي يوم القيمة و فيه عن سماعة عن ابي‏عبداللّه7 قال ان للّه تبارك و تعالي علمين علماً اظهر عليه ملائكته و انبياءه و رسله فمااظهر عليه ملائكته و رسله و انبياءه فقد علمناه و علماً استأثر به فاذا بدا للّه عزّوجلّ في شي‏ء منه اعلمنا ذلك و عرض علي الائمة الذين كانوا من قبلنا و فيه ايضاً عن ضريس قال سمعت اباجعفر7 يقول ان للّه عزّوجلّ علمين علم مبذول و علم مكفوف فاما المبذول فانه ليس من شي‏ء تعلمه الملائكة و الرسل الاّ نحن نعلمه و اما المكفوف فهو الذي عند

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 175 *»

 اللّه عزّوجلّ في امّ‏الكتاب اذا خرج نفـد و عن ابي‏جعفر7 في قوله تعالي عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول قال7 و كان واللّه محمّد9 ممن ارتضي اه و اما قوله تعالي عالم الغيب فان اللّه عزّوجلّ عالم بماغاب عن خلقه فيمايقدر من شي‏ء و يقضيه في علمه قبل ان‏يخلقه و قبل ان‏يقضيه الي الملائكة فذلك يا حمران علم موقوف عنده اليه فيه المشية فيقضيه اذا اراد و يبدو له فيه فلايمضيه فاما العلم الذي يقدر اللّه عزّوجلّ و يقضيه و يمضيه فهو العلم الذي انتهي الي رسول‏اللّه9 ثم الينا و فيه عن عمّار الساباطي قال سألت اباعبداللّه7 عن الامام يعلم الغيب فقال لا ولكن اذا اراد ان‏يعلم الشي‏ء اعلمه اللّه ذلك و عنه7 ان الامام اذا شاء ان‏يعلم علم هـ و الاحاديث في هذه المضامين كثيرة.

فاذا سمعت بعض الاخبار ممايحضرني الان فاسمع ماذكره القرية الظاهرة للسير الي القري المباركة اعني شيخنا و استادنا اطال اللّه بقاه و جعلني فداه في شرح‏الزيارة الجامعة عند قوله7 و خزّان العلم قال سلّمه اللّه تعالي: «العلم الذي هم خزّانه العلم الحادث و هو علم موجود بالمعني المتعارف و هو قوله تعالي و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بماشاء يعني انّ ما لم‏يشأ من علمه ان‏يعلموه لايحيطون به و ليس المراد بهذا العلم الذي لايحيطون بشي‏ء منه هو القديم الذي هو الذات ليكون المعني و لايحيطون بشي‏ء من ذاته الاّ بماشاء ان‏يحيطوا به منها و هذا معني باطل بل المراد به شيئان: احدهما ان العلم الحادث الذي هو غير الذات منه ممكن مقدور غير مكوّن و منه تكوين و منه مكوّن فالممكن المقدور غير المكوّن هو الممكنات قبل ان‏تكسي حلّة الوجود في جميع مراتب الوجود فهذه لم‏تكن مشاءة الاّ في امكانها فهذا لايحيطون بشي‏ء منه احاطة وجود و يحيطون به احاطة امكان لانه اذ ذاك مشاء مشية امكان و التكوين الممكن و هذا ممايحيطون به لانه مشاء بنفسه و هم محالّ ذلك و المكوّن قسمان: مكوّن مشروط و مكوّن منجّز و المكوّن المشروط يحيطون به لانه مشاء و لايحيطون بالشرط الاّ بعد ان‏يكون مشاء و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 176 *»

المكوّن المنجّز يحيطون به ثم ماكان يحيطون به قسمان: قسم كان و هم: يحيطون به انه كان و لايحيطون به انه مستمرّ او منقطع الاّ احاطة اخبار و قسم لم‏يكن فهم يحيطون به احاطة اخبار لا احاطة عيان فظهر لمن نظر و ابصر من هذا التفصيل انهم: لايحيطون بشي‏ء من علمه الذي هو غير ذاته الاّ بماشاء ان‏يحيطوا به و الذي شاء ان‏يحيطوا به ماسمعته في هذا التفصيل فافهم.

و ثانيهما ان مااحاطوا به و علموه لم‏يكونوا علموا شيئاً منه الاّ بتعليم اللّه سبحانه و لم‏يكن تعليمه لهم انه اعلمهم و رفع يده عنهم فيكون ذلك الشي‏ء لايحتاج الي اللّه تعالي اللّه عن امكان استغناء شي‏ء عنه علوّاً كبيراً بل ماعلموه انما هو بتعليم اللّه لهم في لحظة بمعني انهم اذا علموا ان غداً تطلع الشمس ان شاء اللّه ماملكوا من هذا العلم شيئاً الاّ لحظة علمهم بذلك حين علموا لا قبلها و لا بعدها و لم‏يعلموا بعد تلك اللحظة ماعلموه من ان الشمس تطلع غداً ان شاء اللّه الاّ بتعليم جديد من اللّه تعالي كما هو حال المحتاج الي الغني المطلق و ذلك التعليم الدائم القائم حين يكون هو ماشاء اللّه و هو الذي يحيطون به و هو ماملكوه من العلم فافهم فانه دقيق لطيف رشيق و العلم الذي هم خزّانه هو هذان الشيئان من العلم علي نحو ماذكرنا لا غير.» انتهي كلامه اطال اللّه عمره و اعلي اللّه مقامه. و انا اجمل لك المقال و اشرح به حقيقة الحال بكلام موجز مختصر فخذه قاعدة كلية فاعرف منها معني علم الامام7 بماكان و مايكون الي انقضاء الوجود.

فاقول اعلم ان اللّه عزّوجلّ لم‏يزل متفرّداً متوحّداً و لم‏يكن معه سبحانه شي‏ء و الان علي ما هو عليه كان اذ لم‏يسبق له حال حالاً ليكون اولاً قبل ان‏يكون اخراً و يكون ظاهراً قبل ان‏يكون باطناً بل اوّليته عين اخريته و ظاهريته نفس باطنيته و مشهوديته عين مفقوديته و خفاؤه عين ظهوره ثم خلق محمّداً و اهل‏بيته الطاهرين: اولاً قبل كلّ شي‏ء و اكمل خلقتهم و اتمّ نورهم صلّي اللّه عليهم اجمعين ثم هم يعبدون اللّه عزّوجلّ كما عبـدوه باعمالهم و افعالهم و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 177 *»

اقوالهم و حركاتهم و سكناتهم و سائر احوالهم و شئونهم و تلك الاعمال و الافعال و العبادات ليست صادرة عنهم بالاستقلال اذ لا دخـل (فعل خ‏ل) لهم فيها ليستلزم الاجبار و انما ذلك بسرّ الامر بين الامرين كاعمالك و اقوالك و حركاتك و سكناتك مثل قيامك و قعودك و اكلك و شربك و كتابتك و ساير اعمالك فان كلّها اشياء وجودية قد تقوّمت بك و بيدك ناصيتها الاّ انّ الاشخاص تختلف في صدور الاعمال عنهم باختلاف القدرة من قوّتها و ضعفها و ذلك الاختلاف من جهة اختلاف كينونات العاملين بقابليّاتهم و لذا تري الملائكة تحرّك الجبال و الارض كلّها و تدير الافلاك بامر اللّه و اذنه و اقتداره و انت ماتقدر علي ذلك و ليس ان الملائكة مجبورون في ذلك او انت مجبور فيما ذكرنا لان الجبر قد سبـق منّا انه عبارة مفهومية لا حقيقة لها في الواقع و ان كانت لها حقيقة في نفس‏الامر.

فاذا اتقنت هذا فاعلم ان الموجودات كلّها بسمواتها و ارضها و عرضها و كرسيها و ملائكتها و جنّها و حيوانها و نباتها و جمادها و كلّ مايحصل من قراناتها و اوضاعها و جميع مايري و ما لايري و من يتقلب في الجنة و النار و حقيقتهما و حقيقة الانبياء و ساير ماخلق اللّه عزّوجلّ كلّها علي العموم الاستغراقي الحقيقي اللغوي لا العرفي مختارة في صدور الافاعيل المنسوبة اليها و اما الافعال التي صدرت عن اللّه بها و بواسطتها فليس لها الاّ حكم التوسط فلاتنسب اليها علي الحقيقة كالخلق و الرزق و ليست هي مختارة في الايجاد و انما هي اسباب و ابي اللّه ان‏يجري الاشياء الاّ باسبابها.

و لمّا ثبت انّ محمّداً و اهل‏بيته: هم الباب الاعظم و السبب الاتمّ اوجد اللّه الموجودات بهم في جميع احوالهم فالامام7 هو العلة و السبب و ليس نسبة الخلق اليهم كنسبة اعمالك و حركاتك و سكناتك بل نسبتهم اليه كنسبة الافعال الالهية الي الملك فهو7 حامل اللواء و الذات في الذوات للذات فالعالم كلّه بيته الذي /بناه بقدرة اللّه (بناه اللّه عزّوجلّ بقدرته خ‏ل) و كلّ‏ما في العالم الات البيت التي احدثها علي حكم المقتضيات و الاوضاع انشأ اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 178 *»

مادتها باختراعه لا من شي‏ء و صورتها لا لشي‏ء فهو روحي‏فداه صاحب البيت و رسول‏اللّه9 فخره و سيّده و اللّه عزّوجلّ من ورائهم محيط فهم: ليسوا شيئاً الاّ باللّه عزّوجلّ فلا عمل لهم الاّ به و بامره كماقال عزّوجلّ لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون، و من يقل منهم انّي اله من دونه فذلك نجزيه جهنّم كذلك نجزي الظالمين فظهرت قدرة اللّه عزّوجلّ فيهم فتحمّلوا اوامره و نواهيه و احكامه الوجودية و الشرعية كلّها كما قال في الحديث القدسي ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن فهم وسعوا جميع الاحكام الربوبية فظهرت بهم احكامها و لمّا تمحّضوا في العبودية و دكّوا جبال الانيّة بلغوا مقام الحديدة المحماة فصار فعلهم فعل اللّه و قولهم قول اللّه و حكمهم حكم اللّه و امرهم امر اللّه و نهيهم نهي اللّه كما قال اللّه عزّوجلّ من يطع الرسول فقد اطاع اللّه، ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه يداللّه فوق ايديهم.

و لمّا كان الحق سبحانه هو الثابت المستقل الموجود الدائم الباقي فلاتنسب الاشياء في كلّ احوالها الاّ اليه فلايعبد الاّ اياه و لمّا كانت الاشياء متقوّمة بهم و مبدأة بهم و صادرة عن اللّه لهم: و هم: لاينظر اليهم نظر الاستقلال فصارت التعبيرات تختلف بالنسبة اليهم: فمرّة يعبّر عنهم باليد و مرّة بالقدرة و مرّة بالعلم و مرّة /بالتوحيد (زائد خ‏ل) بركن التوحيد و مرّة بالجلال و مرّة بالجمال و مرّة بالعظمة و مرّة بالرحمة و مرّة بالوجه و مرّة بالجنب و مرّة بالاسم و مرّة بالمعني وهكذا من ساير التعبيرات و مرجع كلّ ذلك الي ماذكرنا لك من سرّ الامر بين الامرين فاذا صحّ انّ الموجودات كلّها اثار اللّه الصادرة عن اللّه بالامام7 فوجودها كلّها عنده كالنقطة في الدائرة لانه لها كالقطب بالنسبة الي المحيط و لا شكّ و لا ريب ان المحيط عالم بجميع جهات المحاط ممااحدثه اللّه و ممايحدثه فيما بعد و كلّ ذلك حاضر عنده موجود لديه لانه الباب الذي لايؤتي الاّ منه و في الزيارة ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم و يصدر من بيوتكم الصادر لمافصّل من احكام العباد الزيارة فالذوات و الحقايق باسرها صدرت

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 179 *»

عن اللّه تعالي بهم فهم باب الفيض في الصدور و الورود بالنسبة الي كلّ موجود و الموجودات كلّها اعراض قائمة بهم: فهم: بهذا الاعتبار يعلمون علم السموات و الارض و ماكان و مايكون الي يوم القيمة و الي ما لانهاية له لانهم: وجه اللّه الذي لا تعطيل له في كل مكان و يده المبسوطة بالبرّ و الامتنان و رحمته الواسعة و قدرته الشاملة الكاملة فيعلمون مايكون حين ماكان قبل ان‏يكون.

و لمّا كان الوجود دائم الفيضان و دائم التجدد و السيلان كانوا: يزدادون في العلم في كلّ ان من الامور المتخصّصة في الاكوان المنزلة مطلقة من بحر الامكان فلايعلمون:الاّ ماظهـر مكوّناً في عالم الاعيان و اما الامكان فيعلمونه علي ماهو عليه من عدم التخصّص و التعيّن و لمّا كان ظهور الحق عزّوجلّ لهم قبل كونهم في عينهم فهو سبحانه اقرب اليهم بما لانهاية له في بعده عنهم كذلك فعلم سبحانه الخلق في اماكنهم و رتبهم قبل خلقهم و قبل وجودهم: بما لانهاية له و لمّا كان ظهورهم: للخلق كذلك كان تعليم اللّه سبحانه اياهم حقايق الخلق من المستقبل و الماضي و الحال قبل كون الخلق و عينهم بما لانهاية له في رتبة وجودات الخلق لا قبلها فنسبتهم: الي الخلق نسبة واحدة و كلّ الخلايق عندهم: نقطة واحدة فيرون كلّ شي‏ء في مكانه و وقته قبل وجوده حين وجوده لان التقديرات الزمانية و التقدّم و التأخّر السيّالين الغير المجتمعين مرتفعة عندهم فالمستقبل عندهم: عين الماضي و الماضي عين الحال و معني ذلك رفع الماضي و الحال و الاستقبال فالوقت الذي عرفوا القيمة الكبري مثلاً هو الوقت الذي عرفوا وجود ادم ابينا7 لانّ زمانهم: سرمد بالنسبة الي الانبياء و زمان الانبياء سرمد بالنسبة الينا و السرمد انقطعت عنده النهايات و البدايات و الجهات الدهرية و الدهر انقطعت عنده كلّ المدد الزمانية و كلّها عنده كنقطة واحدة فالاشياء كلّها في جميع احوالها من المضي و الاستقبال حاضرة لديهم معلومة لهم و يشاهدونها حين وجودها و صدورها من المبدأ و لذا قد مـرّ رسول‏اللّه9

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 180 *»

بجميع الاشياء حين خلقه اللّه عزّوجلّ و دخل الجنة و النار و الحسين صلوات اللّه عليه اري امّ‏سلمة زوجة النبي9 مقتله و مذبحه و يوم شهادته و حال شهادته و شهادة الشهداء المستشهدين بين يديه و سبي النساء و ساير الاحوال و هو صلوات اللّه عليه في المدينة.

فالاشياء كلّها مماجـري عليه قلم الابداع علي حكم الاختراع ممايصـحّ في الحكمة ان‏يبرز في الوجود كلّها قد صـار عندهم و تحقق لديهم سلام‏اللّه عليهم و ثبت في اللوح المحفوظ الذي لم‏يتغيّر و لم‏يتبدّل قال اللّه عزّوجلّ و اجل مسمّي عنده و هذا معني قولهم: ان اللّه عزّوجلّ خلق القلم و امره ان‏يكتب في اللوح فكتب ماكان و مايكون ثمّ جفّ و لم‏ينطق ابداً و الي هذا الذي ذكرنا من السرّ المنمنم يشير قوله7 و عرفت ماكان و مايكون فهم: يشاهدون الاشياء بمراتب سيّاليتها و تدرّج مراتبها و مقاماتها الي نهايات انقطاع وجوداتها علي التفصيل حين وجوداتها قبل ان‏تخلق بالف الف دهر و هذا باب غامض يدركه اهل الافئدة و لذا لمّاسـأل السائل عن ابي‏جعفر الباقر7 عن ان النبي9 هل كان يأتيه في ليالي القدر شي‏ء لم‏يكن علمه قال7 لايحلّ لك ان‏تسأل عن هذا اما علم ماكان و مايكون فليس يموت نبي و لا وصي الاّ و الوصي الذي بعده يعلمه اما هذا العلم الذي تسأل فان اللّه عزّوجلّ ابي ان‏يطلع الاوصياء عليه الاّ انفسهم الحديث فافهم و القلم الذي كتب ماكان و مايكون ثمّ جـفّ هو عقلهم: و هو روح‏القدس الذي يأتي في ليلة القدر عند الامام7 و هذا الروح قد قالوا: فيه روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدايقنا الباكورة و هذا العلم الثاني هو ظهورات العلم الاوّل في مراتب تنزلاته حسب سيّالية الاشياء في مراتبها و حسب مقابلتها لفوّارة القدر فليلة القدر هي ليلة الجمعة التي قد تقدّم في الحديث انهم: يزدادون فيها و ليلة الجمعة هي الان و الانات التي يزدادون فيها اذ موادّ العلم لاتنقطع عنهم: و الايام و الاسبوع منقطعة دونهم و فوّارة الفيض الذي هو العلم دائم‏

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 181 *»

الفوران عليهم لكنّا نحن عندنا الايام و الاسبوع و السنة فيقدر ذلك النور فيها علي حسبها كنداء الملك الذي علي نصف‏النهار ينادي قوموا علي نيرانكم التي اوقدتموها علي ظهوركم فاطفئوها بصلوتكم و هذا هو صوت واحد غير منقطع علي دائرة نصف‏النهار فاهل كلّ بلدة يحاذونها سمعوا صوته و وجبت عليهم صلوة الظهر و كذلك العصر و المغرب و العشاء و الصبح علي هذه الاوقات و ليست هذه الاوقات عند الملك و لا عند الفلك و انما هي بالنسبة الي اهل الارض و كذلك ليلة القدر فانها ليلة افاضة الفيض عليهم: من فوّارة القدر الذي هو بحر مظلم كالليل الدامس كثير الحيتان و الحيّات في قعره شمس تضيئ لاينبغي ان‏يطلع عليها الاّ الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضادّ اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير و لا انقطاع لفوران تلك الفوّارة ابدالابدين

و ذلك الفوران علي تلك الاراضي الطيّبة و القابليات الراجحة التي كادت ان‏تضيئ و لو لم‏تمسسها نار التأثير بماء الاثر يسمّي مرّة بليلة القدر انما سمّي بالليلة لان ذلك النور اي الفيض اي العلم الذي هو النقطة قد ظهرت في تلك الهياكل و الحدود الطيّبة الطاهرة فكانت ليلة و انما سمّيت بالقدر بمعني الضيق اشارة الي تهجّم تلك الانوار و تطابق ظهور الاسماء و اجتماعها كلّها في تلك الحقايق المقدسة الطاهرة و الملائكة مظاهر تلك الاسماء و يسمّي مرّة بليلة الجمعة اما الليلة فلمااشرنا اليه سابقاً و اما الجمعة فلاجتماع القوابل مع المقبولات و اتصال الاسماء بالمسمّيات و الاسباب بالمسبّبات و يعبّر عنه بظهور العلم في كلّ الانات في جميع الدقايق و الساعات لسريان ذلك النور في جميع المراتب و كلّ الاطوار في كلّ الاحوال.

و انما عيّنت ليلة القدر بليلة ثلث و عشرين من شهر رمضان اما شهر رمضان فلكونه مبدأ الشهور و اوّل السنة جري له حكم المبدئية و لذا وجب احترامه و صيامه اما العشر الثالث منه اما علي الظاهر فلان العوالم ثلثة عالم الجبروت و هو العشر الاول منه و فيه الفيوضات الواردة علي العقول و عالم الملكوت و هو العشر الثاني منه و فيه الفيوضات

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 182 *»

الواردة علي النفوس و مابعدها و عالم الملك و هو العشر الثالث و فيه الفيوضات الواردة علي الاجسام من العلويّة و السفلية و عالم الظهور و هو الثالث و المبدأ هو الاوّلان فلايتحقق الاّ بهما و اجراء الاحكام عليهما فوجب ان‏يكون لاهل العالم الثالث الرتبة الثالثة فلذا كان في العشر الثالث و اما في الحقيقة ليعمّ الحكم في كلّ عالم فلان المبدأ له ثلث جهات جهة الي الاعلي و الثانية الي نفسه و الثالثة الي شئونه و اطواره و ظهورات اثاره و الفيض في عالم التفصيل و التمييز و الظهور الفعلي مشروح‏العلل مبيّن‏الاسباب لايكون و لايتمّ الاّ في الرتبة الثالثة فجري حكم ليلة القدر في العشر الثالث مقترناً و مرتبطاً بالثاني و انما ظهرت ليلة القدر في ثلث ليال و كملت في الثالث لان تمام الشي‏ء من المبدأ لايكون الاّ بعد ايجاد عينه و تقدير حدوده و القضاء اي الحكم عليه بماهو عليه من تلك الحدود فالمقام الاوّل مقام المشيّة و بدؤ الارادة و المقام الثاني مقام القدر اي الهندسة و وضع الحدود و المقام الثالث مقام القضاء و مقام في اي صورة ماشاء ركّبك فكان تمام الفيض في هذه المقامات الثلثة و هي الكليات التي اذا فصّلت ظهرت السبعة ايام الاسبوع قال7 لايكون شي‏ء في الارض و لا في السماء الاّ بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن زعم انه يقدر علي نقص واحدة فقد كفر و في رواية اخري فقد اشرك.

و انما كانت ليلة تسعة عشر الاولي المبدأ لانها مقام الواحدية و اوّل ظهور المشية قبل التعلق الذي هو عبارة عن اتمامها بالاحدية و تلك الليلة مقام بسم اللّه الرحمن الرحيم في الكتاب التكويني فظهر الظاهر مطابقاً للباطن فان المشية هي الذكر الاول و هذا مبدأ وجود الشي‏ء لايترتّب عليه حكم و لايظهر منه اثر الاّ بمابعده من المراتب و الحدود ثم ليلة احدي و عشرين لان الواحدية اذا تمّت بالاحدية ظهرت الكاف المستديرة علي نفسها ثم اثّرت في الرتبة الثانية فليلة العشرين مقام ظهور الكاف و ليلة احدي و عشرين مقام التأثير في التقدير او قل ان ليلة تسعة عشر بازاء المشية و العشرين في مقام الارادة و حكمها في الليلة الاخري و هي رتبة القدر

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 183 *»

و تقدير الاجال و الارزاق و وفد الحاجّ و امثالها او قل ان ليلة احدي و عشرين اول البدء في العشر الثاني و ليلة تسعة عشر لمقام الارتباط و الثالث و العشرين لتمام المراتب و ظهور شكل المثلث الذي هو ابوالاشكال و هو شكل ابينا ادم علي محمد و اله و7 فافهـم.

و انما ظهرت ليلة الجمعة و يومها في اخر الاسبوع او في اليوم السادس لظهور التسبيع و التسديس في كلّ شي‏ء كما قال عزّوجلّ خلق السموات و الارض في ستة ايام و اليوم السادس مقام الاجتماع و تمام الامر و السابع كماله و ظهوره مشروح‏العلل مبيّن‏الاسباب و هذا الحكم يجري في كلّ شي‏ء من الموجودات العلوية و السفلية و اما عالم الاجسام اي العناصر لمّا كان عالم الزمان الغليظ الكثيف ظهر نور القضاء في ذلك اليوم و لذا كان عيداً لنبيّنا9 .

و بالجملة لا تنافي بين ماذكروا: ان عندنا علم ماكان و مايكون علي مقتضي الاخبار الكثيرة المستفيضة و بين ماقالوا: انا نزداد في كلّ ليلة الجمعة و ماقالوا انا نزداد في كل ان و ماقالوا ان الملائكة يأتيهم ليلة القدر بجميع مايحدث في تلك السنة فان المراد ممايكون من المحتومات لا المشروطات و الموقوفات و ذلك للدليل القطعي علي انهم: حادثون و الحادث لايستغني من المدد اذ لو جاز ان‏يستغني اناً لجاز الاستغناء الي الابد كمايأتي مشروحاً ان شاء اللّه تعالي فالمدد الذي يأتيه لو كان هو الذي عنده كان تحصيلاً للحاصل ثم لايتصوّر الاتيان و هو المفروض فلو لم‏يكن عنده كان ممكناً في حقّه ان‏يأتيه اذ لايصحّ ان‏يأتيه شي‏ء من الازل تعالي عن ذلك علواً كبيراً فيجب ان‏يكون في الامكان فيأتيه اشياء ليست عنده فاذا ثبت حدوثهم: و انهم مخلوقون مربوبون فيجب ان‏يأتيهم اشياء ليست عندهم و هو قوله تعالي قل رب زدني علماً و قال9 اللّهم زدني فيك تحيّراً فعلي هذا وجب ان‏نقول ان عندهم: علم ماكان لانه لايكون شي‏ء الاّ و اشهدهم اللّه خلقه فلايوجد الاّ بمشهد منهم: و لايعمل عبد عملاً الاّ و قديعرض عليهم: لانهم المناة لاحوال

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 184 *»

الخلايق و الاعضاد الذين بهم قوام الاشياء بموادّها و صورها فلايشـذّ عنهم شي‏ء موجود قد تعلق به الجعل و اما علم مايكون فان المحتوم منه الذي لا مردّ له يعلمونه بتعليم اللّه عزّوجلّ و اما ماسوي ذلك من الامور الممكنة فانها تتجدّد عليهم دائماً يفيض عليهم من بحر الامكان الي ساحل الاكوان و الاعيان و هم: حملة ذلك الفيض و ذلك العلم و علم مافي قعر بحر الامكان ليس الاّ عنداللّه عزّوجلّ فيخبرهم ماشاء و احبّ من ذلك و ذلك هو علم‏الغيب كماقال عزّوجلّ عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول و المرتضي من محمّد9 هو علي7 و لذا سمّي بالمرتضي و قال عزّوجلّ و ماكان اللّه ليطلعكم علي الغيب ولكن اللّه يجتبي من رسله من يشاء و هذا العلم الذي يأتيهم لا غاية له و لا نهاية له نهر يجري من تحت جبل الازل علي اراضي قلوبهم الي ابدالابد فيظهر ذلك في العالم الزماني المكمّم بهذه المقادير المخصوصة بالنسبة الي اهله و اما بالنسبة اليهم: فليلة القدر هي ليلة الجمعة كماذكرنا الاتري انه من جهة اختلاف الافاق يكون ليلة في بلدة جمعة و في اخري السبت و في اخري الاحد وهكذا و كذا ليلة القدر اي الليالي الثلثة تختلف باختلاف البلدان باختلاف الافاق فدلّ ذلك علي ماذكرنا من وحدة الامر النازل في ليلة القدر و اختلافه بالقوابل قال تعالي و ماامرنا الاّ واحدة و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فافهم.

و ليس الغيب ماتوهّمه بعض الناس من انه الاخبار بمافي القلوب و الضماير و امثال ذلك فان ذلك غيب اضافي لا حقيقي و الموجودات دقيقها و جليلها و مجرّدها و مادّيها كلّها حاضرة لديهم مشهودة لهم فلاتغيب عنهم لانهم: وجه‏اللّه الذي لا تعطيل له في كلّ مكان و الخواطر انما نزلت الي الاوهام و الاذهان بعد ان نزلوها: من خزائنها المقدّرة لها و المستقبلات كلّها حاضرة عندهم: يرونها و يشاهدونها في اماكنها و اوقاتها فلايخفي عليهم شي‏ء من احوالها فلاينبغي لاحد ممن له تتبّع في الاخبار و تعمّق

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 185 *»

نظر و اعتبار ان‏يشـكّ انّ عندهم: كلّ‏ما برز في عالم الكون فاذا سألهم السائل عن شي‏ء لا بل اذا اتاهم من قبل السؤال يعلمونه بجميع احواله و مايريد ان‏يسأله و ماالذي تقتضي المصلحة في حقّه و امثالها لان ذلك ليس بغيب عندهم:و انما هو شهادة و عيان فلاتشمله مادلّ علي انهم لايعلمون الغيب.

فان قلت فما معني الحديث المتقدّم عن ابي‏عبداللّه7 ان ضعفاء شيعتنا يؤذوننا يزعمون انا نعلم الغيب و لقد هممت بضرب جارية منّي فانحادت فلم‏ادر في اي زاوية من البيت هي الحديث فان ذلك مخالف لماقرّرت من انهم: يعلمون جميع ماتحلّي بحلية الكون و يدلّ ايضاً علي ان المراد بالغيب الذي لايعلمونه هو الغائب عن الابصار من احوال القلوب والضماير و الخفايا و الخبايا؛ قلت ليس المراد من الحديث الشريف ظاهره لدلالة عجز الحديث عليه و هو صريح في انه كان منه عن تقيّة من الذي كان في مجلسه فان معني الحديث ان ضعفاء شيعتنا يؤذوننا اي المخالفون يؤذوننا في ضعفاء الشيعة لتأذّيهم منهم فينا يزعمون اي العامة انا نعلم الغيب يحتمل ان‏يكون ضمير المتكلم راجعاً الي العامة المخالفين يعني يزعمون انفسهم انهم يعلمون الغيب اي الاسرار و البواطن و الامور المغيبة عن الخلق حتي انهم يقولون ان ابابكر و عمر اوتيا علماً لم‏يؤت رسول‏اللّه9 من الاسرار و غوامض العلوم و وصل اليهما العلم من اللّه عزّوجلّ بدون توسط النبي9 من العلوم المكتومة (المكنونة خ‏ل) و كما قال ايضاً بعضهم «لو شئت لاوقرت سبعين حملاً من تفسير الحمد للّه» في مقابلة قول علي7 لو شئت لاوقرت سبعين حملاً من تفسير باء بسم اللّه و امثال ذلك ممايدّعون بمحض الدعوي و يحتمل ايضاً ان‏يكون ضمير المتكلم راجعاً اليهم: و الزعم هو ركوب مطية الكذب و الخيال الباطل و الظن و شبهه يعني انهم في شكّ و ارتياب في انّا نعلم الغيب و ليس كذلك بل يجب اليقين و الاعتقاد في ذلك و قوله7 و لقد هممت بضرب جارية منّي فانحادت المراد بالضرب هو النوع و كانت له7 جارية عامية اراد

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 186 *»

7 ان‏يجعلها من نوع شيعته و مواليه فماقبلت و قوله7 و لم‏ادر في اي زاوية من البيت هي يعني ماابالي في اي طريقة تموت يهودية او نصرانية هذا هو مراد الامام7 و لاتقل انه بعيد لانا نقول انهم يرونه بعيداً و نريه قريباً و انهم: يتكلّمون بالكلمة و يريدون منها احد سبعين وجهاً و مثل هذا الحديث كثيراًمّا يقع عنهم: في مورد التقية كما اشتهر عن ابي‏عبداللّه7 انه قال ان ابابكر و عمر كانا امامين عادلين كانا علي الحق و ماتا علي الحق رحمة اللّه عليهما و قالوا ايضاً من فضّل علياً علي عمر فقد كفـر و امثالها كثير (كثيرة ظ) و لايمكن ارادة ظاهر هذه الاحاديث علي مايفهمه العوام فان المراد من الاوّل انهما كانا امامين من الائمة الذين يدعون الي النار و يوم القيمة هم من المقبوحين عادلين عن الحق و الصراط المستقيم كانا علي الحق الحق هو علي7 لقوله تعالي و انه لحق اليقين و «علي» للضرر يعني انهما كانا دائماً علي ضرر علي7 و ايصال الاذية اليه7 و ماتا علي الحق كالاول و رحمة اللّه عليهما يعني رسول‏اللّه9 علي ضررهما و اهانتهما في الدنيا و الاخرة و المراد من الحديث الثاني ان تفضيل شي‏ء علي شي‏ء فرع ان‏يكون في المفضّل عليه فضيلة فاثبات التفضيل لاحد علي احد اثبات الفضيلة في الاخر و ذلك كفر فيما نحن فيه كما قال الشافعي شعراً:

يقولون لي فضّل عليّاً عليهما   و كيف اقول الدرّ خير من الحصي
الم‏تر ان السيف يزري بحاله   اذا قيل ان السيف خير من العصا

فان قلت ان ارتكاب التقية خلاف الاصل و خلاف الاصل انما يصـحّ اذا قام الدليل القطعي عليه كما في الحديثين الاخرين و اما فيما اذا لم‏يقم فلا فيجب حمل الكلام علي ظاهره؛ قلت بلي لكن في عجز الحديث قرينة صريحة في ذلك حيث قال7 كلّ علم الكتاب عندي و اللّه سبحانه يقول و لا رطب

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 187 *»

 و لا يابس الاّ في كتاب مبين و فيه تفصيل كل شي‏ء و تبيان كل شي‏ء (تفصيل كلّ شي‏ء و تبياناً لكل شي‏ء في القرءان) و كلّ شي‏ء احصيناه في امام مبين و كلّ شي‏ء احصيناه كتاباً فاذا اثبت ان في الكتاب كلّ شي‏ء ثبت انهم: يعلمون كلّ شي‏ء فاذا اثبت هذا المعني في اخر الحديث ثبت ان اوّل الحديث لايخالف اخره فصحّ ماذكرنا.

فان قلت قد تواترت الاخبار عنهم: بانهم لايعلمون الغيب و ورد اللعن علي من ادّعي ذلك و التكذيب علي من يدّعيه فلاينطبق علي ماذكرت؛ قلت نحن نقول بموجبها و نتبرّأ ممن ينسب الغيب اليهم: لكن علي المعني الذي ذكرنا من ان المراد بالغيب الذي لم‏يكن و لم‏يكتس حلّة الكون و هو في الامكان معدوم‏العين مشروط‏الوقوع و هذا لايعلمونه و لايحيطون به والاّ لساوي علمهم علم اللّه جلّ شأنه و لاستغنوا عن المدد و خرجوا عن الامكان لان المحيط بكلّ احوال الشي‏ء لايمكن ان‏يكون معه في رتبته و هو علم خاص باللّه سبحانه و هو الاسم الذي اختصّ به عزّوجلّ من الاسم الاعظم كما ورد ان الاسم الاعظم ثلثة و سبعون اسماً اثنان و سبعون اسماً عندنا و واحد يتفرّد به القديم عزّوجلّ و ذلك الاسم هو الشمس المضيئة تحت قعر بحر القدر كما روي عن اميرالمؤمنين7 الي ان قال في قعره شمس تضيئ لايطلع عليها الاّ الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضادّ اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير و كلّ‏ما خرج من هذا العلم الي الوجود فيصل اليهم صلّي اللّه عليهم الاّ ماكان من المحتومات التي لايقع فيه البداء كماسبـق.

او نقول انهم: لايعلمون شيئاً الاّ ماعلّمهم اللّه عزّوجلّ فلايعلمون شيئاً بدون تعليمه تعالي و هو احد معاني قوله تعالي و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بماشاء و لا اختصاص له بالغيب بل يدخل فيه العلم بان السماء فوقنا و الارض تحتنا و امثاله ايضاً لكن ابي اللّه عزّوجلّ الاّ ان‏يعلّمهم علمه لانهم عيبة علمه و حفظة سرّه و مستودعو حكمته و حملة كتابه كما قال عزّوجلّ و ماكان اللّه ليطلعكم علي الغيب ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء كماتقدّم.

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 188 *»

فان قلت اذن فمامعني قوله7 ان اللّه تفرّد بخمسة و هي ما في الاية الشريفة ان اللّه عنده علم الساعة و ينزّل الغيث و يعلم ما في الارحام و ماتدري نفس ماذا تكسب غداً و ماتدري نفس باي ارض تموت؛ قلت معناه ان اللّه عزّوجلّ تفرّد بها مستقلاً لكنه سبحانه ارتضاهم و علّمهم ذلك اما علم الساعة فانه علي7 كمافي قوله عزّوجلّ لمّا قال رسول‏اللّه9 فيك يا علي ستة خصال من الانبياء: و ذكر منهم عيسي بن مريم7فقال المنافقون انه يحبّ ان‏نعبد ابن‏عمّه كما عبدت النصاري المسيح فانزل اللّه عزّوجلّ و لمّا ضرب ابن مريم مثلاً اذا قومك منه يصدّون و قالوا ءالهتنا خير ام هو ماضربوه لك الاّ جدلاً بل هم قوم خصمون ان هو الاّ عبد انعمنا عليه و جعلناه مثلاً لبني‏اسرائيل و هم‏ال‏محمّد: ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون و انه لعلم للساعة فلاتمترنّ بها و الضمير لايخلو اما ان‏يرجع الي علي7 او الي عيسي7 و كلاهما مرادان فعلي7 في الباطن و عيسي7 في الظاهر و لا شكّ ان عيسي7 مثال لعلي7 فهو انما صار علم الساعة لظهور النور العلوي7 فيه و قوله تعالي و عنده علم الساعة يعني علي7 هو الذي عنده كماقال عزّوجلّ و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون قال مولينا الصادق7 نحن الذين عنده و قوله تعالي و عنده مفاتح الغيب و المفاتح هم ال‏محمّد: .

ثم اعلم ان قوله تعالي و عنده علم الساعة ان اريد بها القيمة الكبري او الصغري اي قيام القائم7 و الرجعة و الاحوال الجارية فيها و تفاصيل مايقع عليها (فيها خ‏ل) فلا شكّ ان عليّاً7 هو متولّيها و مجري احوالها و بيده لواء الحمد كماقال7 لو كشف الغطاء ماازددت يقيناً و ان اريد بها زمان وقوع الساعة و وقت قيامها فان ذلك لم‏يوجد و لم‏يحتم و هو بعد في عالم الامكان مشروط متوقّف و لذا قال تعالي يسألونك عن الساعة ايّان مرسيها فيم انت من ذكريها الي ربك منتهيها و قال عزّوجلّ يسألك الناس عن الساعة قل انما علمها عند اللّه و مايدريك لعلّ الساعة تكون قريباً و قد قلنا انهم:

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 189 *»

يعلمون ما هو موجود في الاكوان و ماسيكون من محتومات الامكان و كذلك القول في باقي الاربعة فان نزول الغيث مايمكن الاّ بهم: كما في الزيارة و بكم ينزّل الغيث و المبادي كلّها عندهم و المفاتيح بيدهم صلي اللّه عليهم فيعلمون اوان نزوله قبل نزوله حين نزوله بتعليم اللّه عزّوجلّ فافهم.

و اما علم مافي الارحام ففي الزيارة عن الحجة7 انا سائلكم و املكم فيما اليكم التفويض و عليكم التعويض الي ان قال و عندكم ماتزداد الارحام و ماتغيض هـ كيف و ان الولد لايتكوّن في بطن الامّ الاّ بعد اقراره بولاية علي7 و الائمة او انكاره اياهم ليخلق سعيداً او شقياً لان الشقي من شقي في بطن امه و السعيد من سعد في بطن امه.

و اما علم المنايا فقد تواترت اخبارهم و شهدت اثارهم: بان عندهم علم البلايا و المنايا و الوقايع لكنهم: في كلّ هذه العلوم مسبوقون متعلّمون من امر اللّه و صنعه و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بماشاء و كلّ علومهم في كلّ احوالهم متجددة كما قال مولينا علي7 لولا اية في (من خ‏ل) كتاب اللّه لاخبرتكم بماكان و مايكون الي يوم القيمة و هذا دليل علي انهم يعلمون الاشياء كلّها في مراتبها و مقاماتها لكنهم ليسوا بمستقلّين حتي يثبت علمهم بل للّه عزّوجلّ المشية فيهم و في الاشياء فلايحتم عليهم بشي‏ء كماقال تعالي و لئن شئنا لنذهبنّ بالذي اوحينا اليك لان ذلك صفة العبودية.

فان قلت اذا كان عندهم: علم ماكان و مايكون و كلّ الاشياء كانت حاضرة عندهم موجودة لديهم فما معني ماورد انّ علي بن الحسين8 امر ابنه الباقر7 ان‏يأتي له بماء يتوضّأ و كان ذلك عند موته7 فأتي الباقر7 بالماء فقال ابوه7 اهرقه و أت بغيره فان الفارة قد ماتت فيه و لايصلح للوضوء هذا معني الحديث و لا شك ان موت الفارة كان امراً وجودياً؛ قلت انّ لهم: حالات و مقامات و درجات ففي الحالة البشرية حالة يشغلهم شأن عن شأن فاذا التفتوا و توجّهوا الي جهة فلايلتفتون الي الجهة الاخري كما ان الانسان اذا التفت الي مسألة تغيب

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 190 *»

عنه المسألة الاخري حين التفاته اليها و ليس هذا بجهل و انما هو عدم الالتفات و النظر فاذا التفتوا علموا و وجدوا و انما الجهل انما يتحقق فيما اذا التفتوا لم‏يجدوا و هو معني قولهم: اذا شئنا امراً علمنا اذا شئنا كماتقدّم و عن هذا المعني قديعبّرون بغيبة روح‏القدس عنهم.

فان قلت فما معني حديث الطست و الابريق اللذين اتي بهما جبرئيل من الجنة لعلي7 ليتوضأ حين شكّ في وضوئه و رجع7 ليتوضأ سريعاً و يرجع الي المسجد ليدرك النبي9 للصلوة و الحديث مشهور معروف؛ قلت ان هذا الحديث ليس علي ظاهره اجماعاً من الشيعة لان الشكّ لايصح ان‏يعتري المعصوم7 فيجب تأويله فنقول انهم: قدينسبون اليهم نقايص شيعتهم كمانسبوا اليهم ذنوب شيعتهم و استغفروا منها فغفرها اللّه كمافي قوله تعالي ليغفر لك اللّه ماتقدّم من ذنبك و ماتأخّر و هم: ينسبون اعمال شيعتهم اليهم لانهم منهم كما قال الحجة7 اللّهم انّ شيعتنا منّا خلقوا من فاضل طينتنا و عجنوا بماء ولايتنا فاغفر لهم من الذنوب مافعلوه اتّكالاً علي حبّنا الدعاء فكذلك الشكّ فهو انما وقع عن بعض شيعته7 و لم‏يتدارك فتدارك7 عنه اظهاراً لتلك الفضيلة العظيمة التي خرق الاسماع و ملأ الاصقاع من اتيان الطست و الابريق و الماء من الجنة لوضوئه7 في عالم البشرية و حالة الامامه فافهم.

فان قلت لو كانوا يعلمون كلّ شي‏ء لعلموا السمّ حين اكلوه و علم الحسين7 انه يقتل يقيناً و يسبي عياله و ذلك يستلزم القاءهم انفسهم بايديهم الي التهلكة و في ذلك مخالفة اللّه عزّوجلّ حيث يقول و لاتلقوا بايديكم الي التهلكة اذ يمكن لمولانا الحسين7 ان لايخرج و يبايع خوفاً كمابايع و صالح ابوه و اخوه: و كذا الحسن7 يمكنه ان لايشرب من الماء المسموم و كذا علي7 يمكن ان‏يمنع ابن‏ملجم من ضربه و كذا غيرهم: و لا شكّ ان مخالفتهم للّه عزّوجلّ باطل لعصمتهم و طهارتهم فلايبقي الاّ القدح في العلم؛ قلت جواب هذا من

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 191 *»

دليل الحكمة واضح بل اهل الحكمة نظراً الي قواعدهم لايستشكلون في ذلك بل يوجبونه بالضرورة لكنّا نتكلّم علي دليل المجادلة بالتي هي احسن فنقول لانشكّ انهم: كانوا يعلمون جميع ذلك و ان واقعة الحسين7 قداطّلع عليها كلّ الانبياء و الاولياء و بكوا عليه و في الدعاء عن الحجة7 في الثالث من شعبان بكته السماء و من فيها و الارض و من عليها و لمّايطأ لابتيها و كذلك علي7 قداخبر ابن‏ملجم ذلك الوقت الذي استشهد فيه7 بمااراد و الذي اختفي (اخفي ظ) تحت عبائه من السيف المسقي بالسم و كذا مولينا الرضا7 حين تناول العنب و قبل ان‏يتناول اخبر خدّامه بذلك وهكذا ساير الائمة: و لاينبغي التشكيك فيه لتوارد الاخبار بل تواترها في ذلك و اما اقدامهم علي ذلك فليس من قبيل القاء النفس الي التهلكة و انما هو طاعة و امتثال لامر اللّه عزّوجلّ كما قال الحسين7 شاء اللّه ان‏يراني قتيلاً و ان‏يراهنّ اسيراً و للّه عزّوجلّ في ذلك حِكَم و مصالح نشير الي بعضها فيمابعد ان شاء اللّه تعالي و حينئذ فعدم الاقدام كان الالقاء الي التهلكة فان الهلاك في مخالفة اللّه عزّوجلّ و ذلك كالجهاد فاذا امر الامام7 واحداً من رعاياه بان‏يقاتل حتي يقتل و لايرجع وجب عليه الامتثال و الطاعة و لايجوز له الاعتذار بالاية الشريفة و لاتلقوا بايديكم الي التهلكة و هذا ظاهر.

و بالجملة يجب علي المؤمن المخلص ان‏يعتقد انهم: يعلمون كلّ شي‏ء بالاجمال و التفصيل و الكلية و الجزئية و لايقول ان الاصل عدم علمهم: لانه مسبوق بالعدم الازلي فعدم علمهم قطعي و اما علمهم بالاشياء كلّها فمشكوك فيه و لاينقض اليقين بالشك ابداً فان ذلك باطل لان الاصل علمهم و العدم الازلي كلام مزخرف فان العدم ان كان شيئاً لايخلو اما ان‏يكون حادثاً او قديماً والاّ فلايعقل توصيفه بالازلية فان الصفة فرع وجود الموصوف و اذ ليس فليس و قد دلّت الاخبار المتكثرة و شهـد صحيح‏الاعتبار ان اللّه سبحانه قد خلقهم قبل ان‏يخلق الخلق بالف دهر و كلّ دهر مائة الف سنة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 192 *»

او ثمانون (ثمانين خ‏ل) الف سنة او مائة الف و عشرين (عشرون ظ) الف سنة و لمّا بطلت الطفرة و عدم اتّساق النظام كان جميع الخلق انما خلقوا بواسطتهم: فهم الشاهدون لاحوالهم حين خلقهم الي منتهي امرهم لان الواسطة لاتخلو اما ان‏تكون علي جهة التنزّل و الانجماد كالعقل الذي هو واسطة للنفس في ايصال الافاضات عليها و كالنفس بالنسبة الي الجسم وهكذا حكم كل لبّ بالنسبة الي قشر و كلّ ذائب بالقياس الي انجماده و لايصحّ ان‏يكون وساطتهم: في ايجاد الاشياء علي جهة التنزل والاّ لكانت الحقيقة المحمّدية9 مادة كلّ الاشياء و منه يلزم ان‏تكون الاشياء كلّها من سنخ محمّد و اله صلّي اللّه عليهم و من سنخ واحد و تكون علي اختلافاتها في غاية الشرف و كمال اللطافة لانها تنزّلات اوّل ماخلق اللّه و ظهوراته في مقام التفصيل و مقتضي ذلك ان‏تكون الاشياء كلّها علي الصورة الانسانية لانّها اشرف الكينونات التي يقتضيها المخلوق الاوّل و يلزم ان‏يكون الخلق كلّهم معصومون حيث كانت المادة الواحدة سارية في الكلّ و تلك المادة نور باهر يضيئ ماجاوره من الصور و الكينونات كما ان الذات و ان تنزّلت التنزّلات الكثيرة لم‏تصـل الي رتبة الصفات و لا الجواهر الي الاعراض و تلك اللطيفة محفوظة في كلّ المراتب ثم يلزم ان لاتكون الحقيقة المحمّدية9سراجاً وهاجاً و ان لايكون لذلك النيّر الاعظم و الشمس المضيئة المشرقة من صبح‏الازل نوراً (نور ظ) و ان لايكون لجمال الحق جمالاً (جمال ظ) و لجمال جماله جمالاً (جمال ظ) و لجمال جمال جماله جمالاً (جمال ظ) و ان لايصدق قوله تعالي مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقيّة و لا غربيّة يكاد زيتها يضيئ ولو لم‏تمسسه نار نور علي نور يهدي اللّه لنوره من يشاء و يضرب اللّه الامثال للناس و اللّه بكلّ شي‏ء عليم و قد استفاضت الاخبار بل و تواترت معني عن الائمة الاطهار: ان مثل نوره يراد به محمّد9 فاذا كان9 هو السراج الوهّاج فلابدّ ان‏يكون له شعاع و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 193 *»

نور والاّ لم‏يكن سراجاً و لا ريب ان الشعاع و النور ليس امراً عدميّاً و انما هو امر وجودي فيكون له تحققاً و تأصّلاً (تحقق و تأصل ظ) في الوجود و لا شكّ ان النور و الشعاع علي هيكل المنير و مثاله و كلّما قرب الي المنير بصفاء القابلية و نورانيتها يكون ظهور المثال هناك اكثر و حكاية القابلية اوضح و ابين و لمّا امتنع التعدد الوجودي في المخلوق الاول لكمال البساطة (بساطته خ‏ل) و فقدان جهات الارتباطات المتكثرة المتضادة و توجّهه الي المبدأ الحقيقي و عدم الالتفات الي ماسواه الاّ بقدر مايمسك نفسه من التعين اقتضي ان‏يكون واحداً قد ظهـر في اربعة عشر طوراً فكلّ ماعداه من اشعة انواره و اظلّة عكوسات اثاره منه بدأت و اليه تعود و لذا قال7 في الحديث المشهور في خلق النور المحمّدي9 انه لمّا اتمّ السباحة في الابحر الاثني‏عشر قطرت منه مائة و اربعة و عشرون الف قطرة خلق من كلّ قطرة روح نبي من الانبياء: و لوّح بلطيف الاشارة الي ماذكرنا فان القطرة ليست من حقيقة ذاته المقدسة و انما هي امر خارج عنها متأصّلة بها و عن هذه القطرة قد يعبّرون بالشعاع كما قال مولينا الصادق7 في الكروبيّين انهم قوم من شيعتنا من الخلق الاوّل جعلهم اللّه خلف العرش لو قسّم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم و لمّا سأل موسي ربّه ما سأل امر رجلاً منهم فتجلّي بقدر سمّ الابرة فدكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً و قد قالوا: انما سمّيت الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع انوارنا و قد قال ايضاً7 علي ما في الكافي ان اللّه عزّوجلّ خلقنا من طينة مخزونة مكنونة عنده و لم‏يجعل في مثل الذي خلقنا منه نصيباً لاحد و قال اميرالمؤمنين7 انا النقطة تحت الباء و انا الذات و ذات الذوات و الذات في الذوات للذات هـ

فاذا ثبت ان الموجودات كلّها من فاضل انوارهم او من عكوسات اثارهم او من اظلّة كينونات هيئاتهم كالقيام بالنسبة الي القائم و كالقائم بالنسبة الي الذات كانت كلّها بكلّ اطوارها حاضرة لديهم حاصلة عندهم لاتغيب عنهم في حال من الاحوال و هم ناظرون اليها نظر المقوّم الي المتقوّم بل لا شيئيّة لها الاّ

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 194 *»

بذلك النظر فكيف يخفي عليهم حال من حالات المخلوقين الموجودين المربوبين أليس اللّه قد اشهدهم خلق الخلق و انهي اليهم علمه و جعلهم شهداء عليهم فهم عندهم: كالدرهم بين يدي احدكم فكيف يقال ان الاصل عدم علمهم مع ظهور هذه الادلّة المتقنة المحكمة.

مع انا نقول ايضاً لولا ماذكرنا لقلنا ايضاً ان الاصل علمهم: بحكم الاستصحاب كما ادّعوا لان اللّه عزّوجلّ خلق العلم قبل الجهل و العلم مساوق لحقيقة الشي‏ء و ذاته بل هو عين ذاته لان الاشرف في الايجاد مقدّم علي الاخسّ بالضرورة فالعلم الحقيقي خلق قبل العوارض و الغفلات الموجبة للجهل بعد التنزّل من العوالم العلويّة الي العوالم السفلية علي ماتشهد به الاخبار و دلّ عليه صحيح‏الاعتبار و علم كلّ احد علي مقدار سعته و احاطته في الوجود من الجزئي و الكلّي فالمتنزّل الي المقامات السفلية ان كان معصوماً مطهّراً تمنع عصمته و طهارة ذيله عن الاشتغال بماسوي اللّه سبحانه و الاعراض عن العالم الاعلي و عدم الاقبال الي الملأ الاعلي فيدخل في عالم الاجسام بالولادة الدنياوية الظاهرية و هو اعلم اهل زمانه لانه باقٍ علي العلم الاصلي حيث فطره اللّه سبحانه عليه و باقٍ علي المعرفة الحقيقية الاصلية و لذا تري عيسي علي نبيّنا و اله و7 لمّا تولّد تكلّم مع امّه بماتكلّم و علّمها بماتعيش به و بماتنجو به من قومها و قال للقوم انّي عبداللّه اتاني الكتاب و جعلني نبيّاً و جعلني مباركاً اينما كنت و اوصاني بالصلوة و الزكوة الايات و لمّا ان مريم3 اتت به الي المعلّم ليعلّمه قال له المعلّم قل ابجـد قال7 أتدري مامعناه فعلّمه معناه كماهو مذكور في التوحيد وهكذا غيره و قد ورد ان المعصوم اذا تولّد يقول اشهد ان لااله الاّاللّه و انّ محمّدا رسول‏اللّه9 و بالجملة هذا امر معلوم فلايحتاج المعصومون: الي الكسب و التعلّم و المعالجات للتعليم لانهم: علي الفطرة الاصلية و اما غيرهم فيحصل لهم في ادبارهم و نزولهم انحاء السهو و الغفلات فينسون ماكانوا عالمين به في الاوّل بالعلم اللدنّي الالهي فيحتاجون الي رفع الحجب و الغشاوات لظهور ذلك النور من العلم الاصلي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 195 *»

و هو يحصل بامور منها الكسب و التعلّم و امثال ذلك و هم متفاوتون في ذلك فمنهم من يظهر له الامر سريعاً في الدنيا بعلاج جزئي لضعف الموانع و قلّة العوارض فيه و منهم من يحتاج الي تعب و علاج و كسب شديد ليظهر لهم شي‏ء يسير من ذلك العلم في الدنيا و منهم من لايحصل في الدنيا و يصـل اليه عند موته و في البرزخ و منهم من لايصـل اليه الاّ في القيمة و الجنة فاذا كان المعصوم7 لايمنعه القوس النزولي عن مشاهدة القوس الاوّل الصعودي فيكون الاصل علمهم بالاحوال و الاوضاع الوجودية الخلقيّة الثابتة في عالم الاكوان.

و بماذكرنا و هو ان ظهور العلم علي حسب احاطة العالم و مقدار كتابته في اللوح المحفوظ علي حسب الكلّية و الجزئية فمن الاشخاص من هو ورقة في شجرة الخلد و منهم من هو غصـن فيها و منهم من هو نفس الشجرة و تتفاوت علومهم علي حسب تفاوتهم في كونهم ورقة و غصناً و شجرة و يظهر علمه علي مقدار مادة وجوده، اندفع ماعسي ان‏يتوهّم تساوي علم المعصومين كلّهم من الانبياء و الائمة الطاهرين: علي مقتضي ماقلنا من بقائهم علي الفطرة و عدم غفلتهم و نسيانهم ماسبق عليهم من العوالم و المقامات.

و هذا الذي ذكرنا كلام علي ظاهر الحال من جهة المماشاة و المداراة مع اصحاب الجدال والاّ فالامر اعظم من ان‏يقال و ان‏يحيط به المقال بل الموجودات الكائنة من الغيبية و الشهودية كلّها متقوّمة بتخيّلات الامام7 و تصوّراته اذا سكن عنها انعدم العالم فتصوّرهم: هو علة للكون كما ان تصوّرك للكتابة و القيام مثلاً علة لهما لايمكن تحقّقهما بدونه فافهم حقيقة الامر و لاتنظر الي خصوص العبارة فانها حجاب و غشاوة و انما هي تنبيه بتلويح و اشارة.

فكلّ‏ما يفعله الانسان و غيره من ذوي الارواح بل غيرهم من ساير الاشباح في اعمالهم و اقوالهم و ساير مقتضيات احوالهم انما يتحقق في الكون الخارجي بعد مايتنزّل من الخزائن العليا او يتصاعد من الخزائن السفلي بحكم و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزّله الاّ بقدر معلوم و قوام تلك الخزائن المنقسمة الي تينك الخزانتين بالامام7

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 196 *»

و عنده مفاتح الغيب لايعلمها الاّ هو و هذه القيّومية بسرّ الامر بين الامرين و اشار الي هذه الدقيقة اللطيفة بقوله الحق سبحانه و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلّبهم ذات اليمين و ذات الشمال فاذا لاتخفي عليهم خافية و قال عزّوجلّ و اسرّوا قولكم او اجهروا به انه عليم بذات الصدور الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و الهاء هو المخفّف من اللّه و البسيط من لفظ الجلالة و اذا اشبعت كانت «هو» لان الضمّ بالاشباع يتولّد منها الواو و هو اذا نزلت في رتبة الاسماء عن رتبة المسمّي كان الاسم المقدّس العلي و لذا قال عزّوجلّ اشارة الي ماذكرنا من غير الاشباع في قوله و انه في امّ‏الكتاب لدينا لعلي حكيم و مع الاشباع في قوله تعالي و هو العلي العظيم فافهم و لنقبض العنان فللحيطان اذان قال الشاعر:

اخاف عليك من غيري و منّي   و منك و من مكانك و الزمان
فلو انّي جعلتك في عيوني   الي يوم القيمة ماكفاني

فلنكتف بهذا المقدار من الكلام فان امر اللّه لاينفد و سرّه لايتبدّد.

قوله7 و ما كان في الذرّ الاول اعلم ان الذرّ عالم مستقل خلقه اللّه سبحانه بفيض قدرته و اقام الخلق فيه علي مقتضي مشيته و ارادته و هم حينئذ علي هيئة ورق الاس فكلّفهم بلسان مشيّته من لسان عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و اخذ عليهم العهد و الميثاق بربوبيته و نبوّة محمّد9 و ولاية علي و الائمة الطاهرين و فاطمة الصديقة المطهّرة عليها و عليهم سلام‏اللّه ابد الابدين و قد نطق بوجود هذا العالم و هذا التكليف القرءان و الاخبار المتظافرة المتكاثرة التي كادت ان‏تبلغ حدّ التواتر المعنوي و العقل المستنير بنور اللّه و قد انكر وجود هذا العالم بعض الاجلاّء لمجرّد الاستبعاد من ان اللّه تعالي كيف يكلّف الذرّ و لايتصوّر التكليف في حقّه و انا الان بعون اللّه اتلو عليك بعض الاخبار الواردة في هذا الباب ثم اشرح حقيقة الامر في هذا العالم و معني تعدّده

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 197 *»

و كيفية وجوده و ظهوره لينكشف المراد و يرتفع الاستبعاد لاهل الاستعداد و من اللّه المعونة و الامداد.

في الكافي عن زرارة عن ابي‏جعفر7 قال لو علم الناس كيف ابتداء الخلق مااختلف اثنان ان اللّه عزّوجلّ قبل ان‏يخلق الخلق قال كن ماء عذباً اخلق منك جنّتي و اهل طاعتي و كن ملحاً اجاجاً اخلق منك ناري و اهل معصيتي ثم امرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر و الكافر المؤمن ثم اخذ طيناً من اديم الارض فعركه عركاً شديداً فاذا هم كالذرّ يدبّون فقال لاصحاب اليمين الي الجنة بسلام و قال لاصحاب الشمال الي النار و لاابالي ثم امر ناراً فاسعرت فقال لاصحاب الشمال ادخلوها فهابوها و قال لاصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها فقال كوني برداً و سلاماً فكانت برداً و سلاماً فقال اصحاب الشمال ياربّ اقلنا فقال قداقلتكم فادخلوها فذهبوا فهابوا فثمّ ثبتت الطاعة و المعصية فلايستطيع هؤلاء ان‏يكونوا من هؤلاء و هؤلاء من هؤلاء.

و فيه عن زرارة ان رجلاً سأل اباجعفر7 عن قوله عزّوجلّ و اذ اخذ ربك من بني‏ادم من ظهورهم ذرّيتهم و اشهدهم علي انفسهم الست بربكم قالوا بلي الي اخر الاية فقال7 و ابوه يسمع8 حدّثني ابي ان اللّه عزّوجلّ قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها ادم7 فصبّ عليها الماء العذب الفرات ثم تركها اربعين صباحاً ثم صبّ عليها الماء المالح الاجاج فتركها اربعين صباحاً فلمّا اختمرت الطينة اخذها فعركها عركاً شديداً فخرجوا كالذرّ يدبّون عن يمينه و شماله و امرهم جميعاً ان‏يقعوا في النار فدخل اصحاب اليمين فصارت عليهم برداً و سلاماً و ابي اصحاب الشمال ان‏يدخلوها.

و فيه ايضاً عن ابي‏عبداللّه7 قال ان اللّه جلّ‏وعزّ لمّا اراد ان‏يخلق ادم ارسل الماء علي الطين ثم قبض قبضة فعركها ثم فرّقها فرقتين بيده ثم ذرأهم فاذا هم يدبّون ثم رفع لهم ناراً فامر اهل الشمال ان‏يدخلوها فذهبوا اليها و هابوها و لم‏يدخلوها ثم امر اهل اليمين ان‏يدخلوها فدخلوها فامر اللّه عزّوجلّ النار فكانت عليهم برداً و سلاماً فلمّا رأي ذلك اهل الشمال قالوا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 198 *»

 ربنا اقلنا فاقالهم ثم قال لهم ادخلوها فذهبوا فقاموا عليها و لم‏يدخلوها فاعادهم طيناً و خلق منها ادم7 و قال ابوعبداللّه7 فلن‏يستطيع هؤلاء ان‏يكونوا من هؤلاء و هؤلاء ان‏يكونوا من هؤلاء قال فيرون ان رسول‏اللّه9 اوّل من دخل تلك النار فذلك قوله عزّوجلّ قل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين.

و فيه ايضاً عن زرارة عن حمران عن ابي‏جعفر7 قال ان اللّه تبارك و تعالي حيث خلق الخلق خلق ماء عذباً و ماء مالحاً اجاجاً فامتزج الماءان فاخذ طيناً من اديم الارض فعركه عركاً شديداً فقال لاصحاب اليمين و هم كالذرّ يدبّون الي الجنة بسلام و قال لاصحاب الشمال الي النار و لاابالي ثم قال الست بربكم قالوا بلي شهدنا ان‏تقولوا يوم القيمة انا كنّا عن هذا غافلين ثم اخذ الميثاق علي النبيين فقال ألست بربكم و ان هذا محمّد رسولي و انّ هذا علي اميرالمؤمنين قالوا بلي فثبتت لهم النبوة و اخذ الميثاق علي اولي‏العزم اني ربكم و محمّد رسولي و علي اميرالمؤمنين و اوصياؤه من بعده ولاة امري و خزّان علمي و انّ المهدي انتصر به لديني و اظهر به دولتي و انتقم به من اعدائي و اعبد به طوعاً و كرهاً قالوا اقررنا يا رب و شهدنا و لم‏يجحد ادم و لم‏يقرّ فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي و لم‏يكن لادم عزم علي الاقرار به و هو قوله عزّوجلّ و لقد عهدنا الي ادم من قبل فنسي و لم‏نجد له عزماً قال انما هو فترك ثم امر ناراً فاججت فقال لاصحاب الشمال ادخلوها فهابوها و قال لاصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم برداً و سلاماً فقال اصحاب الشمال يا رب اقلنا فقال قد اقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها فثمّ ثبتت الطاعة و الولاية و المعصية.

و فيه ايضاً عن حبيب السجستاني قال سمعت اباجعفر7 يقول ان اللّه عزّوجلّ لمّا اخرج ذرّية ادم7 من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له و بالنبوة لكلّ نبي فكان اوّل من اخذ له عليهم الميثاق بنبوته محمّد بن عبداللّه9 ثم قال اللّه عزّوجلّ لادم انظر ماذا تري قال فنظر ادم7 الي ذرّيته و هم ذرّ قدملأوا السماء قال ادم7 يا رب مااكثر ذرّيتي و لامر ما خلقتهم فماتريد منهم باخذك

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 199 *»

 الميثاق عليهم قال اللّه عزّوجلّ يعبدونني لايشركون بي شيئاً و يؤمنون برسلي و يتّبعونهم قال ادم يا رب فمالي اري بعض الذرّ اعظم من بعض و بعضهم له نور كثير و بعضهم له نور قليل و بعضهم ليس له نور فقال اللّه عزّوجلّ كذلك خلقتهم لابلوهم في كلّ حالاتهم الحديث.

و فيه ايضاً عن عبداللّه بن محمّد الجعفي و عُقْبة جميعاً عن ابي‏جعفر7 قال ان اللّه عزّوجلّ خلق الخلق فخلق من احبّ مما احبّ فكان مااحبّ ان خلقه من طينة الجنة و خلق من ابغض مما ابغض و كان ماابغض ان خلقه من طينة النار ثم بعثهم في الظلال فقلت و اي شي‏ء الظلال فقال الم‏تر ظلّك في الشمس شيئاً و ليس بشي‏ء ثمّ بعث منهم النبيين فدعوهم الي الاقرار باللّه عزّوجلّ و هو قوله تعالي و لئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه ثمّ دعوهم الي الاقرار بالنبيين فاقرّ بعضهم و انكر بعض ثم دعوهم الي ولايتنا فاقرّ بها واللّه من احبّ و انكرها من ابغض و هو قوله تعالي ماكانوا ليؤمنوا بماكذّبوا به من قبل ثم قال ابوجعفر7 كان التكذيب ثمّ.

و فيه ايضاً عن صالح بن سهل عن ابي‏عبداللّه7 ان بعض قريش قال لرسول‏اللّه9باي شي‏ء سبقت الانبياء و انت بعثت اخرهم و خاتمهم فقال اني كنت اوّل من امن بربّي و اجاب حيث اخذ اللّه ميثاق النبيين و اشهدهم علي انفسهم ألست بربكم فكنت انا اوّل نبي قال بلي فسبقتهم بالاقرار باللّه عزّوجلّ.

و فيه ايضاً عن عبداللّه بن سنان قال قلت لابي‏عبداللّه7 جعلت فداك اني لأري بعض اصحابنا الي ان قال فقال7 لاتغتمّ لمارأيت من نزق اصحابك و لمارأيت من حسن سيماء من خالفك ان اللّه تبارك و تعالي لمّا اراد ان‏يخلق ادم خلق تلك الطينتين ثم فرّقهما فرقتين فقال لاصحاب اليمين كونوا خلقاً باذني فكانوا خلقاً بمنزلة الذرّ يسعي و قال لاهل الشمال كونوا خلقاً باذني فكانوا خلقاً بمنزلة الذرّ يدرج ثم رفع لهم ناراً فقال ادخلوها باذني فكان اوّل من دخلها محمّد9 ثم اتبعه اولواالعزم من الرسل و اوصياؤهم و اتباعهم الحديث.

و فيه ايضاً عن ابي‏بصير قال قلت لابي‏عبداللّه7 كيف اجابوا و هم ذرّ قال7 جعل فيهم مااذا سئلوا اجابوا يعني في الميثاق.

و في

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 200 *»

ثواب‏الاعمال بالاسناد عن سهل بن سعد الانصاري قال سألت رسول‏اللّه9 عن قول اللّه عزّوجلّ و ماكنت بجانب الغربي اذ نادينا قال كتب اللّه عزّوجلّ كتاباً قبل ان‏يخلق الخلق بالفي عام في ورق اس انبته ثم وضعها علي العرش ثم نادي يا امّة محمّد انّ رحمتي سبقت غضبي اعطيتكم قبل ان‏تسألوني و غفرت لكم قبل ان‏تستغفروني فمن لقيني منكم يشهد ان لا اله الاّ انا و محمّد عبدي و رسولي ادخلته الجنة برحمتي.

و الاخبار الواردة عن الائمة الاطهار: كثيرة لاتحصي و هذا الذي ذكرنا جملة مماحضرني حال الكتابة و لا معارض لها بوجه من الوجوه فطرح هذه الاخبار الكثيرة التي لا معارض لها اقوي و لا مساوي لمحض الاستبعاد خارج عن طريق الانصاف و لا كلّ حديث يدرك معناه و مضمونه فان علم ال‏محمّد: صعب مستصعب لايحتمله احد الاّ الملك المقرّب و النبي المرسل و المؤمن الذي امتحن اللّه قلبه للايمان و الاصل في المسألة هو ان الذرّ في اصطلاح اهل‏البيت: علي ماافهم يطلق علي الامر الشايع المشاع في نوعه او جنسه الغير المتميّز بحدّ من الحدود الصالح لذلك و قديعبّرون عنه بجوهر الهباء و دليل ذلك الذرّ و ايته الذرّات المبثوثة في الجوّ فان كلّ جزء منه يصلح للتعيّن و التميّز بالعوارض و الحدود و الكيفيات مع عدم التمايز المعروف و لمّا ان اللّه عزّوجلّ اراد ان‏يخلق الخلق قبـض قبضة بيمينه من الارض الطيّبة المسقاة بالماء العذب الفرات و قبض قبضة اخري بشماله من الارض الخبيثة المسقاة بالماء المالح الاجاج ثم خلط بينهما و مزجهما و عركهما عركاً شديداً فصنع منهما هيولي الخلايق و موادّها و حقايقها فمزج فيهم الميولات و الشهوات المتضادة و الشعور و انحاء الادراكات و اقسام الاختيار فتلك الحقايق حصـص غير متمايزة فلايعرف الشقي منهم من السعيد و الطيّب منهم من الخبيث و صحيح‏الخلقة من ناقصها و الزوجة من زوجها و كذلك انواع البهايم قبل التكليف كانت حصصاً غير متمايزة فلا ميـز بين الفرس و البقر و الغنم و الكلب و الحية و الحوت و غيرها من الحيوانات من

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 201 *»

الدوابّ و الحشرات و الطيور و كذلك انواع النباتات من الاشجار المثمرة و غيرها و ذوات الاثمار الطيّبة /الحلوة (زائد خ‏ل) و المرّة و ساير البقولات كلّها طينة واحدة غير ممتازة بالشخص و الخصوصيات و كذلك الاحجار و المعادن من انواع الجمادات فلا تمايز بين الياقوت و الزمرد و المرجان و الالماس و الفيروزج و البلّور و ساير المعادن المنطرقة و غيرها كمعدن النفط و الزرنيخ و الملح و الجـصّ و امثالها كانت طينة واحدة غير ممتازة و الي هذا الاشارة بقوله عزّوجلّ كان الناس امّة واحدة فيطلق الذرّ بهذا المعني علي كلّ الموجودات بكلّ الذرّات قبل وقوع التكليف عليها فاذا وقع التكليف عليها فاختلفت علي حسب القبول علي مقتضي اطوار القبول و الانكار علي مقتضي اطواره فامتاز كل ذرّ عن الاخر علي مقتضي حدوده بقابلية عمله من القبول و الانكار فاختلفت الصور الانسانية علي مقتضي اختلافهم في قبول التكليف قوّة و ضعفاً و ظاهراً و باطناً و كذلك الذكوريّة و الانوثيّة ولو اردنا شرح حقيقة الاحوال لطال المقال و ليس لي الان ذلك الاقبال فالخلق قبل التكليف كانوا موادّاً غير ممتازة ذرّات غير مصوّرة كل ذرّة تصلح للتصور بالصورة التي تصوّر بها غيرها و هذا هو المراد في هذه الاخبار المتقدّمة و ليس المراد ان الخلق كانوا ذرّاً علي هيئة الذرّ من النمل و غيرها كماتوهّموه و استغربوه مع انا لو قلنا ذلك لا استغراب فيه لانا نقول بتكليف الذرّات كالنملة و اشباهها و ارسال الرسل و انزال الكتب عليها ولكن هذه الهيئة المخصوصة و هذه الصورة المشخّصة لاتقتضي الحكمة ان‏يخلق الخلق عليها في العالم الاوّل والاّ فهو قادر علي مايشاء يخلق مايشاء بمايشاء كيف يشاء او نقول انهم:عبّروا عن الخلق في تلك العوالم بالذرّ كناية عن بعد كلّ عالم بالنسبة الي الاخر فانك اذا نظرت الي شي‏ء من بعيد تراه صغيراً كالذرّ بل هو ادني و كذلك كلّ مقام بالنسبة الي مقام اخر الذي اقام المكلّفين فيه و كلّفهم و اخذ عليهم الميثاق بالتوحيد و النبوة و الولاية من البعد فان المسافة بين العالمين الف دهر و هو مائة الف عام فيكون اهل كلّ عالم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 202 *»

بالاضافة الي عالم اخر كالذرّ فعلي ماذكرنا اتّجه الكلام و صـحّ المقام و بقيت الاحاديث بصرافة صحّتها بل بظاهر حقيقتها فلا عقل يأبي ماذكرنا بل العقول الصحيحة تؤيّده و تقوّيه و لا النقل يعارض ماسطرناه و يبطل ماحرّرناه فلم‏يبـق الاّ القبول.

فان كنت ذا فهم تشاهد ماقلنا   و ان لم‏يكن فهما فتأخذه عنا
فماثمّ الاّ ماذكرناه فاعتمد عليــ   ــه و كن في الحال فيه كما كنّا

و اما سرّ تعدّد عالم الذرّ بالاوليّة و الثانويّة فاعلم ان اللّه عزّوجلّ لمّا خلق الخلق اقامهم في عوالم كثيرة و مقامات عديدة بل (و خ‏ل) مراتب لاتحصي ثمّ انزلهم من عالم الي عالم و من طور الي طور و لايزال ينقلهم من طور الي طور و من عالم الي عالم الي ان‏تصفـو المراتب و تجلـو الضماير اما الي الاقبال او الي الادبار ثم ينقل المدبرين من عالم الي اسفل و من طور الي انزل و ينقل المقبلين و يصعدهم من عالم الي اعلي و من طور الي اشرف و لا نهاية لهذا النقل و الاطوار لان فيضه سبحانه لاينقطع و ظلّ امره لايتبدّد و لاينفصم و اليه الاشارة في قوله عزّوجلّ و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزّله الاّ بقدر معلوم فالشي‏ء في اطواره و اوطاره يسير الي اللّه عزّوجلّ بلانهاية و كلّ طور له مقتضيات و احكام و اثار فلايترتّب تلك الاحكام و الاثار علي الشي‏ء الاّ بالتكليف لان اللّه عزّوجلّ اكرم من ان‏يجبر العباد او يظلم في البلاد بل هو سبحانه باسط الفضل و ناشر العدل و الفيض كلّ من قبله و طلبه اخذه و ما ربّك بظلاّم للعبيد فاذا بطـل الجبر لم‏يبق الاّ الاختيار فلم‏يبق الاّ ان‏يعطي الاشياء علي حسب مايريدون من الفيض و هذا لايكون الاّ بالتكليف فلولا التكليف لم‏يتحقق الاختيار و لولا الاختيار لم‏يحسن الايجاد لان اللّه عزّوجلّ اكرم و اشرف من ان‏يجبر الخلق الي ما لايريدون و يعطيهم ما لايتحمّلون و يشدّد عليهم ما لايطيقون او جعل الاختلاف بينهم و هم لايشعرون فيكون قد اجري فعله و خلقه علي غير وجه الكمال بل بمقتضي النقصان فان الاختلاف مذموم و الوحدة هي المحمودة ثم علي فرض الاختلاف جعل الاشياء المختلفة و اختصاص بعضها بمااختصّ به

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 203 *»

دون غيره مع تساوي المجموع (الجميع خ‏ل) في الصلوحية و القابلية لا شكّ انه ترجيح من غير مرجّح فتنتفي بذلك الحكمة و يكون الخلق عبثاً و هباء سبحان‏اللّه سبحان‏اللّه سبحان ربك رب العزة عمّايصفون فصحّ انه لولا التكليف لم‏يحسن الايجاد فبالتكليف قام الوجود و حصل الشهود و ظهر سرّ المعبود.

و لمّا كان الخلق له اطوار و اكوار و ادوار له في كلّ كور و دور حركات ذاتية جوهرية و طبيعية و وضعية الي مبدئه و الي نفسه و الي غيره كان له تكليف بحسب ذلك الكور و الدور بنسبة مقامه و التكليف قسمان: تكويني و تشريعي و القسمان مسبوقان بالمادة و الصورة النوعيتين المعبّر عن كلّ حصّة منهما بالذرّ فتعدّد الذرّات الي ما لانهاية له و التكليف واقع عليهم في كلّ ذرّ من الذرّات و هو واحد من واحد يجري في كلّ عالم و كل ذرّ بحسبه فلا نهاية للذرات بحسب العرض و تنقل الاطوار لا من جهة البدء و لا العود و الخطاب التكليفي الذي هو قول الست بربكم خطاب واحد غير منقطع يظهر في كلّ عالم و كلّ طور علي لسان اهله و كذا الرسول الحامل للخطاب انما قلنا ان العوالم لاتتناهي لان فيض اللّه عزّوجلّ لايتناهي و اللّه سبحانه وراء ما لايتناهي بما لايتناهي فلو كان لاول الخلق نهاية زمانية للزم التحديد المستلزم للشرك و حيثما ظهر الفيض فانما هو علي جهة التكليف و الاختيار فتعدّدت الذرّات الي ما لانهاية له لكن بعض الاخبار تشير الي حصر كلياتها ففي بعضها ان تلك العوالم الف الف كما في رواية جابر عن الباقر7 ان اللّه خلق الف الف عالم و الف الف ادم انتم في اخر تلك العوالم و اولئك الادميين و لا شك ان كلّ ادم في كلّ عالم مكلّف و مأخوذ عليهم العهد و الميثاق لقوله عزّوجلّ و اذ اخذ ربك من بني‏ادم من ظهورهم ذرّيتهم و اشهدهم علي انفسهم ألست بربكم قالوا بلي و يراد بادم كلّ من الادميين الالف الف و قال عزّوجلّ و ما من دابّة في الارض و لا طائر يطير بجناحيه الاّ امم امثالكم مافرّطنا في الكتاب من شي‏ء ثمّ الي ربهم يحشرون و قال ايضاً و ان من امّة الاّ خلا فيها نذير فاثبت سبحانه ان كلّ امّة مكلّف و كلّ مكلّف قبل التكليف هباء و ذرّ و في بعضها انها الف كما في قوله7 انّ

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 204 *»

 للّه عزّوجلّ الف قنديل معلّق بالعرش سمواتكم و ارضيكم في قنديل واحد و في بعضها اقلّ الي ستّة عوالم و هي الاكوان الستة التي اشار اليها الصادق7 في حديث المفضّل الكون الجوهري و الكون الهوائي و الكون المائي و الكون الناري و الكون الترابي و كون الاظلة و الذرّ.

و ترجع الكليات كلّها الي ثلثة عوالم و ثلثة ذرّات: الاول ذرّ العقول و هو عالم المعاني المجرّدة عن الصور الشخصية و المدة الملكوتية و الزمانية و صورتهم القيام و هم انوار بيض فخاطبهم اللّه سبحانه بالخطاب التكليفي فامن من امن و كفر من كفر لكن الايمان و الكفر في العالم الاوّل معنويان لا تمايز بينهما الاّ بالمعني و اما في الظاهر فلا تمايز بينهم و كانوا امّة واحدة لايعرف احد بايمان الاخر و كفره.

و الثاني عالم النفوس و هذا هو الذرّ الثاني و هو عالم الصور المجرّدة عن المادة البرزخية و العنصرية و المدة الفلكية الزمانية اقام اللّه سبحانه المكلّفين في هذا العالم بعد ان كانوا علي هيئة ورق الاس وجههم الاعلي الي عالم التجرّد و الايتلاف و وجههم الاسفل الي مقام الكثرة و الاختلاف فكلّفهم بلسانه و ترجم عليهم لغته و خاطبهم علي مقتضي مداركهم فامن من امن ظاهراً مشهوراً و كفر من كفر كذلك فهناك عرف الخلق بعضهم مقام الاخر و امتازت صورهم و تباينت هياكلهم و ظهرت اثار الهيكلين هيكل الايمان و هيكل الكفر و النفاق و انقسم الموجودات الي مقرّ مؤمن عارف مصدّق بلسانه و قلبه و الي مؤمن بلسانه كافر في قلبه و الي كافر بلسانه و قلبه و الي كافر بلسانه دون قلبه مثل كلب اصحاب الكهف و حمار بلعم بن باعور و امثالهما و الي متحيّر متوقّف المؤمن بلسانه من غير بصيرة و لا معرفة و المنكر بلسانه من غير معرفة المرجون لامر اللّه امّا يعذّبهم و امّا يتوب عليهم و في هذا العالم ظهرت شقاوة الاشقياء و سعادة السعداء و امتاز اهل اليمين من اهل الشمال و دخل المؤمنون الجنة و الكافرون النار و مقام ظهور الطينتين طينة علّيين و طينة سجّين و قديطلق علي هذا العالم الذرّ الاوّل لكونه اوّل مقام الظهور بعد الخفاء و مقام ظهور الباء كماقال النبي9 ظهرت الموجودات من باء بسم‏اللّه الرحمن

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 205 *»

 الرحيم لانه تمام الصوغ الاول في الخلق الاول اي عالم الغيب.

و الثالث عالم الاجسام من العرش الي الثري و هو الذرّ الثالث و في هذا العالم كانت الموجودات قبل اوان بلوغها ذرّات صالحة غير متمايزة بالسعادة و الشقاوة و الايمان و الكفر الجسمانيين فاذا وصلت حدّ البلوغ بلغت مقام التكليف فقام النبي الامي9 عند الحجر الاسود في الركن العراقي و لقّنهم شهادة ان لااله الاّاللّه و انّ محمّداً رسول‏اللّه9 و هو الحكاية عن قوله عزّوجلّ الست بربكم و محمّد نبيّكم فلمّا استكملت هذه الشهادة و ظهرت و انتشرت و ثبتت اقامهم9 عند الزوال بحكم كمابدأكم تعودون في غدير خمّ و سألهم الست اولي بكم من انفسكم قالوا بلي فقال9 من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله فكمل هنالك الدين و نزل قوله تعالي اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام ديناً.

و بين هذه العوالم برازخ و لكلّ عالم مراتب كثيرة يمكن احصاء كلياتها لكنّا اعرضنا عنه لطول المقال و بلبال البال و عدم استقامة الاحوال هذا مجمل مراتب السلسلة العرضية.

و اما السلسلة الطولية فالذرّ الاول في الخلق الاوّل عالم الامر عالم الوجود المطلق بمراتب ظهوره و بطونه و ظهور ظهوره و بطون بطونه وهكذا الي مقام السرّ المجلّل بالسرّ اذ في كلّ مقام من هذه المقامات وقع التكليفان الاّ ان المراتب الخمسة التي تحصل في التكليف من المكلّف و المكلّف و التكليف و السبيل و الدليل كلّها شي‏ء واحد بالوحدة الحقيقية التي لاتبلغ بساطتها الوحدات التي في الوجود المقيّد و عالم الذرّ قبل عالم التكليف الاّ انه مساوق له موجود معه.

و الذرّ الثاني في الحقيقة المحمّدية9 اوّل من اجاب داعي الخلق حين قال ألست بربكم و في تلك الحقيقة سبع مراتب وقع التكليف عليها بالافتراق بعد حكم الاجتماع فتحقّقت هناك سبع ذرّات:

الاوّل الحقيقة النبوية9 حين‏ما يكاد زيتها يضيئ ولو لم‏تمسسه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 206 *»

نار. الذر الثاني الحقيقة العلوية7 حين وصول النور النبوي9 الي جلال العظمة فهناك وقع التكليف علي علي7 فقام ملبّياً لداعي الحق و حاملاً لللواء المطلق. الذر الثالث الحقيقة الحسنية7حين ظهور الجمال فخرّ7 ساجداً ملبّياً للسؤال حين قيل له كفّ عن القتال و ذلك بعد اربعين الف سنة من ظهور النور العلوي7 . الذر الرابع الحضرة الحسينية7 حين تشعشع انوار الجلال و الكبرياء فقام7 ملبّياً للنداء حين قال له اني انا اللّه فاظهر الجلال تحت حجاب الخضوع و اظهر الكبرياء بالذلّ و الخشوع و اظهر التوحيد تحت حجاب الياقوت رتبة الركوع المؤدّي الي السجود. الذرّ الخامس الحقيقة المهدوية7القائم المنتظر عجّل اللّه فرجه حين اشراق انوار (نور خ‏ل) القهر و الغلبة و الاستيلاء فسمع داعي الحق و لبّاه فتحمل قوله عزّوجلّ ليظهره علي الدين كلّه ولو كره المشركون. الذر السادس بقية الائمة: و الذر السابع الحقيقة الفاطمية الصديقة الطاهرة3 حين سطوع نور العظمة و البهاء فلبّت داعي الحق و صارت له الوعاء فنزل قوله تعالي انّا انزلناه في ليلة مباركة انّا كنّا منذرين فيها يفرق كلّ امر حكيم و هذه سبع مراتب كلّ مرتبة عالم مستقلّ جري عليه التكليف و الحكم و الامر و اليها الاشارة في قوله عزّوجلّ و لقد اتيناك سبعاً من المثاني و القرءان العظيم و المخاطب7 من السبعة و كلّ تكليف مسبوق بعالم الذرّ كماذكرنا.

الذر الثالث في السلسلة الطولية مقامات الكروبيين و رتبة الانبياء و المرسلين حين اتمّ نبيّنا9 السباحة في الابحر الاثني‏عشر و خرج فقطرت منه9 قطرة قبل ان‏ينقسم الي مائة الف و اربعة و عشرين الف قطرة او بعد ذلك و قبل ان‏تتميّز هذه القطرات بعضها عن الاخر فان الانقسام و التمايز انما هو بالتكليف فتلك الذرّات كانت تسبّح اللّه و تقدّسه سبحانه الف دهر الي ان‏اتيهم النداء من الرب الاعلي بانّي انا اللّه و محمّد رسولي و علي و الائمة من ولده و فاطمة: اوليائي و احبّائي و هو قوله عزّوجلّ و اسأل من ارسلنا قبلك من رسلنا و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 207 *»

ذلك لمّا جمعهم في المسجد الاقصي يوم الذي خلقوا لانّ العود هو عين البدء و النبي9 في ليلة المعراج مرّ علي الاشياء كلّها يوم خلقها اللّه عزّوجلّ و لذا امره اللّه عزّوجلّ فقال يا محمّد ادن من صاد و توضّأ لصلوة الظهر فجمع الانبياء و سألهم بماذا بعثتم قالوا بشهادة ان لا اله الاّ اللّه و انك رسول‏اللّه و انّ علي بن ابي‏طالب ولي‏اللّه رواه محمّد بن جرير الطبري و اخطب خوارزم من المخالفين.

الذر الرابع الرتبة الانسانية مقامات الرعية حين وقع الماء الذي به حيوة كلّ شي‏ء علي الارض الميتة و قبل ان‏تخرج الارض ثمرها و تنبت عشبها و شجرها لانّ الانبات تكليف و الثمرة تلبية و قبول فمن وصل اليه التكليف و قبل اثمر الثمرة علي مقدار قبولها و انكارها فتختلف بالطيب و النتن و الحلاوة و المرارة و تختلف مراتب الحلاوة في الشدة و الضعف كاختلاف مراتب المرارة.

وهكذا القول في الذر الخامس الذي هو في رتبة الملائكة قبل وقوع التكليف عليهم بانّهم يسبّحون اللّه و يقدّسونه بولاية محمّد و علي8 يسبّح اللّه باسمائه جميع خلقه.

و في الذر السادس الذي هو في رتبة الجانّ حين ظهور نار الشجر الاخضر.

و في الذر السابع الذي هو في رتبة البهايم و الحشرات من الحيوانات حين وقوع الشعلات الغيبية من غيب الافلاك و الكواكب علي غيب الارض و التمايز انما هو بالتكليف كما مرّ.

و في الذر الثامن الذي هو في رتبة النباتات حين وقوع اشعة الكواكب و الافلاك علي الارض.

و في الذر التاسع الذي هو في رتبة الجماد حين اجتماع العناصر و مزج بعضها مع بعض و تحقّق الحلّين و العقدين بمراتبهما.

الي هنا انتهت الذرات في السلسلة الطولية و في كلّ مرتبة منها مراتب لاتحصي و لاتعدّ لانها لا نهاية لها بدءاً و عوداً فقوله7 في الذر الاوّل في الطول يريد به عالم الوجود المطلق و عالم الحقيقة فان هذا العلم هو الذي يختصّ به7 دون ماعداه اما المشية فلانّه7 محلّها و مجمع شئونات ظهوراتها و اطوارها و نسبته7 اليها كالانكسار الي الكسر و كالحديدة المحماة بالنار اليها كماقالوا: نحن محالّ مشية اللّه و قال الصادق7 في زيارة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 208 *»

سيدالشهداء7 ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم و يصدر من بيوتكم الصادر لما فصّل من احكام العباد و ليس لاحد من العلم بالمشية الاّ ظهور وجه واحد منها له كالقيام الحامل للقائم و القعود الحامل لظهور القاعد و اما هو7 فانه مظهر حامل لكل الظهورات و هو محل كلّي جامع للظهور بكلّ المقامات كالفعل بالنسبة الي الفاعل لان كلّ الخصوصيات وجوه الفعل و كلّ الاسماء وجوه الفاعل و لذا قال عزّوجلّ ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن و العبد المؤمن في‏الحقيقة ليس سواه و لذا ورد في الخطابات القرانية ليس في كلّ موضع فيها (منها خ‏ل) ياايها الذين امنوا الاّ و انّ عليّاً7 هو المخاطب به حقيقة فقلبه الشريف وسع كلّ الشئونات الالوهية (الالهية خ‏ل) و الربوبية و الرحمانية و غيرها فهو المظهر الكلّي الجامع المملّك بيده نواصي الاشياء و عنده ازمّة الخلائق لانه سبحانه اختاره وليّاً من العزّ فلايحيط باحوال الوجود المطلق و ذرّاته سواه7 و من في صقعه7 و اما الحقيقة فهو7 منها و هي منه لا فرق بينهما الاّ بالاجمال و التفصيل و الظهور و الخفاء و لذا قال9 ياعلي ماعرف اللّه الاّ انا و انت و ماعرفني الاّ اللّه و انت و ماعرفك الاّ اللّه و انا.

و اما في العرض فيريد7 بالذرّ الاول عالم العقل الاوّل الكلّي حين وقوع المداد الاوّل و النفس الرحماني الثانوي في الدواة الاولي و ارض الجرز و البلد الطيّب (الميت خ‏ل) فظهر بوقوع الماء الاوّل الذي به حيوة كلّ شي‏ء علي ارض الجواز او ارض الوجود الراجح القابلية الاولي الشجرة شجرة الخلد و هي شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنّة المأوي و العقل الكلّي الذي هو روح‏القدس الذي هو القلم هو اوّل غصن اخذ من شجرة الخلد و اوّل من ذاق الباكورة في جنان الصاقورة و القلم الذي يؤدّي الي اللوح و اوّل الملائكة العالين و ذرّات الخلايق كلّها تحت هذا الذرّ الكلّي حاضرة لديه حضور الاشعة للسراج و الاثار للمؤثّرات فاذا احاط7 علماً بالذر الاوّل في العالمين (في المقامين خ‏ل) (في العالمين في المقامين خ‏ل) فقد احاط علماً بجميع الذرّات الثانوية و الثالثية وهكذا بالطريق الاولي لان

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 209 *»

العالي محيط بالسافل من غير عكس.

و قوله7 و ماكان في الذرّ الاوّل يريد7 بماكان فيه من اخذ الميثاق و العهد علي الولاية فان الاقرار بالربوبية و النبوة من فروع الاقرار بالولاية لانها الجامعة لهما و الولاية ماظهرت الاّ في علي7 و ان كانت لمحمّد9 و لذا ورد في الحديث المتقدّم في حديث جابر عن النبي7 ان اول ماخلق اللّه نور نبيّك يا جابر و كان يطوف حول جلال القدرة ثمانين سنة فلمّا وصل الي جلال العظمة خلق اللّه نور علي7 فكان نوري يطوف حول جلال العظمة و نور علي يطوف حول جلال القدرة هـ و القدرة هي الولاية المطلقة و السلطنة العظمي و الرياسة الكبري و هي القدرة اذ لامقدور في الرتبة الثانية لان هذه القدرة في ثلثة مواضع: الاول في الذات البحت تبارك و تعالي اذ هناك قدرة و لا مقدور و سمع و لا مسموع و علم و لا معلوم و امثال ذلك و معني ذلك نفي الصفات كما قال اميرالمؤمنين7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه و تلك القدرة قد انسدّ باب العلم و الفهم عنها فلاتحوم حول معرفتها الافكار و لاتنال مافيها بكمال دقّتها الانظار تعالي عمايقول الواصفون علوّاً كبيراً. و الثاني في القدرة الظاهرة في الحقيقة النبوية9 فانها مثال و صفة و دليل و اية للقدرة اذ لامقدور فالذي عرفنا من هذه رشح من رشحات اثار بحر فيضه9 فهذا الدليل لايخالف المدلول و هو عين ذاته9 ففي هذا المقام لايصحّ الطواف و لايظهر الجلال و لايتحقق الاشواط. و الثالث القدرة الظاهرة فيه لا من حيث كونه9 مثالاً و اية بل من حيث انه اقامه اللّه عزّوجلّ مقامه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار فهناك قد صـحّ الطواف و ظهر الجلال فالقدرة هي الفعل الظاهر بالولاية المطلقة التي قد محيت عنده الاثار و اضمحلّت لديه الاطوار فهو هناك قدرة اذ لامقدور كوناً و عيناً و ان كان مقدوراً ذكراً من باب صلوح التعلق و تحقّق المقدور فطواف الحقيقة علي هذه القدرة كطواف الحديدة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 210 *»

بالنار لمّا ظهرت فيها و طواف الانكسار بالكسر و استدارته عليه فهذا مقام الواحدية و مقام الالف القائم بقي صلوات اللّه عليه و اله في هذا المقام مستكملاً لرتبتي الوجود من الغيب و الشهود بحسب نوع عالمه لتمام ظهور الميمين في محمّد9 و هو تمام ثمانين الف سنة علي جهة البساطة و الاجمال لا التفصيل فلمّا وصل الي مقام العظمة اي مقام ظهور الاسماء المتقابلة المتضادّة و مقام الكثرة المستلزمة للعظمة المستدعية للنبوة و الرسالة خلق اللّه عزّوجلّ فيه نور علي7 فانبعث نوره منه صلّي اللّه عليهما انبعاث الضوء من الضوء فلمّا وجـد9 كان حامل اللواء فبقي يطوف حول جلال القدرة التي كانت لمحمّد9فتحققت له البرزخية الكبري و ظهر بالرياسة العظمي و السلطنة العليا فاوجب اللّه سبحانه علي كلّ الذرات ممااحاطته المشية الاقرار بولايته و الاعتراف بفرض الطاعة له لان ولاية اللّه التي انقادت و خضعت كلّ شي‏ء لها انما ظهرت فيه7 فلاتجـد مرتبة في الوجود من المطلق و المقيّد الاّ و تري عليّاً7 ظاهراً فيها فانّي يعدل عنه و اللفظ يطابق المعني و غيب الهوية و سرّ الالوهية ماظهر الاّ فيه7 لفظاً و معني كماذكرنا مراراً و لذا قال مولينا الرضا7 ان اللّه اختار لنفسه اسماء ليدعوه بها فاوّل مااختار لنفسه العلي العظيم لانه علا علي كلّ شي‏ء فاسمه العلي و معناه اللّه هـ و معني اللّه «هو» و معني «هو» «هُ» و «هُ» هو العلي قال تعالي و انّه في امّ‏الكتاب لدينا لعلي حكيم و قال ايضاً عزّوجلّ انا انزلناه في ليلة مباركة قد فسّرت الليلة في روايات اهل‏البيت: بفاطمة3 و «هُ» هو الذي انزله اللّه فيها و هو علي7 لان «هُ» اذا اشبعت تتولد منها الواو كما هو القاعدة في الاشباع من تولّد الحرف المناسب للحركة المشبعة فاذا نزلت الهاء في الرتبة الثانية اي مقام الاسماء تكون خمسين و الواو اذا نزلت تكون ستّين و المجموع مائة و عشرة و هو الاسم العلي فالعين تمام كلمة كـن التي هي عالم الامر و اللام تمام الميقات و تمام عدد القابليات و تمام دورة القمر و الياء هي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 211 *»

العشرة الكاملة المتممة للميقات كماقال عزّوجلّ و واعدنا موسي ثلثين ليلة و اتممناها بعشر فتمّ ميقات ربّه اربعين ليلة فاللام و الياء رتبة الخلق لانه لايتمّ في كلّ اطواره الاّ بالقابل المعبّر عنه باللام لسرّ يطول بذكره الكلام و المقبول المعبّر عنه بالياء فيستنطق عن المجموع الميم الذي هو اوّل ماظهـر من كلمة كـن و لمّا كان محمّد9 طائفاً حول جلال العظمة في الظهور بعكس الوجود جعلت الميم في اوّل اسمه الشريف و لمّا كان علي7 طائفاً حول جلال القدرة جعلت العين التي هي استنطاق كلمة كـن في اوّل اسمه الشريف و لمّا كان مقامه7 مقام التفصيل فصّل رتبة الخلق بالقابل فجعل بازائه اللام و المقبول فجعل بازائه الياء و لمّا كان مقام محمّد9 مقام الاجمال لا التفصيل مافصّلت المرتبتان في اسمه9 فجعل في اوّل اسمه المبارك الميم فاذن فافهم قوله تعالي الا له الخلق و الامر تبارك اللّه رب العالمين.

و مستخبر عن سرّ ليلي اجبته   بعمياء من ليلي بلا تعيين
يقولون خبّرنا فانت امينها   و ما انا ان خبّرتهم بامين

و من هذه الدقيقة اللطيفة يظهر لك السرّ في ليلة المعراج ان اللّه سبحانه خاطب نبيّه9 بلسان علي7 لان كلّ مقامات الفرق و التميّز مقام علي7 و هو الباء و هو النقطة تحت الباء و محمّد9 هو النقطة المطلقة الحقيقية و مقامه مقام البساطة و الاجمال لا النقطة تحت الباء فافهم فمقامات الوجود المطلق وجهه الاسفل هو مقام انيّة محمّد و علي8 و ان احترقت فالاسم لذلك المقام و الوجه الاعلي منه هو الاسماء الالهية التي قد اشتقّت اساميهما منها كماقال عزّوجلّ انا المحمود و انت محمّد شققت لك اسماً من اسمي و انا الاعلي و وصيّك علي شققت له اسماً من اسمي و انا فاطر السموات و الارض و ابنتك فاطمة شققت لها اسماً من اسمي و انا المحسن و سبطك الحسن شققت له اسماً من اسمي و انا قديم الاحسان و سبطك الاخر الحسين شققت له اسماً من اسمي نقلت معني الحديث و هذه السماء

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 212 *»

هي المقامات العليا من الوجود المطلق و هي مقام المشتقّ منه و لنا في بحث الاشتقاق كلام شريف قداشرنا لي بعض منه فيماتقدّم و لايجوز فضـح السرّ و اذاعة الامر و اللّه ولي التوفيق.

فعلي هذا ماظهر مقام من المقامات الخلقية في الظاهرية و الباطنية و الشهودية و الغيبية و العلوية و السفلية و الذاتية و الوصفية الاّ و كلّف اللّه عزّوجلّ فيه الخلق بولاية علي7فالميثاق المأخوذ و العهد المعهود انما كان في الذرّ الاوّل في السلسلتين و ظهور الموجودات من كتم الامكان الي رتبة الاعيان انما كان بذلك العهد و اختلاف الظهور انما هو باختلاف التعهّد بالعهد و القبول للميثاق و العهد ايضاً يختلف في المقامات ففي بعض المقامات العهد بولاية علي7 هو صرف التوحيد و التنزيه و التفريد و عدم ملاحظة شي‏ء من السوي و في بعضها الاعتقاد و في بعضها الاعمال و طرق الاعتقاد و الاعمال و الاقوال في ولاية علي7 كثيرة مختلفة جدّاً يؤدّي شرحها الي تطويل مملّ او ايجاز مخلّ و لا واسطة في المقامين في هذا المقام فلمّا خلق اللّه محمّداً و اهل بيته: في حظيرة القدس و ضحضاح الانـس خاطبهم بلسانه الذي هو حقيقتهم الظاهر في علي7 ألست بربكم و محمّد نبيكم و علي و الائمة الطاهرون (الراشدون خ‏ل) و فاطمة الصديقة ائمتكم فاوّل من لبّي هذا النداء رسول‏اللّه9 ثم علي ثم الحسن ثم الحسين ثم القائم ثم الائمة الثمانية ثم الصديقة الطاهرة: فلولا قبولهم لهذا التكليف و عملهم علي مقتضي الولاية لماكانوا شيئاً و لماوصلوا الي ماوصلوا اللّه اعلم حيث يجعل رسالته و هذا التكليف هو الاستقامة المأمور بها في قوله تعالي فاستقم كما امرت و لذا لايمرّ علي الصراط الذي هو ظهور من ظهورات الولاية بسهولة سواهم: فافهم الاشارة و هذا الذي ذكرنا هو بعض ماكان في الذرّ الاول و ليس علم كلّه الاّ عندهم صلوات اللّه عليهم لان الذي ظهر لنا من فضائلهم باب او بابان من العلم و هذا هو الالف الغير المعطوفة.

و قوله7 في الذرّ الاوّل يحتمل ان‏يكون هذا هو الاوّل الذي لا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 213 *»

ثاني له و لا اخر له اما الاوّل الذي لا ثاني له فهو الاول الذي لايكون معه في صقعه غيره والاّ كان ثانياً له اما كونه اولاً اذ لم‏يتقدّم عليه في تلك الرتبة شي‏ء و الاّ لم‏يكن اولاً و اما الاول الذي لا اخر له فهو الذي لاينقطع وجوده و لايتصرّم شهوده فلاينتهي الي حدّ ليكون ذلك اخراً له فالذي ليس له اخر لعدم الانقطاع لايكون له اوّل بمعني ابتداء بعد انقطاع لان الذي ليس له اخر لايخلو اما ان‏يكون مستمرّاً بنفسه مستقلاً بذاته او استمراره بالغير فان كان الاوّل بطل انقطاعه في البدء اذ الابتداء بعد الانقطاع لايكون من نفسه و انما يجب ان‏يكون من غيره فان (فاذا خ‏ل) كان من غيره بطـل تقوّمه بنفسه اذ ما من الغير لايقوم بنفسه ابداً فيجب ان‏يكون المستقل بنفسه لا اوّل له والاّ لم‏يكن كذلك هذا خلف و ان كان الثاني فهل المقوّم متناهٍ في البدء ام لا فان كان الاول فهو محتاج الي قيّم اخر لماذكرنا مع ان المنقطع لايمكن /ان‏يستمرّ (ان‏يكون مستمراً خ‏ل) ابداً لان حكم البدء هو حكم العود قال اللّه سبحانه كمابدأكم تعودون فاذا انقطع اولاً يجب ان‏ينقطع اخراً لان الموجودات المستمرّة الي الابد اما في سلسلة النزول و هو مستحيل الاّ ان‏يكون المبدأ الباري عابثاً سفيهاً تعالي عن ذلك علوّاً كبيراً فيجب ان‏يكون في سلسلة الصعود و النازل في الصعود يصعد الي مبدئه و الي اصل حقيقته فاذا كان مبدؤه منقطعاً يجب انقطاعه فاستمراره الي الابد دليل ان المبدأ الذي هو ذاته و حقيقته لم‏يكن منقطعاً من الابد والاّ لم‏تستمرّ الي الابد ثم ان المقوّم القيّوم ان كان غير متناهٍ في البدء فلا معني لتعطيل الفيض الاّ اذا كان مستكملاً من غيره و هو يستلزم النقصان و هو دليل كونه متناهياً و عدم مبدئيّته و استقلاله بنفسه و اما ان‏يكون متناهياً فلايصلح للمبدئية كماتقدّم و لذا اجمع العقلاء علي انّ ماسبقه العدم لحقه العدم و ما له اوّل له اخر و ما له اخر له اوّل و ما لا اوّل له لا اخر له و لا اشكال في ذلك و لمّا كان فيض اللّه عزّوجلّ لايتناهي و هو سبحانه وراء ما لايتناهي بما لايتناهي كانت اولية الاشياء في ذواتها و حقايقها عين اخريتها و ان عرضت لها الاولية و الاخرية باعتبار الاضافات و القرانات.

و بالجملة فالاوّل الذي لا اخر له و تسميته بالاوّل لعدم تقدّم شي‏ء عليه لا في مقابلة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 214 *»

الاخر هو عالم الوجود المطلق من عالم الامر فان البدايات و النهايات و الاوّليات و الاخريات اشياء حدثت من امره تعالي كـن فلو لم‏يسبقها لكان في رتبتها ولو كان في رتبتها لايعقل احداثها به و هذا الذرّ بحر مملوّ من فضائل علي7 و وصف مناقبه و هذا هو الذي كان في هذا الذرّ.

و اما الاوّل الذي لا ثاني له فهو الحقيقة المحمّدية9 لانها ملأت الاكوان و لم‏يبق مكان يظهر فيه غيرها هناك علي ماقال7 في الدعاء فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت و كذلك حكم الاولية و الاخرية في هذا فان الاوّل فيه هو عين الاخر من غير فرق لان الاشياء كلّها تحت تلك الحقيقة المقدسة فلايكون شي‏ء هناك حتي يفصل بين اوّله و اخره مع ان الاخر منتفٍ و الفاصلة غيرها مرتفعة فلايعقل ان‏يكون لها اخر غير اوّلها فهي اوّل و لاتزال باقية علي اوّليتها و اخر و لاتزال باقية علي اخريتها اقامها اللّه سبحانه بمدد فيضه و امسكها بهيئة توحيده و اشرق عليها فيما لم‏يزل و ادامها فيما لايزال فمقامها الازلية الثانية و اللّه سبحانه من ورائهم محيط و هو ازل الازال و الي هذا المعني اشار مولينا الصادق7 في حديث المفضّل الي ان قال7 كنّا بكينونته كائنين غير مكوّنين ازليّين ابديّين منه بدئنا و اليه نعود هذا معني الحديث و هذه الكينونة انما هي كينونة حادثة و هي رتبة الفاعل و مقام الخالق بل سرّ الهوية و مبدء الالوهية و قوله7 غير مكوّنين لان المكوّن هو يكون بعد وقوع قول كـن عليه و الواقف في هذا المقام روح‏القدس الذي ذاق من جنانهم الباكورة و هم: اما قول كـن او التكوين و هما كائنان غير منقطعين ازلاً و ابداً لكونهما من الوجود الراجح لوجود المقتضي و ارتفاع المانع الذي هو انواع الروابط و الشرايط الغيريّة و هذا الازل هو عين الابد و هما الازل و الابد الثانيان اي اللامتناهي في رتبة الخلق كماقال مولينا سيدالساجدين عزّ سلطانك عزّاً لا حدّ له باوّلية و لا منتهي له باخرية و استعلي ملكك علواً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لم‏يبلغ ادني مااستأثرت به من ذلك اقصي نعت الناعتين و لا شك انهم: سلطان‏اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 215 *»

الظاهر للمخلوقين و هم ملك اللّه اي تملّكه و قدرته التي سقطت الاشياء دونها و الذي كان في هذا الذر هو ظهور سلطنة علي7 و اقتداره و استيلاؤه علي كلّ من ذرء و برء و هو ظاهر معلوم.

و يحتمل ان‏يكون هذا الاوّل له ثاني فيكون حينئذ هو العقل الكلّي و القلم الاعلي و ثانيه الروح و ثاني الروح النفس و ثانيها الطبيعة و ثانيها المادة و ثانيها المثال و ثانيه الجسم و ثانيه الاعراض و هذه المرتبة اخر ذلك الاوّل و نهايته و كلّ هذه الذرات علي طبق الذرّ الاول و في كلّها قد اخـذ اللّه عزّوجلّ العهد و الميثاق علي ولاية علي7 و ان‏يطيعوه و لايخالفوه كما في حديث الحمّي عن الحسين7 و قد خاطبها و قال لها ياكبّاسة الم‏يأمرك اميرالمؤمنين ان لاتقربي الاّ عدوّاً او مذنباً لتكون كفّارة لذنوبه فمابال هذا الرجل و كذلك الجمادات و المعادن من الاجسام و قد عرضت عليها الولاية فقبلها بعض و انكرها بعض اخر و قد قال عزّوجلّ انا عرضنا الامانة علي السموات و الارض و الجبال فابين ان‏يحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان انه كان ظلوماً جهولاً و من الذي كان في هذا الذرّ الاوّل الاخذ و الميثاق علي الانبياء و المرسلين و امتياز اولي‏العزم من غيرهم كما قال عزّوجلّ و اذ اخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح و ابرهيم و موسي و عيسي ابن مريم و اخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ليسأل الصادقين عن صدقهم و اعدّ للكافرين عذاباً اليماً و في هذا العهد شكّ ادم7 و توقّف في القائم عجّل اللّه فرجه و شكّ يعقوب و تردّد يوسف و يونس و شكّ ايوب و غيرهم من افاضل الانبياء: و في ذلك سرّ عجيب نذكره فيمابعد ان شاء اللّه تعالي في خلال الكلام و ربما اشرنا اليه فيماقبل.

و لاتتوهّم ان الانبياء يشكّون او يتردّدون في ولاية علي7 في انه ولي ام لا بمعني عدم استقرارهم (استقرار خ‏ل) الاعتقاد فيها، كلاّ ولو كان الامر كذلك لكفروا و انما يراد من الشكّ معني غير ماهو المعروف عند العامة لان احاديثهم: صعبة مستصعبة و الايمان بها و التسليم لها اصعب و اللّه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم.

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 216 *»

و قوله7 مع من تقدّم مع ادم الاول اعلم ان ادم تمام الكمال الظهوري لاخر رتبة الاصل الواحد الاوّل او للرتبة التفصيلية من الاصل الاوّل الذي هو الواحد و بيان ذلك بالاجمال ان الواحد لمّا ظهر من نقطة الاحد بنفس ظهور الواحدية في رتبة الواحد تثلّث اذ نظر الي الاحد و الي العدد و الي رتبة مقامه لكن التثليث في غاية البساطة الامكانية بحيث لاتعتبر فيه جهة الاّ من حيث التعلّق و هذا التثليث انما ظهر من الظاهر و الظهور و المظهر فلايتحقق كون من الاكوان الامكانية و الاثار الربانية و الظهورات السبحانية الاّ مثلثاً اذ لايمكن تكوّن الممكن بسيطاً كعدم امكان شريك الباري و لايمكن ان‏يكون مبدء الكون زوجاً والاّ لم‏يكن متحققاً اذ كلّ من الثلثة شرط لوجود الاخر و تحقّقه علي جهة التساوق فلولا الظاهر امتنع الظهور و المظهر و لولا الظهور امتنع الظاهر و المظهر لان الظاهر لم‏يكن ظاهراً الاّ بالظهور كالضارب فانه لم‏يكن ضارباً الاّ بالضرب و ليس الظاهر هو الذات كماذكرنا مراراً لان الذات هي الكنز المخفي و انما هو الصفة و هي لاتتقوّم (لاتقوم خ‏ل) الاّ بمعني من معاني الذات في الاثار الفعلية كالقيام للقائم و الضرب للضارب و الظهور للظاهر و امثال ذلك و كذلك لولا المظهر لم‏يكن الظاهر و الظهور فان المظهر ليس الاّ وجههما فافهم و لذا كانت الثلثة اوّل الاعداد و اوّل الافراد اذ الواحد هو الثلثة لكنّه غير متمايزة و العدد مقام التمايز و التفصيل لانه الكمّ المنفصل فالثلثة في التفصيل هو الواحد في مقام الاجمال لان في الواحد قد غلب عليه ظهور الاحد فنفي كثرته و اظهر سرّ وحدته و الكثرة مضمحلة مطويّة كالنار المعروفة المرئية فانها مركّبة من العناصر لكن الجزء الناري قد غلب و استولي فسمّي الشي‏ء المركب باسمه و كذلك الماء و الهواء و التراب و كذلك الواحد فانه ثلثة لكن جهة الوحدة قد غلبت عليه لكونه اوّل مظاهر الاحدية فلايعتبر فيه التعدد فافهم و اتقن.

و بالجملة فالثلثة لمّا ظهرت جذرت في مقام التفصيل لاظهار مبادي الوجوه الممكنة في الواحد الذي هو الثلثة فكانت تسعة فهي تمام الاصل الاوّل الذي هو الواحد فاذا اظهرت كمالها الظهوري يكون خمسة و اربعين و هو تمام

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 217 *»

الوفق في الشكل المثلث العددي فاذا استنطقت هذا الوفق يكون ادم فهو اسم للاصل الاوّل و انما استنطق علي هذا الترتيب و قدّم الالف لبيان انه الاصل الاوّل ثم الدال لبيان انه خلق من العناصر الاربع من نار الفاعل و هواء اثر الفعل و ماء قبول المفعول لفعل الفاعل و ارض القابلية الحافظة الممسكة لفيض الفاعل ثم الميم لبيان التخمير في اربعين يوماً كماقال عزّوجلّ في الحديث القدسي خمّرت طينة ادم بيدي اربعين صباحاً فادم هو كلّ اصل قد تشعّب عنه (منه خ‏ل) فروع كثيرة غير متناهية و شكله الشكل المثلث و هو ابوالاشكال و اصلها و كلّ شكل انما هو فرع منه حتي المستدير فانه الوجه الاعلي من المثلث لكنه متقوّم به كالفاعل المعمول للفعل المتقوّم به و ان كان في الدلالة و البيان اقوي و هو المثلث الناري و حوّاء احد اضلاعه لان التسعة اذا كتبتها في المثلث يحصل الوفق في كلّ ضلع خمسة عشر و هو حوّاء و هي الضلع الايسر من ادم من المثلث المائي فلايتمّ ادم الاّ بحوّاء و لاتوجد حوّاء الاّ بادم فافهم و علي هذا فكل اصل ادم و هذا اللفظ لاجل المناسبة الذاتية انما وضع له علي الحقيقة لا علي جهة الاشتراك و لا علي التواطي و التشكيك و لا علي العام و الخاص بل علي الحقيقة بعد الحقيقة و كلّ اصل تسعة فان كان في عالم التميّز و التفصيل الجسماني فعدديّة و ان كانت في غيرها ام لا من جهة التفصيل فمعنوية و لذا سميت الصديقة الطاهرة علي ابيها و بعلها و بنيها و عليها الاف السلام بالطاء لان فاطمة هي الطاء بالكمالين الظهوري و الشعوري و ما اتّفق اجتماع الكمالين في حرف من الحروف الاّ في هذا الاسم المبارك لهذا السرّ لان رتبة الاحاد التي هي الاصل الواحد تنتهي في عالم الظهور الي التسعة و الطاء جامع لها و هي حاوٍ و وعاء للمراتب الاحادية كلّها فالطاء هي اصل الاسم و الكمال الظهوري هو «مه» لان الكمال الظهوري لكل حرف ان‏تزيد عليها الواحد ثم تضربه في نصف ذلك العدد فالحاصل هو الكمال الظهوري كالطاء فاذا زدت عليها واحداً يكون عشرة فاذا ضربت العشرة في نصف التسعة و هو الاربعة و النصف يكون الحاصل خمسة و اربعين فاستنطق فكان «مه» و انما سمّي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 218 *»

بالكمال الظهوري لان هذا كمال ظهورات ذلك العدد في تلك المراتب و الكمال الشعوري هو مجموع الكمالين الظهوريين اللذين لذلك الحرف و الحرف الذي قبلها كالحاء التي قبل الطاء و كمالها الظهوري ستة و ثلثين فاذا جمعته مع خمسة و اربعين يكون الحاصل واحداً و ثمانين فاستنطق فكان «فا» فاذا جمع الكمالان اللذان هما «فا» و «مه» مع الطاء كانت فاطمة3 و هذه التسمية لانها3اخر مراتب الاصل الواحد و ادم هو مجموع المراتب و لذا تري علماء الصرف يقولون انه يحصل من الاصل الواحد الذي هو المصدر او الفعل تسعة اصول و هذه التسعة هي تفاصيل ذلك الاصل الواحد ولو اردنا شرحه مفصّلاً يطول الكلام و التسعة اذا جعلتها في الشكل المثلث يستخرج ادم و من ضلعه الايسر حوّاء فهو اوّل من ظهرت فيه اثار الالوهية و شئونات الرحمانية و العرش المستوي للرحمن و به ينشأ الفيض و ينتشر في ابنائه و فروعه و توابعه بالبدلية لا بالصفتية و لا بالتأكيد بل علي جهة البدل و كلّ ادم ثانٍ مثال و صورة للادم الاوّل او تفصيل و تمييز لمراتب الاوّل التي كانت مستجنة فيه و مندرجة في غيبه.

فعلي ماذكرنا تعدّد الادميّون بتعدد اصول الخلق و بتعدد (يتعدد خ‏ل) الافلاك التسعة في كلّ عالم و هذه الاصول علي وجهين: احدهما اصول كلية جامعة شاملة لماتحتها من الاصول كالغصـن الكبير من الشجرة الذي يشتمل علي غصون كثيرة مشتملة علي اوراق كثيرة و ثانيهما خصوصيات الغصون المشتملة علي الاوراق لا علي الغصون فعلي الاوّل يمكن حصرها و تعدادها و اختلف الروايات عن الائمة السادات: فيه لا بمنطوقها و صريح لفظها و انما هو باشاراتها و تلويحاتها لكن ماوقع التصريح فيه منها مارواه الصدوق في اخر الخصال عن الباقر7 لجابر الي ان قال7 اتري ان اللّه ماخلق الاّ عالماً واحداً و ادماً واحداً واللّه لقد خلق اللّه الف الف عالم و الف الف ادم انتم في اخر تلك العوالم و اولئك الادميين هـ و في رواية اخري ماخلق اللّه من التراب غير ادم ابينا و هذه المراتب الالف الف مرتبة الاصول و هذه الاصول كلّها انما نشأت من اصل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 219 *»

واحد لا من ذاته والاّ لم‏تتكثّر اذ الذات علي صرافة بساطتها في الوحدة لاتنشئ منها الكثرات و لذا تري ضرب الواحد في نفسه او في غيره لايؤثّر شيئاً بل النشو انما هو من الصفات و قرانات النسب و الاوضاع و ملاحظة النسب بعضها مع بعض فاوّل مايؤخذ من ملاحظة النسب من الاصول في الواحد هو الثلثة و هو العوالم الثلثة التي هي عالم الجبروت و عالم الملكوت و عالم الملك و في كلّ عالم ادم هو الاصل و له اولاد تشعّبوا منه اما من سنخ ذاته او من امثاله و اشباحه فالادم في الجبروت العقل الكلّي و العقول الجزئية اشباحه و امثاله قد ظهرت منه و تعود اليه و ادم الذي يكون اولاده من سنخ ذاته في الجبروت هو النور الواحد العقلاني المنبعث من العقل الكلّي الساري في كلّ العقول الجزئية فتكون حينئذ افراد العقول و اشخاصها اولاداً لذلك النور الكلّي الساري فافهم و هو في عالم الملكوت هو النفس الكلّية و النفوس الجزئية المتكثّرة الظاهرة في افراد الخلق هي ظهورات تلك الكلية و امثالها و اشباحها و الادم الثاني في هذا العالم كماذكرنا في الجبروت حرفاً بحرف و هو في عالم الملك العرش ابوالاجسام في الكلية و الوالدان في الجزئية بالمعني الثاني و بالطور الاوّل فكماذكرنا في العقل و النفس.

ثم اذا لاحظت نسب هذه الثلثة بعضها مع بعض اذ لا غيرها تبلغ قراناتها و نسبها في اوّل اللحاظ تسعة و هي العوالم التسعة عالم القلوب و عالم الصدور و عالم العقول و عالم العلوم و عالم الاوهام و عالم الوجودات الثانوية و عالم الخيالات و عالم الافكار و عالم الحيوة و في كلّ عالم ادم هو اصل ذلك العالم و يكون ماسواه من الاحوال الغير المتناهية كلّها من فروعه و شعبه ذاتاً او صفةً او مثالاً علي المعني الذي ذكرنا بوجهيه ثم اذا اضفت الي هذه التسعة واحداً لتنقلها الي الرتبة الثانية يكون عشرة و هي العوالم العشرة تلك التسعة المذكورة و عالم الاجساد.

ثم اذا لاحظت نسبة هذه العشرة بعضها مع بعض فاوّل مايحصل من ملاحظة هذه النسب مائة عالم و هو ظهور تلك العشرة في عشرة عوالم عالم الوجود المطلق و عالم الحقيقة المحمّدية9 و عالم الانبياء و عالم الانسان و عالم الملك و عالم الجنّ و عالم البهائم و عالم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 220 *»

النباتات و عالم الجمادات و عالم الاعراض و كلّ عالم له ادم متأصّل يكون ماعداه من شعبه و فروعه اما امثاله و اشباحه او ابداله و اشباهه علي التفصيل الذي ذكرناه بالاجمال.

ثم اذا لاحظت نسبة هذه المائة مع العشرة يكون الحاصل الفاً و هو ظهور كلّ من هذه المائه في عشرة عوالم عالم المسمّيات عالم الاسماء عالم الافئدة و عالم العقول و عالم الارواح و عالم النفوس و عالم الطبيعة و عالم المادة و عالم المثال و عالم الاجسام و في كلّ عالم من هذه العوالم ادم و هو اصل ذلك العالم و عليه يدور رحي ذلك العالم كماذكرنا.

ثم اذا لاحظت نسبة (نسب خ‏ل) هذه الالف بعضها مع بعض يكون الحاصل الف الف و هو المراد من قوله7 المتقدّم من ان اللّه تعالي خلق الف الف عالم و الف الف ادم و هو مجموع نسب الاصول من الاصل الواحد و كذلك اذا لاحظت نسب هذا الالف الف بعضها مع بعض تبلغ تلك الملاحظات الي ما لايدخل تحت حصرنا و عدّنا و انما هو مختصّ باللّه عزّوجلّ و من اشهده اللّه خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و في كلّ عالم من هذه العوالم الكثيرة ادم فقوله7 انتم في اخر تلك العوالم و اولئك الادميين يريد به الكون الجسماني او الاعراضي و هو مركز للعوالم كلّها بروابطها و قراناتها فتدور عليه العوالم مستديرة بتنقّلات الاطوار و اختلاف الاوضاع ليكون كلّ وضع و كلّ طور مبدأ حكم من الاحكام الوجودية التكوينية بسيّالية وجودات الاشياء في الايام من ايام الشأن و هو قوله تعالي كلّ يوم هو في شأن و كلّ هؤلاء الادميين لهم اولاد قد اخـذ عليهم الميثاق بولاية علي7 و يدخل الجميع في قوله تعالي و اذ اخذ ربك من بني‏ادم من ظهورهم ذرّيتهم و اشهدهم علي انفسهم ألست بربكم قالوا بلي و ليس هذا العموم من اللفظ من باب الاشتراك حتي ترد عليهم شبهة عدم الجواز و انما هو حقيقة بعد حقيقة فما هذا شأنه لايجمع المعنيين صقع واحد فيكون المراد منه دائماً معني واحد الاّ انه لاهل كلّ عالم بلسانه و اصطلاحه.

فقوله7 مع من تقدّم مع ادم الاوّل يريد7 بالتقدم التقدم الحقيقي السرمدي لا التقدم الزماني و المكاني و الشرفي و الطبيعي بل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 221 *»

التقدّم الذي يجمع المتأخّر بعين كونه المتقدّم الذي انقطع عنده الماضي و الحال و الاستقبال و يجمع المتفرّق و يفرق المجتمع و هو عادّ لوجود الموجودات كلّها و لايعدّه شي‏ء الذي قد سبق وجوده الاحوال و الاطوار في الاكوار و الادوار و كلّها محبوسة تحت حيطته و سابحة في لجّة احديته قد انقطعت دونه المدارك و تحيّرت عنده المشاعر و سنتكلّم عن هذه الاولية اذا ان اوانه و حان وقته عند قوله7 انا الاوّل و الاخر.

و اما ادم الاوّل فهو المشية مبدء الوجود المطلق و مقام كـن و عالم فاحببت ان اعرف و الذكر الاول و الاختراع و الابتداع و هو ادم لانه اوّل من اقرّ لربّه بالربوبية و لنبيّه و امامه بالطاعة و الولاية و اصل واحد قد ظهـر منه الاصول الثلثة و التسعة و الخمسة و الاربعين و الثلثمائة و الستّين و الالف و الف الاف و حوّاؤه ارض الامكان الراجح فلمّا تعلق بها و ادلج (اولج ظ) فيها نشأت منهما الاولاد ذكوراً و اناثاً و هو قوله تعالي ياايها الناس اتّقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بثّ منهما رجالاً كثيراً و نساءً فالرجال ماتولدوا من الجهة اليمني اي الوجه الاعلي و هم الاسماء و الصفات المتولدة من تعلق الوجود المطلق بارض الامكان من جهة العليا و النساء هي الوجوه و الجهات الفعلية المتعلقة بالمفعولات و المشاءات المتقوّمة و المنشعبة المتفرّعة عن المشية الكلية.

و اما ادم الثاني هو حقيقة المحمّدية9 و حوّاؤه ارض الجرز و اوّل اولاده العقل الكلّي ثم الروح الكلّي ثم النفس الكلية وهكذا الي اخر مراتب العرش المركّب من الانوار الاربعة و علي هذا القياس ساير العوالم و الادميين كلّ ادم له حوّاء و من كلّ منهما في كلّ العوالم وقع مااخرجهما عن الجنة ثم عادا و تابا فقبل اللّه توبتهما و اسكنهما ارضه الي ان‏يرث اللّه الارض و من عليها الاّ ان معصية كلّ ادم علي مقتضي مقامه و رتبته مع حفظ حكم «حسنات الابرار سيئات المقرّبين» فتفطّن فان المسلك وعر يحتاج الي شرح و بسط و ليس لي الان اقبال ذلك و الاشارة المجملة الي شي‏ء يسير منه:

فاعلم ان اعلي مقامات

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 222 *»

الجنة هو الرضوان و اعلي مقاماته لقاء الرب و مشاهدة جماله بلا حجاب في مقام ذات المشاهد الرائي و مقام السكر الذي لا صحو فيه و رتبة الصحو الذي لا سكر فيها و لاتسع ذلك المقام سنة و لا نوم فالمشية اعلي مقاماتها هيكل التوحيد و سرّ التفريد علي اعلي المعاني و يعبّر عنه و لا عبارة بـ احببت و المحبة التي هي حجاب بين المحبّ و المحبوب و مقام المحبوب من غير ملاحظة المحبة و هذا المقام هو الجنة التي لا اعلي منها بل الجنة انما هي الظهورات العلوية لهذا المقام فاذا تعلّقت بحوّائها التي هي ارض الامكان و تحقّق الزواج و نظرت الي الامكان ظهرت الكثرات الاسمائية و الصفاتية و التعلقات الامكانية و الكونية فتنزّلت الي ارض الكثرات و الاضافات و الحجب بعد ماكانت في السماء في جنة المشاهدة و صرافة الوحدة و هذا التنزّل ماكان سببه الاّ ارض الامكان التي هي حوّاؤه و اكل الشجرة هو النظر الي مقام الانّية المتطورة باطوار الكثرة المدعية الساجدة للشمس من دون اللّه فهم من فهم و هكذا الحكم في كل المراتب لقد ملّكتك القواعد ان كنت علامة يحصل لك منتهي المطلب و اللّه الموفق.

قال7 : «و لقد كيّف لي فعرفت و علّمني ربي فتعلمت الا فعوا و لاتضجّوا و لاترتجوا فلولا خوفي عليكم ان‏تقولوا جنّ او ارتدّ لاخبرتكم بماكانوا و ماانتم فيه و ماتلقونه الي يوم القيمة علم اوعز الي فعلمت.»

اعلم ان العلوم علي قسمين: علوم لا كيف لها و علوم لها كيف و الاولي علي قسمين: حقيقية و اضافية و مرتبة الاضافيات تختلف في البساطة و الكثرة فالتي لا كيف لها هي العلوم التي لاتحدّها الادوات و المشاعر من العقل و ماتحته و انما هي خاصة بادراك الذات و الكينونة فيدركها الشخص بذاته ليتّحد هناك المدرك و المدرك و الادراك و هي العلم بمعرفة اللّه سبحانه و معرفة صفاته و اسمائه و ازليته و ابديته و خفائه و ظهوره و اوّليته و اخريته و معرفة علمه و قدرته و حيوته و سمعه و بصره و نحو احاطة العلم بالمعلومات قبل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 223 *»

المعلومات و بعد المعلومات و كيفية صدور الاشياء من المشية و صدورها من اللّه عزّوجلّ و معرفة انتفاء الخالقية و الفاعلية في الذات الاحدية و معرفة النفس التي هي معرفة الربّ.

و معني ان هذه العلوم لا كيف لها هو انّ الناظر حين النظر اليها لايلتفت الي جهة دون اخري و الي حدّ دون اخر و الي تميّز و اشارة و عبارة و انما يعرفها بالوجدان من غير ان‏يري لها صورة ثم يعبّر عنها في مقام التميّز بعبارة منبّهة للمراد علي حكم الاستعداد و مرادي بالكيفية الكيفية العقلانية و الروحانية و النفسانية و المثالية و الجسمانية و المقادير العرضية والاّ ففيها و لها كيفية لاتدركها العقول و انما تدركها الذوات و مرادي بالاضافة و الحقيقة نفي التمييز (التميّز خ‏ل) و الحدود مطلقاً علي اي حال في الواقع الاولي و نفيهما في الواقع الثانوي اي في نفس‏الامر و بيانه بالاجمال ان التجلي في المجلي الاوّل ليس الاّ نفسه فلايحكي و لايصف الاّ الواحد المحض اذا نظر الي نور العظمة في مقدار سمّ الابرة و التجلّي في المجلي الثاني انما هو بالاوّل فالثاني فيه ظهوران و نفس ظهور نفس الاول الذي هو خلاف كينونة الاوّل كما اذا نظرت الي المرءاة الثانية المقابلة للاولي المقابلة للشاخص فتري في الاولي صورة المقابل وحدها و في الثانية صورتين و مرءاة و في الثالثة ثلث صور و مرءاتين وهكذا و لمّا كانت الكثرة في كلّ مرتبة من لوازم ماهية تلك الرتبة فاذا ازال الانية ارتفعت له الهوية فتنفي عنده الكثرات و تبطل القرانات و يكون ذلك المقام عنده اعلي مقامات التوحيد مع ان هذا المقام هو ظهور انّية العالي فلو وصف الحق بمايصـف به السافل لوصفه بغير ماهو عليه و لشبّهه بخلقه بخلاف السافل فان هذا هو حقيقة التوحيد بالنسبة اليه فالكيفيات في الرتبة الثانية و ان ارتفعت فيها لها لكنّها باقية عند من هو اعلي منها.

و من العلوم التي لا كيف لها بالاضافة العلم بمسألة سرّ الامر بين الامرين و سريان نور الاختيار في كلّ الاقطار بكلّ الاطوار و تحقّق القابلية المقبلة و المدبرة حين الايجاد لا قبله و لا بعده و وقوع الخطاب عليها ليكون المخاطب نفس الخطاب الواقع في الحدّ المخصوص و تحقّق ذلك الحدّ بذلك الخطاب لانّ هذه الامور انما حصلت قبل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 224 *»

التركيب في التكوين و الكون التقييدي و العقل اوّل ماظهر من المركّب فلايدرك الاّ المركّب من حيث هو كذلك لان الادوات انما تحدّ انفسها و الالات انما تشير الي نظائرها و لا شكّ ان حال التركيب في الاقتضاءات غير حال البساطة و هو ظاهر معلوم لمن يفهم الكلام.

و مجمل القول اسرار باطن الباطن و مافوقه كلّها من العلوم التي لا كيف لها من الكيفيات المدركة للعقل و اما العلوم التي لها كيف فهي علم الشريعة و علم الطريقة و مايتعلق بهما في التكوين و التشريع من العلوم الكلّية المعنوية و العلوم الجزئية الصورية و العلوم الشبحية المقدارية و العلوم الجسمانية و جملة مااحاطت به دائرة الوجود المقيّد اذ كلّ ذلك مما له كيف من انحاء احوال الكلام و مايترتّب علي قرانات الاشياء و اضافاتها و اوضاعها من العلوم التي لا نهاية لها.

فاذا عرفت هذا فاعلم انه7 لمّا ابان عن سعة علمه الشريف و احاطة دائرة مقامه المنيف و انه علم ماكان و مايكون و ماكان في الذرّ الاوّل من احوال البدء التي هي تمام احوال العود فانه7 في القوس الصعودي و كذلك الخلايق كلّهم فكلّ من اخبر عن حكم من احكام البدء فانما قطع مسافة العود و وصل الي ذلك المقام في البدء فكان عوده عين بدئه فاذا ثبت ان العود هو عين البدء و ان المخبر في القوس الصعودي فانما وصـل الي البدء عوداً كما قال عزّوجلّ كما بدأكم تعودون و قد اخبر7 عما كان في الذرّ الاوّل في الكون الاطلاقي في اعلي مراتب الوجود الراجح و كان فيه ماربّما قديتوهّم ماتوهّمه بعض الغلاة من حكاية الاستقلال و عدم توهّم الاضمحلال اشار7الي رفع هذا التوهّم و اثبات كمال رتبة العبودية و شدة الفقر و الحاجة فقال7 و لقد كيّف لي علي بناء المجهول يعني ان هذه العلوم التي ذكرت اني جامع لها و محيط بها ليست هي منّي بالاستقلال و انما هي امور قد وصفها اللّه عزّوجلّ و كيفها اي ابان كيفها و كشف عن حقيقتها لي من فضله و كرمه و علّمني بالاسم الاعظم الاعظم الاعظم المكنون المخزون الطهر الطاهر الذي قد جعله عندي فعرفت ذلك بتكييفه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 225 *»

تعالي و توصيفه ثم بتسديده فعرفت ماكيّف لي و القي علي من السرّ المكنون و الدرّ المصون فعرفت ماالقي علي بصحة القابلية و نور الهداية و بذلك فزت مقام السبق.

و لمّا اشار الي العلوم التي كانت في الذرّ الاوّل و الي الاسرار المطوية المكنونة المستودعة في ادم الاوّل من حجب الغيب مثل حجاب الدرّ في السرّ المقنّع بالسرّ في اعلي مراتب ادم الاوّل و حجاب العقيق الاصفر في ثاني مراتبه و الحجاب الاخضر حجاب الزمرد و الحجاب الاحمر حجاب الياقوت في المقامات العلوية من ادم الاوّل و الي ظهور نقطة علمه7 بماكان و مايكون كلّ شي‏ء في رتبة وجوده قبل وجوده و شهوده و امثالها من العلوم و الاسرار التي عرف الوجه السفلي الذي هو جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير من الوجه الواحد السفلي الذي هو كذلك من الوجه الواحد السفلي يريده7 العارفون الكاملون باعلي مشاعرهم الذي هو ذواتهم و حقايقهم التي لا كيف هناك و لا حدّ و لا وضع و لا اضافة و لا نسبة بل عرفوها بما كلّ الجهات عنده جهة واحدة و كلّ الاطوار طور واحد و كلّ الشئونات المتكثّرة المتضادّة المتخالفة لاتحجبه عن ظهور الوحدة السارية في الكلّ و مشاهدة كلّ شي‏ء في مكانه و قد انتفت عنده كلّ الجهات العقلية و الروحية و النفسية و المقدارية و الجسمية فلا شك ان تلك العلوم التي لايدرك ظاهر قشرها الاّ بذلك المشعر المنزّه عن كلّ الجهات لايكون لها جهة و لا كيف اراد ان‏يبيّن علي ان تلك المراتب و العلوم التي لا كيف لها عند الخلق لصرافة وحدتها و كمال بساطتها كلّها عنده7 مكيّفة محدودة متمايزة متكثّرة مختلفة نسبتها اليه7 نسبة الامور المشاهدات بالابصار الجسمية الي المعارف و الاسرار الغيبية و الاسماء و الصفات الحقّية الالهية و لذا قال7 انه كيّف لي ماوصفت لكم و ان كان لا كيف له و لذا اتي بصيغة الكيف التي هي اخصّ من الوصف و ان كان يريد7بذلك الوصف لكن خصوصيته للسرّ الذي قلنا لك ان الغيوب كلّها عنده7 حاضرة مشهودة و السرمديات التي عند الخلق من رتبة الانسان زمانيات عند

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 226 *»

الانبياء و المرسلين و السرمديات التي عند الانبياء: في المعارف اللاهوتية و الاسرار المقنّعة بالسرّ من اسرار الباطن في مقامات السبعين في مقام الوصف و مقام الذات و مقام التشريع و مقام التكوين كلّها بكلّ طور يفرض زمانيات عنده و من معه في تلك الاجمة النابتة فيها قصبة الياقوت و سرّ اللاهوت و في تلك السماء التي فيها الشمس المشرقة و النار المحرقة لان حقايق الانبياء: و ذواتهم التي في مقام الكروبيّين الذين قد تجلي رجل منهم لموسي الذي هو من اولي‏العزم من الرسل بقدر سمّ الابرة فدكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً و اولئك الملائكة كلّهم شعاع من فاضل اجسامهم: فاذا كلّ الوحدات في كلّ العوالم بكلّ الاطوار في كلّ فرض في مقامه و عالمه7 كثرات مكيّفة محدودة فافهم ماالقيت لك من السرّ المكنون.

و خلاصة المقال في هذه الاحوال هي انه7 كشف عن امور مهمه عظيمة: الاوّل حكاية الاضمحلال و عدم الاستقلال لنفسه /لانفسهم (زائد خ‏ل) لانه7 جابر الكسير و متمم النقصان في التكوين و التوصيف في التشريع لان الولاية الكلّية هي النقطة التي عليها المدار في كلّ الاكوار و الادوار و هي الربوبية اذمربوب كوناً و عيناً و ذكراً فكلّ شي‏ء انما تشيّأ بها في جميع مراتب كينونتها كما قال7 اذ كان الشي‏ء من مشيته و قد سبق منّا مراراً ان الامام7 هو حامل الولاية و محلّ المشية فوجه الاشياء كلّها اليه و استمدادها منه فلولا انه7 يصف نفسه بالحدوث و الفقر و الاستمداد من الغير لكان الخلق كلّهم ناظرين اليه7 نظر استقلال و متوجّهين اليه بالعبودية فوجب عليه7البيان في كلّ مراتب الاكوان حتي يفرق الناس بين الوجه و ذي الوجه و اليد و ذي اليد و لذا لمّا ظهرت انواره7 و اشرقت و تلألأت في عالم الانوار فظنّت الملائكة انها نور اللّه عزّوجلّ فسبّحوا اللّه و حمدوه لتعلم الملائكة انهم عبيد كما رواه الصدوق عن عبدالسلام بن صالح الهروي عن علي بن موسي الرضا7 عن ابائه: عن علي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 227 *»

بن ابي‏طالب7 قال قال رسول‏اللّه9 ماخلق اللّه خلقاً افضل منّي و لا اكرم عليه منّي قال علي7 فقلت يا رسول‏اللّه فانت افضل ام جبرئيل فقال9 يا علي ان اللّه تبارك و تعالي فضّل انبياءه المرسلين علي الملائكة المقرّبين و فضّلني علي جميع المرسلين و الفضل بعدي لك يا علي و للائمة من بعدك و ان الملائكة لخدّامنا و خدّام محبّينا يا علي الذين يحملون العرش و من حوله يسبّحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين امنوا بولايتنا يا علي لولا نحن ماخلق اللّه ادم و لا حوّاء و لا الجنة و لا النار و لا السماء و لا الارض فكيف لانكون افضل من الملائكة و قد سبقناهم الي معرفة ربنا و تسبيحه و تهليله و تحميده لان اول ماخلق اللّه عزّوجلّ خلق ارواحنا فانطقنا بتوحيده و تحميده ثم خلق الملائكة فلمّا شاهدوا ارواحنا نوراً واحداً استعظموا امرنا فسبّحنا لتعلم الملائكة ان لااله الاّاللّه و انّا عبيده و لسنا بالهة يجب ان‏نعبد معه او دونه فقالوا لااله الاّاللّه فلمّا شاهدوا كبر محلّنا كبّرنا لتعلم الملائكة ان اللّه اكبر من ان‏ينال عظيم المحل (عظم المحل في المصدر) الاّ به فلمّا شاهدوا ماجعله اللّه لنا من العزّ و القوة قلنا لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم لتعلم الملائكة ان لا حول و لا قوّة الاّ باللّه فلمّا شاهدوا ماانعم اللّه به علينا و اوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد للّه رب العالمين لتعلم الملائكة مايحقّ للّه تعالي ذكره علينا من الحمد علي نعمه فقالت الملائكة الحمد للّه فبنا اهتدوا الي معرفة توحيد اللّه و تسبيحه و تهليله و تحميده الحديث و هذا القول و التعليم هو نقش ما في حقايق الملائكة و ساير الخلق من سرّ التوحيد و انهم باب اللّه و وجهه الذي اليه يتوجّه الاولياء كمامثّلنا سابقاً باسم الفاعل المشتق من الفعل المعمول له لكن في اسم الفاعل ليس الاّ ذكر المبدأ دون الفعل فلولا تلك اللطيفة المودعة في اسرار الخلق لمااهتدي احد الي معرفة اللّه سبحانه و لقصدوهم بالعبادة و الطاعة و هو قوله7 بنا عرف اللّه و بنا عبد اللّه و لولانا ماعرف اللّه و لا عبـد اللّه هذا الحكم التكويني.

و اما الحكم التوصيفي التشريعي فكما في هذه الخطبة و امثالها من الكلمات مهما اظهـر7 من

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 228 *»

سرّ الولاية شيئاً قارنه بمايلزم منه العبودية و الامكان و الحاجة ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حي عن بيّنة و لذا.

قال7 و لقد كيّف لي اي وصف لي و حكي لي هذه المقامات فالمكيّف هو رسول‏اللّه9 عن اللّه عزّوجلّ فكلّ‏ما يأتي اليه7 (9خ‏ل) علي وجه العموم و الاجمال و الابهام و اللاكيفية يكيّفه النبي9 بكيفيّة تفصيلية لعلي7 كالعرش للكرسي فان الفيوضات اوّلاً ترد علي العرش علي جهة الاجمال و عدم التميّز فيكيّف العرش للكرسي بكيفيات مخصوصة و حدود معيّنة في البروج و المنازل و الصور و الدوائر العظام و الصغار و كالنقطة للالف و هي للحروف و الكلمة فاثبت بهذا ان لا استقلال له بذاته فيمايرد عليه من الاحوال و هو المطلوب كما اشار7بقوله انا ذات الذوات فاثبت ان الذوات كلّها اعراض لا تجوهر لها و لا تحقق لها بانفسها الاّ بي و لمّا كان في هذا القول احتمال توهّم الاستقلال صرّح بالمراد بقوله7 انا الذات في الذوات للذات فاثبت7 انه ملك و مملوك للذات الثابت المستقل سبحانه و تعالي و هذه الطريقة هي صفة الكينونة الالهية الظاهرة في الرتبة الاحمدية المفصّلة في الحقيقة (للحقيقة خ‏ل) العلوية حيث يقول عزّوجلّ فينسخ اللّه مايلقي الشيطان ثم يحكم اللّه اياته و اللّه عليم حكيم و هذا التكييف في كلّ مقام و كلّ عالم بحسبه و مقتضي رتبته من العوالم الالف الف و غيرها ممااحاطت به دائرة الوجود.

الامر الثاني هو انّ الاشياء من العلوية و السفلية في السلسلتين من الطولية و العرضية لاتدرك و لاتفهم شيئاً من احوال الدنيا و الاخرة باي نحو يفرض الاّ اذا وصفه اللّه عزّوجلّ لها و كيّفها له و علّمه اياها لان النور و المدد و الفيض الذي هو العلم انما هو من جهته سبحانه قائم بمدد فعله قيام صدور و تحقّق فلو انقطع عنها لانعدمت فاللّه سبحانه هو الذي يعرف الاشياء انفسها و خالقها و مالها و عليها كماقال عزّوجلّ فالهمها فجورها و تقويها و قال ايضاً سبحانه و علي اللّه قصد السبيل و هو من معاني قوله تعالي و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بما

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 229 *»

شاء فالعلم المطلق سواء تعلّق بكينونة الخالق او بكينونة المخلوقين فانما هو للّه عزّوجلّ يعلم من يشاء بمايشاء كيف يشاء و الخلق في مراتبهم و مقامات وقوفهم و لواذهم بباب ربهم يسألون منه سبحانه العلم بالسنة اعمالهم و افعالهم و احوالهم و اقوالهم و هو سبحانه يعطي كلّ ذي حـقّ حقّه من الخزينة الخاصة به و يكيّف له مايناسب مقامه و يفيض عليه من الباب الذي توجّه به اليه سبحانه.

فمن كان واقفاً في مقام الاجسام و لازماً لرتبة الجماد حسب عمله بالاستعداد لايكيّف اللّه عزّوجلّ له الاّ الجمادات فلايدرك قلبه الاّ ماابصرت عيناه و سمعت اذناه و شمّت منخراه و ذاق بلسانه و لمست جوارحه و اركانه و هم الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة او اشدّ قسوة.

و من كان واقفاً في مقام النفس و رتبة الصور و الهيئات و اشغلته الكثرات و الهته فلايكيّف له الاّ الصور و الهيئات و المقادير المجرّدة و الاشباح و الهياكل و ليس كلّ‏ما اراد الواقفون في المقامين وجدوا بل اذا اراد لمن اراد ما اراد من الصور علي مقتضي الكينونة.

و من كان واقفاً في مقام القلب و رتبة اللبّ و سائلاً من اللّه سبحانه المدد من الانوار العقلانية و النفحات الروحانية يفيض سبحانه اياها عليه و يكيّفها له بالكيفية الوحدانية من الصور الكلّية و الهندسات المعنوية و هؤلاء الذين طلبوا معرفة المخلوقين و ان كانت السنتهم المقالية الكاذبة تطلب معرفة الخالق فان الذي يطلب معرفة اللّه بدليل المجادلة الذي هو مقام النفس او دليل الموعظة الحسنة الذي هو مقام القلب فانما طلب معرفة الممكن المخلوق لان تلك الادلة لاتقدر الاّ مخلوقاً و ان كان بعضها اشرف من الاخر.

و من كان واقفاً مقام الفؤاد و لائذاً بباب المراد و قد هاجت له ريح المحبة المستدعية للاستظلال و الاستيناس في ظلال المحبوب و ايثار محبوبه علي ماسواه فهذا هو طالب المعرفة الالهية و الاسرار الاسمائية و الصفاتية و لمّا كان هو طالباً للعلم باللّه اكرمه اللّه عزّوجلّ و علّمه و كيّف له حقيقة معرفته بعدم الكيفية و عدم المثال و علّمه حقايق المخلوقين و احوال جميع مباديهم و شرائطهم و لوازمهم و مايوصلهم و مايقطعهم و مايصلحهم و مايفسدهم و ما

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 230 *»

يئول اليه امورهم و هذا الواقف قد فتـح له الباب و اذن له النوّاب فلم‏يمنعه البوّاب فيستمرّ عليه الفيض من جناب الحق عزّوجلّ و لا نفاد و لا انقطاع ان هذا لرزقنا ماله من نفاد و في الحديث القدسي حديث الاسرار كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبّتي غاية و لا نهاية و هذا التكييف عبارة عن كتابة ذلك الشي‏ء في رقّ مكانه و زمانه و الكتابة عبارة عن نقش وجود الشي‏ء علي ماهو عليه فيمايصلح له فان كان المكيَّف (بفتح الياء) معرفة اللّه جلّ اسمه فهو عبارة عن ظهور التوحيد في حقيقة الشي‏ء و ظهور التوحيد عبارة عن القاء مثال من المثل الاعلي و احتجاب ذلك المثال بحجب الكينونة و المجموع اي المحتجب و الحجاب حقيقة الشي‏ء و ظهور التوحيد و المعرفة انما هو في المثال و هو الجهة العليا من الشي‏ء و وجه اللّه ذوالجلال و هو مقام الاحدية و ان كان المكيَّف (بفتح الياء) اسماء اللّه و صفاته فهي منتقشة و موجودة في رتبة الواحدية و هي عبارة عن ظهور المثال بوجهه في مرءاة الجلال بعد ماكان مصوناً بنور الجمال في غيب الوصال و وجهه الي كلّ مرءاة اي متعلق ظهور اسم و صفة و ان كان فعل اللّه و مشيته فهو منتقش في لوح السرمد و مكان الامكان و ان كان اثر فعل اللّه فهو منتقش و مكوّن في المتوسط بين السرمد و الدهر و جهة الاعلي ناظر الي السرمد بل فيه و السفلي ناظر الي الدهر بل فيه و هو ملتقي البحرين لكن كيفه و هيئته الانبساط و الشمول و الاحاطة و عدم النهاية و هو و ان كان انزل رتبة من المشية لكنه قد ظهر حاكياً لها و دليلاً عليها و هو عامّ واسع كعموم قدرة اللّه عزّوجلّ و ان كان القلم فهو مكتوب في لوح المعاني و رقّ الدهر اعلاه و ان كان اللوح فهو مكتوب في لوح الصور و اوسط الدهر و ان كان الاجسام فهي منتقشة و مكتوبة في لوح الزمان و رقّ المكان و قس عليه ساير المقامات و المكيّف له ان كان اعلي من المكيَّف (بالفتح) فهو منقوش بجميع مراتبه علي ما هي عليه بتوسط قلم ذلك العالي و مداد نوره في اقليم ظهوره فهو حاضر لديه حاصل عنده في ملكه متقوّم بيد قيّوميته و ان كان اسفل منه فهو منقوش في حقيقة ذاته البسيطة قبل التركيب بحدود قابليته فلايصـل اليه الاّ اذا حلّ

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 231 *»

التركيب و وصل مقام البساطة و ان كان مساوياً له فهو منقوش في مراتب كينونته اي في حقيقة ذاته المركّبة من الحدّين (الحدث خ‏ل) فيصفه بمايقرأ من حروف نفسه و حدود ماهيته و لا ثالث في اقسام المكيّف له و ادراك السبب الاعظم هو من القسم الاوّل فقد كيّف له كلّ شي‏ء من البدء الي العود الي ما لانهاية له في مقام الظهورات و التجليات و الاثار و الشئونات فلايخفي عليه شي‏ء في الارض و لا في السماء هذا هو المراد من قوله تعالي مااشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم من جهة مفهوم المخالفة.

الامر الثالث انّ ما من اللّه عزّوجلّ لم‏يزل مقدّماً علي ما من الخلق فلايتصوّر رتبة في الخلق اي في السوي الاّ و قد سبق فيها شأن من شئون الربوبية يكون ذلك الشأن مقوّماً لذلك الشي‏ء في الصدور و التحقق والاّ لكان قديماً غيره مستقلاً بنفسه فيتحقّق بذلك تعدّد القدماء فلايمكن القول بان القابليات يجب ان‏تكون موجودة قد سطـع عليها نور الوجود فقبل كلّ منها مااقتضته من الاعوجاج و الاستقامة فالشقي شقي بقابليته المتحققة قبل ظهور نور الوجود و كذلك السعيد و لم‏يتعلق بتلك القابلية جعل و ليس للّه فيه حكم و انما القابليات هي الاعيان الثابتة المستجنّة في غيب الذات الحق عزّوجلّ و شئون ذاتية له و ذاتيات الحق لاتقبل الجعل و التغيير و التبديل و الزيادة و النقصان كما هو مذهب اكثر الصوفية و قد صرّح بذلك الملاّمحسن في الكلمات المكنونة و لا شكّ ان هذا القول باطل لا سبيل فيه الي الحق لان القابلية التي هي الاعيان الثابتة ان كانت هي عين اللّه سبحانه و تعالي فلايتصور الاختلاف فيها في حدّ ذاتها و ظهوره بالوجود لان ذات اللّه سبحانه لايختلف و لايتغيّر و لايتبدّل و ان كانت غير اللّه فهل هي حالة في ذات اللّه او في غيرها فان كانت في ذات اللّه تعالي اللّه سبحانه فكان محلاًّ لها و هو يستلزم التأثير و الانفعال و ان كانت في غيره سبحانه فقديم اخر سواه.

و بالجملة هذا القول لاينطبق علي قواعد اهل الاسلام و لا الاصول المقرّرة عن اهل‏البيت: و لذا عبّر اميرالمؤمنين7 في هذا المقام بما هو صريح الردّ عليهم حيث قال و لقد كيّف

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 232 *»

 لي فعرفت التكييف و نسبه الي غيره ثم اتي بالفاء التعقيبية في القبول للدلالة علي ان القابلية مؤخّرة عن المقبول و المخاطب مؤخّر عن الخطاب بل ليس الاّ نفس الخطاب الواقع علي الحدّ الخاص في رتبة من المراتب و ذلك الحدّ هو القابلية و هي امر عرضي لا قوام له الاّ بذلك الخطاب فقوام المخاطب بالخطاب و ظهور الخطاب بالمخاطب و هو السر في كن فيكون و وقوع الخطاب علي المخاطب هو السرّ بين الكاف و النون لكن في هذه المسألة سرّ دقيق لاينكشف الاّ بنور التوفيق و الهداية و الاعتصام بعروة اهل بيت العصمة و الطهارة و لااحبّ شرح هذه المسألة في هذا المقام لادائه الي ما لايحسن من الكلام فان سرّ الخليقة ابي اللّه ان‏يطّلع عليها الاّ الخواصّ من الاعلام فلا حـظّ فيه لغيرهم من العوام مع انا قد اشرنا اشارة مجملة و لوّحنا التلويح التامّ لمن يفهم الكلام.

الامر الرابع ان حكم اللّه سبحانه علي كلّ المخلوقات واحد و فيضه لكلّ الممكنات عامّ فلا تفاوت بين خلق و خلق في اصل الافاضة و الاعطاء و الفيضان كما قال عزّوجلّ و ماامرنا الاّ واحدة لانه سبحانه واحد و فعله واحد و اثر فعله واحد و لو جوّزنا صحّة صدور الكثرات من الواحد من جميع الجهات فلا موجب لذلك اذا كان المصدر البديع حكيماً لكن لمّا كان جريان فعله تعالي من بدء الامر الي عوده الذي هو عين البدء علي جهة السؤال و الطلب و النداء من غير الاضطرار و المنع ليأخذ النصيب من فيضه سبحانه كلّ /من (زائد ظ) علي حسب شهوته و اختياره و ارادته لئلايكون للناس علي اللّه حجة اختلف الموجودات بالشرافة و الكثافة و القرب و البعد و التابعية و المتبوعية باختلافهم في التلبية و الاجابة في التكوين و التشريع فمن لبّي اوّلاً توجّه ذلك النور الاعظم و الفيض الدائم الاقدم اليه فجلّسه بالتلبية لديه فكان سراجاً وهّاجاً قابلاً لمايفاض عليه من فوّارة النور و عارفاً لمايلقي اليه من الاسرار و المعارف غير معوجّ الفطرة بل علي الاستقامة الكاملة الحقيقية التي لا اكمل منها فيعرف بذلك جميع اسرار المبدأ و المعاد و يبلغ به منتهي المقصد و المراد فيتّسع قلبه جميع المرادات

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 233 *»

الالهية من الخلق علي ماقال تعالي في الحديث القدسي ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن هـ و هذا المؤمن هو اوّل من امن باللّه و لبّي نداء انّي انا اللّه فبصفاء القابلية و نورية الطويّة و السريرة التي يكاد زيتها يضيئ ولو لم‏تمسسه نار عرف ماكيّف اللّه تعالي له من العلوم و الاسرار بنفس تلك العلوم الحاصلة عند التلبية فسبق هذا العارف بمعرفته الحاصلة من اللّه سبحانه بصفاء قابليته المسببة عن سرعة اجابته لدعوة ربّه الخلق كلّهم في العلم و المعرفة و كذلك المراتب انما اختلفت بذلك عند من يفهم الكلام.

فالامام7 انّما نبّه علي السرّ اهله بهذه الدقيقة بانّي مانلت هذه المرتبة و مافزت بهذه الدرجة لنسبة بيني و بينه تعالي سبحانه و تعالي عن ذلك علواً كبيراً و ليس انه جبرني بذلك كلاّ و حاشا و هو اكرم و اعظم من ذلك و لا انّي مستقلّ في ذلك و اللّه اجلّ و اعظم من ذلك ليستقل في ملكه غيره و انما هو منّة من اللّه علي بالعطية قبل الاستحقاق و انا قبلت ذلك منه بتوفيقه و لولا قبولي لم‏اصـل الي ماوصلت و لولا عطيته لم‏اكن شيئاً و لم‏اعرف حرفاً فهو عزّوجلّ كيّف لي و انا عرفت ماكيّف والاّ فالتكييف واقع و ليس انه سبحانه كيّف لي دون غيري و انما هو تكييف وحداني سارٍ في جميع الذرات ولكنّي عرفت ذلك دون الخلق كلّهم فسبقتهم بالعلم و المعرفة و اليقين علي حسب قبولي و طاقتي فالقبول له مدخلية تامّة في وجود الشي‏ء و لولاه لم‏يوجد كالانكسار للكسر و من هذه الجهة سبق ادم علي الملائكة لمّا علّمه اللّه سبحانه الاسماء فتعلم و ماقدرت الملائكة ان‏تتعلّم من غير واسطة البشر فامر ادم بانبائهم اياها فتعلّموا عن اللّه بواسطة ادم7 و ليس ذلك الاّ لتقدّم ادم7 بالاجابة و التلبية و تبعية الملائكة اياه و لذا سجدوا له و تعلّموا منه علي ماتقتضي رتبتهم و تطيق كينونتهم و ذلك لتقدّم قابلية ادم7 علي قابلية الملائكة و هذه القابلية لم‏تكن شيئاً قبل وجود المقبول و انما هي وجدت حين وجود المقبول بوجود المقبول كماذكرنا و الي هذه الدقيقة اشار7 بقوله و لقد كيّف لي فعرفت و علّمني ربي فتعلّمت فاثبت بذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 234 *»

الامر بين الامرين و ابان عن وجه الجمع بين كلّ الكلمات المتنافية كمايعرفه اهله من اهل الاستيضاح و الحجة.

الامر الخامس اشار بقوله7 و علّمني ربي فتعلّمت اشار بالتعليم الي تمكين القابلية و انه من شرط وجود الشي‏ء و هو من جهة الفاعل لا من جهة القابل فان تحقّق وجود الشي‏ء يتوقف علي امور: الاوّل الفاعل الثاني اثر فعل الفاعل الذي هو المقبول الثالث القابل الرابع نسبة المقبول الي القابل الخامس نسبة القابل الي المقبول السادس تمكين القابلية لصلوحها لقبول فعل الفاعل كالنار المتعلقة للدهن للاستضاءة فان الدهن بكثافته لم‏يستأهل لقبول النور و الاستضاءة فالنار تكلسه و تلطفه و تزيل اوساخه تمكيناً لقابليته و اصلاحاً لها للقبول و المراد بتمكين القابلية تخلية السرب و رفع الموانع بينه و بين اثر الفعل فاظهار العلم اي النور الوحداني النقطة الحقيقية التي كثّرها الجاهلون هو رتبة المقبول و الحدود المشخّصة و الظهورات المعيّنة الخاصة بذلك العلم و مكث ذلك العلم في تلك الحدود رتبة القابل و رفع الموانع و عدم الحيلولة بين العالم اي القابل المستأهل للعلم و علمه الخاص به هو تمكين القابلية و هو المسمّي في عرف العلماء بالتعليم و هذا التمكين الذي هو التعليم علي انحاء مختلفة و اطوار متشتّتة و يجمع الكلّ الدليل لاراءة السبيل فالدليل من تمام القابلية فما من اللّه سبحانه اولاً و بالذات اربعة امور لا دخل للعبد فيها شي‏ء ان وجد في الشي‏ء هذه الاربعة فيريده الفاعل سبحانه والاّ فلا و اثنتان منها للقابل اي من اللّه سبحانه و تعالي بالعرض لا بالذات و لاتكملان الاّ بتلك الاربعة و بالمجموع اتمام الشي‏ء فلو اخلّ بواحد منها لم‏يحصل الشي‏ء و هذا هو السرّ في الامر بين الامرين و سرّ تعقّب الاشياء بعضها عن بعض و سرّ الاختلاف مع تساوي نسبة الباري بكلّ مخلوقاته و سرّ الابتداء الزماني و انتهائه فان الفيض الاوّل دائم قائم لا تعطيل له فلايعرف له اوّل و لا اخر ولكن المفاض عليه في اصل تحقّقه او لعدم استيهاله اوّل المرة لقبول الفيض يتقدّم و يتأخّر و كذلك ظهور الفيض فهم من فهم.

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 235 *»

الامر السادس اشار7 الي مقامه و مرتبته في التلقّي في التكوين و التشريع فان مقام الخلق مقامان: الاوّل مقام الاجمال و الابهام و العماء و اللاّتعيّن و هو مقام النقطة الحقيقية الغير المتطوّرة بالاطوار الغير الظاهرة بالانوار قد غشيها نور وحدة المبدء و /صفة كينونته (صفته و كينونته خ‏ل) فزاغت عنها الابصار و انحسرت دونها الافكار و صفت عن كلّ الاكدار و زالت عنها كلّ الاغيار فهي عماء محض و نور بحت و وجه الحق للاسماء و لها القيّومية المطلقة لكن اذ لا متقوّم فلا كيف في هذا المقام و لا حدّ و لا اشارة نعم له كيفية باطنية و انية غيبية لاتميّزها العقول و لاتكتنهها الاوهام. الثاني مقام التفصيل و الانبساط و التمييز و التعيين و ظهور الاثار الفعلية و نشو الاسماء الحسني و الصفات العليا و بروز التعلقات و الاسماء المتقابلات و لا شكّ ان في الكون الاوّل لا وجود الاّ لمحمّد و علي8 و لا شكّ ان محمّداً9 هو الافضل و الاقدم و الاسبق فيكون مقامه9 مقام النقطة مقام الابهام و عدم التكييف و لا شكّ ان عليّاً7 هو التالي له9 و لا فصل بينهما بشي‏ء ابداً و هو7 اقرب الاشياء اليه9 و اللّه جلّ اسمه سمّاه نفسه فيكون المقام الثاني مقام التفصيل و التعيين و التمييز و الاختلاف مقام علي7 و هو قوله تعالي عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و قال النبي9 مااختلف في اللّه و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي و مقامه7 مقام التكييف و التوصيف و الانبساط و لذا قال7 و لقدكيّف لي و هو7 في عالم الوجود المطلق في مقام الالف و النفس الرحماني الاوّلي و الازلية الثانية و السرّ المستسر بالسرّ و في عالم الوجود المقيد من الخلق الاول خلق الانوار في مقام النفس الكلية و في الخلق الثاني خلق الاجسام في مقام الكرسي و في مقام السموات في مقام القمر وهكذا مقامه7كماذكرنا مراراً في مقام الصفة و ظهور الربوبية اذ مربوب كوناً و عيناً و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 236 *»

مقام الانبساط و الانتشار و التفصيل و لذا قال7 كيّف لي فان التكييف توصيف و تحديد و ان كان يطلق علي محض الصفة وحدها من غير كيف الاّ انه ليس من اصل وصفه و حقيقته بخلاف التوصيف فلو عكس الامر لم‏يؤدّ هذا المؤدّي فافهم وفقك اللّه لمايحب و يرضي و اشرب عذباً صافياً.

الامر السابع اشار بذكر المعرفة و العلم و تقدّم المعرفة علي العلم الي الدليلين: دليل الحكمة و هو المفيد للمعرفة و به يعرف اللّه و يعرف ماسواه و هو دليل الكشف و مشاهدة الشي‏ء علي ماهو عليه و لذا اتي7 بالكيف في مقام المعرفة فان المعرفة انما تحصل بالفؤاد كماقال الصادق7 و اذا انجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة الحديث و الفؤاد محيط بكيفيات كلّ الاشياء و كلّها تحت مقامه فيدركها علي ماهو عليه بخلاف المشاعر الاخر اذ لاتخلو واحدة منها عن الكيف و يريد7 بالكيف ما هو اعمّ من الكيف الذاتي اي الصفة الذاتية و العرضية من الاثرية و غيرها و المعرفة قالوا في معناها انها الادراك الثاني بعد الذهول عن الادراك الاول و قالوا و لذا لايصحّ ان‏يطلق علي اللّه العارف بخلاف العالم اذ ليس هذا الذهول شرطاً في العلم كمافي المعرفة و هذا الذهول انما حصـل في القوس النزولي عند خطاب ادبـر اذ كلّ مرتبة عالية تغيب في الرتبة السافلة و تستجنّ فيها استجنان الشجرة في النواة ثم يعدم شعورها و يبطل حسها الي ان‏ترجع الي مقامها في القوس الصعودي فهناك يحصل ادراك مقامها و مقتضياتها بعد ماكان ذاهلاً عنها و لمّا كان الادراك التامّ و الكشف الحقيقي و المعرفة الواقعية لاتحصل الاّ اذا نظر بمشعر الفؤاد المحيط بكلّ المشاعر و نظر به الي نور العظمة المنيرة لكلّ المراتب و المقامات فهناك يحصل له الادراك التامّ بعد الذهول و لذا اختصّ الواقفون بذلك المقام و الواصلون الي تلك المرتبة باسم العارف و اما مولانا اميرالمؤمنين7 فهو و ان لم‏ينـس المراتب المتقدمة حين تنزّل لاستحالة السهو و النسيان في حقّه في التكوين و التشريع لكن من جهة الالتفات في مقام يشغله شأن عن شأن قديحصـل له ذلك فان

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 237 *»

النفس حال الالتفات من حيث الالتفات الي النظر في المسألة الفقهية مثلاً لايمكن ان‏تكون ناظرة الي المسألة الهندسية و الاّ لم‏يشغلها شأن عن شأن و المفروض انه ليس من صفتها و ليس عدم الالتفات جهلاً و الاّ لم‏يكن عالمٌ بشي‏ء من الاشياء في الوجود و هو مكابرة و سفسطة و اما اذا كان النظر بعين الفؤاد فيكون الالتفاتات كلّها واحداً فينظر بنظر واحد الي الكلّ دفعة واحدة كالشمس الناظر الي اشعتها المتكثرة لان التلقي عن المبدأ لايكون الاّ بتلك العين و ذلك النظر فعلي ماذكرنا صحّ اطلاق اسم العارف عليه و علي من معه في مقامه: و دليل المجادلة بالتي هي احسن و هو مفيد للعلم و لم‏يذكر7 ماتدلّ علي دليل الموعظة الحسنة لعدم الحاجة اليه لان الوسط يعرف و يذكر اذا ذكر اعلاه و اسفله لان الطفرة في الوجود باطلة فتمّ بماذكره7 العلم بالموجودات من العلوية و السفلية كلّها من منّ اللّه تعالي عليه7فان اللّه عزّوجلّ قدحصـر الادلة كلّها في ثلثة كماقال عزّوجلّ ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن فلو بقي علم في العالم اي ماسوي اللّه لم‏يقم اللّه سبحانه له دليلاً يوصل الطالب اليه لما كان حكيماً تعالي عن ذلك علواً كبيراً و قدنـصّ اميرالمؤمنين7 بان اللّه عزّوجلّ علمه مدلولات كلّ هذه الادلة فقداحاط بكلّ شي‏ء علماً و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بماشاء وسع كرسيه السموات و الارض و لايئوده حفظهما و هو العلي العظيم و يريد7 بالربّ هو المربي و هو رسول‏اللّه9 او الحقّ جلّ‏وعلا و لايكون ذلك الاّ بواسطة رسول‏اللّه9 و سيأتي بيان كيفية هذا التعليم و سرّ هذا التفهيم ان شاء اللّه تعالي.

قوله7 الا فعوا و لاتضجّوا و لاترتجّوا و لولا خوفي عليكم ان‏تقولوا جنّ او ارتدّ لاخبرتكم اعلم ان الحق القديم تعالي و تقدّس لم‏يزل في قدسه و ازليته متفرداً متوحداً لا شي‏ء معه و لا غير عنده بل هو هو و لايعرف كيف هو

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 238 *»

الاّ هو ثم انه سبحانه ظهر بالمحبة التي هي عين الظهور فاحتوي الظهور جميع السبحات الالهية و الشئونات الربانية و كلّ مايمكن ان‏يظهر به بفعله و هذا الظهور اول الذكر و هو بامكانه بحر لا اول له و لا اخر و لا نهاية له و لا بداية له اذ لو انقطع حتي يحصل الابتداء كان الازل مقترناً بالفاصلة اذ العدم لايصلح للانفصال اذن لا انقطاع و الشي‏ء مع لزوم الاقتران ان كان قديماً يلزم تعدد القدماء و ان كان حادثاً فبطل الفرجة و الفاصلة حتي يتحقق الاولية المسبوقة بالعدم و قدشرحنا هذه المسألة في كتابنا اللوامع الحسينية7 من اراد الاطلاع علي حقيقة الامر فليرجع اليها و هذا الظهور وجهه الاعلي بحر الاحدية و الواحدية و وجهه الاسفل بحر الامكان الذي هو العمق الاكبر و هو الامكان الراجح لجمعه كلّ شئونات الحقّ سبحانه قدخزنها فيه و منه يبديها لانه كلّ يوم في شأن اي شئون يبديها لايبتديها و الوجه الاسفل من هذا الامكان الراجح هو الوجود و هو محل تلك الامكانات و موقع ظهوراتها و هو و ان كان اضيق احاطة من بحر الامكان لكن لمّا كان اقرب الاشياء و اول السابحين في تلك اللجة كان بينهما كمال المناسبة و المشابهة و هو ايضاً /غير متناه (غير متناهي ظ) التعلق مع ورود الشئونات الامكانية من ظهورات الاسماء و الصفات عليه فلا نهاية لعجائبه و لا غاية لغرائبه و لايتكرّر مافيه بل دائم السيلان و الافاضة من بحر الجود (الوجود خ‏ل) و الوجود الامكاني المستلزم لكمال التحيّر فكلّ‏ما يمكن للازل ان‏يظهر في الامكان و الاكوان كلّه دائماً ترد عليه([2]) و لا نفاد لذلك و لا انقطاع و ذلك البحر هو بحر العلم لان العلم ليس الاّ ظهور حقايق الاشياء شهوداً و وصفاً و لمّا كان ذلك الوجود اقرب الاشياء الي المبدء الحقّ الذي ظهر فيه علمه و سلطانه و جبروته و ملكه و قدرته كان له جمال يتلألأ و بهاء يتشعشع فصار ذلك النور مبدء وجودات لاهل الرتبة الثانية و هو نور واحد قد انقسم الي الاقسام و انت تعلم انّ الاثر وجه واحد من وجوه ظهورات المؤثّر بل لو اردت حصر نسبة الوجه الواحد مع تلك الوجوه الكثيرة التي لا ذكر لشي‏ء منها في ذلك الوجه الواحد لما قدرت ان‏تحصيها كثرة انظر الي نسبة قيامك وحده مع ساير ظهوراتك من

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 239 *»

قعودك و اكلك و شربك و نومك و يقظتك و حركاتك و سكناتك و ساير اطوارك و اوطارك من بدء امرك و وجودك الي منتهي اكوارك و ادوارك و لا شكّ ان القيام وحده فاقد علم كلّ تلك الاطوار و الاثار و الظهورات و ليس عنده الاّ محض الظهور بالقيام فلو رأيك احد متكلّماً يحكم عليك بصفة الكلام خاصة و لايعلم ان لك صفة اخري غيره فاذا اتقنت ماقلنا لك علمت ان نسبة الرتبة الثانية الي المرتبة الاولي جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير و استغفر اللّه من التحديد بالقليل فليس عند الثانية الاّ رشح من وجه واحد من الظهورات و الوجوه الغير المتناهية التي لتلك الرتبة العليا الاولي بل و لا نسبة فلو اخبر اهل الرتبة العليا بشي‏ء من تلك الوجوه اهل الرتبة الثانية لانكروا و كفروا و قطعوا ببطلانه اذ لايجدون ذلك عندهم و لايمكن ذلك ايضاً في حقّهم فتكون نسبة اهل المرتبة الاولي مع السفلي نسبة العالم المطلق الي الجاهل المطلق.

ثم اذا اشرق نور من اهل المرتبة الثانية و ظهر منهم اثر فتحقّقت به الرتبة الثالثة و تحدّدت بحدود كثيرة و خلقت منها ذوات كثيرة ذوات شعور و ادراك تكون نسبة الرتبة الثالثة الي الرتبة الثانية نسبتها الي الاولي فيكون ما عند الثالثة وجه واحد من وجوه الثانية الغير المتناهية و ذلك الوجه ايضاً رشح لا اصل و ذات فانظر الان نسبة الثالثة في العلم بالرتبة الاولي بل لاتتحقّق نسبة و لايعبّر عن قلّته بعبارة بل لايفهم من تلك المرتبة و علومها شيئاً اصلاً لا بالاصالة و لا بالتبعية و قد علمت المراد من هذه المراتب التي ذكرنا فان بحر الامكان الراجح هو المشية و بحر الوجود هو الحقيقة المحمّدية9 و الرتبة الثانية رتبة الملائكة الكرّوبيين و المقرّبين و الانبياء و المرسلين و الرتبة الثالثة رتبة الانسان انظر (فانظر خ‏ل) الان الي نسبة علم الناس الي علوم اهل‏البيت: هل لهم علم معهم: و هو المراد بقوله تعالي و بئر معطّلة و قصر مشيد و قد قال الشاعر:

بئر معطّلة و قصر مشرف   مثل لال محمّد مستطرف
فالقصر مجدهم الذي لايرتقي

 

  و البئر علمهم الذي لاينزف

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 240 *»

فلا ظهر من علمهم ذلك للخلق ابداً لا الانبياء المرسلين و لا الملائكة المقرّبين فلايذكرون: ذلك ابداً لاحد الاّ انفسهم بعضهم مع بعض كماقالوا: ان حديثنا صعب مستصعب لايحتمله احد لا الملك المقرّب و لا النبي المرسل و لا المؤمن الذي امتحن اللّه قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال7 نحن نحتمله فانقطع طمع الخلق كلّهم عن هذا و لايطمع في ادراكه طامع و هكذا نسبة كلّ رتبة الي مادونها و هذا لا سبيل له الي الاظهار و لايجوز ذلك بل لايمكن ايضاً الاّ اذا انقلبت الحقايق فيكون التابع متبوعاً و الشعاع منيراً و الفرع اصلاً و هو باطل بالضرورة نعم بذلك العلم يتكلّم بعضهم: مع بعض في الامور المشتركة و اما في الامور المختصّة فيختصّون بحروف من العلم في باب التوحيد و المعرفة لايتحمّلها بعض اخر منهم: كما كان رسول‏اللّه9 يختصّ بحرف من العلم لم‏يعلمه علي7 و لايتحمّله و كذلك علي7 بالنسبة الي سيّدنا الحسن7 و كذلك الحسن7 بالنسبة الي مولينا الحسين7 و كذلك مولينا الحسين7 بالنسبة الي القائم المنتظر عجّل اللّه فرجه و7 و كذلك القائم7 بالنسبة الي الائمة الثمانية: و كذلك الائمة الثمانية بالنسبة الي فاطمة3 و ذلك الحرف هو سرّ التقدم و التأخّر فالمقدّم عنده حرف يقصر عنه المتأخّر في سرّ التوحيد و اما في الاحوال المتعلقة بالخلق فكلّهم سواء ليس واحد منهم اعلم من الاخر في ذلك و كذلك علمهم: لم‏يظهر للانبياء و لن‏يظهر ابداً كيف و قد ظهر لموسي7 قدر من مثقال الذرّ من نور علمهم: في الرتبة الثانية لكن في اعلي مراتبها ماقدر ان‏يطيقه حتي وقع مغشيّاً عليه و ايوب لمّا ظهر له7 نور من صفة علم علي7 في رتبة ايوب ماقدر ان‏يصبر حتي شكّ و بكي و قال هذا امر عظيم و خطب جسيم و ادم7 لمّا ظهر له سرّ علم القائم7 في مقامه تحيّر و توقّف وهكذا ساير الانبياء فكيف يطيقون علمهم:لا مايطيقون ابداً و لايتحملونها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 241 *»

سرمداً فلايجوز لهم الاظهار بوجه ابداً و كذلك سرّ بواطن القرءان الظاهر في حجاب العالين و اليه اشار ماقال سيدالعابدين حجة اللّه علي العالمين في الشعر المنسوب اليه7 شعراً:

انّي لاكتم من علمي جواهره   كيلا يري العلم ذو جهل فيفتننا
و قد تقدّم في هذا ابوالحسن   الي الحسين و وصي قبله الحسنا
فربّ جوهر علم لو ابوح به   لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
و لاستحلّ رجال مسلمون دمي   يرون اقبح مايأتونه حسنا

و ليس هذا النوع من العلم هو المراد من قول اميرالمؤمنين7 الا فعوا و لاتضجّوا اه و ان كان يمكن تطبيق هذه الابيات علي المراد و اما النوع فليس بمراد قطعاً لانه7 لايظهر للخلق ماليس في مقامهم و يشهد بماقلت قوله7 لاخبرتكم بماكانوا و ماانتم فيه بل المراد هو العلم الثاني الواقع في السلسلة العرضية و بيانه بالاجمال هو ان اللّه عزّوجلّ لمّا خلق الانسان جعل له ثلثة خزائن لثلثة علوم و هي كليات تجمع الخزائن كلّها و العلوم باسرها:

فالخزينة الاولي هي الفؤاد اعلي مشاعر الانسان و هذه خزينة واسعة لا نهاية لها و هي اشرف الخزائن و اصل الخزينة هي واحدة و بابها واحد و مفتاحها بيد اللّه سبحانه لا سواه لا ملك مقرّب و لا نبي مرسل لكن في اطراف هذه الخزينة بيوتات متصلة بها ابوابها متصلة بتلك الخزينة الواحدة لا طريق اليها الاّ من الباب الاعظم الذي مفتاحه عند اللّه سبحانه و مخزون في هذه الخزينة علم الحقيقة اي معرفة اللّه سبحانه و معرفة حقايق الاشياء كما هي مما قاله النبي9 اللّهم ارني الاشياء كما هي و فيها دليل الحكمة.

و الخزينة الثانية هي القلب و مفتاحه عند الملائكة العالين الاربعة الذين يستمدّ منهم جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و عزرائيل و المفتاح الاعظم بيد الملك الاعظم روح‏القدس و هي خزينة واحدة مشتملة علي اربع (اربعة خ‏ل) بيوت و هي القبة التي دخلها محمّد9 ليلة المعراج و كان مفتاحها بسم اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 242 *»

 الرحمن الرحيم و رأي فيها اربعة انهار تجري من اربعة حروف من البسملة و في هذه الخزينة علم الطريقة و تهذيب الاخلاق و العلوم المعنوية و الاحكام اليقينية و المعاني الكلية و لتلك الخزينة حجرات كثيرة كلّ مسألة منها موضوعة في حجرة منها و مقفل عليها بقفل من النور و موكّل عليها ملك خاصّ بها.

و الخزينة الثالثة هي الصدر الي الجسم و هذه الخزينة مشتملة علي ابواب و بيوتات كثيرة و حجرات غير عديدة لكن ابوابها يجمعها عشرون باباً و بيوتاتها ثلثمائة و ستّون بيتاً و حجراتها لاتحصي كثرة و مفتاحها بيد اسرافيل او عزرائيل و فيها علم الشريعة و علوم الصور و المجادلات بالتي هي احسن كلّ مسألة من مسائلها في حجرة من الحجرات مقفلة بقفل من الفضّة و الحديد و موكّل عليها ملك من الملائكة الخاصّ بها و العلوم كلّها ترد عليه من الخزائن الثلثة المذكورة.

و الشخص في القوس النزولي لمّا تنزّل الي الجماد ثم اخذ في القوس الصعودي فمهما وقف في موقف من هذه المواقف الثلثة احتجب عن العلوم المخزونة في الخزانة التي هي اعلي منها فاذا ورد عليه شي‏ء من العلوم المكنونة في تلك الخزينة العليا التي بابها قد انسدّ عليه و لم‏يفتح له و لم‏يشاهد ملكوت ذلك العالم يبادر بالانكار و يسرع الي الردّ و الابطال و يلـجّ في العناد و الجدال و لمّا كان الناس في الاغلب واقفين علي باب الخزينة الثالثة و لم‏يملكوا الباب و لم‏يأخذوا المفتاح بل اذا اورد عليهم شي‏ء يقفون بقابلية عملهم و فكرهم علي باب تلك المسألة الخاصة و يلتمسون فتحها فان اراد اللّه عزّوجلّ تفهيمهم ايّاها خاصة امر الموكّل علي ذلك الباب بفتحه فيعلمونها وهكذا و الذين ملكوا المفتاح لمن القليلين لم‏يبلغوا الي الخزينة الثانية العليا و ان وصلوا و بلغوا اليها لم‏يستقرّوا فيها و لمّا كان وقوفهم في هذه المواقف السفلية اذا ذكر لهم شي‏ء من اسرار الولاية الظاهرة في مولينا علي7 او ساير الائمة: او سرّ حقيقة من حقايق الكون مثل ما اذا قيل لهم ان الالفاظ كلّها حقايق لا مجاز فيها و ان القابليات مساوقة للمقبولات في الظهور و متأخّرة عنها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 243 *»

في الوجود و ان الخلق كلّهم امثال و ادلّة بعضها علي بعض و ان الوجود كلّه نقطة واحدة قد ظهرت باطوار و اكوار و ادوار و ان كلّ شي‏ء فيه بيان كلّ شي‏ء و ان الاشياء يدور عودها علي بدئها و بدؤها علي عودها و ان جميع الخلق كرات مستديرة صحيحة الاستدارة و مع‏ذلك شكلان مخروطان متوازيا السطحين و ماانوجد شي‏ء في التكوين و التشريع في الذات و الصفة الاّ بالاختيار و ان كلّ ذرّة من ذرّات الوجود ماوجدت الاّ بالولادة بالنكاح الصحيح علي كتاب اللّه و سنّة نبيّه9 و امثال ذلك من اسرار المشتقات و المبادي و اسم الفاعل و اسم المفعول و مقامات المسمّي و الاسم و ساير ما لم‏يجـر علي قلمي و لم‏ينطق به فمي من اسرار الوجه السفلي من الخزينة العليا لبادروا الي الانكار و لقد اخبر اللّه عزّوجلّ عن حالهم بقوله تعالي و اذ لم‏يهتدوا به فسيقولون هذا افكٌ قديم هذا حال من لم‏يصل الي تلك المرتبة.

و اما الواصلون ايضاً فتختلف احوالهم لان تلك الخزينة تمتلي علي قدر سعتها فكلمّا تتّسع يكثر النور فيها فتزيد المعرفة و هذا الاتساع انما يكون بكثرة المرور عليها و قلّته و شدة الاخلاص و التوجه في العمل و قلّته فكلّما ازداد نوراً و ضياء ازداد معرفة و علماً بخلاف الاخر الواقف في مقام السكون فانه لم‏يبلغ مقام الزيادة وهكذا فلم‏يزل الخلق تختلف علومهم بشدّة سيرهم و ضعفه و قوّة طلبهم و عدمها الاّ ان الواصلين الي تلك الخزينة ارتفع عنهم الانكار و خلص لهم التسليم و الانقياد اذ شاهدوا عياناً قوله تعالي و مااوتيتم من العلم الاّ قليلا و من هذه الجهة قال اميرالمؤمنين7 اندمجت علي مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوي البعيدة و قال مولينا الصادق7ما كلّ‏ما يعلم يقال و لا كلّ‏ما يقال حان وقته و لا كلّ‏ما حان وقته حضر اهله و قال اميرالمؤمنين7 ما كلّ العلم يقدر العالم ان‏يفسّره فان من العلوم مايحتمل و منه ما لايحتمل و من الناس من يحتمل و منهم من لايحتمل و قال سلمان لعلي7 يا قتيل كوفان لولا قال الناس لسلمان واه واش رحم اللّه قاتل سلمان لقلت فيك كلاماً اشمأزّت منه القلوب يا محنة ايوب الحديث، و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 244 *»

امثالها من الاخبار كثيرة و الوجه واضح ظاهر.

و اما المؤمن الممتحن الذي شرح اللّه صدره للاسلام و نوّر قلبه و هداه للايمان اذا ورد عليه شي‏ء من ذلك ان عرفه فهو المطلوب و المني و ان لم‏يعرفه يسهل عليه التصديق و لايستنكف ان‏يقول لااعلم و يسلم و لايعترض فبقدر التسليم يوفّقه اللّه للفهم و المعرفة القطعية الغير المشوبة بشي‏ء من الشكوك و الشبهات حتي لايرتاب و الناس في ريبهم يتردّدون و هم في كمال الراحة في دنياهم و اخرتهم و لذا تري احاديث اهل‏البيت:مشحونة بـ انّ حديثنا صعب مستصعب لايحتمله الاّ ملك مقرّب او نبي مرسل او مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و في رواية اخري او مدينة حصينة قيل و ما المدينة الحصينة قال7 القلب المجتمع و قال7 في وصفهم المتّبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين يتأدّبون بادابهم و ينهجون منهجهم فعند ذلك يهجم بهم العلم علي حقيقة الايمان فتستجيب ارواحهم لقادة العلم و يستلينون من حديثهم مااستوعر علي غيرهم و يأنسون بمااستوحش منه المكذّبون و اباه المسرفون اولئك اتباع العلماء صحبوا الدنيا بطاعة اللّه تبارك و تعالي و اوليائه و دانوا بالتقية عن دينهم و الخوف من عدوّهم فارواحهم معلّقة بالمحلّ الاعلي فعلماؤهم و اتباعهم خرس صمت في دولة الباطل منتظرون لدولة الحق و سيحقّ اللّه الحق بكلماته و يمحق الباطل طوبي لهم الحديث.

فتمحض لك من هذا الكلام ان العلوم كلّها ممايتعلّق بها الادراك لمن هو تحت المشية علي اربعة وجوه:

وجه منها يعمّ الكل من اهل تلك المرتبة ادناها و اعلاها و اسفلها و في مقام الافتراق و الاختصاص و الامتياز يختصّ به الادني و الاسفل من اهلها و العالي اذا نظر اليه فانما هو بعد تنزّله بظهوره و نوره او بتطوّره و شئونه الي الاسفل و هو الوجه الظاهر المشتمل علي اللبّ و القشر و قشر القشر المعبّر عنها بالوبر و الصوف و الشعر كما في قوله تعالي و من اصوافها و اوبارها و اشعارها اثاثاً و متاعاً الي حين.

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 245 *»

و الوجه الثاني منها مايختصّ به الخواص من اهل الباطن في علم الاسرار الباطنية اللدنيّة كما في مقام الانسان معرفة ان الصلوة هي ولاية اميرالمؤمنين7 و الزكوة هي البراءة من اعدائه و الشجرة الطيّبة و الكلمة الطيّبة و المثل الاعلي و الكتاب المبين و الايات و الصراط و القسطاس المستقيم و سبيل‏اللّه علي7 و الطيبون من اولاده و الصديقة الطاهرة: و مقابلات ماذكرنا لمقابليهم و معانديهم و معرفة ان اطلاق هذه الالفاظ عليهم: ليس من باب المجاز لقوة المناسبة و دلالة القرينة و انما هو من باب الحقيقة الاوّلية و اطلاقها علي المعاني المعروفة مجاز علي الحقيقة و حقيقة علي المجاز.

و الوجه الثالث منها مايختصّ به الخصّيص من اهل باطن‏الباطن الذين قد وقفوا مقام نقطة العلم التي كثّرها الجاهلون و فرّقوا بين الفعل اللازم و الفعل المتعدي فعرفوا معني اسم الفاعل و كيفية اشتقاقه من المصدر و اشتقاق المصدر من الفعل و كيفية انبعاث الفعل الي سبعة اطوار من الماضي و المضارع و الامر و النهي و الجحد و النفي و الاستفهام و تطوّر كلّ من هذه السبعة الي اربعة عشر طوراً و انبعاث الفعل الي تسعة ليجعل الاسم (اسم ظ) الفاعل و اسم المفعول مما انبعث منه و ان كان بواسطة المصدر فظهر لهم حقيقة شكل المثلث المشفوع بالمربع المستخرج منه شكل الاستدارة و المخروط فرأوا ظهور الجميع في اليد فلاحظوا الخمسة الاصابع في العقود الاربعة عشر فاستنطقت لهم منها كلمة كـن فعرفوا بذلك اسم علي7 لا معناه بملاحظة ما هو الحق المقرّر في الاسماء ان الحرف الاوّل من الاسم عليه المداد و باقي حروف الاسم شرح لاجمال ذلك الحرف و لذا قال في قصيدته شعراً:

حتي اذا اتّصلت بهاء هبوطها   عن ميم مركزها بذات الاجرع
علقت بها ثاء الثقيل فاصبحت   بين المعالم و الطلوع الخضّع

و لاتتوهّم انّ مرادي من هذه الكلمات اللغز و التعمية و انما اردت بها حفظ السرّ علي ماقال الشاعر:

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 246 *»

و مستخبر عن سرّ ليلي اجبته   بعمياء من ليلي بلا تعيين
يقولون خبّرنا فانت امينها   و ما انا ان خبّرتهم بامين

و اهل هذه المرتبة هم المؤمنون الممتحنون الذين يتحمّلون اسرارهم كمافي اخبارهم: .

و الوجه الرابع مايختصّ به من شاءوا و ارادوا: بارادة خاصة من الخصّيصين و ليس هذا لهم مهما ارادوا او (و خ‏ل) طلبوا بل انما هو تفضّل و عطية يمنّون به من سبقت له من اللّه الحسني و بذلك تتفاضل درجاتهم و اليه الاشارة في قولهم: ان حديثنا صعب مستصعب لايحتمله احد لا ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال7 من شئنا و هؤلاء ممن تعلّقت بهم عناية خاصة من اللّه بهم لان اللّه سبحانه يؤتي كلّ ذي فضل فضله و العلوم كلّها لايخلو من هذه الاربعة.

و لمّا كانت المراتب الطولية ثمانية كماذكرنا مراراً تكون مراتب العلم بملاحظة هذه الاربعة في تلك الثمانية اثنين و ثلثين مرتبة و ان اضفت عالم المشية الي المراتب الطولية و جعلتها عالماً مستقلاً تكون المراتب ستة و ثلثين و ان ثلّثت هذه المراتب الاربعة كلّ مرتبة منها بملاحظة الاعلي و الاوسط و الاسفل تكون اثني‏عشر مرتبة فاذا لاحظتها مع الثمانية تكون ستّة و تسعين و مع التسعة تكون مائة و ثمانية و في الاثنين و السبعين منها للانسان فيها حظّ و الباقي يخلص لغيره من المراتب العالية و كلّ هذه المراتب التي للانسان بالنسبة الي الدائرة المحيطة بها كالنقطة في الدائرة العظيمة و كلّ مرتبة اذا نسبتها الي الرتبة التي تقابلها تتّسع الدائرة و تنفرج الكرة و ان كانتا في النوع متساويتين لكن ماعند العالي اوسع مماعند السافل بما لانهاية له و الي هذه الدقيقة في باطن الامر و لبّ السرّ اشار سيّدنا رسول‏اللّه9 في حديث زينب العطّارة ان الارض بما فيها و من عليها بالنسبة الي الارض الثانية كحلقة ملقاة في فلاة قي وهكذا الي الارض السابعة و الي البحر و الي الثري كلّ واحدة بالنسبة الي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 247 *»

 الاخري كحلقة ملقاة في فلاة قي ثم قال9 و الثري و من فيها و من عليها بالنسبة الي السماء الدنيا كحلقة ملقاة في فلاة قي و المجموع بالنسبة الي السماء الثانية كحلقة ملقاة في فلاة قي وهكذا الي الكرسي و هو مع ما فيه بالنسبة الي العرش كحلقة ملقاة في فلاة قي الحديث و يريد9 بالحلقة في فلاة قي النقطة في الدائرة و هذا هو حكم كلّ سافل بالنسبة الي عاليه و هو كماذكرنا لك من نسبة المراتب بعضها مع بعض و ستّة من هذه المراتب حظّ العوام و بها يتخاطبون و يخاطبون و لايراد منهم في مقامهم غيرها و الباقي حظّ الخواص و الخصّيص فتختلف احوال العوام عند استماع تلك المراتب فهم فيها بين عارف بكلفة شديدة و دقّة عظيمة و بين مجوّز لها علي جهة الرجحان مع احتمالهم خلافها و بين محتمل غير منكر و بين منكر و بين مكذّب حاكم للقائل بالفسق و بين مكذّب حاكم للقائل بالكفر مع قبول التوبة و حاكم بالكفر و الارتداد مع عدم قبول التوبة و تختلف احوالهم في مراتبهم في انفسهم و مراتبهم في مراتب العلوم

و لكل رأيت منهم مقاما   شرحه في الكلام ممايطول

فاذا عرفت ماسطرنا لك عرفت مراتب الخلق و مقاماتهم في العلوم فلايشتبه عليك شي‏ء من احوالهم و وقوفهم في مقاماتهم و مواقفهم ان سدّدك التوفيق و قادك التأييد و لمّا كانت العناية الالهية جرت في اصلاح القوابل السفلية و تمكينها لتحمل الانوار العلوية المشرقة من شمس فلك القدرة بانضاجها و طبخها لتتقوّي لها و تتهيّأ لتحملها والاّ لاحترقت لان ما من الفاعل في غاية الحرارة و ما من القابل في غاية البرودة و اليبوسة فلو القيت الحرارة علي البرودة دفعة واحدة علي حدّ الكمال لافنتها و عدمتها و احرقتها فلم‏يتحقق الشي‏ء فلابدّ من القاء الحرارة شيئاً فشيئاً حتي يحصل النضج و تتحقّق المناسبة التامّة بين تلك القوابل و تلك الانوار حتي تكون صابرة و متحملة عند اشراقها عليها و برهان هذا علي التفصيل في العلم المكتوم سيّما عند ظهور القاضي الذي هو الانفحة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 248 *»

باصطلاحهم اي النوشاذر اذ في اوّل الامر يوقدون تحته ناراً حرارته كحرارة جناح الطائر ثم يزيدون في النار كلّ يوم ضعف ماكان في اليوم الاوّل الي سبعة ايام فتبلغ الحرارة في اليوم السابع الي مقدار حرارة نار السبك فلو كانت الحرارة الحاصلة بعد السبعة في اليوم الاوّل لاحترق الثفل و فني ذلك تقدير العزيز العليم.

و اذا فهمت هذا فاعلم ان عالم الشهادة ايات و امثال لما في عالم الغيب كما قال عزّوجلّ سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انه الحقّ فكما ان في عالم الاجسام لم‏يتحقق الشي‏ء الاّ بحلّين و عقدين ففي الحلّ الاوّل و العقد الاوّل الغلبة و الاستيلاء للرطوبة و البرودة و الحرارة ضعيفة مغلوبة و في الحلّ الثاني و العقد الثاني بعكس الاوّل بل الاستيلاء و الغلبة للحرارة و اليبوسة و البرودة و الرطوبة ضعيفة مغلوبة فكذلك الامر في خلق الارواح.

و قد قلنا سابقاً ان الذين خلقوا علي الصورة الانسانية علي ثلثة اقسام: احدها من خلق ظاهرهم و باطنهم علي الصورة الانسانية و هؤلاء الخصّيص و الخواص علي اختلاف مراتبهم. و ثانيها من خلق ظاهرهم علي الصورة الانسانية و باطنهم اي روحهم علي الصورة الشيطانية من صور البهايم و حشرات الارض و هؤلاء المعاندون من الكفّار و المنافقين و هاتان الطائفتان قد قضـي لهم الامر و صيغوا علي ماقبلوا من فيض الفيّاض فلايكون هؤلاء من هؤلاء و لا هؤلاء من هؤلاء. و ثالثها من خلق ظاهرهم علي الصورة الانسانية و باطنهم بعد لم‏يخلق و انما هو ساذج قابل للطرفين حيث غلبت عليهم الرطوبات البلغمية فثقلت مداركهم عن استماع الامر الالهي حتي يقبلوا او ينكروا و هؤلاء العوام الذين لم‏يذوقوا حلاوة المحبة و لم‏يردوا ماء المعرفة.

و لمّا كان الانبياء و الرسل و الكتب و الاوصياء و العلماء انما هم لتتميم قوابل الارواح و تمكينهم للنضج و الاصلاح ليستأهلوا للخطاب و يصاغوا بعد الخطاب بمانطـق به الكتاب و قد قلنا ان هذا التمكين لايحصل الاّ بالحلّين و العقدين جرت عادتهم: مع العوام بذلك ان لم‏يكونوا من المعاندين

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 249 *»

فان كانوا قاطعين عالمين بشي‏ء بالجهل المركّب و هو غير مطلوب منهم بالكينونة الاوّلية و هم لايعلمون ذلك فاولاً يوردون: عليهم مايبطل به قطعهم و يقينهم و ينزلونهم منزلة الاحتمال و التجويز هذا اوّل الحلّ الاول ثم بعد ذلك ينزلونهم الي مقام الشك عماكانوا قاطعين به و هذا تمام الحلّ الاول و عقده ثم بعد ذلك يظهرون: لهم الحقّ الواقعي علي جهة البرهان اللائق بهم و هو الحلّ الثاني ثم يلزمونهم عليه و هو العقد الثاني فاذا تتبّعت كلماتهم: و سلوكهم مع العوام من هذا القسم لاتجـد الاّ كماذكرنا و لقد اوضح مولينا الصادق7 الامر كماشرحت لك في احتجاجه مع ذلك الزنديق الشامي حتي جعله بتوفيق اللّه مؤمناً خالصاً و هو مذكور في الكافي في اوّل كتاب التوحيد و كذلك فعل اللّه سبحانه مع المنكرين للبعث حيث قالوا ءاذا كنّا عظاماً و رفاتاً ءانّا لمبعوثون خلقاً جديداً قال اللّه عزّوجلّ في الردّ عليهم قل كونوا حجارةً او حديداً او خلقاً ممايكبر في صدوركم فتنزّلوا منزلة الاحتمال و التجويز حتي قالوا من يعيدنا فقال اللّه سبحانه قل الذي فطركم اوّل مرّة ثم تنبّهوا و احتملوا و جوّزوا ذلك ثم سألوا عن وقته كما اخبر عنهم سبحانه فسينغضون اليك رءوسهم و يقولون متي هو قل عسي ان‏يكون قريباً يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده و تظنّون ان لبثتم الاّ قليلاً و هذا هو نمطهم و ديدنهم: مع المخالفين الغير المعاندين.

و ان كانوا جهّالاً لايعلمون مايريدون: ان‏يلقوا اليهم و يعلّمونهم فكما فعل اميرالمؤمنين7 في هذا المقام فقال7 الا فعوا و لاتضجّوا و لاترتجّوا لانه7 اراد ان‏يلقي اليهم اسرار الولاية الظاهرة في كينونات ذواتهم المخزونة في اعلي مراتب قلوبهم و افئدتهم و هم في مقام الجسم واقفون و بباب الجدال و القيل و القال لائذون فامرهم بالوعي و عدم الاضطراب و في هذا تمام الحلّ الاول في الخلق الاول لان ماالقي اليهم: من اسرار هذه الخطبة هو نار و جعلها اللّه في الشجر الاخضر الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية و لا غربية و بهذه النار نضج ثمار الجنة التي هي علوم الولاية و لمّا كانت القرائح جامدة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 250 *»

و الطبايع خامدة و غلبت الرطوبات الباردة و خفيت بل انطفت الشعلات الغيبية الواردة فلايمكنها الصعود الي الدرجات العالية جعـل7 في روعهم قبسة من قبسات النور علي جبل الطور الظاهر في الشجرة المذكورة فامرهم بعد الالقاء بوعيها و حفظها بالسكون و الاطمينان لتستقرّ تلك الشعلة و تجفّف الرطوبة فلو اضطربوا و ارتجّوا و استغربوا و استبعدوا تفتح مسامّ القابلية فتخرج حرارة تلك الشعلة من خلالها فلاتؤثّر فيها و لاتنضج القابلية بها و من هذه الجهة كثرت الثلوج في فصل الشتاء و انسدّت المسام لتتوجّه الحرارة الي الباطن و تستخنّ (تتسخّن خ‏ل) القوي و الجوارح بها لتمام نضجها و طبخها والاّ لفسدت القوي و اضمحلّت الاشياء فاول باب المعرفة و الحكمة القبول و الانقياد و السكون و الاطمينان فلولا السكون لم‏يستقرّ القبول و لولا القبول لم‏ينفع السكون بل لم‏يتحقق و هذا للاستيهال لافاضة الفيض علي تلك القوابل الباردة الفاسدة و الي هذا الاشارة بقوله عزّوجلّ فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكّموك فيما شجـر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مماقضيت و يسلّموا تسليماً فذكر سبحانه و تعالي لتحقق الايمان امرين: احدهما الاخذ من علي7 لا غير و ثانيهما عدم الحرج و الاضطراب بل التسليم و التصديق فبهما يتحقق الايمان الذي لمّاتجسّد في عالم الاجساد و الاجسام ظهر بالصورة الانسانية فبالامرين يتمّ نضج طبيعة الايمان و لذا قال مولينا الصادق7 علي ما في الكافي انّكم لاتكونون صالحين حتي تعرفوا و لاتعرفون حتي تصدّقوا و لاتصدّقون حتي تسلّموا ابواباً اربعة لايصلح اوّلها الاّ باخرها ضلّ اصحاب الثلثة و تاهوا تيهاً بعيداً الحديث فجعل7 التسليم هو اوّل باب المعرفة و اليقين فلايكمل اليقين و لايتمّ المعرفة و لايستقرّ الحكمة الاّ به و التسليم كما فسّره7هو استماع الحق و وعيه باذن قلبه و عدم اضطرابه و عدم القول فيه لم و كيف و اين و علي‏مَ بل لايجد في نفسه شيئاً و يسلّم الامر لاهله فان وجدوه اهلاً ابانوا له و كشفوا عن حقيقته له فسيعرف بماعرّفوه اياه والاّ فلايطلب ماليس له بمصلحة فالمؤمن المخلص هو المسلّم و هو الذي يعرف

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 251 *»

بحقيقة الايمان ان الخلائق باسرها عند ال‏محمّد:كالدرهم في يد احدكم و هم: مطلعون بجميع احوالها و اطوارها و اوطارها فاذا ورد علي احد من الخلق حديث من احاديثهم: فهم الذين اجروه علي لسان القائل و سبّبوا الاسباب حتي اصغي اليه المخاطب او نظر الي المكتوب لحكم و مصالح اقتضت ذلك فان اقتضت الحكمة ان‏يعرفوه هيّأوا له اسبابها علي مقتضي مايريدون بمقتضي استدعاء الدواعي و ان اقتضت انكاره مع انه هو الحق في الواقعي الاولي لا النفس‏الامر الذي هو الواقعي الثانوي سبّبوا له اسباب الانكار اما باحاديث اخر تعارضه او بادلّة عقليّة او باجماع و شهرة و اشارة في لحن الخطاب و فحواه و مفهومه و امثال ذلك و ان اقتضت الجهل به في حقّه ابقوه علي حاله فلايذكرون له معارضاً و لايجعلون قرائن و ادلّة موضحة ففرضه حينئذ التسليم و الردّ الي اهله و الوقوف عنده و العمل بمااستقرّ عليه المذهب و دلّت عليه الاخبار المحكمة و لايخوض في لجج المتشابهات و لايطرح الاخبار و لاينكرها فان صاحبها اولي بها لعلّهم ارادوا بها ما لايخالف المذهب و نحن لانعرف و لاندرك وجه التطبيق و هذا هو سلوك سبيل الرب ذللاً.

فاذا واظب بالذي ذكرنا و تحقّق الذي سطرنا و امن قلباً بالذي قلنا فهو المؤمن الممتحن و قد دخل البيت من بابه و يفتح له ان شاء اللّه ابواب الحكمة و ترزق (يرزق ظ) المعرفة ولكنّ الموفّقين لهذه المعرفة قليلون و من هذه الجهة تراهم في كلّ وادٍ يهيمون حيث اعرضوا عن ائمة الهدي: بلسان اعمالهم و ارادوا فتح باب الشريعة بعقولهم و مداركهم فضلّوا و اضلّوا كثيراً و ضلّوا عن سواء السبيل.

([1]) في القرءان هكذا: فانظر الي اثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها.

([2]) قولنا «كله دائماً ترد عليه» مجمل له تفصيل. منـه