07-05 جواهر الحکم المجلد السابع ـ الرسالة الحملية ـ مقابله

الرسالة الحملیة

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 195 *»

بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين

الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي خير خلقه و مظهر لطفه محمد و آله الطاهرين.

اما بعـد؛ فيقول العبد الفاني الجاني کاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان بعض السادة الاجلاء و الازکياء العلماء ايده الله بصنوف الآلاء و النعماء بمحمد و آله سادات الاولياء عليهم سلام الله ما دامت الارض و السماء قد التمس مني ان املي جواب مسألة عميقة غامضة تاهت عندها العقول و الافهام و انحسرت دونها المدارک و الاوهام و اجابة مسألته بل امتثال امره و ان کانت علي واجبة لازمة الّا ان هذه المسألة مما ابي الله الّا سترها و کتمانها و لم يأذن بکشفها و رفع الحجاب عن وجه حقيقتها لان من العلوم ما تحتمل (يحتمل خ‌ل) و منها ما لاتحتمل (لايحتمل خ‌ل) و من الناس من يحتمل و منهم من لا يحتمل و ما کل ما يعلم يقال و لا کل ما يقال حان وقته و لا کل ما حان وقته حضر اهله لان المطالب تتبع المدارک و المشاعر فکل مطلب من الانواع الاضافية له مشعر خاص لا يدرک الّا بذلک فمن طلبه من غيره لم يجده ابداً کما ان من طلب ادراک الالوان بغير  البصر  بل بالسمع و طلب ادراک الاصوات بالبصر  و غيرها و اختلاف المشاعر الظاهرية دليل علي اختلاف المشاعر  الباطنية لان الظاهر عنوان الباطن و قال مولانا الرضا عليه السلام قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالک لا يعلم الّا بما هیهنا و الناس لاجل المصالح الدقيقة و الحکم الخفية غابت عن اکثرهم اکثر  المشاعر التي بها تدرک الاسرار و تطلع علي نهايات الکنوز و الانوار فلا يمکنهم مع کونهم بتلک الحالة ادراکها و حل رموزها و استخراج کنوزها فيلتجئون الي الانکار الّا ان يتدارکهم الله برحمته و يمنّ عليهم بتلک المدارک و المشاعر  بسابق مشيته و نافذ حکمه و ارادته و هذه الغيبوبة ليست لامر جري اضطراري لا صنع للمکلف فيها و انما هو  امر  اختياري منشأها الاعمال المقتضية لها لامور قد استحکمت قواعدها و شيدت ارکانها في عالم الذر و ما بعده من

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 196 *»

العوالم الي ان انتهي الامر  الي هذه الدنيا يطول الکلام بذکر  اسبابها و عللها و مقتضياتها و موانعها و شرايطها و لوازمها و مکملاتها و متمماتها و ساير  احوالها فلاجل هذا و اشباهه صارت الناس في معرض الانکار اذا سمعوا ما لم تدرکه افهامهم و لم تعه (لم تسعه خ‌ل) قلوبهم و لم تفهمه احلامهم کما اخبر الله تعالي عنهم بقوله الحق و اذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افک قديم و قوله عز و جل بل کذبوا بما لم يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله هذا کلّه اذا سلمت القلوب عن الامراض الشيطانية و الغايات الابليسية التي فرعها الحسد و الظلم و الغشم و حبّ الرياسات و امثالها و اما عند سلامتها عن تلک الردية فالامر  اعظم و اعظم و اعظم فلذا تري ائمتنا سلام الله عليهم مع کمال الرأفة و الرحمة و العطف علي الرعية کتموا (کفوا خ‌ل) عنهم جلّ علومهم و زووا عنهم جميع اسرارهم و حقايق انوارهم و خبايا اخبارهم سلام الله عليهم و ليس ذلک بخلاً  منهم و ارادة سوء برعاياهم و اغنامهم حاشاهم عن ذلک ثم حاشاهم بل انما فعلوا ذلک لطفاً بهم و طمعاً  لترقيهم و لئلا ينکروا ليهلکوا حتي تطمئن نفوسهم و تتوسع صدورهم و تنضج طبايعهم و تتقوي غرايزهم فيفوزوا باعلي النصيب من المعلي و الرقيب و اما اذا اعطوهم قبل الاستيهال فهم الذين قد سعوا في هلاکهم و اضلالهم و افنائهم و لما علموا بعض المستأهلين بعض تلک الاسرار امروهم بالکفّ و الکتمان لئلا يستولي عليهم الشيطان و متابعوه من اهل الحرمان و الطغيان کما قال علي بن الحسين عليهما السلام لا تتکلم بما تسارع العقول الي انکاره و ان کان عندک اعتذاره و ليس کل‌ ما تسمعه نکراً  اوسعته عذراً  و في الکافي باسناده عن محمد بن عجلان قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول ان الله عز و جل عير  اقواماً بالاذاعة في قوله عز و جل فاذا جاءهم امر  من الامن او الخوف اذاعوا به فاياکم و الاذاعة و فيه ايضاً عن محمد الخزاز عن ابي عبد الله عليه السلام قال من اذاع علينا حديثنا فهو  بمنزلة من جحد حقنا و قال قال لمعلي بن خنيس المذيع لحديثنا کالجاحد له و فيه ايضاً عن ابي يعفور قال قال ابو عبد الله عليه السلام من اذاع حديثنا سلبه الله الايمان و فيه

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 197 *»

ايضاً عن يونس بن يعقوب عن بعض اصحابه عن ابي عبد الله عليه السلام قال ما قتلنا من اذاع حديثنا قتل خطاء و لکن قتلنا قتل عمد و فيه ايضاً عن ابي عبد الله عليه السلام من اذاع علينا شيئاً من امرنا فهو کمن قتلنا عمداً و لم يقتلنا خطاء و فيه ايضاً عن نضر  بن ساعد مولي ابي عبد الله عليه السلام عن ابيه قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول مذيع السرّ  شاک و قائله عند غير  اهله کافر  و من تمسک بالعروة الوثقي فهو ناج قلت و ما هو قال التسليم و فيه ايضاً عن ابي عبد الله عليه السلام الي ان قال عليه السلام و المذيع لما اراد الله ستره مارق عن الدين و فيه ايضاً عن عبد الرحمن بن حجّاج عن ابي عبد الله عليه السلام قال من استفتح نهاره باذاعة سرّنا سلط الله عليه حرّ الحديد و ضيق المجالس و امثال هذه من الروايات کثيرة.

فاذن کيف يجوز لمن انتحل محبتهم و عرف بعض اسرارهم برأفتهم و رحمتهم ان يدخل في عقوقهم باذاعة سرّهم و کشف سترهم لا يکون ذلک ابداً  للراسخ في محبتهم و المستغرق في مودتهم و قد قال الشاعر  و نعم ما قال:

و مستخبر عن سرّ  ليلي اجبته                        بعمياء من ليلي بلا تعيين

يقولون خبّرنا فانت امينها                  و ما انا ان خبّرتهم بامين

و کيف يجوز هتک سترهم و اذاعة سرّهم لا سيما في هذا الزمان و هذا الاوان الذي قد مدّ الجور باعه و اسفر  الظلم قناعه و دعا الغي اتباعه فلبّوه من کل جانب و مکان و لکن لما کان لکل سؤال جواب و لکل لسان خطاب و کان السائل اطال الله بقاءه و اجزل عليه نواله و عطاءه من اهل الاجابة و البيان فلا يسعني الّا الکلام فيه علي مقتضي المقام واضعاً  لکل شيء في موضعه لئلا  اکون ظالماً  للحکمة و مضيعاً  لها فنشير  بالتلويح في ضمن التصريح و اقتصر علي الاشارة في طي ظاهر  العبارة و اکتفي بمختصر  المقال في شرح تلک الاحوال لئلا يؤدي الي ذکر ما لا ينبغي ذکره في المقال و لما انا به من ضعف الحال و تبلبل البال و عروض الامراض المانعة من استقامة الحال و قد احببت ان تأتيني هذه المسألة في غير  هذه الحالة لاؤدي بعض حقّها من التحقيق و ارشد المتحير  الي سواء الطريق و لکن الميسور لا يسقط بالمعسور و الي الله ترجع الامور و جعلت

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 198 *»

کلامه سلّمه الله متناً و جوابي کالشرح له کما هو عادتي في اجوبة المسائل.

قال سلمه الله تعالي: سيدي و استادي و من عليه في العلوم اعتمادي و في کشف المعضلات استنادي ارجو  من طيب انفاسکم الهاشمية و اؤمل من هممکم العلية ان تتعطفوا علي عبيدکم و من کان منکم بکشف اسرار تختلج في الخاطر فلا اجد الي بثّها سبيلاً  الّا اليکم.

الي ان قال سلمه الله تعالي: فمنها انه ما يوجد في الاخبار و الزيارات و غيرها ما يشير  الي ان امير المؤمنين عليه السلام هو باطن الانبياء و انه ظهر  بتلک الصور لهم هو علي الحقيقة غير  انه يعتريه تغير  في الصورة لحکمة الهية قضت بذلک.

اقول: الظاهر ان مراده سلّمه الله تعالي من الاخبار ما رواه في البحار في بيان معرفته عليه السلام بالنورانية في حديث طويل الي ان قال امير المؤمنين عليه السلام يا سلمان و يا جندب قالا لبيک يا امير المؤمنين قال انا امير کل مؤمن و مؤمنة ممن مضي و ممن بقي و ايدت بروح العظمة و انا تکلمت علي لسان عيسي بن مريم عليه السلام في المهد و انا آدم و انا نوح و انا ابراهيم و انا موسي و انا عيسي و انا محمد صلي الله عليه و آله انتقل في الصور کيف اشاء من رآني فقد رآهم و من رآهم فقد رآني و لو ظهرت للناس في صورة واحدة لهلک فيّ الناس و قالوا هو لا يزول و لا یزال و لا يتغير  و انما انا عبد من عباد الله لا تسمونا ارباباً و قولوا في فضلنا ما شئتم فانکم لن تبلغوا کنه ما جعله الله لنا و لا معشار العشر لانا آيات الله و دلائله و حجج الله و خلفاؤه و امناء الله و ائمته و وجه الله و عين الله و لسان الله بنا يعذب الله عباده و بنا يثيب و من بين خلقه طهرنا و اختارنا و اصطفانا و لو قال شخص لم و کيف و فيم لکفر  و اشرک لانه لا يسأل عما يفعل و هم يسألون يا سلمان و يا جندب قالا لبيک يا امير المؤمنين قال عليه السلام من آمن بما قلت و صدق بما بينت و فسرت و شرحت و اوضحت و نورت و برهنت فهو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان و شرح صدره للاسلام و هو عارف مستبصر قد انتهي و بلغ و کلّ من شکّ و عند و جحد و وقف و تحير  و ارتاب فهو

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 199 *»

مقصر  و ناصب الحديث و ما في خطبة‌ البيان من قوله عليه السلام انا ذو القرنين المذکور في الصحف و انا الحجر الذي تفجر منه اثنتا عشرة عيناً من الحجر  و قوله عليه السلام انا آدم الاول و انا نوح الاول و انا ابراهيم الخليل حين القي في النار  انا موسي مونس المؤمنين انا فتاح الاسباب الخطبة و في حديث المفضل بن عمر  الجعفي الذي رواه المجلسي (ره) في اغلب کتبه و غيره من علمائنا رضوان الله عليهم في کتبهم في الغيبة و الرجعة و هذا الحديث تلقّاه بالقبول علماؤنا الفحول من اهل المعقول و المنقول ليس له رادّ الّا من انکر  الرجعة و هم شرذمة قليلة لا يعبؤ  بهم و بردّهم و فيه الي ان قال ابو عبد الله عليه السلام و سيدنا القائم عليه السلام مسنداً ظهره الي الکعبة و يقول يا معشر الخلايق الا و من اراد ان ينظر  الي آدم و شيث فها انا ذا آدم و شيث الا و من اراد ان ينظر الي نوح و  الي ولده سام فها انا ذا نوح و سام الا و من اراد ان ينظر  الي ابراهيم و اسماعيل فها انا ذا ابراهيم و اسماعيل الا و من اراد ان ينظر الي موسي و الي يوشع فها انا ذا موسي و يوشع الا و من اراد ان ينظر الي عيسي و شمعون فها انا ذا عيسي و شمعون الا و من اراد ان ينظر الي محمد صلي الله عليه و آله و الي امير المؤمنين عليه السلام فها  انا ذا محمد و امير المؤمنين الا و من اراد ان ينظر الي الحسن و الحسين عليهما السلام فها انا ذا  الحسن و الحسين (ع) الا و من اراد ان ينظر  الي الائمة من ولد الحسين فيعدّ واحداً بعد واحد الي الحسن عليه السلام فها انا ذا هم فلينظر  اليّ و اني انبئ بما نبؤوا به و اجيب الي مسألتي فاني انبئکم بما نبئتم به و بما لم‌تنبؤوا به الحديث.

و اما الزيارات المشار اليها فمنها ما في البحار  و ساير المزار في زيارة امير المؤمنين عليه السلام المروية عن ابي عبد الله عليه السلام و هي مشهورة معروفة صارت الآن من ضروريات مذهب الشيعة و فيها السلام علي اخي رسول الله و ابن عمه و زوج ابنته و المخلوق من طينته السلام علي الاصل القديم و الفرع الکريم السلام علي الثمر الجني السلام علي ابي الحسن علي السلام علي شجرة طوبي و سدرة المنتهي السلام علي آدم صفوة الله و نوح نبي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 200 *»

 الله و ابراهيم خليل الله و موسي کليم الله و عيسي روح الله و محمد صلي الله عليه و آله حبيب الله و من بينهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئک رفيقاً  السلام علي نور الانوار و سليل الاطهار و عناصر الاخيار السلام علي والد الائمة الابرار  و السلام علي حبل الله المتين و جنبه المکين و رحمة الله و برکاته الزيارة و هذا بعض ما وقفنا عليه من الاخبار و الزيارات مما يدل علي المراد.

قال سلمه الله تعالي: و مع قطع النظر عما يشير الي ذلک من الخصوصيات يدلّ عليه عموم قولهم عليهم السلام اجعلوا  لنا رباً  نؤوب اليه و قولوا فينا ما شئتم و يشير  الي ذلک ايضاً کل ما ورد عنهم عليهم السلام بان بعض الاسرار لو کشفت لکفّر  اکثر  الناس المبيح بها کما في الابيات المنسوبة الي علي بن الحسين عليهما السلام و غيرها و ربما کان هذا السرّ  ادني ما اراد من تلک الکلمات الواردة في هذا المضمون.

اقول: قوله «عموم قولهم عليهم السلام اجعلوا لنا رباً» ورد في عدة احاديث بعدة الفاظ منها ما ذکره ايده الله تعالي و منها ما ذکرنا في حديث معرفته بالنورانية في قوله عليه السلام لا تسمونا ارباباً و قولوا في فضائلنا ما شئتم فانکم لن تبلغوا کنه ما جعله الله لنا و لا معشار  العشر  منها و منها ما في قول الحجة عليه السلام نزلونا عن الربوبية و قولوا فينا ما شئتم و لن تبلغوا و کذا في غيرها من العبارات و وجه الاستدلال ان کلمة «ما» للعموم فيجوز ان تثبت لهم کل کمال ما عدا الربوبية فانها صفة لا ينالها احد ممن جري عليه قلم الامکان و سبح في لجة الکون و المکان و الدعوي المذکورة المقررة في احاديثهم المسطورة تدخل في ما نشاء و ليس فيه ادعاء للربوبية لهم عليهم السلام فيجب ان يکون تلک الدعوي ثابتة فيهم و هي ادني ما يختصون به من فضائلهم و القول بان الاجماع قائم علي عدم ما ذکرت ممنوع و دعوي الاجماع غير  مسموعة کما يأتي بيانه و يوضح برهانه ان شاء الله و کذلک يدلّ علي هذا عموم قوله عليه السلام کما

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 201 *»

في الزيارة الجامعة ان ذکر  الخير کنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و قوله عليه السلام فيها و الحق لکم و معکم و فيکم و منکم و اليکم و انتم اهله و معدنه و مأواه و منتهاه و ميراث النبوة عندکم و اياب الخلق اليکم و حسابهم عليکم و فصل الخطاب عندکم و آيات الله لديکم و عزائمه فيکم و نوره و برهانه عندکم و امره اليکم الزيارة.

و قوله سلمه الله تعالي «ما ورد عنهم عليهم السلام بان بعض الاسرار» الخ يريد به ما ورد في الکافي عن ابي عبد الله عليه السلام قال ذکرت التقية يوماً عند علي بن الحسين عليهما السلام فقال عليه السلام لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لقتله و في رواية لکفره ان علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله الّا ملک مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان و ما ورد عن امير المؤمنين عليه السلام بل اندمجت علي مکنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوي البعيدة و قوله عليه السلام ان هیهنا لعلماً جماً لو اصبت له حملة و اشار الي صدره الشريف و قال عليه السلام في الابيات المنسوبة اليه:

و في النفس لبانات                  اذا ضاق لها صدري

نکت الارض بالکف                  و ابديت لها سرّي

فمهما تنبت الارض                   فذاک النبت من بذري

و قوله عليه السلام في الخطبة الطتنجية الا فعوا و لا تضجوا و لا ترتجوا فلولا خوفي عليکم ان تقولوا جنّ او ارتد لاخبرتکم بما کان و ما انتم فيه و ما تلقونه الي يوم القيامة و قوله في الابيات المنسوبة الي علي بن الحسين عليهما السلام يريد به قوله عليه السلام:

اني لاکتم من علمي جواهره                  کيلا يري العلم ذو جهل فيفتتنا

و قد تقدّم في هذا ابو حسن                  الي الحسين و اوصي قبله الحسنا

و رب جوهر علم لو ابوح به        لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا

و لاستحل رجال مسلمون دمي                         يرون اقبح ما يأتونه حسنا

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 202 *»

و قوله ايده الله تعالي: «و ربما کان هذا السرّ  ادني ما  اراد به من تلک الکلمات الواردة عنهم في هذا المضمون» اعلم انا انما نعرف و يعرف کل من رتبته رتبة ‌الرعية باعلي ما عندهم من الادراک و مبلغ طاقتهم من العلوم لا يبلغ جزء‌اً من مائة الف الف جزء من رأس الشعير  مما ارادوا عليهم السلام من کلماتهم و احاديثهم و خطبهم و اشاراتهم و تلويحاتهم و تصريحاتهم لان المرء مخبوء تحت لسانه و الکلام علي قدر عقل المتکلم و عقلهم هو  العقل الکلي و العقل الاول الذي هو اول ما خلقه الله و اختاره و اصطفاه و الکاينات قد اوجدها سبحانه باقباله و ادباره و اذا لم يبق للقول محل و مما يؤمي الي ما ذکرناه ما رواه الکليني (ره) في الکافي ما معناه انه سئل ابو عبد الله عليه السلام عما ورد عن امير المؤمنين عليه السلام قال علمني رسول الله صلي الله عليه و آله الف باب ينفتح من کل باب الف باب قال عليه السلام و ينفتح من کل باب من الالف ايضاً الف باب قال و هل وصل الي شيعتکم من هذه الابواب شيء قال عليه السلام باب او بابان قال فما وصل من فضلکم الي شيعتکم الّا باب او بابان قال عليه السلام فما عسي ان يصل اليکم من فضلنا و الله ما وصل اليکم من فضلنا الّا  الف غير  معطوفة و لقد جمع کل ما اردنا ان نقول آية في کتاب الله و هي قوله تعالي و ان تعدّوا نعمة الله لا تحصوها و النعمة هي الامام عليه السلام و يزيدها توضيحاً  قوله تعالي و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر  يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت کلمات الله فعن الکاظم عليه السلام انه قال نحن الکلمات التي لا يستقصي فضلنا و لا يستحصي و هذا ظاهر معلوم ان شاء الله لا يحتاج الي البيان غني عن اقامه البيّنة و البرهان لمن آمن بهم و اعتقد امامتهم صلي الله عليهم هذا ما يتعلق بالسؤال و ظاهر کلماته و عباراته ايده الله بصنوف تأييداته.

و اما حقيقة البيان في الجواب علي ما يمکن بيانه و لا يعسر  برهانه فاعلم ان حديث آل محمد سلام الله عليهم صعب مستصعب خشن مخشوش ليس مشرعة لکل خائض و لا منهلاً  لکل وارد خصوصاً  امثال هذه المقامات اذ لا ينبغي للمؤمن الممتحن ان يقصر علي ظاهر

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 203 *»

العبارات و لا علي ما يستنبطه من المفهومات و المدلولات مما يعطيه النظر في ظاهر  اللغات فان هذا  المقام مقام دقيق بل هو  بحر عميق کم من سفينة غرقت فيه و کم من سابح هلک و لم يصل الي ساحله فقد روي الکليني (ره) باسناده عن عبد الله بن مسکان عن محمد بن عبد الخالق و ابي بصير  قالا قال ابو عبد الله عليه السلام يا ابا محمد ان عندنا و الله سرّاً من اسرار الله و علماً من علم الله لا يحتمله ملک مقرب و لا نبي مرسل و لا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان و الله ما کلّف الله به احداً  غيرنا و لا استعبد بذلک احداً  غيرنا و ان عندنا سراً من سرّ  الله و علماً من علم الله امرنا الله بتبليغه فبلغنا عن الله عز و جل ما امرنا بتبليغه فلم نجد له موضعاً و لا اهلاً  و لا حمالة يحتملونه حتي خلق الله لذلک اقواماً خلقوا من طينة خلق منها محمد صلي الله عليه و آله و ذريته عليهم السلام و من نور خلق الله منه محمداً صلي الله عليه و آله و ذريته (ع) و صنعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمداً صلي الله عليه و آله و ذريته (ع) فبلغنا عن الله ما امرنا بتبليغه فقبلوه و احتملوا ذلک فبلغهم ذلک عنّا فقبلوه و احتملوه و بلغهم ذکرنا فمالت قلوبهم الي معرفتنا و حديثنا فلولا انهم خلقوا من هذا لما کان کذلک لا و الله ما احتملوه ثم قال ان الله خلق اقواماً  لجهنم و النار فامرنا ان نبلغهم کما بلغناهم و اشمأزوا من ذلک و نفرت قلوبهم و ردّوه علينا و لم‌يحتملوه و کذبوا به و قالوا ساحر کذاب فطبع الله علي قلوبهم و انساهم ذلک ثم اطلق لسانهم ببعض الحق فهم ينطقون به و قلوبهم منکرة له ليکون ذلک دفعاً عن اوليائه و اهل طاعته و لولا ذلک ما عبد الله في ارضه فامرنا بالکف عنه و الستر  و  الکتمان فکفّوا عمن امر الله بالکف عنه و استروا عمن امر  الله بالستر و الکتمان عنه قال ثم رفع يده و بکي و قال اللّهم ان هذا لشرذمة قليلون فاجعل محيانا محياهم و مماتنا مماتهم و لا تسلط عليهم عدواً لک فتفجعنا بهم لم تعبد في ارضک و صلي الله علي محمد و اله الطاهرين و سلم تسليماً انتهي الحديث.

فجاء هذا الحديث بياناً  لمتشتتات الاخبار و جامعاً  لمتفرقات الآثار الواردة عن الائمة الاطهار عليهم سلام الله الملک الجبّار بشرط ان لا تقتصر علي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 204 *»

ظواهر  العبارات فتحجب عن ادراک المعاني و الاسرار بمغلظات الحجب و الاستار ان في ذلک لعبرة لاولي الابصار و هو  قول النبي المختار صلي الله عليه و آله رحم الله عبداً سمع مقالتي فوعاها و حفظها و بلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه الي من هو افقه منه الحديث.

فاذا فهمت ما ذکرنا فتوجه بفهمک و التفت بصافي سريرتک الي ما يتلي عليک من السر  الحق و الکبريت الاحمر لکنا قد اجرينا کلامنا علي ظاهر  العبارة بخفي الاشارة ليعلم کل اناس مشربهم و لينال کل احد مطلبهم فنقول اذا قيل فلان مثلاً کذا و کذا اي يؤتي بقضية حملية فلا ريب ان فيه تغايراً  و اتحاداً في جهة من الجهات الجامعة اما التغاير فلمکان الحمل المقتضي للنسبة المقتضية للمغايرة و لذا قالوا ان القضية لابد فيها من اربع تصورات تصور الموضوع و تصور المحمول و تصور النسبة الحکمية و تصور الحکم ثم الحکم و ان اختلفوا في ان هذه الاربعة اجزاء للقضية او شرايط لها فلو اتحدت امتنع التعدد و اما قولهم في حمل الشيء علي نفسه فلا بد فيه من المغايرة في المفهوم و لو بجهة من جهات الاعتبارات و الّا لما صح الحمل بالضرورة و هو معلوم واضح و اما الاتحاد فلمکان الصدق و الاجتماع فلان المختلفين من جهة الاختلاف متباينان و هما لا يجتمعان و لا يتصادقان من حيث هما کذلک ففرض الاجتماع مع فرض التباين و التضاد من جهة واحدة مصادمة للضرورة و مزاحمة للبديهة و الحمل بدون هاتين الجهتين المتضادتين اللتين هما جهة المغايرة و الاختلاف و جهة الوحدة و الايتلاف مما لا يمکن وقوعه و لا فرضه اما المغايرة فمعلومة و تعلم ايضاً بالمقابلة و اما الاتحاد فقد يکون جنسياً و قد يکون نوعياً و قد يکون صنفياً و قد يکون شخصياً و قد يکون صورياً و قد يکون اشراقياً و قد يکون فعلياً و قد يکون وصفياً و بکل جهة من هذه الجهات يصح الحمل مع المغايرة المقابلة و يصح المعني.

و اما الخمسة الاولي فعلي ضربين احدهما ملاحظة الافراد المتحصلة من الحدود المشخصة و حمل بعضها علي بعض (بعضها خ‌ل) لاجل الجهة الجامعة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 205 *»

التي هي تلک الخمسة و ثانيهما حملها علي الافراد باعتبار ظهورها فيها و تخصصها لديها الّا ان الحمل قد يقل و يکثر  باعتبار ظهور الجهة الجامعة و خفائها فيقل الحمل في القسم الاول منهما لعدم ظهور الاتحاد و الجهة الجامعة و يکثر  في القسم الثاني لظهورها الّا ان اهل الحقيقة و الاسرار ربما يجري کلامهم علي القسم الاول تنبيهاً  للمراد و من هذه الجهة ندر قولهم الانسان حجر مثلاً  للجهة الجامعة و هي الجسمية لاجل الاتحاد في الجنس البعيد و قولهم زيد عمرو للجهة الجامعة و هي الانسانية لاجل الاتحاد في النوع القريب و کل ما کان من هذا القسم يصح العکس فلک ان تقول عمرو زيد في الرتبة الانسانية التي هي احدي مراتبها و تقول زيد عمرو لاجل ذلک و تقول الانسان حجر في الجسمية و الحجر انسان فيها ايضاً و لا يختلف المعني ابداً و المراد من هذا الحمل اثبات اتحادهما و اجتماعهما و تصادقهما في مرتبة من مراتب وجود احدهما و لا يلزم من کل الجهات و لا جلّها و لا اغلبها اما الاولي فلرفع الاثنينية المستدعية لرفع النسبة المستدعي لبطلان الحمل کما ذکرنا و اما الثانية و الثالثة فلعدم اعتبارهما في مفهوم الحمل بحال من الاحوال و ذلک معلوم واضح ان شاء الله.

و اما القسم الثاني فکما تقول في الاول الانسان جسم و زيد حيوان فتغايرا بالبساطة و الترکيب و اتحدا في الجزء فان الانسان ليس بحيوان من حيث النطق و من حيث العلم و غيرها من الجهات الذاتية و العرضية و في الثاني الانسان حيوان او زيد انسان و في الثالث الانسان نور و الشيطان ظلمة و زيد حبشي و عمرو زنجي و في الرابع الجدار طين و السرير خشبة و الخاتم فضة و في اطلاق احد عليه شيء (شيئاً ظ) من مقصودنا و لک ان تعکس الامر في هذه المسألة فتجعل الموضوع محمولاً و المحمول موضوعاً بشرط ارادة الحصر  لتحقق شرايط الحمل من التغاير  و الاتحاد و ان ضعف اعتبار الاتحاد لاجل الاطراد و لذا صحّ للانسان ان يقول انا زيد و عمرو و بکر و خالد الخ و لزيد ان يقول انا انسان من غير  اعتبار الحدود الشخصية او يقول الخشبة انا سرير  و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 206 *»

صنم و باب و ضريح و عمود و صندوق و غيرها مما يتشعب منها من دون اعتبار تلک الخصوصيات اذ باعتبارها کذب الحمل لعدم الجهة الجامعة و الرتبة الواحدة و اما الاتحاد الشخصي فکما تقول الانسان حيوان ناطق و زيد انسان مع التشخص الخاص و امثالهما فاجتمع الموضوع و المحمول في الحقيقة الشخصية و اختلفا و تغايرا بالاجمال و التفصيل.

و اما الحمل الاشراقي فکما تقول زيد قائم و عمرو ضارب فان القيام اثر فعلي لزيد احدثه بفعله و قد دلت الادلة العقلية و النقلية علي ان الاثر لا يتحد مع المؤثر  في شيء من اطوار ذاته و حقيقته و الّا لزم تغير  الذات باثرها و انفعال العلة من معلولها و هو  في البطلان بمکان فلا يصح ان يکون القيام عين ذات زيد او  في مرتبة من مراتبها بوجه من الوجوه و قد ثبت عند کل عاقل ان القائم مشتق من القيام و المشتق فرع للمبدأ و وجوده متأخر عن وجود المبدأ و لذا قالوا کما صرح العلامة ره في تهذيب الاصول ان الاشتقاق اقتطاع فرع من اصل و قد اجمعوا ان اسم الفاعل مشتق اما من المصدر او من الفعل فيکون فرعاً  لهما في مقام الالفاظ و کل ما هو کذلک في مقام الالفاظ فرع في مقام المعاني لما ثبت عندنا بالدليل القطعي من العقلي و النقلي من ان بين الالفاظ و المعاني مناسبة ذاتية و صفات الالفاظ من الرفع و النصب و الجر  و الجزم و الاعراب و البناء و العاملية و المعمولية و الفرعية و الاصلية و الاشتقاق و الجمود و غيرها من ساير عوارضها و احوالها کلها حاکية عن صفات المعاني في اطوارها و احوالها و قد افردنا في ذلک رسالة علي حدة و من اراد التحقيق و کشف الواقع و الجواب عن جميع الشبهات الواردة فليراجع ثمة فاذن لايصح ان يکون القائم من الصفة الذاتية بان يکون اعتبار القيام او القائمية في الذات و من غير هذا الاعتبار لا يکون القائم قائماً و هذا الاعتبار انما يصير  في الذات منشأ انقلاب الذات اثراً و الاثر ذاتاً فهو اذن اشراق و تجلي عن زيد صفة استدلال عليه لا صفة تکشف له و لکن هذا  الاشراق مثال و حکاية من فعل زيد القاه في هوية القائم (القيام

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 207 *»

خ‌ل) ليعرف زيد به و ذلک المثال هو  الذات المعتبرة في المشتقات کلها و شرح هذا الکلام مما يطول به المقام و ان کانت ذلک من مزالّ الاقدام و لابد من الاعتناء بشرحه و تفصيله و لکنا قد شرحنا هذا المعني في کثير من مباحثاتنا و رسائلنا و اجوبتنا للمسائل حتي صار الامر  في ذلک من المعلومات لکل من حضر  عندنا و سمع منا.

و بالجملة نسبة ‌اتصاف زيد بالقائم نسبة اتصاف الصورة المرئية في المرآة فانها دليل زيد و صفته و يحمل عليه بالاشتقاق او بذو او بالتواطؤ علي ضرب من التقريب الّا ان الموضوع ليس هو حقيقة الذات و الجهة الجامعية و رتبة الاتحاد ليست في الذات و انما هي في مقام الظهور و الاثر  و الاشراق و الفعل الظاهر  بالمفعول و من هذا القبيل قولک الله خالق و رازق و محيي و مميت فان الامامية قد اجمعوا علي ان هذه الصفات صفات فعل و قد علم بالضرورة ان الفعل غير الذات و لا متحداً معها في رتبتها الّا علي مذهب الصوفية القائلين بوحدة الوجود و ان الفعل و المفعول و الذات عندهم واحدة في الحقيقة و متغايرة في الاعيان کما صرّحوا في کلماتهم و عباراتهم و حيث بطل هذا المذهب السخيف الباطل فلم يبق الّا القول بان الفعل غير حقيقة الذات و لا يجتمع معها ابداً و اسم الفاعل اسم ليس عين الذات و انما هو اشراق و صفة استدلال و آية و هي الذات الظاهرة فجهة الاتحاد في مقام التجلي و الاشراق و الظهور و الفعل لا مقام الذات البحت فالقائم اشراق زيد و تجليه و اسمه و رسمه و لکن الاشراق و التجلي لاضمحلالها في جنب الذات اذا ذکر  الاسم الفاعل يلتفت (تلتفت خ‌ل) الي الذات و الا فلا اتحاد و لا جهة جامعة فافهم و اتقن و اجر هذا الحکم في جميع الاسماء الفعلية مع اتصاف الذات بها فاذا قلت ان الخالق من اسماء الافعال فمعناه انه اسم و صفة للفعل فيکون المسمي و الموصوف هو  الفعل فيجب ان يقال ان الفعل هو الخالق و الرازق مع انه لا يقال و انما يقال الله هو  الخالق الرازق و السرّ فيه ما ذکرنا.

و اما الحمل الفعلي فهو ان تکون المغايرة في الذات و الاتحاد في الفعل

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 208 *»

بمعني ان فعل المحمول و الموضوع واحد کما تقول ان الوزير مثلاً هو  السلطان و هذا الحمل ليس في الذات و انما هو في مقام الفعل اي فعل الوزير فعل السلطان و حکمه حکمه و امره امره و نهيه نهيه و طاعته طاعته و معصيته معصيته و هو قول مولانا الصادق ع لنا مع الله حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو الّا انه هو هو و نحن نحن فاذا قال ع نحن هو لا يريد نحن ذات الله تعالي و انما يريد ان فعله فعلنا و حکمه حکمنا و امره امرنا فالاتحاد في الفعل دون الذات فانه في الامکان محال و هذا الحمل شايع کثير  في احاديثهم و کلماتهم صلي الله عليهم و قد شرح هذا المعني مولانا الصادق و ابوه عليهما السلام بما لا مزيد عليه في حديثين رواهما ثقة الاسلام في الکافي.

احدهما عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عن عمّه عن ابي عبد الله ع في قول الله عز و جل فلما آسفونا انتقمنا منهم فقال ان الله جل و عز لا يأسف کأسفنا و لکنه خلق لنفسه اولياء يأسفون و يرضون و هم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه و سخطهم سخط نفسه لانه جعلهم الدعاة اليه و الادلاء عليه فلذلک صاروا کذلک و ليس ذلک يصل الي الله تعالي کما يصل الي خلقه و لکن هذا معني ما قال من ذلک و قد قال من اهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة و دعاني اليها و قال من يطع الرسول فقد اطاع الله و قال ان الذين يبايعونک انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم فکل هذا و شبهه علي ما ذکرت لک و هکذا الرضا و الغضب و غيرهما من الاشياء مما يشاکل ذلک و لو کان يصل الي الله الاسف و الضجر  و هو  الذي خلقهما و اشباههما لجاز  لقائل هذا ان يقول ان الخالق يبيد يوماً لانه اذا دخله الغضب و الضجر  دخله التغير  و  اذا دخله التغير  لم‌يؤمن عليه الابادة ثم لم يعرف المکون من المکون و لا القادر من المقدور عليه و لا الخالق من المخلوق تعالي الله عن هذا القول علواً کبيراً  بل هو  الخالق للاشياء لا لحاجة فاذا کان لا لحاجة استحال الحد و الکيف فيه فافهم ان شاء الله تعالي.

و ثانيهما ما رواه عن زرارة عن ابي جعفر ع قال سألته عن قول الله عز و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 209 *»

جل و ما ظلمونا و لکن کانوا  انفسهم يظلمون قال ان الله تعالي اعظم و اجلّ و امنع من ان يظلم و لکنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه و ولايتنا ولايته حيث يقول انما وليکم الله و رسوله و الذين آمنوا يعني الائمة منا ثم قال في موضع آخر  و ما ظلمونا و لکن کانوا انفسهم يظلمون ثم ذکر مثله انتهي.

و بما ذکرنا و ما تضمن هذان الحديثان الشريفان سهل لک معرفة کثير من الروايات و الادعية و الزيارات مثل قول الحجة ع في کل يوم من شهر  رجب لا فرق بينک و بينها الّا انهم عبادک و خلقک فجهة عدم الفرق الذي هو جهة الاتحاد هي في مقام الفعل لا الذات فالمغايرة في الذات والاتحاد في الفعل و هو قوله تعالي و ما رميت اذ رميت و لکن الله رمي و قوله تعالي فلم تقتلوهم و لکن الله قتلهم و قوله تعالي قاتلوهم يعذبهم الله بايديکم و امثالها من الايات و مثل قوله ع في زيارة امير المؤمنين عليه السلام علي ما رواه المجلسي ره في البحار و تحفة الزائر  و غيره في غيرهما السلام علي نفس الله القائمة فيه بالسنن فاذا قلت علي نفس الله فالحمل هنا فعلي اذ الاتحاد في الفعل و المغايرة في الذات فان علياً ع اثر من آثار الله و خلق من مخلوقاته و الله سبحانه و تعالي منزه عنه و عن احواله و صفاته اذ لا يوصف تعالي بصفات المخلوقين و لا يشبه بصفات المربوبين و لکنه ع حيث امات نفسه في طاعته و افني ذاته في عبادته و اعدم ارادته في ارادته فشرفه الله سبحانه و تعالي و کرّمه و قرنه بنفسه و ان کان سبحانه منزهاً عن الاقتران في ذاته فجعل قوله قوله و فعله فعله و امره امره و نهيه نهيه و طاعته طاعته و معصيته معصيته و اوجب طاعته کما اوجب طاعته و هذا (هو خ‌ل) مقام الاتحاد المعتبر في الحمل و هو  اتحاد فعلي لا حقيقي ذاتي لقد کررت العبارات و رددتها لاجل التفهيم لصعوبة مسلک هذه المسألة و دقة مأخذها فافهم راشداً و اشرب صافياً فانه باب من العلم ينفتح منه الف باب و من کل باب الف باب و الي الله المرجع و المآب.

و اما الحمل الوصفي فهو ان يکون مناط الحمل المغايرة في الذات و

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 210 *»

الاتحاد في الصفة کما اذا کان اثنان متغايرين في الذات متحدين في صفة من الصفات او جهة من الجهات فحينئذ يصح اسناد احدهما الي الاخر  بحمله عليه کما اذا کان عالم و انت تعتقده کمال الاعتقاد و جاء عالم آخر مثله و اراد ان ينبهک علي ان کل ما عند فلان هو عندي علي حد الکمال يقول لک انا فلان يعني في هذه الصفة اي صفة العلم مثلاً و متحد معه لا فرق بيني و بينه فيها و هذا الحمل کثير الدوران و واسع الجريان خصوصاً في مقام القاء الحجة و ايضاح المحجة ليکون ابلغ في الاعذار و الانذار.

فاذا عرفت هذه المقدمة النافعة الشريفة الجامعة لاطوار الحمل و مقاماته في جميع القضايا الحملية فاعلم انه لا شک و لا ريب ان علياً  امير المؤمنين عليه السلام و اولاده الطيبين الطاهرين عليهم السلام لا يساويهم عين الانبياء و لا مادتهم حتي يظهروا بتلک الصور و لا ان لهم ظهور کلي في العالم الجسمي حتي يظهروا بکل صورة و بکل طور فلا يتعينون سلام الله عليهم في حد خاص بل يظهرون مرة بصورة موسي فيسمون موسي و مرة بصورة عيسي فيسمون عيسي و هکذا بصور ساير الانبياء عليهم السلام حتي يکون اسمه تارة علياً و تارة موسي و تارة عيسي و تارة ابراهيم و هکذا ساير  الانبياء ليکون هذه الاسامي لشخص واحد متصور  بصور متکثرة في اطوار متعددة و المادة في الجميع واحدة لا تختلف و تکون نسبته عليه السلام الي الانبياء عليهم السلام کالماء و الثلج و کالثوب الواحد الذي يتلون بالوان مختلفة کالاحمرار و الاصفرار کما قال شاعرهم:

انا کالثوب ان تلونت يوماً             باحمرار و تارة باصفرار

و هذا قول باطل و خيال فاسد و مذهب کاسد لا يجوز اعتقاده و لا يصح التعويل عليه اذ قد ثبت بالادلة القطعية من العقلية و النقلية ان الله سبحانه و تعالي خلق محمداً و آله صلي الله عليه و آله من طينة مکنونة مخزونة عنده و لم يجعل في مثل الذي خلقوا منه نصيباً  لاحد کما في الکافي عن محمد بن مروان عن ابي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول ان الله خلقنا من نور عظمته ثم صور خلقنا من

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 211 *»

 طينة مخزونة مکنونة من تحت العرش فاسکن ذلک النور فيه و کنّا نحن خلقاً و بشراً نورانيين لم يجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيباً و خلق ارواح شيعتنا من طينتنا و ابدانهم من طينة مخزونة مکنونة اسفل من تلک الطينة و لم يجعل لاحد في مثل الذي خلقهم منه نصيباً الا للانبياء صلوات الله عليهم و لذلک صرنا نحن و هم الناس و صار ساير  الناس همجاً  للنار و الي النار انتهي و فيه تصريح علي ان طينة الانبياء مخلوقة من طينة هي اسفل من طينتهم و کذلک الروايات الواردة في خلق انوارهم عليهم السلام و ان الانبياء عليهم السلام انما خلقوا من قطرات قطرت من نور محمد صلي الله عليه و آله او من عرقه و مدخول من في مقام الصنع و الايجاد هو المادة لا غير فاذن مادة الانبياء اي مادة طينتهم اسفل من طينة الائمة عليهم السلام و هي تلک القطرات المقطرة من ذلک النور الاعظم و العرق الحاصل منه و الشعاع اللامع عنه و بين المادتين بون بعيد و قد دلّت الروايات الصحيحة و العقول السليمة المستنيرة بنور الشريعة علي ان الانبياء هم من شيعة علي ع و امة محمد صلي الله عليه و آله کما ورد في تفسير قوله تعالي و ان من شيعته لابرٰهيم فکيف يعقل ان يکون الرعية عين الراعي و الامة عين النبي فيکون هو امام في صورة و رعية في صورة اخري و هذا لايجوز في الحکمة و هي مقالة القائلين بوحدة الوجود الا انهم اثبتوا في الله و هولاء اثبتوا في الائمة ع مع رعاياهم و لو اردنا ان نبسط القول في هذا المقام و نبين الحکمة في عدم جواز اتحاد الانبياء معهم في الذات و الحقيقة لطال بنا الکلام و ليس لي الان اقبال ذلک مع ما في ذکره من استلزام کشف ما يأبي الله الا ستره و قد قال مولانا الهادي ع في الزيارة الجامعة المشهورة فبلغ الله بکم اشرف محل المکرمين و اعلي منازل المقربين و ارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق و لا يسبقه سابق و لا يفوقه فائق و لا يطمع في ادراکه طامع الزيارة انظر في هذا الکلام بعد ملاحظة قول امير المؤمنين عليه السلام انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فتفوز بالنصيب الاعلي من الرقيب و المعلي اذ لو کانوا من حقيقة واحدة لما امتنع عليهم طمع ادراکهم فافهم و مع هذا کله

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 212 *»

قد قام الاجماع من المسلمين کافة علي اثبات تعددهم و انهم ليسوا شخصاً واحداً قد ظهر بصور متعددة في الذات و الحقيقة و لا معدل عن قبول هذا الاجماع لان الباطن اذا وافق الظاهر  فهو حق و الا فباطل و قال النبي صلي الله عليه و آله لا تزال طائفة من امتي علي الحق حتي تقوم الساعة فتأمل جداً.

و بالجملة فان محمداً و آله صلي الله عليهم ظهروا في هذه الدنيا بصور و هيئات و هياکل تخصّهم و تختص بهم و هم متفردون بها علي طبق ما في العالم الاعلي لا يشابههم شبيه و لا يدانيهم نظير  و لا تصل اليهم حقيقة اشارة المشير و هم البئر المعطلة و القصر المشيد و لذا کانت حقايق اخبارهم و دقايق آثارهم لا يعرفها علي الحقيقة سواهم لا ملک مقرب و لا نبي مرسل و لا صديق و لا شهيد و لا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان و لا عبد صالح شرح صدره للاسلام فهو علي نور من ربه و انما هي لهم خاصة ليس لاحد فيها نصيب کما قالوا عليهم السلام ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله ملک مقرب و لا نبي مرسل و لا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال ع نحن و اما قوله ع من شئنا او مدينة حصينة فهو اشارة الي مراتب اخر غير ما عندهم من سرّ الحقيقة و کمال اللطيفة فافهم.

فاذا کان الامر کما ذکرنا فلايصح لک ان تحمل قول مولانا امير المؤمنين انا آدم انا نوح انا موسي انا عيسي علي ما هو المعروف المتبادر من الحمل من الاقسام الستة الاول التي ذکرناها لاشتراط اتحاد المادة و الحقيقة في الجهة الجامعة المشترکة لما ذکرنا من استحالة ذلک في حقهم عليهم السلام فاقرب الوجوه الي الافهام و مدارک العقول و الاحلام هو الحمل بالمعني الاخير اي الحمل الوصفي اي انا جامع لما جمع في الانبياء من الکمال و العلم و النور و العصمة و التسديد و العمود من النور و رعاية الخلق و وجوب طاعتهم و امثالها فکل کمال عندهم عندي فانا هم في هذه الکمالات و الاحوال و کذلک ما ظهرت انا به من العلم و العصمة فهو في الانبياء عليهم السلام فهم انا في هذه الصفات الظاهرة لا مطلقاً و يؤيد هذا الحمل ما ورد عن النبي صلي الله عليه و آله

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 213 *»

علي ما رواه الفريقان ما معناه من اراد ان ينظر  الي آدم في علمه و الي نوح في حلمه و الي ابراهيم في خلّته و الي ايوب في صبره و هکذا يعد الانبياء عليهم السلام بالصفة الخاصة بهم ثم قال صلي الله عليه و آله فلينظر الي علي بن ابي طالب ع فاذن صح له ع ان يقول انا آدم انا نوح اي انا آدم في علمه حيث ان الله سبحانه علّمه الاسماء کلها فما عنده عندي و هکذا غيره فالاتحاد في جهة الحمل انما هو في الصفة لا في الحقيقة و هذا المعني هو الظاهر من قول الحجة ع و عجل الله فرجه الا من اراد ان ينظر الي آدم فها انا ذا آدم و من اراد ان ينظر الي نوح فها انا ذا نوح الحديث يعني من اراد ان ينظر الي هؤلاء في علومهم و کمالاتهم و خفايا اسرارهم و خبايا اطوارهم فها انا ذا هم في تلک الصفات فلينظر اليّ و لذا قال ع في آخره فاني انبئ بما نبؤوا و اخبرکم بما خبروا و هو ظاهر ان شاء الله تعالي.

و يبقي الخفاء في الجملة في ظهور هذا المعني من قول اميرالمؤمنين ع علي ما نقلنا عنه في حديث معرفته ع بالنورانية من قوله ع انا آدم و انا نوح و انا ابراهيم و انا موسي و انا عيسي و انا محمد صلي الله عليه و آله انتقل في الصور کيف اشاء من رآني فقد رآهم و لو ظهرت للناس في صورة واحدة لهلک فيّ الناس و قالوا هو لا يزول و لا يتغير الحديث واما قوله ع انا ادم الي قوله و انا محمد صلي الله عليه و آله فظاهر علي ما قلنا من الاتحاد في الصفة و اما قوله ع انتقل في الصور کيف اشاء فمعناه ان الله سبحانه و تعالي خلقه قبل الخلق و قبل العرش و الکرسي و الملائکة و الجن و الانس و کل شيء حادث کما دلت عليه الروايات المتکثرة المستفيضة بل المتواترة فکان يظهر ع في کل وقت اراد لمصلحة من المصالح حسب ما اراد الله بصورة من الصور کما ظهر ع لموسي و هرون و فرعون لما اراد ان يقتلهما فرعون ظهر عليه السلام بصورة فارس عليه لباس الذهب و سرج فرسه من ذهب و بيده رمح من ذهب و اشار ع الي فرعون ان هممت بقتلهما لاقتلنک قبل ان تأمر بهما و ظهر وقت نوح عليه السلام و منع ذلک الجني ان يغرق سفينة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 214 *»

نوح ع و ظهر لجبرئيل ع و علمه ربه و اسمه و اسم خالقه و ظهر لسلمان الفارسي في صباه و خلصه من السبع و هکذا في اطوار ظهوراته ع کما هو المعلوم المذکور في الاخبار و ذکرها علماؤنا الاخيار.

و يدل علي ما ذکرناه ما ذکره المجلسي ره في کتاب الغيبة و الرجعة من کتبه الفارسية و العربية عنه ع انا مع الانبياء سراً و مع محمد صلي الله عليه و اله جهراً و قوله ع نصرت جميع الانبياء و لم ينصرني احد منهم فلابد ان يظهروا في الرجعة و ينصروني و کان نصرته ع للانبياء بظهوره لهم في صورة من الصور و لم يکن يظهر بصورة واحدة تعرفه الناس في کل عصر حتي لا يهلک فيه الناس و لا يقولوا انه لم يزل و لا يزال و ليس في العبارة تصريح علي انه ع ينتقل في صور الانبياء حتي يکون هم و الا لما صح قوله ع کنت مع جميع الانبياء سراً و مع محمد صلي الله عليه و آله جهراً و قوله ع نصرت جميع الانبياء و لابد ان ينصروني و هل يعقل ان الشيء ينصر نفسه او يستنصر من نفسه و هو  واضح معلوم و قد روي الفريقان و ممن روي من العامه محمد بن جرير الطبري قال قال رسول الله صلي الله عليه و آله لما اسري بي الي السماء وصلت الي المسجد الاقصي و صليت بالانبياء فاتاني جبرئيل و قال يا محمد صلي الله عليه و آله اسألهم بماذا بعثوا فسألهم فقالوا بعثنا بشهادة ان لا اله الا الله و ان محمداً رسول الله ص و ان علياً اميرالمؤمنين ولي الله ذکره في تفسير  قوله تعالي و اسئل من ارسلنا من قبلک من رسلنا فاذا کان کذلک فکيف يعقل ان يکون المطاع هو المطيع و الاصل هو الفرع الا علي مذهب الصوفية القائلين بان الآمر  و المأمور واحد و هذا کفر بالله العلي العظيم لا يجوز الاصغاء اليه و الاعتناء به کما لا يخفي علي من له ادني فطنة.

و علي ما ذکرنا اتجه معني کلام امير المؤمنين عليه السلام انا المتکلم علي لسان عيسي بن مريم في المهد لان هذا ايضاً من نصرته لعيسي علي نبينا و آله و عليه السلام حيث تکلم علي لسانه و هو في المهد صبياً و قال عنه اني عبد الله آتاني الکتاب و جعلني نبياً و جعلني مبارکاً الاية کما يتکلم عن المؤمن في

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 215 *»

القبر في جواب الملکين و کما نتکلم نحن عن لسان الله تعالي اذا قرأنا القرآن و قلنا انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني و اقم الصلوة لذکري ان الساعة آتية اکاد اخفيها لتجزي کل نفس بما تسعي و ليس في هذه المذکورات اشکال ابداً  لا من جهة العقل و لا من جهة الشرع و لا من جهة الاجماع لکافة المسلمين و لا الفرقة المحقة و لا غير ذلک و کيف يمکن انکار کونهم قبل الخلق و قد تواتر الخبر عن النبي صلي الله عليه و آله کنت نبياً و آدم بين الماء و الطين و عن امير المؤمنين عليه السلام کنت ولياً و آدم بين الماء و الطين فاذا کان ولياً فلا ضير ان يقدره الله تعالي علي اظهار هذه الامور فان قدرة الله سبحانه لا تتناهي و رحمته و لطفه و کرمه بالنسبة‌ الي اوليائه عظيمة و لذا قال ع فمن انکر فضلنا فقد انکر قدرة الله في اوليائه فافهم راشداً موفقاً.

و من ثبت عنده الروايات المتواترة الدالة علي ان الخلق کلهم خصوصاً  الانبياء من شعاع انوارهم و اشعة اشراقات ذواتهم و اسرارهم کما نظم بعض العلماء في کتابه انوار الحکمة:

ستعرف ان العقل و النقل واحد     و ذلک معلوم بحکم الضرورة

ببرهان ان العقل نور نبينا     و ذلک کلي باصل الحقيقة

و ان عقول الانبياء و حزبهم         و اشياعهم من شمسه کالاشعة

فمن ثبت عنده هذا الحکم و يقول بمدلول هذه الروايات فيجعل هذه الحمليات کلها من الحمل الاشراقي و الحمل الفعلي علي ما فصلنا و بيّنا الا ان الکلام في الاثبات فافهم و تيقن و استبصر فان الکلام لا يحسن بغير ما ذکرنا فان الشاعر يقول:

اخاف عليک من غيري و مني                        و منک و من مکانک و الزمان

فلو اني جعلتک في عيوني                               الي يوم القيامة ما کفاني

و علي هذا فکلامکم اطال الله بقاکم من انه يظهر من الاخبار ان امير المؤمنين عليه السلام هو باطن الانبياء و انهم هو علي الحقيقة فيه اضطراب و اغتشاش

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 216 *»

فانه بظاهره يدل علي ان ظهوره ع بصورة الانبياء ظهور المادة الواحدة في الصور الکثيرة و الشخص الواحد بالهيئات المختلفة و ليس کذلک علي ما حققناه و انما هو اتحاد في الصفة او في الاشراق و التجلي و الفعل ان صحت تلک الاخبار و دل علي مضمونها صحيح الاعتبار فصح حينئذ الباطن لا علي ما هو المعروف عند اهل الظاهر فلنقبض العنان فللحيطان آذان و تعيها اذن واعية و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و اله الطاهرين.

قال سلمه الله تعالي: و علي تقديره فهل النبي صلي الله عليه و آله و الائمة عليهم السلام لا تعدد فيهم علي الحقيقة و انما هم امر واحد کما يشير  اليه بعض الدلائل فيکون الکلام الذي قررناه في جميعهم واحداً  لا يختلف او انه مقصور علي احدهم.

اقول: الدلائل کلّها منطبقة و متفقة علي ان النبي و الائمة سلام الله عليهم من طينة واحدة و حقيقة مؤتلفة غير مختلفة و قد روي الفريقان في ذلک احاديث متکثرة و قد قال امير المؤمنين عليه السلام کلنا محمد اولنا محمد و آخرنا محمد و اوسطنا محمد و في حديث معرفته بالنورانية انا محمد و محمد انا و الحديث المشهور المعروف حسين مني و انا من حسين عليهم السلام و ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله بالطرق المتکثرة انه قال صلي الله عليه و آله کنت انا و علي نوراً واحداً ننتقل من الاصلاب الي الارحام حتي انتقلنا الي صلب عبد المطلب فقيل لنصف کن محمداً و للنصف الاخر کن علياً و قوله تعالي و انفسنا و انفسکم اقوي دليل و اوضح شاهد علي ما ذکرناه و ليس المراد انهم واحد من جميع الوجوه بل المراد اتحادهم و اجتماعهم في حقيقة نور العظمة التي (الذي ظ) خلقوا منه و تشعبوا عنه و ان اختلف کل منهم بالحدود و المشخصات کاختلاف زيد و عمرو مثلاً  في الحدود الشخصية و اجتماعهما في الحقيقة النوعية فهم حقيقة واحدة ليس بينهم اختلاف و لا علية و معلولية و لا

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 217 *»

اثرية و مؤثرية و انما اختلافهم في الامور العرضية و الحدود الخارجة عن تلک الحقيقة و ان کانت ذاتية لکل منهم الّا ان الفرق ان حقيقة الانسان مثلاً  شعبها و افرادها لا نهاية لها بخلاف تلک الحقيقة المقدسة فانها لا تظهر  و لا تتشعب الّا باربع عشرة شعبة لا يزيد عليها و لا ينقص عنها علي ما بينا في رسالة النبوة الخاصة و غيرها من ساير الرسايل فعلي هذا يکون الجميع من حقيقة واحدة بل حقيقة واحدة فحينئذ قول النبي صلي الله عليه و اله حسين مني و انا من حسين و قول امير المؤمنين عليه السلام انا محمد و محمد انا و قول الحجة المنتظر عجل الله فرجه في الحديث المتقدم الا من اراد ان ينظر الي محمد صلي الله عليه و آله فها انا ذا محمد ص و من اراد ان ينظر الي علي عليه السلام فها انا ذا علي ع و هکذا يعد الائمة ع واحداً بعد واحد من باب الحمل النوعي اي الاتحاد في الحقيقة الجامعة الذاتية و الاختلاف بالحدود و المشخصات فيکون من القسم الثاني من هذا الحمل اي حمل بعض الافراد علي الاخر بالجهة الجامعة النوعية اي في المادة الثانية بالنوع و هذا الحمل يصح طرداً و عکساً و ليس من باب حمل النوع علي الفرد کما قدمنا فاذا کان کذلک فيکون الکلام الذي قررنا في جميعهم واحداً  لايختلف و لذا قال الحجة المنتظر عجل الله فرجه ما قاله امير المؤمنين عليه السلام في مادة الانبياء حرفاً بحرف فاتصل الاخر  بالاول و الاول بالاخر لبيان حکم الاتحاد و حصول المراد و الله سبحانه هو الموفق للسداد.

قال سلمه الله تعالي: ثم انه علي تقديره ايضاً ما وجه استحباب الصلوة علي الانبياء عليهم السلام مع ان الصلوة علي محمد و آله صلوة عليهم فلا يحتاج الحاق ذلک بالصلوة علي غيرهم من الانبياء عليهم السلام کما يوجد ذلک في ادعيتهم عليهم السلام.

اقول: جوابه قد ظهر مما بيّنا و فصلنا من ان حقيقة الانبياء ليست متحدة بحقيقتهم ع و انما هي اشراق من اشراقات انوارهم و تجلي من تجليات

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 218 *»

عکوس اسرارهم عليهم السلام فلا يکفي الصلوة علي احدهم عن الصلوة علي الاخر  لما بينهم من المباينة الحقيقية و المغايرة التامة في المادة و الصورة فلابد من الصلوة عليهم بعد الصلوة علي محمد و آله جرياً علي مقتضي حکم التبعية کما هو الحکم في الکينونة الاولية و کذلک الصلوة علي احد الائمة عليهم السلام لا يکفي عن الصلوة علي الاخر  ع لما بينهم من المغايرة في الحدود المشخصة و ان کانت جهة المغايرة فيهم ضعيفة و لذا ما کفت الصلوة علي محمد صلي الله عليه و اله عن الصلوة علي آله و ان کانوا من حقيقة واحدة لما بينا سابقاً من ان الاربعة عشر  المعصومين عليهم السلام من حقيقة واحدة لا تمايز  بينهم الّا في الحدود الشخصية فافهم.

قال سلمه الله تعالي: ثم انه يلزم علي ذلک ان يکونوا عليهم السلام منذ خلقوا بهذه الکيفية التي ظهروا لنا بها من اشتمالهم علي ساير الصفات المختصة بهم و ان انکره بعض علمائنا المتقدمين عفا الله عنهم.

اقول: ان اراد سلمه الله بالکيفية التي ظهروا لنا بها ما يعم الهيئات و الصور الظاهرة لنا بها فما قدمنا من قول امير المؤمنين عليه السلام اني اتقلب في الصور کيف شاء الله ينفيه لانه ع انما يظهر  بالصور علي حسب المصالح المقتضية لها حسب ما يريد الله سبحانه من امضاء مشيته بذلک الظهور کما ورد انه ع ظهر  لفرعون علي هيئة فارس شجاع عليه ثياب الذهب و ان اراد من الکيفية الصفات و الکمالات و الاحوال المختصة بهم فهم عليهم السلام کذلک منذ خلقهم الله فان الله سبحانه و تعالي لا يجعل حجته التامة البالغة ناقصة و لا يجعل الفرع اصلاً  بعد ما کان فرعاً في ذاته لاصل و لا يجعل الاصل فرعاً کذلک و الا لاخلّ الحکمة و اوجب الطفرة و ما تمت الحجة و هو سبحانه و تعالي اجل من ذلک و اعلي و هو قوله ع علي ما في الزيارة لامير المؤمنين عليه السلام السلام علي الاصل القديم و الفرع الکريم فهو  ع اصل قديم اي متقدم علي کافة المخلوقات و عامة الموجودات کما دلت عليه اخبار خلق انوارهم الواردة بالطرق المتکثرة

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 219 *»

البالغة حدّ الاستفاضة بل التواتر  و هو فرع من فروع الشجرة الاحمدية و شعبة من شعب الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و اله و کل ما سواهم فرع لها فاذن فما يختص بهم مما يليق لمقام قربهم الي سيدهم و خالقهم حسب مقتضي عبوديتهم بسرّ ذواتهم و کينوناتهم الظاهرة في اعمالهم من کمال الخضوع و الخشوع و الخشية و الهيبة ثابت و مستمر  لهم فاتوا کل الخلق في مبدأ  الايجاد في عالم الذر بجميع الصفات الکمالية فهي لا تزال ثابتة لهم غير مستنزعة عنهم الّا انها تختلف بحسب الظهور و الخفاء و الاسرار و الاعلان علي حسب ما امرهم الله سبحانه و تعالي و کتب في صحايفهم الخاصة بهم من کيفية طرق معاشرتهم و معاملتهم مع الخلق فهم سلام الله عليهم لا يزالون علي تلک الطريقة و لا يتعدونها ابداً و شرح هذه مما يطول به الکلام و لا يناسب المقام لادائه الي ذکر ما لا ينبغي ذکره و لاستلزامه کشف ما امر الله بستره و الله الموفق للصواب.

قال سلمه الله تعالي: فالمرجو من السيد المهذب ان يشرح لنا جميع ما اشرنا اليه و لا يستعمل فيه الرموز الغير المفهمة فربما يصعب علي عبدکم ذلک لخلو  يده من تصانيف اهل هذا الفن و عدم ضبط مصطلحاتهم لموانع تمنع و الله ولي التوفيق.

اقول: قد ذکرنا ما يسعه المقال في شرح هذه الاحوال في هذه الازمان و الاحيان و بقي ما لا يذکر في المقال و يجب ان يخزن في البال جرياً علي طريقة محمد و آله المفضال عليهم سلام الله بالغدو و الآصال و في ما ذکرنا کفاية لکل ناظر اذا تفهم ما نقول والله ولي التوفيق و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.