07-01 جواهر الحکم المجلد السابع ـ رسالة في جواب بعض الاخوان ـ مقابله

رسالة فی جواب بعض الاخوان

و هو شیخ اسماعیل بن الشیخ اسدالله الکاظمینی

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 5 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين و الصلوة و السلام علي خير خلقه محمد و آله الطاهرين.

اما بعد؛ فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني کاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان بعض اخوان الصفا و قدوة اصحاب الوفا و زبدة الاجلاء النبلاء سلمه الله و ابقاه و حرسه و وقاه و اعطاه کتابه بيمناه و جعل اخرته خيراً من اولاه قد اتي بمسائل عويصة و اراد الجواب علي الاستعجال و انا مع اغتشاش البال و اختلال الاحوال و معاناة السفر بالحل و الارتحال و تواتر الامراض و الاعراض المانعة من استقامة الحال اجبت مسؤوله بالاشارة الي الجواب لان هذه الحالة لايسع استقصاء المقام بايراد النقض و الابرام فاکتفيت بالاشارة و اتيت بمختصر العبارة اعتماداً علي فهمه العالي و ادراکه السامي و جعلت کلامه سلمه الله متناً و جوابي کالشرح له حرصاً علي التطابق و جرياً مقتضي التوافق و الله المستعان و عليه التکلان.

قال سلمه الله تعالي: قد اتفق الامامية اعلي الله کلمتهم علي وجوب عصمة الامام علیه السلام بعد حجيته و قبلها بعد بلوغه و قبله حتي قالوا باستمرارها من ولادته الي وفاته و من مهده الي لحده فان قصدوا بعصمته في تلک الاحوال معني متحداً و هو اللطف المعهود فلايتم الا بالبناء علي تکليفه من اول عمره الي اخره بجميع التکاليف الثابتة في الشريعة من صلوة و صيام و زکوة و حج و جهاد و هو ظاهر الفساد او بالبناء علي التزامه بها اجمع مع سقوطها عنه و هو مثل سابقه في الخروج عن طريق السداد و ان قصدوا بها ما يعم العصمة بالمعني المعهود و هو الثابتة له بعد حجيته او بعد بلوغه و العصمة بمعني الصيانة من المخالفة باسقاط التکليف عنه فذلک مع منافاته لکلماتهم مقتضي لمساواة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 6 *»

کل من لم ‌تجتمع فيه صفة البلوغ و العقل للمعصوم في صحة الوصف بالعصمة من الجهة العدمية و هو ظاهر البطلان و ان قصدوا معني اخر فما هو و ما الدليل علي اعتباره افدنا دام علاک.

اقول: المذهب الحق هو ان الامام الحجة من الله سبحانه و ساير الحجج من الانبياء المرسلين و الاوصياء المرضيين معصومون اي مطهرون منزهون عن الارجاس و الادناس و مساوي الاخلاق و رذايل الاعراق و کل ما تشمئز منه النفوس الصحيحة و تستقبحه القلوب السليمة و کل ما يخالف محبة الله تعالي و ينافي قربه و رضاه و کل ما يورث البعد و الاعراض عن حضرة جلال عظمته و کبريائه من اول ظهورهم و تولدهم الي حين وفاتهم و رحلتهم بل في بطن الامهات و اصلاب الآباء و ساير الکينونات من اول الوجود في العوالم الاول الي اخر النهايات و الغايات فيما لايزال.

و بيان هذه الجملة بالاجمال هو انه لا شک و لا ريب بمقتضي الادلة القطعية من العقلية و النقلية في بطلان الترجيح من غير مرجح و انه لايجوز علي الحکيم المطلق و بطلان القول بقدم الاعيان و عدم مجعولية الماهيات لتقتضي کل ماهية قديمة ما هو ذاتي لها من الخير و الشر کما هو مذهب الصوفية و تابعيهم و بطلان الربط بين الحادث و القديم و الوجود (وجود ظ) النسبة بين الخالق و المخلوق ليکون بها بعض الاشياء اقرب اليه من الاخر و بعضها افضل و بطلان الجعل علي مقتضي الجبر ليجبر بعض المخلوقات علي الطاعة و بعضها علي المعصية و بعضها علي الخير و بعضها علي الشر و بعضها علي النور و بعضها علي الظلمة و هکذا ساير الاطوار و الاحوال و هو في الحقيقة راجع الي القول بالترجيح من غير مرجح و لا ريب ان کل ما سواه تعالي حادث مخلوق مربوب مصنوع فقير لايملک لنفسه نفعاً و لا ضراً و لا موتاً و لا حياة و لا نشوراً و ان الاشياء کلها نسبتها اليه سبحانه علي حد سواء ليس شيء اقرب اليه من شيء و ليس بينه و بين خلقه قرابة و لا نسبة و لا اتصال و لا انفصال و لايجري عليه حال من الاحوال الموجودة في الحوادث فانحصر التفاوت و التفاضل بين الموجودات الحادثات بالتکليف و قد دل الدليل العقلي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 7 *»

و النقلي و ضرورة المذهب علي ذلک و قد شرحناه علي کمال التفصيل في اجوبة المسائل التي فيها اثبات النبوة الخاصة و الولاية الخاصة بدليل العقل الغير المشوب بشيء من النقل.

و التکليف الذي وقع به التفاضل و التفاوت بين الموجودات فامتازة (فامتازت ظ) الانبياء من الاوصياء و هم من الرعية و الرعية بعضها عن بعض في درجاتهم و صورهم و هياکلهم و هيئاتهم و ساير احوالهم و اطوارهم انما کان بالتکليف في العالم الاول المسمي عند اهل البيت علیهم السلام بعالم الذر و عالم الاظلة و عالم الاشباح و عالم الارواح و غيرها من الاسماء فهناک تحققت السعادة و الشقاوة و النور و الظلمة و الخير و الشر و العلو و السفل و غيرها من المراتب و المقامات و هذا العالم کاشف و بيان عن العالم الاول و قد يختلف علي الفرض من باب البدا و ان الله (يمحو ظ) ما يشاء و يثبت و عنده ام الکتاب فخلقهم الله سبحانه و اهلهم للتکليف و هيأهم له ازاح العلل في التکليف و سوي التوفيق بين الضعيف و الشريف فسألهم فقال الست بربکم فاختلفوا بسر الاختيار المستودع في حقايقهم و ذواتهم بسر الامر بين الامر (الامرین ظ) فاول متقدم بالاجابة و سابق للطاعة الانبياء و الاوصياء علیهم السلام علي تفاوت درجاتهم فتقدموا عن کل الخلق و لبوا لنداء الله عز و جل بالسمع و الطاعة في ظاهرهم و باطنهم و سرهم و علانيتهم و لم يضمروا المخالفة بوجه من الوجوه ابداً لا في قلوبهم و حقايقهم و لا في افعالهم و ظواهرهم و ساير اثارهم فتوجهوا اليه سبحانه توجهاً کلياً حقيقياً و خضعوا له خضوعاً تاماً جبلياً لم ينظروا الي سواه و لم يطلبوا سواي (زائد ظ) سواه فاکرمهم الله تعالي و خصهم بجزايل العطا و کرايم الحبا و خلقهم من طينة مخزونة مکنونة طيبة طاهرة من عليين و ايدهم بنوره و سددهم بروحه و جعلهم معادن لحکمته و خزاناً لعلمه و حفظة لسرّه قد غشيهم بالنور و اوصلهم الي عالم السرور و زادهم نوراً علي نور من فضله و سعة نواله بحقيقة ما هم اهله الله اعلم حيث يجعل رسالته فخصهم بالنبوة و انتجبهم للرسالة و اودعهم علمه و عرفهم ما يحب و ما يکره ثم عرض

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 8 *»

الله سبحانه علي الخلق نبوتهم و ولايتهم و فرض طاعتهم و عرفهم منزلتهم و کرامتهم عليه حتي لا يبقي ملک مقرب و لا نبي مرسل و لا صديق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بين ذلک شهيد الا عرفهم جلالة امرهم و عظم خطرهم و کبر شأنهم و تمام نورهم و صدق مقاعدهم و ثبات مقامهم و شرف محلهم و منزلتهم عنده و کرامتهم عليه و خاصتهم لديه و قرب منزلتهم منه فطأطأ کل شريف بشرفهم (لشرفهم ظ) و خضع کل جبار لفضلهم و بخع کل متکبر لطاعتهم و ذل کل شيء لهم و اشرقت الارض بنورهم و فاز الفائزون بولايتهم فبهم يسلک الي الرضوان و علي من جحد ولايتهم غضب الرحمن و لا ريب ان هذه الاحوال ما حصلت في هذه الدنيا فلابد ان يکون في ذلک العالم کما دلت عليه الآيات و الروايات و العقل المستنير بنور الولايات.

ثم اقتضت الحکمة الالهية لامور کثيرة يطول بذها (بذکرها ظ) الکلام و قد اشار الي بعض الوجوه و اشرفها مولانا الصادق علیه السلام علي ما رواه الصدوق ره في العلل و غيره في غيره فانزل الله سبحانه الخلق من ذلک العالم الفسيح المضيء الي هذا العالم الغاسق الضيق فتنقلوا من طور الي طور و من حال الي حال و من عالم الي عالم الي ان وصلوا الي التراب و انتقلوا الي السحاب و ظهروا في البقول و الثمار فانتقلوا الي الاصلاب نطفة من مني يمني ثم منها الي الارحام في الاحوال الستة ثم منها الي الدنيا فظهروا فيها علي اختلاف الاقتضاءات و تفاوت شرايط القوابل و الاستعدادات اما الرعية فنسوا ما عهدوا و جهلوا ما عملوا و صاروا کانوا (کأنهم ظ) لم يروا شيئاً و لم يستبينوا امراً کما قال الصادق علیه السلام ثبتت المعرفة و نسوا الموقف و سيذکرونه يوماً ما اهـ  الي ان انکر جمع من الفحول عالم الذر و السؤال في عالم الارواح مع صريح الايات و توارد الروايات بل و تواترها معني لمن تتبع و نظر و تصفح و اعتبر و اما الانبياء و الاوصياء علیهم السلام علي تفاوت درجاتهم فبقوا علي العهد و الوفاء علي الوعد و لم ينسوا و لم يغفلوا و لم يدبروا و لم يعرضوا بل في تنقلاتهم في

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 9 *»

الاطوار و الاحوال کانوا خاضعين لله و خاشعين له و مقبلين عليه و متوجهين اليه و لم ينسوا في العالم الثاني ما عهد اليهم في العالم الاول علي کمال المعرفة و البصيرة و الفهم و الادراک ا ما سمعت ان مولاتنا الزهراء علیها السلام في بطن امها کانت تعلم امها القرآن و علمتها سورة انا انزلناه في ليلة القدر و غيرها و ان اميرالمؤمنين علیه السلام کان اذا حضر رسول الله صلی الله علیه و آله يقيم امه فاطمة و هو في بطنها لتعظيم رسول الله صلی الله علیه و آله و کانت تقوم فاطمة بنت اسد اذا حضر النبي صلی الله علیه و آله من غير اختيار حتي انهم منعوها فما قدرت علي الامتناع و هو علیه السلام کان في بطنها و لما ولد قرأ التوراة و الانجيل و الزبور و القرآن و ساير الصحف السماوية و استقبل القبلة و تشهد الي اخر ما قال کما هو مذکور في کتب الاصحاب في الامامة و مولانا الجواد علیه السلام اتوا به الي مسجد النبي صلی الله علیه و آله و هو ابن ستة اشهر فقال ايها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فاني اعرفه بنفسي انا محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب انا ابن مکة و مني و انا ابن زمزم و الصفا الي ان وضع يده الشريفة علي فمه فقال اصمت يا محمد کما صمت اباؤک و مولانا الکاظم علیه السلام قال و هو مقمط ما قال و مولانا الحجة صاحب العصر علیه السلام و روحي له الفداء اجاب عن تلک المسائل و اخبر بما في الصرر و غيرها في حديث احمد بن اسحاق القمي و عيسي بن مريم قال لامه حين وضعته ا لا تحزني قد جعل ربک تحتک سرياً و هزي اليک بجذع النخلة تساقط عليک رطباً جنياً و قال و هو في المهد صبياً اني عبدالله اتاني الکتاب و جعلني نبياً و جعلني مبارکاً اينما کنت و اوصاني بالصلوة و الزکوة مادمت حياً و براً بوالدتي و لم يجعلني جباراً شقياً و السلام علي يوم ولدت و يوم اموت و يوم ابعث حياً و هکذا ساير الانبياء لو شرحت لک لطال الکلام و الاشارة کافية لاهلها.

و القول بان الله سبحانه مکنهم في تلک الحالة من غير عهد سابق قول بالترجيح من غير مرجح او انهم ايضاً نسوا و الله سبحانه ذکرهم کذلک ايضاً لان

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 10 *»

الکل في هذه الحالة سواء مع انه خرص و تخمين و قول بغير علم و لا هدي و لا کتاب منير و لهذا سماهم الله تعالي اهل الذکر في کتابه حيث بقوا علي ذکر ما عهد الله اليهم في تلک العوالم و سمي رسول الله صلی الله علیه و آله ذکراً في قوله تعالي قد انزل الله اليکم ذکراً رسولاً مبالغة في عدم النسيان فالانبياء علیهم السلام بقوا علي العهد الاول في التکليف الاول فلم يحتاجوا الي التکليف الثاني فکانوا يتوجهون اليه سبحانه في بواطنهم و ظواهرهم و يتجنون (يتجنبون ظ) مساوي الاخلاق فان الحسن و القبح علي مذهب الامامية ليسا محض جعل الشرع و اختراعه کما ذهب اليه الاشاعرة بل انما هي امور واقعية مستحسنة و مستقبحة و حيث ان الخلق نسوا عهدهم و جهلوا معرفتهم هناک بين الشارع الغير الناسي عهده و الغير الجاهل حکمه و امره لهم باذن الله سبحانه فالانبياء علیهم السلام قبل بلوغهم الظاهري المتعارف عالمون بالذي يحب الله و الذي يکره فکانوا يجتنبونه کما ان العاقل الصاحي اذا رأي جيفة منتنة يعرض عنها و لا يقرب اليها و لا يتناول منه ابداً الا ان يکون ذاهلاً و فيه عيب يمنعه عن ادراک قبايحها و کذلک اذا رأي ناراً موقدة لا يرمي روحه فيها يقيناً و کک حکم القبايح المنهي عنها في الشريعة بل اعظم و اعظم و قد نص الله سبحانه علي ذلک بقوله الذين يأکلون اموال اليتامي ظلماً انما يأکلون في بطونهم ناراً و سيصلون سعيراً و هذا العلم و هذا الحفظ لهم حتي لا ينسوا هو اللطف الثابت لهم من الله سبحانه.

و قولهم اللطف عبارة عن اعانة الهية توجب فعل الطاعات و اجتناب المعاصي بحيث لايصل الي حد الالجاء فان ارادوا المعني الذي ذکرنا فحسن و الّا (فلا ظ) فائدة فيه او يلزم الجبر الباطل بضرورة المذهب لاختصاصهم باللطف دون غيرهم من غير امر سبق و ذلک معلوم واضح ان شاء الله تعالي فهم علیهم السلام بذلک الامر السابق و التکليف الاول يعملون ما يوجب القرب اليه تعالي و يترکون ما يوجب البعد و الاعراض مثل اهل الجنة فانهم لايعصون و لايرتکبون شيئاً من القبايح و ليس ذلک الّا لان طبيعتهم صافية و قلوبهم مقبلة متوجهة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 11 *»

فلاتشتهي انفسهم شيئاً من القبايح و ان لم‌يقع عليهم تکليف جديد حسب الاصطلاح الجديد فلايظلمون و لايزنون و لايلوطون و لايحسدون و لا غير ذلک و قد ادّعوا الاجماع علي ان ليس في الجنة تکليف مع انهم لايرتکبون المناهي و يفعلون الاوامر من ذکر الله تعالي و التوجه اليه و الاقبال عليه و التوکل عليه کما اخبر الله سبحانه عنهم بقوله دعويهم فيها سبحانک اللّهم و تحيتهم فيها سلام و اخر دعويهم ان الحمد لله رب العالمين و الانبياء علیهم السلام ‌من اول عمرهم اي بدوهم الي اخر وجودهم حکمهم في الاعمال و الافعال و الاقتضاءات حکم اهل الجنة و ان جري عليهم تکليف فانما هو تأکيد و تشييد لذلک الاول و ليس حکمهم حکم الرعية من نسيانهم ذلک العهد حتي احتاجوا الي تکليف جديد کما قال عز و جل و الله اخرجکم من بطون امهاتکم لاتعلمون شيئاً يريد بعدم العلم النسيان بقوله تعالي و اذ اخذ ربک من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و اشهدهم علي انفسهم ا لست بربکم قالوا بلي و قوله تعالي فما کانوا ليؤمنوا بما کذبوا به من قبل و اما قوله تعالي و لقد عهدنا الي آدم من قبل فنسي و لم نجد له عزما فالمراد بالنسيان هنا الترک لقوله تعالي نسوا الله فنسيهم لا النسيان الذي هو ضد العلم و حاشا نبي الله ان يغفل عن ذکر الله و يتبع الشيطان و الانبياء ايضاً لهم مراتب حسب اختلافهم في التقديم و التأخير روي الکليني في الکافي ما معناه انه قيل للنبي صلی الله علیه و آله کيف کنت افضل الانبياء و قد بعثت اخرهم قال صلی الله علیه و آله لاني اول من قال بلي حين قال الله لخلقه ا لست بربکم فعلي هذا تختلف درجاتهم فربما يصدر منهم ترک الاولي الّا الاربعة عشر المعصومون علیهم السلام فانهم علیهم السلام لايترکون الاولي ابداً و لايغفلون عن ذکر الله سرمداً لانهم الذين عبد (عبدوا ظ) الله فلايستکبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبحون الليل و النهار لايفترون فافهم راشداً و اشرب عذباً صافياً فان ما ذکرناه لن تجد في کتاب و لا في سؤال و جواب ان في ذلک لذکري لاولي الالباب.

قوله سلمه الله فلايتم الّا بالبناء علي تکليفه من اول عمره الخ، لايتمّ الّا

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 12 *»

بالبناء علي کون الحسن و القبح شرعيين کما هو مختار الاشاعرة و اما اذا قلنا بانهما عقليان و الشرع کاشف فلايرد ذلک فانهم يترکون جميع القبايح استقباحاً لها بعکس الحسنات کما اذا ترک احد الظلم قبل التکليف او الزنا استقباحاً لهما و انهما ينافيان محبة او وصل الرحم او اقبل علي الله سبحانه و دعاه و (زائد ظ) تضرعاً اليه استحساناً لها فانه يقال له انه ترک المعصية و القبيح و فعل الخير و الطاعة و ان لم يکن مکلفاً بتکليف ظاهري.

و قوله سلمه الله تعالي و هو ظاهر الفساد، ظاهر الفساد کيف و العلماء اختلفوا في الصبي المميز من ساير الرعية في ان عباداته شرعية بمعني ان الخطاب توجه اليه بحيث اذا اتي بها ثم بلغ و وقت العبادة باق کان ما اتي به کافياً لانه کان مخاطباً فامتثل کما توضأ ثم بلغ او دخل في الصلوة او اتمها ثم بلغ فيمضي و لايحتاج الي الاعادة ام لا بل عبادته تمرينية لم يتعلق الخطاب الشرعي عليه الّا للتمرين بالنسبة الي الولي ان کان فيعيد ما فعل لعدم الامتثال و الخطاب انما تعلق بعد العمل کما اذا صلي قبل الظهر فذهب جمع کثير من العلماء الي الاول و الاخرون و الکل متفقون علي عدم العقاب لو ترک واجباً او فعل محرماً فالاولون علي التفضل و العفو و ان کان مستحقاً لتوجه الخطاب و قدرته عليه و قد لايعفو لقوة المانع فيجري العقاب کما في الغلام الذي قتله الخضر علیه السلام و الاخرون علي عدم الاستحقاق لعدم التکليف الّا اني لا اظنهم يختلفون بالنسبة الي الانبياء و الائمة علیهم السلام في ان اعمالهم شرعية قبل البلوغ المتعارف و قد نص الله سبحانه علي ذلک بقوله الحق فاشارت اليه قالوا کيف نکلم من کان في المهد صبياً قال اني عبدالله آتاني الکتاب و جعلني نبياً و جعلني مبارکاً اينما کنت و اوصاني بالصلوة و الزکوة ما دمت حياً و براً بوالدتي و لم يجعلني جباراً شقياً فقد نص نصاً علي انه کان علیه السلام مأموراً بالصلوة و الزکوة و بر الوالدة و هو في المهد و بالاجماع المرکب يثبت الحکم لجميع الانبياء اذ لا اجد فرق (فرقاً ظ) بين نبي و نبي في الحکم المذکور لانفرق بين احد من رسله فيثبت ان يکون الجميع مأمورين بجميع التکاليف الثابتة من صلوة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 13 *»

و زکوة کما وقع التنصيص عليهما في حق عيسي علیه السلام و قال عز و جل في حق يحيي و اتيناه الحکم صبياً و سليمان بن داود علیهما السلام بعث علي النبوة و الخلافة و الحکم و الدعوة و هو ابن سبع سنين و مولانا الجواد علیه السلام استخلف قبل البلوغ و مولانا الحجة المنتظر استخلف و مات ابوه و هو ابن خمس سنين و مولانا اميرالمؤمنين علیه السلام امن و هو ابن سبع او عشر سنين.

و بالجملة اثبات حکم التکليف للانبياء و الاوصياء و الائمة علیهم السلام مما لا ينبغي الترديد و الشک فيه فان التکليف مداره العقل و التمييز و الادراک و القدرة علي الاتيان بالمأمور به و اما خصوص السر فلما کان الغالب علي ساير الناس من الرعية و الکمال انما يحصل عند تحقق احدي العلامات اعتبر ذلک لاصل کمال العقل فاذا کمل العقل قبل ذلک فهو مکلف لکن لا يجري عليه العقاب لو ترک او فعل تفضلاً من الله سبحانه و عفواً لقرب العهد الي عدم الکمال و عدم نضج البنية و بلوغها الي کمال الاعتدال و اما الانبياء و المعصومون فلا يجري عليهم ذلک لانهم في صباهم اعلم من اعلم العلماء و لا يقاس و اقدر من اشجع الناس کذلک فاني يکون الاهمال و عدم التکليف اذن مع ما نص الله سبحانه في الکتاب و الفرق بين الانبياء بالاقتصار علي مورد النص خلاف دأب اولي الالباب و الله الموفق للصواب علي انّا لا نحتاج الي اثبات التکليف الثانوي و يکفي في ذلک العهد المأخوذ عليهم في العالم الاول و ان الحسن و القبح امران متحققان يدرکهما العقل فکيف بالذي عنده العقل الکل و العقل الاول و الملک المسدد و العمود من النور و التوسم و قد قال بعض العلماء شعراً و قد اجاد في المعني:

ستعرف ان العقل و النقل واحد         و ذلک معلوم بحکم الضرورة

ببرهان ان العقل نور نبينا          و ذلک کلي باصل الحقيقة

و ان عقول الانبياء و حزبهم         و اشياعهم من شمسه کالاشعة

لا يقال ان الانبياء علیهم السلام اذا بقوا علي العهد الاول و لم ينسوا ما جري عليهم في تلک العوالم فلا يحتاجون ح الي استزادة العلم لان العلوم کانت

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 14 *»

منکشفة في عالم الذر لانا نقول العلوم المتجددة عليهم بواسطة الملائکة او بالوحي و الالهام و غير ذلک ليست ما احتجب عليهم بالتنزل و انما هي علوم ما کانت هناک ايضاً فتجددت و تأتي بها الملائکة و الحملة لا کساير الناس من نسيانهم العهود و العلوم و ذلک معلوم ان شاء الله تعالي فابن امرک علي ما ذکرنا و الاحتمالات الاخر المذکورة في السؤال کلها باطلة و في هذا المقام مطالب عجيبة ترکت ذکرها خوفاً من التطويل و صوناً من اصحاب القال و القيل و فيما ذکرنا کفاية لاولي الدراية.

قال سلمه الله تعالي: مسألة ظاهر قوله عز اسمه اني جاعل في الارض خليفة الآية انه لم يخلق ادم الّا ليکون خليفة في ارضه فکيف يأمره مع ذلک السکني في جنة الخلد علي ما اختاره معظم الامامية حتي لو لم يخالف امره الي نهيه لم ينل الخلافة التي خلقه لها افدنا دام بقاک.

اقول: معني ظاهر الآية ان الله عز و جل اخبر الملائکة بانه تعالي يجعل احداً خليفة في الارض و هو اعم من انه سبحانه انما خلقه ليکون خليفة في الارض و انه تعالي خلقه لعنايات حقيقية و غايات ذاتية و لکن له حيث لم يصل بعلمه تلک الغايات جعله خليفة في الارض و لو عمل علي مقتضي ارادته و مشيته العزمية لوصل عليها و لم يخرج منها و لکنه حيث قصر في العمل علي الوجه المعهود عند الامامية في الانبياء علیهم السلام انحط عن تلک المرتبة العليا الاولي ثم ترقي اليها بالاعمال و الاقبال و التوجهات و العنايات و هو قوله تعالي و عصي ادم ربه فغوي ثم اجتبيه ربه فتاب عليه و هدي فجعله سبحانه خليفة في الارض بعد ما خرج من الجنة و لم يتأهل لها ذلک الحين بترک الاولي و الّا فقيل ذلک کان باب الله و حجابه و سر الله و صراطه و حيث ان الله سبحانه عالم بالاشياء قبل کونها و حدوثها کعلمها (کعلمه ظ) بها بعد کونها و حدوثها لانه تعالي لا يستقبل و لا ينتظر و لا يترقب لم يسبق له حال حالاً ليکون اولاً قبل ان يکون اخراً و يکون ظاهراً قبل ان يکون باطناً و کان سبحانه علم ما يجري علي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 15 *»

آدم من ايجاده و اسجاده الملائکة و استکبار ابليس و عتوه و ادخال ادم و حواء الجنة و نهيه عن اکل الشجر الي اخر ما انتهي امرهما اليه من اهباطهما الي الارض و جعله خليفة علي اهله ما دام فيها اخبر الملائکة ببعض ما علم وقوعه من جعله خليفة في الارض و امسک عنهم خبر ما يقع من ابليس و ما يقع من آدم و الغاية التي خلق ادم لاجلها لان المقصود الذي هو الابتلاء انما کان يحصل بالخبر الاول فان خلق ادم علیه السلام ابتلاء للابتلاء فاظهر لهم امر ابليس حين عتوه و نفوره و استکباره و امر ادم علیه السلام حين اکله من الشجرة و تساقط حلل الجنة عنه و يظهر لهم الغاية اذا ادخله تعالي بکرمه الجنة فيعلمون انها ثمرة تلک الغاية العليا التي تنفک من المغيا فلو کانت الخلافة هي الغاية لخلق ادم علیه السلام يجب ان لا تنفک منه ضرورة استحالة انفکاک الغائية عن الشيء فانفکاکها دليل علي انها لم تکن ذاتية حقيقية و انما هي طارية عرضية و ان کانت الخلافة هي الدرجة العظمي الّا ان فوق کل ذي علم عليم و ذلک ان الله سبحانه خلق الخلق لغايتين شريفتين عظيمتين هما اصل کل خير و مبدأ کل نور و منشأ کل سرور و حبور:

احداهما المعرفة الالهية و معرفة الاسماء و الصفات و الوسايط و الاسباب و مبدأ الايجاد و منتهاه کما قال عز و جل في الحديث القدسي کنت کنزاً مخفياً فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لکي اعرف.

و الثانية العبادة و العمل و التوجه اليه بسر الحقيقة و صافي الطوية کما نص عليه في کتابه العزيز بقوله و ما خلقت الجن و الانس الّا ليعبدون ما اريد منهم من رزق و ما اريد ان يطعمون ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين.

و هاتان الغايتان کل واحدة منهما تستلزم الاخري و بهما ترتب الاثار و تحققت الظلمات و الانوار و وجدت الخلافة و الوصاية و الامارة و الرعية و التابعية و امثالها اذ من سبق بالمعرفة سبق بالعبادة فکان محلاً للعناية الالهية و مهبطاً للانوار القدسية و موضعاً للاسرار الملکوتية فکان من دونه في المعرفة و العمل و العبادة يقتبس من انواره و يستضيء باشعة اثاره فکان السابق هو

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 16 *»

الخليفة لله بالنسبة الي لاحقه الا ان هذه السابقية علي اطوار و احوال حقيقة (حقيقية ظ) طولية کسبق الانبياء و الائمة علیهم السلام و عرْضية عرَضية کسبق العلماء علي الجهال ا ما سمعت قول الحجة المنتظر عجل الله فرجه اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليکم و انا حجة الله فهذه الصفات انما کانت متأخرة عن العلم و العمل و لما کان ادم علیه السلام لما نزل الي الارض کان اعلم اهل الارض و اعرفهم بالله و اعلمهم و اخضعهم له و اخوفهم منه کان هو الخليفة من الله سبحانه علي المکلفين في زمانه فسمي بهذا الاسم بعد خروجه من الجنة و وجود الامة و الرعية و قد اخبر الله سبحانه عن ذلک قبل وقوعه لابتلاء الملائکة و اختبارهم و فتنتهم حيث قالوا ا تجعل فيها من يفسد فيها و يسفک الدماء فاعترضوا علي الله سبحانه فطردهم عن حول العرش و احرق بنار الغضب اجنحتهم ثم لما خلق الله سبحانه آدم فسجدوا له و لاذوا به و بالنور الذي کان متشعشعاً من ناصيته و جبهته فقبلهم الله تعالي و رقاهم الي البيت المعمور و الان هم الطائفون بالبيت المعمور کما يطوف الحاج بالبيت الحرام و هذا الاختبار و الفتنة هو السبب لاخبار الله سبحانه لهم ببعض الخبر علي الاجمال و لم يشرح لهم الحال و لم يذکر تمام الخبر ليمضي حکمه و يجري مشيته و ينفذ امره فافهم فمما ذکرنا ظهر لک ان الاية بظاهرها لا تدل علي ثبوت کونه خليفة في الارض فحسب و هي اعم و العام لا يدل علي الخاص باحدي الدلالات الثلاث کما هو ظاهر معلوم.

فان قلت انک قد ذکرت ان العلة الغائية في الايجاد هي المعرفة و العبادة و هي لا تنفک عن الشيء مع ان في الاخرة تنفک العبادة و المعرفة عن اهلها لان المعرفة قد حصلت في الدنيا و العبادة موقوفة علي التکليف و لا تکليف في الاخرة اجماعاً ففي قولک تناقض ظاهر قلت اما المعرفة المتعلقة بذات الازل عز و جل فهي غير حاصلة بل ممتنعة في الدنيا و الاخرة الّا بمعني الوجود و الحصول و اما المعرفة المتعقلة (المتعلقة ظ) باسمائه و صفاته و عظمته و جلاله و کبريائه و ساير الصفات الفعلية فهي دائماً في التزايد في الدنيا و الاخرة لانها تظهر بالاثار

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 17 *»

و کلما کان ظهور الاثار و الاطلاع عليها و الاحاطة بها اکثر کان ظهور عظمة المؤثر و حکمته و قدرته و قيوميته و جماله و جلاله اکثر فيکون الاقبال اليه و التوکل عليه و الاعراض عما سواه اکثر فيکون فيضه تعالي و احسانه و انعامه و اکرامه بالنسبة الي المقبلين اليه و المتوکلين عليه و المعرضين عما سواه اکثر و بذلک ينالون اعظم الدرجات و اسني المقامات و اعلي الکرامات و هو قوله تعالي في الحديث القدسي کلما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية و هذا حکم جار في الدنيا و الاخرة الي ما لا نهاية له و اما العبادة فليس المراد منها اعمال مخصوصة و تکليف و مشقة و مخالفة النفس و امثا (امثالها ظ) و انما المراد منها التوجه اليه تعالي بظاهره و باطنه و سره و علانيته و العمل علي وفق محبته و ارادته و السلوک علي مقتضي مشيته و اذنه و حکمته و ذلک حاصل في الاخرة فانهم لايزالون متوجهين اليه سبحانه و مقبلين عليه في جميع اعمالهم و افعالهم في مآکلهم و مشاربهم و مناکحهم و حرکاتهم و سکناتهم دعويهم فيها سبحانک اللّهم و تحيتهم فيها سلام و اخر دعويهم ان الحمدلله رب العالمين فلايعملون شيئاً الا باذن من الله سبحانه و لکن لما کانت طينتهم صافية و طويتهم زاکية فلا يختارون الا ما اختاره الله تعالي و لايشاؤون الا ان يشاء الله تعالي لاضمحلال ارادته (ارادتهم ظ) و مشيتهم عند ارادته و مشيته تعالي فوض سبحانه الامر اليهم في الاعمال و الاقوال و الحرکات و السکنات و لا يحتاجون الي امر جديد و اذن جديد کما فوض سبحانه الي رسول الله صلی الله علیه و آله في الحلال و الحرام فزاد الرکعات في الصلوة و اطعم الجد السدس في الميراث و غيرهما و الله سبحانه امضي ذلک له لان طبيعته صلی الله علیه و آله ما تختار الا مختار الله عز و جل فلا ينافي اذن قوله تعالي و ما ينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي علّمه شديد القوي فان الوحي علي قسمين عام و خاص لصفاء طينته و طهارة خلقه و خلقه صلی الله علیه و آله و کذلک اهل الجنة فيها اذ ليس في طبايعهم ما ينافي ارادة الله و محبته لان الله سبحانه اخبر و قال و نزعنا ما في صدورهم من غل اخواناً علي سرر متقابلين و حيث کانوا کذلک اذن لهم الله

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 18 *»

سبحانه اذناً عاماً فقال لهم فيها ما تشتهي انفسکم و لکم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم فهم في جميع احوالهم و افعالهم ناظرون الي امر الله و مشيته و ارادته و ملتذون بذکره و مستأنسون بمشاهدة جلال عظمته و جمال رحمته و تمام حکمته و نفاذ کلمته و اي عبادة اعظم من هذا نعم ليس فيها شيء من التکليفات الدنيوية لانها فيها علي خلاف ما تشتهيه النفس و في الجنة علي ما تشتهي النفس و کلاهما يرجع الي امر واحد بحکم واحد ذلک تقدير العزيز العليم فافهم.

فظهر لک عدم تخلف هاتين الغايتين الشريفتين عن شيء فالمتخلف کما في خلافة آدم علیه السلام في الارض ليس باصلي ذاتي و انما هو عرضي حصل عند النزول الي الارض فلا اشکال في الاية الشريفة علي ظاهرها و انما الاشکال في الحديث القدسي المروي في هذا المقام انه تعالي قال اني جعلت معصية ادم سبباً لعمارة الدنيا فان ظاهرها يدل علي ان الله سبحانه اراد معصية ادم علیه السلام لان تعتمر الدنيا و الجواب ان الاحاديث اولاً تعرض علي مذهب الفرقة المحقة فان طابقته و لاتعارضها تحمل علي ظواهرها من غير تأويل و تکلف فان خالف فلابد من ارتکاب التأويل و صرفها عن ظاهرها لان کلام الله و خلفائه لايناقض المذهب المقرر المحقق من عند الله سبحانه. فاذا عرفت هذا فاعلم انه لا شک و لا ريب ان الله سبحانه لايريد المعصية و لايحبّها و لايأمر بها فما ورد من انه تعالي يأمر و لايشاء و يشاء و ينهي کما في الحديث المروي في الکافي عن مولانا الصادق علیه السلام ان لله مشيتين و ارادتين مشية حتم و مشية عزم يأمر و هو لايشاء و ينهي و هو يشاء امر  ابليس بالسجود لادم و لم يشأ ذلک و لو شاء لما غلبت مشية ابليس مشية الله و نهي ادم عن اکل الشجرة و شاء ان يأکلها و لو لم يشأ لما غلبت مشية آدم مشية الله فمحمول علي المعاني التي ذکرناها في مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل فليرجع اليها فان الکلام يطول به بيانه فيکون معني الحديث الشريف ان الله سبحانه جعل معصية ادم سبباً للعمارة لما عصي بعد ما عصي فلو لم يعص کان السبب امراً اخر لو تعلق غرض بوجود هذه الدنيا و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 19 *»

تعميرها و الّا فلا.

و ربما يظهر من بعض الاخبار ان المعصية التي صدرت من ادم علیه السلام اي ترک الاولي فانما هي من جهة ما في صلبه من الذرية العصاة فتحرکت شهوتهم الباطلة المکنونة في طبايعهم المستودعة المستجنة في صلب آدم علیه السلام فصارت سبب اقتران (اقتراف ظ) آدم تلک المخالفة بترک الاولي و الجنة و الجنة مکان الطاهرين فلا تصلح لاهل الشهوات الباطلة المعرضة عن الله جل شأنه فصدور هذه المخالفة من آدم علیه السلام دليل علي ان الذين في صلبه ليس اکثرهم طيبين طاهرين و لا يصلحون للبقاء فيها مع تلک الحالة فوجب ان يخرج منها استغراغاً (استفراغاً ظ) لصلبه عن تلک الارجاس و واضعاً لهم في المحل اللايق بهم و هو الارض الکثيفة الفاسقة (الغاسقة ظ) حتي يرجع الي الجنة طاهراً طيّباً عن درن تلک اللواحق الفاسدة و يظهر من في الاصلاب ممن کان قابلاً  للتطهر (للتطهیر ظ) و التنظيف و ترمي الارساخ (الاوساخ ظ) الضايعة و الاعيان النجسة و الذرات الخبيثة الي مقرّها من سجين فکانت المعصية سبباً لعمارة هذه الدنيا لانها کشفت عن تلک الذوات الغير التقية الغير المستأهلة للبقاء في الجنة و عدم المعصية کاشف عن طهارة من في الاصلاب لعدم المقتضي للمعصية فلو لم يعص لم يخرج من الجنة لان الذين في الاصلاب مستأهلين لها و انما توجه اللوم و العتاب علي آدم و حواء لجهة مناسبة المحل و سليماً الي مقتضاها و لو لم يعصيا لما خرجا من الجنة و لو فرضنا بعيد (بعیداً ظ) بقاء تلک الذوات الغير الطاهرة مع عدم معصية آدم و حواء عليهما السلام لکان لاخراجهم من الجنة سبب آخر لانه تعالي مسبب من الاسباب له و مسبب الاسباب من غير سبب فمعصية آدم علیه السلام انما صارت سبباً للعمارة لما وقعت و تحققت و اما قبل وقوعها و تحققها فلا فافهم و هذا الذي ذکرنا کله متعلق بظاهر المقام و اما في باطن التفسير و سرّ التأويل فهنا مباحث جليلة و مطالب شريفة لم يحم حولها اشکال و لا يعتبر بها (لایعتریها ظ) زلل و لا اختلال اخفاؤها في الصدور اولي من ابرازها في السطور لاسيما في هذا الوقت الذي قد مدّ الجور باعه و اسفر الظلم قناعه و دعا الغي اتباعه فکثر ملبّوه و شاع مجيبوه و الي الله المشتکي.

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 20 *»

قال سلمه الله تعالي: مسألة ظاهر الامامية انه يجب في الايمان الواجب علي کافة الامة معرفة النبي صلی الله علیه و آله و ساير الائمة الي الخلف الحجة علیهم السلام و قد قال علیه السلام من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية فان کان المنشأ في ذلک کون تعيين ساير الائمة من ضروريات المذهب فذلک لا يقتضي الّا الحکم علي منکر لغير شبهة بالخروج من المذهب خاصة لا توقف الايمان علي تعيينهم و ان کان المنشأ توقف ثبوت امامة امام العصر علي امامة من قبله حتي ينتهي الي النبي صلی الله علیه و آله لکون المثبت لها هو وصية المتقدم لها ففيه انه يکفي في ذلک العالم (العلم ظ) بوصية النبي صلی الله علیه و آله في الجملة او بثبوت الامامة له ببراهينها من غير طريق الوصية و ان کان المنشأ کون العمدة في معرفة الشريعة النبوية غير صاحب العصر ففيه ان ذلک يختص عمن لزمه معرفة الاحکام بادلتها التفصيلية و ان کان المنشأ خلاف الصدر الاول فيکفي العلم بکون الامامة بعد النبي صلی الله علیه و آله لعلي و ذريته علیهم السلام دون من انتحلها من اصحابه و ان کان نقلاً خاصاً دلّ علي معرفة ذلک في الايمان فليس في النقل اوضح من خبر التمسک بالثقلين و دلالته علي المطلب قاصرة ايدک الله تعالي.

اقول: المنشأ في ذلک اخبار صدرت عن الائمة الهداة علیهم السلام تدل عليه بالخصوص و العموم فمنها ما في الکافي عن محمد بن مسلم قال قلت لابي عبد الله علیه السلام رجل قال لي اعرف الاخر من الائمة و لا يضرک ان لا تعرف الاول قال فقال لعن الله هذا فانی ابغضه و لا اعرفه و هل عرف الاخر الّا بالاول و فيه عن ابن مسکان قال سألت [الشیخ] علیه السلام عن الائمة صلوات الله عليهم قال من انکر واحداً من الاحياء فقد انکر الاموات اهـ و المراد بالانکار اعم من الجحود کما صرحوا به علیهم السلام علي ما رواه ثقة الاسلام عن ربعي عن البصري قال قلت لابي عبد الله علیه السلام المنکر لهذا الامر من بني هاشم و غيرهم سواء فقال لي لا تقل المنکر و لکن قل الجاحد من بني هاشم و غيرهم قال ابوالحسن فتفکرت فذکرت قول الله تعالي في اخوة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 21 *»

يوسف فعرفهم و هم له منکرون و في الوافي عن ابي سلمة عن ابي عبد الله علیه السلام قال سمعته يقول نحن الذين فرض الله طاعتنا لا يسع الناس الا معرفتنا و لايعذر الناس بجهالتنا من عرفنا کان مؤمناً و من انکرنا کان کافراً و من لم يعرفنا و لم ينکرنا کان ضالاً حتي يرجع الي الهدي الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة فان يمت علي ضلالته يفعل الله به ما يشاء و فيه عن بشر العطار قال سمعت ابا عبد الله علیه السلام يقول نحن قوم فرض الله طاعتنا و انتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته و في الکافي باسناده عن ابي عبد الله علیه السلام عن امير المؤمنين علیه السلام الي ان قال علیه السلام نحن الاعراف الذين لا يعرف الله الا بسبيل معرفتنا و نحن الاعراف يعرفنا الله تعالي يوم القيامة علي الصراط فلا يدخل الجنة الا من عرفنا و عرفناه و لا يدخل النار الّا من انکرنا و انکرناه فمن عدل عن ولايتنا او فضل علينا غيرنا فانهم عن الصراط لناکبون و فيه عن ذريح قال سألت ابا عبد الله علیه السلام عن الائمة بعد النبي صلی الله علیه و آله فقال کان امير المؤمنين علیه السلام ثم کان الحسن علیه السلام اماماً ثم کان الحسين علیه السلام اماماً ثم کان علي بن الحسين اماماً ثم کان محمد بن علي اماماً من انکر ذلک کان کمن انکر معرفة الله و معرفة رسول الله صلی الله علیه و آله ثم قال قلت له ثم انت جعلت فداک فاعدتها عليه ثلاث مرات فقال انما حدثتک لتکون من شهداء الله تعالي في ارضه و فيه عن ابي حمزة قال قال لي ابوجعفر علیه السلام انما يعبد الله من يعرف الله فاما من لا يعرفه فانما يعبده هکذا ضلالاً قلت جعلت فداک فما معرفة الله قال تصديق الله تعالي و تصديق رسوله صلی الله علیه و آله و موالاة علي علیه السلام و الايتمام به و بائمة الهدي علیهم السلام و البراءة الي الله تعالي من عدوهم هکذا يعرف الله عزّ و جل و فيه عن ابن اذينة عن غير واحد عن احدهما علیهم السلام (علیهما السلام ظ) انه قال لا يکون العبد مؤمناً حتي يعرف الله و رسوله و الائمة کلهم علیهم السلام و امام زمانه و يرد اليه و يسلم له ثم قال کيف يعرف الاخر و هو يجهل الاول و فيه عن زرارة في حديث الي ان قال قلت فما تقول فيمن يؤمن بالله و رسوله و يصدق رسوله في جميع ما انزل الله

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 22 *»

أ يجب علي اولئک حق معرفتکم قال نعم و فيه عن ابي عبد الله علیه السلام في حديث طويل الي ان قال علیه السلام اتبعوا رسول الله (ص) و اهل بيته و اقروا بما نزل من عند الله و اتبعوا اثار الهي (الهدی ظ) فانهم علامات الامانات و التقي و اعلموا انه لو انکر رجل عيسي بن مريم و اقر بمن سواه من الرسل لم يؤمن اقتصوا الطريق بالتماس المنار و التمسوا من وراء الحجب الاثار تستکملوا امر دينکم و تؤمنوا بالله ربکم و في الزيارة عن ابي الحسن الرضا علیه السلام السلام علي الذين من والاهم فقد والي الله و من عاداهم فقد عادي الله و من عرفهم فقد عرف الله و من جهلهم فقد جهل الله و من اعتصم بهم فقد اعتصم بالله و من تخلي منهم فقد تخلي من الله و في الکافي عن ابي جعفر علیه السلام قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله ان الله تبارک و تعالي يقول استکمال حجتي علي الاشقياء من امتک من ترک ولاية علي و والي اعداءه و انکر فضله و فضل الاوصياء من بعده فان فضلک فضلهم و طاعتک طاعتهم و حقک حقهم و معصيتک معصيتهم و هم الائمة الهداة من بعدک جري فيهم روحک و روحک ما جري فيک من ربک و هم عترتک من طينتک و لحمک و دمک و قد اجري الله عز و جل فيهم سنتک و سنة الانبياء قبلک و هم خزاني علي علمي من بعدک حق علي لقد اصطفيتهم و انتجبتهم و اخلصتهم و ارتضيتهم و نجا من احبهم و ولاهم (والاهم ظ) و لقد اتاني جبرئيل باسمائهم و اسماء ابائهم و احبائهم و المسلمين بفضلهم اهـ  و لا ريب ان من حق النبي صلی الله علیه و آله معرفته و الانقياد له و هي حقهم و کذلک (ذلک ظ) سنة جارية فيهم صلي الله عليه و عليهم و في الزيارة الجامعة آمنت بکم و توليت اخرکم بما توليت به اولکم الي ان قال من اراد الله بدأ بکم و من وحده قبل عنکم و من قصده توجه بکم و في الکافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله علیه السلام قال سألته من الائمة علیهم السلام هل يجرون في الامر و الطاعة مجري واحداً قال نعم و فيه عن اسماعيل بن جابر قال قلت لابي جعفر علیه السلام اعرض عليک ديني الذي ادين الله عز و جل به قال فقال هات فقلت اشهد ان لا اله الّا الله وحده لا شريک له و ان محمداً صلی الله علیه و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 23 *»

آله عبده و رسوله و الاقرار بما جاء من عند الله و ان علياً کان اماماً فرض الله طاعته ثم کان من بعده الحسن اماماً فرض الله طاعته ثم کان الحسين من بعده اماماً فرض الله طاعته ثم کان من بعده علي بن الحسين اماماً فرض الله طاعته حتي انتهي الامر اليه ثم قلت انت يرحمک الله قال هذا دين الله و دين ملائکته و فيه عن عيسي بن السري ابي اليسع قال قلت لابي عبد الله علیه السلام اخبرني بدعاء (بدعائم ظ) الاسلام التي لايسع احد (احداً  ظ) التقصير عن معرفة شيء منها التي من قصر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه و قبل منه عمله (لم‌يقبل منه عمله و من عرفها و عمل بها صلح له دينه و قبل منه عمله ظ) و لم يضق به مما هو فيه لجهل شيء من الامور جهله قال (فقال ظ) شهادة ان لا اله الّا الله و الايمان بان محمداً رسول الله صلی الله علیه و آله و الاقرار بما جاء به من عند الله و حق في الاموال الزکوة و الولاية التي امر الله بها ولاية آل محمد علیهم السلام الحديث، و الاخبار بهذا المضمون في هذا المعني اکثر من ان تحصي و اعلي من ان يستقصي (تستقصی ظ) ترکنا ذکرها خوفاً من الطويل (التطويل ظ).

و بالجملة فالحاصل من الاخبار بعد ضم بعضها ببعض و ردّ مجملها الي مفصلها و عامها الي خاصها و مطلقها الي مقيدها يظهر صحة ما ذهبت اليه الامامية من وجوب معرفة الله تعالي و معرفة النبي صلی الله علیه و آله و معرفة الاوصياء بعده الي امام العصر في کل زمان و وقت و لا يلزم معرفة الائمة بعد زمانه وجوباً کما صرحت به الروايات المتقدمة و حمل اخبار الجمع علي واحد منهم بالاجمال و التفصيل بالتدريج بعيد عن الصواب و خروج عن جادة اولي الالباب و خرص ( و ظ) تخمين بغير هدي و لا علم و لا کتاب بعد التصريح بلعن من قال اعرف الاخر  و لايضرّک ان جهلت الاول بقوله لعن الله هذا فاني ابغضه و لا اعرفه الي آخر ما قال علیه السلام و ذلک واضح ظاهر ان‌شاء الله تعالي و هذا بالنسبة الي غير المستضعف و اما المستضعف فلا يحکم عليه بانه من اهل الجنة و اهل النار ان لم يعرف فيرجي امره الي ان‌ یعرف اما في الدنيا او في الاخرة فيحکم عليه بما عمل بعد المعرفة من التصديق او الجحود ختم الله لنا و لکم بالحسني و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 24 *»

رزقکم و ايانا خير الاخرة و الاولي انه فعال لما يشاء.

قال سلمه الله تعالي: مسألة قد تظافرت الروايات في استناد اختلاف العباد ايماناً و کفراً و طاعة و معصية الي اختلاف طينتهم التي خلقهم الله تعالي منها و هو مناف بظاهر (بظاهره ظ) للقواعد القطعية التي اتفق عليها کافة العدلية و الامامية و ذلک لان الطينة ان قهرت المخلوق منها علي الفعل المناسب لها کما تضمنه قوله علیه السلام فلا يستطيع هؤلاء ان يکونوا من هؤلاء و لا هؤلاء ان يکونوا من هؤلاء جاء الجبر  و ان اثرت استعداداً لذلک فقط لم يتم اللطف في العاصين و لا الابتلاء في المطيعين و کيف ازاح علل العباد فارسل رسله مبشرين و منذرين و لم يخلهم قط من حجة هاد لهم و ابهم اجالهم و باين بين احوالهم و اراهم اياته في الافاق و في انفسهم تحقيقاً للطف الواجب عليه بهم و بلاهم بالحسنات و السيئات و افتنهم بضروب التکاليف و اختلاف الشؤون و الحالات لينالوا بطريق الجزاء ثوابهم ثم يودع في اصل الخليقة ما يکون حاملاً لقوم علي طاعته لايتجاوزونها الي معصيته و الاخرين الي معصيته لايتجاوزونها الي طاعته.

لا يقال لعل تخبيث طينة العاصي و تطهير طينة المطيع وقعت عقوبة و مثوبة لصدور الطاعة و المعصية اختيار من الفريقين في عالم الذر لانا نقول لو لم تتفق العباد في الذر علي الانقياد لم تتم به علي العباد الحجة و لم يظهر في خلقه حکمه و بذلک ينقدح الاشکال في کثير من الاخبار الدالة علي وقوع الطاعة و المعصية معاً فيه سلمنا لکن ان استقل ما وقع في الذر بالتأثير لم يکن للطينة اثر بل لا يحسن ان يقع الّا التکرمة بحسنها و الاهانة بخبثها و الّا عاد المحذور سلمنا لکن لا يتوقف ذلک علي تقدم الذر علي خلق الطينة و هو خلاف صريح اخبارها ثم کيف تستقيم اخبار الطينة مع ما دلّ علي اتفاق الناس في الخلق علي الفطرة و کيف يستقيم تأثير اختلافها مع وجودها مختلفة في مبدأ خلق الانسان و هو ادم علیه السلام و ليس فيه الّا اثر صفوها افدنا موضحاً ذلک افادک الله و دام علاک.

اقول: المذهب الحق و الفصل ان استناد اختلاف العباد ايماناً و کفراً و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 25 *»

طاعة و معصية انما هو الي اختلاف العباد في قبول التکليف و في الدنيا و غيره من العوالم و عدمه و اختلافهم في اطوارهم و انحاء التلقيات و کذلک في اطوار الانکار و انحاء الادبار و کليات اختلافهم بحسب تلک الاطوار خمسة و لکل مرتبة منها مراتب لا تحصي و لا تستقصي و الخمسة هم السابقون و التابعون لهم باحسان و الطاغون و التابعون لهم بالاساءة و المستضعفون فبالتکليف اختلفوا و قبل ذلک کانوا امة واحدة غير محکومين بحکم فاختلفت فاخذه الله سبحانه لهم طينة من عليين و من سجين و خلقهم منهما في الخلق الثاني بما هم اهله و حاشا ربّنا جل ذکره ان يجعل الاختلاف في الطين او يجعل لبعض استعداداً لقبول الطاعة و للاخر لقبول المعصية و الانکار فان ذلک ظلم و عبث و ترجيح من غير مرجح و يخل في المبدأ الفياض فليس الّا التکليف فالقبول و الانکار فالطينة الخبيثة و الطيّبة و عليه استقر المذهب و به نطق الکتاب و السنة.

و قوله سلمه الله تعالي لو لم يتفق العباد في الذر علي الانقياد لم تتم الحجة الخ، باطل جداً لان قيام الحجة بالتکليف و البيان و تخلية السرب و ايضاح الدليل و البرهان و رفع الموانع و اراءة الطريق و التمکين من الاداء و القبول و الامتناع لا بالقبول فان بالقبول يتم الامر  و لا تبقي المقابلة و لا يصح ان يتحقق القبول في عالم الذر ثم يتعقبه الانکار في هذه الدنيا الّا بالامکان و التجويز و بقاء الاختيار فان المکلف لا يختار باختياره و شهوته الّا ما اختاره في العالم الاول و قد قال عز و جل فما کانوا ليؤمنوا بما کذبوا به من قبل و قد روي علي بن ابراهيم في الصحيح عن ابي عبد الله علیه السلام في قوله تعالي و اذ اخذ ربک من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و اشهدهم علي انفسهم أ لست بربکم قالوا بلي قلت معاينة کان هذا قال نعم فثبت المعرفة و نسوا الموقف و سيذکرونه و لولا ذلک لم يدر احد من خالقه و رازقه فمنهم من اقر بلسانه في الذر و لم يؤمن بقلبه و قال الله تعالي فما کانوا ليؤمنوا بما کذبوا به من قبل اهـ ، و قد نص علیه السلام ان قوله تعالي قالوا بلي انما هو  باللسان الا ان بعضهم قارن (قرن ظ) الاقرار اللساني بالقلب و بعضهم لم يقرن و لا دخل لاتمام الحجة في قبولهم قطعاً و ذلک واضح ظاهر ان

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 26 *»

شاء الله تعالي و بما ذکرنا اندفع الاشکال عن کثير من الاخبار الدالة علي وقوع المعصية و الطاعة فيه فان ذلک هو الواقع و لا يستلزم محذوراً کما سمعت.

و قوله سلمه الله تعالي سلمنا ان استقل ما وقع في الذر بالتأثير لم يکن للطينة اثر الخ، فيه انا نقول بموجبه و نقول ان الطاعة و المعصية انما کانتا بالقبول و الانکار و الطينة تابعة لهما و الذر مقدم علي خلق الطينة الطيبة التي للمؤمنين و الخبيثة التي للکافرين نعم الطينة طينتان احدهما ما يقوم به المکلف و يتحقق به الاختيار فان الله سبحانه خلق طينة طيبة من عليين و طينة خبيثة من سجين ثم مزج بينهما و عرکهما و صلصلهما فصارتا شيئاً واحداً قابلاً للامرين للخير و الشر و النور و الظلمة و الطاعة و المعصية بوجود هاتين و صلح للاختيار و الفعل و العمل و هذه الطينة مقدمة علي الذر و انما يتحقق بهما و لکنهما في الکل علي حد سواء فيما يکلفون به ازاح العلل في التکليف و سوي التوفيق بين الضعيف و الشريف و لا يتميز في هذه الطينة الخبيثة من الطيب (الطیبة ظ) و انما هما في کل شيء و قول النبي صلی الله علیه و آله لکل نفس شيطان قيل حتي لک يا رسول الله قال صلی الله علیه و آله نعم و لکن اعانني الله عليه و الثانية الطينة التي هي محل السعادة و مرکز  السعداء و الاشقياء و هذه متأخرة يقيناً بضرورة المذهب و الشريعة و العقل و النقل.

و قوله سلمه الله و هو خلاف صريح اخبارها، فيه ان الاخبار يجب ان تعرض اولاً علي المذهب و يؤخذ ما يوافقه و يحمل ما يخالفه عليه مع ان في اخبارها ما يشير الي ما ذکرنا تتبع تجد فاذا ما وجدته فاجعل باقي الکتاب و السنة شرحاً لها و بياناً لخافيها فان کلماتهم بعضها يفسر بعضاً و الله سبحانه بقوله يهديهم ربهم بايمانهم، بل طبع الله عليها بکفرهم و فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم و جعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الکلم عن مواضعه و اشباهها و ليس لي الآن اقبال شرح هذه الاحوال فاقتصرت بالاجمال.

و قوله سلمه الله تعالي ثم کيف تستقيم اخبار الطينة مع ما دل علي اتفاق الناس في الخلق علي الفطرة، جوابه انها لا منافاة في ذلک فان الله سبحانه خلق

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 27 *»

الانسان علي فطرة التوحيد بمعني انه تعالي جعل آية معرفته و دليل توحيده عنده بحيث اذا نظر الي نفسه و کينونته عرف ان له خالقاً و صانعاً کما قال تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال و في انفسکم أ فلا تبصرون و قال الصادق علیه السلام:

و في کل شيء له آية                        تدل علي انه واحدٌ

و هذه الاية موجودة في المؤمن و الکافر و الشقي و السعيد فمن نظر الي نفسه و عرف ربه و صدقه سبحانه فيما انزل فذلک المؤمن المخلوق من طينة الاجابة طينة عليين و من لم يعرف ربه بان نظر الي نفسه فکذبه و لم يؤمن به فذلک الکافر المخلوق من طينة الانکار طينة سجين فمقتضي الفطرة المعرفة و هي في المؤمن و الکافر و قد قال تعالي يعرفون نعمة الله ثم ينکرونها، يعرفونه کما يعرفون ابناءهم، و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم و غيرها من الايات و الروايات و مقتضي الطينة الطيبة النور و الخير و الرشد و هذه خاصة بالمؤمنين المصدقين و (مقتضی الطینة الخبیثة ظ) الظلمة و الشر و الکفر و النفاق و هذه خاصة بالکافرين و المنافقين فاجتمعوا في التوحيد اي معرفته و معرفة ساير ما کان واجباً عليهم و اختلفوا في التصديق و الاذعان فالطينة ثمرة الاذعان و التصديق او الانکار و الاستکبار و الفطرة سرّ الايجاد و حقيقة الانوجاد و بيان المراد و شرح الادلة و اراءة واضح الحجة و هي حاصلة في الکل فالاراءة في الجميع علي حد سواء و الطينة هي الايصال اي ايصال کل من المکلفين الي غاياتهم فافهم راشداً.

و قوله سلمه الله تعالي و کيف يستقيم تأثير اختلافها الخ، جوابه ان تلک الذرات انما استقرت في صلب آدم علیه السلام بعد الطاعة و المعصية و الانکار و الاقرار و ليس الطينة و ظهورها باثرها و ما ‌اختلفوا في صلب ادم علیه السلام حتي يأتي الاستبعاد بل کل ذرة في صلب ابيه و هو قوله تعالي و اذ اخذ ربک من بني آدم من ظهورهم ذريتهم فلا تصيب نجاستهم لادم علیه السلام مثاله الخمر في العنب و التمر فانهما قبل ان يسکر (یسکرا ظ) طيّبان طاهران و کالشجرة في النواة و کالقاذورات و النجاسات في الاطعمة الطيبة اللذيذة فافهم ضرب المثل و قد شرحت مباحث

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 28 *»

الطيبة (الطينة ظ) علي اکمل ما ينبغي علي حسب وسعي مما يسع الاظهار في عدة من الرسائل و اجوبة المسائل خصوصاً اجوبة مسائل محمد رحيم خان و الله الموفق للصواب و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.