07-04 جواهر الحکم المجلد السابع ـ رساله الحجة البالغة ـ مقابله

رسالة الحجة البالغة

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

Top of Form

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 99 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي اوضح السبيل باقامة البرهان و الدليل و ابطل حجج اهل الضلال و التضليل ببيّنة واضحة عظيمة منه و هو الرسول السيد الجليل و المولي النبيل و آله و خلفائه الذين بهم صان الموجودين عن التغيير و التبديل.

اما بعد؛ فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني المقيد بوثائق الآمال و الاماني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان السيد السند و الاخ المعتمد السيد احمد بن سيد حسن الحسيني قد كتب الي كتاباً علي طريقة اصحاب السلوك محصله الرد علي اليهود و النصاري و اثبات نبوة محمد صلي الله عليه و آله سيد الانبياء و اثبات ولاية امير المؤمنين عليه السلام و خلافته و خلافة اولاده و اوصيائه سادة الاوصياء ع (الاولياء خ‌ل) و اثبات الحق و تزييف الباطل في ما اختلفت الفرقة المحقة بما ينسب و يتصل بهؤلاء الائمة الامناء عليهم سلام الله ما دامت الارض و السماء و قد اتاني كتابه في حال تبلبل البال و اختلاف الاحوال و عروض الاعراض (الامراض خ‌ل) المانعة من استقامة الحال و ابتلائي بمكايدة الاهوال و الشدايد و مقاساة اهل المكائد و في مثل هذه الحالة ما عسي ان اقول في هذا المقام الصعب من الرد و القبول فبادرت الي ذكر بعض الكلمات و الاتيان بما هو الميسور لانه لا يسقط بالمعسور و ها انا اذكر كلماته بالفاظها و لم اتعرض الا لشرح ما هو محل السؤال و الله المستعان علي كل حال.

قال سلمه الله تعالي بعد البسملة: يا مولينا اسئل الله الجليل ان يجعلك هادياً الي السبيل و ان يرينا الحق حقاً حتي نتبعه و الباطل باطلاً حتي نجتنبه.

اقول ان الله سبحانه يجب ان يجعل دائماً في الخلق علم هداية و رشاد و دليل بين العباد لان الله سبحانه بعد ان انزل الخلق من عالم الارواح الي عالم الاجسام (الاجساد خ‌ل) و من عالم السعة الي عالم الضيق و من عالم العلم

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 100 *»

الي عالم الجهل ليريهم قدرته و يبين لهم حكمته و يعرفهم ضعفهم و نقصانهم حتي يقروا بربوبيته فاتي بهم الي هذه الدار المظلمة الغاسقة المكدرة المدلهمة ثم جعل سبحانه لهم ادلاء راشدين و علماء مستحفظين و حفاظاً معصومين حتي يبين لهم ما جهلوا و يردعهم اذا تعدّوا و يظهر لهم الحق اذا عموا و لم يجعلهم في الحيرة هائمين و لا في الجهل مغمورين بل بعث لهم علماء ذاكرين فقال لهم فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون قال تعالي فلا و ربك لا يؤمنون حتي يحكموك في ما شجر  بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليما فلم يزل رسل الله تتري يتلو بعضهم بعضاً يهدون الخلق الي الله و يدلونهم الي سبيله حتي تتم حجة الله و تكمل نعمة الله و لئلا يقولوا لولا ارسلت الينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل ان نذل و نخزي الي ان انتهت النبوة (النوبة خ‌ل) الي محمد صلي الله عليه و آله صاحب النور الابهر و الجبين الازهر و حامل الاسم الاكبر فقام فيهم هادياً مهدياً و كان بالمؤمنين عطوفاً رحيماً و ولياً حفياً فلما انتهت ايامه و لم تظهر كمال الظهور احكامه اقام نفسه مقامه و لم يزل الخلفاء و الاوصياء بين اظهر الخلق لهدايتهم و دلالتهم الي ان مد الجور باعه و اسفر الظلم قناعه و دعي الغي اتباعه فلبوه في كل مقام و اعرضوا عن اولئك الاعلام عليهم من الله آلاف التحية و السلام الي ان قتل من قتل منهم و سبي من سبي الي ان اقتضت المصلحة لآخرهم الغيبة فغاب عن ابصار الناس الذين يوسوس في صدورهم الخناس من الجنة و الناس فمااقتضت (فمااقتضي للحق سبحانه خ‌ل) حكمته ان يجعل الخلق مع ذلك في ظلمة بهماء و حيرة صماء لا يمكنهم الاهتداء الي السبيل و لا يسعهم مشاهدة الحق ان راموه بالدليل اكمالاً للنعمة لهم و اتماماً للحجة عليهم فجعل للغائب المنتظر و النور المستتر نواباً و ابواباً هم العلماء الراشدون و الامناء المهتدون قواماً للدين المبين و اركاناً للشرع المتين و جعلهم اوعية لسره و خزنة لبعض علمه الذي تحتاج اليه رعيته و هم القري الظاهرة للسير الي القري المباركة فقال تعالي و جعلنا بينهم اي بين الخلق و بين القري التي باركنا فيها

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 101 *»

و هم الائمة قري ظاهرة و هم اولئك الاعلام من العلماء الكرام الذين يتأدبون بآداب ائمتهم و ينهجون منهجهم هجم بهم العلم علي حقيقة الايمان فاستلانوا من احاديثهم ما استوعر علي غيرهم و استأنسوا بما استوحش منه المكذبون و اباه المسرفون اولئك اتباع الامام و للدين عصام و للشرع قوام و الهداة للانام فيجب علي الخلق اتباعهم و التجنب عن خلافهم لانهم العدول الذين ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين و قد وصف الله سبحانه شأن من خالفهم و اعرض عنهم بقوله الحق و قالوا ربنا باعد بين اسفارنا يعني ليس لنا حاجة الي هؤلاء الاعلام بل نصل الي الائمة عليهم السلام من دون الاقتداء بهم و الاخذ عنهم فاخبر الله سبحانه عن سوء حال هؤلاء القائلين و قبح عاقبة المعرضين الخاسرين بظلمهم انفسهم و تنكبهم عن جادة الهداية الموضوعة لهم فقال سبحانه و ظلموا انفسهم فجعلناهم احاديث و مزقناهم كل ممزق باختلاف آرائهم و اختلاف اهوائهم و عدم اهتدائهم الي الحق الواحد و جعل صدورهم ضيقة حرجة كأنما يصعد الي السماء و لكن في هذا الزمان حصل مدّعون يدّعون كل يقول انا ذلك العالم المنصوب للهداية من جانب صاحب الولاية مع اختلاف آرائهم و تباين اهوائهم،
و كل يدعي وصلا بليلي       ** * **      و ليلي لاتقر لهم بذاكا
اذا انبجست دموع في خدود       ** * **      تبين من بكي ممن تباكي
و حيث ان الحق لا بد ان يكون ظاهراً و طريقا مهيعاً وجب ان يكون لحامل الحق و الناطق بالصدق و نائب الامام و الحاكم عنه عليه السلام بين الانام دلالات و علامات بها تتبين المحق من المبطل و الموافق من المنافق و الصديق من العدو ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة و هذه العلامات و البينات و الدلالات علي قسمين اجمالية و تفصيلية فالاجمالية تقدم بيانها الان و التفصيلية نؤخرها ليكون بدو هذه الرسالة و ختمها كوضعها لبيان الهادي الي الخلق و الدال عليه و الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها.

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 102 *»

فاقول اما العلامة الاجمالية فهي التي اشار اليها مولينا الصادق عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة و العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد (المحل خ‌ل) علي ما قالوا في هذه المقبولة في مقام الشهرة فقال عليه السلام انظروا الي رجل منكم روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فارضوا به حكماً فاني قد جعلته عليكم حاكماً و اذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فكأنما بحكم الله استخف و علينا رد و الراد علينا الراد علي الله و هو علي حد الشرك بالله الحديث، و شرط الامام عليه السلام لهذا الحاكم الذي جعله الله سبحانه للخلق و جعل الراد عليه كالراد عليه سبحانه ثلاثة شروط:

الشرط الاول انه يروي حديثهم و ينقطع من كل ما سواهم و يستأنس بحديثهم و يميل قلبه اليهم حتي يحصل له بمزاولة رواياتهم و ممارسة احاديثهم عقلاً شرعياً الهياً و تستأنس قواه و مشاعره بكلماتهم و رواياتهم لتحصل بها له الطبيعة الشرعية الالهية فان الطبيعة تأخذ بمجرد الممارسة و المجاورة كما قال الشاعر :

عاشر اخا ثقة تحظي بصحبته       ** * **      فالطبع مكتسب من كل مصحوب
كالريح آخذة مما تمرّ به       ** * **      نتناً من النتن او طيباً من الطيب
و لذا قالوا عليهم السلام علموا صبيانكم احاديثنا قبل ان تسبق اليهم المرجئة فاذا اشتغلت برواية احاديثهم و النظر في رواياتهم و معرفة مقاماتهم و مراتبهم تطيب الطبيعة و تحسن الفطرة و تميل الي الاستقامة و يذهب عنه الاعوجاج باعتدال المزاج فتقبل ما وافقهم عليهم السلام و تنكر ما خالفهم و تستأهل استيهالاً تاماً لقبول الفيوضات النازلة منهم عن الله الواصلة اليها و هذا هو الشرط الاعظم.

الشرط الثاني النظر في حلالهم و حرامهم. الحلال ما كان متعلق الامر الالهي سواء كان الزامياً او غير الزامي و يدخل فيه المباحات التي هي عبارة عن الرخص و الحرام ما تعلق به النهي سواء كان تحريمياً او تنزيهيا و هذا ليس خاصاً بافعال المكلفين من عباداتهم و معاملاتهم من عقودهم و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 103 *»

ايقاعاتهم و حدودهم و احكامهم بل جميع الذرات الوجودية في جميع الموضوعات و العلوم لهم عليها امر و نهي فيحصل بذلك فيه حلال و حرام فالشخص الالهي الذي حصلت به الفطرة الشرعية الالهية يجب عليه ان لا ينظر و لا يتوجه الا الي حلالهم و حرامهم و كل الاشياء من الموجودات و الشرعيات لا تخرج عنهما لان الاشياء انما قبلت ولايتهم لما عرضت عليها او انكرت اياها وافقت محبتهم او خالفت فالموافق القابل هو متعلق الحلال علي اختلاف الجهات و المراتب و المقامات و المخالف المنكر هو متعلق الحرام كذلك فالوجودات التكوينية كلها اما حلالهم و اما حرامهم فيجب علي العالم القائم مقامهم عليهم السلام النظر في حلالهم و حرامهم و يقتصر عليهما و لا يلتفت الي ما لا يرجع (ليس مرجع خ‌ل) اليهم و ينتسب اليهم من دواعي الانيات و جهات الماهيات من العلوم الرسمية التي لا تنسب الي نبي و لا ولي بل يشارك في الخوض فيها و البحث عنها كل كافر ملحد ردي و الذي يشارك العامة لا يتفرد به الخاصة.

و لما كان لا كل من نظر وصل و لا كل من وصل عرف فشرط عليه السلام الشرط الثالث و هو قوله عليه السلام عرف احكامنا و الاحكام جمع مضاف يفيد العموم الاستغراقي الشامل لجميع الافراد فيكون الناظر في حلالهم و حرامهم يجب ان يعرف جميع احكامهم فان لهم سلام الله عليهم حكماً في كل شي‌ء فان لم يعرفها لا يقدر علي رد الغالين و انتحال المبطلين فان اهل الباطل لهم في كل شي‌ء طريق الي اظهار باطلهم لان كل شي‌ء له جهة ظلمة يناسب بها اهل الباطل فلا بد ان يكون هذا الحاكم عارفاً بمحال ظهور الابالسة و الشياطين و لا تطرد الشياطين الّا بنور الولاية الظاهرة في جهة النور من الشي‌ء فيتوقف حفظ دينهم علي معرفة جميع احكامهم عليهم السلام و لا يعرف جميع احكامهم الا بكمال الاتصال بهم عليهم السلام في العلم و العمل لان امير المؤمنين عليه السلام قال ما من عبد احبنا و زاد في حبنا و اخلص في محبتنا و سئل مسئلة الا و نفثنا في روعه جوابا لتلك المسئلة و المحبة منافية في (تنافي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 104 *»

خ‌ل) مخالفة المحبوب و نسيانه و انكار فضل من فضايله و مقام من مقاماته فيقول عنهم و يشير اليهم و يستدل بهم و يدل عليهم و يدعو اليهم و يأخذ عنهم و يعتمد عليهم و ينقطع اليهم و يعرف بهم و يسم بسمتهم و يسلك منهجهم و يقفو اثرهم،

اليكم و الّا لا تشد الركائب       ** * **      و منكم و الّا لا تنال الرغائب
و فيكم و الّا فالحديث مخلق       ** * **      و عنكم و الّا فالمحدث كاذب
و هذا مجمل المقال في العلامة الاجمالية.

فاذا وجدت هذه العلامات في الشخص فاعلم يقيناً انه الهادي الي الطريق القويم و المرشد الي النهج المستقيم و القرية الظاهرة للسير الي القري المباركة و الحاكم العادل عن السلطان العادل فتمسك به و لا تتخلف عنه فتكون من الهالكين فافهم هذه المقدمة النافعة و كن من الشاكرين و هذا العالم هو الذي يهدي الي السبيل و يري الحق حقاً و الباطل باطلاً  ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة نسئل الله سبحانه ان يجيب دعوتك و يجعلنا من اولئك الكاملين الهداة المهديين و يخلصنا في معرفتهم بحقهم و بشأنهم صلي الله عليهم.

قال سلمه الله تعالي اخبر جنابكم بان الحقير كأني كنت نائماً و استيقظت ليلاً  فاول وقوع نظر عين بصيرتي علي نفسي و علي تصويرها و تكوينها و تفضيل ظاهرها و باطنها و اذا هناك امر عظيم لا يدركه احد من الناس.

اقول قوله كأني كنت نائماً يريد به الغفلة و الجهل فان النائم و ان كان يتنفس نفساً ينبئ عن الحيوة لكنه غافل ذاهل معطل الحواس و المشاعر  له قلب لا يعقل به و له عين لا يبصر  بها و له اذن لا يسمع بها غافل عن احوال نفسه غفلة تامة و الي هذا المعني يشير  قوله عليه السلام الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا و قوله و استيقظت ليلاً  المراد به التنبيه و الاستشعار بمقام نفسه و عجائب خلقه و انحاء الروابط و القرانات و الصور و الهيئات بمراتب الاتصالات و الانفصالات و الوحدات و الكثرات و انحاء الاحاطات من

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 105 *»

الصورية و المعنوية و ربط الماديات بالمجردات و قران العلويات بالسفليات و اتصال الاسباب بالمسببات و العلل بالمعلولات و ظهور المدبر المصور في هذا المصنوعات و هو  استيقاظ بعد المنام.

و انما قال ليلاً  لان التنبه (التنبيه خ‌ل) اجمالي و اجماله ما تفصل و ابهامه ما تبين نعم عرف ان له صانعاً و لكنه لم يعرف توحيده و اركان التوحيد و مظاهر التجريد و التفريد و وسائط الفيوضات و الاسباب الموصلات و الموانع القاطعات و شروط لا اله الا الله و حملتها و مظاهرها و اركانها و افعالها و مظاهر افعالها و اسمائها و مظاهر اسمائها و جهات حكمتها و نسبة كينونة العباد اليها و ابوابها و معاني ابوابها و ابواب ابوابها و هو في الجهل مقيم في ليل بهيم و في وادي الحيرة يهيم و لذا قال انه استيقظت ليلاً و لذا؛

قال سلمه الله تعالي: فعلمت ان المنشأ و المحرك و المسكن لها غيرها و مع ذلك وجدتها عاجزة قاصرة محتاجة الي مدبر غيرها من جميع الوجوه و كل الجهات و مع هذا كلّه اراها مدبرة باحسن تدبير فعلمت ايضاً علماً قطعياً بان المدبر  لها و ذا المنن عليها هو الذي انشأها اول مرة فقلت في نفسي هذا الحكيم ما يصنع عبثاً و ان هذا المنعم عليّ يستحق ان اكون معرضاً نفسي لانواع خدمته و لكني ان اصبحت سئلت عنه ممن هو اعرف مني به و بخدمته ان حصل لي ذلك.

اقول: هذا الكلام محكم لا شك فيه و لا خفاء و مراده في هذا الاصباح (بهذا الصباح خ‌ل) الاخذ في التنبيه التفصيلي لمعرفة احكامه و شريعته المتوقفة لمعرفة المبلغ المتوقفة لتعيينه و تشخيصه ليكون علي بصيرة منه ليكون بابه الي مبدئه و صانعه فقصد بذلك معرفة النبي و الولي و الحامل لعلمهما الموصل الي ولايتهما و حيث انه قريب الوصول و المنال و ما كان حاصلاً  له في الحال اتي بالشرطية معبراً عنها بــ «ان» دون «لو»  لتحقق وقوعه و ترتب وصوله و ان الله سبحانه لا يخيب من قصد بابه مؤملاً و اناخ بفنائه راجياً و قد وعد و هو  سبحانه لا يخلف الميعاد بقوله تعالي الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و قوله و علي الله قصد السبيل و قوله تعالي لا تحرك به لسانك

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 106 *»

 لتعجل به ان علينا جمعه و قرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه و من هذه الجهة زاد تنبها و طلع له الفجر اليقين.

قال سلمه الله تعالي: فلما اصبحت تهيأت للخروج هائماً  لعلي اصادف من اطلبه و اذا كأني بأبي واقف علي باب الدار فسألني ما بالك فذكرت له مقصودي و اذا يتكلم معي بكلام لا يسمن و لا يغني من جوع فتركته و ذهبت اطلب مرادي فتبعني ابي خوفاً عليّ.

اقول: المراد بالاب اب التربية لا اب العقل و لا اب النفس الامارة بالسوء و لا اب الجسم و الجسد لان الآباء اربعة اب العقل و هو محمد و علي (ص) و اب النفس الامارة بالسوء و هو ابوالدواهي و ابوالشرور و اب الجسم و الجسد و هو آدم و حوا و اب التربية و هو العادات و الاخلاق و الاحوال التي نشأ عليها فيجري في افعاله علي عاداته و احواله و لا يلتفت الي غيرها و العادة قد تكون حسنة و قد تكون قبيحة و هذه العادة ليست بثابتة و لا عليها برهان و لا دليل و من هذه الجهة قال سلمه الله كأني بأبي واقف علي باب الدار فان الانسان اذا اراد السير و السلوك الي الله و التوجه الي المبدء الاعلي يصعد من الاسفل الي الاعلي فاول ما يجب عليه رفع العادات التي تربي عليها و نشأ فيها فاب التربية و العادة واقف علي باب الدار اي دار نفسه و محل رمسه فاذا رأت العادة ان المعتاد يروم تغييرها و تركها و اخذ الحقيقة يشق عليها فتسئل من ذلك و لذا قال سئلني ما بالك و لما ان العادة المربية ليست مأخوذة عن دليل و برهان و حجة و بيان قال فاذا يتكلم معي بكلام لا يسمن و لا يغني من جوع فلما اخذ في الطلب حيث انه لم يكن مستقراً ما تركه ابوه اي اب التربية فتبعه خوفاً من ان يتركها و هذه التبعية توفيق من الله لانها كانت عادة حسنة مطابقة للحق و ان لم تكن مع طمأنينة و ثبات.

قال سلمه الله تعالي: و اذا كأني قد عارضني في الطريق

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 107 *»

رجل ظاهر الصلاح بهیّ مسنّ فظننته من اهل المعرفة بمطلوبي و قد سئلته عن حاله و اخبرني بانه حبر من احبار اليهود و من عادته ارشاد المسترشدين الي سبيل رب العالمين فاظهرت له فرحي عند ذلك قال لي كأنك مسترشد اجبته نعم فقال توجه الي و احضر ذهنك لديّ، اعلم ان المنعم المفضل الذي تسئل عنه هو الله سبحانه الجامع للصفات الحسنة المنزه عن العكس و هو قادر مطلقاً قاهر مطلقاً خالق مطلقاً رازق مطلقاً حي ابداً و هكذا و ان نعمه لا تعد و لا تحصي يشهد بها العقل السليم و جميع الكتب السماوية و اني الآن ارشدك الي طريق قريب يوصلك الي رضاه و ان انت عدلت عنه الي غيره فلن تصيب حينئذ الا الضلال ثم ليكن معلومك ان لا خلاف بين الموحدين لله تعالي في انه اوعدنا و توعدنا اوعدنا بالسلطنة غداً و اي سلطنة في جنة فيها ما تشتهيه الانفس و تلذ الاعين و فيها ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر ان نحن اطعناه في ما يأمره و ينهاه و ان كان هو غير محتاج لذلك و توعدنا بالعذاب الشديد فيا له من عذاب في نار وقودها الناس و الحجارة و انها (شجرتها خ‌ل) لا تطفي بل لا زال تتأجج و تزيد و يقال لها هل امتلأت و تقول هل من مزيد ان نحن خالفناه الي ما لا يحبه و يرضاه و ان كان لا يضره ذلك فحينئذ يا مقتدانا صرت راجياً خائفاً مع ما كنت عليه من الرأي الذي ذكرت لكم سابقاً  فان كل عاقل لا يختار الّا الطاعة لكونها جنة و من اعظم السوء امتناعه و طلب الجزاء (مناعة و لجلب الخیر خ‌ل) احسن من كل بضاعة فحينئذ علمني ذلك الحبر  شريعته و اوصاني و أكد وصيته بان لا تجعل واسطتك بينك و بين بارئك و موجدك و منشئک غير كليم الله موسي بن عمران و خذ حذرك من كل شيطان من الانس و الجان ان يخدعوك او يغروك عما انت عليه من شريعة الحق و اعلم ان شياطين الانس هم النصاري و كل من سلك شريعة غير اليهودية.

اقول: ما ذكره هذا الحبر من صفة الله سبحانه و انه كامل جامع لجميع الصفات الحسنة و المنزه عن جميع النقائص كلام صحيح اتي به

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 108 *»

تمويهاً و استجلاباً الي باطله و ما يتفرع عليه من مذهبه السخيف فان اهل الباطل لا يسعهم اغواء طغام الناس الّا بان يمزجوا بباطلهم حقاً و يصوروه بصورة الحق و ان قصدوا به الباطل و لذا قال السامري فقبضت قبضة من اثر الرسول فلولا تلك القبضة التي قبضها من تحت حافر فرس جبرئيل حيزوم فرس الحيوة ما خار العجل و لا تمكن مما اراد من اغواء بني اسرائيل و لذا لما رأي امير المؤمنين عليه السلام حسن البصري يكتب في اثناء خطبته عليه السلام قال عليه السلام ما تكتب يا حسن قال اكتب آثارك يا امير المؤمنين ثم التفت (ع‌) الي الناس و قال ايها الناس ان لكل قوم سامري و هذا سامري هذه الامة حيث قال فقبضت قبضة من اثر الرسول انتهي ما نقلته من معني الحديث فهو انما اخذ آثار امير المؤمنين عليه السلام و مزجها بباطله و اغوي به (بها خ‌ل) خلقاً كثيراً و دعي الناس الي نفسه فاتخذوه معبوداً من دون الله لان الصادق عليه السلام يقول من اصغي الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله و ان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان انتهي، و هو عجله الذي دعي الناس اليه بما عنده من آثار امير المؤمنين عليه السلام قد مزجها بهوي نفسه و اشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به ايمانكم و كذلك هذا الحبر انما ذكر هذه الكلمات الحقة لتشييد باطله و للتمويه علي الضعفاء من المسلمين و الّا فهم لا يثبتون لله الصفات الكمالية مطلقاً و لا ينزهونه من النقائص كيف لا و هم الذين قالوا ان الله فقير و نحن اغنياء و هم الذين قالوا عزير ابن الله فالذي يتخذ لله ولداً و يثبت له الفقر كيف يوصفه سبحانه بالصفات الكمالية.

ان قلت: من اين تعلم ذلك و هو مذكور في القرآن و اليهود لايصدقون القرآن.

قلت: هب انهم لا يصدقون القرآن انه من الله سبحانه أ ليس محمد صلي الله عليه و آله هو الذي اتي به أ ليس ذكر فيه لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه فلو كان هذا الذي نسبه الي اليهود باطلاً غير واقع لكان ذلك اعظم حجة علي بطلان هذا الدين و الشريعة لانه اتي بكذب صريح و هو يقول في القرآن

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 109 *»

لعنة الله علي الكاذبين و هلا احتجوا اهل خيبر و بني قريظة عليه صلي الله عليه و آله بهذه الحجة الواضحة فاظهروا كذبه و ابطلوا نبوته و ما احتاجوا الي الحرب الفظيع و القتل الشنيع و نهب الاموال و اسر العيال و ذل الجزية و الصغار و حيث انهم لم يكذبوه بل اقروا عليه ما نسبه اليهم علمنا ان هذا كان معتقدهم و كذا قولهم ان يد الله مغلولة و ان الله قد فرغ من الامر و هو معطل عن الايجاد و اي نقص اعظم من هذا و امثاله من العقائد الفاسدة و الآراء الكاسدة التي لهم فهم لا يصفون الله بصفة الكمال و اي كمال للفقير الذي له ولد و يداه مغلولة و لكن هذا الحبر من جهة اغواء هذا السيد ذكر هذا الكلام حتي لا يستوحش و يميل قلبه اليه حتي يجذبه الي باطله و لم يعلم ان لموسي هذه الامة عصاء اذا القيها تلقف ما يأفكون فوقع الحق و بطل ما كانوا يعملون و كذا وصف هذا الحبر عذاب النار و انها لا تطفي بل لازال تتأجج و تزيد و ان كان هو الصحيح في الواقع لكنه هو كاذب في هذه الدعوي لان اليهود يقولون لن تمسنا النار الا اياماً معدودة فالذي يعتقد ان النار لا تصيبه الا اياماً معدودة فاي خوف له منها و كيف يقول نارها لا تطفي فتبين لك بما ذكرناه ان قصد هذا الحبر  و امثاله التمويه و التلبيس و شأنهم الكذب و الالحاد انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير و اما الدعوي التي ادعاها بان لا تجعل واسطة بينك و بين بارئك غير كليم الله موسي بن عمران فمحض دعوي ما اقام عليها برهان و لا دليل اذ لو ادعي عليه مدع و قال له اوصيك بان لاتجعل بينك و بين بارئك و موجدك واسطة غير خليل الرحمن (الله خ‌ل) و انه صاحب شريعة و انه مبعوث من الله الجليل فما الذي عدل به الي شريعة موسي و قال بنسخ شريعة ابرهيم (ع‌) و اثبات شريعة موسي ان كان لمحض التشهي و هوي نفسه فلا يعتب علي غيره و لا يلومه و لا يحذره من عذاب النار التي لا يعتقد بقاءها و لا دوامها ان قالوا بشريعة موسي ثم لو عدلوا عنها الي شريعة محمد صلي الله عليه و آله و ان قالوا ان العدول انما كان ببرهان ان موسي عليه السلام

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 110 *»

ادعي النبوة و اتي بالآيات التسع و المعجزات التي عجز عنها غيره فعرفنا انه مبعوث من الله و داع الي الله و انه مصدق بالانبياء قبله و ان شريعته نسخت تلك الشرايع للانبياء الماضين المرضيين نقول هذا بعينه يقال في حق شريعة محمد صلي الله عليه و آله فقد ادعي صلي الله عليه و آله النبوة و اتي بما لم يأت بمثله غيره من المعجزات و خوارق العادات فعرفنا انه من الله و ان شريعته ناسخة لشرايع من قبله.

فان قلت: ان معجزات موسي ثبتت و وضحت دون معجزات محمد صلي الله عليه و آله و لذا لم نقل به و قلنا بموسي.

قلت: ان معجزات موسي انما كانت في حيوته وحده و من بعد موته لم يبق لها اثر الا محض الذكر و الخبر فان انقلاب عصاه ثعباناً لم تتحقق بعد موسي و كذلك اليد البيضاء لم تظهر بعده عليه السلام و كذا ساير المعجزات التسع التي صارت سبب ظهور نبوته و تصديق دعوته و اما محمد صلي الله عليه و آله فمعجزاته ظاهرة و براهينه باهرة في حياته و بعد مماته لان من معجزاته القرآن و هو مؤلف من حروف و الفاظ مبذولة معروفة عند كل احد بحيث لا يمكن اظهر و لا اشهر و لا اكثر استعمالاً من الحروف و الالفاظ و لا ريب ان كثرة استعمال الشي‌ء تجيده و تحسنه و تظهر دقائقه و خفاياه و لا شي‌ء اكثر  استعمالاً و اكثر دوراناً من اللفظ الذي يحتاج اليه كل انسان في محاوراته و ابداء شئونه و مستجنات ضميره و هكذا و مع هذا كله فقد اتي صلي الله عليه و آله بقرآن و كتاب مؤلف من هذه الحروف و الالفاظ تأليفاً بحيث لا يمكن لاحد ان يؤلف مثله من اهل هذا النوع و اللغة العربية التي هي اشرف اللغات مع وجود الفصحاء و البلغاء و الخطباء مع انه صلي الله عليه و آله تحدي بهم قال (ص‌) فاتوا بسورة من مثله فاذا اتوا بسورة من مثله بطلت نبوته علي قوله فلم يقدروا و لن يقدروا ان يأتوا بمثله و لا بمثل سورة منه و ان كانت صغيرة بل لم يسعهم ان يتكلموا علي نهج القرآن اذ لا يشبه شيئاً من كلامهم المنثور و لا المنظوم و حيث عجزوا عن ذلك و ما طاوعتهم انفسهم للانقياد للحق و لم يسلموا له بالنبوة و لم يقنعوا بالمعجزة فحاربوه حتي وقعت

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 111 *»

بهم الذلة ذلة الحرب و الكسر و الفدية و المنة و الجزية و نهب الاموال و سبي العيال و كل ذلك كان يندفع بالاتيان بسورة و ان كانت صغيرة مثله و لو اتي بها آت لاشتهر و لذكر و لنقل و لعارضوه بها و جادلوه بها فان لم يقبل منهم كانوا سمّوه ظالماً بطاشاً و عرف الناس كذبه و ان قصده الغلبة و جعل الدين حجة أ لا تسمع الي مزخرفات مسيلمة و مزخرفات سجاح الكذابة لمقابلة القرآن فاتوا بعبارات ما اقبحها و اهجنها كقول مسيلمة «الفيل ما الفيل و ما ادريك ما الفيل له خرطوم طويل» و قول سجاح «الزارعات زرعا فالحاصدات حصدا فالطاحنات طحنا فالخابزات خبزا فالآكلات اكلا» قال بعض الادباء كانت ينبغي لها ان تتم الآية بقولها «فالخاريات خريا» لانها بعد الاكل و هذه الكلمات مع سخافتها ما خفيت بل اشتهرت و جرت علي الالسن و الاقلام و كتبت في الكتب و الطوامير و الدفاتر فكيف اذا كانت سورة مثل القرآن علي نظمه و ترتيبه و بلاغته و فصاحته و قد كانوا احتجوا بها علي رسول الله صلي الله عليه و آله و لو فرضنا و العياذ بالله انه لا ينصف و يأخذهم بالغلبة كانت صرخت العرب و نادت و صدقت بان هذا مثل القرآن و الي الآن ما سمعنا خبراً و لا اثراً عن ذلك ابداً و لو فرضنا و سلمنا انه تغلب عليهم فكان افصح منهم فهل هو افصح من الله و ابلغ و اقدم منه علي امضاء مشيته و ارادته فهل ترخص نفسك ان تجوز علي الله سبحانه ان يصدق كاذباً و لا يظهر كذبه و الذي يطلب الحق لا يوصله اليه او ترخص نفسك ان تجوز علي هؤلاء الجماعة و الخلق العظيم الذين آمنوا بمحمد صلي الله عليه و آله كلهم باجمعهم ما كانوا طالبين للحق بل اتبعوا لمحض الرياسة الفانية الزايلة الدنيوية او طلبوا الحق من الله و لو قليلاً و الله سبحانه ما هداهم الي الحق و لم يبين لهم كذبه و هو الذي ينسب القرآن الي الله و ينفي قدرة الجن و الانس علي ان يأتوا بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا و مع هذا لم يبين الله سبحانه كذبه و لم يفسد امره و لم يظهر للخلق بطلانه تعالي الله عن ذلك علواً

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 112 *»

كبيراً ثم ان هذه المعجزة الباهرة القاهرة بقيت بعده علي مرّ الدهور و السنين و لم يقدر احد ان يأتي بمثله في هذه المدة المتطاولة مع كثرة الاعوان و الناصر و انت تعلم ان الافرنج كم بذلوا و يبذلون من الدراهم و الجاه و الاعتبار و القوة و الشوكة في ابطال دين الاسلام و كم راموا نقضه بحيل و تدابير فلم يقدروا عليه و لو امكن لاحد ان يأتي بسورة من مثله لاستعان باولئك و صدقته باقي العرب لان الناس عبيد الدنيا و اظهروا ما ارادوا من اطفاء هذا النور مع انه ما اتفق الي الآن و الله سبحانه من ورائهم محيط فعلمنا انه قرآن مجيد في لوح محفوظ و انه من الله لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فعلمنا بهذه الادلة القاهرة الباهرة انه يجب العدول عن شريعة موسي عليه السلام و ان كانت حقاً من عند الله الي شريعة محمد صلي الله عليه و آله و ان محمداً صلي الله عليه و آله هو افضل الانبياء (ع‌) و خاتمهم و انه الواسطة بيننا و بين الله و ان شياطين الانس هم اليهود و النصاري و كل من سلك شريعة غير الاسلام و من يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه و هو عند الله من الخاسرين.

قال سلمه الله: و اذا كأني بشيخ آخر  اعظم و ادهي من الشيخ الاول فسألت عنه قيل هو معلم من معلمي النصاري و قد كان امري معه كما كان مع الحبر  سابقاً ثم اوصاني بان لاتجعل بينك و بين الله واسطة غير  روح الله عيسي (ع‌) و كل شريعة كانت قبله فهي منسوخة بشريعته و التي ظهرت بعدها فهي مفترية ثم كأنه نظر اليّ و الي ابي نظر المنقبض فكأنه شمّ منا رايحة الاسلام و قال احذر كل الحذر من المسلمين و اياك ان يسولوا لك او يلووك عن الشريعة المسيحية التي لا تزال الحق معها و هي معه و يكفيك شاهداً علي بطلان دعويهم هو انه عندهم بالاجمال و قول محمد صلي الله عليه و آله ان الله تعالي بعث موسي و عيسي و ان الذين دعوا الناس في اول الامر  الي قبول شريعة عيسي كانوا من اهل الصلاح و مع ذلك توجد في القرآن اخبار عديدة مخالفة لما اتوا به موسي و تلاميذ عيسي مع اقرارهم بانهم قد كانوا من اهل الصدق و من حملة (جملة ظ) تلك

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 113 *»

الاخبار هو  ان الذي حقق و ثبت عن تلاميذ عيسي باجماع منهم كلهم علي انه صلب و مات و في اليوم الثالث قام من بين الاموات و شاهده عدة من الناس و اما المسلمون يزعمون بخلاف ذلك انه رفع الي السماء خفية و ان الذي صلب (ان المصلوب خ‌ل) هو الشخص المشبه به ظنوه اليهود انه هو  و اما عيسي فانه لم يصلب و لم يقتل و لا سبيل لهم الي فك هذا الاعتراض الا بان يقولوا ان كتب موسي و تلاميذ عيسي (ع‌) لم تبق علي ما كانت اولاً و انها تغيرت.

ثم قال ان كنت منصفاً فتأمل بانه لو قال احد ان القرآن قد تغير هل كان المسلمون يسلمون لذلك مع انه من غير حجة يستدل بها علي حجة قوله كيف تصدق دعواهم بتغيير كتابنا مع انهم لم يمكنهم ان يستدلوا علي صحة كتابهم بما يعادل دلالاتنا علي صحة كتابنا من حيث انتشار عدة نسخ منذ اول الامر بجميع الآفاق لا كحال كتابهم بلسان واحد بل كتابنا بلغات مختلفة لانها محفوظة عند الفرق المختلفة.

اقول: و هذا الشيخ الآخر هو الشيطان المقيض الذي في الاذن اليسري من القلب في البطن الثالث كما كان الحبر اليهودي شيطاناً قد تمثل بصورته مقرّه البطن الثاني من الاذن اليسري من القلب و ابوه علي صورة آدمي علي البطن الاول غير متعمق لا في العلوم الالهية و لا في التسويلات الشيطانية و انما كان هذا الثالث نصرانياً منسوباً الي روح الله عيسي (ع‌) بصورة و حاشا ان يكون منسوباً اليه حقيقة لان الاذن اليسري من القلب لها ثلاث بطون البطن الاول مقر الحرارة الغريزية المتخذة من نار السموم في مقابلة الروح الحيواني الحرارة الغريزية التي في الجانب الايمن من القلب، البطن الثاني مقر النفس الامارة بالسوء مقابل النفس المطمئنة من الجانب الايمن، و البطن الثالث مقر مبدء الجهل البرزخ بين الجهل المركب و الجهل البسيط المقابل للروح البرزخ بين العقل و النفس فوجه الاعلي العقل و وجه الاسفل النفس و لما كان الضد انما يسمي باسم ضده كالاعمي يسمي بصيراً و المفوضة تسمي قدرية و هذا الشيخ الآخر لما كان يمده الشيطان من هذا البطن من الجانب الايسر و هو

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 114 *»

الشيطان المقيض المستقر هناك نسب الي روح الله عيسي (ع‌) لان عيسي عليه السلام كان مظهر اطوار ذلك البطن كالنسبة مضادة و هذا المسئول فعل ما فعله الحبر اليهودي من اظهار الصفة الكمالية لله سبحانه و تعالي كما يشير  اليه قوله لقد كان امري معه كما كان مع الحبر سابقاً و هو كاذب في دعواه لان منهم من يري ان الله ثالث ثلاثة و يري ان الله حقيقة واحدة قد تعينت بصورة عيسي (ع‌) و مريم و روح القدس و منهم من يري ان عيسي ابن الله و منهم من يري انه هو الله و مع هذه العقايد الباطلة و المذاهب السخيفة التي لا يرضي بها من له ادني مسكة و روية كيف يكون موحداً فان علي الاول يلزم ان يكون الله مقترناً و محدوداً بالحدود و علي الثاني يلزم ان لا يكون الله صمداً حتي خرج منه الولد و الانشقاق انفعاله و تغيير  بين حالته قبل الولد و بين حالته بعد الولد و يلزم ان ينقسم الي اجزاء لان الولد جزء من والده و امثالها من القبايح و علي الثالث يلزم ان يكون الله الغني بالذات متصفاً بصفة الفقير  بالذات و بطلانه ضروري و الملازمة بديهية و الرابع كالثالث و بالجملة من يكون هذه اعتقاده بالله كيف يصفه بالصفات الكمالية و ينزهه عن صفات النقص و ايّ كمال في رب هو جزء مرة و كل مرة و متغير الحالات و ليس لله صفة الفقير المحتاج الذليل الاسير نعم انما ذكر هذا الشيخ المضل تمويهاً و تسويلاً كالحبر الاول كما ذكرنا سابقاً فراجع.

و اما وصيته بان لا تجعل بينك و بين الله واسطة غير  روح الله عيسي (ع‌) الي قوله فهي مفترية باطلة مجتثة زائلة بعين ما ذكرنا في جواب الحبر اليهودي و وجوب العدول عن شريعة موسي (ع‌) الي شريعة عيسي (ع‌) و شريعة محمد صلي الله عليه و آله بعد نسخ شريعة عيسي (ع‌) حرفاً بحرف فراجعه تجده وافياً بالمراد تعلم بذلك ان دعواه من ان الشريعة التي ظهرت بعد عيسي (ع‌) فهي مفترية.

و اما استدلاله بان عند المسلمين باجماعهم و بقول محمد صلي الله عليه و آله ان الله تعالي بعث موسي و عيسي (ع‌) و ان الذين دعوا الناس في اول الامر الي قبول شريعة عيسي كانوا من اهل

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 115 *»

الصلاح فنقول اما قوله ان الله بعث موسي و عيسي (ع‌) فلا شك فيه و لا ريب يعتريه و اما الذين دعوا الناس في اول الامر الي قبول شريعة عيسي (ع‌) كانوا من اهل الصلاح فلا نسلم بالكلية اذ فيهم من اهل الصلاح و هم الذين دعاهم الي قبول شريعة عيسي (ع‌) محض دينهم و متابعة ربهم و حذرهم من النار و شوقاً الي الجنة دار القرار و هم الذين دعوا الي شريعة محمد صلي الله عليه و آله و منهم من دعته الي الاقرار بعيسي (ع‌) اهواء انفسهم و شهوة انياتهم لما سمعوا من بعض الكهنة او الجان الذين يسترقون السمع ان شريعة عيسي تظهر  و تتقوي فدخلوا في هذه الشريعة للطمع و حب الجاه و الرياسة كما كان شأن منافقي كل ملة و كل شريعة و لا كل من اتبع شريعة اتبعها لوجه الله لقد افترقت النصاري الي اثنين و سبعين فرقة كلهم في النار الّا واحدة منهم و ذلك معلوم واضح.

و اما قوله توجد في القرآن اخبار عديدة مخالفة لما اتي به موسي (ع‌) و تلاميذ عيسي مع اقرارهم بانهم قد كانوا من اهل الصدق فجوابه انه لو كان في القرآن ما يخالف اخبار موسي و تلاميذ عيسي فهلا تمسك به اليهود و النصاري لما سمعوا بالقرآن و هذه الاخبار المخالفة و انما فيه كذب مخالف للواقع و فيه في مواضع عدة اللعنة علي الكاذبين و فيه ان هذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه فهلا احتجوا به علي محمد صلي الله عليه و آله و خاصموه علي قوله و ابطلوا بذلك نبوته و سلموا و خلصوا من العار و الشنار و ذل الاسر و النهب و الجزية و الفدية و المنة و الذل و الصغار أ ما احتجوا بذلك نصاري نجران لما اتوا الي النبي صلي الله عليه و آله للاحتجاج و المخاصمة الي ان آل امرهم الي المباهلة فلم يتمكنوا منها لما رأوا من عظمة الله الظاهرة في محمد صلي الله عليه و آله بحيث لو باهلوه لاهلك الله كل نصراني في الوجود و التجأوا الي الجزية بان يعطوا عن يد و هم صاغرون اين نخوة العربية و اين شيمتهم و اين الكبر الذي في صدورهم يجدون لهم الغلبة بلا تعب و زحمة و لا مشقة ثم يرتكبون هذا العار و الذلة و الصغار و لا يكون ذلك ابداً فلو كان لما ذكره هذا

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 116 *»

الشيخ اثر و صحة لكان اولئك اولي بالاحتجاج به لانهم قريب العهد و الاسلام بعد لم يتمكن و الطبايع مجبولة بان الخصم اذا وجد عنده شي‌ء مخالف بحيث لم يتمكن به الغلبة علي الخصم يتمسك به البتة فاذا لم يتمسكوا به اليه و لم يحتجوا عليه علمنا ان هذا الذي قال هذا الشيخ لا اثر له عندهم و لا خبر و انما هو قول باطل و كلام مجتث زائل لا يصغي اليه و لا يعول عليه فحينئذ قولهم ان عيسي (ع‌) صلب و مات في يوم الثالث قام من بين الاموات و شاهده عدة من الناس باطل ثم نقول و ما يدريهم انه صلب و مات و ان هذا الذي صلب و مات لم يكن شبه عيسي (ع‌) و لعل الامر كما قال محمد صلي الله عليه و آله انه القي علي الخشب شبه عيسي (ع‌) و هو احد من الحواريين و عيسي (ع‌) رفع الي السماء و ما دليلهم عليه و اما قولهم و في اليوم الثالث قام من بين الاموات لعلّه ذلك الشبه و اي منافاة بين ما قالوا لو فرضنا انهم من اهل الصدق و بين ما في القرآن لان المصلوب هو شبه عيسي (ع‌) يقيناً و هؤلاء ما فطنوا ذلك و توهموا انه هو الّا بعض الخواص المختصين بعيسي الذي اخبرهم بحقيقة الامر و هم اثنا عشر نفساً و لانسلم انهم وافقوا القوم علي ان عيسي (ع‌) هو المصلوب المقتول و دون اثباته خرط القتاد فظهر لك و ثبت و وضح و تحقق ان ما ذكر  في القرآن ليس منافياً لما شاهدوا فانهم شاهدوا الصورة و القرآن اخبر عن الواقع و لا منافاة نعم لو كان عندهم دليل علي امتناع هذا عقلاً جائت المخالفة و صح ما قالوا و اذ ليس فليس بل القرآن شرح حقيقة الامر و ذكر انه شبه لهم و معني ذلك ان القوم اي اليهود و النصاري تيقنوا ان عيسي هو المصلوب مع ان الواقع بخلافه فكل منهم تكلم علي ما رأي و اعتقد فلا مخالفة و لا منافاة و بعد هذا الكلام تجد ما ذكره هذا الشيخ تطويلاً بلا طائل و لو كان فيه طائل لاحتج به اولئك الذين اقدم منهم و اخصم و جري عليهم ما جري عليهم من الذل و الصغار و يحتاجون و يدورون لاضعف حجة يحتجون بها فكيف ما اذا وجدوا حجة قوية و دلالة صريحة علي بطلان دعوي خصمهم.

فان قلت لعلهم لم يسمعوا و لم يحصل لهم

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 117 *»

خبر و علم بالآيات التي تدل علي ذلك، قلت ان محمداً صلي الله عليه و آله و ان لم يتفقوا علي نبوته و لكنه اتفقوا جميع الامم المختلفة المتباينة الآراء بانه صلي الله عليه و آله حكيم ذو عقل سديد و رأي صواب و انما اظهر هذا الدين بتدبير منه و رأي و حكمة و اي عاقل حكيم يظهر الكذب ثم يلعن الكاذب في كتاب اراد انتشاره و وصوله الي كل عدو و صديق و لو فرضنا انه لم يرد فانه لا محالة يصل اليهم فاذا وصل اليهم تبطل به نبوته فكيف يهجم العاقل علي ما يفسد به امره و يقطع به حجته و يظهر عليه خصمه الّا ان يكون سفيهاً او مجنوناً و السفيه المجنون لا يمكن ان يأتي بكلام و كتاب عجز اغلب الخلق علي زعم الفرق و كل الخلق علي زعم اهل الاسلام و الذين آمنوا بمحمد صلي الله عليه و آله من اليهود قد اطلعوا علي القرآن فلو كان ما فيه مخالفاً للتورية و غيرها من الكتب السماوية لانكروا و ان خافوا من انكاره علانية انكروا سراً و قد كان يصل الينا انكارهم و هذا عبدالله بن سلام من افضل علماء اليهود و قد استخرج من التورية الف مسئلة و سأل عنها عن النبي صلي الله عليه و آله و اجابه و قرأ عليه القرآن و صدقه فلو وجد مخالفاً لما قبل كساير اليهود و لو سلمنا ذلك كله نقول هل الله سبحانه و تعالي سكت عن محمد صلي الله عليه و آله لو كان كاذباً و لم يظهر كذبه و هو سبحانه هادي المضلين و مرشد المسترشدين و العالم بما في قلوب العالمين و لا يلزم من ذلك اهلاكه كما انه ما اهلك عاداً الاولي و ما اهلك نمرود و فرعون ابتداء لما ادعي كل منهما انا ربكم الاعلي بل اهملهم لينالوا نصيبهم من الكتاب و لكن في مدة الاهمال بيّن كذبهم و اظهر فسادهم و جعل علامات و دلالات تنبئ عن بطلان ما قالوا و فعلوا و لما نالوا نصيبهم من الكتاب اتاهم امر  رب الارباب فاهلكهم فصاروا الي التراب ان في ذلك لعبرة لاولي الالباب.

اما قول ذلك الشيخ الضال لا سبيل لهم الي فك هذا الاعتراض الّا بان يقولوا ان كتب موسي لم تبق علي ما كانت اولاً و انها تغيرت فان في ما ذكرنا آنفاً غنية و كفاية من تغييرها و الّا لو كانت باقية علي ما انزلها الله سبحانه لاتجه

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 118 *»

اعتراض اولئك السابقين مع ان القرآن موجود انهم حرفوا الكلم عن مواضعه و لو لم يكن لهذا الكلام اصل و التحريف باطل لانكروا عليه غاية الانكار لانه يفتري عليهم و يزري علي كتبهم و يأتي بالباطل الواضح و الكذب الصريح و هو يقول بعد ذلك لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و يقول لعنة الله علي الكاذبين و يكفي في التحريف عدم انكارهم مع شدة تعصبهم و تصلبهم في كفرهم و عداوة هذا النبي المكرم و السيد المعظم صلي الله عليه و آله و سلم و لا ريب ان الخصم لا يبقي حجة ان ظفر بها الّا و يحتج بها علي خصمه و لو كانت ضعيفة فما ظنك بما اذا وجد حجة واضحة و بينة ظاهرة فلو امكنهم ان يحتجوا بهذا الذي ذكره الشيخ و لو زوراً و بهتاناً لفعلوا لئلا يلحقهم عار الجزية و صغارها مع ما في نفوس العرب من الكبر و العلو فكيف ذلوا و عندهم ما يمنعهم عن ذلك فليس الّا لاجل صحة ما في القرآن و تغيير كتبهم لو كان فيها ما يخالف ذلك و هذا ظاهر معلوم.

و اما قوله ان كنت منصفاً فتأمل بانه لو قال احد ان القرآن قد تغير هل كان المسلمون يسلمون لذلك فلا شك في ذلك و لا ريب و ان المسلمين الناجين يسلمون ذلك و يقولون ان القرآن قد تغير و نقص و حذف و حرف لا بانه زاد فيه كلام منظوم لان ذلك محال لانه معجزة فلو امكن لاحد ان يأتي بمثله لم يكن معجزاً فالتحريف و التغيير بزيادة كلام مرتبط له معني صحيح السكوت لم يقع قطعاً للبرهان القاطع و اما التحريف و التغيير بالنقيصة او نقصان اية في محل و زيادتها في محل آخر قد وقع و فعل ذلك اهل الجور و الاستيلاء من اهل الباطل من منافقي اهل الاسلام الذين آمنوا بمحمد صلي الله عليه و آله لا للدين و انما هو بطمع الرياسة كما فعل بنو اسرائيل منافقوهم تركوا هٰرون و عبدوا العجل فكيف يمكن لهم مع عبادة العجل العمل علي التورية كما انزلت لان فيها ترك عبادة كل ما سوي الله و بعد ما جاء موسي (ع‌) و قتلهم ما خرجت محبة العجل عن قلوبهم و هم علي ذلك المذهب باقون و علي النفاق و الغي مصرّون و هم و امثالهم و امثال امثالهم من

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 119 *»

منافقي كل ملة و امة اذا استولوا يحرفون و يبدلون و يغيرون لعن الله المغيرين و المبدلين و المحرفين من الاولين و الآخرين.

و اما قول هذا الشيخ الضال مع انهم لا يمكنهم ان يستدلوا علي صحة كتابهم بما يعادل دلالاتنا علي صحة كتابنا من حيث انتشار عدة نسخ في جميع الآفاق الي ان قال بلغات مختلفة و انها محفوظة عند الفرق؛ ففيه انا استدللنا علي صحة كتابنا بانه معجزة نبينا صلي الله عليه و آله و ان جميع الخلق لا سيما العرب عاجزون عن الاتيان بمثله من الاولين و الآخرين من اهل زمانه و بعده الي يوم القيمة علي تفاوت درجاتهم في العلم و المعرفة و تباين ترقياتهم في العلوم الحقيقية و الرسمية و انه سبحانه انما انزله بعلمه و لا يمكن للمخلوق ان يأتوا بمثله الّا ان يكون خالق آخر و ادلة التوحيد ابطلته فهو لغة واحدة ظاهراً و لكنها مشتملة علي جميع اللغات و العلوم و الاسرار و الحقايق و فيه تفصيل كل شي‌ء و هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فلو كان باطلاً  لبين الله سبحانه بطلانه و الهم في قلب احد ان يأتي بمثله مع ان النبي صلي الله عليه و آله تحدي به العرب و ان لم يكن حقاً يلزم ان يكون الله مغرياً بالباطل و مصدقاً للكاذب و يكون للخلق حجة عليه و قد لبس الامر علي خلقه و لم يهدهم واضح طريقه فان الرجل يدّعي عليه و ينسب اليه و يفتري عليه كلاماً عجز معاصروه و اهل اللسان في حال حيوته و بعد مماته الي حدود المأتين و سبعة و خمسين بعد الالف من الهجرة المشرفة علي مهاجرها آلاف الثناء و التحية و الي الآن لم يحصل احد يقض (ينقص خ‌ل) هذا الباطل و يحقق الحق و جماعة من الخلق معتقدون حقيته لاجل عجزهم عن الاتيان بمثله و لم يأت احد بمثله مع حصول التحدي و الله سبحانه لم يبين لهم الحق فايّ رب هاد يكون مثل هذا الرب فلو جاز ذلك و ان الشخص منتظر بعد الف و ثلثمأة سنة تقريباً وجود معارض و يحتمل ان يأتي احد يأتي بمثل القرآن لبطلت النبوات و لم تثبت لنبي نبوته لقيام هذا الاحتمال الباطل و التوهم الزائل و لا اظن ان عاقلاً يلتزم بهذا المذهب

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 120 *»

السخيف.

و اما قوله ان كتابهم بلغات مختلفة و انها محفوظة عند الفرق فان كان مرادهم بالكتاب هذا المغير فلربما يصح و ان كان الكتاب الاصلي و هو الانجيل الذي نزل علي نبي الله عيسي (ع‌) فدون اثباته خرط القتاد.

قال سلمه الله تعالي حكاية عن ذلك الشيخ النصراني: و اما ما يدّعيه المسلمون من ان في الفصل الرابع‌عشر من انجيل يوحنا الذي فيه يوعَد بارسال فارقليط قد كان مسطوراً ما وصف به نبيهم و ان النصاري محوه و بدلوه ثم قال و يا ليت شعري هذا التغيير هل وقع بعد ظهور نبيهم او قبل ظهوره فان كانوا يزعمون انه وقع بعد ظهوره فهذا غير ممكن لانه قد وجدت اذ ذاك عدة نسخ في جميع آفاق الارض باللغات المتغايرة كأنها توافق بعضها بعضاً في ذلك الفصل لاختلاف بينها فيه و ان كان بزعمهم انه وقع قبل ظهوره فحينئذ ما الذي كان يدعو المغيرين الي ذلك اذ لم‌يمكنهم بسابق علمهم ان يعرفوا ما كان محمد صلي الله عليه و آله مزمعاً ان يأتي به.

ثم انه يا مولانا اخذ في ذكر المعجزات التي جاء بها عيسي عليه السلام من ابرائه الاكمه و الابرص و انهاضه المقعدين و احيائه الاموات ثم قال و اما محمد صلي الله عليه و آله فانه لم يأت بالمعجزات بل بالسيف و لكن نقلت عنه معجزات ايضاً و لكنها اي معجزات و انما كانت مما امكن فعله بحيلة تقوم بها القوة البشرية او مما لم تكن عليه شهود او من المحال يستضعفه العقل مثل ما حكي عن انشقاق القمر  و هي كلها علي حال لا يعتمد عليها و اتبعت الشريعة لانها قد سهل السيف طريقها قدامها حتي ان علمائهم يستدلون علي صحة شريعتهم بكثرة الغلبات و القتال الذي هو من شأن الملوك لاخذ بعضهم بعضاً و لو كان في ذلك دليل لما كان لهم ايضاً لانهم لم يكن الغلب لهم دائماً بل انهزموا مراراً في البر و البحر.
اقول: قول الشيخ النصراني و اما ما يدعيه المسلمون الي قوله و ان النصاري محوه و بدلوه فلا ريب ان دعويهم صحيحة و انه الي الآن باقٍ في

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 121 *»

التورية و الانجيل و ان لم يذكروه في الانجيل المترجم خوفاً من ان يراه المسلمون و يحتجون به عليهم و لم يعلموا ان المسلمين ما لهم حاجة الي ذلك في اثبات مدعاهم من نبوة نبيهم فان القرآن الذي انزل عليه اقوي حجة و ابلغ بينة و هي معجزة مستمرة باستمرار نبوته صلي الله عليه و آله الي نفخ الصور و هذا التغيير  الذي جعل له شقوقاً (شقوق خ‌ل) و رتب عليه زخاريف من الكلام.

فقوله انه وقع بعد رفع عيسي علي نبينا و آله و عليه السلام الي السماء و اختلافهم علي شمعون الصفا و تفرقهم فرقاً فبلغوا اثنتين و سبعين فرقة كلهم في النار الّا فرقة واحدة و هم الذين اتبعوا شمعون الصفا وصي عيسي عليه السلام و لو كان لي مجال و للقلب اقبال ذكرت لك تلك الفرق و مذاهبها و اختلافاتها و لكنه لا حاجة بنا الي ذلك الّا لمحض الاطلاع و بيان انا مطلعون علي مذاهبهم و فرقهم و العقايد السخيفة التي يعتقدونها و ينسبونها الي الله تعالي و الي نبي الله عيسي (ع‌) و الي روح القدس مما يأبي العقل السليم اعتقاده و الديانة به و الّا فامرنا اوضح من الشمس و ابين من الامس.

و قوله و ان كان زعمهم انه وقع قبل ظهوره الي قوله ان يعرفوا ما كان محمد صلي الله عليه و آله مزمعاً ان يأتي به تسويل و تلبيس و تمويه فان عيسي علي نبينا و آله و عليه السلام قد اخبرهم بنبي آخر الزمان كما نطق به القرآن و عدم تصديقهم للقرآن لايضرنا لان بشارة عيسي بمحمد صلي الله عليه و آله بعده قد ذكر في القرآن بمرأي من النصاري و بمسمع منهم فلو كان هذا الاخبار عن عيسي عليه السلام (کذباً ظ) للزمهم الانكار علي النبي صلي الله عليه و آله و التكذيب له و مطالبته موضع ذكره في الانجيل و تريهم ما طلبوه بل سلموا له و ما صدقوه و ابتلوا ببلوي الصغار و تحمل العار و الشنار اما تريهم كيف انكروا علي النبي المختار صلي الله عليه و آله في لفظ كُبّار و الاستهزاء في القرآن زعماً منهم بانهما ليسا بلفظين عربيين حتي ان النبي صلي الله عليه و آله دعا بشيخ منهم طاعن في السن و امره بالقعود ثم بالقيام ثم بالقعود ثم بالقيام فقال الشيخ أ تستهزء بي (أ تستهزئني خ‌ل) و انا شيخ كبّار ثم التفت اليهم النبي صلي الله عليه

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 122 *»

و آله و قال اسمعوا فاذا انكروا عليه صلي الله عليه و آله في مثل هذه الاشياء الزهيدة فكيف يسكتون عن الاكاذيب الصريحة و الافتراءات الواضحة عليهم لو كان ما في القرآن خلاف الواقع عندهم فسكوتهم دليل عدم تمكنهم من الدفع بالحجة الواضحة و لو سلمنا ان عيسي ما اخبر فقد وجدوا في الانجيل من صفات النبي المكرم و المرسل المعظم صلي الله عليه و آله و سلم و صفاته و احواله و عزموا علي عدم متابعته خوفاً من خروج الرياسة عنهم و لو ابقوها في الانجيل لكانت حجة عليهم فلم يجدوا بداً عن محوها و تغييرها كما فعل منافقوا امة محمد صلي الله عليه و آله و ايضاً فان الكهنة و الاجنة و الشياطين الذين يسترقون السمع في تلك الايام كثيرة كانوا يخبرون اولياءهم بظهور محمد صلي الله عليه و آله و اولئك الكفرة ما كانوا عازمين علي متابعته و الانقياد له فمحوا كتابهم و غيّروها ليتمكنوا من ذلك عند ظهوره صلي الله عليه و آله أ ما سمعت اليهود قد عزموا علي قتله صلي الله عليه و آله و هو طفل صغير و ما مكنهم الله تعالي منه مع انه صلي الله عليه و آله في صغره ما ادعي النبوة و ما ادعاها الا بعد اربعين سنة و مع ذلك تريهم حاولوا قتله (ص‌) و هو في بطن امه الي ان اظهر نبوته صلي الله عليه و آله و بيّن رسالته و دعا الناس اليها فالذي اوجب اليهود و دعاهم الي محاولة قتله في صغره هو الذي دعا النصاري الي تغيير كتابهم و تحريفه و هو هذا الذي ذكرنا في النتيجة و الخلاصة للتغيير و الا فله اسباب و مقتضيات يطول بذكرها الكلام فليطلب في ما ذكره القوم في مطولات مباحث النبوة و نحن قصدنا الاشارة بمختصر العبارة و دحض الباطل و قلع الفساد.

و اما قولكم سلمكم الله ثم انه يا مولانا اخذ في ذكر المعجزات التي جاء بها عيسي عليه السلام الي آخر فهو كما ذكره فان روح الله عيسي من اولي العزم من الانبياء المرسلين و له شأن عند الله عظيم و قدر جليل و هو اشرف الانبياء بعد الاربعة من اولي العزم و هو المثل للقائم من آل محمد صلي الله عليهم و هو حي موجود مرتفع الي السماء الرابعة متمكن في البيت المعمور منتظر لظهور

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 123 *»

مولينا الحجة روحي له الفداء و عليه و علي آبائه السلام و هو من حملة العرش و من بعد ظهورات افعاله ابرائه الاكمه و الابرص و انهاضه للمقعدين و احيائه للاموات و مقامه اجل و اعظم من ذلك و فوق ما تقوله النصاري و فوق ما نقول اما النصاري فما عرفوه حق معرفته و وصفوه بغير صفته و وسموه بغير سمته فمرة وصفوه بانه الله و اخري بانه ابن الله و اخري بانه احد تعين الله و امثالها من المزخرفات الا الذين اتبعوا شمعون الصفا و وصفوه بانه عبد الله و رسوله و روحه الذي القاه الله الي مريم و ان مثله عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون و هو عليه السلام في الفخر  و الشرف فوق ما نقول و يقوله القائلون من الرعية و لا ريب في ذلك و لا شبهة فيه و لكن عيسي (ع‌) لا يستنكف ان تنسخ نبوته و تثبت نبوة محمد صلي الله عليه و آله و يكون احد من رعاياه (ص‌) لن يستنكف المسيح ان يكون عبداً لله.

و قول الشيخ النصراني و اما محمد صلي الله عليه و آله فانه لم يأت بالمعجزات بل بالسيف و لكن نقلت عنه معجزات ايضاً و لكنها اي معجزات و انما كانت اما مما امكن فعله بحيلة تقوم بها القوة البشرية او مما لم تكن عليه الشهود او من المحال الذي يستبشعه العقل مثل ما حكي من انشقاق القمر و هي كلها علي حال لا يعتمد عليها كلام باطل و مجتث زائل.

اما قوله و اما محمد صلي الله عليه و آله فانه لم يأت بالمعجزات بل بالسيف فاي معجزة اظهر و ابقي (ابهر خ‌ل) من القرآن الذي لو اجتمعت عليه الجن و الانس لم يأتوا بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيراً و اي معجزة كانت لعيسي عليه السلام تساوي لهذه المعجزة فضلاً  من ان تكون اقوي منها فان ابراء الاكمه و الابرص ربما تتطرق الشبهة فيه انه يمكن للاطباء الماهرين فعله كاحياء الموتي لانه قد اتفق لبعض الاطباء احياء ميت جديد و ان كان ما اتي به عيسي (ع‌) معجزة هي احياء الاموات البالية (الميت البالي خ‌ل) لكن ما تدفع الشبهات بالكلية الّا بمعونة قرائن اخر بخلاف القرآن فانه حروف و الفاظ يستعملها كل احد من العرب و هي كثيرة الدوران و شي‌ء يجري علي اللسان مادته الهواء و تقطيع

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 124 *»

الحروف و ضم بعضها الي بعض و هذا اسهل ما يكون لكل احد و مع ذلك كله اتي رسول الله صلي الله عليه و آله بتأليف و تركيب اعجز  الكل عن الاتيان بمثله و تحدي بهم و قال لهم فأتوا بسورة من مثله فتبطل بعد ذلك نبوته و تنقطع حجته و مع ذلك ما امكن لاحد ان ياتي بسورة من مثله و لا ان يجري كلامه علي هذا المسلك اذ لا يشبه القرآن شيئاً من كلام المخلوقين لا منثورهم و لا منظومهم و لا خطبهم و لا غيرها مما يستعملونها لانه خلق مثل الانسان فمن قدر ان يخلق خلقاً مثل الانسان يقدر ان يأتي بسورة من مثل القرآن فان لم يفعلوا و لن يفعلوا و لا مكنهم الله من ذلك علمنا علماً يقينياً و قطعنا قطعاً حقيقياً ان القرآن معجزة انحطت دونها المعاجز  و كلّت عن اتيان مثله الطبايع و الغرائز و هي باقية مستمرة الي يوم القيمة و اي معجزة من معاجز الانبياء استمرت و بقيت ببقاء نبوته و لم يحصل ذلك لاحد من الانبياء سوي نبينا صلي الله عليه و آله و مع ذلك انكار كونه معجزة ينشأ اما من كمال عدم الانصاف و الدخول في الجور و الاعتساف او لكمال قلة الادراك و الفهم و ضعف المعرفة و الجهل بمواقع الاشياء و كلاهما موجودان في طائفة الكفار من اليهود و النصاري و سائر الفرق لان رؤساءهم معاندون و لاينصفون لا لامر الله يعقلون و لا من اوليائه يقبلون حكمة بالغة فما تغن النذر و اما جهالهم فضعفاء مستضعفون صم بكم عمي فهم لايبصرون و يقولون اذا دخلوا نار جهنم و هم فيها كالحون ربنا انا اطعنا سادتنا و كبراءنا فاضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب و العنهم لعناً كبيراً فيا لها من حسرة لا تنقضي و لهبة لا تنطفي نسأل الله العصمة و حسن الخاتمة.

و اما انه صلي الله عليه و آله قام بالسيف فليس ينكر  و لا ببدع من الرسل بل هكذا كانت سيرة الانبياء اما اذا ما اغنت قومهم المعجزات و لم يذعنوا للآيات البينات كانوا يحكمون السيف فيهم و الا لم تقم حجة و لا تعلو للحق كلمة و لا تظهر عن الله تعالي بينة لان الناس اهل الدنيا لا يردعهم الخوف من الله و لا الايمان بيوم الآخرة و اذا استولي اهل الباطل كمال الاستيلاء ما ظهر الحق و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 125 *»

ما بلغ الي الخلق لانهم يمنعون ظهوره و لذا تقاتلهم الانبياء عليهم السلام بالسيف حتي تضعف شوكتهم و تصل كلمة الحق الي الاقصي و الادني و يتنبهون للحق فهنالك من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر  و لذا تري نبينا صلي الله عليه و آله اذا تمكن من طائفة ما يلجئهم الي الايمان و الاسلام فيقبل منهم الفدية و يمن عليهم منة و يأخذ منهم الجزية و مقاتلتهم لاجل كسر شوكة باطلهم و التمكن من اظهار الحق و اعلاء كلمة الله و لذا حارب موسي العمالقة و محاربة موسي (ع‌) مع العمالقة و بعده وصيه يوشع بن نون معلوم مشهور و لا تنكره النصاري موجودة في كتب التواريخ و السير و لا ريب في ذلك و من تلك المحاربة و المقاتلة و قعودهم عن الحرب وقعوا في التيه و بقوا فيه اربعين سنة فهل هذا قدح في نبوة موسي بن عمران (ع‌) نعم انما يكون قدحاً اذ لم يأت النبي بالمعجزة و لم يأت بخارق العادة و لم يتبين له دعاء مستجاب و لم تظهر عناية الله معه في كل باب و هذه كلها منتفٍ في النبي (ص‌) لظهور المعجزة و الاتيان بخرق العادة فلو انكرت ساير معجزاته ما يسعك انكار القرآن فانه اجلي معجز  و ان لم تصدقني فأت بمثله و بسورة من مثله و استعن بكل ما تريد من الانس و الجان و السحرة و الكهنة و اهل الجفر و الجامعة و كل شي‌ء يرجي فيه حصول المطلوب فان اتيت بمثله تبطل بذلك نبوة هذا النبي و ان امكن المصير لهذه الاحتمالات لم تثبت لنبي نبوة و لا لرسول شريعة فعلي الدين السلام و هذا شي‌ء معلوم ان كان مكابرة للضروري و مصادمة للبديهي فان عابوا علي نبينا صلي الله عليه و آله القيام بالسيف فان كان من جهة ان النبوة لا تقتضي ذلك فقد علمت ان ذلك مقتضي النبوة بعد اظهار المعجزة و الّا لبطلت جميع الحدود و التعزيرات و ذلك في البطلان بمكان و ان كان من جهة ان عيسي عليه السلام ما فعله فقد فعله نبي الله موسي (ع‌) و لو كان كل ما لم يفعله عيسي (ع‌) حجة علي ساير الانبياء وجب ان تبطل نبوة جميع الانبياء لان عيسي (ع‌) ما تزوج ايضاً و ساير الانبياء من آدم الي الخاتم كلهم تزوجوا و عيسي (ع‌) لم يكن له اولاد و ساير الانبياء لهم اولاد و هكذا ساير الاحوال فان

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 126 *»

النبوة ليس مناطها فعل نبي خاص فعلاً خاصاً او عدم فعله فعلاً خاصاً لاختلاف اقتضاءات الانبياء و مصالح الرعية و امثال ذلك بل المناط في النبوة ما تحقق به من ادعاها و خرق العادة المقرون بالتحدي و اما القتل و النهب و الاسر و القصاص و اقامة الحدود للمعاصي المعلومة و التعزيرات كل ذلك من اقتضاءات النبوة و فروعها فلاتقوم الّا بها و قد يكون بعض الانبياء مكلفين بحسب مصالح رعيتهم بالاتيان بكلها كما فعل ابرهيم و موسي و نبينا صلي الله عليه و آله و عليهم و قد تكون المصلحة للتعرض لبعضها و الاعراض عن البعض كما فعله عيسي و يحيي عليهما السلام و هذا شي‌ء معلوم واضح.

و اما قوله ان معجزات نبينا صلي الله عليه و آله مما امكن فعله بحيلة تقوم بها القوة البشرية ماادري ايّ معجزة ارادها فان كان يريد به القرآن فايّ حيلة تقوم بها القوة البشرية علي الاتيان بها فهلا احتالوا بتلك الحيلة و اتوا بمثله و خلصوا عن الذل و الصغار و العار و الشنار و اعطاء الجزية عن يد و هم صاغرون و ان كان يريد به انتفاء ظله اذا وقف في الشمس او تسبيح الحصي بيده او حنين الجذع اليابس عند فراقه او تأثير وطي رجله الشريفة في الحجر و عدم تأثيره في الرمل و التراب و الوحل او لارتفاعه علي كل من وقف معه كائناً ما كان علي حسب نظر ذلك الواقف حتي ان الطير لا يمر علي رأسه الشريف او بانباع الماء في البئر بعد ما كانت يابسة و غزارة مائه بتفلة تفلها صلي الله عليه و آله فيها و انشقاق الايوان ليلة ولادته صلي الله عليه و آله و خمود النار في فارس و غور بحيرة ساوة و غيرها مما يضيق بذكرها الاحصاء و لا يمكن لاحد الاستقصاء فاي حيلة في هذه الاشياء تقوم بها القوة البشرية دون ما اتي به موسي و عيسي (ع‌) من المعجزات التي لا تقوم بها الحيلة البشرية فما لكم كيف تحكمون و الي كم بالحق تعاندون و من الحق تعرضون كأنكم حمر مستنفرة فرّت من قسورة.

و قوله او من المحال الذي يستبشعه العقل مثل ما حكي عن انشقاق القمر اي محال في انشقاق القمر فان كان من جهة ان الخرق و الالتيام لا يجوز فقد

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 127 *»

برهنا في كثير من مباحثاتنا علي انهما في الفلك يجوز و علي فرض عدم جوازه لا يلزم من انشقاق القمر  الخرق و الالتيام فان الكوكب قوة متألفة عارضة علي جسم الفلك فتميز تلك القوة عن الجسم لا يوجب خرقاً و لا التياماً فقد برهنا علي هذه المسئلة في كثير من كتبنا و رسائلنا و مباحثاتنا فليرجع اليها من يريدها لاني مع ما انا عليه من كثرة الاشتغال و تبلبل البال و معاناة السفر بالحل و الارتحال لا يسعني اكثر مما اتيت به من المقال و لكن فيه ما يشفي العليل و يروي الغليل و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل.

و ان كان من جهة ان النصاري و اليهود ما اثبتوا في كتبهم و دفاترهم و ان كان هذا لا يدل علي محاليته فنقول انا قد بينا انهم محوا ما كان ثابتا في الكتب السماوية مما يدل علي نبوة نبينا صلي الله عليه و آله و خلافة آله عليهم السلام كيف يثبتون معجزاته و آياته و بيناته لان المنكر المعاند لا يذكر ما يدل علي ما يغلب به خصمه عليه و اما المصدقون لنبوته فقد اثبتوه و ذكروه و اوضحوه و هذه كتب التواريخ فانظر فيها حتي تري الامر عياناً و هو في القرآن ايضاً مذكور فلو لم يكن واقعاً لماذا ما انكروا عليه لا والله لو وسعهم لانكروا و لكنه في الظهور بحيث لا يمكن لهم الانكار.

و اما قوله و اتبعت الشريعة لانها قد سهل السيف طريقها اي ضرر في ذلك اذا كانت المعجزات ما اغنتهم و الآيات ما كفتهم و لا بد من اعلاء كلمة الحق فلا يفيدهم الا السيف و لا شك ان السيف سهل سبيلها و ميز الخبيث من الطيب نعم السيف من غير المعجزة و من غير الدعوة و التحدي بالمعجزة بالنسبة الي النبي قبيح و هو خلاف ما نحن فيه.

و اما قوله حتي ان علماءهم يستدلون علي صحة شريعتهم بكثرة الغلبات و القتال الي آخره فكلام باطل لان علماء الحق لا يستدلون بهذا الدليل الباطل و حاشاهم عن ذلك ثم حاشاهم و ربما كان ذلك من بعض علماء الباطل من فرق الاسلام و الا فالحق لا يستدل عليه بالغلبة الا بغلبة الحجة و البرهان و الدليل و البيان كما قال الحق سبحانه في القرآن لن يجعل الله للكافرين علي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 128 *»

 المؤمنين سبيلاً الحمد لله رب العالمين.

تنبيه: اعلم ان الشخص اذا ادعي النبوة بانه مبعوث من الله لا يخلو اما ان يصف ربه بالصفات الكمالية و ينزهه من الصفات النقيصة الامكانية و يثبت له سبحانه محاسن الافعال و ينزهه عن قبايح الاعمال ثم هو من سلسلة شريفة معروفة كريم الاخلاق و طيب الاعراق يأتمر  بما يأمر  و ينتهي عما ينهي عامل بشريعته عابد لربه زاهد عما عداه طالب رضاه راغب الي مولاه او ليس كذلك بل يصف ربه بصفات الامكان و لا ينزهه عن العيوب و النقصان بل يثبت له الجهل و الكم و الكيف و الحدود و القرانات و الاوضاع و الاتصال و الانفصال و الحركة و السكون و ساير صفات الامكان و هو ايضاً لا يأتمر بما يأمر و لا ينتهي عما ينهي فان كان الثاني فيجب تكذيبه و لو اتي من خوارق العادات ما لا يحصي عدده الا الله و يجب الحكم بانها سحر و شعبدة و مخاريق و حيل و تمويهات من استعمال علم السيميا و الليميا و الريميا و الهيميا لان ادعاءه دليل بطلانه و وصفه للرب دليل كذبه ثم عدم انتهائه و عدم عمله بما في شريعته دليل علي عدم الوثوق به فهذا لا شك انه كذاب خبيث لا يجوز الالتفات اليه و لا التعويل عليه و لا الالتفات الي كلامه و لا الاعتماد علي شي‌ء من مرامه و لا يلزم ان يكون جامعاً لجميع الصفات التي ذكرنا في الوجه الثاني بل اذا كان فيه خصلة واحدة تكفي في وجوب التجنب عنه و الاعراض عنه و عدم الالتفات اليه لان دعواه فيها دلالة مستقلة علي ابطاله.

فان كان من القسم الاول فلا يكفي وجود تلك الصفات الحقة و السمات الحسنة في تصديق دعوي نبوته و رسالته بل لا بد مع ذلك من اختباره و امتحانه باقتراح معجزة و الاتيان بخرق عادة ليعلم انه من عند الله و ان الله سبحانه هو الذي بعثه اذ ليس في اخلاقه و آدابه و توصيفه لله شي‌ء ينافي ثبوته فوجب الاختبار بالآيات البينات و الدلالات الظاهرات و مطالبته خرق العادات و ان عظم و جل لانه لا يأتي به من نفسه بل انما هو بقوة يعطيها اياه ربه بل هو الفاعل سبحانه و لا يعجزه شي‌ء من الامكان و ان عظم و جل و صعب فاذا اقترحوا منه خرق عادة و الاتيان بمعجزة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 129 *»

ياتي به بلا حيلة و لا علاج و لا تفكر و لا تدبر و لا استمهال بل اتي به حين ما ارادوا منه و اقترحوا عليه ثم قارنه بالتحدي فلا شك و لا ريب ان ذلك من عند الله و ان من اتي به هو نبي الله لان الله سبحانه لا يصدق كاذباً و لا يغري بالباطل لانه اذا لم يكن من عند الله و لم يكن هناك شي‌ء يدل علي بطلانه فكان الله سبحانه مغرياً بالباطل و جاعلاً خلقه مهملاً و موقعاً  لهم في الحيرة و ذلك لا يجوز علي الله سبحانه.

و ان قلنا (قلت ظ) ان احتمال السحر يكفي في الردع قلنا ما المميز اذن لان هذا الاحتمال يجري علي كل حال فيلزم ان يكون الله سبحانه قد جعل خلقه في الحيرة و الضلالة فاذا ادعي النبوة و اتي بخارق العادة و قارنه بالتحدي و لم يكن لاحد معارضته فيجب ان يقطع و يحكم بان خارق العادة هو نبي الله يقيناً بلا شك و لا شبهة و ان الذي اتي به من خرق العادة ليس بسحر و لا خيانة.

خذ هذه القاعدة الكلية و كن لله شاكراً و الي الحق سالكاً اذا كنت له طالباً فقد ذكرت لك في هذا المختصر اسهل الطرق و اجلاها و اوضحها في اثبات نبوة محمد صلي الله عليه و آله فلو انصفت و القيت السمع و البصر و انت شهيد لا تحتاج بعد ذلك الي شي‌ء ابداً في هذا المقام فافهم ما القينا اليك و الله خليفتي عليك.

قال سلمه الله تعالي: فيا ضياء ابصارنا لما رأي والدي مني الاصغاء الي ذلك الحبر  و الاستماع من ذلك المعلم صاح عليّ باعلا صوته كأنك جننت يا ولدي أ تترك الاسلام و المسلمين و تركن الي هؤلاء الكفرة الملاعين قلت له يا ابتاه ارشدني ارشدك الله تعالي فاخذ بيدي و جاء الي جماعة من علماء المسلمين فكأني قد لقيتهم مجتمعين في المكان متظاهري الابدان متفرقين في القلوب و الاذهان و كأني قد سئلت كلاً  منهم عن غيره و اذا كل منهم يذكر بطلان الجميع بصحة ما هو عليه فبعضهم من اوصاني ان لا تجعل واسطة الا محمداً (ص‌) و صحبه و بعضهم من قال لا تجعل الا محمداً و آله (ع‌) فوقفت عند ذلك ثم اخذت بالترجيح بين الطرفين ثم كأني سألتهم اجمع

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 130 *»

هل يرضي ربي تقليد احدكم كائناً ما كان في الاصول و الفروع مطلقاً ام لا اجابوني لا يرضيه ذلك لان الحق واحد و قد اختلفنا فيه و كل منا يدعي بل يجب عليك و علي امثالك الفحص عن الفرقة الناجية منا لتلزمها علي بصيرة و يقين فهناك يقبل منك ما تفعل و تقول و انت عند بارئك ان شاء الله مقبول.

اقول: المراد بالوالد والد التربية و العادة لانه لا يزائله و ما ارتفع عنه لانه لا يرتفع الا عند التثبت و الاطمينان و حيث لم يحصل له ذلك صاح به ليرجعه الي عادته الاولية و الي ما نشأ فيه و تربي من الملة الاسلامية و الفرقة المحقة الاثني عشرية و من هذه الجهة صاح به ليردعه عن تلك الفرق و لما كان هو اب التربية استرشد منه لما استرشده فاتي به و ارشده الي الملة الاسلامية و حيث ان الملة يحفظها علماؤها و تبينها حملتها اتي به الي علماء الاسلام و لما كان امة محمد صلي الله عليه و آله افترقت بثلثة و سبعين فرقة فرقة واحدة منهم ناجية و الباقي كلهم في النار و الي النار فعلي ذلك يكون ظاهرهم مجتمعة يجمعهم الاسلام و عقايدهم مختلفة كل يذهب الي جهة غير جهة الاخري تحسبهم جميعاً و قلوبهم شتي ذلك بانهم قوم لا يوقنون و ان الموقن لا يختلف و لا يتعدي عن الحق ثم لما دخل عليهم و سألهم كل منهم دعاه الي ما عنده لان ما قصدهم بهذا الاختلاف رضي الله سبحانه و انما قصدهم الغلبة و الاكثار كما قال عز و جل الهيكم التكاثر حتي زرتم المقابر فماتت عقولهم و ارواحهم و قبروا في مقابر طبائعهم و اشباحهم و اذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله اني يؤفكون فمن هذه الجهة طلباً للكثرة الصورية و الغلبة الظاهرية دعي كل منهم الي نفسه و اراد ان يدخله في طريقته و لكن غلبهم السيد لما هو عليه من تسديد الله و توفيقه لانه طلب الحق غير معاند فالهمه الله و وفقه بان قال لهم هل يرضي ربي عني تقليدي من غير تحقق و بصيرة و فكرة و روية فما وسعهم ان يجيبوه بنعم فان التقليد في اصول الدين لا يجوز اجماعاً من المسلمين الا من بعض الشاذ الذي لا يعبأ بقوله و لا يلتفت الي خلافه و لايحتاج

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 131 *»

الي ذكر  برهان و لا شرح حجة و بيان لان الوقت اضيق من ذلك و المسئلة اظهر من ان يحتاج الي دليل فهي الحمد لله واضحة السبيل فاذا وجب الاجتهاد و الاستيضاح و الاستبصار و بذل المجهود لطلب ما يتوجه به الي الحق المعبود الجمهم بلجام و خرسهم عن الكلام و تمكن من الفحص و اتي سلمه الله تعالي لطلب البحث و نحن نبين له ان شاء الله الي ما هو الحق من هذه الفرق و ارشده الي الفرقة الناجية فلا يبالي بعد ذلك عن خروج من خرج و مروق من مرق.

فاقول و الله المستعان و عليه التكلان انه بعد ما ثبت لك بالبينة و البرهان ان محمداً صلي الله عليه و آله هو النبي الحق المبعوث علي الجن و الانس و غيرهما من ساير الاكوان و ان من اعظم معجزاته القرآن و انه حق من الله الملك الديان و الله سبحانه ذكر في كتابه الكريم ان محمداً صلي الله عليه و آله نذير مبعوث علي جميع العالمين ثم نقول ان امته تفرقت و حملة شريعته اختلفت كما كان دأب الانبياء عليهم السلام عند ارتحالهم من الدنيا و اختلاف اممهم علي اوصيائهم و تفرقهم فان اليهود افترقت احدي و سبعين فرقة فرقة منها ناجية و هي التي اتبعت وصيه يوشع بن نون و النصاري افترقت اثنتين و سبعين فرقة فرقة منها ناجية و هي التي اتبعت وصيه و خليفته شمعون الصفا و امة محمد صلي الله عليه و آله ايضاً تفرقت و اختلفت و افترقت ثلاثة و سبعين فرقة فرقة منها ناجية و الباقون في النار و لما قال الله سبحانه خطاباً لنبيه صلي الله عليه و آله قل ما كنت بدعاً من الرسل و كل نبي صاحب شريعة له وصي فيجب ان يكون له وصي و قد قال ايضاً خطاباً له صلي الله عليه و آله ما يقال لك الا ما قد قيل للرسل من قبلك و قال ايضاً شرع لكم من الدين ما وصي به نوحاً و الذي اوحينا اليك و ما وصينا به ابرهيم و موسي و عيسي ان اقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه و بالجملة فالمستفاد من الآيات ان محمداً صلي الله عليه و آله كان علي طريقة الرسل من قبله و ان كانت شريعته ناسخة لشرايعهم و لكن الكليات التي هي مناط النبوة و الشريعة التي جري علي كل نبي و رسول كان يراعيها و الا كان

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 132 *»

بدعاً من الرسل و الانبياء و الرسل و اولوا الشرايع نصبوا لهم اوصياء حين وفاتهم و انتقالهم من الدنيا فيجب ان يكون محمد صلي الله عليه و آله له وصي ينصبه بنص منه الذي هو نص من الله لان الله سبحانه قال في حقه و ما ينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي علمه شديد القوي ذو مرة فاستوي فعلمنا انه اذا نص علي احد بالوصية لا يكون ذلك الا بنص من الله سبحانه و الا قد نطق عن الهوي احياناً و لم يكن كل كلامه وحياً يوحي و لقد نفاه الله سبحانه و حصر كل كلامه بالوحي ثم كيف يمكن ان يدع رسول الله صلي الله عليه و آله امته مهملين بلا وصي مع ما وصفه الله سبحانه بقوله تعالي لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم و هل يكون من الرأفة و الرحمة ان يدع الخلق في حيرة شديدة يكلهم الي اختيارهم حتي يختاروا الرئيس علي انفسهم من غير نص من الله و لا تعيين من رسول الله صلي الله عليه و آله و الله سبحانه يقول و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة من امرهم حتي يعلموا (یعملوا ظ) بارائهم و يتبعوا اهواءهم ليختلفوا في الدين و ليذهبوا الي الشك و الظن و التخمين مع تمكنه من هدايتهم و جمعهم علي الحق و الهدي و ينصب دليلاً واضحاً و علماً لايحاً و لا ريب ان هذا ليس شأن الرؤوف العطوف بالمؤمنين و لا شأن من هو علي خلق عظيم بل و لا شأن من هو منسوب الي الله رب العالمين لان الله تعالي يقول و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً تبين ان ما عند الله ليس فيه اختلاف فالذي جعل في الخلق اختلافاً حيث وكلهم الي آرائهم و ميولات انفسهم ليس من الله فحاشا رسول الله صلي الله عليه و آله عن ذلك لان الله سبحانه قرنه بنفسه و جعل طاعته طاعته و معصيته معصيته ثم وصفه بما لم يصف به احداً من الفضيلة و قال انك لعلي خلق عظيم و صاحب الخلق العظيم لا يكل الخلق في الدين علي شهوة انفسهم و ميل ارادتهم لان اتفاق الكل علي شي‌ء واحد لو لم يكن راجعاً الي قاهر واحد يقهرهم علي شي‌ء واحد محال و هل رأيت في كل الدهر  اتفاق الجميع علي واحد و اما ضروريات الدين فذلك ما قهره عليهم الرسول الامين و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 133 *»

اما ما ينسبون الي رسول الله صلي الله عليه و آله من قوله صلي الله عليه و آله لا تجتمع امتي علي ضلال فان كان المراد منها جميع الامة بحيث لا يشذ منهم احد بحال من الاحوال فذلك ما اتفق في ما نحن فيه و ان كان ما يصدق عليه الامة و لو بعض منهم كيف يجتمع هذا القول منه صلي الله عليه و آله مع قوله المتفق علي صدوره منه و هو قوله صلي الله عليه و آله ستفرق امتي علي ثلاثة و سبعين فرقة فرقة ناجية و الباقون في النار و بالجملة فاهمال النبي (ص‌) رعاياه و عدم نصب وصي و ولي يقوم مقامه و يظهر  شريعته و احكامه ليس فعل (/من ظ) هو منسوب الي الله الحكيم و يجل عن ذلك نبينا صلي الله عليه و آله الذي هو علي خلق عظيم فوجب ان ينصب وصياً يقوم مقامه و يظهر احكامه و ينشر اعلامه و يأخذ عنه جميع الشرايع و الاحكام و يتربي لديه في جميع الليالي و الايام و كل الشهور و الاعوام فاذا ثبت انه يجب علي النبي (ص‌) نصب الوصي يجب ان ننظر في انه من هو  و من يكون له قابلية هذا الامر العظيم و الخطب الجسيم، فنقول انه ما ادعي لاحد من الامة ان يكون منصوباً (منصوصاً خ‌ل) بالوصية غير اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام و اما القائلون بانه الخليفة الرابع ما ادعوا في ساير الخلفاء انهم منصوصون بالخصوص عن النبي صلي الله عليه و آله بل يثبتون خلافة الاول بالاجماع و خلافة الثاني بنص الاول عليه عند موته و خلافة الثالث بالشوري التي اسسها الثاني و ما ادري الاجماع الذي مستندهم في خلافة الاول ما مستنده و ما دليله فان كان زعمهم ان النبي صلي الله عليه و آله قال لا تجتمع امتي علي خطأ فعلي فرض صحة هذا القول يجب ان يكون اجماع جميع الامة بحيث لا يشذ منهم شاذ و لا نادر متي وقع هذا الاجماع للاول لان عند موت النبي (ص‌) ما حضرت السقيفة الّا اناس معدودون و لو فرضنا اتفاق جميع اهل المدينة فاين اهل مكة و المسلمون الذين بين الحرمين و اهل الطائف و اهل اليمن و ساير المسلمين المنتشرين في الاقطار و متي تحقق هذا الاجماع من جميع الامة و هذا لا شك فيه و لا ريب يعتريه و اما

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 134 *»

اتفاقهم في ما بعد ذلك فممنوع و علي مدعيه البيان و كذلك اتفاق ما عدا الحاضرين في السقيفة بل اتفاق كل من في السقيفة فان انكار سعد بن عبادة معروف لا ينكر معلوم لا يستر و اما اتفاق بعض الامة فيناقضه قول النبي صلي الله عليه و آله ستفترق امتي الي قوله (ص‌) فرقة ناجية و الباقون في النار و ذلك معلوم كالشمس في رابعة النهار و ان زعموا ان اكثر الامة اجمعوا علي الاول فان الله تعالي ذم الكثرة و مدح القلة و قال تعالي بل اكثرهم لا يعقلون و اكثرهم لا يفقهون و لقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن و الانس و لكن اكثر الناس لا يشكرون و امثالها من الآيات التي فيها ذم الكثرة فعلي هذا فاي اعتبار في كثرة البايعين للاول بلا دليل و لا برهان و حجة و بيان و الكثرة مذمومة بنص القرآن و ان زعموا ان بيعة خلافة الاول استنبطوها من امر النبي صلي الله عليه و آله بالصلوة خلفه نقول لو صحت هذه الرواية و سلّمتها الامة لا يدل علي خلافته لما عندهم من جواز الصلوة خلف كل بارّ و فاجر فلو ان النبي صلي الله عليه و آله امر بالصلوة خلف ابي‌بكر (لع‌) علي ما يزعمون فقد صلي بزعمهم خلف عبد الرحمن بن عوف فهلا اتخذوه خليفة دون الاول و قلدوه امر الامة و بالجملة فلا حجة لهم في اثبات خلافة الاول و لا برهان فخلافته انما كانت بلا هدي و لا علم و لا كتاب منير ثاني عطفه ليضل الناس بغير علم و اذا بطل اساس الاول فاي اثر يترتب علي نصه علي الثاني ان (اذ خ‌ل) لم يثبت امره من الله و لا من رسوله حتي ينصوا فيه علي غيره بين ما يستقيلها في حياته اذ عقدها لآخر  بعد مماته فكان خلافة الثاني بناء علي غير  اساس محكم و هو منهدم البنيان مضمحل الاركان فاذا لم‌يثبت خلافته بعد اثبات خلافة الناس عليه فالشوري التي اسسها فجعلها في ستة اي اعتبار لها و اي اعتماد عليها فانها بناء علي غير  اساس و انما دعاهم الي ذلك وسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس و اما مولانا امير المؤمنين عليه السلام فقد ذكرنا انه ما ادعي في حق احد النص الخاص من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم سواه لانا قد بينا سابقاً انه

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 135 *»

تجب الوصية علي النبي صلي الله عليه و آله و يجب ان يوصي الي شخص خاص و لم يدع الّا في حق هذا الشخص الرباني و النور الشعشعاني و البشر الثاني بل نقول الوصية اليه متعينة و لا يجوز النص علي غيره مع وجوده لان الله سبحانه و تعالي جعله نفس النبي صلي الله عليه و آله و لا يعقل شي‌ء اقرب الي شي‌ء من نفسه و حيث ان الاتحاد من جميع الجهات متعذر لان محمداً صلي الله عليه و آله و علياً  اثنان وجب ان يكون الاتحاد في عين الاثنينية من جميع الكمالات و جميع الصفات و جميع الافعال و جميع الاضافات و معالي الدرجات الّا ما استثني من خصايصه صلي الله عليه و آله فاذا كان علي اميرالمؤمنين عليه السلام نفس النبي (ص‌) و اقرب الخلق اليه في جميع الكمالات و الصفات الحسنة فاني يعدل (يعدل به خ‌ل) عن نفسه و اقرب الخلق اليه و اشبههم به و اولاهم عليه و اطوعهم الي الانقياد اليه و اعلمهم بالاحكام و اقضاهم في الحلال و الحرام كل ذلك باتفاق من الفريقين فلو عدل عنه الي غيره و اوصي الي غيره كان مخالفاً للحكمة و مرجحاً  للمرجوح و مقدماً  للمفضول و ذلك محال علي الحكيم الذي هو علي خلق عظيم. و ايضاً نقول رسول الله صلي الله عليه و آله واخاه و الاخوة تنبئ عن المساواة كما هو صريح آية انفسنا فالعدول عن المساوي الي غيره من ما هو دون مرتبته في مقام النيابة و الوصاية مخالفة للحكمة و هو محال علي الحكيم الذي هو علي خلق عظيم و ايضاً قد نص الله تعالي علي طهارته عن الذنوب و عصمته من ساير العيوب بل طهره عن كل رجس و دنس و خبث في ظاهره و باطنه و سرّه و علانيته لقوله تعالي انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا و لا شك ان امير المؤمنين عليه السلام داخل في هذه الآية بالاجماع و سوق الآية لان قبلها كان الخطاب لنساء النبي صلي الله عليه و آله و كان الخطاب بالضمير المؤنث ثم عدل عنهن و قال انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا و المخاطب فيه الذكور و هم اميرالمؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام و فاطمة عليها السلام دخلت فيهم تغليباً اجماعاً و بالجملة قد اتفق

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 136 *»

المسلمون علي ان هؤلاء الاربعة هم اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً و الطهارة عامة غير مختصة تشمل ظاهرهم و باطنهم فهم المطهرون من درن الذنوب مطلقاً صغيرها و كبيرها و من النجاسات الظاهرة في اجسامهم و اجسادهم فالعدول عن هذا الطيب الطاهر  بالوصية الي غيره مخالفة للحكمة و هو محال علي رسول الله صلي الله عليه و آله المبعوث بالرأفة و الرحمة و ايضاً فان امير المؤمنين عليه السلام قد جمع من محامد الصفات و خوارق العادات و التصرف في الكائنات و التدبير في الموجودات و استسلام الاشياء له من الذوات و الصفات و ما اشتبهت فيه الاوهام و توهمت الاحلام و ادعوا في حقه الالوهية و غلوا و قالوا انه هو الله و منهم من قال ان الله فوض اليه الامور و التدابير و منهم من قال ان الله سبحانه و تعالي جعله واسطة للفيوضات كلها و انه باب الله الي الخلق في جميع الافاضات في التكوينيات و التشريعيات و باب الخلق الي الله في الطلبات و المسئلات و هو الواقف علي الطتنجين و السر في العالمين و النور الزاهر في المغربين و المشرقين و لم يحصل هذه العقايد فيه الّا لما ظهر  منه عليه السلام من الكرامات و خوارق العادات و انفعال الاشياء له ما لم يحصل لغيره و لقد قال ابن ابي الحديد في حقه عليه السلام
تقيلت افعال الربوبية التي       ** * **      عذرت بها من شك انك مربوب
فالعدول عنه (ع‌) مع هذه الكمالات و عجائب الامور و الحالات مخالفة للحكمة و هي محال علي الحكيم الذي هو علي خلق عظيم و هل يساوي او يرجح من يشك في ايمانه و كفره و عدالته و فسقه علي من يشك في ربوبيته و عبوديته لا والله لا يخفي ذلك علي من له ادني روية و معرفة  فكيف من عنده علم غيوب الاشياء و حقايقها و من عنده علم الكتاب و فصل الخطاب لا يكون ذلك ابداً و لا يفعله رسول الله صلي الله عليه و آله ا ما سمعت الله سبحانه و تعالي بعد ان نص علي ان امير المؤمنين عليه السلام نفس الرسول في آية انفسنا قال سبحانه ما كان لاهل المدينة و من حولهم من

 

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 137 *»

 الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله و لا يرغبوا بانفسهم عن نفسه و لم يقل عنه مع انه اخصر  و انما المراد نفسه التي هو امير المؤمنين عليه السلام فالاعراض عن امير المؤمنين عليه السلام هو التخلف عن رسول الله صلي الله عليه و آله و التخلف عن رسول الله صلي الله عليه و آله هو المشاقة معه و هو قوله تعالي و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و نصله جهنم و سائت مصيرا و المؤمنون هم القليلون الذين اشار اليهم بقوله تعالي و ما آمن معه الّا قليل و قليل من عبادي الشكور و قليل ما هم، فشربوا منه الّا قليل و الاكثرون هم الكافرون فان الله تعالي يقول و اكثرهم الكافرون، اكثرهم لا يشكرون و اكثرهم لا يفقهون و اكثرهم لايعقلون فثبت بالبرهان الواضح انه يجب علي رسول الله صلي الله عليه و آله ان لا يدع الخلق مهملين بل ينصب لهم وصياً حقيقياً بالرياسة عالماً بالسياسة جامعاً لجميع الكمالات آتياً بخوارق العادات و يجري فيهم جريان نفسه (ص‌) في جميع البريات و لا يجعلهم مهملي الناصية ليميلوا الي ما عندهم من الشهوات و يوقع الاختلافات و يستحق غضب بارئ السموات و انه يجب عليه صلي الله عليه و آله ان لا ينصب وصياً الا امير المؤمنين عليه السلام لانه (ع‌) نفسه فلا يكون شي‌ء اقرب الي شي‌ء من نفسه و انه مطهر من الذنوب معصوم من العيوب محفوظ بعناية علام الغيوب قد تولي الله عصمته و طهارته و اذهب عنه الرجس و طهره تطهيراً فلا يجوز ان يوصل اليه غيره اذ لا يصل احد اليه في كمال من الكمالات و لا في شي‌ء من محاسن الصفات و معالي الدرجات فلو  اختار عليه غيره لم يكن بالمؤمنين رؤفاً رحيماً و قد وصفه الله كذلك و حاشا ان يخلف وصف الله و يتخلف وعد الله فثبت ان امير المؤمنين عليه السلام هو  الوصي و الخليفة و المنصوص من الله بالخصوص و حديث غديرخم يدل عليه اكبر دلالة و يشهد اعظم شهادة و ذلك معلوم لمن راعي الانصاف و جانب الاعتساف و من لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

فمما ذكرنا ثبت خلافة امير المؤمنين (ع‌) و وصايته بلا فصل و بطل

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 138 *»

خلافة من تقدمه اذ لم يقم عليها برهان و لا دليل بل البرهان علي خلافه واضح السبيل و اذا ثبت ذلك نقول انه لما اقتضت الحكمة الالهية علي ارتحال امير المؤمنين عليه السلام عن هذه الدنيا و انتقاله الي الدار الآخرة و عدم استمرار ظهوره في الدنيا باستمرارها لمصالح خفية لم نعرف اكثرها و الذي نعرفها لا يسع المقام ذكره و من جملتها عدم توهم الناس فيه الغلو لانه مع قلة مكثه في الدنيا و ظهور كثرة المعاجز و خوارق العادات غلت الناس فيه و توهموا فيه الالوهية فما ظنك لو طال مكثه في الدنيا و استمر باستمرارها فكانت الشبهة اعظم فيكون سبب الضلالة بعد ما كان علة الهداية فوجب ارتحاله عن هذه الدنيا لئلاتعم علي الناس البلوي و اذا ارتحل وجب ان يكون له وصي يقوم مقامه و وجب ان تتعدد الاوصياء فاذا وجب تعدد الاوصياء لا بد ان يظهروا باشرف الاعداد و اكملها و اعلاها و اسناها لان الاوصياء وجب ان يكونوا اشرف الخلق و افضلهم في ذواتهم بان يكونوا مبدء الوجود و الصادر الاول و المخلوق الاول و ان لا يسبقهم ممكن من الممكنات و حادث من الحوادث و في صفاتهم بان يكونوا اعلم الخلق و اقدر الخلق و ارادتهم في الموجودات انفذ من ارادة كل شي‌ء و ان يكونوا معصومين مطهرين طيبين و طاهرين و ان يكون عددهم اشرف الاعداد و اتمها و اكملها و العدد علي ثلاثة اقسام عدد تام و عدد زائد و عدد ناقص اما العدد الناقص فلا يجوز ان يظهروا به لمكان النقصان و لا يصح النقص في ما ينسب الي الله سبحانه الّا محض الامكان و اما العدد التام فهو في كل مرتبة من مراتب الاعداد لانه هو الذي كسوره الصحاح يساويه و هذا العدد يحصل في كل مرتبة من مراتب الاعداد الا ان اشرفها و اكملها رتبة الآحاد لانها المبدء و العلة لسائر المراتب و وجب ان يكون العدد التام الذي هو في غاية الشرف العدد الحاصل في رتبة الآحاد و لا تكون ذلك الا الستة و لما كانت الستة كمالها بالتثنية لحصول مقام الجامعية كما برهن في محله في علم الاعداد و الاوفاق علي حسب ما عند اهل الاسرار و السالكين في عالم الانوار

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 139 *»

فاذا تثنت الستة تكون اثنا عشر و هو العدد الزايد يعني اول عدد زائد ظهر في الاعداد لان كسوره الصحاح زائد علي اصله فاثناعشر هو  في نفسه عدد زائد و فيه كمال الزيادة لبيان ان حامل هذا العدد لطيفة (لطیفته ظ) زائدة علي ذاته و مع ذلك هو مثني العدد التام و فيه كمالان احدهما كونه مثني العدد التام و الثاني كونه العدد الزائد فوجب ان يكون عدد الاوصياء اي اوصياء محمد صلي الله عليه و آله علي عدد الاثني عشر و هو حروف لا اله الا الله و ان يكون تظهر فيهم الستة حتي يتبين انها تثنت ليكون قد اجتمعت الكمالات كلها فيه و لم يدع في جميع الموجودات اجتماع الكمالات الامكانية كلها في العدد الاثني عشر الا في الائمة الاثني عشر الذين هم اولاد رسول الله صلي الله عليه و آله و نفسه الشريفة و هم اقرب الخلق اليه و ادناهم اليه و اولهم امير المؤمنين عليه السلام و آخرهم القائم المنتظر عجل الله فرجه و روحي فداؤه و عليه و علي آبائه السلام فان هؤلاء سلام الله عليهم اثنا عشر ظهرت فيهم الستة فاسماؤهم الشريفة الغير المكررة ستة و هي محمد و علي و الحسن و الحسين و جعفر  و موسي (ع‌) و هذه الستة تكررت الي ان صارت اثنا عشر فيجب ان يكونوا هم الاوصياء اذ قد اجتمعت فيهم الكمالات و محاسن الصفات و معالي الدرجات في الظاهر  و الباطن في ذواتهم و صفاتهم و اعدادهم ما لم يظهر في غيرهم ا لا تري ان الفرق المتبائنة من فرق الاسلام مع تباين عقايدهم و مذاهبهم ممن يقول بامامتهم و من لا يقول كلهم متفقة علي جلالة شأنهم و نبالة مكانهم و انهم هم المعنيون من قوله تعالي قل لا اسئلكم عليه اجراً الا المودة في القربي و القربي مؤنث الاقرب و ليس اقرب من الاولاد و النفس شيئاً و قد علمت ان اعداءهم هم سلاطين و حكّام يريدون اظهار نقصهم حتي يكون لهم حجة في قتلهم و اذيتهم و الناس اهل الدنيا عبيد الدراهم و الدينار و همّهم طلب الجاه و الرياسة من اولئك الاشرار و لذا اعرضوا عنهم و تولوا ما دعاهم الي هذا الاعراض الّا قرب السلطان و حب الجاه و الرياسة و لا شي‌ء يتقربون به الي السلطان باعظم و اكبر من اظهار النقص فيهم و مخالفتهم

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 140 *»

سلام الله عليهم و لو بالافتراء و الكذب و انت تعلم جرأة الناس علي الكذب و الافتراء و الي الآن بحمد الله و فضله ما قدروا و ما تمكنوا من اثبات النقص فيهم و لو كذباً و افتراء و ما ذلك لتورع الناس بل لان ظهور كمالهم سلام الله عليهم و تجنبهم من النقايص و تنزههم عن رذائل الاخلاق و خبث الاعراق كان بحيث اشهر من الشمس في رابعة النهار و لا يمكن لاحد فيه الانكار بحيث لو تكلم واحد بشي‌ء من تلك النقايص زوراً و كذباً و افتراء كذبته جميع الامة من الاخيار و الاشرار و ذلك دليل قاطع و برهان ساطع علي علوّ  مقامهم في الكمال و الجمال بحيث لم يقدر اعداؤهم النواصب الذين قتلوهم و نهبوهم و اسروهم علي اظهار نقص من النقايص بل هم سلام الله عليهم هم الاجلاء الاطهار عند جميع الخلق (الخلايق خ‌ل) و ان كانوا يكرهونهم لقلة المناسبة و عدم المشاكلة لان الجنس الي جنسه يميل و الشي‌ء الي اشباهه اميل و هم الطيبون الطاهرون و الخلق عصاة عاصون و اكثرهم ضالّون مضلّون فما ظنك مع ذلك ان يبايعوهم او يسلموا لهم سلام الله عليهم حاشاه لا يكون ذلك بل لا يحبهم الّا كل طيب الولادة مقرون بالسعادة فاذا كان الامر كذلك فيجب ان يكون هؤلاء الطيبون الطاهرون المعصومون بنص القرآن هم اوصياء رسول الله صلي الله عليه و آله الاطهار و خلفاؤه الاخيار سلام الله عليهم ما دام الليل و النهار و قد غاب آخرهم و قائمهم و استتر عن عواملهم لان الجور قد غلب و الظلم قد استولي و الاصلاب و الارحام ماصفت عن النطف الخبيثة و الطيبة ففي اصلاب طاهرة نطف خبيثة و في اصلاب خبيثة نطف طيبة و هو قوله تعالي يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي و قبل التصفية اذا ظهر بين الناس فاهل الباطل من جهة عدم المناسبة يرومون قتله فان قتلهم عن آخرهم انقطع الفيض عن تلك النطف الطيبة التي في تلك الاصلاب الخبيثة و فيه لزوم الالجاء ايضاً و ان قتل الذين ليس في اصلابهم تلك النطف الطاهرة و يبقي الذين هي في اصلابهم فهم يقتلونه كامر مولينا و سيدنا الحسين عليه السلام فاذا قتل عليه السلام و لم يكن من يقوم مقامه

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 141 *»

للزوم انحصار الاوصياء (ع‌) في اثني عشر تسيخ الارض باهلها و تنهدم اركان السموات قبل اوانه و اذا دار الامر بين فساد العالم و خرابه قبل مجي‌ء اوانه و بين غيبته عليه السلام و انتفاع الناس به كانتفاعهم من الشمس اذا جلّله السحاب و لا ريب ان الغيبة لحفظ الرعية اولي عن الظهور و فسادها و هم سلام الله عليهم انما اتوا للاصلاح دون الافساد فلذا غاب الامام الثاني عشر نسئل الله تعجيل ظهوره و ان يجعلنا من المستنيرين بنوره و ينور قلوبنا بهدايته و يجنبنا معصيته و خلاف طاعته انه رؤوف بالعباد في المبدء و المعاد.

فبهذا البيان التام ثبت و وضح و ظهر ان الذين دعوك الي محمد و آله صلوات الله و سلامه و تحياته عليه و آله الطيبين هم المصيبون و الذين دعوك الي صحبه هم المخطئون فكن مع الآل و امتثل امر الرسول المفضال الحق مع علي و علي مع الحق يدور معه حيثما دار و قوله صلي الله عليه و آله اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي اهل بيتي و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض و الاولاد هم اهل البيت يقيناً و قوله صلي الله عليه و آله يا ابن عباس خالف من خالف علياً يا ابن عباس وال من والي علياً و بالجملة النبي صلي الله عليه و آله هو اولي بالمؤمنين من انفسهم و نفسه هو اولي بالمؤمنين من انفسهم و اولاده الذين هم جزؤه بنص القرآن و من سنخه و علي هيئته و شاكلته اولي بالمؤمنين من انفسهم و دع الاجانب و خذ الاهل و الاقارب اذا لم يخالفوا سنته و لم يتبعوا غير ملته فاولئك هم الاطهار الابرار و الخلفاء الاخيار و الاوصياء المرضيون الاطهار سلام الله عليهم ما دام الليل و النهار و هذا مختصر المقال في حقية النبي و الآل عليهم سلام الله الملك المتعال فالزم هذه الطريقة الانيقة فانها يوصلك الي الحقيقة ان اردت الفحص و البصيرة،

اذا شئت ان تختر لنفسك مذهباً       ** * **      ينجيك يوم الحشر من لهب النار
فدع عنك قول الشافعي و مالك       ** * **      و احمد و المروي عن كعب الاحبار

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 142 *»

و وال اناساً نقلهم و حديثهم       ** * **      روي جدّنا عن جبرئيل عن الباري
قال سلمه الله تعالي: فاخذت بالترجيح و اذا وقع نظري علي شيخ من اهل الصحب صوفي ذو هيبة و وقار و زهد و ذكر  و افكار و يدعي دعاوي عجيبة غريبة اقلقني عن وسادي و منعني لذيذ رقادي لاني تارة انظر الي حاله و اقواله و افعاله و تارة اتأمل في ابتداء مذهبه بمحشره و امامه.
اقول: قوله سلمه الله قد وقع نظري علي شيخ من اهل الصحب صوفي هو كما قال فان التصوف انما كان منشأه و اصله منهم و شرط ان يكون شخص منهم و من مذهبهم كان نص عليه اهل هذا الفن كما في النفحات و امثاله من الكتب الموضوعة لاهل هذا الشأن و لكنك اعلم اولاً ان الصوفي من هو فان الناس قد اشتبه عليهم الامر و التبس يرمون بالتصوف من هو بمعزل عنه بمراحل و ينزهون عن التصوف من هو  اهله و محله و ها انا اخبرك الآن بالصوفي المردود الملعون الذي هو المنافق الخبيث المطعون و هو كل من يتكلم بالباطن بما يخالف ظاهر الشريعة و يزعم ان الظاهر سلّم للباطن فاذا وصل الي الباطن انتفي حكم الظاهر  و هذا و ان لم يتفوه به كلهم و انما يصرح به جماعة منهم الملقبون بالواصلية و لكن لسان حال الجميع عند مخالفة الظاهر مع الباطن و الباطن مع الظاهر ينادي بذلك و قد قال بعض العلماء الفحول من اهل المعقول في مسئلة خلود الكفار في النار انه لم يقم دليل عقلي لا يحتمل الخلاف علي خلود الكفار في النار فان جميع الآيات و الروايات الدالة علي الخلود يحتمل المكث الطويل و اما الدليل العقلي فلم يقم علي الخلود الدائم بل يطابق القدر المتيقن من الدليل النقلي من المكث الطويل و لم يبق في المقام الا اجماع اهل الظاهر علي خلود الكفار في العذاب و هو لا يقاوم و لا يعارض كشف اهل الباطن انظر كيف صرح بان الظاهر يخالف الباطن مع انه ليس من الواصلية بحيث يترك الاعمال الظاهرة الشرعية بزعمه الوصول الي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 143 *»

الحقيقة و بالجملة الصوفي كل متكلم بباطن من بواطن الشريعة مخالف لظاهر من ظواهرها و لا شك ان هذا باطل مردود لا سيما اذا اقترن بذلك المذهب السخيف و الاعتقاد الباطل الفاسد الزائل و الاصل في ذلك ان النبي صلي الله عليه و آله لما ظهر نوره و اشرق ظهوره خفيت جميع الظلمات و استترت و هؤلاء الصوفية قد كانوا في زمان الجاهلية و قبله لكنهم مغمورون و مستضعفون لعدم رغبة اهل الجاهلية في ما عندهم لاشتغالهم بالملاذ الجسمانية و عدم التفاتهم الي الحقايق الروحانية سواء كانت عليينية او سجينية و من هذه الجهة كان ضوؤهم مخمود و قولهم مردود و بعد ظهور النبي صلي الله عليه و آله اخفي نوره ظلمتهم فكانوا هائمين مخمودين الي ان انتهت الدولة الي بني العباس و هم لما خطئوا رأي بني امية في ما فعلوا بالذرية الطاهرة من قتل و نهب و اسر و ميل قلوب الناس عنهم و كراهتهم اياهم لاجل افعالهم الردية و سوء سلوكهم بالذرية العلوية و لذا انقرضت دولتهم و انكسرت شوكتهم و مالت قلوب الناس عنهم فارادوا تدبيراً آخر و حيلة اخري في استيصال آل محمد صلوات الله عليهم و اطفاء نورهم و اخماد ذكرهم و لما وجدوا ان الناس محتاجون اليهم في العلوم الظاهرية و الباطنية و الاحكام التكليفية و العلوم السرية الحقيقية فما دام احتياج الناس اليهم في هذه العلوم يمكن صرف وجوه الناس عنهم (ع‌) ثم فكروا و قدروا فقتلوا كيف قدروا ثم نظروا و ابصروا و ادبروا و استكبروا فقالوا ان هذا الامر لا يتم الا بان نأتي باناس في مقابلتهم في المقامين اي في مقام الظاهر  و الباطن فاذا حصل للناس الصورة الظاهرية مع الرياسة و الجاه يقنعون بهذه الصورة و لا يطلبون الحقايق و الامور الواقعية فبنوا رأيهم علي ذلك فجعلوا في مقابلة الامور الظاهرية من العلوم التكليفية الشرعية و العقايد الاصولية المتكلمين من الاشاعرة و المعتزلة و المجتهدين القائلين بالراي و الاستحسان و الظن و التخمين الي ان كثروا و لما رأوا في كثرتهم ان الآراء الفاسدة و الاحكام المستندة الي الاستحسانات و القياسات الباطلة بلغت حد

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 144 *»

الشيوع و فحشت الي ان عاب علي هذا الدين ساير الملل فاجتمعت آراؤهم اي السلاطين و الحكّام ان يحصروها في الاربعة كل ذلك لشهوة انفسهم لا في كثرتهم دانوا الله بها و لا في تقليلهم طلبوا وجه الله و التقرب الي الله بل كانوا يدورون مدار هوي انفسهم اينما دارت فلما اسسوا هذا البنيان و احكموا امر هذا الطغيان منعوا الناس في العلوم الظاهرية الرسمية الي آل محمد سلام الله عليهم و امروهم بالرجوع الي هؤلاء المجتهدين حتي ان من يريد ان يذهب الي احد من اهل البيت في مسئلة من مسائل دينه كان يخاطر علي نفسه و ماله و عرضه و غير ذلك حتي تركهم اكثر  الناس و اعرضوا عنهم سلام الله عليهم اكتفاء باولئك المجتهدين و المتكلمين و هم جلّ مقصودهم و كلّ مطلوبهم مخالفة الائمة الطاهرين (ع‌) و لقد روي عن ابي حنيفة انه قال لو علمت ان جعفر بن محمد عليهما السلام يفتح عينيه في السجود او يغضهما لكنت اقول بخلافه فدأبهم الخلاف و ديدنهم النفاق الي ان صار الرشد عندنا في خلافهم و اما في العلوم الباطنية و الاسرار الغيبية فقد امروا الناس بالرجوع الي الصوفية و رقوهم و اعلوا ذكرهم و بذلوا لهم الجاه و جعلوهم مطاعين فهم اظهروا بواطنهم الخبيثة و موهوا علي الناس بالرياضات الباطلة و المجاهدات الغير المشروعة و تسخير الارواح و الافعال التي تكون سبباً لاتصال الشياطين و ساير الابالسة ليخبروهم عن بعض المغيبات و يظهروا شبه بعض خوارق العادات فسحروا اعين الناس باستعمال العلوم الاربعة التي هي السيميا و الهيميا و الريميا و الليميا و اظهروا الخدع و الخيلاء و اظهروا للناس الزهد و الورع و ترك الدنيا و الاعراض عنها كل ذلك رياء و سمعة ليقلبوا وجوه الناس اليهم و يعرضوا عن الحق و اهله تقرباً الي سلاطين الجور و حكام الباطل و هؤلاء ضررهم علي الدين و علي الاسلام و الايمان اعظم من ضرر هؤلاء الحكّام الخلفاء و المجتهدين من اهل الاستحسانات و الآراء لان عيوبهم ظاهرة يعرفها كل احد و عيوب هؤلاء مخفية باطنية ما يعرفها الّا نادرة الزمان و اوحدي العصر  و هؤلاء كما ذكر

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 145 *»

جنابك ان لهم هيبة و وقاراً و زهداً و ذكراً و افكاراً و لكنه كل ذلك صورية لا حقيقية ريائية لا الهية هيبتهم عند طغام الناس و زهدهم مصيدة للخناس الذي يوسوس في صدور الناس و ذكرهم لتسخير الشياطين و فكرهم لتحصيل الطرق التي يغرون بها جماعة من المؤمنين و دعاؤهم كذب و غرور و اخبارهم افتراء و زور و هم الافاك الاثيم الذين هم مناخ ركاب الشياطين و اليهم الاشارة بقوله تعالي هل انبئكم علي من تنزل الشياطين تنزل علي كل افاك اثيم يلقون السمع و اكثرهم كاذبون و هؤلاء يمزجون الصدق بالكذب و يخلطون الحق بالباطل لاظهار باطلهم و التمويه علي بعض الضعفاء من اهل الحق فرجعت الناس اليهم و هم كانوا يتتبعون كل مقام لائمتنا فيه كلام يقولون بخلافهم كما انهم لما سمعوا ان امير المؤمنين عليه السلام قال لو شئت لاوقرت سبعين جملاً من تفسير  باء بسم الله الرحمن الرحيم قال واحد منهم «لو شئت لاوقرت سبعين جملاً  من الف الحمد لله رب العالمين» و من هذه الجهة ورد عن ائمتنا سلام الله عليهم ذمّهم و الانكار عليهم حتي قال عليه السلام من ذكرت الصوفية عنده و لم ينكر عليهم بقلبه و لسانه كان كمن اعان يزيد بن معاوية علي قتل الحسين عليه السلام و قال في رواية اخري الا فمن مال اليهم و اوّل كلماتهم فانا منهم برآء قيل و ان كان المائل من محبيكم فنظر عليه السلام شبه المغضب و قال من قال بحقوقنا لم يذهب الي عقوقنا و هؤلاء اشر خلق الله و اخبث عباد الله لا يغرنك زهدهم و لا ورعهم و لا ذكرهم و لا فكرهم فانهم اعداء الدين و خلفاء الشياطين و خصماء رب العالمين كيف يرجي فيهم الخير  و هو يأتم بامام قائده الهوي و سائقه الدنيا و عاقبته خسارة الآخرة و الاولي.

قال سلمه الله تعالي: ثم تفكرت في اهل الآل الذين هم قد كان ابي منهم و اذا بينهم القيل و القال و تغيير الاحوال و الحاصل يا مولانا،

و كل يدعي وصلاً بليلي       ** * **      و ليلي لا تقرّ لهم بذاكا
غير اذا ذهبت مني الفرصة تبين من بكي ممن تباكا، و اني لخائف من اتيان

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 146 *»

حين اذا فاتبين و العياذ بالله متباكياً لا باكياً فاندم و لاتنفعني الندامة اذا ندمت و لا يفيد قول رب ارجعوني لعلي اعمل صالحا في ما تركت فيا مولانا لقد صرت في حيرة عظيمة و وقفت كوقوف البهيمة تارة انظر  الي الحبر اليهودي المذكور سابقاً و تارة الي النصراني و تارة الي الصوفي و اخري الي اهل الآل باجمعهم مرة و الي فرقهم اخري ثم الي ابي و آبائه لانهم قد كانوا من واحدة مما ذكرت آخره و ربما يحصل لي بعض الميل اليهم و لكني اسمع قوله تعالي ان تقولوا یوم القیمة انا كنا عن هذا غافلين او تقولوا انما اشرك آباؤنا من قبل و كنا ذرية من بعدهم الآية اقف عند ذلك حتي اني بهت و فترت عن العمل لانه لم يبق له اذ ذاك محل لان العامل علي غير بصيرة كالسائر علي غير طريق لايزيده كثرة السير  الّا بعداً و من يكون هذه حاله ما يكون تكليفه.

الي ان قال: و التمس ايضاً من جنابكم ان تثبت ما انتم عليه و تنفي جميع ما عداه و ان يكون النفي و الاثبات بادلة عقلية يقبلها كل عاقل منصف و نقلية مأخوذة من الكتاب و السنة ليكون تذكرة لاولي الالباب مفيداً لجملة الاخوان و الاصحاب و جزاك الله تعالي الف خير،

فديتك عجل فالقلوب مريضة       ** * **      و ليس لها الّاك يا خير منيتي.

اقول: الاختلاف الذي بين اهل الآل و ما عندهم من القيل و القال و ما رأيت فيهم من تغيير الاحوال فعلي قسمين قسم مما يتعلق بالفروع و الاعمال و قسم يتعلق بالعقايد و الاصول و ما يتفرع علي المبدء و المآل اما القسم الاول فالامر فيه هيّن لان الاختلاف ما دامت شريعة التقية ثابتة لازم و القول الواحد مع اختلاف الموضوعات ما يمكن و الاختلاف ما دام مزج النطفتين شريعة اسسها الله و احكم بنيانها الائمة الهداة سلام الله عليهم و لذا قالوا عليهم السلام نحن اوقعنا الخلاف بينكم و قال عليه السلام خطاباً لابن زرارة راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه هو اعلم بمصالح غنمه ان شاء فرق بينها لتسلم و ان شاء جمع بينها لتسلم و قال (ع‌) ايضاً انا لا ندخلكم الّا في ما يصلحكم و بالجملة فالاختلاف في فروع الدين و ما يتعلق باعمال الجوارح قبل اندكاك سدّ

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 147 *»

ذوالقرنين الاول للحفظ من يأجوج و مأجوج الامة ثابت حكم ثانوي من الله سبحانه و تعالي لحفظ هذه الفرقة و اصلاح شأنهم و دفع المرض و الخلل الساري فيهم من مزج تلك النطف و من اختلاط المنافق و الموافق و المنافي و المطابق كمعالجة الطبيب للمريض بادوية مختلفة اذا اختلف المرض و قد شرحنا هذه المسئلة شرحاً كافياً وافياً في غاية التهذيب لمن اراد الاستبصار من كل فقيه في رسالتنا الموضوعة لتسديد الامام عليه السلام و اختلاف الاحكام مع ذلك التأييد التام فمن اراد ان يحصل له منتهي المطلوب فلينظر الي ذلك التحرير فان فيه كفاية و ارشاد للمسترشدين عند الاختلاف و هذا النوع من الاختلاف اي الاختلاف في الفروع لا يوجب القيل و القال و لا تغيير الاحوال و لا سوء المقال و لا الخصومة و الجدال و انما فتوي كل واحد من المختلفين علي حسب دليل انساق اليه و برهان اتفق لديه و لذا تري اصحابنا المجتهدين و فقهاءنا المرضيين مع اختلاف آرائهم و تشتت فتاويهم كل واحد منهم يمجد الآخر  و يأمر بتقليده من غير نكير  و لا خصومة و لا جدال و لا قطع و لا استيصال بل في ما بينهم كمال الرأفة و العطوفة و هذا معلوم ظاهر  و اما الداء العضال و محنة الرجال في اختلافهم في القسم الثاني اي الاختلاف في الاصول و العقايد فان كثيراً من اصحابنا ادعوا الاجماع علي ان المخطي في العقائد غير معذور و ان الحق واحد لا يصلح ان يكون بين مختلفين بالاثبات و النفي و انما جاز الاختلاف و صح في الفروع لخفاء ادلته و عسر الاطلاع علي براهينه بخلاف الاصول و ما يجب علي الناس كافة بالدليل و البرهان و البصيرة و الايقان فانه سبحانه اجل من ان يكلف عامة العباد (الناس خ‌ل) علي جهة البصيرة و اليقين ثم يخفي طريق الوصول اليه عليهم و يصعب ادلته عليهم و ذلك عليه سبحانه محال فوجب تسهيل الدليل لايضاح السبيل فاذن فالاختلاف لايسوغ في ما يريد الله الايتلاف و هو مع وضوح الدليل تقصير في طلب الدليل و المقصر  ليس بمعذور و هذا القول في الاصل الاول و ان كان صحيحاً لكنه علي العمل عليه مطلقاً

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 148 *»

يوجب مفاسد كثيرة و اخراج فحول من العلماء الذين بهم اقيم الدين القويم و شيدت اركان هذا الدين عن هذا الدين و من هذه الجهة تحيروا و تشوشوا و اضطربوا و انكر بعضهم بعضاً و صدق بعضهم بعضاً و صدق بعض المنكر و انكر بعض المصدق و موّه بعض علي آخر  و بان تمويه الآخر  و صدق آخر المموه و اشبه علي بعض اصل الموضوع و انكر  بعض بزعمه ان هذا الانكار غير قادح و زعم آخر  ان هذا الانكار قادح و تشوشت آراؤهم و اختلفت اهواؤهم و كثر بينهم القيل و القال الي ان آل الي تغيير الاحوال و سوء المقال و وقيعة بعضهم ببعض في كل حال و سكوت بعض الموجب للقدح و الوقيعة في المآل و بالجملة جرت فيهم سنة من كان قبلهم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتي انهم لو سلكوا جحر ضب لسلكوه فان استطعت معي صبراً سانبئك به خبراً و لا ينبئك مثل خبير و ها انا اشرح لك اصل هذا الاختلاف و سرّه و الاختلاف الحق و الباطل منهما و ان كان يطول به زمام الكلام و لكن منفعته عامة ثابتة ممرّ  الدهور و الاعوام و لكن بشرط ان تعيرني فهمك و تحضرني ذهنك و ترفع عن نفسك الاستبعاد و التقليد و موافقة الآباء و الاجداد بلا دليل سديد و انظر الي ما نبين لك من الكتاب و السنة و مقتضي المذهب و الملة حتي ترفع عنك الشبهات و تظهر لديك الدقايق المخفيات.

فنقول و الله الموفق للصواب اعلم انه سبحانه و تعالي قال و ما امرنا الّا واحدة قال ما خلقكم و لا بعثكم الّا كنفس واحدة و قال ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير فحكم الله سبحانه و تعالي و اجراء فعله و امره في التكوين و التشريع واحد و قال الله تعالي الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة أ لا تري انه لما اراد خلق الانسان اولاً خلق نطفة ثم قواها فجعلها علقة ثم قوي العلقة فجعلها مضغة ثم قواها فجعلها عظاماً ثم قوي العظام لاكتسائها اللحم فلما تمت هذه الخلقة قواها بتقوية

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 149 *»

عالية فاولج فيها الروح ثم قواها الي ان تحركت و صارت جنيناً ثم قوي الجنين الي ان اخرجه الي هذه الدنيا فكان في بطن الام يشرب دم الحيض من سرة امه فلما خرج من البطن و دخل في هذه الدنيا تقوي من تلك (هذه خ‌ل) الحالة الي ان يشرب اللبن المرئي من ثدي امه فكان رضيعاً ثم تقوي بحيث لايهنیه اللبن و لا يغذيه و لا يكتفي به و بقي يأكل من ساير الاغذية بعد ان تترجم له امه او غيرها من ساير المربين و المربيات بمضغها في فمها فاذا سحقها الفم و نعمت باختلاط اجزاء الريق في الفم صلح غذاء للولد فكان فطيماً ثم ترقي في النشو و النما و قوة المزاج الي ان كان صبياً فكان مراهقاً فكان بالغاً في خمسة عشر سنة فكان تاماً في ثلاثين و هو حد وقوف النما في الطول فكان كاملاً في اربعين سنة فهو حد تمام كمال في القوة و النشاط و الادراك و الفهم فانظر  الآن و قايس الحال ابتداء كونه نطفة الي هذا المبلغ من تدرج الاحوال الجارية عليه فان في حال كونه نطفة او علقة لو كان له ادراك و تجري عليه احكام فاذا تنقلت من حالة العلقة الي حالة المضغة هل تجري في حالة المضغة عليها احكام النطفة و العلقة فتثبتها عليها احكام النطفة و العلقة فتثبتها عليها لانها كانت ثابتة قبل او نقول ان تلك الاحكام ثابتة في مقام العلقة و هي تكليفها و اذا تغيرت الي مقام المضغة انقطعت عنه تلك الاحكام و جائته احكام اخر  يجب علي المضغة الديانة بها و الاذعان لها و الاعراض عما كان ثابتاً في مقام العلقة و ان كانت هي عن الله لكنها في مقامها و كذلك ما يجري علي الجنين في حالته من شرب دم الحيض عن السرة فهي حالة حقيقية لا يقوم مزاجه الا به و اما عند خروجه الي الدنيا فلا يجري عليه حكم الجنين فلو انه جري عليه حكم الجنين لفسد مزاجه و اعتل فلا يقال ان الرضيع يجب عليه ان يشرب لبن الحيض لانه كان يشربه حال كونه جنيناً بحكم الاستصحاب و كذلك لا تزق له امه بعد الفطام لا يقال انه كان يشرب اللبن فيجب ان يثبت له تلك الحالة و بالجملة فكل حالة ثابتة في محالها ففي حالة الضعف يجري عليها

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 150 *»

احكامها و في حالة القوة يجري عليها احكامها و الكل حكم الله سبحانه و ان كان الحكم الثاني اقوي من الحكم الاول لقوة الموضوع و لو كان الاولي في المقام الثانية لم‌تكن الاولي بل كانت الثانية فكل ما يجري في الحالة الاولي من العلوم و الاطوار و الاحكام كلها عن الله سبحانه و حاملها محمود محبوب لله تعالي له مقام عنده و ما يجري في الحالة الثانية من العلوم و الاطوار و الاحكام ايضاً من عند الله سبحانه يجب علي الواقف في هذا المقام الالتزام به و ترك ما كانت عنده سابقاً في الحالة الاولي أ لا تري انه في مقام المراهقة و ما قبلها لا يجب عليها شي‌ء من الاحكام التكليفية و الآداب الالهية بحال من الاحوال و بعد البلوغ الي الخمسة عشر  وجب (وجبت خ‌ل) عليها الاحكام و التكاليف و التزم بالحلال و الحرام فلا يسعه ان يقول انا كلنا في وقت المراهقة ما علينا شي‌ء من التكاليف و هل كنا معاشر  الخلق كلنا علي الباطل فنقف علي حالتنا الاولي و لا نلتزم بشي‌ء من احكام هذه الحالة و الّا يلزم ان يكون الذين ماتوا علي تلك الحالة علي ضلال و فساد بل الكل من عند الله و العدول عن حالة الي اخري و التزام حكم الثانية و ترك حكم الاولي ايضاً من الله تعالي.

و بالجملة فالموجودات تصل الي مراتبها من الكمال في القوس الصعودي بالتدريج لان الله سبحانه و تعالي جعل العالم عالم الاسباب و جعل للاسباب اقتضاءات فاقتضاء كل سبب يجري علي مقتضاه حين وجوده فاذا ارتفع السبب ارتفع مقتضاه المسبب لا انه كان باطلاً  و لم يكن حقاً ا لا تري ان الماء قبل بلوغه كراً  له اقتضاء بالشرع و حكم الله فيه انه ينجس بملاقاة النجاسة فاذا بلغ كراً  لم ينجسه شي‌ء الّا اذا تغير احد اوصافه من الطعم و الريح و اللون فهل يمكن ان يقال ان الحكم الاول علي الماء في نجاسته باقٍ بعد بلوغه كراً او ان يكون الحكم الاول باطلاً و هذا شي‌ء معلوم فالله سبحانه و تعالي حيث انه جعل العالم عالم الاسباب و جعل الاشياء متدرجة الحصول متدرجة القوة متدرجة في العلم لابانة وجه الحكمة و تعريفاً للاشياء ظهور

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 151 *»

القدرة كما قال تعالي ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة و غير مخلقة لنبين لكم و ان كان الله سبحانه قادراً علي فعل ما يشاء كما يشاء بما يشاء فكل حالة في كل مقام تقتضي حكماً من الاحكام و جريان امر من الامور التي لم تكن حاصلة عند عدم تلك الحالة فالحالتان من الله سبحانه و اقتضاءاتهما من الله و الانتقال من الحالة الاولي الي الحالة الثانية من الله و الانتقال من مقتضيات الاولي الي مقتضيات الثانية من الله قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً فذو الحالة الثانية يحرم عليه اجراء حكم الحالة الاولي و ذو الحالة الاولي يحرم عليه اجراء حكم الحالة الثانية و الكل عند الله محبوب و عملهم مرغوب و ان كانت الثانية اشرف و اقوي و هذا لا يقدح في الاولي لان الثانية لن تصح ان تكون في مقام الاولي و الّا لم تكن هي الاولي فافهم هذا الكلام المكرر المردد بالفهم المسدد فاني انما كررته و رددته للتفهيم.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان هذا الحكم الذي جري في التكوين بعينه هو الذي جري في التشريع حرفاً بحرف فان رسول الله صلي الله عليه و آله لما بعث الي الخلق في اول البعثة دعاهم الي قول لا اله الا الله و محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و ان كل ما جاء به صلي الله عليه و آله حق لا شك فيه و لا ريب يعتريه و اكتفي منهم بهذا الاجمال و لم‌يطلب منهم اكثر من ذلك فلما قوي الاسلام في الجملة و ظهر الحلال و الحرام اوجب عليهم بعض الواجبات اللازمة و حرم عليهم بعض المحرمات و لكن ما توعد فيها توعيدا و ما شدد عليها بالقول الاكيد فمن ارتكب شيئاً من تلك المحرمات لم يقم عليه حداً و لا تعزيراً و انت اذا تتبعت في القرآن وجدت ان الآيات التي نزلت في مكة من الواجبات و المحرمات ليس فيها من التوعيد و التشديد مثل الآيات التي نزلت في المدينة الّا الشرك بالله الذي بقوة ادلته قد ظهر امره و رسخ في القلوب ذكره و استحق مرتكبه الوعيد و التهديد بخلاف ساير المحرمات انظر  الآن الي الآيات التي نزلت في مكة مثل قوله (كقوله خ‌ل) تعالي لا تجعل مع الله الهاً  آخر فتقعد

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 152 *»

مذموماً مخذولاً  و قضي ربك الّا تعبدوا الّا اياه و بالوالدين احساناً الي ان قال تعالي و لا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم و اياكم ان قتلهم كان خطأ كبيراً و لا تقربوا الزنا انه كان فاحشة و ساء سبيلاً و لا تقتلوا النفس التي حرم الله الّا بالحق و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل انه كان منصوراً و لا تقربوا مال اليتيم الّا بالتي هي احسن حتي يبلغ اشده و اوفوا بالعهد ان العهد كان مسئولاً الآيات و اذا تأملتها وجدتها (وجدت انها خ‌ل) محض بيان الاحكام و انها هي الحرام و ان عاقبتها ليست محمودة و انظر  الآن الي الآيات التي نزلت في مدينة في هذه الاحكام قال في الزنا و لا يزنون و من يفعل ذلك يلق اثاماً يضاعف له العذاب يوم القيمة و يخلد فيه مهاناً و قال تعالي في قتل النفس و من یقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها و غضب الله عليه و لعنه و اعدّ له عذاباً عظیماً و قال تعالي في اكل مال اليتيم الذين يأكلون اموال اليتامي ظلماً انما يأكلون في بطونهم ناراً و سيصلون سعيراً انظر ما فيها من التهديد و التأكيد و لم يكن في الآيات التي نزلت في مكة في هذه الاحكام شي‌ء من التهديد و التشديد و التوعيد و بالجملة فاصحاب العصر الاول مع النبي صلي الله عليه و آله ما كان فرضهم الّا الاعتقادات الاجمالية و ما كانوا مكلفين بالبحث عن دقايق علم الله و قدرته و معاني اسمائه و صفاته و اذا حصل لهم الاعتقاد بان الله موجود و انه كامل اكتفي منهم ذلك و لا يسأل منهم ازيد من هذا الاجمال و ما كانوا يعرفون الولاية و ما كانوا مكلفين بها علي التفصيل الّا علي وجه الاجمال بان كل ما جاء به محمد صلي الله عليه و آله حق من عند الله سبحانه ثم لما قوي الاسلام و تشعشع نوره و رسخ في قلوب الخواص و العوام استأهلوا لقبول الولاية كلفهم الله سبحانه و تعالي بها و لعن تاركها و كفره و دعا عليه بقوله اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله و اهلك عدوه فقبل هذا الاظهار التام كان كفاهم الايمان الاجمالي و ماكانوا مكلفين بهذا التفصيل و الولاية لها مراتب و مقامات يفصل في كل وقت اذا تأهل اهل ذلك

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 153 *»

الوقت للتفصيل ا لا تري ان عباس بن عبد المطلب كان يتكلم بكلمات يستفاد منها الازراء و الاهانة بحق امير المؤمنين و الزهراء و الحسنين عليهم السلام و لم يقدح ذلك في اسلامه و لا في ايمانه لعدم ظهور فضائلهم و مقاماتهم و تفصيل مراتبهم مثل ما ظهر في هذا الزمان فلو برزت منه تلك الكلمات في هذه الاوقات لو فرض بقاؤه فيها لكفرناهم بها و جعلناها قادحة في ايمانه و في اسلامه و كذا لو قال القميون في هذه الاوقات ما قالوا في تلك الايام التي ما ظهرت تفاصيل مراتب الائمة عليهم السلام فيها لصدقنا كلام السيد المرتضي في الصدوق و بالجملة كل زمان له اهل و لهم حكم يجري عليهم دون الزمان السابق في جزئيات التكاليف لا في كلياتها ا لا تري ان رسول الله صلي الله عليه و آله كان يقاتل الناس و يحاربهم حتي يقولوا لا اله الّا الله محمد رسول الله صلي الله عليه و آله فاذا قالوها كف عنهم القتال و اما امير المؤمنين عليه السلام فلم يكتف منهم هذا المقدار بل قاتلهم و حاربهم حتي يقولوا علي ولي الله و ان قالوا لا اله الا الله محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و اقاموا الصلوة و آتوا الزكوة و حجّوا بيت الله فما كانوا عليه في زمان محمد رسول الله صلي الله عليه و آله هو الحق من عند الله و ما فعل امير المؤمنين عليه السلام هو الحق ايضاً من عند الله و هكذا ما اختلفت الاصحاب باعتبار كل زمان من الازمنة المتباعدة هو الحق من عند الله و ذلك هو تكليفهم من الله سبحانه لان الله سبحانه قد يرضي منهم بالاجمال و قد لا يرضي الّا بالتفصيل فنحن عذرنا المفيد (ره‌) مع ما عليه من جلالة الشأن و نبالة المكان في ما انكر الرجعة و لا نعذره لو كان انكره في هذا الوقت (الزمان خ‌ل) الذي نشرت فضائل آل محمد سلام الله عليهم و تكثرت احاديثهم و ظهرت.

و بالجملة فعلماء كل وقت في كل عصر من الاعصار المتباعدة او المتقاربة عند ظهور  الامر و خفائه لهم حكم خاص يجري عليهم حكم زمانهم و ان كان في الزمان الآخر  يكون الحكم بخلاف ذلك فاختلاف علماء الاصحاب

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 154 *»

اذا كان من هذا القبيل لايضر  ايضاً كنص القميين من قال ان القميين مقصرون في حق الائمة فهو  غال و من قال ان النبي صلي الله عليه و آله و الامام (ع‌) لا يسهو فهو غال و الغالي عندهم كافر  فقد قال في الفقيه «ان الغلاة و المفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلي الله عليه و آله» و لا ريب ان هذا الزمان من علمائهم و عوامهم كلهم ينكرون سهو النبي و الائمة عليهم السلام بل الاسهاء ايضاً و نحن نصدق الصدوق (ره‌) بالنسبة الي مقامه و زمانه و كثرة غلبة الجور و قلة المؤمنين و قلة نشر  الاحاديث و الالتفات الي دقائقها و حقايقها و نكذبه و لا نجوز العمل بقوله و نفسد اعتقاد من يعتقده في هذا الزمان كما جاز اكل اللبن للرضيع و حرم علي الكبير كما بينا سابقاً فافهم.

فاذا عرفت هذا فاعلم ان الايمان لا يقوم الّا باربعة اركان الركن الاول الاقرار بالتوحيد و هو قول لا اله الّا الله مصدقاً مسلماً و الركن الثاني الاقرار بالنبوة و هو قول محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و الركن الثالث الاقرار بالولاية و هو قول ان علياً ولي الله و الائمة من ولده اولياء الله (ع‌) و الركن الرابع الشيعة و هو المشار اليهم في احاديث الائمة و اخبارهم باوالي من والوا و اعادي من عادوا و اجانب من جانبوا و ما ورد في معني النواصب انهم ينصبون العداوة لشيعتنا و هذه ابواب اربعة لايصلح آخرها الّا باولها و لا اولها الّا بآخرها ضل اصحاب الثلاثة و تاهوا تيهاً بعيداً فلا يتم التوحيد الّا بالنبوة فلو اقرّ بالتوحيد و التفريد بجميع مراتبه و لم يقرّ بالنبوة مع ان التوحيد اشرف من النبوة بل ليس بينهما من نسبة فلا يقبل توحيده و لا يغنيه عن نار جهنم و هو من الخاسرين و من اقرّ بالنبوة و لم يقرّ بالولاية فلم ينفعه ايمانه شيئاً و لا اقراره ابداً و هو من اصحاب السعير  و مقامه في النار اسفل من مقام منكر  النبوة مع ان النبوة اشرف من الولاية و كذلك من اقرّ بالتوحيد و النبوة و الولاية و لم يقرّ بالشيعة فلا ينفعه ايمانه بالتوحيد و النبوة و الولاية و يكون اخسر مقاماً و هو في اسفل درك من الجحيم كما كان منكر  الولاية و منكر  التوحيد و النبوة كذلك.

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 155 *»

احقاق حق و ازهاق باطل: اعلم ان الله سبحانه لا يقبل الّا العمل الخالص و الاعتقاد الصافي المطهر من الريب و الغش لا الاعتقاد باللسان المخالف للجنان فاذا ادّعي مدعٍ و جعل نفسه من اهل الحق يجب علي الله سبحانه ان يبيّن باطنه و يظهر ما استجن في ضميره و يبيّن المحقّ من المبطل و المصلح من المفسد و هو قوله تعالي بسم الله الرحمن الرحيم الم أ حسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين ام حسب الذين یعملون السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون اي اجترحوا السيئات في بواطنهم و ضمايرهم و اضمروا النفاق في سرائرهم ان يسبقوا الله سبحانه و يعدّوا انفسهم من المؤمنين و هم من الكافرين و المنافقين في الباطن و الحقيقة و قال ايضاً  ام حسبتم ان تدخلوا الجنة و لما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء و الضراء و زلزلوا حتي يقول الرسول و الذين آمنوا معه متي نصر الله الا ان نصر الله قريب و قال تعالي تلك الايام نداولها بين الناس و ليعلم الله الذين آمنوا و يتخذ منكم شهداء و الله لا يحب الظالمين و ليمحص الله الذين آمنوا و يمحق الكافرين ام حسبتم ان تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين و قال تعالي ام حسب الذين في قلوبهم مرض ان لن يخرج الله اضغانهم الي ان قال تعالي و لنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلو اخباركم فعرفت من هذه الآيات البينات ان الله سبحانه بمقتضي حكمته البالغة و مشيته الطاهرة لا يدع الناس علي ظواهر اقرارهم بل يسبب اسباباً لاخراج بواطنهم و اسرارهم و قد قال الله تعالي ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما انتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب و قال تعالي و ما ارسلنا من قبلك من رسول و لا نبي الا اذا تمني القي الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته و الله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض و القاسية قلوبهم و ان الظالمين لفي شقاق بعيد و ليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم و ان الله لهاد الذين آمنوا الي صراط

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 156 *»

مستقيم و قال تعالي ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فاما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم و اما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلاً  يضل به كثيراً و يهدي به كثيراً و قال تعالي و ما جعلنا اصحاب النار الّا ملائكة و ما جعلنا عدتهم الّا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين اوتوا الكتاب و يزداد الذين آمنوا ايماناً و لا يرتاب الذين اوتوا الكتاب و المؤمنون و ليقول الذين في قلوبهم مرض و الكافرون ماذا اراد الله بهذا مثلاً كذلك يضل الله من يشاء و يهدي من يشاء و ما يعلم جنود ربك الّا هو  و امثالها من الآيات كثيرة يجدها المتتبع الماهر المتدبر في القرآن المتذكر آياته و ما يتذكر الا اولوا الالباب.

فاذا وجب الاختبار و الامتحان ليتبين الكاذب من الصادق و المتباكي من الباكي فاعلم ان الله سبحانه و تعالي ابتلي و اختبر  الذين قالوا لا اله الا الله و اظهروا كلمة التوحيد بتكليفهم بنبوة محمد صلي الله عليه و آله و القول بان محمداً رسول الله صلي الله عليه و آله فمن اقر به مؤمناً مصدقاً مخلصاً فهو من اهل الاخلاص بالتوحيد و من لم يؤمن به مع ظهور ادلة نبوته و آيات رسالته فهو من المشركين الغير المصدقين بالتوحيد لان المخلص لا يخالف من اخلص له الطاعة و المخالف المنكر  للطاعة ليس بمخلص (مخلصاً خ‌ل) له فخرج بهذا الابتلاء و الاختبار خلق كثير كاليهود و النصاري و المجوس و الصائبة و ساير فرق الكفر  و الذين آمنوا بمحمد صلي الله عليه و آله فايمانهم علي انحاء و اطوار فقسم منهم آمن به صلي الله عليه و آله لما سمع من الكهنة و الشياطين الذين يسترقون السمع ان شريعة محمد صلي الله عليه و آله تستولي علي الشرايع و تغلب الملوك و تقهرها و تذعن له الاساطين و السلاطين فآمن به صلي الله عليه و آله للعلم بان مخالفته لا تثمر بل تضر و قسم منهم آمن بمحمد صلي الله عليه و آله لانه كان في قومه من الارذال و الاذناب فآمن به و سبق في ايمانه لينال عزاً و شرفاً في دولته و مناعة و رياسة في عزته

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 157 *»

و قسم منهم آمن لطمع الدنيا و نيل الغني و طلب الراحة و الشوكة لانه كان في اهله فقيراً حقيراً ذليلاً و منهم من آمن خوفاً و وجلاً من سيف امير المؤمنين عليه السلام منكس الرايات مبيد الفرسان و مخمد ضوء اهل الكفر و الطغيان و هذا سيف لا يحمله انسان و لا ذو حاسة من الانس و الجان و قسم منهم آمن مخلصاً مؤمناً مصدقاً مسلماً خاضعاً لله خاشعاً مذعناً منقاداً لامره مستسلماً لحكمه ناظراً الي ربه متوجهاً الي بابه منتظراً لخطابه.

و هؤلاء الاقسام المذكورون كلهم ظاهرهم الاسلام و باطنهم ما تري من النفاق و الطغيان و الله سبحانه و تعالي كما عرفت من الآيات المتقدمة حكم علي نفسه اخراج الاضغان و اظهار ما في القلوب من الحقد و الشنآن و لا يذرهم علي ما هم عليه في صورة الايمان فاخرج الله سبحانه ضغائنهم و اظهر  بواطنهم بامير المؤمنين عليه السلام و باولاده الطاهرين سلام الله عليهم و (امر  النبی ظ) امير المؤمنين عليه السلام بان لايسل سيفه و يطالب بحقه و يظهر بالخشوع و الخضوع لا بالقهر و السلطنة فبعد موت النبي صلي الله عليه و آله طالب امير المؤمنين عليه السلام بحقه و لم يسل سيفه فلما علموا انه عليه السلام لا يسل سيفه و لا يحاربهم اظهروا بواطنهم و اخرجوا ضغاينهم و قهروه بسلطانهم و لم يراعوا وصية رسول الله فيه عليه السلام و في ابنائه عليهم السلام ففعلوا ما تمكنوا و آذوه ما قدروا فاظهر الله به عليه السلام كيد الظالمين و جور المنافقين و حسد الحاسدين فعلم ان هؤلاء المنافقين ما كانوا مؤمنين بالنبي الامين صلي الله عليه و آله و علم ايضاً ان المؤمنين هم القليلون و المخالفون هم الكثيرون فان الذي اتبع امير المؤمنين عليه السلام و بقي معه و لم يتخلف و لم يضطرب و لم يشك و لم يرتب هم اربعة سلمان و ابوذر  و المقداد و عمار و هم الذين خاطبهم الله سبحانه بقوله تعالي فاذا اعتزلتموهم و ما يعبدون الا الله فأووا الي الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته و يهي‌ء لكم من امركم مرفقاً و الكهف هو امير المؤمنين عليه السلام لانه الكهف الحصين و غياث المضطر المستكين و ملجأ الهاربين و هؤلاء الاربعة هم اصحاب الكهف الذين هربوا من الذي يدعو الناس الي عبادة نفسه و هم

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 158 *»

الذين قال سبحانه فيهم و هدوا الي الطيب من القول و هدوا الي صراط الحميد و القوم يومئذ الحاضرون يوم غدير خم سبعون الفا او يزيدون و الذين بلغتهم الدعوة اكثر و اكثر و هؤلاء الاكثرون ما خلص منهم في الاقرار بالنبوة الا هؤلاء الاربعة يوم رحلة النبي صلي الله عليه و آله فتبين ان ايمانهم بالنبي صلي الله عليه و آله كان صورياً لا حقيقياً فما كانوا مؤمنين بمحمد صلي الله عليه و آله فما كانوا مؤمنين بالله فهم الكافرون (الكفار خ‌ل) الملحقون باولئك الانجاس الاشرار الحاملون لعظيم الاوزار المستحقون لدخول النار فصفي الموحد المؤمن في ذلك اليوم اربعة و هم القليلون و اليهم الاشارة بقوله (في قوله خ‌ل) تعالي و ما آمن معه الا قليل، و قليل من عبادي الشكور و المخالفون هم الاكثرون و اكثرهم الكافرون فتبين امر المؤمنين بمحمد صلي الله عليه و آله بامير المؤمنين عليه السلام فمنهم مهتد و كثير منهم فاسقون و كان اميرالمؤمنين عليه السلام هو الباب المبتلي به الناس.

ثم ان المؤمنين بامير المؤمنين عليه السلام بعد ما كثروا و تناسلوا و توالدوا ما تركهم الله سبحانه علي ما هم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب فابتلاهم بالاقرار بالائمة الاثني عشر فخرج (فخرجت خ‌ل) الكيسانية من تبعية امير المؤمنين عليه السلام و كونهم من شيعته حيث انهم اكتفوا بالحسن و الحسين (ع‌) و بعد ذلك ذهبوا الي امامة محمد بن الحنفية و كذلك الزيدية خرجوا من كونهم شيعة لانهم كالكيسانية الا انهم عدلوا الي زيد بن علي بن الحسين و خرجت الناووسية لانهم حصروا الائمة الي الصادق عليه السلام و وقفوا عليه و قالوا انه هو القائم المنتظر و خرجت الاسماعيلية حيث انهم جعلوا بعد الصادق (ع‌) اسماعيل ابنه هو  القائم المنتظر  و خرجت الفطحية و هم كالاسماعيلية حيث (الا خ‌ل) انهم عدلوا الي عبدالله الافطح و خرجت الواقفية لانهم حصروا الائمة الي موسي بن جعفر الكاظم عليهما السلام و بالجملة فان الله سبحانه ابتلي امة محمد صلي الله عليه و آله و افتتنهم و اختبرهم بالائمة الاثني عشر و جعل انكار احدهم كانكار كلهم فهؤلاء الفرق المنكرون لكلهم

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 159 *»

او واحد منهم خرجوا عن كونهم من امة محمد صلي الله عليه و آله لانهم خرجوا عن كونهم شيعة امير المؤمنين عليه السلام فاخرج الله سبحانه اضغانهم و ابان بواطنهم و اظهر سرائرهم و ابان خروجهم عن امة محمد صلي الله عليه و آله و مروقهم عن الدين فالمنكر  لهم او المنكر لاحدهم كافر  بمحمد صلي الله عليه و آله و هو كافر  بالله فالمنكرون هم الكافرون و هم ما عدا الاثني عشرية الفرقة المحقة و الحكم باسلامهم و طهارتهم انما هو من شريعة التقية و العسر و الحرج فصفي المؤمنون الخالصون في الشيعة الاثني عشرية كما كان قد صفي اولاً بالمؤمنين بمحمد صلي الله عليه و آله و ثانياً بالمؤمنين بامير المؤمنين عليه السلام و ثالثاً بالائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين واحداً بعد واحد و بكل ابتلاء و اختبار خرج خلق كثير فصفت ارباب الملل من المقرّين بنبوة الانبياء عن القائلين بكلمة التوحيد و صفت امة محمد صلي الله عليه و آله عن القائلين بنبوة الانبياء و هم القليلون بالنسبة اليهم كالشعرة البيضاء في البقرة السوداء و صفت الشيعة القائلون بخلافة امير المؤمنين عليه السلام بلا فصل عن امة محمد صلي الله عليه و آله و هم القليلون بالنسبة اليهم و صفت الشيعة الاثنا عشرية عن الفرق القائلين بامامة امير المؤمنين عليه السلام بلا فصل و هم القليلون فكانت الفرقة المحقة الاثني عشرية صفوة من صفوة من صفوة من الصفوة.

و اما هؤلاء الاثنا عشرية فقد جري المزج و اللطخ و الخلط فيهم اذ لا كل من اقر باللسان يعلم منه ان يكون ذلك معتقده في الجنان و لا كل من اقر بالجنان يعلم منه ان يكون مستقر الايمان فان الايمان المستقر و المستودع في كل شي‌ء محتمل و الاقرار بالاخلاص و النفاق في كل فرد ممكن و كون النطفة الخبيثة في الاصلاب الطاهرة في كل مؤمن متوقع قد يولد المؤمن خبيثاً لكنه حيث تربي و نشأ في هذه الفرقة يظهر دين ابويه و يبطن ما جبلت عليه سريرته من النفاق او انه يظهر  الايمان و هو في قلبه شاك مرتاب فالموجب الداعي للاختبار في كل مقام من المقامات الثلاثة اي التوحيد و النبوة و نبوة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 160 *»

محمد صلي الله عليه و آله و الولاية و ولاية اميرالمؤمنين عليه السلام و اولاده هو بعينه موجود في هذه الفرقة التي هي الصفوة الصفوة فلولا التمييز و التبيين لما امتاز الغث من السمين و لما تبين الحق الصريح المبين لان الاعتناء بهذه الفرقة المحقة اكثر و العناية بهم اعظم لانهم صفوة الوجود بهم يرزق الله العباد و بهم يدفع عن البلاد و بهم يكشف الضر و بهم يدفع الهم فلولاهم ما خلق الله الجنان و لولاهم ما خلق الحور الحسان و لولاهم ما نزلت قطرة و لولاهم ما نبتت حبة و لولاهم ما اثمرت شجرة و لولاهم ما اورقت ورقة و لولاهم ما قرت عين و لولاهم ما زال مين و هم اهل الجنة لا سواهم و هم الذين لا يدخلون النار لا غيرهم و هم المصطفون و هم المخلصون و هم التائبون و هم العابدون و هم الراكعون و هم الساجدون و هم المصلون و هم المزكون و هم الآمرون بالمعروف و هم الناهون عن المنكر و هم الحافظون لحدود الله و هم المتقون الذين لا يقبل الا عملهم و لا يزكي الا افعالهم اذا كان هذه صفتهم و هذه احوالهم فكيف يرضي الله تعالي بان يخلطهم غيرهم و يتصف بالصورة الظاهرية بصفتهم و في الباطن هم بريئون منه و هو  بري‌ء منهم فلا بد من الاختبار حتي يمتاز الاخيار عن الاشرار بل الابتلاء و الامتحان الذي ذكره الله في القرآن لاجل تميز  هؤلاء الاعيان لانهم المقصود بالايجاد في التكوين و الاحداث فوجب اختبارهم ليخرج فجّارهم و يصفو اخيارهم.

و لما كان في جميع مراتب الابتلاء انما كان الابتلاء بالنواب لا غير فان الله سبحانه و تعالي ابتلي اهل التوحيد بالنبي القائم مقامه النائب منابه لان النبوة خلافة الله و القيام مقام الله في ايصال الاحكام الي خلق الله و من اطاع هذا النائب و القائم مقامه كتب في زمرة الموحدين و من خالفه و اعرض عنه و لم يقر بالقائم مقامه هو من الخاسرين المشركين ثم ان رسول الله صلي الله عليه و آله ابتلي امته و اهل اجابته لتمييز خبيثهم من طيّبهم بالنائب بعده و القائم مقامه و خليفته في امته فهو مولانا و سيدنا امير المؤمنين عليه السلام لانه القائم مقام النبي صلي الله عليه و آله و الحامل لاحكامه صلي الله عليه و آله ثم ان

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 161 *»

امير المؤمنين عليه السلام ابتلي و اختبر شيعته القائلين بانه الخليفة بلا فصل للنبي الصادق الامين صلي الله عليه و آله بنوابه و القائمين مقامه و الاوصياء من بعده لاخراج الاشرار و الكفار من ساير فرق الشيعة ما عدا الاثني عشرية و لما تم عدد الائمة بالامام الثاني عشر عجل الله فرجه و جعل روحي فداه و عليه و علي آبائه السلام تمايز الشيعة الاثنا عشرية من غيرهم من فرق الشيعة فوجب عليه عليه السلام الاختبار و الابتلاء كما قال مولانا امير المؤمنين عليه السلام اشارة الي هذه الفرقة لتبلبلن بلبلة و لتغربلن غربلة و لتساطن سوط القدر حتي يصير اسفلكم اعلاكم و اعلاكم اسفلكم و ليسبقن سباقون كانوا قد قصروا و ليقصرن سباقون كانوا سبقوا انتهي، فاذا وجب الابتلاء و الافتتان لهذه الفرقة وجب ان يكون ذلك بالنواب و الابواب جرياً علي سنة الله و اتباعاً  لما فعله رسول الله صلي الله عليه و آله و اقتداء بما سنّه امير المؤمنين عليه السلام و كان لا يمكن ذلك الابتلاء بحضوره عليه السلام كما لم يمكن بحضور اسلافه من قبله و لما كان في وفاته عليه السلام و ارتحاله خراب الدنيا و هلاكها قبل اوانه لانه عليه السلام آخر الائمة و تمام الصفوة و لم يمكن الابتلاء و الاختبار في الحضور لان الذي آمن به لا يسعه مخالفته و هو حاضر كما ان القوم الذي خالفوا امير المؤمنين عليه السلام و انكروا حقه و غصبوه ما خالفوه في حياة النبي صلي الله عليه و آله يوم غدير خم لما امرهم بالبيعة له و التسليم عليه بامرة المؤمنين فمن هذه الجهة لا يمكن الابتلاء و الفتنة حال الظهور و الحضور و لما كان الامام عليه السلام وجه الله المتخلق باخلاق الله اجري سنة الله سبحانه فغاب مع وجوده و عين له ابواباً ففي اول غيبته عين عليه السلام ابواباً مخصوصين و اناساً معلومين قد ورد التوقيع لهم بالخصوص و ندب الي متابعتهم و حذر مخالفتهم و ذكر ان طاعتهم طاعته و معصيتهم معصيته ثم اوصاهم بان يرجعوا اليهم و كل ما يرجعوا الي الامام عليه السلام من الحقوق و الانفال يدفع اليهم و كانوا اولئك الاربعة نواباً عنه عليه السلام في وقت اول الغيبة متناوبين متبادلين لا مجتمعين و هم عثمان بن سعيد العمري و محمد بن

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 162 *»

عثمان و حسين بن روح و علي بن محمد السيمري.

و هؤلاء الاربعة بقوا في هؤلاء الفرقة و اقاموا فيها مقام حمد و شكر و هلك فيهم خلق كثير منهم الذين ادعوا انهم ابواباً له عليه السلام و هم كاذبون فمنهم ابو محمد المعروف بالشريعي و هو اول من ادعي مقاماً لم يجعله الله له و لم يكن له اهلاً و ادعي انه باب صاحب الزمان و كذب علي الله و علي حججه عليهم السلام نسب اليهم ما لا يليق بهم و ما هم منه برآء فلعنته الشيعة و تبرئت منه و خرج توقيع الامام عليه السلام بلعنه و البرائة منه ثم ظهر منه القول بالكفر و الالحاد و منهم محمد بن نصير  النميري انكر وكالة ابي جعفر محمد بن عثمان و انكر  ان يكون باباً له عليه السلام و ادعي لنفسه انه الباب ففضحه الله تعالي و اخرج باطنه بما ظهر منه من الالحاد و الجهل و لعن ابی جعفر  محمد بن عثمان له و تبرئه منه و احتجابه عنه و قد ادعي بعده ذلك الامر الشريعي ثم ظهر بعد ذلك منه اقوال شنيعة و عقايد قبيحة قد كانت مستجنة في فؤاده و صار وجود الباب محمد بن عثمان سبباً لاظهاره و كان يدعي انه رسول نبي و ان محمد بن علي الهادي هو الرب و كان يقول بالتناسخ و يقول بالاباحة للمحارم و تحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في ادبارهم و يزعم ان ذلك من التواضع و الاخبات و التذلل في المفعول به و انه من الفاعل احدي الشهوات و الطيبات و ان الله عز و جل لم يحرم شيئا من ذلك و منهم احمد بن هلال الكرخي انكر ايضاً وكالة ابي جعفر محمد بن عثمان فلعنته الشيعة و تبرؤا منه ثم ظهر التوقيع علي يد ابي القاسم بن روح بلعنه و البرائة منه و منهم ابو طاهر محمد بن علي بن بلال انكر وكالة ابي جعفر محمد بن عثمان نور الله وجهه و امسك الاموال التي كانت عنده و امتنع من تسليمها الي ابي جعفر محمد بن عثمان و ادعي انه هو  الوكيل حتي تبرئت الشيعة منه و لعنوه و خرج التوقيع بلعنه و البرائة منه عن صاحب الزمان (ع‌) و منهم الحسين بن منصور الحلاج ادعي انه الباب بلا واسطة عن صاحب الزمان و صار الي قم و كتب الي بعض اهاليها انه رسول الامام و وكيله

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 163 *»

فلما وقعت المكاتبة في يده خرقها و مزقها و لعنته الشيعة و تبرئت منه و خرج التوقيع من صاحب الزمان بلعنه و البرائة منه و قصته مشهورة و حكايته معروفة و منهم ابن ابي العزاقر محمد بن علي الشلمغاني ادعي انه الباب و انكر وكالة ابي القاسم حسين بن روح فلعنته الشيعة و تبرئت منه و خرج التوقيع بلعنه و البرائة منه و قد كان اظهر القبايح و اصر علي الشنايع ابتدع ابتداعات و اخترع اختراعات الي ان قتلوه لا رحمه الله.

و هؤلاء بانكارهم الباب اي احد الابواب الذي قد جعله الامام عليه السلام قائماً مقامه و نائباً منابه بانكارهم له او لهم خرجوا عن مذهب الشيعة و استحقوا من الله و من الامام عليه السلام اللعنة و تبرء المؤمنون و الصالحون و العلماء الراشدون و الصلحاء الصديقون منهم و قد اخرجوهم من الفرقة الاثني عشرية و الحقوهم بغيرهم من ساير الملل المخالفة و النحل المبطلة و كل واحد من هؤلاء الملاعين لهم اتباع كثيرون قد ظهرت بواطنهم الخبيثة بدعوي ضلالة هؤلاء الفجرة و اخرج الله سبحانه بهؤلاء الابواب الاربعة ضغاين صدور اولئك الخلق الكثير و هم اصحاب الحلّاج و اصحاب الشلمغاني و اصحاب ابي طاهر محمد بن علي بن بلال و اصحاب احمد بن هلال الكرخي و اصحاب النميري و اصحاب الشريعي فقد اخرجهم الله سبحانه باختبارهم و ابتلائهم لهؤلاء الابواب الاربعة عن الفرقة الاثني عشرية و ابانهم عنها و اخرجهم منها فلولا هذا الاختبار و الامتحان ما خرجت اولئك الكفرة الفجرة فلما انكروا نيابة هؤلاء النواب و وكالة هؤلاء الوكلاء الاطياب فقد انكروا صاحب الزمان بحيث انه عليه السلام معصوم مطهر لا ينقل الا عن آبائه فقد انكروا آباءه الائمة الاحد عشر عليهم السلام و حيث انهم معصومون مطهرون طيبون لا ينقلون الا عن رسول الله صلي الله عليه و آله فقد انكروا رسول الله صلي الله عليه و آله و حيث ان رسول الله صلي الله عليه و آله لا ينطق عن الهوي ان هو الّا وحي يوحي لقد انكروا الله فانكار الباب انكار الامام عليه السلام و انكار الامام عليه السلام انكار النبي صلي الله عليه و آله و سلم و انكار

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 164 *»

النبي انكار الله تعالي و انكار الله سبحانه كفر  و المنكر للباب لكونه باباً كان خارج (خارجاً ظ) عن مذهب الاسلام و مخلد (مخلداً ظ) في نار جهنم علي الدوام و لكن المعاملة الدنياوية ما دامت الدولة للظالمين و السلطنة للفاسقين تختلف احكامها باختلاف موضوعاتها و مقتضياتها و الّا فحكم الآخرة لا يختلف ابداً و هذا المنكر للباب في جهنم مع الكفار مخلداً سرمداً.

فتبين لك ان بهذا الاختبار و الامتحان خرجت جماعة كثيرة ممن في قلوبهم الشقاق و النفاق و ما كانوا قبل ذلك ظاهراً منهم هذا الشقاق و النفاق و قد ظهر بهذا الاختبار و كانوا قبل ذلك من الفرقة المحقة الاثني عشرية بلا تميز  منهم و لا فرق بينهم و بينهم فلما ظهر جور المنافقين و تبين ضغن الفاسقين اراد الامام عليه السلام زيادة التمحيص و الاختبار لاخراج جماعة اخري من اولئك الفجار لان انحاء اختبارهم مختلفة و اطوارهم متشتتة فلا بد ان يختبرهم حتي لا يبقي الا الصافي المحض الذي لا يشوبه التغيير. و قد روي في العوالم عن ابن نباتة عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال كونوا كالنحل في الطير ليس شي‌ء من الطير الا و هو يستضعفها و لو علمت الطير ما في اجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك خالطوا الناس بالسنتكم و ابدانكم و زايلوهم بقلوبكم و اعمالكم فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون حتي يتفل بعضكم في وجوه بعض و حتي يسمي بعضكم بعضاً كذابين حتي لا يبقي منكم او قال من شيعتي الا كالكحل في العين و الملح في الطعام و ساضرب لكم مثلاً و هو مثل رجل كان له طعام فنقاه و طيبه ثم ادخله بيته و تركه فيه ما شاء الله ثم عاد اليه فاذا هو قد اصابه السوس فاخرجه و نقاه و طيبه و اعاده و لم يزل كذلك حتي لا يبقي منكم الّا عصابة لا تضرها الفتنة شيئاً انتهي و فيه عن غيبة الطوسي بالاسناد عن رجل عن ابي جعفر عليه السلام انه قال لتمحصن يا معشر الشيعة شيعة آل محمد صلي الله عليه و آله كتمحيص الكحل في العين لان صاحب الكحل يعلم متي يقع في العين و لا يعلم متي يذهب فيصبح احدكم و هو  يري انه علي شريعة من امرنا فيمسي و قد خرج منها و يمسي و هو علي شريعة من امرنا

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 165 *»

فيصبح و قد خرج منها انتهي و فيه عن غيبة الطوسي باسناده عن فراة بن احنف قال قال امير المؤمنين عليه السلام و ذكر القائم عليه السلام و قال ليغيبن عنهم حتي يقول الجاهل ما لله في آل محمد حاجة انتهي و فيه عن غيبة النعماني بالاسناد عن مالك بن حمزة قال قال امير المؤمنين عليه السلام يا مالك بن حمزة كيف انت اذا اختلفت الشيعة هكذا و شبك اصابعه و ادخل بعضها في بعض فقلت يا امير المؤمنين ما عند ذلك من خیر قال عليه السلام الخير كله عند ذلك يا مالك عند ذلك يقوم قائمنا و يقدم سبعين رجلاً يكذبون علي الله و علي رسوله و يقتلهم ثم يجمعهم الله علي امر واحد انتهي.

و بالجملة فالتمحيص و الاختبار و الامتحان و الافتتان لا بد منه حتي يتميز الخبيث من الطيب و يجعل الله الخبيث بعضه علي بعض فيركمه و يجعله في جهنم جميعاً و قد اختبر الشيعة بنصب الابواب الاربعة فخرج اولئك الكفرة الفجرة بعدم متابعة اولئك الابواب و عدم الاذعان و التصديق لهم في كل باب فكفروا و وسموا بسمة الكفر  و خرجوا عن ان يكونوا من الفرقة المحقة بعد ان كانوا منها فتدرج عليه السلام و عجل الله فرجه كما تدرج آباؤه فان رسول الله صلي الله عليه و آله اختبر الامة بامير المؤمنين عليه السلام و هو حاضر موجود بين اظهرهم يرونه و يسئلون عنه ثم امير المؤمنين عليه السلام اختبر شيعته القائلين بامامته بنوابه من بعده الائمة المعصومين فلما بعدت المدة و حصل النضج في الطبيعة و زادت المدارك و قويت المشاعر و كمل ادراك السرائر و قويت الضماير فلا يكفي الاختبار بظهور الامام عليه السلام لقوة ادراكهم فاختبرهم بغيبة الامام الثاني عشر (ع‌) ثم انه عليه السلام عين نواباً معلومين و ابواباً مسمين متشخصين فهلك فيهم خلق كثير  لعدم متابعتهم و انتهاج منهاجهم (اتباعهم و انتهاج مناهجهم خ‌ل) فصعب عليه السلام الامر  في الاختبار و غيب اشخاصهم و عين نواباً بالصفة و الرسم لا بالشخص و الاسم و غيب اشخاصهم لمزيد الاختبار و ظهور الاعتبار فابهم النواب باعيانهم و اشخاصهم و عينهم بصفاتهم و اخلاقهم و آدابهم و مسالكهم و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 166 *»

مناهجهم و اوطارهم في اطوارهم و اكوارهم و ادوارهم و امر عليه السلام الرابع من الابواب و آخر اركان ذلك الجناب الّا يعين احداً و لا يوصي الي احد لتشمل الفتنة و تعمّ المحنة ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة و يحصل التميز التام و الابتلاء العام فمن هذه الجهة لما ادرك علي بن محمد السيمري آخر الابواب الوفاة و سئلوه عن القائم مقامه فقال رضوان الله عليه لله امر هو بالغه و هو الذي اشرنا اليه من ارادة كمال الاختبار فجعل له نواباً موصوفين بالصفات و قد اشار اليها علي جهة الاجمال مولينا الحجة المفضال بقوله و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله.

ثم ان هذا النائب الذي هو الحجة علي قسمين قسم عام و قسم خاص و الي القسمين اشار عليه السلام في حديثين و اشار الي النائب الخاص الذي هو العام في حديث ابي خديجة بقوله و انظروا الي رجل منكم عرف شيئاً من قضايانا فارضوا به حكماً الخ و هذا النائب كل من حمل حقاً او نوعاً من الخير  و الحق فلا يلزم ان يكون جامعاً و لا يلزم ان يكون مؤمناً الّا ان يكون نائباً في المسائل الفقهية و الاحكام الشرعية الفرعية و الّا فلا يوصل احد الي احد خيراً او حقاً الّا بهم و بنيابتهم و ان لم يستشعر  النائب انه نائب و لم يدرك الباب انه باب لان الخير كله منهم و اليهم و في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه و فيها اشهد ان الحق معكم و فيكم و منكم و اليكم و لذا قال رسول الله (ص‌) يا ابن عباس لن تجد بيد احد حقاً الّا بتعليمي و تعليم علي (ع‌) و في الكافي قال ما مضمونه ان الخير من فروعهم و الشر من فروع عدوهم (لع‌) و كل من يعلم احد (احداً ظ) حقاً و يقول صدقاً و يرشد الي خير و يهدي الي صراط مستقيم يكون لساناً لامير المؤمنين عليه السلام و رسول الله الصادق الامين صلوات الله عليه و آله و الائمة عليهم السلام نائباً عنهم و باباً و حجاباً لهم (ع‌) لان من الامور و الهدايات ما يجرونها بيد من يحبون و منها بيد من لا يحبون ما دامت الدولة للظالمين و الشوكة للفاسقين و الصولة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 167 *»

للكافرين و ذلك احفظ لهم و لرعيتهم أ لا ترون انه رفع عمود الاسلام و ذكر  اسم محمد صلي الله عليه و آله بين اظهر الانام و دخلت الكفار في الاسلام الصوري بسيف عمر بن الخطاب و غيره من خلفاء الجور و انت تعلم انه لا يجري خير و لا حق الّا بهم و منهم كلهم حينئذ ابواب و حجب و الي هذا المعني اشار بقوله عليه السلام ان لله سبعين الف حجاب من نور و ظلمة و شرح هذا الكلام يطول و المقام لا يقتضي ذكر ازيد من ذلك فالنائب الخاص كل صاحب صنعة الذي فيه اشتهرت و ظهرت فرؤساء اهل اللغة نواب لهم في ايصالها الي الناس و رؤساء اهل النحو  و علماؤهم نواب لهم في ايصاله الي الخلق و كذلك اهل كل صنعة صحيحة نواب (نائب خ‌ل) له عليه السلام في ايصال تلك الصنعة و من هذا القبيل الرجوع الي اهل الخبرة الّا ان هؤلاء النواب منهم من يشترط عدالتهم في وساطتهم و ذلك لاجل الموصل اليهم لا لاجل الايصال و منهم من لا يشترط عدالتهم و وثاقتهم كساير  اهل الحرف و الامر في هذا القسم هيّن و لايقع به الاختبار الّا علي وجه بعيد.

و اما القسم الثاني فهو النائب العام الذي هو الخاص و هذا هو الاصل و مثال الامام عليه السلام و ظاهره في الرعية اخلاقه تشابه اخلاقه و علومه مأخوذة من علومه عليه السلام و الي هذا القسم اشار مولينا الصادق عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة قال (ع‌) انظروا الي رجل منكم روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فارضوا به حكماً فاني قد جعلته عليكم حاكماً فاذا حكم بحكمنا و لم يقبل منه فكأنما بحكم الله استخف و علينا ردّ و الراد علينا الراد علي الله و هو علي حد الشرك بالله و هذا القسم من النائب هو الذي يقع فيه الاختبار و الامتحان و حكم هؤلاء كحكم المخصوصين المنصوصين من الابواب الاربعة فانكار هؤلاء مثل انكار اولئك.

و الاختبار في هذا القسم يقع في مقامين احدهما في التميز  بين النائب و غيره فانه كما كان في الغيبة الصغري نواب ممدوحون و اخري مدّعون مذمومون كذلك الحكم في هؤلاء النواب فان اهل الدعوي كثيرون و الواصلون الي الحق قليلون،

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 168 *»

خليلي قطّاع الفيافي الي الــــ      ** * **      ــحمی كثير و اما الواصلون قليل

فالاخبار الاول في التمييز  بينهم بعلامات و صفات تشخص الحق من الباطل و الماء من السراب و المقام الثاني في الاختبار متابعة هؤلاء النواب و عدم الاختلاف فيهم و عدم الانكار لهم حتي لا يخرج من هذه الفرقة المحقة بمخالفته اياهم و لا يدخل في زمرة الكفار بمخالفته لهم.

و نحن نذكر اولاً بعض العلامات المأخوذة عن سادات البريات عليهم السلام لبيان نوابهم الممدوحين لرفع شبهة الجاهل و قطع حجة المعاند و نقول (فنقول خ‌ل) اعلم ان لاهل الحق علامات بها يمتازون عن غيرهم فاذا وجدتها في احد فاعلم انه القرية الظاهرة التي قد امرت بالسير فيها الي القرية المباركة و تلك العلامات علي وجهين احدهما ما يتعلق بعلمهم و ثانيهما ما يتعلق بعملهم.

اما الاول فاعلم انهم اذا نظروا في مسئلة من المسائل لا ينظرون فيها حتي ترتفع ثلث خصال و تجتمع خمسة خصال.

اما الاولي فاولها ان يتمحض قصدهم و نيتهم في معرفة تلك المسئلة من العلم لله سبحانه ليتوصل بها الي طاعته و رضاه من عمل او قول او ظهور قدرة و عظمة يوجب كمال الخوف او نعمة و احسان يوجب الرجاء و الطمع او جلال يقهره عن نفسه او جمال يجذبه اليه و يفقده عن نفسه لينقطع الي ربه و امثال ذلك من الاحوال الراجعة الي الحق سبحانه و لا يطلبها ليعاند بها العلماء و يماري بها السفهاء او يصرف اليه وجوه الناس او ليغزر علمه ليعرف بذلك و يشتهر به و امثال ذلك من انواع العصبية و الجدال و المراء كما تري في اغلب احوال الناس.

و ثانيها ان لا يكون حين النظر مأنوساً بطايفة من اهل و غير  و يميل قلبه اليهم و الي ما يقولون فان حبك للشي‌ء يعمي و يصم و قد يكونون علي باطل و خطأ فيقع في ما وقعوا فيه بل يكون انسه بالله و ميله في ما عند الله و رغبته في ما اختاره الله سبحانه من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا و الآخرة.

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 169 *»

و ثالثها ان لا يكون عنده قاعدة قد اخذها عن غير اهل بيت العلم علي النمط الذي نذكره ان شاء الله تعالي فان من عنده قاعدة لا يأمن ان يركن اليها و يصرف العلم اليها و قد تكون باطلة فاسدة فيقع في الخطاء و الغلط كما تري الّا ان اغلب الناس يطرحون الاخبار الصحيحة و يتركونها لمخالفتها لقاعدتهم و قد تكون القاعدة باطلة.

و اما الثانية من الخصال الوجودية فاولها ان يكون باقياً علي الفطرة الاصلية الاولية غير مغير لها بمتابعة الشيطان فلم تسبقه الشكوك و الشبهات و علامته ان يكون دائم النظر  و التفكر  في خلق السموات و الارض و خلق نفسه و احواله و عظيم التحير حين ما ينظر اليها و علامة ذلك صفاء طويته و ذكاء سريرته و علامته ان لا يشغله علم عن الآخر بل يكون الاشياء عنده بعضها دليلاً للآخر فلا يقال فيه انه كامل في علم دون العلم الآخر  بل العلوم كلها عنده علي حد سواء لان الباقي علي الفطرة يري آية الوحدة في كل شي‌ء فعين بصيرته مفتوحة يري الاجسام علي اختلاف الوانها و احوالها و كذا عين القلب اذا كانت مفتوحة و اما الذي يقتصر علي شي‌ء فلايعرف الآخر  فهو كالاعمي الذي يعلمونه بعض الاشياء فلا يعلم الّا الذي علم و قولي «كل العلوم عنده علي حد سواء» مرادي انه عرف اللطيفة السارية في العلوم لا كلها حاضرة عنده بل اذا طلب كل ما اراد منها وجد بمشاهدة تلك النقطة فيها و يستدل بكلها علي كلها.

و ثانيها ان يجد لها دليلاً من كتاب الله سبحانه من الآيات المحكمات التي هن ام الكتاب بحيث لا يمكن انكارها و لا اعتذارها للمنصف و اما المعاند فلا تقطعه الف حجة و يتشبث في الاستدلال بالمتشابهات و هي التي لم تظهر دلالتها و المراد منها اما بنفسها او بامر خارج منها كالاخبار الموضحة لها المعينة للمراد منها و ان كانت هي علي الظاهر مجملة فانها حينئذ ليست من المتشابهات.

و ثالثها ان يجد لها دليلاً من احاديث اهل البيت عليهم السلام كما ذكرنا

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 170 *»

في الكتاب و يتجنب عن الاحاديث التي لم يقبلها الاصحاب الّا اذا كانت راجعة اليها و ان لا يكون لها معارض اقوي بل لا يجد معارضاً اصلاً اذ التعارض في الاخبار امر صوري لا حقيقة له و اما تغيیر  المغيرين و المبدلين و سهو الساهين و الناسين في الرواية و امثالها فجعلوا عليهم السلام في ارشاداتهم قرائن و ادلة تنفيها و تثبت الامر الواقعي المراد و لولا ذلك لما استقام قولهم عليهم السلام ان لنا اوعية نملأها علماً ننقلها اليكم فخذوها و صفوها تجدوها نقية صافية و اياكم و الاوعية فنكبوها فانها اوعية سوء هذا معني الحديث فلولا القرائن النافية لما تتأتي التصفية فان الخلق جهال لا يعلمون شيئاً الّا ما علموهم اياه كما قال (ص‌) يا ابن عباس لن تجد بيد احد حقاً الّا بتعليمي و تعليم علي عليه السلام و الكلام في هذا المقام طويل و الاشارة كافية لمن اهتدي الي سواء السبيل و لم يتعود بالقال و القيل فمجمل القول انه لايتمسك برواية علي خلاف القانون الذي جرت به العادة بين الفرقة المحقة في التمسك بها فان هذه الطايفة لا تزال علي الحق حتي تقوم الساعة.

و رابعها ان يدل عليها العقل المستنير بنور الله و المستوقد بضياء ائمة الهدي عليهم السلام و معناه انه تربي و نشأ في شدة الاعتناء و النظر في اخبارهم مع الاعتقاد الجازم بانهم عليهم السلام لا يهملون رعاياهم و غنمهم و عالماً بانه حين ما ينظر و يلاحظ الاخبار هو  بين يدي امامه و سيده يتعلم منه عليه السلام كما قالوا نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و ساير الناس غثاء و هو عليه السلام لا تمنع غيبته عن مشاهدة رعيته و اصلاح احوالهم و طرد الشيطان و الباطل عنهم كما قالوا في تأويل قوله تعالي و دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته و هذا من عدوه الي قوله فوكزه موسي فقضي عليه قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين و قال رسول الله صلي الله عليه و آله كل ما كان في الامم الماضية يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة و هذا هو العقل المستنير فيجب ان يكون له دليل عقلي عليها اي علي المسئلة زايداً عما دل عليه الكتاب و السنة ليكون علي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 171 *»

بصيرة و معرفة.

و خامسها ان يجد لها دليلاً عيانياً شهودياً في العالم فانه كتاب (الکتاب ظ) الاكبر كتبه الله سبحانه بيده و بناه بحكمته و ربّاه بقدرته و حفظه بصنعه و جعله من اعظم آياته و حث الناس بقرائته حيث يقول قل انظروا ماذا في السموات و الارض و يقول و يضرب الله الامثال للناس و مايعقلها الّا العالمون، و كأين من آية في السموات و الارض يمرّون عليها و هم عنها معرضون، سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق ثم انه (ان الله خ‌ل) سبحانه بيّن كيفية الاستدلال بتلك الآيات فقال و ان كل لما جميع لدينا محضرون فهذا هو المدعي ثم جعل لهذا آية و دليلاً  ليعرف الخلق حقيقة (كيفية خ‌ل) هذا الحشر و العود بعد موت الخلق و اضمحلالهم فقال سبحانه و آية لهم الارض الميتة احييناها و اخرجنا منها حباً فمنه يأكلون و جعلنا فيها جنات من نخيل و اعناب الآية ثم شرح هذه الآية في سورة ق حيث قال سبحانه و نزلنا من السماء ماء مباركاً فانبتنا به جنات و حب الحصيد و النخل باسقات لها طلع نضيد رزقاً للعباد و احيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج و القرآن مشحون ببيان هذه الاحوال.

و بالجملة ما خلق الله سبحانه شيئاً و ما كلف العباد بامر الّا و قد بينه باكمل التبيان و البيان الكامل انما يتم بالبيانين الحالي و المقالي فالبيان الحالي هو العالم و المقالي هو الكتاب و السنة و كل منهما شرح و بيان للآخر و مطابق له و في صورة المخالفة يظهر بطلان الاستدلال فلا يخالف السنة الكتاب ابداً و لا العكس و لا العالم الامرين فاذا تطابقت هذه الادلة الاربعة مع عدم المخالفة للفرقة المحقة التي لازال الحق فيهم ففي مخالفتهم عدول عن الحق و العادل عن الحق لا ينجو و مع بقاء الفطرة الاصلية الغير المعوجة و مع رفع تلك الخصال وجب ان يكون حقاً و الّا لكان الحق سبحانه مغرياً بالباطل و مخلفاً للوعد تعالي ربي عن ذلك علواً كبيراً اما الوعد فقد قال تعالي الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و ان الله لمع المحسنين و المجاهدة في الله ما يتحقق علي اكمل المراتب الّا كما ذكرنا لانه هو الطريق المؤدي الي الحق قطعاً و لا تصح ان تكون

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 172 *»

المجاهدة بالادبار و الاعراض عن الحق تعالي كما في مقابلات ما ذكرنا فيجب علي الله سبحانه الهداية و لا تحسبن الله مخلف وعده رسله و اما الاغراء بالباطل فلا يمكن فرض وقوعه بالنسبة الي الله سبحانه مع انه (ان الله خ‌ل) تعالي نص بوفاء العهد الذي عاهد من هداية المحسنين حيث قال فهدي الله الذين آمنوا لما اختلف فيه من الحق باذنه و الله يهدي من يشاء الي صراط مستقيم فاثبت الهداية للمؤمنين ثم شرح الايمان و اوضح حقيقته في ما يتعلق بالعلم او مع العمل بقوله الحق فلا و ربك لا يؤمنون حتي يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليماً و المخاطب في الظاهر هو  رسول الله صلي الله عليه و آله و في الباطن هو امير المؤمنين عليه السلام و الاخلاص في حكم امير المؤمنين (ع‌) هو الذي ذكرنا لك من ملاحظة الادلة الاربعة ثم بين الله سبحانه اصابة المؤمنين في ما صاروا اليه من معتقداتهم و اعمالهم و عدم خطائهم في ما ينسبون الي الله عز و جل بقوله تعالي و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و اياماً آمنين و قال مولينا الباقر عليه السلام نحن القري التي بارك الله فيها و القري الظاهرة شيعتنا فنص الله سبحانه و تعالي باتباع الشيعة المؤمنين الذين هداهم الله للحق مع اختلاف الناس في الاداء و نص ايضاً علي انهم لا يخطون اذ حكم للسایرين فيهم الآخذين عنهم بالامن و لا يكون الّا الامن من الخطاء فاثبت صحة المجاهدة في الله لترتب الآثار عليهم و هي الهداية و قد قلنا ان المجاهدة في العلم لا تكون الّا كما ذكرنا و كل ما سواه طريق الهلاك و البوار و سبيل الخسران الي النار.

ثم ان كل شي‌ء لما كان له ثلاث جهات جهة الي الحق و جهة الي نفسه من حيث انه اثر لغيره و جهة الي غيره من حيث ارتباطه لترتب نظام معيشته في دنياه و آخرته عليه و لكل مقام احكام و اقتضاءات تجري علي ذلك المقام و لكل مرتبة دليل خاص بتلك المرتبة فللثالثة دليل المجادلة و للثانية دليل الموعظة الحسنة و للاولي دليل الحكمة و في كل مقام يجب تحقق تلك

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 173 *»

الخصال كلها من الوجودية و العدمية فيكون للعارف من المؤمنين الممتحنين و الشيعة المخلصين اربعة و عشرين دليلاً و ميزاناً في معرفة كل شي‌ء و في كل واحد ربما يتطرق فيه الخطاء و اما اذا اجتمعت فيمتنع ذلك لما ذكرنا فاذا عجز عن اتيان هذه الامور كلها في شي‌ء من الاشياء و ان تمكن عنه في اغلبها و اكثرها فذلك لا يوثق به و اما اذا كان في كل شي‌ء بحيث لا يشذ عنه شي‌ء اتي بالمذكورات فهو المؤمن الممتحن الذي امتحن الله قلبه للايمان و شرح صدره للاسلام و وجب علي الخلق اتباعه و الاقتداء به في ما يجهلون من امور دينهم و دنياهم و آخرتهم و عقباهم و هو القليل من المؤمنين و هو اعز من الكبريت الاحمر  و هؤلاء الذين عندهم من الاسرار ما لا يتحمله الّا الصديقون و الابرار فاذا سمعت منهم شيئاً فلا تقابله بالانكار و سلم الامر له تسلم بشرط تحقق الامر الثاني فيهم كما سنذكره ان شاء الله تعالي فاذا رأيت فيهم ما يخالف ذلك تبرأ منهم فانهم اعداء الدين و خصماء النبيين و خلفاء الشياطين و هذا الذي ذكرنا هو علامة الحق في العلم.

و اما العلامة الثانية و هي العمل و هو ان يكون جميع اعماله و اقواله مطابقة لما عليه الشريعة الحقة الغراء النبوية العامة للمخلوقين كلّها فلا ينكر شيئاً منها بادعاء ان الباطن غير  الظاهر و ان هذه الاعمال لاهل الظاهر  و اما المطلوب من العارفين فاخلاص القلب و لطافة السرّ لا هذه الاعمال المشتركة فيها العوام و ساير الخلق فان ذلك من صفات الفسقة اهل الجور حيث تثاقلوا عن الطاعات بل يكون المؤمن كما وصفه امير المؤمنين عليه السلام بعض صفاته لهمام و انا اذكر الحديث بطوله ان شاء الله لما فيه من المنافع الجليلة و اظهار اهل الحق و امتيازه من اهل الباطل.

روي الكليني باسناده عن ابي عبد الله عليه السلام قال قام رجل يقال له همام و كان عابداً ناسكاً مجتهداً الي امير المؤمنين عليه السلام و هو يخطب فقال يا امير المؤمنين (ع‌) صف لنا المؤمن كأننا ننظر  اليه فقال عليه السلام يا همام المؤمن هو الكيس الفطن بشره في وجهه و حزنه في قلبه اوسع شي‌ء

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 174 *»

صدراً و اذل شي‌ء نفساً زاجر عن كل فان حاض علي كل حسن لا حقود و لا حسود و لا وثاب و لا سباب و لا عياب و لا مغتاب يكره الرفعة و الثناء و يشنأ السمعة طويل الغم بعيد الهم كثير  الصمت وقور ذكور صبور شكور مغموم بفكره مسرور بفقره سهل الخليقة لين العريكة رصين الوفاء قليل الادعاء لا متأفك و لا متهتك ان ضحك لم يخرق و ان غضب لم ينزق ضحكه تبسم و استفهامه تعلم و مراجعته تفهم كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة لا يبخل و لا يعجل و لا يضجر  و لا يبطر  و لا يحيف في حكمه و لا يجور في علمه نفسه اصلب من الصلد و مكادحته احلي من الشهد لا جشع و لا هلع و لا عنف و لا صلف و لا متكلف و لا متأنف جميل المنازعة كريم المراجعة عدل ان غضب رفيق ان طلب لا يتهور و لا يتهتك و لا يتجبر خالص الود وثيق العهد وفي العقد شفيق وصول حليم خمول قليل الفضول راض عن الله عز  و جل مخالف لهواه لا يغلظ علي من دونه و لا يخوض في ما لايعنيه ناصر للدين محامٍ عن المؤمنين كهف للمسلمين لا يخرق الثناء سمعه و لا ينكر الطمع قلبه و لا يصرف اللعب حكمه و لا يطلع الجاهل علمه قوال عمال عالم حازم لا بفحاش و لا بطياش وصول في غير عنف بذول في غير  سرف لا بختال و لا بغدار و لا يقتفي اثراً و لا يحيف بشراً رفيق بالخلق ساعٍ في الارض عون للضعيف غوث للملهوف لا يهتك ستراً و لا يكشف سراً كثير  البلوي قليل الشكوي ان رأي خيراً ذكره و ان عاين شراً ستره يستر العيب و يحفظ الغيب و يقيل العثرة و  يغفر  الزلة لا يطلع علي نصح فيذره و لا يدع جنح حيف الّا و يصلحه امين رصين تقي نقي زكي رضي يقبل العذر و يجمل الذكر  و يحسن بالناس الظن و يتهم علي العيب نفسه يحب في الله بفقه و علم و يقطع في الله بحزم و عزم لا يخرق به فرح و لا يطيش به مرح مذكر  للعالم معلم للجاهل لا يتوقع له بائقة و لا يخاف له غائلة كل سعي اخلص عنده من سعيه و كل نفس اصلح عنده من نفسه عالم بعيبه شاغل بغمه لا يثق بغير  ربه غريب وحيد حزين يحب في الله و يجاهد في الله ليتبع رضاه و لا ينتقم لنفسه بنفسه و لا يوالي في سخط ربه مجالس لاهل الفقر مصادق لاهل

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 175 *»

 الصدق مؤازر لاهل الحق عون للغريب اب لليتيم بعل للأرملة حفي باهل المسكنة مرجو لكل كريهة مأمول لكل شدة هشاش بشاش لا بعباس و لا بجساس صليب كظام بسام دقيق النظر عظيم الحذر لا يجهل و ان جهل عليه لا يبخل و ان بخل عليه صبر فاستحيي و قنع فاستغني حياؤه يعلو علي شهوته و ودّه يعلو حسده و عفوه يعلو حقده لا ينطق بغير صواب و لا يلبس الّا الاقتصاد مشيه التواضع خاضع لربه بطاعته راض عنه في كل حالاته نيته خالصة اعماله ليس فيها غش و لا خديعة نظره عبرة و سكوته فكرة و كلامه حكمة مناصحاً متباذلاً متواخياً ناصح في السر و العلانية لا يهجر اخاه و لا يغتابه و لا يمكر به و لا يأسف علي ما فاته و لا يحزن علي ما اصابه و لا يرجو ما لا يجوز له الرجاء و لا يفشل في الشدة و لا يبطر في الرخاء يمزج الحلم بالعلم و العقل بالصبر تراه بعيداً كسله دائماً نشاطه قريباً امله قليلاً زلـله متوقعاً لاجله خاشعاً قلبه ذاكراً ربه قانعة نفسه منفياً جهله سهلاً امره حزيناً لذنبه ميتة شهوته كظوماً غيظه صافياً خلقه آمناً منه جاره ضعيفاً  كبره قانعاً بالذي قدر له متيناً صبره محكماً امره كثيراً ذكره يخالط الناس ليعلم و يصمت ليسلم و يسئل ليفهم و يتجر ليغنم لا ينصت للخير ليفجر به و لا يتكلم ليتجبر به علي من سويه نفسه عنه في عناء (تعب خ‌ل) و الناس منه في راحة اتعب نفسه لآخرته فاراح الناس من نفسه ان بغي عليه صبر حتي يكون الله الذي ينتصر له بعده ممن تباعد منه بغض و نزاهة و دنوه ممن دنا منه لين و رحمة ليس تباعده تكبراً و لا عظمة و لا دنوه خديعة و لا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من اهل الخير فهو  امام لمن بعده من اهل البر.

فصاح همام صيحة ثم وقع مغشياً عليه فقال امير المؤمنين عليه السلام اما والله لقد كنت اخافها عليه هكذا تصنع الموعظة البالغة باهلها فقال له قائل فما بالك يا امير المؤمنين فقال عليه السلام ان لكل اجلاً  لن‌يعدوه و سبباً لا يجاوزه فمهلاً  لا تعد فانما نفث علي لسانك الشيطان انتهي الحديث الشريف صلي الله علي قائله.

و هذه الاوصاف هي علامات لايمان المؤمن العارف بالله عز  و جل و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 176 *»

بهذه الاوصاف و الاعمال تصفو قابليته و تزكو سريرته و يشرق علي قلبه نور اليقين و علي فؤاده نور المحبة و علي صدره نور العلم و كلما ازداد حباً و يقيناً و علماً ازداد عملاً و توجهاً و اقبالاً فازداد استنارة و استضاءة فتحصل له قابلية ان يكون باباً للامام عليه السلام و نائباً عنه علي الخاص و العام و مرجعاً في كلي امورهم و جزئيها و اميناً لدفع حقوقه اليه و هو المشار و المنار مطلع الانوار و القرية الظاهرة للسير الي القري المباركة و هو الباب الاعظم و السبيل الاقوم و النور المعظم طاعته واجبة علي كل مسلم و مخالفته محرمة علي كل مؤمن و هو نائب العام الذي اشار اليه مولانا الصادق عليه السلام انظروا الي رجل منكم روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فارضوا به حكماً فاني قد جعلته عليكم حاكماً فاذا حكم بحكمنا و لم يقبل منه فكأنما بحكم الله استخف و علينا ردّ و الراد علينا كالراد علي الله و هو علي حد الشرك بالله و قوله عليه السلام عرف احكامنا  الجمع المضاف يفيد العموم الاستغراقي فيكون المراد معرفة جميع احكامهم و لا ريب ان لهم سلام الله عليهم لكل شي‌ء حكم لان الوجود كلّه انما بني علي الحق و في مقابلته باطل و عند المزج في هذه الدنيا حصل الخلط بينهما فلهم عليهم السلام بيان لكل شي‌ء من حق و باطل و هو  قوله عليه السلام ما من شي‌ء الّا و فيه كتاب او سنة فاذا عرف جميع الاحكام و نظر في الحلال و الحرام راوياً حديثهم مقتفياً اثرهم مقبلاً  اليهم قاصراً نظره فيهم معرضاً عن كل ما سواهم متجنباً عن كل شي‌ء لا ينسب اليهم مفوضاً اموره اليهم معتمداً في كل احواله عليهم سائلاً من الله التوفيق بهم فهو  النائب و الباب و الشيعة و الحجاب و هو المرجع للرعية و هو الحاكم في البرية فاذا حكم بحكم فهو منهم فمن ردّ عليه فقد ردّ عليهم و من ردّ عليهم فقد ردّ علي الله و هو علي حد الشرك بالله و هذا في كل شي‌ء من العلم الظاهري و الباطني لانه لما استنارت قابليته تحملت الظهورات المثال الملقي في هويته و تلك الظهورات ليست عند من كثفت قابليته و خبثت اعماله فاذا تكلم مثل هذا الشخص بشي‌ء من الاسرار يصدق و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 177 *»

لا ينكر عليه لانه لا يقول بشئ (شيئاً خ‌ل) يخالف ما عليه عامة المسلمين الموحدين و لا يلزم ان يدركوا وجه المطابقة كما ان مولانا و سيدنا القائم عجل الله فرجه يخبر اصحابه بكلمة فيتفرقون عنه عليه السلام سوي الوزير و احد عشر نقيباً فاذا تفرقوا و جالوا الارض و لم يجدوا ملجأ غيره يأتونه مسلمين قابلين لعلمهم بانه عليه السلام معصوم لا يخطأ فكذلك اذا وجدت شيعتهم يتخلقون باخلاقهم و يتأدبون بآدابهم و لا يخالفونهم باقوالهم و اعمالهم فتظهر فيهم نقطة مثالهم فيصدر عنهم مثل اقوالهم و اعمالهم في مقام لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك و هذا التصديق و الاذعان لايكون الّا بعد الاختبار بالعلامات المذكورة مع ان المخلصين من الشيعة لم يظهر منهم ما هو صريح مخالفة عقول الخلق و لا يظهرون الحكمة لغير  اهلها كيف و ان اذاعة سرّهم عليهم السلام من افسق الفسوق و افجر الفجور و هؤلاء الابواب الانجاب لا يتجاهرون الي مثل ذلك.

و بالجملة فهؤلاء الابواب الاربعة حكمهم حكم الابواب المخصوصين المنصوصين في كل باب و مخالفتهم مخالفة اولئك تخرج المخالف عن حد الايمان و تدخله في حد الكفر  و النفاق و يكون حال المخالفين لهم في الغيبة الكبري كحال المخالفين لهم في الغيبة الصغري فيكون حالهم حال الشلمغانية و الحلّاجية و النميرية و الشريعية و الكرخية و امثالهم من الكفرة اللئام و الفجرة الخارجين عن دين الاسلام لمخالفة اولئك الاعلام و هذا الاختبار لم يزل قائماً و هذا الامتحان لم يزل دائماً  حتي يكون الامر كما قال امير المؤمنين عليه السلام في الحديث المتقدم عن ابن نباتة انه يفنيهم الاختبار و الامتحان حتي لا يبقي من الشيعة الّا كالملح في الطعام او كالكحل في العين فهم الذين لا يضرهم الفتنة و لا تؤثر فيهم وقوع المحنة في مخالفة هذه الابواب و بالاعراض عنهم بسوء القول فيهم فهم يخرجون من هذا الدين افواجاً افواجاً ثم لا يعودون ابداً و هذا هو الطريق الواضح و المنهج اللائح و المتجر الرابح نسئل الله الاعانة و حسن الخاتمة و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 178 *»

التسديد و التأييد حتي لا نسلك مسلك اهل الغواية و اياه نسئل الهداية و منه نطلب الفوز بالبداية و النهاية.

تذكرة: و ساوضح لك المقال بكلمة واحدة لوضوح الاستدلال فنقول ان باب كل شي‌ء لا يذكر  فيه الّا ذلك الشي‌ء و الّا لم يكن باباً و لما كان النبي صلي الله عليه و آله باب الله و وجه الله و جناب الله صار لا يذكر  الّا الله و لا يعقل الّا الله و لا يذكر عنده الّا الله فالله سبحانه نصب عينيه قائماً قاعداً راكعاً ساجداً راكباً ماشياً ذاهباً  آئباً في كل الاحوال و جميع الحالات و الصفات فلا تجد عنده الّا ذكر الله فبذلك عرفنا انه باب الله و حجاب الله لان الباب طريق و سبيل الي المقصود فلا يقصد و لا يطلب الّا المقصود و اما الامام عليه السلام فحيث كان باب النبي صلي الله عليه و آله فلا يذكر عنده الّا النبي صلي الله عليه و آله المذكر  لله بجميع احواله و اطواره و حركاته ذاكر  للنبي صلي الله عليه و آله مقبل اليه متوجه اليه ناظر  اليه متكلم عنه و بالجملة كل من حضره و رآه علم انه نائب و باب للنبي صلي الله عليه و آله مستقل بنفسه و  كذلك الامام عليه السلام بعد الامام و الولي بعد الولي فكل لاحق مغمور  في ذكر  سابقه و السابق عليه فلا تجد عنده الّا ذكره و لا تري الّا وصفه فعلمنا بذلك انه بابه و جنابه و كذلك باب الامام يجب ان لا يذكر عنده الّا فضل الامام (ع‌) و لا ينشر الّا مناقبه و لا يبين الّا احكامه ينسب اليه نفسه و يتوجه اليه بسريرته و علانيته فلا يذكر  سواه و لا يطلب غيره و لا يقصد سواه مغمور في طاعته متجنب عن معصيته نافذ فيه حكمه ماض امره و بالجملة اذا اتيته لم تجد عنده الا وصف الامام (ع‌) و نعته و فضله و مناقبه و شرح مقاماته و فضايله و ما جعله الله سبحانه له من علوّ  المراتب و سموّ الدرجات و المناقب و ذكر  ما استتر من فضايله و بيان ما خفي من مناقبه و بالجملة لا تجد عنده غير ذكر امامه و يكون حاله مع امامه عليه السلام كما قال الشاعر:

اليكم و الّا لا تشد الركائب       ** * **      و منكم و الّا لا تنال الرغائب
و فيكم و الّا فالحديث مخلق       ** * **      و عنكم و الّا فالمحدث كاذب

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 179 *»

فاذا وجدته كما ذكرناه و رأيته كما وصفناه من ان الامام عليه السلام اظهر عنده من نفسه له فاعلم يقيناً انه هو الباب لذلك الجناب و انه المرجع لاولي الافئدة و اولي الالباب و اما اذا رأيته لا يذكر عنده الامام عليه السلام الّا احياناً او لغرض يرجع الي نفسه فاذا ذكر عنده شي‌ء من فضايله عليه السلام اما ينكر عليه او ينهي عن الخوض فيها و التوغل في البحث عنها او يقول التشاغل في ذلك ليس بتكليفكم و لستم مكلفين بذلك و بالجملة يحيد عن ذكر  اهل البيت حيداً و يميل عنهم ميلاً فاذا وجد شيئاً يدل علي انحطاط في مقامهم او تسافل في مراتبهم (مرتبتهم خ‌ل) من آية او حديث يجعله اصلاً محكماً و يجعل ما يدل علي علو  مقامهم و مراتبهم (مرتبتهم خ‌ل) متشابهاً مأولاً  فاذا رأيته هكذا فاعلم انه ليس بنائب بل هو عن طريق الحق حاجب و حاله حال اولئك المذمومين من النواب المذكورين علي ما وصفنا لك سابقاً و قد ذكرت حقيقة الحال و لا يسعني التصريح و الافصاح بازيد و اكثر مما ذكرنا و  فصلنا و بينّا فان بقي شي‌ء فلا يبعد عن درك الفطن اللبيب اللوذعي الالمعي اذ لا كل ما يعلم يقال و لا كل ما يقال حان وقته و لا كل ما حان وقته حضر  اهله و لو كان قبل هذا الوقت ما تكلمت بهذا الكلام و ما افصحت عن ذي المرام و لكن لكل اجل كتاب.

فتبين لك مما ذكرنا و بينّا معرفة احوال الفرقة المحقة فانهم يختلفون و انهم يختبرون و انهم يفتتنون و انهم يتمخضون مخض السقا حتي لا يبقي الّا القليل الذي اشار اليه سبحانه بقوله و قليل من عبادي الشكور و ما آمن معه الّا قليل و هم الذين لا تضرّهم الفتنة و لا تغيرهم المحنة و هم كالجبل لا تحركه (لاتحركهم خ‌ل) العواصف و لا تزيله (لا يزيلهم خ‌ل) القواصف و هم الشيعة المخلصون و الامناء المحتجبون (الممتحنون خ‌ل) و الابواب الممدوحون فاستمسك في وقت الحيرة بمن عنده تلك العلامات المذكورة ان اردت النائب العام و الّا ففي المسائل التكليفية الفرعية فالي الذي اجتمعت عنده شرايط الاجتهاد و قواعد الاستنباط من معرفة العلوم المذكورة في كتب

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 180 *»

الاصول و حصول الملكة الالهية و القوة القدسية للتمكن من رد الفروع علي الاصول بشرط ان لا يكون معرضاً عن اهل البيت عليهم السلام بمعني انه يسلم بجميع ما يرد عليه من فضائلهم و مقامهم و مراتبهم الّا ما لا يناسب مقام الامكان كالقدم و الاستقلال و الاعتزال و كون الامام (ع‌) افضل من النبي (ص‌) او يساويه و يكون عادلاً ثقة ورعاً زاهداً عابداً وقوراً ذكوراً شكوراً فاذا وجدت شخصاً عالماً بهذه الصفة قلده بالاحكام الفرعية خاصة و قوله حجة فيما يتعلق بالفقه و الذي يرجع اليه و اما في ما سوي ذلك فلا حجية في قوله و لا اعتماد علي فتواه فابن علي ما ذكرنا لك امرك و اخرج من الحيرة و كن لله من الشاكرين و لنعمائه من الذاكرين و الحمد لله رب العالمين.

تنبيه: فاذ قد علمت بوجوب الاختبار و المحنة فاعلم انه لا يكون الّا بالاتيان ببعض المتشابهات التي بيانها و دليلها ظاهر  في الكتاب و السنة و مذهب الفرقة المحقة و لكنها في بادي النظر  فيها بعض الغموض كقوله تعالي عليها تسعة عشر  و قوله تعالي يد الله فوق ايديهم، عفا الله عنك لم اذنت لهم، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر  و امثالها فبالاتيان بالمتشابه (بالمتشابهة خ‌ل) به يحصل الاختبار و يمتاز الفجار من الاخيار و هو قوله تعالي و اما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله فالباب للامام عليه السلام في الغيبة الصغري اختباره للناس و افتتانه لهم انما يكون بذكر  المناقب و الفضائل التي مرتفعة في الجملة عن معرفة العوام و يدل عليها صحيح المذهب و القرآن و احاديث امناء الله الملك الديان فمن قبل و سلم و قال ان امامي اعلي و افضل فهو  المسلم و المؤمن المسلّم الممتحن و من ابي و استكبر و شك و ارتاب و لم یرض بنشرها بحجة انها من الاسرار التي لا يجوز اذاعتها فذلك منكر خارج لان الاسرار  للخوف من الاغيار و لعدم نيل الادراك فعلي هذا يلزم ان الله سبحانه قد افشي السرّ في قوله تعالي يد الله فوق ايديهم و امثالها (امثاله خ‌ل) و النبي و الائمة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 181 *»

عليهم السلام قد افشوا السرّ في الادعية و الزيارات و هذا لا يقول (لا يتفوه خ‌ل) به مؤمن عاقل فاذا كان كل ما لا يفهمه العوام سرّ الله انسد (ينسد خ‌ل) باب العلم و باب التعلم و التعليم و استزادة العلم و المعرفة و بتصنيف الكتب و ذكر المسائل الغامضة و ذلك في البطلان بمكان.

فتبين لك ان هذا القول و امثاله ليس الّا التمويه و التلبيس و رفع الاختبار و خرج بذلك و كان من الاغيار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار.

قال سلمه الله تعالي: و التمس ايضاً من جنابكم ان تثبت ما انتم عليه و تنفي جميع ما عداه و ان يكون النفي و الاثبات بادلة عقلية يقبلها كل عاقل منصف و نقلية مأخوذة من الكتاب و السنة و لو سويته كتاباً  ليكون تذكرة لاولي الالباب مفيداً بجملة الاخوان في الايمان و الاصحاب جزاك الله كل (الف خ‌ل) خير  و ان تعذرت لعدم الفرصة لذلك فما لا يدرك كله لا يترك كله و لا يسقط الميسور بالمعسور،

فديتك عجل فالقلوب مريضة       ** * **      و ليس لها الّاك يا خير منيتي

و الحقير ان شاء الله تعالي من المؤمنين و لكني ذكرت هذا كما قال الله تعالي لابرهيم ا و لم تؤمن قال بلي و لكن ليطمئن قلبي قال فخذ الآية و عن موسي اذ قال رب ارني انظر  اليك قال لن تراني و لكن انظر الي الجبل الآية فجازِني كذلك و احسن كما احسن الله اليك الي آخر كلامه زيد في اعظامه و اكرامه.

اقول: اما الذي نحن عليه فهو  الذي عليه جميع الشيعة الموحدين من الاثني عشرية من المؤمنين الممتحنين.

اما في التوحيد فنقول ان الله سبحانه واحد في ذاته يعني ليس له شريك في القدم و لا في الوجوب و لا في الوجود و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 182 *»

توحيده الذاتي عين ذاته سبحانه و هو تعالي واحد في الصفات بمعني ان لا شريك له في صفة من صفاته في علمه و في قدرته و في حياته و في سمعه و في بصره و ساير صفاته الذاتية و صفاته تعالي عين ذاته بلا فرق بحال من الاحوال فعلمه ذاته و قدرته ذاته و سمعه و بصره ذاته و حياته ذاته بلا  فرق لا في المعني و لا في المفهوم و لا في المصداق و هو  احدي المعني (احدي الذات خ‌ل) لا كثرة في ذاته و لا في صفاته يعلم بما يسمع به و يسمع بما يبصر به و يبصر  بما يقدر عليه من غير اختلاف جهة و جهة و كيف و كيف و حيث و حيث و نعتقد ان الله سبحانه عالم بكل شي‌ء من الكليات و الجزئيات و الذاتيات و العرضيات و المجردات و الماديات و العلويات و السفليات و كل شي‌ء لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض و لا في السماء و علمه قبل الخلق و بعد الخلق و مع الخلق لا يتغير علمه و لا يتجدد و لا يتبدل و لا يختلف و العلم الحادث يراد به مخلوقاته مثل اللوح المحفوظ و القلم و الامام و القرآن فاذا قلت ان الامام عليه السلام عيبة علم الله فهل يراد به عيبة ذات الله و قد عنون في الكافي باباً في ان لله علمين علم علمه لاوليائه و رسله و علم استأثر به في علم الغيب عنده فهذا الذي علمه اولياءه من علمه فهل هو  ذاته او غيره فالاول محال بضرورة الاسلام فوجب ان يكون غيره و كلما هو غير الله فهو حادث مخلوق و هذا هو  العلم الحادث و ليس معناه انه لم يعلم ثم علم و لكنه تعالي سمي خلقاً من مخلوقاته علماً  له.

و نعتقد ان الصفة علي قسمين صفة ذاتية و صفة فعلية فالاولي هي ذاته و هي التي تثبت له سبحانه و لا يثبت له ضدها  كما تقول ان الله تعالي عالم و لا تقول انه جاهل و تقول انه بصير  و لا تقول انه اعمي و تقول انه سميع و لا يصح ان تقول انه اصم و تقول انه حي و لا تقول انه ميت و اما الصفة الفعلية فهي التي تثبت و تنفي و يوصف الله بها و بضدها كما تقول شاء (اراد خ‌ل) و كره احيي و امات اعطي و منع انجي و اهلك تفضل و انتقم خلق و لم‌يخلق و رزق و لم‌يرزق و امثالها من الصفات التي تثبت و تنفي فلو كانت هي الذاتية لزم التغيير  و الانعدام لان الصفة الذاتية عين

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 183 *»

ذاته تعالي فبثبوتها ثبوت الذات و بانتفائها انتفاؤها فلا يكون المثبت المنفي الموجود المعدوم واجباً  قديماً.

و نعتقد انه سبحانه واحد في افعاله بمعني انه لا شريك له فيها و لا يشاركه في فعله احد و لايوازره احد و لايعينه احد و لا يحتاج في احداث خلق من مخلوقاته و لا مدخلية لاحد في احداث مصنوعاته بل هو سبحانه المتفرد في الخلق و الرزق و الحيوة و الموت و المنع و العطاء و هو الفاعل وحده لا بمشاركة و لا بموازرة و لا التفويض الي خلق من مخلوقاته فالذي يعتقد ان محمداً و علياً و الائمة (ع‌) باجمعهم او كل واحد منهم عليهم السلام خالقون او  رازقون يحيون او يميتون بالاستقلال او بالشركة او بالتفويض كتفويض الموكل امره الي وكيله في اجراء ذلك الفعل او  كالمولي عبده في فعل من الافعال فان ذلك عندنا كافر  كفر الجاهلية الاولي و كذلك لو قال بمدخلية الملائكة او النجوم او الكواكب في احداث شي‌ء من الاشياء و موجود من الموجودات و لكن الله سبحانه جعل العالم عالم الاسباب و ابي ان يجري فعله الّا بالاسباب جعل الله سبحانه الاشياء بعضها سبباً  لبعض كما جعل المطر من اسباب الزرع و الطعام و الشراب من اسباب حفظ البدن و الرحم من اسباب تربية الجنين و الاب و الام من اسباب تخلق الولد و تكونه في هذه الدنيا و هكذا جميع الاشياء بروابطها و عللها و معلولاتها و قد جعل الله سبحانه محمداً و آله سلام الله عليهم اجمعين هو  السبب الاعظم في وجود هذا العالم كالملائكة المدبرات و المقسمات و الحافظات و المعقبات و غيرهم.

و نعتقد انه تعالي واحد في عبادته و انه المعبود وحده لا يجوز لاحد ان يقصد غيره تعالي في العبادة فمن فعله ان كان عن اعتقاد فذلك كفر كعبدة الاصنام الذين عبدوها لتقربها الي الله زلفي او عن غير  اعتقاد فان ذلك فسق مبطل للعمل كاهل الرياء الذين يوقعون العبادة لاجل ملاحظة الغير  و كذلك لو  توجه بالعبادة الي احد من الائمة عليهم السلام فلا تصح عبادته و لا تقبل بحال من الاحوال و طور من الاطوار و من اعتقد ان الضماير القرآنية الراجعة الي الله سبحانه ترجع الي امير المؤمنين

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 184 *»

عليه السلام او الي احد من الائمة عليهم السلام فذلك ضال مضل كافر مفترٍ فمن يزعم ان الضمير  في قوله تعالي اياك نعبد و اياك نستعين يراد به امير المؤمنين عليه السلام و هكذا غيره من ساير الخطابات الالهية التي في القرآن و في غيره لو  ارجعها الي احد من المخلوقين لا سيما امير المؤمنين عليه السلام كل ذلك زخرف من القول و زور و كذلك كل من يقول ان المراد من سورة التوحيد قل هو الله احد الخ هو امير المؤمنين عليه السلام فهو كافر بالله العظيم و  كذا من يقول ان امير المؤمنين هو الذي لم يلد و لم يولد و كذا ساير  ما كان من هذا القبيل فكل ذلك زور و افتراء و كذب و تلبيس.

و اما في النبوة فنعتقد ان الانبياء كلهم مبعوثون من قبل الله طيّبون طاهرون معصومون لا تصدر منهم الذنوب و لا تحصل منهم العيوب هم المعصومون الذين تولي عصمتهم و طهارتهم علّام الغيوب و ان الخمسة منهم اولوا العزم و هم نوح و ابرهيم و موسي و عيسي و محمد صلي الله عليه و آله ستة منهم اولوا الشرايع و هم هذه الخمسة باضافة آدم عليه السلام و ان الشرايع الخمس منسوخات ما سوي الشريعة السادسة و نعتقد ان الشريعة السادسة حاملها محمد (ص‌) و انها ناسخة لجميع الشرايع غير منسوخة ابداً و ان تلك الشرايع كلها مقدمات لظهور شريعته صلي الله عليه و آله كما ان المراتب الخمس التي هي النطفة و العلقة و المضغة و العظام و اكتساء اللحم مقدمات لظهور الجسم الاعتدالي الذي هو حامل للروح و انه (ص‌) سيد الاولين و سيد الآخرين و انه خير خلق الله اجمعين و انه صلي الله عليه و آله اول مخلوق خلقه الله تعالي و اول حادث صنعه الله و اول موجود اوجده الله لم يسبقه في الوجود سابق و لا يلحقه في الفضل لاحق لا يطمع في ادراك نوره طامع و انه صلي الله عليه و آله قد خلقه الله قبل الخلق و قبل الكون و المكان و قبل الزمان و قبل الابتداع و قبل الاختراع اقامه ظلّاً  و نوراً في حجاب القدرة ثم غمسه في الابحر الاثني عشر  و البثه في كل بحر مدة معينة ثم

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 185 *»

بعد تمام السباحة في الابحر الاثني عشر غمسه في عشرين بحراً و البثه في كل بحر ما شاء الله ثم بعد اتمامه السباحة في الابحر العشرين اقطر منه مأة الف و اربعة و عشرين الف قطرة فخلق من كل قطرة روح نبي من الانبياء فتنفست ارواح الانبياء فخلق من تنفسها ارواح الاوصياء و نعتقد انه صلي الله عليه و آله اتي بالمعجزات البينات و خوارق العادات ما تصدق به نبوته و تظهر به شريعته فمنها القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد و هو اكبر المعجزات و ابين الآيات و هي الباقية بعد محمد صلي الله عليه و آله ما دامت نبوته التي لا تنقطع ابداً و لا تبطل سرمداً منها شق القمر و منها قلب العصا ثعباناً و منها المعراج فقد عرج بجسمه الشريف بل ببشريته بل بكثافة بشريته و بثيابه و نعليه الي ان صعد الي السماوات و الكرسي و العرش و خرق الحجب و السرادقات فالذي يعتقد انه صلي الله عليه و آله عرج بروحه او بجسم مثالي او بجسم آخر غير الذي في الدنيا فقد كذب و افتري و ضل و غوي و كان من الاخسرين اعمالاً الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعاً.

و اما في الامامة فنعتقد ان كل نبي لما كملت ايامه و نفدت حيوته عين له وصياً قائماً مقامه من الله سبحانه و تعالي يقوم بامره في رعيته و يحكم بعدله في امته و نعتقد ان رسول الله صلي الله عليه و آله قد اوصي الي امير المؤمنين عليه السلام و نصبه خليفة لنفسه علي امته يوم غدير خم و امر الناس ان يسلموا عليه بامرة المؤمنين و نعتقد ان الله تعالي جعل الامامة كلمة باقية في عقب امير المؤمنين عليه السلام و لا تزال الدنيا الا و فيها امام في دولة محمد صلي الله عليه و آله من ذرية امير المؤمنين عليه السلام فتدوم الدنيا بدوامهم و تضمحل و تفسد اذا انتقلوا عنها فهي بهم باقية و عنهم مستمدة و هم حاملوا عطاء الله الذي قال تعالي كلّاً نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما  كان عطاء ربك محظوراً و نعتقد انهم و رسول الله صلي الله عليه و آله من نور واحد و طينة واحدة و رتبة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 186 *»

واحدة الّا ان لرسول الله صلي الله عليه و آله الفضل السابق كفضل القلب علي الاعضاء و الجوارح ثم في الفضل امير المؤمنين عليه السلام فضل الصدر علي باقي الجوارح ثم الحسن ثم الحسين عليهما السلام ثم القائم عليه السلام ثم الائمة الثمانية عليهم السلام ثم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام اما فضل رسول الله (ص‌) فذلك معلوم بالضرورة من الدين و اما فضل امير المؤمنين و الحسنين عليهم السلام لقول رسول الله صلي الله عليه و آله الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنة و ابوهما خير منهما و اما فضل القائم عجل الله فرجه من قول النبي صلي الله عليه و آله تاسعهم قائمهم افضلهم و اما فاطمة عليها السلام بعدهم بمقام الذكورة و الانوثة في كل رتبة بحسبها و فاطمة عليها السلام افضل من جميع الانبياء و الرسل و جميع الخلق سوي الائمة الاثني عشر (ع‌) و لكنها منهم كلا و القمر  و الليل اذا ادبر  و الصبح اذا اسفر  انها لاحدي الكبر نذيراً  للبشر و نعتقد ان الائمة عليهم السلام مبعوثون علي كل المكلفين ممن يصح ان يقع عليه التكليف كائناً ما كان و بالغاً ما بلغ و انهم حجج الله علي الخلق و ان الله تعالي لم يفوض اليهم امر خلقه بل هم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم و لا يشفعون الا لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين و كل من ادّعي فيهم غلو بمعني ان يدعي فيهم الاستقلال او الشركة مع الله او تفويض الامور اليهم باعتزال الله او يعتقد انهم افضل من رسول الله (ص‌) او يساوون في جميع المزايا و الاحوال فذلك هو  الغلو  و الارتفاع الذي معتقده كافر بالله و نعتقد ان من نزلهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها و انكر فضلهم و جعل احداً من المخلوقين اولي منهم من فضيلة و كرامة او ساوي غيرهم بهم فذلك ملعون منافق خارج عن مذهب الحق و ليس له طريق الي الصدق و نعتقد ان الحسين بن اميرالمؤمنين عليه السلام قد قتل مظلوماً سعيداً شهيداً  لحكم و مصالح و امور استحكمت قواعدها من عالم الذر الاول علي ما فصلت و شرحت

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 187 *»

في رسالتي اسرار الشهادة و من ادعي انه لم يقتل و لكن شبه للناس فذلك كافر ملعون رجس نجس لا يكلمه الله يوم القيمة و لا يزكيه و له عذاب عظيم لانه مكذب لله و لرسول الله صلي الله عليه و آله و لامير المؤمنين و لساير الائمة عليهم السلام.

و اما في المعاد فنعتقد ان الله سبحانه يحشر الاجساد و الارواح و يجعل الارواح في الاجساد الدنيوية الموجودة في الدنيا المرئية المحسوسة الملموسة فيبعثها في القيمة و يجري عليها الثواب و العقاب و من اعتقد ان هذا البدن الدنياوي الموجود في الدنيا لم يبعث يوم القيامة فذلك كافر ملعون مردود بل المحشور يوم القيامة فهو هذا البدن الدنياوي لكنه علي صور مختلفة من حسن و قبح و غير ذلك فيقفون في القيمة تحت منبر الوسيلة و علي الصراط و عند الميزان و ساير المواقف حتي يؤل امرهم اما الي النعيم او الي الجحيم نستجير بالله منها و من عذابها و نكالها.

و نعتقد في العلماء المجتهدين اصحابنا الماضين المرضيين من اهل الغيبة الصغري الي الغيبة الكبري من مبدئها الي منتهي زماننا هذا كالمفيد و علم الهدي و الشيخ الطوسي و ابن طاوس و المحقق و العلامة و ابن البراج و الشهيدين و ساير علمائنا الفقهاء هم اساطين الدين و الحكّام علي المؤمنين و ان طاعتهم واجبة علي مقلديهم و لا يعذرون بعدم التقليد و يجب علي الجاهل ان يسئل عن العالم و يأخذ دينه عنه و يعتمد في علمه عليه و الا كان عمله باطلاً و سعيه غير مشكور و ان علمنا في كيفية استنباط الاحكام الشرعية الفرعية عن ادلتها التفصيلية ما عليه اصحابنا المجتهدون علي النهج المقرر في الكتب الاصولية.

فهذا الذي ذكرنا لك هو الذي نحن عليه و هذه الطريقة كل من انكرها خارج عن الدين مكذب لما اتي به سيد المرسلين عليه و علي آله صلوات المصلين ابد الآبدين و دهر الداهرين.

و اما قولك ادام الله تسديدك ان تثبت ما انتم عليه و تنفي جميع ما عداه فجوابه ان الذي نحن عليه فهو الذي ذكرناه و اثباته معلوم بالضرورة من الدين و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 188 *»

انكار شي‌ء من هذه المذكورات اما انكار للضروري او للوازمه و اما نفي جميع ما عدا ما نحن عليه فاعلم ان ما عدا ما نحن عليه من الامور التي ذكرناها من العقايد لا شك انه كفر اذ ما بعد الحق الّا الضلال فان الذي يخالفنا فان كان يري بطلان ما ذكرناه من العقايد فلا ريب ان ذلك كافر بالله و مكذب بهذا الدين في اغلب الاحوال و ان كان مصدقاً بهذه العقايد فايّ مخالفة له معنا و ايّ نزاع بيننا فان كانوا يقولون انك كاذب في هذه الدعوي فقلبك يخالف لسانك نقول لهم هذا تكذيب لقول الله و لا تقولوا لمن القي اليكم السلام لست مؤمناً.

ثم ان هؤلاء يزعمون انهم رأوا منا و من شيخنا اعلي الله مقامه عبارات تنافي هذه العقايد المذكورة و قد ثبت عندهم بضرورة الاسلام ان العبارات اذا ما صدقها الناقل فظاهر مدلولها لا ينافي بل انما قصد منها معني حسبما يعرفه اهل الفن و العلم من المعاني الحقة يجب تصديقه و لا يجوز تكذيبه لان مراد المتكلم انما يعرف من بيانه و الكلام وسيلة لمن لا يحضر فاذا حضر  و بين المراد وجب تصديقه و لا يجوز تكذيبه و القول بان هذا ليس مرادك او اني اعلم بمرادك منك فمن اسخف الاقوال و اشنع الافعال بل خروج عن ضرورة الاسلام و تكذيب بما جاء به النبي (ع‌) و هؤلاء لا يخلو اما انهم ينكرون (منكرون خ‌ل) ان الظاهر لا يعارض النص و ان النص في كل كلام بيان المتكلم مراده و ان الكاتب اذا كتب ثم فسر  كيف ما يشاء مما يتناوله اللفظ و انكر ارادة ذلك المعني فانه يقبل منه او  انه لا يقال للمتكلم انا اعلم بمرادك منك لا سيما اذا كان الكلام جارياً علي اصطلاحات لا يعرف الناظر تلك الاصطلاحات و لا تلك الجهات فان كانوا ينكرون هذه الامور فعلي الاسلام السلام لا يخضر للاسلام عود و لا يقوم للايمان عمود و لا ريب ان انكار ضرورة الاسلام كفر  و لا ريب ان منكر  ما ذكرناه كفر  فان لم ينكروها لكنهم لم يجروها في امرنا فلا ريب ان ذلك فسق كالذي يري وجوب الصلوة ثم لا يصليها فيا لله من العجب من اناس دعتهم الشهوات النفسانية و المكائد الابليسية الي ان اوقع نفسه في احد

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 189 *»

المحظورين و لا ثالث في البين و شيع الفاحشة بتوهمها في الذين آمنوا و الله سبحانه يقول ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا و الآخرة و قد قال الله سبحانه الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا و الآخرة و لا ريب ان المؤمن اكرم علي الله من المؤمنة و الرمي بالكفر  و الغلو  و التصوف اعظم من الرمي بالزنا فانظر ماذا تري.

و قد شرحت هذه المسئلة و فصلتها و بينتها و اوضحت خافيها و اجبت عن جميع ما يمكنهم التشبث به باكمل تفصيل و اوضح بيان في رسالتنا المسماة بدليل المتحيرين في جواب المسئلة التي اتتنا من بندر ابي شهر فان فيها ما يشفي العليل و يروي الغليل فاطلبها و انظر اليها بعين الانصاف و تجنب عن عادة الجور و الاعتساف و تمسك بها و اعمل علي مدلولها فانها والله هو الحق الذي لا يشوبه شي‌ء من الباطل ان اردت الاصلاح ما استطعت و ما توفيقي الّا بالله عليه توكلت و اليه انيب ان افتريته فعلي اجرامي و انا بري‌ء مما تجرمون و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

قد فرغ من املائها منشيها في الخامس عشر من شهر ربيع الاول من السنة الثامنة و الخمسين بعد المأتين و الالف من الهجرة النبوية علي مهاجرها آلاف صلوة و سلام و تحية حامداً مصلياً مستغفراً شاكراً (قد فرغ من املائها منشیها فی الخامس عشر من شهر ربيع المولود سنة ثمانية و خمسين بعد المأتين و الالف في جزيرة من هور الهندية يسمي بالحصوة قريب مسجد الكوفة حامدا مصليا مسلما مستغفرا راجيا و الحمد لله رب العالمين خ‌ل).