07-03 جواهر الحکم المجلد السابع ـ الرسالة البهبهانية ـ مقابله

الرسالة البهبهانیة

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 41 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلوة علي خير خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين و اللعنة علي اعدائهم اجمعين.

اما بعـد فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني کاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان الدرّ الفاخر و النور الزاهر و البحر الزاخر و العلم الباهر قدوة اولي المعالي و المفاخر  الميرزا محمد باقر الطبيب البهبهاني حرسه الله عن شر کل غاشم غادر قد واجهني في مشهد مولانا و سيدنا الحسين عليه الصلوة و السلام و سألني عن مسألتين عظيمتين جليلتين في يوم مسافرته عن تلک الارض المقدسة و البقعة المنورة علي من حل فيها آلاف الثناء و التحية و کان ذلک في زمان قد تراکمت علي امواج الهموم و افواج الغموم و لما کان سلمه الله اهلاً  للاجابة کتبت له مختصر الجواب و اشرت الي مراده اشارة اجمالية في کل باب فلما رجع الي موطنه ما رضي بالاختصار الحّ علي بالبسط في المقال و اردفهما بسؤال آخر اعظمهما في الاغلاق و الاشکال و اتي کتابه ايده الله حين خروجي عن ذلک المشهد و عزمي الي مشهد الرضا عليه السلام و کان مستعجلاً  لارسال الجواب فوعدته ان املي علي تلک المسائل في بعض المنازل علي ما اراد حسب ما اراد الله سبحانه و مکنني مع کمال اشتغال البال بمعاناة الحل و الارتحال و جمود القريحة بتوفر الکلال و الملال و مع ذلک لا يسعني ان اکتب کل ما اعلم اذ ما کل ما يعلم يقال لان من الناس من يحتمل و منهم من لا يحتمل و من العلوم ما تحمل و منها لا تحمل سيما علم هذه المسائل بل اکتب ما هو الميسور لانه لا يسقط بالمعسور و الي الله ترجع الامور و لا حول و لا قوة الّا بالله العلي العظيم و جعلت کلامه سلمه الله متناً و جوابي کالشرح له ليطابق کل جواب بسؤاله کما هو عادتي في اجوبة المسائل.

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 42 *»

قال سلمه الله تعالي: مولانا و سيدنا وفقکم الله تعالي و فضلکم نستدعي و نلتمس من جنابک العالي ان تبين لنا مراتب التوحيد و مقام الوحدة و التفريد ليکون تذکرها سبباً لزيادة الخضوع و الخشوع و التذلل و العبودية علي الوجه الاکمل سيما في اوقات الصلوة.

اقول: التوحيد له مراتب بحسب ذاته و مراتب بحسب الموحد بالکسر  و قولي بحسب ذاته يعني بحسب المتعلق و الّا فالتوحيد مع تعدد المراتب مما يتناقض و هذه المراتب انما تحصل في حال کون الشخص في عالم التفصيل و تمايز  المراتب و الا فعند توجهه الي کل مرتبة لا يجد هناک تعدداً الا باختلاف النظر في الذوات المتأصلة فالتوحيد توجهک الي الواحد و هذا المعني المصدري ليس کغيره امراً اعتبارياً کما زعمه القوم و انما هو ذات متأصلة اشتق منها الموحد و الموحد اسم الفاعل و اسم المفعول لا کاشتقاق الفرع من الاصل الا في التعبير کما هو  الاصل في الاشتقاق لانه اقتطاع فرع من اصل و ذلک لضيق دائرة الالفاظ بل لضيق عالم التفصيل فضلاً عن دائرة الالفاظ بل هذا الاشتقاق کما قال امير المؤمنين عليه السلام انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظايرها و اذا دققت النظر و امعنت الفکر وجدت الحال هکذا في کل المشتقات لانها کلها تحصلت من التوحيد و هو الاصل في کل قريب و بعيد و ضعيف و شديد فلنقبض العنان فللحيطان آذان فمراتب التوحيد اربعة:

الاولي توحيد الذات بان لا تجعل مع الله الهاً آخر شريکاً  له في ذاته و قدمه و ازليته و الا لم يکن الهاً فان الاشتراک يستلزم المغايرة و التمايز و هما يستلزمان الترکيب و القول بان ما به الاشتراک عين ما به الامتياز ينفي الاشتراک اذ لا يعقل ان يکون شيء واحد من حيث ما هو مشترک متميز لان الامتياز لا يکون الا في محل صلوح الاشتراک فاذا امتنع صلوح الاشتراک امتنع الامتياز و اذا امتنع الامتياز امتنع التعدد في تلک الرتبة (المرتبة خ‌ل) لان الاثنينية انما تحقق بعد امتيازهما فاذا صح الاشتراک و ذکر الغير امتنع ان يکون ما به الامتياز عين ذلک و الا لم يذکر الغير و ذلک واضح لمن اغمض عن الجدال و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 43 *»

القول بان الاشتراک في مفهوم العرض فهما متباينان و متمايزان في الذات لا يصدق احدهما علي الآخر و صدق الوجوب و الوجود عليهما بالعرض کما هو مقتضي شبهة ابن کمونة ينفي الالهية للاثنين او يزيدان (ازيد خ‌ل) اذ الوجوب و الوجود ان کان صدقهما عليهما بالعرض فليسا بواجبين في الذات و لا موجودين فيها و الا لم يکونا عرضين فالذات التي ليست بواجبة و لا موجودة لا تکون الهاً و علي ما ذکرنا ينطبق مثالهم من ذکر صدق الماشي علي الانسان و غيره فان المشي ليس ذاتياً للانسان و لا لغيره و لذا اذا نظرت اليهما في حد ذاتهما تنسي المشي و غيره و القول بانه کصدق الانسان الکلي علي زيد و عمرو فاسد فان صدقه عليهما ذاتي لا عرضي و قد اقمنا براهين عقلية و نقلية علي ذلک في ساير رسائلنا و مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل و بينا ان الکلي الطبيعي و العقلي و المنطقي موجودة في الخارج و ان المفاهيم مرايا للاعيان الخارجية صفة استدلال عليها لا فرق بينها و بينها الا انها صفتها و اثرها و لا يقتضي المقام لتحقيق هذا المرام و هذا التوحيد لا يحتاج الي الاستدلال اذ لا يتصور الشريک حتي يجوز فيحتاج الي دليل للنفي لان التوجه الي المبدأ لا يکون الا بعينه لا بعينک اعرفوا الله بالله و عينه لک لتعرفه بها هو ذاتک و فؤادک و حقيقتک و ليست (ليس خ‌ل) هناک جهة و جهة و کيف و کيف و امتياز و اقتران و اتصال و انفصال و اشتراک و مغايرة حتي يتصور ملاحظة الغير فاين تجويز  الشريک و اين فرضه و اين ذکره و ما فرضوا من توهم الشريک بالتصور فانما هو في مقام النفس و هو مقام الاحتجاب عن الحق فلا يعرف بها الله و انما يعرف بها سواها في الوجه الاسفل الا ان اهل الرسوم من اهل المجادلة لما کان مقامهم عالم النفوس و رتبتهم الکثرة و الاختلاف وقعوا فيما وقعوا من المناقضات و الاختلافات و المکاثرات ذرهم يأکلوا و يتمتعوا و يلههم الامل فسوف يعلمون، قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون.

الثانية توحيد الصفات بان لا تجعل معه تعالي شريکاً في صفاته و لا تقول ان الصفات تصدق عليه تعالي و علي غيره بالاشتراک معنوياً کان ام لفظياً فان

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 44 *»

الاشتراک المعنوي يورث الترکيب في الصفة الخاصة به تعالي و لا يصح ذلک لانها عين ذاته المقدسة و القول بان الاشتراک في المفهوم لا في المصداق فکلام (کلام ظ) فاسد لايعبأ به لان المفهوم لا يخالف المصداق لانه کالوجه المنطبع في المرآة عن زيد الخارجي فالوجه دليل زيد فمن حيث الدلالة لا فرق بينه و بينه و من حيث الذات و الحقيقة اثره لا يوصف زيد به کما حققنا ذلک في کثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل فاذا کان المفهوم دليلاً  للمصداق فالاحکام الجارية عليه بعينها احکام المصداق کذلک فان کان الاشتراک فالاشتراک و الا فلا فلا يصح حينئذ ان تقول ان العالم مثلاً موضوع لمن له العلم فيصدق علي الله تعالي لانه کذلک و علي غيره لانه کذلک الا ان الصدق بالتشکيک فان صدقه علي الله تعالي اقدم و اشرف و اولي و کذا قولهم في الوجود و غيره لکنهم لايستشکلون و لايختلفون في الصدق المعنوي في غير الوجود من ساير الصفات و المعاني التي تطلق عليه تعالي (علي غيره تعالي خ‌ل) کالعلم و القدرة و السمع و البصر  و امثالها الا ان اختلافهم في الوجود هل يکون صدقه عليه تعالي و علي غيره بالاشتراک اللفظي ام الاشتراک المعنوي فالاغلب علي المعنوي زاعمين بان القول باللفظي يورث الکفر فان فيه يشترط تباين المعنيين فلما کان الوجود الصادق علي الممکن هو المعني المعبر عنه بالفارسي بهستي فلو کان ما يصدق عليه تعالي غيره لکان مبايناً  له و مباين الوجود ليس الا العدم فيلزم ان يکون الله تعالي معدوماً و ذلک کفر اقول و کلامهم هذا يعطي ان يکون الوجود الذي يثبتونه لله تعالي له مقابل و مباين و يلزمهم ان يکون له ضد و اثبات المقابل و المباين و المضاد لله تعالي کفر آخر و لا ريب ان وجود الممکن له مقابل و مباين کما اعترفوا به فلا يکون ذلک المعني ثابتاً  له تعالي لاتفاق المسلمين علي نفي المقابل و المباين له تعالي لاستلزامهما النسبة المستلزمة للاقتران المستلزم للحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث لان النسبة هي علة اقتران المنتسبين و اتصالهما و ارتباطهما و الا لبطل الاقتران کما قرر في المنطق و التقابل و التضاد و التناقض کلها من اقسام التباين و هو احدي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 45 *»

النسب الاربع التي لايخلو الممکن منها فاذا بطلت النسبة في حقه سبحانه لاستلزامها الاقتران بطل اثبات الوجود الذي يصح و يصدق علي الممکن لله تعالي. و شاذ منهم قالوا بالاشتراک اللفظي حيث منعوا اتحاد الرتبة بين الممکن و الواجب مطلقاً مفهوماً و مصداقاً و هذا ايضاً باطل لا لما ذکروا بل لان الاشتراک اللفظي شرطه وضع اللفظ للمعني المباين و وضع اللفظ لذاته الاقدس مما ثبت امتناعه و قد بسطنا القول في جواب المسائل التي اتانا من مشهد الکاظمين عليهما السلام لعبد الله بيک و حققنا هذه المسألة هناک بما لا مزيد عليه فمن اراد فليرجع اليه فان القلب الآن مشغول و الادراک مخمول لمشاق السفر و کذلک القول في اثبات المباين له تعالي کما سبق و بعضهم کالسيد قطب الدين الشيرازي و غيره قال بالحقيقة و المجاز و نفي الاشتراک مطلقاً في الوجود و الظاهر في غيره ايضاً من الصفات و هذا ايضاً باطل لان الحقيقة و المجاز من احکام اللفظ الموضوع و صفاته فحيث بطل اصل الوضع في الذات سبحانه و تعالي بطل القول في ان تلک الصفات وضعت حقيقة لله تعالي و استعملت في غيره مجازاً و لان المجاز لابد ان يکون بينه و بين الحقيقة علاقة و اي علاقة بين امرين احدهما ممتنع عند الآخر  و لعمري ان السيد اقر و اثبت بالادلة القطعية من العقلية و النقلية بان الله کان و لا شيء معه و الآن علي ما هو عليه کان فاين ذکر الغير فضلاً عن الارتباط و العلاقة و قد ذکرت فساد هذا القول في اللوامع الحسينية علیه السلام علي احسن الوجه الا ان يريد بهما المعنويين و هذا مع انه فاسد ايضاً غير ما نحن فيه فافهم.

فاذا نفيت هذه المعاني عن صفاته تعالي و نزهته عن مشارکة الغير معني و لفظاً و علاقة و ارتباطاً و جعلت صفاته تعالي عين ذاته تعالي من غير فرض مغايرة لا في المفهوم و لا في المصداق الا عند اختلاف الآثار و جعلت هذه الالفاظ تعبيرات عنه تعالي في مقام قول اميرالمؤمنين عليه السلام رجع من الوصف الي الوصف و دام الملک في الملک و عمي القلب عن الفهم و الفهم عن الادراک و الادراک عن الاستنباط و هجم الفحص عن العجز و البلاغ علي الفقد و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 46 *»

 الجهد علي اليأس انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شکله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته الحديث بابي هو  و امي فقد جمع في هذه الکلمات جميع مقامات التوحيد و الموحدين فاذا کان کذلک فانت الموحد لله تعالي في صفاته الذاتية في مقام ذاتک کما وحدت ذاته تعالي فيها و يثبت لک التوحيد الصفاتي و الا فلا و اما الصفات الفعلية فکذلک لا اشتراک بينها و بين الخلايق اي الآثار الصادرة بها (و ظ) اشتراک في مقام الاطلاق لا من باب الاشتراک اللفظي و لا المعنوي بقسميه من التواطي و التشکيک و لا اللفظي لعدم اتحادهما في الوضع و لعدم المباينة لحدوثها بها لان المسبب لا يکون مبايناً لسببه و الا لم يکن کذلک بل الاثر دليل لمؤثره فاين التباين و لا الحقيقة و المجاز الا المعنويين لان علامات الحقيقة و اماراتها في الاحکام اللفظية في کلا المقامين موجودة فلم يبق الّا الحقيقة بعد الحقيقة و هذا باب عظيم في الالفاظ لم يعثر عليه اهل اللغة الظاهرة و انما هو عند اهل اللغة العربية الحقيقية مما عند اهل العصمة عليهم السلام و بهذا ينفتح باب صحة القول بخصوص الوضع و عموم الموضوع له کما اتفقوا علي بطلانه و قد شرحت بعض احوال هذا الباب و مفتاحه في شرح الخطبة الطتنجية في مقام الخطاب الشفاهي و هذا الذي ذکرنا هو الوجه الظاهري في معني التوحيد الصفاتي.

و اما الوجه الحقيقي فهو ان عالم الامکان العمق الاکبر بما فيه من حيث صدوره و حدوثه کله اسم و صفة دالة علي کماله تعالي و جلاله و جماله فان الاسم علي ما قال امير المؤمنين عليه السلام ما انبأ عن المسمي و کل الخلق بفقرهم و حدوثهم منبئون عن توحيده تعالي و قد قال مولانا الرضا عليه السلام في الاسم انه صفة لموصوف و لهذه الجهة قال عليه السلام في حديث عمران الصابي ليس (ليس شيء خ‌ل) الا الله و اسماؤه و صفاته بعد ما قال هناک حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فافهم لحن المقال فان العلم نقطة کثرها الجهال فاذن ليس الا ذاتاً واحدة هي الازل عز و جل و ماسواها کلها صفات افعاله و شؤونات آثاره و اسماء ظهوراته (اسماؤه و ظهوراته خ‌ل) کما في الدعاء

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 47 *»

لا يري فيه نور الا نورک و لا يسمع فيه صوت غير (الا خ‌ل) صوتک فاين الاشتراک في الصفة اذا کان العالم کله صفة و لما کان الشيء يعرف بصفاته لا بذاته الا للعالي لا بغيره (لغيره خ‌ل) قال عز و جل سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق الآية و قال سيد الساجدين عليه السلام في دعاء سحر بک عرفتک و انت دللتني عليک طبقاً  لما قال جده امير المؤمنين عليه السلام في دعاء الصباح يا من دل علي ذاته بذاته و قال عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه، اعرفکم بنفسه اعرفکم بربه و مولانا الحسين عليه السلام شرح هذا المقام بين کلام في قوله عليه السلام في دعاء عرفة الهي امرت (امرتني خ‌ل) بالرجوع الي الآثار فارجعني اليها بکسوة الانوار و هداية الاستبصار حتي ارجع اليک منها کما دخلت اليک منها مصون السر عن النظر اليها و مرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انک علي کل شيء قدير انتهي و معاني هذه الاحاديث کلها متحدة و انما خالفوا بين الالفاظ لينبهوا شيعتهم علي الاسرار و يصونوها عن الاشرار ان في ذلک لعبرة لاولي الابصار و مرجع ما قالوا عليهم السلام في هذه المقامات کلها الي التوحيد الصفاتي.

الثالثة توحيد الافعال و هذا هو الداء العضال و مزال اقدام الرجال و انکر هذا التوحيد طائفة زعماً منهم بانه ينافي الاختيار في افعال العباد مع ان ذلک يحقق الاختيار في المبدأ و المعاد و بيانه علي ما يقرب الي الافهام في رتبة العوام هو ان توحيد (توحد خ‌ل) الله في افعاله بان لا يشارکه احد في فعله و لا يستعين باحد في انشاء خلقه و لا يستشير احداً في ايجاد بريته و لا يستشهد احداً حين فطر اجناس خليقته بل هو سبحانه المستقل في فعله المستبد برايه لايشارک في امره و لايضاد في حکمه و لا يعترض عليه احد في تدبيره و هذا في افعاله الخاصة به تعالي و ان کان لغيره تعالي ايضاً فعل باعانته تعالي و اقداره اياه للفعل کما في الافعال الاختيارية للعباد و هذا علي مذاق العلماء الذين يفرقون بين الذوات و الصفات الذاتية و اللوازم الخارجية و الاسباب الموجبة و الشرايط المتحققة و بين الافعال الصادرة الاختيارية لا ما هي بغيره کحرکة يد المرتعش

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 48 *»

و وقوع المتردي عن السطح و فعل النائم و الناسي و الساهي و امثالها من الافعال فانها کلها لا مدخلية للاختيار فيها و يختص بها الله سبحانه فاثبتوا الاضطرار في ما سوي الافعال الصادرة علي نحو الشعور الذي يفهمون و يفهمه العوام ظاهر  واضح لا اشکال فيه و اما علي مذاق من صدق الله سبحانه في قوله تعالي و ما امرنا الّا واحدة و ما خلقکم و لا بعثکم الّا کنفس واحدة الآية و ما تري في خلق الرحمن من تفاوت، قل الله خالق کل شيء و اروني ماذا خلقوا من الارض و امثالها من الآيات و صدقوا اولياءه المعصومين عليهم السلام في قولهم ليس لنا من الامر  الا ما قضيت و لا من الخير الّا ما حکمت و لا يکون شيء في الارض و لا في السماء الا بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و کتاب فمن قدر علي نقض واحدة منها فقد کفر و في رواية فقد اشرک و في الحديث القدسي انا الله الذي لا اله الّا انا خلقت الخير فطوبي لمن اجريته علي يديه و انا الله الذي لا اله الا انا خلقت الشر فويل لمن اجريته علي يديه و امثالها من الروايات فلم يفرقوا بين الافعال و الذوات و الصفات و الکينونات مع مقاماتها من ساير اللوازم و الشرايط و ساير المتممات و المکملات و کلها انما اجري بفعله سبحانه علي امر محکم و وضع (صنع خ‌ل) متقن بما لا يؤدي الي الاضطرار فاعطي سبحانه الاشياء ما طلبوا منه بالسنة الاستعدادات و تلک الاستعدادات انما تقومت بنور فيضه و فعله عند خلق الکاينات فلا قدم للقابليات و لا حدوث للاشياء الا بها فالاشياء انما تکونت علي جهة الاطلاق من امره کن و اختياراتها و قابلياتها انما نشأت عند فيکون قال تعالي انما امره اذا اراد شيئاً ان يقول له کن فيکون و قال تعالي و ما تشاءون الا ان يشاء الله فاختلاف الاشياء بمشياتها الاختيارية و هي القابليات و هي انما تقومت بالمقبولات و هي متقومة بفعله تعالي فالافعال کلها منتسبة اليه تعالي بـکن فيکون و ذلک سر الامر بين الامرين و بيان حقيقة هذه المسألة علي ما يکشف القناع عن وجه المرام مما ابي الله الا کتمانه لعدم تحمله العقول و لذا قال اميرالمؤمنين عليه السلام لما سئل عن ذلک بحر عميق فلا تلجه و سئل ثانية قال

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 49 *»

عليه السلام طريق مظلم فلا تسلکه و سئل ثالثة قال عليه السلام سر الله فلا تهتکه و قال الصادق عليه السلام لا جبر و لا قدر بل منزلة بينهما اوسع ما بين السماء و الارض لا يعلمها الا العالم او من علّمه العالم انتهي فلو قدر الله المشافهة و الملاقاة لالقيت اليک من هذا الامر (الدر خ‌ل) المکنون و السر المصون ما تطمئن به القلوب و تقر به العيون نعم ربما يحصل ذلک بالکتابة لکنه يحتاج الي بسط مقدمات کثيرة و ذکر اشياء ربما يؤدي الي ذکر ما لا ينبغي سيما في السفر  و اثناء المنازل مع کمال اختلال البال و اغتشاش الاحوال و لو نظرت في الاخبار و تأملت في الآثار المروية عن الائمة الاطهار عليهم سلام الله المختار في آناء الليل و اطراف النهار رأيت انهم عليهم السلام ماعظموا امر مسألة من المسائل في دقتها و خفائها و غموضها مثل ما عظموا امر هذه المسألة حتي قال امير المؤمنين عليه السلام ان القدر سر من سر الله و ستر من ستر الله و حرز من حرز الله و امر من امر الله مختوم بخاتم موضوع من العباد علمه رفعه الله فوق شهاداتهم و مبلغ عقولهم لانهم لا ينالونه بحقيقة الصمدانية و لا بعزة الفردانية بحر عميق مظلم کالليل الدامس کثير الحيات و الحيتان يعلو مرة و يسفل اخري في قعره شمس تضيء لا ينبغي ان يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملکه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من الله و مأويه جهنم و بئس المصير انتهي انظر کيف صرح بالامر و قوله لا يعلمها الا الله ليس المراد انه لا يمکن لاحد الوصول اليها بل المراد انه لا يمکن لاحد الوصول اليها الا بتعليم خاص و عناية خاصة زايدة عما هي عامة للخلق لا تنال الا بالاخلاص في طاعته و الاقبال الکلي عليه کما قال عز ذکره و اتقوا الله و يعلمکم الله و قال و لما بلغ اشده و استوي آتيناه حکماً و علماً و کذلک نجزي المحسنين فاذا قلت ان الماهية ليست بمجعولة و انما هي اعيان ثابتة في الازل اقتضت ذاتياتها من النور و الظلمة و الخير و الشر و السعادة و الشقاوة و الذاتي لا يعلل و ان الله لم يجعل المشمش مشمشاً بل جعله موجوداً و ان الشرور اعدام لا وجود لها و ان الامکان لا وجود له و لا تعلق به جعل و امثالها من الامور الواهية ما وحدت الله في افعاله

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 50 *»

و ما صدقته في اقواله بل انسب الذوات و الصفات و القابليات کلها الي فعله تعالي و ايجاده بسر الامر بين الامرين کما اشرت الي نوع الامر فيه فافهم و انظر الي الشمس و اشراقاتها و الرجل و کلماته و الفاظه و ساير آثاره من الآثار القلبية و الصدرية و الجسدية تري الامر  واضحاً ظاهراً مشروحاً و تلک من الامثال التي ضربها الله للناس و ما يعقلها الا العالمون.

الرابعة توحيد العبادة کما قال عز و جل فمن کان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لا يشرک بعبادة ربه احداً و هذا التوحيد بان لا تري لشيء تذوتاً و تحققاً و استقلالاً سواه تعالي فلا تخاف من احد و لا ترجو احداً و لا تعدل بالله احداً فانک اذا توجهت الي شيء فهو معبودک کما في الحديث کل ما يشغلک عن الله فهو صنمک و قال الصادق عليه السلام من استمع الي ناطق فقد عبده فان کان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله و ان کان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان انتهي و جامع الامر في هذا المقام هو ان المعبود يجب ان يکون هو المستقل الثابت الدائم الذي کل شيء يستقهر  و يضمحل دون جلال عظمته و کبريائه و بهائه اذ لو کان احد اعظم منه تأبي النفس عن التوجه الي الادني الاسفل مع وجود الاعلي الافضل و لا ريب ان الشيء حين توجهه و التفاته الي الاعلي لايلتفت الي الاسفل و الّا ليس بعاقل بل و لا ذي شعور بل لا يمکن ذلک فاذا اعتقد في حق شيء انه الاعلي مع حضوره عنده يستحيل ان يتوجه الي الاسفل فاذا رأيت الرجل يتوجه الي الاسفل مع وجود الاعلي فحينئذ قد جعل الاسفل اعلي حتي محا ظهوره ظهور الاعلي و جعل الاعلي اسفل حتي يرجح الالتفات اليه علي الالتفات الي الاعلي و هذا يکون في نظره و اعتقاده او عمله و الا فلا يکون الاعلي اسفل و لا الاسفل اعلي في الواقع فاذا نظر الي الاسفل جعله مقصوداً و معبوداً اذ لو کان عنده من هو  اعلي منه لما ساغ النظر الي هذا الاسفل بل لمنع ظهور الاعلي من مشاهدة ذلک الاسفل فان کان نظره دائماً الي الاسفل فهذا کافر  و ان کان مرة الي الاعلي و مرة الي الاسفل فهو مشرک فالفقر الذي هو سواد الوجه في الدارين هو من الاول و کاد الفقر ان يکون کفراً من الثاني

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 51 *»

فالعصاة کلهم مشرکون في هذا التوحيد و لان العاصي تابع لهواه و مخالف لامر مولاه و هو قوله تعالي أ فرأيت من اتخذ الهه هويٰه لانه جعل هواه معادلاً معه تعالي بل ربما ارجح حتي اختار و آثر ارادته علي ارادة الله نعوذ بالله و نستغفر الله و هذه المعصية لها مراتب بحسب الرقة و الغلظة و الکبر  و الصغر حتي يؤول الي ما قال صلي الله عليه و اله و ان الشرک في هذه الامة له دبيب اخفي من دبيب النملة السوداء علي الصخرة الصماء في الليلة الظلماء و مراتب هذا التوحيد و هذا الشرک کثيرة لا نهاية لها و لو اردنا شرح اکثر کلياتها ما وسعنا المقام الا اني ابين لک ما يجمعها کلها بجميع مراتبها في ثلاث مراتب:

المرتبة الاولي توحيد العوام و هو التوجه الي المعبود الحق تبارک و تعالي بفعل الامر الوجوبي و ترک النهي التحريمي في کل الافعال و الاقوال و الحرکات و السکنات کما قال عليه السلام في معني الذاکرين الله کثيراً و الذاکرات ان الذکر ليس هو قول سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله و الله اکبر بل الذکر  ان تذکر الله حال الطاعة فتفعلها و حال المعصية فتترکها هـ  و لذا يخرج الشخص حال المعصية عن الايمان کما قال عليه السلام لا يزني الزاني و هو مؤمن و لا يسرق السارق و هو مؤمن و يدخل في حد الشرک من شرک العبادة علي المعني الخاص لا علي المعني العام کما جعلوا الاصنام الظاهرية و الباطنية شرکاء لله و اوجبوا العبادة لها معه تعالي.

المرتبة الثانية توحيد الخواص و هو التوجه الي المعبود الحق سبحانه و تعالي بفعل الامر التکميلي و ترک النهي التنزيهي و هؤلاء اولوا الالباب الذين عرفوا الماء من السراب و المراد بالامر التکميلي المستحبات و النهي التنزيهي المکروهات فان العبد ليس طاعته و عبادته لله عز و جل لاجل طمع في الجنة و لا خوف من النار و انما هي طلباً  لرضاه و حذراً عما ينافي محبته و رضاه و لا شک ان المستحبات فيها رضاه تعالي و المکروهات ليس فيها رضاه تعالي فاذا ترکها و فعلها مع امر الله عز و جل و رفع الموانع فقد آثر شهوة نفسه و انيّته الملعونة علي رضاه تعالي و محبته فقد اتخذ الهه هويٰه و اضله الله علي علم و ختم علي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 52 *»

سمعه و بصره و جعل علي بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله اللهم اهدنا بهدايتک و افتح مسامع قلوبنا بنورک يا نور النور و يا مدبر الامور.

المرتبة الثالثة توحيد اخص الخواص و هم الخصيصون و هم اولوا الحقيقة و الاقطاب و هو التوجه الي المعبود الحق سبحانه و تعالي بل ما ذکر  في المرتبتين المتقدمتين و بترک المباحات التي لم يرد فيها امر و لا نهي و ورد انها مباحة لکم کما قال عليه السلام کل شيء لکم مطلق حتي يرد فيه امر او نهي انتهي و هو قوله عليه السلام في حق هؤلاء الابرار يدعون ما لا بأس به حذراً عن الوقوع في ما فيه بأس بل بترک الامور التي فيها محبة للهوي و النفس لانهم قطعوا اعتبار انفسهم و مشاهدة هويتهم و ملاحظة انيتهم و اندکت شهواتهم و بطلت و اضمحلت اراداتهم في ارادته سبحانه و مشيتهم في مشيته تعالي فمنهم من لا ارادة لهم و هم الاعلون و منهم من ارادتهم تابعة لارادته تعالي و هم المعنيون من قوله عز و جل و ما تشاؤن الا ان يشاء الله و بحفظ السر عن النظر الي السوي و مشاهدة غير الله فقد امتثلوا امره تعالي و لا يلتفت منکم احد و امضوا حيث تؤمرون فلا يخطر ببالهم و لا في خاطرهم شيء سوي نور عظمته تعالي و بهاء قدرته فاستظلوا بظل التوحيد و اووا الي الکهف (کهف ظ) التفريد و التنزيه و لهم قال عز و جل في التأويل و اذ اعتزلتموهم و ما يعبدون الا الله فأووا الي الکهف ينشر لکم ربکم من رحمته و يهييء لکم من امرکم مرفقاً و الشرک في هذه المرتبة مقابلات ما ذکرنا و ما نال هذه الدرجة من التوحيد علي الحقيقة و الواقع باکمل الوجود و اعلاها و اشرف الدرجات و اقصاها الّا محمد و اهل بيته الاربعة عشر المعصومون قصبة الياقوت و حجاب اللاهوت و سلاطين الملک و الملکوت صلي الله عليهم اجمعين و الصراط موضوع علي مقتضي هذا التوحيد و هو قوله عليه السلام ان علي الصراط عقبات کؤد لا يقطعها بسهولة الّا محمد و اهل بيته الطاهرون ثم بعدهم عليهم السلام نالوا هذه الدرجة من التوحيد الانبياء المرسلون المعصومون عليهم السلام علي تفاوت درجاتهم فلذا اختلفوا باولي العزم و غيرهم و کان يصدر منهم بعض الهفوات من ترک الاولي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 53 *»

ثم بعدهم اخص الخواص من الشيعة المخلصين و هم القائلون علي الحقيقة و ان کل معبود مما دون عرشک الي قرار ارضک السابعة السفلي باطل مضمحل ما خلا وجهک الکريم فلا يلتفتون طمعاً و خوفاً و رغبة و رهبة الا اليه وحده لا شريک له و هم الذين يعمرون مساجد الله و المساجد هم الائمة عليهم السلام و تعميرهم احياء امرهم و ذکرهم و ارشاد هدايتهم و دلائلهم و قد قال عز و جل انما يعمر مساجد الله من آمن بالله و اليوم الاخر و اقام الصلوة و آتي الزکوة و لم يخش الا الله فعسي اولئک ان يکونوا من المهتدين و شرح احوال هؤلاء طويل و هذه الاشارة کافية لاولي الدراية و هذه مجمل مراتب توحيد العبادة و الموحدين لله تعالي فيها انظر  في نفسک هل انت منهم ام لا فاذا کنت منهم فانظر  في اي درجة منها فکن طالباً في الناس اعلي المراتب.

و اعلم ان اهل الدرجة الاولي قد خلصوا من الشرک الجلي و الثانية من الشرک الخفي و الثالثة من الشرک مطلقاً من الجلي و الخفي و الاخفي و الممادح القرآنية و مذامها کلها تجري علي اهل هذه المراتب علي تفاوت درجاتها و تعدد مقاماتها و هذه المقامات التي ذکرناها کلها مراتب اهل الحق الذين ظاهر دعواهم التمسک بالعروة الوثقي لا انفصام لها و ليسوا (ليس خ‌ل) هؤلاء ممن قال عز و جل ان الله لا يغفر ان يشرک به و ان کان باب التأويل واسع و حکم التنزيل جامع.

و اما مقامات اهل الباطل من المنکرين للاوصياء عليهم الصلوة و السلام او الوصي المطلق امير المؤمنين عليه السلام او انکار منکر حق بعد ثبوته و وضوحه لديه او منکر الانبياء عليهم السلام او منکر البعث و النشور فقد ترکنا ذکرها للوضوح و الظهور و انما الاشکال في الشرک الموجود عند هؤلاء فقد اشرت اليه لتنبيه الغافل  و تيقیظ الجاهل و تذکرة للنفس الميالة الي الباطل و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل.

و اعلم ان من اعظم الشرک في العبادة ما يأمر الصوفية مريديهم بان يمثلوا صورة المرشد في خيالهم و يقصروا نظرهم عليها و لا يلتفتوا الي غيرها و لا ينظروا الي سواها ليجعل ذلک کل الهموم هماً واحداً و يقربهم الي عالم

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 54 *»

الوحدة ثم بعد ذلک يصرفون نظرهم عن تلک الصورة و يتوجهون الي الله عز و جل فان تلک الصورة التي يقصرون نظرهم عليها هل هي دليلهم الي الله عز و جل يعني يتوجهون الي الله تعالي بتلک الصورة‌ المحدودة فان ذلک کفر فان وجه الله لا کيف له و لا حد و الا کان لله حد و کيف تعالي عن ذلک علواً کبيراً و قد قال في الدعاء و مقاماتک التي لا تعطيل لها في کل مکان يعرفک بها من عرفک لا فرق بينک و بينها الّا انهم عبادک و خلقک الدعاء فاذا کان هذا حال الوجه و آية المعرفة فکيف تکون تلک الصورة وجهاً فاذا لم تکن وجهاً کانت شاغلة فکانت صنمک لقوله عليه السلام کل شيء يشغلک عن الله فهو صنمک و هي و ان کانت تجعل الهموم هماً واحداً الا ان ذلک اغلظ الحجب و اکثفها قد يحصل للشخص ان يقطع عن تلک الهموم لعدم ثباتها بدليل اختلافها و لا يمکنه قطع تلک الصورة لثباتها و رسوخها فکان الرجل في مدة عمره يعبد الوثن و هو يريد التوجه الي الله بواسطته کما قالوا ما نعبدهم الّا ليقربونا الي الله زلفي و لقد کذبهم الله في دعويهم و ابان عن غيهم و افترائهم بقوله الحق و ان منهم لفريقاً يلوون السنتهم بالکتاب لتحسبوه من الکتاب و ما هو من الکتاب و يقولون هو من عند الله و ما هو من عند الله و يقولون علي الله الکذب و هم يعلمون ما کان لبشر  ان يؤتيه الله الکتاب و الحکم و النبوة ثم يقول للناس کونوا عباداً  لي من دون الله ولکن کونوا ربانيين الي ان قال تعالي أ يأمرکم بالکفر بعد اذ انتم مسلمون انظر الي هذه الکلمات کيف صرح بکفر هؤلاء في اتخاذهم تلک الصورة معبوداً من دون الله و قد بيّن الامام الصادق عليه السلام کفرهم بعد تسليم اقصي ما عندهم من الحجة من انها الطريق و السبيل الي الله تعالي قال عليه السلام من عبد الاسم دون المسمي فقد کفر و لم يعبد شيئاً و من عبد المسمي و الاسم معاً فقد اشرک و من عبد المسمي دون الاسم فذاک التوحيد الحديث يعني هب ان تلک الصورة سبيل لا تکون اقرب من الاسم فتکون اسماً اذ هو المتمحض في الدلالة و حالة الاسم کما ذکر عليه السلام و قد شرحنا هذا الحديث في اجوبة مسائل اتانا من جبل عامل و بالجملة فالکلام في ذکر

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 55 *»

مخازي هذه الطائفة الملعونة کثير و الاعراض عنه اولي و الاشارة کافية لمن طلب الهداية.

و هذه المراتب الاربع هي مراتب التوحيد المشهورة و القسم الاخر اي مراتبه بحسب الموحد بکسر الحاء و ان کانت لا حد لها لان الطرق الي الله بعدد انفاس الخلايق الا ان کلياتها تجمعها مرتبتان الاولي التوحيد الذاتي الثانية التوحيد الصفاتي و المراد بالاولي توحيده تعالي علي ما هو عليه في عز جلاله و قدسه و ذاته و هذا هو قوله تعالي شهد الله انه لا اله الّا هو و هذا التوحيد مختص بذاته المقدسة سبحانه و تعالي لا يشارکه فيه احد و لا يصل اليه مخلوق و کل الخلق عاجزون عن الوصول اليه بل معدومون و ممتنعون عند ظهور جلال تلک العظمة و الي تلک الرتبة يشير ما قال سيدنا و نبينا صلي الله عليه و اله ما عرفناک حق معرفتک فاذا عجز عن نيلها اشرف الخلق فساير الخلق عن نيلها و ادراکها اعجز فلا يصل اليها احد سواء بقي الحدود و التعين او نزعها فان بنزع الحدود يلوح الرسم و الاسم لا الحقيقة و العين و ما قالوا في هذا المقام من الامور المبنية علي مذهب القائلين بوحدة الوجود فساقط عن درجة الاعتبار و لايلتفت اليها اهل الاعتبار من الاخيار الابرار فذرهم يخوضوا و يلعبوا حتي يلاقوا يومهم الذي يوعدون.

و المراد بالتوحيد الصفاتي هو ما وصف الله تعالي نفسه لعباده و توجه الخلق اليه تعالي بذلک الوجه الذي کل شيء هالک سواه و هو النقش الفهوائي و الخطاب الشفاهي و هو قوله تعالي لعباده انني انا الله لا اله الّا انا کما قال لموسي عليه السلام و لکل شيء فکل الخلق صدي ذلک الصوت و توجههم الي ذلک الرسم و نداؤهم بذلک الاسم و لما کان الخلق في نزولهم حصلت لهم مقامات سفليه و علوية ظهر سرّ ذلک التوحيد الاسمي الرسمي الوصفي في کل مقام علي حسب ذلک المقام و لما کان کليات مقاماتهم تنحصر بظهور القبضات العشر التي خلق منها کونه و وجوده مشروح العلل مبين الاسباب کانت مراتب ظهورات التوحيد ايضاً تختلف بعشر  مراتب عند وقوف العبد في کل مقام و مرتبة:

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 56 *»

الاولي ظهور التوحيد في مقام القلب و هو المعبر عنه بأنا و في هذا المقام تجلي له نور الکبرياء و العظمة تحت حجاب القدس و هو مقام أ يکون لغيرک من الظهور ما ليس لک حتي يکون هو المظهر لک و مقام تعرفت اليّ في کل شيء فرأيتک ظاهراً في کل شيء و مقام و ان کل معبود مما دون عرشک الي قرار ارضيک السابعة السفلي باطل مضمحل ما عدا وجهک الکريم و هو في هذا المقام يسبح مع حملة‌ العرش في مقام هو معهم فوق العرش و في مقام هو معهم في العرش و في الثالث هو معهم تحت العرش.

و لکل رأيت منهم مقاماً                                شرحه في الکتاب مما يطول

الثانية ظهور التوحيد في مقام الصدر و هو مقام النفس و في هذا المقام تجلي له نور العظمة تحت حجاب القدرة و هو حينئذ يسبح مع الملائکة الواقفين في الکرسي فاصحاب النفس الکاملة و المرضية هم الواقفون فوق الکرسي في مقام ما رأيت شيئاً الا و رأيت الله قبله و اصحاب النفس الراضية هم الواقفون في الکرسي في مقام ما رأيت شيئاً الا و رأيت الله معه و اصحاب النفس المطمئنة هم الواقفون تحت الکرسي في مقام ما رأيت شيئاً الا و رأيت الله بعده.

الثالثة ظهوره في مقام العقل و في هذا المقام تجلي له نور العظمة تحت حجاب العزة و هو حينئذ يسبح مع الملائکة الواقفين في فلک العقل اي افرودوس فاصحاب العقل المرتفع فوق افرودوس في مقام لا يري فيه نور الا نورک و لا يسمع فيه صوت الا صوتک و اصحاب العقل المستوي فيه في مقام من عرف نفسه بالعجز  عرف ربه بالقدرة و من عرف نفسه بالفقر عرف نفسه بالغني و من عرف نفسه بالفناء عرف ربه بالبقاء و هکذا و اصحاب العقل المنخفض تحت افرودوس في مقام اثبات التوحيد و معرفة الصفات بدليل الموعظة الحسنة الواقفون مقام اليقين اي عين اليقين في مقام المستوي و طرفيه في طرفيه کما سبق.

الرابعة ظهور التوحيد في مقام العلم و في هذا المقام تجلي له نور العظمة تحت حجاب العظمة و هو حينئذ يسبح الله مع الملائکة الواقفين في السماء

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 57 *»

السادسة فاصحاب علوم لب اللب و هم اصحاب الوبر في مقام القشر و هو ظاهر الجلد فوقها في مقام اثبات التوحيد بالبرهان المرکب عن (من خ‌ل) المقدمات اليقينية التي تنتهي الي البديهيات بحيث لا يختلف صاحبها و لا يزول عما هو عليه بوجه ابداً و هو کالجبل لا تحرکه العواصف و لا تزيله القواصف و اصحاب علوم اللب في مقام (القشر فيها في مقام خ‌ل) البرهان القطعي (القطع خ‌ل) لکن يزول عنه صاحبه احياناً و اصحاب (اصحاب علوم خ‌ل) القشر في مقام (مقام القشر خ‌ل) و هم اصحاب الشعر تحتها في مقام البرهان القطعي لکن يزول عنه صاحبه دائماً و هو کرائي الشبح عن بعيد.

الخامسة ظهور التوحيد في مقام الهمة و في هذا المقام تجلي له الجبار تحت حجاب القهر و الغلبة و هو حينئذ يسبح الله سبحانه مع الملائکة الواقفين في السماء الخامسة فاصحاب الهمة العليا فوقها يستمدون من نور العقل المرتفع من فاضل ما ظهر له من تجلي الاسماء عند ظهور التوحيد حرفاً بحرف الا ان له الاصل و لهؤلاء الفرع و اصحاب الهمة الوسطي في السماء يستمدون من نور العقل المستوي و اصحاب الهمة الادني (الدنیا ظ) يستمدون من نور العقل المنخفض کما سبق علي ما سبق.

السادسة ظهور التوحيد في عالم الوجود و مقام الشهود و اول ظهور اسم المعبود و في هذا المقام تجلي له نور العظمة تحت حجاب الجمال و هو حينئذ يسبح مع الملائکة الطائفين حول البيت المعمور فاصحاب الوجود الشريف اللطيف يستمدون من نور القلب فوق العرش و فوق سطح البيت المعمور و اصحاب الوسط يستمدون من نوره في العرش في البيت المعمور و اصحاب الاکثف الاسفل يستمدون من نوره في اسفل البيت المعمور و ظهور التوحيد لهؤلاء کما لاولئک الا ان لهم الاصل و لهؤلاء الفرع علي ما قلنا.

السابعة ظهور التوحيد في عالم الخيال و رتبة المثال و مقام الوصال و الاتصال و في هذا المقام تجلي له نور العظمة تحت حجاب الجلال و هو حینئذ يسبح الله مع الملائکة الواقفين في السماء الثالثة فاصحاب المثال الاعلي فوقها

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 58 *»

يستمدون من نور علم لب اللب في کل ما له و به و منه و عليه و اليه فوقها و علي هذا القياس ساير المراتب و المقامات کما تقدم مجملاً.

الثامنة ظهور التوحيد في مقام الفکرة و في هذا المقام تجلي له نور العظمة تحت حجاب الفخر و هو حينئذ يسبح الله مع الملائکة الواقفين في السماء الثانية و اصحاب هذا العالم لهم ميولات و اهواء و مناسبات مع کل العوالم المذکورة المتقدمة بمراتبهم الثلاثة فمرة تظهر  لهم اسرار التوحيد من نور القلب و مرة من نور الصدر بمراتبهما الثلاثة و مرة من نور العلم کذلک و مرة من المختلط من المجموع فيحصل لهم ظهور آخر و شرح تلک الاحوال يقتضي بسطاً في المقال و ليس لي الان ذلک الاقبال و الاشارة کافية للفطن المفضال و الله خليفتي عليک في کل حال.

التاسعة ظهور التوحيد في عالم الحيوة و في هذا المقام تجلي له نور العظمة تحت حجاب المجد و هو حينئذ يسبح الله مع الملائکة الواقفين في السماء الاولي سماء الدنيا و استمداد اهل هذا العالم بمراتبهم الثلاثة من اصحاب الحيوة الصرفة التي هي فوقها في جوزهرها و اصحاب الحيوة المتوسطة في حاملها و اصحاب الحيوة المستوية (المشوبة خ‌ل) بالممات تحتها انما هو من الکرسي بمراتبه الثلاثة عند ظهور التوحيد له فيها فيظهر لهؤلاء منها علي التفصيل و الفرق في الاصالة و التبعية.

العاشرة ظهور التوحيد في عالم الجسد و في هذا المقام تجلي له نور العظمة تحت حجاب الکبرياء و هو حينئذ يسبح الله مع الملائکة الواقفين في عالم الملک فاصحاب الجسد الاخروي فوق هذا العالم في مقام الهي امرتني بالرجوع الي الاثار فارجعني اليها بکسوة الانوار و هداية الاستبصار حتي ارجع اليک منها و اصحاب الجسد البرزخي في ذلک العالم في مقام عليکم بدين العجايز و اصحاب الجسد الدنيوي في مقام قولوا لا اله الا الله تفلحوا. و هذه المراتب عشر مراتب يظهر التوحيد في کل مقام غير

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 59 *»

ما يظهر في المقام الاخر  و الکل يوحدونه تبارک و تعالي في الذات و الصفات و الافعال و العبادة.

و هنا مرتبة اخري في التوحيد و هي اصلها و منشأها و مبدؤها و هي منها تحققت و تأصلت و اليها تعود بالکمال و هي (ذلک خ‌ل) ظهور التوحيد في مقام الفؤاد و اول المداد و وجه الاستمداد و اصل الاستعداد و ذلک احد عشر  مقاماً بعدد قوي هو  و هي ميادين التوحيد و في مقام الفؤاد مقامات عديدة و مراتب کثيرة و للکلام فيها مجال اقلها کغيرها ثلاثة و الا فهي تزيد علي العشرة فمجموع هذه المراتب ثلاثة و ثلاثون و هي مقامات التوحيد و في کل مرتبة اربع مراتب من التوحيد کتوحيد الذات و الصفات و الافعال و العبادة و المجموع مائة و اثنان و ثلاثون مرتبة و هذه مراتب التوحيد لکل احد.

ثم في السلسلة الطولية في کل مقام تتحقق هذه المراتب و هي ثمانية الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و اله و حجاب الکروبيين الذي تحته الانبياء و المرسلون و الاوصياء المرضيون و الصفوة المنتجبون و اصحاب النفوس الناطقة القدسية دون الملکوتية الالهية و الجان الذين خلقوا من مارج من نار و هم القوي النيرانية الصافية المنبعثة من المرة الصفراء في الحضرة الانسانية و لهم النفس الناطقة الظلية لا القدسية و ان کانت فهي من باب الحقيقة بعد الحقيقة.

و الملائکة الملأ  الاعلي الجزئية صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت و القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و هم حملة ظهورات الاختراع الي القوابل و الاستعدادات من الظهورات الخاصة في الاحکام الجزئية الشخصية و هم في هذا المقام ينقسمون الي کلي و جزئي و الکلي هم الاربعة حملة العرش اي جبرئيل الحامل لرکن (للرکن ظ) الايسر  الاسفل و عزرائيل الحامل للرکن الايسر  الاعلي و ميکائيل الحامل للرکن الاسفل الايمن و اسرافيل الحامل للرکن الايمن الاعلي من العرش و غيرهم من اعوانهم و خدامهم و مواليهم و هم بين کلي و جزئي فمن الملائکة من اذا صبت مياه بحور السموات و الارضين في

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 60 *»

نقرة ابهامه وسعتها و منهم من بين کتفيه الي شحمة اذنيه مسيرة خمسمائة عام و منهم من رأسه فوق السماء السابعة و رجلاه تحت الارض السابعة السفلي و له جناحان احداهما ملأت المشرق و الاخري ملأت المغرب و منهم من لو اجتمعوا الف منهم ما قدروا علي حمل باقة بقل و فيهم تفاصيل و احکام کثيرة لا يسعني الان ذکرها و الاشارة کافية لاهلها.

و اصحاب النفوس الحاسة الفلکية فهم بين قوي مجردة او ظاهرة في الاجسام البسيطة المجردة عن المواد الجسمية کالافلاک و قواها و کواکبها و قراناتها و اوضاعها و الذوات المتأصلة المتحققة منها و بين قوي ظاهرة في الاجسام الفلکية المتنزلة في الاجسام و الاجساد العنصرية و هؤلاء ما ظهروا و ما وجدوا في هذه الدنيا الا منکسة الرؤس لادبارهم عن مبدئهم و وقوفهم تحت حجاب الکثرة التي ثقلتهم و مالت بهم الي الارض و هو قوله تعالي و لو شئنا لرفعناه بها ولکنه اخلد الي الارض و اتبع هواه فمثله کمثل الکلب ان تحمل عليه يلهث او تترکه يلهث فافهم الاشارة باخصر العبارة و هؤلاء بين من غلبت عليهم القوي النارية کالطيور النارية کسمندر و الطاوس و الصقار و امثالها و بين من غلبت عليهم القوي الهوائية کساير الطيور و بين من غلبت عليهم القوي المائية کالحيوانات البحرية و بين من غلبت عليهم القوي الترابية کالحيوانات البرية و لهم تفاصيل اخر لايناسب المقام لذکرها.

و اصحاب النفوس النامية النباتية القوي الظاهرة من ايتلاف القوي العنصرية و هولاء بين صاعد الجو لقوة الحرارة النارية و بين واقع علي الارض لقوة اليبوسة و البرودة الترابية و بين عال شامخ و هابط سافل و المتوسط بينهما و بين ما لا يثمر  لقلة النضج البالغ و قوة القوي في الاعتدال فما ظهر فيه سر الربوبية المناسبة لمقامه و بين ما يثمر  لتحقق النضج بقوة الحرارة‌ الغريزية حتي حکت مظاهر الالهية و الربوبية بسر  الولاية فاظهر کل ما اودع الولي فيه من سر الاسماء الالهية و السمات الغيبية فاختلفت الثمار لاختلاف الاسماء و ذلک الاختلاف لاختلاف ميولات تلک القوي الي صاحب الولاية الکلية فافهم فان البيان بعثر اللسان و لا يجوز کشف

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 61 *»

الحقيقة لمن ليس له عينان.

و الجمادات و هم الاموات و معدوموا الاسماء و الصفات اموات غير احياء و ما يشعرون ايان يبعثون و لماکان الموت ضد الحيوة و کل شيء مرکب من الضدين فصار فيهم من الحيوة الضعيفة مقدار ما يمسکهم و يؤدوا بها تکليفهم و لماکان کل موت لا بد له ان يرجع الي الحيوة و يختم بها فلا بد ان يکون لهم بعث اما في هذه الدنيا و ذلک بعلاجات اهل الصناعة الفلسفية من انحاء التقطير و التعفين کما قال تعالي حکاية عن ابراهيم عليه السلام رب ارني کيف تحيي الموتي قال ا و لم تؤمن قال بلي و لکن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليک ثم اجعل علي کل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينک سعياً و هذا هو ذلک العلاج او بالعلاج الاکبر الذي يقع في العالم عند تبدل الارض غير الارض و السموات من انحاء الکسر و الصوغ و قوة الحرارة المذهبة للاعراض المزيلة للاوساخ فيرجع کل شيء الي اصله بکمال الصفاء من الحيوة و هو قوله عز و جل و ان الدار الاخرة لهي الحيوان لو کانوا يعلمون.

و هذه ثماني مراتب في السلسلة الطولية و في کل مرتبة خمس مراتب و هي ميادين التوحيد من مقامات الکلمة و الدلالة فالاولي مقام الباطن و الثانية مقام الباطن من حيث هو باطن في الالف و الثالثة مقام الظاهر في الحروف العاليات و الرابعة مقام الظاهر من حيث هو ظاهر في الکلمة التامة و الخامسة الظهور في الدلالة و هذه المقامات الخمسة لکل من وجد بـ کن فيکون و کلمة کن ظهرت باثرها و نورها و ظلها في الکل ففي الکل هذه المراتب و هي المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في کل مکان بالاضافة الي کل مذروء و مخلوق فبملاحظة هذه الخمسة في الثمانية یتحقق اربعون مقاماً و هي مراتب التوحيد في السلسلة الطولية و لکل من هذه المقامات حسب ملاحظة السلسلة العرضية مائة و اثنان و ثلاثون مقاماً فيکون مجموع المقامات و المراتب في السلسلتين خمسة آلاف و مائتين و ثمانين مرتبة و لکل مقام اهل يوحدون (یوحدونه ظ) و يسبحونه و يمجدونه و يثنون عليه بسبعين الف لغة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 62 *»

و لکل رأيت منهم مقاماً                شرحه في الکتاب مما يطول

هذا جواب ما سألت من (عن خ‌ل) مراتب التوحيد.

و اما ما يحصل لک به الخضوع فکما ذکرنا و اشرنا في توحيد العبادة لانه اقصي ما يقال في هذا المقام و اعلم ان الموحد هو الانسان و المشرک هو الشيطان و صورة الانسان هيئة الاستقامة و هيئة النور و الکرامة و هي طينة عليين و صورة الشيطان هيئة الاعوجاج و هيئة الدواب و البهائم و الحشرات و ساير الحيوانات من السباع الضاريات و هي صورة‌ النار و من النار و اليها لانها طينة سجين و ورقة شجرة الزقوم التي طلعها کأنه رؤوس الشياطين و هو (هي خ‌ل) طعام الاثيم کالمهل يغلي في البطون کغلي الحميم استجير بالله من النار و صورة الانسان هي هيئة الصلوة لان الصلوة المعروفة هي هيئة الولاية و الولاية هي مجمع کل الخضوع و التذلل فکانت الصلوة جامعة لجميع مراتب الخضوع و الخشوع بحذافيرها و لذا (لما خ‌ل) کانت عمود الدين ان قبلت قبلت ماسواها و ان ردت ردت ماسواها فالنية هي عقد القلب بالرِقّية و العبودية و طلب التقرب الي الله سبحانه في کل غدوة (غداة خ‌ل) و عشية و هي اول ظهور المراتب الانسانية و التکبير استشعار کبرياء الله و عظمته و الدخول في حصن رعايته و منع نفسه عن کل ما يخالف محبته و ينافي ارادته و لذا سمي بتکبيرة الاحرام لان المصلي يحرم علي نفسه بالتکبير فعل جميع المنافيات و القيام هو القيام بخدمة الله سبحانه و اظهار مقتضي عبوديته فان العبد ما يقوم بخدمة مولاه و لايعدل عنه الي سواه لان العبودية هي فعل ما يرضي الله و لذا وجب الانتصاب فانه اقرب الي الخدمة من القعود و انه لابد ان يقوم ثم يذهب الي الخدمة و القائم اسرع فيه من القاعد و هو معلوم و القراءة هي لوح الثناء علي الله سبحانه و الاقرار بذلة عبوديته و القيام بخدمته و انما وجبت ان تکون قرآناً لبيان ان لا علم لنا الا ما علمتنا و ان الثناء علي الله لا يکون الا بثنائه علي نفسه فان غيره جاهل به فلايعلمونه و الثناء عليه و کيفية القيام بخدمته الا به کما قال النبي صلي الله عليه و آله انا لا احصي ثناءً عليک انت کما اثنيت علي نفسک و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 63 *»

قال الصادق عليه السلام ان الله اجل ان يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به و انما وجبت فاتحة الکتاب في الاولتين دون غيرهما لکونها علي هيئة الصلوة علي ترتيب الاشرف فالاشرف فقوله تعالي الحمد لله رب العالمين الي مالک يوم الدين مقام السجود و اياک نعبد و اياک نستعين مقام الرکوع و باقي السورة مقام القيام و لان فيها مبدأ التوحيد في العالم التفصيلي و مبدأ الوسايط و ظهور الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و آله و مبدأ الاعمال و الافعال و الاحکام الالهية في الاية المحکمة و الفريضة العادلة و السنة القائمة و مبدأ الحشر و النشر و الثواب و العقاب و الجنة و النار و هي الهيئة التي بني عليها الهيکل (هيکل ظ) الانسان و هي سبع آيات لان الانسان له سبع مراتب و هي العقل و الروح و النفس و الطبيعة و المادة و المثال و الجسم و انما تثني الفاتحة في کل صلوة لاثبات العدد الذي عليه ظهرت هياکل التوحيد و هو الاربعةعشر قصبة الياقوت و مظهر الجواد و الوهاب و وجه الله و يد الله ذو الملک و الملکوت و انما وجبت السورة لانها تفصيل لذلک المجمل و تبيين لذلک المفصل و نسبة الفاتحة الي السورة کنسبة القلب الي الاعضاء و الجوارح و بها يتم الکينونة الظاهرة في الحضرة الانسانية فافهم و الرکوع خضوع و خشوع و ذلة و انکسار و بيان ان الاشياء کلها باطلة مضمحلة ما خلا وجهه الکريم و لذا يميل الي التراب الذي هو محل الخضوع و الخشوع و وجب الذکر لان به يضمحل الغير و بذکره تبطل الاشياء و بنسيانه تستقل السوي و تدعو  اني انا الله قال تعالي نسوا الله فانساهم انفسهم و انما کان الذکر التسبيح لانه مقام تنزيه الله سبحانه و مقام القلم الاعلي و الروح القدس الذي يقول سبوح قدوس ربنا و رب الملائکة و الروح و انما استحب التکرار ثلث مرات لاثبات ان ذلک الخضوع انما حصل باستشعار کلمة لا اله الا الله في التدوين و التکوين لاهل التمرين و التمکين و السجود مقام الفناء و رتبة موتوا قبل ان تموتوا و المحو في ظهور علو الحق سبحانه و تعالي و انما کان السجود في الاعضاء السبعة للاشارة الي فناء المراتب السبعة التکوينية و الذهول عن مقام (مقامات خ‌ل) الانية و لان

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 64 *»

هذا الفناء و الاضمحلال انما کان بدلالة‌ السبع الشداد و ادلاء الرشاد و لذا يثني السجود لاتمام الاربعةعشر توضيحاً للاثر و تأکيداً للسر و يضرب الله الامثال للناس و ما يعقلها الا العالمون و ثنيت رکعات الصلوة لاستشعار التذلل و الخضوع في العالمين عالم الدنيا و الاخرة و زاد رسول الله صلي الله عليه و اله رکعتين لبيان عالم الرجعة و عالم البرزخ فالاول الي الدنيا اقرب و الثاني الي الاخرة و زاد في المغرب رکعة واحدة للاشارة الي انهما من عالم واحد في رتبة واحدة يتحدان في مقام و يختلفان في مقام آخر فجعل الامرين دلالة علي الحکمين و انما لم‌يزد في الفجر لان قرآن الفجر کان مشهوداً تشهده ملائکة الليل و ملائکة النهار فيکتب مرتين فيکون اربعة و انما کان التشهد لانه صورة اداء الحساب و قرائة الکتاب بين يدي کتاب الله الناطق حين کونه حاملاً  للواء الحمد و واقفاً علي منبر الوسيلة و الخلايق قعود جاثية کهيئة المتشهد و هو قوله تعالي و تري کل امة جاثية کل امة تدعي الي کتابها اليوم تجزون ما کنتم تعملون هذا کتابنا ينطق عليکم بالحق انا کنا نستنسخ ما کنتم تعملون و کتاب الله الناطق في قوله تعالي هذا کتابنا هو سيدنا و مولانا اميرالمؤمنين عليه السلام و انما وجب التسليم لانه مقام الاستسلام و الانقياد و تفويض الامر الي رب العباد و تمام مقام ظهور المبدأ و المعاد و انما کان الاذان لاعلام اهل عالم الشهادة عالم الاجسام او عالم النقش و الارتسام و لذا کان التکبير فيه اربع مرات و فيه اجهار الصوت و التأني للرسوخ لکون عالم الشهادة مقام الکثافة و لابد فيه من اعلاء الصوت الظاهري و الباطني و الحقيقي و المجازي و هذا بعينه من السر في الجهر في الصلوة الليلية و الصبح لان رسول الله صلي الله عليه و آله کان يعلن فيها لان الليل اشارة الي عالم الاجسام و عالم الشهادة فافهم الاشارة بصريح العبارة و انما کانت الاقامة لاعلام اهل عالم الغيب و ان کان عوالم نفسه من الغيب و الشهادة و انما ذکر فيها قد قامت الصلوة لان بعد عالم الغيب مقام الوصل و الوصال و مناجاة الرب الکريم المتعال و هو قوله عليه السلام الصلوة معراج المؤمن و قوله تعالي في المعراج يا

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 65 *»

 محمد ادن من صاد و توضأ لصلوة الظهر و انما وجبت الطهارة في المقدمات اما ازالة الاخباث الظاهرة فهي اشارة الي تطهير الجسد عن مباشرة اهل الدنيا و الحدث الاکبر  و الاصغر اشارة الي تطهير القلب عن الخيالات الفاسدة الشاغلة عن ذکر الله عز و جل و ستر العورتين عن النظر عن الشهوات الجسدانية و النفسانية و القبلة توجهک الي حرم الله و کبريائه و الالتفات الي وجهه فاينما تولوا فثم وجه الله و تحصيل لباس التقوي ذلک خير  و الاجتناب عن لباس العجب و الفخر و الغرور و موقع العبادة و مکانها و محلها القلب مع اليقين الخالص لا بدونه فافهم و اصرف ما سمعت الي ما لم تسمع. و اذا اتقنت النظر و امعنت الفکر مع التدبر في ما ذکرنا لک يحصل لک جميع ما طلبت و زيادة للذين احسنوا الحسني.

قال سلمه الله تعا لي و ايضاً نستدعي من جنابک ان تبين لنا مراتب الائمة عليهم السلام و مقاماتهم و ولايتهم حتي يکون تذکرها سبباً لزيادة الخضوع و الخشوع و التذلل و الانقياد لهم و الاخلاص في محبتهم و ولايتهم و زيادة الوجد و البکاء في مصائبهم و رزاياهم صلي الله عليهم.

اقول ان بيان تلک المراتب و المقامات مما لا يمکن استقصاؤها لاحد من المخلوقين سواهم صلي الله عليهم مما حضر عندهم و ظهر لديهم عليهم السلام مما جري من فوارة القدر و الفيض الاقدس بهم اليهم دون ما يتجدد لهم ابد الابد و دائم السرمد المصحح لهم بالاستزادة في العلم في ذکر فضايلهم و مقاماتهم روحي فداؤهم کما قال عز و جل و قل رب زدني علماً و قال تعالي و ما تشاءون الا ان يشاء الله و لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء و الدليل علي عدم الاستقصاء قوله تعالي و ان تعدوا نعمة الله لا تحصوها و النعمة هي الامام عليه السلام و به انعم الله علي الخلق في جميع ذرات کينوناتهم کما ورد التصريح بذلک عنهم عليهم السلام و المخاطب هو کل المکلفين مما يصلح ان يقع عليه التکليف من الاولين و الاخرين و کل الخلايق اجمعين علي ما صح

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 66 *»

عندنا من عموم الخطابات الشفاهية و ان کل ما برز في الوجود من الغيبة و الشهود و الذوات و الصفات و الاعراض و الاعمال کلها ذات شعور و اختيار و تکليف قد وقع عليهم التکليف من اللطيف الخبير و ادلة ما ذکرنا موجودة في القرآن و احاديث الائمة عليهم السلام و العقل المستنير و قد ذکرناها مفصلة في ساير اجوبتنا للمسائل و ساير المباحثات و لا يسعني الان بيانها لانها خلاف المقصود و المرام فکل الموجودات يشملهم خطاب ان تعدوا فيدخل فيهم الانبياء و المرسلون و الملائکة المقربون و کل الخلق اجمعون فلايمکنهم احصاء فضايلهم و بيان مقاماتهم و مراتبهم عليهم السلام و قال تعالي لو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت کلمات الله و عن الکاظم عليه السلام عن (فی ظ) الابحر السبعة انها عين اليمين و عين الکبريت و عين ابرهوت و عين الطبرية و عين افريقية و جمة ماسيدان و جمة ماجروان و نحن الکلمات التي لا يستقصي فضلنا و لا يستحصي و هذه العيون و الجمتان کناية و عبارة عن کل الموجودات بمراتبها من الطيب و الخبيث و اللطيف و الکثيف و الصافي و الممتزج و المايع و الجامد و ساير الاحوال و کل ما في ارض القابليات من الاشجار النابتة بسقي ماء المزن و حرارة الکلمة التامة الالهية المعبر عنها بـ کن لو کانت اقلاماً مستمدة من تلک الابحر من الامدادات الواردة عليهم من ذلک البحر الاعظم الذي لا نهاية لها و لا غاية تنتهي اليها و جرت تلک الاقلام علي الواح الکائنات من حيث انبساطها و تحملها للتشأن بالشؤون المتکثرة المختلفة الغير المتناهية و الکاتب هو کاتب الابتداع بسر الاختراع في حقايق تلک النسمات و کينونات تلک الذرات و مدة الکتابة الي ان ينتهي الزمان و ينفد الدهر  و يسير في بيداء السرمد ابد الابد بلا امد لا احصي جزءاً من مئة الف الف جزء من مثقال الذر مما لهم عليهم السلام من الفضايل و المناقب و الاسرار کفاک لذلک شاهداً و دليلاً  قول النبي صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام يا علي ما يعرفني الا الله و انت و لا يعرفک الا الله و انا و عن الصادق عليه السلام والله ما وصل اليکم من فضلنا الا الف غير معطوفة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 67 *»

فاذا کان کذلک فاستحال معرفتهم و معرفة فضايلهم و اسرار ولايتهم الا لله سبحانه و لهم في ما حضر لديهم دون ما يتجدد من قعر بحر القدر بامر مستقر الا ان الله سبحانه لما ابي ان يجري علي الخلق الفيض من مخزن الرحمة الواسعة او الرحمة المکتوبة في علو درجاتهم او تسافل درکاتهم الا بما عندهم من الاقرار بفضايل آل محمد صلي الله عليهم اجمعين بالدليل و البرهان و الانکار لها بعد الحجة عليهم و البيان و تعالي الدرجات و تفاوتها في العلو و الرفعة انما کان بزيادة حبهم عليهم السلام المقتضية لزيادة معرفتهم و تسافل الدرکات و تفاوتها في السفل انما هو بالتقصير في واجب حقوقهم عليهم السلام و حرمان درک معرفتهم کما ينبغي لجلال قدسهم عليهم السلام فکتب الله سبحانه في حقايق الخلق و ذواتهم و اسرار کينوناتهم شرح فضائل آل محمد صلي الله عليه و اله مما تتحمل تلک الحقايق من اطوار الدقايق فعرفهم اياها و اکرمهم بها و جعل ذواتهم تلک المعرفة و حقايقهم تلک المنقبة فاقامهم في العالم الاول في القدم و الازل الثاني في محشر واحد و شرح الله سبحانه لهم تلک الفضايل بحيث لا يخفي علي احد فضلهم و بعض خفايا اسرارهم و هو قوله عليه السلام في الزيارة‌ الجامعة الکبيرة فبلغ الله بکم اشرف محل المکرمين و اعلي منازل المقربين و ارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق و لا يفوقه فائق و لا يسبقه سابق و لا يطمع في ادراکه طامع حتي لا يبقي ملک مقرب و لا نبي مرسل و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بين ذلک شهيد الا عرفهم جلالة امرکم و عظم خطرکم و کبر شأنکم و تمام نورکم و صدق مقاعدکم و ثبات مقامکم و شرف محلکم و منزلتکم عنده و کرامتکم عليه و خاصتکم لديه و قرب منزلتهم منه بابي انتم و امي و نفسي و اهلي و مالي الزيارة و هذا التعريف بسر التحقيق انما کان في ذلک العالم و جري القلم علي اللوح المحفوظ و لوح المحو و الاثبات باثبات التقدير  و القضاء و الاجل و الاذن و الکتاب في المحتومات و المشروطات من الخيرات و الشرور و احکام المحو و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 68 *»

الاثبات و البقاء و الفناء و الرزق و الحرمان و کل ما نطق به صامتات الامکان و الاکوان و ساير الاحوال و الاوضاع و الاقتضاءات کلها علي مقتضي ذلک التعريف فهناک (فهنالک خ‌ل) ظهرت هيمنة آل محمد صلي الله عليهم و استيلاؤهم علي کل مذروء و مبروء و هو قوله عليه السلام في الزيارة طأطأ کل شريف لشرفکم و بخع کل متکبر لطاعتکم و خضع کل جبار لفضلکم و ذل کل شيء لکم و اشرقت الارض بنورکم و فاز الفائزون بولايتکم فبکم يسلک الي الرضوان و علي من جحد ولايتکم غضب الرحمن بابي انتم و امي و نفسي و اهلي و مالي الزيارة و لما ان الله سبحانه انزل الخلق من العالم الاول الاعلي الي العالم الاسفل الادني و ابتلي الخلق بالمحن و شملتهم العوارض و الفتن فنسوا ذلک العهد و الميثاق و خمدت لذلک نيران الاذواق و الاشواق و ها انا اذکرک ببعض ذلک العهد اي بجزء من مائة الف جزء من ذلک العهد الذي اخذ منا في اسفل المراتب لا ما هو المأخوذ منا في اعلي المراتب فان القلوب لا تتحمل لادراکه و الصدور تضيق عن حمله فيفسد علي الضعفاء ما عندهم من الدين و قد قال الامام سيد الساجدين عليه السلام لا تتکلم بما تسارع العقول في انکاره و ان کان عندک اعتذاره و ليس کل ما تسمعه نکراً اوسعته عذراً و قال الصادق عليه السلام ما کل ما يعلم يقال و لا کل ما يقال حان وقته و لا کل ما حان وقته حضر اهله.

و اعلم ان الحادث قائم بالعلل الاربع العلة الفاعلية و العلة المادية و العلة الصورية و العلة الغائية و لا يخلو حادث منها و هي اما بنفسها کما في المخلوق الاول مطلقاً او بغيرها کما في ساير المخلوقات في الظاهر و الائمة اي الاربعةعشر المعصومون سلام الله عليهم هم العلل الاربع لوجود الکاينات و الحوادث المکونات.

اما العلة‌ الفاعلية فقد اقمنا براهين قطعية من العقلية و النقلية في کثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل ان الله سبحانه و تعالي من حيث ذاته المقدسة لا توصف بالفاعلية و لا بالخالقية لصحة السلب لصحة قولک ان الله لم يفعل

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 69 *»

القبيح و ليس بفاعل له و انه تعالي لم يخلق ابا جهل مؤمناً في الخلق الثاني مثلاً و ليس بخالق له ابداً و الا للزم الجبر بل خلقه بحيث يصلح للايمان و الکفر  معاً فلو کان الخالق و الفاعل صفة ذاتية کانا عين الذات بلا فرق و سلبهما يستلزم نفي الذات و سلبها بل عين سلب الذات اذ لا معني للصفة الذاتية الا الذات لا غير  و صح السلب و لم تنتف الذات فذلک دليل انهما غير الذات و لان المشتق يتبع المبدأ و فرع له يدور معه حيثما دار فان کان المبدأ عين الذات کان المشتق کذلک و ان کان غيرها کان غيرها و لذا کان العالم عين الذات کالقادر لان العلم و القدرة هي الذات و کان الخالق و الفاعل غير الذات لان الخلق و الفعل غيرها فذانک برهانان من ربک علي ان الفاعل صفة لله لکنها لا في مقام الذات و انما هي في مقام الفعل و الاثار و قائمة بالذات قيام صدور فان الذات (الله ظ) سبحانه و تعالي في ذاته منزهة عن جميع القرانات و النسب و الاضافات و لا شک ان الفاعل له اقتران و ارتباط بالمفعول فالصفات انما هي ظهورات الذات بآثار فعلها فالفاعل هو ظهور الذات بالفعل و الخالق ظهوره بالخلق کما ان القائم ظهور زيد بالقيام و القاعد ظهور زيد (ظهوره خ‌ل) بالقعود و ذلک الظهور امر حادث لکنه وجه للقديم فهو يعرف به فاذا کان الظهور هو الحادث و الخلق فقد دلت الاخبار المتواترة بالطرق المتکثرة من العامة و الخاصة ان محمداً و آله عليهم السلام هم اول الخلق و اول الحوادث ما سبقهم في الکون و الوجود خلق من المخلوقات و لا ظهور من الظهورات فکانوا عليهم السلام هم تلک الظهورات التي تنتهي اليها الاسماء و الصفات و انحاء التعلقات و هم سلام الله عليهم آيات الله اي ظهوراته المرئية في الافاق و في انفس الخلايق و قد قال مولانا الصادق عليه السلام و ايّ آية اراها الله سبحانه الخلق في الافاق و في انفسهم غيرنا و قال امير المؤمنين عليه السلام و ايّ آية اعظم مني و اي نبأ اکبر مني و هو قوله تعالي و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تکلمهم ان الناس کانوا بآياتنا لا يوقنون فاذا کانوا هم الظهورات و الايات فکانوا هم الاسماء کماقال مولانا الصادق عليه السلام نحن الاسماء الحسني التي امرکم

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 70 *»

الله ان تدعوه بها و في زيارة امير المؤمنين عليه السلام عن السجاد عليه السلام السلام علي اسم الله الرضي و نور وجهه المضيء و قال الحجة عليه السلام في دعاء رجب و باسمک الذي وضعته علي النهار فاضاء و علي الليل فاظلم قال امير المؤمنين عليه السلام انا الذي وضع اسمي علي البرق فلمع و علي الودق فهمع و علي الليل فاظلم و علي النهار فاضاء و تبسم فاذا کانوا عليهم السلام هم الاسماء فقد دلت الاخبار المتظافرة و الادعية المتکثرة (الکثيرة خ‌ل) مضافاً علي دلالة العقول الصحيحة ان الله سبحانه خلق الخلق باسمائه و هم عليهم السلام تلک الاسماء فالخالق اسم لله تعالي به خلق الخلق و الفاعل اسم لله تعالي به فعل الاشياء و القيوم اسم لله تعالي به اقام الاشياء و احاط بها و الحي اسم لله تعالي به احيي الخلق و الوجود و تلک الاسماء هي تلک الحقايق المقدسة بعينها من غير  فرق فالله هو الخالق لا غير فالعلة الفاعلية هي الاسماء ا لا تري ان علة الضرب مثلاً  هو الضارب و الکلام هو المتکلم و هما جهتا الظهور بالضرب و الکلام و الاسماء هي حقيقتهم المقدسة و الله من ورائهم محيط و لذا قال مولانا الصادق عليه السلام من قال نحن خالقون بامر الله فقد کفر فحينئذ ان قلت ان الله فاعل و خالق بهم صدقت و ان قلت ان الله هو الخالق وحده صدقت و معاني هذه العبارات واحدة غير مختلفة و لاحظ في کل تلک الاحوال قوله عليه السلام نزلونا عن الربوبية و قولوا فينا ما شئتم و لن تبلغوا و ايضا لما بسط الله بساط الکرم و اجري الماء الصافي لامداد النعم کانوا عليهم السلام اول من جلس علي ذلک البساط و شرب من ذلک الشراب فسبقوا الکل في الوجود و خضعوا لبارئهم بالرکوع و السجود فبلغوا الغاية في القرب و الزلفي فتحملوا جميع اسرار الربوبية و الاحکام التکوينية الوجودية لتقدمهم في التلبية و سبقهم الي الاجابة فتوجهت اليهم اسرار القدس و توجوا بتاج الانس فحکوا جلال الله و جماله و ظهوره و کبرياءه فتشعشعت انوارهم و تفرقت هياکلهم و امثالهم فمن ذلک الشعاع خلق الله سبحانه الخلق فالعلة الفاعلية للشعاع هو المنير و ان کان المنير متقوماً بالغير أ لا تري الاشعة فانها منتسبة الي الشمس و مستديرة معها

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 71 *»

موجودة بوجودها معدومة بعدمها و انتهاؤها اليها و ابتداؤها منها و في الحديث عن امير المؤمنين عليه السلام نحن صنايع ربنا و الخلق بعد صنايع لنا و عنهم عليهم السلام انما سموا الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع انوارنا انتهي و خصوا الشيعة لان الکافر خلق من ظل انوارهم کالشعاع و الظل المنبعثان من الشمس و السراج و في الزيارة بکم فتح الله و بکم يختم و بکم ينزل الغيث هـ  و فيها ايضا و اياب الخلق اليکم و حسابهم عليکم لان البدء (المبدأ خ‌ل) منهم و العود اليهم کما عن امير المؤمنين عليه السلام علي ما في خطبة البيان انا ابدئ و اعيد و هو قوله عليه السلام انا النقطة تحت الباء و يريد بالبسملة البسملة التکوينية و يريد بالباء عالم الابتداع و يريد بالنقطة سر الاختراع فافهم و لو لم اخف الناس و لم يمنعني الکسالة و الضعف لأسمعتک من غرايب الکلام و عجايب البيان ولکن في ما ذکرته عبرة لمن اعتبر و تبصرة لمن نظر فابصر.

اما العلة المادية فاعلم ان الله عز و جل حيث جعلهم سراجاً وهاجاً کما قال تعالي في قوله مثل نوره هو محمد صلي الله عليه و آله کمشکوة هي صدره الشريف فيها مصباح هو العقل الکلي الذي هو عقله المبارک المصباح في زجاجة الزجاجة قلبه العرش المرکب من الانوار الاربعة الزجاجة کأنها کوکب درّي الکوکب مظهر اسم من اسماء الله تعالي في التکوين بمراتبه الي ان ينتهي الي عالم الاجسام فظهر ذلک الاسم علي صفة ذلک الرسم و الدرّي احسن الکواکب و اشرفها و هو اشارة الي انه اعظم الاسماء و اشرفها يوقد من شجرة مبارکة زيتونة هي شجرة المشية مبارکة لان الله عز و جل جعل فيها النمو و الزيادة حتي ملأ العالم باثمارها و اغصانها و اوراقها و ظهورات تلک الاثمار و الاوراق و الاغصان زيتونة لقوة الحرارة المعتدلة التي هي طبع الفاعل لا شرقية و لا غربية لا قديمة و لا حادثة کساير الحوادث المختلفة المتغيرة و المتبدلة يکاد زيتها يضيء يکاد قابليتها لشدة صفائها و اعتدالها يظهر في الوجود و لو لم تمسسه نار اي نار المشية فلما مست النار ذلک الزيت الذي هو حقيقتهم المقدسة ظهر العقل الذي هو السراج الوهاج فاضاء العالم و برز نوره و تشعشع

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 72 *»

شعاعه فجعل الله سبحانه ذلک النور و الشعاع مادة لخلق الموجودات فاولهم الانبياء عليهم السلام حيث خلقهم الله من ذلک النور و هو قول مولانا الصادق عليه السلام ان الله خلق المؤمنين من نوره و نورهم نور الله صلي الله عليهم اذ ليس لله سبحانه نور حادث سواهم و سوي نورهم صلي الله عليهم أ لا تري الي ما قال تعالي في القرآن و اشرقت الارض بنور ربها و في الزيارة و اشرقت الارض بنورکم فثبت ان نورهم عليهم السلام نور الله سبحانه و في الدعاء لا يسمع فيه صوت الا صوتک و لا يري فيه نور الا نورک و النور هو مادة‌ الکائنات و ذلک منهم عليهم السلام کشعاع الشمس من الشمس فاذا قلنا انهم عليهم السلام هم العلة المادية نريد ان نورهم مادة الاشياء و الموجودات لا ذاتهم حاشاهم عن ذلک.

و اما العلة الصورية فاعلم ان الخلق علي قسمين مؤمن و کافر فالمؤمن خلقه الله سبحانه من هيکل التوحيد و الکافر خلقه من ظل تلک الهيئة و هيکل التوحيد هو الصبغ في الرحمة و هو الصورة الانسانية و هي صورة الرضا و التسليم و الخضوع و الخشوع و الرکوع و السجود و القيام بخدمة المحبوب و هي لما تجسدت صارت علي هذه الهيئة المشخصة و هي هيئة الصلوة و هي هيئة الولاية قال علي عليه السلام الصورة الانسانية هي اکبر حجة الله علي خلقه و هي الکتاب الذي کتبه بيده و هي الهيکل الذي بناه بحکمته و هي مجمع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي الشاهد علي کل غايب و هي الحجة علي کل جاحد و هي الصراط المستقيم و هي الصراط الممدود بين الجنة و النار هـ  و هذه الصورة هي صورتهم قد البسهم الله سبحانه اياها في القديم الاول بمقتضي طلباتهم الذاتية فهم الانسان حقيقة لا سواهم و لما کان ما سواهم من آثارهم و شؤونات اطوارهم ظهر المثال و الاثر علي هيئة صفة المؤثر کالصورة‌ الحاکية في المرآة عن المقابل الخارجي فلما حکت مرآة الانبياء و طبقات الرعية اما ظاهراً و باطناً معاً او ظاهراً فقط تلک الصورة الطيبة الالهية علي ما هو عليه من غير تغيير لاستقامة تلک المرآة و صفائها و عدم

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 73 *»

اعوجاجها حقيقية ام اضافية ظهرت علي الصورة الانسانية و سموا انساناً و ما لم‌تحک المرآة اياها علي ما هي عليه ظهرت تلک الصورة الانسانية علي مقتضي المرآة فتغيرت الصورة المرئية في المرآة علي حسبها فظهرت علي صور مختلفة و هيئات متفاوتة من صور الملائکة و الجن و الوحوش و الطيور و ساير الحيوانات و النباتات و الجمادات و المعادن و ساير المخلوقات و ظل هيکل التوحيد هيکل النفاق و الکفر و کلاهما متقومان بهم الا ان الاول منهم و اليهم و بهم و الثاني بهم و عنهم لا منهم و اليهم فهم العلة الصورية لجميع الموجودات من اهل الارضين و السموات و ايضاً ان الله سبحانه و تعالي خلق الصور و الهيئات بالاجابة و الانکار لولايتهم حين قال لهم أ لست بربکم و محمد نبيکم و علي و الائمة من ولده و فاطمة الصديقة صلوات الله و سلامه عليهم اجمعين اولياءکم فمن اجاب و اقر مصدقاً معترفاً خلقه الله سبحانه علي الصور الطيبة و من انکر و جحد معانداً مبغضاً خلقه سبحانه علي الصور الخبيثة الباطلة القبيحة فکانوا عليهم السلام باب سور مدينة العلم باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و هم الماء النازل من قرآن النور المحمدي صلي الله عليه و آله شفاء و رحمة للمؤمنين و لا يزيد الظالمين الا خساراً و شرح الحال في مثل هذا المقام موکول الي شرح الخطبة الطتنجية فان فيها من الاسرار ما لا تحتمله القلوب و الانظار ان في ذلک لعبرة لاولي الابصار.

و اما العلة الغائية فاعلم ان الله سبحانه خلق الخلق لهم لتشييد سلطانهم و لتبيين برهانهم و اظهار انوارهم و اعلان اسرارهم و قد قال سبحانه کنت کنزاً مخفياً فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لکي اعرف و قال عز و جل في القرآن ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون و معرفة الخلق لله تعالي و عبادتهم له تعالي انما هي لاظهار معرفة آل محمد عليه و عليهم السلام بل هي عين معرفتهم و عبادتهم.

بيان ذلک بالمثال الاجمالي لاولي الافئدة من المؤمنين الممتحنين هو ان الله سبحانه خلق القلب لب الانسان و حقيقته مجمعاً  للانوار الالهية و مهبطاً  للاسرار القدسية و اودع فيه العلوم الحقيقية ولکن لتنزه القلب عن تعلقات

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 74 *»

الاجسام و تعاليه عن التکدر بکدورات عالم النقش و الارتسام کان امره لم يزل مخفياً عن کل المراتب للواقفين مقامات العوالم السفلية فخلق الله سبحانه القوي و المشاعر و الاعضاء و الجوارح و الحواس الظاهرية و الباطنية لتظهر  ادراکات القلب و تتبيّن انواره و تشاهد اسراره فما رأته العيون و ادرکته الاسماع و شمّته المناخر  و ذاقته الاذواق و لمسته الجوارح و ادرکته و علمته ساير الحواس الباطنية کل ذلک ادراک القلب وحده في هذه المرايا و هي لاظهار نور القلب فالمدرک الحقيقي انما هو القلب لا غير فهو العلة الغائية لخلق تلک الالات و العضلات و الاعصاب و العروق و القوي و المشاعر  و ساير  المراتب و هو المتحرک وحده في تلک الکثرات و هي شئونات القلب و منه نشأت و عنه نطقت و عليه دلّت و اليه عادت و له تأصلت و تشيأت و به برزت و بنوره قامت و کذلک نسبة الخلق الي الائمة عليهم السلام فانهم قلب العالم في اسفل المراتب فالخلق کلهم السنتهم عليهم السلام ناطقون بها بثناء الله سبحانه و کلها جوارح لهم عبدوا الله سبحانه فهم العابدون لا سواهم و هم العارفون لا غيرهم و ما سواهم لاظهار عبادتهم و انتشار معرفتهم قوامهم بهم لانهم شئونات آثارهم و اقتضاءات اطوارهم أ لا تري الشمس فان کل ما تجد في الشعاع من النور و البهاء و السناء فانما هو من الشمس و اليها و ما تجد في الشعاع من الکدورة و التغيير  و الاختلاف فانما هو من الارض و من المرآة و الجدار و هو بالشمس لا الي الشمس و لذا قال اميرالمؤمنين عليه السلام في الخطبة انا الآمل و المأمول فافهم فقد اسمعتک تغريد الورقاء علي الافنان بفنون الالحان.

فاذا عرفت انهم عليهم السلام العلل الاربع للوجود و بهم قام کل مشهود و مفقود فاعلم انهم عباد مکرمون لا يسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم و لا يشفعون الا لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون و من يقل منهم اني اله من دونه فذلک نجزيه جهنم کذلک نجزي الظالمين فاذاً  اخضع لهم و اخشع و ذلل نفسک بالتسليم لامرهم عليهم السلام کما تذللت السموات و الارض و العرش و الکرسي و اللوح و القلم لهم

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 75 *»

عليهم السلام کما قال عليه السلام في الزيارة و ذل کل شيء لکم و اشرقت الارض بنورکم و في الحديث ان الله عزوجل خلق العرش و الکرسي من نور محمد صلي الله عليه و آله و خلق الملائکة کلهم من نور علي عليه السلام و خلق السموات و الارض من نور فاطمة عليها السلام و خلق الشمس و القمر من نور مولانا الحسن عليه السلام و خلق الجنة و حور العين من نور سيدنا الحسين عليه السلام و کل الخيرات يفاض علي الخلايق من المتولدات بالعرش و الکرسي و الشمس و القمر  و السموات و الارضين فافهم و استبن بما ذکرنا امرک و اسأل الله ربک ان يفتح عليک باب الفهم و المعرفة لاني ما يمکنني ان اصرح ما الوح لا ان الوح ما احاطه قلبي و استکن في ضميري و الله خليفتي عليک.

و اما ما جري عليهم من المصايب و الرزايا روحي فداؤهم فاعلم ان لهم عليهم السلام مقامات عديدة نقتصر  هنا بذکر اربعة منها بالاجمال:

الاول مقام البيان و هم في هذا المقام سر  التوحيد و عين التفريد و حقيقة التنزيه و هذا مقامهم الذي لا يقع عليهم اسم و لا صفة و هو مقامهم الذي غيب لا يدرک قال امير المؤمنين عليه السلام انا الذي لا يقع عليّ اسم و لا صفة و قال عليه السلام ظاهري ولاية و باطني غيب لا يدرک و هو المقام الذي لايسعهم فيه ملک مقرب و لا نبي مرسل و هو مقام من عرفهم فقد عرف الله و من جهلهم فقد جهل الله و هو مقام المقامات و العلامات التي لاتعطيل لها في کل مکان يعرفک بها من عرفک لا فرق بينک و بينها الا انهم عبادک و خلقک و هذا المقام يشتمل علي مقامات کثيرة مثل مقام الهوية الظاهرة لادراک الخلق بالخلق و مقام الالوهية کذلک و مقام الاحدية کذلک و مقام الواحدية و مقام الرحمانية و مقام ساير الاسماء المتقابلة و السمات المتماثلة فهم في هذا المقام الاسماء الحسني و الامثال العليا و قد قال عليه السلام في تفسير  لفظ الجلالة علي ما رواه الصدوق في التوحيد الالف آلاء الله علي الخلق من النعيم بولايتنا و اللام الزام خلقه ولايتنا و الهاء هوان لمن خالف ولايتنا انتهي فلنقبض العنان فللحيطان آذان،

اخاف عليک من غيري و مني                 و منک و من مکانک و الزمان

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 76 *»

فلو اني جعلتک في عيوني                         الي يوم القيامة ما کفاني

الثاني مقام المعاني و هم في هذا المقام معاني اسماء الله و مبادي الاشتقاقات في الاسماء المشتقة و قد دلت الادلة القطعية من العقلية و النقلية ان اسماء الله تعالي کلها مشتقة فهم العلم للعالم و القدرة للقادر و الحکمة للحکيم و الجلال للجليل و الجمال للجميل و الرحمة للرحمن الرحيم و الکرم للکريم و النور للمنير  و هکذا باقي المبادي لاسمائه تعالي و قد شرح بعضها مفصلاً  و کلها مجملاً  في دعاء السحر لشهر رمضان المبارک في قوله عليه السلام اللهم اني اسألک من بهائک بابهاه و کل بهائک بهيّ الي ان قال عليه السلام في آخر الدعاء اللهم اني اسألک بما انت فيه من الشأن و الجبروت و اسألک بکل شأن وحده و جبروت وحدها الدعاء و هذا اجمال ما فصل في اول الدعاء الي هذا المقام و في هذا التفصيل سرّ  قد خفي علي اکثر  الافهام و قال الباقر عليه السلام لجابر  يا جابر عليک بالبيان و المعاني قال و ما البيان و المعاني قال عليه السلام قال علي عليه السلام اما البيان فهو ان تعرف ان الله واحد ليس کمثله شيء فتعبده و لاتشرک به شيئاً و اما المعاني فنحن معانيه و نحن علمه و نحن حکمه و نحن امره و نحن عينه اذا شئنا شاء الله و يريد الله ما نريد نحن ظاهره فيکم اخترعنا من نور ذاته و فوض الينا امر عباده ان الينا اياب الخلق ثم ان علينا حسابهم.

الثالث مقام الابواب و هم في هذا المقام الواسطة في الصدور و ايجاد الخلايق و ايصال ما لهم اليهم مما يجري من فوارة القدر المستودع عندهم من جميع احکامهم اي الخلايق من جميع احکام الذوات و الصفات و الشرعيات و الوجوديات و ساير ما اقتضته النسمات من خالق البريات و کذا واسطة الخلق في الانصدار و الانوجاد و ما اقتضت تلک الکينونات و طلبت فلا يقع اقتضاءاتهم الّا اليهم عليهم السلام و هم من الله يمدونهم بالمدد الوجودي کالشرعي و هو قوله عليه السلام في الدعاء الهي وقف السائلون ببابک و لاذ الفقراء بجنابک و هم عليهم السلام الباب و الجناب و قال عليه السلام في الزيارة ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليکم و یصدر (تصدر خ‌ل) من بيوتکم الصادر لما فصل من

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 77 *»

احکام العباد انتهي و المصدر المضاف يفيد العموم و الجمع المضاف کذلک و الجمع المحلي باللام کذلک فافهم فهم في هذا المقام اعضاد و اشهاد و مناة و اذواد و حفظة و روّاد فبهم ملأت سماءک و ارضک حتي ظهر ان لا اله الّا انت فافهم ان کنت تفهم و الّا فاسلم تسلم.

الرابع مقام الامامة و هم في هذا المقام حجة الله علي الخلق اجمعين و ولي الله علي الاولين و الاخرين و حبل الله القوي المتين و نور الله في السموات و الارضين و هم في هذا المقام امام الهدي و العروة الوثقي و الحجة علي الوري و السبيل الذي من سلکه نجا و من سلک غيره هوي معدن العلوم النبوية جامع الفضايل الالهية المعصوم من کل زلل و المطهر من کل خلل مؤيد بالروح مسدّد بالملک الاعظم ناظر الي اعمال الخلايق و شاهد من الله عليهم عالم بسرايرهم و ضمايرهم من کل ما کان في الوجود من اهل السموات و الارض و اهل المشرق و المغرب و ما فوق السموات و ما في جو الهواء و ما في لجج البحار و اودية القفار و ما تحت الارضين من الاخبار و ما يحدث بالليل و النهار و لايخفي عليهم حال من تلک الاحوال ظاهر  بالعبودية المحضة خالص لله العبودية وارد عليه جميع احکام العبودية بما هو فوق النهاية قائم بالعبادة في ظلمة الليل صائم في النهار.

و لما کان الله سبحانه سبقت کلمته و نفذت مشيته علي انه لايلجئ احداً في التکليف و الايمان و هم عباد مکرمون لا يسبقونه بالقول و هم بامره يعملون ما اجبروا العباد علي طاعتهم و الانقياد لامرهم و الاتباع لحکمهم و الانزجار عن مناهيهم و لا امسکوا عن اظهار الحق و الّا تعالت کلمة الحق و لا ظهر امر الله و ما بلغت حجة الله و لما کان اغلب الخلق و اکثرهم قد تمکنت فيهم النفس الامارة بالسوء و اجابوا داعي الشيطان و نفروا عن طاعة الرحمن کانوا لا يطيعونهم عليهم السلام و يدعون لانفسهم الملعونة الرياسة عليهم و لا يحبون ان يطاعوا فبذلوا مجهودهم لاطفاء نورهم و خمود ذکرهم و شمروا عن ساق الجد في ايذائهم و اذيتهم و قتلهم و نهبهم و الاهانة اليهم و هم عليهم السلام لو

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 78 *»

ارادوا دفعهم عن نفسهم الشريفة لفعلوا باحسن الوجوه و اسهلها و لکنهم ارادوا و احبوا امضاء حکم الله من عدم الجاء الخلق علي التکليف و الايمان و لو لم يقبل من المنافقين الذين کانوا يظهرون الايمان و يبطنون النفاق و قتلهم لقطع الفيض عن النطف الطيبة التي في اصلاب اولئک الکفار و المنافقين و هذا لا يصح في الحکمة فسکتوا و صبروا و دعوا الخلق الي الايمان و اوضحوا الحجة و دعوهم بالحکمة و الموعظة الحسنة الجميلة فلم يطع لهم امر و لم تصغ اليهم اذن فسکتوا عنهم فلما رأت الاشرار سکوتهم و عدم سلّهم السيف تجرأوا عليهم و هتکوا حرمتهم و اوصلوا اليهم انحاء الاذيات و الاهانات حتي قتلوا رجالهم و ذبحوا اطفالهم و سفکوا دماءهم و سبوا ذراريهم و نساءهم و نهبوا اموالهم و شهروا رؤوسهم في الاقطار و البلدان کل ذلک اتماماً  للحجة علي الخلق و ما ربک بغافل عما يعملون و لايحسبن الذين کفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثماً و لهم عذاب عظيم و لا تحسبن الله غافلاً  عما يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه القلوب و الابصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لايرتد اليهم طرفهم و افئدتهم هواء، فعلي الاطايب من اهل بيت محمد صلي الله عليه و آله و علي عليه السلام فليبک الباکون و اياهم فليندب النادبون و لمثلهم فلتذرف الدموع من العيون و يضج الضاجون و يعج العاجون.

فصبروا علي هذه البليات و احتسبوا الاجر من بارئ السموات و داحي المدحوات مع کمال قدرتهم عليهم السلام علي دفع شرّ  اولئک الاشرار عنهم و مع ذلک تحملوا المشاق و صبروا علي الفراق قد غرقت سهام الامة في اکبادهم و رماحهم مشرعة في نحورهم و سيوفهم مولعة في دمائهم يشفي ابناء العواهر غليل الفسق من ورعهم و غيض الکفر من ايمانهم و هم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته و شهيد فوق الجنازة قد شبکت بالسهام اکفانه و قتيل بالعراء قد رفع فوق القناة رأسه و مکبل في السجن قد رضت بالحديد اعضاؤه و مسموم قد قطعت بنجوع السم امعاؤه فهل المصايب الا التي لزمتهم و المصايب الا التي عمتهم و الفجايع الا التي خصتهم و القوارع الا التي طرقتهم صلوات الله عليهم و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 79 *»

علي ارواحهم و اجسادهم فلما رأي خاتمهم و قائمهم صلي الله عليه و عليهم ان الامه الملعونة ارادوا قتله و خلو الارض من خليفة الله و الداعي اليه بالحق و في ذلک فساد العالم و خراب الخلق لان الارض اذا خلت من الامام لساخت باهله و في ذلک هدم النظام و فساد الحکمة اخفي صلوات الله عليه شخصه عن اعين الظالمين ليسلم من شر اولئک المنافقين و يحفظ رقاب شيعته المقرين به عن ظلم اولئک الظلمة الفاسقين الي ان تصفو  الاصلاب الخبيثة من النطف الطيبة و  تصفو الاصلاب الطيبة من النطف الخبيثة فهناک يقوم بالامر  و يسلّ السيف و يطهر الارض من تلک الاشرار و لا يقبل الايمان من المنافقين الفجار و هو قول شيخنا و استادنا جعلني الله فداه في قصيدته يرثي بها الحسين عليه السلام:

نظار يا معشر الفجار غاشية                         يقوم بالامر حيث السيف مسلول

القصيدة و اليه الاشارة بقوله عز و جل لو تزيلوا لعذبنا الذين کفروا منهم عذاباً اليماً فاذن افجع في مصايبهم و ابک علي رزاياهم لان الامام عليه السلام قلب الانام فاذا تکدر القلب و تألم تظهر الکدورة و الالم في جميع اقطار البدن من الحواس و القوي و المشاعر و المدارک بخلاف ما لم تحله الحيوة من الشعر و الظفر و امثالهما فانت ان کنت حياً في ولايتهم و محبتهم لابد ان تتألم و تتکدر و تجري الدموع حتي يأتي فرجهم و ظهور دولتهم و يطهر الارض بسيف قائمهم روحي فداه فبعد ذلک يرجعون الي الدنيا.

فاول من يرجع منهم هو  الحسين عليه السلام ابن علي بن ابي‌طالب بعد خروج القائم عليه السلام بتسع و خمسين سنة ثم يرجع مولانا و سيدنا علي عليه السلام لنصرة ابنه الحسين عليه السلام و يبقي في الدنيا ثلاثمأة سنة ثم يقتل عليه السلام فيکرّ مرة ثانية و هو هناک دابة الارض ثم يقاتل مع ابليس بجنوده عند شاطئ الفرات ثم ينزل رسول الله صلي الله عليه و آله من السماء و بيده حربة من النار فيقتل ابليس ثم يظهر الائمة جميعاً و يجتمعون في مسجد الکوفة کل واحد منهم يشکو عند جده صلي الله عليه و آله ما لقي من فرعون وقته ثم يقرأ رسول الله صلي الله عليه و آله هذه الاية الحمد لله الذي صدقنا وعده و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 80 *»

 اورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين ثم يقسم الارض عليهم صلي الله عليه و آله و عليهم فيظهر الجنتان المدهامتان من ظهر مسجد الکوفة و ماوراءها الي ما شاء الله فيأتون بالاعداء و المنافقين الذين ظلموا آل محمد عليهم السلام حقهم سيما الرؤساء الکبار عليهم الف لعنة الله فيقتص منهم و يقتل کل واحد منهم لکل واحد من المؤمنين لتشفي قلوبهم سبعين الف مرة و يعيش المؤمنون عيشاً رغداً و لا يموت احدهم حتي يري الف ذکر من صلبه الي ان تنتهي مدة ثمانين الف سنة من بدو خروج الحسين عليه السلام فتصعد فاطمة الصديقة روحي فداها الي السماء ثم بعد ذلک الائمة الثمانية سلام الله عليهم يصعدون الي السماء ثم بعد ذلک يصعد القائم عجل الله فرجه ثم بعد ذلک يصعد مولانا الحسين عليه السلام ثم بعد ذلک يصعد سيدنا الحسن عليه السلام ثم بعد ذلک يصعد سيدنا و مولانا اميرالمؤمنين صلوات الله عليه ثم بعد ذلک يصعد رسول الله صلي الله عليه و آله فيبقي الخلق في هرج و مرج اربعين يوماً لايفرقون بين الليل و النهار و الرأس و الرجلين و السماء و الارض لان نور المعرفة و الفهم و الادراک کان معهم صلي الله عليهم فاذا صعدوا ذهب ذلک کالشمس اذا غابت غابت الاشعة فبعد الاربعين ينفخ اسرافيل في الصور فيموت الخلق کلهم اجمعون سوي الاربعة عشر المعصومين صلي الله عليهم اجمعين فيبقي العالم لا حس و لا محسوس و لا حرکة و لا متحرک ثم ينادي الحق سبحانه و تعالي بلسان آل محمد صلي الله عليهم کما نادي موسي بالشجرة اين الجبارون و اين المتکبرون و اين الذين اکلوا رزقي و عبدوا غيري لمن الملک اليوم فلا احد يجيب ثم هو سبحانه يجيب نفسه بلسانهم لله الواحد القهار و في الحديث عن الصادق عليه السلام انه قال نحن السائلون و نحن المجيبون انتهي اخبرني به شيخي و ثقتي و معتمدي عنه عليه السلام بالسند المتصل و يبقي الخلق امواتاً اربعمائة عام ثم ينفخ في الصور نفخة اخري فاذا هم قيام ينظرون و اشرقت الارض بنور ربها و وضع الکتاب فيحشر الخلايق کلهم اجمعون من الاولين و الاخرين و الانبياء و المرسلين و الملائکة و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 81 *»

الکروبيين و ساير الخلق اجمعين فينصبون منبراً  للنبي صلي الله عليه و آله اسمه الوسيلة له الف مرقاة من مرقاة الي اخري عدو الفرس الجواد الف سنة او خمسمائة الف سنة کل مرقاة من جوهرة من درّ و ياقوت و الماس و ذهب و فضة و امثالها فيصعد عليه النبي صلي الله عليه و آله حتي يستقر علي اعلي المراقي و الخلايق کلهم قيام صفوف ثم يأتي مولانا امير المؤمنين عليه السلام فيصعد المراقي الي ان ينتهي الي الاعلي و يقف دون النبي صلي الله عليه و آله بمرقاة ثم يأتي الائمة عليهم السلام فيقفون علي المراقي علي حسب مقاماتهم و درجاتهم ثم يأتون بلواء الحمد و هو علم الولاية الکبري و السلطنة العظمي و الرياسة العظمي للنبي صلي الله عليه و آله فيسلمها الي علي عليه السلام و هو حامل اللواء ثم يأتون بمفاتيح الجنة و النار فيسلمونها لعلي عليه السلام ثم يرد اليه حساب الخلايق فيحاسب الخلق علي حسب اعمالهم الذاتية و العرضية و يبلغهم مقاماتهم التي اعدّها لهم بامر الله سبحانه اما في الجنة او في النار فهم سلام الله عليهم هم السلاطين في الاخرة لا يرد امرها الي سواهم و کل الخلايق دونهم ينظرون لحکمهم و نفاذ امرهم و کل احد محتاجون اليهم فطوبي لمن احبهم و اقر و اعترف بولايتهم و تذلل لفضايلهم و مناقبهم و امات نفسه في طاعتهم و ضرب صفحاً و طوي کشحاً عن اعدائهم في ذلک اليوم فانه في نعيم و سرور و جنة و حبور و ويل لمن عصاهم و ابغضهم و اعرض عنهم و ادبر عن نور هدايتهم و والي اعداءهم و عادي اولياءهم في ذلک اليوم فانه في عذاب اليم جعلنا الله من اوليائهم التابعين لهديهم المقتفين لآثارهم السالکين لمسلکهم الخاشعين الخاضعين لهم المجاورين لقبورهم الظاهرية و الباطنية الواقفين ببابهم اللائذين بجنابهم صلي الله عليهم و علي ارواحهم و اجسادهم و ظاهرهم و باطنهم و لعنة الله علي اعدائهم و ظالميهم و مخالفيهم و مبغضيهم اجمعين الي يوم الدين و ابد الابدين و دهر الداهرين. هذا مجمل الامر في الکشف عن مراتبهم الظاهرية واذا طلبت ازيد من ذلک فارجع الي ما ذکرنا في شرح الخطبة الطتنجية فان فيه اموراً غريبة لا تکاد تحملها القلوب و الافکار.

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 82 *»

قال سلمه الله تعالي و سلک به مسلک رضاه: و ايضاً نستدعي من جنابک العالي ان تبين لنا المختار من اعتقادکم في المعاد هل هو جسماني او روحاني و الذي اخترتموه بينوا لنا برهانه و دليله.

اقول: هذا آخر مسائله وفقه الله لمراضيه اعلم ان المختار عندنا في ذلک ما اجمع عليه المسلمون بل المليون ممن انتحل مذهباً من المذاهب التي اتت به الانبياء و المرسلون من القول بالمعاد الجسماني و الروحاني معاً و من انکر المعاد الجسماني فقد خالف الضرورة من الدين و هو کافر اجماعاً من المسلمين و يجب قتله علي اليقين نعم قد استصعب العلماء اقامة البرهان علي ذلک و الدليل القاطع علي حشر الاجساد و اکتفوا في اثباته بما ثبت بالضرورة و الاجماع و اخبار المعصومين علي نهج القطع و اليقين و لکنا بحول الله و حسن توفيقه قد اقمنا علي العود الجسماني براهين قطعية عقلية الهية بالادلة الثلاثة من الحکمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي احسن في کثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل سيما في جواب الشاهزادة عن السؤال عن شبهة الآکل و المأکول التي صارت معرکة للاراء و ساير الرسايل و نقتصر هنا بشيء يسير من ذلک لتوفر الکلال و الملال و عدم اجتماع الحواس و تبلبل البال.

فنقول لا شک و لا ريب ان الله عز و جل کامل مطلق و عالم مطلق و کماله المطلق مع علمه و قدرته المطلقين يقتضي ان يجري فعله بدواً علي احسن طور و اشرف وجه علي اکمل ما يقتضي ان يکون عليه الممکن و اعظم طور تظهر به صفاته الجلالية و الجمالية و الکمالية و لا شک ان العلم اشرف من الجهل و العالم اشرف من الجاهل لان سعة العلم تنبئ عن سعة قدرة الله سبحانه حيث ان الله سبحانه لا يعلم من حيث ذاته و انما يعرف من حيث آثاره و افعاله فکلما يکون العلم بالخلق اکثر يکون العلم بالله اکثر  و کلما يکون العلم بالله اکثر  يکون نوره و قدرته و استنارته من الشمس المضيئة تحت قعر بحر القدر اکثر و کلما يکون نوره اکثر  يکون مقامه و مرتبته و درجته اکثر في الجنة و مقامات

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 83 *»

القرب و الزلفي ارفع و اعلي فاذا کان کذلک فاعلم انه تعالي قد سبقت کلمته بتعدد العوالم و اختلاف مراتب الاشياء اظهاراً لصفاته الغير المتناهية و رحمته الواسعة و قدرته الجامعة لتعظم بذلک الفيوضات الواردة علي المخلوقين و تحصل بذلک الترقيات الغير المتناهية و تنال به لطايف اللذات برفع طرايف الدرجات و نزول انحاء الواردات علي اختلاف الطبايع و الالوان فخلق الخلق و له الحمد و الشکر في عوالم مختلفة و مراتب متفاوتة و مقامات متعددة فلو کان المکلفين(کذا) من مخلوقاته تعالي حصل له العلم بجميع تلک الدرجات و المقامات و المراتب حتي يشاهدوا في کل مقام تجلياً من تجلياته سبحانه و ظهوراً من ظهوراته و يعظموه تعالي و يسبحوه حسب ذلک التجلي بنور العظمة لترفع لهم بذلک درجة و ينالوا به مرتبة لم تکن لهم قبل ذلک حيث اجري الله سبحانه تعالي عادته باجراء الاشياء علي الاسباب اتماماً لبالغي (لبالغ ظ) الحجة و اکمالاً لعظيم النعمة کان احسن و اولي و ابين لظهور العظمة و اتم للمعرفة و اقرب الي التصديق و اوضح للحجة و اقطع لعذر لجاج المخالفين و ادحض لحجة المعاندين و ابعد لايراد الشبهة علي المؤمنين الموحدين و اظهر لعموم القدرة و لما کان العلم علي ما هو التحقيق عين المعلوم في عالم الامکان اذ لابد ان يکون بينه و بين المعلوم مناسبة و مرابطة ليکون احدهما من سنخ الاخر اذا لم‌نقل بعينية العلم للمعلوم کما هو المشهور عند القوم وجب ان يکون للعالم من سنخ کل عالم حتي يعرفه بما عنده من وصف ذلک العالم فوجب ان يکون في کل مکلف انموذجاً من کل عالم ليعرفه به و لينال بتلک المعرفة و العلم اعلي الدرجات و اسني المقامات ففعل سبحانه و تعالي و خلق الخلق المکلفين کل واحد منهم جامعاً لجميع ما في العالم حتي تکون عناية الله في الکل علي السواء و ان اختلف المکلفون بالاعمال في اظهار تلک العوالم بتلک العناية و عدمه الا ان الوجود لئلا يکون في ما من الله نقص و لا يکون للناس علي الله حجة فمما لابد منه و لذا قال اميرالمؤمنين عليه السلام مخاطباً للمکلف:

أ تزعم انک جرم صغير                       و فيک انطوي العالم الاکبر

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 84 *»

و انت الکتاب المبين الذي                         باحرفه يظهر المضمر

و لماکان کليات العوالم الف الف و المکلف جامع للعوالم يجب ان يکون هذه العوالم کلها فيه لقوله عليه السلام و فيک انطوي العالم الاکبر  و لما ثبت بالدليل القطعي ان کل شيء مکلف مختار ذو شعور و ادراک و يجب ان لا يکون ما من الله ناقصاً وجب ان يکون کل شيء حاوياً و جامعاً لکل شيء حتي يصح ما قال الشاعر:

کل شيء فيه معني کل شيء                        فتفطن و اصرف الذهن الي

کثرة لا تتناهي عددا                                      قد طوتها وحدة الواحد طي

و لماکان هذه المراتب مختلفة في الصفاء و الکدورة و اللطافة و الکثافة و النورانية و الظلمانية و التجرد و المادية و الطفرة في الوجود باطلة فوجب ان يکون هذه المراتب متنزلة الاعلي فالاعلي و لما کانت المرتبة السفلي مقام الکثافة بالنسبة الي الاعلي فتلک اللطيفة الالهية التي هي حقيقة الشيء متنزل من الاعلي الي الاسفل فعند النزول الي کل عالم يلبس لباس ذلک العالم و يتصف بصفته و يجري عليه حکمه و هو قوله عز و جل و ان من شيء الا عندنا خزائنه و ما ننزله الّا بقدر معلوم.

و ها انا اذکر لک بعض مقامات عالم النزول البدوي لتستبين منه حال الصعود العودي فان الصعود عين النزول و البدو عين العود. فنقول ان الله سبحانه لما خلق ذلک النور الرباني و السر الصمداني و النقش الفهواني و الخطاب الشفاهي و هي الحقيقة الانسانية و حقيقة کل شيء فامره الله سبحانه بالادبار لتحقق المراتب لاثبات ما حکم الله و قدر فادبر ذلک النور و دخل بلد الهوية و منه سافر الي بلد الالوهية و منه سافر و نزل الي مأوي الاسماء الکلية و منه الي مسکن الصفات النوعية و الشخصية و منه الي معدن المعاني اي معاني الصفات کالجلال و الجمال و الکبرياء و منه الي مقر اهل المحبة و اصحاب الذوق و المودة و منه الي مقام اهل دليل الحکمة و ينبوع الاسرار الذوقية و منه الي مقام قاب قوسين و منه الي رتبة‌ العقل المرتفع ثم منه الي المستوي ثم منه الي المنخفض ثم منه الي مقام السدرة المنتهي و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 85 *»

تفرد علي اغصانها باوراقها اذ يغشي السدرة‌ ما يغشي ثم منه الي مقام الروح ارض الزعفران ثم منه الي شجرة طوبي ثم منه الي الجنة العليا ثم الي الرفرف الاخضر و منه الي مقام النفس و محل الانس و رتبة الايتلاف و هيهنا مبدأ الذر الاول او الثاني او الثالث و هناک محل الاختلاف و منه الي مقام الکثيب الاحمر ثم الي مقام الطبيعة النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة ثم الي رتبة الهيولي و مقام الهباء و المواد الجسمانية و هذا هو البحر الذي حصل من ذوبان الياقوتة الحمراء لما نظر اليها الحق سبحانه و تعالي بنظر الهيبة و تلک الياقوتة هي الطبيعة و البحر هو المادة الجسمانية دخان ذلک البحر لطايف تلک المادة فصارت منها السموات بطبقاتها حسب ما لها من اللطافة و زبد ذلک البحر کثافة تلک المادة من جهة صلوح لحوق الاعراض و الغرايب فصارت منها الارضون بطبقاتها و مراتبها ثم منه الي عالم الصور و الاشباح و المثال و جنة هورقليا و جابلصا و جابلقا ثم الي العرش محدد الجهات اي محدبه ثم الي مقعره ثم الي فلک الکرسي ثم الي فلک البروج ثم الي فلک المنازل ثم الي الشمس ثم من الشمس الي فلک زحل و القمر ثم منها الي فلک المشتري و عطارد ثم منها الي فلک المريخ و الزهرة ثم نزل الي کرة النار ثم الي کرة الهواء بمراتبها الثلاثة بل الاربعة ثم الي کرة الماء کله ثم الي التراب مظهر اسم الله المميت و ذلک نهاية‌ الادبار و لما کان مقام الادبار هو الادبار عن النور فلا شک ان مقام التنزل يورث الظلمة و هي تحدث البرودة و اليبوسة و ضعفت الحرارة و الرطوبة حينئذ شيئاً فشيئاً  الي ان تغلب البرودة و اليبوسة فتخفي المراتب کلها في التراب و تموت فيه و لهذا السرّ کان التراب بارداً يابساً في الطبيعة طبع الموت و لما کان سرّ التنزل کما ذکرنا کون الشيء جامعاً مملکاً و يتحقق العلم و المعرفة اللذان هما الغاية في خلق العالم فوجب اثبات هذه المراتب و عدم افنائها و اعدامها و الّا لزم ان لا يکون الصانع حکيماً او لا يکون عالماً او لا يکون قادراً و الشقوق کلها باطلة بالضرورة الاولية.

و لما تحققت المراتب و غلبت الکثرات و ظهرت طبيعة الموت و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 86 *»

خفي ذلک النور و تمکن الغيور و خفيت المراتب العالية ايضاً اراد الله سبحانه امضاء ما اراد و اظهار ما احکم و ابرام ما اتقن امره بالاقبال بعد ما امره بالادبار و لما بينا ان المراتب يجب اثباتها و المقامات المتحققة في عالم النزول بالنزول يجب عدم محوها و افنائها وجب ان يکون الصعود علي خلاف طريق النزول و الا لکان النزول خالياً عن الثمرة و الفائدة و الله سبحانه اجل من ذلک فوجب ان يصعد بحيث تکون المراتب کلها محفوظة و يعود کل مرتبة ‌الي صفائها الاصلية فاخذ في الصعود بما يحفظ به المقامات فاول صعوده کان في مقام الجماد و المراتب کلها مجتمعة فيه غير متميزة بل متهيئة (متعينة خ‌ل) للظهور بالقوة البعيدة ثم ترقي الي مقام النبات باسباب حرکات الافلاک و تعاقب الليل و النهار و وقوع اشعة الکواکب و نضجه بالحرارة المعتدلة و الرطوبة السائلة و البرودة الحافظة و لو اردنا ان نشرح کيفيتها لطال بنا الکلام ففي هذه المرتبة ظهرت العناصر الاربعة التي کانت کامنة مستجنة فيه بآثارها فالحرارة و الرطوبة التي هي الهواء مالت به الي النضج و الهضم و التعفين و التقطير فالماء يدفع الفضلات الغريبة و النار تلطف الاجزاء و تصعد بها الي الاعلي و الهواء يدبر الاجزاء و يناسب بين احوالها لا ان يجعلها صالحة للغذاء و ان يکون جزء للبدن و الارض تحفظ الاجزاء و تمسکها عن الاضمحلال و الدثور و بهذا الاسباب وجد النبات و ظهرت العناصر معلنة بآثارها و بقيت المراتب الاخر في مقام الخفاء و الاستجنان ثم بعد النضج الاخر صعد الي مقام الحيوان و اعتدلت الطبايع و نضج البدن حتي شابه جوهر جوزهر القمر ظهر فيه سر  الحيوة و ظهرت فيه ما کان کامناً و مستجناً فيه من قوي الافلاک و الکواکب و السيارات و الثوابت و العرش و الکرسي ثم صلح البدن بکثرة النضج و الطبخ في بطن الام الي ان خرج منها و قوي التأثير بتدبير  الشمس و القمر  بمعونة الحرارة الغريزية و عمل الملائکة المدبرات کل ذلک باذن الله تبارک و تعالي الي ان کمل و ظهر  العقل في الجملة فخرجت النسمات معلنة بالثناء علي خالق السموات و تميزت المراتب و الدرجات الا ان ظهور تلک المراتب صارت بالسنة الطلبات و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 87 *»

القابليات و لذا اختلفت في الظهور في الاعتدال و عدمه و غلبة طبيعة من الطبايع علي حسب تلقيها لتلک الاسباب لکن هذه النسمات لما خرجت من الکثافات و الظلمات الادبارية جهلت ما يقتضي کينوناتهم من التمسک بالاسباب الموصلة الي مقاماتهم الاصلية من الدرجات و النکبات حسب قبولهم و انکارهم في الذوات فکلفها الله سبحانه بالتکاليف التي هي الاسباب الموصلة کالشمس و القمر و ساير الکواکب في الوصول الظاهري و تلک الاسباب هي الشريعة المعروفة و الاخذ بها سبب الوصول کالاعراض عنها.

فلما نالوا نصيبهم من الکتاب و تمت هياکلهم بتلک الاسباب اراد الله سبحانه کشف الغطاء عن بصايرهم و ابصارهم ليرون مقامهم و اطوارهم و احوالهم و درجاتهم و ما خلقوا لاجله و ما بلغوا اليه بالاسباب التي اعد الله سبحانه لهم و لما کان تلک الحجب و الاغشية و الکثافات الخارجية تمکنت لاجل ادبارهم في کل مراتبهم من اجسادهم و اجسامهم و ارواحهم و نفوسهم و عقولهم و رسخت في کل ذرة من ذرات وجودهم و اخراج تلک الکدورات و الحجب لا يمکن حسب الاسباب الّا بذوبان کل الاجزاء ليحترق الفاسد و يبقي الاصل الثابت کما قال عز و جل فاما الزبد فيذهب جفاء و اما ما ينفع الناس فيمکث في الارض فالخلق بعد بلوغهم رتبة التکليف اما الي الجنة او الي النار الّا ان بينه و بين ادراک ملاذها و آلامها حجاب يمنعه عن الالتفات و ذلک الحجاب هو تلک الاوساخ الراسخة في مراتبه و ذاتياته فالله سبحانه يکشف ذلک الغطاء فيجد نفسه حينئذ في القيامة قبل التصفية البالغة عن الخلط و اللطخ فيجد حينئذ الصراط و الميزان و تطاير الکتب فاذا خلص عن ذلک کله يجد نفسه اما الي الجنة او الي النار نستجير  بالله من النار و هو قوله تعالي فکشفنا عنک غطاءک فبصرک اليوم حديد و قوله تعالي کلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين و قوله تعالي يصلونها يوم الدين و ما هم عنها بغائبين و قوله تعالي الذين يأکلون اموال اليتامي ظلماً انما يأکلون في بطونهم ناراً و سيصلون سعيراً  و قال الصادق عليه السلام لمن قال ادخلني الجنة لا تقل

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 88 *»

هکذا انتم في الجنة قل اللّهم لا تخرجنا منها فاذا وجب کشف الغطاء و ذلک لا يمکن الا بذوبان الاجزاء کالذهب المغشوش و کاللبن اذا ارادوا ان يستخرجوا منه الزبد و الدهن وجب کسر  الصيغة في کل من فيه خلط و کدورة خارجية و ذلک الکسر هو عبارة عن الموت فبه يحصل الکسر.

و لماکانت المراتب متمايزة فمن تمايزت مراتبه کلها في هذه الدنيا ينکسر  اولاً جسده و جسمه لانه الادني و کل ادني في القوس الصعودي يظهر اولاً فتنکسر صيغة هذا الجسد و تنهدم بنيته و تبقي الروح في عالم المثال ساهرة لا تنام اما الي النعيم او الي الجحيم و يبقي الجسد مندکاً منهدماً لان يطهر من الاوساخ و يعود الي اصله الذي کان قد بدأ منه اولاً  کما کان آدم عليه السلام قد خلق في الجنة بجسمه و جسده و هو في الصفاء و اللطافة اصفي و الطف و اقوي من جسم العرش محدد الجهات و اما الروح فتبقي في عالمها منعمة او معذبة و ذلک هو عالم البرزخ و شرح احواله يطول به الکلام و هي کذلک الي ان يأتي اوان تصفية الروح و ساير المراتب و ذلک يکون کلياً عند نفخة الصور عند موت عالم الکلي فانه ايضاً رجل عبد الله مکلف لابد له من التصفية و هو لما کان اقوي بنية و انضج طبيعة يکون کسر جسده مع کسر ارواح ساير المخلوقات ممن لم‌يدرکوا (لايدرکوا خ‌ل) زمان الرجعة و دولة الکرة فاذا نفخ في الصور فصعق من في السموات و الارض و مات الخلق کلهم من النفوس و الارواح و العقول فيبقي لا حس و لا محسوس الا من شاء الله و هم الذين لم يتطرق في ذواتهم و لا في مراتبهم الاصلية من اجسادهم و لا ارواحهم و عقولهم خلط و لا لطخ و کدورة و اعراض و ظلمة فلا موجب حينئذ لکسر صيغتهم و اهدام بنيتهم و فعل ذلک يورث العبث و الفساد و الله سبحانه منزه عن ذلک و هولاء هم محمد و آله الاربعة عشر المعصومون صلوات الله عليهم و علي ارواحهم و اجسادهم و اجسامهم و ظاهرهم و باطنهم فيبقي الخلق امواتاً غير احياء و ما يشعرون ايان يبعثون فيأتيهم النداء من الملک الاعلي اين الجبارون اين المتکبرون اين الذين اکلوا رزقي و عبدوا غيري لمن الملک اليوم فيجيب عن

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 89 *»

نفسه لله الواحد القهار و في الحديث عن الصادق عليه السلام قال نحن السائلون و نحن المجيبون کما تقدم في المسألة السابقة.

و بالجملة فالخلق يبقون امواتاً الي اربعمأة سنة و لما کانت الارواح تطرق الخلل و الفساد فيها اقل فيکتفي بهذه المدة المعلومة بخلاف الجسم فان تطرق الخلل و الفساد فيه اعظم و قولي سابقاً  فمن تمايزت مراتبه کلها في هذه الدنيا مرادي ان من لم يتميز جميع مراتبه و ما حيي الّا جسده من ساير المستضعفين فهؤلاء لهم ميتة واحدة فاذا مات جسدهم و کانت ارواحهم ميتة قبل فلا يکون لهم برزخ و لايحيی هذه (هؤلاء خ‌ل) الاشخاص الا بعد النفخة الثانية.

فبعد هذه المدة التي ذکرناها ينزل من البحر الذي تحت العرش و اسمه المزن و الصاد و النون ماء رائحته رائحة المني فيمطر اربعين صباحاً بحيث يکون وجه الارض کله ماء واحداً فتنبت اللحوم المصفاة و الاجزاء المنقاة من کل کثافة و رذالة و هي صافية نقية لطيفة اصفي من محدب محدد الجهات بل اصفي من غيبه لان لبه و صافيه بالنسبة الي ظاهره کلبّ اجسامنا و صافيها بالنسبة الي ظاهر القشور فتذهب تلک الاعراض عن الجسد بکثرة الحل و الدک و البقاء في الارض کما تذهب الاوساخ بکثرة الدلک في الحمام و الماء الحار و يبقي الجسم الحقيقي الذي خلقه الله عليه في الجنة ليصح قوله تعالي کما بدأکم تعودون و کذلک الارواح بعد ان تتصفي بذهاب الاوساخ عنها مما لحقها في حال الادبار و التنزل فينفخ في الصور نفخة اخري فاذا هم قيام ينظرون فيرد کل روح و يتصل ببدنه اتصال المحب بالمحبوب و العاشق بالمعشوق فلا مفارقة بينهما و لا زوال لارتفاع الموانع و کشف الغطاء و وجود المقتضي و کون الترقي الي الاعلي فتحشر هذه الارواح الدنياوية بعينها الا انهما علي کمال الصفاء و اللطافة اما في النورانية او في الظلمانية فلو لم تتلطف لم يکن فرق بين الدنيا و الاخرة و لما صح قوله تعالي فکشفنا عنک غطاءک فبصرک اليوم حديد فافهم.

فظهر لک ان شاء الله تعالي من هذا البيان التام الواضح العام ان العود لايکون الا بهذا الجسم لا غير.

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 90 *»

و اما ما اوردوا في هذا المقام من شبهة الآکل و المأکول المشهورة فعلي ما قررنا لک لا يبقي لها مجال فان من اکل آدمياً و صار غذاءه و نبت لحمه و دمه منه فاذا رجع کل شيء الي اصله رجع ما اکل الي التراب و اما الجسم الحقيقي لذلک الآدمي المأکول فليس بمأکول و لاتهضمه (فلاتهضمه خ‌ل) القوة الهاضمة الدنياوية فانها اعلي من صفو  الافلاک فکيف تهضمه القوي المرکبة من هذه العناصر أ لا تري ان الرجل اذا سمن سمناً زايداً عن الحد لا يخرجه عما هو عليه من کونه ذلک الرجل و اذا هزل کذلک کذلک فصار المعلوم ان مدار الشخص الجسماني الذي تدور عليه روحه ليس الّا تلک الطبيعة (اللطيفة خ‌ل) الصافية التي تبقي في القبر مستديرة و لا تغيره الليل و النهار و هو الجسم الحقيقي و لا يلزم ان يکون جسماً کثيفاً أ لا تري الافلاک هي اجسام حقيقية و لا کثافة فيها و هذا جسم النبي صلي الله عليه و آله جسم حقيقي و لکنه الطف من صفو الافلاک فلا يکون له ظل اذا استشرقت به الشمس و اما رؤية الخلق لذلک الجسم المطهر فهي انما کانت بارادة منه صلي الله عليه و آله اما بان يرقي الخلق و يقوي ابصارهم حتي يتمکنوا من النظر اليه او بان يتنزل الي مقامهم بحکم و للبسنا عليهم ما يلبسون فالجسم الحقيقي لکل شيء لايکون غذاء لشيء آخر فاذا اکل احد اجسام کل الناس ما صار جزء بدنه الاصلي شيء‌ من تلک اللحوم و انما صار اعراضها جزءاً لاعراضها کما اذا تراکمت الاوساخ و التأمت و نضجت تحرکت و صار لها روح جزئي عرضي أ لا تري الفيران المتکونة من الطين و يتفق ان يکون النصف طيناً و النصف الاخر فارة و کذلک العقارب تتکون اذا نديت اللبنتين و جعلت احداهما علي الاخري أ لا تري القمل و البراغيث فانها تتولد و تتکون من الاوساخ و بالجملة تلک الاجزاء الاصلية تبقي غيباً في الاجزاء العرضية التي صارت جزءاً لهذه الاوساخ العرضية کبرادة الذهب في دکان الصايغ و لا يفني و لا يعدم و لا يکون جزءاً لشيء الي ان تعود کما کانت و کيف تکون جزءاً للاخر و انه نزل من سدرة المنتهي بل کان نوراً ذائباً کان في حجاب العز  يسبح الله سبحانه بالف لسان و في کل لسان الف لغة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 91 *»

فلما استشعر بنفسه و شاهد عظمة ربه استبطن الخوف و غلبت عليه برد الخوف فانجمد فکان الماساً فانغمس في بحر الهيبة و تردي بالخشوع و تأزر بالخضوع فقام منتصباً للقيام بالخدمة فظهر  له مقام القدرة و القهر فبکي من هيبة القهار اربعمأة الف عام دماً عبيطاً بقوة حرارة قلبه و مزجها ببرودة خوفه المتحصل منها الدم العبيط حتي غرق في ذلک البحر و مات من شدة الوجد ثم افاق من غشوته دخل في حوصلة الطير الاخضر من طير القدس فطار به الي عالم الانس فلما استوفي حظه فخرج يطلب مرکزه فالتقمه الحوت فسار به في ظلمات ثلاث حتي اتي به الي ساحل البحر الاخضر اطلعه من بطنه فتناثرت اعضاؤه فصادته الطيور و لحقته به الي الطاير الاول الاخضر فترمي به في ارض الزعفران فتقوي و استقام فحکي صنع الملک العلام فظهر يحکي آية الله سبحانه في ملکه و ملکوته حتي ظهرت مفصلة في النفوس فظهرت في الافلاک و وجدت علي هيکلها و هذا هو حقيقة الشيء من روحه و جسمه فکيف يکون جزءاً لحقيقة اخري مثله مع ان تلک الحقيقة ايضاً کاملة في نفسها و مکملة لقوسي الاقبال و الادبار ولکن لما انجمدت القرايح و الطبايع و غلبت البرودة و اليبوسة و الرطوبة و تولدت منها الامراض المزمنة و ظهر المرض في کل جزء من اجزاء الاکوان الارضية السفلية فکانوا لا يبصرون و لا يعقلون و يتوهمون ان الآدمي حقيقة يکون غذاء لآدمي آخر و ذلک معلوم هذا البيان التام ان شاء الله.

و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و الحمد لله رب العالمين. قد وقع الفراغ من تسويدها بيد منشيها في الثاني عشر من شهر ربيع المولود في سنة 1238 مع کمال اختلال البال و اغتشاش الاحوال و عروض الامراض المانعة من استقامة الحال مع ما برز من تهجم امواج الهموم و الغموم و الله المستعان و عليه التکلان و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.