07-07 جواهر الحکم المجلد السابع ـ دليل المتحيرين ـ مقابله

دلیل المتحیرین

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 229 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي ارشد من استرشده الي سبيل الرشاد و اوصل من استهداه الي اعلي الغاية و اقصي المراد و هدي المجاهدين فيه بواضح الدليل سبل الحق و السداد و دلّهم بواضحات البراهين الي الحقائق المستجنة في الفؤاد و الصلوة و السلام علي من اذهب بنوره غواسق الظلمات و كشف بهدايته و ارشاده غواشي الشكوك و الشبهات و علي آله الذين ظهرت بهم البراهين الواضحات و الدلائل اللائحات و ظهرت من اشعة انوارهم الآيات البينات و لعنة اللّه علي اعدائهم و ظالميهم و منكري فضائلهم الذين اسسوا سبل التمويهات و اظهروا طرق التلبيسات و مالوا بالخلق عن الحق الصرف البحت البات.

اما بعد؛ فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني المقيد بوثائق الآمال و الاماني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان اللّه سبحانه بعث محمداً؟ص؟ الي الخلق علي فترة من الرسل و ارشدهم الي سبيله لئلاتتفرق بهم السبل فدعا الخلق الي الكلمة الجامعة و هداهم الي المحجة اللامعة فاجابته الفئة الزاكية و الفرقة الناجية ملبّين دعوة الداع مجتمعين علي الاتباع متسعين نطاق الوفاق مضيقين خناق النفاق حتي اخضر لرياض الدين عود و قام للاسلام عمود و لم‌يشتت شملهم الاختلاف و لم‏يتناكروا في اصول معارفهم كأهل الخلاف و ان اختلفوا في الفروع فهو من الحق و اليه لا في الحق و عليه فهم في رياض القدس يرتعون و من حياض الانس يكرعون و لم‏يزالوا فائزين بوافر النصيب من المعلي و الرقيب محمودين لدي الملأ  الاعلي و محسودين لابناء الدنيا فهم و ان كانوا بظاهر ابدانهم في زحمة و محنة ولكنهم بباطن قلوبهم و صافي طوياتهم و حسن اعتقاداتهم في سرور و راحة و لم‌يزعزعهم هجوم الحادثات و لم‏يزلزل اركانهم وقوع فوادح البليات فهم في امن و امان و هيمنة و سلطان مكلوئين بحفظ اللّه محروسين بعين اللّه فهم علي ارائك الوفاق متكئون اخوان علي سرر

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 230 *»

متقابلون الي ان دخلت عليهم وشاة الليالي و الايام و أصيبوا بسهام عيون حواسد الانام و اصغوا الي شبهات اهل الباطل فمكنوا من قلوبهم مزخرف كل غبي جاهل الي ان ظهرت المناسبة الشيطانية و بانت المرابطة الابليسية فوسوس في صدورهم الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس و اصبحوا كساير الفرق مختلفة و جماعاتهم علي الشتات مؤتلفة فدعوا الرفاق بدعائهم النفاق و صغوا الي كلّ ناطق و اباحوا السمع الي كلّ ناعق فاتسع خرقهم و ضاق ذرعهم فتفرقت كلمتهم و بانت بينونتهم و صاروا فرقاً مختلفين و احزاباً متشتتين مجتمعة ابدانهم متفرقة قلوبهم تحسبهم جميعاً و قلوبهم شتّي ذلك بانهم قوم لايعقلون و فرّقوا بين الآباء و الاولاد و الرجال و النساء و الاخوة و الاخوات و الاجداد و الجدّات و كل يميل الي فريق و كل ذاهب الي طريق يفرّ المرء من اخيه و امّه و ابيه و صاحبته و بنيه لكل امرئ منهم شأن يغنيه و بعض من سبقت له من اللّه العناية و سیقت اليه الهداية تنبه لهذه الفتنة العمياء و استشعر لوقوع هذه الداهية الدهماء و البلية الصماء علي هذه الفرقة الذين مبناهم علي الاستقامة و الثبات و عدم التفرق و الشتات فازدادت حيرته و حسرت بصيرته للعلم بان المختلفين ليس كلهم علي الحق لامتناع اجتماع الضدين و توافق الفرقتين المتبائنتين و عدم التمييز من البين و الكل يدّعي انه الحق و عنده الصدق و ليس الحق الّا واحداً فالتبس عليه الامر و ضاق لذلك منه الصدر فسأل سؤال المستوضح الطالب و طلب طلب المسترشد الراغب و اخذ في الاستفسار و الاستخبار عن هذا الامر العظيم و الاستبصار بتهذيب مسالك هذا الطريق القويم فسأل سؤالاً و كتب كتباً بمضمون واحد و مطلب غير متعدد الي اناس من العلماء و اراد منهم الارشاد الي طريق الصواب و السداد و تمييز اهل الحق من اهل العناد و الترجيح بين المحقّ و من امره الي فساد و هذه صورة مكتوبه:

«بسم اللّه العالم بحقايق اموره و الكاشف لدقايق رموزه و الهادي الي سبيله و صلي اللّه علي خير خلقه محمد و آله.

اما بعد؛ فبعد حصول العلم و التعمق للعبد الذليل العاجز المسكين بوجود

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 231 *»

الصانع و تيقن وجوب طاعة العبد لربّه و لزوم الدخول في العبادة كما هو المقصود و المراد من ربّ العباد و بداهة ان دخوله ليس بممكن الّا عن منهجه الواضح اللائح و هو الطريقة المحمدية و الشريعة المصطفوية السرمدية علي الصادع بها آلاف الثناء و التحية و تحقق ان ذلك لايمكن الّا حال وجوده؟ص؟ او وصيه و خليفته من بعده و عند غيبتهم صلوات اللّه عليهم فالرجوع الي امناء الدين و العلماء الراشدين السالكين طريقة سيد المرسلين ــ  عليه سلام اللّه ابد الآبدين ــ  و المريدين تحقيق مراتب الحق و اليقين كثر اللّه امثالهم اجمعين و رفع قدرهم في اعلي عليّين و حشرهم مع الائمة الطاهرين فعلي ذلك لما آل امر العبد الجاهل المسكين بالرجوع الي تلك الفحول المدققة و البحور المموجة و انحصر اموره الي تقليدهم و اخذ المسائل منهم لئلايقع بتركه في منهج الهلاك و لعلّ يفوز بالاتيان بفعله بعد اخذ القول منهم بالفيوضات الربانية و العطايا السبحانية و ذلك ینبغي ان‌يكون مشروطاً باتحاد العلماء في اللسان و الجنان لا الاعتقاد بان يكونوا كلهم متفقين بالفتاوي بل المقصود من اتحادهم ان لاينسبوا بعضهم بعضاً الي القبايح و الشنايع و ان لايأمروا المقلدين باظهار البدع و الفضايح فاذا كان كذلك لايبقي للعبد المكلف اعتقاد و لايعتمد بوجوب العبادات و الاعمال لعدم امكان العمل بها لخفاء الحق و عدم ظهور الشريعة الطاهرة لانه يري العلماء مختلفين في الاقوال و الافعال و الاوصاف منهم من سمّي نفسه اصولياً و منهم من قال اني اخباري فالاصولي لايعتمد علي الاخباري و الاخباري لايعتقد بالاصولي وهكذا يتصور العبد الجاهل العاجز  ان البلدة الطاهرة الموسومة بكربلاء مدفن سيدالشهداء حاوية خصوصيات الشرافة و الكمالات كما هو المعروف و كذلك النجف الاشرف عليه التحية و الشرف و هما بلدان معدنان لاهل العلم و الايمان و مرجعان لاهل الاسلام فيري في علمائهم من سمي نفسه شيخياً او كشفياً و منهم من قال اني بالاسري فالظاهر منهما الاسلام و الناشي من كليهما التقوي و الصلاح حسب ما قرّره لنا سيد الانام عليه و آله الصلوة و السلام كلاهما معترفان

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 232 *»

بالضرورات الملّيّة و معتقدان للفرائض اليومية و الليلية و كذلك بسائر العبادات مما هو مقرب الي طرق ارتفاع الدرجات فكثر بينهم القيل و القال و المنازعات و الجدال ففي هذه الصورة ما تكليف العبد العاجز هل يسقط عنه التكليف حين تحيره او التكليف ثابت في رقبته او هو المختار يختار ايهما شاء و يقبل قول كل من اراد اما القول بسقوط التكليف عنه فغیر ممكن قطعاً عقلاً و التكليف ثابت بالنسبة اليه يقيناً و اما القول بقبول قول من اراد فلايمكن لاستلزام الترجيح من دون المرجح و هو باطل ايضاً فالذي يخطر ببالكم الشريف بيّنوا لنا و افتونا بذلك لازلتم مأجورين و الدعاء بمحمد سيد الانبياء و آله الطيبين الطاهرين المعصومين.»

انتهي مكتوبه بالفاظه بلغه اللّه مأموله من الهداية الي سواء الطريق و اذاقه من رحيق التحقيق و قد بعث هذه الرسالة الي اناس زعم اني واحد منهم و اراد الجواب علي النهج الصواب بما يزول به الشك و الارتياب و يميز بين الماء المعين و السراب يكون بالبرهان الواضح و الدليل الظاهر و بين جهات الترجيح في مقام التزييف و التصديق ليفوز المحق بالنعيم الخالد و تحق علي المبطل كلمة العذاب فلما وصل اليهم الكتاب فبعضهم ضرب صفحاً عن الجواب و لم‏ينطق بكلمة واحدة مع ان تأخير البيان عن وقت الحاجة حرام و ايّ حاجة اعظم من ارشاد المسترشد و ايضاح الامر للمتحير المتنكّد الذي لايعرف لمن يرجع اليه و من يعتمد عليه و من يسكن عنده و من يثق بقوله مع الاختلاف الشديد و طعن بعضهم علي بعض و تكذيب بعضهم بعضاً و ليس للعامي سبيل الّا الاخذ من واحد منهم و هذه المسألة و ان لم‏تكن تقليدية لكن البيان و التفسير و التوضيح مما يوجب العلم و القطع بحقيّة شي‏ء و بطلانه و لذا كثرت الاسؤلة من الائمة الطاهرين سلام اللّه عليهم اجمعين في المعارف الاصولية و العقايد الدينية التي لايجوز فيها التقليد بل يجب التحقيق بما يرشد اليه عقله و ما يدلّ عليه رشده و مع ذلك كلّه لم‏يجبه ائمتنا؟عهم؟ احداً من السائلين بالرد و لم‏يقولوا لهم ان مثل هذه مسائل لايقع فيها الفتوي و من هذه الجهة كثرت

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 233 *»

الكتب و المصنفات في علم التوحيد و المعارف الالهية و الحقايق الربانية و بالجملة فالذي يدّعي انه نايب الامام و انه رئيس الاسلام و انه المرجع في الحلّ و العقد و النقض و الابرام لايجوز له السكوت فيما يجب فيه الكلام و علي من يفهم الكلام السلام.

و بعضهم تكلّم و ليته لم‏يتكلّم و لم‏يجر قلمه و لم‏ينقش رقمه و لا طاوعه المداد و لم‏يبرز مستكنّات الفؤاد فانه ببيانه قد قوّي مذهب اهل العناد و تكلّم بما يوجب بطلان هذا المذهب و يورث الفساد لقداعان المخالف علي مذهب الحق و اضعف حجج المستمسكين بالحق و الصدق قد وسع الخرق علي الراقع و اتي بما هو يخالف الواقع و سنذكر في خاتمة كلامنا كلامه و نشير الي ما فيه من الفضايح و الشنايع و ان كانت لظهورها في كلماته تغني عن البيان و لاتحوج الي التذكار و التبيان و لما كان لكل سؤال جواب و وجب ارشاد المسترشد و هداية المتحير المستوضح و امتثال امر اللّه سبحانه باظهار الحق و ازهاق الباطل و الحذر عن مخالفة اللّه و التجنب عما يوجب سخط اللّه في قوله تعالي الذين يكتمون ما انزلنا من البينات و الهدي من بعد ما بينّاه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون و قال الباقر؟ع؟ نحن اللاعنون و يجب التجنب عما فيه سخط رسول اللّه؟ص؟ فانه قال اذا ظهرت البدع فليظهر العالم علمه و من لم‏يفعل فعليه لعنة اللّه و حيث كان الامر كذلك وجب علينا جواب هذا السؤال بواضح البيان لتكون حجة علي من عتيٰ و انكر و بياناً لمن استوضح و استرشد و نوراً و رشداً لمن آمن و استبصر و الّا لكنت في شغل عن بيان هذه المطالب و ذكر هذه الاحوال و كنت كما قال اميرالمؤمنين؟ع؟ في آخر الخطبة الشقشقية فواللّه لولا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر و ما اخذ اللّه علي العلماء ان لايقاروا علي كظة ظالم و لا علي سغب مظلوم لالقيت حبلها علي غاربها و لسقيت آخرها بكأس اوّلها و لالفيتم دنياكم هذه ازهد عندی من عفطة عنز.

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 234 *»

فاقول واثقاً باللّه الملك العلّام و جاعلاً  نفسي غرضاً  لطعن سهام اغاليط الاوهام غير مبال بانكار من انكر و تكذيب من كذب و استكبر و ممتثلاً لقوله تعالي فاصدع بما تؤمر و اعرض عن المشركين انا كفيناك المستهزئين ان مراد السائل سلمه اللّه و ابقاه من رسم هذه المقدمات تحقيق المسألة الاخيرة و الكشف عن الفرقة المتلوة من قوله سلمه اللّه تعالي «و منهم من سمّي نفسه شيخياً او كشفياً و منهم من قال اني بالاسري» فان في زماننا هذا هذا الاختلاف صار فتنة عمياء و داهية كبري قد عمّت البلاد و العباد و شملت علي قلوب الناس من الطغام و الاوغاد و سرت الشكوك في قلوبهم و ضيّقت الشبهات صدورهم و فرّقت بين الاحبّة و خالفت بين اصحاب المودة من اهل العراقين و الترك و الهند و السند و الروس و اهل ما وراء النهر في اقل زمان فهم بين متحير و بين موافق و بين منافق و بين متجاهر بموافقة احد الطرفين و نصرة احد الفريقين فهي و لعمري بلية عمّت و نكبة خصّت هذه الفرقة المحقة بعد ما كانت في الظهور و سطوع النور كالشمس المشرقة و النجوم المزهرة و كانت لاهلها قلوب كزبر الحديد و الآن قد اختلفت كلمتهم و صار شملهم عباديد طالت عليهم السنة التشنيع من كل فرقة بعد ما كانوا يشنعون بالاختلاف و عدم الائتلاف علي كل طائفة و يستدلّون بذلك علي بطلان ما في ايدي المخالفين و حقية ما بايديهم مستدلين بقوله تعالي و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً و الآن انقلبت القضية و عكست النتيجة و يشنع المخالف عليهم بعين ما كانوا يشنعون عليهم حتي ان بعض رؤساء المخالفين و اساطينهم و اعمدتهم في الرياستين لما سمع اختلاف هذه الفرقة و تناكرها و تباغضها و طعن بعضها علي بعض و عدم تسليم كل منها للآخر قرأ مستشهداً مستهزءاً متهكماً بقوله تعالي قالت اليهود ليست النصاري علي شي‏ء و قالت النصاري ليست اليهود علي شي‏ء و هم يتلون الكتاب آه آه يا لها من حسرة لاتنقضي و زفرة لا تنتهي و أسف لا ينقطع يشمت العدو و يتشفي المخالف بعد ما كانوا عليهم غيظاً و لقد صدق عليهم ابليس ظنه و نال الملعون فيهم مراده و انتجت له المقدمات التي كان قد رتبتها بجنوده و

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 235 *»

ما ابقي هذه النعمة دائمة و اركز حسكة الحسد في قلوب اهل هذه الفرقة و خدش بها خواطرهم الصافية حتي افسدها و اشتفي به و ظهر تأويل ما قاله امير المؤمنين علیه السلام في حديث ام ايمن المروي بطوله في البحار و العوالم.

و بالجملة هذه فتنة عظيمة و بلية وخيمة قد عمّت هذه الفرقة و اين هذه من مسئلة الاصولية و الاخبارية فان اختلافهما لا يوجب كفراً و لا فسقاً و انما هما من قبيل قوله عليه السلام نحن اوقعنا الخلاف بينكم فـراعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء فرق بينها لتسلم و ان شاء جمع بينها لتسلم و هذه الفتنة فتنة توجب الكفر و النفاق و وسمت هذه الفرقة المحقة بالشقاق و اشتهر ذلك في جميع الآفاق و لعمري انه يجب علي كل مؤمن له حاجة الي حفظ هذا الدين ان يبذل مجهوده في دفع هذه الفتنة و اطفاء هذه النائرة و اطمينان النفس و اسكانها عن هذه الزلزلة و الولولة الا و ان النفوس قد كاعت يجب اطمينانها و القلوب ارتاعت فيجب اسكانها و الضمائر قد تعدّت فيجب ردّها و الکینونات قد خرجت عن الاعتدال فیجب تعديلها و السماء ذات الرجع و الارض ذات الصدع انه لقول فصل و ما هو بالهزل و تحسبونه هيناً و هو عند اللّه عظيم كيف و قد ابيح بهذا الاختلاف هتك الاعراض و قتل النفوس و شيوع الشحناء و البغضاء بين هذه الفرقة الناجية و الفئة الزاكية و التجاهر بالغيبة و البهتان و اشاعة الكذب و الزور في البلدان و هل يكون فساد اعظم من هذا و ثلمة في الدين اكثر مما وقعت و بدعة اعظم مما حصلت.

و بالجملة فالامر عظيم و الخطب جسيم فيجب علي كل من له قدرة رفعها بالبيان و ازالتها بالمرّة بالبرهان و دفع شكوكها و شبهاتها عن قلوب اهل الايمان و اتمام الحجة علي اهل الفسوق و العصيان ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة و ليميز اللّه الخبيث من الطيب و يجعل الله الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم و حيث تأيد ما ذكرناه بالسؤال من هذا المستوضح المسترشد المتحير وجب علينا الجواب الصواب بما يكشف عن وجه الحقيقة النقاب.

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 236 *»

فاقول: قوله سلمه اللّه تعالي «فمنهم من سمّي نفسه شيخياً او كشفياً» فالمراد بالشيخي و الكشفي اصحاب الشيخ الاعظم و العماد الاقوم و النور الاتمّ و الجامع الاعمّ عزّ الاسلام و المسلمين ركن المؤمنين الممتحنين آية اللّه في العالمين المبطل لمخترعات الصوفيّين و المزيّف لاغاليط اوهام الحكماء الاولين المبيّن للطريقة الحقة التي اتي بها سيد المرسلين و خاتم النبيين صلوات اللّه عليه و آله الطاهرين و الشارح لبعض مقامات الائمة الطاهرين مظهر الشريعة و شارح الطريقة بسرّ الحقيقة شيخنا و سنادنا و عمادنا الشيخ احمد بن زين الدين الاحسائي اعلي اللّه مقامه و رفع في الدارين اعلامه و المنسوبون الي هذا الجناب قطب الاقطاب و مرجع اولي الافئدة و اولي الالباب هم المسمّون بالكشفية لان اللّه سبحانه قد كشف غطاء الجهل و عدم البصيرة في الدين عن بصائرهم و ابصارهم و انجلت ظلمة الريب و الشك عن ضمائرهم و اسرارهم و هم الذين كشفت عن ابصارهم الغشاوة و عن قلوبهم الزيغ و الغباوة و هم الذين كشفت عن قلوبهم ظلمة الشكوك و الشبهات و ظهر النور الحق فيها بالدلائل الواضحات و البراهين اللائحات و هم الذين ليست قلوبهم في اكنة و قد كشف اللّه سبحانه عن بصيرتهم في الدين كل فتنة و هم الذين انار اللّه قلوبهم بنور الهداية و هم الذين فتح اللّه مسامعهم و ابصار قلوبهم و سرائرهم بالمعرفة و التوحيد و التجريد و معرفة النبي صلي اللّه عليه و الائمة عليهم السلام الذين هم اركان التوحيد و هم الذين قد كشف اللّه عن اعين قلوبهم الغين ازال عنها الرين و المين فعرفوا الاشياء كما هي و ما لم يعرفوها سلّموا علمها الي العالم بها و اعترفوا بالعجز و القصور كما هو شأن اهل الامكان و الاكوان و الاعيان.

و هذا الاسم اي الكشفية و ان كان يصلح لغيرهم ممن هذا شأنهم من الذين قبل الشيخ و الذين بعده الذين لم يأخذوا عنه الّا انه قد غلب الاستعمال فيهم بمقابلة غيرهم كالامامية لان هذا الاسم للاثني عشرية و ان صحّ اطلاقه علي كل من له امام و قد شهر هذا الاسم علي هؤلاء الكرام اعداؤهم و مخالفوهم كما شهر اسم الروافض العامّة لهذه الفرقة مع انه اسم سمّاهم اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 237 *»

سبحانه به في عالم الذر و يستعمل في الذين تركوا الباطل و رفضوه من سائر الملل و كذلك اسم الكشفية فانه ايضاً في الحقيقة لهم و من حذا حذوهم و سلك مسلكهم ممن تقدم عليهم او تأخر عنهم و لكن مقابليهم خصّوه بهم مأوّلين اياه علي تأويل قبيح بعيد من انهم يقولون انه قد كشف الغطاء عن قلوبهم فيرون العلوم و الاحكام و لا يحتاجون الي نبي و لا الي وصي و لا الي وليّ و لا الي عالم حاشاهم حاشاهم فانهم اشدّ اقراراً و اعترافاً من غيرهم باللّه و بتوحيده و بانبياء اللّه و نبوتهم و نبوة نبينا محمد صلی الله علیه و آله و ولاية الائمة عليهم السلام من بعده و هم الذین اظهروا فضائلهم علیهم السلام و نشروا مناقبهم و اظهروا بعض مقاماتهم بما قدروا عليه و بيّنوا ان الخلق محتاجون في كل الاحوال اليهم فاذا كان هذا شأنهم و دأبهم فكيف ينسب اليهم ذلك القول الشنيع و المذهب الفضيع و لولا اذ سمعتموه ظن المؤمنون و المؤمنات بانفسهم خیراً و قالوا هذا افك مبين و لولا اذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم اللّه ان تعودوا لمثله ابداً ان كنتم مؤمنين و لكنهم انما نسبوا اليهم هذا الاسم بما القي اللّه سبحانه علي السنتهم ليكون لهم حجة بالغة علي مقابليهم و مخالفيهم حتي يصدق عليهم جميع الآيات في القرآن المضادة لكشف الحق و هي قوله تعالي كلّا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و قوله تعالي الذین کانت اعينهم في غطاء عن ذكري و قوله تعالي لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد و قوله تعالي ختم اللّه علي قلوبهم و علي سمعهم و علي ابصارهم غشاوة و لهم عذاب عظيم و قوله تعالي لقد ذرأنا لجهنم كثیراً من الجن و الانس لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم اعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون و قوله تعالي و اذا قرأت القرآن جعلنا بينك و بين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجاباً مستوراً و جعلنا علي قلوبهم اكنّة ان يفقهوه و في آذانهم وقراً و هذه الآيات تصدق عليهم فهم الذين قلوبهم في اكنّة فلايفقهون ما اظهر اللّه سبحانه في الآيات البيّنات من فضائل الائمة و هم الذين اعين بصيرتهم في غطاء و هم الذين قد حجبوا عن

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 238 *»

مشاهدة المعارف الالهية و الاسرار الربانية.

و بالجملة اني لا احب شرح هذه الاحوال و بسط المقال في تفصيل هذا الاجمال اذ ليس كل ما يعلم يقال و لكني ارجو من الله ان سيوضح الحال و يظهر تفاصيل هذا الاجمال و لكل نبأ مستقر فسوف تعلمون و لكن المخالفين ارادوا بتشهير هذا الاسم اي الكشفية امراً قد قلب اللّه عليهم و مكروا مكراً و مكرنا مكراً و هم لا يشعرون و الشيخية انما هي في هذه الازمان علم لهؤلاء الاعلام كالرافضة و تعيها اذن واعية.

و اما هذا الشيخ الجليل و العالم النبيل الذي يسمي المنتسبون اليه الكشفية و الشيخية فهو الشيخ احمد بن الشيخ زين الدين بن ابراهيم بن صقر بن ابراهيم بن داغر بن راشد بن دهيم بن شمروخ آل صقر المطيرفي الاحسائي واحد العصر و فريد الدهر آخذ العلوم عن معدنها و غرفها عن منبعها اي الائمة الطاهرين سلام اللّه عليهم اجمعين و كان يصل اليهم في الرؤيا الصادقة و المنامات الصالحة و لا ريب ان الشيطان لا يتمثل بصورهم و لا يشبه نفسه بهم لقد رأي سيدنا و مولانا الحسن في المنام فجعل عليه السلام لسانه الشريف في فمه و امدّه من ريقه و كان احلي من العسل و اطيب من المسك و لكنه فيه حرارة فلما انتبه و استيقظ تهيجت فيه نوائر الاقبال الي اللّه و التوجه الي عبادة اللّه و الانقطاع الي اللّه و الاعراض عن كل ما سوي اللّه و التوكل علي اللّه و الاعتماد باللّه و ابتغاء سبيل مرضات اللّه بشوق وافر و حب متكاثر بحيث اشغلته عن الطعام و الشراب فلا يأكل و لا يشرب الّا ما يسدّ به الرمق و عن مخالطة الناس و معاشرة الخلق لم يزل قلبه متوجهاً و لسانه ذاكراً دائم التفكر و التدبر في عالم الآفاق و الانفس كثير النظر في عجائب حكمة اللّه و غرائب قدرة اللّه و عظيم التنبه للحكم و المصالح و الاسرار المودعة في حقايق الاشياء و حيث اشغله ما ذكرناه عن الشراب و الطعام و القرار و المنام و معاشرة الانام و كان لا يستقر له قرار و لا یلتفت الی نفسه لا باللیل و لا بالنهار و لم یزل یستمر به الحال الي مدة سنتين الي ان آل البدن الي الاضمحلال و البنية الي الانتقال و لم يتحمل الجسم لتلك الاعمال و العبادات و تكلف الامور الشاقة من ارتكاب

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 239 *»

الخيرات و تحصيل مزيد الحسنات الي ان رأي رسول اللّه صلی الله علیه و آله في الرؤيا الصادقة فأمدّه من ريقه الشريف و سقاه منه الي ان ارتوي فكان الطعم و الرائحة مثل الاول لكنه بارد فلما انتبه سكنت حرارة تلك النائرة و توجهت اليه العناية فتعلّم منهم العلوم و الاسرار و اشرق من افق قلبه مطالع الانوار و ليست تلك العلوم بمحض الرؤيا بل اذا انتبه يجد دليله من الكتاب و السنة و من بيانات الائمة و ارشاداتهم للرعية و دلالة العقل السديد الذي هو لكل مقام حجة و كان يجمع بين ظواهر الادلة و بواطنها و بين قشورها و حقايقها و اطّلع علي جوامع العلوم و احاط بكليات الرسوم بالتوجه الي الحيّ القيوم ببركة الامام المعصوم.

و ربما يختلج ببالك ان كل ما ذكرت دعوي بلا بينة و قول بلا حجة فانا نقول بيّنة هذه الدعوي من اظهر البينات و حجتها من اوضح الحجج الواضحات و ها هو ان لم يكن في عالم الدنيا و لكن كتبه و مصنفاته بحمد اللّه موجودة و قد سئل اعلي اللّه مقامه عن اغلب العلوم بل كلها فاجاب عن الجميع ببيان واضح و دليل لايح و لم‏ينسب نفسه الي التقليد من احد و تراه مستقلاً في كل علم تكلم فيه كأنه مؤسسه و بانيه و لم يوجد نحو ما ذكر من جهات الاستدلال في كتاب و لم يذكر في خطاب و لم يسطر في سؤال و جواب فاذا نظرت اليه و اصغيت الي كلامه بعين الانصاف مجانباً لجادة الجور و الاعتساف تجده منطوياً علي الفطرة تقبله الطبيعة بصافي الطوية كأنه سمع ذلك و علم بما هنالك فهذه كتبه موجودة و مصنفاته مشهورة و سوق بيانه و كلامه معروف و نمط احتجاجه و استدلاله مكشوف.

ثم انه اعلي اللّه مقامه مضت عليه برهة من الزمان بالاحساء و كان متوحداً منفرداً عن الناس مشتغلاً بذكر اللّه و معرضاً عن كل ما سوي اللّه و كان في تلك البلدة قاطناً و للخلق مبايناً حليف المسجد و المحراب معرضاً عن جميع الاحباب و الاصحاب حافظاً للعهد و الميثاق ناكباً عن سبل الفساق باذلاً للمجهود طويل الركوع و السجود زاهداً في الدنيا زهد الراحل عنها ناظراً اليها بعين المستوحشين منها آماله عنها مكفوفة و همّته عن زينتها مصروفة و الحاظه

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 240 *»

عن بهجتها مطروفة حتي اذا الجور مدّ باعه و اسفر الظلم قناعه و دعا الغي اتباعه و ظهرت الفتنة الوهابية و استيلاء ابن سعود في تلك الاطراف و تسلطه علي اهالي هاتيك الاكناف اقتضي علمه بما ظهر له من الادلة و البراهين الخروج من تلك البلدة و الانتقال عنها الي غيرها من بلدة الي بلدة و قرية الي قرية يطول الكلام بذكر تفاصيل احوال تلك الانتقالات الي ان وصل الي البصرة و اسكن فيها عياله و هو بنفسه الشريفة و ولده و بعض اتباعه قصد زيارة الامام الثامن الضامن علي بن موسي الرضا عليه و علي آبائه و ابنائه آلاف التحية و الثناء فخرج منها قاصداً لذلك المقصد الشريف و المحل المنيف الي ان وصل الي دار العبادة يزد و عرفه فيها بعض مشاهير العلماء من قطان تلك البلدة فاشتهر خبره اعلي اللّه مقامه و ارتفع ذكره و علا قدره بين الناس و حضره جميع العلماء و استفادوا عنه في علوم شتّي فرأوه بحراً مواجاً و عیلماً تياراً من العلم متلاطماً رجراجاً لا يساحل قعر علمه و لا يبلغ منتهي كنه فهمه فاذعنت له العلماء و خضعت له الادباء و الشعراء لانه؛

في علم العروض لا مثيل له.

و في علم الموسيقي لا بديل له و شرح حقيقة الحال باستنباط الموسيقي من الافلاك من الموازين الستة.

ففي علم النحو استاد اهله و سيبويه من احد تلاميذه كالخليل في الصرف.

و في علم المعاني و البيان مستقل و مؤسس مؤصل القواعد.

و في علم النجوم رئيس اهله و زعيم علمائه و قد بين من احكام النجوم ما كانت مخفية علي غيره من الممارسين لتلك المعالم و الرسوم و اظهر مخفيات النجوم التي عليها الحساب و لم يكن عند القوم منها خبر و لا اثر.

ففي علم الهندسة اظهر دقايق و نكات في اصولها و فروعها ما لا تكاد تصل اليها قلوب الكاملين فيها.

و في علم الهيئة كشف دقائق رموزها و بيّن ما عدّوه من مشكلات الفن

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 241 *»

من تشابه حركات بعض الافلاك علي غير اقطابها.

و في علم الحساب فاق جميع اهله بطرق اخراج المجهولات و حل ما لا ينحل من تلك المسائل التي عدّوها مما لا ينحل من المسائل.

و في علم الاكسير و الكيميا اظهر قواعد العلم و مراتبه و ارباعه و ما في كل ربع من عجائب العلوم و غرايبها من انحاء الظاهر و الباطن و شرح قول امير المؤمنين عليه السلام من قوله في هذا العلم سألتموني عن اخت النبوة و عصمة المروة الناس يعلمون ظاهرها و انا اعلم ظاهرها و باطنها فما هو الّا ماء جامد و هواء راكد و ارض سائلة و نار حائلة الحديث و ذكر باطن هذا العلم و اسراره و اطواره بحيث تحيرت العقول و الالباب في فضل ذلك الجناب و ليظهر انه هو الذي تعلّم من امير المؤمنين ذلك الباطن بلحن الخطاب من قوله عليه السلام نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و قوله عليه السلام ما من احد احبنا و زاد في حبنا و اخلص في معرفتنا و سئل عن مسئلة الّا و نفثنا في روعه جواباً لتلك المسئلة.

و في علم الاعداد و الاوفاق اتي بما عجز عنه اهل الخلاف و الوفاق و بيّن اسرارها و اظهر انوارها و ابان ما خفي علي غيره من وضعها في اشكالها و هيئاتها و وضع الاشكال و اوضح المقال بواضح الاستدلال و ذكر مبدأ الاشكال و اصلها و اباها و امّها و بيّن حقيقة الشكل المثلث و المربع الي المأة فی المأة بما يضيق بذكرها المجال.

و في علم الحروف تصرفه فيه معروف.

و في علم البسط و التكسير لم يكن له نظير.

و في علم الجفر له قواعد مقررة و قوانين مقننة من كليات العلم و جزئياته و اصله و مبدئه و منتهاه و حقيقة الجفر و مبدء اشتقاقه و اصل تحققه عن النبي و الولي سلام اللّه عليهما.

و في علم الطب استاد الفن و له استخراجات و استنباطات يعجز عنها علماؤه و قد ابرز من هذا العلم في علميات الطب ما لم يكن له عنوان في كتبهم

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 242 *»

و هو علم الضم و الاستنتاج و قد اظهر فيه الغرايب و ابان عن عجائب المطالب.

و في علم التفسير قد اتي اعلي اللّه مقامه و رفع في الدارين اعلامه من مدلولات الاخبار و واضحات الآثار بما لم يذكره المفسرون و لم يعثر عليه الّا الاقلون و قد ذكر جهات التفسير من تفسير الظاهر و ظاهر الظاهر و الباطن و باطن الباطن و التأويل و تأويل التأويل و باطن التأويل و بيّن الفرق بين هذه التفاصيل و وجوهها و شرايطها و آدابها و سائر احوالها و كيفية اجرائها.

و في علم الحديث هو سيد المحدثين و سند المحققين.

اما في علم الدراية فهو الرافع لاعلامها و المنير لظلامها و المجيب عن الشكوك و الشبهات التي ترد عليها.

و اما في علم الرجال فهو اكثر الممارسين لهم تتبعاً و ازيدهم حفظاً و قد كان اعلي اللّه مقامه يحفظ في كل رجل رجل من الروات جميع الاقوال فيه من المدح و القدح و تحقيق الحق و ترجيح الصدق فهو في حفظ الرجال من عجائب الزمان.

و في علم الاصول مهذب قواعدها و مقنن قوانينها و العالم بجميع مسائلها و المطلع علي الاختلافات الواقعة فيها و محقق مطالبها و مبين فوائدها و شارح كيفية الاستنباط منها.

و في علم الفقه هو اعلم الفقهاء و المجتهدين صاحب القوة القدسية و الملة الالهية المطلع علي الفتاوي و الاقوال و لم يكن يشذ عنه شي‏ء من المسائل و سائر الاحوال اكثرهم حفظاً بالفتاوي و اشدهم اطلاعاً علي مواقع الاجماعات من المركبة و المحققة و الاجماع المشهوري و المحصل الخاص و العام و ما رأيته اعلي اللّه مقامه في مدة كوني معه من السنين و الشهور ان يحتاج في مسئلة من المسائل التي يسئل عنها الي مراجعة و نظر بل كان مستحضراً لجميع ادلتها و شقوقها و اختلاف العلماء فيها و هذا من عجائب الكرامات له اعلي اللّه مقامه ان افتريته فعلي اجرامي و انا بري‏ء مما تجرمون.

و في علم الكلام و الحكمة العملية و النظریة باقسامها اصولاً و فروعاً قد

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 243 *»

اتفقت الكلمة علي انه لم يسبقه فيها سابق بل و لا يلحقه لاحق.

و هكذا الكلام في ساير العلوم من العلوم الظاهرية و الباطنية و الحقيقیة و المجازية و الاصولية و الفروعية لا سيما علم التواريخ و السير و معرفة القرون الماضية و الامم السعيدة و الهالكة و ما وقع في العالم من عجائب الامور و غرائب حوادث الدهور و معرفة عجائب المخلوقات و غرائب المصنوعات و الحوادث الليلية و النهارية و معرفة علم السماء و العالم من ربط العلويات و مزج السفليات بآثار اشعة العلويات و حدوث الاثار الغريبة منها و هي مبدء علم الطلسمات و معرفة طبايع السفليات و مزاج الطبيعيات و معرفة قران الحركات من السريعة و البطیئة و المعتدلة و نسبتها بحروف الصفات المنشعبة عنها العلوم الاربعة السيميا و الليميا و الهيميا و الريميا.

و معرفة علم تجويد القرآن و الترتيل في القراءة من حفظ الوقوف و اداء الحروف و الاستقامة في الاداء عند القراءه‏من معرفة الامور الثلاثين التي نصفها من محسنات القراءة و نصفها من المستهجنات فيها و معرفة الحروف و صفاتها و قراناتها و نسبة كل حرف مع الحروف كلها فان له في هذا العلم باعاً واسعاً و يداً طولي بحيث اعترفت القرّاء ممن شاهدناهم بالعجز عن البلوغ الي عشر معشار ما عنده اعلي اللّه مقامه.

و معرفة علم كتابة القرآن و رسم الخط في الكتابة فان بعض الكلمات لها صور مخصوصة لاتجري تحت قاعدة الخطوط المعروفة.

و ساير العلوم من علم التطبيق و علم الكتاب التكويني و الكتاب التدويني و الكتاب التشريعي و الشرع الوجودي و الوجود الشرعي و من علم الميزان ميزان العلوم بالمشاعر و ميزان المشاعر بالميزان القويم و القسطاس المستقيم و علم احوال الكلام و مايقتضيه من القرانات الحاملة لقضاء اللّه و قدره بانحاء المشيات و هكذا ساير العلوم التي طويت ذكر بعضها و نشرت ذكر بعضها و ما خفي عليّ اكثر و اكثر.

و من العجائب التي لاتنقضي و الغرائب التي لاتفني و لاتتصرم انه اعلي اللّه مقامه و اشاد شأنه و رفع في الدارين اعلامه كان يستخرج هذه العلوم و

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 244 *»

الاحوال كلها من الكتاب و السنة و يستدلّ عليها بالحكمة و المجادلة و الموعظة الحسنة و يأتي بكل مسئلة من هذه الفنون المتشتتة بآية من محكمات الكتاب و حديث من محكمات الاحاديث و دليل عقلي من العقل المستنير بنور الشرع و مثال من العالم من الآيات المرئية و الامثال المضروبة من قوله تعالي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق الآية و قوله تعالي و يضرب الله الامثال للناس و ما يعقلها الّا العالمون و قوله تعالي و لقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبي اكثر الناس الّا كفوراً و هذا امر صعب بعيدالمنال عزيزالوصال لايناله الّا من له عناية خاصة من اللّه و تسديد ظاهر من آل اللّه فان انكرت شيئاً من هذا الذي ذكرنا فها كتبه تتلي عليك و صحف بيّناته تدلّ عليه و انموذج من بقايا بعض آثاره تنبئك عليه «ان آثارنا تدلّ علينا».

فلما نظر علماء يزد و اهل الادب منهم الي هذا الفضل البارع و الحبر الجامع و رأوا زهده البالغ و انه لايزاحم احداً و لاينازع احداً فيما عنده و هو الوقور الذكور الشكور حسن الاخلاق طيّب الاعراق جمع بين العلم و العمل و احاط بالفضل الجلل اذعنت له العلماء و اقرّت بفضله العرفاء و الادباء و الفصحاء و الشعراء و اصحاب الصنايع لانه كان عالماً بها مثل الخياطة و النساجة و النجارة و صنع آلات الحديد و الصفر و الذهب و الفضة و استعمال الفلزات المنطرقة و الغير المنطرقة و المعادن الجامدة و المائعة.

و ما ادري ما اقول و اي شي‏ء منه اصف و اي كمال اذكر و نوره لايخفي و فضله لايحصي؛

لو جئته لرأيت الناس في رجل   و الدهر في ساعة و الارض في دار

و لقد صحبته اعلي اللّه مقامه في الحضر و السفر فلم‌اجد منه الّا اشرف الخبر و كل يوم يتجدد فيه اعتقادي و يزيد عليه اعتمادي و وثوقي لما كنت اشاهد منه دائماً من الآيات البيّنات و الدلائل الواضحات الظاهرات و الحجج البالغات ما تحير عنده العقول و الالباب و لانشك انه من لدن رب الارباب و تسديد الائمة الاطياب سلام اللّه عليهم في المبدأ و المآب و

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 245 *»

بلدة يزد اذ ذاك الوقت كانت مجمع العلماء و معدن الفضلاء الذين عليهم العمل مثل الملّا اسماعيل العقدائي الفاضل الكامل و المجتهد الواصل مرجع اهل البلد و مقدمهم و زعيمهم كان ينفذ فيهم حكمه و يمضي عليهم امره يقيم الحدود الشرعية من قتل و قطع و تعزير و امثال ذلك و له فهم وقّاد جسور في الامور لاينازعه غيره بحيث يقدر ان‌يوهن امره و فيها العالم الفاضل الكامل الواصل جامع المنقول و المعقول العالم بالفروع و الاصول مالك ازمّة التحقيق و التدقيق المولي الولي الحاج رجبعلي فانه كان عالماً كاملاً متفنّناً في العلوم مرجعاً في غالب الرسوم و فيها الفاضل المدقق المحقق الميرزا عليرضا فانه كان فاضلاً اديباً اريباً عالماً بفنون العلوم لاسيما علم اللغة و ساير علوم الادب و فيها السيد الجليل العالم المجتهد الكامل السيد حيدر و فيها الحكيم المتقن الملّامهدي و فيها العالم الجليل السيد النجيب النبيل الاميرزا سليمان و فيها العالم الكامل الميرزا محمدعلي المدرس و غيرهم من العلماء الفحول من اهل المنقول و المعقول و ساير الطلبة المشتغلين و المراهقين مثل جناب الآخوند الملّا حسين اليزدي و الملّا حسين الكرماني و الملّا ابوالقاسم و غيرهم من امثالهم و الكل منهم قد انقادوا لجنابه و اعترفوا ببالغ فضله و بارع علمه و لم‌يختلف عليه اثنان لا في علم و لا عمل و كانوا يقدمونه علي انفسهم في كل حال يقتضي تقديم احد من العلماء كصلوة الجمعة و الاعياد و الجماعات و الجنايز اذا حضروا الجميع فقوله مقدم و ان اختلفوا فهو الحكم و قوله محكم.

فاشتهر خبره اعلي اللّه مقامه و انتشر امره و صيت فضله في البلاد الي ان اخبر السلطان فتحعلي‌شاه تغمده اللّه برحمته فاشتاق الي ملاقاته و تشوق الي رؤيته من عظم ما سمع من غزير علمه و واسع فضله فكتب الي عامله بيزد ان‌يشخصه اليه مكرماً معظماً فلما عرضوا عليه اعلي اللّه مقامه ملتمس السلطان ابي ان‌يقبل و امتنع عن المسير اليه فلما افتهم السلطان اعاد عليهم و كرّر لهم ان‌يلتمسوه فاتوا اليه ملتمسين خاضعين مظهرين له انك اذا لم تسر اليه نخاف من ضرره فلما سمع ذلك منهم اجاب ملتمسهم و مقترحهم فعزم المسير و ارسلوا

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 246 *»

في خدمته جناب العالم الفاضل الميرزا عليرضا و كان في صحبته متولي خدمته الي ان وصلوا دار السلطنة طهران و تواجه مع السلطان و تلقاه بغاية الاعزاز و الاعظام و عرف محله و مرتبته و انزله منزلته و كل من كان في طهران من العلماء الكاملين و الطلبة المشتغلين واجهوه بكمال الاعزاز و الاحترام و لم‌يختلف عليه اثنان و لم‌يطعن عليه احد و لم‌يردّ عليه احد قط.

ثم عرض عليه السلطان المقام عنده و الانتقال من البصرة باهله و عياله الي ايران و السكني في طهران فاجاب اعلي اللّه مقامه احد شقي سؤاله و هو الانتقال الي ايران و لم‌يجب الي السكني في طهران و قال له اعلي اللّه مقامه اما السكني في محل انت فيه فلا لانّي اذا سكنت في مسكن انت فيه ايّ الحالتين تريد ان‌تسلك معي أتريد ان‌اكون ذليلاً عندك ام عزيزاً اما الذلة فلايقتضي مقامك معي ان‌تجريها و اما العزة فلاتحصل لان السلطان مرجع امور الرعية و مدار السلطنة لايكون الّا بقبض و بسط و قتل و قطع و اخذ و عطاء و اذا رأي الناس اقبالك عليّ و اصغاءك مني يقصدوني في حوائجهم و مقاصدهم ان لم‌اجب كنت مكروهاً عندهم مبغوضاً لديهم و ان اجبهم و اعرض عليك مايريدون فانت لاتخلو  اما ان‌تقبل مني و تعطي كل ما يريدون ام لا اما الاول فلااراك تفعل بزعمك ان امر السلطنة يختلّ و نظم المملكة يفسد ففي هذه الصورة كنت ذليلاً فالاحسن لي و لك ان‌اسكن بلدة نائية عنك و الكل بلادك و اين ما كنت فعندك فاستحسن قوله الشريف و جعل اليه اختيار المسكن فاختار يزد مسكناً و رجع اليه و امر السلطان من يذهب الي البصرة و يأتی بعياله مكرمين محتشمين و سكن في يزد مدة مديدة اكثر من خمس سنين علي احسن حال و ارخی بال مشغولاً بالتدريس و نشر العلوم و اظهار غرايب الرسوم.

و لما اشتهر عند الناس بعض مطالبه مما هو غير معروف بقوا يلهجون به و يستغربون منه فامر اعلي اللّه مقامه من يصعد المنبر و يخطب و يقول ايها الناس ان للعلم ظاهراً و باطناً و هما متوافقان متطابقان لايختلفان و لايتناقضان الظاهر علي طبق الباطن و الصورة علي مثال الحقيقة و قد قال مولانا الصادق عليه

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 247 *»

السلام ان قوماً آمنوا بالظاهر و کفروا بالباطن فلم‌يك ينفعهم ايمانهم شيئاً و ان قوماً آمنوا بالباطن و كفروا بالظاهر فلم‌يك ينفعهم ايمانهم شيئاً و لا ايمان ظاهراً الّا بباطن ايها الناس ان اهل الظاهر قد اقرهم رسول‌اللّه صلی الله علیه و آله علي ما هم عليه و لم‌يغشهم و لم‌يخنهم و لم‌يقرهم علي باطل حاشاه ثم حاشاه فما اتفق عليه اهل الظاهر من قول او فعل او اعتقاد فهو الحق الذي لا شك فيه و لا ريب يعتريه و ما كان من الباطن و الاسرار ما يوافق الظاهر و يطابقه و لايخالفه و لايناقضه فهو الحق الذي لا شك فيه و لا ريب يعتريه و ما كان من الباطن ما يخالف الظاهر و يناقضه فاحدهما يثبت و الآخر ينفي فذلك باطل يجب الاعراض عنه و لايجوز الاصغاء اليه فانه مخالف للواقع و في ذلك تكذيب علي اللّه سبحانه و رسوله فما ينسب اليّ من الباطن و الظاهر ان كان يوافق ظاهر ما عليه الفرقة المحقة فذلك قولي و قد قلته و ما خالف ظاهر ما عليه الفرقة المحقة فذلك ليس قولی و ماقلته و انا بري‏ء الي اللّه من ذلك القول و الاعتقاد كما برئ اللّه و رسوله ايها الناس لاتختلفوا فتهلكوا و لاتناقضوا فتتنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا ان اللّه مع الصابرين فنزل الخطيب فسكنت الانفاس و اجتمعت الحواس و علم المقياس و تبين للناس الحق الواضح و ما يوسوس في صدورهم الخنّاس و بنوا علي هذا الاساس و لم‌يزل صيته في ازدياد و محبته ترسخ في الفؤاد.

و قد سافر الي مشهد مولانا و سيدنا علي بن موسي الرضا عليهما السلام ثلاث مرات و اجتمع عليه علماء ذلك المشهد و هم الفحول الذين يرجع اليهم في الفروع و الاصول و هم المشهورون المعروفون جلي مقامهم و شهرة امرهم تغني عن ذكر اشخاصهم كالاخوة المقدمين المعظمين الميرزا هداية اللّه و الميرزا داود و الميرزا عبدالجواد و خالهم المقدم المعظم فحل العلماء الآقا ابومحمد و السيد الجليل و المولي النبيل العالم الفاضل الزاهد العابد جناب الميرزا معصوم و غيرهم من العلماء الاعيان قد قدموا جناب الشيخ اعلي اللّه مقامه و انار برهانه و عظموه و بجّلوه و راعوا احترامه و اعزازه و اكرامه

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 248 *»

معترفين له بالفضل و العلم الغزير و كذا ساير العلماء المجاورين في ذلك المشهد المقدس و المحل الاقدس من الطلبة و المحصلين لم‌يصدر منهم ابداً ما ينافي احترامه و لا اعظامه.

ثم لما رجع الي يزد و عزم التوجه الي العراق مجيباً لاميرالمؤمنين عليه السلام حين دعاه في عالم الرؤيا صار يوم خروجه باهله و عياله من بلدة دار العبادة علي اهلها يوم مشوم اصابهم كدر شديد و حزن عظيم و قد احتالوا و عالجوا لمنعه من الخروج حيلاً و معالجات لعله اعلي اللّه مقامه يبقي عندهم لانه كان بركتهم و به دوام شوكتهم ولكنه ما افادت تلك المعالجات و لا الحيل شيئاً و قد خرج عنهم و هم بين باك و باكية و مكدر و محزون و لم‌يفرح و لم‌يرض احد فيما اعلم بخروجه فلما خرج و وصل الي اصفهان و كنت بخدمته الشريفة تلقاء اهل اصفهان لاسيما علماؤهم و حكامهم و اعيانهم باحسن ملقي و عظّموه غاية التعظيم و بجّلوه غاية التبجيل و لم‌يكن احد فيها من يزري عليه او ينسب شيئاً مما لايحسن اليه و بلدة اصفهان اذ ذاك الزمان كهذا الزمان سرة ايران مجمع العلماء الفحول و معدن فضلاء المعقول و المنقول و في ذلك الزمان فيها روضة العلم مخضرة و سوق المعرفة و الفضل عامرة و فيها من اعيان العلماء من الفقهاء و الحكماء ما يعجز عن بيان وصفهم اللسان و لايتحمل درك معالم فضلهم الجنان مثل جناب السيد الاجل السند الانبل مرجع الانام حجة الاسلام موئل الاصاغر و الاكابر السيد محمدباقر و مثل العالم الفاضل العامل و الكامل علامة الدهر و وحيد العصر ذوالفهم العالي المستقيم و المولي الولي الحميم الحاج محمد ابراهيم الملقب بالكرباسي و العالم العامل و الفاضل الكامل الورع التقي الشيخ محمدتقي و العالم المتقن و الفاضل المؤتمن قدوة العلماء الاطياب الميرزا باقر النوّاب و الحكيم العظيم و العالم الحميم ذو الفهم الراسخ و الفضل الباذخ العلي الولي الملا علي النوري و العالم الكامل الملّا محمد علي النوري و الفاضل الجليل الملّا اسماعيل الملقب بواحد العين و العالم الاعلی الانور الاظهر الملّا علی‌اکبر  و المولي الاولي صاحب الرياسة الكبري الآقا مير

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 249 *»

محمدحسين سلطان‌العلماء و غيرهم من العلماء العظام و الفضلاء الفخام الذين هم المرجع في كل نقض و ابرام.

و هؤلاء العظام قد سلكوا مع ذلك الشيخ الجليل ذي المجد الاثيل و الاصل الاصيل احسن المسلك و راعوا معه غاية الاحترام و الادب و سلموا قوله في كل مقصد و مطلب استنسخوا رسائله و كتبه و نشروا فضائله و مناقبه و مدحوه في كل مكان و كان بذكر محامده و مفاخره كل واحد منهم رطب اللسان و قد اشتهرت كتبه عندهم لاسيما شرح الزيارة الجامعة و غيره من سائر الرسائل و اجوبة المسائل و لم‌يعثروا فيها علي خلل و لم‌يطلعوا علي زلل مع انه اعلي اللّه مقامه قد خالف الحكماء الاشراقيين و الرواقيين و المشائين في مسائل كثيرة و اصرّ علي بطلانها و هدم بنيانها و الحكماء الذين في اصفهان كلّهم حملة تلك المطالب و مروّجوا تلك المسائل فمع ذلك كله لم‌يجسر احد ان‌يعيب علي كلمة من كلماته او علي مطلب من مطالبه و غاية ما كانوا يقولون ان المطلب واحد و اللسان مختلف و لايشكون ان ما عليه مولانا الشيخ حقاً ولكنهم يدّعون ان ذلك هو الذي يقوله الحكماء.

و بالجملة كلهم اقرّوا له و صدّقوه و اعترفوا بفضله و لم يذكره احد بعيب و لا دخل في قلب احد من جهته ريب و قد سئل جناب المولي العلي الملّا علي النوري عن نسبة مقامه مع مقام المرحوم آقا محمد البیدآبادی فاجاب المرحوم بان التمييز لايكون الّا بعد بلوغ المميز لمقامهما و انا منحط عن مقامهما غير بالغ لمرتبتهما في الفضل و العلم فكيف يسعني الترجيح.

و بالجملة قد جلس عندهم اربعين يوماً باعزّ  ما يكون و كان اكرم وارد عليهم و اشرف وافد لديهم لاينكرون فضله و لا مقامه من العلم ثم خرج من عندهم و هم يحبّون بقاءه لديهم متأسفين لمفارقته متولّهين لمجاورته ولكن ما وسعهم ان يكلفوا الشيخ و يصرّوا عليه بالبقاء عندهم لما اطلعوا علي امر الرؤيا و وجود المستقبلين من طرف الشاهزادة «ما كل ما يتمني المرء يدركه».

و بالجملة لما خرج و سار الي ان وصل كرمانشاهان استقبله الشاهزادة

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 250 *»

المعظم في موكبه و معه خلق عظيم ثم ادخله البلد بمن معه في عزة عظيمة و شأن كبير استقبلته علماء البلد كافة و حكّامها و اعيانها و اشخاصها الي ان دخل البلد فاستدعي و الحّ عليه بالبقاء عنده و حيث كان مأموراً بالتشرف الي اعتاب الائمة الاطياب لم‏يجبه الّا بعد الرجوع عن زيارة المشاهد الشريفة فجهز له ما يبلغه ذلك و تشرف بتقبيل العتبات العاليات و رجع الي كرمانشاهان فاستقبله الشاهزادة بطور يليق به و استقر فيها فبقي بين علمائها مدة مديدة و سنين عديدة متفقين علي فضله و جلالته و علوّ مقامه و نبالته و زهده و ورعه و تقواه و اعراضه عن الدنيا و انكبابه علي ما يوجب التقرب الي اللّه و الزلفي و لم يذكر احد من اولئك الاعلام و الفضلاء الكرام الفخام الاخوة الاربعة الذين هم الاربعة المتناسبة في الفضل و العلم و الرياسة و الجاه و المنزلة و حسن العقيدة و هم العالم الجليل الانور الازهر الآقا محمد جعفر و العالم الكامل الممجد المؤيد الآقا احمد و العالم الجليل النبيل الآقا محمد اسماعيل و العالم الكامل و الفاضل الفاصل المؤيد بلطف اللّه الودود الآقا محمود اولاد العالم العلم المولي الاولي الولي الآقا محمد علي ابن استاد الكل و مرجعهم في الجل و القل ذو المرايا و المفاخر الآقا محمد باقر البهبهاني تغمده اللّه برحمته و اسكنه بحبوبة جنته و غيرهم من اجلاء العلماء القاطنين في تلك البلدة مع عامة الطلبة المشتغلين من المحصلين سلكوا معه احسن المسالك و نزلوه عندهم باحسن منازل الشرف و لم يزل عندهم عزيزاً كريماً ليس لاحد فيه مهمز و لا لقائل فيه مغمز و قد زار في مدة مقامه بكرمانشاهان ائمة العراق مرّات عديدة و في كل مرة يجتمع مع العلماء و الفضلاء الساكنين في تلك الاعتاب مثل السيد السند الجليل و المولي الاولي النبيل العارف بمعارف التنزيل المجتهد المطلق عند المخالف و الموافق المؤيد بلطف اللّه الخفي و الجلي سيدنا مير سيد علي الطباطبائي و السيد الاوحد المؤيد الممجد السيد علي محمد و الشيخ المولي الاولي المؤتمن العالم المتقن الشيخ حسن بن الشيخ محمد علي سلطان و الشيخ الافخر و العالم الاطهر الشيخ خلف ابن عسكر هؤلاء العلماء مجاوري

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 251 *»

سيد الشهداء عليه التحية و الثناء.

و الشيوخ الاجلاء النبلاء العلماء اولاد شيخنا الاجل و مولانا الاكمل الانبل الطاهر المطهر الشيخ جعفر و العالم الجليل المبرء عن كل شين مجمع الفخر و الشرف الشيخ حسين نجف و الشيخ الجليل و العالم النبيل حسن الاحوال الشيخ خضر شلال و السيد الاطهر و النور الازهر و البدر الانور جامع الفضل الجلل حائز مرتبتي العلم و العمل العارف بكتابي التكويني و التدويني السيد باقر القزويني و غيرهم من العلماء الاطهار و الفضلاء الاخيار من ساكني مشهد النجف الاشرف علي مشرفها آلاف التحية و الشرف.

و السادة الاطهار و الفضلاء الاخيار السيد الانور السيد رضا شبّر و السيد العالم الجليل ذو التصانيف المشهورة و المؤلفات المعروفة السيد الاوّاه السيد عبداللّه شبّر و السيد العالم و الفاضل الحاسم المولي الولي السيد لطفعلي و السادة الاعلام و الفضلاء الكرام و النجباء الفخام السيد المولي المتقن السيد حسن و السيد الممجد المسدد السيد محمد ابني السيد الجليل المولي النبيل السيد المؤتمن السيد محسن و السيد العالم السيد هاشم ابن السيد راضي و الشيخ الاجل و المولي الانبل و العالم الافضل المولي الاوّاه الشيخ اسد اللّه و سائر العلماء القاطنين في مشهد سيدنا و مولانا الكاظم عليه السلام.

و هؤلاء العلماء الاعلام و الفضلاء الكرام في تلك العتبات المشرّفات في كل مكان اذا حلّ مولانا الشيخ به كانوا يعظمونه و يمجدونه و يبجلونه و ينزلونه احسن منازل التكريم و التوقير و لاسيما السيد الاول المير سيد علي كان رحمه اللّه يبالغ في تعظيمه و تكريمه و كان يسميه العالم الرباني و كان متحيراً في تبحره في العلوم و معرفته بجوامع الرسوم و يقول انه لا ريب ان ذلك من تأييد الحي القيوم و كان اعلي اللّه مقامه يدرس مدة اقامته في مشهد الحسين علیه السلام في الرواق المقدس في شرح الرسالة العلمية للملا محسن الكاشاني و كان يحضر درسه علماء الطلبة و المحصلين و كانت الالسن متفقةً في مدحه و جلالته و كونه جامعاً للعلوم عارفاً بحقايق الاشياء سالكاً مسلك ائمة الهدي لم يتكلم احد عليه بما لا يحسن و لا يجسر احد ان يتفوه بما لا يليق و لقد اوتي

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 252 *»

لجناب السيد المذكور تغمده اللّه برحمته كراريس من بعض رسائل الشيخ و قيل له انظر ما تري فيها من حق او باطل فاخذها و جعلها عنده يومين و اتي بها في اليوم الثالث رافعاً يديه الي السماء مستشهداً باللّه و برسول اللّه صلی الله علیه و آله و بامير المؤمنين و بفاطمة الزهراء و باقي الائمة واحداً بعد واحد مسمياً باسمائهم مستشهداً بهم و مقسماً بحقهم انه ما يعرف شيئاً مما في هذه الكراريس من المطالب العالية و المقاصد السنية و ليس ادراكها شغلي و لا تلك المطالب فنّي و انا ما اعرف الّا المطالب الاصولية و الفقهية ما لي و الخوض في هذه اللجج الغائرة التي غرقت فيها سفن كثيرة و اتفق في بعض سني زيارته ره لائمة العراق علیهم السلام اجتمع مع العالم العلم الهمام الحبر القمقام فخر المحققين و قدوة المجتهدين مولي الافاخم الآميرزا ابي القاسم القمي و شاهد منه ره كمال الاكرام و الاعظام و شهد له بالفضل الواسع لما نظر الي بعض رسائله في الفقه و كذلك اجتمع مع الشيخ الجليل و العالم النبيل و الفاضل الفاصل الواصل رئيس المحدثين البصير بمرايا الامور جناب الشيخ حسن بن المرحوم الشيخ حسين آل عصفور وفقه اللّه لمراضيه و هو امدّه اللّه و ابقاه لم يزل في فضله و جلالة شأنه رطب اللسان الي الان و هكذا دأب سلوك اولئك الاعلام معه اشاد اللّه شأنه و انار برهانه و لم يعهد من احد منهم من هؤلاء الفحول الذين ذكرنا اسماء بعضهم و اهملنا ذكر اكثرهم ان يزروا عليه بعيب او يدخل في احدهم من جهته ريب او يثبت له نقصاً او يتكلموا بما لا يحسن او يتفوهوا بما لا يليق و هذا شي‏ء معلوم يشهد عليه العدو و الصديق و المؤالف و المخالف فاذا انكره احد فقد انكر الشمس في رابعة النهار و قد زاحم البديهي و صادم الضروري و اتي بما ينكره كل احد فلو صدق هذا المنكر مصدق فقد صدق منكر الشمس عند الزوال و لا اظن احداً من العقلاء و ان بلغ في التعصب و العناد ما بلغ ينكر ما قلنا و لا يصدق هذه الدعوي.

هذا حال العلماء الذين عاصرناهم و شاهدنا هم و شاهدنا اتصالهم معه و حسن سلوكهم و هؤلاء هم علماء الشيعة و سناد الشريعة و هم المرجع في المهام و المعتمد في كل نقض و

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 253 *»

ابرام و هم الرؤساء الذين عليهم مدار الاحكام من الحلال و الحرام.

و اما العلماء العظام و الفضلاء الفخام ممن لم نشاهدهم و شاهدوا مولانا الجليل و استادنا النبيل و عظموه و مجدوه و اقرّوا له بالفضل و حسن الحال مثل السيد السناد و المولي العماد الذي عليه الاعتماد المولي الاولي المهتدي السيد مهدي الطباطبايي بحر العلوم و منبع الرسوم الواحد في عصره و الفريد في دهره تغمده اللّه برحمته و اسكنه بحبوحة جنته و مثل السيد الجليل و المولي النبيل و الفاضل النحرير العالم الرباني الميرزا مهدي الشهرستاني و مثل الشيخ الاوحد و العالم الفرد الدرّ الافخر الشيخ جعفر النجفي و مثل العالم المحقق و الفاضل المدقق العالم الرباني و الفاضل الصمداني و الفرد الذي ليس له ثاني فريد عصره و واحد دهره المحقق المدقق البصير بخفايا الامور جناب الشيخ حسين آل عصفور و هؤلاء الاعلام و الامناء الكرام و الفضلاء الذين عليهم النقض و الابرام هم الرؤساء في عصرهم و كل واحد رئيس في قطر و ان لم نشاهدهم و ما فزنا بشرف ادراك خدمتهم حتي نري سلوكهم معه حتي نشهد شهادة عيان و لكنا وجدنا كتاباتهم في الاجازات التي كتبوها له بعضهم بخطه فهي تدلّ علي كمال اعتقادهم فيه.

فمنها اجازة السيد الاجل الاول و هو بحر العلوم التي كتبها بيده و رأيتها بخطه و هذه صورتها الي ان قال:

و بعد فلما كان من حكمة اللّه البالغة و نعمه السابغة ان جعل لحفظ دينه و احكامه علماء مستحفظين لشرايعه و احكامه صار يتلقي الخلف عن السلف ما استحفظوا من علوم اهل الحكمة و الشرف فبلغوا بذلك اعلي المراتب و نالوا به اتم المواهب و كان ممن اخذ بالحظ الوافر الاسني و فاز بالنصيب المتكاثر الاهني زبدة العلماء العاملين و نخبة العرفاء الكاملين الاخ الاسعد الامجد الشيخ احمد بن الشیخ زين الدين الاحسائي زيد فضله و مجده و اعلي في طلب العلا جده و قد التمس مني ايده اللّه تعالي الي ان قال فسارعت الي اجابته و قابلت التماسه بانجاح طلبته لما ظهر لي من ورعه و تقواه و نبله و علاه فاجزت له وفقه اللّه لسعادة الدارين و حباه بكل ما تقر به

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 254 *»

العين رواية الكتب الاربعة.

الي آخر كلامه زيد في اكرامه و انعامه و هي اجازة ليست بمبسوطة و لا بمختصرة بل امر بين الامرين.

و منها اجازة السيد السند الثاني الميرزا مهدي الشهرستاني و هذه صورتها الي ان قال:

و بعد فيقول العبد الراجي عفو مولاه محمد مهدي الموسوي الشهرستاني اصلاً و الكربلايي مسكناً بفضل ربّه العميم بصره اللّه عيوب نفسه و جعل يومه خيراً من امسه حيث ان الشيخ الجليل و العمدة النبيل و المهذب الاصيل العالم الفاضل و الباذل الكامل المؤيد المسدد الشيخ احمد الاحسائي اطال اللّه بقاه و اقام في معارج العز و ادام ارتقاه ممن رتع في رياض العلوم و كرع من حياض زلال سلسبيل الاخبار النبوية قد استجازني فيما صحّت لي روايته الي ان قال رحمه اللّه و لما كان دام عزّه و علاه اهلاً لذلك فسارعت الي اجابته و انجاح طلبته و لما كان اسعاف مأموله فرضاً لفضله و جودة فطنته فاقول الي آخر مقاله رضوان اللّه عليه.

و منها اجازة الشيخ الافخر الشيخ جعفر رحمه اللّه و هذه صورتها الي ان قال:

اما بعد فان العالم العامل و الفاضل الكامل زبدة العلماء العاملين و قدوة الفضلاء الصالحين الشيخ احمد بن المرحوم المبرور الشيخ زين الدين قد عرض علي نبذة من اوراق تعرض فيها لشرح بعض كتاب تبصرة المتعلمين لآية اللّه في العالمين و رسالة صنفها في الرد علي الجبريين مقوياً فيها رأي العدليين فرأيت تصنيفاً رشيقاً قد تضمن تحقيقاً و تدقيقاً قد دل علي علو مقام مصنفه و جلالة شأن مؤلفه فلزمني ان اجيزه الي آخرها.

و منها اجازة الشيخ الاجل العاري عن المين و هذه صورتها:

و بعد فيقول فقير اللّه المجازي حسين بن محمد بن احمد بن ابراهيم البحراني الدرازي الي ان قال التمس مني من له القدم الراسخ في علوم آل بيت محمد الاعلام و من كان حريصاً علي التعلق باذيال آثارهم عليهم الصلوة و السلام ان اكتب له اجازة وجيزة الي ان قال و هو العالم الامجد ذو المقام الانجد الشيخ احمد بن زين الدين الاحسائي ذلل اللّه له شوامس المعاني و شيد به قصور تلك

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 255 *»

المباني و هو في الحقيقة حقيق بان يجيز و لا يجاز لعرافته في العلوم الالهية علي الحقيقة لا المجاز و لسلوكه طريق اهل السلوك و اوضح المجاز لكن اجابته مما اوجبته الاخوة الالهية الحقيقية المشتملة علي الاخلاص و الانجاز و كان في ارتكابها حفظاً لهذا الدين و كمال الاحراز فاستخرت اللّه سبحانه و سألته الخيرة فيما اذن و اجاز و ان يجعله ممن بالمعلي و الرقيب من قداح عنايته قد فاز و حاز فاجزت له.

الي آخر ما قال تغمده اللّه برحمته و اسكنه بحبوحة جنته.

و قد ذكرنا سابقاً مقالة السيد الطيّب الطاهر المولي العلي المير سيد علي و ما شاهدناه من سلوكه معه اعلي اللّه مقامه و لكني عثرت علي اجازة منه له فاحببت ان اوردها و هذه صورتها الي ان قال:

و بعد فيقول العبد الخاطي ابن محمد علي، عليّ الطباطبايي اوتي كتابه بيمناه و جعل عقباه خيراً من دنياه ان من اغلاط الزمان و حسنات الدهر الخوان اجتماعي بالاخ الروحاني و الخل الصمداني العالم العامل و الفاضل الكامل ذي الفهم الصائب و الذهن الثاقب الراقي اعلي درجات الورع و التقوي و العلم و اليقين مولانا الشيخ احمد بن المرحوم الشيخ زين الدين الاحسائي دام ظله العالي فسألني بل امرني الي آخر ما قال اعلي اللّه مقامه.

و هذه كلماتهم و اجازاتهم و له اعلي اللّه مقامه اجازات كثيرة من علماء كثيرين تركت ذكرها خوفاً للتطويل و اقتصرت علي ذكر كلمات هؤلاء الافاضل العظام و الاكابر الفخام الذين هم الرؤساء في الاسلام فتبين لك مما بيناه ان جميع علماء الاسلام في جميع الاقطار المعروفة و البلدان المشهورة مثل البحرين و القطيف و الاحساء و المشاهد المشرفة مثل النجف الاشرف و مشهد الحسين علیه السلام و مشهد الامامين الهمامين الكاظمين علیهما السلام و غيرها من سائر بلدان العراق مثل البصرة و الحلة و بغداد و الجزائر و الفلاحية و عراق العجم مثل كرمانشاهان و همدان و بروجرد و طهران و قم و اصفهان و شيراز و كاشان و خراسان مثل طوس و نيشابور و سبزوار و طبس و تون و كرمان و يزد و رشت و قزوين و غيرها من ساير البلدان جميع علمائها و رؤسائها كلمتهم

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 256 *»

مجتمعة و مقالاتهم متفقة علي جلالة شأنه و نبالة مكانه مع انتشار رسائله و اشتهار كتبه و مصنفاته و اجوبة مسائله و شرحه علي الزيارة الجامعة و شرحه علي الحكمة العرشية للملاصدرا و شرحه علي المشاعر له و شرحه علي الرسالة العلمية للملا محسن و سائر مصنفاته كلها بل اغلبها وصلت الي هؤلاء الابرار و النجباء الاطهار و لم يطعن فيه احد و لم يذكره بعيب ابداً و قد اتفقت كلمة علماء الاسلام ممن شاهدوه علي وثاقته و جلالته مع ما ظهر منه من الاخلاق الحسنة و الاطوار المستحسنة و الزهد البالغ و الورع الكامل و جمعه بين حسن الخلق و الخلق و قران العلم بالادب و الخضوع و الخشوع كما هو شأن العلماء كما قال تعالي انما يخشي اللّه من عباده العلماء و قال مولانا الصادق علیه السلام اذا تحقق العلم في الصدر خاف و من خاف هرب و من هرب نجا فوضح ما ذكرنا و ثبت ما اردنا هذا نبأ من معي و نبأ من قبلي لعلهم يتذكرون.

فعلي ما ذكرنا انعقد اجماع علماء الامة اي امة الاجابة الذين هم الشيعة الفرقة الناجية و الفئة الزاكية علي جلالة شأن مولانا و نبالة محل استادنا و انه عند اللّه من الفائزين و بآل اللّه من المقتدين و بهم من المحسوبين و ماادري ما حال من خالف جميع علماء الامة و فقهاء الملة و رؤساء الشريعة و حفاظ الدين علي الحقيقة مراجع الاسلام و الحجج من حجة اللّه علي الانام لقد قال عز من قائل و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و نصله جهنم و ساءت مصيراً و هل المؤمنون الّا الشيعة و هل العلماء الّا رؤساء المؤمنين فاذا اتفقت كلمتهم و اجتمعت مقالتهم علي شي‏ء و لم‏يحصل لهم معارض اقوالهم متفقة و افعالهم متطابقة مع اقوالهم و مع‏ذلك يكونون علي ضلال و علي خطأ فانه لا يكون ذلك ابداً فاجتماعهم و عدم المخالفة دليل كاشف علي قول رئيسهم و هذا هو الاجماع الذي فيه حجة اللّه المعصوم المطهر عن ما لا يحبه اللّه فالويل الدائم لمن خالف اجماع الفرقة المحقة و شق عصا المسلمين و ابدع في الدين.

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 257 *»

فاذا عرفت هذا المقدار من الكلام و عرفت اتفاق العلماء الاعلام في حق ذلك الحبر القمقام و المفضال العالي المقام فها انا اشرح لك مبدء صدور الاختلاف و اصل وقوع الخلاف و السبب في ذلك و العلة فيما هنالك.

فاقول واثقاً باللّه المتعال و مستعيناً به في كل الاحوال و ما اقول و ما اكتب الّا ما املي علي الملك رومان فتان القبور اول ما ادخل في القبر و ما اقول الّا ما شهدت و اتخذ اللّه علي شاهداً و وكيلاً و الذي اقوله هو الذي وقع بمشهد من الناس و مرأي منهم لا ينكرونه و انا لا اذكر الّا الامور الجلية الواضحة الغير الخفية علي احد ممن حضر و اطلع و اما الامور الاخر التي جرت و لم يطلع عليها اغلب الناس فاني اكتمها في صدري و فؤادي و اغصّ بريقي و اقف مع الخصوم عند ما تبلي السرائر عند الذي يعلم الغيب و الضماير و حضور الملائكة للشهادة فانهم جرعوني غصصاً و سقوني مرّاً علقماً فصبرت امتثالاً لامر اللّه و تأسياً باولياء اللّه و نظراً الي قول امير المؤمنين علیه السلام و طفقت ارتأي بين ان اصول بيد جذاء او اصبر علي طخية عمياء يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير و يكدح فيها مؤمن حتي يلقي ربه فرأيت ان الصبر علي هاتي احجي فصبرت و في العين قذي و في الحلق شجي اري تراثي نهباً و قد تحملت امراً عظيماً و احتملت خطباً جسيماً من اذية الناس الذين يوسوس في صدورهم الخناس بلا جرم اجترمت و لا ذنب اذنبت لا شريعة غيّرتها و لا سنة بدلتها و لا حلال حرمته و لا حرام حللته و لا بدعة ابتدعتها و لا حرمة هتكتها و لا مال اكلته و لا قصاص استوجبته كل ذلك بمحض الشبهات الافواهية و الامور الخيالية التي يعلمون انها باطلة فقد توكلت علي اللّه و اعتمدت باللّه و وثقت بمدد اللّه و اعتصمت بحبل اللّه و استجرت بذمام اللّه فاعرضت عن كل ما سوي اللّه و جعلت كل اعتمادي باللّه و صبرت كما امرني اللّه.

و قد كتب لي الشيخ المرحوم اعلي اللّه مقامه و رفع في الدارين اعلامه بخط يده الشريفة ما لفظه: و اما الاحتمالات الواردة فليس لها الّا الصبر فان لكل شي‏ء اجراً مقدّراً غير الصبر فان اللّه تعالي يقول انما يوفي الصابرون اجرهم

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 258 *»

 بغير حساب و اما هذا الامر فلابد له من مقر و لكل نبأ مستقر و لا يحسن الجواب علي التعيين و ستعلمنّ نبأه بعد حين. انتهي كلامه الشريف بالفاظه فصبرت لعلمي بان الصبر عهد معهود و ميثاق مأخوذ عن اللّه سبحانه في العالم الاول لامور استحكمت مبانيها في ذلك العالم و قد اشار اليه علیه السلام في دعاء الندبة الي ان قال اللّهم لك الحمد علي ما جري به قضاؤك في اوليائك الذين استخلصتهم لنفسك و دينك اذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له و لا اضمحلال بعد ان شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية و زخرفها و زبرجها فشرطوا لك ذلك و علمت منهم الوفاء بذلك فقبلتهم و قربتهم و جعلت لهم الذكر العلي و الثناء الجلي الدعاء و هو قوله تعالي فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل و قال تعالي و اصبر و ما صبرك الّا باللّه و لا تحزن عليهم و لا تك في ضيق مما يمكرون ان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون و ها انا اشرح لك حقيقة الحال بصادق المقال ان افتريته فعلي اجرامي و انا بري‏ء ممّا تجرمون.

و اعلم انه لما تكررت زيارة الشيخ المرحوم للعتبات المشرفات و رجوعه الي مسكنه الذي هو كرمانشاهان كانت نائرة الخلاف خامدة و عيون النفاق راقدة و الالسن بفضل ذلك الجناب ناطقة و انهار علومه في قلوب المستعدين متدافقة و لكنه لما احب مجاورة قبر الشهید المظلوم و السعيد المعصوم مولي العالمين الناظر في المغربين و المشرقين الواقف علي الطتنجين سيد الكونين و سند النشأتين مولانا ابي عبد اللّه الحسين علیه السلام مشتاقاً عارفاً و تمكن من التخلص عن ذلك المكان بعد معالجات كثيرة فلما قدم الي المشهد المقدس و السدة السنية الحسينية علي مشرفها آلاف الثناء و التحية متوطناً مستوطناً عازماً للمجاورة الي ان يبلغ الكتاب اجله فيصل ما يؤمله فلما استقرّ به الجلوس بعد مدة يسيرة تحرك اهل الشقاق و الذين في قلوبهم مرض النفاق و عدم الوفاق مع آل اللّه اهل الاتفاق اتوا الي جناب السيد المهتدي السيد مهدي ابن المرحوم المبرور المغفور المير سيد علي تغمده اللّه بغفرانه و اوصله الي

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 259 *»

دار رضوانه و شبهوا له و اتوا ببعض العبارات المحذوفة الاول و الآخر و الوسط و العبارات التي لا انس لهم بها و لا معرفة لهم باصطلاحها فذكروا له غير المراد و اظهروا الضغائن المستكنة في الفؤاد خوفاً علي دنياهم الدنية

تصيدت الدنيا رجالاً بحبها   و لم يدركوا خيراً بل استفتحوا الشر
فاعماهم حب الغني و اصمهم   و لم يدركوا الّا الخسارة و الوزر

و زعموا انه اعلي اللّه مقامه ربما له طمع في الرياسة التي مدتها قليلة و فائدتها يسيرة و عاقبتها وخيمة و عقوبتها اليمة و لم يعلموا انه لا طمع له فيها و لا رغبة له اليها لعلمه بعاقبتها و معرفته بحقيقتها فموهوا علي جناب السيد و لبسوا عليه الامر و لم يعلم لصدقه و غفلته عما هو مرادهم من اظهار ضغائن صدورهم و فساد ضمائرهم فاصغي الي مقالتهم و سمع حكايتهم و قال ان الامر قد اشتبه عليّ فاظهر الاعراض و اغضي عما عليه المذهب من عدم الاعتبار بالخطوط و القراطيس سيما اذا كانت محذوفة الاوائل و الاواخر و لم ينظر ببصيرته الصافية من ان تلك العبارات و الاشارات لهجة قد غابوا عنها و لم يكونوا من اهلها و ان اصطلاحات اهل كل فن تؤخذ منهم و معاني كل لغة تسأل عن اهلها و لا تعرف الّا منهم و لم يتأمل الي ان اظهار الاعراض و الكلمات الغليظة الغير المناسبة مما يوجب الفتنة الشديدة و المحنة الغير السديدة و الناس اهل الشرور و المفاسد يطلبون الفتنة و يحبون وقوع المحنة ربما يصيبهم بعض المنال الدنيوي و العرض الزائل الذي مآله الخسران و عاقبته الحرمان فلما اظهر جناب السيد الاعراض و تفوه بكلمات لم تناسبه زادوا في كلماته كلمات و عباراته عبارات و شهروها بين العوام و نشروها عند الطغام فثارت نائرة الفتنة و هاج اعصار المحنة و شهروا عند الخلق من العوام من الرجال و النساء ان الشيخ احمد قد كفر و لما سألوا عن السبب يسندونه الي السيد و هو غافل غير قائل و اذا سئل السيد يجيبهم بان الناس يقولون و انا ما اقول

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 260 *»

و لا تحقق عندي شي‏ء نافضاً لجيبه مبرّءً لعيبه و الناس بين هذا الترديد بسعي اهل الضلال و التضليل بقوا في شبهة عظيمة و تشويش شديد.

ثم عقدوا مجلساً و احضروا اهل الحل و العقد لو شئت لسميت باسمائهم و لاومأت الي اشخاصهم و لكني من امرهم قد تكرمت و بالجملة عقدوا مجلساً ليكتبوا سجلاً في تكفير ذلك العالم الرباني و ينقشوا صحيفة في بطلان عقايد ذلك النور السبحاني فلما ارادوا ابداء ذلك الامر الشنيع وقعت زلزلة شديدة فرقت جمعهم و لم تعهد وقوع الزلزلة قبل تلك الليلة في مشهد سيدنا الحسين علیه السلام بل في جميع العراق تلك كرامة ظاهرة لكنها ما افادتهم كسنة من كان قبلهم فاكثروا الاقاويل الباطلة و الزور و البهتان و التمويه علي الناس ببعض العبائر حتي ادخلوها في قلوب العوام الذين كالانعام و النساء مردة ابليس حتي ان شخصاً لا برّد اللّه مضجعه و لا رزقه جنته قد كتب كتاباً و ذكر فيه جميع المذاهب الباطلة من مذاهب الملاحدة و الزنادقة و الصوفية و الغلات و المفوضة و مذاهب اهل التثليث و مكائد اهل التلبيس كلها نسبها الي ذلك العالم الرباني و الولي الصمداني و كان له مجلس عصر تجتمع الناس عنده فيقرأ عليهم ذلك الكتاب و يقول لهم ان هذه العقايد اعتقادات الشيخ احمد الاحسائي فيصيح الناس باللعنة و التبري لجهلهم بانه اعلي اللّه مقامه و انار اللّه برهانه بري‏ء منها و من معتقديها و لكنه سنة بسنة و قد فعل قبل ذلك معاوية و كان يبذل الدراهم و الدنانير ليضعوا الاحاديث كذباً علي رسول اللّه صلی الله علیه و آله و افتراءً عليه في مذمة امير المؤمنين علیه السلام و الترضي عن الخلفاء السابقين حتي شهرها في البلاد و نشرها في العباد و امر بتعليم الصبيان في المكاتيب اياها كذلك هؤلاء كتبوا كتاباً و اودعوا فيه العقايد الفاسدة و المذاهب الباطلة الكاسدة و نسبوها الي ذلك العالم العلم و النور الانور الاقدم (الاقوم خ ل) و كذلك رخصوا الناس بالافتراء عليه و الوقيعة فيه و انه اعلي اللّه مقامه يقول كذا و كذا من المذهب الباطل و القول الهائل و كانوا يلاحظون الناس و يذكرون لكل احد ما يستوحش

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 261 *»

منه و تنفر طبيعته عنه.

فمنهم من يقولون له ان الشيخ يري ان العلماء من عهد المفيد الي زماننا هذا كلهم علي ضلال و ان طريقتهم باطلة و ان المجتهدين علي الضلال و التضليل. و منهم من يقولون لاخرين ان الشيخ يقول ان امير المؤمنين ع هو خالق الخلق و رازقهم بالاستقلال و انه يعبده من دون اللّه. و يقولون لجماعة اخري ان الشيخ يقول ان امير المؤمنين علیه السلام خالق الخلق و رازقهم و محييهم و مميتهم بتفويض من اللّه و قد فوض اللّه تعالي امر الخلق و الرزق و الموت و الحيوة اليه و اعتزل عنهم. و يقولون لجماعة آخرين ان الشيخ يقول ان الضمائر القرآنية الراجعة الي اللّه تعالي كلّها ترجع الي امير المؤمنين و خطاب اياك نعبد و اياك نستعين الي اميرالمؤمنين و هو المخاطب بذلك و المشار اليه. و يقولون لجماعة اخري ان الشيخ لا يقول بالمعاد الجسماني و لا يعتقد ان هذا الجسم الدنياوي يعود. و يقولون ان الشيخ يقول ان رسول اللّه صلی الله علیه و آله ما عرج بجسمه الي السماء ليلة المعراج بل انما عرج بروحه. و يقولون ان الشيخ يقول ان اللّه لا يعلم الجزئيات و ان علمه سبحانه حادث و له علم آخر قديم و له علمان. و يقولون ان الشيخ يقول ان الحسين سيد الشهداء علیه السلام ما قتل و انما شبه للناس. و امثال هذه من المزخرفات التي يستبشع طبع كل عاقل بل و سفيه منها و ينسبونها الي ذلك العلامة الذي قد سمعت اتفاق جميع علماء الشيعة و رؤسائهم علي جلالة شأنه و نبالة مكانه و هو اعلي اللّه مقامه بين اظهرهم و يقول لهم يا قوم انما فتنتم بها و ان ربكم الرحمن فاتبعوني و اطيعوا امري و انا بري‏ء من هذه العقايد فان وجدتموها في كتبي فها هي كتبي حاضرة فاحضروها بين ايديكم و احضر معكم و ابيّن لكم معانيها و اشرح لكم مبانيها و اعلموا اني ما اقول الّا ما اتفقت عليه كلمة الشيعة و لا ادين الّا بما دانت به حملة الشريعة ما قال آل محمد قلنا و ما دانوا به دنّا اتقوا اللّه و لا تشقوا

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 262 *»

عصي المسلمين و لا توقعوا الفتنة في الدين و لا تشمتوا بنا المنافقين و لا تشفوا بنا غيظ قلوب الحاسدين فاني ما اقول الّا الحق و ما اقول الّا ان اللّه سبحانه واحد في ذاته و صفاته و عبادته و افعاله و لا شريك للّه في شي‏ء من هذه الاحوال فهو سبحانه الواحد المتفرد في خلق الاشياء و رزقها و حياتها و مماتها و هو قوله تعالي الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شي‏ء سبحانه و تعالي عما يشركون و ان التفويض باطل و اعتزال الخلق عن الحق و اعتزال الحق عن الخلق يوجب الاستقلال و هو في الممكن محال و التفويض عند الامامية ممتنع في الافعال الاختيارية المنسوبة اليهم لقد قالوا فيها بالامر بين الامرين و اللّه سبحانه يقول هل من خالق غير اللّه و يقول ماذا خلقوا من الارض و ان الضمائر الراجعة الي اللّه في القرآن لا يجوز ان ترجع الي غيره سبحانه نبياً كان ام ولياً ام ملكاً ام غير ذلك بل هو المراد سبحانه في جميع الاسماء و الصفات و اللّه سبحانه يقول و للّه الاسماء الحسني فادعوه بها و ذروا الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون و ان المعاد انما هو بهذا البدن المحسوس الملموس المرئي في الدنيا لا ببدن آخر و لا بالروح وحده و ان رسول اللّه صلی الله علیه و آله انما عرج بهذا الجسم الدنيوي ببشريته و ثيابه و نعله و ان اللّه سبحانه يعلم الاشياء بذاته قبل وجودها و بعد وجودها و حين وجودها لن تتفاوت احواله سبحانه لم يسبق له حال حالاً ليكون اولاً قبل ان يكون آخراً و ليكون ظاهراً قبل ان يكون باطناً و انه سبحانه عالم بكل شي‏ء كليها و جزئيها ذاتيها و عرضيها مجردها و مادّيها علويها و سفليها لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض و لا في السماء و لا اصغر من ذلك و لا اكبر الّا في كتاب مبين و ان الحسين سيد الشهداء علیه السلام سيد شباب اهل الجنة قتل مظلوماً غريباً شهيداً و ان لي قصائد في رثائه علیه السلام و انه ما بكي بعد خشية اللّه الّا للحسين علیه السلام كما قال الدمستاني رحمه اللّه في وصف العارفين الكاملين:

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 263 *»

و لم يسل منهم دمع علي بشر   الّا علي معشر في كربلا قتلوا

و ان علماء الشيعة هم حفظة الشريعة و حملة الدين و الملة و امناء اللّه في زمان الغيبة و ان المفيد رحمه اللّه عظيم الشأن جليل القدر واسع المنزلة قد رثاه الامام صاحب الزمان عليه و علي آبائه السلام بابيات ثلاث و هي:

لا صوّت الناعي بموتك انه   يوم علي آل الرسول مشوم
ان كان شخصك في التراب موسد   فالعدل و التوحيد فيه مقيم
و القائم المهدي يفرح كلما   تليت عليك من العلوم رسوم

و ان السيد المرتضي علم الهدي صاحب الثمانين ذوالرياستين الجامع بين العلم و العمل بتصنيفه الشافي قصم ظهور الملحدين المعاندين و قوّي مذهب الحق بالادلة و البراهين و اظهر فروع الشريعة بواضح الحجة و البينة و بلاؤه في الاسلام عظيم رحمه اللّه من سيد بذل مجهوده بنصرة هذا الدين القويم و ان شيخ الطائفة بتصنيفه الكتب لاسيما التهذيبين له حق علي جميع العلماء المؤمنين و العلامة آية اللّه في العالمين و هكذا سائر العلماء قد اطنب في مدحهم و اصرّ في نشر مناقبهم و فضائلهم.

ثم قال لهم يا قوم هذا مذهبي و ديني و كتبي لا تخالف ما اقول و ان بعض العبارات مبنية علي اصطلاحات غير مأنوسة لكم حيث انكم ما مارستموها و لا توجهتم لطلبها فاحضروا عندي او احضروني عندكم حتي اشرح لكم الحال بواضح المقال فلم يلتفتوا الي قوله و لم يصغوا الي كلامه و خالفوا قول اللّه سبحانه و لا تقولوا لمن القي اليكم السلام لست مؤمناً و خالفوا ما انعقدت عليه ضرورة الاسلام من ان الظاهر لا يعارض

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 264 *»

النص و ان كل احد اذا بيّن مراده يصدق لانه اعلم بما في قلبه و ادري بما عنده و الكلام يجري علي المجازات و الكنايات و الاستعارات و يجوز للعالم ان يجري كلامه كيف يشاء و لا لوم عليه و لا عتب.

و هذا الاعرابي لما حضر مجلس عمر  و قال اني اكره الحق و احب الفتنة و اشهد بما لم اره و عندي ما ليس عند اللّه و اعلم ما لا يعلمه اللّه و اصدق اليهود و النصاري و آكل الميتة و لا اركع و لا اسجد و انا ربكم و انا احمد النبي و انا علي فانكر عمر عليه و قال ازددت كفراً علي كفرك و امر بضرب عنقه و كان امير المؤمنين علیه السلام حاضراً فقال له علیه السلام مه يا عمر فان الرجل من اولياء اللّه ما تكلم الّا بالحق اما قوله اني اكره الحق فمراده بالحق الموت و كل احد يكره الموت و لا احد يحبه و اما قوله احب الفتنة فان اللّه سبحانه يقول «انما اموالكم و اولادكم فتنة» و كل احد يحب المال و الولد و اما قوله اشهد بما لم اره فانه يشهد باللّه و لم يره بالبصر و اما قوله عندي ما ليس عند اللّه فان عنده الظلم و ليس عند اللّه ظلماً و اما قوله اعلم ما لا يعلمه اللّه فانه يتصور للّه شريك و اللّه سبحانه يقول «ام تنبئونه بما لا يعلم ام بظاهر من القول» و اما قوله اصدق اليهود و النصاري في تكذيب بعضهما بعض و هو قوله تعالي «قالت اليهود ليست النصاري علي شي‏ء و قالت النصاري ليست اليهود علي شي‏ء» و اما قوله آكل الميتة الجراد و السمك و اما قوله و لا اركع و لا اسجد في صلوة الجنازة و اما قوله انا ربكم فيريد بالكم ما جمعه الاكمام و هو الردن لا الضمير المخاطب و اما قوله انا احمد النبي فيريد به اني احمده و امدحه و اثني عليه و اما قوله و انا علي يعني اني عالٍ في اعتقادي لست بمتسافل فاذا اوّل امير المؤمنين علیه السلام هذه الكلمات التي ظاهرها الكفر لاعرابي عامي فكيف لا تجرونه في كلامي و كذلك العلماء في كلماتهم و عباراتهم المتشابهات التي ظاهرها الكفر كثيرة و لم يحكم احد بكفرهم و لا بفسقهم و لا بنقص في وثاقتهم مع انه ما فی عبائری ما یشاکل عبائرهم.

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 265 *»

و هذا السيد المرتضي علم الهدي ذكر في رسالة صنفها في العقايد و فيها ذكر اسلام ابي طالب ذكر فيها ان اللّه ليس الهاً للاعراض و لا للجوهر الفرد مع انه قد علم من ضرورة الاسلام ان اللّه سبحانه اله كل شي‏ء و لم يحكم احد بكفره و لم يجوّز سوء القول فيه مع ان عبارته ظاهرة كالصريحة في ذلك.

و هذا المجلسی ره في كتابه صراط النجاة ذكر المقدورات و جعلها اقساماً و قال ان احد الاقسام يقدر عليه الخلق و لا يقدر عليه اللّه و هذا ظاهر بل صريح في ان الخلق اقدر من اللّه حيث انهم يقدرون علي شي‏ء لا يقدر عليه اللّه.

و هذا الاردبيلي قد جوّز التركيب العقلي في اللّه و الخوانساريان جوّزا انتزاع المدد الغير المتناهية من ذات اللّه و الصدوق ذكر في الفقيه ان الغلات و المفوضة لعنهم اللّه ينكرون سهو النبي و ذكر انه يتقرب الي اللّه في وضع رسالة في سهو النبي و الائمة علیهم السلام و انتم تعلمون ان جميع علماء الشيعة من عهد المفيد رحمه اللّه الي زماننا هذا متفقون علي ان النبي و الائمة علیهم السلام لا يجوز عليهم السهو و قد شملت لعنته جميع علماء الشيعة و اساطين الشريعة و هكذا امثال هذه العبارات لامثال هؤلاء العلماء البررة السادات كثيرة جداً لو اردنا ذكرها لاقتضي مجلداً كبيراً فما لكم كيف تحكمون فان كان يجب حمل الكلام علي ظاهره و لا يلتفت الي قوله فما بالكم ما حملتم هذه الكلمات علي ظواهرها و ما حكمتم بكفر قائليها و لا بفسقهم و لا بنقص وثاقتهم و لا فتور في عدالتهم و ما تجرون ما اجريتموه فيهم في كلماتي و عباراتي مع انها ليست في الدلالة علي ما تزعمون باظهر من هذه العبائر و ان وجب الحمل علي معني صحيح اذا تبين من قائله خلاف ذلك فانتم ما شاهدتم اولئك العلماء اصحاب هذه العبارات و اكتفيتم بكتبهم من كلمات و عبائر يدلّ بخلاف تلك العبائر دعتكم حمل هذه العبائر عليها فان كان تكتفون بالفاظ الكتب و عباراتها في الحمل علي المعني الصحيح ما ظاهره كفر صريح فهلا تكتفون مني بما اقول لكم بلساني و اخبركم عما في نفسي فكيف تجوزون الاجتهاد في مقابلة النص معي و تجرونه في و لا تجرونه في غيري و لا تجتهدون في كلمات غيري هل جاءكم نص من اللّه او

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 266 *»

من رسوله صلی الله علیه و آله او من احد الائمة علیهم السلام ان تفعلوا ذلك بهم دوني او جاءكم نص من اللّه و من رسوله صلی الله علیه و آله او احد الائمة علیهم السلام ان لا تسمعوا قولي و لا تحملوني علي الصحة و ان تعملوا بظاهر كلامي علي زعمكم مع ان ما تزعمون ليس بظاهر من كلماتي و لا تلتفتوا الي ما تسمعون مني فهلّا اطعتم اللّه سبحانه في قوله تعالي و لا تقولوا لمن القي اليكم السلام لست مؤمناً و ها انا القي اليكم عقايد الاسلام و عقايد الايمان و هلّا قال سبحانه و تعالي و لقد قالوا كلمة الكفر و كفروا بما قالوا و لم يقل بما كتبوا هلّا تراعون معي ظاهر الشريعة فستذكرون ما اقول لكم و افوض امري الي اللّه ان اللّه بصير بالعباد فلم يلتفتوا الي قوله و لم يصغوا الي كلامه و اصرّوا و استكبروا استكباراً و ازدادوا عتواً و عناداً و لم يحضروا معه و لم يسألوا عنه و لم يلتفتوا الي قوله و كتبوا في البلدان الي رؤسائها و اهل الحل و العقد منها ان الشيخ احمد كذا و كذا اعتقاده فشوشوا قلوب الناس و جعلوهم في الالتباس

و لم‏يكفهم ذلك حتي انهم اخذوا الجزء الثاني من شرح الزيارة الجامعة و اتوا به الي وزير بغداد و فيها من مطاعن الخلفاء و مثالبهم ما شاء اللّه و قد كان رحمه اللّه قد ذكر في هذا الجزء حكاية حسن بن هاني حيص بيص ديك الجن مع المتوكل و الابيات التي قرأها بمحضر منه و انا اذكر تلك الحكاية و اشرحها لتطلع عليها لتعرف شناعة فعلهم هذا و قباحته لان ضرره ما كان علي الشيخ وحده و انما هو علي كل الشيعة نعوذ باللّه من شرور الانفس و خائنة الاعين.

ذكر السيد هاشم التوبلي البحراني في كتاب معالم الزلفي ان المتوكل بعث الي ديك الجن بعد ما مضت برهة من الليل فلما اخبر بذلك تخيل في نفسه انه ما دعاه في هذا الوقت الّا ليسأله عن فضائل اهل البيت فاذا ذكر له شيئاً منها قتله حنقاً و عداوة لآل محمد علیهم السلام فاغتسل و تحنط و اوصي و ذهب اليه فلما رآه وجده جالساً و بين يديه شمعة و هو وحده فلما دخل عليه امره بالجلوس و قال اني بعثت اليك لاسألك عن معني بيت لك فان اصدقتني

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 267 *»

اعطيتك بدرة من الذهب و الّا قتلتك فقلت اصدقك يا امير المؤمنين فقال ما الذي قصدت بقولك:

اصبحت جمّ بلابل الصدر   و ابيت منطوياً علي جمر
ان بحت يوماً طل فيه دمي   و ان كتمت يضق به صدري

اخبرني ما هذا الذي في صدرك قد ضاق به ذرعك فقلت يا امير المؤمنين ان اعطيتني الامان اصدقك قال قد اعطيتك فانشدت فقلت:

مما جناه علي ابي حسن   عمر و صاحبه ابوبكر

ثم قال لي ما تقول في یزيد بن معاوية قلت رجس كافر ملعون قال لئن لم تأتني بشاهد من كلامه لاخذت الذي فيه عيناك فقلت انه قال حين ما اتي له برأس الحسين علیه السلام و جعل بين يديه فانشد فقال:

ليت اشياخي ببدر شهدوا   وقعة الخزرج مع وقع الاسل
لاهلّوا و استهلوا فرحاً   ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف ان لم انتقم   من بني احمد ما كان فعل
لعبت هاشم في الملك فلا   خبر جاء و لا وحي نزل

هذا انكار منه للنبي ص و انه من اللّه و انه ينزل الوحي عليه من اللّه سبحانه فقال المتوكل لعنه اللّه من اين اخذ يزيد و علي قول من استند و بقول من اعتمد في هذا المذهب الباطل قلت بقول ابيه معاوية فغضب المتوكل و قال فضّ اللّه فاك و اجهد بلاك ان معاوية كان كاتب الوحي و خال المؤمنين لئن لم تأتني بشاهد من كلامه لآخذنّ الذي فيه عيناك فقلت لما حضرت الوفاة معاوية اتت اليه امرأته و قالت لا انكح بعدك ابداً فالتفت اليها و قال:

اذا متُّ يا ام الحميراء فانكحي فليس لنا بعد الممات تلاقيا

فان كنت قد اخبرت عن مبعث لنا   احاديث لهو تجعل القلب ساهيا

فقال المتوكل بعد ما لعنه اخبرني انه عن قول من اخذ و علي رأي من اعتمد قلت علي قول عمر بن الخطاب فغضب المتوكل غضباً شديداً فقال لئن لم تأتني

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 268 *»

بشاهد من كلامه لآخذن الذي فيه عيناك فقلت انه شرب الخمر ذات يوم و اتت اليه امرأته و نهته عن ذلك و خوفته اللّه فانشد فقال:

أ اوعد في الجنان بشرب خمر   و انهي الآن عن ماء و تمر
أبعث ثم حشر ثم نشر   حديث خرافة يا امّ عمرو

فقال المتوكل و بقول من استند و علي رأي من اعتمد فقلت بقول ابي بكر فاستشاط غضباً و انتفخت اوداجه و قال واللّه لئن لم تأتني بشاهد من كلامه لآخذنّ الذي فيه عيناك فقلت انه شرب الخمر ذات يوم في نهار شهر رمضان فاتت اليه امرأته و قالت ان محمداً صلی الله علیه و آله هدر دم من يفطر في شهر رمضان لاسيما شرب الخمر فانشد عند ذلك فقال:

دعينا نصطبح يا ام بكر   فان الموت نفث عن هشام
و نفث عن ابيك و كان قرما   شديد البأس في شرب المدام
أيخبرنا ابن كبشة سوف نحيي   و كيف حيوة اشلاء و هام
الا من مبلغ الرحمن عني   باني تارك شهر الصيام
و تارك كل ما اوحي الينا   حديثاً من خرافات الانام
فقل للّه يمنعني شرابي   و قل للّه يمنعني طعامي
و لكن الحكيم رأي حميراً   فالجمها فتاهت باللجام

فلما سمع المتوكل منه ذلك امر له ببدرة من ذهب و رخّصه فانصرف سالماً.

انظر الان ايها المنصف و تأمل بعقلك و ميز بسريرتك هل يجوز لاحد ممن يؤمن باللّه و في قلبه رقة علي هذه الفرقة ان‏يري هذه الحكاية لاهل السنة و الجماعة سيما والي بغداد الذي قوله فعله و يجب علي مقتضي دينهم ان‏يوصل الاذية و الاهانة لقائل هذا المقال بل فيه هتك الشيعة قاطبة و تعرضهم للقتل و النهب و انواع الاذية و هل هذا الّا اضرار للمذهب و تعريض لهذه الفرقة المحقة بانواع البلية كيفما قدروا باي وجه شاؤا و الوقت وقت التقية و المقام مقام الهدنة و الشيعة مأمورون بان‏يستروا عن المخالفين جزئيات احكامهم

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 269 *»

الفرعية خوفاً من وثبتهم عند مخالفتهم و قد سئل مولانا الكاظم علیه السلام عن مسئلة في الحيض فارخي ستور الخيمة و اخرج من كان فيها و اوصاه بالحفظ و الكتمان لسرّ اللّه الي ان بين له حكم المسئلة و قال انه سر اللّه فلاتذعه فاذا كان هذا حالهم علیهم السلام في مسئلة من مسائل الحيض يأمرون بالحفظ و الكتمان فما ظنك في القول بالنسبة الي الصحابة بما لايليق فضلاً عن هذه الامور الشنيعة و قد كان في تلك الايام قد قتل والي بغداد خال الشيخ الاجل و العالم الافضل الانبل شيخنا الشيخ موسي بن الشيخ جعفر تغمدهم اللّه برحمته و امطر عليهم سحائب مغفرته قتله و الشيخ هناك بتهمة نسبت اليه و افتراءات افتريت عليه دون هذا الذي ذكرنا بكثير بمحض الدعوي بلا بينة و لا شهود مع ان جناب الشيخ موسي كان عنده في الغاية من الاحترام و الاعظام فاذا كان هذا حاله بمحض الافتراء باقل من هذه المقالة فما ظنك لو وجده في كتاب و علم يقيناً ان هذا قوله و مذهبه كيف تري ان‏يفعل و لا لوم عليه و لا عتب لو فعل كل شي‏ء من قتل و نهب و اسر و غير ذلك الّا ان‏يحول اللّه بينه و بين ارادته ثم اروه ورقة اخري و فيها تزويرهم و مكرهم و نسبة القول الي مولانا و سيدنا ان اميرالمؤمنين علي بن ابي‏طالب علیه السلام هو الخالق و الرازق و المحيي و المميت و هم لايثبتون له الخلافة بعد رسول اللّه صلی الله علیه و آله بلا فصل فكيف يثبتون له هذه الامور و يطيقون ان يسمعوا هذه النسبة اليه و القائل بهذا القول عندهم من افسق الفجرة و اكفر الكفرة يجب عليهم قتله و سفك دمه و نهب حريمه علي كل وجه و قصدهم ببعث هذا الكتاب ان لايبقوا للشيخ اعلي اللّه مقامه باقية بل اضروا لاجله كل الشيعة و هذا بعينه قول ابن الزبير في وقعة الجمل «اقتلوني و مالكاً».

ثم لما اخبر مولانا الشيخ بذلك اغتم غماً شديداً و حزن حزناً طويلاً لما دخل الضرر علي جميع الشيعة و عليه و كان يترقب وقوع البلية في كل ساعة و دقيقة الي ان لم يتمكن من القرار و لا يسعه الاستقرار و اقتضي العلم و التكليف الالهي الفرار و لما كان الفرار الي اللّه سبحانه هو الامان من كل مخاوف ففرّ

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 270 *»

الي اللّه سبحانه ممتثلاً لامر الله حیث یقول ففرّوا الی الله فقصد حج بيت اللّه خوفاً من فراعنة هذه الامة مقتدياً بسيدالشهداء حيث فرّ منهم الي بيت اللّه عن حرم جدّه رسول اللّه صلی الله علیه و آله فكذلك الشيخ اعلي اللّه مقامه و رفع في الدارين اعلامه انهزم من الظالمين و سار باهله و عياله و ابنائه و بناته و زوجاته و باع كل ما عندهم من المصاغ و ا لحلي فقصد الي السفر ذلك السفر الشاقّ مع ضعف بنيته و نفاد قوته و كبر سنّه و شدة خوفه فسافر بالعيال و شدّ الرحال و ابقاني بايدي هؤلاء الارذال وحيداً غريباً بلا ناصر و لا معين الّا مدد اللّه و عنايته و حفظه و كلائته فلما بلغ بعياله و بعض اولاده الي هدية و هي عن المدينة المنورة بثلاث مراحل اتته رسل اللّه سبحانه و دعته الي جوار اللّه و نادته حيّ علي الفلاح حيّ علي الفلاح فهبّت عليه الريح المشوقة فشوقته الي لقاء اللّه تعالي ثم هبت عليه الريح المنسية فانسته الدنيا و ما فيها ثم هبت عليه الريح المسخية فاسخته لبذل الروح في محبة اللّه تعالي فانتقل من هذا المحبس المضيق([1]) الي الفضاء الاوسع([2]) الفسيح و اتصل باحبته و بلغ اقصي الغاية في مؤانسته و استراح من كرب الدنيا و محنتها و من المها و زحمتها و من كدورتها و فتنتها و استبدل باحباب يستأنس بهم و اصحاب لا يفارقونه و لا يفارقهم و اتصل فراره الصوري بالفرار الحقيقي و كان قاصداً بيت اللّه الظاهري فوصل البيت المعمور الحقيقي فلم يزل طايفاً حول ذلك البيت و رامقاً طرفه الي نور التجلي المصباح المتوقد من نار الشجرة التي ليست بشرقية و لا غربية يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم تمسسه نار و وقعت بموته ثلمة ما سدّها شي‏ء و وقعت زلزلة و ولولة و مات كثير من العلماء بعده و وقعت فتنة الجهاد و انكسرت بها شوكة الاسلام و صار المسلمون اذلةً للكفار و هلكت انفس كثيرة و هتكت اعراض محترمة و صارت للكفار علي المسلمين حجة و من ذلك صارت للروس جسارة علي ملك الروم بعد ما كانوا اذلاء مغلوبين لملكهم و اخذوا كثيراً من ممالك الروم و استولوا علي بلاد الاسلام و قد تزعزع اركانها و انهدم بنيانها و كاد ان يضمحل حتي تداركها

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 271 *»

اللّه سبحانه برحمته لمصلحة تامة و حكمة عامة رجعت الدولة اليهم و لكنهم بعد مقهورون مغلوبون مطيعون لامر دولة الفرنج و كل ذلك اثر ذلك الجهاد الذي عمّ البلاد و العباد و وقعت فتن و محن كثيرة ما ارتفعت الّا قبل ايام قلائل و بعد آثارها باقية ما لها من نفاد.

و بالجملة فبعد وفاته اعلي اللّه مقامه و انار برهانه ظنت الجماعة انه تضمحل آثاره و تبلي اخباره و تخمد ناره و يطفأ نوره سكتوا عن الكلام برهة من الزمان تقرب من مدة سنتين او اقل فرأوا ان نوره لم يزل في ازدياد و نجم سعد علومه و آثاره لم يبرح في علو و ارتفاع رجعوا الي ما كانوا بصدده و تعرضوا لهذا العبد المسكين الحقير الفقير فطالت السنتهم عليّ من غير حجة و لا موجب الّا اني اذكر مناقبه و انشر فضائله و ادرس في تصنيفاته و ابيّن للناس غرر درر فوائد تأليفاته فبعثوا اليّ ان اترك ما انت عليه قلت في جوابهم ان الذي انا عليه معرفة اللّه و اسمائه و صفاته و افعاله و آثاره و معرفة انبيائه و رسله و اصناف خلقه و معرفة حججه و امنائه و معرفة النبوة المطلقة و الولاية المطلقة و معرفة التوحيد و مراتبه و رفع الشكوك و الشبهات الواردة عليه فان كان البحث عن هذه الامور موجب اضلال الناس و تضليلهم فعلي الاسلام السلام فالخلق لماذا خلقوا و الانبياء لماذا بعثوا و قد قال امير المؤمنين علیه السلام اول الدين معرفة اللّه و كمال معرفته توحيده و كمال توحيده نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة علي انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف علي انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث فمن وصفه فقد قرنه و من قرنه فقد ثنّاه و من ثنّاه فقد جزّاه و من جزّاه فقد الحد فيه و اجابوا ان الذي تباحث فيه علم الحكمة و الحكماء ضالون مضلون قلت لهم و ما تنقمون من الحكمة هل في لفظ الحكمة او في معناها فان كان لفظ الحكمة فقد مدحها اللّه سبحانه في كتابه و ذكر انه مابعث الرسل الّا ليعلم الخلق الحكمة و قال عز من قائل هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلو

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 272 *»

عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و قال تعالي في داود و آتيناه الحكمة و فصل الخطاب و قال تعالي و لقد آتينا لقمان الحكمة و قال تعالي و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً و امثالها من الآيات الكثيرة و الروايات الغير العديدة التي يطول الكلام بذكرها و بيانها و ان كان تنقمون علي الحكمة لاجل معناها فالحكمة عبارة عن معرفة اللّه و توحيده و ما يتعلق بمعرفته من اسمائه و صفاته و افعاله و آثار افعاله التي هي كينونات الخلائق و الذوات و الحقايق و معرفة النفس من حيث تحليها بالفضائل و تخليتها عن الرذائل و معرفة السياسة الالهية و الحدود الشرعية من العبادات و المعاملات و العقود و الايقاعات و الاحكام.

و يدلّ علي ان المراد من الحكمة ما ذكرناه قوله تعالي لا تجعل مع اللّه الهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً و هو اشارة الي التوحيد في مراتبه الاربعة و ما يتعلق به من الاسماء و الصفات و الافعال و آلاثار فان لم‏تصفه سبحانه بما يليق بجلال عظمته و كبريائه في اسمائه و افعاله و آثاره فقد اتخذت معه الهاً غيره ناقصاً في صفة كينونته ثم قال سبحانه و قضي ربك الّا تعبدوا الّا اياه اشار الي توحيد العبادة لانه اظهر مراتب التوحيد ثم قال و بالوالدين احساناً و الوالدان اللذان قرنهما اللّه سبحانه بتوحيده و عبادته و وصفهما بانهما المربيان ليس الّا النبي و الولي لقوله صلی الله علیه و آله  انا و علي ابوا هذه الامة فاشار الي النبوة و الولاية و ما يتعلق بهما من صفاتهما و احكامهما و مضافاتهما و منسوباتهما ثم قال سبحانه اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما الي قوله تعالي و لا تمش في الارض مرحاً انك لن تخرق الارض و لن تبلغ الجبال طولاً كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً و جميع هذه الايات منها في علم الاخلاق و تهذيب النفس و منها في الاحكام الشرعية كما يظهر بادني تأمل و شرحها يوجب التطويل الممل ثم قال سبحانه بعد ان ذكر معرفة اللّه و صفاته و آثاره و افعاله و اسمائه و نبيه و وليه و تهذيب النفس و عبادة اللّه سبحانه كما شرعها قال ذلك مما اوحي اليك ربك من الحكمة و قد تطلق الحكمة و يراد بها الاصول الخمسة من التوحيد و العدل و النبوة و الامامة و المعاد كما قال تعالي و لقد آتينا لقمان

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 273 *»

الحكمة ان اشكر لي و لوالديك اليّ المصير فاشار سبحانه بالشكر له الي علم التوحيد و العدل و بالوالدين الي النبوة و الولاية و بقوله الي المصير الي المعاد و هل يكون البحث عن هذه الوجوه التي خلق العالم لاجلها موضع نقمة و ما تنقمون منا الّا ان آمنا بآيات ربنا لماجاءتنا ربنا افرغ علينا صبراً و توفنا مسلمين فان كان بعض الناس قد توغلوا في الحكمة علي غير الجادة المستقيمة و ذلك يوجب الاعراض عنها و لزوم عدم التشاغل بها فيجب الاعراض عن العلوم جلها بل كلها لان ما من علم الّا و تكلم اهل الباطل فيه لاسيما علم الفقه العلم بالاحكام الشرعية الفرعية فان اهل الباطل قد اكثروا فيها من البدع و الامور القبيحة مثل القول بالقياس و الرأي و الاستحسان و سائر الامور المخترعة و الاهواء المبتدعة و ما اريكم قد اعرضتم عنها و ضربتم صفحاً دونها فان كان البحث و التشاغل لاجل التمييز اي تمييز غثها عن سمينها و حقها عن باطلها و شرابها عن سرابها فكذلك القول بعينه في الحكمة فوجب الخوض فيها و التشاغل بها و الترادد في مباحثها لتمييز الحق من الباطل و الشراب من السراب و الغث من السمين فلماذا ما انكرتم الخوض و التشاغل في غيرها و انكرتم فيها فما لكم كيف تحكمون أ فلا تبصرون.

فاجابوا بان الخطر في الخوض في الحكمة و التشاغل فيها عظيم لان الخطأ فيها يوجب الخلود في النار بخلاف التشاغل في غيرها فان خطره هيّن و الخطأ فيه لا يوجب الخلود في النار و الدوام في دار البوار قلت يا سبحان اللّه اذا ما اشتغلتم فيها من اين تعرفون حقها من باطلها و الاعتقاد الردي من الاعتقاد الحسن و لعل الشخص في كفر و زندقة و يتخيل انه التوحيد و مع‏ذلك تضعف القلوب و تميل الي كل شبهة و تكون مصداق قول امير المؤمنين علیه السلام همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح و هو قوله تعالي فاذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم اللّه اني يؤفكون فالقلب اذا لم يكن علي بصيرة و لم يكن علي بينة واضحة و نور ساطع و سراج زاهر لامع لم یتمكن

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 274 *»

من دفع الشبهات الواردة و الشکوک الحاصلة و لم تزل تتوارد الشبهات حتي تخرج الانسان عن الاعتقاد الحق و لذا لما سئل ذلك العالم[3] عن وجه التناقض بين قوله علیه السلام في الدعاء يا من هو قبل كل شي‏ء يا من هو بعد كل شي‏ء و ما علم من ضرورة المذهب و الدين ان الجنة و النار باقيتان ابد الابدين لا نفاد لهما و لا اضمحلال بل باقيتان مدة دوام ملك اللّه فاذا كانتا لاتفنيان فكيف يكون اللّه سبحانه و تعالي بعدهما فاجاب بان من المعلوم من القواعد اللغوية([4]) انه ما من عام الّا و قد خص فاللّه سبحانه بعد كل شي‏ء الّا الجنة و النار فانهما لا تنقطعان.

انظر الي هذا الجواب الباطل و القول الهايل فلو انه خاض في معرفة اللّه كما امره اللّه سبحانه و كلفه من معرفة توحيده و اسرار تفريده و تجريده عرف ان اللّه سبحانه لا يتفاوت له الحال و لا تتغير نسبته و لا تكون فيه سبحانه جهة و جهة فقبليته عين بعديته و هو قبل في عين كونه بعداً و بعد في عين كونه قبلاً  اول في عين كونه آخراً  آخر في عين كونه اولاً قريب في عين كونه بعيداً و بعيد في عين كونه قريباً لم تجر عليه النسب و الاضافات و لم تختلف عليه الحالات و لم تعتوره الصفات المختلفات و لا تتفاوت نسبته قبل خلقه و بعد خلقه و لا ذكر للامكان في القديم سبحانه و تعالي عما يقولون و عما يصفون علواً كبيراً فلو انه تعمق و نظر و تفكر و استبصر عثر علي قول مولانا الصادق علیه السلام علي ما رواه ثقة الاسلام ان اللّه خلو من خلقه و خلقه خلو منه و ما رواه الصدوق ره في التوحيد من خطبة مولانا الرضا علیه السلام في مجلس المأمون و فيها كل ما في المخلوق يمتنع في خالقه.

فبالجملة و التهاون و عدم التشاغل في معرفة اللّه سبحانه يوجب الوقوع في امثال هذه الورطات و الهلكات و قد قيل لعالم ممن يدّعي العلم و الرياسة ان رسول اللّه صلی الله علیه و آله قد عرج الي السماء بالليل فكيف صلي صلوة الظهر و صلوة الظهر لا تكون الّا عند كون الشمس في دائرة نصف النهار اين النهار من الليل اين نصف النهار من نصف الليل و كيف كانت هذه الصلوة

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 275 *»

فبهت و تحير ثم نظر و تفكر فقال انه صلي صلوة القضاء ثم قيل له كيف يترك رسول اللّه الصلوة و كيف تقضي صلوته قال انه صلي صلوة النيابة انظر الي هذا الرجل من عدم التشاغل بمعرفة اللّه و بكيفية آثار خلق اللّه و عدم الرضاء بان يقول اني ما اعلم كيف اوقع نفسه في هذه الورطة المهلكة و قد ذكر بعض العلماء في بعض تصانيفه ان اللّه ليس له مكان و الّا لمازج القاذورات و هذا صريح في الجسمية لان الامتزاج صفة الاجسام و لو كان له سبحانه مكان لا يجوز ان يخلو منه مكان فيجب ان يكون في القاذورات و النجاسات و الّا لخلا منه مكان و لما كان هذا الامتزاج محالاً يجب ان لا يكون له مكان.

و بالجملة امثال هذه الامور كثيرة و مثل هذه الهفوات غير عزيزة كل ذلك انما جري لعدم التشاغل في معرفة اللّه و القول بان ذلك ليس تكليفنا و وقعوا فيما وقعوا و بهتوا و تحيروا فيما تعتريهم من هذه الشبهات و ترد عليهم الاشكالات فاجابوا بان معرفة العوام كافية لنا و المعرفة الاجمالية مجزية و الخوض في تفاصيلها و البحث عن مسائلها غير واجب و لا لازم قلت نعم المعرفة الاجمالية اذا صحّت بحيث اذا فصلت لم يضطرب صاحبها و لم يختلف و لم يتحير كافية في كونه مسلماً من المسلمين و موقناً من الموقنين و لكن العلماء و الفقهاء من اصحابنا و من جميع فقهاء الاسلام متفقون علي انه يجب كفاية ان يكون شخص عالماً بتفاصيل علم الحكمة و الكلام و معرفة حقايق الاشياء و دقايقها و تفاصيلها و جهات الشبهات الواردات عليها حتي يكون حاضراً يدفع عن الاسلام ما يرد عليه من الشبهات و ما يرد علي الايمان من الشكوك و الخيالات و يعرف مكائد ابليس و مواقع شبهه و لا شك ان ابليس لا ترد شبهه من جهة واحدة بل من جهات شتي و علوم شتي قد تكون شبهته من باب النجوم و قد تكون من باب علم الهندسه و قد تكون من باب علم الطلسمات و النيرنجات و قد تكون من باب علم الحروف و هكذا جهات شبهاته مختلفة و مواقع مكائده متشتتة فلابد ان يكون عالماً حكيماً كاملاً يعرف تلك الجهات و يكون له نور التوسم حتي يدفع الشب

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 276 *»

المتنبي و شكوك اهل التصوف فانها اعظم داء لهذا الدين القويم و اعظم حجاب لهذا المذهب المستقيم و الواجب الكفائي هو الذي يكلف به جميع المكلفين فاذا قام واحد به سقط عن الباقين فعلي هذا يجب علي المكلفين ان‏يبذلوا مجهودهم في تحصيل الحكمة و الكلام و المعارف الالهية مقدار ما تقوم به الكفاية و هذا لايكون الّا بان يشتغل فيها خلق كثير حتي يكمل منهم اثنان او ثلاثة او اربعة حتي لا تخلو الارض ممن يقوم بحجج اللّه ظاهراً مشهوراً من نواب الامام علیه السلام و هذا علم الفقه فانكم تزعمون انه واجب كفائي و ابطلتم قول الحلبيين([5]) القائلين بالوجوب العيني و اكتفيتم بالتقليد فما بالكم توجبون البحث و الخوض و اجتماع الناس لتحصيل واجب كفائي و تمنعونهم عن البحث و الخوض في تحصيل واجب كفائي آخر و انتم متفقون بانهما واجبان كفائيان كما تكفي المعرفة الاجمالية في اصول الدين يكفي التقليد في الفروع فلماذا الزمتم علي الناس البحث و الخوض في علم الفروع حتي تحصل له ملكة الاستنباط لاجل تحصيل الواجب الكفائي و منعتم الناس عن البحث و الخوض في تحصيل المعارف الالهية و العقايد الاصولية و هل يجب الخوض في الفروع و لا يجوز في الاصول ان هي الّا قسمة ضيزي.

و هنا صح المثل المشهور زيادة الفرع علي الاصل اذا لم يحصل الاصل الثابت فكيف تتفرع الفروع «ثبت العرش ثم انقش» ثم انا ما نتكلم في كل ما نتكلم من المعارف الالهية و الحقايق الربانية و معرفة الافعال و الاثار و الاسماء و الصفات و معرفة النبوة و الولاية بمحض دلالة العقل و ان كانت عندكم كافية كما هو شأن غيرنا من المتسمين بالحكماء فانهم يتكلمون بمحض العقل في المعارف الالهية طابق الشرع ام لا و نحن بعون اللّه لم نسلك هذا المسلك و لم ننهج هذا المنهج بل نراعي دلالة العقل اولاً ثم ننظر دلالة الايات المحكمة علي ما دل عليه العقل ثانياً ثم ننظر دلالة السنة من الاحاديث المسلمة المشهورة الغير المتشابهة علي ما دل عليه الكتاب الذي دل عليه العقل ثالثاً ثم ننظر الي المذهب و مطابقة الثلاثة معه فان خالف تركناها لان المذهب اثبت و اقوي

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 277 *»

رابعاً ثم ننظر الي الايات المرئية في الافاق و الانفس من قوله تعالي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق خامساً ثم نحكم بحقية تلك المسئلة و قطعيتها اذ لا سبيل جعلها اللّه سبحانه لنا في الحق غير هذه الوجوه فاذا تطابقت وجب ان يكون حقاً او يكون اللّه سبحانه مغرياً بالباطل و حاشاه ثم حاشاه فاذا باحثنا في علم المعارف و العقايد علي هذه الوجوه فايّ ضلال يلزمنا و اي محذور نخشاه فلماذا نترك الحق الواضح و الطريق اللايح فماذا بعد الحق الّا الضلال أ تامرنا ان نترك الحق.

اجابوا بان لا نريد منك ترك البحث و الدرس في هذه المعارف الّا انك سلكت مسلك الشيخ و نهجت منهجه و قلت بقوله قلت و ايّ عيب في مسلكه و ايّ قصور في منهجه أ ليس علماؤكم و علماء الاسلام الذين عليهم المدار في النقض و الابرام كلهم شهدوا له بالوثاقة و الجلالة و العلم الغزير و الفضل الواسع و النور الساطع و قد قام الاجماع و انعقد من جميع علماء الشيعة علي جلالة شأنه و نبالة مكانه و اي محذور يلزمني اذا اتبعته و قبلت شهادة هؤلاء الاعلام مع ما بذلت مجهودي في التجسس و التفحص عن حاله طلباً للهداية و تجنباً عن الغواية قربةً الي اللّه طالباً رضا اللّه و غير طالب لدنياه اذ ما انتفعت منه اعلي اللّه مقامه من الامور الدنيوية شيئاً و صحبته في السفر و الحضر و عاشرته في الليل و النهار فلم اجد منه الّا اشرف الخبر في العلم و العمل مع ما ظهرت لي من الدلائل الواضحات و البراهين اللائحات من الائمة السادات عليهم سلام اللّه من رب البريات علي حقيته و وثاقته فما الذي يوجب العدول عنه و عدم قبول شهادة اولئك الاعلام و الفحول من العلماء الفخام و السادة من الفضلاء الكرام فان كنت مقلداً تابعاً فتبعية جميع علماء الاسلام مع غزارة علمهم و جلالة شأنهم و عموم رياستهم و شمول سلطنتهم الحقيقية اولي و احري بمتابعة شخص واحد غير مطلع علي هذه العلوم و المعارف غير سالك سبيلها غير ناهج منهجها و غير عارف بمصطلحاتها و اي حجة في قوله علي اذا كان لا يعرف شيئاً من هذه العلوم و ان كان بصيراً في الفقه و الاصول و لا شك ان اباه تغمده اللّه برحمته و

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 278 *»

اسكنه غرفات جنته ابصر منه و اعلم و اورع و اعرف بمواقع الاحتياطات و هو رحمه اللّه قد اعترف بالعجز عن معرفة كلام هذا العالم العلم الرباني فتقليد اولئك الاعلام اولي من تقليد شخص واحد كما وصفته و جماعة من العوام كالانعام اشباه البهائم و ان كنت محققاً ناظراً بصيراً مكلفاً بالذي افهمه فها انا قد اخبرتكم باني ذخرت محبته و متابعتي له ليوم فقري و فاقتي الي اللّه و ارجو من اللّه ان يحشرني محشره و يرزقني شفاعة نبيه صلی الله علیه و آله بكرامته فان كان عندكم برهان غیر ما ذكرت و دليل غير ما بينت يوجب العدول عنه هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين.

فاجابوا بان اولئك العلماء لم يعثروا علي ما عثرنا و لم يتبين لهم ما تبين لنا فلا نكلف باقوالهم قلت هذا بعينه قول السلف الاول لما قال لهم بريدة الاسلمي ان رسول اللّه صلی الله علیه و آله نصب امير المؤمنين علیه السلام للخلافة فما الذي عدل بكم عنه الي ابن ابي قحافة قالوا له حضرنا و غبت و الشاهد يري ما لا يراه الغايب و لعمري ان هذه العبارات التي يدعونها و يزخرفون في معانيها في رسائل كتبها اعلي اللّه مقامه قبل ان يخرج من الاحساء و قبل ان يتوجه الي العجم و كتبه بحمد اللّه كانت مشتهرة و هذه العبارات و امثالها مرّت علي انظارهم.

ثم نقول مع قطع النظر عما ذكرناه من ان العلماء عثروا علي تلك العبارات و لن يجدوا فيها دلالة علي ما يدعونه من تلك المزخرفات نقول ان علماء الاسلام و علماء الفرقة المحقة قبل جناب السيد السيد مهدي كانت متفقة الكلمة متطابقة المقالة علي وثاقته و جلالته و لم يكن عليه نكير و قال صلی الله علیه و آله لا تزال طائفة من امتي علي الحق حتي تقوم الساعة فاذا اتفقوا وجب ان يكونوا علي الحق فتكون جلالته حقاً ثم ان اللّه سبحانه يجب ان يبين لهم فساد حاله و فساد اعتقاده حتي لا تتفق كلمتهم في ذلك العصر علي باطل.

ثم علي فرض التسليم لما ذكروا مع انه محال ان يكون اتفاق جميع العلماء من الفرقة المحقة التي يدور الحق فيهم علي الباطل قلنا لهم ما الذي تبين لكم و عثرتم عليه من فساد عقايده و بطلان ما في ضميره من غير المزخرفات

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 279 *»

من الافتراءات؟ قالوا اربع عباير في اربع مطالب:

منها عبارة في المعراج تدلّ علي ان النبي صلی الله علیه و آله قد القي كل عنصر من عناصر وجوده في مكان ذلك العنصر فالقي النار في كرتها و الهواء في كرته و كذلک الماء و التراب مع ان المعروف من المذهب و المعلوم من الدين صعوده بجسمه.

و منها عبارة في المعاد تدل علي ان عناصر البدن كل عنصر يلحق بمركزه ثم لا يعود مع ان ضرورة الاسلام قامت علي عود البدن الجسماني.

و منها عبارة في العلم تدل علي ان للّه تعالي علمين علم قديم و علم حادث و لا ريب ان الحادث لم يكن ثم كان و يلزم منه ان يكون علم اللّه متجدداً حادثاً كان في وقت لا يعلم.

و منها عبارة تدل علي ان الامام علة فاعلية و يلزم منه ان يكون اما مستقلاً في الاحداث و الفعل او يكون مفوضاً اليه و كلاهما باطلان لضرورة الاسلام. فخالف ضرورة الاسلام في هذه المسائل الاربع فلا يصح الرجوع اليه و التعويل عليه و المتابعة له و من هذه الجهة نهيناك عن اتباعه و عن نشر مطالبه.

فلما سمعت هذا منهم قلت أ ليست هذه المسائل هي التي انكرتم عليه فيها في حيوته أ ليس هو انكر التزام صحة هذه المسائل علي ما ذكرتم ا ما عرض عليكم ان تحضروا العبارة لديّ حتي افهمكم و افسر لكم حكم المراد منها أ لستم ابيتم عن ذلك و هل بقي لكم حجة بعد ذلك و هل يعارض الظاهر النص أ ما تدرون ان العلماء لهم اصطلاحات لا تعرف الّا من جهتها و ان لا مشاحة في الاصطلاح و ان الكلام يجري علي وجوه من انحاء التجوزات و الاستعارات و التشبيهات و الكنايات و انحاء الاصطلاحات و اجراء الكلام من قبيل اياك اعني و اسمعي يا جارة و قد قال مولانا الصادق علیه السلام اني لاتكلم بكلمة واحدة و اريد منها احد سبعين وجهاً لي لكل منها المخرج و لو شاء انسان

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 280 *»

صرف كلامه حيث شاء و لا يكذب فان ابراهيم نظر نظرة في النجوم و قال اني سقيم و ما كان سقيماً و لم يكذب و قال بل فعله كبيرهم و لم يفعل كبيرهم و لم يكذب ابراهيم فاذا كانت هذه الوجوه تحتمل من الكلام فما ظنك بالعبارة مع اجماع المسلمين و ضرورة المذهب و الدين و نص الكتاب المبين ان لا عبرة بالكتاب و لا بالعبارة و انما العبرة بصريح المقال الظاهر في المراد بما لا يحتمل خلافه في العرف و اما اذا كان المتكلم يحتمل في حقه ان يريد خلاف الظاهر و ادعي ذلك يجب التصديق له و عدم مخالفته لانه ابصر بمراده و اعرف بمقصوده و ضميره فكيف بالعبارة و قد ذكرنا مراراً ان اجماع المسلمين منعقد علي عدم اعتبار الكتابة اذا نص الكاتب بخلافها و مخالفته مخالفة الضرورة فبايّ بيان عندكم و ايّ برهان لديكم و ايّ شي‏ء يقطع ذلك الاجماع هل بهذا تحتجون اذا سئلكم اللّه يوم العرض الاكبر و بهذا تستدلون اذا سئلكم رسول اللّه صلی الله علیه و آله عند المخاصمة يوم المحشر

ماذا تقولون اذ قال النبي لكم           ماذا صنعتم و انتم آخر الامم

و ما تقولون في جواب امير المؤمنين اذا قال لكم و هو حامل اللواء علي منبر الوسيلة ءاللّه اذن لكم ام علي اللّه تفترون يا قوم اتقوا اللّه و قدموا من قدمه اللّه خذوا عمن علمه اللّه و لا تبخسوا الناس اشياءهم و لا تعثوا في الارض مفسدين بقية اللّه خير لكم ان كنتم مؤمنين و لا تقعدوا بكل صراط توعدون و تصدون عن سبيل الله و تحسبون انكم مهتدون فما افادهم هذا الكلام و لا نفعهم هذا الزجر التام و اصرّوا علي ما كانوا عليه من الانكار و الاصرار بلا علم و لا هدي و لا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل اللّه و يتبع كل شيطان مريد.

ثم جمعوا و اجتمعوا و جلسوا مجلساً يوم الجمعة اول جمعة من شهر رجب و اجتمع فيه خلق كثير یبلغ عددهم الوفاً و ما فیهم من يصدقني و

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 281 *»

احضروني في ذلك المجلس الشديد و انه ليوم عصيب و جاء القوم يهرعون من كل جانب و لهم من رؤسائهم جواذب و انا اذ ذاك بينهم وحيد فريد فقال لي واحد منهم في ذلك المجلس ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين و اني لي و الخروج و قد حفّ القوم بي من كل جانب و مكان شاكين باسلحتهم مشتملين بارديتهم كأنهم اتوا للجهاد بين يدي المبعوث من رب العباد فلما استقرّ بنا و بهم الجلوس سألتهم لماذا هذا الاجتماع و ما الموجب لهذه الغوغاء هل سمعتم و رأيتم مني خلافاً للشرع او العرف او الدين او المذهب اجتمعتم لتثبتوه عليّ و تقيمون الحدّ قالوا لا قلت فايّ شي‏ء اذن اجتماعكم و غوغاؤكم و ضوضاؤكم قالوا نريد ان نسألك عن عبارات الشيخ و نبين انها كفر قلت فهلا سألتم منه في اليوم الاول لما طلب منكم ذلك حتي يفسّرها لكم و بعد ما ابديتم الفضيحة و اظهرتم الشناعة و املأتم الامكنة و الاصقاع من القول الباطل و المذهب العاطل ءالان و قد عصيتم قبل ثم ان الرجل قد انتقل من دار الدنيا الي الدار الاخرة ليس له حضور حتي يبين لكم مكنون ضميره عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم قالوا لابد من ان ننظر الي كلماته بعد مماته و نسألك عنها قلت ان اهل الباطل من الاموات كثيرون فهل صنعتم في عبارة احد من الاموات مثل صنيعكم هذا قالوا ان له تبعة يعتقدون معتقده فيضلون قلت و كذلك اموات من اهل الباطل لهم تبعة و مريدون يتبعون اعتقادهم و يتجاهرون بها و هم قبل الشيخ فهلّا  احضرتموهم و اتباعهم حتي تثبتوا عليهم فساد معتقد شيخهم ليرتدعوا و يرجعوا الي الحق و ان لم تعرفوهم فاني اعرفكم باسمائهم و كتبهم و مقالاتهم و عباراتهم ثم ثنّوا بالشيخ و اتباعه قالوا ما لك الي ذلك من سبيل بل لابد من بيان هذه العبارات قلت انا للّه و انا اليه راجعون هاتوا ما عندكم فاظهروا تلك العبارات التي قد سبق مضمونها و كنت قبل ذلك شارحاً لتلك العبارات و مفسراً لها و موضحاً لمعانيها و ان تلك العبارات مطابقة لما عليه ضرورة الاسلام و هي مدلولات الكتاب و السنة و سميت تلك الرسالة بكشف الحق و لم اترك هناك لذي مقال مقالاً و لا لذي حجة برهاناً و

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 282 *»

استدلالاً و تلك الرسالة مشهورة معروفة اشتهرت اشتهار الشمس في رابعة النهار و لا اظن بلدة خالية منها فما نفعتهم تلك الرسالة بذلك البيان التام الوافي و الشرح العام الشافي.

ثم ابرزوا عبارة عن ذلك الشيخ القمقام و علم الاعلام و النور التام ما صورتها ان الجسد العنصري لا يعود قالوا لي قل ان هذه العبارة كفر ام لا قلت علي الذي افهمها و ادين اللّه بها ليس فيها كفر و لا زندقة و لكنكم اخبروني عن الجسد بحسب اللغة علي ما ذكره في القاموس و الصحاح و مجمع البحرين دون ما اصطلح عليه الحكماء كم معني ذكروا له قالوا ما نعرف قلت يا سبحان اللّه اذا لم تعرفوا معاني الجسد و اطلاقاته علي ما عند اهل اللغة فكيف تنكرون علي هذه العبارة لعل الجسد له معني لو قلتم بعوده كفرتم قالوا نحن نريد فهم العوام قلت هل اللغة الّا فهم العوام فكرّروا ثانياً انا نريد فهم العوام و جميع من حضر و لا واحد منهم صدقني او ساعدني و قلت ان فهم العوام اي مدخلية له في المقام و كل ما لم يفهمه العوام لو كان باطلاً للزم بطلان كتب العلماء و لا شك ان الحطّاب و البقّال لا يعرفون عبارات شرح اللمعة و لا يعرفون مسئلة الامر بين الامرين و لا يعرفون ان الامر بالشي‏ء ينهي عن ضدّه الخاص او العام هل يسوغ لهم ان يحكموا ببطلانها فهذا خرق اتسع علي الراقع.

فلمّا رأيت قلة انصافهم و غلظة جورهم و اعتسافهم قلت لهم ماذا تريدون قالوا نريد ان تكتب ان هذه العبارة كفر فكتبت لهم ان هذه العبارة اذا لم يكن لها بيان مقدماً و مؤخراً و لم يحذف منها شي‏ء من اولها او وسطها او آخرها كفر بحسب فهم العوام كقوله تعالي يد اللّه مغلولة و قوله تعالي وجوه يومئذ ناضرة الي ربها ناظرة و لا ريب انه كفر بحسب متفاهم العوام اذ ليس للّه يد و لا وجه من الجوارح و ابرزوا بعض العبارات منها محرّفة و منها لم يعرفوا ان‏يقرءوها فارادوا مني ان اكتب علي ما هي عليه فكتبت هذه الصورة و مرجع القول انه كلام متشابه نسأل تفسيرها من قائلها كالايات القرانية و الاحاديث النبوية و الولوية و بالجملة لا اعتبار بالقرطاس

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 283 *»

فلما لم يبلغوا مني مرادهم و لم يقدروا ان يتشبثوا بي بشي‏ء من زخاريفهم و عجزوا و الحمد للّه ما قدروا ان يثبتوا عليّ شيئاً من الباطل الذي يزخرفونه قالوا نريد ان تثبت اجتهادك عندنا فلما بلغ كلامهم الي هذا المقام قال صاحب المجلس قد تبين الرشد من الغي انتم قبل ذلك تحتجون عليه بفساد في العقيدة لمخالفته للضرورة فالان تبين عندنا انه علي صفاء الاعتقاد و انتم تطلبون منه الان ان يثبت اجتهاده ها انتم تدعون الاجتهاد فاذا وجب ثبوت الاجتهاد بالاجلاس باحضار الناس فمتي ما احضرتم و اجتمعتم و اثبتم اجتهادكم فنحضر فلاناً ان يجلس معكم مجلساً  آخر لاثبات اجتهاده فبان ان قصدكم غير اللّه و في هذا الاثناء اذن المؤذن لصلوة الظهر قمنا للصلوة و تفرق المجلس فغلبوا هنالك و انقلبوا صاغرين و ظهر الحق و الحمدللّه رب العالمين.

و من قلة انصاف الحضار في ذلك المجلس ابادهم صروف الدهر و لم‏يبق منهم اي من اهل الحل و العقد احد الّا واحد من حاضري ذلك المجلس لكنه كان من الاتباع و الاذناب و لم‏يكن قابلية السؤال و الجواب ثم ما كفاهم ذلك بقوا يثيرون الفتنة و يهيجون للفساد نائرة و يدفعها اللّه سبحانه كلما اوقدوا ناراً للحرب اطفأها اللّه و يسعون في الارض فساداً و اللّه لا يحب المفسدين.

ثم مرة اخري صاحوا بالناس و جمعوهم في حضرة العباس و نشروا الالوية و الاعلام و اجتمعت عليهم الطغام و اللئام لاخراجي من البلد بغير جرم اجترمت و لا ذنب اذنبت الي ان ردّ اللّه كيدهم في نحورهم و ماتوا بغيظهم و ردّهم اللّه خائبين عن نيل مقصودهم و مرادهم و افعالهم من ذلك القبيل كثيرة و اعمالهم من هذا النمط عديدة و اذياتهم لي شديدة يتكرم الانسان عن ذكرها فالاولي و الاحري طيّها عن نشرها فان الاوقات اشرف من صرفها في تسطير هذه المزخرفات و بيان الترّهات و اللّه المستعان و عليه التكلان.

ثم الخطب الافضع و الامر الاعجب الاشنع قصة اهل النجف فانهم بعد ما كانوا ينقمون علي السيد مهدي و اتباعه بانه الي الان ما جري في الشريعة الاحمدية و لا ذكر في الطريقة المحمدية علي الصادع بها آلاف سلام و تحية ان

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 284 *»

يوقعوا هذه الفتنة الصماء و الداهية الدهماء لاجل عبارات ينادي صاحبها بعدم ارادته ما يتراءي من ظاهرها و لا شك ان كل متكلم مصدق في ارادة مراده من كلامه و العبارة و الكتابة ليس لها تأثير الّا بقراين كاشفة عن ان مراد قائلها هو الظاهر منها و الّا فلا يصح التعويل عليها لا سيما اذا كان قائلها ينص علي مراده و ينفي الذي يفهمه غيره لا سيما اذا كان الغير ممن ليس له اهلية لفهم المراد و لا يزالون يلهجون بهذه الكلمات نصرة للحق و ينقمون علي مخالفينا بل ينسبون بعض الاوقات جناب السيد مهدي الي هيجان المرة السوداء و لم يزل ذلك دأبهم و شأنهم الي ان صار ما صار مما لست اذكره فظن شراً و لا تسئل عن الخبر حتی عثروا علي عبارة في الرسالة التي صنفتها في علم الاخلاق و تهذيب النفس و ما يكون العبد المؤمن عليه في افعاله و اقواله و حركاته و سكناته و لحظاته و جلساته و سائر احواله و عثر فيها علي عبارة هذه صورتها «و اعرض عن كتب القوم لا سيما العامة العمياء» فلما رآها و نظر اليها صاح و ناح و عرف من هذه العبارة اني انكر الاجتهاد و التقليد و انكر طريقة المجتهدين و انكر الكتاب و السنة و اني قد اخترعت مذهباً  آخر فشيعه في الناس و ادخل في قلوبهم الوسواس و اوقعهم في شبهة و التباس حتي ان الناس قد تشوشت قلوبهم و زاغت و مالت الي الباطل مع انا قبل هذا الكلام بشهر اجتمعنا في مشهد الحسين علیه السلام مع كمال المودة و المحبة و الانس ثم لما رجع الي المشهد عمل هذا العمل في موسم زيارة المولود.

ثم اني كتبت اليه خطاً و ذكرته ما كان ينقم علي من كان قبله و قد كرّ الي ما فرّ منه ثم ما اتاني الجواب و حصل منه الاعراض من كل باب ثم اني شرحت تلك الكلمات مع كلمات قبلها و كلمات بعدها و بينت له المراد و ذكرت له ما كان غير خاف عليه في مستجنات الفؤاد و بينت له حقيقة العبارة و شرحتها بصريح الالفاظ دون الاشارة فلم يلتفت اليها و لم ينظر اليها و لا اجابني عن شي‏ء من ذلك و لست ادري اي قاعدة اجراها و باي شريعة عمل بها فان كنت مبطلاً وجب عليه ارشاد الضال و اهداء المستبصر و كان يعلم من حالي ما كنت بممتنع

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 285 *»

عليه لو ارادني اينما كنت و اينما كان هلّا صبر حتي يواجهني و اواجهه و يخاطبني و اخاطبه و يبين لي فساد ما قلت ثم ينظر هل لي عذر مقبول فيقبل و ان لم يكن لي عذر موجه فيردد معي الكلام كما يفعل بسائر تلاميذه حتي يعرف مني العناد بعدم الانصاف و سلوك مسلك الجور و الاعتساف فاذا تكلم بعد ذلك فمعذور و لكنه ما اجري ما ذكرنا فاول ما نظر العبارة اظهر الاعراض و ادخل في القلوب الامراض و هيّج نائرة لصدور المرض و لم يتكلم معي بشي‏ء.

ثم لما ابتدأته بالكتاب ما كتب لي الجواب مع قوله علیه السلام ان ردّ الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام ثم اني كنت مستنصحه و مسترشده و مطالب له بحجة و بينة في فعله هذا و تشييعه الفاحشة في الذين آمنوا و الايمان الثابت باعترافه كرة بعد اخري و مرة بعد اولي كيف يزول بمجرد هذه العبارة التي لا تدل علي شي‏ء مما قال باحدي الدلالات الثلاث فان كان فعل ما فعل عن بينة شرعية و حجة الهية فلماذا ما ابداها لي و انا قد طلبتها منه و ان كان بلا حجة شرعية و بينة الهية فلماذا فعل ما فعل فهذا الذي قلنا لك مما لم نوضح اكثر من هذا ثم اني اوضحت العبارة و فسرتها و بينتها و ازحت اشكالها و فصلت اجمالها و بينت اعضالها و ذكرت اعتقادي فيما نسب اليّ من انكاري للاجتهاد و التقليد و الكتاب و السنة و انكاري علي العلماء من الفرقة المحقة و بعثتها اليه و استدعيت منه النظر اليها و مطالعتها و اعطاء التأمل حقه فيها فاري لم يكتب لي جواباً و لم يخاطبني بخطاب و هو مصرّ علي ما هو عليه مما دعاه الداع اليه فان لم ينظر الي الرسالة و لم يطالعها و جعل الناس في شبهة و حيرة و فتنة وقع بعضها في بعض و انكر بعضها علي بعض و سبّ بعضها بعضاً فانه و اللّه لظلم عظيم و حوبة وخيمة عاقبتها وعرة مسالكها و ان نظر اليها و تبين اني محقّ لست بمبطل فلماذا لم يبينها و لم يظهر للناس انه كان مشتبهاً و لم يكن ذلك بنقص له لانه ليس بمعصوم و كم من امور تشتبه علي فحول العلماء ثم يتبين له الصواب فيعدل عنها و يقول بالحق كما كان ذلك دأب والده

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 286 *»

العلامة الشیخ جعفر اعلي اللّه في الفردوس الاعلي مقامه لقد كان ممن لا يخاف في اللّه لومة لائم و كم من امر حصل له الاشتباه ثم تبين انه مشتبه ابان للناس بمحضر العوام و الخواص و قضاياه رحمه اللّه في هذا المعني مشهورة و لدي اهل النجف و غيرهم معروفة هلّا اقتدي بابيه «و من يشابه ابه فما ظلم» و ان كان تبين له فساد ما ذكرناه في تلك الرسالة الشارحة لما قلنا فوجدهاباطلة و معانيها فاسدة فهلّا بيّن وجه فسادها و شرح خطاءها من صوابها و ذكر ان الشبهة دخلت عليك في المقام الفلاني ما هذا السكوت و الاعراض عن الجواب و تأخير البيان عن وقت الحاجة هلّا سكت اولاً لو كان لابد له من السكوت حتي يريح و يستريح ثم اني رأيته قد سكت عني وحدي و لم يتكلم معي و اري خطوطه صاعدة نازلة الي من يسأله و الذي لم يسأله و لقد وقع بيدي احد الخطوط التي ارسلها الي البصرة باني لم اجوز لاحد ان يرجع الي السيد كاظم في امر من امور الدين من الاصول و الفروع هل امره اللّه بهذه الافعال المتناقضة فاطاعه ام نهيه عنها فعصاه ام رأي مذهباً  لم يره اللّه و رسوله فأسسه ام لم ير حرمة لاولاد رسول اللّه صلی الله علیه و آله فيراعيها أ هكذا اوصي رسول اللّه صلی الله علیه و آله بذريته ما ادري ما اقول السكوت اولي و المشتكي الي اللّه و لا حول و لا قوة الّا باللّه ثم لم تزل خطوطهم في الاطراف تتري و اصحابهم لم يزالوا متعمدين الاذية و الايذاء لآل اللّه و هو يطلع عليه و يسكت عنهم.

و اعجب منه ان عديله و مثيله يقول باني لم يتبين لي شي‏ء لكنه عالم تكلم و حكم فامضيت حکومته انظر الي هذا الكلام المتدافع و القول المتناقض و ايّ حكومة في البين و هو الي ان مات كان يدعي الاشتباه و متي جرت قواعد الحكومة من حضور الخصمين و الترافع من الجانبين و اقامة الشهود حتي يحكم و يمضي الشيخ الآخر حكومته فان كان الحكم من جهة ان الحاكم يحكم بعلمه فهو لا يدعي العلم بل يدعي الشبهة و الاشتباه و ما زالت تلك دعواه

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 287 *»

حتي خمدت انفاسه و سكنت حواسه و بطل احساسه و انهدم اساسه و بطل قياسه و لم يبلغ التماسه ثم اذا تبين خطأ الحاكم وجب نقض حكمه بالاجماع و اي خطأ اعظم و افحش من هذا الحكم علي ما بيناه فان الذي ذكرت بمرأي و مسمع من الكل و اطلع عليه الجل و القل فان انكروا و كتموا يصدق عليهم قوله تعالي يعرفونه كما يعرفون ابناءهم و ان فريقاً منهم ليكتمون الحق و هم يعلمون.

ثم لما طالت عليهم الالسن و عابهم علي فعلهم الحرّ و القن الوضيع و الشريف و العالي و الداني و المحب و المبغض و المخالف و المؤالف بانكم تتكلمون علي رجل هو بين اظهركم و تكتبون الي البلاد البعيدة مساوي تنسبونها اليه و انتم ما سألتم منه مسألة و لا خاطبتموه بكلمة لعل له عذر مقبول او لعلّه يوافقكم و يرتدع فاذا عرفتم منه عدم الارتداع شأنكم و ما تفعلون و هكذا كلام الناس و هم لا يصغون اليهم لعلمهم بانهم اذا شافهوني تدحض حجتهم و تفسد حيلتهم فكثرت عليهم الالسن بهذا و نحوه ثم بعد سنتين بعد ما ملأوا الاصقاع و اطراف البلاد بخطوطهم و رسلهم([6]) حتي الي الهند و السند و قد بعث اليّ بعض رؤساء الهند صورة كتابتهم و ذكر اني كنت احب ان اموت و لا اسمع و لا اري هذا الكتاب و مضمونه ان السيد كاظم الرشتي خرج من الدين و عن مذهب المسلمين و قد اعرض عنه جميع العلماء و عدل عن تقليده جميع المؤمنين الاذكياء فوجب علينا اعلامكم بانه لا يجوز تقليده و لا اخذ مسألة من المسائل الدينية عنه فمن فعل ذلك لن يغفر اللّه له ابداً و لن تقبل له توبة و قد رشم عالمهم بخاتمه و بعثوه الي الهند الي بعض الرؤساء فيها و كتب اليّ مضمون الكتاب و اراد مني حقيقة الجواب فما اقبلت نفسي الي جوابه و ضربت صفحاً عن خطابه و انا و اللّه في شغل عن الناس لا تزيدني كثرة الناس حولي عزة و لا تفرقهم عني وحشة و لو اسلمني الناس لم اكن جازعاً.

و بالجملة بعد ما كتبوا الي البلاد و نشروا بين العباد و لكن لاجل اسكات الناس لئلا ينحرفوا عنهم ارادوا الاجتماع حتي يبينوا للناس انا جلسنا معه و

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 288 *»

اجتمعنا به و تبين لنا كفره فيجرون علیّ ذلك الوقت مقتضياته.

فلما قربت اوان زيارة يوم الغدير امتثلت امر مولانا الرضا علیه السلام و قبلت وصيته لاحمد بن ابي‏نصر البزنطي و قد قال له علیه السلام يابن ابي‏نصر اينما كنت فأت قبر امير المؤمنين علیه السلام يوم الغدير الحديث فقصدت زيارته علیه السلام و اتيت مشهد امير المؤمنين روحي له الفداء و قبلت عتبته الشريفة فلما كان اليوم الثاني من دخولي عليه علیه السلام اتاني آت من قبل احد الشيخين و حيث كان في القوس الصعودي الاصغر مقدم علي الاكبر جاء رسول الشيخ الآخر بان الشيخ يحب الاجتماع معك حتي ينظر في امرك و يتبين له حالك فقلت للرسول ما يريد الشيخ من هذا الاجتماع هل يريد قطع الفتنة و رفع الاختلاف و ايقاع الائتلاف او زيادة الفتنة و ايقاع الاختلاف قال بل رفع الاختلاف و دفع الفتنة ثم قلت هل نحن متوافقان او مختلفان قال بل مختلفان قلت فاذا جلسنا مختلفين و تكلمنا و لم يرتفع الاختلاف من البين فجلسنا مختلفين و قمنا مختلفين فاي فائدة اذن في هذا الاجتماع غير تزايد النزاع و تكثر القيل و القال و الجدال فلو كان في اول الامر قعدت معكم و لكن الان لا تحدث نفسي بانصافكم و لا يأمن خاطري منكم فاجعلوا حكماً بيني و بينكم و اضمن انت تصديقه اذا حكم كما انا اضمن ذلك اكتب لي ورقة و ارشمها بخاتمك و اكتب لك ورقة و ارشمها بخاتمي و نجعل الورقتين عند امين مسلط لان كل ما حكم هذا الحاكم عليّ او عليك فهو مقبول حتي نقعد مختلفين و نقوم مؤتلفين و يرتفع النزاع من البين اما انا اتبعكم او انتم تتبعوني و اما الحاكم فلا يقبل احد من علماء العراق لاتهامهم بي او بكم فلنطلب حاكماً من غير اهل العراق و لا نضيق عليكم و لا نطلب منكم ما لا يتيسر حتي تتوهموا ان ذلك عذر او مراوغة و اتفق في تلك السنة زار جماعة كثيرة من علماء البحرين و الاحساء و الجزائر منهم الشيخ العالم الممجد المسدد المؤيد مولانا الشيخ محمد آل عبد الجبار كان عالماً فاضلاً فقيهاً مجتهداً حكيماً متتبعاً متديناً متواضعاً منصفاً كثير التصانيف و جيّد التأليف له كتب و رسائل و اجوبة المسائل و منهم

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 289 *»

السيد الجليل و العالم النبيل السيد الطاهر السيد حسين بن السيد عبد القاهر البحراني نزيل البصرة كان سيداً عالماً زاهداً ورعاً متقناً منصفاً مستقلاً بالحكم و منهم الشيخ الممجد و المولي المؤيد المسدد الشيخ احمد بن الشيخ خلف آل عصفور و امثال هؤلاء من العلماء الاعيان و فضلاء الزمان قد كانوا حاضرين ذلك المشهد المقدس و قادمين الي زيارة ذلك الامام الاقدس.

قلت ان هؤلاء زوّار اتوا للزيارة غير متهمين بي و لا بكم علماء مشهورون معروفون ثقات متدينون يقولون حقاً و يتكلمون صدقاً نسبتي و نسبتكم اليهم متساوية و لو فرضنا و العياذ باللّه لهم ميل الي طرف و جهة اكثر يريدون ان يبيعوا دينهم بدنيا غيرهم فلا شك ان الميل يكون اليكم اكثر لانكم معرقون في البلاد راسخون في قلوب العباد و ميل الناس اليكم اكثر و محبتهم لكم اشدّ و اوفر فعلي كل حال لو لم تتساوي نسبتهم اليّ و اليكم فاليكم اكثر و اميل و انا راض بهم فارضوا بهم حكماً فاني رضيت بهم حكماً ان شئتم مجتمعين او متفرقين فرجع الرسول اليه و اخبره بما قلت له و انا قد بعثت ايضاً رسولاً من عندي مبلغاً لما اخبرت رسوله لئلا يقع التغيير و التبديل و الزيادة و النقصان فابوا الحكم و ابوا ان يجعلوا اولئك الاعلام حاكمين و قال ان هؤلاء ليس لهم قابلية الحكومة فلما رجع الرسول اليّ قلت يا سبحان اللّه انتم تنازعوني باني انكرت ضروري الدين و الضروري هو الذي لا يخفي علي احد من اهل الاسلام كبيرهم و صغيرهم رجالهم و نسائهم بالغهم و غير بالغهم اذا كان الامر في الظهور الي هذا الحد و هؤلاء العلماء ليست لهم قابلية ان يعرفوا هذا المقدار فتبين عندي و عند الناس مراد القوم فانهم ما كان مقصودهم احقاق الحق.

ثم شهروا في البلد بين الزوار الذين اتوا رجالاً و علي كل ضامر من كل فجّ عميق ليشهدوا مرقد امير المؤمنين و يزورونه و شهروا عند الناس بانا بعثنا تسعة عشر رسولاً و اردنا منه الحضور و الاجتماع فابي فلما سمعت مقالتهم و عرفت مراداتهم نصب لي منبر بعد صلوة الظهر في صحن الامام امير المؤمنين علیه السلام و الخلق بين قعود و قيام و موافق و مخالف و مبغض و محب

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 290 *»

فصعدت المنبر و حمدت اللّه و اثنيت عليه و ذكرت النبي صلی الله علیه و آله و صليت علي آله و عليه و قلت:

ايها الناس ان هذا يوم قد اجتمعت فيه حرمتان احداهما الغدير و الاخري الجمعة فازداد شرفاً علي شرف و نوراً علي نور و الحرمة الثالثة الحضور عند امير المؤمنين علیه السلام و هذه حرمات قل ما يتفق اجتماعها و تواصلها فاحمدوا اللّه و اشكروه و اعرفوا قدر هذه النعمة و افهموا مقام هذه الكرامة و تقربوا الي اللّه تعالي بالعمل الصالح و اعلموا ان العمل الصالح لا يصعد الي درجة القبول الّا بالاعتقاد الصحيح و معرفة فضل امير المؤمنين علیه السلام و الاعتراف بعلو مقامه و سمو رتبته و اعلموا انه علیه السلام و اخوه و اولاده و زوجته علیهم السلام امناء اللّه و ابواب رحمته و مقاليد مغفرته و سحائب رضوانه و مفاتيح جنانه هم مفاتح الغيب هم السر اللاريب هم محال المشية و هم السن الارادة و هم قصبة الياقوت و هم حجاب الملك و الملكوت.

ايها الناس نزلوهم في مراتبهم و لا ترفعوهم عن الحد الذي جعله اللّه لهم لا تغلوا في دينكم و لا تقولوا علي اللّه الّا الحق هم ليسوا بارباب من دون اللّه و لا هم شركاء مع اللّه و لا فوض اليهم امر اللّه بل هم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم و لا يشفعون الّا لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم و كذلك نجزي الظالمين.

ايها الناس انهم كلمة اللّه و انهم حملة امر اللّه و ان رسول اللّه صلی الله علیه و آله عبد للّه شرفه اللّه و عظمه بحقيقة ما هو اهله و عرج بجسمه الي السماء بل بثيابه و نعله و ان الخلق يوم القيمة يحشرون بابدانهم و اجسادهم الدنيوية المرئية المحسوسة في الدنيا و اللّه سبحانه هو العالم بالاشياء كلها قبل ايجادها و مع وجودها و بعد وجودها فلا تتفاوت له الاحوال و لا يوصف بالانتقال و لا يعتريه زوال و لا اضمحلال و هو الحي القيوم القادر المتعال.

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 291 *»

ايها الناس هذا هو الاعتقاد الصحيح فمن اعتقد بهذا الاعتقاد فميزانه رجيح يستحق ثواب اللّه و يستوجب عطاء اللّه بزيارة امير المؤمنين علیه السلام في هذا اليوم و من لم يعتقد الذي ذكرناه كله او بعضه فقد حبط عمله و ما له في الاخرة من خلاق.

ايها الناس هذا اعتقادي و ديني و عليه انعقد ضميري و به ادين اللّه في سرّي و علانيتي و ملأت كتبي و مصنفاتي من هذا النوع من الاعتقاد و جميع كلماتي ترجع الي ما ذكرنا و ان كانت بعبارات مختلفة و اري علماء هذا البلد ينازعوني و يخالفوني فان كان نزاعهم و خلافهم في هذه العقايد فاني ادين اللّه بها و ابرأ الی الله من كل من لم يعتقدها و ان كان ينسبون الي ما ينافي هذه العقايد فاني ابرأ الي اللّه منها و ممن يدين بها و ارادوا مني الاجتماع فطلبت منهم الحكم لقطع النزاع و ما استصعبت عليهم في امر الحكومة بل اخترت لهم علماء اتقياء ابراراً زهاداً يصلحون للحكم في هذه المسائل لان الحكم في هذا المقام هو الذي يعرف ضروريات المذهب و الدين و حيث ان علماء العراق متهمون بي و بهم اخترت لهم علماء غرباء زواراً اتقياء و انا عندكم من الان الي غداة غد متي ما شاءوا بشرط الحكم فانا حاضر و لا تختلفوا و لا تتقولوا الكذب و الزور و لا تقولوا ان فلاناً اردنا منه الاجتماع لقطع النزاع فابي و لا ريب ان قطع النزاع لا يكون الّا بالحكم المطاع و اما بدونه فيزداد النزاع و الجدال و يحدث ما تمجّ منه اولوا الابصار و الاسماع و الصلوة علي رسول اللّه الصادق الامين و السلام علي عباد اللّه الصالحين و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.

ثم نزلت عن المنبر و بقيت يومي كله ما جاء منهم خبر و لا اثر و لما صار وقت المغرب اتاني ثلاثة رسل من جناب الشيخ الاكبر اثنان من التجار و واحد من عرض الطلبة ينقلون عنه انه يريد الاجتماع فذكرت لهم الكلام الاول الذي ذكرته للرسول الاول و قال التاجران نحن نجلس عندك و انت ابعث الي الشيخ رسولاً من قبلك حتي يوصل اليه ما تريد كما تريد فانا نخاف من الزيادة و النقصان فبعثت اليه العالم الكامل و الفاضل العامل ذا الفهم الثاقب و الرأي

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 292 *»

الصائب اللوذعي الالمعي الولي المؤتمن مولانا ملا حسن الشهير بگوهر و قلت لجنابه ان يخير الشيخ بين ثلاثة امور الاول الحضور و الاجتماع بشرط وجود الحكم علي ما ذكرناه فان ابي ذلك محتجاً بعدم قابليتهم لما هنالك اعرض عليه الامر الثاني فقل له انت لا تخلو اما ان تكون ملتبساً عليك امري مشتبهاً عليك حالي او متيقناً بضلالي و ان قلبي ينافي لساني فان كان مشتبهاً و الامر عليك ملتبساً فها انا مظهر لك ما اعتقد و ادين اللّه به فيجب عليك القبول و التصديق بنص من اللّه سبحانه حيث يقول و لا تقولوا لمن القي اليكم السلام لست مؤمناً فان كنت متيقناً بان قلبي يخالف لساني و اني اسلك مع الناس مسلك النفاق فلا يجوز لك كشف الباطن و يجب عليك التصديق بظاهر اللسان و فعل الاركان و لا يجوز قبل ظهور دولة الحق التفتيش عن الباطن كما فعل رسول اللّه صلی الله علیه و آله مع اصحابه فانك تعلم يقيناً انه ما خلص من اصحابه صلی الله علیه و آله الّا اربعة و كان يسالكهم رسول اللّه صلی الله علیه و آله و يداريهم و يعاملهم بالظاهر و لا يعاملهم بالباطن و ان كان يعلم ما في صدورهم و ضمائرهم و قد امره اللّه تعالي بذلك و قال و لا تكن للخائنين خصيماً و قال سيد الساجدين علیه السلام في دعاء السحر اللهم ان قوماً  آمنوا بالسنتهم ليحقنوا به دماءهم فادركوا ما املوا فاذا اظهر شخص الاسلام يقبل منه و لا ينظر الي ما في باطنه و قلبه حتي يأتي اوانه عجل اللّه فرجه و انت معترف بانه لا احد سمع من لساني شيئاً يخالف ظاهر الشريعة و لا رأي من عمل اركاني فلماذا اذن هذا الاصرار و الالحاح و لماذا اثارة نائرة الفتنة الخامدة او المستكنة في الرماد اي رماد الهدنة و التقية فلا تهيج ما امر اللّه بتسكينه و دع الناس علي غفلاتها عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم الي اللّه مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون و ان كان كلّا  و لابد من ان تعمل بالباطن و تظهر آثار يقينك فالباطن لا يطلع عليه الّا اللّه سبحانه و تعالي فنجعل اللّه حكماً و ليأخذ كل واحد منّا يد صاحبه و ليدع علي الباطل منا فنبتهل فنجعل لعنة اللّه علي الكاذبين وليكن عندك معلوم انا لا نفترق الّا ان احدنا ميت و انت بالخيار بين ان توقع هذه

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 293 *»

المباهلة في حرم امير المؤمنين علیه السلام او في حرم الحسين علیه السلام او في حرم العباس او في الصحن في هذه الاماكن المشرفة في ملأ من الناس او في الخلوة سراً بحيث لا يكون غيري و غيرك فالامر اليك و الخيار لديك فاختر لنفسك ما يحلو فان ابي ذلك و انا اعلم انه يأبي و قل له و اعرض عليه الامر الثالث و هو ان الحكم الذي نحن اردناه ان كان ليست له قابلية الحكومة فهل عندهم في الدنيا عالم له قابلية الحكومة ام لا فان قال لا فقد اتي محالاً و ما اظنه يقول ذلك لمصالح و امور خفية و ان قال بلي فقل له الاعتراضات التي لك علي كلامه اكتبها لكن بهذه الصورة اكتب اولاً كلامه بالفاظه ثم فسر مراده و قل انما اراد من هذا الكلام هذا المعني ثم اورد اعتراضك ثم ابعث كتابك اليّ فاني اكتب بيان كلامي و اشرح مرامي فان وافق قبولك فهو المطلوب و هيهات هيهات من ذلك و ان لم يوافق فابعث ورقتي و ورقتك الي كل من تشاء و تعتقد انه عالم بيد امين مني و امين منك و كل ما يصدقه ذلك العالم الحكم فهو المصدق فلا انازعكم بعد هذا ابداً.

فلما تمت وصيتي مضي جناب المولي المؤتمن الملّا حسن الي الشيخ و اخبره بما ذكرته له كلها علي التفصيل و بعد الكلام الكثير و القال و القيل ما رضي بالحضور مع الحكم و لا المباهلة لما من نفسه يعلم و انما اختار الشق الثالث و قال انه يفعل و لم يفعل مدة حيوته و قد عمر سنين عديدة بعد هذا الوعد فلم يرضوا بالاجتماع مع الانصاف و لا بالمباهلة ليحكم اللّه لاهل الوفاق و الخلاف و يقضي اللّه امراً كان مفعولاً و لم يكتبوا اعتراضاتهم و شبهاتهم و لم يبعثوا الي عالم يميز المشوب من صاف حتي يرتفع الاختلاف و لم يكفوا عن الكلام و لم يَسكتوا و لم يُسكتوا الطغام عن التعرض لاهل العلم البريئين عما ينسب اليهم من زخاريف الكلام فيا للّه العجب من الناس حيث ان ما ذكرنا كله بمرأي منهم و مسمع لا زيّدت و لا حرّفت و لا غيّرت و لا بدّلت و ذكرت كل ما وقع مجتمعاً و متفرقاً.

فانظر الان بعين بصيرتك بعد ما احطت خبراً بما ذكرنا و ميز و تعقل و

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 294 *»

تفهم ان الذين خالفونا اي ظلم تركوه و اي تعدي اجتنبوه و اي ذنب لم‏يقترفوه لقد جاؤا شيئاً ادّاً تكاد السموات يتفطرن منه و تنشق الارض و تخرّ له الجبال هدّا و لكن اللّه سبحانه انما اخّرهم و امهلهم لاتمام الحجة عليهم و اقامة بيناته لهم و لو يؤاخذ اللّه الناس بما كسبوا ما ترك علي ظهرها من دابة و لكن يؤخرهم الي اجل مسمي و هذا الذي ذكرنا لك شرح مجمل بعض الاحوال التي جرت علينا من النساء و الرجال من حرمات هتكوها و حقوق ضيعوها و شهادات كتموها و اموال بغير الحق اكلوها و قلوب افسدوها و كلمات حرفوها و ضمائر شوشوها و اكاذيب نسبوها و اقاويل بالبهتان و الزور قالوها و غيبة للاخيار و النجباء اباحوها و اذية و ايذاء لهم رخصوها و تفلات في وجوه طال ما سجدت للّه رموها و حجب و استار كشفوها و رسوم لاهل  آل اللّه دمروها و معالم يظهر فيها انوار اللّه درسوها و فضائل لاهل البيت علیهم السلام انكروها و مناقب لهم اخفوها و فقرات تدل علي فضائلهم محوها و لا تحسبن اللّه غافلاً عما يعمل الظالمون و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون و الحمدللّه رب العالمين و العاقبة للمتقين.

و اما قولك اطال اللّه بقاك و ادام في العز و التقوي ارتقاك بعد قولك «منهم من سمي نفسه شيخياً و منهم من قال اني بالاسري فالظاهر منهم الاسلام و الناشي من كليهما التقوي و الصلاح حسب ما قرّره لنا سيد الانام كلاهما معترفان للضروريات الملية و معتقدان بالفرائض اليومية و الليلية» الخ. فكيف يعقل ذلك في البالاسرية فانهم تركوا شعائر الاسلام و ضيّعوا طرق التقوي في الانام و انكروا الضروريات في المذهب بل في الدين بما اظهروا من البدع و شيّعوا من القول المخترع ناشدتك اللّه هل من شعائر الاسلام ايقاع الفتنة في الانام و تشويش قلوب الخواص و العوام و تفريق الكلمة بعد ما كانت مجتمعة و اظهار البينونة باحداثها في القلوب و الضماير بعد ما كانت مؤتلفة و متحدة قد بذل مجهوده رسول اللّه صلی الله علیه و آله في تأليفها و اجتماعها و ايقاع

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 295 *»

البغضاء و الشحناء بين الاودّاء و الاحباء ففرقوا الاولاد عن آبائهم و الزوجات عن ازواجهم و الاخوة عن اخواتهم و البنات عن امهاتهم باينوا بين مسالكهم و رخصوا غيبة من ينسب نفسه الي الشيخ اعلي اللّه مقامه و اليّ و اوجبوا تعزير من يقلدنا و حرموا مجالستهم فاذا حضرنا مجلساً هم فيه يتفرقون تفرق المعز اذا شد عليها الذئب او كأن صاعقة نزلت عليهم او بلية حلت بهم و لا يبالون بمجالسة الكفار و النصاب و اهل الفسق و الفجور بل يجالسونهم و يخالطونهم بلا مبالاة و لا اكتراث و اذا حضر واحد منا يتفرقون و لايقعدون و اذا مرّوا علینا یتغامزون و اذا مرّوا بواحد منا لايسلمون و يتقصدون ضررنا بكل وجه يمكنهم في مال او عرض او نفس علي حسب امكانهم و طاقتهم و يرموننا بالعظائم من القبايح و الشنايع و يرخصون لاصحابهم بان يفتروا علينا و يتقولوا علينا بالبهتان و الكذب و الزور لقد حاولوا قتلي مراتٍ عديدة سرّاً و جهراً و اللّه سبحانه بفضله و كرمه يدفع عني حتي يبلغ الكتاب اجله فو اللّه الذي لا اله الّا هو عالم الغيب و الشهادة قد اخبرني واحد ممن كان من المباشرين لقتلي في بيت هاشم خان خال نظام الدولة ايده اللّه بتوفيقه في ملأ من الناس و جاءني يظهر التوبة و الندامة و يستبرئ مني الذمة و يطلب العفو مني حيث كان من ذلك اليوم الي يوم ملاقاته شملته النكبة و اصابه الفقر و الفاقة لعل اللّه يحسن حاله و يردّه الي ما كان عليه من ثروة و اتساع و رموني بالرصاص جهراً في حضرة الحسين علیه السلام في الصحن المقدس و دفعه الله عني و اصاب في يد بعض اصحابي و اخذوا العمامة من رأسي في حضرة الحسين علیه السلام عند ضريحه مرة يوم الجمعة في السجدة الثانية من الركعة الثانية من صلوة الظهر في ملأ من الناس و مرة اخري في السجدة الثانية من الركعة الثانية من صلوة الفجر و قد رأت الناس و قد سكتت و اهانات اخر صدرت عليّ اخفيتها و سكتّ عنها و احتسبتها عند اللّه لان ما يفعلون كله بعين اللّه و لا يخفي عليه شي‏ء في الارض و لا في السماء فوكلت امري الي اللّه و امتثلت قول اللّه سبحانه في قوله تعالي قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون ايام اللّه ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون.

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 296 *»

و بالجملة ما ذكرت من قبايح افعالهم و شنايع آثارهم و الاذيات التي دخلت علينا منهم و الفضايح التي فضحوا بها عامة الشيعة و اطالوا عليهم السنة مخالفيهم و فتحوا عليهم منهم باب التشنيع و الشماتة و خالفوا اجماع جميع علماء الاسلام الذين عليهم العمل و الاعتماد في النقض و الابرام كل ذلك بدعوي شبهة دخلت عليهم من بعض العباير التي نفيناها و بينّا المراد منها مراراً عديدة انشدك اللّه هل ارتكاب هذه الامور العظام و الفضايح و الشنايع لشبهة دخلت عليهم من بعض العباير و قد يجب عليهم عدم الاعتناء بها لضرورة الدين و المذهب من شعائر الاسلام؟ أ هكذا امرهم رسول اللّه صلی الله علیه و آله؟ أ هكذا جرت قواعد الدين؟ أ هكذا نطقت به شريعة سيد المرسلين؟ هل الشبهة و الظن و التخمين التي تحصل من العبارة تعارض النص و اليقين الذي يحصل من بيان القائل مراده و مقصوده من الكلام و الخطاب و القول؟ و ها انا اخبرك بكيفية البيان لتعلم ان الحجج انقطعت و المعاذير ارتفعت فلم يبق الّا مخالفة اللّه و رسوله.

و شرح ذلك و بيان ما هنالك ان القوم لما ابرزوا تلك العباير و حرّفوها و غيّروها و بدّلوها كسنة الذين من قبلهم من الذين يحرفون الكلم و نسخوها نسخاً كثيرة و سلموها بيد اهل السوق من البقال و العطار و الخباز و ساير السفلة من طغام الاعوام و سلموا من تلك النسخ بيد النسوان و فسروها لهم باقبح تفسير و اشنع تعبير و شهروها بين الناس و مشهد سيدنا الحسين علیه السلام مختلف الزوار و المترددين من كل بلد و مكان و جعلوا تلك العباير و تلك المعاني الفاسدة القبيحة في السنة كل صادر و وارد حتي اشتهرت و شاعت تلك القبايح في الاطراف و الاكناف و كان مولانا الشيخ اعلي اللّه مقامه بين اظهرهم في تلك الايام و انكر عليهم و انكر ان تكون معاني تلك الكلمات هي التي شهروها بين الناس و ذكر ان تلك العباير علي طريقة العلماء من اهل هذا الفن و الشأن فلم يصغوا الي كلامه و لم يلتفتوا الي مقصوده و مرامه و قد نهاهم الشيخ الاجل و الافضل الاكمل قدوة العلماء و زبدة المجتهدين الفقهاء الشيخ موسي ابن

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 297 *»

المرحوم الشيخ جعفر عن تلك الافعال القبيحة و الاقوال الشنيعة فما انتهوا من نهيه و اصرّوا علي تشييع الفاحشة في الذين آمنوا ليستوجبوا بذلك العذاب الاليم في الدنيا و الاخرة ثم لما رآهم لا يرتدعون عن غيّهم و لا يستقيمون عن اعوجاجهم قال لي ذات يوم اعرض بخدمة الشيخ ان يكتب صريح العقايد الحقة التي هو عليها و التي هي مرجع تلك العبارات بصريح العبارة و يرشمه بخاتمه الشريف و ائتني بالمكتوب حتي اطفئ  تلك النائرة و اسكن هيجان تلك الثائرة لان المتكلم اذا بيّن مراده يجب تصديقه بالضرورة من الدين و هؤلاء الجماعة لا يخالفون الضرورة و لعلهم جاهلون بمراد الشيخ في الحقيقة فاستحسنت رأيه و اتيت الي مولانا الشيخ و عرضت بخدمته ما قاله الشيخ موسي فكتب اعلي اللّه مقامه في ساعته بخطه الشريف صريح العقايد و ان جميع عباراته و كلماته ترجع الي هذا المعني و تؤدي هذا المؤدي و رشمه بخاتمه الشريف و اعطاني فاخذته و اوصلته الي جناب الشيخ الشيخ موسي فاستحسنه و جعله عنده و اراهم اياه و ما زادهم الّا نفوراً و استكباراً في الارض و مكر السيئ و لا يحيق المكر السيئ الّا باهله فجزي اللّه جناب الشيخ موسي عن الفرقة المحقة خيراً فانه خطب فابلغ و بين الحق فافصح و ذكره فشرح و صاح باعلي صوته ايها الناس نحن معاشر المجتهدين لم نبلغ مبلغ علمه و لم ندرك ما احاط به وسعه من جوامع العلوم و حقايق الرسوم و هو اطال اللّه بقاه عنده ما عندنا و زيادة و ليس عندنا ما عنده هو البحر العميق و الارض المطيرة من سحائب العلم النابتة بالاشجار المثمرة بانواع العلوم الالهية اعرفوا مقامه و سلموا له و لا تبخسوا حظه فانه عمّر و انفد عمره مع العلماء المرضيين و الفقهاء الراشدين من اسلافنا الماضين و كان معروفاً عندهم بالوثاقة موصوفاً عندهم بالجلالة فكيف يجوز لنا ترك قول اولئك الاكابر و مخالفتهم لبعض العبائر التي لا نعرف معناها و لا مبناها و لا مقدمها و لا مؤخرها.

فبالجملة فانه ره تكلم بامثال هذه الكلمات و اطنب في الكلام و اوضح الحق في المقام في الملأ  العام الذي قد اجتمع فيه الخواص و العوام و كنت حاضراً في ذلك المجلس و شاهداً ذلك المدرس فبالغ

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 298 *»

في الوعظ و التحذير فما زادوا الّا طغياناً و ما استفادوا الّا عدواناً و هكذا استمر به الحال حتي انتقل الي رحمة اللّه الملك المتعال و بلغ الي الدرجات العليا في جنة المأوي.

ثم بعد تعرضهم لي و فعلهم معي بعض ما شرحته لك سابقاً التمس مني جناب الشيخ العلي الشيخ علي بن الشيخ جعفر ما التمس اخوه المرحوم تغمده اللّه برحمته قبل ذلك من كتابة صريح الاعتقاد و بيان حقيقة المراد و انه مرجع تلك العبارات فكتبتها و رشمت المكتوب بخاتمي و بعثته اليه ثم جعلت تلك النسخة نسخاً متعددة فرقتها في الاطراف و الاكناف اتماماً للحجة لئلا يقول قائل اني لم اطلع ثم ازداد جناب الشيخ علي التماس اخيه بان قال لي اصعد المنبر و بين للناس العقايد الحقة و نزه نفسك عما ينسبونه اليك من الاشياء الفاسدة و العقايد القبيحة فان الانسان اذا اخبر عما في ضميره من العقايد لا يقال له ان عبارتك تدل علي غير هذا بضرورة من الاسلام و لكنك اذكر و بين و اوضح باللغة العربية ليفهم العرب ثم ثنّها بالعجمية و الفارسية ليفهم العجم و اتفق تلك الايام كانت موسم زيارة عرفة و الخلايق ملتمة مجتمعين من كل فج عميق فنصب لي منبر مرتفع فصعدت عليه ليلة التروية فخطبت و بينت العقايد الصحيحة و الاعتقادات التي انعقد عليها مذهب الاثني‏عشرية بلسان عربي مبين ثم في ليلة اخري بعدها ليلة عرفة في الصحن الشريف صعدت المنبر باعلي مراقيه و خطبت بلسان الفارسية و العجمية حتي لا يخفي الامر علي عرب و لا علي عجم في جميع البلاد و الاطراف و الاكناف.

ثم التمس مني جماعة من اصحابنا استمرار هذه الحالة و من نوع هذه الخطبة كل ليلة بعد صلوة المغرب و العشاء في الصحن الشريف ففعلت ذلك و استمر بي الحال الي بعد عاشوراء كل ليلة نشرح الحال و ننزه شيخنا المفضال عما ينسب اليه و الي من مساوي الاقوال و اسمعهم بان العباير لا تدل علي ما يزعمون و لو دلّت ما تترتب عليها فائدة و لا ثمرة بعد بياننا للمرام ثم التمس مني جماعة من اصحابنا استمرارها في الايام ايام التعطيل و بقيت سنتين او اكثر او

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 299 *»

اقل بقليل كل يوم عصر يوم الخميس و يوم الجمعة نشرح لهم حقيقة الاحوال بابلغ المقال بحيث ما ابقيت امراً مخفياً و لا شيئاً مستتراً و لا امراً يمكنهم التشبث به الّا ذكرت و بينت المراد و اوضحت لهم وجه الصلاح و الفساد و هكذا كان دأبي في كل شهر رمضان طول الشهر.

فباللّه عليك بعد هذا البيان التام و فعل هذه القبايح  و الاثام لادعاء شبهة دخلت عليهم من عبائر الكلام هل يبقي لهم و عندهم اثر من شعائر الاسلام حاشا و كلّا فان مبني الاسلام درء الحدود بالشبهات و دفع الفساد و الفتنة بالاحتمالات لا ايقاع الفتنة بالشبهات و لا احداث العداوة و البغضاء بين المؤمنين بالاحتمالات و لكنهم لو فعلوا ذلك في هذه الايام فقد سبقهم من كان قبلهم في سالف الازمان سنة بسنة و مثلاً بمثل.

و اما قولك «الناشي من كليهما التقوي» كيف تنشأ منهم التقوي و هم الذين شيعوا الفاحشة في الذين آمنوا و قد قال تعالي الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا و الاخرة هذا اذا كانت فاحشة مبينة يحب ان‏يشيعها و ليس بلازم ان يشيعها في الحال فاذا كان الذي يحب ان تشيع الفاحشة المعلومة المبينة في الذين آمنوا استحق من اللّه العذاب الاليم و لا يستحق العذاب بالذي يشيع الكفر و النفاق لاجل الشبهة و الاحتمال في الشخص المتيقن بل المعلوم ايمانه و ورعه و تقواه و زهده و اقباله علي اللّه و ادباره عن السوي فان ذلك اعظم حوباً و اكثر ذنباً و افسق فعلاً و افجر عملاً و اشد عذاباً و اعظم عقاباً و قد قال سبحانه و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً و اثماً مبيناً و هل تجد اذية و ايذاء للمؤمنين و تتصور ازيد مما فعلوا و ارتكبوا و الذي لم يفعلوه لم يتمكنوا و كل ما تمكنوا منه ما تركوه و اذا فتشت منهم عن العلة و السبب مرة يقولون شبهة دخلت علينا و مرة يقولون اجمعت العلماء فان كان اجماع العلماء معتبراً و قولهم مقبولاً فهلا اعتبروا اجماع علماء الاسلام كافة علي وثاقته و علي جلالته مع شدة اطلاعهم و عظم تفحصهم و تتبعهم و احتياطهم في دينهم فيترك ذلك الاجماع و

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 300 *»

يقبل اجماع يتقولونه كذباً و زوراً و الّا فاي اجماع انعقد لان اول من خرق الاجماع السيد مهدي و في عصره و اول انكاره كانوا علماء افاضل مثل الشيخ شيخ موسي و اخوته و الشيخ شيخ حسين و كافة علماء النجف و الشيخ شيخ حسن سلطان و الشيخ شيخ خلف بن عسكر و سائر طلبة العلوم من المشتغلين و البالغين و المراهقين في بلد الحسين علیه السلام و السيد سيد عبداللّه شبّر و ابوه الاجل العالم الفقیه الکامل السید محمد رضا شبّر و ولده السيد حسن و ابن عمّه السيد الثقة الجليل العالم النبيل ذو القدر العلي السيد علي شبّر و السيد سيد محمد ابن المرحوم السيد محسن و هو السيد العالم الزاهد العابد الورع الثقة عند الجميع و ابن عمّه السيد الاجل و المولي الانبل و الفاضل الاكمل المؤيد المسدد السيد محمد السيد جعفر و ابن عمّه الآخر السيد العالم السيد هاشم و الشيخ الاجل و المولي الانبل و الفاضل الاكمل الولي المهتدي الشيخ مهدي تغمده اللّه برحمته ابن المرحوم المبرور الشيخ اسد اللّه و اخوه الشيخ الجليل و المولي النبيل العالم بلا عديل الشيخ اسماعيل و غيرهم من العلماء الذين في العراق كلهم انكروا عليه و علماء كرمانشاهان كافة المذكورة اسماؤهم سابقاً انكروا عليه و علماء اصفهان لاسيما الرئيسان العظيمان حجتي الاسلام جناب السيد محمد باقر و المولي العالم الفاضل الكامل مرجع الافاضل و موئل الاماثل الولي الحميم الحاج محمد ابراهيم الكباسي و سائر العلماء و اولاد سلطان العلماء و احفاده و اتباعه و اصحابه من السادة و العلماء كلهم انكروا و لم يصدقوا.

و مع مخالفة هؤلاء الفحول من اهل المعقول و المنقول الموجودين في وقت المخالفة هل يبقي مجال للقول بتحقق الاجماع و ما صدّق السيد مهدي الّا جماعة من تلامذته و تلامذة المرحوم المبرور ابيه اناس اذناب اتباع همج رعاع كانوا يتوقعون ان يصدقهم السيد مهدي و يعترف بفضلهم لينالوا المناصب و ليتمتعوا في الدنيا الّا ان متاع الدنيا قليل الاية و علموا ان السيد مهدي لا يقربهم و لا يدنيهم الّا بانكارهم علي المرحوم الشيخ و عليّ و كل من هو اشد انكاراً و اقبح

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 301 *»

آثاراً في هذا المقام اشد قبولاً عنده فصدقوه ليصدقهم و قالوا بقوله ليقول بقولهم و الناس في اول الامر حيث كان من بيت رفيع و شهرة البيت عمّت في جميع البلاد و العباد و هو يظهر الورع و الزهد صدقوه و اتبعوا الذي يصدقه فاولئك الاتباع الذين كانوا اذناباً صاروا رؤساء و دخلوا في الاجماع و الّا فاصل الخلاف في هذا المقام كلها تدور علي ثلاثة منهم واحد بمشهد سيدنا الحسين و الاثنان في النجف و ما تجدوا موافقيهم الّا تلامذتهم و اتباعهم بلا بينة و لا هدی و لا كتاب منير فان كان الاجماع من غير الدليل متبعاً فالاجماع علي وثاقة الشيخ من جميع العلماء و الانكار عليه من اثنين او ثلاثة بلا دليل و لا برهان و اغلب تابعيهم العوام كالانعام و النساء و الطغام و المنتسبين بالعلم الذين يعدون انفسهم علماء من الاذناب و الاتباع لينالوا بتصديق هؤلاء الثلثة شهرة و عزة و مكانة عند الناس و انت تعلم احوال الناس انهم يزيدون في النقل و الاخبار و يلاحقون باشياء غير واقعة و يوصل بعضهم بعضاً ليشتهر عند الناس و يتخيلون اذ ذلك هو الاجماع كاجماع اهل الخلاف و اهل الباطل و ان منشأها من المجتمعين تحت سقيفة بني ساعدة.

و لقائل ان يقول ان الذين خرجوا من الاجماع بعد تحققه و تأصله يسمون خوارج في الشرع و لذا تري ان اجماع المسلمين لما انعقد علي خلافة امير المؤمنين علیه السلام بعد اتفاقهم عليها فالمنكرون له و لخلافته بعد تحقق الاجماع سموا خوارج و لا دليل لهم علي كفر الخوارج و تسميتهم بها الّا انهم خرجوا عن الاجماع بعد انعقاده و لو جاز ان يقال ان الاجماع اذا انعقد علي حالة ثم اذا تبين خلافها لشخص آخر يجوز ان يخالف الاجماع و يقول بعكس ما ذهب اليه المجمعون فلا يجوز لك ان تحكم بكفر الخوارج و ان تسميهم خوارج فان لهم ان يقولوا ان الاجماع منعقد علي خلافة امير المؤمنين في حالة عدالته و وثاقته فاذا تبين لنا انه احدث في الدين ما لم يكن فيه و حكم الرجال الغير المعصومين الغير المطلعين بعواقب الامور الجاهلين الذين لا يعرفون شيئاً و لا يهتدون الي الحق سبيلاً عدلنا عن القول بخلافته و رجعنا عنه مع ان شبهة

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 302 *»

الخوارج اقوي من شبهة هؤلاء في الصورة الظاهرة فان شبهة هؤلاء من جهة عبارات قد نفت ضرورة الاسلام الاعتناء بهذا عند انكار قائلها فالوجه واحد و الحكم واحد فاذا جاز الخروج عن اجماع المسلمين و رؤسائهم و علمائهم و زعمائهم صار للخوارج عذر و لم يجز تكفيرهم و ما ادري اين يذهبون من توبيخ قوله تعالي و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و نصله جهنم و ساءت مصيراً و هل هؤلاء العلماء الاطياب ممن سميتهم تنكر ايمانهم و ما ظنك تفعل لانك تخرج بذلك من الدين فاذا كانوا هم المؤمنين فمخالفتهم اتباع غير سبيل المؤمنين و ذلك هو مشاقة الرسول صلی الله علیه و آله.

ثم ما ادري ما اقول فقد تبين من هذا البيان التام ان هؤلاء البالاسرية قد آذوا المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا بلا حجة و لا بينة شرعية و لا عرفية فقد احتملوا بهتاناً و اثماً مبيناً بنصّ من اللّه سبحانه و تعالي و قد قال اللّه سبحانه الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا و الاخرة و لا شك ان المؤمن اكرم علي اللّه من المؤمنة. و لا شك ان العالم المؤمن اكرم علي اللّه من المؤمن الغير العالم و اذا اجتمعت مع العلم شرافة السيادة و الانتساب الي الدوحة الاحمدية و الشجرة المحمدية صلوات اللّه عليها من رب البرية فقد جمع نوراً علي نور و حاز شرفاً علي شرف و لا شك ان الرمي بالكفر و الغلو و ما يوجب رخصة الناس لايصال انواع الاذيات اعظم من الرمي بالزناء فاذا كان الرمي بالزناء للمحصنة الغافلة بمعني كون الرمي قبل اقامة البينة الشرعية موجباً للعن اي لعن الاولياء و السعداء و الشهداء فالرمي للعالم المؤمن الزاهد العابد بالغلوّ و الكفر و التصوف يكون موجباً لاشدّ اللعنات و اعظمها من اللّه و من اولياء اللّه و احباء اللّه و الملائكة المقربين و الانبياء و المرسلين انظر ما حال من استحق اللعنة الشديدة عن اللّه سبحانه و تعالي هل يبقي له مع ذلك تقوي و قال تعالي الذين يكتمون ما انزلنا من البينات و الهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون و قد كتم هؤلاء فضل آل محمد

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 303 *»

الذين هم البينات أ ما قرأت قوله تعالي لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب و المشركين منفكين حتي تأتيهم البينة رسول من اللّه يتلو الاية. فبين سبحانه ان البينة هي الرسول و لما كان امير المؤمنين نفس الرسول و الائمة من سنخ امير المؤمنين علیه السلام لان الاولاد جزء للوالد و علي شاكلته كانوا هم البينات و هؤلاء كتموا فضائلهم و مناقبهم حتي انكروا الزيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الهادي علیه السلام التي قام عليها اجماع الشيعة ان تكون منهم و محوا فقرات من الزيارة محتجين بان الناس يضلون اذا رأوا هذه الفقرة و منعوا ان لا يقرءوها فصاروا هم اعلم من اللّه لان الامام معصوم قد اخذ عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله و اللّه سبحانه شهد في حق نبيه صلی الله علیه و آله انه ما ينطق عن الهوي ان هو الّا وحي يوحي و اذا كان كلام الامام عن النبي صلی الله علیه و آله لعصمته و كلام النبي عن اللّه فكلام الامام هو الصادر عن اللّه فاذا كان كلام الامام علیه السلام يوجب الاضلال و التضليل فلا شك انه ما كان يعلم ذلك لانه اتي للهداية و الارشاد فكيف يفعل ما يوجب التضليل و المفروض انه انما قال بامر من الله فيكون اللّه تعالي لا يعلم ما يصلح الخلق و ما يفسدهم فصار هؤلاء الجماعة افضل من اللّه لانهم اعلم من اللّه بمصالح الخلق قل ءانتم اعلم ام اللّه و من اظلم ممن كتم شهادة عنده من اللّه فعلي هذا القياس يلزم هؤلاء الجماعة القول بان اللّه لا يعلم بعض الجزئيات أ لا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و تلك الزيارة و ان كان رواها صفوان مرسلاً  لكن تلقتها جميع الشيعة بالقبول و ذكروها في مزاراتهم و لم ينكروا عليها و لا علي شي‏ء من فقراتها مع كمال احتياطهم.

و بالجملة كتموا ما انزل اللّه من البينات و الهدي و سئل بعضهم عن معني قول القائل ان الامام ولي اللّه قال ان معناه انه حبيب اللّه مع ان النزاع بين السنة و الشيعة في الولاية المنسوبة الي امير المؤمنين ان الشيعة يذهبون الي انها ولاية التصرف و السنة يذهبون الي انها بمعني المحبة و ينكرون ان تكون بمعني ولاية التصرف و هذا المسئول المتسمي بالعلم يزعم انه شيعي و يقوي

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 304 *»

مذهب السنة و يقول ان ولاية الامام بمعني المحبة و هذا كتم اول فضائلهم التي يختص بها الشيعة و يثبتها لامير المؤمنين علیه السلام و ما ادري ما ضره لو فسّرها بولاية التصرف نعم لو فسّرها هكذا لطولب بعموم الولاية و لا دليل له علي التخصيص الّا مزخرفات تستبشع النفس عنها و انكروا علم الامام بالاشياء كلها و موهوا علي الناس انه لو علم الاشياء كلها لكان قد ساوي اللّه و هذا صريح بانهم يساوون انفسهم مع اللّه في بعض الاشياء دون بعض مثلاً  انهم يعلمون مسائل في النحو و الصرف و المنطق و البيان و سائر العلوم التي يعرفون بعض مسائلها و يعرفون ان زيداً موجود و عمراً ميت مفقود و لا ريب ان اللّه يعلم ما يعلمون فقد تساووا مع اللّه في علم هذه الاشياء فصاروا للّه مساوين في حال من الحالات و شي‏ء من الاشياء و صفة من الصفات مع ان المسلمين متفقون علي ان اللّه سبحانه لا يساوي لا في الجزئي و لا في الكلي لان علمه عين ذاته و لا اختلاف في ذاته فاي معني للقول بانهم يساوونه في العلم ببعض دون العلم بالكل.

فان قلت ان العلم بالاشياء عين ذاته فيلزم مساواتكم معه في حال دون حال فيلزم اختلاف الجهة في ذات اللّه و ان كان غير ذاته فهل هو حادث او قديم فان قلتم بالحدوث و انكرتم العلم الذاتي بالاشياء فقد كفرتم و ان قلتم انه تعالي يعلم الاشياء بذاته فهل في ذاته اختلاف جهة و تعدد نسبة ام لا فان قلت بالاول فقد هدمت اركان التوحيد لان متعدد الجهات حادث و ان قلت بالثاني فكيف تعقل مساواتكم معه تعالي في المسئلة النحوية مثلاً  و عدم مساواتكم معه في جميع العلوم و له حالتان اذن فاذا انتفت المساواة في كل الاحوال فما هو جوابكم في لزوم عدم التساوي اذا علمت مسئلة يعلمها اللّه هو جواب القائل بان الامام يعلم الاشياء كلها فالكلام الكلام و الجواب الجواب و الاعتراض الاعتراض فاين تذهبون و الي كم عن الحق تحيدون.

ثم ان القائل بان الامام يعلم الاشياء كلها لا يقول بانه يعلم جميع ما يعلمه اللّه حاشا و كلّا بل يراهم مضمحلين بالنسبة الي اللّه جاهلين لا يملكون لانفسهم نفعاً و لا ضراً و لا موتاً و لا حياةً و لا نشوراً بل المراد انهم يعلمون كل ما دخل في

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 305 *»

عالم الكون في خزائنه دون ما يتجدد آناً فآناً في خلق اللّه سبحانه من عالم الامكان الي عالم التكوين فالذي يعلمونه بالنسبة الي ما عند اللّه في الخزانة الامكانية قطرة في البحر او رملة في القفر و استغفر اللّه عن التحديد بالقليل فاين المساواة التي يزعمون و المماثلة التي يموهون و من ذلك العلم الذي لا يعلمون اذا ارادوا ان يعلموا علموا و من ذلك يتجدد لهم في ليالي القدر و ليالي الجمعة و كل ساعة و كل دقيقة و كل آن.

و اما الذي دخل في عالم الكون من عالم العقل الكلي الي جميع المراتب من الجزئيات و الكليات المودوعة في خزائنها فعندهم مفاتيح تلك الخزائن جعلها اللّه سبحانه لديهم لانهم عند اللّه أ ما سمعته سبحانه يقول و من عنده لا يستكبرون عن عبادته و لا يستحسرون يسبحون الليل و النهار لا يفترون قال مولانا الصادق علیه السلام نحن الذين عند اللّه و كل ما في عالم التكوين فذلك عندهم و كل ما في عالم الامكان ما يعلمون حتي يعلمهم اللّه و اذا ارادوا ان يعلموا علموا و هذا مراد العلماء السابقين الذين قالوا ان علم الامام ارادي اذا شاء ان يعلم علم طبقاً لاحاديث كثيرة واردة في هذا الشأن الّا ان البالاسرية افرطوا في المقال و قالوا ان الامام ما يعلم جاريته في اي زاوية من البيت لما انهزمت و الامام ما يفرق بين الماء الذي فيه النجاسة من غيره و ان الامام لما سأل من العرب عن اسم ارض كربلاء جاوبوه بانها تسمي الغاضريات قال هل لها اسم آخر قالوا ارض الطفوف قال هل لها اسم آخر قالوا شاطئ الفرات قال هل لها اسم آخر قالوا كربلاء و هو علیه السلام يزعمون انه ما كان يعلم و لما استغرب السائل ذلك استدل له لو كان يعلم لماذا سأل قال السائل فلو كان مجرد السؤال دليل الجهل فلِمَ سأل اللّه سبحانه موسي و ما تلك بيمينك يا موسي و سأل عيسي و قال يا عيسي ء انت قلت للناس اتخذوني و امي الهين من دون اللّه الايات هل كان جاهلاً  فبهت و لم‏يحر جواباً و هو قول مولانا الباقر علیه السلام اشارة اليهم لانه يعلم بان قوماً باقون في آخر الزمان و يحدثون المناكير و القبايح و الشنايع قال علیه السلام تضجراً عجباً لاناس من شيعتنا يزعمون ان طاعتنا واجبة عليهم كطاعة رسول اللّه صلی الله علیه و آله ثم

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 306 *»

يكسرون حجتهم و يخصمون انفسهم و يقولون انا لا نعلم كل شي‏ء أ تري ان اللّه سبحانه يبعث حجة علي اهل المشرق و المغرب ثم يخفي علمهم عنه و هذا من الذين كتموا ما انزل اللّه في فضل آل محمد سلام اللّه عليهم و بينه للناس و انكروا الاحاديث الكثيرة المروية في الكتب المعتبرة الدالة علي ولايتهم علیهم السلام و تصرفهم في العالم من الخطب و الادعية و القنوتات و الزيارات و ما في خطبة الافتخار و خطبة البيان و الخطبة الطتنجية و خطبة الغدیر و غیرها من الخطب کثیر و حديث معرفتهم بالنورانية و حديث الخيط الاصفر و حديث البساط و احاديث خلق انوارهم و احاديث كونهم اشباحاً و احاديث كونهم في الاكوان الستة قبل خلق الخلق و احاديث الدهور و حديث ابن مسعود و سائر الاحاديث المودوعة في الكتب المعتبرة و الغير المعتبرة من كتب اصحابنا رضوان اللّه عليهم و غيرهم و ينكرون كل هذه الاحاديث و يرمونها بالضعف و الارسال و يرمون رواتها بالغلو و الجهل و الاهمال و لا يقرون بمضامينها و لا يعتقدون مفاهيمها مع انهم يقرءون دعاء الاعتقاد المذكور في مهج الدعوات و اورده البهائي ره في مفتاح الفلاح المروي عن مولانا الكاظم و سيدنا الرضا علیهما السلام و يستحب قرائته في كل صباح و مساء و فيه الي ان قال و اشهد ان علياً امير المؤمنين علیه السلام و سيد الوصيين و وارث علم النبيين و قاتل المشركين و امام المتقين و مبير المنافقين و مجاهد الناكثين و القاسطين و المارقين امامي و حجتي و صراطي و دليلي و محجتي و من لا اثق بالاعمال و ان زكت و لا اراها منجية لي و ان صلحت الّا بولايته و الايتمام به و الاقرار بفضائله و القبول من حملتها و التسليم لرواتها فجعل علیه السلام من الاعتقاد الذي يجب ان يعتقد المؤمن و يدين اللّه به قبول فضائل امير المؤمنين و تصديق حملتها و التسليم لرواتها كائنة ما كانت و بالغة ما بلغت لا يراعي في احاديث الفضائل ارسال و لا اهمال مع انهم سلام اللّه عليهم اعطونا قاعدة كلية شريفة مرعية مسلمة عند المخالف و المؤالف من قولهم علیهم السلام نزلونا عن الربوبية و قولوا فينا ما شئتم و لن تبلغوا و معني هذا الحديث

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 307 *»

بعدة طرق و بعدة الفاظ مروية في الكتب المعتبرة و مسلمة عند الجميع.

فاذا صحّت هذه الروايات فاي شي‏ء يسأل اذن عن سند الرواية و صحتها و ضعفها و قد قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله في خطبة يوم الغدير  ايها الناس ان لاخي فضائل كثيرة لا اقدر ان احصيها في مجلس واحد الا فمن اتاكم بشي‏ء منها فصدقوه روي الصفار في بصائر الدرجات بسند صحيح عن زرارة قال دخلت علي ابي جعفر علیه السلام فسألني ما عندك من احاديث الشيعة قلت ان عندي منها شيئاً كثيراً  قد هممت ان اوقد لها ناراً  فاحرقها قال و لِمَ هات ما انكرت منها فخطر علي بالي الآدميون فقال علیه السلام لي ماكان علم الملئكة حيث قالوا أ تجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و في منتخب البصائر و غيره باسانيد عن جابر ان ابا جعفر علیه السلام قال قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله ان حديث آل محمد عظيم صعب مستصعب لا يؤمن به الّا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان فما ورد عليكم من حديث آل محمد علیهم السلام فلانت له قلوبكم و عرفتموه فاقبلوه و ما اشمأزت له قلوبكم فردّوه الي اللّه و الي الرسول و الي العالم من آل محمد علیهم السلام و انما الهالك ان يحدث احدكم بالحديث او بشي‏ء لا يحتمله فيقول و اللّه ماكان هذا و الانكار لفضائلهم هو الكفر و فيه ايضاً باسناد صحيح عن الحذاء قال سمعت ابا جعفر  ع يقول في حديث له ان اسوء اصحابي عندي حالاً الذي اذا سمع الحديث ينسب الينا و يروي عنا فلم يحتمله قلبه و اشمأز منه جحده و اكفر من دان به و لا يدري لعل الحديث منا خرج و الينا اسند فيكون بذلك خارجاً عن ديننا.

ثم تلك الاحاديث ليست كلها ضعيفة السند علي الاصطلاح المتجدد بل فيها روايات صحيحة و مضمونها في زيارات مقبولة مسلمة كذلك في الادعية و القنوتات لا سيما القنوت المروي عن سيدنا الحسين علیه السلام فحينئذ لو لم يطرحوا هذه الروايات و حملوها علي ظاهرها بما لا يلزم الاستقلال بالتصرف و لا الشراكة و لا التفويض و الاعتزال كما قالوا في الملائكة و

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 308 *»

تصرفها فاي محذور يلزمهم و اي ضرر يعتريهم مع ما علّمهم الامام علیه السلام قاعدة كلية في امثال هذه الاخبار كما عن المفضل قال قال ابو عبد اللّه علیه السلام ما جاءكم منا مما يجوز ان يكون في المخلوقين و لم تعلموه و لم تفهموه فلا تجحدوه و ردّوه الينا و ما جاءكم عنا ما لا يجوز ان يكون في المخلوقين فاجحدوه و لا تردّوه الينا و لا ريب ان مضمون تلك الاحاديث مما يجوز ان يكون في المخلوقين كالملائكة و حملة العرش و امثالهم و في اي مقام طرحوا هذا المقدار من الاخبار التي تنوف علي الفين و ما الموجب لردّها الّا  كتمان ما انزل اللّه من البينات.

فاذا ضاق بهم الخناق يموهون علي الناس بان هذه اسرار لا تجوز اذاعتها و لو فتح هذا الباب لم يبق سؤال و لا جواب و لا يجوز لاحد ان يدوّن علماً او يكتب حكماً نعم الاسرار الالهیة هي التي لا تكون تحت قاعدة كلية و لا يسعك اثباتها للسامع بالبراهين العقلية و (او  خ ل) النقلية او تخاف من احد يصيبك بأذية و يوقعك في بلية كما جعل مولانا الكاظم علیه السلام مسألة الحيض سرّاً في الزمان الاول و كون امير المؤمنين علیه السلام افضل من جميع الانبياء ايضاً كان سرّاً و هذا كله لعدم برهان واضح و دليل لايح و اما في هذه الازمان امثال هذه المسائل مبذولة معروفة و كذلك علم هذه المسائل لو كانت سراً لما اخبر بها امير المؤمنين علیه السلام اباذر و سلمان في حديث معرفته بالنورانية و اي سرّ في كون امير المؤمنين او احد الائمة نازلاً منزلة الملائكة في التصرف في العالم و الملائكة انما هم من خدّامه مخلوقون من اشعة نوره و اي سرّ في كون امير المؤمنين او احد الائمة علیهم السلام بمنزلة الثور الذي جميع الارضين السبع محفوظة علي قرنه و ايّ سرّ في كون امير المؤمنين ع او احد الائمة علیهم السلام نازلاً منزلة ذنب بقرة بني اسرائيل في احياء الموتي و اي سرّ في كون امير المؤمنين او احد الائمة علیهم السلام نازلاً منزلة عدو اللّه ابليس اللعين في جريانه و سريانه في جميع مراتب وجود الانسان و سائر الموجودات و اي سرّ في كون امير المؤمنين علیه السلام او احد الائمة علیهم

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 309 *»

السلام نازلاً منزلة ميكائيل و اسرافيل و عزرائيل في ايصال الحياة و الرزق و الموت الي الاشياء و اي سرّ في كون امير المؤمنين علیه السلام نازلاً منزلة الملائكة في حفظهم السموات و اي عقل يمنع هذا و اي نقل ينفيه و ما يموهون من ان انكارنا من جهة عدم دليل علي ثبوت هذه المطالب اي دليل تريدون اكثر مما يقرب من الفين حديث أ تجوز ان كل ذلك كذب و افتراء؟

و بالجملة لا محمل لهم في نفي هذه الامور من العقل و النقل الّا الكتمان و يشملهم قوله تعالي الذين يكتمون ما انزلنا من البينات و الهدي من بعد ما بينّاه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون و قد قال مولانا الباقر علیه السلام نحن اللاعنون و من العجب انهم اذا قيل لهم ان عيسي روح اللّه يصدقون و اذا قيل ان علياً نفس اللّه يضطربون و يستوحشون و يستغربون و يمجّون و لقد كتبت في هذه الايام في جواب بعض المتعسفين في بيان كيفية مدخلية الائمة في العالم كلاماً مشروحاً و كتبت من هذا النوع من عجائب الامور اشياء كثيرة لا نطول الكلام بذكرها هنا.

و اما قولك ادام اللّه حراستك و تأييدك ان كلاهما معترفان بالضروريات الملية، فكيف تكون البالاسرية معترفين بالضروريات الملية لانهم اوقعوا الفتنة و اظهروا الفساد بمحض عبارة لا يعرفون منها المراد و قد اجمع المسلمون و اتفقت ان الكتابة لا تؤسس حكماً و لا توجب امراً و لا اعتبار بالقرطاس بل العبرة بالاقرار او البينة علي الاقرار و الّا فمحض الكتابة لا يثبت بها شي‏ء و لا يترتب عليها امر لا سيما مع تصريح المتكلم بمراده و ابرازه مستجنات فؤاده و قد خالفوا ضرورة الاسلام و اوضعوا فتنة في الانام و اهلكوا الحرث و النسل و اوقعوا الفساد و شوّشوا العباد و اخربوا البلاد بمحض عبارة غير ظاهرة في المراد فخالفوا ضروري الدين و الملة بل الاسلام و السنة و لكن الناس تكون مع الشهرة كما كان دأبهم من مبدء الوجود الي آخر مقامات الشهود و ما يموّهون به علي الناس و يلبسون عليهم من ان الكتابة لو لم تكن معتبرة لم يحصل العلم

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 310 *»

باخبار الماضين و لا بسنن الاولين و لا مذاهب العلماء و لا مطالبهم و لا توثيق و تضعيف الرجال الروات و لا عقايد المتقدمين و من البين ان ذلك كله انما يعلم من الكتب و الخطوط فكيف يمكن القول بان الكتابة ليس عليها اعتبار فذلك محض تمويه و تلبيس لان الكلام فيما اذا كان الكتابة يعارضها بيان الكاتب و تنصيصه فان هذه الكتابة هي التي لا اعتبار فيها او ان الكتابة وقعت في يد من لا يعرفها كمسائل الطب و النجوم بيد الفقيه و كتاب الفقيه بيد المنجم و اما اذا كانت ليس لها معارض و الكتابة وقعت بيد من يفهمها كمسائل اهل كل فن عند اربابها و لا ريب ان ذلك يفيد الظن دون العلم الّا اذا تكاثرت القرائن و تواترت فحينئذ يفيد العلم و ما نحن فيه من قبيل الكتابة مع المعارضة و هي لا تعتبر بضرورة الاسلام.

و اما قولك ادام اللّه تأييدك ما تكليف العبد العاجز؟ فجوابه ان التكليف اما في الاعتقادات النظر و الفحص و ملاحظة المطالب من مظانّها و التماسها من مواقعها و اما في الفروع فان كنت من اهل الذكر و الاستنباط فاعمل بما تري مما علمك اللّه و انهي اليك علمه بواسطة الراسخين في العلم من اهل البيت الذين اذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا من مظانها و مواقعها من اخبارهم و آثارهم و مواضع تسديداتهم من اجماع و غيره و ان لم تكن من اهل الذكر و من اهل الاستيضاح فاطلب عالماً تركن اليه و تثق بدينه و امانته و يظهر فيه اخلاق ائمته فان النائب لابد له من مناسبة مع المنوب عنه في العلم و العمل اما الاول فان يكون علمه كله مستنداً الي الكتاب و السنة و ما يرجع اليهما من الاجماع و العقل المستنير بنور الشرع فلا ينقل الّا عن آل محمد علیهم السلام و لا يستند الّا اليهم و لايعتمد الّا عليهم و لا يقول الّا فيهم و ما يرجع الّا اليهم و يكون معهم علیهم السلام كما قال الشاعر:

اليكم و الّا لا تشد الركائب   و منكم و الّا لا تنال الرغائب
و فيكم و الّا فالحديث مخلق   و عنكم و الّا فالمحدث كاذب

 

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 311 *»

و عن يحيي بن زكريا يقول من سرّه ان يستكمل الايمان فليقل القول مني في جميع الاشياء قول آل محمد علیهم السلام فيما اسروا و فيما اعلنوا و فيما بلغني و فيما لم يبلغني و في رواية اخري ان يقول اذا اصبح او امسي ما قال آل محمد سلام اللّه عليهم قلنا و ما دانوا دنّا و اما الثاني اي العمل فان يكون متخلقاً باخلاق المؤمنين و موسوماً بسماتهم و موصوفاً بصفاتهم و تلك الصفات بعضها هو الذي ذكره امير المؤمنين علیه السلام في حديث همام علي ما رواه ثقة الاسلام و الحديث و ان كان طويلاً و لكني اذكره بطوله لتعرف المؤمن فان المجتهد خليفة اللّه و حجته عن حجة اللّه صلی الله علیه و آله و هو الحاكم علي الفروج و الدماء و الاموال علي الاطلاق فلابد ان يكون اميناً مؤمناً كاملاً موصوفاً بما قاله امير المؤمنين علیه السلام روي الكليني رحمه اللّه في الكافي عن محمد بن جعفر عن محمد بن اسماعيل عن عبداللّه بن داهر عن الحسن بن يحیي عن قسم ابي قتادة الحراني عن عبد اللّه بن يونس عن ابي عبد اللّه علیه السلام قال قام رجل يقال له همام و كان عابداً ناسكاً مجتهداً الي امير المؤمنين علیه السلام و هو يخطب فقال يا امير المؤمنين صف لنا صفة المؤمن كاننا ننظر اليه فقال يا همام المؤمن هو الكيس الفطن بشره في وجهه و حزنه في قلبه اوسع شي‏ء صدراً و اذل شي‏ء نفساً زاجر عن كل فان حاضّ علي كل حسن لا حقود و لا حسود و لا وثّاب و لا سبّاب و لا عيّاب و لا مغتاب يكره الرفعة و يشنأ السمعة طويل الغم بعيد الهم كثير الصمت وقور ذكور صبور شكور مغموم بفكره مسرور بفقره سهل الخليقة لين العريكة رصين الوفاء قليل الاذي لا متأفّك و لا متهتّك ان ضحك لم يخرق و ان غضب لم ینزق ضحكه تبسم و استفهامه تعلم و مراجعته تفهم كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة لا يبخل و لا يعجل و لا يضجر و لا يبطر و لايحيف في حكمه و لا يجور في علمه نفسه اصلب من الصلد و مكادحته احلي من الشهد لا جشع و لا هلع و لا عنف و لا صلف و لا متكلف و لا متعمق جميل

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 312 *»

 المنازعة كريم المراجعة عدل ان غضب رفيق ان طلب لا يتهور و لا يتهتك و لا يتجبر خالص الود وثيق العهد وفي العقد شفيق وصول حليم خمول قليل الفضول راض عن اللّه عز و جل مخالف لهواه لا يغلظ علي من دونه و لا يخوض فيما لا يعنيه ناصر للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين لا يخرق الثناء سمعه و لا ينكي الطمع قلبه و لا يصرف اللعب حكمه و لا يطلع الجاهل علمه قوال عمال عالم حازم لا بفحّاش و لا بطيّاش وصول في غير عنف بذول في غير سرف لا بختّال و لا بغدّار و لا يقتفي اثراً و لا يحيف بشراً رفيق بالخلق ساع في الارض عون للضعيف غوث للملهوف لا يهتك ستراً و لا يكشف سراً كثير البلوي قليل الشكوي ان رأي خيراً ذكره و ان عاين شراً ستره يستر العيب و يحفظ الغيب و يقيل العثرة و يغفر الزلة لا يطلع علي نصح فيذره و لا يدع جنح حيف فيصلحه امين رصين تقي نقي زكي رضي يقبل العذر و يجمل الذكر و يحسن بالناس الظن و يتهم علي الغيب نفسه يحب في اللّه بفقه و علم و يقطع في اللّه بحزم و عزم لا يخرق به فرح و لا يطيش به مرح مذكر للعالم معلم للجاهل لا يتوقع له بائقة و لا يخاف له غائلة كل سعي اخلص عنده من سعيه و كل نفس اصلح عنده من نفسه عالم بعيبه شاغل بغمه لا يثق بغير ربه غريب وحيد جريد حزین يحب في اللّه و يجاهد في اللّه ليتبع رضاه و لا ينتقم لنفسه بنفسه و لا يوالي في سخط ربه مجالس لاهل الفقر مصادق لاهل الصدق موازر لاهل الحق عون للقريب اب لليتيم بعل للارملة حفي باهل المسكنة مرجوّ لكل كريهة مأمول لكل شدة هشاش بشاش لا بعباس و لا بجساس صليب كظّام بسّام دقيق النظر عظيم الحذر لا يبخل و ان بخل عليه صبر عقل فاستحيي و قنع فاستغني حياؤه يعلو شهوته و وده يعلو حسده و عفوه يعلو حقده لا ينطق بغير صواب و لا يلبس الّا الاقتصاد مشيه التواضع خاضع لربه بطاعته راض عنه في كل حالاته نيته خالصة اعماله ليس فيها غشّ و لا خديعة نظره عبرة و سكوته فكرة و كلامه حكمة مناصحاً متباذلاً متواخياً ناصح في السرّ و العلانية لايهجر اخاه و لا يغتابه و لا يمكر به و لا يأسف علي ما فاته و لا يحزن علي ما اصابه و لا يرجو ما لا يجوز له

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 313 *»

الرجاء و لا يفشل في الشدة و لا يبطر في الرخاء يمزج الحلم بالعلم و العقل بالصبر تراه بعيداً كسله دائماً نشاطه قريباً امله قليلاً زللـه متوقعاً لاجله خاشعاً قلبه ذاكراً ربه قانعةً نفسه منفياً جهله سهلاً امره حزيناً لذنبه ميتة شهوته كظوماً غيظه صافياً خلقه آمناً منه جاره ضعيفاً كبره قانعاً بالذي قدر له متيناً صبره محكماً امره كثيراً ذكره يخالط الناس ليعلم و يصمت ليسلم و يسأل ليفهم و يتجر ليغنم لا ينصت للخبر ليفجر به و لا يتكلم ليتجبر به علي من سواه نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة اتعب نفسه لآخرته فاراح الناس من نفسه ان بغي عليه صبر حتي يكون اللّه الذي ينتصر له بعده ممن تباعد منه بغض و نزاهة و دنوه ممن دنا منه لين و رحمة ليس تباعده تكبراً و لا عظمة و لا دنوه خديعة و لا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من اهل الخير فهو امام لمن بعده من اهل البر.

قال فصاح همام صيحة ثم وقع مغشياً عليه فقال امير المؤمنين علیه السلام اما و اللّه لقد كنت اخافها عليه و قال هكذا تصنع الموعظة البالغة باهلها فقال له قائل فما بالك يا امير المؤمنين فقال ان لكل اجلاً لا يعدوه و سبباً لا يجاوزه فمهلا لا تعد فانما نفث علي لسانك شيطان انتهي الحديث بتمامه صلي اللّه علي قائله.

و ان اشتبه عليك حال العلماء فتتبع آثارهم و تفحص اخبارهم و تنبه الي اخلاقهم و انظر سلوكهم و اطوارهم و الي شعارهم و دثارهم و الي افعالهم و اقوالهم و اسأل كمسألتك هذه منهم و من غيرهم فاذا تفحصت و بذلت مجهودك يجب ان يهديك اللّه الي عالم مستقيم قد رضي اللّه عنه و جعله حاكماً من قبل حججه و خلفائه فان اللّه سبحانه وعد الهداية باعظم تأكيد للمجاهدين في سبيل اللّه الذين يبتغون رضاه و يقصدون قربه و نجواه و قال عز من قائل الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و ما ذكرته لك في هذه الاوراق كل ذلك شي‏ء معلوم تعرفه الناس و لا يخفي عليهم و اما الامور الخفية التي اطلع عليها قليل من الناس ما ذكرتها و فيما ذكرت لك بواضح الادلة و ساطع البرهان كفاية.

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 314 *»

خـاتــمـة

و قد وعدناك سابقاً بان نذكر لك ما كتبه ثالث القوم في جواب مسألتك هذه و قد بلغك البتة فانه كتب:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قال اللّه تعالي الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و قال امير المؤمنين اخوك دينك فاحتط له و قال مولانا الباقر عند اختلاف الاخبار خذ ما اشتهر بين اصحابك و اترك الشاذ النادر.

و كتب العبد الاثيم فلان الموسوي.

انظر الي مبلغه من العلم. اما قوله تعالي الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فهل قصد السائل الّا هذا و هذه الاية هي التي دلته الي السؤال و التفحص حتي يصدق عليه انه مجاهد و الهداية و ان كانت من اللّه لكن جعل لها ابواباً و الامام علیه السلام هو ذلك الباب كما قال امير المؤمنين علیه السلام علي ما في الكافي ما معناه و لو اراد اللّه ان يعرف نفسه لخلقه بغيرنا فعل و لكنه تعالي جعلنا ابوابه و الادلاء عليه و عند غيبة الامام علیه السلام نائبه هو حامل الهداية و انت بزعمك انك نائب الامام و رئيس الاسلام فهلا  تهدي و تبين له طريق هداية اللّه و تخرجه عن ظلمة الحيرة الي نور البصيرة و اي شي‏ء زاد للمتحير بتلاوتك له الاية ا تظن انه ما كان رأي هذه الاية و الرجل بهذه الاية اراد المجاهدة و عرف من المجاهدة السؤال من حملة الهداية و انت تبين له ما يعلمه و تحصل له الحاصل عنده.

و اما قوله و امره بالاحتياط، فلعمري كيف يكون الاحتياط في مقام التعارض في طرفي النقيض فان الاحتياط فيما يمكن الجمع كان يكون الاختلاف بين الواجب و المستحب او بين المكروه و الحرام و اما اذا كان الامر دار بين الواجب و الحرام و المستحب و المكروه فكيف یمكن الاحتياط و اذا كان الكشفية لا يرون للبالاسرية حكماً و لا يجوزون تقليدهم رأساً لمخالفتهم لقواعد الشرع و البالاسرية ايضاً لا يجوزون تقليد الكشفية لشبهة دخلت عليهم من بعض العبائر و قد كان يجب عليهم عدم الاعتناء بها فكيف يحتاط المكسين المتحير و هل هذا الّا الامر بمذهب من يقول سيدنا علي قتل سيدنا طلحة و

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 315 *»

سيدتنا عايشة حاربت سيدنا علي نحب الكل و نحظي بالكل و ان كان قصده من هذا الاحتياط اتباع من الاكثر يميلون اليه فهذا خروج عن مذهبه و يلزم من هذا اتباع مخالفي امير المؤمنين علیه السلام لان الاكثر مالوا اليهم فاثبات هذا الاحتياط علي كل حال هدم لاركان الدين و تخريب لشريعة سيد المرسلين التي حفظتها امة الاجابة من اصحاب الحق و اليقين و لعمري ان هذا كلام لا يرضي ان يتفوه به جاهل سفيه فضلاً عمن يدعي العلم.

و اما قوله خذ ما اشتهر بين اصحابك و اترك الشاذ النادر فاعلم ان الاخذ بالمشهور عند فقد الادلة و التراجيح انما هي في الاحكام الفرعية لا في اثبات الرئيس الحامل للشريعة ا لا تري سؤال عمر  بن حنظلة في هذه الرواية عن دَين او ميراث فلا ريب ان ذلك حكم جزئيات احكام الفرعية عند تعارض الادلة و فقد المرجح و اما في الاحكام الاصولية و اثبات الرئيس الحافظ للدين و الملة اي دخل فيه للكثرة لقد ذم اللّه سبحانه الكثرة في آيات تقرب من ثمانين آية مثل قوله تعالي لقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن و الانس الاية و قوله تعالي اكثرهم لا يعلمون و اكثرهم لا يعقلون و اكثرهم لا يشكرون و لكن اكثر الناس لا يعلمون و اكثرهم يجهلون و هكذا غيرها من الايات و الروايات و مدح القلة في قوله تعالي و قليل من عبادي الشكور، و ما آمن معه الّا قليل، فشربوا منه الّا قليلا و امثالها من الايات و قد قال الباقر علیه السلام ان الناس كلهم بهائم الّا المؤمن و المؤمن قليل و المؤمن قليل و قال مولانا الصادق علیه السلام المؤمنة اعز من المؤمن و المؤمن اعز من الكبريت الاحمر و هل رأي احدكم الكبريت الاحمر و امثالها من الروايات التي مدح فيها القلة و ذم فيها الكثرة و قد جري مذهب الشيعة علي هذا ا ما رأيت كثرة المعاندين و قلة المؤمنين ا ما رأيت قلة اتباع امير المؤمنين علیه السلام و قد كانوا في مبدأ الامر اربعة ا ما رأيت قلة اتباع الحسن علیه السلام و استيلاء معاوية حتي ضيق عليهم الامر بحيث منع ان يسمي احد باسم علي و الحسن و الحسين و علي هذا القياس وجب اتباع معاوية ا ما رأيت قلة اتباع الحسين علیه السلام و هكذا اتباع الائمة علیهم السلام واحداً

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 316 *»

بعد واحد الي صاحب الزمان حتي انه علیه السلام غاب لكثرة المعاند و قلة الناصر و المعاضد و هكذا فمذهب الشيعة و دينهم مبني علي قلة اتباع رئيس الحق ما دامت الدولة للظالمين و لما كان هذا مبني المذهب و الدین و صريح الايات و الروايات و الحديث اذا خالف القرآن و المذهب لا يعمل به اقتصر اصحابنا و علماؤنا رضوان اللّه عليهم في مدلول مقبولة عمر بن حنظلة علي موردها في دين او ميراث او في الاحكام الفرعية التكليفية ثم تقول قوله علیه السلام خذ ما اشتهر يريد به القول المشهور لا القائل المشهور فكم من قائل مشهور قوله ليس بمشهور معمول به عند الاصحاب و كم من قائل غير مشهور قوله مشهور معمول به عند الاصحاب و هذه الرواية اي دخل لها فيما يريد السائل من العالم الذي يجب اتباعه و العمل بقوله فهو يريد العالم الذي يقلده و المرجحات في مقبولة عمر بن حنظلة للعالم لاجل الاستنباط لا لاهل التقليد فمقصود السائل ترجيح العالم الذي يعمل بقوله و يأخذ عنه و يكون من القرية الظاهرة للسير الي القري المباركة و ذلك معلوم و جواب هذا الرجل اضعف الدين و قوي شبهة المخالفين و الوزر عليه و يلقاه يوم الدين.

ثم بقي هنا شي‏ء و ذكره من الواجبات العينية فان البالاسرية ربما يموهون علي الناس و يقولون لهم عليكم بالطريقة التي سلكها آباؤكم و اجدادكم باتباعهم للعلماء السالفين فانها طريقة السلامة و بها تحصل برائة الذمة و اما الطريقة المحدثة التي عليها الكشفية فهي طريقة محدثة جديدة لم يكن لها ذكر في سالف الزمان فاتباعهم لا يحصل به اليقين لبرائة الذمة فالاحتياط تركهم و لعل هذا هو مراده بالامر بالاحتياط.

و الجواب عن هذا الكلام الفاسد و القول الزور الكاسد انا ما تركنا طريقة علمائنا الماضين و اصحابنا السالفين في كيفية الاستنباط في الاحكام الفرعية فان طريقتهم هي طريقتنا و الذي يعملون به هو الذي نعمل به و مسلكهم هو الذي نسلك به و في اصول العقايد ما عندهم من اجمالات الاعتقادات هو الذي

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 317 *»

نعتقدها و ندين اللّه بها نعم عندنا تفاصيل تلك الاجمالات التي لم يذكروها و لم يدونوها كزوائد ترجع الي تلك الاجمالات و بالجملة فالذي عندهم عندنا و عملهم عملنا بلا شک نعم عندنا مطالب و مسائل و تفاصيل لم يذكروها لا انهم انكروا عليها كالتفاصيل التي تجدها الان في كتب اهل الاصول و الاصطلاحات التي احدثوها في الابواب و الفصول فانها لم يكن لها ذكر قبل ذلك في كتبهم المفصلة و في زبرهم المدونة و لا ريب ان الاذهان كلما تتأخر تنتج منها نتايج لم تكن قبل ذلك انظر الي تصرفات الناس في هذه الازمان في المطاعم و المشارب و المآكل و الملابس فانها ما كانت قبل ذلك الّا اصولها من اللحم و الخبز و الحنطة و الطحين بالنسبة الي المآكل و القز و الابريسم و القطن و الكتان بالنسبة الي الملابس و كل تلك التصرفات البديعة الغريبة انما كانت متفرعة علي تلك الاصول و تفاصيل لتلك الاجمالات كذلك الذي نحن عليه فان الاصول و الاجمالات من الكتاب و السنة و الاصول العقلية التي كانت قبل ذلك بيد العلماء نحن نستعملها و نفصلها و نستخرج منها احكاماً كثيرة فالاحتياط في العمل بقولنا لانه هو العمل بقولهم اي بقول العلماء الماضين و زيادة استخراج المسائل المبرهن عليها من الكتاب و السنة.

فهم الذين خالفوا جمیع العلماء الماضين و الامناء السالفين و الحاضرين فان احداً منهم لم يكذب الكاتب عن بيان مراده من الكتابة و لم يقل اني اعلم بكلامك منك و عمل بالباطن و ترك العمل بما ظهر له من الشخص من الاعمال و الاعتقادات و رجح الظاهر علي النص و امثال ذلك من الامور التي اجمعت الشيعة بل المسلمون علي خلافه.

و اما اولئك فامرهم مردد بين انهم انكروا ضرورة الاسلام او انهم اقروا بها و لم يعملوا علي مقتضاها فالاول يوجب الكفر و الثاني يوجب الفسق و لا ثالث في البين فهم الذين خالفوا علماء الاسلام و هدموا اركان الشريعة فالاحتياط الكامل في عكس ما يزعمون و خلاف ما يموهون و السلام.

و اما قولك ادام اللّه تسديدك و تأييدك هل يسقط عنه التكليف الي قولك

 

«* جواهر الحکم جلد 7 صفحه 318 *»

فالذي يخطر ببالكم الشريف، فجوابه ان التكليف ليس بساقط و الترجيح بلا مرجح باطل لدلالة العقل و النقل و اللّه سبحانه و تعالي ما اهمل العباد و لا تركهم سدي يهيمون في البلاد بل جعل لهم عقولاً مازجت هياكلهم فاستعبدت بها حواسهم و جعل عليها ادلاء هادين مهديين مرشدين الي الحق و الي طريق مستقيم و جعل لهم دلالات و علامات و شواهد و بينات تميز المحق منهم و المبطل و المدعي منهم و اهل الحقيقة و قد ارشدتك الي الدليل و اوضحت لك السبيل و اعليت لك منار الهداية و اوضحت لك سنن الدراية و بينت لك جهات الترجيح و شرحت لك الحق الصريح و فصلت لك المذهب الصحيح فتأمل فيه بصافي طويتك و حسن سريرتك تجد الامر واضحاً ظاهراً.

و هب اني اقول الصبح ليل   أ يعمي الناظرون عن الضياء

و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم و ظالميهم و منكري فضائلهم اجمعين الي يوم الدين.

لقد فرغ من املائها منشئها عصر يوم السبت الحادي عشر من شهر ربيع المولود سنة 1258 في هور الهندية في جزيرة تسمي الحصيوة مما يقرب من مسجد الكوفة حامداً مصلياً مسلماً مستغفراً.

([1]) الضيّق خ‏ل.

([2]) الواسع خ‏ل.

([3]) الرجل خ‌ل.

([4]) العربية خ‏ل.

([5]) حنبليين خ‏ل.

([6]) رسائلهم خ‏ل.