06-02 جواهر الحکم المجلد السادس ـ المجلد الثاني من كتاب شرح الخطبة الطتنجية ـ مقابله – الجزء الثانی

المجلد الثانی من کتاب شرح الخطبة الطتنجیة – الجزء الثانی

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

و قوله7 و لولا خوفي عليكم ان‏تقولوا جنّ او ارتدّ و اليه الاشارة ماروي عنهم:لم‏يبلغ الرجل كمال الايمان حتي يشهد الف صدّيق بانه زنديق و هذا الحديث مارأيته مسنداً في كتاب من الكتب المعروفة ولكني وجدت في حاشية من حواشي بعض الكتب مرسلاً مقطوعاً لكن تعاضده الاخبار و يشهد بصحّته صحيح‏الاعتبار و قوله7لو علم ابوذر

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 252 *»

 ما في قلب سلمان لقتله و لقد اخي رسول‏اللّه9 بينهما فماظنّكم بسائر الخلق دليل علي ذلك و كذا في قول علي بن الحسين8 :

فربّ جوهر علم لو ابوح به   لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
و لاستحلّ رجال مسلمون دمي   يرون اقبح مايأتونه حسنا

و كذا قوله9 لو عمل سلمان عمل مقداد لكفر و لو عمل مقداد عمل سلمان لكفر و قول الصادق7 لمحمّد بن هلال والي المدينة في سرّ حمل رسول‏اللّه9 عليّا7 لكسر الاصنام الي ان قال7 مامعناه لو اني بيّنت لك مااراد رسول‏اللّه9 من حمل علي7لقلت جنّ جعفر بن محمّد الحديث و قول سلمان لعلي7 يا قتيل كوفان لولا قال الناس واه واش رحم اللّه قاتل سلمان لقلت فيك كلاماً اشمأزّت منه القلوب يا محنة ايوب فقال7 أتدري ما محنة ايوب قال لا قال7 لمّا كان عند الانبعاث عند المنطق شكّ و بكي قال هذا امر عظيم و خطب جسيم فاوحي اللّه اليه ياايوب أتشكّ في صورة انا اقمته اني ابتليت ادم بالبلاء فوهبته بالتسليم له بامرة المؤمنين و انت تقول امر عظيم و خطب جسيم فواللّه لاذيقنّك من عذابي او تتوب الي بالطاعة لاميرالمؤمنين ثمّ ادركته السعادة بي و امثال هذه من الاخبار كثيرة

و ليس معني شهادة الف صدّيق بانه زنديق انه يظهر منه كلمات توجب ذلك حاشاه لانه من اهل السرّ و هو بنور التوسّم يعرف المتحمّل عن غيره فلايذيع سرّ اهل‏البيت: المأمور بكتمانه عند غير اهله فلم‏يبلغ اذاً كمال الايمان فان مخالفتهم: في اذاعة اسرارهم من افسق الفسق كما دلّت عليه الاخبار المتكثرة فلايراد منه ان المؤمن البالغ في الايمان حدّ الكمال يظهر تلك الاسرار بل المراد ان عنده ما لو اظهره للناس لشهد الف صدّيق بانه زنديق حيث ينزّه الحقّ سبحانه عن كلّ اوصافهم و هم انما اثبتوا تلك الاوصاف زعماً منهم بان الربوبية لاتكون بغيرها و الذات الكاملة تمتنع ان

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 253 *»

لايكون لها صفات كمالية فاذا وجدوا عنده مخالف معتقدهم و انه سبحانه منزّه عمايقولون قد رأوا بانه كافر زنديق مع ان قوله هو الحق و اللّه عزّوجلّ يقول سبحان ربك رب العزة عمايصفون فاذا اتي العارف الكامل البالغ و قال انه سبحانه منزّه عن التنزيه و ليس مقام التنزيه مقام التوحيد فيقدّر اهل التنزيه بان ذلك كفر و زندقة و كذا اذا ذكرت لاهل هذه المرتبة ما لاينطق به فمي و لايجري به قلمي يقدّرون انّ هذا تشبيه و كفر بل يحكمون علي السفاهة و الجنون كما قال روحي فداه فان العقل و قواه و جنوده و مشاعره و مداركه و كلّ الالات البدنية و القوي الروحانية لم‏تبلغ تلك الدرجة و الفوز بتلك الاسرار و انما هي سرّ بينهم و بين بارئهم في مكمن الغيب علي سرير الحبّ فلايسع ذلك المقام ملك مقرّب و لا نبي مرسل فانّ اقصي مقامات النبوة مقام العقل و الملائكة من اشراقاته و عكوسات انواره و حوامل ظهورات اثاره و ذلك المقام ينحطّ دونه مقام النبوة و الملائكة و المراد بالنبوة مطلقاً في كلّ مقام بحسبه من الكلية و الجزئية فان عقل كلّ احد نبي بالنسبة اليه كما دلّت عليه الروايات المتكاثرة (المتكثرة خ‏ل) فاذا خرج ذلك السرّ عن مقتضي العقل و انما ظهر بطور الشهود في عالم اللانهاية من غير مستقرّ البداية في مقام النقطة السرمدية الجامعة بين النفي و الاثبات و الجمع و التفريق الجامعة للمتفرّقات المفرّقة للمجتمعات فيحكم علي الليل بانه نهار في عين كونه ليلاً و بالعكس فيحكم العاقل الواقف في مقام العقل بان ذلك جنون و سفاهة لكونه خارجاً عن مقتضي العقل و ليس لذلك الواقف سبيل الي ماوراه ليحكم بان ذلك حقيقة و ماحكم به العقل و مادونه من المشاعر بالنسبة اليه مجاز فيحمل علي السفاهة و الجنون فيرون اقبح مايأتونه حسناً و من هذه الجهة بقيت العلوم كلّها مكتومة لان الانسان الاكبر الذي هو العالم في القوس الصعودي وصل الي مقام البهايم و الحيوانات مقام النفس الامارة بالسوء و قد تسلطت النفس و اغلب اهل الدنيا في ذلك المقام واقفون و بذلك الباب لائذون فلايسعهم ادراك تلك المقامات و الوصول الي تلك الدرجات فلايقبلون من الواصل و لايسمعون من الكامل و هو قول مولينا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 254 *»

الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه في بعض توقيعاته لا لامر اللّه تعقلون و لا من اوليائه تقبلون حكمة بالغة فماتغني النذر نعم اذا بلغ في القوس الصعودي مقام البلوغ الذي هو رتبة العقل فهناك يكمل ادراكه و تقوي مشاعره فيستغني كلّ عن علم صاحبه كما قال مولينا علي7 ثم قال7 و هو تأويل قوله تعالي يغن اللّه كلاّ من سعته فهناك تبدوا الاسرار و تفشوا الاخبار فلاينكر احد علم صاحبه لان هناك و ان كان مقام العقل لكن فيه نور الفؤاد.

ثم اعلم ان الممكن لمّا لم‏يتمّ له الوجود الاّ بالتركيب و هو لايتحقق الاّ من ضدّين جرت الحكمة الالهية ان‏يكون لكلّ شي‏ء ضداً كما قال الرضا7 ان اللّه لم‏يخلق فرداً قائماً بذاته للذي اراد من الدلالة علي نفسه فخلق لكل شي‏ء ضداً و هو قوله تعالي و من كلّ شي‏ء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون هـ و هذا يقتضي ان‏يكون كلّ حق يقابله باطل في مقامه فان كان في عالم الشهود يكون ضدّه فيه و ان كان في عالم الغيب فكذلك ايضاً و قد عرفت سابقاً ان الخزائن العلوية مهابط الانوار القدسية من الملكية و الملكوتية و الجبروتية ثلثة فكذلك الخزائن السفلية في مقام التقابل علي العكس فالخزينة السوءي السفلي في مقابلة الاعلي (العليا ظ) في تحت الثري فيها من احكام الانكار و تلبيس الباطل علي الحق بقدر ما في الاولي الاعلي (العليا ظ) من المعرفة و المحبّة و اظهار الحقّ و الخزينة السوءي السفلي في مقابلة الثانية في الثري و فيها من احكام الشكوك و الظنون و الوساوس بقدر ما في مقابلها من اليقين و مفتاحها بيد الجهل و الخزينة السوءي السفلي في مقابلة الثالثة الاعلي (العليا ظ) في الطمطام او في جهنّم و تمتدّ الي الارض الثانية ارض العادات و مفتاحها بيد الشياطين الثلثة و لا منزلة و لا واسطة بين الحق و الباطل فماذا بعد الحق الاّ الضلال و الانسان لقلبه عينان و اذنان فباليمني ناظر الي العليا و باليسري ناظر الي السفلي فاذا اعرض عن النظر الي الحقّ في العليا فلابدّ ان‏ينظر الي السفلي فاذا مال اليها و استقرّ ميله و استمرّ و عمل بمقتضاه و قلّل الاكل و الشرب و ساير المقتضيات من الرياضات المقرّرة عندهم اتّصل باولئك الشياطين علي مقتضي عمله فمنهم من يتّصل بشياطين

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 255 *»

الارض الثانية و منهم من يتنزّل الي الطمطام و جهنم و بئس المصير و منهم من يتنزّل الي تحت الثري و هؤلاء سيّما الاخيرتين منهم لا خير فيهم ظلمة محضة تجري عليهم احكام الانكار و الكفر و الجحود لايرغبون الي الخير ابداً ناكسوا رؤسهم عند ربهم لكن جميع احوالهم مشابهة و مماثلة في الصورة الظاهرة بادي الامر لاحوال اهل الحق و علماء الدين كالشجرة الطيبة و الشجرة الخبيثة و هؤلاء مثل فرق اهل الضلال من الكفار و الجمهور و الصوفية تريهم يتكلّمون بالاسرار و الحقايق و يفعلون خوارق العادات كلّ ذلك كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماءاً حتي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً و وجد اللّه عنده فوفيه حسابه و هم الذين ضلّ سعيهم في الحيوة الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعاً فهؤلاء عندهم من العلوم الباطلة من احكام الطغيان و الكفر و الصـدّ عن سبيل الحق بقدر ما عند اهل الحق من العلوم و الاسرار الالهية من مقتضيات الايمان و حدود الاسلام و فيهم يقع الاشتباه للجهّال لا لهم في انفسهم لكون كلّ منهم سائراً الي جهة غير جهة الاخر و كلا السيرين علي الاستقامة بلا اقامة (افاقة؟) و لا رجوع و ذلك يصعد و ذاك يهبط فاين موضع الاشتباه.

و اما اذا مال الشخص الي الباطل ميلاً كليّاً و اعرض عن الحق اعراضاً حقيقيّاً لكنّه لم‏يعمل مايقتضي اتصاله بالشياطين و هذا بقي جماداً لايعرف شيئاً الاّ مااكتسبه ببعض الكسب من الامور الصناعية اجراء للمسبّبات علي نهج الاسباب مثل حكّام اهل الباطل و خلفاء الجور و قد يتوسّط بين الامرين مع الميل الكلّي الي الباطل و هو مثل علمائهم و قضاتهم و هؤلاء علي اقسام مختلفة حسب قربهم الي مبدئهم من الجهل الكلّي و بعدهم عنه و قد يكتسب البعيد من احكام الباطل المنطبع في اسفل السافلين بالكسب و هو لايفتح له الاّ بعض الابواب الجزئية من تلك الخزائن السوءي كاكثر علمائهم و فضلائهم (قضاتهم خ‏ل) اذ ليس لهم يد طولي و باع طويل في باطلهم بخلاف المتشبّثين باذيال اولئك الشياطين و المتمرّدين كالصوفية فان لهم يد طولي و باع طويل في باطلهم فمن اطّلع علي هذيانات ابن‏عربي في الفتوحات و الفصوص و احياءالعلوم للغزالي و الانسان الكامل اي الشيطان

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 256 *»

المضلّ لعبدالكريم الجيلاني و جامع الاسرار اي الاشرار للسيد حيدر الاملي يري صدق ماذكرنا و سطرنا من شدة تفوّرهم في باطلهم و لمّا كان كلّ باطل كما ذكرنا يشابه الحق و هم ايضاً زيّنوا ظواهر كلماتهم بزخرف القول فاشتبه الامر علي اغلب الجهال من اهل الحق بل كلّهم حيث لم‏يردوا علي حوض ولاية اميرالمؤمنين7 و اولاده الطيبين الطاهرين: و ماعرفوا حقايق مراداتهم: في مخاطباتهم و محاوراتهم و مكالماتهم و افعالهم و اقوالهم و ساير اعمالهم صلّي اللّه عليهم و رأوا هذا السراب يلوح كأنّه ماء سيّما مع تشبّث اولئك الاباطيل بمثل كلمات الائمة: من مثل هذه الخطبة لولا خوفي عليكم ان‏تقولوا جنّ او ارتد و قول الصادق7 ما كلّ‏ما يعلم يقال و لا كلّ‏ما يقال حان وقته و لا كلّ‏ما حان وقته حضر اهله و قول علي بن الحسين8 لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لقتله و امثالها مماتقدّم بعض منها فيقولون ان الذي اظهرنا ما فيه توهّم الكفر هو مما قالوا: :

فربّ جوهر علم لو ابوح به   لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
و لاستحلّ رجال مسلمون دمي   يرون اقبح مايأتونه حسنا

و لمّا سمعوا مثل هذه الكلمات منهم و ماعرفوا انّ قولهم هذا من القاء الشياطين في امنيّة الرسول و النبي و المحدّث كما في قوله عزّوجلّ و ماارسلنا من رسول و لا نبي الاّ اذا تمنّي القي الشيطان في امنيّته فينسخ اللّه مايلقي الشيطان ثم يحكم اللّه اياته الاية حكموا بحقّية مقالهم و صدّقوهم في افعالهم و اقوالهم فضلّوا و اضلّوا كثيراً و الاخرون من الجهال حيث رأوا ماظهر من اولئك الضلاّل من قبايح معتقداتهم و منكرات اعمالهم و افعالهم و لم‏يكن لهم ضرس قاطع حتي تبيّن لهم الغثّ من السمين و الظنّ من اليقين و لم‏يتعلق بهم اتصال الي الملائكة و لا الشياطين و لم‏يتهنّأوا بحظّ وافر في الدين فحكموا علي كلّ من تكلّم بالباطن و بعض الاسرار بالكفر و التزندق لانه لم‏يتميّز بين القولين و لم‏يعرف الماء و البول الصافيين و تعيين احدهما من البين فاذا القيت عليهم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 257 *»

الاخبار المتقدمة فهم بين طارح و منكر لها و بين مأوّل اياها و بين متوقّف فيها و الاصل في ذلك كلّه وقوفهم علي باب الخزينة الاولي و هو باب ضيق حرج لايهتدي الواقف عليه الي سعة و فسحة ابداً ولكن لمّا كان للّه الحجة البالغة و الدلائل الظاهرة و الايات الباهرة و الانوار الساطعة و النجوم المضيئة و لم‏يدع الخلق في ظلمة عمياء و لا دهمة بهماء و جعل للخلق علم هداية و دليل رشـد و ميزان قويم يعرف به الحق من الباطل و الغثّ من السمين و هو الائمة الهداة: و ماظهر من الكتاب و السنة باوضح دلالة حتي لايبقي لمحتجّ حجة و لولا ذلك لماقامت حجة اللّه علي الخلق و لكان للخلق حجة علي اللّه و هو سبحانه يقول لئلايكون للناس علي اللّه حجة بعد الرسل و قال عزّوجلّ اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و قال قبله اليوم يئـس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم و اخشون.

فوجب ان‏نذكر بعض العلامات المأخوذة من سادات البريات: لبيان الفريقين و امتياز كلّ منهما عن الاخر لقطع حجة المعاند و رفع شبهة الجاهل فنقول: اعلم ان لاهل الحق علامات بها يمتازون عن غيرهم فاذا وجدتها في احد فاعلم انه القرية الظاهرة التي قد امرت بالسير فيها الي القرية المباركة و تلك العلامات علي وجهين: منها مايتعلق بعلمهم و منها مايتعلق بعملهم:

اما الاولي فاعلم انهم اذا نظروا في مسألة من المسائل لاينظرون فيها حتي ترتفع ثلث خصال و تجتمع خمس خصال: اما الاولي فاوّلها ان‏يتمحّض قصدهم و نيّتهم في معرفة تلك المسألة من العلم للّه سبحانه ليتوصّل بها الي طاعته و رضاه من عمل او قول او ظهور قدرة و عظمة يوجب كمال الخوف او نعمة و احسان يوجب الرجاء و الطمع او جلال يقهره عن نفسه او جمال يجذبه اليه و يفقده عن نفسه لينقطع الي ربه و امثال ذلك من الاحوال الراجعة الي الحقّ سبحانه و لايطلبها ليعاندها العلماء و يماري بها السفهاء او يصرف اليه وجوه الناس او ليغزر علمه ليعرف بذلك و يشتهر به و امثال ذلك من انواع العصبية و الجدال و المراء كماتري في اغلب احوال الناس.

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 258 *»

و ثانيها ان لايكون حين النظر مأنوساً بطائفة من اهل العلم او غيره ليميل قلبه اليهم و الي مايقولون فان حبّك للشي‏ء يعمي و يصمّ و قد يكونون علي باطل و خطاء فيقع فيما وقعوا فيه بل يكون انسه باللّه و ميله فيما عند اللّه و رغبته فيما اختاره اللّه سبحانه من كان يريد ثواب الدنيا فعند اللّه ثواب الدنيا و الاخرة. و ثالثها ان لايكون عنده قاعدة قد اخذها من غير اهل بيت العلم علي النمط الذي نذكره ان شاء اللّه تعالي فانّ من عنده قاعدة لايأمن ان‏يركن اليها و يصرف العلم اليها و قدتكون باطلة فاسدة فيقع في الخطاء و الغلط كما تري الان اغلب الناس يطرحون الاخبار الصحيحة المتكثرة و ينكرونها لمخالفتها لقاعدتهم و قدتكون القاعدة باطلة.

و اما الثانية من الخصال الوجودية فاوّلها ان‏يكون باقياً علي الفطرة الاصلية الاولية غير مغيّر لها بمتابعة الشيطان فلم‏تسبقه الشكوك و الشبهات و علامته ان‏يكون دائم‏النظر و التفكّر في خلق اللّه من السموات و الارض و خلق نفسه و احواله و عظيم‏التحيّر حين ماينظر اليها و علامة ذلك صفاء طويّته و ذكاء سريرته و علامته ان لايشغله علم عن الاخر بل يكون الاشياء عنده بعضها دليلاً للاخر فلايقال فيه انه كامل في علم دون العلم الاخر بل العلوم كلّها عنده علي حدّ سواء لان الباقي علي الفطرة يري اية الوحدة في كلّ شي‏ء فعين بصيرته مفتوحة فلايفرق (فلا تفرق خ‏ل) عنده في الرؤية بين شي‏ء و شي‏ء كما في العين الجسمي اذا كانت مفتوحة يري الاجسام علي اختلاف الوانها و احوالها و كذا عين القلب اذا كانت مفتوحة و اما الذي يقتصر علي شي‏ء فلايعرف الاخر فهو كالاعمي الذي يعلّمونه بعض الاشياء فلايعلم الاّ الذي علم و قولي كلّ العلوم عنده علي حدّ سواء مرادي انه عرف اللطيفة السارية في العلوم كلّها و هي النقطة التي قالها7 و لايلزم ان‏يكون ظهورات تلك النقطة علي التفصيل كلّها حاضرة عنده بلي اذا طلب كلّ‏ما اراد منها وجـد بمشاهدة تلك النقطة فيها و يستدلّ بكلّها علي كلّها كما مـرّ فهم من فهم. و ثانيها ان‏يجـد لها دليلاً من كتاب اللّه سبحانه من الايات المحكمات التي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 259 *»

هنّ امّ‏الكتاب بحيث لايمكن انكارها و لا اعتذارها للمنصف و اما المعاند فلايقطعه الف حجة و لايتشبّث في الاستدلال بالمتشابهات و هي التي لم‏تظهر دلالتها و المراد منها اما بنفسها او بامر خارج منها كالاخبار الموضحة لها المعيّنة للمراد منها و ان كانت هي علي الظاهر مجملة فانها حينئذ ليست من المتشابهات. و ثالثها ان‏يجد لها دليلاً من احاديث اهل‏البيت: كماذكرنا في الكتاب و يجتنب عن الاحاديث التي لم‏يقبلها الاصحاب الاّ اذا كانت راجعة اليها و ان لايكون لها معارض اقوي بل لايجـد معارضاً اصلاً اذ التعارض في الاخبار امر صوري لا حقيقة له و اما تغيير المغيّرين و المبدّلين و سهو الساهين و الناسين في الرواية (الروايات خ‏ل) و امثالها فجعلوا: في ارشاداتهم قراين و ادلّة تنفيها و تثبت الامر الواقعي المراد و لولا ذلك لما استقام قولهم: انّ لنا اوعية من العلم نملأها علماً لتنقله الي شيعتنا فخذوها و صفّوها تجدوها نقيّة صافية و اياكم و الاوعية فنكّبوها فانهم اوعية سوء هذا معني الحديث فلولا القرائن الناصّة لماتتأتّي التصفية فان الخلق جهّال لايعلمون شيئاً الاّ ماعلموهم اياه كما قال9 مامعناه يابن عباس لاتجد في يد احد حقاً الاّ بتعليمي و تعليم علي7 و الكلام في هذا المقام طويل و الاشارة كافية لمن اهتدي الي السبيل و لم‏يتعوّد بالقال و القيل فمجمل القول انه لايتمسّك برواية علي خلاف القانون الذي جرت العادة بين الفرقة المحقّة في التمسك بها فان هذه الطائفة لاتزال علي الحق حتي تقوم الساعة. و رابعها ان‏يدلّ عليها العقل المستنير بنور اللّه و المستوقد بضياء ائمة الهدي: و معناه انه تربّي و نشـأ في شدّة الاعتناء و النظر في اخبارهم مع الاعتقاد الجازم بانهم: لايهملون رعاياهم و غنمهم /و (زائد ظ) عالماً بانه حين ماينظر و يلاحظ الاخبار هو بين يدي امامه و سيّده يتعلّم منه7 كما قالوا نحن العلماء و شيعتنا المتعلّمون و ساير الناس غثاء و هو7 لاتمنع غيبته عن مشاهدة رعيته و اصلاح احوالهم و طرد الشياطين و الباطل عنهم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 260 *»

كما قال تعالي و دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته و هذا من عدوّه فاستغاثه الذي من شيعته علي الذي من عدوّه فوكزه موسي فقضي عليه قال هذا من عمل الشيطان انه عدوّ مضلّ مبين و قال رسول‏اللّه9 كلّ‏ما كان في الامم الماضية يكون في هذه الامّة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة و هذا هو العقل المستنير فيجب ان‏يكون له دليل عقلي عليها اي علي المسألة زايداً عمّا دلّ عليه الكتاب و السنة ليكون علي بصيرة و معرفة. خامسها ان‏يجـد لها دليلاً عيانيّاً شهوديّاً في العالم فانه كتاب اكبر كتبه اللّه بيده و بناه بحكمته و ربّاه بقدرته و حفظه بصنعه و جعله من اعظم اياته و حثّ الناس بقراءته حيث يقول قل انظروا ماذا في السموات و الارض و يقول و يضرب اللّه الامثال للناس و مايعقلها الاّ العالمون و كأيّن من اية في السموات و الارض يمرّون عليها و هم عنها معرضون، سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق ثم ان اللّه سبحانه بيّن كيفية الاستدلال بتلك الايات فقال و ان كلّ لمّا جميع لدينا محضرون فهذا هو المدّعي ثم جعل لهذا اية و دليلاً ليعرف الخلق كيفية هذا الحشر و العود بعد موت الخلق و اضمحلالهم فقال سبحانه و اية لهم الارض الميتة احييناها و اخرجنا منها حبّاً فمنه يأكلون و جعلنا فيها جنّات الاية ثمّ شرح هذه الاية في سورة ق حيث قال سبحانه و نزّلنا من السماء ماء مباركاً فانبتنا به جنّات و حبّ الحصيد، و النخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد و احيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج و القرءان مشحون ببيان هذه الاحوال.

و بالجملة ماخلق اللّه سبحانه شيئاً و ماكلّف العباد بامر الاّ و قد بيّنه باكمل التبيان و البيان الكامل انما يتمّ بالبيانين: الحالي و المقالي فالبيان الحالي هو العالم و المقالي هو الكتاب و السنة و كلّ منهما شرح و بيان للاخر و مطابق له و في صورة المخالفة يظهر بطلان الاستدلال فلاتخالف السنة الكتاب ابداً و لا العكس و لا العالم الامرين فاذا تطابقت هذه الادلّة الاربعة مع عدم مخالفة الفرقة المحقّة التي لازال الحقّ فيهم ففي مخالفتهم عدول عن الحق و العادل عن

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 261 *»

الحق لاينجو و مع بقاء الفطرة الاصلية الغير المعوجّة و مع رفع تلك الخصال وجب ان‏يكون حقّاً والاّ لكان الحق سبحانه مغرياً بالباطل او مخلفاً للوعد تعالي ربي عن ذلك علواً كبيراً اما الوعد فقد قال اللّه عزّوجلّ و الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا و ان اللّه لمع المحسنين و المجاهدة في اللّه ماتتحقّق علي اكمل المراتب الاّ كماذكرنا لانه هو الطريق المؤدّي الي الحق قطعاً و لاتصحّ ان‏تكون المجاهدة بالادبار و الاعراض عن الحقّ سبحانه كما في مقابلات ماذكرنا فيجب علي اللّه سبحانه الهداية و لاتحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله و اما الاغراء بالباطل فلايمكن فرض وقوعه بالنسبة الي اللّه سبحانه مع ان اللّه سبحانه نـصّ بوفاء العهد الذي عاهد من هداية المحسنين حيث قال فهدي اللّه الذين امنوا لمااختلفوا فيه من الحق باذنه و اللّه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم فاثبت الهداية للمؤمنين ثمّ شرح الايمان و اوضح حقيقته فيمايتعلّق بالعلم او مع العمل بقوله الحقّ فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكّموك فيماشجـر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مماقضيت و يسلّموا تسليماً و المخاطب في الظاهر هو رسول‏اللّه9 و في الباطن هو اميرالمؤمنين7 و الاخلاص في حكم اميرالمؤمنين7 هو الذي ذكرنا لك من ملاحظة الادلة الاربعة ثم بيّن اللّه سبحانه اصابة المؤمنين فيماصاروا اليه من معتقداتهم و اعمالهم و عدم خطأهم فيماينسبون الي اللّه عزّوجلّ بقوله تعالي و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و اياماً امنين و قال مولينا الباقر7 نحن القري التي بارك اللّه فيها و القري الظاهرة شيعتنا فنـصّ سبحانه و تعالي باتباع الشيعة المؤمنين الذين هديهم اللّه للحق مع اختلاف الناس في الاراء و نـصّ ايضاً علي انهم لايخطئون اذ حكم للسائرين فيهم الاخذين عنهم بالامن و لايكون الاّ الامن من الخطاء فاثبت صحّة مجاهدتهم في اللّه لترتّب الاثار عليهم و هي الهداية و قد قلنا ان المجاهدة في العلم لاتكون الاّ كماذكرنا و كلّ‏ما سواه طريق الهلاك و الوبار و سبيل الخسران و النار.

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 262 *»

ثم ان كلّ شي‏ء لمّا كان له ثلث جهات جهة الي الحقّ و جهة الي نفسه من حيث انه اثر لغيره و جهة الي غيره من حيث ارتباطاته لترتّب نظام معيشته في دنياه و اخرته عليه و لكلّ مقام احكام و اقتضاءات تجري علي ذلك المقام و لكلّ مرتبة دليل خاصّ بتلك المرتبة فللثالثة دليل المجادلة و للثانية دليل الموعظة الحسنة و للاولي دليل الحكمة و في كلّ مقام يجب تحقّق تلك الخصال كلّها من الوجودية و العدمية فيكون للعارف من المؤمنين الممتحنين و الشيعة المخلصين اربعة و عشرين دليلاً و ميزاناً في معرفة كلّ شي‏ء و في كلّ واحد ربما يتطرّق فيه الخطأ و اما اذا اجتمعت فيمتنع ذلك لماذكرنا فاذا عجز عن اتيان هذه الامور كلّها في شي‏ء من الاشياء و ان تمكّن عنه في اغلبها و اكثرها فذلك لايوثق به و اما اذا كان في كلّ شي‏ء بحيث لايشذّ عنه شي‏ء اتي بالمذكورات فهو المؤمن الذي امتحن اللّه قلبه للايمان و شرح صدره للاسلام و وجب علي الخلق اتباعه و الاقتداء به فيمايجهلون من امور دينهم و دنياهم و اخرتهم و عقباهم و هو القليل من المؤمنين و هو اعزّ من الكبريت الاحمر و هؤلاء الذين عندهم من الاسرار ما لايتحمّله الاّ الصدّيقون و الابرار فاذا سمعت منهم شيئاً فلاتقابله بالانكار و سلّم الامر له تسلم بشرط تحقّق الامر الثاني فيهم كمانذكره ان شاء اللّه فاذا رأيت فيهم مايخالف ذلك فتبرّأ منهم فانهم اعداء الدين و خصماء النبيين و خلفاء الشياطين هذا الذي ذكرنا هو علامة اهل الحق في العلم.

و اما العلامة الثانية و هي العمل و هو ان‏يكون جميع اعماله و اقواله كلّها مطابقة لما عليه الشريعة الغرّاء النبوية العامّة للمخلوقين كلّها فلاينكر شيئاً منها بادّعاء ان الباطن غير الظاهر و ان هذه الاعمال لاهل الظاهر و اما المطلوب من العارفين فاخلاص القلب و لطافة السرّ لا هذه الاعمال المشترك فيها العوام و سائر الخلق فان ذلك من صفات الفسقة اهل الجور حيث تثاقلوا عن الطاعات بل يكون المؤمن كما وصفه اميرالمؤمنين7 بعض صفاتهم لهمام و انا اذكر الحديث ان شاء اللّه بطوله لما فيه من المنافع الجليلة و اظهار اهل الحقّ و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 263 *»

امتيازه عن اهل الباطل روي الكليني باسناده عن ابي‏عبداللّه7قال قام رجل يقال له همام و كان عابداً ناسكاً مجتهداً الي اميرالمؤمنين7 و هو يخطب فقال يااميرالمؤمنين صـف لنا صفة المؤمن كأنّنا ننظر اليه فقال7 يا همام المؤمن هو الكيّس الفطن بشره في وجهه و حزنه في قلبه اوسع شي‏ء صدراً و اذلّ شي‏ء نفساً زاجر عن كلّ فانٍ خاض (حاضّ في الحديث) علي كلّ حسن لا حقود و لا حسود و لا وثّاب و لا سبّاب و لا عيّاب و لا مغتاب يكره الرفعة و يشنأ السمعة طويل‏الغمّ بعيدالهمّ كثيرالصمت وقور ذكور صبور شكور مغموم بفكره مسرور بفقره سهل‏الخليقة لين‏العريكة رصين‏الوفاء قليل‏الاذي لا متأفّك و لا متهتّك ان ضحك لم‏يخرق و ان غضب لم‏ينزق ضحكه تبسّم و استفهامه تعلّم و مراجعته تفهّم كثير علمه عظيم حلمه كثيرالرحمة لايبخل و لايعجل و لايضجر و لايبطر و لايحيف في حكمه و لايجور في علمه نفسه اصلب من الصلد و مكادحته احلي من الشهد لا جشع و لا هلع و لا عنف و لا صلف و لا متكلّف و لا متعمّق جميل‏المنازعة كريم‏المراجعة عدل ان غضب رفيق ان طلب لايتهوّر و لايتهتّك و لايتجبّر خالص‏الودّ وثيق‏العهد وفي‏العقد شفيق وصول حليم حمول قليل‏الفضول راضٍ عن اللّه عزّوجلّ مخالف لهواه لايغلظ علي من دونه و لايخوض فيما لايعنيه ناصر للدين محامٍ عن المؤمنين كهف للمسلمين لايخرق الثناء سمعه و لاينكي الطمع قلبه و لايصرف اللعب حكمه و لايطلع الجاهل علمه قوّال عمّال عالم حازم لا بفحّاش و لا بطيّاش وصول في غير عنف بذول في غير سرف لا بختّال و لا بغدّار و لايقتفي اثراً و لايحيف بشراً رفيق بالخلق ساعٍ في الارض عون للضعيف غوث للملهوف لايهتك ستراً و لايكشف سرّاً كثيرالبلوي قليل‏الشكوي ان رأي خيراً ذكره و ان عاين شرّاً ستره يستر العيب و يحفظ الغيب و يقيل العثرة و يغفر الزلّة لايطّلع علي نصح فيذره و لايدع جنح حيف فيصلحه امين رصين تقي نقي زكي رضي يقبل العذر و يجمل الذكر و يحسن بالناس الظن و يتّهم علي العيب نفسه يحبّ في اللّه بفقه و علم و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 264 *»

 يقطع في اللّه بحزم و عزم لايخرق به فرح و لايطيش به مرح مذكّر للعالم معلّم للجاهل لايتوقّع له بائقة و لايخاف له غائلة كلّ سعي اخلص عنده من سعيه و كلّ نفس اصلح عنده من نفسه عالم بعيبه شاغل بغمّه لايثق بغير ربّه غريب وحيد (/جريد في الحديث) حزين يحبّ في اللّه و يجاهد في اللّه ليتّبع رضاه و لاينتقم لنفسه بنفسه و لايوالي في سخط ربه مجالس لاهل الفقر مصادق لاهل الصدق مؤازر لاهل الحقّ عون للغريب اب لليتيم بعل للارملة حفي باهل المسكنة مرجوّ لكلّ كريهة مأمول لكلّ شـدة هشّاش بشّاس لا بعبّاس و لا بحسّاس (بجسّاس في‏المصدر) صليب كظّام بسّام دقيق‏النظر عظيم‏الحذر لايجهل و ان جهل عليه (/يحلم في المصدر) لايبخل و ان بخل عليه صبر عقل فاستحيي و قنع فاستغني حياؤه يعلو شهوته و ودّه يعلو حسده و عفوه يعلو حقده لاينطق بغير صواب و لايلبس الاّ الاقتصاد مشيه التواضع خاضع لربّه بطاعته راضٍ عنه في كلّ حالاته نيّته خالصة اعماله ليس فيها غـشّ و لا خديعة نظره عبرة و سكوته فكرة و كلامه حكمة مناصحاً متباذلاً متواخياً ناصح في السرّ و العلانية لايهجر اخاه و لايغتابه و لايمكر به و لايأسف علي مافاته و لايحزن علي مااصابه و لايرجو ما لايجوز له الرجاء و لايفشل في الشدة و لايبطر في الرخاء يمزج الحلم بالعلم و العقل بالصبر تراه بعيداً كسله دائماً نشاطه قريباً امله قليلاً زلله متوقّعاً لاجله خاشعاً قلبه ذاكراً ربه قانعة نفسه منفياً جهله سهلاً امره حزيناً لذنبه ميتة شهوته كظوماً غيظه صافياً خلقه امناً منه جاره ضعيفاً كبره قانعاً بالذي قدّر له متيناً صبره محكماً امره كثيراً ذكره يخالط الناس ليعلم و يصمت ليسلم و يسأل ليفهم و يتّجر ليغنم /لاينصب للخير ليفخر به (لاينصت للخبر ليفجر به في‏المصدر) و لايتكلم ليتجبّر به علي من سواه نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة اتعب نفسه لاخرته فاراح الناس من نفسه ان بغي عليه صبر حتي يكون اللّه الذي ينتصر له بعده ممن تباعد منه بغـض و نزاهة و دنوّه ممن دنا منه لين و رحمة ليس تباعده تكبّراً و لا عظمة و لا دنوّه خديعة و لا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من اهل الخير فهو امام لمن بعده من اهل البرّ قال فصاح همام صيحة ثم وقع مغشيّاً عليه فقال اميرالمؤمنين7 اما واللّه لقد كنت اخافها عليه و قال هكذا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 265 *»

 تصنع الموعظة البالغة باهلها فقال له قائل فمابالك يااميرالمؤمنين فقال7 ان لكل اجل (اجلاً في‏المصدر) لن‏يعدوه و سبب (سبباً في‏المصدر) لايجاوزه فمهلاً لاتعـد فانما نفث علي لسانك الشيطان انتهي صلّي اللّه علي قائله.

فهذه الاوصاف هي علامات لايمان المؤمن العارف باللّه عزّوجلّ فبهذه الاوصاف و الاعمال تصفو قابليته و تزكو سريرته فتشرق علي قلبه نور اليقين و علي فؤاده نور المحبّة و علي صدره نور العلم فكلّما ازداد حبّاً و يقيناً و علماً ازداد عملاً و توجّهاً و اقبالاً فازداد استنارةً و استضاءةً لان اللّه عزّوجلّ قريب‏المسافة فمن دعاه اجابه و من سأله اعطاه فاذا استنارت قابليته تحمّلت لظهورات المثال و تلك الظهورات ليست عند من كثفت قابليته و خبث اعماله فاذا تكلّم مثل هذا الشخص بشي‏ء من الاسرار فيصدّق و لاينكر عليه لانه لايقول شيئاً يخالف ما عليه عامّة المسلمين الموحّدين و ان لم‏يدركوا وجه المطابقة كما ان مولينا و سيّدنا القائم عجّل اللّه فرجه يخبر اصحابه بتلك الكلمة فيتفرّقون عنه7 سوي الوزير و احدعشر نقيباً فاذا تفرّقوا و جالوا الارض و لم‏يجدوا ملجأ غيره يأتونه مسلّمين قابلين لعلمهم بانه7 معصوم لايخطو (لايخطَأُ ظ) فكذلك اذا وجدت شيعتهم يتخلّقون باخلاقهم و يتأدّبون بادابهم و لايخالفونهم باقوالهم و اعمالهم فتظهر فيهم نقطة مثالهم فيصدر عنهم مثل اقوالهم و اعمالهم في مقام لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك و هذا التصديق لايكون الاّ بعد الاختبار بالعلامات المذكورة مع ان المخلصين من الشيعة لم‏يظهر منهم (فيهم خ‏ل) ما هو صريح مخالفة عقول الخلق و لايظهرون الحكمة لغير اهلها كيف و انّ اذاعة سرّهم: من افسق الفسق و هم لايتجرّءون الي مثل ذلك و اما الصوفية فيأبي اللّه الاّ ان‏يفضحهم و يظهر للناس شناعة احوالهم و اقوالهم و مكابرتهم مع اللّه و ادبارهم عنه لئلايتسلّط المنافقون علي المؤمنين و لن‏يجعل اللّه للكافرين علي المؤمنين سبيلاً و اذا اردت اذكر شناعة امرهم و وقاحتهم و فضائحهم عموماً و خصوصاً يطول به الكلام فعليك بمطالعة كتب العلماء المدوّنة فيهم و في

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 266 *»

صفاتهم و اعمالهم و ان تكتّموا و تستّروا و اخفوا قبايح امرهم فعلي اللّه سبحانه ان‏يظهرها ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حي عن بيّنة الاّ ان الذين غطّت الشبهات اعينهم و ابصارهم بسوء اعمالهم و رداءة ميولاتهم فلايرون تلك القبايح او لايرونها قبايح ٭ يرون اقبح مايأتونه حسنا ٭ فلايعتمد اذاً فيمايقولون و يجب الاعراض عمايصفون فان ماعندهم انما اتي من الخزائن السوءي من سجّين قد تصاعد اليهم بمعونة الشياطين و ان الشياطين ليوحون الي اوليائهم ليجادلوكم و ان اطعتموهم انكم لمشركون و لتصغي اليه افئدة الذين لايؤمنون بالاخرة و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون فظهر لك بعون اللّه ان الصوفيّة او المتصوّفة او غيرهم من المتعسّفين لايمكنهم الاحتجاج لباطلهم بمثل تلك الاخبار السالفة و بقوله7 في هذه الخطبة و لولا خوفي عليكم اه.

و قوله7 لاخبرتكم بماكانوا و ماانتم فيه و ماتلقونه الي يوم القيمة يريد7 بذلك احوال المبدأ و المعاد و الحال و المئال و ضمير الجمع يعود الي من تقدّم مع ادم الاوّل و هذا سرّ عزيز و باب غامض لايطّلع عليه علي الواقع سواهم: لكن المنقطعين اليهم و الطارقين لابوابهم قدتعلّموا منهم: شيئاً يسيراً من ذلك الباب و هو جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير مما ظهـر لاهل الرتبة الثالثة اي الرتبة الانسانية.

فاعلم انا قد ذكرنا سابقاً ان العالم الاوّل عالم الوجود المطلق و ادم الاوّل المشية و حوّاه ارض الامكان الراجح و اوّل الاولاد او الظهورات او المهابط الحقيقة المحمّدية9فكانت المشية هي العرش و الحقيقة هي الماء فكان مستوياً عليه اي كانت المشية ظاهرة في الحقيقة المحمّدية لان المشية هي محلّ الامدادات و الفيوضات و التكاليف التكوينية و التشريعية فكانت هي الدين و الحقيقة هي الماء الذي به كلّ شي‏ء حي و هي العلم الساري المتعلق بكلّ معلوم موجود من غيب و شهود كماقالوا: نحن معانيه و نحن علمه و نحن حقّه الحديث فبقي العرش علي الماء قبل خلق السموات و الارض اي سموات عالم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 267 *»

الوجود المطلق و ارضه لان كلّ عالم فيه العرش و الكرسي و السماء و الارض و البرّ و البحر ففي عالم الوجود المطلق العرش هو المشية و بحر الصاد و المزن و النون الذي تحت العرش هو الحقيقة المقدسة النبوية9 و لذا اتاه الوحي ليلة المعراج ادن من صاد و توضّأ لصلوة الظهر لان الظهر اول الظهور و بدء لمعان النور و السموات هم الائمة الاثناعشر: حملة فيوضات العرش و امداداته كما قالوا: نحن محالّ مشية اللّه و السنة ارادته و تراجمة وحيه و الارض هي فاطمة الصديقة الطاهرة3 لانها محلّ تلك الانوار و منبت تلك الازهار فهؤلاء: اول من تقدّم مع ادم الاول فكان العرش علي الماء قبل خلق السموات و الارض في المشارق روي ان رجلاً قال لاميرالمؤمنين7 كم مقدار مالبث اللّه عرشه علي الماء قبل ان‏يخلق الارض و السماء فقال7 أتحسن ان‏تحسب قال نعم قال7 لعلّك لاتحسن قال بلي انّي لاحسن ان‏احسب قال7 لو صبّ خردل في الارض حتي سدّ الهواء و ملأ مابين الارض و السماء ثم اذن لمثلك علي ضعفك ان‏تنقل حبّة حبّة من مقدار المشرق الي المغرب ثم مدّ في عمرك و اعطيت القوّة علي ذلك حتي تنقله و احصيته لكان ايسر من احصاء عدد اعوام مالبث اللّه عرشه علي الماء من قبل ان‏يخلق الارض و السماء و انما وصفت لك بعض عشر العشير من جزء من مائة الف جزء و استغفر اللّه من القليل من التحديد فان اردت بالعرش و السموات و الارض ماذكرنا فيكون هذا التقدير تقريب ثمانين الف سنة من سني مبادي الوجود المقيّد في السنين و الاعوام المعروفة بين العوام و في‏الحقيقة هذا تقريب للنوع و يحقّ الاستغفار بالقليل لان كلّ السنين و الاعوام من الوجود المقيّد الذي عندنا كلّها منقطعة عند نقطة من تلك السنين و الاعوام فاين يقدّر تلك السعة و الفسحة بهذه الامور التي هي كالنقطة الفانية بالنسبة الي سعة العرش الذي كلّ السموات و الارض بالنسبة الي الكرسي كحلقة ملقاة في فلاة قي و الكرسي مع المجموع بالنسبة اليه كحلقة ملقاة في فلاة قي و استغفر اللّه عن التحديد بالقليل.

ثم هذا العرش

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 268 *»

الظاهر بالماء تنزل في اطواره و شئوناته بمشية اللّه و قدرته الي ما لايحصي من المراتب و لايتناهي من العدد و قد اشير الي نوع هذه التنزّلات و الكسر و الصوغ الواقفين في مراتب الوجود بقوله9 علي مارواه في جامع‏الاخبار عن النبي9قال قال رسول‏اللّه9 ان موسي سأل ربه ان‏يعرفه بدء الدنيا منذ كم خلقت فاوحي اللّه الي موسي تسألني عن غوامض علمي فقال يا ربّ احبّ ان‏اعلم ذلك فقال يا موسي خلقت الدنيا منذ مائة الف الف عام عشر مرّات فكانت خراباً خمسين الف عام ثم بدأت في عمارتها فعمرتها خمسين الف عام ثم خلقت فيها خلقاً علي مثال البقر يأكلون رزقي و يعبدون غيري خمسين الف عام ثم امتّهم في ساعة واحدة ثم خربت الدنيا خمسين الف عام ثم بدأت في عمارتها فعمرتها خمسين الف عام ثم مكث عامرة خمسين الف عام ثم خلقت فيها بحراً فمكث البحر خمسين الف عام فجاجاً (مجاجاً في‏البحار نقلاً من المصدر) من الدنيا يشرب ثم خلقت دابّة و سلّطتها علي ذلك البحر فشربته بنفس واحدة ثم خلقت خلقاً اصغر من الزنبور و اكبر من البقّ فسلّطت ذلك الخلق علي هذه الدابّة فلدغها و قتلها فمكثت الدنيا خراباً خمسين الف عام ثم بدأت في عمارتها فمكثت خمسين الف عام ثم جعلت الدنيا كلّها اجام القصب و خلقت السلاحف و سلّطتها عليها فاكلتها حتي لم‏يبق منها شي‏ء ثم اهلكتها في ساعة واحدة فمكثت الدنيا خراباً خمسين الف عام ثم بدأت في عمارتها فمكثت عامرة خمسين الف عام /ثم خلقت ثلثين الف ادم من ادم الي ادم ثلثون الف سنة (ثم خلقت ثلثين ادم ثلثين الف سنة من ادم الي ادم الف سنة في‏البحار نقلاً من المصدر) فافنيتهم كلّهم بقضائي و قدري ثم خلقت فيها خمسين الف الف مدينة من الفضة البيضاء و خلقت في كلّ مدينة مائة الف الف قصر من الذهب الاحمر فملأت المدن خردلاً الي ان سـدّ الهواء و الخردل يومئذ الذّ من الشهد و احلي من العسل و ابيض من الثلج ثم خلقت طيراً واحداً اعمي و جعلت طعامه في كلّ الف سنة حبة من الخردل فاكلها حتي فنيت ثم خربتها فمكثت خراباً خمسين الف عام ثم بدأت في عمارتها فمكثت عامرة خمسين الف عام ثم خلقت اباك ادم بيدي يوم الجمعة وقت الظهر و لم‏اخلق من

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 269 *»

 الطين غيره و اخرجت من صلبه محمّداً النبي9 هـ و هذه المراتب هي مراتب تنزّلات الوجود و شئونات اطوار ادم الاوّل.

قوله تعالي خلقت الدنيا منذ مائة الف الف عام عشر مرّات يريد به واللّه اعلم ماذكرناه سابقاً في كيفية تعدّد العوالم و الادميين الي الف الف من ضبط نسب تلك المراتب او لمجرّد الكثرة علي مامضـي من كلام اميرالمؤمنين7 في مدة اقامة العرش علي الماء قبل خلق الارض و السماء.

و قوله تعالي فكانت خراباً خمسين الف عام يريد بالخراب حلّ الشي‏ء مقام الخلق الاوّل قبل نشؤ الصورة و تمام الهيئة بل رتبة الحلّ و صلوح النسبة قبل التعيّن و التشخص و بالخمسين ظهور الهاء في الياء لان مقام التعلق و الارتباط مقام النون في كـن اي مقام الابداع لا الاختراع لانه محل النشؤ و التفصيل فالمتعلَّق علي حسب المتعلِّق (بكسر اللام) فيحكي مثاله و اما عدد الالف فلظهور تمام التربيع فيه و هو شكل الايتلاف و الايتلاف انما يتحقق بالابداع فالمربع شكل الابتداع و المثلث شكل الاختراع و الجامع لرتبة مقام الابتداع في العدد هو الالف فلذا وقع التعبير عن هذه الحقيقة بخمسين الف عام و هذا اشارة الي اقبال العقل و ادباره فاشار سبحانه و تعالي الي كيفيّة بدء الوجود المقيّد (/و ظ) لظهور التركيب فيه يمكن تقدير الاوقات و الازمنة و الابتداء و الانتهاء فيه بخلاف الوجود المطلق فانه صرف البساطة فاول تنزّل العقل الي مقام الروح قبل ان‏يكمل مقام الروح بل قبل ان‏يكمل العقد الاول من الحلّ الاول و الخراب اشارة الي محض الحلّ الاول.

و قوله تعالي ثم بدأت في عمارتها فعمرتها خمسين الف عام يريد بالعمارة العقد الاول و المدة كماذكرنا لك.

و قوله تعالي ثم خلقت فيها خلقاً علي مثال البقر و هو تمام الحلّ و العقد الثانيين و اكمال حقيقة الروح و هو البقرة الصفراء التي فاقع لونها تسرّ الناظرين و قدقال7 ان البقرة خلقت من زعفران الجنة و ذلك المقام في الطبيعة حارّ رطب و مقتضي لونه الصفرة كما هو الحقّ.

و قوله تعالي يأكلون رزقي و يعبدون غيري و ذلك لانه في مقام التنزل و قوس الادبار و نظر المتنزل المدبر الي الانّية المشركة و الماهية الكافرة.

قوله تعالي ثم امتّهم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 270 *»

 في ساعة واحدة هو امر العقل بالتنزل من مقام الروح الي الاخر و الموت و الوفاة هو الانتقال من دار الي دار كما قال تعالي يا عيسي انّي متوفّيك و رافعك الي الاية.

قوله تعالي ثم خربت خمسين الف عام ثم مكثت عامرة خمسين الف عام علي مامضـي من حكاية الحلّ و العقد الاولين.

و قوله تعالي ثم خلقت فيها بحراً و هو البحر الاخضر اواسط الملكوت و هو بحر النفوس عالم الذرّ الاول قبل وقوع التكليف عليهم كانت بحراً واحداً غير ممتازة بالصورة و الخلقة الظاهرية و الباطنية و قال تعالي كان الناس امة واحدة.

و قوله تعالي ثم خلقت دابّة و هي الصورة التميّزية و بها يدبّ الشي‏ء و يدرج و يسعي الي وكره و مستقرّه و يستحق له اسماً و رسماً و صفة و احوالاً و هي التي جففت البحر الذي هو الذوبان و السيلان و الصلوح لكلّ صورة و كلّ حدّ فتجفّف و اختصّت كلّ حصة منه بما لبـس من الصورة من السعادة او الشقاوة.

و قوله تعالي ثم خلقت خلقاً اصغر من الزنبور و اكبر من البقّ يريد به سبحانه عالم الطبيعة انما كان اصغر من الزنبور لان المراد به النحل و هو الخلق الاوّل منتحل العلم و المعرفة و الادراك و عالم الطبيعة تحت الخلق الاول و مقام فقدان الادراك و الشعور فتكون اصغر من الزنبور و اكبر من البقّ لان المراد به عالم الاجسام ادني الموجودات و العوالم بقاءً و اكثرها اضمحلالاً و انقطاعاً و عالم الطبيعة فوق عالم الاجسام و هي من اعالي اسافل الدهر.

قوله تعالي فسلّطتها عليها يريد به بطلان تركيب النفوس و اضمحلال صورها و تشخّصاتها و رجعت كماكان اولاً اما بحر الماء او بحر التراب.

قوله تعالي ثم جعلت الدنيا كلّها اجام القصب يريد به عالم المواد و جوهر الهباء و انما هي اجمّة لانها اخر المجرّدات ليست بتجرّد الارواح و العقول و لا بكثافة الاجسام كالاجمّة ليست بكثافة الارض و لا بلطافة ماء (الماء ظ) الخالص و القصب هو ذكر الصور و الهيئات الكامنة فيها المستأهلة لظهورها لكن لمّا كانت جهة التجرد فيها غالبة خرجت علي هيئة القصب من الميل الي الاعلي و الظهور بالعقود التي هي نقوش مراتب مامضي عليها من الاحوال و لمّا كان الاختلاف الصوري فيها منتفياً ظهرت كلّها قصبات.

قوله تعالي ثم خلقت

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 271 *»

 السلاحف و سلّطتها عليها فاكلتها ذلك (ذاك خ‏ل) عالم المثال لغلظة ظاهره و قشره لارتباطه بعالم الاجسام مقام النقش و الارتسام و هو حجاب اسود غليظ و رقّة باطنه لكونه متوجهاً الي العالم الاعلي بذاته و حقيقته و كيفية الاكل كماذكرنا انفاً من غيبة كلّ مادة في بطن الصورة.

قوله تعالي ثم اهلكتها في ساعة واحدة يريد به تمام حكمه و اضمحلال تأثيره من حيث نفسه و الصعود الي رتبة اعلي (عليا ظ) و هو مقام التركيب الاول في الحلّين و العقدين.

قوله تعالي ثم خلقت ثلثين الف ادم من ادم الي ادم ثلثين الف سنة يريد به ظهورات المراتب التي كانت في القوس النزولي و كانت مستجنة في المادة فهي الاصول التي عليها مدار الوجود و هي القلب و الصدر و العقل و العلم و الوهم و الوجود و الخيال و الفكر و الحيوة و الجسد كلّ منها في ثلث مراتب عليا و وسطي و سفلي اي نسبة الي مبدئه و الي نفسه و الي غيره و كلّ اصل ادم له اولاد تشعّب منه (عنه خ‏ل) كما ذكرنا فيماتقدم مفصلاً.

قوله تعالي فافنيتهم كلّهم يريد به اضمحلال ذكرهم و نسيان امرهم حيث ابتدأ بخلق الاجساد و القشور فلا ذكر لها فيها فان تلك مراتب الاقطاب و مابعدهم مراتب الدوائر و الكرات المستديرة عليها.

قوله تعالي ثم خلقت فيها خمسين الف الف مدينة اه يريد به خلق السموات و الارض لانها مدينة للادميين كلّهم و انما كانت خمسين لاشتمال كلّ من السموات علي المتمّمين و الخارج المركز و التدوير و الممثل الذي هو المجموع و هذه الخمسة اذا ضرب في نفسها عند ملاحظة نسبها و اوضاعها تكون خمسة و عشرين و هي اذا ثنّيت بالغيب و الشهادة تكون خمسين و اما الالف فلما ذكرنا من ان هذه السموات مظاهر الابتداع و شكله التربيع و الجامع لهذه الرتبة هو الالف في الاعداد فلذا قال من الفضة البيضاء.

قوله تعالي فملأت المدن خردلاً و الخردل هو مواد الفيوضات و الامدادات الجسمانية الكامنة في المبادي العالية من السموات و الطير الاعمي هو الحدّ الجسمي المفني لظهور تلك الحبوب فتغيب الحبة بحكمها و ظهورها في ذلك الحدّ و كونه اعمي لجموده و عدم مشاهدته للانوار العالية لانه مظهر الاسم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 272 *»

المميت.

قوله تعالي ثم خربتها اشارة الي الحلّ للتركيب الثانوي في مقام التوليد الجمادي و النباتي و الحيواني و الانساني فالعمارة هي العقد الاوّلي من ذلك الحلّ.

قوله تعالي ثم خلقت اباك ادم اه يريد به اول مانشأ و ظهر من التركيب الثانوي في الحدّ الجسمي في الكون النوري و يداه سبحانه فاليمني بها مبدأ النور و الخير و اليسري بها مبدأ الظلمة و هما قد عجنت في طينة ادم7 وقت الظهر هو ظهور المبدأ و بدو وجود الشي‏ء.

و قوله تعالي و لم‏اخلق من الطين غيره هو دليل ماذكرنا من التفسير بعد ملاحظة الترتيب فتلك المراتب المتقدمة كلّها انوار و ارواح مجردة و الماديات ايضاً انوار لم‏تخلق من الطين و المراد منه الطين المركب من العناصر الاربعة المعروفة لا المجردات من عناصر هورقليا و جابلصا و جابلقا و هذه المراتب هي مراتب اطوار ادم الاول في عالم الوجود المقيّد.

و اما ادم الاول في عالم الوجود المطلق حامل الاسم الاعظم فقد تطوّر بحمل الاسماء من القدس و الاضافة و الخلق ثم ظهر في اسم الرحمن فكان عرشاً لاستوائه عليه ثم ظهر في حجاب الملائكة العالين ثم تجلّي للكروبيّين فظهر لهم بهم حتي عرفوه و تلقّوا منه و لقّنهم ماحمله ربه من اسرار الرياسة الكلية و الجزئية ثم لبس لباس الانبياء و ذلك اللباس هو المثال الملقي في هويّتهم و ذلك بدن نوراني لا روح له ثم ظهر في الحجاب الاسفل رتبة الانسان و تقلّب في صورهم حيث شاء اللّه من اول ظهور ادم الي خاتم‏الانبياء عليه و عليهم افضل الثناء و الصلوة فصارت الهياكل هياكله و الاشباح اشباحه و الصور صوره و المواد مواده و الاضافة في هذه الاشياء كلّها لاميّة و اريد بها التمليك و الاختصاص لا الحقيقة كما ان السراج المتجلّي في المرايا يكون كلّ تلك الصور و الاشباح الظاهرة فيها للسراج ثم ظهر لفرعون لابساً لباس الذهب و قابضاً برمح من الذهب لمّا اراد فرعون ان‏يقتل موسي و هرون فمعنه عن قتلهما ثم ظهر لسلمان في حال طفوليته لمّا اراد السبع ان‏يفترسه فنجّاه منه باذن اللّه ثم ظهر لفاطمة بنت اسد قبل بلوغها و حال طفوليتها و نجّاها من السبع ثم ظهر لطلحة بن عبداللّه بما ظهر و قتله حتي قال طلحة لمن

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 273 *»

كان عنده اماتراه كيف يصعد الي السماء و ينزل الي الارض و يذهب الي المشرق و المغرب و يقاتل بالسيف و يرمي بالنبل و يقول مت يا عدوّاللّه فيموت في ساعته ثم ظهر لجبرائيل7 حين سأله ربه من انا و من انت و ما اسمي و ما اسمك و لم‏يدر الجواب فقال له قل انت ربّي و انا عبدك اسمك الجليل و اسمي جبرئيل ثم ظهر بالكوكب الذي يطلع بعد ثلثين الف سنة و قد رأيه جبرئيل ثلثين الف مرّة في جبهته الشريفة ثم تلك العوالم و المراتب المتقدمة في الحديث من المخرب لها و العامر لها في تلك المدد المتطاولة و اللّه سبحانه لايباشر الاشياء لانه مكرم عن ذلك و اخبر اللّه سبحانه بالمقوّم المباشر حيث قال و ماقدروا اللّه حقّ قدره و الارض جميعاً قبضته يوم القيمة و السموات مطويّات بيمينه القبضة باليد و هي علي7 و اليمين هو علي7 فاذا كانت السموات و الارض مقهورة و مضمحلّة و مطويّة عنده و لديه فماينكر منه مثل ماذكرنا لا بل الامر اعظم و اعظم و اعظم فلاينكر ماذكرنا الاّ المنكر لقدرة اللّه و عظمته و كرامة اللّه في اوليائه كلّ ذلك منّة من اللّه سبحانه عليه و كرامة منه اليه لان اللّه اعلم حيث يجعل رسالته و ماطوينا و كتمنا من الاسرار خوفاً من الاشرار اكثر مماسطرنا تذكرة لاولي الابصار و تنبيهاً لاهل الاعتبار و هذا و اشباهه من المراد من قوله7 لاخبرتكم بماكانوا اي ادم الاوّل مع من تقدّم و قد اشرنا الي نوع ما صاروا اليه مجملاً في عالم الذوات و قس عليه الصفات و حكم الوجودات الشرعية من الاعمال و اجرائها حسب الاحكام و اجراء الاحكام حسب القوابل و اظهار نقطة العلم اللدنّي العرفاني في مرتبة الشرايع فكانت ستّة كلية تشهد بمثناها علي تمام حروف لااله الاّاللّه و تمام الدورة الشمسية في البروج و السنة القمرية في الشهور فالشريعة واحدة و النبي واحد و الوصي واحد و الكتاب واحد و الاختلاف بالقابليات كما قال عزّوجلّ ان اللّه لايغيّر مابقوم حتي يغيّروا مابانفسهم و الانبياء نوّاب و كلّهم لاتمام الكلمة و اتمام ظهور النعمة التي ان تعدّوها لاتحصوها و الكلمة هي الكلمات

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 274 *»

التي لو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت و هي الكلمات التامّات التي لايجاوزهن برّ و لا فاجر و هي الكلمات التي تلقّيها ادم فقبلت توبته و هي الكلمات التي ابتلي بها ابرهيم فاتمّهنّ قال انّي جاعلك للناس اماماً وهكذا الكلام في مقامات كيفية خلق ادم ابينا و حوّا امّنا و دخولهما الجنة و سجود الملائكة لادم و انكار ابليس و اغوائه ايّاهما و اخراجهما عن الجنّة و قتل قابيل هابيل و تزويج الجنيّة و الحوريّة من شيث و يافث ابني ادم و هلمّ جرّاً من الاحوال الواقعة الي زمان ظهوره و كلّ ذلك ايات و ادلّة له7 اقامها اللّه سبحانه به لانه روحي فداه يد اللّه الباسطة و رحمته الواسعة و نعمته السابغة و نقمته الدامغة و عينه الناظرة و اذنه السميعة و لسانه الناطق المعبّر عنه و اسمه الرضي و وجهه المضيئ و صراطه العلي و ركنه القوي و لطفه الخفي و سرّه المخفي و عبده المرضي فاذا كان كذلك فلايبعد منه ماذكرنا عنه تلويحاً و اشارة و تصريحاً بل الامر اعظم.

قوله7 و ما انتم فيه اي الان من المحن و الابتلاء و استيلاء الجور و اخفاء الحق و شيوع الباطل و كثرة الاختلاف و اصله و فرعه و مبدئه و منتهاه.

اما اصله فاعلم ان اللّه عزّوجلّ خلق اصل الفطرة في غاية الصفاء و اللطافة لانها المقصود للايجاد و اول ماوقع عليه فعل اللّه سبحانه فوجبت ان‏تكون في اللطافة غايتها و في الشرافة نهايتها و في البهاء اعلاه و في المجد اسناه ثم لمّا حكـم اللّه علي خلقه بالادبار لتتميم الاقبال فانزلهم الي الدركات و المهابط و لمّا كانت جهة التعيّن و مقام الانية تكاثفت كلّما نزلت الي ان انتهت الي الجماد ثم امرها بالاقبال فاخذت تصعد الي الدرجات و تطوي المقامات فاخذت تصعد الي النبات ثم الي الحيوان ثم الي الانسان فوجد ابونا ادم في هذه المرتبة ثم لمّا كان الكمال كمالين و الصوغ صوغين صوغ الابدان و صوغ الارواح و لمّا كمل صوغ الابدان في عالم الظهور اخذ في صوغ الارواح و هي لمّا تنزّلت الي الرتبة الجمادية بمقتضي مقامها اخذت تصعد من اول كونها نطفة الي علقة الي مضغة فتمّت الرتبة الاولي في شريعة ادم7 و الرتبة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 275 *»

الثانية في شريعة نوح7 و الرتبة الثالثة في شريعة ابرهيم7 و الرابعة التي هي رتبة العظام في شريعة موسي7 و الخامسة التي هي رتبة اكتساء اللحم في شريعة عيسي7 و السادسة التي هي مقام انشاء الخلق الاخر الذي هو مقام الحيوة من فلك القمر في شريعة محمّد9 و لهذه الرتبة مقامات تختلف الاحوال فيها و تتبدّل و تتغيّر تبدّلاً سيّالاً من كون الولد في بطن الامّ الي ان‏يخرج الي كونه رضيعاً الي كونه فطيماً الي كونه صبيّاً الي كونه مراهقاً الي كونه بالغاً الي كونه تامّاً في مقام البلوغ و هو ثلثون سنة الي كونه كاملاً في البلوغ و هو اربعون سنة فاذا كان اول ظهوره9 بشريعته اول مقام ظهور الحيوة و بينه و بين البلوغ الواقعي الكامل الذي هو اربعون سنة تلك المراتب المتقدّمة و هي دائمة السيلان و التبدّل و تختلف الاحكام بهما فوجب النسخ و الاختلاف و التغيير و التبديل و الزيادة و النقصان و غلبة الرطوبات التي هي الميولات الشهوانية و بها استيلاء الجور و الخلاف و ظهور القبايح و الشنايع و خفاء العقل و تسلّط النفس الامّارة بالسوء و توجّه الحرارة الغريزية التي هي الامدادات الالهية و الانبعاثات الشوقية و التوجهات الحقّية الي الباطن اي الي الاختفاء و عدم الظهور و سكون الجوارح و الالات الغيبية و الشهودية عن الارتقاء الي معالي الدرجات و ظهور فصل الشتاء و جمود القرائح و خمود الطبايع و سدّ المسام و كلّ ذلك بتقدير الحكيم و تدبير العليم و لولا هذا الاختلاف و الاوضاع المتشتّتة المتفرّقة لاحترقت الطبايع و فنيت او انجمدت و خمدت و مااستوت فجري الامر بين الامرين لتنضج الطبايع و تبلغ الي غاياتها الكمالية و تصير انساناً و تخرج عن الظلمات البهيمية فلو اخبرهم الامام7 بهذه الدقيقة و السبب الذي به جري هذا الاختلاف ولو اراد لجمعهم علي كلمة واحدة بحيث لم‏يختلف اثنان ولكن في ذلك خلاف الاستقامة و خلاف العدل لانكروا و لم‏يقبلوا لما ذكرنا من جمود قرايحهم و خمود طبايعهم و لقالوا كما قال7 لولا خوفي عليكم ان‏تقولوا جنّ او ارتدّ فافهم.

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 276 *»

و اما مبدء الاختلاف فاعلم ان اللّه عزّوجلّ لمّا خلق النور انعكس عنه الظلّ الذي هو الظلمة فاستدار النور علي التوالي و استدارت الظلمة علي خلاف التوالي و هذه المخالفة جرت بينهما فاستدار النور هابطاً و الظلمة صاعدة لحكم العكس المستوي الي هذه الدنيا فالتقي الكرتان بنقطة و ظهرت اثار كلّ في الاخر فاختلط ماحاذي النقطتين من الكرتين بعضها مع الاخر فصارت في كلّ واحد من الفريقين طبيعتان اصلية و عرضية و عرضية كلّ تخالف ذاتية الاخري فالميل الي العرضي يضادّ الميل الي الذاتي فمن هنا جاء الاختلاف و الاحكام تجري علي مقتضاه الي ان‏تفترق النقطتان بالكلية و ذلك اذا مات الشخص او تميل النقطتان عن مستقرّهما و ان لم‏يحصل الافتراق التامّ و هو في قيام القائم7 و الرجعة و الافتراق التامّ انما يكون في القيمة و اكمل اذا ادخل اهل الجنة الجنة و اهل النار النار و ذلك منتهاه و الخلق قبل ان‏يقوم القائم7 في الابتلاء و الامتحان ليميز الخبيث من الطيّب و ليعلم اهل الطبيعة العرضية من الذاتية و العكس و هو قوله تعالي ام حسبتم ان‏تدخلوا الجنة و لمّايعلم اللّه الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين و قال عزّوجلّ و لنبلونّكم بشي‏ء من الخوف و الجوع و نقص من الاموال و الانفس و الثمرات و بشّر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انّا للّه و انا اليه راجعون و قال عزّوجلّ الم أحسب الناس ان‏يتركوا ان‏يقولوا امنّا و هم لايفتنون و عن اميرالمؤمنين7 لتبلبلنّ بلبلة و لتغربلنّ غربلة و لتساطنّ سوط القدر حتّي يصير اسفلكم اعلاكم و اعلاكم اسفلكم و ليسبقنّ سبّاقون كانوا قصّروا الحديث و الخلق الان في اشدّ ظلمة من الليل الدامس من غلبة الظلم و الجور ولكن المصلّين بالليل هم الفائزون و هو قوله تعالي ان ناشئة الليل هي اشدّ وطأً و اقوم قيلاً اي النفوس التي تنشأ بالليل لذكر اللّه سبحانه و لاقامة الصلوة.

هذا الذي ذكرنا هو نوع احوال الخلق في هذه الازمان و قبلها و هو يريد7 بقوله و ما انتم فيه الذي ذكرنا علي جهة العموم و الكلّي و يريد به خصوصيات احوالهم في مئاكلهم و مشاربهم و ملابسهم و ادابهم و اطوارهم و مااستجنّت في سرائرهم و استكنّت في

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 277 *»

ضمائرهم و ماانعقد عليه ضمائرهم و ماقويت به عزيمتهم و الاسباب و الاحوال التي تهيّجت لهم نيران الشوق الي مئاربهم و مطالبهم و حوائجهم و ما اهل الكوفة عليه من النفاق و الشقاق عازمون بذلك المعاندة مع اللّه رب العالمين و سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم.

و اما فرع هذا الاختلاف فهو التقية و تعدّد الاحكام الواقعية الثانوية و النفس‏الامرية و ظهور خباثة الظالمين و بروز بواطن المنافقين المعاندين و هلاك الفاسقين و تخليص المؤمنين من كيد الكافرين و تصفية المخلصين عن شوب لطخ الجاحدين و خروج الشيعة من اصلاب الفاسقين و خلوص الامر للّه رب العالمين و اللعن و الوبار علي اعداء الدين و هلاك خلفاء الشياطين و تطهير الارض من كلّ رجس نجس لعين و تخليصها للقوم الصالحين ان الارض للّه يورثها من يشاء و العاقبة للمتّقين فافهم مجمل الاقوال.

و قوله7 و ماتلقّونه الي يوم القيمة و قد ذكر7 شرذمة من ذلك في خطبة البيان ولكن مااظهر لهم فيها السرّ الذي لو سمعوه لقالوا انه جنّ او ارتد و هو مقلّب تلك الاحوال و مدبّر تلك التدابير و الامر و الناهي الذي بيده ازمّة التقدير و سيبيّن لك في هذه الخطبة قليلاً من كثير ممايلقونه الي يوم القيمة و نؤخّر شرحه الي ذلك المقام.

ثم اعلم ان المخاطب بهذه الخطابات كما مرّ في قوله7 ايها الناس كلّ الموجودات لا اختصاص بالمشافهين و لا بالانسان في كلّ افراده بل هو عامّ للانبياء و المرسلين و الملائكة المقرّبين و الانسان و الجنّ و الحيوان و البهائم و حشرات الارض و الجماد و النبات و تلك الاحوال الثلثة جارية للكلّ الاّ ان لكلّ بنسبة مقامه الاتري فساد الثمار و قلّة الامطار و تعاور الليل و النهار و عدم اعشاب البراري و القفار و تراكم السحب و امثال ذلك مع ان في الفطرة الاولي و الكينونة الحقيقية خلق اللّه الدنيا و الكواكب كانت في اشرافها و طالع الدنيا سرطان فالشمس في بيت الوتد في الحمل في الدرجة التاسعة عشر و الوقت الظهر وقت الصلوة و اسماع (استماع خ‏ل) صوت الملك قوموا علي نيرانكم التي اوقدتموها علي ظهوركم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 278 *»

 فاطفئوها بصلاتكم و هذا هو الفطرة الاولي و المقصد الاقصي و لمّا تحرّكت الافلاك و مالت الافاق و خفي نور الشمس عن الاشراق و تراكمت السحب المكفهرة و تصاعدت الادخنة و الابخرة الفاسدة المدلهمّة و تكاثفت الاجزاء الارضية و حجبت الشمس عن اشراقها و تلألؤها و لمعانها فتحققت بها الظلمة و سرت في كلّ شي‏ء من البقول و الثمار في الحيوان و الانسان فتولّد بذلك ابدانهم وهكذا في عالم الارواح و الاشباح و البقول و الثمار في تلك الاطوار و الحاصل كلّ شي‏ء الان من الغيب و الشهادة و الروح و الجسد مما في الدنيا الوجه السفلي من عالم المثال الي الارض الاولي كلّها مشوب مختلّ لايصفو الاّ بين النفختين.

قال عليه الصلوة و السلام: «و لقد ستـر علمه عن جميع النبيين الاّ صاحب شريعتكم هذه صلّي اللّه عليه و اله فعلّمني علمه و علّمته علمي».

اقول: اما الاخبار الدالّة علي ان الائمة: عندهم جميع ما عند الانبياء: فكثيرة و من الانبياء في عالم الظهور محمّد9 و لا شك انه9 اعلم الانبياء باجمعهم فيكون ماعندهم مستوراً عن الانبياء كلاً سوي محمّد9 روي في الكافي عن عبداللّه بن جندب انه كتب اليه الرضا7 اما بعـد فانّ محمّداً9 كان امين‏اللّه في خلقه فلمّا قبض كنّا اهل‏البيت ورثته فنحن امناء اللّه في ارضه عندنا علم المنايا و البلايا و انساب العرب و مولد الاسلام و انّا لنعرف الرجل اذا رأيناه بحقيقة الايمان و حقيقة النفاق و ان شيعتنا لمكتوبون باسمائهم و اسماء ابائهم اخذ اللّه علينا و عليهم الميثاق يردون موردنا و يدخلون مدخلنا ليس علي ملة الاسلام غيرنا و غيرهم و نحن النجباء و النجاة و نحن افراط الانبياء و نحن ابناء الاوصياء و نحن المخصوصون في كتاب اللّه عزّوجلّ و نحن اولي الناس بكتاب اللّه و نحن اولي الناس برسول‏اللّه9 و نحن الذين شرع اللّه لنا دينه و قال في كتابه شرع لكم يا ال‏محمّد من الدين ماوصّي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 279 *»

 به نوحاً و الذي اوحينا اليك يا محمّد و ماوصّينا به ابرهيم و موسي و عيسي فقدعلمنا و بلغنا علم ماعلّمنا و استودعنا علمهم نحن ورثة اولي‏العزم من الرسل ان‏اقيموا الدين يا ال‏محمّد و لاتتفرّقوا فيه و كونوا علي جماعة كبر علي المشركين من اشرك بولاية علي ماتدعوهم اليه من ولاية علي ان اللّه يا محمّد يهدي اليه من ينيب من يجيبك الي ولاية علي7 .

و فيه عن ابي‏جعفر7 قال قال رسول‏اللّه9 ان اوّل وصّي كان علي وجه الارض هبة اللّه بن ادم و ما من نبي مضي الاّ و له وصي و كان جميع الانبياء مائة الف نبي و عشرون الف نبي منهم خمسة اولواالعزم نوح و ابرهيم و موسي و عيسي و محمّد9 و انّ علي بن ابي‏طالب7 كان هبة اللّه لمحمّد9 و ورث علم الاوصياء و علم ماكان قبله اما انّ محمّداً9 ورث علم ماكان قبله من الانبياء و المرسلين علي قائمة العرش مكتوب حمزة اسداللّه و اسد رسوله و سيدالشهداء و في ذؤابة العرش علي اميرالمؤمنين7 فهذه حجّتنا علي ماانكر حقّنا و جحد ميراثنا و مامنعنا من الكلام و امامنا اليقين فاي حجّة تكون ابلغ من هذا.

و عن ابي‏عبداللّه7 ان سليمان ورث داود و ان محمّداً9 ورث سليمان و انّا ورثنا محمّداً9 و ان عندنا علم التورية و الانجيل و الزبور و تبيان ما في الالواح قال قلت ان هذا لهو العلم قال ليس هذا هو العلم ان العلم الذي يحدث يوماً بعد يوم و ساعة بعد ساعة.

و عنه7 انّ داود ورث علم الانبياء و ان سليمان ورث داود و ان محمّداً9 ورث سليمان و انا ورثنا محمّداً9 و ان عندنا صحف ابرهيم و الواح موسي فقال ابوبصير ان هذا لهو العلم فقال يا ابامحمّد ليس هذا هو العلم انما العلم مايحدث بالليل يوماً بيوم و ساعة بساعة.

و عنه7 ان اللّه عزّوجلّ لم‏يعط الانبياء شيئاً الاّ و قد اعطاه محمّداً9 قال و قداعطي محمّداً9 جميع مااعطي الانبياء و عندنا الصحف التي قال اللّه عزّوجلّ صحف ابرهيم و موسي الحديث.

و عنه7 في قوله عزّوجلّ و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الذكر عند

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 280 *»

 اللّه و الزبور الذي انزل علي داود و كلّ كتاب نزل فهو عند اهل العلم و نحن هم.

و عن موسي بن جعفر الكاظم8 انه سئل عن النبي9 ورث النبيين كلّهم قال نعم قال السائل من لدن ادم حتي انتهي الي نفسه قال مابعث اللّه نبياً الاّ و محمّد9 اعلم منه قال قلت ان عيسي بن مريم7 كان يحيي الموتي باذن اللّه قال صدقت و سليمان بن داود كان يفهم منطق‏الطير و كان رسول‏اللّه9 يقدر علي هذه المنازل قال فقال ان سليمان بن داود قال الهدهد (للهدهد في‏المصدر) حين فقده و شكّ في امره فقال ما لي لااري الهدهد ام كان من الغائبين حين فقده و غضب عليه و قال لاعذّبنّه عذاباً شديداً او لاذبحنّه او ليأتينّي بسلطان مبين و انما غضب لانه كان يدلّه علي الماء فهذا و هو طائر قد اعطي ما لم‏يعط سليمان و قد كانت الريح و النمل و الانس و الجنّ و الشياطين المردة له طائعين و لم‏يكن يعرف الماء تحت الهواء و كان الطير يعرفه و ان اللّه يقول في كتابه ولو ان قرءاناً سيّرت به الجبال او قطّعت به الارض او كلّم به الموتي و قدورثنا نحن هذا القرءان الذي فيه ماتسيّر به الجبال او تقطّع به البلدان و يحيي به الموتي و نحن نعرف الماء تحت الهواء و ان في كتاب اللّه لايات مايراد بها امر الاّ ان‏يأذن اللّه به مع ما قديأذن اللّه مماكتبه الماضون جعله اللّه لنا في امّ الكتاب ان اللّه يقول و ما من غائبة في السموات و الارض الاّ في كتاب مبين ثم قال ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فنحن الذين اصطفانا اللّه عزّوجلّ و اورثنا هذا الذي فيه تبيان كلّ شي‏ء هـ

اعلم ان معني وراثة ائمتنا: لعلم الانبياء: هو معني وراثة اللّه الارض حيث يقول عزّوجلّ في كتابه انا نحن نرث الارض و من عليها و الينا يرجعون و معني هذا (هذه ظ) الوراثة رجوع كلّ شي‏ء الي مبدئه و اهله و ليس انها ترجع الي ذات اللّه عزّوجلّ و انما ترجع الي اثار فعل اللّه و محالّ مشيته و السنة ارادته و بيّن هذا المعني في موضع اخر من القرءان حيث يقول عزّوجلّ و لقدكتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده و الارض هي العلم و العباد هم المكرمون الذين لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و هم الذين عنده

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 281 *»

لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون فعلوم الانبياء و المرسلين كلّها تنتهي اليهم: حين ماتبدأ (تبتدئ خ‏ل) منهم اليهم فمنهم اليهم عين ما اليهم منهم فابتداؤها منهم: الي الانبياء هو عين انتهائها و رجوعها عنهم اليهم: فحين مارجعت اليهم لم‏تخرج عن الانبياء و حين مابدأت منهم الي الانبياء: لم‏تخرج منهم كالشمس فنورها منها بدئ اليها يعود فعلوم الانبياء و ان كانت هي علمهم: لكنّها ليست علمهم حقيقة و ان كان صافي تلك العلوم علمهم في مقام انا بشر مثلكم يوحي الي فنسبة علمهم في هذا المقام الي علم الانبياء: نسبة الاكسير الخالص الصافي الي الحجرة الكدرة الغير المصيقلة و معني علمهم اي ملكهم و في قبضتهم كالشعاع الذي هو في ملك السراج و الشمس و ليس تلك العلوم علومهم حقيقة في مراتبهم و مقاماتهم فماعندهم: سرّ علي غيرهم من الانبياء و المرسلين و الخلق اجمعين و ذلك لان ماعندهم من الاسم الاعظم الذي به موادّ العلم و قوامه كماروي ان بلعم بن باعور قدتعلّم اسماً واحداً من الاسم الاعظم و كان يملي علي اربعة الف كاتب كلّهم يكتبون من علومه المنشعبة (المتشعبة خ‏ل) من ذلك الاسم سمعت هذا من شيخي اطال اللّه بقاه و جعلني فداه و قدعبّر اللّه سبحانه عن الاسم الاعظم بالعلم حيث قال و قال الذي عنده علم من الكتاب و ذلك اصف بن برخيا كان عنده حرف من الاسم الاعظم و قد دلّ العقل و النقل علي انهم: حووا الاسماء العظام كلّها ماخلا الاسم الواحد المختصّ باللّه سبحانه.

و من الاخبار ماروي في الكافي عن ابي‏جعفر7 قال ان اسم اللّه الاعظم علي ثلثة و سبعين حرفاً و انما كان عند اصف منها حرف فتكلّم به فخسف بالارض مابينه و بين سرير بلقيس حتي تناول السرير بيده ثم عادت الارض كما كانت اسرع من طرفة العين و نحن عندنا من الاسم الاعظم اثنان و سبعون حرفاً و حرف عند اللّه تبارك و تعالي استأثر به في علم الغيب عنده و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم.

و عن ابي‏عبداللّه7 ان

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 282 *»

 عيسي بن مريم7 اعطي حرفين كان يعمل بهما و اعطي موسي اربعة احرف و اعطي ابرهيم ثمانية احرف و اعطي نوح خمسة عشر حرفاً و اعطي ادم خمسة و عشرين حرفاً و ان اللّه تبارك و تعالي جمع ذلك لمحمّد9 و ان اسم اللّه الاعظم ثلثة و سبعون حرفاً اعطي محمّد9 اثنين و سبعين حرفاً و حجب عنه حرف واحد.

و عن ابي‏الحسن العسكري7 ان اسم اللّه الاعظم ثلثة و سبعون حرفاً كان عند اصف حرف فتكلّم به فانخرقت له الارض فيمابينه و بين سبا فتناول عرش بلقيس حتي صيّره الي سليمان ثم انبسطت الارض في اقلّ من طرفة عين و عندنا منه اثنان و سبعون حرفاً و حرف عند اللّه مستأثر به في علم الغيب.

و عن ابي‏عبداللّه7 انه قال اني لاعلم كتاب اللّه من اوله الي اخره كأنّه في كفّي فيه خبر السماء و خبر الارض و خبر ماكان و ماهو كائن قال اللّه عزّوجلّ فيه تبيان كلّ شي‏ء.

و عنه7 قال قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان‏يرتدّ اليك طرفك ففرج ابوعبداللّه7 بين اصابعه فوضعها في صدره ثم قال و عندنا علم الكتاب كلّه.

و عن ابي‏جعفر الباقر7 في قوله تعالي قل كفي باللّه شهيداً بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب (قال خ‏ل) ايّانا عني و علي7 اوّلنا و افضلنا و خيرنا بعد النبي9 .

و عن ابي‏عبداللّه7 يقول ان عندنا ما لانحتاج معه الي الناس و ان الناس ليحتاجون الينا فان عندنا كتاباً املاء رسول‏اللّه9 و خطّ علي7 صحيفة فيها كلّ حلال و حرام و انكم لتأتون بالامر فنعرف اذا اخذتم به و نعرف اذا تركتموه.

و عن معمّر بن خلاّد قال سأل اباالحسن7 رجل من اهل فارس فقال له أتعلمون الغيب فقال قال ابوجعفر7 يبسط لنا العلم فنعلم و يقبض عنّا فلانعلم و قال سرّ اللّه عزّوجلّ اسرّه الي جبرئيل و اسرّه جبرئيل الي محمّد9 و اسرّه محمّد9 الي من شاء اللّه.

و قال ابوجعفر7 في قوله تعالي عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً فان اللّه عزّوجلّ عالم بماغاب عن خلقه فيمايقدر من شي‏ء و يقضيه في علمه قبل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 283 *»

 ان‏يخلقه و قبل ان‏يقضيه الي الملائكة فذلك علم موقوف عنده اليه فيه المشية فيقضيه اذا اراد و يبدو له فيه فلايمضيه فاما العلم الذي يقدّر اللّه و يقضيه و يمضيه فهو العلم الذي انتهي الي رسول‏اللّه9 ثم الينا.

فاذا اتقنت هذه الاخبار و نظرت اليها بصحيح‏الاعتبار علمت انّ ماعند ائمة الهدي:من العلوم مستور مخفي عند كلّ الانبياء و المرسلين كماقال مولينا الصادق7 لو كنت مع موسي و خضر لأنبأتهما بانّي اعلم منهما و اخبرني شيخي اطال اللّه بقاه عمّن رواه عن احدهم: انّ موسي و خضر كانا قاعدين علي ساحل البحر اذ اتي طير فاخذ بمنقاره قطرة من الماء فرمي بها نحو المشرق ثم اخذ قطرة اخري فرمي بها نحو المغرب ثم اخذ قطرة اخري فرمي بها نحو السماء ثم اخذ قطرة اخري فرمي بها في البحر فتحيّر موسي و خضر عمّا فعل الطير و لم‏يدريا ماتأويله اذ جاء صيّاد فقال مالكما متحيّرين قالا تحيّرنا مما صنع هذا الطير و لم‏ندر ما اراد فقال الصياد انه يقول يبعث اللّه سبحانه نبيّاً في اخر الزمان و له وصي يكون علمكما و علم من في المشرق و المغرب و من في السماء كالقطرة بالنسبة الي هذا البحر انتهي مانقلت من معني الحديث و انت لو تأمّلت فيما حقّقنا لك سابقاً في حقيقة العلم لعلمت بان الانبياء مايمكنهم اللحوق الي مراتب علومهم: بل يمتنع ذلك في حقّهم الاّ ان‏ينقلبوا عن حقايقهم و يغيّر اللّه خلقهم و هو علي كلّ شي‏ء قدير.

و قوله7 و لقد ستـر علمه عن جميع النبيين الضمير في علمه يرجع الي احوال ادم الاول و الذين معه و ماصاروا اليه و ماينتهي اليه امرهم يريد7 بادم الاول علي احد الوجوه رسول‏اللّه9 و الذين معه هم الائمة الاثناعشر البروج الثابتة في الكرسي الليلة المباركة التي هي فاطمة الزهراء3 و ماصاروا اليه من بدء كينونتهم في القدم في عالم اللانهاية و كانوا يعبدون اللّه سبحانه الف دهر و كلّ دهر مائة الف سنة الي ان خلقت الملائكة الاربعة العالون فبقيت هذه الملائكة يعبدون اللّه سبحانه معهم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 284 *»

: الف دهر الي ان خلق اللّه سبحانه الكرّوبيين و بالكرّوبيين خلقت الانبياء و تقوّموا بهم فهم باب فيضهم من اللّه سبحانه بالملائكة العالين و المنتهي الي تلك المبادي ايضاً لقوله تعالي كما بدأكم تعودون و تلك المراتب فوق ذكر الانبياء و فوق ذاتهم و لا شكّ ان الشي‏ء لايتجاوز ماوراء مبدئه فلا ريب ان تلك العلوم كانت مخفيّة عليهم و مستورة عنهم ثم لمّا كانت الانبياء ليس كلّ واحد منهم علّة مستقلة لماتحتهم بل المجموع علّة للمجموع من المراتب النازلة فلايكون لكلّ واحد السعة العامة المحيطة بكلّ ماتحته من احوال الذوات و الصفات و الكينونات و لاهل‏البيت: تلك السعة و الاحاطة فعلموا:حقيقة ادم الثاني اي الماء الثاني الذي صعد منه دخان فكان مبدأ الافلاك و زبده صار مبدأ الارضين فتولّد الانبياء: من دوران تلك الافلاك علي تلك الارضين فاذا كانوا: من جزئيات ذلك العالم فلايحيطون بحقيقته و ذلك خاصّ بمن خصّه اللّه سبحانه بالاسم الاكبر الاعظم الاعظم و هو محمّد9 و علي7 و الائمة الطاهرون سلام اللّه عليهم.

قوله7 و علّمني علمه هذا لا اشكال فيه لان البدل يجب ان‏يكون قائماً مقام المبدل‏منه و ذلك لايكون الاّ ان‏يكون مساوياً له في احواله والاّ لم‏يكن بدلاً مع ان مقام النبي9مقام الاجمال و البساطة و مقام الوصي7 مقام التفصيل و الكثرة فلاتزال العلوم تظهر من مقام الاجمال الي مقام التفصيل و لذا قال9 ظهرت الموجودات من باء بسم اللّه الرحمن الرحيم لان الباء مقام الكثرة و التفصيل و لذا اختصّ اسم اللّه بالنبي9 و اسم الرحمن بالوصي7 كالعرش و الكرسي فان الفيوضات ترد علي العرش مجملة بسيطة كلّية فمنه تفاض علي الكرسي مفصّلة متمايزة منقسمة في البروج و المنازل و ساير الكواكب.

في الكافي عن ابي‏عبداللّه7 قال ان جبرئيل اتي رسول‏اللّه9 برمّانتين فاكل رسول‏اللّه9 احديهما و كسر الاخري بنصفين فاكل نصفاً و اطعم عليّاً7 نصفاً ثم قال له رسول‏اللّه9 يااخي هل تدري ما هاتان الرمّانتان قال لا قال امّا الاولي فالنبوة ليس لك فيها نصيب و اما الاخري فالعلم انت شريكي فيه فقلت اصلحك اللّه كيف كان يكون شريكه فيه قال7 لم‏يعلم اللّه محمّداً9 علماً الاّ و امره ان‏يعلّم عليّاً7 . و فيه عن ابي‏جعفر الباقر7 قال نزل جبرئيل علي رسول‏اللّه9 برمّانتين من الجنة فاعطاه ايّاهما فاكل واحدة و كسر الاخري

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 285 *»

 بنصفين فاعطي عليّاً7 نصفها فاكلها فقال ياعلي اما الرمّانة الاولي التي اكلتها فالنبوة ليس لك فيها شي‏ء و اما الاخري فهو العلم فانت شريكي فيه. و فيه ايضاً عنه7 ان جبرئيل نزل علي محمّد9 برمّانتين من الجنة فلقيه علي7فقال ما هاتان الرمّانتان اللتان في يدك فقال اما هذه فالنبوة ليس لك فيها نصيب و اما هذه فالعلم ثم فلقها رسول‏اللّه9 بنصفين فاعطاه نصفها و اخذ رسول‏اللّه9 نصفها ثم قال انت شريكي فيه و انا شريكك فيه قال فلم‏يعلم واللّه رسول‏اللّه9 حرفاً مما علّمه اللّه الاّ و قد علّمه عليّاً7 ثم انتهي العلم الينا ثم وضع يده علي صدره.

و قد دلت الاخبار المتكثرة بل المتواترة معني علي ان النبي9 علّم عليّاً7 الف باب من العلم ينفتح من كلّ باب الف باب و كلّ باب اشارة الي سرّ عالم من العوالم و تتضمّن ابواباً كثيرة فان العالم الف الف فالالف هو الاصل و نشأ من كل واحد من الالف الف و قد علّمها ايّاه9 مجملاً بالكينونة و الذات و بالبيان بالصفات و عند علي7 فصّلت تلك الابواب لانه7 الكتاب الذي احكمت اياته ثم فصّلت من لدن حكيم خبير فلايمكن احصاء تلك الابواب الاّ للذي يسبح في لجّة اللانهاية علي جهة الكلّي /لا الجزئي (و الجزئي خ‏ل).

ثم ان هذا التعليم لا انقطاع له و لا نفاد لان العلم دائماً يجري من بحر القدر الذي تحته شمس تضيئ لاينبغي ان‏يطّلع عليها الاّ الواحد الفرد فلم‏يزل ينزل من ذلك البحر المحيط بحور و ان كانت خلجان بالنسبة الي البحر الاول

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 286 *»

فالبحر الاول المظلم كالليل الدامس هو بحر العين المستنطق من «كهيا» («كهيـ» ظ) اي من الكاف الظاهرة في الهاء و الياء فان الكاف هي الظاهرة المستنطقة من البسملة لانها تسعة عشر و هي استنطاق الواحد فاذا نظرت ظهور الاحد في الواحد كانت الكاف فالكاف هي هاء قدكرّرت اربع مرات مرّة في البسم و الثانية في اللّه و الثالثة في الرحمن الرابعة في الرحيم و الهاء في مقام التكرير تظهر منها الياء و في مقام التربيع تظهر منها النون فالهاء هو السرّ و الامر في الكاف و النون و اذا جمعت الكاف و النون استنطقت العين و اذا ظهرت الكاف في العين ظهرت الصاد ففي الباطن علي اعلي مقاماتها يكون الصاد هي الحقيقة المحمّدية9 و العين هي مقام القيّومية و مرتبة المشية الكلية و العمق الاكبر علي الحقيقي و هو العلم الذي لايحيطون بشي‏ء منه الاّ بماشاء و ظهر في بحر الصاد كماروي ان الصاد بحر تحت العرش ينزل منه الماء الذي به حيوة كلّ شي‏ء و لقد امر رسول‏اللّه9 بالتوضّأ منه لصلوة الظهر ليلة المعراج فاتي النداء ادن يا محمّد من صاد و توضّأ لصلوة الظهر و لمّا كانت الصلوة معراج المؤمن و التوضّي (التوضّؤ ظ) هو التطهير و الاستعداد لملاقاة الرب و هو وجه التوجه الي اللّه تعالي و توجه السافل الي العالي بكينونة ذاته لا بصفاته و اثاره علمنا ان الصاد هو حقيقته9 حيث توجّه بها الي ربه في مقام الدنوّ بدليل صلوة الظهر لانها صفة ظهور المبدء و لذا كانت اول صلوة فرضها اللّه عزّوجلّ علي عباده برحمته فلم‏تزل العلوم و الاسرار تفاض من بحر العين الي بحر الصاد بلا انقطاع فلو انقطع اناً واحداً بل اقلّ انقطع الوجود كلّه و هو قوله تعالي و قل ربّ زدني علماً فهذه الاستزادة لا انقطاع لها و الافاضة كذلك لان اللّه عزّوجلّ يقول ادعوني استجب لكم فالاستجابة مقترنة بالدعاء و الاستزادة دعاء فوجب الاستجابة و لذا قال عزّوجلّ كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبّتي غاية و لا نهاية هـ لا في البدء و لا في العود لان العود نفس البدء و هذا العلم الجاري من بحر العين له شعبتان و خليجان فخليج يجري من بحر الكاف و الاخر من بحر النون و الاخر من بحر العين و الذي من بحر الكاف

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 287 *»

له اربعة انهار نهر يجري من البسم و الاخر من اللّه و الاخر من الرحمن و الاخر من الرحيم و في كلّ نهر خمسة جداول جدول النقطة و الالف و الحروف و الكلمة التامّة و الدلالة و هذه العلوم كلّها علم التوحيد الصرف و التعدد باختلاف المحالّ و المهابط للتجلّي و في كلّ مقام و مجلي لايري الاّ الواحد بنفي الكثرات و سلب الاضافات و الامتيازات و عند العلم يقال انها خمسة و عند العمل هو واحد لا بالعدد و العلم الذي يتصوّر فيه التعدد عند جميع (جمع خ‏ل) شئونات الكينونة لمن اشهده اللّه خلق نفسه و اما عند الصعود الي ذروة المجـد و العلي فيتّحد العلم و العمل و ان كانا متحدين في كل مقام فالجدول الاول من النهر الاول من الخليج الاول هو الذي يختص به النبي9 لايشترك فيه معه علي7 و ذلك علم لم‏يعلمه (لايعلمه خ‏ل) ايّاه8 يعني لايمكن ذلك الاّ ان‏تنقلب الحقايق فيرتفع الامتياز حينئذ هذا خلف و بذلك العلم كان افضل و اعلي فلو تساويا لما كان احدهما افضل لئلايستلزم الترجيح من غير مرجّح و قد قال عزّوجلّ يرفع اللّه الذين امنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات، هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون و لما صحّ ان‏يكون النبي9 واسطة بين الامر و بين علي7 لانّ المساوي لايكون واسطة بالضرورة فوجب ان‏يكون عند النبي9 علم في التوحيد لم‏يكن عند علي7 و بذلك كان كماقال علي7 انا عبد من عبيد محمّد9 فقوله7 و علّمني علمه و ان كان العلم مصدراً مضافاً يفيد العموم الاّ انّ ذلك العلم ليس داخلاً لانه عين حقيقة ذاته و التعليم فعل و الفعل متأخّر عن مرتبة الذات فيتعيّن ان‏يكون المراد بالعلم /هو ماتحت (ماهو تحت خ‏ل) مرتبة الذات فعلي هذا فلا احاطة لعلي7 في مقام الحقيقة النبوية9 فقوله9 ياعلي ماعرف اللّه الاّ انا و انت يريد المعرفة الحاصلة لساير المخلوقين لا مساواتهما8 في المعرفة و كذا قوله9 و ماعرفني الاّ اللّه و انت اما اللّه سبحانه و تعالي فهو بالكنه و الحقيقة و اما علي7 فهو بالبيان و الصفة لا الحقيقة و كذا قوله9 ماعرفك الاّ اللّه و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 288 *»

 انا يريد المعرفة بالكنه في المقامين.

و فصل القول انّ في هذا المقام مباحث هي مفتاح للابواب المقفّلة و حلّ الرموز المشكلة فلايعرف حقيقة الامر في هذا المقام الاّ بها و انا اشير اليها مجملاً: الاول ما العلم و حقيقته و الثاني ما العلم المنسوب الي اللّه المختصّ به و المنسوب الي محمّد9 كذلك و المنسوب الي علي7 كذلك و الثالث ما كيفيّة التعليم و ربط هذه العلوم بعضها ببعض و الرابع ما كيفية تعليم محمّد9 لعلي7 و تعليم علي7 لمحمّد9و ينكشف لك الامر و يتّضح لك السرّ بعد معرفة هذه الابواب ان شاء اللّه تعالي.

اما الاول فاعلم ان العلم نور من عند اللّه سبحانه و تعالي يقذفه في قلب من يحبّ فيشاهد الغيب و ينشرح فيحتمل البلاء و مبدأ هذا القذف هو المثال الذي القي سبحانه في هويّات الاشياء كماقال اميرالمؤمنين7 في وصف الملأ الاعلي صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلّي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويّتها مثاله فاظهر عنها افعاله و هذا المثال هو سرّ /كـن في فيكون (كن فيكون خ‏ل) و هو السائل الامر باللّه سبحانه القائل كـن و هو المجيب الممتثل من قبل نفسه باللّه سبحانه الفاعل لـ يكون. و قد ورد عنهم: في بيان قوله تعالي بين النفختين خطاباً للارض اين الجبّارون و اين المتكبرون و اين الذين يأكلون رزقي و يعبدون غيري لمن الملك اليوم ثم قال سبحانه للّه الواحد القهّار قالوا: نحن السائلون و نحن المجيبون هـ لانهم وجه اللّه الذي لايهلك و قال اميرالمؤمنين7 بل تجلّي لها بها و لاتستغرب من (عن خ‏ل) ذلك فانك تراه بالعيان فانك اذا قرأت القرءان و قرأت قوله تعالي اني انا اللّه لا اله الاّ انا فاعبدني و اقم الصلوة لذكري فلايتوهّم احد انك تدّعي الربوبية و الالوهية لانك حينئذ حاكٍ و لسان له تعالي ثم يستحبّ لك ان‏تقول اذا قرأت امثال هذه الايات بلي يا رب انت اللّه لا اله الاّ انت لانعبد الاّ اياك مخلصين لك الدين فانت الذي اجبت فكنت في الحالة الاولي لسان المخاطِب و في الحالة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 289 *»

الثانية لسان المخاطَب و هذا اية ماذكرنا لك و دليله فافهم فذلك المثال هو العلم و الهويّة هي القلب و هي اول ماظهرت به كينونة الخلق الذي احبّه اللّه للايجاد لان‏يعرف كماقال كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان‏اعرف فقذف اللّه سبحانه هذا النور في قلب من احبّ و قدعلمت انه تعالي احبّ كلّ خلق من حيث الخلقة فقذف هذا النور في قلب كلّ احد من المخلوقين و قد مثّل سبحانه لهذا النور و نسبته مع القلب مثالاً غريباً لاتفني عجائبه و لاتنفد غرائبه حيث يقول سبحانه مثل نوره كمشكوة فيها مصباح النور الظاهر في هذا المصباح الذي في الزجاجة التي كأنّها كوكب درّي /هو المستوقد (استوقد خ‏ل) من الشجرة المباركة الزيتونة التي ليست شرقية و لا غربية فالنار منها كزيتها ذلك هو العلم فلمّا استضاء المصباح الذي هو العلم الظاهر في القلب صار له وجهان وجه الي الحرارة المحضة و اليبوسة من النار و وجه الي البرودة و اليبوسة التي هي ثفل الزيت و نفسه و وجه الي الحرارة و الرطوبة من توجه النار الي الدهن و وجه الي البرودة و الرطوبة من توجه الدهن الي النار و لذا كان لون النور الظاهر في الدهن اصفر برّاقاً شفّافاً و بهذه الصفرة ينير لتحقّق المناسبة التامة و تلك الصفرة هي المصدر الذي يشتقّ منه اسم الفاعل و المفعول و لذا وضع لذلك النور اسماً و هو المصدر فقيل علم و نور و كلاهما مصدران.

و توضيح الكلام ان العلم هو نقطة الكون المنبسطة علي حقايق الاكوان الوجودية و الحروف الكونية و الوصفية و الشرعية و اللفظية و تلك النقطة بظاهرها تحكي ظاهر الاكوان و بباطنها تحكي باطن الاكوان و الاعيان و بكينونتها و ذاتها تحكي المبدأ الذي هو الاصل في الكلام الذي ينشعب (يتشعب خ‏ل) منه اصول و كلّ اصل ينشعب (يتشعب خ‏ل) الي اصول وهكذا و بسرّها المستودع في هويّتها تحكي سرّ الاسماء و الصفات الجلالية و الجمالية و بسرّ سرّها تحكي الوحدة الحقيقية البسيطة كلّ ذلك في مقام انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله فالعلم ظلّ نوراني و شبح منفصل يشرق علي كلّ مذروء و مبروء و علي التجليات الذارئ البارئ المصوّر التي هي نفسه و علي نور

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 290 *»

هيكل التوحيد و شبح التجريد و التفريد و لذا وضع له المصدر كما ذكرنا فان المصدر هو الواقف علي الطتنجين و البرزخ بين العالمين عالم الفاعل و عالم المفعول و عالم الفعل و الاسماء دليل المسميات و صفاتها.

و لمّا كان ظهور هيكل التوحيد في الهاء التي ظاهرها عين باطنها كما قال9 التوحيد ظاهره في باطنه و باطنه في ظاهره ظاهره موصوف لايري و باطنه موجود لايخفي و هو رتبة التوحيد و لمّا كانت الاسماء رتبة التعلقات فوجب اشباع الهاء فظهر به سرّ الاسماء و موصوفها و مسمّاها و اصلها و هو الهوية التي يقوم به الالوهية و لمّا كانت الظهورات الخاصة لها ارتباطاً (ارتباط ظ) اكثر و اقوي فلوحظت بيّناتها مع زبرها فاستنطقت منها الواحد و الواحد اذا اضيف اليه الاحد كان عشرين فتستنطق منه الكاف فكانت الكاف هي تمام مقامات (ميقات خ‏ل) الاسماء و الصفات و التجليات الالهية من العامة و الخاصة و الظاهرة و الباطنة و بقي مقام التعلق الخاص و الربط المتعلق و لايتمّ ذلك الاّ بانضمام النون لان الهاء اذا كرّرت تكون منه الياء و اذا كعّبت الهاء في الياء تظهر النون و هما تمام كلمة كـن و كذا (لذا خ‏ل) قال سبحانه بعد البسملة كهيعص فالكاف انما حصلت من اشباع الهاء و النون من تكريرها و اذا جمعتا تستنطق من المجموع العين فالعين اشارة الي عالم الوجود المطلق و عالم الامر بجميع تفاصيله و احواله و لذا كانت السبعة هي العدد الكامل بنفسها و بتكريرها و تنزيلها و هي مشتملة علي مراتب الاسم الاعظم الظاهرة في المخلوقين و الغير الظاهرة و هي اسرار مبادي الوجود و علله الفاعلية و مبادي العلل المادية و السرّ الاعظم الاعظم السرّ المقنّع بالسرّ من رتبة التوحيد الظاهرة للمخلوقين بجميع انحائها و اطوارها و تجدّد الفيوضات و الامدادات من بحر القدرة الي طتنج المشية و منها الي جدول الحقيقة و منها الي مستسرّات سرائر الاكوان و مستوضحات شهادة الاعيان وهكذا الي ماشاء اللّه و لمّا كان العين تحكي تلك الاسرار و منها تظهر تلك الانوار و هي الوجه الاعلي من النقطة بمراتبه وجب ان‏توضع في اول حرف اسم تلك النقطة ملاحظاً للنظم الطبيعي في العالم التكويني و التدويني كما جعلت في اول اسم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 291 *»

حاملها كماقال تعالي ماوسعني ارضي و لا سمائي بل وسعني قلب عبدي المؤمن و قال عزّوجلّ و ان كنتم في ريب ممّانزّلنا علي عبدنا و اشهد انّ محمّداً9 عبده و رسوله.

و لمّا كان الوجه السفلي لتلك النقطة ظهورها في الالف و انعطاف الالف بالحروف و تشعّبها منها و هو مقام الخلق و الخلق انما يتحقق بـ يكون عند خطاب كـن و ذلك له مقامان: مقام صلوحه و استيهاله لوقوع الخطاب عليه و المقام الثاني مقام وقوع الخطاب عليه فالاول نسميه بالقابلية و الثاني نسميه بظهور المقبول في القابل و قدنطلق عليه المقبول علي جهة الاجمال و لايصلح المخلوق و لايستأهل لوقوع خطاب كـن عليه ظاهراً و باطناً علي جهة الكمال و التمام فيهما الاّ بعد ان‏يستودع في سرّه بالتجلّي ثلثون اسماً من الاسماء الحسني فاذا استودعت فيها و عمل كلّ اسم فعله و تمّت البنية و نضجت الطبيعة فهناك تنضج الطبيعة و يقوم الشي‏ء رافعاً صوته بالتلبية و يظهر فاعل يكون بعد وقوع خطاب كـن عند الخطاب.

و السرّ في هذا الثلثين هو انّ المبدأ كما ذكرنا مراراً هو المثلث و هو اذا جذّر يكون تسعة فاذا تمّمت التسعة بظهور الاحد يكون تمام العشرة و هذه العشرة لها ظهورات في كل (ظل خ‏ل) العوالم و انما تختلف بالاجمال و التفصيل و الظهور و الخفاء و البساطة و التركيب و لها مقامان: مقام نزول و مقام صعود فالنزول هي تلك الثلثة الي ان‏تصير عشرة و الصعود هو ظهور سرّ تلك الثلثة في كل من العشرة و هو تمام الثلثين و اليه الاشارة في قوله تعالي و واعدنا موسي ثلثين ليلة و اتممناها بعشر فتمّ ميقات ربه اربعين ليلة.

و معني ماذكرنا هو ان الشي‏ء لمّا بدأ من فعله تعالي له ثلثة وجوه: وجه الي مبدئه و وجه الي نفسه و وجه الي غيره و لكل منها ثلث حالات: حالة عليا و حالة وسطي و حالة سفلي و العاشر هو الوحدة الجامعة لتلك الحالات كلّها اما الصعود فهو ظهور الاحوالات الثلثة الاسفل فالاسفل الي الاعلي فالاول ظهور الحالة السفلي في المجموع و هناك مقام الجماد و الثاني ظهور الحالة الوسطي و ظهور ربط (بسط خ‏ل) المبدأ و هيجانه الي جهة المبدأ في الاستمداد و هو مقام المعدن و الثالث ظهور الحالة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 292 *»

العليا من ظهور الربط الكلي و هو مقام النبات و هناك مقام فكسونا العظام لحماً و ذلك تمام الثلثين فالاربعون من ظهور الحالة الرابعة و هي سرّ الثلثة الجامع لها باطوارها في كل هذه الثلثة في كل مقام بحسبه و في مقام الوحدة و الجامعية فلها مقام مع كل واحد منها و مقام منفرد متوحّدة فيها و هي تمام الاربعين فمقام الخلق يتمّ في مقامين علي اختلاف مراتبه مقام القابل و هو الثلثون و مقام المقبول و هو الاربعون و من هذه الجهة كان في مبدأ الكتاب الكريم و مفتتح سورة البقرة الم فالالف لبيان المبدأ و اللام و الميم لمقام رتبة الخلق في اطوار القابليات و المقبولات.

و لمّا كانت الاسماء صفات المسمّيات و وجب بينهما المطابقة في كل الجهات اللازمة فوجب ان‏يجعل ثاني احرف اسم تلك النقطة اللام لانها متقدمة في الظهور و كذا في الوجود و ثالثها الميم لبيان تمام المراتب و اجتماع العلل مع المعلول و الاسباب و المسبّبات و اللوازم و الملزومات و الشرايط و المشروطات و هو يوم الجمعة في ايام الاسبوع ولم‏تكن هنا رتبة اخري لتزاد حرف اخر فانحصرت احرف الاسم في الثلثة فصارت علي مقتضي الترتيب علم ع ل م ثمّ دلّت بصفاتها الي معانٍ اخر فالعين من عالم الغيب لانها من حروف الجبروت و اللام من عالم الاوسط لانه من عالم الملكوت و الميم من عالم الاسفل لانه من عالم الملك و كلّ من الاحرف ثلثية فتكون تسعة و المجموع واحد فتكون عشرة علي التفصيل الذي اشرنا انفاً و اشار سبحانه و تعالي الي هذا الصوغ و التأليف في كتابه العزيز و اوحي ربّك الي النحل اي منتحل العلم ان اتّخذي من الجبال بيوتاً اي من العرب و هي المبادي العالية و اطوار كـن و العوالم الغيبية و الاشارة اليها العين في الظاهر و الباطن كماذكرنا و من الشجر و هي اطوار عالم الشهادة و المقامات الخلقية لظهورات الجهات التفصيلية و الكثرات فيها و تشعّبها الي الاغصان و اغصان الاغصان و الاوراق وهكذا و الاشارة اليها الميم و ممّايعرشون من الاحوال البرزخية بين الغيب و الشهادة و الظاهر و الباطن و الاشارة اليها اللام لانها من حروف الاوسط ثم كلي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 293 *»

 من كلّ الثمرات هي الاطوار الحاصلة من القرانات و الاضافات و الروابط و انحاء الحيثيات فالعلم هي نقطة الوجود السارية في الغيب و الشهادة و بها ظهر المعبود باحواله و افعاله و هو بحر دائم‏الفوران يصعد ماؤه من الارض و ينزل اليه من السماء و نداء يا ارض ابلعي ماءك و يا سماء اقلعي و غيض الماء لايقع علي هذا البحر لان ذلك للرحمة و هذا للغضب و شتّان مابينهما انّ هذا لرزقنا ماله من نفاد فشهد لفظ العلم بسرّ معناه و دلّ شهادته علي غيبه ذلك تقدير العزيز العليم هذا مجمل بعض احوال العلم.

و اما الامر الثاني فاعلم ان تلك النقطة هي السرّ الذي لايحيط بكينونتها و اصلها و فرعها و مبدئها و منتهيها و لوازمها و شرائط ظهوراتها و اطوار كينونات نشئاتها و امداداتها و كلّ‏ما لها و منها و اليها و عنها و بها و عليها و عندها و لديها و ساير احوالها و اوضاعها و ان كان لا وضع لها و لا حال لها علي جهة الحقيقة و الاحاطة القيّومية بنحو الشهود و الظهور لايحيط بها الاّ اللّه سبحانه و تعالي لان تلك النقطة هي الاسم الذي رواه في الكافي ان اللّه سبحانه خلق اسماً ليس بالحروف مصوّت و باللفظ منطق و بالشخص مجسّد و باللون مصبوغ و بالتشبيه موصوف بري‏ء عنه الحدود منفي عنه الاقطار محجوب عنه حـسّ كلّ متوهّم مستتر غير مستور و هذا هو السرّ المخزون عنداللّه و الاسم الاعظم الاعظم الاعظم و الذكر الاعلي الاعلي الاعلي و هو الشمس المضيئة في قعر بحر القدر و فيه مصدر البداء و علل الاشياء و من ذلك يستزاد (يستزيد ظ) خاتم‏الانبياء: و كذلك صفوة ذرّيته و عترته صلي اللّه عليهم حيث امره اللّه سبحانه بذلك بقوله تعالي و قل رب زدني علماً و قال9 اللّهم زدني فيك تحيّراً و هذا العلم هو حقيقة الكائنات و الممكنات و المكوّنات و ليس فيه تجدّد و لا تغيّر و لا تبدّل و لا مضي و لا حال و لا استقبال و لا اضمحلال و لا نقصان و لا زوال و لا تحوّل و لا انتقال و لا حركة و لا سكون و لا ظهور و لا خفاء و انما هي نقطة عند الحق القديم المحيط بالاشياء كلّها و هي حاضرة عنده سبحانه و اللّه سبحانه و تعالي عالم بها قبل الخلق و بعد الخلق و مع الخلق و لايصل الي هذه الرتبة احد

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 294 *»

من المخلوقين الاّ ان‏يكون خارجاً عن صقع الامكان فيختصّ باللّه (به اللّه خ‏ل) سبحانه فالممكن ليس عنده الاّ نفسه و ماتحته و اما التجدّدات الواردة لحفظ بقاء ذاته فليست حاضرة عنده و اما القديم سبحانه فليس عنده تجدّد اذ ليس مستنداً الي الغير و لا متقوّماً بسواه سبحانه و تعالي و هذا هو العلم الذي لايحيطون بشي‏ء منه الاّ بماشاء و هذا هو علمه سبحانه بالاشياء بها و هو الذي قال7 علمه بالاشياء قبل كونها كعلمه بها بعد كونها و هذا العلم خاصّ باللّه سبحانه ليس لاحد فيه نصيب كماقال اميرالمؤمنين7 في قعره شمس تضيئ لاينبغي ان‏يطّلع عليها الاّ الواحد الفرد فمن تطلّع عليها فقد ضادّ اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنّم و بئس المصير و من هذا العلم جفّ القلم بما هو كائن فافهم و اليه الاشارة فيما ورد عنهم: ان الاسم الاعظم ثلثة و سبعون اسماً اثنان و سبعون اسماً عندنا و واحد تفرّد به الحي القيّوم سبحانه و تعالي.

ثم ماظهـر في الاكوان من غيب الامكان بعلم اللّه سبحانه في مقامين: مقام النقطة الكونية و الحقيقة الوجودية اي السرّ المستسرّ في كلّ الغيوب و الاحوال و الظاهر في كلّ شي‏ء بالتفصيل في مقام الاجمال اما بذاته او بصفاته او بشئونات اثاره او بظهورات انواره علي جهة البساطة و عدم الكثرة و مقامه الاختراع و لها القيّومية و الهيمنة علي كلّ الاكوان و كلّ شي‏ء تحت هيمنة تسلطه و مضمحلّون لدي سطوع نوره و بهائه و هو العلة المادية لكلّ الموجودات فظهرت في تلك النقطة من الحقايق الالهية و الذوات السرمدية و الازلية الثانية علي جهة الوحدة و البساطة فالاسماء كلّها من الاسماء الكونية و الظاهرة في ذلك المقام اسم واحد و الذوات ذات واحدة و الحقايق حقيقة واحدة ليس هناك اختلاف و تعدّد و تغيّر و تبدّل و ظهور و خفاء و ظلمة و عماء و اولية و اخرية و تقدّم و تأخّر لانه مقام الربوبية اذ مربوب ذكراً لا عيناً و هو مقام الواحد و اول ظهور الاحد لا الواحد المقابل للثاني بل الواحد الذي ليس له ثاني يجتمع مع الاعداد بكلّها بصفاته و بعددها و يفارقها بذاته و الاعداد

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 295 *»

تكثر و تزيد بظهور امثاله و لذا لاتصعد مقاماً في العدد الاّ و تري الواحد قدّامه لن‏يبلغ اليه العدد و ان صعـد الي ماصعـد و بلغ الي مابلـغ فهذه النقطة هي القطب الذي يدور عليه الاكوان الوجودية من الازل الي الابد الذي هو عين ذلك الازل و لايحيط بهذا العلم علي جهة الحقيقة الاّ النبي الامي محمّد بن عبداللّه9 خاصّة و هو9 الواسطة الكبري و البرزخية العظمي و له الرسالة المطلقة و هذه الوساطة و الرسالة اعلي مقاماً من الولاية اذ شملته جهة الوحدة و اضمحلّت له الانيّة حتي لايبقي في مقام الفرق الاّ الوساطة المحضة كماذكرنا سابقاً و هذا بحر لايساحل و طمطام لايحاول فلا نهاية له و لا بداية و دائماً يفاض علي هذا البحر من بحر القدر الذي في قعره شمس تضيئ لاينبغي ان‏يطلع عليها الاّ الواحد الفرد و لا نهاية لذلك الفيضان ثمّ يفور ذلك البحر بورود ذلك الفيض لسرّ يكاد زيتها يضيئ ولو لم‏تمسسه نار و لا غاية لهذا الفوران و ذلك البحر هو حقيقة المحبّة و لذا لقّب9بالحبيب و وجود الكائنات كلّها تدور علي المحبّة لقوله تعالي فاحببت ان‏اعـرف و هو بحر صاد و تمام كهيعص و بحر المزن افرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون و بحر النون و بحر المعرفة و سرّ الوجود و بحر النور و جنان الصاقورة التي ذاق روح‏القدس منها الباكورة و بحر الماء الذي به كلّ شي‏ء حي و بحر العلم الذي منه يغترف كلّ خلق و لاينقص منه شي‏ء و امر اللّه الذي لاتري (لايُري ظ) فيه اختلاف و بالجملة هو نقطة بسيطة غير ظاهرة الاّ بصفاتها تدور عليها المكوّنات باسرها و هي حقيقة العلم و ينبوعه و اصله و معدنه و هذا هو المقام الاول مما ظهـر من العلم الاوّل.

و اما المقام الثاني منه فهو مقام التفصيل و شرح العلل و الاسباب و ظهور تلك النقطة في الشئونات و الاطوار و ظهور الاسماء المتقابلة و الاحوال المتضادّة و هو مقام الربوبية اذ مربوب كوناً و عيناً و هناك محل ظهور الاختلاف و تمايز الخلق بعضهم عن بعض بالحدود و الصور و الهيئات و تفاصيل ذلك الاجمال كالمداد و الكتابة المتمايزة بمايختلف به الاحكام و المعاني مع صلوح

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 296 *»

الكلّ للكلّ و مقام استواء الرحمن علي العرش و اعطاء كلّ ذي حقّ حقه و السوق الي كلّ مخلوق رزقه و مقام اعطاء كلّ ذي فضل فضله و تمايز الاركان الاربعة في العرش من الركن الابيض ركن الرزق و الركن الاصفر ركن الحيوة و الركن الاخضر ركن الممات و الركن الاحمر ركن الخلق فظهر في الركن الاول اسم اللّه المحيي و في الثاني اسم اللّه الحي و في الثالث اسم اللّه المميت و في الرابع اسم اللّه القابض فهو مقام اول انقسام الوجود و تشعّب الملائكة حملة الاسماء الظاهرة بالتدبير و التأليف و التكييف و التصوير و في المقام الاول لم‏يكن انقسام و لا تمايز و لا اختلاف و انما التمايز حصل في هذا المقام اذ الوجود كلّه له مقامان مقام الاجمال و مقام التفصيل و مقام البساطة و مقام الكثرة فلمّا كان حامل العلم الاول هو محمّد9 كان حامل العلم الثاني هو مولينا علي7 و لذا نسب الاختلاف كلّه اليه7 كماقال تعالي عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و قال7 اي اية اكبر منّي و اي نبأ اعظم منّي و قال9 يا علي مااختلف في اللّه و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي هـ و ذلك لان مقام اللّه سبحانه هو الربوبية اذ لامربوب فليس هناك شي‏ء حتي يتصوّر الاختلاف و مقام النبي9 هو الربوبية اذ لامربوب عيناً و ليس للكثرات هناك ظهور حتي يتصوّر الاختلاف فانحصر الامر في هذا المقام اي مقام الربوبية اذ مربوب ذكراً و عيناً فهناك يتحقّق الاختلاف و تظهر الاشياء كلّها علي مثال المبدأ و تنسي نفسها و اضمحلالها و تدّعي فوق مقام رتبتها فمن متوقّف جاهل و من منكر معاند و من موافق صادق و لذا تري الاختلاف في مقام الرحمانية لا الالوهية و هو قوله تعالي يوم نحشر المتّقين الي الرحمن وفداً و نسوق المجرمين الي جهنم ورداً لايملكون الشفاعة الاّ من اتّخذ عند الرحمن عهداً و قالوا اتّخذ الرحمن ولداً الي ان قال تعالي ان كلّ من في السموات و الارض الاّ اتي الرحمن عبداً لقد احصيهم و عدّهم عدّاً و كلّهم اتيه يوم القيمة فرداً فافهم المراد

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 297 *»

فعلي7 هو مبدء العلة الصورية بظهوره كما ان محمّداً9 مبدء العلة المادية بشعاعه و قدتقدّم مراراً انّ مثاله9 العرش و وجهه الشمس و مثال علي7الكرسي و وجهه القمر و لذا تسير الشمس و تقطع دورة بعد ان سار القمر و قطع اثني‏عشر دورة و لذا كانت منطقة البروج منقسمة علي اثني‏عشر قسماً لكل قسم برج فمقامه7 مقام الابتداع فمقام النبي9 في العالم الاول الاختراع الاول و الولي7 فيه الابتداع و النبي9 في العالم الثاني الاختراع الثاني و الولي7 الابتداع الثاني و النبي9 في عالم الوجود المقيّد مثاله العقل الكلّي و الولي7 مثاله النفس الكلية و النبي9 الالف في عالم الصفات و الولي7 الباء فيها و النبي9 النقطة و الولي7 النفس الرحماني الاولي و النبي9 محل المشية و الولي7 محل الارادة و القدر و القضاء و الامضاء و النبي9 حامل ظهور الالوهية و يدعو باسم اللّه و الولي7 حامل اثار الرحمانية و يدعو اللّه باسم الرحمن و النبي9 مبدء العلة المادية و الولي7 مبدء العلة الصورة و النبي9 ظاهر بالانذار و الولي7 ظاهر بالهداية و النبي9 ابوالقاسم و الولي7 ابوتراب و ابوالحسنين و النبي9 نوراللّه مثل نوره و الولي7 مشكوة (كمشكوة خ‏ل) و النبي9 فضل‏اللّه و الولي7 رحمة اللّه و النبي9 امراللّه و الولي7 قدرة اللّه و النبي9 رسول‏اللّه و الولي7 اية اللّه و روح‏اللّه و عظمة اللّه و يداللّه و لسان‏اللّه و عين‏اللّه و جنب‏اللّه و نفس‏اللّه و ذات‏اللّه و وجه‏اللّه و حامل فيض‏اللّه و مظهر امراللّه و نهيه فالعلم المنسوب الي اميرالمؤمنين7 المختصّ به هو علم الولاية الظاهرة بالتفصيل و كلّ علوم الربوبية اذ مربوب مطلقاً فهو صلوات اللّه عليه معدنه و ينبوعه منه بدئ و اليه ينتهي و يعود و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 298 *»

هو قوله تعالي و اليه يرجع الامر كلّه فاعبده قال7 الضمير في اليه يرجع الي الولي و في فاعبده يرجع الي اللّه يعني اعبد اللّه بهذا الاعتقاد و يكفيك في هذا المعني كونه7 قسيم الجنة و النار لان الخلق باجمعهم اما من اهل الجنة و الكرامة او من اهل النار و الاهانة كما قال عزّوجلّ هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن فافهم.

و اما الامر الثالث فاعلم ان العلم علي المعني الذي ذكرت كلّه عند اللّه عزّوجلّ قل انما العلم عند اللّه و ما عنداللّه لو كان في ذاته تعالي لااختلفت (لاختلفت خ‏ل) فان تلك النقطة التي قلنا انها العلم و هي و ان كانت واحدة لكن لها شئونات علوية و سفلية و هذا لايصحّ ان‏يكون صفة القديم تعالي شأنه فان الذي وجوده من ذاته لاتكون له جهتان و لايفرض ذلك فان الجهتين انقسام و الانقسام منفعل و متأثّر عن المقسّم الفاعل و ذلك لا ريب فيه فما عند اللّه من الاحوال الخلقية كلّها في ملكه عزّوجلّ كما قال سبحانه الم‏يروا (الم‏تعلم في‏القرءان) ان اللّه يعلم ما في السماء و الارض ان ذلك في كتاب و قال عزّوجلّ قدعلمنا ماتنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ و قال تعالي ايضاً علمها عند ربي في كتاب لايضلّ ربّي و لاينسي و امثالها من الايات كثيرة فعلمه سبحانه ذاته و التعلق جهات خلقية في الخلق فالعلم المتعلق لو كان عين العلم القديم لكان له حالتان حالة التعلق و حالة عدمه و ورود الحالتين لايكون الاّ بمرجحات خارجية و الاّ استحال الانفكاك و امتنع التعاقب لان ذات الشي‏ء لاتتخلّف عنه و المرجّحات الخارجية دليل عدم استكمال الشي‏ء في نفسه و افتقاره الي امور خارجية لاظهار شئوناته الذاتية ثم لاتتحقّق الشئونات و الاحوال الاّ لحادث ممكن تكون له جهتان متضادتان فتحصل جهة من مبدئه و الاخري عنه به فاما الذي لايستند الي الغير فليس له الاّ جهة واحدة فثبت ان‏يكون العلم المتعلق غير العلم القديم سبحانه و تعالي و قد صرّح بالامر مولينا الصادق7 علي ما في الكافي عنه7 لم‏يزل ربّنا عزّوجلّ عالماً و العلم ذاته و لا معلوم الي ان قال7 فلمّا اوجد الموجودات و كان المعلوم وقع علمه علي المعلوم و السمع علي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 299 *»

 المسموع الحديث انظر في قوله7 وقـع فانه فعل لايجوز استناده الي الذات مع ما ثبت من مذهبه7 من امتناع ورود الحالتين علي الحي القيّوم سبحانه و تعالي فعلمه المتعلق بالمعلومات في خزائنه الامكانية التي هي مفاتح الغيب لايعلمها الاّ هو و اصلها و منشأها في الخزانة العليا الاولي و هي لا وجود لها في الكون عند اهله فلا احاطة لاهل الكون بشي‏ء من تلك العلوم.

و لمّا كان فيض اللّه سبحانه واسعاً و امداده متجدّداً و نعمته شاملة بالغة فلايزال يمدّ الخلق سبحانه و تعالي بفاضل جوده و تلك الامدادات انما هي من تلك الخزينة بها فترد اولاً الي الحقيقة المحمّدية9 جملاً جملاً علي جهة الكلية و الشمول و البساطة اذ الاثر علي صفة فعل المؤثر و لمّا كان الفعل لا حـدّ له فيكون الاثر ايضاً كذلك يظهر كعموم قدرة اللّه سبحانه صالحاً للاحوال الغير المتناهية من جهة الحدود و الاضافات و القرانات و الخزانة الاولي ايضاً ليست مستقلة و انما هي دائماً يفاض عليها من بحر الجود و العطاء بها نفسها و في الواقع و حقيقة الامر الخزانة العليا غيب للثانية و ليست شيئاً غيرها والاّ لكانت الثانية معلولاً و هو لايصحّ و انما هما شي‏ء واحد له وجهان وجه فيه ذكر الاشياء و وجه فيه حقيقتها اما بذاتها او بصفاتها او بظهورات اثارها الاتري كيف جعل اللّه سبحانه الاسم الاعظم كهيعص اسماً واحداً و كلمة واحدة فالصاد هو الخزينة الثانية و العين هي الاولي و الهاء و الياء و الكاف هي تفاصيل العين علي مافصّلنا سابقاً فمن الاعلي ينزل الي الاسفل و من الغيب يأتي الي الشهادة لست اريد بالشهادة الاجسام الظاهرية او النفوس المصورّة و لا العقول المحدودة و انما اريد بالشهادة الظاهر الذي هو عين الظهور بعد ماكان في مكمن الخفاء و ذلك المخفي هو علم الغيب الخاصّ باللّه سبحانه.

فان قلت فعلي ماذكرت يلزم ان لايجهلوا شيئاً لان الغيب هو وجههم الاعلي و الشي‏ء اذا اشهده اللّه خلق نفسه يحيط بحقيقة ذاته علي ماهي عليه قلت نعم يعلمونه علي ماهو عليه لان ذلك الوجه بعد ما لبس حلّة الكون فيعلمونه ممكناً و لايعلمونه مكوّناً الاّ حين كون و لذا قال تعالي و لايحيطون

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 300 *»

 بشي‏ء من علمه الاّ بماشاء اي حين شاء كيف شاء بالمشية الكونية و تلك المشية هي ظهور تلك الحقيقة لنفسها بنفسها اي من حيث كونها حاملة لظهور اللّه سبحانه لها بها و اما الذي لم‏يكن فيعلمونه كذلك و اما اللّه سبحانه فلمّا كان (كانت خ‏ل) ليس له حالتان و لاينتظر وجهان فليس له علمان فلايقال له تعالي اكوان و امكان يعلم الاكوان بعد الامكان فان ذلك باطل و اعتقاده كفر و اما النبي9فهو مصدر الفيض و له مقامات و احوال ففي كلّ حال منها يحكي وجهاً من وجوه التجلّيات الالهية و الاحكام الصمدانية و يكفيك في ذلك قول اميرالمؤمنين7 فيه9اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لمّا كان الفيض و المدد دائم‏الفيضان عليه7 و ذلك يعيّن و يشخّص تلك الاذكار فدائماً يظهر من مكمن الخفاء الي الاعلان و الاظهار انّ هذا لرزقنا ماله من نفاد فكلّ افاضة يظهر ما لانهاية من الاحكام الامكانية لكنها جملاً يفصّل عند الولي7 فكلّ‏ما سيوجد عندنا وجد عندهم: و كلّ‏ما سيوجد عندهم وجد عند اللّه فالذي لم‏يوجد عندهم هو علم الغيب و اليه الاشارة بقوله تعالي عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول و هو محمّد9 علي احد التفاسير و كيفية ذلك التعليم هو اشراق ماعند اللّه فيه له به فعلمه تعالي فيه به قبله بما لايتناهي لانه9 النور المشرق من صبح الازل و هو ايضاً الصبح او صبح الازل و فيه ظهرت الشمس الازل و التعليم اشراق المعلّم علي المتعلّم بما فيه من نور العلم فيستنير المتعلّم بذلك مع حفظ الاصل للمعلّم و في ذلك المقام اتّحدت الاحوال و اضطربت الاقوال و لم‏يبق للمقال مجال فان الاشراق ظهور المشرق به و المشرق هو الظاهر بالاشراق و الاصل محفوظ عند المشرق و هو ظاهر بالاشراق فاليه يرجع الامر كلّه قال7 رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و هو قوله تعالي ان ذلك في كتاب فافهم فاني قد اشرت الي مخزون العلوم و مكنون السرّ فهو9 علم‏اللّه و مشيته مشية اللّه اماسمعت ما في الزيارة الخارجة عن

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 301 *»

الناحية المقدّسة حرسها اللّه تعالي في زيارة الحجة7 الي ان قال7مجاهدتك في اللّه ذات مشية اللّه و مقارعتك في اللّه ذات انتقام اللّه الزيارة.

و ايّاك و اسم العامرية انّني   اخاف عليها من فم المتكلّم

٭   ٭   ٭   ٭   ٭

اخاف عليك من غيري و منّي   و منك و من زمانك و المكان
فلو انّي جعلتك في عيوني   الي يوم القيمة ماكفاني

هذا بيان كيفية مجمل تعليم اللّه لمحمّد9 .

فاذا فهمت ماقرّرنا و حرّرنا من مكنون العلم علمت ان نبيّنا9 هو معدن العلم و اصله و ينبوعه لان عنده9 الاصل و كلّ‏ما لغيره و عند غيره فروع و حدود و صور قد نشأت منه9 فلايقال لغيره العالم الاّ بالاضافة لان قوام الشي‏ء بمادّته و صورته و المادة هي الاصل في الشي‏ء بل لا اصل سواها و الصورة هي الحدود و الاعراض و الاضافات و النهايات فلا تقوّم لها الاّ بها فلمّا كانت الحقيقة المحمّدية9 هي نورالانوار و النور الذي تنوّرت منه الانوار و هي مادة المواد و اسطقس‏الاسطقسات كان هو صلوات اللّه عليه و اله ينبوع العلم و اصله و معدنه كماقال روحي فداه انا مدينة العلم و علي بابها و في رواية اخري انا مدينة الحكمة و علي بابها و الحكمة و ان كانت هي العلم الاّ انها اشرف مراتبه اي كلّ مراتبه بوجهها الاشرف فان الحكمة عبارة عن السين المكتنفة بالاحدية فالاحدية هي المحيطة بجميع اطوارها و السين هي المحاط فان الكاف و الميم اذا استنطقتهما يتولد منهما السين و هو اعظم اسماء النبي9 لان اسمه يطابق مسمّاه فانّ زبره عين بيّناته و لفظه عين معناه و من هذه الجهة كانت السورة المباركة قلب القرءان و هو علي7 في مقام ظهوره7 في عالم التفصيل بالتكرير و هو السين في بسم اللّه الرحمن الرحيم و هو الاسم الاعظم و هو اشارة الي كلّ مراتب الموجودات علي كمال التفصيل فانا قد

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 302 *»

ذكرنا ان مراتب القابليات ثلثون و الشي‏ء له مقامان مقام الاجمال و مقام التفصيل و مقام الغيب و مقام الشهادة فيكون الحاصل ستّين و هو السين و كلّ قابلية فلايتخلّف عنه المقبول فيلزمها مع دلالة الاحد عليه و الحاء و الهاء اذا مزجتهما و استنطقتهما يتولّد منهما احد و هو الجامع الاصل لمرتبتي الوجود صعوداً و نزولاً و جميع احوال القوسين و اطوارهما و مقتضياتهما و رسول‏اللّه9 هو المدينة لها لفظاً و معني اما اللفظ فلانّ ميم المدينة مثال ميم محمّد9 و الدال داله و بالتكرير حاؤه و بالاضافة الي الياء الميم الثاني و النون اشارة الي الميم الثالث المدغم و من هذه الجهة اشير اليها ببيّنات الميم التي هي النون دون زبرها لبيان انها غائبة في الخطّ و مذكورة في اللفظ كالبيّنات فانها غائبة في الخطّ و مذكورة في اللفظ في بعض الاحوال فاستنطق من المدينة من دون الهاء اسم محمّد9 و من الهاء اسم الباب لفظاً و معني اي لفظ معناه اما اللفظ فلانّ الهاء خمسة كما هي قوي الباب فالهاء نطق الباب فالمدينة بلفظها تدلّ علي محمّد9 و بابه صلوات اللّه عليهما و يتعيّن الباب باسمه اذا اشبعت الهاء لتظهر منه الواو ثم نزلتها الي الرتبة الثانية فيستنطق اسم علي7 فظهر الاصل و الفرع كليهما (كلاهما ظ) من لفظ المدينة و لمّا كان الناس لايعرفون تلك الدقايق و لايستشعرون بتلك الحقايق كشف9 عن حقيقة الامر و اوضح السرّ و قال9 انا مدينة العلم و علي بابها فمن يأت المدينة فليأتها من بابها فكشف9 عن قول اللّه تعالي ليس البرّ ان‏تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقي و اتوا البيوت من ابوابها و انما كان علي7 هو الباب لانه7 مبدء العلة الصورية و الصورة باب المادة فلايوصل اليها الاّ بها في القوس الصعودي /و لذا (فلذا خ‏ل) تري فلك القمر ككوكبه اقرب الافلاك و الكواكب الينا و هي باب للاثار و الامدادات و الافاضات الشمسية فلايوصل اليها الاّ بالقمر في كل مقام و لذا تريهم في الحلّ الاول يأخذون جزء من الحرارة و جزء من اليبوسة و اربعة اجزاء من البرودة و الرطوبة و لهذا السرّ

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 303 *»

جعلوا في اسم العلم من اسم علي7 حرفين و من اسم محمّد9 حرفاً واحداً لسرّ ان مقامه9 مقام العقل و رتبة الاجمال و مقام علي7 مقام التفصيل و النفس الكلية و الجسم من قشور النفس فاقتضي ان‏يكون حرفان من اسمه و حرف واحد من اسم اخيه صلّي اللّه عليهما حتي تتحقّق انه المدينة و انه الباب و السافل لايتوجّه الي العالي الاّ من الباب التي بينه و بينه و كلّ‏ما كان عند محمّد9 علي جهة الاجمال فيلقي الي علي7 كذلك فيفصّل هناك و لذا كان يعلّمه7 من العلم ابواباً اي قواعد كليات لا حدوداً جزئية اذ ليس ذلك شأن النبي9 و لذلك ماكان ينبغي ان‏ينشد الشعر كمااخبر سبحانه و ماعلّمناه الشعر و ماينبغي له لان الشعر و النظم ترتيب و تصوير و مقامه9 فوق مقام الصورة و الفرق و الامتياز.

و اما الامر الرابع فاعلم انه قدظهـر ممابيّنا كيفية تعليم النبي9 لعلي7 من انها افاضة مادية اصلية كالعرش بالنسبة الي الكرسي فان الفيوضات ترد علي العرش مجملاً و من العرش ترد علي الكرسي فيفصل هناك الي الكواكب و هي الي البروج و المنازل و كالعقل و النفس فان العلوم و الفيوضات كلّها ترد اولاً الي العقل بعد ماوردت الي الفؤاد و هي في العقل مجملة بسيطة كثرتها معنوية صلوحية لقدفصّلت في النفس و انتشرت و كتبت في اللوح فالكاتب هو المشية بيدها و هي الفؤاد و القلم العقل و النفس اللوح فهذه كتابة ابدية لاتنقطع لان الكاتب لايعجز و اليد لاتقصر و المداد لاينقطع و القلم لايجفّ و اللوح لايخلص و لايقصر فارتفعت الموانع و بقي المقتضي و المفروض عدم بخل الكاتب الكريم و عدم جهله فعلم القلم في الكتاب و كذا علم الكاتب فيمايظهر في الكتابة في الكتاب و الكتاب هو الامام7 و القلم هو النبي9 في تفسير الباطن في الظاهر و قدقال عزّوجلّ و كلّ شي‏ء احصيناه كتاباً، و كلّ شي‏ء احصيناه في امام مبين، و فيه تفصيل كلّ شي‏ء، و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين و قال تعالي هذا كتابنا ينطق

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 304 *»

 عليكم بالحق انّا كنّا نستنسخ ماكنتم تعملون و اما سرّ باطن‏الباطن و باطنه و باطنه فان ذلك ابي اللّه الاّ ان‏يستره و ان لايكتب فالعلم المنسوب الي محمّد9 هو العلم الاجمالي و رتبة الربوبية اذ لامربوب عيناً و كوناً و مقام الوحدة الظاهرة في الواحد الصالح للظهور في الاعداد و مقام اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء و مقام نقطة العلم الظاهرة المنبسطة علي اطوار ظواهر الكائنات و بواطنها المقتضية لرفع الاختلاف و ظهور الايتلاف و لذا قال9 مااختلف في اللّه و لا في و العلم المنسوب الي مولينا علي7 هو العلم التفصيلي و رتبة تجلي الربوبية اذ مربوب عيناً و ذكراً و مقام ظهور استواء الرحمن علي العرش و اعطاء كلّ ذي حق حقه و الايصال الي كلّ مخلوق رزقه و مقام الواحد الظاهر في الاعداد و مقام الاختلاف و رتبة الالف الظاهرة بالحروف و الكلمات و لذا قال9 و انما الاختلاف فيك يا علي و قال عزّوجلّ عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون قال7 اي نبأ اعظم منّي و اي اية اكبر منّي.

و لمّا كانت الاشياء لها مراتب و مقامات: منها مقام العلّية و المعلولية و الاثرية و المؤثرية ففي هذا المقام يعلم العالي العلة السافل المعلول باحواله في مرتبة ذات السافل فحقيقة السافل هي عين علم العالي بالسافل به فالعالي و ان علم السافل به لكن لايقال ان هذا تعليم اي السافل المعلول علّم العالي نفسه اي اعطاه علمه به اذ علمه به في مقامه لان التعليم تأثير للمعلّم في المتعلم و ليس هذا العلم في ذات العلة حتي يكون مستكملة بعلمها باثرها و انما هو في رتبة الاثر بل هو عين الاثر و انما التعليم حينئذ من جهة العلة حيث انّ وجوده من فيض جودها و نور وجودها فلا زاد علم العالي للسافل شيئاً للعالي في ذاته شيئاً لانه لم‏يصل اليها بوجه ابداً والاّ لتغيّرت الذات باثرها و ذلك مستحيل بل السافل لم‏يزل متعلّماً من العالي من فاضل علمه الظاهر فيه فهو قابل لذلك العلم بكينونته و ذاته.

و منها مقام الترتّب في القوس الصعودي و النزولي و ذلك لما كان من

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 305 *»

جهة الاستكمال و الاستتمام يجري فيه التعليم و بيانه مجملاً هو ان الشي‏ء لمّا بدئ (بدا خ‏ل) من فعل اللّه تعالي خرج حاكياً لمثاله فظهر بلا كيف و لا كمّ و لا وضع و لا عين و لا جهة و لا رتبة و لا تحديد و لا تقييد و لا توصيف و لا تكييف فكانت له عين واحدة يري بها التوحيد المحض الخالص و لمّا كان الالوهية تقتضي الظهور بكلّ وجه من طور الوحدة و الكثرة الاسمائية و الصفاتية و مقام الاسماء لم‏يكن يجتمع مع مقام التوحيد و ذلك المقام ايضاً لايكون الاّ بالظهور بالاثر فنزل سبحانه الشي‏ء المخلوق من عالمه الي اطوار تعيّناته و تنزّلاته فقال له ادبر عنّي و اقبل الي الخلق فسبح في لجّة تلك الغمرات و انغمس في بحر الانّيات حتي استكمل مااراد سبحانه به اظهار اسمائه و صفاته و جلاله و جماله و لمّا ان المطلوب و المقصود لذاته هو التوحيد وحده و ماسواه من المراتب لاثبات تحقّقه عند المخلوق و امره (امر خ‏ل) سبحانه بعد الادبار الي الاقبال فقال له اقبل فاقبل الي ان بلغ اشدّه و استوي فحصل للشي‏ء بطي مسافة هذين القوسين علمان علم الوحدة و الايتلاف و علم الكثرة و الاختلاف و علم الاجمال و علم التفصيل فعلم الوحدة هو الذي يدركه في كينونة ذاته بذاته من غير توسط امر اخر و علم الكثرة يدركه بظهوراته في مقام التفصيل لا في مرتبة الذات و مقام التفصيل لايتحقق الاّ بظهور مقام الوحدة و عالم الاجمال فيه فلايزال ينزل العلم من المبدء مجملاً فيفصّل و يتشعّب في مقام التعلق فلمّا كان العقل في الانسان هو حامل العلم الاجمالي الكلّي المعنوي و النفس هي حامل العلم التفصيلي الصوري الشخصي فلايزال العقل يمدّ النفس و يعلمها بالمدد و العلم الحقيقي الاجمالي و النفس ايضاً تعلّم العقل العلم التفصيلي الشخصي الصوري فاذا اراد العقل شيئاً من احكام التفصيل نظر الي رتبة النفس فعلمها كما ان الحواس الباطنية تعلم النفس احكام الظهورات الخاصة التفصيلية يعني ان النفس اذا ارادت معرفة شي‏ء من تلك الوجوه نظرت اليه بتلك القوة فهي تعلّم النفس علمها و ذلك العلم من النفس و للقوة حظّ الخصوصية كما ان الحواس الظاهرة تعلّم الباطنية احكام الاجسام الشهودية

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 306 *»

اذ لولاها لماتمكّنت الارواح الباطنية استعلام الاحوال الجسمانية الشهودية و كما ان الملائكة تعلّم الانبياء و الرسل احكام التشريعي التفصيلي و كذلك التكويني كذلك فتقول النفس مثلاً علّمني العقل علمه من العلم المعنوي و القواعد الكلية المبهمة و علّمته علمي من الصور الجزئية و التفاصيل الشخصية و الاحكام المحدودة و ان كان هذه التفاصيل لا قوام لها الاّ بتلك المجملات و المبهمات ولكن تلك الخصوصيات انما ظهرت هنا دون تلك الرتبة فيتناولها العقل عندي لا عنده و لا نقص في ذلك له بل انما هو لغاية الكمال و التمام و كذلك تقول الحواس علّمت النفس ايّاي علمها و علّمتها علمي و كذلك ساير القوي و المشاعر و الالات فان لكل واحد منها علماً خاصاً بها ينظر العقل اليه به و كذلك جبرائيل علّم النبي9 مماعلّمه النبي9 اياه لكن بطور اخر فانه كان يأخذ من ميكائيل و هو من اسرافيل و هو من روح‏القدس و قدسمعت مراراً ماقاله العسكري7 في روح‏القدس انه ذاق من حدائقهم الباكورة.

فعلي هذا تبيّن لك معني قول مولانا علي7 علّمته علمي لان عليّاً7 في مقام الولاية و هي مقام التفصيل فالاحكام التفصيلية ماوصل الي النبي9 الاّ بواسطة علي7 و ذلك الوصول انما كان بالنبي لانه كان طائفاً حول جلال القدرة اي الولاية المطلقة قبل خلق نور علي7 عند جلال العظمة و هي النبوة فلما خلق عليّاً7 بقي نور علي7يطوف حول جلال القدرة اي الولاية و نور محمّد9 يطوف حول جلال العظمة فاذا كان كذلك فكلّ المقامات و المراتب التي فيها التعلق و التكييف (التكيّف خ‏ل) و التوصيف و التعريف و التفريق و الامتياز لايصل الي النبي9 الاّ بعلي7 و هو بابه فيمايصدر عنه الي غيره و فيمايصل اليه من غيره فهو بابه الي غيره و باب غيره اليه و لمّا كانا8 حقيقة واحدة صحّت نسبة تعليم احدهما الي الاخر و ان كان احدهما بالاصالة و الاخر بالقشر و الصورة فمن التعليم ظهور

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 307 *»

النبي9 بالكينونة البشرية الظاهرية الصورية في الهيكل الانساني فان هذه الصورة و ان كانت علي مقتضي كينونة النبوة في الشكل التثليثي في الواحد لكن كانت غير ظاهرة و غير متمايزة الاضلاع و الحدود و انما تمايزت بالصور في رتبة الابتداع و لمّا كان علي7 هو حامل ركن الابداع كما انّ نبيّنا9 حامل ركن الاختراع فالارادة منسوبة الي الولي كما ان المشية منسوبة الي النبي9فالكاف للنبي9 و النون للولي7 و كذلك ظهور الكاف في النون و لذا كان مجموع الكاف و النون استنطاق اول حرف اسم الولي7 فالاشياء المتمايزة نسبتها الي الارادة و الارادة نسبتها الي الولي اما الاول فلقوله7 في الدعاء و مضت علي ارادتك الاشياء و اما الثاني فلقوله7 في الزيارة ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم و يصدر من بيوتكم الصادر لمـافصّل من احكام العباد الزيارة فالكينونة البشرية للنبي9 مماعلّمها ايّاه الولي7 بالترجمان و ان كان من النبي و اليه و من الولي و اليه صلّي اللّه عليهما و الهما فافهم.

و من التعليم ظهور النبي9 ببعث الانبياء و الرسل فان تعدد الانبياء بحسب ظهورات الاسماء في مرايا التعلقات و تلك انما نشأت من حكم الابداع بالارادة و حاملها الولي كما ان المشية حاملها النبي صلّي اللّه عليهما و بالمشية كانت الارادة و الانبياء حكاية ظهورات تلك الاسماء فافهم.

و من التعليم انزال القرءان الكتاب الذي فيه تفصيل كلّ شي‏ء من الاسرار الغيبية و الشهودية مما كان او يكون الي ما لانهاية له فان الكتاب التكويني حقيقة هو الولي7 و الكتاب التدويني صفة للكتاب التكويني و قد دلّ العقل و النقل علي انّ الكتاب هو علي7 و هو الكتاب الذي كتبه اللّه بيده و هو الهيكل الذي بناه بحكمته و هو مجمع صور العالمين و هو الصراط المستقيم و هو الصراط الممدود بين الجنة و النار و قد قال تعالي و كلّ شي‏ء احصيناه في امام مبين و قال عزّوجلّ و كلّ شي‏ء احصيناه كتاباً و قال هذا كتابنا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 308 *»

 ينطق عليكم بالحق و هو علي7 و هذا لا اشكال فيه لمن نظر و تدبّر و انصف و اعتبر و اللّه سبحانه اخبر عن ذلك بقوله و لقد اوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنت تدري ما الكتاب و لا الايمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء الي صراط مستقيم و قد اتفق المفسّرون انّ هذا الروح هو القرءان و قال7 انا الروح من امر ربي و انا كتاب اللّه الناطق و القرءان كتاب اللّه الصامت فالولي هو الكتاب الذي اوحي اللّه الي نبيّه8 فعلم به ماكان و مايكون كما انه يعلم بالقرءان مع انه اشرف و اعظم من القرءان فافهم ضرب المثل فكم من خبايا في زوايا.

و من التعليم الاسماء الحسني التي كان النبي9 يدعو بها اللّه سبحانه فان النبي9انما علّم عليّاً7 الاسم الاعظم اللّه و هو الاسم الواسع العظيم الجامع فعلّمه علي7الاسم الرحمن و ماسواه من الاسماء الخاصة المتفاوتة المختلفة المتقابلة لانها كلّها انما نشأت من اسم الرحمن حين استوائه علي العرش و قدظهرت كلّها بعلي7 و لذا كان النبي9 يدعو اللّه بعلي7 علي ماروي عن ابن‏مسعود و عايشة و علي7 يدعو اللّه بمحمّد9 و هو السرّ في قوله7 و علّمني علمه و علّمته علمي فافهم.

و من التعليم بعثة الانبياء بالشرايع و السنن فان الشرايع كلّها من شريعة ابينا ادم علي نبينا و اله و7 الي شريعتنا الموجودة الان كلّها من حدود القرءان كتاب اللّه الذي فيه تفصيل كلّ شي‏ء و قدعلمت ان القرءان هو صفة الولي7 و تلك الشرايع صفة القرءان علي الحقيقة او نسخة منه علي الظاهر فيرجع الي الولي7 امرها قال تعالي و اليه يرجع الامر كلّه قال7 ان الضمير يرجع الي الولي7 و قد ورد من طريقتنا و طريقتهم في تفسير قوله تعالي و اسأل من ارسلنا قبلك من رسلنا عن النبي9 ليلة اسري بي الي السماء اجتمعت في المسجد الاقصي مع كلّ الانبياء و المرسلين فاتاني جبرئيل و قال يا محمّد اسألهم بماذا بعثوا فسألتهم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 309 *»

 فقالوا بعثنا بشهادة ان لااله الاّاللّه و انّ محمّداً رسول‏اللّه و انّ عليّاً ولي‏اللّه و هذا التعليم و الالهام في الكلّ انما كان بعلي7بمثاله في هويّاتهم و في نبيّنا9 لكونه علمه و لسانه و نفسه أماعلمت ان النبي9كسر الاصنام و هدمها لكن بعلي7 لمّا عـلا علي ظهره9 .

و من التعليم انزال الملائكة و حفظة الوحي و حملة الالهام علي النبي9 فان ذلك كان بالولي7 أماعلمت ان جبرئيل سيّد الملائكة و قدعلّمه علي7 شرايع دينه و معرفته بربه و اسمه و هذا دليل علي انه مايمكنه ان‏يتعلّم و يأخذ من اللّه سبحانه الاّ بواسطة علي7 لان الملائكة حملة التدابير الخاصة المتعلقة الناشئة من الارادة التي يحملها الولي7 و تهبط اليه و الكروبيّون الذين هم سادة الملائكة حيث ان موسي النبي7الذي من اولي‏العزم قد خـرّ مغشيّاًعليه عند ظهور نور رجل منهم بقدر سمّ الابرة كلّهم من شيعة علي7 علي مارواه الصفار في بصائرالدرجات و الشيعة اما مشتقة (مشتق خ‏ل) من الشعاع او من المشايعة كما ورد عنهم: و كلا المعنيين يستلزم اخذهم في كلّ مالهم و عليهم و منهم و اليهم عن علي7 و لذا قال7 في حديث البساط واللّه انه لايخطو ملك خطوة الاّ باذني و امري كيف و هو7 امر اللّه الذي قامت به السموات و الارض و قام به كلّ شي‏ء كما قال7 كلّ شي‏ء سواك قام بامرك و قد نـصّ اللّه علي ذلك في كتابه العزيز بقوله ينزّل الملائكة بالروح من امره علي من يشاء من عباده ان انذروا انه لا اله الاّ انا فاعبدون و قد قال7 انا الروح من امر ربي فالملائكة انما تنزّل به7 علي من يشاء من عباده من الانبياء و المرسلين و الخلفاء و الصالحين و المؤمنين الممتحنين في حيوتهم و بعد مماتهم و قد سمعت ممن اخبرني عنهم عن احد الائمة: انه قال انّ جبرائيل مادخل علي النبي7 مرّة الاّ و قد استأذن من علي7 فكان يدخل علي النبي9 باذن

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 310 *»

علي7 و هذا الحديث و ان كان مرسلاً لكنه مؤيّد بالاخبار الاخر و الايات كما اشـرنا الي بعض منها.

و بالجملة انحاء هذا التعليم كثيرة و اسراره غريبة و لذا ورد ان النبي9 ليلة المعراج مامـرّ علي مقام من المقامات الاّ و قد رأي عليّاً7 فيه و لمّا وصل الي مقام قاب قوسين فخاطبه اللّه سبحانه خاطبه بلسان علي7 لان العالم كلّه مثل و هياكل لعلي7 لانه نور اشرق من صبح‏الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره فماتجـد ذرّة من ذرات الكون الاّ و هو متقوّم بذلك الهيكل و لذا كان يجده النبي9 عند كل ذرّة و لما صعد المقامات الغيرية و وصل الي المقامات الذاتية ففي المقامات التفصيلية يجـد عليّاً7 بذاته فيها حتي اذا وصل الي مقامات تجلّي ربه فهناك انقطع ذكر علي7 لانه9 اذ ذاك في مقام النقطة و رتبة علي7 مقام الالف فالواصل في مقام النقطة ينقطع عندها الالف بخلاف العكس لكن (لانّ خ‏ل) جميع احوال النقطة و سريانها في الحروف انما هي بالالف فلا فارق بينهما و لا تقدّم للنقطة و ان كان لها التقدم في كلّ مقام لكن بحسب الظهور و الوجود و ترتّب الاثار لايتفارقان الاّ اذا قطعت مسافة الالف فهناك انقطع الاسم و الرسم و الذكر و لاتعرف النقطة و لاتشاهد لها اثر و لا ظهور (اثراً و لا ظهوراً ظ) فكانت الالف هي اية النقطة و ظهور سلطانها و لذا قال علي7 انا اية محمّد9 فلولا علي7 لم‏يظهر لمحمّد9 ذكر بوجه ابداً فعلي7 مظهر اثاره و ناشر اخباره و معلّمه اسرار الولاية الظاهرة بماجعله اللّه فيه8 كمامثّلنا لك بالعقل و النفس فان الاحوال و الاسرار و القوي و الشئونات العقلانية ماظهرت الاّ بالنفس و مااحاط العقل بالعلوم التفصيلية الاّ بالنفس فقد تعلّم منها علمها لكن هذا علم قشري هو جعله وديعة في النفس ليشاهده فيها اذا احتاج اليه و لذا قال9 اعطيت لواء الحمد و علي حاملها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 311 *»

و مجمل القول انّ جميع الاحوال الثابتة للنبي9 مما فيه اقتران و تعلق و ارتباط كلّ ذلك كان بعلي7 كما انّ رءوس المشية الظاهرة في المشاء انما هي بالارادة لان كلمة كـن بها قد استقام الخلق فالكاف صاحب الاجمال و النون صاحب التفصيل فاحكام التفصيل اذا لحقت الكاف باي نحو كانت فانما هو بالنون و احكام الاجمال اذا لحقت النون باي نحو كانت فانما هو بالكاف فظهور الكاف في النون هي الولاية الظاهرة في الاكوان و مستجنّات غيوب الامكان و قد اشار7 الي ماذكرنا من التصريح بتلويح قوله7 علّمني علمه و علّمته علمي علي تفسير ظاهر الظاهر الذي يشير الي باطن الباطن فانه7 قال علّمني فاتي بمتعلق التعليم الياء للاشارة الي انها تكرير الهاء و هو مقام علي7 لانه بالنسبة الي محمّد9 نسبة الاجمال الي اول مقام التفصيل و لذا كان مقامه7 الباء لانها اول تكرير الالف و ميلها الي الانبساط ثم اتي بالنون الوقاية (بنون الوقاية ظ) للاشارة الي المراد و هو ظهور الهاء في الياء و هو رتبة مقام علي7 فالذي علّم النبي عليّاً8 هو الهاء و هي مقامات (هو مقام خ‏ل) التوحيد و مراتب التفريد و وجوه المبدأ و كفّ الحكيم و لذا اشير الي النبي9 في رقوم الاسم الاعظم بخاتم خماسي‏الاركان هكذا و الهاء لمّا استدارت في اربعة ادوار لكمال الاعتدال او (اذ خ‏ل) لظهور سرّ الاحد في الواحد ظهرت الكاف فكان العلم المنسوب الي النبي9 اسرار المشية المتلقّات عن اللّه بنفسها قبل تعلقها و لذا كان اثرها الهاء لانها اول مقامات الظهور و موضوع علم البيان الذي علّمه اللّه الانسان و سرّ مقام اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء فهذا العلم عن النبي9 خاصّ به لايشاركه فيه علي7 و هو غاية مقامات الظهور و نهاية مقصد القاصدين و غاية امال العارفين و قد حـدّ (حدّد خ‏ل) ذلك المقام في المقام الزماني من اول زوال الشمس الي مضي مقدار اربع ركعات بازاء اسم محمّد9المربع و ذلك الوقت خاص بصلوة الظهر لايجوز فيه العصر سهواً و لا عمداً و هو المختص لا المشترك و لذا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 312 *»

كان النبي9 ليلة المعراج قيل له ادن من صاد و توضّأ لصلوة الظهر و هو الوقت المختصّ لا المشترك و لذا كانت صلوة الظهر منسوبة الي النبي9 لان مقامه مقام الظهور المطلق و الوحدة الصرفة الغير المشوبة بشي‏ء من تعلّقات الكثرة لتظهر الظلمة من جهتها و هو اول ظهور نقطة الهاء و عند التجذير اول الخمسة من الخمسة و الهاء هي سرّ مقام جلال القدرة فعلّم النبي9 عليّاً7 اسرار الهاء و لذا قال علّمني علمه لكن هذا الهاء لا اشباع فيها و مع الاشباع تكون عين علي روحي له الفداء فحقيقته (فحقيقة علي خ‏ل)7 علم محمّد9 علّمه ايّاها (ايّاه خ‏ل) و تلك الحقيقة الصرفة هي الهاء فلمّا اشبعت بالتكرير و التفصيل و الظهور و التحديد اشتقّ من الهاء بعد الاشباع له7 اسمه فكان جامعاً للاسماء الحسني كلّها و معني هذا الاسم هو اللّه و معني اللّه الهاء و هي التي علّمها عليّاً7 ثم قوله7 و علّمته علمي اشارة واضحة الي ان الهاء او المعبّر عنه بالهاء حقيقة بسيطة صرفة لا تكثّر فيها من حيث ذاتها و انما تكثّرها بتكريرها و تفصيلها و اقلّ (اول خ‏ل) تكريرها الياء فهي منشأ الكثرات و مبدأ العشرات (العثرات خ‏ل) و علي7 هو الواقف في هذا المقام و هو الباب لذلك الجناب فاذا اراد النظر الي مقام الكثرات و التعلقات و مشاهدة الاسماء و الصفات فانما ينظر المعبّر عنه بالهاء الي مقام المعبّر عنه بالياء فذلك علمه اسرار الهاء و ذا علمه اسرار الياء و هي اول ظهور الهاء في مقام التعلق فعند اتمام ظهور الهاء في الياء هو المقام المختصّ بعلي7 من حيث مقامه و مرتبته و لذا كان صلوة العصر مخصوصة بعلي7لانها اول تكرير صلوة الظهر فالمختص بها هو المحدّد في الوقت الزماني مقدار بقاء اربع ركعات الي غروب الشمس لان عليّاً7 هو نفس رسول‏اللّه9 و مقامه المختصّ مقام كثرة التعلقات المورثة للظلمة و لمّا كان منتهي الظلمة مقام السكون و هو مقام مفعول البارد اليابس و الفعل و ان كان فيه التعلق الاّ ان جهة الوحدة فيه غالبة فقبل التعلق مقامه مقام الكاف و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 313 *»

المختصّ بصلوة الظهر و بعد التعلق مقامه مقام النون اي ظهور الهاء في الياء و هو المختص بصلوة العصر لقرب النون بكمال الكثرة التعلقية الي المفعول المظلم المتكثّر من حيث كونه مفعولاً و مابينهما اي عند الميل الي التعلق هو الوقت المشترك و هو السرّ مابين الكاف و النون و ذلك السرّ في هذا المقام فاطمة الصديقة3 لانها الجهة الجامعة بين الكاف التي هي رسول‏اللّه9 و النون التي هي مولينا اميرالمؤمنين7فمن هذا السرّ ظهر ذلك السرّ في الواو الغايب بين الكاف و النون لاتمام الاثني‏عشر بمثنّاها فتمّت الكلمة بتمام الاربعة عشر يداللّه و وجه‏اللّه و هو قوله7 في الزيارة بكم تمّت الكلمة و هي كلمة كـن علي بعض الوجوه فافهم فاني قد كشفت السرّ و اوضحت الامر و لا قوّة الاّ باللّه.

و لهذا الكلام بيان اخر و هو انك اعلم ان لهما8 مقامين مقام في العالم الاول في الخلق الاول في رتبة الاختراع الاول و الابتداع كما قال مولينا الرضا7 ان اللّه سبحانه اوّل ماخلق الاختراع و الابتداع ثم خلق الحروف فجعلها فعلاً منه يقول للشي‏ء كن فيكون فلهما مقام هناك فهما8 هناك اخوان قد رضعا من ثدي واحد من مشية اللّه سبحانه بنفسها بنفسهما فمحمّد9 هو الاختراع الاول و هو الاخ الاكبر و علي7 هو الابتداع الاول و هو الاخ الاصغر كالعرش و الكرسي فانهما اخوان الاّ ان الكرسي هو الاخ الاصغر و العرش هو الاكبر و لا شكّ ان الكرسي مستمدّ من العرش و لم‏تزل الفيوضات و الامدادات من العرش تجري الي الكرسي فتفصل هناك بالنجوم و الكواكب و البروج و امثالها من الاحوال و ماذكرنا من حكم التعليمين كلّه يجري في هذا المقام علي تفاوت درجاته و مقاماته فراجع تفهم ان شاء اللّه تعالي.

و المقام الثاني في رتبة الحروف من الوجود المقيّد ظهرا متنزّلين في هذا المقام لتكميل الناقصين و ارشاد المسترشدين علي المعاني كلّها كالشمس و القمر المتنزّلين من العرش و الكرسي و هما8 في هذا المقام يقتضي ان‏يكونا ابني‏عمّ فان الشمس قد تولّدت من ضوء العرش

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 314 *»

بواسطة الكرسي و القمر من الكرسي بالعرش و لا شكّ ان الشمس في هذا المقام مستمدة من الكرسي و لذا لاتفارق في سيرها (مسيرها خ‏ل) منطقة البروج ابداً لاستمدادها منها كما قال7 الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش فالعرش يعلم الكرسي و الكرسي يعلم الشمس فيحتمل ان‏يكون المراد علّمني علمه في العالم الاول من حيث ذلك العالم من العلوم و اسرار الولاية الظاهرة في الاكوان لا اسرار النبوة الاولية فانها اشرف و اعظم من الولاية المطلقة و تلك خاصة به9 لايشترك فيها معه علي7 كما دلّت عليه الروايات كحديث الرمّانتين و اشباهه كما مـرّ و العقل المستنير ايضاً يدلّ علي ذلك و لا اشكال فيه للفطن و يكون المراد من قوله7 و علّمته علمي اي في العالم الثاني الظاهر بالنبوة الظاهرة و الاحكام و الشرايع فان ذلك في هذا العالم مستمدّ من الابتداع و قدقلنا انّ عليّاً7 هو حامله فيكون في هذا المقام مستمداً منه7 بماامدّه به في المقام الاول و ذلك كجبرئيل و ساير الملائكة فانهم يأخذون من غيبهم و يؤدّون الي شهادتهم: لان الملائكة روابط بين الغيب و الشهادة و كذلك علي7 علّم رسول‏اللّه9 في مقام الشهادة مااخذه منه9 و علّمه ايّاه في عالم الغيب في الخلق الاول و لا منافاة بين هذا و بين كون النبي9 اشرف و افضل من علي7 كماذكرنا غير مرّة صلّي‏اللّه عليهما و علي اولادهما الطيبين الطاهرين و علي الصديقة الطاهرة المعصومة المظلومة المغصوبة المطهّرة.

قال روحي فداه و عليه الصلوة و السلام: «الا و انّا نحن النذر الاولي و نحن الاخرة و الاولي و نذر كل زمان و اوان و بنا هلك من هلك و نجي من نجي».

لمّا اشار7 بل صرّح بانحصار العلم المطلق علي الوجه المطلق في محمّد و فيه8 و انّ ماعندهما مستور عن كل الانبياء و المرسلين

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 315 *»

و الملائكة المقرّبين و كل ذي وجود من الخلق اجمعين اراد7 ان‏يزيل ماعسي ان‏يختلج في وهم بعض القاصرين الغافلين الذاهلين عما سبق في بيان مقاماته7 مايوجب انحصار العلم فيهما8 ولكن للغفلة و الذهول ربما يتخيّلون كيف يكونان اعلم و اعظم و اشرف من غيرهما مع انهما ماوجدا الاّ بعد الانبياء و ان كل سابق في كل صقع و مقام اعلم و اشرف من اللاحق لبطلان الطفرة فلايسبق السابق الاّ لكونه اشرف من اللاحق و لايكون اشرف الاّ اذا كان اعلم فاجاب7 بان الطفرة في الوجود باطلة و ان الفيض متّسق غير معطّل لكن لا كلّ سابق في الظهور سابق في الوجود بل السابق في الوجود يجب ان‏يكون لاحقاً في الظهور لان كل موجود لابد له من قطع قوسي النزول و الصعود و في النزول كل سابق اشرف و في الصعود بالعكس فيكون ما ظهـر اخراً هو اشرف الكل الاتري ان الانسان في الولادة الجسمانية اول مايظهر منه النطفة ثم العلقة و هي اشرف من النطفة ثم المضغة و هي اشرف منها ثم العظام ثم اكتساء اللحم ثم تظهر الروح الحيوانية ثم يتولّد و يظهر العقل كاملاً سويّاً من اول بلوغه خمسة عشر سنة الي اربعين و ليست رتبة اعلي من رتبة العقل في الوجود المقيّد انظر كيف ظهر اخراً و ليس لعاقل ان‏يقول ان العقل ماخلق الاّ ذلك الوقت لان اللّه سبحانه اجلّ و اعظم من ان‏يختار الكثيف علي الشريف و الظلمة علي النور و الليل علي النهار مع مادلّت الاخبار و شهد بصحتها صحيح النظر و الاعتبار انّ العقل اول ماخلقه اللّه سبحانه.

فاذا فهمت هذا علمت ان خاتم النبيين9 هو اول النبيين و اشرفهم و افضلهم و اعلمهم و خاتم الوصيين هو اول الوصيين بعد خاتم النبيين لان الوصي المطلق العامّ الكلّي يجب ان‏يكون من سنخ النبي9 ليكون بدلاً قائماً مقامه و بالغاً مبلغه و ظهور الختم هو دليل البدء و قدقال عزّوجلّ كما بدأكم تعودون فاذا كان خاتم النبيين هو الاول و هو واحد بدليل انه في العود واحد فتكون الشريعة شريعته و السنّة سنّته و الدين دينه و الحكم حكمه و الامر امره و وجود ساير الانبياء: مقدمّة و توطئة لظهوره9 بل ساير

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 316 *»

الانبياء: قشور و ظواهر متقوّمة بالاصل و اللب اللذين هما هو9 علي المعاني كلّها و لولا خوفي من اشباه العلماء لصرّحت بالمراد ولكن اقول كما قال الشاعر:

تعرّضت في قولي بليلي و تارة   بهند فلا ليلي عنيت و لا هندا

و سيّدنا و مولينا جعلني اللّه فداه قد اشـار الي كلّ ذلك باتمّ الاشارة بانحاء شتّي فنحن ان شاء اللّه تعالي نقفو اثره و نتّبع امره.

فقال7 الا و نحن النذر الاولي اتي7 بكلمة العرض للتنبيه و التبيين و اظهار ماكان مستجنّاً في طبايع الاكوان من مستودعات اسرار الانسان لغيب البيان فخفيت تلك الاسرار باحتجاب تلك الانوار بتراكم الابخرة و الادخنة الارضية الكثيفة فتلايمت بالرطوبات الغريبة و الحرارة الغريبة فانجمدت القرايح و خمدت الطبايع لوقوع هذا الحجاب الغليظ الاسود فاراد7 كشف هذا الحجاب و فتح ذلك الباب علي جهة الحكمة متدرّجاً لا دفعة لتفسد لمزج هذا الحجاب العرضي و اختلاطه بالاجزاء الذاتية فلو نزع الحجاب دفعة واحدة لانتزعت منه (معه خ‏ل) الاجزاء الذاتية فتفسد الطبيعة و تجمد القريحة و هو خلاف الحكمة فمن هذه الجهة اتي7 بكلمة العرض و هي اللام المكتنفة بالالفين في اوّلها و اخرها اشارة الي انه ليس فيه اثبات الزامي كما لو حذف الالف الثاني و لا نهي تحريمي كما لو حذف الالف فهو اثبات مع النفي اي الامر (امر خ‏ل) بين الامرين و سرّ بين العالمين و لذا (لذلك خ‏ل) كانت حرف التنبيه لا امر و لا نهي و لذا يجوز له الفعل و الترك يعني لايعاقب (لايعاتب خ‏ل) علي الترك و ان كان الفعل مطلوباً بدليل اصدارها بالهمزة و هذه اشارة الي ظهور نور الولاية في الكون علي جهة الاختيار و سطوع ذلك النور مشروح‏العلل مبيّن‏الاسباب و شرح حقيقي لقوله7 عن اللّه تبارك و تعالي ألست بربّكم و لذا وضعت لها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 317 *»

هذه الحروف المخصوصة فاللام في هذه الكلمة رشح لام علي7 لمابيّنا من ان اسمه7 اللام و الالفان رشح لاسم محمّد9 لماذكرنا من ان اسم محمّد9 الالف المكررة فالالف و اللام اذا اجتمعتا فان تقدّمت الالف كان اثباتاً لان مقامه9 مقام المدد و المادة و العطية و السكون و الاطمينان و الثبات و البيان و التأدية و ان تأخّرت الالف في الظهور في مقام و علّمته علمي كان نفياً لان مقام علي7 مقام القهر و الغلبة و الاستيلاء و التسلط و السلب و النفي مع مناسبة الالف مع الوحدة الثابتة و اللام مع الكثرة النافية و دليل ماذكرنا و وجهه يطول به الكلام و الاشارة كافية لاولي‏الافهام.

فاذا ظهرت الالف اولاً و اخراً مع اللام كان تنبيهاً و تبليغاً لا حكماً و تثبيتاً و هو المقام الذي وقف فيه النبي9 كما قال عزّوجلّ و ما علي الرسول الاّ البلاغ و قال تعالي انما انت منذر و لكل قوم هاد و الهادي هو علي7 الذي يعطي كلّ ذي حقّ حقّه من حكم الاجابة او الانكار و من هذه الجهة وجب ان‏يكون في هذه الكلمة مثال محمّد9 اكثر من مثال علي7 و جعل مثاله9 في الطرفين لبيان انه9 محيط اول و اخر و ظاهر و باطن و علي7 محاط بالنسبة اليه و هو الفرع الكريم بالنسبة الي النبي9 و الاصل القديم بالنسبة الي غيره فهذه الكلمة اي كلمة العرض من تعليم النبي9 ايّاه هذا هو الوضع الاوّلي بهذه الكلمة اشارة الي سريان نور الولاية من الولي المطلق من البدء الي العود الذي هو عين ذلك البدء و لذلك كرّرت الالف اولاً و اخراً فاثبت بهذه اللفظة مااراد اظهاره و بيانه روحي فداه.

ثم اتي7 بالضمير المتكلم المنفرد لبيان الحصر و الحقيقة و اكّده مع ذلك بحرف التأكيد المثقّلة ثم ادغم احد النونين في الاخر حرصاً للبلوغ الي المراد و خروجاً من المقدمة الي ذي‏المقدمة و قدعلمت ان الضمير المتكلم /معه غيره (مع غيره خ‏ل) له صيغتان احديهما للمنفصل و هي نحن و الثانية للمتصل و هي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 318 *»

نا و جمع7 في هذا المقام بين الصيغتين و انما اختصّتا بهذه الحروف المخصوصة علي الهيئة المخصوصة لان الالف هي دليل الوحدة و النون هي دليل الكثرة لانها مقام الارادة في كن فيكون و لمّا كانت الضماير في‏نفسها متكثّرة و ان اشيرت بها الي الواحد لان تعريفها بالتقييد لا بالذات فلها جهة وحدة و جهة كثرة من جهة الحدود و القيود و لذا فرّقوا بين الضماير و بين الاعلام ان الاعلام تعيّن المسمّي من حيث هو بخلاف الضماير فانها بالقيد كماقـال ابن مالك:

اسم يعين المسمّي مطلقا   علمه كجعفر و خرنقا

فمن هذه الجهة وجب في الضماير مايدلّ علي الكثرة كالواو في ضمير الغائب و النون في ضمير المخاطب و النون في ضمير المتكلم و لمّا ارادوا المتكلم وحده زادوا الالف قبل النون و بعدها مبالغة في الوحدة و انما هي المقصودة لا الكثرة و قد قلنا لك ان الالف اسم محمّد9 فالمتكلم وحده ينسب اليه حقيقة دون الخلق كما قال9 اول ماخلق اللّه نور نبيّك9 يا جابر و كان يطوف حول جلال القدرة (العظمة ظ) ثمانين الف سنة و كان في هذه المقامات متكلماً وحده لا شريك معه الاّ ذكر ظهور نور علي7و لمّا لم‏يكن الاّ الذكر كان حرف اسم النبي9 غالباً و جهة الوحدة فيه ظاهرة كماذكرنا فوجب ان‏يكون ضمير المتكلم وحده «انا» في الوضع الاول الاصلي و انما اختيرت النون لانها اول كلمه وقعت في الوجود من الحروف كما قال مولينا الرضا7 ثم خلق الحروف فجعلها فعلاً منه يقول للشي‏ء كن فيكون فالكاف و النون هما اول مانطق بهما الرحمن عند استوائه علي العرش و المتكلم اعرف الضماير و قبلها و اعظمها فاختيرت لها النون و هي مشتملة علي سرّ الكاف بخلاف العكس و ذكر المجموع مستلزم للتطويل و لا فائدة في ذلك فافهم الاشارة.

و اما في المتكلم معه غيره فحيث كان المطلوب فيه الكثرة دون الوحدة قدّموا النون علي الالف لان النون اسم علي7 فتأخّرت الالف في هذا المقام لانها اسم محمّد9

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 319 *»

فيجب التأخير كما قال9 في تتمّة الحديث المتقدم حتي بلغت الي مقام جلال العظمة فخلق نور علي فكان نوري يطوف حول جلال العظمة و نور علي يطوف حول جلال القدرة هـ و قدعلمت ان المتكلم مع‏الغير انما تحقق عند خلق علي7 فكان مبدأ الضمير فنصّ النبي9 علي السرّ حيث قال فكان نوري يطوف حول جلال العظمة فوجب حينئذ تقديم النون و تأخير الالف للاشارة الي هذه المرتبة فمن هذه الجهة كان ضمير المتكلم مع‏الغير المتصل «نا» من غير الالف الاولي مع ان الاختصار و الوحدة مطلوبة في المتصل لكونه بمنزلة الكلمة الواحدة مع مايتّصل به و اما في المنفصل فلمّا كان مطلوبية الكثرة و ظهور التعدد و الحصر و التأكيد في ذلك فيه اشدّ و اكثر فكرّروا النون في الاول و الاخر للاشارة الي مقصودية الكثرة لذاتها في هذا المقام و ظهور الولي في الاول و الاخر و الظاهر و الباطن فالمتكلم معه غيره في مقام الولاية و القيّومية و ان كان للتعظيم فان العظمة من اثار ظهور سلطان الولاية كما قال عزّوجلّ هنالك الولاية للّه الحقّ بخلاف المتكلم وحده فانه في مقام التوحيد و التفريد و التقديس كما قال عزّوجلّ يا انسان اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء و باطنك انا هـ و هو الظهور بالتوحيد لا بالذات (الذات خ‏ل) البحت تعالي عمايقوله الظالمون علوّاً كبيراً و قال عزّوجلّ يا موسي اني انا اللّه لا اله الاّ انا الاية و قال في مقام الولاية و السلطنة نحن قسمنا بينهم معيشتهم انا نحن نحيي و نميت و نحن الوارثون و لقد علمنا المستقدمين منكم الاية انا نحن نحيي الموتي و نكتب ماقدّموا الاية انا ارسلنا نوحاً الي قومه الاية وهكذا امثالها و لمّا انّ الوجود لايستقيم الاّ بمثال محمّد9 و علي7 و لايستقر الكون بواحد منهما وجب مثالهما في كل شي‏ء الاّ انه يلاحظ في المقام حكم الغالب في الظهور و في هذا المقام و ان كان المطلوب ظهور مثال علي7 لكنه لايستقرّ الاّ بمثال سيّده و مولاه نبي الرحمة فزادوا الحاء لبيان نسبة تقدّم المتكلم وحده علي المتكلم معه غيره يعني نسبة تقدّم نفسه الشريفة علي نفس علي7 و لمّا كانت تلك النسبة في

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 320 *»

الرتبة الثانية تبلغ الثمانية الي الثمانين فما منه9 جهة الوحدة و ينبسط و ينتشر في مقام علي7 فابان سبحانه و تعالي بوضع الضميرين مرتبة كل واحد منهما صلّي اللّه عليهما علي كمال التفصيل و لا كلّ‏ما يعلم الانسان يقدر ان‏يسطر و هذا الذي ذكرنا اشارة الي نوع المسألة في هذا الباب نعم بالمشافهة ربما ينال بعض المأمول و اللّه الموفّق للسداد.

فاذا اتقنت ماذكرنا فاعلم ان الامام7 عدل عن الضمير المتكلم وحده الي المتكلم معه غيره في هذا المقام ثمّ عدل عن الضمير المنفصل الي المتصل ثم اكّده بالضمير المنفصل اما الوجه في العدول الاول فلانه7 فيماتقدّم في المقامات في صـدد بيان ظهور الولاية الكبري و السلطنة العظمي و الغاية القصوي و هو روحي فداه في تلك المقامات متفرّد بالاصالة لما ذكرنا مراراً عديدة من ان النبي9 مقامه النقطة الحقيقية فلا ظهور لها الاّ بالالف و هو مقام علي7 و باقي الائمة: مقامهم مقام الحروف و الكلمة التامة فلا قوام لهم الاّ بالالف فبها تقوّمت الحروف و لذا كان7 اميرالمؤمنين وحده من غير مشاركة احد ايّاه في هذا الاسم لان المؤمنين حقيقة هم الائمة: و هو7 يميرهم العلم ففي مقامات (مقام خ‏ل) الولاية هو7 متفرد مستقل باللّه سبحانه و الائمّة: كلّهم مشاركون (يشاركون خ‏ل) معه في الولاية بالبدلية و الوراثة و هو الاصل القديم فمن هذه الجهة افرد7 ضمير المتكلم في تلك المقامات و اما في هذا المقام يريد (/ان ظ) يبيّن7 الاحكام المشتركة الحاصلة لكل واحد فمنهم من غير اختصاص احد منهم بذلك لان لهم: مقام جمع و مقام فرق و فصل ففي مقام الجمع يشتركون في الاحوال الثابتة فيه و لذا قالوا: كلّنا محمّد اولنا محمّد و اخرنا محمد و اوسطنا محمّد9 و هذا من ذلك المقام.

و اما الوجه في الامر الثاني فاعلم ان اللّه سبحانه خلق محمّداً و اله صلّي اللّه عليهم في عالم مستقل متفرد ليس معهم سواهم كما قال مولينا الصادق7 ان اللّه سبحانه خلقنا من طينة مكنونة مخزونة عنده و لم‏يجعل في مثل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 321 *»

 الذي خلقنا منه نصيباً لاحد و في الزيارة الجامعة فبلغ اللّه بكم اشرف محلّ المكرّمين و اعلي منازل المقرّبين و اشرف درجات المرسلين حيث لايلحقه لاحق و لايفوقه فائق و لايسبقه سابق و لايطمع في ادراكه طامع الزيارة فعالمهم غير عالم المخلوقين و طورهم غير طور المربوبين المصنوعين فلمّا خلقهم اللّه و اكمل خلقتهم اعطاهم مايستقيم به معاشهم و معادهم و من ذلك وضع الالفاظ حيث يحتاجون في مقام اظهار الكمالات الي المحاورات و انحاء المخاطبات فوضع سبحانه لهم الالفاظ كيفما ارادوا ممااقتضت كينوناتهم الذاتية و الوصفية و الاصلية و العرضية و لمّا كانت الالفاظ علي طبق الذوات و الكينونات و كان الاصل فيها محمّد و علي صلّي اللّه عليهما فيجب ان‏يكون الاصل في الالفاظ كلّها اسمهما و اللفظ الدالّ عليهما فكلّ لفظ بكلّ معني بكلّ حقيقة ينبئ صفة من صفاتهما الظاهرة في الهياكل الاربعة عشر: ثم لمّا كان ساير المخلوقات من اشعة انوارهم و من عكوسات اثارهم ظهرت تلك الحقايق و الانوار في الرتبة الثانية علي طبقها في الاولي وهكذا في الثالثة و الرابعة و الخامسة الي ما لانهاية له فلهم الالفاظ و المعاني و لهم الحدود و المباني ولكن لمّا كان الناس في القوس الصعودي اكثرهم بقوا في مقام الانجماد و مابلغوا المراد في مقام الفؤاد فرأوا تقدّم الانبياء و الملائكة و ساير الامم عليهم: و علي اممهم و رعاياهم ظنّوا السبق الحقيقي و التقدم الواقعي فخصّوا الالفاظ بماعرفوا من اللغات و الصفات و الاقتضاءات بماظهر لهم من مقتضيات تلك المقتضيات فحرموا عن معرفتهم: و لمّا ان اللّه سبحانه ابان عن شرفهم و فضلهم حيث قال تعالي هذا نذير من النذر الاولي ماعرفوا المراد من ذلك و حملوا النذر الاولي (/علي ظ) الانبياء و قالوا ان نبيّنا9 من نوع الانبياء و من سنخهم او انهم من النذر الاولي يعني كان نبيّاً و ادم بين الماء و الطين و ليس هذا هو المراد الحقيقي من قوله عزّوجلّ و ان كان يراد ظاهراً حسب متفاهم العوام فبيّن7 حقيقة المراد مع غاية التأكيد الذي يفهمونه تأكيداً والاّ فكل حرف من كلامه7 تأسيس و تأصيل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 322 *»

فاتي بالالف في قوله7 انا لبيان انه7 هو النقطة تحت الباء فانها الالف فقوام الباء بالالف لا النقطة التي يتقوّم بها الالف ثم اتي7 بالنون للاشارة الي تمام كلمة كـن فمهما تحققت النون فقد تحققت الكاف ثم اتي بالنون الثاني لبيان ظهور الابداع في العالمين في العالم الاول عالم الغيب و الشهادة ثم ادغم احديهما في الثانية لبيان انهما ليسا عالمين متمايزين منفصلين و انما هما واحد مع كونهما اثنين و من هذه الجهة صار لفظ «انّ» حرف التأكيد و التثبيت لاجتماع مرتبة المقبول و رتبتي القابليات فيها فتقرّر مدخولها و تثبت ثم وصلها7 بالضمير المتصل «نا» و ادغم النونين لبيان كمال الوحدة المعتبرة في هذا المقام و هذا و ان كان مقام الفصل و التعدد ولكنه مقام الجمع و الاتحاد لمكان الادغامين ثم اراد ان‏يشير الي مقام الفرق و الفصل متمايز الاحكام فاتي بـ «نحن» فيشير7 بـ «انا» الي مقام محمّد9 و نفسه الشريفة لانهما صلّي اللّه عليهما في كمال الاتحاد و ان كان بالمغايرة و لذا قال9 يا علي انت نفسي التي بين جنبي انت منّي بمنزلة الرأس من الجسد و بمنزلة الروح من البدن و لحمك لحمي و دمك دمي و الايمان خالط لحمك و دمك كما خالط لحمي و دمي و هذه الاحكام و ان كانت تجري في ساير الائمة: الاّ انه بالتبعية البدلية لانهم شعب نشأت من علي7 و هو الاصل القديم و ان كان هو الفرع الكريم بالنسبة الي النبي9 و اشار7 بـ «نحن» الي مقام ساير الائمة: لانه7كتاب احكمت اياته ثم فصّلت من لدن حكيم خبير ان لاتعبدوا الاّ اللّه و لذا جرت الحكمة ان‏تكون كلمة التوحيد لااله الاّاللّه اثني‏عشر حرفاً و هي تفصيل الكتاب الي الايات البيّنات و الدلايل الظاهرات و الحجج البالغات صلّي اللّه عليهم مادامت الارضون و السموات فبيّن7 بالتأكيد البالغ حسب متفاهم العوام و التأصيل الواقع حسب متفاهم الخواص انهم: اي قصبة الياقوت و حجاب اللّه في الملك و الملكوت و ظهور سلطانه في القدرة و الجبروت هم النذر الاولي و هم المراد

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 323 *»

من قوله تعالي هذا نذير من النذر الاولي و مؤدّي «من» السنخية يعني ان محمّداً9 منهم و من حقيقتهم و طينتهم لا فرق بينه و بينهم و ذلك بخلاف الانبياء: اذ لايصحّ القول بانّ نبيّنا9 منهم اي من سنخهم الاّ مجازاً او نظراً الي ظاهر الهيكل البشري و ذلك غير ملحوظ في هذا المقام بل في كلّ المقامات و الاحوال.

و لمّا كان الناس ربما يستشكلون في كون فاطمة3 نذيراً بخلاف ساير الائمة: فانهم لا اشكال في كونهم نذراً ازاح اللّه سبحانه هذا الاشكال و اوضح هذا الاجمال بصريح المقال في قوله عزّوجلّ كلاّ و القمر و الليل اذ ادبر و الصبح اذا اسفر انها لاحدي الكبر نذيراً للبشر لمن شاء منكم ان‏يتقدّم او يتأخّر في تفسير علي بن ابرهيم عن الصادق7انها اي فاطمة3 لاحدي الكبر و هم الائمة: و هي نذير للبشر فهم اي الاربعة عشر المعصومون الطيّبون الطاهرون: النذر الاولي قدخلقهم اللّه سبحانه في العالم الاول و اقامهم اشباحاً تحت عرشه الي ان خلق الخلق فصاروا نذراً لهم من اللّه عزّوجلّ و اما الانبياء: فهم اشباحهم و امثالهم و اشعّة انوارهم و هياكل اثارهم فلهم معهم: مقام لا فرق بينهم و بينهم ففي ذلك المقام ينتمون اليهم و ينتسبون بهم كما في قوله7 انا ادم انا نوح انا ابرهيم انا موسي انا عيسي الي غير ذلك من الانبياء لان الانبياء صفاتهم كما يقول زيد انا القائم انا القاعد انا الاكل انا الشارب الي غير ذلك من الاسماء اذ كلها صفات زيد لا فرق بينه و بينها الاّ انها عبده و خلقه فعلي هذا يصحّ لك ان‏تقول انهم:هم النذر الاولي علي هذا المعني الثاني فهم ادم و هم شيث و هم ادريس و هم نوح وهكذا الي اخر الانبياء و ذلك لانه قد دلّ العقل و النقل علي ان الانبياء خلقوا من شعاع انوارهم فنسبتهم اليهم نسبة الشعاع الي الشمس و لا شكّ ان الشعاع علي مثال المنير و هيئته جارٍ علي طبق صورته كما تري انه اذا وقع شعاع الشمس علي المرءاة او الماء او امثالهما من الاجسام الصيقلية تراه بعينه علي هيئتها و مثالها لا تفرق بينهما ابداً الاّ بالحاجة و الغناء و الاضمحلال و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 324 *»

الاستقلال و كذلك حكم صورتك في المرءاة اذا نظرت اليها فانك تجدها علي هيأتك (هيكلك خ‏ل) و تحكم عليها بماتحكم (بمايحكم خ‏ل) عليك فتقول انا ذا مع ان تلك الصورة ليست عين حقيقتك و لا جزءها و لاتعود اليها و لاتصـل اليها و انما اقمتها في مقامها و امددتها في ظلّها هذا هو حكم الاثر و النور من حيث هو اثر و نور اذا بقي علي ماهو عليه و اما اذا تغيّر علي حسب القابليات فيحكم علي التغيير بنهج ذلك التغيير كما اذا ظهرت صورتك في المرءاة العوجاء و المحل الغير المصيقل فانك لاتحكم عليها بمايجري عليك من ظهوراتك في اطوارك و كذلك الكلام في هذا المقام فان شعاع ال‏محمّد: لمّا تشعشع و تلألأ و وقع علي الاراضي الطيبة و قابليات الانبياء: فبقي ذلك الشعاع علي ماهو عليه من حكاية وصف الكينونة فصـحّ توصيفهم بالانبياء و حمل الانبياء عليهم فتقول علي7 مثلاً او احد الائمة: هو نوح و ابرهيم كماتقول زيد قائم فان القائم ليس عين زيد و لا ضميره يعود اليه و انما هو صفة تدلّ علي ظهور زيد و مثاله و بذلك حملته علي زيد في مقام لا فرق بينك و بينها فالموضوع و المحمول و ان كانا من حيث المقصود متغايرين ولكنّهما من حيث الحقيقة الواقعية متحدان اي الموصوف بكونه قائماً هو الوجه الاعلي من القائم فان زيداً ظهر في الوجه الاعلي علي نحو عموم قدرته فمن حيث الظهور كلّ الصفات تحكي زيداً بل لاتسمّي الاّ زيد و من حيث الخصوصية تختصّ بالوجه الخاص كقولك /زيد (زائد خ‏ل) قائم و قاعد فقولك زيد قائم فزيد هو عين القائم و كذلك العكس مع ان القائم ليس حقيقة زيد و لا ذاته و انما هو صفة من صفاته و قد قال اميرالمؤمنين7 لشهادة كلّ صفة علي انها غير الموصوف و شهادة كلّ موصوف علي انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و يريد7 بهذا الموصوف هو المقصود من الصفة و الذي نقول هو الظاهر في الصفة و ان كان الظاهر في الصفة ايضاً هو غير الصفة فافهم هذه الكلمات فان التصريح بالمراد مما لايمكن والاّ فصريح العبارة غير ذلك.

فاذا وفّقت لفهم ماذكرنا علمت معني ماقال الامام7 انا الامل و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 325 *»

 المأمول كما تقدّم و نحن النذر الاولي اذا جعلت النذر الاولي هم الانبياء: و يكون المراد من الائمة:وقوفهم في المقام الاصلي من غير ملاحظة نزولهم في صقع من الاصقاع و مقام من المقامات حسب تنزّلات الاشياء فانهم: لهم مقام في رتبة ذواتهم و كينوناتهم و صعودهم و نزولهم الذاتيين من مراتبهم الحقيقية من افئدتهم و عقولهم و ارواحهم و نفوسهم و طبايعهم و موادّهم و هياكلهم و اجسامهم و اجسادهم و هم: في هذه المقامات علة فاعلية لكل ذرّات حقايق الكائنات و ذوات الموجودات و كل الخلق اشعّة انوارهم في كل مقاماتهم و علي‏هذا فكل الذرّات صفاتهم و كل الذوات امثال ظهوراتهم و هياكل اثارهم و صفاتهم فيصحّ حينئذ توصيفهم: بتلك الصفات و هذا باب غامض و سرّ مشكل لكنّي ابيّن حديثين و فيهما كل المراد يجده اهل الاستعداد من اصحاب الفؤاد:

في الانجيل يا انسان اعرف نفسك تعرف ربك ظاهرك للفناء و باطنك انا هـ و هذا الضمير هو ضمير المتكلم و قد ذكرنا فيماسبق و نذكر ان شاء اللّه تعالي فيمايأتي ان المتكلم ظهور الذات بالكلام و الضمير ظهور المتكلم بالصفة و المجموع بمعزل عن الذات المقدسة القديمة سبحانه و تعالي بينهما بينونة صفة لا بينونة عزلة و قال7 في تفسير قوله تعالي فلمّا تجلّي ربه للجبل انه نور رجل من الكرّوبيين و قال النبي9 في جواب اليهودي الي ان قال9 لاينبغي ان اصغّر ماعظّمه اللّه من قدري ان اللّه تعالي اوحي الي ان فضلك علي الانبياء كفضلي و انا ربّ العزة علي كل الخلق و قال الصادق7في وصف الكرّوبيين علي ماتقدّم انهم قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم اللّه خلف العرش الي ان قال7 و لمّا سأل موسي ربه ماسأل امر رجلاً منهم فتجلّي له بقدر سمّ الابرة فدكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً اجمع بين هذه الاخبار و ماذكرنا في هذا الشرح من الاصول الكلية تعرف بذلك ان كلّ ذرة من ذرات الكون منقوش في حقيقتها و ذات كينونتها محمّد و اهل‏بيته الطاهرون: باسمائهم و اشخاصهم كتابة لايشتبه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 326 *»

احدهم بصاحبه و هو الذي اشار اليه7 في الزيارة الجامعة حتي لايبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا صدّيق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبّار عنيد (/و لا شيطان مريد في المصدر) و لا خلق فيمابين ذلك شهيد الاّ عرّفهم جلالة امركم و عظم خطركم و كبر شأنكم و تمام نوركم الزيارة و هذه المعرفة بماكتب في ذاتهم مانطقوا به7 بلسانهم كما نقـش و كتب صورتك في المرءاة بل اقول ان حقيقة ذوات الاشياء هي عين تلك الكتابة المرسومة بقلم الاختراع علي لوح الابداع فاذن كل الاشياء بلسان كينوناتهم و حقايقهم يحكون كلام علي7 عند ماقال لهم حين مااشهده اللّه خلقهم انا علي الولي وصي النبي الامّي لان الربوبية الظاهرة في المربوبين هي نوره و شعاعه7 و ذلك كمايحكون عن اللّه عزّوجلّ عند تلاوة كتابه اني انا اللّه لا اله الاّ انا و كما حكي علي7 عن اللّه في الشجرة لموسي فحقيقة الخلايق هي رسم انا العلي الاعلي و ذلك خطاب و مثال القاه7 في هويّتهم و ذلك هو «انا» الظاهر في ضمير المتكلم و هو في الاشياء كلّها لكن ذلك المثال لمّا وقع في هويّات الكائنات فان كانت الهوية مستقيمة معتدلة غيرمعوجّة و قريبة الي المبدء في الخلق الاول ظهر علي ماهو عليه و ان كان بتغيير لكنه (لكن خ‏ل) لايرفع حكمه كشمس واحدة اشرقت علي الف مرءاة في كلّها تجد مثالها علي ماهو عليه من دون تغيير و ان كانت بعيدة او معوجّة غير مستقيمة لاتظهر ذلك المثال و لاتحكي نور الجلال ففي الاول ينتسب الي المنير و في الثاني لا فالاول هو حكم الانبياء: لقربهم من المبدء و استشراقهم من شوارق انوار اهل‏البيت: من غير واسطة و استقامتهم و عدم اضطرابهم و عدم اغتشاشهم حكوا مثالهم من العصمة و الطهارة و النزاهة و الحكمة و غيرها فصحّ استنادهم اليهم: بخلاف ساير الخلق من الرعايا و ان كانت حقايقهم تلك الكتابة لكنها خفيت و استولت عليها احكام الانية المدبرة الغير المقبلة فبقيت لاتحكي لبعدها عن فوّارة النور فلايصحّ الاستناد مادام حكم الفرق باقياً او حكم الخلط

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 327 *»

ظاهراً في هذه الدنيا و اذا ارتفعت الموانع يعود الحكم كماكان سابقاً اي علي الواقعي الاولي و لذا لمّا اصيب طلحة بن عبداللّه يوم الجمل قيل له من رماك يا طلحة قال رماني علي بن ابي‏طالب قيل له ياويلك انه مايرمي بالنبل و انما يقاتل بالسيف قال الاتنظر كيف يصعد الي السماء و ينزل الي الارض و يسير الي المشرق و المغرب و يقاتل بالسيف و النبل و يقول مت يا عدوّاللّه فيموت في ساعته و كان الرامي له مروان (/بن خ‏ل) الحكم لعنه‏اللّه انظر الي هذا الحديث فتجد ما لاتحيط به العبارة و لاتدرك بالاشارة و انما هو تلويح و ربما تصريح بماذكرنا فان ذلك الذي رأي كلّه امثال و اشباح لتلك الحقيقة المقدسة ظهرت عندما صارت بصره حديداً او عند رفع الغرائب و الاعراض و مارأي الحقيقة و لاادركها كيف لا و هو يقول7 ظاهري امامة و في رواية اخري ولاية و باطني غيب لايدرك ولكن الانبياء لمّا حكوا ذلك المثال وصف نفسه الشريفة بهم في هذه الدنيا و في الاخرة يكون كل شي‏ء صفته و ايته يعني يظهر ذلك والاّ ففي كلّ حال تكون الاشياء صفاتاً (صفاتٍ ظ) و اظلة فافهم و قد قال مولينا الصادق7 في زيارته اياه السلام علي شجرة طوبي و سدرة المنتهي السلام علي ادم صفوة اللّه و نوح نبي‏اللّه و ابرهيم خليل‏اللّه و موسي كليم‏اللّه و عيسي روح‏اللّه و محمّد حبيب‏اللّه و من بينهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقاً السلام علي نور الانوار و سليل الاطهار و عناصر الاخيار السلام علي والد الائمة الاطهار الزيارة و هذا كماتقول السلام علي القائم القاعد الضارب الناصر السميع البصير المحيي و المميت و امثالها من الصفات من غير فرق ابداً و اما عدم انتساب سائر الخلق اليهم و اليه: فلما قلنا من عدم الحكاية التامّة مع انه7 اشار الي مالوّحنا بقوله و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقاً.

و علي هذا يظهر لك معني كون علي7 في وقت واحد في ليلة واحدة في اربعين موضعاً و حضورهم: عند كل ميّت من المؤمنين الممتحنين او ماحض الكفر من المنافقين و قد يتّفق موت الوف في وقت واحد

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 328 *»

و دقيقة واحدة من الطرفين يظهر لكلّ علي هيكل اعتقاده فيه ان خيراً فخير و ان شرّاً فشرّ و الاصل في ذلك ان عليّاً7 هو نفس رسول‏اللّه9 كما في الاية الشريفة و هو ايضاً نفس‏اللّه كما في قوله تعالي و يحذّركم اللّه نفسه و في الزيارة السلام علي نفس اللّه القائمة بالسنن و هو7 ذات‏اللّه كما في قوله روحي فداه في بيان النفس الملكوتية الالهية انها هي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لم‏يشق ابداً و من جهلها ضلّ و غوي و هذه هي الذات المخلوقة لا القديمة تعالت و تقدّست و المخلوقة هي الذات الظاهرة في المخلوقين في مقام لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك، سبحان ربك رب العزة عمايصفون و كما ان عليّاً7 هو ذات اللّه بالمعني الذي ذكرنا كانت كذلك الموجودات كلّها ذات علي7 او قل انّ عليّاً7 ذاتهم كما قال7 انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات و المعنيان واحد و اذا كان هو ذات الاشياء لا بذاته بل بظهوراته و اشباحه و امثاله فكل الاشياء حكايات له و لاحواله ففي مقام الحقيقة بعد الحقيقة هو و في مقام المجاز غيره و هنا مقامات يقصر عن بيانها اللسان يضيق صدري باظهارها و لايضيق بكتمانها.

و لاتفهم مماذكرت غلوّاً و رفعاً لمقام علي7 الي مقام الربوبية و انما ذلك شرح لكمال عبوديته و خضوعه للّه سبحانه و اضمحلاله في نفسه و عدم شيئيته و استقلاله لا كمايقوله (يقول خ‏ل) اصحاب وحدة الوجود فان اللّه سبحانه بري‏ء من القول به و اصحابه و لاتتوهّم اني اقول انّ عليّاً7 هو ذات الاشياء بحقيقة ذاته المقدسة فان ذلك كفر باللّه /العلي (زائد خ‏ل) العظيم بل اقول ان الخلق امثاله و اشباحه و المثال هو الذات الظاهرة في المشتق لا البحت فالذات المعتبرة في القائم مثلاً هي المثال و الاية و المقام اسمها اسم زيد و صفتها صفته لا فرق بينها و بينه الاّ انها عبده و خلقه و علي7 هو المثل الاعلي للّه سبحانه كما قال7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و في الزيارة من اراد اللّه بدأ بكم و من وحّده قبل عنكم و من قصده توجّه بكم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 329 *»

 فافهم فان شرح هذه الاحوال يحتاج الي بسط في المقال بتمهيد بعض المقدّمات و قد مضـي بعضها فراجع و يأتي ان شاء اللّه بيان اكثرها فترقّب.

فان كنت ذافهم تشاهد ماقلنا   و ان لم‏يكن فهم فتأخذه عنا
فما ثمّ الاّ ماذكرناه فاعتمد عليــ   ــه و كن في الحالة فيه كما كنّا

فعلي ماقررنا ظهر لك وجه واحد من معني قوله7 نحن النذر الاولي بجعل النذر الاولي هم الانبياء و اوصياؤهم و ساير الرسل و النذر من الملائكة و الجن و الانس و العلماء الراشدين و المؤمنين الممتحنين و الصلحاء الفاضلين فتدبّر فيه.

و الوجه الثاني في مقامهم الثاني: في رتبة القطبية فانهم: في كلّ عالم و كلّ مقام قطب لاهل ذلك العالم و ذلك المقام و القطب هو وجه الفعل الي المفعول و وجه المفعول الي الفعل و هو المفعول المطلق و هو امر اللّه الذي قامت الاشياء كلّها به كما في قوله تعالي و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و قال الصادق7 كلّ شي‏ء سواك قام بامرك و ذلك الامر هو المفعول الاول كما قال تعالي و كان امر اللّه مفعولاً و هو القدر الذي يسري في افعال العباد و اعمالهم في الكينونة و الذات و الاعراض و الصفات سريان الروح في الجسد كما قال سيدالساجدين7 ان القدر في افعال العباد كالروح في الجسد فلولا الروح لا قوام و لا حراك للجسد و كما لولا الجسد لا ظهور للروح و كذلك لولا القدر لايتحقّق العمل و لولا العمل لايظهر القدر هذا معني الحديث و انما اخـذه7 من قوله تعالي و كان امر اللّه قدراً مقدوراً و قيام الاشياء بهذا الامر و القدر المفعوليين قيام ركني عضدي لا صدوري ايجادي نعم بالامر الفعلي و هو المقام الاول من مقاماتهم: و هذا القطب هو المقصود بالذات في الايجاد و عليه تعلق الجعل الاولي و به قامت المحبة في قوله تعالي فاحببت ان‏اعرف ولكن لمّا قيل لذلك الامر ادبر فادبر حصلت الكثرات و الاضافات و الجهات فاحتجب ذلك النور بكلّ جهة و اضافة بل ربما ظهرت اثار تلك الاضافة و الجهة ممااقتدرت عليه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 330 *»

بقوة ذلك النور الساطع الظاهر المستجنّ فيه ولكن لا قوام للشي‏ء في ذلك المقام باعتبار تلك الجهة الاّ بذلك الامر و النور بل ليس للشي‏ء حقيقة سواه فان الاضافات اعراض و احوال ماتقوم الاّ بذلك الاصل تقوّم القشر باللبّ.

فاذا فهمت ذلك و تنبّهت للحديث الوارد عن اهل‏البيت: ان اللّه سبحانه اول ماخلق هو محمّد9 بقي يسبح اللّه و يقدّسه الف دهر ثم خلق سبحانه اثني‏عشر بحراً فامره بالسباحة فيها ثم عشرين بحراً اخر فامره سبحانه بالسباحة فلمّا اتمّ السباحة في تلك الابحر خرج منها و قطر منه9 مائة الف و اربعه‏وعشرون الف قطرة خلق اللّه من كلّ قطرة روح نبي من الانبياء عرفت المراد اذ لا شكّ ان نبيّنا9 من ذلك العدد نعم تلك القطرة الخاصة بنبيّنا9 من بين الانبياء: هي قطب رحي وجوداتهم و ان كانت من سنخهم ولكن نسبتها اليهم نسبة الروح الي البدن و نسبة الاكسير الي الحجارة المرميّة ثم استجنّت تلك القطرات و كمنت في تلك القطرة كمون القشر في اللب لا العكس و ان كان المعروف هو ذلك و معني كمون القشر في اللب ذكر صلوحه لتلك القشر لا غير فيه الي ان كمل هذا العدد اي مائة الف و اربعه‏وعشرون الف باعتبار ملاحظة قران بعض احواله9 مع الاحوال الاخر فعند حصول تلك القشور استجنّ اللب فيها و القشر لا قوام له الاّ باللب و الاغصان لا تحقّق لها الاّ بالشجرة بل ليست غيرها و لا حراك لها الاّ بها ثم استجنّت تلك القشور المكتنفة باللبّ الاصلي و القطب الحقيقي في الانسان فكان الرتبة الانسانية قشراً لتلك القشور فاستجنّت تلك في القوس النزولي في مقام القطبية في الحيوانات و هي استجنّت في النباتات و هي في الجمادات فالنبات صافي الجماد و الحيوان صافي النبات و الانسان صافي الحيوان و الانبياء صافي الانسان و اهل‏البيت: هم صافي الانبياء فهم صلوات اللّه عليهم صفوة المرسلين و هم صفوة الصفوة من صفوة الصفوة و لمّا كان الصافي هو اللب و السافل هو القشر كان لايقوم القشر الاّ بوجود اللب اما ظاهراً مشهوراً او

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 331 *»

مكتتماً مستوراً ففي حال النزول اختفي اللب في القشر و في حال الصعود يظهر اللب من القشر مع وجود القشر متقوّماً و متأصّلاً بذلك اللب فلهم اي لهذه المراتب مقامان مقام العلّية (العلّة خ‏ل) الفاعلية و مقام القطبية و الاصلية ففي المقام الثاني فالمتأصّل الثابت هو القطب و الدائرة تطوّراته باطوار شئوناته ثم لا قوام لها في حال من احوالها الاّ بالقطب فلك ان‏تقول ان القطب هي الدائرة و لك ان‏تقول بالعكس و لك ان‏تجعل لكل منهما حكمه لكن لايجري الحكم علي الدائرة في حال من الاحوال الاّ بالقطب و ذلك كالقلب فان الانسان حقيقة هو القلب و هو الاصل المؤثر المدبّر /في البدن (زائد خ‏ل) و كل الالات البدنية شئونات للقلب تبدأ منه و تعود اليه و لذا اذا وجد صدر الميت الادمي وجب عليه مايجب علي الكلّ من التغسيل و التكفين و التدفين و الصلوة عليه و امثالها من الاحوال و الاحكام فاذا فهمت ذلك علمت المراد في لحن المقال كما قالوا: انا لانعدّ الرجل من شيعتنا فقيهاً حتي يلحن له و يعرف اللحن.

فلمّا قال اللّه سبحانه للعقل الكلي الظاهر في اطوار الكرّوبيين اقبل الي الخلق او ادبر عني الي الخلق فتنزل بالتشأّن و التطوّر الي ان وصل مقام الجماد ثم قال له اقبل الي او ادبر عن الخلق فاخذ في الصعود فظهر في صفو المعدن و بقيت المعادن كلّها تدور علي وجه ذلك الصفو الظاهر فيها ثم لمّا استعدت البنية و صفت طبيعة العالم و اعتدلت ظهرت تلك الصفوة بوجهها و نورها فكانت قطباً لدائرة كون النباتات ثم ظهرت في صفو الحيوان فكانت قطباً لها تدور عليها في جميع احوالها ثم ظهرت في صفو الانسان و كان ادم7 حامل تلك الصفوة بل هي ذات تقوّمت بنية ادم بها فتشعّب من ذلك القشر قشور كثيرة و هي اولاد ادم7 الي ان صار اصفاها و اعلاها حاملاً لتلك الصفوة المنتقلة من ادم7 اليه وهكذا كانت القشور حاملة لتلك الصفوة و محلاً للقطب الي ان استعدّ العالم لظهوره و لاشراق نوره من غير حجاب فظهر القطب اي تلك الصفوة الطاهرة قدانسلت من تلك القشور.

و بالجملة ٭ ضاع الكلام فلا سكوت معجب ٭

 

«* جواهر الحکم جلد صفحه 332 *»

و اعلم اني مايمكنني ان اظهر مااريد من هذه الكلمات و ابيّنه صريحاً بظاهر العبارات من جهة عدم احتمال الناس من اهل الطبايع الغير الناضجة او الطبايع الخامدة او القلوب القاسية فيسارعون الي الانكار و قد قالوا: لاتتكلّم بماتسارع العقول الي انكاره و ان كان عندك اعتذاره و قال مولينا الصادق7 ماكل‏ما يعلم يقال و لا كل‏ما يقال حان وقته و لا كل‏ما حان وقته حضر اهله هـ فاذن لايجوز الكلام في امثال هذا المقام الاّ مرموزاً و (او خ‏ل) مستوراً مقنّعاً بالاستار و الحجب لينتفع به العالم الفطن و يصون عن الجهال و اشباه العلماء ولو اذن لنا في الكلام لكان البيان علي غير هذا النمط قال مجنون العامري:

و مستخبر عن سرّ ليلي اجبته   بعمياء من ليلي بلا تعيين
يقولون خبّرنا فانت امينها   و ما انا ان خبّرتهم بامين

ولكني اقول اذا فهمت ان الائمة: سيّما فخرهم و اميرهم و سيّدهم اميرالمؤمنين7امر اللّه الذي قامت به الاشياء كلّها قياماً عضدياً ركنيّاً و الاشياء حقيقتها مركّبة من نور ذلك الامر و من الحدود المعيّنة المشخصة سهل لك معرفة المراد و تمحّض لك التصديق لقوله7 في الدعاء لايري فيه (فيها ظ) نور الاّ نورك و لايسمع فيها صوت الاّ صوتك و قد علمت ان ايّدك اللّه و وفّقك لمعرفة ائمتك: ان ليس للّه نور سواهم و ليس له صوت غير صوتهم لان اللّه سبحانه قرنهم بنفسه و اقامهم مقامه و قال بلطيف الاشارة اشارة الي هذا المقام و ماقدروا اللّه حقّ قدره و الارض جميعاً قبضته يوم القيمة و السموات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالي عمايشركون و لا ريب ان يمين اللّه تعالي ليست الاّ عليّاً7 و هو يد اللّه اتفاقاً من الفرقة الناجية من الشيعة و قد قال عزّوجلّ بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فاذا كان الانفاق باليد فليس في الموجودات الاّ اثر اليد و نورها فالاشياء كلّها لديها معدومة و الاختلافات /هناك ترجع (ترجع هناك خ‏ل) الي كمال الوحدة بل تبطل و لا حـسّ لها الاّ بها و اليه الاشارة بقوله عزّوجلّ و خشعت الاصوات للرحمن فلاتسمع الاّ همساً و هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 333 *»

معني ماورد انّ مولينا عليّاً7 يوم العرض الاكبر تقف الخلائق كلّها جاثية بين يديه عند الحساب و هو7 يتكلم بكلام واحد يجري ذلك الكلام الواحد في كل شخص بما هو عليه من الاحوال السعيدة او الرديّة من اصحاب اليمين او اصحاب الشمال و كلّ منهم يري انه7 يقرأ صحيفة عمله و معني ذلك في هذا المقام هو ظهور ذلك النور الواحد المشرق من صبح‏الازل علي هياكل الكائنات و حقايق الموجودات من الممكنات و المكوّنات و ذلك النور يظهر في كل حقيقة علي ما هي عليه كالوجه الواحد المقابل للمرايا الكثيرة و كالنفس الخارج من الجوف المنقطع بالقلع و القرع و الضغط بالحروف و كالمداد الظاهر بالكتابة و الواحد المتشأّن بالاعداد و ذلك النور اثر من شعاع علي7 في الانسان و شعاعه في الكروبيّين فافهم ان كنت تفهم والاّ فاسلم تسلم و لاتنكر قدرة اللّه في اوليائه.

فظهر لك معني قوله7 نحن النذر الاولي بالوجوه الثلثة: احدها انهم النذر حقيقة اولية و ماسويهم نذر بالحقيقة الثانية التي هي بعد الحقيقة فالانبياء نذر من اللّه بواسطتهم و مؤدّون عن اللّه تعالي شريعة محمّد9 الي الخلق بواسطتهم كما في باطن قوله تعالي اي في باطن الباطن عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم مابين ايديهم و ماخلفهم و لايشفعون الاّ لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين و اذا لاحظت تفسير ظاهر الظاهر انكشف لك سرّ باطن الباطن و تلك الملاحظة في الضماير و الدليل علي هذا التفسير كلام مولينا اميرالمؤمنين7 في وصف النبي9 اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لايحيط به خواطر الافكار فعلي هذا /من ادّعي احد من الانبياء انهم يؤدّون عن اللّه سبحانه و يأخذون بدون واسطة محمّد و اله9 فقد ادّعوا الربوبية و الالوهية لانفسهم حيث اعرضوا عن اللّه سبحانه و رأوا انفسهم مستقلّين قال تعالي رفيع‏الدرجات ذو العرش يلقي الروح من امره علي من يشاء

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 334 *»

 من عباده لينذر يوم التلاق و قد قالوا ان اسم رفيع‏الدرجات هو الامام7 لانه اسم اللّه كما في الزيارة السلام علي اسم اللّه الرضي و قد قال علي7 انا الروح من امر ربي فقد ثبـت هنا مقامان: مقام البيان و مقام المعاني.

و ثانيها ان النذر هم الانبياء المتقدّمون و هم اشباح ال‏محمّد9 و امثالهم يحكون عنهم و هم: يوصفون بهم كما مـرّ.

و ثالثها انهم هم الانبياء ولكنهم متقوّمون بهم اي بمثالهم اي ليسوا الاّ ذلك المثال و لا حقيقة لهم مستقلّة في حال من الاحوال كما مثّلت لك بالقلب و الانسان و المداد و الحروف و النفس و امثال ذلك من الامثال مماضربه اللّه للخلق ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حي عن بيّنة و قد اشار الي تلك الدقيقة الشريفة بقوله7 فيماتقدّم انا الامل و المأمول ولو اردنا شرح حقيقة الحال في هذه الوجوه الثلثة سيّما الوجه الثالث لأدّي الي بسط عظيم في المقام بتمهيد مقدّمات لاينبغي اظهارها و ابرازها لعامّة الناس فتركناها و ان اشرنا الي شي‏ء منها لئلايحرم اهله.

قوله7 نحن الاخرة و الاولي الاخرة هي العود و الاولي هي البدء و لمّا كان العود هو البدء و كانت الاخرة هي الاولي كماقال عزّوجلّ كما بدأكم تعودون انما انّث الصيغة لبيان انهما صفتان للدار اي الدار الاخرة و الدار الاولي و قد دلّ العقل و النقل علي ان عليّاً7 و الائمة: هم البيوت التي اذن اللّه ان‏ترفع و يذكر فيها اسمه كمافي قوله تعالي في بيوت اذن اللّه ان‏ترفع و يذكر فيها اسمه يسبَّح له فيها بالغدوّ و الاصال رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه علي قراءة المبني للمجهول في يسبَّح فيكون رجال خبر لمبتداء محذوف اي تلك البيوت رجال و هم الائمة: و في كتاب الاحتجاج للطبرسي عن الاصبغ بن نباته قال كنت عند اميرالمؤمنين7 فجاءه ابن‏الكوّا فقال يا اميرالمؤمنين قول اللّه عزّوجلّ ليس البرّ بان‏تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقي و اتوا البيوت من ابوابها فقال7 نحن البيوت التي امر اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 335 *»

 ان‏يؤتي من ابوابها نحن ابواب اللّه و بيوته التي يؤتي فيها فمن بايعنا و اقرّ بولايتنا فقد اتي البيوت من ابوابها و من خالفنا و فضّل علينا غيرنا فقد اتي البيوت من ظهورها فاذا كان الائمة: هم البيوت فقد جـاء تأويل قوله تعالي ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً و هدي للعالمين و علي7 هو اول البيوت و قد وضع في الكعبة المشرّفة زادها اللّه شرفاً و تعظيماً و انما كانوا بيوتاً لانهم سلام اللّه عليهم حووا اثار الربوبية و جمعوا احكام الالوهية و عندهم اجتمعت الخيرات كلّها و خزنت الانوار باسرها و حفظوا اسرار العلوم الالهية و وسعوا ظهورات ربّ البرية كما قال عزّوجلّ ماوسعني ارضي و لا سمائي بل وسعني قلب عبدي المؤمن و العبد المؤمن هو محمّد9 اصالة و اهل‏بيته الطاهرون: بالبدلية فلمّا افيضت الانوار و الاسرار و الفيوضات الواردة علي ذرّات الكائنات ظهرت فيهم: و هم محل تلك الانوار و مهبط تلك الاسرار فسمّاهم اللّه بيتاً لكونهم مسكن علومه و اسراره فاطلاق البيت عليهم: حقيقة لا مجاز ثم لمّا ظهـر ذلك المعني في هذه المساكن المعروفة سمّيت بها مجازاً او حقيقة ثانية بعد تلك الحقيقة الاولية و انما هي حقيقة مجازاً و مجاز حقيقةً فهم: هم الدار الاولي لانهم المبدأ حيث خلقهم اللّه سبحانه قبل خلق الخلق باربعة عشر الف دهر و الاحوال الثابتة في رتبة الخلق كلّها لهم في مقام التفصيل و العقل الكلّي باطواره و شئوناته الذاتية و العرضية الذي قد حصـل البدء في كلّ مرتبة و مقام باقباله الي الخلق هو تفصيل من تفاصيل احوالهم و اثارهم و هو اول من ذاق الباكورة في (من خ‏ل) حدايقهم و هو اول فتق وقع في الجوّ المرتوق من صفاتهم و انوارهم فهم: اذن بالمبدئية اولي و بالاولوية احري و لمّا كانت الموجودات كلّها اوعية رحمة اللّه سبحانه و خزائن فيضه و هم: اوسع الاوعية و اشرف الخزائن بل لا خزينة معهم و لا وعاء غيرهم عندهم فكانوا هم الدار الاولي و كلّ اول هو الاخر لان الاخر هو عود الشي‏ء الي الكمال و الكمال هو القرب الي المبدأ و ليس اقرب الي المبدأ

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 336 *»

بالنسبة الي الشي‏ء من مبدء ذاته فاذن عوده هو عين ظهور بدئه فالاخرة هي الاولي حقيقة و ذلك ان (لان خ‏ل) اللّه سبحانه لمّا خلق الخلق خلقهم في الخلق الاول علي اكمل مايقتضي كينونتهم و يستدعي هويّتهم و لاتمكن رتبة فوقها و غيرها و لمّا امرهم بالادبار ظهرت فيهم ظلمة الادبار و كثافة تصرّف (تطرّق خ‏ل) الاغيار و كدورة دوران الليل و النهار فلمّا بلغ الكتاب اجله و وصل الامر مستقره امره بالاقبال و معناه دفع تلك الظلمة و رفع تلك الشبهة فيعود كما كان قد بدئ فيلحق ببدئه فبدؤه هو عين عوده فالدار الاخرة التي هي في ظاهر الجنة و نعيمها او (و خ‏ل) النار و اليمها هي بعينها هي الدار الاولي التي هي اول تنزل العقل الكلي الي اخر مقامات الادبار الي نهايات مقامات الاقبال الجسماني الدنياوي فعود الاجسام الي بدئها الجسماني و هو عين عودها و كذلك الارواح و النفوس و الطبايع و المواد و ال‏محمّد صلّي اللّه عليهم هم المبدأ علي جهة الاطلاق و هم المنتهي اما في انفسهم عند انفسهم فظاهر لانهم:قد بدئوا من نور العظمة و نور الذات و هما عين حقيقتهم لانّه سبحانه ما حـلّ فيهم العياذ باللّه و لا تعيّن و تصوّر بصورهم و هياكلهم و انما خلقهم لا من شي‏ء بل خلقهم بهم و اقامهم في اظلّتهم (ظلّهم خ‏ل) و اسكنهم في دار محبته و رضاه التي هي عين هويّتهم كما قال7 في النفس الملكوتية الالهية انها هي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنّة المأوي فتلك الذات هي الجنة و هي الشجرة و اما عودهم فهو عروجهم الي تلك النقطة التي هي عين بدئهم و صعودهم الي تلك الذروة التي هي ذاتهم فكانوا: هم الاولي و هم الاخرة و لا شكّ ان الشي‏ء لاينتهي الي الذات البحت القديمة فانها متعالية عن الاقتران و منزّهة عن الاتصال فعود الشي‏ء الي ما بدئ منه من حقيقة ذاته و لمّا كان تلك الحقيقة مثال اللّه الملقي في هويات الكائنات و ذلك المثال لا تذوّت له بذاته و انما هو حكاية و صفة و اية لغيره قيل ان الاشياء تعود الي اللّه و تصير اليه كما في قوله تعالي انا للّه و انا اليه راجعون والاّ فقد قال7 انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و قال7 رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 337 *»

 و اما انهم بدء الاشياء و عودها فلانّ الاشياء كلّها قد خلقت من شعاع انوارهم و فاضل اثارهم فذاتهم لمعة من نور (انوار خ‏ل) اجسامهم: و تلك اللمعة قد تطوّرت باطوار مختلفة قد ظهرت في كلّ طور بظهورها في مرتبة فاذا خلص الشي‏ء عن مرارات شدة الادبار رجع الي الاقبال و هو الوصول الي تلك الحقيقة و اللمعة فلايتعدّاها ابداً و هي لاتحكي غير مثالهم و صفتهم: فبدء الاشياء منهم اي من نورهم و عودها الي ذلك النور و من جهة ان ذلك النور انما هو وصفهم و مثالهم كان بدؤها و عودها اليهم لان ذلك المثال لايدلّ الاّ عليهم و لايرجع الاّ اليهم و اما الكفار و اصحاب النار فانهم قد خلقوا من الظلمة الحاصلة من عكس انوارهم و الاعراض عن اثارهم كماقال تعالي فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و عود الظلمة الي نفس النور من حيث هو نور و يسجدون للشمس من دون اللّه فلا قوام لها الاّ بالنور و لا قوام للنور الاّ بالمنير و لا منير في الوجود سواهم أماسمعت مافسّر مولينا الصادق7لفظ الجلالة فقال7 الالف الاء اللّه علي خلقه من النعيم بولايتنا و اللام الزام خلقه ولايتنا و الهاء هوان لمن خالف ولايتنا هـ و هو قوله7 في الزيارة بكم فتح اللّه و بكم يختم هـ فهم: الفاتح و هم الخاتم و الخاتم هو عين الفاتح و بالعكس كما ان الختم هو عين الفتح و بالعكس و الدار الاخرة هي رجوع الاشياء في العالم الكلّي الي مباديها في اليوم الذي خلقه اللّه عليها أماسمعت ان النبي9 دخل الجنة و النار ليلة المعراج و تلك الدار هي ظهور شأن من شئون (شئونات خ‏ل) علي7 و طور من اطواره فسمّيت باسمه و قيل لها الاخرة و كذلك الدنيا و الاولي قديراد بهما الترادف اي يراد بهما معني واحد و هو العالم الكلّي ايضاً بعد كمال الادبار و قبل نهاية الاقبال انما قيل لها الدار لماذكرنا من انها مجمع الشئون الربوبية و مخزن اسرارها و انما قيل لها الاولي لانها المبدأ و الدنيا لانها ادني من الدنوّ بمعني القرب و قديراد بالاولي ماذكرنا و هو دنيا بلاغ و بالدنيا دنيا ملعونة و هي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 338 *»

مقتضيات الادبار و ظهورات اشباح المدبر الحقيقي و لمّا كانت الدنيا في اغلب احوالها يراد بها المعني الثاني مانسبوها الي انفسهم الشريفة:لانها حينئذ ظلّ كينونتهم تدور علي خلاف جهتهم و تشتهي خلاف مراداتهم فهي حينئذ الشجرة الخبيثة المجتثّة من فوق الارض مالها من قرار و لذا كانت تنسب في اغلب الاستعمالات و اكثر المواد الي الاعداء كما في قوله تعالي بل تؤثرون الحيوة الدنيا و هي ولاية الاوّل و الثاني و اتباعهما و الاخرة خير لك و هي ولاية علي7 و قوله تعالي كلاّ بل تحبّون العاجلة و هي ولاية الاعداء و تذرون الاخرة و هي ولاية علي7 و قوله تعالي من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها مانشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموماً مدحوراً و من اراد الاخرة و سعي لها سعيها و هو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكوراً و بالجملة فالاخرة في كل موضع من القرءان يريد بها عليّاً7 و ولاية الائمة: و الدنيا اغلبها دنيا ملعونة و كلّها يريد بها ولاية مخالفيهم و ظالميهم: فمن هذه الجهة مانسب الي انفسهم الشريفة الدنيا لمكان هذه الشبهة و انما ذكر الاولي لكونها اعمّ حيث تشمل بدء كينوناتهم: في القابلية الاولي في الخلق الاول بل قبلها في اطوار اللانهاية و احوال اللابداية الي ازل الازال (ازل الازل خ‏ل) و ابد الاباد (ابد الابد خ‏ل) حيث مااراد اللّه و شاء في مكنون علمه و مخزون سرّه بغيب محبته الي اول التعيّن و التقيد ظهور العقل الاول و اول الادبار و النزول الي نهاياته و اخره في مقام الجماد و يشمل ايضاً بدء صعوده الي اول الدنيا و هي محدودة بخلق ابينا ادم7 و نزوله الي هذه الارض الي فناء العالم اي موت الانسان الكبير اي رجوعه الي ماكان قبل خلق ادم7 و مجموع هذين الحدّين علي ما في بعض الاخبار مائة الف سنة عشرون الف سنة دولة الباطل و ثمانون الف سنة دولة اهل الحق فعلي هذا تدخل الرجعة و قيام القائم7في الدنيا كماتـدلّ عليه الاخبار الكثيرة و يشهد بصحّتها صحيح‏الاعتبار الاّ ان هذه الدنيا دنيا بلاغ لا دنيا ملعونة مماقال7 الدنيا مزرعة الاخرة و قال تعالي من كان يريد ثواب الدنيا فعند اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 339 *»

 ثواب الدنيا و الاخرة فلو اقتصر7 بذكر الدنيا لتبادر الي غير مايراد مع /انها ليست فيه (انه ليس فيها خ‏ل) دلالة علي هذا العموم المراد في هذا المقام مع ما في لفظ «الاولي» من الاشارة الي الاولية و القطبية و غيرها من المحسنات التي يطول بذكرها الكلام و بماذكرنا كفاية لاولي‏الالباب من اولي‏الافهام.

و الاخرة تشمل مابعد الموت الاكبر للانسان الاكبر و وصول كلّ شي‏ء الي محله و رجوع كلّ فرع الي اصله و لحوق كلّ مسبّب بسببه من اول مقام الفرق في اخر مرتبة المزج و الخلط في اول الحشر الي ان‏يتصفّي من الخلط و المزج بوصول اهل الجنة اليها و اهل النار اليها ثم في مقامات الفرق في الجنة من اول اغتسالهم في عين الكافور و شربهم من ماء السلسبيل و وقوفهم علي الكثيب الاحمر و استراحتهم في الرفرف الاخضر و سلوكهم في ارض الزعفران و قيامهم مقام الاعراف و سيرهم فيه الي ان‏ينقطع بهم السير في مقام (مقامات خ‏ل) الفرق و جاء حكم الوصول و الاتصال في مقامات الجمع بظهورات المحبوب و تجليات المطلوب و فناء المحبّ في محبوبه و الطالب في مطلوبه في الوجدان /و الوجود (لا في الوجود خ‏ل) و هو مقام الرضوان الذي هو اكبر ثمّ سيرهم في تلك المقامات بتكرار التجلي و الظهور و الصحو بعد المحو و المحو بعد الصحو و الحضور بعد الحضور و القرب بعد القرب و الوصل بعد الوصل كماقال عزّوجلّ كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبّتي غاية و لا نهاية و هو قوله7ان اللّه اعدّ لعباده الصالحين ما لا عين ذأت و لا اذن سمعت و لاخطـر علي قلب بشر فانه يريد7 ماذكرنا من حكم اللانهاية فوق رتبة القيود من عالم الوجود المقيد حيث يقول7 و لاخطـر علي قلب بشر فان القلب هو اعلي مقامات الوجود المقيّد و هو «انا» و هو اول زوج تركّب.

و بالجملة كل ذلك مقامات الاخرة و مراتبها و كلّها علي7 و الائمة الطاهرون:لوجهين بل لثلثة وجوه: احدها ان الاخرة هي الائمة: حقيقة لانهم هم (هي خ‏ل) الاولي حقيقة و هذه الاولي و الاخرة المعروفتان حقيقة ثانية عرضية لانهما شعاعهم و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 340 *»

لايلحق المنير ألاتري انك تقول ان في البيت سراجاً و لاتقول ان فيها سراجاً و اشعّة مع ان الاشعة لا شك انها موجودة لكنها لاتجامع السراج و لاتدخل معه في عـدّ و لا حساب و كذلك الاخرة و الاولي هم الائمة: حقيقة لانهم المبدأ لكل شي‏ء و انهم المنتهي كما في الزيارة ليس وراء اللّه و وراءكم يا سادتي منتهي و انهم الدار و البيت التي سكنت فيها الفيوضات الربانية و التجلّيات الصمدانية و هم عيبة علم اللّه و مخزن سرّ اللّه و مهبط نور اللّه و محل مشية اللّه و موضع ارادة اللّه كما في الزيارة ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم و يصدر من بيوتكم الصادر لما فصّل من احكام العباد و هم بيت معرفة اللّه و هم البيوت التي قداتّخذت من الجبال و الشجر كما في قوله تعالي و اوحي ربك الي النحل و هو رسول‏اللّه9 لانه منتحل العلم و الدين و المعرفة و المحبة و التوحيد ان اتّخذي من الجبال و هم الائمة: لانهم اوتاد ارض القابليات و اعلام الحق و الهداية لاهل الارضين و السموات و حاملوا الحرارات الواردة من المبدأ الاول من الفيض الاول الواصلة اليهم بواسطة سماء النبوة و نجوم خصوصيات الالهامات النبوية بصلابة القوة و الحفظ و العزيمة و السكون و عدم نفوذ الغير فيهم بميل او هوي و عدم ظهورها للغير منهم و بهذا كانوا: كما وصفهم اللّه سبحانه و بئر معطّلة و قصر مشيد قال الشاعر:

فالقصر مجدهم الذي لايرتقي   و البئر علمهم الذي لاينزف

و بذا كانوا جبالاً كماقال الخضر7 في مرثيته لاميرالمؤمنين7 كنت كالجبل لاتحركك العواصف و قال تعالي أفلاينظرون الي الابل كيف خلقت و الي السماء كيف رفعت و الي الجبال كيف نصبت و الي الارض كيف سطحت فالجبال في الباطن هم الائمة: بيوتاً اي مسكناً و محلاًّ للعلوم التفصيلية كماذكرنا سابقاً ان النبي9 صاحب الاجمال و الولي و الوصي7 صاحب التفصيل كما ان الصدر بيت علم القلب و النفس بيت علم العقل كذلك الوصي بيت علم النبي صلّي اللّه عليهما كماذكرنا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 341 *»

في قوله7 و علّمته علمي و علّمني علمه فالنبي9 كالقلب و علي7 كالصدر و الائمة صلّي اللّه عليهم كالحواس و القوي و المشاعر و فاطمة الصديقة3 هي كالجسد الحاوي للكل و الواعي للجلّ و القلّ فهم: بيوت علم النبي9 كما ان النفس و القوي و الحواسّ بيوت علم القلب و مخزن العلوم التفصيلية و ذلك ظاهر ان شاء اللّه تعالي و من الشجر و هو علي7 لانه شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنّة المأوي و قد ورد ان شجرة الخلد او سدرة المنتهي في بيت علي7 و ليس في الجنة بيت الاّ و فيها غصن من اغصانها انما كان شجرة لانه قد ظهـر منه اثناعشر غصناً من الاغصان الكلية في الولاية الكلية و ممايعرشون و هي فاطمة الطاهرة الصديقة علي ابيها و بعلها و بنيها و عليها الصلوة و السلام لانها الصلوة الوسطي الرابطة بين النبوة و الولاية و هنا ظهر ما في ليلة المعراج حين ماقال جبرئيل7 له9 يا محمّد لقدوطـأت موطأً ماوطأه قبل لا ملك مقرّب و لا نبي مرسل قف فان ربّك يصلّي قال9 و كيف يصلّي قال يقول سبوح قدوس انا رب الملائكة و الروح و من معاني هذه الصلوة هي وصل النبوة بالولاية و ذلك الوصل كان منها تزويج فاطمة3 من علي7 فهي العريشة الرابطة بين الجدارين جدار النبوة و جدار الولاية فكان اولاد النبي9 من علي7 بفاطمة و يظهر مماذكرنا تأويل تمام الاية اذ بالبيان مشروحاً يطول به الكلام و الاشارة كافية.

فظهر لك بعون اللّه انهم البيوت حقيقة و انهم الاخرة و الاولي علي الوجه الاول و ذلك كالصلوة فان الصلوة حقيقة اسمهم: كما قال اللّه تعالي و استعينوا بالصبر اي النبي9 و الصلوة و هي علي اميرالمؤمنين7 و انها لكبيرة اي ولاية علي7 لكبيرة الاّ علي الخاشعين الاية و قال7 انا صلوة المؤمنين و صيامهم و قال الصادق7 علي مارواه في بصائرالدرجات للصفار نحن الصلوة و نحن الزكوة و نحن صوم شهر رمضان الحديث فالصلوة و غيرها من الاسماء الطيبة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 342 *»

كلّها حقيقة اسمهم اللفظي حقيقة كما في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه و هذه الصلوة المعروفة ذات الاركان و الاوضاع هي صفتهم و ايتهم سمّيت باسمهم من حيث حكايتها لذلك المسمّي بتلك الجهة فلايقوم فرع الاّ باصله و لايتحقق صفة الاّ بموصوفها و لايكون موصوف الاّ بالصفة فلا ولاية لهم: الاّ بهذه الافعال و كذلك لا ظهور لهم الاّ بها فالصلوة اسم لهم: حقيقة ثم وضعت لحقيقتك حقيقة ثانية ثم وضعت لفعلك الخاص حقيقة ثالثة ثم وضعت للدعاء حقيقة رابعة او من باب التشكيك فافهم ارشدك اللّه للصواب و هكذا حكم كلّ خير و نور و كذلك الاولي و الاخرة فانهما لهم حقيقة لكنها لمّاظهـرتا في مقام التفصيل الظهوري بتلك الاطوار و الاحوال سميت بهما بنحو من الاعتبار لمادلّ عليه الدليل العقلي و النقلي انّ ما في السافل تفاصيل ظهورات العالي فكل‏ما في السافل مفصّلة كان في العالي مجملة و لمّا كان الاسم جهة التمييز (التميّز خ‏ل) و البيان فاذا ميّز كان الاسم للعالي حقيقة و للسافل اما مجازاً او حقيقة ثانية كما ذكرنا و اعلم اني ربما اردّد الكلام للتفهيم و البيان لغموض المسألة و صعوبتها.

و ثانيها ان‏نحمل الاولي و الاخري علي معنييهما المعروفين كماتقدّم فكونهم:حينئذ الاولي و الاخرة كماتقدّم في قوله7 و نحن النذر الاولي لان الخلق كلّهم بجميع احوالهم و شئونهم و اطوارهم الحسنة الجميلة صفاتهم و اسماؤهم و لباسهم فيسمّون باي اسم شاءوا و يوصفون باي صفة ارادوا و يلبسون اي لباس اختاروا لهم الامر و الحكم هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب لكنهم: يجرون الصفات و الاسماء علي حسب الحكم و المصالح و مقتضي المصلحة و الوقت و الجهة و الرتبة و ساير الشرايط و المكمّلات و المتمّمات من اللوازم و الاسباب و ساير حدود القابلية كما اذا كان لك صفات كثيرة كالعالم و العادل و الطيّب (الطبيب خ‏ل) و القائم و الضارب و الناصر و امثالها تصف نفسك باي صفة اردت او شئت ممااقتضت المصلحة فكذلك الخلق كلّهم صفات لهم اما بالذات او بالتأويل و بعبارة اخري

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 343 *»

كلّ الخلق يحكون اما توصيفهم بصفات الكمال او تنزيههم عن صفات النقصان فلهم: مقامان و كذا كلّ عالٍ مع سافله اما ان‏يرقوا السافل الي مقام الصفتية فيتّصفون بها اي يصفون انفسهم بها كما في امثال هذه الخطبة الشريفة و انما قلت هكذا تعمية عن الاغيار والاّ ففي كل شي‏ء يوجد ذلك التوصيف و قد وصفوا: لذلك انفسهم الاّ انّ بالتصريح يرتاب الجاهلون و يستظهر المعاندون او ان‏ينزلوا الي مقام السافل فيجرون علي انفسهم الشريفة احكامهم و احوالهم كما قال علي7 في حديث الطست و الابريق اللذين اوتي بهما له7 من الجنة ليتوضّأ حين شكّ في وضوئه قال7 شككت في وضوئي فذهبت اتوضّأ و الحق صلوة الجماعة مع رسول‏اللّه9 و كذلك احكام الخلق ممايوهم الشك او السهو او النسيان او المعصية او التعليم من الملائكة او الغفلة او ساير الاحوال فان كل ذلك احوال السافلين اجروها علي انفسهم اما كرامة لهم كما قال تعالي لموسي يا موسي مرضت فلاتعودني و كان المريض ولي (وليّاً ظ) من اولياءاللّه و قال تعالي في حديث برخ الاعور انه يضحكني كلّ يوم ثلث مرات هـ اي يضحك اوليائي و الي هذا ناظر قوله تعالي ليغفر لك اللّه ماتقدّم من ذنبك و ماتأخّر فانه9 جعل ذنوب شيعة علي7 ذنوبه فاستغفر لذلك و بكي و تضرّع تتميماً لقابليّتهم فغفر اللّه سبحانه له ذلك الذنب الذي نسبه الي نفسه الشريفة والاّ فحاشاه عن الذنب صلّي اللّه عليه و اله.

و علي هذا سهل عليك (لك خ‏ل) معرفة ان طلحة اصيب من مروان (/بن خ‏ل) الحكم لعنه‏اللّه مع انه قال رماني علي بن ابي‏طالب7 لانه7 اجري فعله بيد ذلك الخبيث لقوّة المناسبة بين القاتل و المقتول و لشدة التبكيت ولكن لمّا كان دار الاخرة دار العود الي اللّه سبحانه انقطعت ملاحظة الاسباب و يشاهد المسبب وقع (و قطع خ‏ل) نظر طلحة الي المسبب (السبب خ‏ل) و هو المثال المقلي منه في هويات الكائنات و حقايق الموجودات في كلّ الذرات و قطع النظر عن الحامل و اليد و الالة علي المعني الذي عندنا لا كما يقوله الاشاعرة و قتل علي7 طلحة بذلك الخبيث كقتل اللّه سبحانه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 344 *»

بني‏اسرائيل ببخت‏نصّر فان اللّه سبحانه انتصر بذلك الكافر دينه و اخذ به ثار يحيي المظلوم الشهيد المقتول و هذا مثاله في هذه الامة و اما حقيقة الامر فالذي اجري فعله بيد مروان بن الحكم هو الذي اجري فعله بيد بخت‏نصّر لان عليّاً7 يد اللّه العليا و كلمته الحسني و وجهه الاعلي و مقامه الذي لا تعطيل له في كلّ مكان فلا قوام للشي‏ء الاّ بالوجه كلّ شي‏ء هالك الاّ وجهه له الحكم و اليه ترجعون و قال سيدالساجدين7 في دعاء الحريق و ان كلّ معبود ممادون عرشك الي قرار ارضيك (ارضك ظ) السابعة السفلي باطل ممضمحلّ ماخلا وجهك الكريم فانه اعزّ و اجلّ من ان‏يصف الواصفون كنه صفته او تهتدي العقول الي كنه عظمته الدعاء فاذا كان كذلك فلا استبعاد فيماقلنا و لا استعجاب فيماذكرنا أماسمعت حديث جبرئيل7 اذ دخل علي النبي9 فدخل علي7 فقام جبرئيل لتعظيمه و اجلاله فقال له النبي9 أتقوم لهذا الفتي قال كيف لااقوم و له علي حقّ التعليم قال9 و كيف كان ذلك فقال لمّاخلقني اللّه سبحانه و سألني من انا و من انت مااسمي و مااسمك قلت انت انت و انا انا اسمك اسمك و اسمي اسمي فاشتعلت (فاشتملت خ‏ل) علي حرارة الغضب فاحترقت اجنحتي و بقيت الي ثلثين الف سنة ثم ناداني اللّه سبحانه بما ناداني اولاً فاجبت ثانياً بالجواب الاوّل فاحترقت اجنحتي ثانياً فلمّا اتت النوبة في المرّة الثالثة ان‏يسألني ربي اتاني هذا الفتي و قال لي اذا سألك اللّه سبحانه فقل في جوابه انت الرب الجليل و انا عبدك الذليل اسمك الجليل و اسمي جبرائيل ثم سأله النبي9 كم مضي عليك من العمر فقال مااحسبه الاّ اني اعلم ان كوكباً يطلع بعد ثلثين الف سنة و قدرأيته ثلثين الف مرة ثم انّ عليّاً7 رفع عمامته الشريفة و اظهر ناصيته المباركة فقال7 هذا ذاك الكوكب يا جبرائيل فقال هو ذا بعينه واللّه نقلت الحديث بالمعني اذ /لم‏احفظه بلفظه (لم‏احفظ لفظه خ‏ل) و ذلك الكوكب ظهور من ظهورات علي7 بالهيمنة و التسلط و الخلق و الحرارة و البعث و الارسال و الانزال و يظهر ذلك فيمايشاء كيف يشاء بمايشاء و ذلك الاظهار كما

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 345 *»

قلنا لك من حكم التنزل في رتبة المعلول والاّ فالذي أري جبرئيل7 هو ممايناسب مقامه و اين هو من مقام الانبياء و اين الانبياء من مقامهم و اين الثريا من يد المتناول و قد نـصّ رسول‏اللّه7 ان سلمان افضل من جبرئيل في ذلك الحديث المشهور و لم‏يزل مثال علي7 مع كلّ الخلق من الانبياء و المرسلين و الملائكة المقرّبين و المؤمنين الممتحنين و ساير الخلق من الجن و الانس اجمعين الاّ ان الانبياء لمّا كان وجههم الاعلي دائم‏الالتفات الي مبدئهم و كذلك الملائكة تتمكّن لهم مشاهدة تلك الامثال و اما ساير الخلق فلايتأتّي لهم الاّ حين الموت او في الرؤيا او بعد انسلاخ شديد من الدنيا او اذا ارادوا: ذلك بالخصوص لحكم و مصالح كثيرة و المثال هو اية الممثّل بل لا فرق بينه و بينه الاّ انه عبده و خلقه فاذن يصـحّ ان‏يقول انا ذاك كمايقول زيد انا القائم فافهم.

و ثالثها ان‏نحمل الاولي و الاخري علي معنييهما المعروفين عند العامة و نجعل المراد من الضمير المنفصل «نحن» مقام القطبية و ظهور العلة المادية فانهم سلام اللّه عليهم بماظهروا في الهياكل المعروفة للخلق قلب للانسان الكبير و ساير الاعضاء كلّها من القلب و اليه و كلّها قشور له لا قوام لها الاّ به و لذا اذا فقدت تلك الهياكل عن وجه الارض فسـد الكون و انهدم النظام كالقلب اذا فسد او الحرارة الغريزية اذا قلّت و لذا اذا رفعهم اللّه سبحانه الي السماء في الرجعة بعد مابلغ الكتاب اجله يفسد العالم و يبقي في هرج و مرج اربعين يوماً الي الفساد الاعظم و هلاك (الهلاك ظ) الاكبر و فقدان الشعور و الاحساس بالمرة و هذا الوجه هو بعينه الوجه الثالث الذي ذكرنا عند بيان قوله7 نحن النذر الاولي فراجع اذ لايمكن الكلام عن هذا المقام الاّ مرموزاً مستوراً فكم من خبايا في زوايا فتدبّر فيماذكرنا كماذكرنا فانك تجد صحواً بلا غبار.

و قوله عليه الصلوة و السلام و نذر كلّ زمان و اوان لان كل ماسواهم: بجميع المراتب انما خلقوا و وجدوا من شعاع انوارهم و ظهور فاضل اثارهم و تقوّموا بهم: قيام صدور و قيام عضد و ركن و لمّا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 346 *»

كان الممكن لايستغني عن المدد في حال من الاحوال لمكان الاضمحلال و عدم الاستقلال و الفيض دائماً يرد اليهم من المبدء المفيض جلّ جلاله و الخلايق دائماً يقبلونه والاّ لانعدموا و بطلوا و لمّا كان الفيض في ذاته له اقتضاء و اثار و في قابلياتهم له اقتضاء و اثار و فيها بالنسبة الي المبدء له اقتضاء و اثار و بالنسبة الي نفسه له اقتضاء و اثار و كانت قابليات الخلق كلّها علي قسمين: قابلية توافق هيكل التوحيد و قابلية توافق هيئة الشرك بل القابليتان هما نفس الهيكلين ظهر الفيض في نفس قابلية الشرك بالنسبة الي مبدئه في حكم ذلك الشي‏ء بصورة الغضب فاثر في الشي‏ء في نفسه القساوة و الطبع و العماء و الصمم و الذلّ و الفقر و المسكنة و الاذيّة بانحائها و احوالها و اهوالها و بالنسبة الي حكم مبدئه فيه في الحكم الاوّلي قبل وقوع الخطاب و الامر اي تقيّد الفيض بالحدود المشخصة اللازمة ظهر ذلك الفيض من المبدء المفيض بطور النذير فذلك الفيض الالهي نذير من عذاب اللّه و سخطه عند وقوعه في الحدّ الظلماني من جهة كونه حاملاً للخطاب الالهي لا من حيث وقوعه في الهيكل الظلماني و غضب من اللّه سبحانه حسب جريانه علي مقتضي ذلك الهيكل بمناسبة (بملاحظة خ‏ل) نفسه المدبرة المقبلة الي وجهه الاعلي من حيث نفسه و لمّا كان ذلك الهيكل غير ناضج و غير متصل بالحرارة الغريزية الاصلية و انما هو بارد يابس من جهة النظر الي نفسه و فيه رطوبة للميل الي مبدئه من حيث نفسه لا من حيث مبدئه فلمّا اثرت تلك الحرارة اظهرت نتنها و خبثها و كثافتها و خبث رايحتها و مجموع ذلك الفيض و القابلية هو الشي‏ء المدبر القسي الغاسق المعرض المدبر فتحقق النذير عند وجود هذا الهيكل الشرير و قبله عند ذكره فلولا وجود هذا الهيكل و لا ذكره و لا امكانه و لا امكان حدوثه باقتضاء الطلبات و لا ذكر اسبابه و لا وجودها و لا تحقّقها لم‏يكن النذير ايضاً ولكن لايمكن عدم وجوده و لا عدم امكانه و ذكره والاّ لم‏يوجد الشي‏ء بل لم‏يمكن فان الحادث اذا حدث حصلت له جهتان: جهة الي ربه و جهة الي نفسه فانك تشير اليه و تقول هو حادث و لا شكّ ان جهة هويته غير جهة حدوثه فلو كان عينه بكل جهة لما صـحّ

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 347 *»

حمله عليه و لما جـاز ان‏تقول هو حادث فان الحمل لابدّ فيه من المغايرة و ان كان بالاعتبار لان النسبة لابدّ من تحقّقها بين الموضوع و المحمول فلو كان الموضوع عين المحمول حقيقة انتفت النسبة بارتفاع الاثنينية فلايصحّ قولك هو حادث او هو ممكن و هذا لا شكّ فيه و ليس من هذا القبيل قولك هو اللّه او هو واجب و غير ذلك من الحمليات و ان كان من هذا القبيل فافهم فانا لو تصدّينا لبيان وجه الفرق لاخرجنا عما نحن فيه.

و بالجملة اذا تحققت الجهتان كانت جهة الهوية نوعين: نوع يوافق الجهة الاولي في مقام الفرق و المقام الثاني والاّ ففي الجهة الاولي لا ذكر لشي‏ء (للشي‏ء خ‏ل) فيها حتي يصحّ التوافق او التخالف و تلك الموافقة في مقام الهوية باقتران ذلك الفيض و تلك الجهة العليا هي هيكل التوحيد لان الحادث المخلوق يجب ان‏يكون دائم‏النظر الي مبدئه اما بقيامه بامتثال اوامره و نواهيه و اجراء ساير احكامه و اما بخضوعه و خشوعه و ذلّه و فقره و مسكنته له و طلب الحوائج من عنده و اما ببينونته عمّاسواه و الدنوّ الي مولاه و طلب القرب اليه و الوصول بخدمته و ليس هذا الترديد من باب منع الجمع بل من باب منع الخلوّ و لكل جهة و مقام من هذه المقامات الثلثة احوال و اقتضاءات يصعب حصرها و ذكرها و لذا شرعت الصلوة التي هي عمود الدين علي هذا الهيكل فان فيها قياماً يشار به الي قيام العبد بخدمة مولاه و الامتثال لامره و نهيه و فيها ركوعاً يشار به الي خضوع العبد و خشوعه و ذلّه و مسكنته و الاشارة الي انه لايملك لنفسه نفعاً و لا ضرّاً و لا موتاً و لا حيوةً و لا نشوراً و فيها سجوداً يشار به الي مقام الدنوّ و البينونة عن الخلق و الفناء في ذكر مولاه و الاضمحلال عند جلال عظمته و بهذه الحدود الثلثة يتمّ هيكل الايمان و هو مرادنا بهيكل التوحيد و بهذا يظهر «انا» في قوله7 الهي كيف ادعوك و انا انا و كيف لاادعوك و انت انت.

و لمّا تحققت هذه الجهات الثلث النورانية ظهرت لكل جهة جهة ضدها في امكان وجودها في الخزانة السفلية الامكانية فكان ضد الجهة الاولي الكسالة و الامتناع عن الخدمة و طلب الراحة كما قال عزّوجلّ مالكم اذا قيل لكم انفروا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 348 *»

 في سبيل‏اللّه اثّاقلتم الي الارض ارضيتم بالحيوة الدنيا من الاخرة الاية و قال عزّوجلّ و اذا قاموا الي الصلوة قاموا كسالي يراءون الناس و لايذكرون اللّه الاّ قليلاً و كان ضد الجهة الثانية الاستكبار و ارتكاب القبايح و المناهي كما قال عزّوجلّ استكبرت ام كنت من العالين و قال عزّوجلّ افرأيت من اتّخذ الهه هواه و اضلّه اللّه علي علم و ختم علي سمعه و قلبه الاية و كان ضد الجهة الثالث الاعراض عن اللّه سبحانه و عدم التوجه اليه و نسيان ذكره و حرمانه عن مناجاته و قربه و الاشتغال بغيره كما قال عزّوجلّ الهيكم التكاثر حتي زرتم المقابر و باتمام هذه الحدود يتمّ هيكل الكفر و الشرك و النفاق و الشقاق.

و لمّا كان اللّه سبحانه حكيم يجري الاشياء علي مقتضياتها و اسبابها و يضعها في مواضعها و هو سبحانه سريع‏الحساب اقتضت حكمته سبحانه في (من خ‏ل) فيض الرحمة الواسعة ان‏يلزم علي اهل هذا الهيكل نتن ذاته و قبح صفاته و ردائة اعماله المقتضية للجحيم و الحميم و العذاب الاليم نعوذ باللّه من سخط اللّه و كذلك اقتضت حكمته البالغة ان‏يلزم علي اهل هيكل التوحيد ثمرات اعماله و حسن توجه ذاته لانه طيّب لاتصاله بالاصل الثابت فجميع الاحوال الناشئة منه كلّها علي وجه الصفاء و النورانية و التمامية و الكمالية في كل مقام يفرض و علي كل حال يتصور و ذلك هو النعيم و الجنة.

فلمّا خلق اللّه سبحانه امكان هذين الهيكلين و امكان مقتضيات هاتين النشأتين اراد سبحانه ان‏يظهر مستجنّات غيب الامكان الي عالم ظهور الاكوان و الاعيان و لمّا كانت الجهتان في ذلك العالم ذكريّتين يجب ان‏تكونا في عالم الوجود وجوديّتين كونيّتين فلذا خلق اللّه سبحانه الخلق في عالم التكوين من مزج هذين الهيكلين فالماء العذب الفرات من الهيكل الاول النوراني و الماء المالح الاجاج من الهيكل الثاني الظلماني فتحقق لكلّ شي‏ء حينئذ ميلان ميل الي الخير و الرشد و النور و ميل الي السوء و القبح و الظلمة و لمّا ان الوجه الاعلي هو الاعلي و هو المقصود لذاته و الجهة السفلي هي السفلي و هو المقصود بالعرض من باب المقدمة كان الميل الي الاعلي هو المطلوب في

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 349 *»

خلق الاكوان و اظهار مستودعات غيوب الامكان و لمّا كان الشي‏ء صار مختاراً بتلك الجهتين و اختيار احد المتساويين من غير جهة مرجّح خارجي مستحيل كما برهنّا عليه في ساير رسائلنا سيما الرسالة الموضوعة للردّ علي منكري القائل بالمناسبة الذاتية بين اللفظ و المعني جعل اللّه سبحانه لكل من الجهتين اسباباً و مرجّحات خارجيّة اما للاولي فمن جهة انها الاصل و المقصود لذاته و اما للثانية فمن جهة انها متممة للاولي و لا تقوّم في عالم الظهور الاّ بها و من جهة ان مئال الاولي الي النور و مئال الثانية الي الظلمة و طلب النور هو المطلوب و طلب الظلمة هو العذاب و الالم فبيّن اللّه سبحانه لهم ذلك حين برأ كينوناتهم بواسطة من برأ و خلق حقايقهم و ذواتهم به و تلك الواسطة هي ظهور نور المبيّن علي مثاله للمبيّن له في رتبة المبيّن له فهو ذاته المردودة اليه فافهم و ذلك المبيّن و الواسطة في العالم الاول هو محمّد9 فظهر بشيراً9 لكل احد ترتّب مقتضيات الجهة الاولي (عليهم ظ) ان عملوا علي مقتضاها و نذيراً لكل احد ترتّب مقتضيات الجهة الثانية عليهم ان عملوا بمقتضاها و هو الفرقان في مقام البشارة و الانذار و هو قوله عزّوجلّ تبارك الذي نزّل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً فهو9 نذير للعالمين جميعاً و العالم هو ماسوي اللّه فيكون نذيراً لكل ماسوي اللّه ترتّب احوال تلك الجهة و اثارها عليهم و قال ايضاً سبحانه و تعالي ياايّها النبي انّا ارسلناك شاهداً و مبشّراً و نذيراً و داعياً الي اللّه باذنه و سراجاً منيراً فلما خلق اللّه سبحانه الخلق و حشرهم في محشر واحد و اوقفهم في مجمع واحد ثم استخلص نبيّه9 بحقيقة ما هو اهله و انتجبه امراً و ناهياً و اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار فقال لهم عن اللّه عزّوجلّ الست بربكم و محمّد9 نبيّكم و علي7 وليّكم و الائمة الاحدعشر من ولده و فاطمة الصديقة صلوات اللّه عليهم ائمّتكم و هداتكم ثمّ بشّرهم9 بمايلزم هذا الاقرار من النعيم و اللذة و الحلاوة و المحبة و المسرّة بان كشف لهم عن باطن الكرسي علي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 350 *»

المعاني كلّها و اراهم و اشهدهم انفسهم و مايئول اليه امورهم من النعيم و المغفرة و الخير و البركة ان لم‏يتركوا مقتضي الجهة العليا الاولي و اراهم صور اعمالهم من الحور و القصور و صور اعتقادهم من الايصال الي التجلّي بعد التجلّي من النور الاعظم و الركن الاقوم (الاقدم خ‏ل) ثم انظرهم عمايترتّب عليهم من مقتضيات الجهة السفلي الثانية ان عملوا بمقتضاها بان كشف لهم عن باطن الصخرة اسفل السافلين و اراهم صور تلك الاعمال الرديّة و الافعال القبيحة من انواع الحيات و العقارب و ساير الموذيات و بيّن لهم ان هذه الصور و الحدود لمن انكر و عمل مقتضي تلك الجهة السفلي و هو قوله تعالي انا هديناه السبيل اما شاكراً و اما كفوراً و قوله تعالي انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سمعياً بصيراً و قوله تعالي و هديناه النجدين فلمّا عرض9 عليهم التكليف و بشّرهم بمرجوّ ثوابه و انذرهم عن محذور عقابه فقبل هو9 اولاً عن نفسه الشريفة فاجاب اولاً فقال يا رب بلي قبلت جميع ماكلّفتني و امرتني بلسان وحيك فصدقه اللّه سبحانه بذلك لمّا خرج الاقرار من كينونة ذاته و مستسرّات سرائر غيب حقيقته بابي هو و امي و صلّي اللّه عليه و اله و انزل سبحانه قوله تعالي امن الرسول بماانزل اليه من ربه فزاده سبحانه نوراً علي نور و سروراً علي سرور فاعطاه الوسيلة و الحوض و الشفاعة و الجنة و النار و جعل امر الخلق اليه و مرجعهم لديه و قال هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب و قال عزّوجلّ مااتيكم الرسول فخذوه و مانهيكم عنه فانتهوا و ذلك بعد ماامتحنه بالتكليف و وجد منه صدق العبودية ثم وصفه سبحانه باعظم الصفات و قال و انك لعلي خلق عظيم ثم قال عزّوجلّ اللّه اعلم حيث يجعل رسالته و لاتستبعد من انه9 كيف سئل و كيف اجاب لان اللّه عزّوجلّ قداوضح الامر و بيّن الحقيقة لمن نظر الي الدقيقة فقال عزّوجلّ كمابدأكم تعودون و قدذكرنا مراراً ان المراد بالاية الشريفة هو ان البدء هو عين العود او بينهما التطابق الكامل ان ابيت عن المعني الاول و قد دلّت اخبارهم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 351 *»

سلام اللّه عليهم ان عند فناء العالم و هلاك الخلايق يسأل اللّه سبحانه بلسانه اين الجبّارون و اين المتكبّرون و اين الذين اكلوا رزقي و عبدوا غيري لمن الملك اليوم ثم يردّ علي نفسه فيقول للّه الواحد القهّار و قد ورد في عدّة اخبار عنهم: انهم قالوا نحن السائلون و نحن المجيبون و هذا اشارة الي البدء فلايبقي اخيراً الاّ ماكان مخلوقاً اولاً و ماخلق الاّ بالتكليف و ماكلّف الاّ بالمكلّف الواسطة و لا مكلّف في القدم و الازل فيكون في الامكان و ليس سوي المخلوق الاوّل فعنده اجتمع الحكمان و التقي البحران قال تعالي ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن و المثال الظاهري هو الذي مثّلنا به مراراً من حالك عند تلاوتك القرءان علي فرض انك مخاطب به الان لا انه خاص بالحاضرين مجلس النبي9 فانك حين التلاوة لسان اللّه يخاطب اللّه نفسك بك و لذا تأمر اولاً ثم تقبل وهكذا هناك بعينه.

فان قلت كيف يقرّ لنفسه بالنبوة و للائمة بالولاية قلت الشي‏ء اذا لم‏يقرّ بواسطة الفيض بين المفيض و المفاض عليه لم‏يوجد و لم‏يتحقق و علي هذا يحمل قوله7 في الزيارة طأطأ كلّ شريف لشرفكم و بخع كلّ متكبر لطاعتكم و خضع كلّ جبّار لفضلكم و ذلّ كلّ شي‏ء لكم و اشرقت الارض بنوركم و فاز الفائزون بولايتكم فان ذلك خضوع تكويني و اقرار و خضوع غريزي ذاتي ضرورة ان كثيراً منهم مااقرّوا لساناً و لا جناناً علي حسب الظاهر و لمّا كانت الوسايط كلّها منتفية عنده9 سوي نفسه الشريفة فتكون هي الواسطة و الرابطة و هذا سرّ جارٍ في كل شي‏ء من الاشياء كما قال7 لاتحيط به الاوهام بل تجلّي لها بها و قال الكاظم7 ليس بينه و بين خلقه حجاب غير خلقه احتجب بغير حجاب محجوب و استتر بغير ستر مستور فيجب الاقرار لنفسه بانه نبي و رسول من اللّه اليه في مقام رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله.

اما الولاية لعلي و الائمة: لانهم علّموه علمهم بعد ماتعلّموا منه علمه علي مافصّلت عند قوله7 و علّمني علمه و علّمته

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 352 *»

 علمي ثم بعد اقراره و قبوله و اظهاره لهيكل التوحيد علي اكمل مايمكن في الامكان اقرّ و قبل علي اميرالمؤمنين7 بمثل اقرار النبي9حرفاً بحرف بحقيقة الكينونة و لبّ الهوية فلمّا قابل علي7 بكلّه فوارة النور و الفيض احاط النور بكلّه و جزئه و كلّ ذرات وجوده فقام محتذياً مثال النبوة فحكي ماكان يحكي النبي9 الاّ نفس التقدم و لذا لم‏يكن نبياً و كان وصياً ولياً فظهر بشيراً و نذيراً كما كان النبي9 وهكذا علي هذا النهج اولاده الطيبون و احفاده المعصومون كلّهم من جهة ذلك القبول الواسع العام و المقابلة الكلية ظهرت فيهم الاحكام الظاهرة فيهما و جري لهم ماكان جارياً لهما فظهروا مبشّرين و منذرين لانفسهم بانفسهم و ماكان خلق سواهم و لا حادث غيرهم فلما خلق اللّه الانبياء عليهم و: من شعاع انوارهم و فاضل اثارهم سلام اللّه عليهم فكلّمهم اللّه بلسان وحيه بماذكرنا و ظهر منهم صدق العبودية و الطاعة ظهر فيهم مثالهم و حكوا بحقيقة ذاتهم صفاتهم و كانوا بذلك انبياء و خلفاء اللّه (للّه خ‏ل) عزّوجلّ لظهور ذلك المثال المستدعي لخلافة اللّه سبحانه فيهم فاختلفوا بشدة المقابلة و ضعفها و اخلاص الولاء لهم و الانقياد لامرهم و عدم الاخلاص التامّ فاختلفت مراتبهم و مقاماتهم عند اللّه و عند الخلق فمنهم من صار اولوا (اولي ظ) العزم و منهم من لم‏يبلغ ذلك و هو قول العسكري7 قد صعدنا ذري الحقايق باقدام النبوة و الولاية و الكليم البس حلّة الاصطفاء لمّا عهدنا منه الوفاء و روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة فكان الانبياء علي نبينا و اله و عليهم السلام لقربهم الي انوار ائمتنا سلام اللّه عليهم و شدة الاخلاص في طاعتهم و محبّتهم مبشّرين و منذرين احكام الجهتين علي ماذكرنا و قرّرنا ولكن حكم الانذار لامكان الوقوع والاّ فمقتضي تلك الجهة السفلية غير واقعة و غير متحقّقة و الانبياء حينئذ تابعون و متلقّون الاحكام الالهية منهم في حجاب الكرّوبيين و الحكم حكمهم و الدين دينهم و الشريعة شريعتهم و كلّهم عاملون بتلك

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 353 *»

الشريعة و لم‏يكن فيها اختلاف لجريانها علي تمام الشرايط و المكمّلات و المتمّمات و كانت الانبياء: هنالك (هناك خ‏ل) رعاياهم و شيعتهم و يدلّ العقل المستنير بنور اللّه انهم حين نزولهم الي الدنيا ماتجري احوالهم المختصة بهم الغيرالمشوبة بشي‏ء من رعاياهم الاّ بشريعة نبيّنا9المعروفة عندنا و تشير اليها بواطن الاخبار ولكني لم‏اقف علي حديث صريح يدلّ علي الذي ذكرنا و لذا لااقول بذلك كغيره الاّ اني سمعت ممن اثق به انه وجد حديثاً بهذا المعني صريحاً و العلم عند اللّه ولكنه لاينبغي التشكيك انهم: ماخرجوا عن شريعة نبيّنا المحفوظة عند ائمتنا صلّي اللّه عليه و عليهم ابداً و لمّا خلق اللّه سبحانه سائر المخلوقين و كلّفهم بلسان وحيه بماكلّف الانبياء و اوصياءهم: فهم بين مقرّ و منكر فظهرت في هذه المرتبة اثار الهيكلين و مزاج البحرين و سرّ العالمين فبعث اللّه سبحانه الانبياء: نذراً اليهم علي حكم شريعة محمّد9 و نظم طريقته فالانبياء: و ان كانوا نذراً لكنهم بواسطتهم و تبعيّتهم بل من جهتهم و علي ولايتهم فالنذر علي الحقيقة هم الائمة: في كل زمان و اوان و الانبياء: و ساير الخلق ايضاً ان صفت لهم القابلية و ظهر فيهم نور الكينونة ليكونوا نذراً جزئية كلّهم السنة لال‏محمّد: و تراجمة لمانطقوا به للخلق و لمّا كان الخلق في اول الخلقة مانضجت طبايعهم و ماصفـت هويّاتهم فلم‏يقدروا ان‏يصلوا الي اهل‏البيت: فجعل الانبياء ابواباً و حجباً و استاراً فهم المتكلّمون من وراء الحجب (الحجاب خ‏ل) كما تكلّم اللّه مع موسي وراء الحجاب الذي هو علي7 و تكلّم علي7 مع موسي من وراء الحجاب الذي هو رجل من الكروبيين و كما تكلّم ذلك الكروبي مع موسي من وراء الحجاب الذي هو الشجرة فالمتكلّم هو اللّه سبحانه حقيقة و الوسائط كلّها مرتفعة منقطعة مضمحلّة هذا فيمايختصّ به سبحانه و اما فيمايختصّ به السفرة و الوسايط فالاصل و الحقيقة فيه هو نبيّنا9 و ائمّتنا سلام اللّه عليهم و ساير الوسائط و الحجب كلّها مرتفعة منقطعة و ذلك لاهل دليل الحكمة فانهم لايرون في

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 354 *»

الوجود متكلّماً او ناطقاً عن اللّه سبحانه سواهم: و يرون الانبياء السنة حاكية محضة فلاينسبون الي اللسان شيئاً ابداً و ينظرون الي قوله عزّوجلّ و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلّبهم ذات اليمين و ذات الشمال و في زيارة مولينا علي7 السلام علي مقلّب الاحوال و سيف ذي‏الجلال فهم: عندهم نذر كلّ زمان و اوان من بدء الوجود الي نهاية انقطاع الاكوار و الادوار في مقامات الليل و النهار و بعد انقطاعهما الي انقطاع الاطوار و الاوطار الي ما لانهاية له فلايرون لشي‏ء استقلالاً ابداً بحال من الاحوال سواهم و هو المراد من قوله7 لايري فيه نور الاّ نورك و لايسمع فيها صوت الاّ صوتك و من البيّن انهم: نور اللّه و صوتهم صوت اللّه او هم صوت اللّه فعلي هذا مااسخف قول من قال بجواز تقليد الميّت من المجتهدين فان المجتهد مثال و مرءاة لتجلّي حكم الامام7 فاذا مات و انكسرت المرءاة و انقطع اللسان فمن اين المقال فلا سبيل اليه بوجه ابداً لا بدءاً و لا استمراراً لان المكلف يجب ان‏يأخذ حكمه من امامه و سيّده7 و هو يخاطبه بهذا اللسان فاذا لم‏يكن هذا اللسان فلابدّ من الاصغاء الي لسان الاخر في الاعمال التي /توردها و تفعلها (يوردها و يفعلها ظ) بعد قطع ذلك اللسان و بالجملة فلا نذر عن اللّه سبحانه سويهم و كلّ ماسويهم السنة انذارهم كماذكرنا مردّداً لاجل التفهيم.

و اهل الموعظة الحسنة يرون ان الانبياء: لمّا كانوا اخذين عنهم و العاملين بشريعتهم فانذارهم تابع لانذارهم فهم المنذرون علي الاصالة و الذات و غيرهم بالتبعية و لمّا كان التابع عند وجود المتبوع منقطعاً و معدوماً كان اثبات الانذار لهم: حقيقة و هو المراد من قوله7 و نحن نذر كلّ زمان و اوان.

و اهل المجادلة لا حظّ لهم في معرفة هذه الخطبة المباركة ولو بالوجه الاسفل لانهم لايمكنهم النظر الي الشي‏ء من جهة الوحدة الحقيقية و لايتأتّي لهم النظر الي المتقدّم بنظر المتأخّر و الي المتأخّر بنظر المتقدّم و الي السافل بنظر العالي و الي العالي بنظر السافل و الي الواحد بنظر الكثير و الي الكثير بنظر الواحد و الي المركّب بنظر البسيط و الي البسيط

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 355 *»

بنظر المركّب و الي القريب بنظر البعيد و الي البعيد بنظر القريب و الي المتفرّق بنظر المجتمع و الي المجتمع بنظر المتفرّق و الي الجامد بنظر الذائب و الذوبان و الي الذائب بنظر الجامد و الي السماء بنظر الارض و الي الارض بنظر السماء و ان‏ينظروا كلّ شي‏ء في كلّ شي‏ء ليتمكّن لهم الاستدلال علي المسألة الفقهية مثلاً بمسألة نجومية و عليها بمسألة نحوية و عليها بمسألة طبيعية فلايحجبهم علم شي‏ء عن علم شي‏ء و لا شهود شي‏ء عن شهود شي‏ء فمهما لم‏يكن الشخص الناظر في العلم بهذه المثابة لم‏يقف علي مخّ الحكمة و لباب المعرفة و لم‏تنفتح له مغالق ابواب هذه الخطبة المباركة و من هذه الجهة تريهم ينكرونها و ينسبونها الي وضع الغلاة و اذ لم‏يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم.

و قوله7 كل زمان و اوان لايريد به7 ما هو المصطلح عند الحكماء من كون الزمان ظرفاً و وقتاً للاجسام ليشمل شمول كونهم نذراً عالم الاجسام خاصة بل يريد بالزمان الوقت المطلق مع قطع النظر عن كونه ظرفاً للاجسام او ظرفاً للمجرّدات المصوّرة و الغير المصوّرة او ظرفاً لعالم الامر و وجود (الوجود ظ) المطلق و هذه الكلية في قوله7 كلّ زمان كلية عامة شاملة لا اختصاص لها بشي‏ء دون شي‏ء بل تشمل المراتب التي لكلّ مرتبة فان زمان العالم الاوّل عالم الامر عالم كـن و عالم الامر قبل الامر المسمّي عندنا بالسرمد له مراتب كثيرة و احوال عديدة عجيبة فان عالم الامر الذي هو عالم كـن ينقسم الي عالمين عالم الكاف و عالم النون و يتولد منهما عالم اخر ثالث و هو عالم الواو و كلّ هذه المراتب لها مراتب في نفسها و مراتب في غيرها فمن مراتب الكلمة في نفسها النقطة و الالف و الحروف و تمام الكلمة التامّة التي انزجر لها العمق الاكبر و من مراتب التعلقات المشية و الارادة و القدر و القضاء و الاذن و الاجل و الكتاب و مراتب كل واحد منها في نفسها الحاصلة بظهور الطبايع الاربعة (الاربع ظ) التي هي الحرارة و الرطوبة و اليبوسة و البرودة المتألّفة منها الاركان الاربعة التي هي النار و الهواء و الماء و التراب وهكذا مراتب محالّ المشية و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 356 *»

الارادة الاربعة عشر و كذلك مراتب الدلالة الظاهرة من الكلمة التامّة بعد اتمام كلمة كـن بمراتبها الثلثة من الوجه الاعلي المنتسب الي الكلمة و الوجه الاوسط المتحصّل به نفسها و الوجه الاسفل المقترن بالاشياء و غيرها من المراتب التي لايسع الوقت لبيانها و انما ذكرت ماذكرت اشارة الي نوع المسألة و لا شك ان كل هذه المراتب لاتخلو من زمان و تشمله الكلية و لذا قالوا ان الزمان نهر يجري تحت جبل الازل و يسير الي ما لانهاية له و المكان سفينة هذا البحر و الخلايق ركّاب قال الشاعر:

انظر الي العرش علي مائه   سفينة تجري باسمائه
يسبح في لجّ بلا ساحل   في جندل الغيب و ظلمائه

الخ  و كذلك مراتب الخلق اي عالم الوجود المقيد فله مراتب كثيرة من العقل في مراتبه الثلثة باكواره الاربعة و الروح كذلك و النفس و الطبيعة و المادة و المثال كذلك و العرش و الكرسي و سائر الافلاك و العناصر و المتولدات الحاصلة من القرانات و متولدات المتولدات وهكذا الي ما لانهاية له و الزمان سارٍ في كل تلك المراتب مماسمّيناها و مالم‏نسمّها اكثر و لمّا ثبت بالادلة القطعية من العقلية و النقلية ان كل شي‏ء و كل ذرة من افراد الكائنات قد بـدء عن فعل اللّه سبحانه بالاختيار فجري في كلّ الذرّات التكليف كما قال تعالي لنبيّه9 حين استخلصه في القدم علي سائر الامم ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن و هذه الدعوة اعمّ من التكويني و التشريعي و الذاتي و الصفاتي و السلبي و الايجابي و هو9 الداعي الي اللّه اي الي سبيله و هو علي7 كما قال الباقر7 لجابر ما من مؤمن يؤمن بهذه الاية الاّ و له قتلة و ميتة و هي قوله تعالي و لئن قتلتم في سبيل‏اللّه او متّم لالي اللّه تحشرون قال7 يؤمن بان سبيل‏اللّه هو علي7 و القتل في سبيل‏اللّه هو القتل في سبيل علي7 الحديث و النبي9 يدعو الخلق الي ولاية علي7 و ينذرهم و يحذرهم عن مخالفته كما قال تعالي و يحذّركم اللّه نفسه و علي7

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 357 *»

هو نفس اللّه القائمة فيه بالسنن و ولايته7 هي دين اللّه الذي لايقبل عملاً الاّ به و هي الصراط المستقيم المرشد الي كلّ خير و نور و صواب و حكمة و سداد و بالجملة في كل تلك المراتب يجري حكم البعث و الارسال و البشارة و الانذار و قد علمت ان الاصل و الحقيقة في البعث و الارسال و البشارة و الانذار هو ال‏محمّد المختار عليهم سلام اللّه الملك القهّار و علي7 هو اميرهم و سيّدهم و فخرهم في كل مقام و رتبة فيكونون: هم النذر من قبل اللّه علي كافّة الخلق في كل زمان و اوان من السرمد و الدهر و الزمان بجميع مراتبها و احوالها من المدد الذاتية السرمدية و المدد الذاتية الزمانية و المدد الذاتية الدهرية و هذه المدد كلّها ذوات متأصّلة متحققة و هم سلام اللّه عليهم نذر من اللّه لها و للسابحين في لجّتها و الواقفين في عرصتها و معني ماورد انّ عليّاً7 نصر الانبياء كلّهم سرّاً و نصر محمّداً9 جهراً هو الذي قلنا ان الانبياء السنة لهم: يتكلمون بها مع من ارادوا من خلق اللّه و ينذرونهم لقاء اللّه و له الوجهان الاخران ايضاً علي طبق ماذكرنا في النذر الاولي فراجع تفهم ان شاء اللّه تعالي.

بقي النكتة و الوجه في انه7 لم اتي بلفظ النذير و لم‏يأت بلفظ البشير و هي المتابعة لكلام اللّه المجيد فانه سبحانه ماوصف الرسل بالبشير وحده فاي موضع ذكر البشير ذكر معه النذير مثل قوله تعالي انا ارسلناك شاهداً و مبشّراً و نذيراً و قوله تعالي رسلاً مبشّرين و منذرين و غيرهما من الايات ولكنه سبحانه اذا اتي بالنذير ربما اكتفي به وحده من غير ذكر البشير كما في كثير من الايات من قوله تعالي و ان من امّة الاّ خلا فيها نذير و قوله تعالي مايتذكّر فيه من تذكّر و جاءكم النذير و قوله تعالي تبارك الذي نزّل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً و قوله تعالي ألم‏يأتكم رسل منكم يقصّون عليكم اياتي و ينذرونكم لقاء يومكم هذا و قوله تعالي هذا نذير من النذر الاولي و امثالها من الايات كثيرة و الوجه فيه بالاجمال انا قد ذكرنا ان كلّ شي‏ء و كلّ فرد من افراد المكلّفين له داعيان و جهتان جهة الي الخير و النور و هي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 358 *»

الجهة اليمني و الملك الموكّل بتلك الجهة علي ذلك الجانب اسمه البشير يبشّره الي الخيرات و النعيم اذا التفت اليها و عمل بمقتضاها و الجهة الثانية الي الشرّ و الظلمة و هي الجهة اليسري و الملك الموكّل بتلك الجهة و ذلك الجانب اسمه النذير و الانبياء: ظهروا عن اللّه سبحانه علي حكم تلك الجهتين من البشارة و الانذار ولكن لمّا امر اللّه سبحانه الخلق بالادبار و النزول الي المقامات السفلية لحكم و مصالح يطول بذكرها الكلام و لا شكّ ان الشي‏ء كلّما يبعد من النور يكثر فيه الظلمة و يتقوّي جهة الماهية فيضعف جهة الخير و الوجود حتي يبلغ بهم الامر انهم بالطبيعة و الكينونة لايميلون الي الخير ابداً حتي اذا قطعوا مسافة الادبار و بلغوا اقصاه و هو مقام الجماد ناداهم الي الاقبال و لا ريب انه في صعوده لابدّ ان‏يمـرّ علي تلك المقامات السافلة حتي يصل الي المنزل الحقيقي و الوطن الواقعي الذي حبّه ايمان و بغضه كفر فاذا صعد مقاماً رأيه احسن من الذي كان فيه سابقاً استحسنه و رأيه مسكناً و اتخذه موطناً و هو من مقامات الماهية و ظلمات الجهل فيأتيه النذير من قبل الرب العلي الكبير بانزعاجه عن ذلك المنزل و تصميمه علي الارتحال الي منتهي المطلب الي ان‏يصل الي المنزل فهناك يأتيه البشير كمافي قوله تعالي ان الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة الاّتخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا و في الاخرة فان هذه البشارة في مقام الاستقامة و قد قال رسول‏اللّه9 لمّا قال اللّه تعالي مخاطباً له9 فاستقم كما امرت قال شيّبتني هذه الاية هـ فان مقام الاستقامة مقام السكون و الاطمينان بعد وصوله الي اعلي مقامات الاكوان و الامكان و اما قبل الوصول الي ذلك في كل مقام كان الغالب فيه النفس الامارة بالسوء المظهر للجهة الثانية السوءي السفلي فالمناسب في ذلك المقام النذير لا البشير و لمّا كان العالم بعد في اسفل الدرجات في مراتب الصعود فانه الان في الرتبة الدنيّة مقام النفس الامّارة بالسوء التي فعلها الظلم و الغشم و مطلوبها الشهوة و الرياسة و غيرها من الشهوات الباطلة و لذا تري اكثر اهل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 359 *»

الدنيا في غفلة عمّايراد منهم و في سهو عمايطلب عنهم و كثر فيهم الظلم و الغشم و ركوب الشهوات و فعل المناهي و المحرّمات و همّهم اخفاء الحق و اهله و اظهار الباطل و اهله و لايميل الشخص الي الطاعة الاّ بصعوبة و لايفعلها الاّ بمشقّة بخلاف المعصية فانه يميل اليها بالطبيعة و يجـد في فعلها لذة و شهوة و لايتركها الاّ بمرارة و مشقة و لذا ورد ان الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر و المنافق و هذا كلّه لان الدنيا في مقام النفس الحيوانية و بعد ماصعدت الي مقام النفس الانسانية و اول صعودها اليها اول ظهور مولينا و سيّدنا القائم المنتظر عجّل اللّه فرجه الي اخر الرجعات المباركة فينقلب الامر و الحال بعكس الان فلايكون للمؤمن (للمؤمنين خ‏ل) ميل الي المعصية ابداً و تظهر شناعتها و قباحتها لكلّ احد و الحق يظهر و الباطل يخفي و النور يتلألأ و الباطل يطفي و يعدم فهنالك يظهر الانبياء مبشّرين و ان كانوا منذرين الاّ ان جهة البشارة اقوي كما في هذه الدنيا تكون جهة الانذار اقوي فهم منذرون و ان كانوا مبشّرين فافهم السرّ و علي هذا اتّضح لك السرّ و الوجه فيما ورد في القرءان و احاديث اهل العصمة: في مذمّة الكثرة كما في قوله تعالي ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الاّ كالانعام بل هم اضلّ و قوله تعالي و لقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن و الانس لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم اذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضلّ اولئك هم الغافلون و قوله تعالي و مايؤمن اكثرهم باللّه الاّ و هم مشركون و امثالها من الايات كثيرة و في الحديث عن الباقر7الناس كلّهم بهائم الاّ المؤمن و المؤمن قليل و المؤمن قليل و قال تعالي و ماامن معه الاّ قليل، و قليل من عبادي الشكور، و قليل ما هم و غيرها من الايات التي مدح فيها القلّة و ذلك للسرّ الذي ذكرنا و لذا كان البشير في القرءان النازل ظاهراً لاصلاح بنية اهل الدنيا و نضج طبايعهم اقلّ استعمالاً من النذر و لايذكر وحده ابداً بخلاف النذير فان النذير في القوس الصعودي مقدّم علي البشير و لذا تري اول مايأتي الميّت في القبر المنكر و النكير اللذين من ظهورات النذير في الدنيا ثم بعد ذلك يأتيه المبشّر و البشير سهّل اللّه علينا ظهور

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 360 *»

المنكر و النكير بالنبي و اله الطاهرين صلي اللّه عليهم.

قوله عليه الصلوة و السلام و بنا هلك من هلك و نجي من نجي اعلم انه لا سبيل و لا طريق في الوجود الاّ الي جهة الموافقة و الطاعة للّه سبحانه او الي جهة المخالفة و المعصية و لا ثالث لان الحادث ليس له الاّ جهتان جهة الي ربه و جهة الي نفسه فهو لايتقوّم الاّ بالنظر الي احدهما اما الي جهة نفسه او الي جهة ربه فاذا نظر الي الجهة العليا افيض عليه من بحر الصاد الذي تحت العرش اي الصاقورة للجنان التي ذاق روح‏القدس منها الباكورة علي فؤاده فيزيد بهاءً للتجلي بعد التجلي و الظهور بعد الظهور فيبلغ به المعرفة غايتها و المحبة نهايتها و يجد حلاوة المحبة و يستأنس في ظلال المحبوب و لا لذة اعظم من ذلك و لا حلاوة اشدّ مماهنالك ثم يفاض علي قلبه فيستشرق بذلك من انوار اليقين و يدرك الاسرار المكنونات و يجد فسحة و انشراحاً و سكوناً و اطميناناً في القلب لايعدل بشي‏ء ابداً في اللذة و السرور بعد مقام المحبة فترجع الاختلافات عنده الي الايتلاف و الحركات الي السكون و السكون الي الحركات و يجد الحق ظاهراً واضحاً في اقطار الارضين و السموات ثم يفاض علي صدره فيستنير و يلقي و يقذف فيه العلم و ينفسح و يشاهد الغيب و ينشرح فيحتمل البلاء و يقف علي العلوم الكثيرة و الاطوار العجيبة الغريبة و تتعدّد عنده انحاء العلوم و تتضاعف لديه ابكار المسائل و يظهر له من الصور العلمية ما لايحيط به الخاطر و لايسطر في الدفاتر و لايجري في الضماير ثم يفاض علي قواه و مشاعره و اركانه فتحدّ سمعه و بصره و يسمع الاصوات الغريبة من اصوات الاجسام العلوية كالافلاك و حركاتها و اصوات صرير اقلام الملائكة عند كتابة اعمال العباد و صبّ الماء النازل من العرش في الحوض الكوثر و صوت الملك الواقف علي دائرة نصف‏النهار فينادي قوموا علي نيرانكم التي اوقدتموها علي ظهوركم فاطفئوها بصلوتكم و ساير الاصوات مماخفيت علي الذين في باطنهم اضطراب و علي وجه مطلوبهم نقاب و يري الالوان العجيبة الغريبة من الوان الاشياء علي الكينونة الاولية و الالوان الغيبية

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 361 *»

النورية كالوان الطواويس و هذا الحكم في ساير القوي و المشاعر الحسيّة الجسمية ثم يفاض علي الاعضاء من توليد الدم الصافي الخالي عن الاكدار و تقوية الحرارة الغريزية الموجبة لقوة القلب المورثة للشجاعة و صفاء الدم و تقليل البلغم و صفاء المرة السوداء الموجبة لاعتدال القامة و اعتدال البنية و تقوية الطبيعة و حسن الصورة و جودة التركيب و تناسب الاعضاء و اعتدال الطبايع ممايتعلق بحسن الظاهر المطابق لحسن الباطن ثم يفاض علي متممات وجوده و كونه من الشرايط و اللوازم و الاسباب من مكانه و محل عيشه الجسماني و الروحاني من الفسحة و النزهة و محل الراحة و مايظهر فيه من ثمرات اعماله الباطنية و الظاهرية من كثرة الاثمار و جريان الانهار و اعتدال الاشجار و اعتدال الهواء في الليل و النهار او النهار وحده و من قرانات احواله كالمرأة الحسناء الجميلة الشريفة التي تهش اليها النفس و تنجذب اليها مع كمال المحبة و الالفة بينهما و تحصيل انواع الملاذّ من كلّ واحد منهما لكلّ واحد منهما و كالاولاد الصالحين و كثرتهم و رشدهم و طاعتهم له و خضوعهم لديه و قيامهم باوامره و نواهيه و وقوفهم بين يديه و كالخدم و الحشم و بلوغ الامال و غير ذلك ممايرجع الي حكم القرانات و الاحوال و كلّ ذلك ثمرات الاقبال الي الرب المتعال و به النجاة عن ورطة الهلاك و الضلال و اما اذا ادبر و اعرض عن الجهة العليا الموصلة الي الرب الاعلي سبحانه و تعالي فتظهر مقابلات ماذكرنا جميعاً فتحرم عن لقاء اللّه سبحانه و عن لذة مشاهدة ظهوره و مناجاته و هي في الحقيقة اعظم الالام و اشدّ المكاره و الاسقام أماسمعت مافي دعاء كميل عنه7 الهي هبني صبرت علي عذابك فكيف اصبر علي فراقك و هبني صبرت علي حرّ نارك فكيف اصبر عن النظر الي كرامتك فجعل الحرمان عن اللقاء اشدّ من كلّ عذاب و اوجع من كلّ عقاب و هو كذلك كماقال صلي اللّه عليه و اله و روحي له الفداء و ذلك معلوم لمن تشرّف باللقاء ثمّ حرم عنه احياناً نعوذ باللّه من حرمان اللقاء ثم تسري تلك الظلمة المدلهمة و تسودّ القلب فيكون لايستقرّ في قرار و لايجـد فيه سكوناً و لا وقاراً و يكثر عليه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 362 *»

الشكوك و لايجـد وجه المخلص و يرد عليه الشبهات و لايعلم المهرب ثم تضيق الصدر و تجعله حرجاً كأنّما يصّعّد في السماء كذلك يجعل اللّه الرجس علي الذين لايعلمون و هذا صراط ربك مستقيماً ثم تطبع علي ساير القوي و المشاعر فلهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم اذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون ثمّ تسري تلك الظلمة في الاعضاء و الاركان فتولد الدم الفاسد و تضعف الحرارة الغريزية الموجبة للجبن و البخل و قلة الكرم و غلظ البلغم و هيجان السوداء الموجبة لقبح الخلقة و الصورة و عدم اعتدال الطبيعة و اعوجاج الاعضاء و الجوارح و تنكيس الرأس الي الاسفل و امثالها من الاحوال الخلقية الظاهرية او العرضية من احكام القرانات و الاحوال كضيق المكان و خبثه و نتنه و عدم ملائمة الاصحاب و منافرتهم لبعضهم مع بعض و عدم موافقتهم و امثالها من احكام الادبار مقابل ماذكرنا في طبقات الاقبال حرفاً بحرف و كلّ ذلك ثمرات الادبار و به الهلاك و الوبار و الخلود في النار.

ثم لما كان الخلق مختلف الشئون و متكثر الجهات و المراتب و الحيثيات فاذا توجّه الي اللّه سبحانه بكلّ جهة من ذرات وجوده كان له تلك الثمرات بكلّها و ذلك التوجه لايمكن الاّ بعد الصفو من الخلط و لايظهر ثمراته الاّ في دار الاخرة في بعضهم لعدم تحقق التوجه التامّ بكلّ المراتب حتي في اجسادهم و اجسامهم و ان حصل لهم التوجه في اقوي المراتب و اعظمها و لذا طهّر ذلك التوجه التامّ نجاسة ماكان يلحقه من المراتب السفلية الضعيفة للغرائب و الاعراض و لبعضهم لعدم المصلحة في ظهور تلك الثمرات و فوائد النجاة كالمعصومين: و يطول الكلام بذكر المصلحة.

و مجمل الكلام ان الاقبال مورث للنجاة و الادبار مورث للهلاك فان كان اقباله كليّاً ابداً كانت نجاته كليّة ابدية سارية في جميع احوالها و ان كان ادباره كليّاً ابدياً كان هلاكه كليّاً ابدياً و ان كان الغالب فيه الاقبال اي يكون اقباله بقلبه و بلبّ هويته و ادباره بظاهر جسده و اعراضه فهو ايضاً من اهل النجاة و ان كان بالعكس فهو من اهل الهلاك و ان كان المختلط المتساوي فامره مرجوع و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 363 *»

موكول الي اللّه سبحانه كماقال سبحانه و اخرون مرجون لامر اللّه اما يعذّبهم و اما يتوب عليهم.

و هذا الذي ذكرنا و لوّحنا هو السرّ في اختلاف الاشياء كلّها من السموات و طبقاتها و درجاتها و اختلاف الكواكب و سرعة حركتها و بطؤها و اختلاف الوانها و ازدياد نورها و نقصانه و الارضين و دركاتها و طبقاتها و اقاليمها و برّها و بحرها و سهلها و جبلها و معادنها و جبالها و طيبها و سبخها و العناصر من نارها و ترابها و مائها و هوائها و المتولدات من معدنها و نباتها و حيوانها و انسانها و مراتب المعدن ضعيفها و قويها صافيها و كدرها غاليها و رخيصها و مراتب النباتات حشيشها و اشجارها و اثمارها و عدمها و حلاوة الثمار و مرارتها و حموضتها و احمرها و ابيضها و اسودها و اصفرها و ساير انحائها و مراتب الحيوان حشراتها و طيورها و وحوشها و حرامها و حلالها و موذيها و غيره و ذوات قوائمها و غيرها و ذوات القرون و غيرها و مراتب الانسان عالمه و جاهله طويله و قصيره حسن‏الخلقة و قبيحها ذكره و انثاه وهكذا ساير المراتب و الاحوال و كلّ هذه الاحوال و هذه الاختلافات ترجع الي ماذكرنا من الاقبال و الادبار ولو كان لي حال مستقيم و قلب متوجّه و ماخفت التطويل لبيّنت لك الوجه و شرحت كيفية منشأ الاختلاف (الاختلافات خ‏ل) و كيفية اقبال الموجودات و ادبارها في كلّ شي‏ء و سرّ المزج و الاختلاط و كيفيته و مبدأ وقوعه و حالها بعد الصفاء و قبله الاّ ان من تتبع هذا الشرح و عرف المراد منه يظهر له كلّ ذلك فانه مشروح فيه بتلويحات الكلام يدركه الاعلام و سنشير ان شاء اللّه تعالي الي بعض ذلك مفصّلاً فيما بعد ان ادركني التوفيق و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم.

فاذا عرفت ماذكرنا و سطرنا من سرّ الهلاك و النجاة و انّ منشأهما الاقبال الي اللّه سبحانه و تعالي او الادبار عنه فاعلم ان اللّه سبحانه لايتوجّه اليه من نحو ذاته بالضرورة فان الخلق لايصلون اليها و لايحومون حول حماها و انما ذلك بصفاته و اياته الظاهرة في المخلوقين و تلك الصفات و الايات لابدّ لها من حامل و مظهر تظهر فيه والاّ لم‏تظهر و لايكون ذلك المظهر الحامل لجميع ظهوراته و اياته تعالي الاّ المخلوق الاول والاّ لزم الطفرة اذ لو كان عند المخلوق الثاني ما لم‏يكن عند

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 364 *»

المخلوق الاول من اية اللّه و فيضه لم‏يكن ذلك المخلوق الاول و انما هما متساويان في المرتبة و المفروض خلافه فاذا كان المخلوق الاول هو الاقرب الي الفيض من المخلوق الثاني كان المخلوق الثاني مستمداً و متقوماً بالمخلوق الاول فيكون المخلوق الثاني من شعاع المخلوق الاول لانا قد ذكرنا مراراً في كثير من مباحثاتنا و رسائلنا ان الاختلاف و التعدد منحصر بين امرين اما ان‏يكون حقيقة واحدة قدظهرت في صور كثيرة و احوال مختلفة حسب الحدود و المشخصات الخاصة كالاختلاف بين اجزاء الخشب و تصويره بالصور المختلفة كالسرير و الصنم و الباب و الصندوق و امثال ذلك و كالانسان الظاهر في الصور الكثيرة من صورة زيد و عمرو و بكر و امثالهم و هذا في الحقيقة خلق واحد و تلك العوارض انما اوجدت و لحقت بالعرض فلايقال ان زيداً هو المخلوق الاول و عمرواً (عمراً ظ) هو المخلوق الثاني او (و خ‏ل) ان الاب هو المخلوق الاول و الابن هو المخلوق الثاني و انما هما شي‏ء واحد و حقيقة واحدة ظهرت بالاعراض و الحدود في صور كثيرة و اقتضت احكاماً كثيرة و المخلوق (فالمخلوق خ‏ل) حقيقة هو ذلك الامر الواحد المعبّر عنه بالكلّي لكنه لم‏يظهر الاّ بتلك الحدود فهي مرءاة لظهوره لا محصّلة لحقيقته كما هو المعلوم او يكون حقيقتان احديهما العلة و الثانية (الاخري خ‏ل) المعلول و في هذا المقام يكون الثانية مستمدة من الاولي و متقوّمة بها و لا تحصل لها في حال من احوالها الاّ بالاولي كالسراج و الاشعة فانها حقيقة ثانية مجاز للسراج لا قوام لها بدونه و لا تحصل لها بغيره و السراج متقوّم بالنار كذلك فالنار تمدّ السراج اولاً ثم تمدّ الاشعة بالسراج فكلّ‏ما للاشعة من فاضل ماعند السراج و هذا مرادنا بالمخلوق الاوّل و المخلوق الثاني لا المعني الاوّل.

فاذا اتقنت ماذكرنا لك فاعلم انه قد دلّت الادلّة القطعية من العقلية و النقلية ان محمّداً و اله صلّي اللّه عليهم قد خلقهم اللّه قبل الخلق بما لايحصي عدده الاّ اللّه تعالي فهم سلام اللّه عليهم مظهر توحيده و محلّ صفاته و اسمائه و بهم تقوّمت ظهوراته سبحانه كما في دعاء رجب عن الحجة7 فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت و هم القدس الذي ملأ الدهر

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 365 *»

كما في خطبة النبي9 الذي ملأ الدهر قدسه فكلّ الخلق انما وصل اليهم ماوصل من نور و خير و توحيد و توصيف و ادراك و شعور و نظم و ساير الاحوال كلّ ذلك بهم: فهم باب اللّه اليهم في جميع اكوانهم و اعيانهم و احوالهم في كل اطوارهم و اكوارهم و ادوارهم فاذا كانت النجاة بالتوجه و الاقبال الي اللّه سبحانه و هم باب اللّه و سبيله وجب ان‏يكون التوجه اليه من بابه و سبيله حتي يقع التوجه فانت ان قصدت الباب و الاصل معاً كفرت و اشركت و ان قصدت الباب وحده كفرت و ان لم‏تقصد الباب ماتصـل الي المطلوب فيكون وجهك عند الاعراض عن الباب الي الظهر و الخلف و هو الادبار و هو مستلزم للهلاك فان قصدت الاصل و توجّهت اليه بالباب /و (زائد ظ) ذلك هو الهداية و الرشاد و اليه الاشارة بقول مولينا الصادق7 لهشام من عبد الاسم دون المسمّي فقد كفر و لم‏يعبد شيئاً و من عبد الاسم و المسمّي فقد اشرك و من عبد المسمّي بايقاع الاسم عليه فذاك التوحيد فهم سلام اللّه عليهم باب اللّه فلايمكن التوجه الي اللّه سبحانه الاّ بهم لانهم الطريق و لا طريق و لا سبيل سواهم فبمتابعتهم و الاقتداء بهم النجاة و بمخالفتهم و الاعراض عنهم الهلاك اذ الاقبال اليهم هو الاقبال الي اللّه و الاعراض عنهم هو الاعراض عن اللّه قال عزّوجلّ من يطع الرسول فقد اطاع اللّه، قل ان كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني يحببكم اللّه و يغفر لكم ذنوبكم و قال عزّوجلّ ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه يد اللّه فوق ايديهم و في الزيارة من اراد اللّه بدأ بكم و من وحّده قبل عنكم و من قصده توجّه بكم الزيارة فاذا كانوا سلام اللّه عليهم ابواب اللّه و خزّان وحيه و مقاليد معرفته و مفاتيح خيره و رشده و طريق توحيده كما قال7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و قال7 بنا عرف اللّه و بنا عبد اللّه و لولانا ماعرف اللّه و لا عبد اللّه فدلّ اللّه سبحانه الخلق اليهم كما دلّهم الي نفسه و اوجب عليهم طاعتهم و ولايتهم و محبّتهم و لمّا خلقهم في العالم الاول في الحجاب (حجاب ظ) اللاهوت قبل ان‏يصلوا الي مقام الجبروت دعاهم الي توحيده و ولايتهم: لان ولايتهم ركن توحيده و جزؤه لايتمّ توحيده

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 366 *»

الاّ بها و لذا قرنهم الي نفسه فقال لهم ألست بربكم و محمّد نبيّكم و علي و الائمة و الصديقة الطاهرة صلّي اللّه عليهم اولياءكم و خلفاء اللّه و اوصياء نبيّكم قالوا بلي ظاهراً فمنهم من طابق ظاهره باطنه في الاجابة و الاقرار فهو الذي خلق من عليّين فقد اهتدي و نجي و منهم من خالف ظاهره باطنه عناداً و عتوّاً فهو الذي ضلّ و هلك و خلق من سجين و منهم من توقّف و هو الضالّ الذي خلق ظاهره من طينة الاجابة و باطنه لم‏يخلق الي ان يقرّ بهم او ينكر عليهم فيخلق علي حسب اقرارهم و انكارهم ثم في العوالم المتنزّلة عالم الجبروت و الملكوت ثم انزلهم الي عالم الملك و كرّر عليهم العرض و كلّفهم بالاقرار بالولاية من لدن ادم الي عيسي8 و كلّ نبي لم‏يبعث الاّ علي الاقرار بالتوحيد للّه و بالنبوة لمحمّد9 و بالولاية لعلي7 و الائمة: و امّتهم مانجوا الاّ بالاقرار بالمجموع و الانكار للمجموع و ماكان ينفعهم الاقرار ببعض و الانكار لبعض و ماكان يترقّي احد من الامم السابقين الاّ بالاخلاص في ولايتهم و طاعتهم و كثرة الصلوة عليهم و كذلك كان هلاكهم اذا لم‏يقبلوهم و الروايات في هذا المعني كثيرة و الايات كذلك فانّ ادم علي نبينا و اله و7 لمّا خلقه اللّه سبحانه و اخذ عليه الميثاق و العهد بولايتهم و طاعتهم فقبل و حمل انوارهم و اشباحهم صلي اللّه عليهم شرّفه اللّه سبحانه و جعله مسجوداً للملائكة كرامة لهم: حيث ظهروا في صلبه ظهور الشاخص في المرءاة ثم لمّا صدرت عنه تلك الهفوة و التقصير في حقّهم: طرد عن الجنة و ابعد عن الرحمة و اخرج عن مجاورة اللّه سبحانه و اسودّ جميع بدنه لما ظهر منه ذلك كماقال تعالي و لقد عهدنا الي ادم من قبل فنسي و لم‏نجد له عزماً و قال الصادق7 هكذا نزلت هذه الاية واللّه و لقد عهدنا الي ادم من قبل في محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين7 و في رواية اخري و الائمة من ذرّية الحسين: فنسي و لم‏نجد له عزماً و لما طرق بابهم بكينونته و خضع و خشع لهم بهويّته باظهار جزعه و بكائه و طول حزنه و دعائه فمنّ اللّه عليه و علّمه اسماءهم ليدعوه بها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 367 *»

ليتوب عليه و هو قوله تعالي فتلقّي ادم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم و تلك الكلمات هي قوله اللّهم اني اسألك بحق محمّد و انت المحمود و بحق علي و انت الاعلي و بحق فاطمة و انت فاطر السموات و الارض و بحق الحسن و انت المحسن و بحق الحسين و انت قديم‏الاحسان الاّ ان‏تتوب علي فتاب اللّه عليه و كذلك نوح7 لمّا صنع السفينة ماتمّت و مااستقرّت الاّ بعد ان قرأ عليها اسماءهم المباركة و اتي له جبرائيل بخمسة مسامير كلّ مسمار باسم واحد من اصحاب الكساء فاستقرّت بها السفينة و مشت باذن اللّه و جرت في الماء و لمّا تلاطمت الامواج و تراكمت و كادت السفينة ان‏تغرق دعا اللّه سبحانه باسمائهم المباركة فانجاه اللّه و من معه من الغرق و ابرهيم علي نبينا و اله و7 لمّا اخلص في ولائهم و طاعتهم و تخلّل حبّهم في مكنونات سرائره و علانيته انتجبه اللّه خليلاً و هو قوله تعالي و اذ ابتلي ابرهيم ربه بكلمات فاتمّهنّ قال اني جاعلك للناس اماماً و موسي علي نبينا و اله و7 كان لم‏يزل يدعو اللّه في الشدائد باسمائهم المباركة فيفرّج اللّه سبحانه عنه و قال العسكري7 في الحديث المتقدم و الكليم البس حلّة الاصطفاء لمّا عهدنا منه الوفاء و روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة و اللّه سبحانه انما ابتلي بني‏اسرائيل بذبح البقرة المعلومة لان صاحبها كان شديد المحبّة لمحمّد و اله صلّي اللّه عليهم و كان كثير الصلوة عليهم فكافاه اللّه سبحانه بذلك حتي اشتروا منه البقرة بملئ جلدها ذهباً فلمّا اشتروا منه بذلك المبلغ العظيم افتقر بنوااسرائيل فامروا بالصلوة علي محمّد و ال‏محمّد: فاغناهم اللّه سريعاً عاجلاً باحسن ماكانوا في الاول و لم‏يزل كان بنوااسرائيل بعد زمان موسي7 يدعون اللّه سبحانه في الشدائد و المحن باسمائهم المباركة فيفرّج اللّه عنهم تلك الشدة العظيمة و المحنة الهائلة و لقد اخبر اللّه سبحانه عن ذلك حيث قال و كانوا من قبل يستفتحون علي الذين كفروا فلمّا جاءهم ماعرفوا كفروا به فلعنة اللّه علي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 368 *»

 الكافرين و ايّوب7 لمّا شكّ في ولاية علي7 ابتلي بتلك البلية العظمية فلمّا تاب و خضع له7 و ذلّ تاب اللّه عليه كما في حديث سلمان حيث يخاطب سلمان عليّاً7و يقول يا قتيل كوفان لولا قال الناس لسلمان واه واش رحم اللّه قاتل سلمان لقلت فيك كلاماً اشمأزّت منه القلوب يا محنة ايوب فقال له7 اوتدري ما محنة ايّوب قال لا قال7 لمّا كان عند الانبعاث عند المنطق شكّ و بكي و قال هذا امر عظيم و خطب جسيم فاوحي اللّه اليه يا ايّوب أتشكّ في صورة انا اقمته اني ابتليت ادم فوهبت له بالتسليم له بامرة المؤمنين و انت تقول امر عظيم و خطب جسيم فواللّه لاذيقنّك من عذابي او تتوب الي بالطاعة لاميرالمؤمنين قال7 ثم ادركته السعادة بي هـ فانظر ماذا تري و يونس7لمّا شكّ و بكي و ذهب مغاضباً فظنّ ان لن‏نقدر عليه فركب السفينة و اتي الحوت فساهم اهل السفينة فجاء السهم باسم يونس فكان من المدحضين و هذا كان عقوبة له لمّا تردّد في ولاية اميرالمؤمنين7 فلمّا تاب و رجع فنادي في الظلمات ان لا اله الاّ انت سبحانك اني كنت من الظالمين فلمّا دخل البيت من الباب و توجّه الي اللّه سبحانه بذلك الجناب نجّاه اللّه تعالي من الغمّ كما قال عزّوجلّ فاستجبنا له و نجّيناه من الغمّ و كذلك ننجي المؤمنين و يعقوب علي نبينا و اله و7 لمّا قصّر في حق علي7 و تردّد في ولايته بقوله اني ليحزنني ان‏تذهبوا به و اخاف ان‏يأكله الذئب و انتم عنه غافلون لانّ عليّاً7 اخذ عليه الميثاق و العهد ان لاينظر الي الاسباب ابداً و يقصر نظره الي المسبّب فلمّا نظر الي السبب حيث قال ماقال كان ذلك تقصيراً فاتاه جزاء عمله و تقصيره فابتلي بفراق قرّة عينه يوسف7 و اشتدّ لذلك بكاؤه و طال حزنه و عناؤه الي ان ابيضّت عيناه من الحزن و لمّا تاب و رجع و خضع لعلي7 و للائمة: قال فاللّه خير حافظاً و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 369 *»

 هو ارحم الراحمين و قوله عسي اللّه ان‏يأتيني بهم جميعاً فردّ اللّه عليه بصره و قرّة عينه يوسف7 و يوسف بن يعقوب بن ابرهيم: لمّا قصّر في الولاية حين مانظر الي المرءاة و رأي حسنه و جماله في غاية الكمال فخطر علي قلبه لو كنت انا عبداً كم كان ثمني فابتلاه اللّه تعالي بذلك التقصير برقّ العبودية و شروه بثمن بخس دراهم معدودة ثم باعوه بماباعوه ثم لمّا ادخل في السجن و قصّر في الولاية حيث قال للذي ظنّ انه ناجٍ منهما اذكرني عند ربك فانسيه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين و لمّا تاب و رجع و خضع لعلي7 و الائمة من ولده: بالطاعة و الامتثال نجّاه اللّه سبحانه من السجن و جعله ملكاً ولو اردنا ان‏نشرح ماجري علي الانبياء: و اممهم واحداً بعد واحد بسبب التقصير في حق الائمة: و بسبب الانقياد و الطاعة لطال علينا الكلام فاختصر في المقال و اقول انّ ولاية علي و الائمة: في كل المراتب عرضت علي كل شي‏ء و هو عرض مستمرّ غير منقطع و ذلك العرض كان يوم الغدير فكما ان العرض مستمرّ كذلك يوم الغدير مستمرّ دائم ثابت فلايصيب احداً مكروه من مكاره الدنيا و الاخرة الاّ بسبب تقصيره في ولاية علي7 و عدم قبوله لها اما بالكلية اي علي جهة الموافقة او بحسب مقامه بل لايتغيّر شي‏ء ممااحاطت به دائرة الامكان عن الفطرة الاصلية الاولية المقصودة لذاتها في الجعل الاول الاّ من جهة عدم الاذعان بالولاية فلاانكسرت قصعة و لا زجاجة و لا حجارة الاّ بالتقصير في الولاية و مااستمرّت ثمرة و مااعوجّت شجرة و مااستملح ماء و لااسبخت ارض الاّ بالتقصير في الولاية و ماتمرّضت نفس و لامات شخص و لاالكنت طير و لااحترقت ارض و ماتدوّدت ثمرة الاّ بالتقصير في الولاية و مابقيت الاشياء علي الفطرة الاصلية و لاصفـت عن الكدورات و لاطابت و لااستقامت و لااعتدلت و لااستحلّت الاّ بالقبول لولاية علي7 فانحصرت النجاة علي القول المطلق باي وجه كان من مبدء

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 370 *»

الوجود الي اخر نهايات الشهود بحبّ علي و الائمة: بحسب المراتب و انحصر الهلاك علي القول المطلق باي وجه كان من اول مقامات الذرّ الي نهاية دركات اسفل السافلين الي ما لانهاية له بمخالفة علي و الائمة: و هو قوله7 في تفسير اللّه علي ماتقدّم انّ الالف الاء اللّه علي خلقه من النعيم بولايتنا و اللام الزام خلقه ولايتنا و الهاء هوان لمن خالف ولايتنا فانحصر النعيم و الهوان و العذاب بموافقتهم و مخالفتهم و هم اذن قسيم الجنة و النار و علي7 هو الباب الذي باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و هو الماء النازل من القرءان الذي هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً و هو و اولاده: قوم يحبّهم اللّه و يحبونه اذلّة علي المؤمنين اعزّة علي الكافرين فلايفوتهم شي‏ء و لايتعدّي عنهم احد و هم الكلمات التامّات التي لايجاوزهن برّ و لا فاجر الاّ ان الامر كما اخبر اللّه عزّوجلّ الم احسب الناس ان‏يتركوا ان‏يقولوا امنّا و هم لايفتنون و لقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الذين صدقوا و ليعلمنّ الكاذبين، ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان‏يسبقونا ساء مايحكمون و المتكلم معه غيره ام علي ظاهره او المعظم به نفسه فان كان معه غيره فالائمة هم الذين معه و عنده كما قال7 في قوله تعالي و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون قال7 نحن الذين عنده و قال7 لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو الاّ انه هو هو و نحن نحن و قال تعالي في اخر السورة الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا و ان اللّه لمع المحسنين ولو تمكّنت ان اذكر مايتلجلج في صدري و يختلج في خاطري لرأيتم اموراً عجيبة الاّ ان السكوت اولي و الكتمان احلي و اللّه المستعان و عليه التكلان.

و في قوله7 بنا هلك من هلك و نجي من نجي سرّ اخر اذا لاحظت فيه حكم ظاهر الظاهر اذ يظهر هناك الارادة التي هي محل الكثرة و منشأ الاضداد و تقوّمها بالمشية التي هي ظهور الوحدة و الواحد و لذا اخّرت الالف لبيان انها المتمّمة للنون و المقوّمة لها لا انها /المقصود لذاته (المقصودة لذاتها ظ) و بيّن

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 371 *»

بالاشارة بهذه الكلمة الي العلّة الفاعليّة اي المهلك و المنجي و تقديم النون علي الالف سرّ تقديم الهلاك علي النجاة و لمّا كان الامام7 يذكر هذا المعني مصرّحاً اكتفيت بالاشارة في هذا المقام حتي يأتي اوان شرحه ان شاء اللّه تعالي.

قال عليه الصلوة و السلام و روحي له الفداء: «فلاتستعظموا ذلك فينا فو الذي فلق الحبّة و برأ النسمة و تفرّد بالجبروت و العظمة لقد سخّر لي الرياح و الهوام و الطير و عرضت علي الدنيا فاعرضت عنها انا كابّ الدنيا لوجهها.»

اعلم ان الخلق في القديم الاول لمّا اوقفهم اللّه سبحانه بمشيته في حجاب العزّ و سرادق المجد عرّفهم اللّه سبحانه مقام محمّد9 و اهل بيته الطيبين الطاهرين كلّ احد في مقامه من الولاية الالهية الظاهرة في حقيقة الولي7 الظاهرة ببعض ظهورها و نورها في كينونات الاشياء و ذوات الموجودات فلايبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا صدّيق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبّار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيمابين ذلك شهيد الاّ عرّفهم جلالة امرهم: و عظم خطرهم و كبر شأنهم و تمام نورهم و صدق مقاعدهم و ثبات مقامهم و شرف محلّهم و منزلتهم عنده و جاههم لديه فعرفوهم في ذلك العالم بالنورانية و اقرّوا لهم بالعبودية و ذلّ الطاعة و كمال الفقر و المسكنة و طأطأ كلّ شريف لشرفهم و بخع كلّ متكبر لطاعتهم و خضع كلّ جبّار لفضلهم و ذلّ كلّ شي‏ء لهم فعرفوا مقامهم البيان في الحجاب الاعلي من الدرّة البيضاء في عالم الوجود المطلق و عرفوا مقامهم المعاني في الحجاب الاعظم حجاب الذهب في العالم البرزخ المتوسط بين عالم الوجود المطلق الذي هو عالم الامر و بين عالم الوجود المقيّد الذي هو عالم الخلق و عرفوا مقامهم الابواب في الحجاب الاعلي من الفضّة البيضاء في عالم الوجود المقيّد و عرفوا مقام الامامة و مقام حجة اللّه في الحجاب الغليظ من الزبرجدة الخضراء و في ساير الحجب و لمّا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 372 *»

ادرك الخلق ذلّ الادبار و ابتلوا بالبعاد عن تلك الديار و تنزّلوا في مقامات الاغيار و لحقهم غبار الاكدار فنسوا ماعرفوا في تلك المراتب و عهدوا في تلك العوالم و شاهدوا في تلك المعالم فلمّا اتاهم نداء الاقبال اخذوا يصعدون و هم عن مقامهم الاصلي و مراتبهم الحقيقية ناسون و اليها متوجّهون و هم لايشعرون فصار اكثرهم لايعقلون و اكثرهم لايفقهون و اكثرهم لايعلمون و اكثرهم يجهلون و اكثرهم غافلون فالذي شاهد تلك الاثار و جاس خلال تلك الديار اذا تكلّم بشي‏ء منها قابلوه بالانكار فلمّا كان الامام7 ابان عن شي‏ء جزئي من اسرار تلك المقامات التي عرفوها و بيّن لهم اياّها هنالك و كان مقامهم ممايقتضي الانكار و الاستبعاد حيث سمعوا من هيكل بشري و صورة انسانية مثلهم و علي هيكلهم مايدّعي و يري نفسه انه علّة اكوانهم و اعيانهم و بيده اسرارهم و اعلانهم كان يعظم ذلك عليهم و لم‏يعرفوا ان ذلك الهيكل ظهوره لهم في مقامهم و هم كلّهم علي صورته و مثاله كالسراج الواحد في المرايا الكثيرة فان المثال الموجود في تلك المرايا كلّها علي هيئة السراج و هيكله لا فرق بينها و بينه في الهيئة و الصورة لكن السراج مقوّم انيّاتهم و مذوّت حقايقهم و ذواتهم و بيده خيرهم و شرّهم و لمّا كان هذا الانكار و الاستبعاد ممايكدّر عليهم صافي العيش و يحرمهم عن شرب صافي المحبة اراد7 ان‏يزيل عنهم هذه الكدورة و لمّا ان كشف حقيقة الامر لم‏يمكن لكلّ احد مع ما فيه من لزوم الالجاء او النسبة الي السحر و الكهانة و امثال ذلك اتاهم7في مقام البيان فقال لهم فلاتستعظموا ذلك فينا و ان كان مقامكم ممايقتضي ذلك كيف لا و ان ايّوب7 لمّا ظهر له شي‏ء من ذلك عظم عليه و قال هذا امر عظيم و خطب جسيم و ادم7 لمّا ظهر له شي‏ء من ذلك توقّف و تحيّر كما في الكافي و كذلك غيرهم اذ كلّ احد يجدهم صلّي اللّه عليهم من اعظم مايمكن له ان‏يدرك في حقّ اللّه سبحانه بل ماعرفوا من توحيد اللّه سبحانه جزء من سبعين الف جزء من رأس الشعير من مقامهم و مرتبتهم فكيف لايعظم ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 373 *»

عليهم اذ قدظهـر لهم انّ ماعرفوا من معرفة اللّه و قدسه و كبريائه و عظمته كلّ ذلك ادني مرتبة من مراتب خلق من مخلوقاته سبحانه و ادني صفة من صفاتهم بل لايبعد ان‏يقال ان ذلك بالنسبة اليهم صفة النقصان لا صفة الكمال الاتري كيف قال امامك و مولينا الصادق7 في الكروبيّين انهم قوم من شيعتنا و بهم تجلّي اللّه لموسي و كان تجليهم الذي قال تعالي فلمّا تجلّي ربه للجبل جعله دكّاً و خرّ موسي صعقاً و ماورد ان الملائكة في عالم الانوار لمّا شاهدوا نور محمّد و اله صلّي اللّه عليهم في كمال الظهور و الاشراق و اللمعان قالوا انه نور اللّه فقالوا: لا اله الاّ اللّه لتعلم الملائكة انهم اناس مخلوقون و اللّه سبحانه منزه عن وصفهم و صفتهم و لايبلغ الحادث مبلغاً في المعرفة و التوحيد الاّ و يظهر له من مقامهم و مرتبتهم ما لم‏يكن عنده و يعلم ان ذلك معرفتهم و هي معرفة اللّه الظاهرة لهم بهم له به و هو قول علي7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا علي المعني الثالث لهذا الحديث الشريف.

و لاتتعجّب مماذكرت من انّ مايعرف الخلق كلاًّ من معرفة اللّه هو معرفتهم صلّي اللّه عليهم لمادلّت عليه الادلة القطعية من العقلية و النقلية ان الشي‏ء لايتجاوز مبدأه و لايقرأ الاّ حروف نفسه كماقال7 انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و قال7انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و قال الصادق7 كلّ‏ما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و امثالها عنهم: كثيرة لان الشي‏ء لا رتبة له فوق ذاته و انما هو معدوم فوق مرتبته فلايتصوّر له ادراك هناك اذ المدرك انتفي و انعدم فاين الادراك فادراكه للعالي ليس الاّ بظهور ذلك العالي في رتبة مقام هذا السافل و ذلك الظهور هو عين السافل و ان كان وجهاً للعالي ثم ان كان ذلك الظهور و المثال اتي الي السافل من غير واسطة سوي نفسه كان حظّه لمعرفة العالي من اوفر الحظوظ و اتمّ مراتب النصيب فلا احد يعرفه مثله الاّ ان‏يكون في رتبته و ان كان معرفته لايلحق العالي و انما عرف نفسه لكن تلك المعرفة هي عين

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 374 *»

معرفة ربه له ثم لمّا كان السافل له جهتان يجب ان‏يقطع النظر حين الالتفات و التوجه عن جهة نفسه و انما يتوجّه الي مبدئه بالوجه الاعلي من الوجه الواحد و ان كان ذلك الظهور و المثال اتي اليه بواسطة رتبة فوقها فلايكون ذلك الاّ ان‏يكون الثاني مثالاً و شعاعاً و شبحاً للاولي لماذكرنا سابقاً ان المتغايرين ينحصر في امرين اما ان‏يكون حقيقة واحدة قدتطوّرت باطوار مختلفة بحسب الحدود و العوارض و الجهات و الحيثيات و لايتصوّر في مثل هذا التعدد التوسط و الترتّب او يكون احدهما علّة و الاخر معلولاً هنا يتحقق التوسط فالحقيقة الثانية اذن تكون مثالاً للحقيقة الاولي و صفة لها و يحكي عنها بجهتيها لا بوجه واحد الذي هو اعلي الوجوه فان اثر الشي‏ء انما يتحقق بعد تمام ذلك الشي‏ء و الشي‏ء لايتمّ الاّ بالجهتين فالاثر متأخّر عنهما فيحكي المركّب لا البسيط.

اذا اردت ان‏تعرف ذلك انظر الي السراج فانه مركّب من مسّ النار و الدهن فاذا اراد ان‏يعرف النار يقطع النظر عن جهة الدهن و عمايقتضي تلك الجهة فيجد حينئذ لوناً احمر و حرارة و يبوسة ساذجة غيرمشوبة بشي‏ء من الرطوبات فهذا النور المحسوس في الشعلة المحسوسة كلّه يرتفع عند السراج حين التوجه و الالتفات الي النار و ذلك هو الوجه الاعلي فيكون هذا النور الظاهر في هذه الشعلة نقصاً بالنسبة الي مقامه الاوّل لان ذلك مشوب بجهة الانّية و ظلمة الماهية و اما الشعاع فانه مركّب من نور السراج و جهة انّية حدوده من المشخصات الستّة من الزمان و المكان و الجهة و الرتبة و الكمّ و الكيف و هو اثر للنار و متوجه اليها و طالب منها لكنّه واقف ببابها و لائذ بجنابها و متوجه به اليها و السراج هو الباب يأخذ من النار و يترجم للشعاع فاذا اراد الشعاع ان‏يعرف النار لايعرفها الاّ بوجهه الاعلي منه و وجهه الاعلي صفة انّية السراج لا صفة توحيده فالشعاع و ان بلغ مابلغ في التصفية و الانقطاع الي النار و التوجه اليها و التوصيف لها كل ذلك توصيف للسراج في الحقيقة لا للنار فلو انّ السراج توجه الي النار بالمجموع لكان مشركاً مع النار غيرها و هو انّيته و ذلك الشرك صار عين التوحيد للشعاع بل ربما مايصـل الشعاع الي معرفة السراج ابداً و ان وصل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 375 *»

الي ماوصـل فانما هو جزء من سبعين الف جزء من رأس الشعير من معرفة السراج لكنه حين التوجه لمّا كان لاينظر الي السراج و انما يتوجه الي النار خاصة قيل هذا معرفة النار فيقول حينئذ السراج نحن الاعراف الذين لايعرف النار الاّ بسبيل معرفتنا اي بمعرفتنا للاشعة فان الشعاع معرفته للسراج لا من جهة السراج معرفته للنار انما قلت معرفته للسراج لان له جهتين جهة الي نفسه و هي الحدود و الاعراض يجب ان‏يكشفها و يمحيها و جهة الي النار و هي نور السراج فلايمكنه حينئذ ازالة نور السراج اذن ينعدم فاين يتوجّه.

فاذا فهمت هذا فهمت حقيقة الامر في المسألة فان محمّداً9 و اله: جعلهم اللّه باباً لمعرفته و توحيده و كلّ الخلق انما خلقوا من شعاع انوارهم و شعاع الشعاع و شعاع شعاع الشعاع و شعاع شعاع شعاع الشعاع وهكذا و في كلّ رتبة ثانية يجري ماذكرنا في الرتبة الاولي من الثانية فعلي هذا غاية معرفتهم لربهم باكمل مايمكن هو معرفة ادني وصفهم في مقام النقصان لا في مقام الكمال و لذا نزّه اللّه سبحانه نفسه عن صفات المخلوقين و قال سبحانه سبحان ربك رب العزة عمايصفون و «ما» عامة شاملة لكلّ وصف ثم اظهر الرضا عن المرسلين حيث انهم توجّهوا اليه تعالي من الباب الذي جعله تعالي لهم فقال و سلام علي المرسلين ثم اثبت ماخصّ نفسه لحكايته لتوحيده تعالي من غير واسطة و انما هو متمحّض في الصفتية فقال تعالي و الحمد للّه رب العالمين و الحمد هو مبدء اشتقاق اسم محمّد9 فافهم و لذا قال رسول‏اللّه9 يا علي ماعرف اللّه الاّ انا و انت و ماعرفني الاّ اللّه و انت و ماعرفك الاّ اللّه و انا فاذا كان كذلك فهم: المدلجون بين يدي الخلق في كلّ مقاماتهم و اليه الاشارة بقوله تعالي في الحديث القدسي حديث الاسرار كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبّتي غاية و لا نهاية اذ كلّما يظهر لهم مقام في العلم من معرفة اللّه سبحانه من ظهور تلك الصفات (الصفة خ‏ل) حتي عرفوا اللّه بها يظهر لهم بعد ذلك حلم فيعرفون ان ذلك مقام المخلوق ثم يترقّون بظهور الجبّار لهم بحكم المحو و الصحو حتي عرفوا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 376 *»

انهم وصلوا الي الحقيقة و شاهدوا المطلوب عياناً فيظهر لهم في مقام اعلي فيعرفون ان المقام الاول مقام خلق و هم كانوا هناك مشركين وهكذا فلا نهاية لهذا المحو و الصحو ابداً فاذاً كيف لايعظم عليهم اذ يرون مايصفون في اعلي مقامات توحيدهم يظهر لهم بعد ذلك انه مقام محمّد9 و اهل بيته الطيبين الطاهرين فيعظم عليهم الامر ثم ان ما لم‏يظهر لهم اعظم بل الذي ظهر لهم و الذي لم‏يظهر و لن‏يظهر الي انقطاع كينوناتهم هو رشح من انّيات مقامات محمّد و اله الطاهرين صلّي اللّه عليهم و ذلك ايضاً بالنسبة الي مقامهم لا بالنسبة الي مقامهم و اين الثريا من يد المتناول و هذا هو السرّ فيما ورد في الاخبار ان مولينا القائم7 و عجّل اللّه فرجه اذا ظهـر و حضـر عنده اصحابه الثلثمائة و الثلثة عشر يظهر لهم كتاباً مختوماً بخاتم رسول‏اللّه9 بخاتم رطب فيقول لهم بايعوني علي مقتضي هذا الكتاب فلما انه7 يقرأ عليهم يجدون ماكانوا يوصّفون به الرب عزّوجلّ القديم سبحانه و تعالي باعلي مقامات التوصيف و البيان الذي مايمكن لاحد من اهل ذلك الزمان لان هؤلاء صفوة اللّه في الارض و ليس علي وجه الارض يومئذ اعلم و لا اعرف منهم لانهم المؤمنون الممتحنون الذين عرفوا الحيث و الكيف و الكمّ و اللم و عرفوا مفصولهم و موصولهم و مايئول اليه امورهم فكانوا يوحّدون اللّه عزّوجلّ و يوصّفونه بغاية ماعندهم من العلم و المعرفة فاذا هم يرون ان الامام7 و روحي له الفداء و عجّل اللّه فرجه يريد منهم ان‏يقرّوا و يعترفوا ان ذلك بعض مقامات ال‏محمّد: و لهم مقامات اعظم من ذلك و تلك المقامات من بعضها فيعظم ذلك عليهم و لايقدرون علي التحمّل و القبول فيستعجلون و يقولون انت لست بصاحبنا فيجولون شرق الارض و غربها و برّها و بحرها و سهلها و جبلها و لايجدون ملجأ فيأتون و يسلمون و يبايعون علي جهة التسليم لا علي جهة المعرفة و اني و ان فضحت السرّ و كتبت مالاينبغي الاّ انه بعد من وراء الحجاب و قد سـدّ عليه الف باب فافهم الخطاب فمن هذه الجهة كان يعظم عليهم هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 377 *»

بالنسبة الي العلماء العارفين ثم ان الامر يعظم شيئاً بعد شي‏ء و حيناً بعد حين الي ان رجعت الاشياء كلّها الي اللّه فهناك يظهر سرّ علي روحي فداه مشتقاً من نور الكينونة.

و اياك و اسم العامرية انني   اغار(اخاف خ‏ل) عليها من فم المتكلم

٭  ٭  ٭  ٭  ٭

اخاف عليك من غيري و منّي   و منك و من زمانك و المكان
فلو اني جعلتك في عيوني   الي يوم القيمة ماكفاني

و اما الجهّال الواقفون في مقام القيل و القال حيث نسوا العهد المأخوذ عليهم في العالم الاعلي في القديم الاوّل ثم ما لا نهاية له من الازمنة و الامكنة من انّ عليّاً7 هو نور اللّه المطلق في السموات العلي و الارضين السفلي و مايري و ما لايري مماجـرت به الاقلام و مضت به المقادير و بقوا في مقام الانجماد في مقام الجماد كماقال عزّوجلّ و اذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كأنّهم خشب مسنّدة يحسبون كلّ صيحة عليهم هو العدوّ فاحذرهم قاتلهم اللّه انّي يؤفكون و لايدركون الاشياء علي جهة ذوبانها اذا سمعوا شيئاً جزئياً من اسرارهم: من بعض فروع ماذكر7 في هذه الخطبة الشريفة مثل انّ جبرئيل7 مايأتي الي النبي9 الاّ باذن علي7 يعظم عليهم ذلك بل ربما ينكرونه زعماً منهم بانّ عليّاً7 كان يأخذ العلم و الحكم (الحلم خ‏ل) من النبي9 و هو كان يأخذ عن جبرئيل كيف يستأذن جبرئيل عليّاً7 مع ما في الروايات ان جبرئيل مانزل الي علي7 ابداً و ماكان يراه بل ربما يسمع كلامه و اذا سمعوا ما ورد انّ جبرئيل7 كان يأخذ من اسرافيل و هو يأخذ من ميكائيل و هو يأخذ من الملك و هو الروح‏القدس و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 378 *»

 عقل محمّد و اله: فكان جبرئيل و غيره من الملائكة يأخذون منهم و يؤدّون اليهم فيعظم ذلك عليهم و يضطربون زعماً منهم بانه حينئذ اتيان جبرئيل يكون تحصيل الحاصل اذن لا فائدة ترجع اليهم من جهة العلم و ماورد انّ عليّاً7 قد قرأ القرءان حين تولّده من اوّله الي اخره و لم‏ينزل علي رسول‏اللّه9 حرف واحد منه و ماورد ان عليّاً7 كان اذا وضع رجله في الركاب يقرأ القرءان من اوّله الي اخره حتي يستوي علي ظهر الدابة حتي واجهني بعض اشباه العلماء بذلك و قال ان هذا الفعل مستحيل ممتنع لايمكن وقوعه لااستثني احداً و كذلك الاحوال و الاسرار المودعة في هذه الخطبة الشريفة اذا سمعوها يقولون انّ فيها ارتفاعاً و غلوّاً (علوّاً خ‏ل) و ينكرون نسبتها الي اميرالمؤمنين7 و يقولون انها من وضع الغلاة كماذكرنا في اول الجزء الاول من هذا الشرح فاوصاهم الامام7 وصية لو راعوها و حفظوها لم‏يلتبس عليهم شي‏ء من امور دينهم و معرفتهم بائمّتهم: لكنهم ماراعوها و ضيّعوها فوقعوا فيماوقعوا من الاضطراب و الاختلال قال دعبل الخزائي;:

ولو قلّدوا الموصي اليه امورهم   لزمّت بمأمون من العثرات

و تلك الوصية لا اختصاص لها بالجهّال و انما هي وصية عامة للجاهلين و العارفين الواصلين الاّ ان العارفين حفظوها و اولئك ضيّعوها و هي قوله7 فلاتستعظموا ذلك فينا فان الاستبعاد و الاستعجاب و الحكم بعدم وقوع الشي‏ء تعجيلاً و مبادرةً و جهلاً بالامر هو الذي يكون سبباً لعدم انفتاح باب المعرفة و ازدياد الجهل علي الجهل و العجز علي العجز فان الخلق متّفقون لا نكير عندهم علي انّ كلّ احد لايدرك كلّ شي‏ء اذ كلّ احد يجد ذلك في نفسه بالفطرة و الضرورة و قد نـصّ اللّه علي ذلك حيث قال و فوق كلّ ذي علم عليم و اتّفقت الامة بل كلّ ذي فطرة علي ان اللّه سبحانه لايطلب من العبد في العمل و الاعتقاد الاّ مقدار ما وهبه من العلم و المعرفة و قد نـصّ علي ذلك في كتابه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 379 *»

العزيز بقوله لايكلّف اللّه نفساً الاّ وسعها لينفق ذو سعة من سعته و من قدر عليه رزقه فلينفق ممااتيه اللّه لايكلّف اللّه نفساً الاّ مااتيها سيجعل اللّه بعد عسر يسراً فمقتضي الكلام الاول الضروري ان لايسارع الشخص الي الانكار اذا سمع ما لايدرك و مقتضي الكلام الثاني الضروري ان لايعتقد ما لايدرك فيسكت عما لايعلم و ينطق عما يعلم فاذا تكلّم متكلم فضلاً عما اذا انتسب الي اهل‏العصمة: فينظر فيه نظر المنصف الجاهل المتعلّم من اللّه سبحانه و من الائمة الهدي (الهداية خ‏ل ــ الهداة ظ) فان قام دليل قطعي من اجماع او ضرورة او نـصّ في الكتاب او في الاحاديث او دليل عقلي مستند الي امر شرعي من الخطابات الالهية مايدلّ علي بطلانه او صحّته فيعمل بمقتضاه والاّ فيحتمل و يتوقّف هذا اذا عرف مراد القائل المتكلّم بالكلام و اما اذا لم‏يعرف و احتمل انه اراد منه معني اخر من المعاني السبعين كما قال7 اني لأتكلّم بكلمة و اريد منها احد سبعين وجهاً لي لكل منها المخرج فاذن لا سبيل له الي الردّ و الانكار و يجب عليه التوقف في كلّ حال و طلب فهم المراد لينفتح له الباب فعلي هذا لايجوز ردّ الاخبار و طرح كلّ ماينسب الي الائمة الاطهار: ما لم‏يقم دليل قطعي علي انه مكذوب عليهم: و ليس من الدليل محض الاستبعاد و عدم اشتهاره عند العوام او عند العلماء الذين ليسوا بصدد مضامين تلك الاخبار و القول بانه يلزم منه الغلوّ (العلوّ خ‏ل) و الارتفاع باطل اذ لعلّه يريد منه معني لايلزم ذلك و كان ذلك المعني مخفيّاً عند الناظر او يراه بعيداً و هو قريب عند الامام7 فاذا قالوا: اني اتكلّم بكلمة و اريد منها احد سبعين وجهاً لي لكل منها المخرج انقطع (يقطع خ‏ل) الكلام و قالوا ايضاً: اذا اتاكم عنّا بانّا نقول ان الليل نهار و النهار ليل فلاتكذّبوه فانكم تكذّبونا

فاذا كان كذلك و قد جاءت الاخبار و تواردت و اشتهرت بين الفريقين ان اللّه سبحانه خلق محمّداً و اله صلّي اللّه عليه و عليهم قبل خلق الخلق و قبل ان‏يخلق شيئاً ثم خلق الاشياء كلّها من نورهم صلّي اللّه عليهم و اما الشيعة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 380 *»

الفرقة المحقة الناجية فلايشكّون ذلك في ائمّتهم: و اما العامة فلايشكّون في النبي9 في انه خير الخلق خلقه اللّه قبل ان‏يخلق الخلق ثم خلق الخلق من نوره فاذا كان كذلك فيكون الخلايق كلّهم بالنسبة اليهم  صلّي اللّه عليهم كالاشعة للسراج و هو لا استقلال له الاّ بالنار و السراج عين النار الناظرة لاحوال الاشعة و يديها المبسوطة بالانفاق علي الاشعة و وجه لها تتوجّه الاشعة به اليها و تنظر به اليها و لسان تخاطب الاشعة به و نور تضيئ به لها و ساير الاحوال و لايصل الي الاشعة شي‏ء الاّ بالنار و النار ايضاً لاتوصل الاشعة شيئاً الاّ بالسراج فصحّ لك ان‏تقول ان السراج خلق الشعاع بالنار او تقول ان النار خلقت الاشعة بالسراج و المعني في المقامين واحد و اذا قيل ان امر الاشعة مفوّض و مرجوع الي السراج فليس هذا هو التفويض الباطل اذ السراج لا غناء له عن النار فهو حين مايدبّر امر الاشعة بيد النار و يستمدّ منها لايستغني عنها بوجه ابداً و التفويض الباطل اذا قيل بالاستقلال و اذا قيل ان السراج خلق الاشعة لايلزم منه عزل النار عن الخالقية و التدبير و التصرف و انما هو اثبات لتدبيرها لمن يعقل فمن هذا المثال اعرف المراد و نزل الخلايق كلّهم بمنزلة الاشعة و علي اميرالمؤمنين7 بمنزلة السراج و اجر الاحوال كلّها علي حسب ماذكرنا من غير استعجاب و لا استعظام فانه انكار لقدرة اللّه عزّوجلّ و جهل بمقامه و مقام اوليائه و انكار لسعة اقتداره سبحانه و تعالي و عجز عن معرفة عظمة اللّه جلّ‏جلاله و تعظيمه تنزيهه عن شوائب النقايص الامكانية و ليس في هذا عجب بل امرهم: اعجب و خطبهم اعظم و قدروي الكليني; في الكافي ما معناه انه قيل للصادق7 انّ ماعلّمه النبي9 عليّاً من الابواب التي يفتح من كلّ باب الف باب هل ظهرت لشيعتكم كلّها فقال7 ماظهـر منها الاّ باب او بابان قال فماظهـر من فضلكم لشيعتكم الاّ باب او بابان قال7 و ماعسـي ان‏يظهر لكم واللّه ماظهر لكم من فضلنا الاّ الف غير معطوفة هـ و المعاني و الدلالات كلّها انما تحصل بالحروف و تأليفها و ترتيبها علي نظم معيّن و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 381 *»

الحروف تحصل من انعطاف الالف اللينية الي الاطوار و الاحوال الثمانية و العشرين فقبل انعطاف الالف لم‏تظهر الحروف فضلاً عن ظهور المعاني المختلفة المتعددة الغيرالمتناهية /و الالف (فالالف خ‏ل) الغيرالمعطوفة من حيث هي ليس فيها من المعاني شي‏ء اصلاً من المعاني التي تظهر بالحروف كماقال الرضا7 ان الحروف ليس لها معني غير انفسها فاذا اردت ان‏تؤلّفها تؤلّفها لمعني محدث لم‏يكن قبل ذلك فصرّح7بهذه الاشارة لاهل الاشارة انّ ماظهـر لكم من فضائلنا ليس شيئاً بالنسبة الي مقامنا و مرتبتنا و هو كذلك فان الاثر لايلحق مؤثّره و الشي‏ء لايجاوز مبدأه و الادوات لاتحدّ الاّ انفسها و الالات لاتشير الاّ الي نظائرها فاذن لايستعظم مايظهر من فضائلهم و مناقبهم و ظهورات اثارهم و صفات اشباح هياكلهم: الاّ الجاهل بالامر او المعاند فنهيه7 عن الاستعظام نهي تحريمي لايسع العاقل ذلك و لذا قالوا: مامعناه لاتخبروا باحاديثنا ضعفاء شيعتنا فيقولون ليس هذا و ليس هذا و الانكار كفر و المؤمن الممتحن يسلم كلّ‏ما يصدر منهم و يرد عنهم: فان فهمه فذلك حظّه والاّ فيردّ اليهم كما قال عزّوجلّ خطاباً لعلي7 في الباطن فلا و ربّك لايؤمنون حتي يحكّموك فيماشجـر بينهم ثمّ لايجدوا في انفسهم حرجاً مماقضيت و يسلّموا تسليماً و قال الصادق7 انكم لن‏تؤمنوا حتي تعرفوا و لن‏تعرفوا حتي تصدّقوا و لن‏تصدّقوا حتي تسلّموا ابواب (ابواباً ظ) اربعة لايصلح اوّلها الاّ باخرها ضلّ اصحاب الثلثة و تاهوا تيهاً بعيداً الحديث فالمؤمن الممتحن لايستعظم مايقرع علي اذنه من اسرار علي7 لانه باب اللّه تعالي و وجهه و لايستعظم من اللّه شي‏ء من الاشياء و هو7 لاينسب اليه شي‏ء الاّ بمشية اللّه سبحانه و باقتداره لا من قبل نفسه فانها من حيث هي ليست شيئاً و لا تذوّت لها فاذا كان منسوباً الي اللّه عزّوجلّ و بقدرته و هو علي كلّ شي‏ء قدير فمن اين الاستعجاب و الاستعظام و لذا قال7 في حديث معرفته بالنورانية ما معناه انه من شكّ فيماذكرت فقد انكر قدرة اللّه في اوليائه قال الشاعر و نعم ماقال:

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 382 *»

اعدم وجودك لاتشهد له اثراً   و دعه يهدمه طوراً و يبنيه

قوله7 فو الذي فلق الحبّة اتي بواو القسم تأكيداً للامر و تثبيتاً للحجة عند الجاهل علي الحقيقة في سرّ الخليقة و انما اختار7 الواو في هذا المقام لانها اول سرّ ظهر من ينبوع حقيقته و اوّل نور سطع من شمس كينونته و هويّته في الازل الثاني لان الواو هو الامر بين الكاف و النون و هو العدد التامّ بالزبر و بالسرّ الغيبي و الرمز الباطني هو حكاية الاحد فان البيّنات غيب بالنسبة الي الزبر و ان كانت بلحاظ اخر صفة له و الواو بيّناته ثلثة عشر و هو تمام الاحد و هو حكاية صفة الذات الازلية و العبارة عنها و لذا اختصّت الواو بالقسم لاشتمالها لهذا السرّ المنمنم و كون اوّلها عين اخرها و ظاهرها حقيقة باطنها يشير الي الاولية و الاخرية و الي رجوع العود كالبدء كما في قوله تعالي و ليدخلوا المسجد كما دخلوه اوّل مرّة و هي العدد التامّ و السرّ العامّ الجامع لاسرار التوحيد بالباطن و اسرار الموحّدين في الظاهر و اتمام الصنع بالصفة و رجوع العود كالبدء بالاشارة و اول مابدئ من العين اي كـن فمحلّها وسط الكلمة لبيان انها اثر المجموع فلها وجه الي جوامع التوحيد و مراتب التنزيه و التجريد و وجه الي مقامات الكثرة و مراتب الخلق الظاهرة بالنون و هي الستة الايام التي خلق اللّه فيها الشي‏ء كما قال سبحانه و تعالي و لقد خلقنا السموات و الارض و مابينهما في ستّة ايام و مامسّنا من لغوب و هي صفة (صفتها خ‏ل) الغيبوبة و المحو و الافناء و الصعود من ظاهر القشر الي باطن اللبّ و لذا قال مولينا الباقر7 و الواو اشارة الي الغيبة عن درك الحواسّ و لمس الناس و هي مجمع الطبايع النورية في الباطن و ان كانت في الظاهر جامعة لاقوي مراتب اقوي الطبايع لاشتمالها علي النار في مقام المرتبة و علي الهواء او التراب في مقام الدرجة و لذا كانت عاطفة لمافيها من سرّ الرطوبة مع الحرارة المسرية و المتعدّية الي الغير و مستأنفة لمافيها من سرّ الحرارة و اليبوسة الطالبة للابتداء و الاستيناف و عدم التبعية و لذا كانت من حروف القسم لكونها من حروف

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 383 *»

المبادي بذاتها و صفاتها و مقامها و ظاهرها و باطنها كمااشرنا اليه و لاتتوهّم ان مقامها الشفة و الحروف الشفوية ليست من المبادي و انما هي حروف الحلق لان المبدأ مقام وجوده في نفسه اسفل المراتب و المقامات و ذلك سرّ علوّه اماسمعت عليّاً7 قد لقّب بابي‏تراب و محمّد9 يوصف بالعبودية التي هي الذلة و المسكنة قبل كلّ صفة و كلّ حال و نعت و قال9 الفقر فخري و به افتخر اماعلمت ان السجود في الصلوة اشرف و افضل من الركوع و هو من القيام و انّ اقرب احوال العبد مع اللّه تعالي حالته و هو ساجد امارأيت ان البسملة التي اوّلها اعلي المبادي و اشرفها من حروف الشفة و هي الباء و من جهة الشرافة المعنوية ظهرت الواو بدءاً حتي استجنّت في كـن و غابت عند ظهور تين الكلمتين و استنطقت باسم الاحد الذي هو ابسط الاسماء ثم ظهرت بزبرها و بصورتها علي غيب معناها فاستنطقت منها الواحد و صار مبدأ الاعداد و سبب حصول الاستعداد و اشتقّ منها اسم محمّد9 الذي هو اشرف المبادي ثمّ اشتقّ منها بالطرد و العكس اسم علي7 الذي هو افضل الاكوان و المكوّنات و من هذين الاسمين الاعلين ظهرت الاسماء و وجدت المسمّيات لان اللّه عزّوجلّ مايختار لمن هو مبدأ المبادي و علة العلل و اصل الاصول اسماً و صفة الاّ و هو مبدأ الاسماء و مقوّم الصفات اللفظية و الحرفية و كذلك المعنوية النورية و كذلك الظلمانية لان المراتب السفلية الظلمانية تسجد للشمس من دون اللّه فلابدّ لها من السجود للشمس والاّ لبطلت و اضمحلّت و فنيت و ماظهرت منها اثر و لم‏يكن لها خبر ذلك تقدير العزيز العليم فافهم ثم ظهرت عوداً كما كانت بدءاً في الاسم الاعظم الاعظم الاعظم الذي تنفعل لها الاشياء و تظهر منه القوابل و الافاضات و الاستفاضات النقطة التي عليها مدار الاكوار و الادوار و الاطوار و الاوطار و الليل و النهار و هي هذه الاحرف (نقش شرف الشمس) و انما ظهرت الواو في العود منكوسة لاثبات الرجوع و رجوع الاشياء كلّها عند رجوع الواو الي الصفاء الاصلي و النورانية الذاتية و الوحدة الحقيقية و هذا المعني و ان كان ظاهراً في اصل الواو

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 384 *»

الاّ انّ هذا النكس لسرّ الرجعة و ظهور الدولة و ما في نفسها من الدلالة الي الرجوع و العود انما يكون في يوم القيمة فافهم ان كنت تفهم والاّ فاسلم تسلم فلاجل ماذكرنا و ما لم‏نذكر اختار7 الواو في هذا المقام للقسم دون ساير الحروف.

ثمّ لمّا كانت كلماتهم: تامّة في كلّ الاقتضاءات و الاحوال كانت للواو مناسبة في هذا المقام و اظهار شأن من شئون ماهو بصدد بيانه عليه الصلوة و السلام و تلك المناسبة لم‏تحصل في غيرها و هي انما تحصل و تظهر في سرّ اطوار ظاهر الظاهر ولو فتحنا هذا الباب و تصدّينا لشرح تلك اللباب لطال الكلام زايداً عمايقتضيه المقام و الاشارة اليه علي جهة الاجمال لاهل التوجه و الاقبال هي انه7 لمّا ذكر بعض (بعضاً من خ‏ل) اسرار ولايته الظاهرة في المخلوقين و كانت الطبايع غير ناضجة و النفوس و السرائر غير طيّبة لم‏تتحمّل و كادت ان‏تفسـد و تضمحلّ اراد7 اثباتها و دلالتها الي مافيه نجاتها و به بقاؤها و ثباتها و قال لهم لاتستعظموا ذلك فينا فان امرنا اعجب و سرّنا اغرب و هذا الذي ذكرنا لكم شي‏ء يسير من ذلك بل جزء من مائة الف جزء من مثقال الذرّ فاذا تنبّهوا ان الامر اعظم مماسمعوا هان لهم الخطب في التصديق و سهل عليهم الامر لان النفس اذا تنبّهت الي ماهو اعظم مماكان عندها توجّهت و التفتت اليه و يبقي الاول سهل التسليم و الانقياد فلاتتنفّر منه و تحتمله و تجوّزه الي ان‏يرسـخ فيها و تطمئن و لمّا كان الخلق اكثرهم في القوس الصعودي ماوصلوا الي مقامهم الحقيقي و مالحقوا بمركزهم الواقعي و وطنهم الاصلي لم‏تكن المصلحة لاظهار السرّ اللبّي بصريح العبارة فاتي7بالاشارة بغامض العبارة في لحن المقال يدركها من اراد7 ارادة خاصّة و تصون عن الجاهل الذي قد ابـي ان‏يتعلّمها منه روحي فداه فاتي7 بالفاء للاشارة الي قوله تعالي انّا انزلناه في ليلة مباركة انا كنّا منذرين فيها يفرق كلّ امر حكيم و الفاء هي الكمال الشعوري لاخر مراتب المبادي العلوية العددية و هي الاحاد و اخرها التسعة و العين لمّاظهرت في الفاء او في الطاء تولّدت عنها الواو مثنّاة و هو قوله تعالي و اذ استسقي موسي لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتاعشرة عيناً قال7 كماتقدّم انّ موسي اشارة في الباطن الي رسول

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 385 *»

‏اللّه9 و العصا هي علي7 و الحجر هي فاطمة3 و العيون الاثناعشر هم الائمة: و منها علي7 و كذلك في هذا المقام ظهرت الواو مثنّاة من اجتماع عين علي7 مع طاء فاطمة3 و الوجه في هذا السرّ ربما نذكره ان شاء اللّه فيما بعـد و العين هي كلمة كن قدتحقّقت و تقومّت في التعين الاول و منه ظهرت في الحسن7 و منه في الحسين7 و منه في القائم7 و منه في الائمة الثمانية: و منه في فاطمة3 و منها تقسّمت اثارها و ظهوراتها في العالم علي نحو اعطاء كلّ ذي حق حقه و السوق الي كلّ مخلوق رزقه فالخلايق كلّهم واقفة ببابها و لائذة بجنابها لانها في افلاك المبادي و اوايل جواهر العلل كالقمر بالنسبة الي الافلاك الجسمانية اقرب الافلاك الي المستمدّين الفقراء اللائذين لافتقارهم الي الرطوبة و البرودة المناسبة لمقامهم اعظم و اشدّ و القمر يؤثر الحيوة و القوة و الحركة فيهم من جهة تقاطعه مع الشمس في الفلك الجوزهر و بذلك التقاطع حصلت الحيوة و الاشارة الي ذلك التقاطع الحقيقي هي الازدواج الظاهري بين علي و فاطمة8 و لذا كان ازدواجهما في السماء بمحضر من الملأ الاعلي بامر العلي الاعلي انظر الي اللطايف العجيبة في قوله تعالي اشارة الي هذه اللطيفة الدقيقة كلاّ و القمر و الليل اذ ادبر و الصبح اذا اسفر انها لاحدي الكبر نذيراً للبشر اما اتيان القمر و الليل فظاهر من انهما طبع المرأة بمقتضي الكينونة و الصبح اشارة الي التقاطع الذي ذكرنا و لذا كان وقت الصبح وقت تقسيم الارزاق و هي احسن الساعات و هي من ساعات الجنة لان تلك الساعة تحكي عن الفلك الجوزهر في المبدأ الاول لظهور سلطان النهار و سلطان الليل فيه فليست الحرارة فيه غالبة و لا البرودة و انما هو في كمال الاعتدال و صحبة اهل الوصال و استقامة الاحوال فالقمر و الليل اشارتان الي مقامها3 و الصبح اشارة الي مقامها3 مع علي7 في قوله تعالي انّا انزلناه في ليلة القدر و ماادريك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر تنزّل الملائكة و الروح فيها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 386 *»

 باذن ربهم من كلّ امر سلام فالعين في مقام الاجمال لم‏تظهر احكام تفاصيلها الاّ بالتقاطع مع الطاء و الاثار التفصيلية لم‏تظهر الاّ من الطاء بعد التقاطع و تطوّرها في اطوار كماليها المستخرج المتولد منهما الفاء فما للعين بذر و ما للطاء اصل و فرع بذر الاتري انّ الشمس تربّي المواد و هي في غاية الاجمال و البساطة و التفاصيل و الصور انما هو بالقمر بعد التقاطع و لذا كان القمر صاحب العدد و الحساب و الكثرة و الصور و لذا كان فلك القمر اكثر الافلاك في الافلاك الجزئية و ان ساواه فلك عطارد فانما هو لامر اخر لكونه فلك الفكر و الفكر له تقلّبات و احوال و لذا كان له اوجان و حضيضان و لمّا تمّت الكلمة في الطاء و كملت الطاء في الفاء ظهرت تفاصيل الفيض الناشي من الكلمة الواردة علي محلّها و معدنها و ينبوعها و اصلها و اول التفاصيل هو الستة لانها اول تثنية الواحد و اول تكراره فان الواحد ثلثة كما قدّمنا مراراً ذكره و هي العدد التام كماذكرنا لتساوي كسورها مع اصلها فوجب ان‏يذكر الواو بعد الفاء في هذا المقام و لذا قال تعالي انها لاحدي الكبر قال الصادق7 علي مارواه علي بن ابرهيم في تفسيره ان الضمير يرجع الي فاطمة3 و هي احدي الكبر و هم الائمة المعصومون: و هي نذير للبشر لان الفيض الظاهر بالبشارة و الانذار انما هو عنها نشأ و منها برز و اليها يعود و يرجع و اصول الفيض الي ان‏يكمل و يستقيم ستّة في الايام يوم الاحد و يوم الاثنين و يوم الثلثاء و يوم الاربعاء و يوم الخميس و يوم الجمعة و في الذوات عالم العقول و عالم النفوس و عالم الطبايع و عالم المواد و عالم الاشباح و عالم الاجسام و في العالم الانساني النطفة و العلقة و المضغة و العظام و اكتساء اللحم و انشاء الخلق الاخر و في الصفات و الاعراض الكمّ و الكيف و الزمان و المكان و الجهة و الرتبة فوجب ان‏يذكر الواو بعد الفاء لبيان ان ماظهـر منها صلوات اللّه عليها و روحي فداها (لها الفداء خ‏ل) هي الاكوان الستة المالئة لكلّ الوجود بقراناتها و اضافاتها و نسبها و تولّداتها و صفاتها و ساير احوالها و هي الكون الجوهري و الكون النوراني و الكون المائي و الكون الناري و الكون الهوائي و الكون الترابي فهي صلوات

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 387 *»

اللّه عليها قطب للعوالم كلّها ثم اتي7بالالف بعد الواو المدغمة مع اللام للاشارة الي تقسيم هذه العوالم الستة الي القابل و المقبول و خفاء المقبول الذي هو جهة الوحدة في القابل الذي هو جهة الكثرة و مراتب القابل ثلثون عدد قوي اللام ثم اتي7 بالذال لبيان رتبة الكمال بعد التمام و هو يوم السبت بعد يوم الجمعة و البلوغ بعد انشاء الخلق الاخر و التركيب بعد اجتماع الحدود الستة لان السبعة هي العدد الكامل و اشار ايضاً روحي فداه الي تشعّب كلّ مرتبة باعتبار اطوار القابل و المقبول الي مائة مرتبة لتبلغ رتبة (مرتبة خ‏ل) الكمال في المقامات التفصيلية الي سبعمائة و هي عدد قوي الذال و الاشارة الي ذلك ان كلّ مرتبة مخلوقة من عشر قبضات من الافلاك التسعة و من الارض في كلّ عالم بحسبه فاذا جمعت و لاحظت اول النسب في هذه العشرة يكون لكل مرتبة مائة و السبعة تكون سبعمائة فافهم ثم اتي7 بالياء لبيان ظهور المبدأ في الوجه السفلي لانها قد اخـذ من ياء علي7 ثم اردفها7 بفاء فاطمة3 في قوله7 فلق الحبّة.

و بالجملة فالكلام لايحسن علي هذا النمط فانه شي‏ء لايعرفه الناس و اذا سمعوه قابلوه بالانكار و اذا تنبّهوا لذلك ربما يفرّعون عليه ما لايصحّ و لايليق لان هذا باب منسدّ الاّ من اطلعه اللّه سبحانه علي غيوب الاشياء و اشهده نفسه و خلقه فيري الاشياء كلّها بسر الوحدة و يضع كلّ شي‏ء في موضعه و اما الجاهل بالامر فلايسعه ذلك اذ لايجوز القياس و الظن و الرأي و التخمين و الالحاق بالاعمّ الاغلب و الالحاق بالمشهور في هذه المقامات و هذه الدقيقة التي هي اقرب مما ذكـر7 مصرّحاً علي حسب الظاهر و اما في الحقيقة فليست فيها غرابة بوجه بل لو لم‏يكن كذلك لكان غريباً لانها معهم: في رتبة واحدة و هي اخرهم و الطفرة في الوجود باطلة فيجب ان الفيض المنتشر في العالم انما يكون عنها و بها و الخلق كلّهم عبيد لها و لها الهيمنة و الاستيلاء

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 388 *»

علي كل الوجود و الموجود ولكن كماذكرت سابقاً ان الطبايع الغير الناضجة من الشيعة اذا سمعوا مثل هذه الكمات في حق علي7 مع ماورد في حقّه من الفضائل و المناقب التي لايسع انكارها لاحد من المسلمين يستغربون و يستعظمون بل ينكرون كماانكروا و نسبوا هذه الخطبة الشريفة و امثالها من الخطب و الاخبار و الاحاديث كلّها الي الغلاة و المفوّضة فماظنّك اذا سمعوا ذلك و اعظم منه في حقّ سيدتنا الزهراء علي ابيها و بعلها و بنيها و عليها الاف التحية و الثناء ولكنهم: اهل الكرم و الجود لايبخسون الناس حظّهم و يؤدّون الي كلّ احد حقّه ممن يطلب منهم او لايطلب منهم و ان كان لايصحّ ان لايطلب منهم فاشار الي تلك الدقيقة بتلك الاشارة كمااشرت لك و الحمد للّه ربّ العالمين.

و اعلم اني لم‏اذكر في هذا الشرح النكات و الوجوه الظاهرية التي تعرّضوا لها اهل المعاني و البيان في المحسّنات اللفظية او اهل النحو و الصرف و اللغة في القواعد الحرفية او اهل الحروف الظاهرية في الحروف العددية او اهل الخطوط و الرقوم في الرسوم الرقمية او المعاني التي ذكرها الحكماء و اهل الطبيعة اذ المرجع فيها و امثالها ماذكروا في كتبهم و اثبتوه في زبرهم و ليس ذلك المطلوب منّا في هذا الشرح بل المراد منّا كشف الاسرار و رفع الحجاب و فتح الباب لاولي‏الالباب فاقتصر علي ذكر بعض الامور و الاسرار التي لم‏يذكروا و لم‏يدوّنوا و لم‏يعثروا عليه ممانطقـت به بواطن الاخبار المعصومية و شهدت بتصديقه الايات القرءانية و دلّت عليه الشواهد العقلية و الفؤادية بين تصريح و تلويح و اشارة و رمز و تعمية و امثالها كلّ ذلك خوفاً من اشباه الناس الذين تمكّن في صدورهم الوسواس الخنّاس قال تعالي و اذ لم‏يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم و انما اتي7 بالاسم الموصول في المقسم‏به لبيان الابهام في فالق الحبّ و بارئ النسم و ان كان هو المتعين لان اللّه عزّوجلّ هو الذي فلق الحبة و برأ النسمة الاّ انه سبحانه لم‏يتغيّر و لم‏يتبدّل و لم‏يتحوّل من حال الي حال

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 389 *»

و لايعتريه نقصان و لا زوال فادام الملك في الملك و الجأ المخلوق الي مثله و اقام الاشياء باظلّتها و تجلّي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و الاشياء كلّها ظهورات افعاله تعالي و لها ظهور و لظهور ظهورها ظهور و لظهور ظهور ظهورها ظهور وهكذا الي ما لانهاية له من الظهورات و الاطوار و لمّا كان اللّه سبحانه امره واحداً و حكمه واحداً كلّ تلك الظهورات تفصّلت في كلّ رتبة بالحبّ و النوي و في كلّ منهما ظهرت نسمة كما تبيّن لك ان شاء اللّه فهو تعالي في كل رتبة فالق الحب و بارئ النسم هذا في مقام الحقيقة بعد الحقيقة و لا فرق حينئذ بين اتيان الاسم الموصول و عدمه اذ ليس فيه ابهام و انما هو تعيين و ان كان باثبات بعض و محو الاخر حين الاثبات او المحو فان كلّ رتبة عند الاعلي فانية بل لا شي‏ء و لا ذكر لها هناك و اما في مقام مارميت اذ رميت ولكنّ اللّه رمي تظهر الثمرة و الابهام بارادة المعنيين او بسرّ الامر بين الامرين فان الاشياء و الموجودات كلّها علي اختلافاتها ماظهرت و لا وجدت الاّ بجهة من اللّه و جهة من نفسه و تلك الجهة هي فاعل فعل الفاعل كمافي قوله تعالي كن فيكون ففاعليته تعالي للشي‏ء انما هي في نفس الشي‏ء لا في نفس الذات القديمة تعالي شأنه والاّ لكانت محلاًّ للحوادث او مركبة او متغيّرة متبدّلة و لايوجد شي‏ء ابداً من الجهة الواحدة (الوحدة خ‏ل) و ان كان ذلك الشي‏ء ممااضمحلّت انيّته و اندكّت هويّته تنسب اثاره كلاًّ الي الفاعل سبحانه و لايلاحظ ذلك الشي‏ء بتلك الجهة اصلاً مثل ما في قوله تعالي خلق اللّه السموات و الارض اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك و قوله تعالي اللّه يتوفّي الانفس حين موتها و التي لم‏تمت في منامها و قوله تعالي فانّا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة الاية و قوله تعالي نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا و امثالها من الايات و ان كان الشي‏ء بقيت له الانية لكن لايترتّب عليها الاثر مسلوبة الحكم و التصرف و انما هي لحفظ وجوده فذلك الشي‏ء اثاره تنسب اليه ثم تسلب عنه فالنسبة لكون الشي‏ء له انيّة و مقام فرق في‏الجملة و اما السلب فلحكم الاضمحلال و الزوال كما في قوله تعالي و مارميت اذ رميت ولكنّ اللّه رمي و ان

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 390 *»

كانت انيّة الشي‏ء من شأنها ان‏تظهر منها اثر و ان اضمحلّت فذلك الشي‏ء تنسب اثاره الي نفسه لكن باللّه سبحانه و باذنه و بامره (امره خ‏ل) كما في قوله تعالي خطاباً لعيسي7 و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيها فتكون طيراً باذني و تبرئ الاكمه و الابرص باذني و مثل ما في الحديث ان اللّه اذا اراد ان‏يخلق الولد في بطن الام يرسل ملكين خلاّقين يقتحمان من فمها الي بطنها الحديث و ان كانت الانية تظهر اثارها و تقتضي شهواتها المخالفة لكينونة الحقّ سبحانه كما قال تعالي خطاباً لادم7 روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي فذلك الشي‏ء لاتنسب اثارها الاّ اليه و لاتنسب الي اللّه سبحانه ابداً الاّ بالعلم و الدليل علي ان الممكن لايستغني في افعاله عن اللّه عزّوجلّ و ان الافعال كلّها تجري بسرّ الامر بين الامرين كما في قوله تعالي و عصي ادم ربّه فغوي و قوله تعالي انه كان صادق‏الوعد و كان رسولاً نبياً و كان يأمر اهله بالصلوة و الزكوة و كان عند ربه مرضياً و قوله تعالي فانطلقا حتي اذا لقيا غلاماً فقتله الاية وهكذا امثالها من الايات و هذا هو الحكم في الكينونة الاولية الدنياوية.

و لمّا كان الفاعل هو المشتق من المصدر كالقائم المشتق من القيام و الضارب المشتق من الضرب و ليس مردّ الفاعل و محلّه الاّ الي الاثر الذي هو المصدر لا الذات البحت و هو الذي تشهد به الفطرة الالهية و الفاعل صفة لا حقيقة و ذات و لمّا كان الخلق في القوس الصعودي بعد النزولي قبل وصولهم الي المبدأ الذي تنزّلوا منه وقفوا في مقام الكثرة و الانجماد و لم‏يحصل لهم الذوبان التامّ حتي يشاهدوا ذلك المعني بسرّ الهويّة و لبّ الفطرة قدينسب الفاعل الي المصدر لبيان ان الذات متعالٍ عن الاقتران و الاتصال و ان الفاعلية صفة قائمة بهذا المحلّ و هي للّه سبحانه و قيامها به قيام صدور لا قيام تحقّق و معني هذا الكلام في هذا المقام ان حقيقة المصدر الذي هو المبدأ هي تلك الصفة لا ان الحقيقة شي‏ء و الصفة شي‏ء اخر ليكون مشاركاً او مستقلاًّ تعالي اللّه عن ذلك علواً كبيراً و من هذا القبيل قول علي7 انا خالق السموات و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 391 *»

 الارض بامر ربي انا داحي الارض كمايأتي ان شاء اللّه فان ذلك للبيان لا انه المستقل او له انّية يصدر عنها الاثر كما مرّ في قوله تعالي حكاية عن عيسي7 و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير الاية و اما معني قول مولينا الصادق7 علي مارواه المجلسي من قال نحن خالقون بامر اللّه فقد كفـر فكما ذكرنا من لزوم توهّم الانّية و الاستقلال ليكونوا كالوكيل فان ذلك كفر محض و زندقة صرفة و من يقل منهم انّي اله من دون اللّه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين بل الخالق هو اللّه سبحانه وحده لايشارك معه غيره و لايستقلّ سواه و الخالق صفة فعلية و حقيقتهم: تلك الصفة لا ان حقيقتهم امر و الخالق امر اخر فاللّه سبحانه هو الخالق وحده فمن رام غير هذا المعني غـلا و كفـر و للاشارة الي البيان لاهل القوس النزولي حتي لايضلّوا و يتنبّهوا لحقيقة الامر قال اللّه عزّوجلّ عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون مع ان مولينا الصادق7 نفي هذا المعني بعينه فافهم و تنبّه و اعلم بانه لا تعارض و لا تنافي بين الاخبار و الايات انظر الي قوله تعالي اللّه يتوفّي الانفس حين موتها الاية و قوله تعالي الذين تتوفّيهم الملائكة ظالمي انفسهم، قل يتوفّيكم ملك‏الموت الذي وكّل بكم و قوله تعالي نحن قسمنا بينهم معيشتهم و مادلّت الاخبار و الادعية انّ ميكائيل هو الموكّل علي الارزاق و قوله تعالي يدبّر الامر يفصّل الايات و قوله تعالي في الملائكة فالمدبّرات امراً و قوله تعالي و لقد انزلنا عليك الكتاب و قوله تعالي قل نزّله روح‏القدس علي قلبك باذن اللّه اجمع بين هذه الايات و الروايات تجد سرّ ماذكرنا لك واضحاً ظاهراً بيّناً ان شاء اللّه تعالي و اما اذا اتّصل القوسان و اتحد القطبان في يوم القيمة يوم الفزع الاكبر و مابعده في الجنة فترد الاشياء كلّها الي اللّه و ترجع اليه سبحانه انّا للّه و انّا اليه راجعون فكل النسب تنتهي اليه تعالي لايسمع فيه صوت الاّ صوتك و لايري نور الاّ نورك و في هذه الدنيا كذلك الاّ انه لاهل الاخرة و الامر يومئذ للّه لمن الملك اليوم للّه الواحد القهّار و لقدكشفت الامر و اوضحت السرّ و لم‏يبق الاّ التصريح و ذلك ممنوع منه شرعاً و ان كان عند من فتح اللّه نور بصيرته مصرّحاً

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 392 *»

مكشوفاً و اللّه ولي التوفيق.

قوله عليه الصلوة و السلام فلق الحبة قد فسّرت في تفسير اهل‏البيت: بالنطفة و يشهد له قوله7 و برأ النسمة لانها انما تتحقق بفلق الحبة اي النطفة الي العلقة و فلقها الي المضغة و فلقها الي العظام ثم اكتساء اللحم ثم انشاء الخلق الاخر ثم الولادة الجسمانية ثم الولادة الدنياوية ثم الولادة الروحانية ثم الولادة العقلانية ثم الولادة البرزخية ثم الولادة الاخروية فهناك تتم الخلقة و تبرأ النسمة علي اكمل مايمكن في حقّه ثم لايزال تترقّي (يترقّي خ‏ل) من نوع ما هي عليه الي ما لانهاية له و الحبة هي فاطمة الصديقة الطاهرة عليها و علي ابيها و بعلها و بنيها الاف الثناء و التحية قد انفلقت منها النسمات النورية كما في قوله تعالي انا انزلناه يعني عليّاً7 في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم اي كلّ امام حكيم بعد امام حكيم و انما كانت حبّة لان اللّه عزّوجلّ فطم محبّيها و محبّ محبيها و محبّ محبّ محبّيها من النار و قد قال مولينا الصادق7 في تفسير قوله عزّوجلّ كمثل حبّة انبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة قال7 مامعناه ان الحبة في فاطمة3 و السنابل السبع هي الحسين و اولاده: قيل و الحسن قال7 ان الحسن امام مفترض‏الطاعة و ليس من السنابل هـ يريد من السبعة تلك الحقايق المقدسة بحسب اسمائهم الشريفة فانها تكون سبعة و هم الحسين و علي و محمّد و جعفر و موسي و الحسن و المهدي صاحب‏الزمان عليهم الصلوة و السلام و انما كان الحسن7 ليس من السنابل اذ ليس له عقب يكون اماماً فمانبت من اصله من هو مثله و اما القائم7 فانه من السنابل لانه منتهي اليه التعلقات و انقطعت الامامة عنده و مائة حبّة هم الاولاد لكل واحد منهم: في الرجعة مائة ولد كلّهم اولياء اللّه و خلفاؤه في ارضه ممتازون عن ساير الاولاد الالف بالعلم و المعرفة و المحبة و امثالها و فالق الحبّ حينئذ هو مولينا اميرالمؤمنين7 باللّه او قل هو اللّه سبحانه بعلي7 و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 393 *»

كلا المعنيين واحد فيكون علي هذا المعني مؤدّي قوله7 فيمابعد و حقّي و عظمتي لكن امره امر اللّه و حكمه حكم اللّه و قوله قول اللّه و فعله فعل اللّه لا فرق بينه و بينه الاّ انه عبده و خلقه فتقه و رتقه بيده بدؤه منه و عوده اليه.

او يراد بالحبّة العقل الاوّل الكلّي قد انفلق منه العالم كلّه لان الموجودات المقيّدة الظاهرة بالاثار و الاحوال من العلويات و السفليات كلّها انما تحقّقت باقباله و ادباره و هو في ذاته في كمال البساطة و التجرد لكنه لمّاتنزل الي المقامات السفلية لحقته الاعراض و الحدود و القيود فصار بلحوق كلّ حدّ و قيد منشأ اصل من اصول الموجودات كالنفس و الطبيعة و المادة و المثال و الجسم و غيرها و كلّ ذلك انما انفلق من تلك الحبة فلمّا رجعت الي عالمها عادت الي بدئها من كونها حبّة و بقيت الاصول الظاهرة و الناشئة منها كلّ اصل في مكانه و رتبته كالحبة اذا زرعتها فانها تصير سنبلة ثم عادت الي اصلها اي كونها حبّة و بقيت السنبلة الناشئة منها في مكانها و مرتبتها في (من خ‏ل) الوجود و ذلك ظاهر.

و حقيقة الامر في الحبّة انها هي المحبّة و لذا اشتقّت لها الحبّة لسرّ تلك المحبة الظاهر الساري فيها فان اللّه عزّوجلّ قال في الحديث القدسي كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فالمحبة هي علة الخلق و هي منشأ وجوده فهي اول ماخلق اللّه سبحانه فنظرها دائماً الي المحبوب لكن قديحصل لها نظر الي المحبّ و بذلك كانت حجاباً كما قال مولينا الصادق7 المحبّة حجاب بين المحبّ و المحبوب فبذلك الحجاب ناسبت لحوق الاعراض و الحدود فهي في حدّ ذاتها ذات وجهين نظر الوحدة و نظر الكثرة فبالاولي بسيطة غير منفلقة و ليس لها ضدّ لانه جهة الكثرة و بالثانية تنفلق و يحصل لها الضدّ حين ميلها الي الانفلاق و ذلك الضدّ هو النوي قال تعالي فالق الحبّ و النوي فانفلق من الحبّ او الحبّة (المحبّة خ‏ل) الهياكل النورانية المصوغة من القبضات الطيّبة من ارض العليين و سمائه و هم النسمات الالهية فانفلق منها العرش و هو قلب النسمة علي حسب مقامها من الكلية و الجزئية ثم الكرسي و هو صدرها في الكلي و الجزئي ثم زحل و هو دماغها ثم المشتري و هو علمها ثم

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 394 *»

المريخ و هو وهمها ثم الشمس و هي وجودها ثم الزهرة و هي خيالها ثم عطارد و هو فكرها ثم القمر و هو حيوتها ثم النار و هي مرّتها الصفراء ثم الهواء و هو دمها ثم الماء و هو بلغمها ثم التراب و هو مرّتها السوداء و المجموع جسدها فلمّا انفلقت منها هذه المراتب تمّت كينونة النسمة و لذا اتي7 في مقام النسمة بقوله و برأ النسمة فانّ «برأ» هو الفعل المتعلق بايجاد الصور و الحدود كما ان «خلق» هو الفعل المتعلق باحداث المواد و تلك الحدود هي الاطوار التي اشرنا الي شي‏ء منها و كلّها انما حصلت بانفلاق الحبّة كماسمعت مجملاً و لاتظهر تلك المراتب في القوس الصعودي تامّة الحكم متميّزة الاثار الاّ بعد تسعة و اربعين مرتبة لان الثلثة عشر في اربع دورات دورة العناصر و دورة النبات و دورة الحيوان و دورة الانسان تبلغ ماذكرنا فلمّا تمّت هذه المراتب جعل اللّه سبحانه كلّ رتبة مخزناً لفيض من الفيوضات العلوية و علم من العلوم اللدنّية حتي استكملت عند تلك النسمة اسرار الاكوان و مستجنّات غيوب الامكان و جميع مراتب الكمال و الجلال و الجمال و العظمة و الاقبال و البهاء و النور و كلّ‏ما يريد سبحانه من الخلق ان‏يعلموه عند توجّههم اليه تعالي ممايلقي اليهم من بحر الصاد اول المداد من القطرات الواردة الواقعة علي اراضي جهات القابليات و الاستعدادات حتي يستوفي الاجل و يبلغ الامل و من اللّه المزيد كما قال عزّوجلّ و لدينا مزيد و اما النوي فقد انفلق منها مقابلات ماذكرنا للنسمة الخبيثة و الفطرة (القطرة خ‏ل) الملعونة فانفلق منها الثري و هي وجهها (جهلها خ‏ل) الكلّي في الكلّي و الجزئي في الجزئي ثم الطمطام و هو صدرها ثم ارض الشقاوة و هي دماغها ثم ارض الالحاد و هي علمها المنكوس ثم ارض الطغيان و هي وهمها ثم ارض الشهوة و هي مادتها الخبيثة ثم ارض العادات و هي خيالها الميشوم ثم ارض الطبع و هي فكرها الملعون ثم ارض الممات و هي حيوتها ثم كمثل الكلب و هي مرّتها الصفراء ثم الريح العقيم و هي دمها ثم الماء المالح و هو بلغمها ثم الحجارة و الحديد و هي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 395 *»

مرّتها السوداء و المجموع جسدها فلمّا انفلقت منها هذه المراتب تمّت كينونتها و خبثت نتنها و كثافتها ثم دارت اربع دورات و استكملت لها المراتب الخبيثة و المقامات الملعونة فاستجمعت جميع الخبائث و استوعبت كلّ الرذائل و صارت تدّعي الربوبية و تدعو الي نفسها و هو قوله تعالي ان يدعون من دونه الاّ اناثاً و ان يدعون الاّ شيطاناً مريداً لعنه‏اللّه و قال لاتّخذنّ من عبادك نصيباً مفروضاً و انما ماذكر النوي7في هذا المقام و اقتصر بذكر الحبّة لبيان انهم اي النسمات المنفلقة من النوي كلّها منسيّون كمانسـوا اللّه جلّ جلاله فلايذكرون الاّ بالتبع و بالكناية و اللزوم لا بالتصريح و القصد الاّ في مقام يقتضي التصريح لمصالح و حكم و ذكر الحبّة يستلزم ذكر النوي فاقتصر7 علي الاشرف و ترك الاخسّ.

و فلق الحبّة اشارة الي سرّ الموجودات كلّها لان الخلق باجمعهم انما تشعّبوا و تطوّروا و اختلفوا بعد اجتماعهم كلّهم في حقيقة واحدة و هي المحبة التي بها اوجد اللّه الخلايق فالقسم بفالق الحبّ يستلزم القسم باللّه الاسم الاعظم الذي حوي الاسماء الالهية و الصفات كلّها لان كلّ شأن انفلق من تلك الحبة (المحبة خ‏ل) استدعي ظهور اسم من الاسماء الالهية و اليه الاشارة في دعاء كلّ يوم من رجب لكل مسألة منك سمع حاضر و جواب عتيد و الاشياء بكلّ انحائها لاتستغني عن المدد و اما حقيقة فالق الحب (الحبة خ‏ل) و مدلول هذه العبارة و المشاراليه بهذه الاشارة فاعلم ان لي كلاماً في هذا الباب الجامع لهذا و امثاله امليته علي بعض الاحباب مشتمل علي ما لاتحيط به العبارة و لاتدركه الاشارة احبّ ان اورده في هذا المقام فابذل جهدك في معرفته فانه تمام الامر و جامع (جماع خ‏ل) التوحيد و كلّ كلام غيره ساقط دونه و هو:

بسم اللّه الرحمن الرحيم اعلم ان الذات هي هي لايخرج منها شي‏ء و لايدخل فيها شي‏ء و لاينتسب اليها شي‏ء لان النسبة تكييف و تحديد و لايقترن معها شي‏ء فجميع النسب و الاضافات و القرانات انما هي لظهوراتها و تلك

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 396 *»

الظهورات هي امثالها الظاهرة و اشباحها المنفصلة لا فرق بينها و بينها الاّ انها عبادها و امثالها و اياتها فالاشارات كلّها تنتهي الي تلك الظهورات و رتبتها متأخّرة عن رتبة الذات فهي موضع /الاشارة في مقام اللااشارة (الاشياء في مقام الاشارة خ‏ل) فضمير المتكلّم و المخاطب و الغايب انما يرجع الي تلك الظهورات لا الي صرف الذات فاذا قلت «انا» تريد به الظاهر بالكلام و ذلك الظاهر هو مثالك الملقي في هوية الكلام و لمّا كان الخلق كلهم ظهورات افعال اللّه سبحانه و تجلّيات اسمائه كما قال علي7 بل تجلّي لها بها و قال مولينا الصادق7 ان اللّه تجلّي لعباده بكلامه هـ كان ماينتسب (ينسب خ‏ل) اليه سبحانه باي نحو من الانحاء سواء كان بالضماير او بالموصولات او بالاسماء و الاعلام او بالاضافات علي كلّ وجه فانما هي في رتبة ذلك الظهور و لمّا كانت حقايق الخلق هي ذلك الظهور كانت مدلولات تلك الدوال هي تلك الحقايق بتجلّيه سبحانه فيها و تجلّيه سبحانه فيها علي حسبها فماينتسب (ينسب خ‏ل) اليه تعالي هو مايناسب في مقامها مماينتسب (ينسب خ‏ل) اليها لا من حيث هي هي و لمّا كان الخلق المنتسب الي اللّه تعالي علي الحقيقة الاولية منحصراً في محمّد و اله الطاهرين صلّي اللّه عليه و عليهم اجمعين كما قال تعالي اشارة الي هذه الدقيقة في الباطن و اصطنعتك لنفسي و قال ايضاً تعالي و القيت عليك محبّة منّي و لتصنع علي عيني كان ماينتسب الي اللّه سبحانه وارداً علي تلك الحقيقة المقدسة الشريفة فعلي هذا فافهم معني قوله تعالي اني انا اللّه لا اله الاّ انا فاعبدني و اقم الصلوة لذكري و قوله تعالي و لقد خلقنا السموات و الارض و مابينهما في ستّة ايام و ما مسّنا من لغوب و قوله تعالي و لقد بنينا فوقكم سبع طرائق و ماكنّا عن الخلق غافلين و امثالها من الايات في هذا الشأن و اليه الاشارة بقول مولينا الصادق7 و نحن الاسماء الحسني التي امركم اللّه ان‏تدعوه بها و في الزيارة السلام علي اسم اللّه الرضي و وجهه المضيئ و جنبه العلي و قال الصادق7 في حديث طويل الي ان قال7 و هو المسمي و نحن اسماؤه و هو المحتجب و نحن حجبه الحديث.

فاذا عرفت هذه الدقيقة فاعلم ان النبي9 قال في جواب

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 397 *»

اليهودي الي ان قال9 ان اللّه تبارك و تعالي اوحي الي انّ فضلك علي الانبياء كفضلي و انا ربّ العزّة علي كلّ الخلق و المشبّه عين المشبّه‏به فتكون نسبة اللّه الي خلقه هي بعينها نسبة ال‏محمّد:الي ساير الخلق فعلي هذا فاجر كلّ‏ما ذكرنا فيماينسب اليه سبحانه و مايراد منه فيماينسب الي الحقيقة المحمّدية9 حرفاً بحرف فان الخلايق سويها كلّها اشباح ظهوراتها و هياكل صفات كينوناتها و الاشارات (الاشارة خ‏ل) تنتهي الي الصفات و العبارات تتعلّق بالتعلّقات و هي كلّها دون تلك الحقيقة فتلاحظها فيها و تشاهدها معها فيماينسب اليها ممايناسب مقامها لا من حيث مقامها /و في بعض الاحوال ممايناسب مقامها (زائد خ‏ل) علي مافصّلت لك سابقاً فاذا فهمت هذا الذي ذكرت و اتقنته ظهر لك سرّ عجيب و امر غريب فعلي ماذكرت فاحمل قوله7 فوالذي فلق الحبة و ليس المراد منه و من امثاله الاّ اللّه سبحانه وحده علي جهة الاستقلال لايشاركه فيه احد و لايتّخذ لنفسه وزيراً و لا عضداً قل اللّه خالق كلّ شي‏ء، افرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون، افرأيتم ماتحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون، افرأيتم النار التي تورون ءانتم انشأتم شجرتها ام نحن المنشئون فلا استقلال لشي‏ء الاّ للّه سبحانه و لا فعل الاّ فعله و لا حكم الاّ حكمه و لا امر الاّ امره فمن رام غير هذا المعني مماذكرنا و ممايسمع منّا فقد كفـر كفر الجاهلية الاولي و نحن الي اللّه منه برآء.

قوله7 و تفرّد بالجبروت و العظمة هذا الكلام متفرّع و مترتّب علي الكلام السابق و ان لم‏نقل ان الواو للترتيب و ان كان الظاهر من ظواهر الادلة الترتيب و يستفاد ذلك من بعض الروايات كما في التهذيب و غيره لانه7 لمّا ذكر فالق الحبة لكنّه علي الجملة الفعلية لا الجملة الاسمية للاشارة الي ان هذا المقام مقام الفعل العامل في الاسم و ان كان ذلك اسم الفاعل فهو العامل و لايدخل عليه معمول و هو علي ابداً و لايعلي عليه و لذا اتي7 بصيغة الماضي الذي هو المبني الذي لايؤثر فيه العامل بخلاف الفعل المضارع فان للعامل فيه تأثيراً و قد اشار

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 398 *»

لاهل الاشارة الي تحقق المقامين و ان مقام الفعل اعلي من مقام اسم الفاعل و ان كان اسم الفاعل فيه ذكر المبدأ وحده لا سواه لكن ذلك حكاية الفعل للاسم عدم استقلالية نفسه فالمقسم‏به في هذا المقام اعلي من المقسم‏به في مقام اسم الفاعل و ان كان كلاهما اسمين للّه سبحانه و ورد التعبير بهما كما في قوله تعالي فالق الحبّ و النوي يخرج الحي من الميّت الاية و ذلك كمانقول ان اسم اللّه اعظم من سائر الاسماء فاذا قسمت باسم اللّه يكون اعظم بالنسبة الي ما اذا اقسمت بالاسم الخالق فافهم و قد عرفت ان الموجودات المكوّنة بل الممكنة انما تحصّلت و وجدت بانفلاق الحبة و النوي فلا موجود من الموجودات خارجاً عن انفلاق الحبة اما بذاتها او بعكسها فيكون فالق الحبة و بارئ النسمة حينئذ متفرّداً و متوحّداً بالجبروت و العظمة و القدس و العزّة و الهيمنة و السلطنة و البهاء و القدرة و البسط و العطية و امثالها من شئون الجلال و الجمال و الكمال و القدرة و القوة لان بكلمته انزجر العمق الاكبر و ركدت البحار و خضعت الجبال و وجلت القلوب من مخافته و استسلمت له الخلايق كلّها.

فظهر لك انّ الذي فلق الحبة و برأ النسمة هو المتفرّد بالجبروت و العظمة اما الجبروت فهو الظهور الالهي علي جهة الهيمنة و الاستيلاء و الاقتدار الذي يقهر كلّ ماعداه و يبطل كلّ ماسواه و اليه الاشارة علي ما في دعاء علي بن الحسين8 و ان كلّ معبود ممادون عرشك الي قرار ارضك السابعة السفلي باطل مضمحل ماعدا وجهك الكريم الدعاء و انما عبّر عن السوي بالمعبود لان كلّ شي‏ء يتوجّه اليه القصد من دون اللّه سبحانه فهو معبود للمتوجه الناظر مع اللّه و هو قوله تعالي افرأيت من اتّخذ الهه هويه و قال الصادق7 من استمع الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان و علي هذا يكون الجبروت هو عالم العقول من جهة ظهوره تعالي فيه تحت الحجاب الابيض الاعلي و هو اعلي مقامات الوجود المقيّد و مبدؤه و اصله و ذكر الاشياء و ظهور جهتيها انما كان في هذا العالم مبدؤه لكن علي جهة الاضمحلال و الفناء و العدم فالواقف في ذلك المقام لايجـد

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 399 *»

للاشياء تحققاً اصلاً و ان كان يجد لها ذكراً لكنه علي جهة البطلان و لايجدها منشأ الاثر و ذلك العالم منشأ العبادة و الطاعة و السؤال و الطلب من اللّه سبحانه و رضاه و مجلي الاسم الاعظم اللّه و قبله لم‏يتحقق (لايتحقق خ‏ل) العبادة لعدم العابد و بعده ايضاً كذلك لخفاء ظهور المعبود في نظر الواقف في ذلك المقام لشدة انجماد الواقف و فرط ظهور المعبود و اما في عالم الجبروت يجـد المعبود سبحانه اظهر من كلّ شي‏ء بل ربما لايجد معه شيئاً يكون منشأ للاثر فيخلص له التوجه و العبادة و الخضوع و الذلّة و الفقر و المسكنة و الي هذا المقام اشار مولينا و سيدنا سيدالشهداء7 في الدعاء أيكون لغيرك من الظهور ماليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدلّ عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصل اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً و خسرت صفقة عبد لم‏تجعل له من حبّك نصيباً و توحيد اهل هذا العالم هو التوحيد الشهودي قد ظهـر الحق لهم في قلوبهم و اخذ بمجامعها فلايجدون غيره الاّ باطلاً فانياً و هنالك يظهر لهم سرّ مارأيت شيئاً الاّ و رأيت اللّه قبله او معه و انما سمّي هذا العالم بالجبروت لانه عالم المعاني و عالم الاجمال و الوحدة و البساطة و الكثرات فيها مطويّة مضمحلّة كاضمحلال الصور و الحدود التي للكتابة في المداد و اضمحلال الصور الشخصية في الطبايع الكلية فلاهل ذلك العالم الذي هو (هي خ‏ل) المعاني البسيطة جبروت و هيمنة و تسلّط علي ماعداهم من الصور الشخصية و الحدود الرسمية و العقل من ذلك العالم و لذلك كان مدركاً للمعاني الكلية بذاتها و بذلك كان معصوماً اذ ليس عنده شي‏ء مستقل له تذوّت غير اللّه سبحانه حتي يتوجّه اليه و يلتذّ به اذ التوجه الي اللاشي‏ء او الي الذي لا اصل له قبيح فيخلص حينئذ له التوجه الي اللّه سبحانه و لذا قال7 العقل ماعبد به الرحمن و اكتسب به الجنان فمن وقف في مقام العقل فهو لم‏يزل ينظر في الاشياء بنظر البطلان و الاضمحلال و لذلك كان مصدراً للعبادة بدءاً و عوداً

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 400 *»

اما في القوس الصعودي بعد النزولي فلايكلّف بالعبادة الاّ بعد البلوغ اي ظهور العقل و استقامة المزاج حتي يثبت الظهور فلا تكليف ظاهراً علي المجنون و لا علي الصبي و لا علي السكران و لا علي المغمي عليه و لا علي النائم كلّ ذلك لعدم ظهور العقل الذي هو جهة البساطة و الوحدة و به يتمكّن عن معرفة جبروت اللّه و عظمته و كبريائه فان اللّه سبحانه واحد لايتوجه اليه الاّ من جهة الوحدة و ان كانت فيها كثرة الاسماء و الصفات و جهات التعلقات لكنها مقهورة و مضمحلة عند سلطان الذات المسمّي بتلك الاسماء و ذلك منتهي غاية العابدين و اما العود اي الصعود الي نقطة العقل و التجاوز عنه الي مقام الحقيقة و الفؤاد و الانقطاع عن جهة الانية و الاستعداد فهناك يظهر البسيط و يدخل المدينة علي حين غفلة من اهلها و يتّحد الرائي و المرئي و الرؤية و الشاهد و المشهود و الشهود و العارف و المعروف و المعرفة و المحبّ و المحبوب و المحبة فتنقطع العبادة لفقدان الشعور و الانيّة و الادراك الذي هو مناطها و اذ ليس فليس لان الشي‏ء مركّب من جهتين جهة من نفسه و جهة من ربه و بهما يترتّب عليه الاحكام و يتميّز في المقام و اما من جهة كلّ واحد من الجهتين فلا ميـز و لا حكم و اما الجهة التي هي من نفسه فهي ليست شيئاً اذا نظر اليها مجردة عن الجهة التي من ربه و تشيّؤها و تحقّقها و تذوّتها انما هو بالجهة التي من ربه و ان كانت تخالفها و تضادّها في كلّ‏ما لها لانها ساجدة للشمس من دون اللّه و اما الجهة التي هي من ربه فليست فيها الاّ صفة ظهور الرب سبحانه بافعاله لا بذاته و تلك الصفة صفة رسم جعلها سبحانه في هويّات الاشياء حتي يعرفوه بها و تلك الصفة مثال معرفته و هيكل توحيده فلايفرض فيها جهة و جهة و حيث و حيث و اعتبار و فرض و امتياز و مغايرة لانها و امثالها كلّها من صفات المخلوقين و هو سبحانه منزّه عن كلّها و الصفة يجب ان‏تكون دالّة علي الموصوف والاّ لم‏تكن صفة فيجب تنزّهها عن كلّ الصفات الاعتبارية الامتيازية من الذهنية و الخارجية و النفس‏الامرية و الشي‏ء ليس فيه الاّ الجهتان فاذا نظر الي الجهة السفلي كان

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 401 *»

محتجباً عن اللّه سبحانه فاذا نظر الي مخلوقيته و اثريته و توجّه الي القديم الخالق المؤثّر فهناك مقام العقل الذي ذكرنا و محلّ العبادة و موقعها و اذا تمحّض في النظر الي الجهة العليا التي فيها صفة التوحيد الالهي الظاهر في العالم الخلقي لا القديم الازلي فارتفع عنده التميّز و الاشارة و العبارة و التوجه و الخضوع و الخشوع لان كل ذلك علي فرض تحقق الوجهين و اذ ليس فليس فاين موضع العبادة و لا شعور و لا احساس لانه قداطفاء السراج و قد طلع الصبح و هو قوله تعالي في التأويل و اعبد ربك حتي يأتيك اليقين فاذا اتي اليقين الذي يقتضي رفع كلّ ماسوي الحقّ سبحانه ارتفعت العبادة لارتفاع شرطها الذي هو العقل و الادراك و الشعور و التمييز و هو قول مولينا علي7 من عرف الحقّ لم‏يعبد الحقّ هـ اي حين المعرفة التي انست العارف نفسه و غيره.

و اعلم انّ بعض اهل الضلال من الصوفية خذلهم اللّه و اصلاهم نار جهنم حيث اعيوا عن طاعة اللّه سبحانه و عبادته و عن حمل اعباء الاوامر و النواهي التكليفية و ارادوا ان‏يخرجوا عن ربقة الطاعة و العبادة و العبودية موّهوا علي الناس و قالوا ان الشريعة التي فيها التكليف و الامر و النهي و الوعد و الزجر هي سُلّم و الة للوصول الي الحقيقة فاذا وصل الانسان بالشريعة الي الحقيقة بقطع الطريقة فلايحتاج بعد ذلك الي العبادة فتسقط عنه العبادات كلّها و التكاليف باسرها لان المقصود من العبادة هو الوصول الي باب الملك فحيث وصل الانسان الي مقام الجمع و الوصال انقطعت عنه التكاليف كلّها و الشرايع باسرها و هو قوله تعالي و اعبد ربك حتي يأتيك اليقين فتركوا بذلك التمويه الصلوة و الصيام و ساير العبادات و لم‏يدروا لعنهم اللّه انّ العبادة لم‏تسقط مع الشعور و الادراك و لايمكن الوصول الي جهة الظهور الالهي في رتبة الخلق الاّ بمحو الاشارات و سدّ ابواب المدارك و المشاعر و الحواسّ كلّها كماقال اميرالمؤمنين7 محو الموهوم و صحو المعلوم و كشف سبحات الجلال من غير اشارة و اذا حصلت هذه الحالة لايبقي للعارف سكون و لا قرار فيخرّ مغشيّاً عليه لانه ساجد حينئذ تحت عرش ربّه قدتوضّأ من صاد لصلوة الظهر و اتمّ صلوته و سجـد و ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 402 *»

بتعليم النبي9 حين قيل له يامحمّد9ادن من صاد و توضّأ لصلوة الظهر فيرتفع حينئذ الحسّ و الاحساس و الشعور و الادراك و الحركة كما كان يتّفق لمولينا و سيّدنا اميرالمؤمنين7 كما روي عنه7 و كما وقع عن الصادق7 حيث كان في الصلوة و كرّر ايّاك نعبد حتي وقع مغشيّاً عليه فلمّا افاق قال7 لازلت اكرّر هذه الاية حتي سمعت من قائلها فحين الاغماء ارتفع التكليف اجماعاً من المسلمين و اما بعد ماافاق فقد بعـد فوجبت عليه العبادة مادام حيّاً و لانها ذكر المحبوب عند المهاجرة و الوصول هو الاجتماع في مقام الظهور لا الذات البحت تعالي شأنها لانها لاتجتمع مع شي‏ء و لاتقترن باحد و هو قول مولانا الصادق7 و اذا انجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة فاستأنس في ظلال المحبوب و اثر محبوبه علي ماسويه و باشر اوامره و اجتنب نواهيه و هذا تأويل قوله تعالي و اعبد ربك حتي يأتيك اليقين و قول مولينا علي7 من عرف الحقّ لم‏يعبد الحقّ لا مايقول اولئك الضلال الذين بنوا امرهم علي مخالفة ائمة الهدي: و استثقلوا عن العبادة مالكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل‏اللّه اثّاقلتم الي الارض ارضيتم بالحيوة الدنيا من الاخرة.

و بالجملة فالجبروت هو مقام العقل و عالم المعاني اول الموجودات المقيّدة و كلّ العوالم و المراتب و المقامات عنده مضمحلّ فانٍ باطل و هو محلّ الرجاء و سلب الخوف اذ لايجد لنفسه تحققاً حتي يخاف عليها و لذا قال مولانا الصادق7 و اذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل و اذا تمكّن من رؤية الفضل رجا و من رجا طلب و من طلب وجد و الوجه الاخر لتسمية هذا العالم بالجبروت انه يجبر الكسر (الكسير خ‏ل) فان المراتب التحتيّة و المقامات السفلية كلّها متقوّمة به و موجودة منه (به خ‏ل) و هو قول اميرالمؤمنين7 و العقل وسط الكلّ و ذلك لان العقل اول ماخلق (خلقه خ‏ل) اللّه سبحانه و تعالي فلمّا خلقه و استنطقه و اودع عنده غيوب جميع الاشياء و معاني الخلايق ثم قال له اقبل فاقبل فوجد باقباله كلّ المراتب الامكانية و الذوات

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 403 *»

الخلقية بنسبة مقامها ثم قال له ادبر فادبر فظهر بظهوره كلّ ماكان مخفيّاً في القوس النزولي من المراتب و المقامات و الاحوال و الدرجات فاستكملت الاشياء كلّها بالعقل فهو متمّم لنقصانها و جابر لكسرها (لكسيرها خ‏ل) و اما العظمة فهي الظهور الالهي في رتبة الابداع الثاني كما كان الجبروت هو الظهور في عالم الاختراع الثاني و ذلك الظهور الابتداعي انما هو في عالم الملكوت اي عالم النفوس تحت عالم العقول فانه عالم التشخص و التصور و التعيّن و الاختلاف و ذلك يورث العظمة الموجبة للخوف و الخشية لانه مقام العلم كما قال عزّوجلّ انّما يخشي اللّه من عباده العلماء و قال سيدالساجدين7 لا علم الاّ خشيتك و لا حكم الاّ الايمان بك ليس لمن لم‏يخشك علم و لا لمن لم‏يؤمن بك حكم و هو مقام التصوّر و التمايز و ظهور النور القاهر للمجموع الماحي لكلّ الكثرات و لذا وصف العلي بالعظيم في قوله تعالي و هو العلي العظيم لان مقام علي7 هو مقام النفس الكلية و لذا كان كتاباً جامعاً لكلّ رطب و يابس كما قال تعالي و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين، و كلّ شي‏ء احصيناه في امام مبين، و كلّ شي‏ء احصيناه كتاباً، هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انّا كنّا نستنسخ ماكنتم تعملون و هو7 النبأ الموصوف بالعظمة في قوله تعالي عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و قوله تعالي قل هو نبأ عظيم انتم عنه معرضون و هو اسم الرب العظيم في قوله تعالي فسبّح باسم ربك العظيم و لمّا كان الركوع في الصلوة ينبئ عن مقامه7 (9 خ‏ل) كان الذكر فيه العظيم و لذا اشتقّ له لفظ العظيم من العين المأخوذة من عين علي7 و الظاء التي هي اخر مراتب الكثرات و اخر مرتبة المئات في الرقوم الحرفية للاشارة الي انّ المسمي في مقام الكثرة لا مقام الوحدة ثم الياء و الميم المستنطقتان بالنون المشتق من النون في كـن التي هي الابتداع الاول كما ان الكاف هي الاختراع الاوّل.

و بالجملة فاللّه سبحانه هو المتفرّد بالجبروت و العظمة لا سواه اذ كلّ شي‏ء سواه خاضع له و خاشع له منيب اليه و قد قلنا لك ان الجبروت و العظمة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 404 *»

ليستا عين ذاته سبحانه و انما هما رتبة (رتبتا خ‏ل) خلق من مخلوقاته في مقام المعاني لا مقام البيان و قد دلّت الاخبار و شهد به العقل المستنير انّ اهل‏البيت: هم معاني اللّه سبحانه كما قال مولينا الباقر7 لجابر بن عبداللّه يا جابر عليك بالبيان و المعاني قال و ما البيان و المعاني قال قال علي7 اما البيان فهو ان‏تعرف ان اللّه سبحانه ليس كمثله شي‏ء فتعبده و لاتشرك به شيئاً و اما المعاني فنحن معانيه و نحن جنبه و يده و لسانه و امره و حكمه و علمه و حقّه اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه مانريد فنحن المثاني الذي اعطانا اللّه نبيّنا و نحن وجه اللّه الذي يتقلّب في الارض بين اظهركم فمن عرفنا فامامه اليقين و من جهلنا فامامه سجّين ولو شئنا خرقنا الارض و صعدنا السماء و انّ الينا اياب هذا الخلق ثمّ ان علينا حسابهم هـ فاذا كانوا سلام اللّه عليهم هم معاني صفات اللّه سبحانه فهم نوره و عظمته و جبروته و بهاؤه و جماله و جلاله و رحمته و نعمته و قدرته و مشيته و ساير المعاني و لا شكّ ان كلّ شي‏ء خاضع لعظمته تعالي و خاشع لقدرته و جبروته و كبريائه كما في الزيارة طأطأ كلّ شريف لشرفكم و بخع كلّ متكبّر لطاعتكم و خضع كلّ جبّار لفضلكم و ذلّ كلّ شي‏ء لكم و في الدعاء و بعظمتك التي ملأت كلّ شي‏ء و في دعاء رجب فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت فهم العظمة التي ملأ اللّه بها السموات و الارض و كلّ الاشياء ذليلة لديهم لانها تتوجه الي اللّه تعالي بهم كما في الزيارة يسبّح اللّه باسمائه جميع خلقه و قالوا: كما تقدّم نحن الاسماء الحسني التي امركم اللّه ان‏تدعوه بها و قال تعالي و ان من شي‏ء الاّ يسبّح بحمده و التسبيح لايكون الاّ بالاسماء و هي كلّها مقهورة تحت هيمنة اسم اللّه و في زيارة علي7 السلام علي اسم اللّه الرضي و وجهه المضيئ فصحّ خضوع الاشياء لهم بجميع احوالها و شئونها و اطوارها و مقتضياتها و ساير احكامها و اللّه سبحانه هو المتفرد بهذه العظمة و الجبروت لانهم: للّه سبحانه لا لسويه كما قال تعالي و اصطنعتك لنفسي و قال علي7 اشارة الي كونه عظمة اللّه و تفرّد اللّه سبحانه بمالكيّته انا الذات انا ذات الذوات انا الذات في الذوات

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 405 *»

 للذات فاذا رجعت الضمير الي الذي فلق الحبة جاءت الاحتمالات التي ذكرناها في اطوار باطن باطن الباطن فراجع و تفهّم.

قوله7 لقد سخّر لي الرياح و الهوامّ و الطير اتي7 باللام للتأكيد و التثبيت لانها سرّ من اسرار علي7 و اسم من اسمائه و قد قلنا سابقاً ان اسمه7 هو اللام و لذا كان سير القمر ثلثين يوماً لكونه مثاله و ايته و دليله و شبحه قد ظهـر وجهه فيه و هو المحو الذي في القمر و بـ «قد» للتحقيق لان القاف من ظاهر علي7 و الدال من باطن محمّد9 و بهما تحقّق الاكوان و ظهر الاعيان و ثبت الزمان و المكان فمايشير اليهما بتلك الجهة يكون دالاّ علي ذلك اما كون القاف من ظاهر علي7 لما ورد في تفسير حمعسق ان حم هو محمّد9 و علم علي7 كلّه في عسق فالعين اشارة الي عقله و السين الي صدره و القاف الي جسده7 و العلوم كلّها لاتخلو عن المراتب الثلثة و انما خصّص القاف بالجسد لماورد انّ القاف جبل من زمردة خضراء عليه اكناف السماء و هو محيط بالدنيا كلّها و خضرة السماء انما هي من تلك الزبرجدة و ذلك صفة الجسم لان جسمه الشريف و ان كان من عالم الشهادة بالنسبة الي مقامه و مرتبته و ذلك عالم الكثرة المقتضية للبرودة و اليبوسة المقتضيتين للسواد ولكنه ممتزج و مقترن بصفرة الروح و ذلك مقتضي الخضرة مع ان الجبل يشار به الي الجسد و ظاهر الشي‏ء لانجماد المقامات الروحانية فيه كالجبل و من هذه الجهة كانت القاف يشار بها الي التحقّق و الثبات و هو قول الخضر7 في مرثية مولانا اميرالمؤمنين7 كنت كالجبل لاتحركه العواصف و لاتزيله القواصف و اما الدال فانها من باطن محمّد9 لانها هو الاصل في اسمه الشريف و ماعداها كلّها ظهوراتها و تفاصيل شئونها و اطوارها و احوالها لانها يشار بها الي اجتماع الطبايع الاربع و اعتدالها المقتضي للدوام و الثبات و البقاء و الاستمرار فعند اجتماع القاف مع الدال تحصل الدلالة الي غاية التحقيق و التثبيت و لذا كان «قد»

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 406 *»

حرف التحقيق و التأكيد فافهم.

و اما الرياح فهي اقوي جنود اللّه سبحانه كما روي عنهم: في الفقيه عن علي بن رئاب عن ابي‏بصير قال سألت اباجعفر7 عن الرياح الاربع الشمال و الجنوب و الصبا و الدبور و قلت له ان الناس يقولون ان الشمال من الجنة و الجنوب من النار فقال7 ان للّه عزّوجلّ جنوداً من الريح يعذّب بها من عصاه موكّل بكلّ ريح منهن ملك مطاع فاذا اراد اللّه ان‏يعذّب قوماً بعذاب اوحي الي الملك الموكّل بذلك النوع من الريح الذي يريد ان‏يعذّبهم به فيأمر بها الملك فتهيج كما يهيج الاسد المغضب و لكلّ ريح منهنّ اسم اماتسمع لقوله تعالي انا ارسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر و قال عزّوجلّ الريح العقيم و قال تعالي فاصابها اعصار فيه نار فاحترقت و ماذكر في الكتاب من الرياح التي يعذّب بها من عصاه و للّه عزّوجلّ رياح رحمة لواقح و رياح تهيج السحاب فتسوق السحاب و رياح تحبس السحاب بين السماء و الارض و رياح تعصره فتمطره باذن اللّه عزّوجلّ و رياح تفرّق السحاب و رياح مماعدّ اللّه عزّوجلّ في الكتاب فاما الرياح الاربع فانها اسماء الملائكة الشمال و الجنوب و الصبا و الدبور و علي كلّ ريح منهنّ ملك موكّل بها فاذا اراد اللّه تبارك و تعالي ان‏يهبّ شمالاً امر الملك الذي اسمه الشمال فهبط علي البيت الحرام فقام علي الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرّقت ريح الشمال حيث يريد اللّه سبحانه في البرّ و البحر و اذا اراد اللّه تبارك و تعالي ان‏يبعث الصبا امر الملك الذي اسمه الصبا فهبط علي البيت الحرام فقام علي الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرّقت ريح الصبا حيث يريد اللّه عزّوجلّ في البرّ و البحر و اذا اراد اللّه تبارك و تعالي ان‏يبعث جنوباً امر الملك الذي اسمه الجنوب فهبط علي البيت الحرام فقام علي الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرّقت ريح الجنوب حيث يريد اللّه تعالي في البرّ و البحر و اذا اراد اللّه عزّوجلّ ان‏يبعث دبوراً امر الملك الذي اسمه الدبور فهبط علي البيت الحرام فقام علي الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرّقت ريح الدبور حيث يريد اللّه تعالي في البرّ و البحر و فيه عن الصادق7نعم الريح الجنوب تكسر البرد عن

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 407 *»

 المساكين و تلقح الشجر و تسيل الاودية و فيه عن علي7 الرياح خمسة منها العقيم فنعوذ باللّه من شرّها و كان النبي9 اذا هبّت ريح صفراء او حمراء او سوداء تغيّر وجهه و اصفرّ و كان كالخائف الوجل حتي ينزل من السماء قطرة من مطر فيرجع اليه لونه و يقول جاءتكم بالرحمة و روي عن الباقر7 ان الريح العقيم ريح عذاب تخرج من تحت الارضين السبع و ماخرجت منها ريح قطّ الاّ علي قوم عاد حين غضب اللّه عليهم و روي انه تعالي لمّا اراد اهلاك قوم نوح ارسل الريح العقيم فهبّت عليهم فعقمت الاصلاب و الارحام فبقوا اربعين سنة لايولد لهم مولود حتي اغرقهم اللّه لانّ الاطفال لا ذنب لهم في الفقيه عن كامل قال كنت مع ابي‏جعفر7بالعريض فهبّت ريح شديدة فجعل ابوجعفر7 يكبّر ثم قال7 ان التكبير يردّ الريح و قال7 مابعث اللّه عزّوجلّ ريحاً الاّ رحمة او عذاباً فاذا رأيتموها فقولوا اللّهم انا نسألك خيرها و خير ماارسلت له و نعوذ بك من شرّها و شرّ ماارسلت له و كبّروا و ارفعوا اصواتكم بالتكبير فانه يكسرها و قال رسول‏اللّه9 لاتسبّوا الرياح فانها مأمورة و لا الجبال و لا الساعات و لا الايام و لا الليالي فتأثموا و رجع اليكم في الاحتجاج في سؤال الزنديق عنه7 قال اخبرني ما جوهر الريح قال7 الريح هواء اذا تحرّك يسمّي ريحاً و اذا سكن يسمّي هواء و به قوام الدنيا ولو كفت الريح ثلثة ايام لفسد كلّ شي‏ء علي وجه الارض و نتن و ذلك ان الريح بمنزلة المروحة تذبّ و تدفع الفساد عن كلّ شي‏ء و تطيبه فهي بمنزلة الروح اذا خرج عن البدن نتن البدن و تغيّر تبارك اللّه احسن الخالقين و فيه ايضاً عن علي بن يقطين انه قال امر ابوجعفر الدوانقي يقطين ان‏يحفر بئراً بقصر العبادي فلم‏يزل في حفرها حتي مات ابوجعفر و لم‏يستنبط منها الماء فاخبر المهدي بذلك فقال احفر ابداً حتي يستنبط الماء ولو انفقت جميع ما في بيت‏المال قال فوجّه يقطين اخاه اباموسي في حفرها فلم‏يزل في حفرها حتي ثقبوا ثقباً في اسفل الارض فخرج منه ريح قال فهالهم ذلك فاخبروا به

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 408 *»

اباموسي فقال انزلوني فانزل و كان رأس البئر اربعين ذراعاً في اربعين ذراعاً فاجلس في شقّ محمل فدلّي في البئر فلمّا صار في قعرها نظر الي هول عظيم و سمع دوي الريح في اسفل ذلك فامرهم ان‏يوسّعوا الخرق فجعلوه شبه الباب العظيم ثم دلي فيه رجلان في شق محمل فقال ائتوني بخبر هذا ما هو قال فنزلا في شقّ محمل فمكثا مليّاً ثم حرّكا الحبل فاصعدا فقال لهما مارأيتما قالا امراً عظيماً رجالاً و نساء و بيوتاً و ابنية و متاعاً كلّ ممسوخ من حجارة فاما الرجال و النساء فعليهم ثياب فمن بين قاعد و مضطجع و متكئ فلمّا مسسناهم اذا ثيابهم تنفش(تتفشي) شبه الهباء و منازل قائمة قال فكتب بذلك ابوموسي الي المهدي و كتب المهدي الي موسي بن جعفر7 الي المدينة يسأله ان‏يقدم عليه فقدم فاخبره فبكي بكاء شديداً و قال7هؤلاء بقيّة قوم عاد غضب اللّه عليهم فساخت بهم منازلهم هؤلاء اصحاب الاحقاف قال فقال له المهدي يا اباالحسن و ما الاحقاف قال الرمل و في حديث المفضّل و منه هذه الريح فالريح تروح عن الاجسام و تزجي السحاب من موضع الي موضع و تلقح الشجر و تسير السفن و ترخي الاطعمة و تبرّد الماء و تشب النار و تجفّف الاشياء النديّة و بالجملة انها تحيي كلّ ما في الارض فلولا الريح لذوي النبات و مات الحيوان و حمت الاشياء و فسدت في الكافي عن محمّد بن عطية قال جاء رجل الي ابي‏جعفر7 من اهل الشام من علمائهم فسأله عن مسائل و اجاب7 الي ان قال ولكن اللّه كان اذ لا شي‏ء غيره و خلق الشي‏ء الذي جميع الاشياء منه و هو الماء الذي خلق الاشياء منه و خلق الريح من الماء ثمّ سلّط الريح علي الماء فشقّت الريح متن الماء حتي ثار من (/الماء في المصدر) زبد علي قدر ماشاء ان‏يثور فخلق من ذلك الزبد ارضاً بيضاء نقيّة ليس فيها صدع و لا ثقب و لا صعود و لا هبوط و لا شجرة ثم طواها فوضعها فوق الماء ثم خلق اللّه النار من الماء فشقت النار متن الماء حتي ثار من الماء دخان علي قدر ماشاءاللّه ان‏يثور فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع و لا ثقب و ذلك قوله تعالي و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 409 *»

 السماء بنيها رفع سمكها فسوّيها و اغطش ليلها و اخرج ضحيها و فيه قال سئل اميرالمؤمنين7 عن السحاب اين يكون قال يكون علي شجر علي كثيب علي شاطئ البحر يأوي اليه فاذا اراد اللّه ان‏يرسله ارسل ريحاً فاثارته و وكّل به ملائكة يضربونه بالمخارق و هي البرق ثم قرأ هذه الاية اللّه الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً الاية و في بعض الاخبار ان اللّه سبحانه اول ماخلقه الهواء و في بعضها انه7 سئل اين كان اللّه قبل خلق السموات و الارض قال7 كان في عماء تحتها هواء و فوقها هواء و في اخبار اخر ان المؤمن حين موته تأتيه من الجنة رياح ريح مسخية فتسخيه لبذل الروح و ريح مشوّقة تشوّقه الي لقاء اللّه و الدار الاخرة و ريح منسية تنسيه الدنيا و احوالها و زخرفها و زبرجها.

فاذا سمعت هذه الاخبار فاعلم انه قال اللّه عزّوجلّ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قال تعالي و ما امرنا الاّ واحدة و ما خلقكم و لا بعثكم الاّ كنفس واحدة و قال مولينا الرضا7 قد علم اولواالالباب ان ماهنالك لايعلم الاّ بماهيهنا فاذا كان كذلك فماتجد في العالم السفلي فاعلم يقيناً انه انما (/هو خ‏ل) تنزّل من العالم العلوي فان العالم السفلي هو ظهورات و وجوه و تفاصيل للعالم العلوي فاذا كان كذلك فالريح لها مادة و صورة مادتها الهواء و صورتها الحركة الي الجهة المعيّنة فقبل الحركة هو هواء راكد و بعدها ريح و الوجه في الحركة هو ازدياد الحرارة فانها هي التي تهيّج الاشياء و تحرّكها و لذا كانت الحركة مورثة للحرارة و هي دليل ان اصلها هو الحرارة والاّ لماكانت اثرها و تلك الحرارة من تأثير اشعة الكواكب و هي دائمة و ليست الريح دائمة لان الحرارة اذا لم‏يكن لها حامل يحفظها و يحفظ اثرها لم‏تظهر باثارها و تأثيراتها و ان كانت موجودة مثاله الشمس فانها اذا اشرقت علي الجدار و ساير الاحجار و الزجاجة لم‏تظهر من اشراقها حرارة مؤثرة ظاهرة بالاحراق و الاشتعال و اذا اشرقت علي البلور تظهر حرارتها بالاثار فتحترق و تشتعل و ذلك لان البلور فيه قوة جامعة تجمع (يجمع خ‏ل) نور الشمس و تحفظه (يحفظه خ‏ل) فتؤثّر الحرارة فيه و فيمايجاورها و كذلك الهواء

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 410 *»

فانها من غاية لطافتها لم‏تمسك نور الشمس و اشعة ساير الكواكب النارية فلم‏تتبيّن فيه حرارة فاذا كثف الهواء باختلاطه مع الاجزاء الهبائية الارضية و الاجزاء البخارية و الاجزاء النارية المستجنة في الدخان فاذا كثرت تلك الاجزاء و قويت حفظت الحرارة الواقعة عليها و امسكت فاثّرت تأثيرها و تهيّجت الابخرة المختلطة بالهواء فتهيّج الهواء و تحرّك الي جهة لكون تلك الاجزاء تميل الي جهة لقوة مناسبتها معها و تلك الحركة تعين الاجزاء البخارية و الدخانية و الهبائية للحركة و الميل الي المبدء بجهة خاصة فتشعّب (فتتشعّب خ‏ل) الاجزاء البخارية من جهة تلك الحركة فتحدث عن تشعّبها شجرة لها غصون و اوراق فمادامت الحرارة قويّة تتلطّف تلك الاجزاء و تتفرّق فكلّما تصعد تضعف الحرارة و تقوي البرودة فيتبيّن الانجماد و الخمود الي ان وصلت الي الكرة الزمهريرية فهناك البرد الكلّي لعدم وصول انعكاس نور الشمس اليها فتنجمد تلك الاجزاء اي الابخرة و اما الاجزاء الدخانية فلا لقوة حرارتها الاّ اذا اكتسبت البرودة بغلبة توارد الابخرة عليها و ضعفت الحرارة المستجنّة فيها فحينئذ تنجمد لا مطلقاً فاذا انجمدت تلك الاجزاء و تحقّقت و تراكمت و اثقلت انزل اللّه سبحانه به المطر فوقع علي الارض فنبت به النبات فصار غذاء للمواليد الثلثة من الجماد و النبات و الحيوان فلولا الريح لم‏يكن سحاباً و لولا السحاب لم‏يكن مطراً و لولا المطر لم‏يحصل شي‏ء من المركبات الثلثة و هو قوله تعالي و هو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتي اذا اقلّت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميّت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كلّ الثمرات فالرياح كالروح للعالم لانّ الهواء هو الروح لكونه مظهر اسم اللّه الحي و حركته سريانه في جميع الاقطار و لذا قال7 انما سمّي الروح روحاً لانه مشتق من الريح و في بعض الروايات ان الروح معلّقة بالريح و الريح معلّقة بالهواء و لذا رضي النبي سليمان علي نبينا و اله و7 ان‏يحفظ (ان‏يحفظوا خ‏ل) الجانّ ابنه في كرة الهواء لا (/في خ‏ل) غيرها من الكرات معلّلاً بانّ عزرائيل يمكنه ان‏يصل اليها فلمّا ذكروا له الهواء سكت و رضي لان الهواء طبيعتها الحيوة و عزرائيل طبعه الموت فلايلحقه اولاً و بالذات

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 411 *»

الاّ بامور اخر فافهم.

و الاشارة الي حقيقة الامر للمؤمن الممتحن ان الهواء هو امر اللّه المفعولي و الامر القدري الساري في ذرات الكائنات كلّها لان ما من الفاعل النار و الهواء و ما من /المفعول (زائد خ‏ل) القابل الارض و الماء و جهة ارتباط الفاعل للقابل هي المادة التي هي الهواء اما الحرارة فلكونها وجه الفاعل و جهته و اما الرطوبة فلاتصالها بالقابل و امتزاجها به و اختلاطها به بحيث صار مع القابل حقيقة واحدة و المادة في غاية البساطة فحين تعلّقها بالصورة و ميلها اليها تكوّنت الرياح فان كانت تلك الصورة هي الصورة الطيّبة كانت تلك الريح من نسيم الجنة تظهر في كلّ عالم و في كلّ شأن و في كلّ حال علي حسبها فمنها ما هي مع التنزّل اي الدنيا و هي الرياح اللواقح و الرياح التي تثير السحاب و تنضج الثمار و تقوّي الاشجار و تجري الانهار و تهيّج البحار لنموّ الحيوانات البحرية و نشوها و منها ما هي حين الصعود الكلّي و هي الرياح التي تأتي المؤمن عند موته كما مرّت الاشارة اليها و منها ما هي بعد الصعود الكلّي كما في الجنة من الرياح الطيّبة و النسمات البهية ممايطول الكلام بذكره و منها ريح السكينة و الوقار و الايمان و النور و امثال ذلك و ان كانت الصورة هي الصورة الخبيثة تظهر الرياح علي مقتضي الحكم الوضعي علي حسبها فتكون ريح العذاب و حكمها حينئذ حكم الملائكة الذين يعذّب اللّه بهم اهل النار و كما ان الشي‏ء لايمدّ بالنور و العطاء الاّ منه و له و اليه فلايعطي الشي‏ء ما هو خارج عن جنسه و كذلك لايمدّ بالظلمة و الخذلان و مما (ما خ‏ل) يقتضيان في كلّ عالم من الاثار المترتّبة عليهما فيه اي في ذلك العالم و اليه الاشارة بقول علي7 انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و اول ذكر الشي‏ء حقيقته فلايتعدّاها شي‏ء و الاحكام التفصيلية الواردة علي الشي‏ء كلّها انما نشـأ من حقيقته لان التفصيل من الاجمال و الكثرة من الوحدة و الفرع من الاصل و الاجمال و الوحدة و الاصل هي حقيقة الشي‏ء و هي محل النظر الرحماني و مطرح الفيض الالهي و مورد الامر و النهي و الحكم فان كان النظر الي الشي‏ء من (عن خ‏ل) اللّه عزّوجلّ علي جهة الرحمة يخلق اللّه سبحانه من نور تلك الحقيقة ملائكة من النور يحملون الفيض الوارد علي تلك الحقيقة الي ساير مقاماته و مراتب تفصيله فالملك انما يأخذ منه و يوصل اليه و يبدأ منه و يعود اليه و لمّا كان كلّ شي‏ء من الاشياء قد مـلأ الكون و الامكان فكانت الملائكة الحاملون للفيض اليه كذلك قد مـلأ الكون و الامكان (المكان خ‏ل) له في كلّ مقام و كلّ عالم ملك يوصل الفيض منه اليه فملائكة كلية في المراتب المشتركة و ملائكة جزئية في المقامات المختصة فملك النور يأخذ من تلك الحقيقة لبّ الشي‏ء و يوصله الي قشره بمقتضي ذلك القشر علي حسب مقامه من الطمأنينة و الراحة و العزّة و العلم و المعرفة و النور و البهاء و الجلال و الجمال و كلّ ملك حامل لاسم من الاسماء الالهية و هم ملائكة الجنة في الدنيا و الاخرة كما قال تعالي الذين قالوا ربنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة الاّتخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا و في الاخرة و ان كان النظر الي الشي‏ء عن اللّه عزّو

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 412 *»

جلّ علي جهة الغضب يخلق اللّه سبحانه ملائكة من مادة نهي اللّه و صورة اعراض الشي‏ء علي مقتضي الاعراض علي هيئات منكرة و صور هائلة مهوّلة يحملون ماينزل اللّه عليه من احكام الغضب الواردة علي حقيقته فمنه يأخذون و اليه يؤدّون بدؤهم منه و عودهم اليه فاللّه سبحانه و تعالي يعذّبه بهم الذين منه بانواع العذاب في الدنيا و الاخرة في كلّ مقام و كلّ عالم بكلّ طور لانه قد مـلأ الاكوان و المكان بل الامكان و كذلك بعينه حكم الريح فانها هي حقيقة العالم في العالم الاوّل الاعلي المتعلّقة باطوار التعيّنات و الشئونات فان كانت تلك الاحوال احوالاً خبيثة خلاف مااراد اللّه و احبّه تكون تلك الرياح رياحاً مظلمة عاصفة مهلكة علي حسب جريانها بمقتضي ميولات تلك الطبايع الخبيثة الملعونة من الرياح التي ذكرها اللّه عزّوجلّ في كتابه العزيز فعذب بها من استوجب عقوبة اللّه عزّوجلّ من جهة العتوّ و الاستكبار.

و اما الرياح الاربع التي هي الدبور و الصبا و الجنوب و الشمال فهي اول ظهورات الريح المطلق التي قلنا انها مادة الوجود من حيث تعلّقها بالمتعلقات و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 413 *»

تعيّنها بالمشخصات فاول تعيّنها هذه الرياح الاربعة (الاربع ظ) و لذا كانت اربعة و هي القطب الذي يدور عليه ذرّات الكائنات و لها ظاهر و باطن فمن ظاهرها يعذّب اللّه سبحانه اهل الغضب و من باطنها يرحم اللّه سبحانه اهل الفضل لانها باب سور الفيض و الرحمة فمنها /ماينقسم (يتقسّم خ‏ل) الي اقطار الوجود و ذرّاته و هي في العالم الجسماني نقول انها بازاء الكعبة التي بازاء البيت المعمور التي (الذي ظ) بازاء العرش الذي بازاء الملائكة العالين الذين بازاء الكلمات الاربع التي بني عليها الاسلام و قام النظام و اول زوج تألّف و اول ممكن تركّب من زوجين و تلك هي الكلمات التي لايجاوزهنّ برّ و لا فاجر فالدبور ملك من جنود جبرائيل و هو لائذ ببيت (بالبيت ظ) المعمور و حامل للركن الاسفل الايسر من العرش و هو النور الاحمر الذي منه احمرّت الحمرة و طبيعته الحرارة و اليبوسة و لونه الحمرة و فعله الحلّ و الفتك و الفرق و التصعيد و التلطيف و قد قال النبي9 هلكت عاد بالدبور و محل الملك في الركن الشامي و ينبوع ظهوره في الركن اليماني و سعة احاطة دائرته ربع العالم و مبدؤه نقطة الجنوب الي مغيب الشمس و هو ضدّ الصبا و لذا قال9 نصرت بالصبا و هلكت عاد بالدبور و هذا الملك حامل ركن الخلق و موصل الحرارة (للحرارة خ‏ل) و اليبوسة اللتان (اللتين ظ) هما اصل للانشاء و الايجاد الي الذرات الجسمانية عن الركن الايسر الاسفل من البيت المعمور التي في السماء الرابعة و حامل ذلك الركن جبرائيل و هذا الملك لائذ بركن البيت الحرام التي (الذي ظ) في مكة و اخذ عن جبرئيل هناك و ينشر تلك الحرارة في اقطار العالم بجنوده و الاته و جنوده الموصلة لتلك الحرارة الي اماكنها المقرّرة لها هي الريح اي ريح الدبور و هي منسوبة الي ذلك الملك و انما كان ذلك بواسطة الريح لنفوذها في جميع الذرّات بقوة الحرارة و اللطافة و اللين و لايناسب غيرها للنظم المحكم و الامر المتقن و انما صار مظهر ذلك الملك و مكانه بجنوده و الاته بين الجنوب و المغرب مع ان الظاهر و المعروف ان جهة المغرب مائلة الي البرودة و الرطوبة و المشرق الي الحرارة و اليبوسة و قد دلّت بذلك فحوي بعض الاخبار و قد

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 414 *»

صرّح الاطباء بان ريح الدبور و الصبا معتدلتان اما بالذات فان مهبّهما بين الشمال البارد اليابس و بين الجنوب الحارّ الرطب فتقتضيان الاعتدال او باعتبار البلد فيقتضي ماقالوا و ملاحظة بعض الاخبار و ان جنة الدنيا في المغرب و هي طبع الرحمة و هي الماء لقوله تعالي فانظر الي اثار رحمة اللّه كيف يحيي الارض بعد موتها و قوله تعالي و هو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتي اذا اقلّت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميّت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كلّ الثمرات يقتضي ذلك ان الريح التي تهبّ من ناحية المغرب باردة رطبة و التي تهبّ من ناحية المشرق حارّة يابسة فيعكس الحكم في الصبا و الدبور و الجواب اما في الظاهر اعلم ان مهبّ ريح الدبور من نقطة الجنوب الي المغرب و الجنة خلف المغرب و خلف جبل قاف من تلك الناحية و بين المقامين فرق واضح لان الشمس اذا غربت يبرد وجه الارض في الليل بطوله و لذا تجـد نصف الليل ابرد من اوّله و اخر الليل ابرد من نصفه مع قربه من الشمس و اول الصبح في كمال البرودة الاضافية فاذا طلعت الشمس و اشرقت علي وجه الارض فتتلايم البرودة و لاتقوي الحرارة فهبوب الرياح من جهة المشرق مع الشمس يكون علي مزاج الروح اي جوزهر فلك القمر مع ان هبوب الرياح في الاغلب مع الشمس و لذا قالوا ان ريح الصبا تهبّ في اول النهار فيكون الغالب فيها البرودة لكنها مخلوطة بحرارة باطنية لتعدل برودتها كماذكرنا في بعض مباحثاتنا في فلك الجوزهر و السرّ في وجوده و تقاطعه مع الشمس لتحقق الحيوة فان (مع ان خ‏ل) البرودة وحدها طبع الموت و الحرارة كذلك للافناء و الاعدام فاذا اقترنتا و قويت البرودة و الرطوبة فهناك تظهر الحيوة و تنضج و تتصوّر و تتقدّر و لذا كان ريح الصبا ريحاً طيبة و ريح الحيوة نصر اللّه سبحانه بها نبيه9 و ادخل السكينة و الطمأنينة بها في قلوب المؤمنين فطبعها حينئذ يكون بارداً و الرطوبة فيها ظاهرة و الحرارة لها حافظة فافهم و اما اذا تعالت الشمس و سخّنت وجه الارض و مكثت و حصل منه التسخين و ذلك لايكون في كمال الشدة الاّ بعد زوال الشمس و اول دخولها في الحلقة و وصولها الي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 415 *»

تلك النقطة اي نقطة الجنوب فهناك تشتدّ الحرارة و تضعف البرودة فاذا هبّت الرياح معها تكون في غاية الحرارة و اليبوسة اما الحرارة فظاهرة و اما اليبوسة فلتجفيف الشمس رطوبات الابخرة و بقاء الادخنة المحترقة و لااقلّ من الاجزاء الارضية اليابسة و لذا يتّفق البرق و الصاعقة بعد الظهر لا قبله الاّ نادراً لاسباب اخر و ذلك لشدّة تجفيف الادخنة و الابخرة عن الرطوبات و بقاء الاجزاء الارضية الهبائية يابسة سالمة عن المعارض فتحترق و تشتعل و تميل الي المركز و تحرق من اراد اللّه ان‏تصيبه فتكون الرياح التي تهبّ بعد الزوال عن ناحية المغرب في غاية الحرارة و اليبوسة فتكون ريح الدبور كما وصفنا لك حارّة يابسة و اما نفس المغرب فلا شكّ انه بارد و هو محل الجنة من جهة الصعود و الكمال كما اشار اليه عزّوجلّ في قوله تغرب في عين حمئة اي الماء و الطين و الريح حكمها و اعتبارها ليس من جهة ذاتها و انما هو من جهة قراناتها و اوضاعها (اضافاتها خ‏ل) مع غيرها مثل الشمس و كثرة البخار و الدخان و قلّتهما و كثرة احدهما او قلّته و امثال ذلك والاّ فهي في حدّ ذاتها حارّة رطبة و لايبعد القول بيبوستها بالاضافة فان الهواء هو في نفسه حارّ رطب و الريح هي الهواء المتحرك و الحركة تحدث حرارة زائدة عماكان عليه و هي تجفّف الرطوبات البخارية فيكون طبع الريح بالذات الحرارة و اليبوسة الاضافية و اختلاف طبايعها و احوالها و الوانها و شدّتها و ضعفها انما هي باعتبار قرانها مع الشمس و الناحية و كثرة الابخرة و الادخنة و قلّتهما او (و خ‏ل) احديهما و ساير الاحوال فاذا اعتبرت هذه فلا مناص عن القول بحرارة الدبور و يبوسته و برودة الصبا و رطوبتها و ذلك معلوم ان‏شاءاللّه و اما قولهم ان الدبور و الصبا معتدلتان لكونهما بين الشمال و الجنوب فغلط لان الاعتدال انما يحصل باتمام الطبايع و اجتماعها في المجموع و العالم رجل واحد تمامه بهذه الارباع الاربعة فيجب ان‏يكون كلّ ربع علي طبيعة حتي يحصل الاعتدال التامّ بقرائن (بقران خ‏ل) الطبايع لا انه يجعل بعضها في كمال القوة و بعضها متناسبة فان ذلك ليس بفعل الحكيم و لا جري صنعة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 416 *»

الايجاد علي ذلك فلو قال قائل ان الاعتدال التامّ في العالم ان‏يكون كلّ طبيعة علي صرافة مزاجها و تأثيرها و اقتضائها من غير ان‏تنكسر بطبيعة اخري و يحصل للمجموع طبيعة خامسة يظهر منها اثار كلّ منها و ذكر ادلّة ماذكرنا يطول به الكلام فلايصحّ الحكم بالاعتدال لا بالنسبة الي البلد و لا بالنسبة الي الريح نفسه لان الشمال اذا كان بارداً يابساً و الجنوب حارّاً رطباً و هما طبيعتان متضادّتان فوجب ان‏يكون بينهما برزخاً (برزخ ظ) له جهتان به يحصل التلايم و الاجتماع فيجب ان‏يكون بين الجنوب و الشمال الدبور اي طبيعة النار لتكون بحرارتها تناسب الجنوب و بيبوستها تناسب الشمال و بين الشمال و الجنوب يجب ان‏يكون الصبا لتكون ببرودتها تناسب الشمال و برطوبتها تناسب الجنوب و يحصل التأليف من الاجتماع و اما ماذكروا فهو خارج عن قانون الحكمة و الشمال ملك من جنود عزرائيل مقرّه الركن الشامي و ينبوعه الركن اليماني و ركنه بازاء الركن الايسر الاعلي من البيت المعمور و هو بازاء الركن الايسر الاعلي من العرش الذي حامله الروح علي ملائكة الحجب من الملائكة الاربعة العالين الذي ماسجدوا لادم7 النور الاخضر الذي منه اخضرّت الخضرة و هو بازاء كلمة لا اله الاّ اللّه و طبعه البارد اليابس و انما خالف لونه طبعه لاختلاطه و امتزاجه بالنور الاصفر و لذا كان الشمال من اليمين فللشمال مقامان مقام في قوله7 قبض قبضة بيمينه و قبض قبضة بشماله و كلتا يديه يمين و هذا الشمال لونه الخضرة و طبيعته البرودة و اليبوسة ظاهراً في الصورة

………. و في السر و الباطن فيه الحرارة و اليبوسة او الرطوبة و من هذا القبيل الملک الذي اسمه الشمال الموکل بالرياح الشمالية و مقام في قوله تعالي و اما من اوتي کتابه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبورا و يصلي سعيرا و هذا الشمال هو بارد يابس طبيعة الموت و لونه السواد و رائحته منتنة و ريحه قتالة و هي الصرصر و فعله القبض و الجمودة و التغرير و التثقيل و تهيج المرة السوداء و سعة احاطة دائرته ربع العالم و مبدؤه الجدي الي مغيب الشمس و هذا الملک هو حامل رکن الموت عن عزرائيل الي اقطار الوجود بجنوده و اعوانه و آلته في

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 417 *»

هذا الحمل الهواء و رکن الموت البرودة و اليبوسة و لايستقيم شيء من الاشياء الا بها فهي من حيث هي ميت و موت و اذا اشرق عليها نور الحرارة و الرطوبة و صلحت قابليته ببرازخ تحفظ وجودها حييت باذن الله تعالي و اليه الاشارة بقوله عزوجل و من آياته انک تري الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت و ربت و الارض طبع الموت لانها باردة يابسة قالوا اما الوجه في يبوسة هذا الريح فلانها تجتاز اما علي مياه جامدة لاينفصل عنها ابخرة يخالطها او علي البراري فلايصحبها ابخرة مائية کثيرة لقلة الحرارة تلطف الاجزاء المائية و تجعلها بخارا و کثرة البرودة المانعة من ذلک و لانها لايجتاز علي مياه سائلة و اما برودتها فلانها تجتاز علي جبال و بلاد باردة.

و الجنوب ملک من جنود اسرافيل مقره الرکن العراقي و ينبوعه الرکن اليماني و هو بازاء الرکن الايمن الاسفل من البيت المعمور و هو بازاء الرکن الايمن الاسفل من العرش الذي حامله الروح من امر الله من الملائکة الاربعة العالين و هو النور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة و هو بازاء کلمة الحمدلله من الکلمات الاربع التي عليها مدار الاسلام و الايمان في الذوات و الصفات و کل الجهات و طبيعته الحرارة و الرطوبة و لونه الصفرة و فعله الحل و التعفين و امساک الحيوة و سيأتي ان‌شاء‌الله تعالي تفصيل احوال هذه الرياح.

و بالجملة هي العمدة في نظام العالم و بها يتسق الوجود و تظهر الاحکام المختلفة من ينبوع واحد روي القمي باسناده عن جابر بن يزيد الجعفي عن ابي‌جعفر عليه السلام عن ابيه عن آبائه عن اميرالمؤمنين عليه السلام قال ان الله تبارک و تعالي اراد ان يخلق خلقا بيده ثم ذکر ما قال الله للملائکة في امر خلق آدم عليه السلام الي ان قال فاغترف ربنا عزوجل غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات و کلتا يديه يمين فصلصلها في کفه حتي جمدت فقال منک اخلق النبيين و المرسلين و عبادي الصالحين و الائمة المهتدين و الدعاة الي الجنة و اتباعهم الي يوم القيمة ولاابالي و لااسأل عما افعل و هم يسألون ثم اغترف غرفة اخري من الماء المالح الاجاج فصلصلها في کفه فجمدت (حتي جمدت خ‌) ثم قال لها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 418 *»

 منک اخلق الجبارين و الفراعنة و العتاة و اخوان الشياطين و الدعاة الي النار الي يوم القيمة و اشياعهم و لاابالي و لااسأل عما افعل و هم يسألون قال و شرط في ذلک البداء فيهم و لم‌يشترط في اصحاب اليمين ثم خلط المائين جميعا في کفه فصلصلهما ثم کفاهما قدام عرشه و هما سلالة من طين ثم امر الله سبحانه ملائکة الشمال و الجنوب و الصبا و الدبور ان يجولوا علي هذه السلالة الطين فابرؤوها و انشؤوها ثم ابرؤوها و جزؤوها و فصلوها و اجروا فيها الطبايع الاربع الريح و الدم و المرة و البلغم فجالت الملائکة عليها و هي الشمال و الجنوب و الصبا و الدبور واجروا فيها الطبايع الاربع الريح في الطبايع الاربع من ناحية الشمال و البلغم في الطبايع الاربع من ناحية‌الصبا و المرة في الطبايع الاربع من ناحية‌الدبور و الدم في الطبايع الاربع من ناحية‌الجنوب قال فاستقلت النسمة و کمل البدن فلزمه من ناحية الريح حب النساء و طول الامل و الحرص و لزمه من ناحية البلغم حب الطعام و الشراب و البر و الحلم و الرفق و لزمه من ناحية الدم حب اللذات و رکوب المحارم و الشهوات قال ابوجعفر عليه السلام وجدنا في کتاب علي عليه السلام و الحديث طويل.

فبين عليه السلام ان استقلال النسمة و کمال البدن انما هو بهذه الرياح الاربع و لماکان فعله سبحانه يجري علي مجري واحد و حکمه و امره واحد فکان تمام العالم بها فکان تمام کل ذرة من ذرات الوجود بها لان حکم الله سبحانه في الکل هو حکمه في الجزء و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و کذا الحکم في الظاهر و الباطن فکانت حقيقة الريح و اصلها ومبدؤها في الوجود الاول الامر المفعولي الذي به قوام السموات و الارض و کل ما في الوجود المقيد و هو الهواء فيما ورد ان اول ما خلق الله الهواء فکان فانيا غائبا في ظهور نار المشية و ساکنا غير متحرک لعدم ظهور الاثر الفاني في المؤثر عند المؤثر و معه فلما ظهر مقتضي الاغيار و هو اقبال القابليات بالسنة الطلبات و توجهها بلطائف ذاتياتها الي ابواب استغنائها بالله سبحانه و لما کان الهواء هو الباب غلقته تلک اللطائف المعبر عنها بالابخرة و الادخنة المتصاعدة من ارض

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 419 *»

الجرز و ارض الجواز و هي مذکورية الاشياء فيه و صلوحها لتعلقه بها بتقيده بها فتهيج الهواء بامر الله سبحانه لسد فاقة اولئک الفقراء السائلين اللائذين بباب الله و مال الي الجهة المستدعية لتلک الجهة العليا فتحرک فحدث (فتحدث خ‌) منها الريح و اثارت السحاب فقطر منه المطر و هو الماء الذي به حيوة کل شيء فسيق الي الارض الجرز و البلد الميت فعمرت حديقة الجنة التي ازلفت للمتقين و من دخلها کان آمنا من المؤمنين فنبتت فيها انواع الفواکه والثمار علي انحاء الاشجار و صاقورة تلک الجنان عرش الرحمن فکان اول من ذاق الباکورة في جنان الصاقورة روح القدس و هو خلق اعظم من جبرئيل و ميکائيل فاستمد منه الروح من امر الله و استمدت منه النفس التي لايعلم ما فيها عيسي و استمد منها الروح

علي ملائكة الحجب فتمّ بها العالون و هم السابقون السابقون اولئك المقرّبون و تمّ بها عرش الرحمن فاستمدّ جبرئيل عن الروح علي ملائكة الحجب و عزرائيل عن النفس التي لايعلم مافيها عيسي7 و اسرافيل عن الروح من امر اللّه و ميكائيل عن روح‏القدس فاستمدّ الدبور عن جبرئيل و الشمال عن عزرائيل و الجنوب عن اسرافيل و الصبا عن ميكائيل فكانت المرة الصفراء عن الدبور و السوداء عن الشمال و الدم عن الجنوب و البلغم عن الصبا فتمّ بها النظام و ظهر امر اللّه الملك العلاّم و كلّ هذه رياح ظاهرية و باطنية و غيبية و شهودية و علوية و سفلية و نورانية و ظلمانية و عليّينية و سجّينية و شرح احوال كلّ واحد منها يطول به الكلام و سيأتي بها زيادة شرح ان شاء اللّه.

و كلّها مسخّرة للامام مولانا اميرالمؤمنين7 و اولاده الطيبين: الاّ ان له7 بالاصالة و لهم: بالبدلية و الفرعية و يشير الي هذا العموم و الكلية قوله7 و سخّر لي الرياح فاتي بالجمع المحلّي‏باللام المفيدة للعموم للاشارة الي الرياح مطلقاً اي كلّ مايصحّ عليه اطلاق الريح علي اي وجه يكون من الحقيقة او الحقيقة بعد الحقيقة او غير ذلك من ساير الاطلاقات و ماورد في بعض الروايات ان سليمان علي نبينا و اله و7 اوتي له بثلثة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 420 *»

 رياح اخذ اثنتين منها و ترك الثالثة لعلي7 و بهذا المعني او قريب منه ورد في حقّ ذي‏القرنين و ليس الان ببالي اصل الحديث و ذلك لاينافي الكلّية المدعاة في كلامه7 لان كل واحد من سليمان او ذي‏القرنين لمّا حكي ظهور وجه واحد من سلطنة علي7 سخّر اللّه سبحانه له الريح حسب حكايته من ذلك الظهور و لمّا كانت الحكاية لم‏تكن كلية ماتحمل لتسخير تلك الرياح الصعبة الشديدة العاصفة البالغة حدّ الشدة فكان يتركها لصاحبها و لمربّيها و يأخذ ماكان يتحمّل من تلك الرياح لحكاية ظهور وجه من سلطنة مولانا اميرالمؤمنين7 فمنه وصلت اليهما و اليه عاد ماذهب عنهما8 و عن غيرهما من الانبياء و الاولياء و الملوك و السلاطين لان اللّه عزّوجلّ قال هنالك الولاية للّه الحقّ و ليست هذه الولاية هي عين ذاته سبحانه و انما هي اثار فعله و ظهور سلطنته و قهّاريته و قيّوميته و قد دلّت الادلّة العقلية و النقلية مماذكرنا و مماسيأتي انّ عليّاً7 هو حامل ولاية اللّه الكبري و صاحب الرياسة العظمي فكانت الرياح كلّها مسخّرة له7 و قد علمت مماذكرنا ان الاشياء كلّها انما تحقّقت و تأصّلت بهذه الرياح فاثبت7 باللزوم ان كلّ شي‏ء مسخّر له فيأتي حينئذ تأويل قوله تعالي و ما من دابّة الاّ هو اخذ بناصيتها و يعلم مستقرّها و مستودعها و هو7 يد اللّه الاخذة بناصية كلّ دابّة و علم اللّه الذي احاط بكلّ البرية و ان اجريت الكلام علي مقتضي ظاهر الظاهر يظهر صريح الامر و قوله تعالي و ماقدروا اللّه حقّ قدره و الارض جميعاً قبضته يوم القيمة و السموات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالي عمّايشركون و اليد (القدر خ‏ل) هو علي7 و القبضة قبضته و اليمين هو علي7 و التنزيه انما هو عن وقوع الشركة فيه7 حيث قارنوه مع فلان و فلان و فلان و نسبوهم الي اللّه سبحانه بانهم اولياء اللّه و هم حزب الشيطان و اعداء الرحمن و اللّه سبحانه منزّه عن ذلك.

و الحاصل ان الايات و الروايات و ادلّة العقل منطبقة و ناصّة علي انّ عليّاً7 سخّر له كلّ شي‏ء كما خاطبه سبحانه و اولاده الطاهرين: في الباطن

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 421 *»

بقوله و سخّر لكم الفلك لتجري في البحر بامره و سخّر لكم الانهار و سخّر لكم الشمس و القمر دائبين و سخّر لكم الليل و النهار ثمّ انه سبحانه اجمل القول بعد مااشار الي بعض التفصيل بقوله تعالي و اتيكم من كلّ ماسألتموه و قوله7 و سخّر لي الرياح اشارة الي باطن قوله تعالي حكاية عن سليمان النبي علي نبيّنا و اله و7 حيث قال ربّ اغفر لي و هب لي ملكاً لاينبغي لاحد من بعدي انك انت الوهّاب فسخّرنا له الريح تجري بامره رخاء حيث اصاب و الشياطين كلّ بنّاء و غوّاص و اخرين مقرنين في الاصفاد هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب هـ فسليمان في الباطن هو اميرالمؤمنين7 هو الذي دعا ربّه قبل الداعين و ذكره قبل الذاكرين و سليمان النبي7 قد حكـي عنه علي مقداره من الحكاية فظهر فيه من سرّ تلك السلطنة تأمّل في قوله7 في الزيارة ذكركم في الذاكرين اي ذكر الذاكرين للّه هو ذكركم للّه علي احد الوجوه المناسب لمقام الاستشهاد و هو قوله7 ان ذكر الخير كنتم اوّله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه و لا شكّ ان دعاء سليمان7خير وجب ان‏يكون علي7 اوّله و معدنه و منتهاه فافهم.

قال7 ربّ اغفر لي اي لشيعتي لانهم الظاهر بالتكلّم و الخطاب و الغيبة لان المتكلّم (التكلّم خ‏ل) ليس هو عين الذات البحت و هب لي ملكاً لاينبغي لاحد من بعدي اذ لا بعده احد و لا وراءه شي‏ء و قد احاط بالقبل و البعد فهو قبل القبل و بعد البعد حين لا قبل و لا بعد فطلب منه سبحانه ان‏يملكه الدنيا و العقبي و مااحاط به العرش الاعلي بحقيقة ماهو اهله و لم‏يستأهل غيره7 لهذا الطلب ابداً و لذا قال تعالي لاينبغي لاحد من بعدي فلو كان غيره مستأهلاً له لكان ينبغي له و لم‏يكن هذا المعني متحققاً في سليمان7 كما هو المعلوم فاجابه سبحانه و تعالي لكونه دعاء وقع مستجمعاً لجميع شرايط الاجابة من كمال الاستيهال و ظهور الحكمة و وضع الشي‏ء كما ينبغي علي كمال ماينبغي فقال سبحانه و تعالي مفرّعاً علي دعائه7 فسخّرنا له الريح و هذا هو الريح التي شقّت بطن الماء اي البحر الاوّل الذي حصل من ذوبان الياقوتة الحمراء فموّجت البحر و صعدت

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 422 *»

منه البخار و الدخان و ميّزت عنه الزبد حتي خلق اللّه سبحانه بالبخار و الدخان السموات السبع و العرش و الكرسي و النار و الهواء و الماء و الملائكة و الجان و بالزبد الارضين السبع و الجبال و البحار و البراري و القفار و طبقات النار و الشياطين الاشرار و البحر المظلم و نار السموم و الريح العقيم و الطغاة و السجّين و الثري و ماتحت الثري و ما لايعلمه الاّ اللّه و هي تجري بامره رخاء حيث اصاب فجرت هذه الريح باطوارها و احوالها في كينونات حقايق اهل الدنيا و الاخرة بامره7 و لايتعدّاه شي‏ء من احوال النشأتين و غيرهما من ساير عوالم الربوبية و العبودية ثمّ لمّا منّ اللّه سبحانه اياه7بهذه العطية العظمي فوّض اليه امرها و جعل اليه7 حكمها فقال هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب.

و عن كتاب منهج التحقيق الي سواء الطريق عن سلمان الفارسي  رضي‏الله‏عنه قال كنت انا و الحسن و الحسين8 و محمّد بن الحنفية و محمّد بن ابي‏بكر و عمّار بن ياسر و مقداد بن اسود الكندي فقال له ابنه الحسن8 يا اميرالمؤمنين ان سليمان بن داود سأل ربه ملكاً لاينبغي لاحد من بعده فاعطاه ذلك فهل لك مما ملك سليمان بن داود شيئاً فقال و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ان سليمان بن داود سأل اللّه عزّوجلّ الملك فاعطاه و ان اباك ملك ما لم‏يملكه احد بعد جدّك رسول‏اللّه9 قبله و لايملكه احد بعده فقال الحسن7نريد ان‏ترينا ممافضّلك اللّه به من الكرامة فقال افعل ان شاء اللّه فقام اميرالمؤمنين7 و توضّأ و صلّي ركعتين فدعا اللّه عزّوجلّ بدعوات لم‏نفهمها ثمّ اومأ بيده الي جهة المغرب فماكان باسرع من ان جاءت سحابة فوقعت علي الدار و الي جانبها سحابة اخري فقال اميرالمؤمنين7 ايّتها السحابة اهبطي باذن اللّه عزّوجلّ فهبطت و هي تقول اشهد ان لا اله الاّ اللّه و انّ محمّداً رسول‏اللّه9 و انك خليفته و وصيّه من شكّ فيها فقد هلك و من تمسّك بها فقد سلك سبيل النجاة قال ثم انبسطت السحابة الي الارض حتي كأنّها بساط موضع فقال7

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 423 *»

اجلسوا علي الغمامة فجلسنا و اخذنا موضعنا و اشار الي السحابة الاخري فهبطت و هي تقول كمقالة الاولي و جلس اميرالمؤمنين7 عليها منفرداً ثم تكلّم بكلام و اشار اليها بالمسير نحو المغرب و اذا بالريح قد دخلت تحت السحابتين فرفعتهما رفعاً رقيقاً فتأمّلت نحو اميرالمؤمنين7 و اذا به علي كرسي و النور يسطع من وجهه يخطف بالابصار فقال الحسن7 يا اميرالمؤمنين ان سليمان بن داود كان مطاعاً بخاتمه و اميرالمؤمنين بماذا فقال اميرالمؤمنين7 انا عين اللّه في ارضه انا لسان اللّه الناطق في خلقه انا نور اللّه الذي لايطفأ انا باب الذي يؤتي منه و حجته علي عباده ثم قال7 أتحبّون ان اريكم خاتم سليمان بن داود قلنا نعم فادخل يده في جيبه فاخرج خاتماً من ذهب و فصّه من ياقوتة حمراء عليه مكتوب محمّد و علي قال سلمان فعجبنا من ذلك فقال7 من اي شي‏ء تعجبون و ما العجب من مثلي انا اريكم اليوم ما لم‏تروه ابداً فقال الحسن7 اريد ان‏تريني يأجوج و مأجوج و السدّ الذي بيننا و بينهم فسارت الريح بالسحابة فسمعنا لها دويّاً كدوي الرعد و علت في الهواء و اميرالمؤمنين7 يقدمنا حتي انتهينا الي جبل شامخ في العلوّ و اذا شجرة جافّة تساقطت اوراقها و جفّت اغصانها فقال الحسن7 مابال هذه الشجرة قديبست فقال7 سلها فانها تجيبك فقال الحسن7 ايتها الشجرة مابالك قد حدث بك مانراه من الجفاف فلم‏تجبـه فقال اميرالمؤمنين7 بحقّي عليك الاّ ما اجبته قال الراوي واللّه لقد سمعتها و هي تقول لبّيك لبّيك يا وصي رسول‏اللّه و خليفته ثم قالت يا ابامحمّد ان اميرالمؤمنين كان يجيئني كلّ ليلة وقت السحر و يصلّي عندي ركعتين و يكثر من التسبيح فاذا فرغ من دعائه جاءته غمامة بيضاء ينفح فيها ريح المسك و عليها كرسي فيجلس و يسير به و كنت اعيش ببركته فانقطع عنّي منذ اربعين يوماً فهذا سبب ماتراه منّي فقام اميرالمؤمنين7 فصلّي ركعتين و مسح بكفّه عليها فاخضرّت و عادت الي حالها و امر الريح فسارت بنا فاذا نحن بملك يده بالمغرب و الاخري بالمشرق فلمّا نظـر

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 424 *»

الملك الي اميرالمؤمنين7 قال اشهد ان لا اله الاّ اللّه وحده لا شريك له و اشهد ان محمّداً عبده و رسوله ارسله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كلّه ولو كره المشركون و اشهد انك وصيّه و خليفته حقاً و صدقاً فقلنا يا اميرالمؤمنين من هذا الذي يده في المغرب و الاخري في المشرق فقال7 هذا الملك الذي وكّله اللّه عزّوجلّ بظلمة الليل و ضوء النهار و لايزول الي يوم القيمة و ان اللّه عزّوجلّ جعل امر الدنيا الي و ان اعمال الخلق تعرض في كلّ يوم علي ثم ترفع الي اللّه عزّوجلّ ثم سرنا حتي وقفنا علي سدّ يأجوج و مأجوج فقال اميرالمؤمنين7 للريح اهبطي بنا ممايلي هذا الجبل و اشار بيده الي جبل شامخ في العلوّ و هو جبل الخضر7فنظرنا الي السدّ فاذا ارتفاعه مدّ البصر و هو اسود كقطعة ليل دامس يخرج من ارجائه الدخان فقال اميرالمؤمنين7 يا ابامحمّد انا صاحب هذا الامر علي هؤلاء العبيد قال سلمان فرأيت اصنافاً ثلثة طول احدهم مائة و عشرون ذراعاً و الثاني طول كلّ واحد سبعون و الثالث يفرش احدي اذنيه تحته و الاخري يلتحف بها ثمّ انّ اميرالمؤمنين7امر الريح فسارت بنا الي جبل قاف فانتهينا اليه فاذا هو من زمردة خضراء و عليها ملك علي صورة النسر فلمّا نظر الي اميرالمؤمنين7 قال السلام عليك يا وصي رسول‏اللّه و خليفته أتأذن لي في الكلام فردّ و قال له ان شئت تكلّم و ان شئت اخبرتك عماتسألني عنه فقال الملك بل تقول انت يااميرالمؤمنين قال تريد ان‏اذن لك ان‏تزور الخضر قال نعم قال قد اذنت لك فاسرع الملك بعد ان قال بسم اللّه الرحمن الرحيم فمشينا علي الجبل هنيئة فاذا بالملك قد عاد الي مكانه بعد زيارة الخضر7 فقال سلمان يااميرالمؤمنين ارأيت الملك مازار الخضر7 الاّ حين اخذ اذنك فقال7 و الذي رفع السماء بغير عمد لو انّ احدهم رام ان‏يزول من مكانه بقدر نفس واحد لمازال حتي اذن له و كذلك يصير حال ولدي الحسن و بعده الحسين و تسعة من ولد الحسين و تاسعهم قائمهم فقال سلمان ما اسم الملك الموكّل بالقاف فقال7 ترحائيل فقال يااميرالمؤمنين

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 425 *»

كيف تأتي كلّ ليلة الي هذا الموضع و تعود فقال7 كما اتيت بكم و الذي فلق الحبة و برأ النسمة انّي لاملك من ملكوت السموات و الارض ما لو علمتم ببعضه لمااحتمله جنانكم انّ اسم اللّه الاعظم اثنان و سبعون حرفاً و كان عند اصف بن برخيا حرف واحد فتكّلم به فخسف اللّه الارض مابينه و بين عرش بلقيس حتي تناول السرير ثم عادت الارض كما كانت اسرع من طرف النظر و عندنا واللّه اثنان و سبعون حرفاً و حرف واحد عند اللّه استأثره في علم الغيب و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم عرفنا من عرفناه (عرفنا خ‏ل) انكرنا من انكرناه (انكرنا خ‏ل) ثم قام7 و قمنا فاذا نحن بشابّ في الجبل يصلّي في قبرين فقلنا يا اميرالمؤمنين من هذا الشابّ فقال7 هذا صالح النبي و هذان القبران لامّه و ابيه و انه يعبد اللّه بينهما فلمّا نظر اليه صالح لم‏يتمالك نفسه حتي بكي و اومأ بيده الي اميرالمؤمنين7 ثم اعادها علي صدره و هو يبكي فوقف اميرالمؤمنين7 عنده حتي فرغ من صلوته فقلنا له مابكاؤك قال صالح انّ اميرالمؤمنين7 كان يمرّ بي عند كلّ غداة فيجلس فتزاد عبادتي من ذلك فقال7 تريدون ان‏اريكم سليمان بن داود قلنا نعم فقام7 و نحن معه حتي دخل بستاناً مارأينا احسن منه و فيه من جميع الفواكه و الاعناب و الانهار تجري و الاطيار يتجاوبن علي الاشجار فحين رأته الاطيار ترفرفت حوله حتي توسّطنا البستان فاذا بسرير عليه شابّ ملقي علي ظهره واضع يده علي صدره فاخرج اميرالمؤمنين7الخاتم من جيبه و جعل في اصبع سليمان بن داود8 فنهض قائماً قال السلام عليك يااميرالمؤمنين و وصي رسول ربّ العالمين و انت واللّه الصديق الاكبر و الفاروق الاعظم قدافلح من تمسّك بك و قد خاب و خسر من تخلّف عنك و اني سألت اللّه عزّوجلّ بكم اهل البيت فاعطيت ذلك الملك قال سلمان فلمّا سمعنا كلام سليمان بن داود7 لم‏اتمالك نفسي حتي وقعت علي اقدام اميرالمؤمنين7 اقبّلها و حمدت اللّه عزّوجلّ علي جزيل عطائه بهدايته الي ولاية اهل‏البيت: الذين اذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً و فعل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 426 *»

اصحابي ثم سألت اميرالمؤمنين7 ماوراء قاف واقف قال7 وراؤه ما لايصل اليكم علمه فقلنا تعلم ذلك يااميرالمؤمنين فقال7 علمي بماوراءه كعلمي بحال هذه الدنيا و مافيها و اني الحفيظ الشهيد عليها بعد رسول‏اللّه9و كذلك الاوصياء من ولدي بعدي ثم قال7 انّي لاعرف بطرق السموات من طرق الارض نحن الاسم المخزون المكنون نحن الاسماء الحسني التي اذا سئل اللّه بها اجاب نحن الاسماء المكتوبة علي العرش و لاجلنا خلق اللّه عزّوجلّ السماء و الارض و العرش و الكرسي و الجنة و النار و منّا تعلّمت الملائكة التسبيح و التقديس و التهليل و التكبير و نحن كلمات اللّه التي تلقّيها ادم من ربه فتاب عليه ثم قال7 أتريدون ان‏اريكم عجباً قلنا نعم قال غضّوا اعينكم ففعلنا ثم قال افتحوها ففتحنا فاذا نحن بمدينة مارأينا اكبر منها الاسواق قائمة و فيها اناس مارأينا اعظم من خلقتهم علي طول النخل قلنا يا اميرالمؤمنين من هؤلاء قال7 بقية قوم عاد كفّار لايؤمنون باللّه عزّوجلّ احببت ان‏اريكم اياهم و هذه المدينة و اهلها اريد ان‏اهلكهم و هم لايشعرون قلنا يا اميرالمؤمنين بغير حجة قال لا بل بحجة علينا فدني منهم فهمّوا ان‏يقتلوه و نحن نراهم و هم يروننا ثم تباعد عنهم و دنا و مسح يده علي صدورنا و ابداننا و تكلّم بكلمات لم‏نفهمها و عاد اليهم ثانية حتي صار بازائهم و صعق فيهم صعقة قال سلمان لقدظننّا ان الارض قدانقلبت و السماء قدسقطت و ان الصواعق من فيه قدخرجت فلم‏يبق منهم في تلك الساعة احد قلنا يا اميرالمؤمنين ماصنع اللّه بهم قال7 قدهلكوا و صاروا الي النار قلنا هذا معجز مارأينا و لاسمعنا بمثله فقال7 أتريدون ان‏اريكم اعجب من هذا فقلنا لانطيق باسرنا علي احتمال شي‏ء اخر فعلي من لايتولاّك و يؤمن بفضلك و عظم قدرك علي اللّه عزّوجلّ لعنة اللّه و لعنة اللاعنين و الملائكة و الخلق اجمعين الي يوم الدين ثم سألناه الرجوع الي اوطاننا فقال7 افعل ان شاء اللّه فاشار الي السحابتين فدنتا منّا فقال7 خذوا مواضعكم فجلسنا علي سحابة و جلس علي الاخر و امر الريح فحملتهما حتي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 427 *»

صرنا في الجوّ و رأينا الارض كالدرهم ثم حططنا في دار اميرالمؤمنين7 في اقلّ من طرف النظر و كان وصولنا الي المدينة وقت الظهر و المؤذّن يؤذّن و كان خروجنا منها وقت علت الشمس فقلنا باللّه العجب كنّا في جبل قاف مسيرة خمسة سنين و عدنا في خمس ساعات من النهار فقال اميرالمؤمنين7 لو انني اردت ان‏اجول الدنيا باسرها و السموات السبع و ارجع في اقلّ من الطرف لفعلت بماعندي من الاسم الاعظم هـ و قدذكرت الحديث بطوله لما فيه من ظهور بعض سلطنة اميرالمؤمنين7 بتسخير الرياح له من اللّه عزّوجلّ.

و يريد7 ايضاً بقوله سخّر لي الرياح اثبات مقام نفسه في ذاته و في الدعاء ربّ هب لي نفسي و ذلك في قوله تعالي و هو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتي اذا اقلّت سحاباً ثقالاً سقناه الي بلد ميّت فانزلنا به الماء فاخرجنا به من كلّ الثمرات فالرحمة هي مقام النقطة و هي باطن الباطن في اخر مراتب السبعين او السبعة و هي السرّ المقنّع بالسرّ و مقام الحقيقة المقدسة النبوية9 و الرياح هي مقام الالف و النفس الرحماني الاولي (بفتح الفاء) و باطن الباطن تحت الرتبة الاولي بدرجة و السرّ المستسرّ بالسرّ و مقام الحقيقة المقدسة العلوية عليه و اله السلام و السحاب المزجي في قوله تعالي هو الذي يزجي سحاباً ثمّ يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً هي مقامات الحروف العاليات و سرّ السرّ و باطن الباطن و باطن الظاهر و حقّ الحق و مقام الحقيقة المقدسة المعصومية اي حقايق الائمة الطاهرين سلام اللّه عليهم اجمعين و السحاب الثقال و المتراكم الحامل للمطر و الماء هو مقام الكلمة التامة و مقام الظاهر و السرّ و الحق و السرّ المجلّل بالسرّ و مقام الحقيقة المقدسة الفاطمية عليها و علي ابيها و بعلها و بنيها الاف الثناء و التحية فاذا تمّت هذه الكلمة و ائتلفت هذه الفرقة استنطقت منها في عالم الالفاظ و الاجسام كلمة كـن فاشرقت (فاشرق ظ) منها النور و هو المطر و الوجود علي الليل الديجور و هي ظلمة الانية و الماهية و الارض الجرز فظهرت الاشعة و تشعشعت الذرات المشرقة و تكوّنت

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 428 *»

الكائنات و انبسط بساط الارضين و السموات فضجّت الاصوات الي بارئ النسمات بانواع اللغات فمبدأ هذه المكوّنات هو الريح كما في هذه الاية الشريفة و هي حقيقة الحيوة و عين التحقيق و الثبات و لذا اشتقّ منها الروح و قد قال7 الروح متعلّقة بالريح و هي متعلّقة بالهواء فالهواء هو اصل الكون و الوجود و لذا قال7 ان اوّل ماخلق اللّه الهواء و هو في مقام يظهر منه لا اله الاّ اللّه اذاما اعتبرت الهمزة الثانية و اذا اعتبرتها يظهر منه الاحد الذي هو سرّ الواحد الذي هو سرّ البسملة و اذاما لاحظت الهمزتين جميعاً يحكي من سرّ الهوية و لبّ الالوهية و لذا كان الاسم المتعلق بالهواء اسم اللّه الحي و به تبيّن سرّ القيّوم فكانا معاً اسم اللّه الاعظم الاّ انّ سرّ القيّوم في الحي و سرّ الحي في الهواء و سرّ الهواء في هو و سرّ هو في الهاء و هي سرّ الاسرار و نقطة الاكوار و الادوار و عليها دار الليل و النهار فالهواء هو الحري بان‏يكون اول ماخلق اللّه لان طبعه طبع المصدر المفعول المطلق و مزاجه مزاج الرسالة و حقيقته عبارة عن الوساطة و الريح اول ظهور هذا الهواء و حركته الي جهة الشئون و هي المثيرة للسحاب و المهيّجة للذرات لاخذ حظّها من رب الارباب و الموصلة الي كلّ ذرّة نصيبها من الكتاب و هي ظاهرة بالتفصيل و بارزة بالتغيير و التبديل و صفتها صفة الولاية و مزاجها مزاج الهداية و طبعها طبع العناية فيكون الهواء هو الاحري بان‏يكون اول ماخلق اللّه و الريح بها انفتقت الاجواء و علقت الارجاء و اضيئ (اضاء خ‏ل) الضياء و اقيمت الارض و السماء فبها الولاية الكبري و السلطنة العظمي و الرياسة العليا ليس دونها مقام فانقطع عندها الكلام و هو قوله7 ظاهري ولاية و باطني غيب لايدرك و لا حول و لا قوة الاّ باللّه.

و اما سرّ الجمع في الرياح /حينئذ (زائد خ‏ل) فلبيان انّ مقامه7 مقام الكثرة و الامتياز و الاختلاف الذي رجوع كلّ ذلك الي الوحدة الحقيقيّة و كلّها مطلوبة كالبستان المتضمّن لانواع الفواكه و الاثمار (الثمار خ‏ل) و الاشجار و الازهار و كذا الاختلافات الغير المطلوبة ايضاً به نشأت و عنه تأصّلت و تحققت كما /مرّ (زائد خ‏ل) في الحديث عن النبي9 خطاباً لعلي7 مااختلف في اللّه و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 429 *»

 لا في و انما الاختلاف فيك يا علي و قال تعالي عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون قال7 ايّة اية اكبر منّي و اي نبأ اعظم منّي و قدتقدّم ذلك مراراً.

قوله7 و الهوام (بتشديد الميم) جمع هامّة و هي حشرات الارض كالحيّة و العقرب و النملة و الخنافس و امثال ذلك و بتخفيفها الاسد كما في القاموس و اما الحشرات فهي التي لا نفس لها سائلة فهي المكوّنة من ظواهر قشور الحيوانات فصارت برزخاً بين الحيوان و النبات الاّ انّ الغالب فيها الجهة الحيوانية و لذا جرت عليها احكام الحيوانات من الحركة و المشي و طلب مايسدّ فقرها من المئاكل و المشارب و ضبطها و حفظها و احكام النباتات من امتزاج روحها بجسمها بحيث اذا قطعت نصفين يبقي كلّ نصف يتحرّك زماناً طويلاً كالشجرة اذا قطعت نصفها لاييبس النصف الاخر علي الفور بل ربما لاييبس اصلاً كما هو المحسوس الظاهر و لذا جرت الشريعة فيها علي مقتضي ما في النبات و لذا لاتنجس موتاها و لا دمها كما في ساير الحيوانات و النخلة ايضاً برزخ بين الحيوانات و النباتات الاّ ان الغالب عليها الجهة النباتية و فيها عشر خصال من الحيوانية و هي المشهورة و انما ضعفت خلقة تلك الحشرات و مانضجت بنيتها و مااستحكمت قواها و ماجرت دماؤها لضعف الحرارة الغريزية التي بها التلطيف و التنضيج و كثرة الرطوبات الفضلية و الكثافات المانعة عن ظهورها و نشوها و كمالها و تلك الحرارة انما تحصل بزيادة الحركة و السرعة و المبادرة للامتثال لقوله تعالي حين قال ألست بربكم و محمّد9 نبيّكم و علي و الائمة الاحدعشر من ولده و فاطمة الطاهرة الصديقة اولياءكم فمن سارع في الامتثال و بادر في الجواب قويت حرارته الحاصلة من قوة تلك الحركة (الحرارة خ‏ل) و ازالت الاعراض الغريبة المفسدة الحاصلة من الميولات النفسانية و الشهوات الجسدانية و الالتفاتات الغيرية فاذا تراكمت هذه الاعراض بعضها علي بعض ضعفت الحرارة لكون طبعها مضادّة لطبعها فاذا ضعفت الحرارة ضعفت الطبيعة لانها محلّها و ينبوعها فاذا ضعفت الطبيعة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 430 *»

لم‏تقدر علي هضم مايرد علي البدن من الغذاء لانّ ذلك لايكون الاّ بالتلطيف و التصعيد و التعفين و التعقيد و التقطير و ردّ الفضول و لايكون ماذكرنا الاّ بالحرارة فاذا ضعفت القوة الهاضمة يمتنع البدن عن الغذاء الزائد و الوارد عليه ايضاً يكون فضولاً لم‏يتحلّل و لم‏يندفع فتكثر البرودة و الرطوبة او اليبوسة فتكون البنية ضعيفة تعجز عن حمل الاثقال و فعل الاعمال و ربما تزيد البرودة الي ان لايبقي للحرارة الضعيفة محلّ فترتحل فتفسد البنية و تبطل الكينونة و في الحديث اخبرني شيخي و ثقتي اطال اللّه بقاه عن احدهم: مامعناه ان للمؤمن اربعين جنّة فكلّما يعصي تكشف جنّة حتي تكشف الجنن كلّها فتستره الملائكة باجنحتها الي ان‏يتبذّخ بالمعصية فيأخذ في بغضنا اهل‏البيت فهذا هو الهلاك الاعظم و الموت الاكبر و الجثة الظاهرة علي طبق الجثة الباطنة و الحشرات لمّاضعفت تلبيتهم لذلك النداء حين سمعوا المنادي من الناحية العليا ضعفت جثّتهم و قلّت قوّتهم و صغرت كينونتهم و كذلك حكمهم حين انكروا اذ لم‏يبلغ انكارها انكار الاقوياء العلماء في الرتبة العليا فمن لبّي منها و امنت بنبيّها و وليّها تضمّنت نفعاً تامّاً و ماانكر منها تضمّن مضرّة تامّة ثمّ لمّا حصـل بين الفريقين مزج و اختلاط و الفة و ارتباط اكتسب كلّ واحد عن الاخر ماعليه من المفسدة و المضرّة بالعرض فصار النحل يخرج منها ما هو شفاء للناس و قوة للحرارة الغريزية و راحة للقلب و عضد للكبد و حيوة للبدن كلّه و صارت العقرب يخرج منها سمّاً قاتلاً وهكذا قياس باقيها و كذا التي تنفع من جهة و تضرّ من جهة اخري فاذا استجنّت فيها تلك الخواص و استحكم عليها ذلك الاساس فهي من حيث نفسها محكومة عليها مطيعة او عاصية معذّبة او منعّمة ولكنها من حيث بارئها و مبدئها جند من جنوده عزّوجلّ و خزينة من خزائنه يعذّب بها من يشاء كما عذّب قوم فرعون بالجراد و القمّل و الضفادع و ينعّم بها من يشاء كما ينعّمون بالعسل عن النحل و بالجراد و يتغذّون بها و امثالهما من ساير الاجناس و لمّا كان التعذيب و التنعيم بها موقوفاً بارادة اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 431 *»

سبحانه و بعنايته الخاصة صارت هي واقفة بباب اذنه تعالي و لائذة بجناب قدسه لتمتثل امره و تجري حكمه و تظهر مااودعه في كلّ منها من الخاصية حسب قابليته و اجابتها لداعي ربها فيما اراد اللّه كما اراد اللّه كيف‏ما اراد اللّه سبحانه و قد دلّت عليه الادلة العقلية و النقلية و لمّا كان اللّه سبحانه اقتضت حكمته و سبقت مشيته ان‏يجري الاشياء بالوسايط و ينزل الاحكام الوجودية و الشرعية من الخزائن الغيبية و كان مولينا اميرالمؤمنين7 هو صاحب تلك الخزائن و اصل تلك الوسايط لان له الولاية الكبري و الرياسة العظمي صارت الهوام مسخّرة منقادة لامره7 فكانت لاتنفع و لاتضرّ الاّ بعناية خاصّة /باذن (و اذن خ‏ل) خاصّ منه7 في ذلك الشي‏ء و كذلك في جريانها في ساير احوالها و تدبير امورها في مئاكلها و مشاربها كالنحل في رياستها و في تدبيرها لاحوال الرعية و في كيفية خدمة الرعية لذلك الرئيس و كالنمل تسعي في اعداد الذخيرة لنفسها لعلمها باحتياجها الي الغذاء في المستقبل و عدم اقتدارها علي تحصيله في ذلك الوقت و انها اذا احسّت بنداوة المكان فانها تشق الحبّة بنصفين لعلمها بان الحبة لو بقيت سالمة و وصلت النداوة اليها لنبت منها و تفسد الحبّة عليها اما اذا صارت مشقوقة لم‏تنبت و انها تشقّها في الطول لا في العرض لعلمها بانها تنبت اذا شقّت في العرض و اذا وصلت النداوة الي تلك الحبوب ثم طلعت الشمس فانها تخرج تلك الاشياء من جحرها و تضعها حتي تجفّ فاذا كثرت و ثقل الحبّ تجمع جماعة تستعين (لتستعين خ‏ل) بها علي نقله بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام او غيره بل للنمل في ذلك الجدّ و التشمير ماليس للناس مثله ثم لاتتّخذ الدبيبة الاّ في مقام من الارض كيلايفيض السيل فيغرقها و كالليث الذي تسميه العامة اسد الذباب و مااعطي من الحيلة و الرفق في معاشه فانك تراه حين يحسّ بالذباب قد وقع قريباً منه تركه مليّاً حتي كأنّه موات لا حراك به فاذا رأي الذباب قداطمأنّ و غفل عنه دبّ دبيباً دقيقاً حتي يكون منه بحيث يناله وثب ثمّ يثب عليه فيأخذه فاذا اخذه اشتمل عليه بجسمه كلّه مخافة ان‏ينجو منه فلايزال قابضاً عليه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 432 *»

حتي يحسّ بانه قد ضعف و استرخي ثم يقبل عليه فيفترسه و كالعنكبوت فانه ينسج ذلك النسج فيتّخذه شركاً و مصيدة للذباب ثمّ يكمن في جوفه فاذا نشب فيه (عليه خ‏ل) الذباب احال عليه بلدغه ساعة بعد ساعة فيعيش بذلك منه فذلك يحكي صيد الكلاب و الفهود و هذا يحكي صيد الاشراك و الحبايل و امثالها من هذه الاحوال التي لاتحصي فهي في كلّ تلك الاحوال و اجراء مافيها من المنافع و المضار تابعة و ذليلة لمولينا اميرالمؤمنين7 و واقفة بباب اذنه روحي فداه فلاتعلّمت هذه العلوم و الامور التي بها تجري في امر معاشه الاّ منه7 و هو الذي علّم كلّ شي‏ء مايقيم به وجوده و يحفظ به غيبه و شهوده فقد علم كلّ شي‏ء مماعلّمه اللّه تعالي و ذلك التعليم انما هو بفاضل ظهوره و شعاع نوره الذي هو عين ذلك الشي‏ء فعلّمه به و تعلّم منه7 به فلاتلدغ العقرب و لا الحيّة و لا غيرهما شيئاً من الاشياء الاّ باذنه الخاص و لاينفع العسل من النحل و لاتأكل النحل من الثمرات و لايلقي الشهد الاّ بامره7 و اليه الاشارة في باطن باطن التفسير او في باطنه في قوله تعالي و اوحي ربك اي صاحبك و مربّي ظهورك و امّتك و شيعتك او مربّيك في مقامات تفاصيلك كالملائكة الحفظة بالنسبة اليه9 و ذلك الرب و المربي هو اميرالمؤمنين7 كما كان الرب المتجلّي لموسي علي الجبل رجل من شيعته7 فافهم الي النحل ان اتّخذي من الجبال الاية و هو7 الذي اوحي الي النحل مااوحي من كيفية اكل الثمرات و اتخاذها البيوت المسدسات و ترتيب احوالها ترتيب السلطان لاحوال الرعية لبيان ان الحلاوة التي فيها شفاء للناس و هي روح‏الايمان انما تتلقّي من المبدأ علي هذا المنهج و قوله تعالي فاسلكي سبل ربك ذللاً و سبيل الرب هو علي7 و قدامرت النحل ان تسلك في ذلك الاكل سبيل علي7 اي الطريق الذي جعل7 لها و الصراط الذي فتقه لها و الحكم الذي اسّس و الاصل الذي اصّل و البنيان الذي شيّد لها و اوصل كلّ ذلك اليها بسرّ ذاتها و ابان لها بلسان ذاتها علي هيكل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 433 *»

استعدادها و هيئة قابلياتها حال كونها ذليلة له7منقادة لامره و نهيه لكونها مسخّرة له مملّكة اياه او ان اللّه سبحانه اوحي اليها بلسانه و هو علي7 كما اوحي الي موسي في الشجرة الزيتونة التي لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم‏تمسسه نار و هي الشجرة العلوية7 كما قال7 انا المكلّم لموسي في الشجرة وهكذا الحكم في كلّ الحشرات بل كلّ الحيوانات في جميع احوالها و اطوارها و سكناتها من انواع الذرّات بانواع الهياكل و الهيئات من الذوات و الصفات في كلّ الحركات و السكنات فلايموت منها شي‏ء و لايضعف و لايفني و لايضمحل الاّ بتقصيرها في ولايته7 و مااماتها الاّ قهره7 باللّه تبارك و تعالي و قد سخّرت الهوام له7 كما سخّرت الاشياء للّه سبحانه بمعني ان الاشياء مسخّرة له تعالي في اماكنها و مقاماتها و قيّوميته سبحانه لها انما هي باثر فعله تعالي لا بنفس ذاته فهي تنتهي الي ذلك الاثر لا الي الذات البحت تبارك و تعالي و لمّا كان الاثر مضمحلاً لديه و فانياً عند ظهوره سبحانه نسب اليه تعالي والاّ فهو تعالي منزّه عن الخلق و عن انتسابه اليهم و ارتباطه بهم سبحان ربك ربّ العزة عمايصفون و سلام علي المرسلين فالاشياء كلّها منتسبة اليه تعالي لكنّها منتهية الي عللها و اسبابها و مقوّماتها الصدورية و كذلك نسبة تسخير الهوام و ساير الاشياء الي مولينا علي7 فانها مسخّرة لمباديها و عللها و تلك المبادي و العلل ظهور من ظهوراته7 و رشح من رشحات بحار افضاله ولكن لمّا كانت تلك الوسائط فانية باطلة و مضمحلة زائلة عند سطوع ظهوره و تشعشع بروز نوره7 نسبت اليه والاّ فهو منزّه عن انتهاء الهوام و ساير البهايم اليه7 فان الهوام و البهايم تستمدّ من سرّ الملائكة المستمدين من الجن المستمدين من الانس المستمدين من الانبياء المستمدين من الصديقة الطاهرة المستمدة من الائمة و العترة الطاهرة المستمدين من مولانا و سيدنا اميرالمؤمنين و سيدالوصيين علي محمّد و عليه و اولاده و زوجته الصديقة افضل السلام و ازكي التحية و كلّ رتبة سفلي عند العليا معدومة في رتبتها ما

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 434 *»

سوي فاطمة3 مع اولادها و بعلها فاذا كان كذلك فالتسخير للهوام انما هو له7بالبهائم و الملائكة كما ان تسخير الاشياء للّه تعالي انما هو به و بظهورات افعاله و اثاره عليه الصلوة و السلام و لك ان‏تجعل التسخير له7 لكن الذي ظهر للهوام و البهائم اذ كلّ شي‏ء يعرفه و كلّ موجود يطلبه و كلّ لسان يدعوه و كلّ قلب يضمره و كلّ عين تراه فقال7 انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته و قد مـرّ تفصيل هذا الاجمال و تفسير هذا الابهام فافهم ان كنت تفهم والاّ فاسلم تسلم.

و انما اختار7 الهوام دون غيرها اشارة الي ما هو بعيد عن الافهام و الاوهام فان الناس ربما يتصوّرون طاعة الحيوانات من الجن و الانس و الملائكة و ساير البهائم ايضاً له لقوة ادراكهم و نورانيّتهم و اما حشرات الارض و النباتات و الجمادات فمن جهة عدم قوة ادراكهم لايتصورون كونهم مطيعين له7 لعدم شعورهم و قوّتهم في النهوض فاشار7الي ذلك الفرد الخفي انّ نسبة الهوام و الطيور الي كنسبة ساير الحيوانات و كلّها مسخّرة لي و منقادة لامري و نهيي او يكون وجه الاختصاص كثرتهم و وفورهم و كونهم اكثر من غيرهم من التي لها نفس سائلة و هذه الهوام قد ملأت وجه الارض و كذلك الهواء المجاور للارض و الماء و تخلق كلّ ساعة و دقيقة و تتجدّد خلقتهم لضعف بنيتها و كونها تتكوّن من الكثافات و ماهذا شأنه لا حدّ له كثرة بخلاف ساير الحيوانات و هذه قاعدة مضبوطة كلّ‏ما هو انضج طبيعة و اصفي بنية اقلّ وجوداً و ظهوراً في الذات بالنسبة الي ما هو ليس كذلك و لذا قال7 كما رواه بعض اصحابنا انّ بني‏ادم بقدر عشر الجن و الجن و الانس بقدر عشر حيوان البرّ و الجميع بقدر عشر الطيور و كلّهم بقدر عشر حيوانات البحر الحديث فجعل7 كلّ‏ما هو ادني اكثر و لا شكّ ان الحشرات اضعف وجوداً و بنية عن كلّ الحيوانات و قد صرّح مولينا الصادق7 بذلك في

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 435 *»

حديث المفضّل الي ان قال7 معاشها من ضروب منتشرة في الجوّ من البعوض و الفراش و اشباه الجراد و اليعاسب و ذلك ان هذه الضروب مبثوثة في الجوّ لايخلو منها موضع و اعتبر ذلك بانك اذا وضعت سراجاً في الليل في سطح او عرصة دار اجتمع عليه من هذا شي‏ء كثير فمن اين يأتي ذلك كلّه الاّ من القرب فان قال قائل انه يأتي من الصحاري و البراري قيل له كيف يوافي تلك الساعة من موضع بعيد و كيف يبصر من ذلك البعد سراجاً في دار محفوفة بالدور فيقصد اليه مع ان هذه عياناً تتهافت علي السراج من قرب الحديث فابان7 عن كمال جلال قدره و اظهار ان هذه الحشرات مع كثرتها و وفورها و تجدّدها في كلّ حين و ان بحيث ملأت الاقطار و الامصار كلّها مسخّرة له مطيعة لامره و نهيه فلاتطير الاّ باذنه و لاتقع علي شي‏ء و لاتصيب شيئاً الاّ باذنه7 كماتقدّم فيكون تسخير غيرها من ساير الحيوانات بالطريق الاولي و قدروي انه7 مرّ بوادٍ و فيها نمل كثيرة و كان ابوذر الغفاري معه7 فقال ابوذر عجباً لكثرة مافيها من النمل جلّ محصيها قال7 لاتقل ذلك انّي محصيها فعجب ابوذر من ذلك فقال انت محصيها فقال7 اي واللّه و كم فيها من ذكر او انثي هـ الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير.

او يكون وجه الاختصاص انه7 ذكر فيما قبل مايشير به الي ان الجن و الانس و الملائكة مسخّرة له فقد ذكر الان الرياح و الهوامّ و الطير فخصّ الرياح بالذكر لماذكرنا من انها الاصل و المبدأ لحقايق الاشياء و ذرات الكائنات ثم ذكر الهوام لانها اول مايتكوّن من اثارة الريح للسحاب الحامل للمطر النازل علي الارض في القوس الصعودي بعد القوس النزولي و لذا كثرت اجناسها و انواعها لانها تكوّنت من ظاهر القشور و من الاوساخ و المواد الغير الناضجة و تتكوّن بادني سبب و علة بخلاف غيرها من الاجساد و الاجسام القوية المتكوّنة من المواد الناضجة و الطبايع المؤتلفة و لذا تجـد اهل الاعتدال قليلاً بل ربما ماوجـد الاّ واحد و هو نبيّنا9 و لذا كان اخر

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 436 *»

الانبياء و خاتمهم لانه صفوهم ثم من بعده الاقرب الي الاعتدال الائمة الاثناعشر: ثمّ من بعدهم فاطمة3 و هؤلاء الصفوة كلّهم اربعة عشر و اصفاهم و اعدلهم و انضجهم طينة و طوية واحد ثم من بعدهم: الانبياء و لذا كثروا لكونهم قربوا الي القشر و الظاهر و ان كانوا: من الصفوة لكنّهم معدودون لكونهم من اللب القليلين بالنسبة الي غيرهم ثمّ من بعدهم الانسان من الرعية فكثروا و لم‏يدخلوا تحت حصـر و عدّ لكونهم من القشور بالنسبة الي الانبياء: ثم من بعدهم الجن كثروا بالنسبة الي الانس وهكذا ساير المراتب ففي القوس الصعودي بعد النزولي اول مايتكوّن الاكثف القشري ثم الاشرف اللبي و لهذا ذكر7 بعد الرياح التي هي العلة و الاصل و المادة مطلقاً لكنها حين نزولها الي هذا العالم الجسماني الكثيف فاوّل مايظهر منها و المتكوّن عند اثارتها السحاب بالدخان و البخار الهوام لانها اضعف وجوداً من كلّ المركّبات بعد الجمادات و النباتات ثم بعد ذلك اردفها بالطير لانها بعدها اي فوقها في القوة و الشرف و اللطافة فافهم.

او يكون المراد من الهوام الحيوانات اي البهايم مطلقاً اما مجازاً علي مذاق اهل الظاهر او من باب ظاهر الظاهر فنجعله (فتجعله خ‏ل) جمع الهامة اي التحيّر كمايقال رجل هائم و هيوم اي متحيّر و علي هذا الوجه يعمّ البهائم كلّها لانها متحيّرات لاتعرف من معرفة اللّه و معرفة الائمة و معرفة العلوم و الاسرار و المعارف و الحقايق و الانوار و ساير الاحوال فتدور في الارض حائرة لاتفرق بين الحق و الباطل و الجيّد و الردي و الاصل و الفرع و النور و الظلمة و امثالها مماهو مناط حال المستبصر المستقيم المسترشد و المعني في تسخيرها له7 هو مااشرنا الي نوعه في الهوام فان الحيوانات انما قويت و استحكمت قواها بالاضافة الي الهوام لعظم مسارعتها و اقبالها و توجّهها لامتثالها لقوله تعالي في الخلق الاول ألست بربكم و محمّد9 نبيّكم و علي و اولاده الطيبون وليّكم و فاطمة الصديقة اولياءكم فهم تقدّموا في الاجابة فقويت فيهم الحرارة الغريزية فحصل النضج و الاعتدال الاضافي فتقوّوا فصار لهم القوة علي غيرهم.

و انما

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 437 *»

اشرت الي البهائم بضمير المذكّر العاقل نظراً الي مقامها في مقام الحقيقة بعد الحقيقة لان كلّ واحد من المخلوقين له مقام في هذا المقام من الاعراض و الصفات و النسب و الروابط و الحيثيات و الذوات و الحقايق و لذا تراه سبحانه يشير اليها في بعض المقامات بضمير المذكر العاقل كما في قوله تعالي انّي رأيت احدعشر كوكباً و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين و قوله تعالي يتفيّؤ ظلاله عن اليمين و الشمائل سجّداً للّه و هم داخرون و قوله تعالي انكم و ماتعبدون من دون اللّه حصب جهنم انتم لها واردون لو كان هؤلاء الهة ماوردوها و كلّ فيها خالدون و امثالها من الايات في القرءان كثيرة و السرّ في ذلك هو الذي ذكرنا لك ان كلّ شي‏ء فيه وجه يحكي فيه الانسان الكامل و وجه اخر يحكي فيه الانسان الناقص و عند اجتماع الامرين و عدم التمحض في احدهما يأتي الحالات المتغيّرة و المتبدّلة و المعوجّة و المستقيمة فالبهائم بتلك الجهة العليا الوجه الانساني سمعوا نداء انّي انا اللّه فاجابوا علي ضعف منهم اما بالقبول او الانكار و سبب الضعف بعدهم عن نقطة النور اي قاعدة مخروطة (مخروطه ظ) و قربهم الي قاعدة مخروط الظلمة فظهرت في ظاهر احوالهم اثار ذلك المخروط و لمّا كانت الظلمة وجهها الي الاسفل و تستمدّ من نفس النور من حيث هو هو و يسجدون للشمس من دون اللّه صار رأس اهل ذلك الوادي منكس‏الرأس كمااخبر اللّه سبحانه عنهم ناكسوا رءوسهم عند ربهم و لمّا كان همّهم انفسهم و سعيهم فيمايرجع الي انفسهم صارت ايديهم ملصقة بالارض متوجّهة الي السجّين و لمّا كان همّهم بطنهم لايبالون من الخبيث و ليس همّهم الامتياز بين الجيّد و الردي صاروا يأكلون بفمهم اي يتناولون منه لا بايديهم كالانسان و من علي هيكله و لمّا كانت الحيوانات قربوا من هذه الطبقة غلبت انّيتهم فتصوّروا بهذه الصورة فصار المايز بين المقرّ منهم و المنكر طيب اللحم و زيادة المنفعة و عدمها فكلّ حيوان حلال‏اللحم و كثيرالمنفعة مؤمن امن باللّه و رسوله و الائمة الطاهرين: اما بالذات او بالعرض فالحلّية ايضاً تتبع ذلك و كلّ‏ما هو بالعكس فصارت سباعاً نجس‏العين و غيره علي اختلاف مراتبها في

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 438 *»

الانكار لولاية ال‏محمّد: .

و لمّا ان اللّه عزّوجلّ صرّح في كتابه العزيز ان كلّ دابّة في الارض و كلّ طير في الهواء امّة مثلنا و قال عزّوجلّ و ان من امّة الاّ خلا فيها نذير و قال انّ محمداً9 نذير للعالمين كما في قوله عزّوجلّ تبارك الذي نزّل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً فكلّ‏ما في العالم اي ماسوي اللّه عزّوجلّ فهو النذير له و صرّح في قوله تعالي بانّ عليّاً خلقه من الماء فجعله نسباً لمحمّد9 و صهراً و صرّح ايضاً بان اولي‏الارحام بعضهم اولي ببعض فنصّ واضحاً صريحاً بانّ عليّاً7 هو الوصي و الخليفة و القائم مقام النبي9 فصارت العوالم كلّها ذوات شعور و ادراك كلّها رعية لمحمّد9 ثم لعلي7 و لا شكّ ان الرعية مسخّرة لنبيّهم بحيث يكون زمامهم بيده فلو اراد ان‏يفنيهم عن اخرهم لفعل و لاينافي ذلك عصيانهم له و عدم اطاعتهم اياه لان ذلك مهلة منهم لينالوا نصيبهم من الكتاب كما ان اللّه تعالي امهل عصاة عبيده مع ان نواصيهم بيده و كذلك محمّد و علي8 بالنسبة الي رعاياهم و هم كلّ‏ما في العالم لانهم خلقت موادهم (فؤادهم خ‏ل) و هياكل اعيانهم من نورهما فلم‏يزالوا مقابلين لهما و مستمدّين عنهما كمقابلة الصور المتكثرة المنطبعة في المرايا الكثيرة المختلفة بالاعوجاج و الاستقامة و الاحمرار و الصفرة للمقابل من الشمس او غيرها فالمقابل يمدّ كلّ شي‏ء من المعوجّ و المستقيم علي حسبه فلاتستغني عن المقابل ابداً و كذلك الظلال و هي كلّها من النور و الظل مسخّرة له و منقادة لامره و نهيه فالسباع انما تفترس في كلّ وقت باذن علي7 و امره و كذلك غيرها من ساير الحيوانات لاتخطو خطوة و لاتلحظ لحظة و لاترعي معشباً و لاتنقاد لاحد الاّ باذنه الخاص فالكلب مثلاً لاينبح ابداً الاّ باذنه و لايأكل لقمة و لا لحمة و لا جيفة الاّ باذنه الخاص و لاتموت الاشياء الاّ باذنه و لاتحيي الاّ باذنه المخصوص في كلّ ذرة ذرة في كلّ دفعة دفعة و لاتحرق النار و لاتحترق الخشبة مثلاً و لايصعد الدخان و لايغلظ و لايخـف الاّ باذنه و امره في كلّ دفعة و كلّ حرقة وهكذا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 439 *»

الاحكام في كلّ جزئيات الوجود و كلياته و لاتأخذ الحمّي احداً و لاتترك احداً الاّ باذنه و امره روحي فداه.

ان قلت لي من اين تقول هذه الاقوال قلت من قوله تعالي قل من بيده ملكوت كلّ شي‏ء و هو يجير و لايجار عليه أليس علي7 يد اللّه و قوله تعالي فسبحان الذي بيده ملكوت كلّ شي‏ء و اليه ترجعون و قد قالوا: انّ الينا اياب هذا الخلق ثمّ انّ علينا حسابهم كما تقدّم و في دعاء سحر كلّ ليلة من شهر رمضان اللّهم اني اسألك من قدرتك بالقدرة التي استطلت بها علي كلّ شي‏ء و كلّ قدرتك مستطيلة اللّهم اني اسألك بقدرتك كلّها و لا شك ان هذه القدرة ليست عين الذات تبارك و تعالي اذ ليس فيها تشكيك و لا تكثّر و انما هي خلق و من هو اشرف من علي7 و اخيه و ابنائه و زوجته الطاهرة حتي يكون محلاًّ لهذه القدرة و اللّه سبحانه يقول و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلّبهم ذات اليمين و ذات الشمال و قال سبحانه قالت اليهود يد اللّه مغلولة غلّت ايديهم و لعنوا بماقالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فاحذر ان‏تكون ممن تشملك هذه الاية و لايشكّ احد من الشيعة انّ عليّاً7 يد اللّه فتكون مبسوطة و قد خلق اللّه سبحانه الخلق الاوّل قبل عالم الذر في خلق الحقايق بيده حيث ورد في الاخبار كما مـرّ بعضها انه سبحانه قبض قبضة بيمينه و قبض قبضة بشماله و كلتا يديه يمين و اليمين هو علي7 لفظاً و معني فاذا كان في الخلق الاوّل خلق حقايق الانسان هو العلة و السبب ففي ساير اطواره و احواله فبالطريق الاولي اذ ليس الانسان في حال من الاحوال مستغنياً عن المدد و لايأتي المدد الاّ من اللّه سبحانه فما من اللّه فهو7 الباب الاعظم و الصراط الاقوم و بالجملة لاينبغي للمؤمن الموحّد ان‏يشكّ فيماذكرنا و مانذكر ان شاء اللّه تعالي اذا كان موحّداً ينزّه اللّه سبحانه عن النقايص و يثبت له كمال الاستيلاء و القدرة.

فظهر لك مماذكرنا كيفية تسخيره7 للحيوانات و تسخّرها له7 و هو في كلّ مقام محتاج الي اللّه سبحانه لايستغني عنه طرفة عين كيف والاّ فيهلك و من يقل منهم انّي اله من دونه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 440 *»

 فذلك نجزيه جهنم و كذلك نجزي الظالمين.

و اما الهوامّ في الباطن فهو اشارة الي المستضعفين الذين لايجدون حيلة و لايهتدون سبيلاً و روح‏الايمان فيهم في غاية الضعف و القلّة و لهم مراتب كثيرة حسب اختلاف مراتب الهوامّ الاّ ان الحدّ الجامع هو الذي ذكرنا لك مما لا نفس له سائلة لضعف الحرارة الغريزية و كذلك هؤلاء المستضعفون يجمعهم عدم ذوقهم حلاوة الايمان و هم مختلفون في القرب اليه و البعد عنه اختلافاً كثيراً او انها اشارة الي المخالفين فانهم لمّاتكبّروا و استكبروا و استنكفوا عن طاعة اللّه سبحانه التي هي طاعة الامام7 ذلّوا و صغروا و ضعفوا و لذا كثروا و قد قال عزّوجلّ ام تحسب انّ اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الاّ كالانعام بل هم اضلّ /اولئك هم الغافلون (زائد في القرءان) و هذه الاية في القسم الاول من المستضعفين و قال سبحانه في هذا القسم و لقد ذرأنا لجهنّم كثيراً من الجن و الانس لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم اذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضلّ (/اولئك هم الغافلون في القرءان) و قد اشار مولينا الباقر7 الي نوع هذا التأويل نحن و شيعتنا الناس و الباقي غثّاء و في الحديث ان اللّه عزّوجلّ يحشر المتكبّر في القيمة علي صورة الذرّ و هذا ظاهر ان شاء اللّه تعالي و معني كونهم مسخّرين لاميرالمؤمنين7 انه يدبّرهم و يربّيهم حيث شاء اللّه سبحانه فيجري عليهم من المدد الظلمانية و الطبع علي قلوبهم و ورود العذاب عليهم و قسوة قلوبهم و شدة طغيانهم و الاملاء و الامهال لهم ليزدادوا طغياناً و كفراً و هو قوله تعالي و لايحسبنّ الذين كفروا انّما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثماً و لهم عذاب عظيم و قد سمعت الكلام في الضمير المتكلم معه غيره في القرءان حيث ماورد فلانعود و لانعيد يفهمه من كان من جنسنا و ساير الناس له منكر و هو7 يقلّبهم باللّه ذات الشمال و يسري بهم الي كل وادٍ سحيق و يمهّد لهم الاسباب و ييسّر لهم الاعمال ليوصلوا الي ماخلقوا له من العذاب الاليم و الجحيم و هو قول النبي9 اعملوا فكلّ ميسّر لماخلق له و كلّ عامل لعلمه و الفاعل لهذا التيسير هو الولي7 لانه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 441 *»

الذي ناصية كلّ شي‏ء بيده باللّه لانّ يده يد اللّه و امره امر اللّه و حكمه حكم اللّه كما ذكرنا غير مرّة فصار انكارهم له7انما هو به كما قال عزّوجلّ ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان‏يسبقونا ساء مايحكمون و قد قال7 في الدعاء لا الذي احسن استغني عن عونك و رحمتك و لا الذي اساء و اجترأ عليك و لم‏يرضك خرج عن قدرتك الدعاء و لا شكّ ان عليّا7 هو القدرة التي استطال اللّه بها علي كل شي‏ء و هو العون و الرحمة فكلّ شي‏ء قاصد و متوجّه اليه من مطيع حيث يحبّ اللّه و من عاصٍ حيث يكره اللّه حيث يحبّ اللّه و هو7 الباب و الوجه و الجناب ان هو الاّ ذكر لاولي‏الالباب.

قوله7 و الطير و هو طير القدس في فضاء الانس و هو طير واحد ظهرت الطيور كلّها علي هيئته و هيكله و حكي مثاله الطير الذي علي صورة ديك اشهب براثنه في الارضين السابعة السفلي و عرفه مثني تحت العرش له جناحان جناح في المشرق و جناح في المغرب واحد من نار و اخر من ثلج فاذا حضر وقت الصلوة قام علي براثنه ثم رفع عنقه من تحت العرش ثم صفق بجناحيه ثم تصفّق الديوك في منازلكم فلا الذي من نار يذيب الثلج و لا الذي من الثلج يطفئ النار فينادي اشهد ان لا اله الاّ اللّه وحده لا شريك له و اشهد انّ محمّداً9 سيد النبيين و اشهد انّ عليّاً7 سيد الوصيين و ان اللّه سبّوح قدّوس رب الملائكة و الروح فتصفق الديكة باجنحتها في منازلكم فتجيبه عن قوله و هو قوله تعالي و الطير صافّات كلّ قد علم صلوته و تسبيحه و الذي افهم ان هذا الطير واقف في وكره و هو علي دوحة من دوحات شجرة طوبي التي هي في الجنة في بيت مولينا اميرالمؤمنين7 و تلك الدوحة قد حاذت دائرة نصف النهار التي تنصف العالم نصفين نصف في المشرق و اخر في المغرب فاحد الجناحين احاط بالمشرق كلّه و هو الذي من النار و لذا كان نار الدنيا في جهة المشرق و الجناح الاخر احاط بالمغرب كلّه و هو الذي من الثلج و رأسه علي نقطة الجنوب و ذنبه علي نقطة الشمال و هو علي تلك الدائرة و تصفيقه بالجناحين لمزج اثار تين الجهتين و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 442 *»

المعبّر عنه بالايلاج في الليل و النهار ففي وقت صلوة الظهر اوّل التصفيق و مبدء نشو المزج /و زائد ظ) في المشية و وقت صلوة العصر ثانيه و هو ظهور ذلك البدء و المزج في الارادة و وقت صلوة المغرب ثالثه و هو ظهور الاثرين حين المزج و ان غلب اثر ظهور المغرب من البرودة الثلجية الحاصلة من الجناح الايمن و وقت صلوة العشاء رابعه و هو تمام المزج و استيلاء الثلج و مغلوبية النار لا بالانطفاء لينافي قوله7 فلا الذي من الثلج يطفي النار و انما هو بالخفاء و عدم الظهور و ذلك لان الخلق وقعوا (وقفوا خ‏ل) في جانب الثلج من جناحه فاذا وقعوا (وقفوا خ‏ل) في الجانب الاخر كان الامر بالعكس و هو دائماً يصفق علي تلك الدائرة و يظهر الاثر للواقفين في كل ناحية مع صوت المنادي فافهم و وقت الصبح خامسه و هو اول المزج اي ظهوره من الناحية الثانية و انما صارت اكثر الصلوات في هذه الناحية من جهة الجناح الذي من الثلج كالعصر و المغرب و العشاء بل الظهر ايضاً لان وقت فريضته عند الزوال عن تلك النقطة و صلوة الصبح و ان كانت عند ظهور الناحية الاخري من جانب النار الاّ انها عند ظهور الثانية الثلجية و لذا يتّفق البرد و وقت الصبح اكثر و اعظم من نصف الليل و سرّ هذه اللطيفة صعب و بيانه مشكل بل يحتاج الي تمهيد مقدمات كثيرة الاّ اني اشير بالاجمال الي نوع المقال.

فنقول ان الوجه فيه امران و هما مرادان احدهما بيان انّ التكليف بهذه الاعمال المعروفة علي الهيئات المخصوصة انما هو في هذه الدنيا الي عند الوفاة و بعدها يرتفع و يكون التكليف نوعاً اخر لان مبدء الوجود الزوال فبعده من العصر الي نصف الليل مقام النزول و البعد عن المبدأ فوجب ذكره عند الحرمان عن مشاهدته و بعد طلوع الشمس كمال مقام الصعود و احوال الاخرة و نشأة الجنة الي وصولها الي النقطة الاعتدالية اي المتوسطة و هو مقام البلوغ الي الرضوان و وصول الاشياء الي اصلها و فناء المحبّ في محبوبه و الطالب في مطلوبه ثم بعد الزوال خلق جديد فافهم الاشارة من صريح العبارة.

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 443 *»

و ثانيهما بيان انّ ذكر اللّه و نور اللّه في الجنة لاهلها في جهة المغرب و لذا كانت جنة الدنيا في تلك الجهة و كذلك الجزيرة الخضراء و قرية كرعة التي في وادي شمراخ و شمريخ في ناحية اليمن بين مكة و المدينة ايضاً في تلك الجهة فكانت الخيرات كلّها في تلك الجهة و الصلوة هي اصل الخير و الاعمال كلّها فان قبلت قبل ماسواها و ان ردّت ردّ ماسواها و اما نسيان ذكره تعالي و الاعراض عنه و الجهل و الطغيان و الاغترار بزخارف الدنيا و نضرتها انما هي في النار و هي في جهة المشرق و لذا كانت حضرموت و وادي برهوت و بئر بلهوت كلّها في المشرق فمن اغترّ بطلوع الشمس و نورها و شعاعها عند ظهورها في الافق تعقّبه ليل مظلم دامس مدلهمّ و من نظر الي زوالها و اشتغل بذكر اللّه عند تنقّلاتها من حالاتها و صبروا في الليل المظلم تعقّبهم الشمس المضيئة.

عند الصباح تحمد القوم السري   و تنجلي عنهم غلالات الكري

فافهم ضرب المثل و هو قوله تعالي اشارة الي الاوّلين اذهبتم طيّباتكم في حيوتكم الدنيا و استمتعتم بها و قوله تعالي اشارة للاخرين كلوا و اشربوا هنيئاً بمااسلفتم في الايام الخالية.

و هذا الطير هو الملك الذي ينادي عند كلّ صلوة قوموا علي نيرانكم التي اوقدتموها علي ظهوركم فاطفئوها بصلوتكم هـ فكلّ الطيور انما هي من اطوار هذا الطير الاعظم و الطير ورقاء المغرب و هي التي اشار اليها الشاعر في قوله:

هبطت اليك من المحل الارفع   ورقاء ذات تعزّز و تمنع
محجوبة عن كلّ مقلة عارف   و هي التي سفرت و لم‏تتبرقع

الي اخر القصيدة و هي مشهوره و هذا الطير كلّي و جزئي و الكلّي و الجزئي شئون و اطوار له فافهم.

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 444 *»

فعلي‏هذا فكلّ الخلق طيور لهم جناحان جناح الخوف و هو من الثلج و جناح الرجا و هو من النار و جناح الولاية و هي من النار و جناح البراءة و هو من الثلج و جناح الفقر و هو من الثلج و جناح الغنا و هو من النار و جناح الجهل و العجز و هو من الثلج و جناح العلم و القدرة و هو من النار فاذا كان الشي‏ء طائراً الي جهة المبدأ من حيث الظهور الكلّي و الاسم الاعظم كالتوجه اليه تعالي في مقام العبودية باسمه اللّه و هذا الطير يقتضي ان‏يكون علي هيئة (الهيئة ظ) الانسانية لانها هيئة العبد فرأسه و رقبته من لا اله الاّ اللّه و صدره و الترقوة و العضد من محمّد رسول‏اللّه9 و قلبه و كبده و اليدان من علي اميرالمؤمنين7 و الائمة و الصديقة الطاهرة: اولياء اللّه و باقي البدن كلّه من اوالي من والوا و اعادي من عادوا فلمّا كان توجّهه كليّاً ظهـر فيه سرّ الوحدة علي اكمل ماينبغي و ان كان طائراً الي الجهة الخاصة من الاسماء الجزئية فذلك يقتضي ان‏يكون علي هيئة هذا الطير المعروف و لذا كانت الملائكة طيوراً لها اجنحة كما اخبر الحقّ سبحانه عنهم جاعل الملائكة رسلاً اولي اجنحة مثني و ثلاث و رباع فالرسالة و التوجه الي المبدأ يقتضي ان‏يكون علي هذه الهيئة المعروفة بخلاف المقام الذي يتّحد فيه المقامان اي مقام المرسل و الرسول والمرسل‏اليه كما في الانسان و المرسل صفة للّه فعليّة و لاتتوهّم من كلامي حينئذ مايزعمه الجاهلون الملحدون تعالي اللّه عمّايقولون علوّاً كبيراً و ريش الطير جهات ارتباطات المفيض بفيضه علي المفاض‏عليه لا بذاته و تلك الروابط اذا تجسّدت من عالم الغيب في عالم الشهادة ظهرت علي صورة الريش و لذا كانت الملائكة تأتي الي الائمة: كان يقع من زغبهم اي فاضل ريشهم علي فرشهم و بسطهم و كانوا يجمعونها و يجعلونها سبحاً لاولادهم: .

و بالجملة فذلك الطير الاعظم و العنقاء الاقدم مسخّر لاميرالمؤمنين7 و مطيع لامره و نهيه فلايرد و لايصدر الاّ بامره و حكمه7 فاذاً كلّ الطيور مسخّرون له7 و منقادون لامره و نهيه فمنه7

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 445 *»

تعلّموا التسبيح و التهليل للّه عزّوجلّ اذ كلّ طير له ذكر خاصّ يدعو اللّه سبحانه به و كذلك ساير الحيوانات كما في الحديث عن الحسين بن علي8كما في الخرايج (/و ظ) الجرايح انه7 قال اذا صاح النسر فانه يقول يابن ادم عش ماشئت فان اخره الموت و اذا صاح البازي يقول يا عالم‏الخفيّات و يا كاشف‏البليّات و اذا صاح الطاوس يقول مولاي ظلمت نفسي /و اعترفت بذنبي (و اغتررت بزينتي في‏المصدر) فاغفر لي و اذا صاح الديك يقول من عرف اللّه لم‏ينس ذكره و اذا قرقرت الدجاجة تقول يا اله الحق انت الحق و قولك الحق يا اللّه (/يا في‏المصدر) حقّ و اذا صاح الباشق يقول امنت باللّه و باليوم الاخر و اذا صاح الحدأة تقول توكّل علي اللّه ترزق و اذا صاح العقاب يقول من اطاع اللّه لم‏يشق و اذا صاح الشاهين يقول سبحان‏اللّه حقاً حقاً و اذا صاح البومة تقول البعد من الناس انس و اذا صاح الغراب يقول يا رازق ارزق الرزق الحلال و اذا صاح الكركي يقول اللّهم احفظني من عدوّي و اذا صاح اللقلق يقول من تخلّي عن الناس نجي من اذاهم و اذا صاحت البطة تقول غفرانك يا اللّه و اذا صاح الهدهد يقول مااشقي من عصي اللّه و اذا صاح القمري يقول يا عالم السرّ و النجوي يا اللّه و اذا صاح الدبسي يقول انت اللّه لا اله سواك يا اللّه و اذا صاح العقعق يقول سبحان سبحان من لايخفي عليه خافية و اذا صاح الببغاء يقول من ذكر ربه غفر ذنبه و اذا صاح العصفور يقول استغفر اللّه ممايسخط اللّه و اذا صاح البلبل يقول لا اله الاّ اللّه حقاً حقاً و اذا صاح القبحة (القبجة في‏المصدر) تقول قرب الحق قرب و اذا صاحب السمانات تقول يابن ادم مااغفلك عن الموت و اذا صاح السودينق (السنوذنيق في‏المصدر) يقول لا اله الاّ اللّه محمّد و اله خيرة اللّه و اذا صاحت الفاختة تقول يا واحد يا احد يا فرد يا صمد و اذا صاح الشقراق يقول مولاي اعتقني من النار و اذا صاحت القنبرة تقول مولاي تب علي كلّ مذنب من المذنبين و اذا صاح الورشان تقول ان لم‏تغفر لي ذنبي شقيت و اذا صاح الشفتين (الشفنين في‏المصدر) يقول لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم و اذا صاحت النعامة تقول لا معبود سوي اللّه و اذا صاحت الخطافة فانها تقرأ سورة الحمد و تقول يا قابل توبة التوابين يا اللّه لك الحمد و اذا صاحت الزرافة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 446 *»

 تقول لا اله الاّ اللّه وحده و اذا صاح الحمل يقول كفي بالموت واعظاً و اذا صاح الجدي يقول عاجلني الموت ثقل ذنبي و ازداد و اذا صاح الاسد يقول امر اللّه مهمّ مهمّ و اذا صاح الثور يقول مهلاً مهلاً يابن ادم انت بين يدي من يري و لايري و هو اللّه و اذا صاح الفيل يقول لايغني عن الموت قوّة و لا حيلة و اذا صاح الفهد يقول يا عزيز يا جبّار يا متكبّر يا اللّه و اذا صاح الجمل يقول سبحان مذلّ الجبّارين سبحانه و اذا صهل الفرس يقول سبحان ربنا سبحانه و اذا صاح الذئب يقول ماحفظ اللّه لن‏يضيع ابداً و اذا صاح ابن‏اوي يقول الويل الويل للمذنب المصرّ و اذا صاح الكلب يقول كفي بالمعاصي ذلاًّ و اذا صاح الارنب يقول لاتهلكني يا اللّه لك الحمد و اذا صاح الثعلب يقول الدنيا دار غرور و اذا صاح الغزال يقول نجّني من الاذي و اذا صاح الكركدن يقول اغثني والاّ هلكت يا مولاي و اذا صاح الابل يقول حسبي اللّه و نعم الوكيل حسبي اللّه و اذا صاح النمر يقول سبحان من تعزّر بالقدرة سبحانه و اذا سبحت الحيّة يقول مااشقي من عصاك يا رحمن و اذا سبحت العقرب يقول الشرّ شي‏ء وحش ثم قال7ماخلق اللّه من شي‏ء الاّ و له تسبيح يحمد به ربه ثم تلا هذه الاية و ان من شي‏ء الاّ يسبّح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم.

و في الاختصاص بسنده عن ابن‏عباس قال شهدنا اميرالمؤمنين7 و اذاً نحن بعدّة من العجم فسلّموا عليه فقالوا جئناك لنسألك عن ستّ خصال فان اخبرتنا امنّا و صدّقنا و الاّ كذّبنا و جحدنا فقال7 سلوا متفقّهين و لاتسألوا متعنّتين قالوا اخبرنا مايقول الفرس في صهيله و الحمار في نهيقه و الدراج في صياحه و القنبرة في صفيرها و الديك في نعيقه و الضفدع في نفيقه فقال علي7 اذا التقي الجمعان و مشي الرجال بالسيوف يرفع الفرس رأسه فيقول سبحان الملك القدّوس و يقول الحمار في نهيقه اللّهم العن العشّار و يقول الديك في نعيقه بالاسحار اذكروا اللّه يا غافلين و يقول الضفدع في نفيقه سبحان المعبود في لجج البحار و يقول الدراج في صياحه الرحمن علي العرش استوي و يقول القنبرة في صفيرها اللّهم العن مبغضي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 447 *»

ال‏محمّد: قال فقالوا امنّا و صدّقنا و ما علي وجه الارض من هو اعلم منك فقال7 الا افيدكم قالوا بلي يا اميرالمؤمنين فقال7 ان للفرس في كلّ يوم ثلث دعوات مستجابات يقول في اول نهاره اللّهم وسّع علي سيّدي و يقول في وسط النهار اللّهم اجعلني احبّ الي سيّدي من اهله و ماله و يقول في اخر نهاره اللّهم ارزق سيّدي علي ظهري الشهادة هـ  و كلّ هذه الاذكار و التسبيحات انما علمتها الطيور و الحيوانات بتعليم محمّد و اله السادات: لانها تابعة لهم مطيعة لامرهم و نهيهم.

و روي في الاختصاص بسنده عن حمران عن علي بن الحسين8 قال كان قاعداً في جماعة من اصحابه اذ جاءته ظبية فبصبصت عنده و ضربت بيديها فقال ابومحمّد7أتدرون ماتقول هذه الظبية قالوا لا قال7 تزعم هذه الظبية انّ فلان بن فلان رجلاً من قريش اصطاد خشفاً لها في هذا اليوم و انما جاءت ان‏اسأله ان‏يضع الشخف بين يديها فترضعه ثم قال ابومحمّد7 لاصحابه قوموا بنا فقاموا باجمعهم فاتوه فخرج اليهم فقال له7 فداك ابي و امّي ماجاء بك فقال اسألك بحقّي عليك الاّ اخرجت الي الخشف الذي اصطدتها اليوم فاخرجها فوضعها بين يدي امّها فارضعتها فقال7 اسألك يا فلان لمّاوهبت لنا الخشف قال قد فعلت فارسل الخشف مع الظبية فمضت الظبية فبصبصت و حرّكت ذنبها فقال7 أتدرون ماقالت الظبية قالوا لا قال قالت ردّ اللّه عليكم كلّ غائب لكم و غفر لعلي بن الحسين8 كما ردّ علي ولدي.

و ايضاً عن ابن شيخ في مجلسه روي بسنده عن علي7 قال مر رسول‏اللّه9 بظبية مربوطة بطنب فسطاطة فلمّا رأت رسول‏اللّه9 اطلق اللّه عزّوجلّ لها من لسانها فكلّمته فقالت يا رسول‏اللّه انّي امّ خشفين عطشانين و هذا ضرعي قد امتلأ لبناً فخلّني حتي انطلق فارضعهما ثمّ اعود فتربطني كما كنت فقال لها رسول‏اللّه9 كيف و انت ربيطة قوم و صيدهم قالت بلي يا رسول‏اللّه انا اجي‏ء فتربطني كما كنت انت بيدك فاخذ عليها موثقاً من اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 448 *»

 لتعودنّ و خلّي سبيلها فلم‏تلبث الاّ يسيراً حتي رجعت و قدفرغت من ضرعها فربطها نبي اللّه9 كما كانت ثم سأل لمن هذا الصيد قالوا يا رسول‏اللّه هذه لبني‏فلان فاتاهم النبي9 و كان الذي اقتبضها منهم منافقاً فرجع من نفاقه و حسن اسلامه فكلّمه النبي9 ليشتريها منه قال بلي اخلّي سبيلها فداك ابي و امي فقال رسول‏اللّه9 لو انّ البهايم يعلمون من الموت ماتعلمون انتم مااكلتم منها سميناً انتهي.

و روي عن جابر قال خرجنا مع رسول‏اللّه9 في غزوة ذات‏الرقاع حتي اذا كنّا بحرّة واقم اذ اقبل جمل يرفل حتي دني من رسول‏اللّه9 فجعل يرغو علي هامته فقال9ان هذا الجمل يستعديني علي صاحبه يزعم انه كان يحرث عليه منذ سنين حتي اجربه و اعجفه و كبر سنّه اراد نحره اذهب يا جابر الي صاحبه فأت به فقال مااعرفه قال9 انه سيدلّك عليه قال فخرج بين يديه معنقاً (منعقاً في‏المصدر) حتي وقعت بي مجلس بني‏حطمة فقلت اين رب هذا الجمل قالوا هذا لفلان بن فلان فجئته فقلت اجب رسول‏اللّه9 فخرج معي حتي اذا جاء رسول‏اللّه9 قال ان جملك يزعم انك حرثت عليه زماناً حتي اذا اجربته و اعجفته و كبر سنّه اردت نحره قال و الذي بعثك بالحق ان ذلك كذلك قال9 ماهكذا جزاء المملوك الصالح ثم قال9 بعنيه قال نعم فابتاعه منه ثم ارسله9 في الشجر حتي نصب سنامه و كان اذا اعتلّ علي بعض المهاجرين و الانصار من نواضجهم (نواضحهم في‏المصدر) شي‏ء اعطاه اياه فمكث كذلك زماناً.

و عن عبداللّه بن جعفر ان النبي9 دخل حائطاً لبعض الانصار فاذاً فيه جمل فاذا رأي النبي9 ذرفت عيناه فمسح النبي9 سنامه فسكن ثم قال9 من رب هذا الجمل فجاء فتي من انصار فقال هو لي يا رسول‏اللّه فقال9 الاتتّقي اللّه في هذه البهيمة التي ملّكك اللّه اياها فانه يشكو لي انك تجيعه و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 449 *»

 تذيبه هـ و امثالها من الاخبار ممايدلّ علي التجاء البهائم و الحشرات به و باهل‏بيته عليه و: و انقيادها لهم: كثيرة جازت الحدّ و العدّ و هي مذكورة في الكتب المعدّة لجمع امثال هذه الاخبار و انحاء هذه الالتجاءات انما تعلّموا من اميرالمؤمنين7 ثم من اولاده الطيبين وهكذا حكم جميع اطوارهم و احوالهم كماذكرنا غير مرة.

و في كتاب عبدالملك بن حكيم عن بشير النبّال عن ابي‏عبداللّه7 قال سهر داود7ليلة يتلو الزبور فاعجبته عبادته فنادته ضفدع يا داود تعجب من سهرك ليلة و اني لتحت هذه الصخرة منذ اربعين سنة ماجفّ لساني عن ذكر اللّه عزّوجلّ هـ و كان ذلك الضفدع يأخذ الذكر اناً فانا من علي اميرالمؤمنين7 لكونه و اشباهه و كلّ ما في الوجود المقيّد مسخّر له و منقاد لحكمه وهكذا حكم الاوجاع و الاسقام و الامراض و الهموم و الغموم ماتصيب احداً من الخلق الاّ باذنه و امره7 كما في حديث عبداللّه بن شداد و قدتقدّم ان الحسين7 اتاه يعوده في مرضه فلمّا دخل7 عليه هربت الحمّي و قام الرجل و قال رضيت بكم ائمة فان الحمّي لتهرب عنكم فقعد7 فقال ان اللّه ماخلق خلقاً الاّ و قد امره بالطاعة لنا ثم قال7 يا كبّاسة فسمعوا الصوت و لم‏يروا الشخص يقول لبيك فقال7 الم‏يأمرك اميرالمؤمنين7 ان لاتقربي الاّ عدوّاً او مذنباً لتكوني كفارة لذنوبه فمابال هذا الرجل نقلت الحديث بالمعني.

و في الدعاء عن النبي9 للحمي يا امّ‏ملدم ان كنت امنت باللّه فلاتأكلي اللحم و لاتشربي الدم و لاتفوري من الفم و انتقلي الي من يزعم ان مع اللّه الهة اخري فاني اشهد ان لا اله الاّ اللّه وحده لا شريك له و انّ محمّداً9 عبده و رسوله فاذا كانت الحمّي و الاوجاع قد امنت باللّه و دلّ الدليل العقلي و النقلي علي انه لم‏يؤمن احد باللّه الاّ بواسطة ائمتنا سلام اللّه عليهم فكانت تلك الامور كلّها من المسخّرات له7 و كذلك حكم الظلال و العكوس و امثالها من التسخير و التدبير و الادراك و الشعور و كذلك ماتجنّه الضماير و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 450 *»

تكنّه السرائر و ساير المتوهّمات و المتخيّلات و المتعقّلات كلّها مسخرة له7 و انتقشت في الاذهان و النفوس باذنه و لولاه لماانتقشت و لماحصلت و انما قبلت الانتقاش و الانطباع لماوجدت من سرّ يكون المتحقق من كن المتحقق المتحصّل من علي7 فهم من فهم و اللّه يقول الحق و هو يهدي السبيل.

قوله7 و روحي فداه و عرضت علي الدنيا فاعرضت عنها انا كابّ الدنيا لوجهها لمّا اشار7 الي المراد من قوله تعالي عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم مابين ايديهم و ماخلفهم و لايشفعون الاّ لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون بقوله7 و لقد سخّر لي اه فاذا سخّرت له تلك الامور التي هي عبارة عن جميع الوجود المقيّد كما علمت فهو المتصرّف فيها و الامر و الناهي يحكم مايشاء اللّه و يفعل مايريد و لايريد الاّ مااراد اللّه و لايشاء الاّ ماشاء اللّه و لايشاء اللّه الاّ مايشاء و لايريد سبحانه الاّ مايريد كماقالوا7 اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه مانريد اراد7 ان‏يبيّن تنزّه مقامه و مرتبته الشريفة عماذكره سبحانه من جهة التحديد و التوعيد في اخر الاية المباركة بقوله عزّوجلّ و من يقل منهم انّي اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين و لمّا كان الجبر و الظلم مما دلّت الادلّة القطعية علي بطلانه و امتناعه و لايتحقّق الاختيار التامّ الاّ بعد تمكّن العبد من الجهتين مخلّي‏السرب مرفوع‏الموانع بحيث لايحول بينه و بين ذلك الاّ اختياره باللّه سواء كان مع ذلك من اللّه ام لا و لمّا كان رفع الموانع لايكون الاّ بتمكين قابليته و تهيّؤه للقبول قال7 بعد الكلام السابق مرتّباً عليه و عرضت علي الدنيا و العرض هو ايجاد المقبول و تمكين القابل للقبول و رفع الموانع الحائلة بين القابل و المقبول سواء كان المقبول نوراً او ظلمة خيراً او شرّاً حقاً او باطلاً و ان كان المقبول في الفيض الاول في المبدأ الاول لايكون الاّ الخير و الحق لكن المراد هيهنا المواد الظلمانية بعد الامتياز عن المواد الطيّبة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 451 *»

الطاهرة في اول مقام العقل الممتاز عن الجهل و الدنيا حقيقة هو الظلم و هو طلب لذة و راحة قبل النضج اي نضج الطبيعة و في غير اوانهما فالمريض لو اطعموه المئاكل اللذيذة اسرعت به الي الفناء بل يمنعونه عنها مادام المرض فلمّا طاب و وصل موقعها و ان اوانها و صحّت البنية و نضجت الطبيعة اطعموها اياه فجميع مئارب اهل الدنيا و توريطهم انفسهم ورطات الهلاك كلّها تدور اما طلباً للذة او راحة يتعقّبها بمحض الاحتمال لا علي الواقع لان ذلك موكول الي مشية اللّه عزّوجلّ كما قال جلّ‏شأنه من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها مانشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموماً مدحوراً.

و قد فسّرت الدنيا ايضاً بمايشغلك عن فعل مستحب و مرجعه الي ماذكرنا اذ ليس المراد مطلق اللذة و الراحة اذ العبد يجد لذة و راحة في طاعة اللّه سبحانه ما لايعادله شي‏ء من لذات الدنيا و الاخرة و انما المراد من اللذة بغير ذكر اللّه و طاعته و راحة يرفع التكليف كماقال7 و اعوذ بك من كلّ لذة بغير ذكرك و كلّ راحة بغير انسك و هو قوله تعالي مالكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل‏اللّه اثّاقلتم الي الارض ارضيتم بالحيوة الدنيا من الاخرة فالدنيا هي الامانة المعروضة علي السموات و الارض و الجبال كماقال عزّوجلّ انّا عرضنا الامانة علي السموات و الارض و الجبال فابين ان‏يحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان انه كان ظلوماً جهولاً فالامانة هي الدنيا و هي التي فسّرت في بعض وجوه الباطن عنهم: انها عداوة اميرالمؤمنين7 و اللّه سبحانه انما عرضها علي الخلق لماذكرنا انفاً لئلاّيكونوا في قبولهم لولايته7 مجبورين حتي تتمّ الحكمة و تنفذ المشية فيما اراد من خلق النار و الجحيم و الزقّوم و الحميم اما عرضها علي ساير الخلق فمعروف و اما عرضها علي اميرالمؤمنين7 فلان ولايته تقتضي كلّ خير و معروف و هي اصل كلّ خير و عداوته تقتضي كلّ شرّ و منكر و هي اصل كلّ شرّ فلايمكن ان‏يقبل الخير باختياره الاّ بتمكّنه من فعل الشرّ باختياره و اعراضه عنه باختياره فاختياره ولاية نفسه7 انما هو منوط بعرض عداوة نفسه

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 452 *»

7 عليه و تركه ايّاها باختيارها (باختيار خ‏ل) ضدّها فلولا هذا العرض مااستقام الوجود لان اللّه عزّوجلّ خلق كلّ شي‏ء من الضدين و لا طلب من الاشياء طلب محبة الاّ احد الضدين و هو الضدّ الاوّل اي النار و لايمكن لشي‏ء من الاشياء ان‏يختار الضدين معاً و لايمكن ان‏يختار احد الضدين الاّ بعد عرض الضدّ الاخر عليه و اعراضه عنه و لذا كان اوّل من خوطب بالخطاب الاوّل من الملأ الاعلي ألست بربكم و محمّد نبيّكم و علي و الائمة الطاهرون اولياءكم هو رسول‏اللّه9 بلسان نفسه الذي هو لسان اللّه فعرضت عليه اضداد المذكورات فاعرض عنها حتي قبل مقابلاتها و هذا ظاهر بيّن لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد.

فالدنيا هي ولاية فلان التي هي عداوة علي7 و هو قوله تعالي علي السموات و هو سيّدنا رسول‏اللّه9 اما كونه سماء فظاهر و اما عرض عداوة علي7 عليه9فلماذكرنا من ان قبول الشي‏ء نفسه الاولي منوطة بتركه النفس الثانية بعد عرضها عليه والاّ فلايتحقق القبول عند اهل المعقول و الارض و هو علي7 و هو قوله تعالي و الارض وضعها للانام و هو الامام7 لكونه مهبطاً لجميع الانوار و مستودعاً لجميع الاسرار و الجبال و هم الائمة: و هم اعلام الهدي و اوتاد الارض كما قال تعالي و الجبال اوتاداً، فابين ان‏يحملنها لما فيها من سوء العاقبة و خسران الاخرة و الغفلة عن اللّه سبحانه و تعالي التي هي اصل كلّ خطيئة و لذا ورد ان الدنيا رأس كلّ خطيئة و لم‏يأبها و لم‏يأب حملها بحقيقة الاباء الاّ محمّد و علي و اهل بيته الطاهرون سلام‏اللّه عليهم اجمعين لقد اعرضوا عنها بالكلية و لم‏يطلبوها ولو باللطخ و الوهم و الشوب و امثال ذلك و لقد اتي لرسول‏اللّه9 بمفاتيح جميع خزائن الارض و قيل له خذ هذا /فانه (و خ‏ل) لم‏ينقص من مقامك في الاخرة شي‏ء تركه7 و طلب التواضع و هو7 و ان كان اهلاً للرفعة و لم‏يكن قبول ذلك من الدنيا الاّ انه7 اراد ان‏يجعل الرفعة في مكانها و الراحة في دارها و اللذة لوقتها لا في دار تفني و نعيم يزول و لايبقي او بمحل

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 453 *»

(محل خ‏ل) ليس بمصفّي و حملها الانسان و هو ابوالدواهي و هو الذي طلب الدنيا عن الاخرة و باعها بالثمن الاوكس الادني انه كان ظلوماً جهولاً اما الظلوم لوضعه الشي‏ء في غير موضعه و طلبه التلذذ و الترؤّس و الراحة في غير اوانها و لم‏يكن للرياسة باهل لان اهلها السابقون في الوجود العالمون بالغيب و الشهود و اما الثاني فلانّ الجهل الكلّي مرتبة من مراتبه و سيّئة من سيّئاته كما ان العقل الكلّي حسنة من حسنات الائمة: كمافي الحديث كماتقدّم روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة و له7خطبة و كلام في بيان زهده و اعراضه عن الدنيا احبّ ان‏اذكرها هيهنا و ان كانت طويلة لاشتمالها علي فوائد جليلة و مقامات شريفة.

روي المجلسي; عن الصدوق في الامالي باسناده عن المفضّل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمّد7 عن ابيه عن جده عن ابيه7 قال قال اميرالمؤمنين7 واللّه مادنياكم عندي الاّ كسفر علي منهل حلوا اذ صاح بهم سايقهم فارتحلوا و لا لذاتها في عيني الاّ كحميم اشربه غساقاً و علقم اتجرعه زعاقاً و سمّ افعاة اسقاه دهاقاً و قلادة من نار ارهقها (اوهقها في‏المصدر) خناقاً و لقد رقعت مدرعتي هذه حتي استحييت من راقعها و قال لي اقذف بها قذف الاتن لايرتضيها ليراقعها فقلت له اعزب عنّي فعند الصباح تحمد القوم السري و ينجلي عنهم غلالات الكري ولو شئت لتسربلت بالعبقري المنقوش من ديباجكم و لاكلت لباب البر بصدور دجاجكم و لشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم ولكنّي اصدّق اللّه جلّت عظمته حيث يقول من كان يريد الحيوة الدنيا و زينتها نوفّ اليهم اعمالهم فيها و هم فيها لايبخسون اولئك الذين ليس لهم في الاخرة الاّ النار فكيف استطيع الصبر علي نار لو قذفت بشررة علي (الي في‏المصدر) الارض لاحرقت بنيتها (نبتها خ‏ل) ولو اعتصمت نفس بقلّة لانضجها وهج النار في قلّتها و انما خيّر لعلي ان‏يكون عند ذي‏العرش مقرّباً او يكون في لظي خسيئاً مبعّداً مسخوطاً عليه بجرمه مكذّباً واللّه لان ابيت علي حسك السعدان مرقداً و تحتي اطمار علي سفاهاً ممداً او

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 454 *»

اجر في اغلالي مصفّداً احبّ من القي في القيمة محمّداً خائناً في ذي‏يتمة اظلمه بفلسة تعمّداً و لم‏اظلم اليتيم و غير اليتيم لنفس تسرع الي البلي قفولها و يمتدّ في اطباق الثري حلولها و ان عاشت رويداً فبذي‏العرش نزولها معاشر شيعتي احذروا فقد عضتكم الدنيا بانيابها تختطف منكم نفساً بعد نفس كدأبها (كذئابها في‏المصدر) و هذه مطايا الرحيل قد انيخت لركابها الاّ ان الحديث ذو شجون فلايقولن قائلكم انّ كلام علي متناقض لان الكلام عارض و قد بلغني انّ رجلاً من قطان المدائن تبع بعد الحنفية (الحنيفية في‏المصدر) علوجه و لبس من نالة دهقانه منسوجة و تضمخ بمسك هذه النوافج صباحه و تبخر بعود الهند رواحه و حوله ريحان حديقة يشم تفّاحه و قد مـدّ له مفروشات الروم علي سرره تعساً له بعد ماناهز السبعين من عمره و حوله شيخ يدبّ علي ارضه من هرمه و ذايتمة تضوّر من ضرّه و من قرمه فماواساهم بفاضلات من علقمه لئن امكنني اللّه منه لاخضمنّه خضم البرّ و لاقيمنّ عليه حدّ المرتدّ و لاضربنّه الثمانين بعد حدّ و لاسدنّ من جهله كلّ مسدّ تعساً له افلا شعر افلا صوف افلا وبر افلا رغيف قفار الليل افطار معدم (مقدم في‏المصدر) افلا عبرة علي خدّ في ظلمة ليالي تنحدر ولو كان مؤمناً لااتسقت له الحجة اذا ضيّع ما لايملك واللّه لقد رأيت عقيلاً اخي و قد املق حتي استماحني من برّكم صاعة و عاودني في عشر وسق من شعيركم يطعمه جياعه و يكاد يلوي ثالث ايامه خامصاً مااستطاعه و رأيت اطفاله شعث الالوان من ضرّهم كأنّما اشمأزّت وجوههم من قرّهم فلما عاودني في قوله و كررّه اصغيت اليه سمعي فغرّه و ظنّني اوتغ ديني فاتبع مااسره (ماسره في‏المصدر) احميت له حديدة لينزجر اذ لايستطيع منها دنواً و لايصطبر ثم ادنيتها من جسمه فضجّ من المه ضجيج ذي‏دنف يأنّ من سقمه و كاد يسبني سفهاً من كظمه و لحرقة في لظي اضني له من عدمه فقلت له ثكلتك الثواكل يا عقيل أ تأنّ من حديدة احماها انسانها لمدعبة و تجرّني الي نار سجّرها جبّارها من غضبه أ تأنّ من الاذي و لا أئنّ من لظي واللّه لو سقطت المكافاة عن الامم و تركت في مضاجعها باليات في الرمم لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات من الاوزار تنسخ فصبراً علي دنيا تمرّ بلاؤها  (بلأوائها في‏المصدر)

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 455 *»

كليلة باحلامها تنسلخ كم بين نفس في خيامها ناعمة و بين اثيم في جحيم يصطرخ فلاتعجب من هذا و اعجب بلا صنع منّا من طارق طرقنا بملفوفات زملها في وعائها و معجونة بسطها في انائها فقلت له أ صدقة ام نذر ام زكوة و كلّ ذلك يحرم علينا اهل بيت النبوة و عوّضنا منه خمس ذي‏القربي في الكتاب و السنة فقال لا ذاك و لا ذاك ولكنّه هدية فقلت له ثكلتك الثواكل أ فعن دين اللّه تخدعني بمعجونة غرقتموها (عرقتموها في‏المصدر) بقندكم و خبيصة صفراء اتيتموني بها بعصير تمركم أ مختبط ام ذو جنّة ام تهجر أليست النفوس عن مثقال حبّة من خردل مسئولة فماذا اقول في معجونة اتزقمها معمولة واللّه لو اعطيت الاقاليم السبعة بماتحت افلاكها و استرقّ لي قطانها مذعنة باملاكها علي ان اعصي اللّه في نملة اسلبها شعيرة فالوكها ماقبلت و لااردت و لدنياكم اهون عندي من ورقة في في جرادة تقضمها و اقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها اجذمها و امرّ علي فؤادي من حنظلة يلوكها ذو سقم فيتسمها (فيبشمها في‏المصدر) فكيف اقبل ملفوفات علمتها (عكمتها في‏المصدر) في طيّها و معجونة كأنها عجنت بريق حيّة او قيئها اللّهم انّي نفرت عنها نفار المهرة من كيّها اريه السها و تريني (يريني في‏المصدر) القمر أ امتنع من وبرة من قلوصها ساقطة و ابتلع ابلاً في مبركها رابطة أ دبيب العقارب من وكرها التقط ام قواتل الرقش في مبيتي ارتبط فدعوني اكتفي من دنياكم بملحي و اقراصي فبتقوي اللّه ارجو خلاصي ما لعلي و نعيم يفني و لذة تنبخها (تنحتها في‏المصدر) المعاصي سالقي و شيعتي ربنا بعيون ساهرة و بطون خماص ليمحّص اللّه الذين امنوا و يمحق الكافرين و نعوذ باللّه من سيئات الاعمال و صلّي اللّه علي محمّد و اله. انتهي كلامه صلوات اللّه عليه.

انظر في هذا الكلام تجـد مقامه7 في ترك الدنيا لانه7 و اولاده الطاهرون الاخرة كما تقدّم في هذه الخطبة التي نحن بصدد شرحها و قد فسّرت الاخرة في القرءان في الباطن بعلي7 و لايكون محض الاخرة الاّ بالاعراض الكلّي عن الدنيا او مايوهم انه هي لان الدنيا هي الثاني من الاول فاثبت7 بتركه للدنيا بعد ماسخّرت له الرياح و الهوام و الطير الولاية المطلقة و هذا السرّ هو هيئة اللام في الخط العربي الالهي فان اللام مركبة من النون و الالف فالنون في مقام الكثرة و الالف سرّ الوحدة و الربوبية و الكثرة الغير المتّصلة بالوحدة مقام الذل و الانكسار و الانجماد و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 456 *»

الفناء و الزوال و التغيّر و الاضمحلال و البطلان و العقاب و النكال و النفي و العدم قال7 و بارادتك دون نهيك منزجرة بعد ماقال فهي بمشيّتك دون قولك مؤتمرة و الوحدة بدون التعلق بالكثرة و الاتصال بها مقام الجلال و العظمة و الخفاء و عدم الظهور و هو مقام الربوبية اذ لامربوب اما مطلقاً او في العين و ان كان في الذكر فان ذلك لايوجب ظهور الكثرة و بروزها و الوحدة اي الربوبية المتعلقة بالكثرة المتصلة بها الغير المنفصلة عنها هي حقيقة الولاية المطلقة و السلطنة العامة و الامامة الخاصة و لمّا كان اللام قد حكت هذه اللطيفة جعلت اسماً لعلي7 لانه7 مدلول هذا الاسم و اثر هذا الطلسم فاثبت7 بقوله سخّـر لي اه سرّ اسم اللام و بقوله اعرضت عنها اي الدنيا سرّ عدم الانفصال فان الدنيا من حيث هي هي فصل بين اللّه و بين عبيده (عبده خ‏ل) فلايحول بين العبد و بينه تعالي شي‏ء الاّ الدنيا لانها هي دار الغرور و انما هي لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الاموال و الاولاد انظر الان الي الدهن المتعلق بالنار اذا تعلّق بها و تخلّلت في كلّ اجزائه و اطواره يحصل منهما نور يستضاء به و اما اذا قويت جهة الدهن ضعف النور الي ان لم‏يبق للنار محل فيلحق بمركزها و تعود (يعود خ‏ل) الي اصلها و اذا قويت جهة النار و ضعفت جهة الدهن بحيث احترق كلّه تصاعدت الاجزاء المحترقة مصاحبة للنار و تبطل (يبطل ظ) النور اي يخفي لشدة اللطافة المشابهة للطافة المبدأ فاذا كان التعلق ثابتاً و الانفصال من احد الطرفين منتفياً يبقي النور و الضياء الي ان يشاء اللّه فاثبت7بالفقرة الاولي في بيان التسخير المتعلق بالرياح و مابعدها عدم الانفصال من جهة المبدأ الحق ثم بالفقرة الثانية في بيان اعراضه عن الدنيا عدم الانفصال من جهة نفسه اي جهة الدهن فكان بذلك وليّاً مطلقاً حامل اثار الربوبية المتعلقة لجهات العبودية و نوراً كاملاً يستضاء به في كلّ الاحوال الظاهرية و الباطنية فاختير له7 فيما اختير له من الاسم الدالّ عليه7 اللام و لذا كانت دورة القمر الذي هو مثال ظهوره7 ثلثين و سرّ الاسم التامّ عندنا في الحروف الاوسط و الحرف الاول كالرأس في الجسد و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 457 *»

الحرف الاوسط كالقلب فيه ثمّ جعل علي يمين القلب الذي هو اللام في هذا الاسم الشريف العين للاشارة الي ثمرة اللام اي ثمرة الالف المتعلقة بالنون اي ثمرة توجه العبد الي اللّه سبحانه في مقام الهي كيف ادعوك و انا انا و كيف لاادعوك و انت انت و تلك هي الضياء و النور الموجود في السراج عند تعلّق النار بالدهن الذي (/اضاء خ‏ل) بنور شعاعه مايقابله و هي هنا في الظاهر كونه7 حاملاً لامر اللّه التكويني و التشريعي الذي بهما قامت السموات و الارض و الامر هو قول كن لقوله تعالي انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون فكان كن هو امر اللّه و كن استنطاقه من الحروف العين بالحسابين اي (/حساب خ‏ل) المغاربة و غيرهم فبحمله7 ذلك الامر كان وليّاً مطلقاً كما ان السراج بحمله اثر النار و فعلها كان مضيئاً مطلقاً فالعين سرّ اللام لا باطنها بل ظاهرها فافهم.

ثم تمّم اسمه الشريف بالياء عن يسار اللام لبيان انه7 حامل الولاية و حامل اللواء لا صاحب اللواء و قد قال9 اعطيت لواء الحمد و علي حاملها ثم صار هذا الاسم الاقدس الاعظم كصاحبه7 جامع‏المقامات و حاوي‏المراتب علي كمالها من الالوهية و العبودية كما هو مقتضي ظهور الربّ بفعله في العبد لا بذاته و ترك العبد الدنيا و اعراضه عنها فهو «عـلا» فعل ماض من علا يعلو مثل دعي يدعو و ذلك ظهور العين و هو كـن اي مبدؤه الذي هو الفعل الماضي كماحقّقنا في بعض اجوبتنا للمسائل و هو حينئذ مبدأ الافعال و الاسماء و سرّ المسخِّر (بكسر الخاء) في قوله7 و سخّر لي اه و هو «علي» من حروف الجارّة اي الاستعلاء الذي يخفض عنده كلّ شي‏ء و لذا يكسر و يجرّ و يخفض مدخوله الاّ احمد و عمـر اما احمد فلوزن الفعل و اما عمر فللعدل التقديري و ان كانا مجرورين في الباطن بل قالوا في الظاهر الاّ انّ جرّهما بالفتح اما احمد فلسرّ علّمته علمي كما علّمه علمه8 و اما عمر فلقوله تعالي ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان‏يسبقونا ساء مايحكمون و اما ماسواهما من الاسماء الغير المنصرفة فلرجوعها اليهما فافهم ان كنت تفهم والاّ فاسلم تسلم و هو حينئذ رابطة لايصال الفيض و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 458 *»

حينئذ الفرع الكريم كما انه في الاوّل الاصل القديم و هو حينئذ حامل الولاية و محل المشية كما قالوا: نحن محالّ مشية اللّه و السنة ارادته و ترجمان وحيه كما انه في الاوّل اصل الولاية و مبدؤها و منشأها و هو /علي (زائد خ‏ل)7 مبالغة الاسم الفاعل عالٍ و هو7 حينئذ باب‏اللّه و صراطه و سبيل‏اللّه اذ فيه شباهة للفعل مع كونه اسماً كما هو شأن الابواب المعتبر فيهم نسبة الطرفين و كونهم من سنخ الاسفل كما قال عزّوجلّ ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً و للبسنا عليهم مايلبسون و هو7 علي اسم من اسمائه يجري عليه حكم الاسم الجامد فان الكلمات الكونية (الكينونية خ‏ل) الوجودية كلّها علي احوال اربع اما ان‏تعمل و لاتعمل اصلاً كفعل الماضي و الحروف العاملة و اما ان‏تعمل و تعمل كفعل المضارع و اسم الفاعل و المفعول و امثالهما و اما ان‏تعمل و لاتعمل كالجوامد من الاسماء و اما ان لاتعمل و لاتعمل كباقي الحروف فالمرتبة الاولي مقام المشية و توابعها من الملائكة و حملة العرش و الثانية هم الانبياء و المرسلون و الثالثة هم الرعايا و التابعون و المؤمنون الممتحنون و غيرهم مما لم‏يظهر فيهم المثال و الرابعة هم الكفار المعاندون في ظاهر الاقرار و هو7 قد حوي المراتب الاربع الاّ الرابعة لانها لاتصلح لمقامه و لاتناسب لمرتبته فافهم لقد القيت لك البذر المنقّي المصفّي فاحفظه عن الزوال و اللّه خليفتي عليك.

ثمّ انّ الدنيا دنياوان دنيا ملعونة و دنيا بلاغ فالاولي هي التي يشغلك (تشغلك ظ) عن ذكر اللّه عزّوجلّ و الثانية هي التي توصلك الي رضاه و الي قربه فالدنيا التي اعرض7 عنها هي الملعونة لا البلاغ والاّ لماظهر بين ظهراني الخلائق و لماكانت اللذات الفانية الزائلة كلّها ممايشغل عن ذكر اللّه عزّوجلّ والاّ لم‏يكن زائلاً فانياً لانّ ما من اللّه و ما عنده و مايئول اليه حي باقٍ قد القي سبحانه فيه مثاله فيجب الاعراض عن كلّ‏ما لذته تفني و ثمرته تزول و هذه المئاكل الجشنة و اللباس الخشنة و امثالهما من الامور التي كان يستعملها7 و ان كان هي الدنيا لكنها دنيا بلاغ و مع‏ذلك كان منها

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 459 *»

توبته الي اللّه و استغفاره و تضرّعه و بكاؤه لاكله و شربه و لبسه و حيوته بل لصومه و صلوته و لم‏يترك هذا المقدار من الدنيا لانها لم‏تكن من جهة اللذة و لان تركها يستلزم ماهو اقبح فافهم الاشارة و ليس الان موضع كشف هذه الاسرار فليترقّب فيمابعد ان شاء اللّه تعالي و اما ساير ائمتنا: فهم انما لبسوا اللباس الفاخرة و اكلوا المئاكل الطيّبة لتشابههم مع الناس حتي يتمكّنوا من هدايتهم لانهم: لم‏يكونوا مبسوطي اليد و نافذي الحكم كما كان علي7 ففعلوا مافعلوا اثباتاً للدين و تشييداً لمااتي به سيّدالمرسلين عليه و عليهم صلوات اللّه ابد الابدين و انما هم: معرضون عن الدنيا كما اعرض جدّهم و ابوهم صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم اجمعين.

قال عليه الصلوة و السلام و روحي فداه: «و حتي متي يلحق بي اللاحق لقد علمت مافوق الفردوس الاعلي و ماتحت السابعة السفلي و ما في السموات العلي و مابينهما و ماتحت الثري كلّ ذلك علم احاطة لا علم اخبار».

لمّا بيّن7 انّه الولي المطلق حيث سخّرت له الاشياء و اعرض عن الدنيا و مافيها فكان بذلك النيّر الذي استضاء به الارض و السماء اي ارض القوابل و سماء المقبولات اراد7 ان‏يبيّن انه المتفرّد بذلك و لا احد من المخلوقين يصل اليه و هو المحيط علي دائرة الاكوان و الامكان و ماسواه اما ذاته و عين حقيقته او رعية و تابع و اراد ان‏يبيّن ذلك علي جهة الاستدلال باخصر المقال ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من سبق له من اللّه العناية فقال7 و حتي متي يلحق بي اللاحق علي سبيل الانكار يعني لايمكن ان‏يلحق بي اللاحق كما في الزيارة فبلغ اللّه بكم اشرف محل المكرّمين و اعلي منازل المقرّبين و اشرف درجات المرسلين حيث لايلحقه لاحق و لايفوقه فائق / و لايطمع في ادراكه طامع حتي لايبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا صدّيق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 460 *»

 و لا جبّار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بين ذلك شهيد الاّ عرّفهم جلالة امركم و عظم خطركم و كبر شأنكم الزيارة و قال7كما في الكافي عن الصادق7 ان اللّه تعالي خلقنا من طينة مكنونة مخزونة عنده و لم‏يجعل في مثل الذي خلقنا منه نصيباً لاحد من المخلوقين ثمّ خلق شيعتنا من طينة مكنونة مخزونة تحت تلك الطينة و خلق من تلك الطينة الانبياء و المرسلين نقلت معني الحديث و في احاديث خلق انوارهم مايغني عن الكلام كما في الحديث ان اللّه سبحانه خلقهم قبل خلق الخلق بمائة الف دهر و كلّ دهر مائة الف عام(ح؟) و في رواية اخر الف دهر و في رواية اربعة عشر الف دهر ثم خلق الخلق كلّهم بعد خلق انوارهم بتلك المدة و حديث ادم7 المشهور انه7 لمّا نظر الي ساق العرش رأي اسماءهم: مكتوبة عليه فقال يارب من هؤلاء فاوحي اللّه سبحانه اليه ياادم انّ هؤلاء كرام خلقي و صفوة بريّتي لولاهم ماخلقتك و لا احد(ح؟) من الخلق الحديث و حديث خلق نور محمّد9روي سهل التستري و شيبان الراعي انهما لاقا الخضر و سمعا منه انه قال خلق اللّه نور محمّد9 من نوره و صوّره علي يده فبقي ذلك النور بين يدي اللّه مائة الف عام فكان يلاحظه كلّ يوم و ليلة سبعين الف لحظة و نظرة و يكسوه في كلّ نظرة نوراً جديداً و كرامة جديدة ثم خلق منها الموجودات. في بصائرالانوار عن جابر بن عبداللّه قال قلت لرسول‏اللّه9 اول شي‏ء خلق اللّه ما هو فقال نور نبيّك ياجابر خلقه اللّه و خلق منه كلّ خير ثم اقام بين يديه في مقام القرب ماشاء اللّه ثم جعله اقساماً فخلق العرش من قسم و الكرسي من قسم و حملة العرش و خزنة الكرسي من قسم و اقام القسم الرابع في مقام الخوف ماشاء اللّه ثم جعله اجزاء فخلق الملائكة من جزء و الشمس من جزء و القمر و الكواكب من جزء و اقام القسم الرابع في مقام الرجاء ماشاء اللّه ثم جعله اجزاء فخلق العقل من جزء و العلم و الحلم من جزء و العصمة و التوفيق من جزء و اقام القسم الرابع في مقام الحياء ماشاء اللّه ثم نظر اليه بنظر الهيبة فرشح ذلك النور و قطر منه مائة الف قطرة

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 461 *»

 و اربعة و عشرون الف قطرة فخلق اللّه من كلّ قطرة روح نبي و رسول ثم تنفّست ارواح الانبياء فخلق اللّه من انفسها ارواح الاولياء و الشهداء و الصالحين. و في كتاب نورالانوار عن جابر قال قال رسول‏اللّه9 اول ماخلق اللّه نوري ابتدعه من نوره و اشتقّه من جلال عظمته فاقبل يطوف بالقدرة حتي وصل الي جلال العظمة في ثمانين الف سنة ثم سجد للّه تعظيماً ففتق منه نور علي فكان نوري محيطاً بالعظمة و نور علي محيطاً بالقدرة ثم خلق العرش و اللوح و الشمس و ضوء النهار و الابصار و العقل و المعرفة و ابصار العباد و اسماعهم و قلوبهم من نوري و نوري مشتقّ من نوره فنحن الاوّلون و نحن الاخرون و نحن السابقون و نحن المسبّحون و نحن الشافعون و نحن كلمات (كلمة خ‏ل) اللّه و نحن خاصّة اللّه و نحن احبّاء اللّه و نحن وجه اللّه و نحن جنب اللّه و نحن يمين اللّه و نحن امناء اللّه و نحن خزنة اللّه و سدنة غيب اللّه و نحن معدن التنزيل و معني التأويل و في ابياتنا هبط جبرئيل و نحن محالّ قدسه و نحن مصابيح الحكم و نحن مفاتيح الرحمة و نحن ينابيع النعمة و نحن شرف الامة و نحن سادات الائمة و نحن نواميس العصر و اخيار الدهر و نحن ساسة البلاد و سادة العباد و نحن الكفاة و الولاة و الحماة و الدعاة و السقاة و الرعاة و طريق‏النجاة و نحن السبيل و السلسبيل و نحن النهج القويم و الصراط المستقيم من امن بنا امن باللّه و من ردّ علينا ردّ علي اللّه و من شكّ فينا شكّ في اللّه و من عرفنا عرف اللّه و من تولّي عنّا تولّي عن اللّه و من اطاعنا اطاع اللّه و نحن الوسيلة الي اللّه و الوصلة الي رضوان اللّه و لنا العصمة و الخلافة و فينا النبوة و الولاية و الامامة و نحن معدن الحكمة و باب الرحمة و شجرة العصمة و نحن كلمة التقوي و المثل الاعلي و الحجة العظمي و العروة الوثقي من تمسّك بها نجي و من تخلف عنها هوي و كان في قضاء اللّه ان لايدخل النار محبّ لنا و لايدخل الجنة مبغض لنا لان اللّه يسأل العباد عماعهـد اليهم و لايسأل عماقضي عليهم.

و في تأويل‏الايات عن الشيخ ابي‏جعفر الطوسي باسناده عن الفضل بن شاذان باسناده عن جابر بن يزيد الجعفي عن الامام العالم موسي بن جعفر

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 462 *»

8 قال ان اللّه تبارك و تعالي خلق نور محمّد9 من نور اخترعه من نور عظمته و جلاله و هو نور لاهوتية الذي تبدي(ح؟) من لاه اي من الاهة تبدي منه و تجلي لموسي بن عمران في طور سيناء فمااستقر و لا طاق لرؤيته و لا ثبت له حتي خرّ صاعقاً مغشيّاً عليه و كان ذلك النور محمّداً9 فلمّا اراد ان‏يخلق محمّداً قسّم ذلك النور شطرين فخلق من الشطر الاول محمّداً و من الشطر الاخر علي بن ابيطالب و لم‏يخلق اللّه من ذلك النور غيرهما خلقهما اللّه بيده و نفخ فيهما بنفسه من نفسه لنفسه و صوّرهما علي صورتهما و جعلهما امناء له و شهداء علي خلقه و خلفاء علي خليقته و عيناً له عليهم و لساناً له اليهم قد استودع فيهما علمه و علّمهما البيان و استطلعهما علي غيبه و جعل احدهما نفسه و الاخر روحه لايقوم واحد بغير صاحبه ظاهرهما بشرية و باطنهما لاهوتية ظهروا للخلق علي هياكل الناسوتية حتي يطيقوا رؤيتهما و هو قوله تعالي و للبسنا عليهم مايلبسون فهما مقام رب العالمين و حجابي خالق الخلايق اجمعين بهما بدأ فتح الخلق و بهما يختم الملك و المقادير ثم اقتبس من نور محمّد فاطمة3 ابنته كمااقتبس نوره من نوره و اقتبس من نور فاطمة الحسن و الحسين8 كاقتباس المصابيح هم خلقوا من الانوار و انتقلوا من ظهر الي ظهر و صلب الي صلب و رحم الي رحم في الطبقة العليا من غير نجاسة بل نقلاً بعد نقل لا من ماء مهين و لا نطفة خبيثة كساير خلقه بل انوار انتقلوا من اصلاب الطاهرين الي ارحام المطهّرات فهم صفوة الصفوة اصطفاهم لنفسه و جعلهم خزّان علمه و بلغاء عنه الي خلقه اقامهم مقام نفسه لانه لايري و لايدرك و لايعرف كيفيته و لا اينيّته فهؤلاء الناطقون المبلّغون عنه المتصرّفون في امره و نهيه فيهم يظهر قدرته و منهم تري اياته و معجزاته و منهم عرّف عباده نفسه و بهم يطاع امره و لولاهم ماعرف اللّه و لايدري كيف يعبد الرحمن و اللّه يجري امره كيف يشاء فيمايشاء و لايسأل عمايفعل و هم يسألون هـ قوله7 تجلّي لموسي الي قوله7 و كان ذلك النور

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 463 *»

 محمّداً9 لاينافي ماورد عنهم:ان ذلك نور رجل من الكروبيّين من شيعتنا لان ذلك الرجل من محمّد9 كالصورة في المرءاة فمن رأي الصورة في المرءاة يحكم بالمقابل فيها و هي ليست عين المقابل و لا غيرها لا فرق بينها و بينه الاّ انها عبده و خلقه فافهم.

و عن تأويل‏الايات و البحار عن مصباح‏الانوار للشيخ الطوسي; باسناده عن انس عن النبي9 قال ان اللّه خلقني و خلق عليّاً و فاطمة و الحسن و الحسين قبل ان‏يخلق ادم حين لا سماء مبنيّة و لا ارض مدحيّة و لا ظلمة و لا نور و لا شمس و لا قمر و لا جنّة و لا نار فقال العباس كيف كان بدء خلقكم يا رسول‏اللّه فقال9 يا عمّ لمّا اراد اللّه ان يخلقنا تكلّم بكلمة فخلق منها نوراً ثمّ تكلّم بكلمة اخري فخلق منها روحاً ثم خلط النور بالروح فخلقني و خلق عليّاً و فاطمة و الحسن و الحسين فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح و نقدّسه حين لا تقديس فلمّا اراد اللّه ان‏ينشأ خلقه فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري و نوري من نور اللّه و نوري افضل من نور العرش ثم فتق نور اخي علي فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور علي و نور علي من نور اللّه فعلي افضل من الملائكة ثم فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السموات و الارض فالسموات و الارض من نور ابنتي و نور ابنتي من نور اللّه فابنتي فاطمة افضل من السموات و الارض ثم فتق نور ولدي الحسن و خلق منه الشمس و القمر فالشمس و القمر من نور ولدي الحسن و نور الحسن من نور اللّه فالحسن افضل من الشمس و القمر ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة و الحور العين فالجنة و الحور العين من نور ولدي الحسين و نور ولدي الحسين من نور اللّه فولدي الحسين افضل من الجنة و الحور العين هـ .

قوله9 ان اللّه تكلّم بكلمة الخ و هي كلمة كـن و هي التي انزجر لها العمق الاكبر و النور المخلوق منها هو الوجود الماء الذي به حيوة كلّ شي‏ء و هي نورالانوار اذ به قام كلّ نور و منه استوي كلّ خير و الكلمة الاخري هي الارادة كما ان الاولي هي المشية و هي كـن الاّ انّ هنا ظهور النون كما انّ في

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 464 *»

الاولي ظهور الكاف و الروح في هذا المقام ارض الجرز و البلد الطيّب و القابلية الاولي و الدواة الاولي و اطلاق الروح عليها لظهور الحيوة و الحركة و ترتّب الاثار بها و منها و اليها كما حقّق في محلّه و هذا دليل علي انّ الماهية مجعولة بجعل سوي جعل الوجود و اختلاط النور بالروح وقوع ذلك الماء علي ارض الجرز و تعلّق الوجود الاوّل بالماهية الاولي و من اياته انك تري الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزّت و ربت و انبتت من كلّ زوج بهيج فخلق منه تلك الاشباح المطهّرة لانهم حقيقة واحدة.

و نسب خلق العرش من فتق نوره9 لانه مقام الاجمال و الوحدة و البساطة و هو المبدأ و قد حكـي في كلّ ذلك عن مقامه9 و فتق النور ليس كفتق الحبة و خلق السنبلة و انما هو كفتق ظهور السراج لخلق الشعاع و المقابل لخلق الصورة في المرءاة اللّهم الاّ ان‏يكون المراد من العرش العقل الكلّي.

و نسب خلق الملائكة الي علي7 لانه حامل الولاية الظاهرة باعطاء كلّ ذي حـقّ حقّه و السوق الي كلّ مخلوق رزقه و الملائكة حملتها و حفظتها و نسب نور علي7 الي اللّه لا الي نفسه لبيان انهما حقيقة واحدة و ان الفتق انما هو بظهور الاثر لا بحقيقة الذات فافهم وهكذا في باقي الائمة: .

و نسب خلق السموات و الارض الي نور فاطمة3 لوجوه: منها ان فلك الجوزهر يحكي صفتها حين نسبتها الي علي8 فاجتمعت عندها مراتب القابليات و المقبولات فالسموات رتبة المقبولات و هي السموات الدائرة علي الارضين و الارضون هي القابليات فخلق من نورها السموات من حيث اتصالها بعلي7 و الارض من حيث اتصاله7 بها3 و منها ان العرش و ملائكة الكرسي هي المبادي من حيث الفاعل و السموات هي المبادي من حيث قابلية ظهور الفاعل و الارض هي نفس القابلية من جهة حملها لظهورات الفاعل و هذه حكاية صفة فاطمة3 فافهم فانه دقيق جداً.

و نسب9 الشمس و القمر الي الحسن7 لانه7 اول نور ظهر و برز منها و هو اشرف منها و كانت حاملاً له كالكواكب

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 465 *»

فانها اشرف من الافلاك و الشمس اشرف الكواكب و انورها كالحسن7 فانه اشرف اولادها3 و اقتصر علي الشمس و القمر عن ساير الكواكب لانهما الاصلان و هي تنتهي اليها سيّما الي الشمس فالقمر مع الشمس مقام الاجمال كما هو نسبة مقامه7 و الشمس مع القمر مقام التفصيل كما هو مقام اخيه7و معني قولي الشمس مع القمر و العكس اي بتبعية احدهما للاخر اذ لا ظهور لاحدهما الاّ بالاخر.

و نسب الجنة و الحور العين الي الحسين7 لانه7 صاحب مقام التفصيل و كوكبه القمر و الحور العين كلّها منسوبة اليه و الجنة فكوكبها الشمس مع القمر فظهرت الجنات و تفصيل الامر في هذا المقام موكول الي مايأتي ان شاء اللّه و الي مامضـي.

و في المشارق عن طارق بن شهاب عن اميرالمؤمنين7 في بيان صفة الامام7 الي ان قال7 مطهّر من الذنوب مبرّأ من العيوب مطّلع علي الغيوب ظاهره امر لايملك و باطنه غيب لايدرك واحد دهره خليفة اللّه في نهيه و امره لايوجد له مثل و لايقوم له بدل فمن‏ذا ينال معرفتنا او بيان درجتنا او يشهد كرامتنا او يدرك منزلتنا حارت الالباب و العقول و تاهت الافهام فيمااقول تصاغرت العظماء و تقاصرت العلماء و كلّت الشعراء و خرست البلغاء و الكنت الخطباء و عجزت و تواضعت الارض و السماء من وصف شأن الاولياء و هل يعرف او يوصف او يعلم او يفهم او يدرك او يملك شأن من هو نقطة الكائنات و قطب الدائرات و سرّ الممكنات و شعاع جلال الكبرياء و شرف الارض و السماء جلّ مقام ال‏محمّد: عن وصف الواصفين و نعت الناعتين و ان‏يقاس بهم احد من العالمين و كيف و هم النور الاوّل و الكلمة العليا و التسمية البيضاء و الوحدانية الكبري التي اعرض عنها من ادبر و تولّي و حجاب اللّه الاعظم الاعلي فاين الاخبار من هذا و اين العقول من هذا و من عرف او وصف من وصف ظنّوا ان ذلك من غير ال‏محمّد: كذبوا و زلّت اقدامهم و اتخذوا العجل ربّاً و الشيطان حزباً الي ان قال

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 466 *»

7 و الامام يا طارق بشر ملكي و جسد سماوي و امر الهي و روح قدسي و مقام علي و نور جلي و سرّ خفي فهو ملكي‏الذات الهي‏الصفات زايد الحسنات عالم بالمغيبات خصّاً من رب العالمين و نصّاً من الصادق الامين و هذا كلّه لال‏محمّد: لايشاركهم فيه مشارك لانهم معدن التنزيل و معني التأويل و خاصّة الربّ الجليل مهبط الامين جبرئيل صفات اللّه و صفوته و سرّه و كلمته شجرة النبوة و معدن الفتوة عين المقالة و منتهي الدلالة و محكم الرسالة و نور الجلالة جنب اللّه و وديعته و موضع كلمة اللّه و مفتاح حكمته و مصابيح رحمة اللّه و ينابيع نعمته السبيل الي اللّه و السلسبيل و القسطاس المستقيم و المنهاج القويم و الذكر الحكيم و النور القديم اهل التشريف و التقديم و التفصيل و التعظيم خلفاء النبي الكريم و امناء الرءوف الرحيم و امناء العلي العظيم ذرّية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم السنام الاعظم و الطريق الاقوم من عرفهم اخذ منهم و اليه الاشارة بقوله تعالي من تبعني فانه منّي خلقهم اللّه من نور عظمته و ولاّهم امر مملكته فهم سرّ اللّه المخزون و اولياؤه المقرّبون و امره بين الكاف و النون لا بل هم الكاف و النون الي اللّه يدعون و عنه يقولون و بامره يعملون علم الانبياء في علمهم و سرّ الاوصياء في سرّهم و عزّ الاولياء في عزّهم كالقطرة في البحر و الذرّة في القفر و الارض عند الامام كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها و يعلم برّها من فاجرها و رطبها من يابسها لان اللّه علّم نبيه ماكان و مايكون و ورث ذلك السرّ المصون الاولياء المنتجبون و من انكر ذلك فعليه لعنة اللّه و لعنة اللاعنين و كيف يفرض اللّه علي عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السموات و الارض و ان الكلمة من ال‏محمد صلّي اللّه عليه و عليهم تنصرف الي سبعين وجهاً و كلّ‏ما في الذكر الحكيم و الكلام القويم من اية يذكر فيها العين و الوجه و اليد و الجنب فالمراد منه الولي لانه جنب اللّه و وجه اللّه يعني حقّ اللّه و عين اللّه و علم اللّه و يمين اللّه و يد اللّه لان ظاهرهم باطن الصفات الظاهرة و باطنهم ظاهر الصفات الباطنة فهم ظاهر الباطن و باطن الظاهر و اليه الاشارة بقوله9 انّ للّه عيناً و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 467 *»

 ايادي انت يا علي منها فهم الجنب العلي و الوجه الرضي و المنهل الروي و الصراط السوي و الوسيلة الي اللّه و الوصلة الي عفوه و رضاه سرّ الواحد الاحد فلايقاس بهم من الخلق احد فهم خاصة اللّه و خالصته و سرّ الديّان و كلمته و باب الايمان و كعبته و حجة اللّه و محجّته و اعلام الهدي و رايته و فضل اللّه و رحمته و عين اليقين و حقيقته و صراط الحق و عصمته و مبدأ الوجود و غايته و قدرة الرب و مشيته و امّ‏الكتاب و خاتمته و فصل‏الخطاب و دلالته و خزنة الوحي و حفظته و امنة الذكر و تراجمته و معدن التنزيل و نهايته.

في الغوالي عن ابي‏جعفر7 انه قال كما لاتقدر علي صفة اللّه لاتقدر علي صفتنا و كما لاتقدر علي صفتنا لاتقدر علي صفة المؤمن هـ .

و لمّا اقتضي المقام ذكر فضائل ذلك الامام7 فلابأس ان‏نذكر خطبة البيان لان فيها من فضائله7 ما لايحيط به انسان فتعرف بذلك انه روحي‏فداه لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع قال7 علي مارواه علماؤنا و دلّت عليه الاخبار الكثيرة و الايات القرءانية و الادلّة القطعية العقلية قال مولينا اميرالمؤمنين7 انا الذي عندي مفاتح الغيب لايعلمها بعد محمّد9 غيري و انا بكلّ شي‏ء عليم انا الذي قال فيه رسول‏اللّه9 انا مدينة العلم و علي بابها انا ذوالقرنين المذكور في الصحف الاولي انا الحجر الذي تفجّر منه اثنتاعشرة عيناً /من الحجر انا الذي عندي خاتم سليمان انا الذي أتولّي حساب الخلايق اجمعين انا اللوح المحفوظ انا جنب اللّه انا قلب اللّه انا انّ الينا ايابهم ثم انّ علينا حسابهم انا الذي قال رسول‏اللّه9 ياعلي الصراط صراطك و الموقف موقفك انا الذي عنده علم الكتاب ماكان و مايكون انا ادم الاول انا نوح الاول انا ابرهيم الخليل حين القي في النار انا موسي انا مونس المؤمنين انا فتّاح الاسباب انا منشر السحاب انا مورق الاشجار انا مخرج الثمار انا مجري العيون انا داحي الارضين انا سماك السموات انا فصل الخطاب انا قسيم الجنة و النار انا ترجمان وحي اللّه انا معصوم من عند اللّه انا خازن علم اللّه انا حجة اللّه علي من في السماء و فوق الارضين انا

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 468 *»

قائم بالقسط انا دابّة (دابر خ‏ل) الارض انا الراجفة انا الرادفة انا الصيحة بالحق يوم الخروج الذي لايكتم عنه خلق السموات و الارض انا الساعة التي لمن كذّب بها سعير انا الم ذلك الكتاب لا ريب فيه انا الاسماء التي امر اللّه ان‏يدعي بها انا النور الذي اقتبس منه موسي فهدي انا هادم القصور انا مخرج المؤمنين من القبور انا الذي عندي الف كتاب من كتب الانبياء انا المتكلّم بكلّ لغة في الدنيا انا صاحب نوح و منجيه انا صاحب ايّوب المبتلي و شافيه انا صاحب يونس و منجيه انا اقمت السموات السبع بنور ربّي و قدرته انا الغفور الرحيم و ان عذابي هو العذاب الاليم و انا الذي اسلم ابرهيم الخليل و اقرّ بفضلي انا عصاء الكليم و به اخذ بناصية الخلق اجمعين انا الذي نظرت في الملكوت فلم‏يغب عنّي شي‏ء و غاب عن غيري انا الذي احصي هذا الخلق و ان كثروا حتي اؤدّيهم الي اللّه انا الذي لايبدّل القول لدي و ما انا بظلاّم للعبيد انا ولي اللّه في ارضه و المفوّض اليه امره و الحاكم في عباده انا الذي دعوت الشمس و القمر فاجاباني و انا الذي دعوت السبع السموات فاجابوني و امرتها فينصبوني انا الذي بعثت النبيين و المرسلين انا فطرة العالمين انا داحي الارضين و العالم بالاقاليم انا امر اللّه و الروح كما قال تعالي يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي انا سيّرت الجبال و بسطت الارضين انا مخرج العيون و منبت الزروع و مغرس الاشجار و مخرج الثمار انا الذي اقدّر اقواتها انا منزل القطر و مسمع الرعد و مبرّق البرق انا مضيئ الشمس و مطلع الفجر و منشئ النجوم و انا منشئ جوار الفلك في البحور انا الذي اقوم الساعة انا الذي ان متّ لم‏امت و ان قتلت لم‏اقتل انا الذي اعلم مايحدث اناً بعد ان و ساعة بعد ساعة انا الذي اعلم خطرات القلوب و لمح العيون و ماتخفي الصدور انا صلوة المؤمنين و زكوتهم و حجّهم و جهادهم انا الناقور الذي قال اللّه تعالي فاذا نقر في الناقور انا صاحب النشر الاول و الاخر انا اول ماخلق اللّه نوري انا صاحب الكوكب و مزيل الدولة انا صاحب الزلازل و الرجف انا /صاحب الذي اعلم المنايا و البلايا و فصل‏الخطاب انا صاحب ارم ذات العماد التي لم‏يخلق مثلها في البلاد و نازلها انا المنفق الباذل بمافيها انا الذي اهلكت

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 469 *»

 الجبّارين و الفراعنة المتقدمين بسيف ذي‏الفقار انا الذي حملت نوحاً في السفينة انا الذي انجيت ابرهيم من نار نمرود و مونسه انا مونس يوسف الصديق في الجبّ و مخرجه انا صاحب موسي و الخضر و معلّمهما انا منشئ الملكوت و الكون و انا البارئ انا المصوّر في الارحام انا الذي ابرئ الاكمه و الابرص و اعلم مافي الضماير انا انبّئكم بماتأكلون و ماتدّخرون في بيوتكم انا البعوضة التي ضرب اللّه بها المثل انا الذي اقامني اللّه و الخلق في الاظلة و دعا الي طاعتي فلمّا اظهره انكروا امره كما قال عزّوجلّ فلمّا جاءهم ماعرفوا كفروا به انا الذي كسوت العظام لحماً ثم انشأناه بقدرته انا حامل عرش اللّه مع الابرار من ولدي و حامل العلم انا اعلم بتأويل القرءان و الكتب السالفة انا الراسخ في العلم انا وجه اللّه في السموات و الارض كما قال اللّه تعالي كلّ شي‏ء هالك الاّ وجهه انا صاحب الجبت و الطاغوت و محرقهما انا باب اللّه الذي قال تعالي انّ الذين كذّبوا باياتنا و استكبروا عنها لاتفتّح لهم ابواب السماء و لايدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سمّ الخياط و كذلك نجزي المجرمين انا الذي خدمني جبرئيل و ميكائيل انا الذي حمل جبرئيل و ميكائيل لي الماء من الجنة انا الذي يتقلّب الملائكة علي فرشي و يعرفني عباد كلّ اقليم الدنيا انا الذي رددت الشمس مرتين انا الذي خصّ اللّه جبرئيل و ميكائيل بالطاعة لي انا اسم من اسماء اللّه الحسني و هو الاعظم الاعلي انا صاحب الطور و الكتاب المسطور انا البيت المعمور انا الحرث و النسل انا الذي فرض اللّه طاعتي علي قلب كلّ ذي‏روح متنفّس من خلق اللّه انا الذي انشر الاولين و الاخرين انا قاتل الاشقياء بسيفي ذي‏الفقار و محرقهم بناري انا الذي اظهرني علي الدين انا المنتقم من الظالمين انا الذي أدّي دعوة الامم كلّها الي طاعتي و من كفرت و اصرّت مسخت انا الذي اردّ المنافقين من حوض رسول‏اللّه9 انا باب فتح اللّه لعباده من دخله كان امنا و من خرج عنه كان كافراً انا الذي بيدي مفاتيح الجنان و مقاليد النيران انا الذي جهد الجبابرة باطفاء نور اللّه و ادحاض حجته فابي اللّه الاّ ان‏يتم نوره و ولايته اعطي اللّه نبيه9 نهر

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 470 *»

 الكوثر و اعطاني نهر الحيوة انا مع رسول‏اللّه9 في الارض فعرفني اللّه ماشاء و منعني مايشاء انا قائم في ظلّة خضر حيث لا روح تتحرّك و لا نفس تتنفّس غيري انا علم صامت و محمّد9 علم ناطق انا القرون الاولي انا صاحب القرن انا جاوزت موسي في البحر و اغرقت فرعون انا عذاب يوم الظلّة انا الذي اعلم هماهم البهايم و منطق‏الطير انا ايات اللّه و حجج اللّه و امين اللّه انا احيي و اميت و انا اخلق و ارزق انا السميع العليم انا البصير الذي اجوز السموات السبع و الارضين السبع في طرفة عين انا الاولي انا الثانية انا ذوالقرنين كما قال رسول‏اللّه9 انك ذوالقرنين هذه الامة انا صاحب الناقة التي اخرجه اللّه لنبيه صالح انا الذي نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير علي الكافرين غير يسير انا الاسم الاعظم كهيعص انا المتكلّم علي لسان عيسي في المهد صبيّاً انا المتكلّم علي لسان صبي يوسف الصديق انا الذي ليس كمثله شي‏ء انا العذاب الاعظم انا الاخرة و الاولي انا ابدء و اعيد انا فرع من فروع الزيتون الذي قال اللّه و التين و الزيتون و قنديل من قناديل النبوة انا مظهر الاشياء كيف اشاء انا الذي اري اعمال العباد لايعزب عنّي شي‏ء لا في الارض و لا في السماء انا مصباح الهدي انا مشكوة فيها نور المصطفي انا الذي ليس شي‏ء من عمل عامل الاّ بمعرفتي انا خازن السموات و خازن الارضين انا قائم بالقسط انا عالم بتغيير الزمان و حدثانه انا الذي اعلم عدد النمل و وزنها و خفتها و مقدار الجبال و وزنها و عدد قطرات الامطار انا ايات اللّه الكبري التي اراها اللّه فرعون و عصي انا اقتل قتلتين و احيي حيّتين انا الذي رميت وجه الكفار كفّ تراب فرجعوا الهلكي انا الذي جحد ولايتي الف امّة فمسخهم اللّه انا المذكور في سالف الزمان و الخارج اخر الزمان انا قاصم فراعنة الاولين و مخرجهم و معذّبهم في الاخرين انا معذّب الجبت و الطاغوت و محرقهم و معذّب يعوق و يغوث و نسراً انا المتكلّم بسبعين لساناً و مفتي كلّ شي‏ء علي سبعين وجهاً انا الذي اعلم بتأويل القرءان و مايحتاج اليه الامة انا الذي اعلم مايحدث بالليل و النهار امراً بعد امر و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 471 *»

 شيئاً بعد شي‏ء الي يوم القيمة انا الذي عندي اثنان و سبعون اسماً من اسماء اللّه العظام انا الذي اري اعمال الخلايق في مشارق الارض و مغاربها و لايخفي علي منهم شي‏ء انا الكعبة و البيت الحرام و البيت العتيق كما قال اللّه تعالي فليعبدوا رب هذا البيت انا الذي يملّكني اللّه شرق الارض و غربها اسرع من طرفة عين و لمح البصر انا محمّد المصطفي و علي المرتضي كما قال رسول‏اللّه9 علي ظهر منّي انا الممدوح بروح‏القدس انا المعني الذي لايقع علي اسم و لا شبه انا اظهر الاشقياء الاشياء الوجودية كيف اشاء انا باب حطّتهم التي يدخلون فيها و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين.

فاذا تأمّلت في هذه الاخبار و نظرت اليها بنظر الاعتبار علمت ان مقام ال‏محمّد الاطهار عليهم سلام‏اللّه الملك الجبّار اعلي و اجلّ من ان‏تناله البصاير و الابصار و ارفع من ان‏تصل اليه العقول و الافكار و قد قال عزّوجلّ و ان تعدّوا نعمة اللّه لاتحصوها و النعمة هي هم: و قال عزّوجلّ ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه و الكلمات هي هم: و قد قال عزّوجلّ و ماقدروا اللّه حق قدره و قدر اللّه هم صلوات اللّه عليهم و قال عزّوجلّ و مايعلم جنود ربّك الاّ هو و هم: جنود اللّه الذين لايعلمهم سواه تعالي كما قال رسول‏اللّه9 ياعلي لايعرفك الاّ اللّه و انا و قال تعالي و عنده مفاتح الغيب لايعلمها الاّ هو و هم تلك المفاتح و تلك الغيوب التي لايعلمها الاّ اللّه سبحانه و قد قال سبحانه و مايعلم تأويله الاّ اللّه علي قراءة الوقف علي اللّه دون الراسخون في العلم و هم: تأويل القرءان الذي لايعلمه الاّ اللّه و علي الوقف علي الراسخون يكون هم الراسخون في العلم كما دلّت الاخبار بصراحتها عليه فالمعني حينئذ لايعلمهم الاّ اللّه و هم اذ الشي‏ء يعلم ذاته لانه علم ذاته.

و اذا اردت مقاماً ازيد من ذلك بشرط ان لاتتوهّم الغلوّ و لاتظنّ باللّه ظن السوء و لاتصغّر عظمة اللّه و لاتحتقر قدرة اللّه فنقول هم المراد من قوله تعالي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 472 *»

 لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و اليهم تتعلّق الاشارة و هو سبحانه اجلّ من ان‏يشار اليه باشارة او يعبّر عنه بعبارة او يهتدي اليه سبيل و قال تعالي و لايحيطون به علماً اي بوليّه و هم الاولياء الذين لايحاط بهم علماً و ضمير الهاء كما تقدّم اشارة بالاشارة عند الاشباع الي علي7و بالتلويح الي محمّد9 و الي فاطمة3 فانّ الهاء اذا اشبعت كان عنها الواو و هما اذا نزلتا في الرتبة (المرتبة خ‏ل) الثانية كان عنهما علي و هو قوله تعالي و انه في امّ‏الكتاب لدينا لعلي حكيم و هو العلي العظيم و هو العلي الكبير و بعد الاشباع بملاحظة زبرهما و بيّناتهما يستنطق عنهما الواحد و هو يثنّي في الباء و هي تثنّي في الدال و هي تثنّي في الحاء و هي تخمّس في الميم و المجموع هو الحمد فاذا اضفت الاصل الاول الذي هو عدد الواحد اي الهمزة كان احمد و اذا اضفت الميم في عالم التفصيل كان محمّداً و قد سبق تفصيل ذلك و انما كرّرت الاشارة لئلاّتحتاج الي النظر و ربما لاتحصل ماذكرنا في الموضع الذي ذكرنا فيفوت المقصود و بعد استنطاق الواحد من الهاء يلاحظ تثليثه فتكون عنه الثلثة فتجذر تكون تسعة و تستنطق تكون عنه الطاء و يؤخذ كماليها الظهوري و الشعوري و يضمّان مع الاصل الذي هو الطاء فتكون فاطمة لان الـ «فا» كمال الطاء الشعوري و «مه» كمالها الظهوري و من الكمال الظهوري كان ظهور ادم ابوالبشر و باقي الائمة: غصون في هذه الاصول (الاحوال خ‏ل) الثلثة فهم حينئذ هو اي الهاء مع الاشباع فضمير الهاء في كلّ المواضع القرءانية يرجع اليهم: و هم راجعون الي اللّه انا للّه و انا اليه راجعون و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم و قال عزّوجلّ سبحان ربّك ربّ العزّة عمّايصفون و الرب هو المربي الصاحب و الكاف هي كاف الخطاب التي هي ظهور المخاطب و هو الاعيان السفلية في مقام لا فرق بينك و بينها الاّ انّهم عبادك و خلقك فهناك يستحقّون الاسم من باب الحقيقة الثانية التي هي بعد الحقيقة الاولي فيكون المراد حينئذ ال‏محمّد: و هم المتعالون عن الوصف و التوصيف و لاتتوهّم انّي

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 473 *»

اقول انهم هم اللّه كلاّ و هم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم مابين ايديهم و ماخلفهم و لايشفعون الاّ لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون و من يقل منهم انّي اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين و من قال غير هذا فعليه لعنة اللّه و لعنة اللاعنين قال سبحانه و تعالي سبحان اللّه عمايصفون الاّ عباد اللّه المخلصين و اللّه اسمه العلي كما قال الرضا7 و هو اسم اللّه و الهاء اسمها هو و قد علمت الكلام في هو و الهاء وحدها فهم المتعالون عن الوصف فلايلحقهم نعت و لايصل اليهم ادراك و العباد المخلصون هم الانبياء و المرسلون كما في الاية المتقدمة سبحان ربّك ربّ العزّة عمّايصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين و قال سبحانه و عنده علم الساعة و ينزّل الغيث و يعلم ما في الارحام و ماتدري نفس ماذا تكسب غداً و ماتدري نفس باي ارض تموت و اللّه عليم خبير و هم: علم الساعة كما قال تعالي في حقّ عيسي الذي قال عزّوجلّ انّه مثل لبني‏اسرائيل و هم هم: و في زيارة اميرالمؤمنين7 السلام علي اسرائيل الامّة الزيارة و الاية الدالّة علي ماذكرنا هي قوله تعالي و لمّا ضرب ابن مريم مثلاً اذا قومك منه يصدّون و قالوا ء الهتنا خير ام هو ماضربوه لك الاّ جدلاً بل هم قوم خصمون ان هو الاّ عبد انعمنا عليه و جعلناه مثلاً لبني‏اسرائيل الي ان قال تعالي و انه لعلم للساعة فلاتمترنّ بها و ماكان عيسي7 علم الساعة الاّ لكونه مثلاً لال‏محمّد: و هم: الغيث النازل من سماء الجود و الكرم و الفيض المنبسط علي كلّ الامم و هو قوله تعالي و جعلنا من الماء كلّ شي‏ء حي و قوله تعالي و هو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً و هم: الرحم و الارحام و اسرارهم المودعة فيها و لايعلمها سوي اللّه عزّوجلّ و هم النفس التي لاتدري ماذاتكسب غداً لتلاشيهم في مشية اللّه و اضمحلالهم في قدرة اللّه فلايجدون لانفسهم و ساير احوالهم تحققاً الاّ باللّه و اليه الاشارة في باطن قول اميرالمؤمنين7 لولا اية في كتاب اللّه لاخبرتكم بماكان و مايكون

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 474 *»

 الي يوم القيمة و هي قوله تعالي يمحو اللّه مايشاء و يثبت و عنده امّ‏الكتاب و هم النفس التي لاتعلم باي ارض تموت الارض ارض القابلية ارض الجرز الدواة الاولي و الارض المقدسة المطهّرة عن القوم الجبّارين و النفس هي الحقيقة من اللّه و الوجه الاسفل فيها هو الفيض الاختراعي فاذا تعلق ذلك الفيض بالقابلية تعيّن و تحدّد بعد ماكان غير متعيّن و غير محدود و بعبارة اخري لمّا نزل الماء الالهي علي ارض الجرز اختفي و استجنّ فيها لانبات النبات و اظهار الثمرات و هذا الاختفاء و الاستجنان هو الموت و لمّا كان ذلك الفيض سرمدياً انقطعت عنده الاوقات و الازمان فلايوصف بمتي و اين فلايقال باي ارض تموت لانّ ذلك مايكون الاّ حين الوقوع فالعلم انما هو عند الوقوع و اما القبل فلا قبل ولو فرض فلا تعيّن و لا اختصاص او لمّا كان الممكن دائم‏السيلان لشدة افتقاره الي اللّه سبحانه فلابدّ له في كل ان مدد جديد لم‏يكن عنده فلم‏يكن علمه عنده والاّ لاستغني و ذلك المدد مساوق لمحلّه و هو ارضه فلايعلم الممكن مايرد عليه من الامدادات بقوابلها و حدودها قبل ان‏ترد و لمّا كان ال‏محمّد: واقفين علي باب القدرة و مقابلين لفوّارة القدر كان لهم هذا الحكم بالاصالة الحقيقية و لغيرهم بالعرض و لمّا لم‏يكن عند اللّه سواهم كانوا: هم المخصوصون بهذه الخمسة و هم هذه الخمسة التي تفرّد اللّه بعلمها كما قال اميرالمؤمنين7 ان اللّه تفرّد بخمسة ثم قرأ هذه الاية فلايعلمهم و لايعلم اسرارهم علي ما هم عليه الاّ اللّه سبحانه و هم بتعليم اللّه سبحانه اياهم انفسهم و في الدعاء هب لي نفسي.

اهل النهي عجزوا عن وصف حيدرة   و العارفون بمعني ذاته تاهوا
ان قلته بشراً فالعقل يمنعني   و اختشي اللّه من قولي هو اللّه

و في شرح هذه الفقرة المباركة ينبغي التنبيه علي امور حتي يكون المخلص من الشيعة علي بصيرة في فهم مراد ائمته: :

الاول لم اختار

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 475 *»

الامام7 عدم اللحوق علي عدم الادراك و المعرفة مع ان عدم الادراك و الفهم لمقاماتهم اقرب في مقام الاستعلاء و التنزه عن ساير المخلوقين بالنسبة الي عدم اللحوق اذ قد يدرك الشي‏ء في الظاهر ما لايلحقه و قد عرفت الان ان الامام7لايدرك مقامه و لايفرض و لايتصوّره احد من المخلوقين و لايعرفهم الاّ اللّه سبحانه.

الثاني لم خـصّ نفسه الشريفة بعدم اللحوق مع ان الائمّة: كلّهم كذلك لانهم حقيقة واحدة و احكامهم غير مختلفة.

الثالث  لم أدّي هذا المطلب علي جهة الاستفهام الانكاري.

الرابع ما كيفية اللحوق و عدمه.

الخامس في بيان شرذمة من السرّ المستسر في هذه الفقرة المباركة.

اما الاول فاعلم انه قد تقرّر عندنا ان العلم عين المعلوم و لايتفارق احدهما عن الاخر اذ لايتصوّر انفكاك العلم عن المعلوم اذ ليس العلم الاّ ظهور المعلوم للعالم و ذلك الظهور قائم بالمعلوم لا بالعالم و لذا يوجد بوجوده و يعدم بعدمه و ليس العلم /هو (زائد خ‏ل) (الاّ خ‏ل) الظهور (ظهور خ‏ل) العام حتي يكون غير المعلوم والاّ لم‏يكن العلم بالتعلقات المخصوصة علماً مع ان الظهور عين المظهر اذ لو كان فيه جهة غير جهة الظهور لكان بذلك حاجباً لا مظهراً و المعلوم مظهر للعلم و لذا كان مادة المعلوم هي العلم لبيان انه هو العلم مع الخصوصية فاذا كان كذلك فلايدرك الشي‏ء ما لايلحقه ابداً و لذا امتنع ادراك ذات الواجب سبحانه اذ لو صحّ ادراك شي‏ء مع عدم الوصول الي حقيقته صحّ ادراك الذات كذلك ولو صحّ ذلك لما منع الخلق من ادراك الذات و لماكفر الشخص اذا ادّعي انه ادرك الذات البحت تعالي و تقدّس و كذا امتنع ادراك المعدومات و الممتنعات و العلم بها و استحال فرض المحال لامتناع الوصول اليها لعدم شيئيّتها و لذا قال عزّوجلّ و لايحيطون به علماً فالادراك يستلزم اللحوق في كلّ مكان فانت حين ماتتصوّر البلدان البعيدة النائية عنك فقد لحقتها بخيالك و ان لم‏تلحقها بجسمك و ماادركتها ايضاً بجسمك و الخيال و ان كان من عالم الغيب و نظره ايضاً اليه الاّ انّ عالم الشهادة عند عالم الغيب كالنقطة للدائرة و الخيال و ان كان يدرك الاجسام بها لكنه حين بعدك الظاهري التفت الي ذلك المكان ببصرك الظاهري

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 476 *»

الذي هو هناك فعرفه به فقد لحقته في المقام الذي ادركته و ان وقع الخطاء فانما هو في المرءاة لا في اصل الواقع ولكن في هذه الصورة لايقع الخطاء اذا كان مستمراً الي يوم المشاهدة العيانية و اللحوق الحسّي و اما اذا كان متخالفاً كما لو تصورت البلدة الفلانية علي هيئة خاصة ثم اتيتها و وجدتها علي خلاف ماكنت تتصورها فان التصور الاول انما كان في الغيب وحده دون الشهادة و وقوع الخطاء لعدم صقالة المرءاة.

ان قلت فعلي هذا كيف لايخطأ التصور بعد المشاهدة او معها اذا كان لعدم صقالة المرءاة قلت القلب اذا كان مضطرباً و الحواس غير مجتمعة و النفس غير قارّة مطمئنّة اذا طلب شيئاً من اللوح المحفوظ يقع منه فيها علي حسبها من عدم الاستقرار فيظهر تلك الحقيقة فيها علي غير جهة الاستقامة فاذا ظهر الامر في الواقع بعد تأكّد الاسباب و القرانات و ينظر اليه بعد الاستقرار تجده مخالفاً لماكان تعرفه سابقاً كما اذا نظرت في الماء عند الاضطراب و نظرت اليه بعده و علي هذا يجوز ان‏يكون المراد من الادراك مطلقاً و ان كان جسمياً فاللحوق حينئذ كان جسمياً هذا مطلقاً و اما المعصومون:فانهم يرون الاشياء النائية البعيدة علي ماهو عليه من غير اختلاف كما روي ان الحسين7 اري امّ‏سلمة رضي اللّه عنها مصرعه و مقتله و اصحابه المستشهدين بين يديه روحي فداه و7 و وقع كما اراها7 من غير اختلاف و كذلك ماقال مولينا الصادق7 في امر الرجعة و مااخبر عن القبّة التي تبني لاميرالمؤمنين7 و السرج المشعولة فيها و قال7 كأنّي اري القناديل معلّقة فيها كالشمس المضيئة و هذا كلّه يراه7 كما هو و كذلك الاخبارات التي تقع عن المؤمنين الممتحنين عند اجتماع قلوبهم و اجتماع حواسّهم فانهم يرون تلك الاحوال علي ماهو عليه بابصارهم الظاهرية لكنها هناك و ذلك بخيالهم فنسبة الخيال واحدة و ان كانت نسبة الجسم متفاوتة فافهم فقد القيت اليك بذراً من الجنة و سقيتها (سقتها خ‏ل) بماء الكوثر مااسعدك لو حفظتها عن الضياع و اللّه خليفتي عليك و لا حول و

 

«* جواهر الحکم جلد 6 صفحه 477 *»

لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم.

فاذا فهمت هذه الدقيقة فهمت ان اللحوق مساوق للادراك. . . . . . .