08-02 جواهر الحکم المجلد الثامن ـ الرسالة الغرية ـ مقابله

الرسالة الغرویة

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 157 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و اله الطاهرين.

اما بعــد فيقول العبد الفاني الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الموسوي الرشتي ان جناب المولي الاكرم و المخدوم الاقدم المؤيد بلطف الله الخفي و الجلي مولينا محمد علي ساكن ارض الغري علي مشرفها آلاف التحية و الثناء من الرب العلي قدارسل الي العلم الانور و النور الازهر مولينا و مقتدانا و استادنا و من عليه في العلوم الحقة استنادنا اطال الله بقاه و جعلني في كل مكروه فداه بمسألة جليلة عظيمة يريد الجواب علي الاستعجال و كان شيخنا و مولينا في غاية الاشتغال و ماتيسر له الاقبال الي الجواب فامر هذا العبد القاصر ذا الفكر الفاتر باملاء الجواب و انا و ان لم‏اكن اهلاً لذلك الخطاب و لالهام الحق و الصواب الاّ اني ارجو ان‏اكون ممن استنار باشراقات انواره الشريفة المستشرقة من عكوسات انوار اهل بيت العصمة و الطهارة عليهم سلام الله مادامت الدنيا و الآخرة فلذا امتثلت امره العالي مع قصور باعي و قلة اطلاعي و نقصان استعدادي و عدم انفتاح باب فؤادي و اسأل الله العصمة و التوفيق و الاهتداء الي سواء الطريق و جعلت كلام السائل سلمه الله و ابقاه متناً و جوابي كالشرح لئلايشتبه الامر كما هو عادة جناب الاستاد في اجوبة المسائل فاقول واثقاً بالله الملك العلام.

قــال سلمه الله تعالي: مسألة اصولية, الشرايع التي شرعت للامم من لدن آدم الي زمان نبينا9 هل تكون منحصرة في الستة بمعني ان من زمان آدم الي زمان نوح جميع اهل ذلك الزمان كانوا مأمورين بشريعة آدم و ان كان بعضه نبياً و لمانسخت شريعة آدم بعد ماجاء نوح كان جميع الناس مأمورين بشريعته في حياته و بعد موته الي زمان ابرهيم7و هكذا

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 158 *»

الي زمان نبينا9 و بعد ماتشرف كل الدنيا بل الارضون و السموات العلي بشرف اجلال طلوع نبينا9 كان جميع من كان في الارض من الانس و الجن مأمورين بشريعة نبينا9 الي يوم القيمة فعلي هذا كل من كان من الانبياء الذين كانوا في زمان واحد من هؤلاء الستة كانوا مأمورين بالعمل بشريعته و لم‏يكن لواحد منهم شريعة جديدة كماورد به في بعض النصوص او يحتمل ان‏يكون لبعض الانبياء الذين كانوا في عصر واحد من هؤلاء الستة شريعة جديدة لزمه العمل بها لنفسه خاصة او لها مع القوم الذين ارسل اليهم.

اقــول: الامر في هذا المقام ظاهر ان شاء الله لكني احب ان‏اخبر جنابك العالي بحقيقة الامر في ذلك لئلايشتبه الامر فنقول و لا قوة الاّ بالله العلي العظيم اعلم ان حكم الله سبحانه علي المكونات ليس كماهو عليه و الاّ لمااختلف شي‏ء و لا تعدد لانه واحد و فعله واحد و مقتضاه واحد و ما امرنا الاّ واحدة و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و الكثرة في نفسها لنقصانها بالنسبة الي الوحدة ليست مطلوبة فلايصار اليها ابتداءاً كما لايخفي بل حكمه علي الاشياء المكونة كماهي عليه علي مقتضي الكينونات و قوابل الايجادات فلولاه لم‏يحسن الايجاد لمكان الاضطرار المرجوح عند التكليف المرجوح عند عدمه الايجاد و لو اتحد الحكم حقيقة مع تباين الاقتضاءات و تخالف الاستعدادات لفسدت السموات و الارض لعدم المقبول مع القابل من حيث هو قابل و بطلان القابل من حيث هو كذلك مع وجود المقبول و بهما تمام الوجود و ظهور الحق المعبود و هو سر قوله تعالي لايكلف الله نفساً الاّ وسعها و لايكلف الله نفساً الاّ ماآتيها, بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون و معاذ الله ان‏نأخذ الاّ من وجدنا متاعنا عنده فاذا صح هذا فاعلم ان ذلك الحكم اي ترتب المقتضي علي المقتضي علي قسمين: حكم تكويني ذاتي ايجادي و حكم تشريعي وجودي صفاتي و كلاهما علي قسمين: غيبي و شهودي و القسمان و ان كانا قسيمين لكنهما في هذا المقام

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 159 *»

متطابقان متوافقان و لا بينونة بينهما الاّ بينونة الصفة و لما اختلفت درجات الخلق لايمكن ايصال ذلك الحكم الاّ بمترجم و سفير و بشير و نذير و لايمكن لاحد انكار ذلك الاّ ان‏يمنع الاختلاف و يدعي الايتلاف و يكابر الضرورة و يزاحم البديهة الم‏يسمع قوله7 ان لله سبعين الف حجاب من نور و ظلمة لو خرقت واحدة منها لاحرقت سبحات وجهه ماانتهي اليه بصره من الخلق الم‏يسمع كيف خر موسي النبي7 عند تجلي الرب و هلاك بني‏اسرائيل و اندكاك الجبل الم‏تعلم ان ذلك المتجلي حادث لتعالي القديم عن ذلك علواً كبيراً فاذا وجب السفير و الواسطة يجب ان‏يكون كاسمه بين العالي و السافل و الاّ لم‏يكن كذلك هف و كلامنا في هذا المقام انما هو في القسم الثاني دون الاول لكونه المسؤول عنه فنقول ان حكم الحق علي المكلفين المخلوقين يقتضي بالاقتضاء الاولي ان‏يكون سارياً جارياً علي الكل علي جهة الدوام و الاستمرار لكونه المناسب لمقام العظمة و الكبرياء و الموافق لمرتبة السلطنة و اقرب الي الوحدة التي هي شأن الحق و لماسيجي‏ء من السر الحقيقي في ذلك الاّ ان‏يوجد سبب اقوي من ذلك المقتضي ليترتب عليه مااقتضاه و لماكان هذا الامر الثانوي المبطل للاقتضاء الاولي ممايجهله المكلفون لقصور ادراكاتهم عن فهم اقتضاء الكينونات وجب علي الله سبحانه في الحكمة ان‏يبين لهم ذلك و هو حكم النسخ و لماكان هذا امراً ثانوياً مخالفاً للاقتضاء الاولي لايصار اليه الاّ بدليل قاطع و برهان ساطع كالبدر اللامع فلايصار اليه بمجرد الاحتمال و لو مساوياً

فاذا عرفت هذا فاعلم ان الله سبحانه لماجعل آدم خليفة في الارض و لم‏يكن من سنخه احد من البشر حتي حصلوا و وجدوا و لم‏يكن في شرق الارض و غربها و سهلها و جبلها انسان غير آدم و ذريته فاوحي الله سبحانه اليه شريعة تعم الكل و تشمل الجل و القل بحيث لايشذ منها شاذ و لماكثروا و تناسلوا و توالدوا و ملؤوا الارض و مااقتضت الحكمة ان‏يكتفوا بمبلغ واحد اما لضعف في المبلغ حيث لم‏تكن له تلك الرتبة و الضعف

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 160 *»

في المبلغ اليه لعدم قبولهم من واحد و عدم تلايم طبعهم معه او عدم الانس معهم في عالم الذر اختص كل طائفة بنبي يناسبهم ليبين لهم مايختص بهم من احوال تلك الشريعة الاولية لماقلنا ان حكم الله يجب ان‏يكون بالاقتضاء الاولي جارياً سارياً مستمراً لوحدة نوع ماشرعت الشريعة لاجله كمايأتي بيانه تفصيلاً ان‏شاء الله تعالي سواء كان بسفارة واحد و ترجمته او مختلف متعدد و لماكان ذلك الامر الواحد نزل علي آدم7 اولاً و لم‏يكن هناك احد من الانبياء اختص آدم7بتلك الشريعة و ساير الانبياء علي ماوصفت لك يتلقون الوحي من الله سبحانه بالهام او بسماع صوت او بمعاينة ملك او غير ذلك لكن ليس ذلك الوحي و الالهام امراً جديداً او حكماً تأسيسياً و انما هو بيان و تفصيل لتلك الشريعة كماتأتي الملائكة عند ائمتنا سلام الله عليهم و تنزل عليهم الملائكة و الروح في ليلة القدر فان ذلك كله تفاصيل ماكان مجملاً عندهم من الشريعة النبوية علي الصادع بها آلاف الثناء و التحية و الفرق بين الوصي و النبي الذي هو علي شريعة الآخر يأتي فيما بعد ان‏شاء الله تعالي فتلقي الفيض من الله تعالي بواسطة الملائكة او غيرها لاينافي تابعيته للغير اي لشريعته كمادلت عليه الاخبار و شهد له صحيح الاعتبار

 اما الاول: فكما في الكافي عن هشام بن سالم قال قال ابوعبدالله7 الانبياء و المرسلون علي اربع طبقات فنبي منبأ في نفسه لايعدو غيرها و نبي يري في النوم و يسمع الصوت و لايعاينه في اليقظة و لم‏يبعث الي احد و عليه امام مثل ماكان ابرهيم7 علي لوط7 و نبي يري في منامه و يسمع الصوت و يعاين الملك و قدارسل الي طائفة قلوا او كثروا كيونس7 قال الله تعالي و ارسلناه الي مائة الف او يزيدون و قال يزيدون ثلثين الفاً و عليه امام و الذي يري في منامه و يسمع الصوت و يعاين في اليقظة و هو امام مثل اولي العزم الحديث و لاتتوهم من هذا الحديث ان لوطاً ماكان مبعوثاً علي احد لان المثل انما هو للجزء الاخير و هو قوله7 و عليه امام لا انه لم‏يبعث لان ذلك لايحتاج الي التمثيل كالاول

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 161 *»

و اما ذكر يونس فلبيان من ارسل اليهم من القلة و الكثرة اي لايتفاوت الامران قل المرسل اليهم او كثر متي لم‏يصل الرسول الي حد اولي العزم فهو تابع لاولي العزم و ان استلقي الوحي من الملك و كان رسولاً من قبل الله الم‏تقرأ القرآن بعد ماذكر الحق ان لوطاً من المرسلين قال فآمن له لوط اي لابرهيم انظر كيف صار تابعاً لابرهيم و رعية له مع انه مبعوث من قبل الله الي الامة فالبعث تبليغي لا تأسيسي و ان حصل لهم تفصيل الاجمالات و قداعطاك الامام7اصلاً كلياً بان ماسوي اولي العزم ليس بامام و هم امام عليهم.

و اما الثاني: فلما قلنا ان حكم الله و امره علي الخلق يجب ان‏يكون جارياً دائماً مستمراً الاّ ان‏يأتي سبب اقوي فيجري الحكم علي الاقتضاء الاولي من اول آدم الي نوح8 و وجود الانبياء كمادريت لاينافي وحدة الحكم و الشريعة اذ ليس كل نبي ناسخاً و مؤسساً و اختلاف بعض الموضوعات الجزئية لايستلزم الاختلاف الكلي حتي يستلزم النسخ الكلي و الاختلافات الجزئية في الشريعة لاتنافي بقاء الكلية الاولية و تلك الجزئيات هي التي اشرنا اليه من انها تفاصيل تلك الشريعة و كان الحال علي ذلك المنوال الي آخر الدور الاول اي نهاية اقتضاء الحكم الاولي الكلي و تحقق اقتضاء الامر الثاني و الحكم الثانوي فخرج بذلك الحكم الثاني شيخ المرسلين و افضل اولي العزم بعد محمد خاتم المرسلين عليه و آله سلام الله اجمعين نوح النبي7 فكان في اول الدور الثاني و لماكان نوح افضل الانبياء لانه من افضل اولي العزم و هم افضل الانبياء بالكتاب و السنة و الاجماع و العقل كمايأتي بيانه ان شاء الله بعث علي كافة المكلفين في زمانه و الدليل علي ذلك عموم الطوفان و هلاك كل من في الارض سوي راكبي السفينة و قدنطق به القرآن في مواضع عديدة و سنذكرها ان‏شاء الله فكانت بعثة نوح عامة و شريعته عامة و لم‏يكن في زمانه نبي الاّ ماكان منصوباً من قبله و الكلام في هذا المقام طويل و الاختصار هو المطلوب و الدليل في هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 162 *»

المقام هو الذي ذكرنا في عموم شريعة آدم من اقتضاء الاستمرار في حكم الله الواحد القهار و ان كان ثانوياً مضافاً الي الاخبار الكثيرة و اجماع العلماء و اهل السير و التواريخ بل المسلمين كلاً لكن معرفة ذلك يحتاج الي تتبع ما.

فكان الحكم الثاني الذي اتي به نوح7باقياً جارياً مستمراً علي اقتضائه الي نهاية هذا الاقتضاء لتحقق الاختلاف الكلي في الموضوعات الكلية المسبب عن اختلاف الاوضاع الفلكية و الادوار العنصرية الي ان خرج ابرهيم7 في اول الدور الثالث و اتي عن الله سبحانه بمايقتضيه ذلك الدور من الاحكام الالهية و نسخ ماكان قبله لتحقق السبب الاقوي من المقتضي و معرفة ذلك انما هي بمعرفة نسخ شريعة من مضي و قدكانت شريعته كمايقتضيه ذلك الدورالي نهايته الاّ ان بعثته لم‏تكن عامة بل قيل كان مبعوثاً علي اربعين بيتاً الاّ انه كان اماماً علي الناس كله و قدآمن له لوط و هو من الانبياء المرسلين و دل علي هذا العموم قوله تعالي اني جاعلك للناس اماماً فان هذا الكلام عام.

ان قلت لا عموم فيه لاطلاق الناس و هو اعم قلت ان المطلق اذا لم‏يكن متعلق امر يعم علي التحقيق كماقالوا في البيع حلال و الخمر حرام سيما في هذا المقام الذي قرينة العموم فيه واضحة ظاهرة فان هذه الامامة لو كانت خاصة لم‏يثبت له مزيد شرف لانه كان حاصلاً له علي من ارسل اليه اذ كل نبي لابد ان‏يكون ولياً بنسبة مقامه و لمااعطاه الله تعالي هذه العطية و شرفه بهذه الشريعة كرامة ثانية بحيث افتخر به ابرهيم و باهي شكر الله و طلب ذلك لذريته قال تعالي لاينال عهدي الظالمين و الاخبار بهذا المعني كثيرة تركناها للتطويل انظر الكافي تجدها و منها مافيه عن جابر عن ابي‏جعفر7قال سمعته يقول ان الله اتخذ ابرهيم7 عبداً قبل ان‏يتخذه نبياً و اتخذه نبياً قبل ان‏يتخذه رسولاً و اتخذه رسولاً قبل ان‏يتخذه خليلاً و اتخذه خليلاً قبل ان‏يتخذه اماماً فلماجمع له هذه الاشياء و قبض يده و قال اني جاعلك للناس اماماً فمن عظمها في عين ابرهيم قال يا رب و من

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 163 *»

 ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين و في حديث آخر عن زيد الشحام عن ابي‏عبدالله7 مثله ان بعد الآية قال لايكون السفيه امام التقي و امثالها من الاخبار كثيرة مضافاً الي انه افضل منهم لكونه من اولي‏العزم و ثبت الامامة له7 و هو محل الحكم الناسخ قطعاً فوجب علي غيره من الانبياء من اول زمانه الي آخر الدورة و نهاية الاقتضاء الثاني ان‏يكون مطابقاً لشريعته و موافقاً لطريقته و تابعاً لملته و ان استلقي الفيض اي الوحي من الله سبحانه كماسبق.

و لماانتهت تلك الدورة و انقضت المدة خرج موسي علي محمد و آله و عليه السلام في اول الدورة الرابعة حاملاً لجميع ماتقتضيه تلك الدورة علي اختلافها و كان اماماً علي الكل الي آخر الدورة الرابعة و ان كان مبعوثاً علي فرعون و بني‏اسرائيل خاصة و كان النبيون يحكمون بشريعته من عند الله تبارك و تعالي بالبيان المتقدم و قداخبر الحق سبحانه عن ذلك باوضح بيان و قدقال تعالي انا انزلنا التورية فيها هدي و نور يحكم بها النبيون انظر في صراحة قوله تعالي يحكم بها النبيون و قال ايضاً يا موسي اني اصطفيتك علي الناس برسالاتي و بكلامي فخذ ماآتيتك و كن من الشاكرين و كتبنا له في الالواح من كل شي‏ء موعظة و تفصيلاً لكل شي‏ء فخذها بقوة و أمر قومك يأخذوا باحسنها الآية, و لولا ثبوت ناسخية شريعة عيسي8 لكان حكم موسي7 نافذاً ابداً لعموم الآية و صراحتها و عدم مخصص لها كمالايخفي علي اولي البصيرة و الفطنة و الانبياء كانوا يحكمون بشريعته من الله سبحانه حتي انتهت الدورة الرابعة بانتهاء اقتضاء القابلية الاولي فخرج عيسي روح الله و كلمته في اول الدورة الخامسة حاملاً لماتقتضيه تلك الدورة من الاحكام الالهية و الشرايع الوجودية علي قياس ماتقدم حرفاً بحرف اذ لانفرق بين احد منهم و نحن له مسلمون و لا احد خالف في هذا المعني بل ذكروا ان بين كل صاحب شريعة الي الآخر اثني‏عشر وصياً و ذكروهم باسمائهم.

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 164 *»

و لماانتهت الدورة الخامسة خرج مولانا و سيدنا و نبينا9فانتهت الاقتضاءات الكلية و استمرت و كمل الوجود و طابق الوجودان المتقدمان الكوني و الشرعي اذ الشي‏ء لايتم الاّ بعد تغييرات ستة و كمالها في السابع فالتغيير الاول في النطفة فاذا استقرت بقيت في مقامها الي مدة وجودها فكل‌ما يرد عليها من الاحوال يتبع تلك الحالة الي عشرين يوماً ثم يأخذ في التغيير شيئاً فشيئاً حتي‌يبلغ بعد الاربعين كمال  رتبة التغيير بحيث انمحقت جهة النطفة بالكلية و ارتفع اقتضاها فاقتضي امراً آخر و حكماً ثانياً فهو العلقة فالتغيير الثاني في العلقة علي قياس ماقلنا في النطفة علي قياس ماقلنا في الشريعة و التغيير الثالث في المضغة كذلك و الرابع في العظام كذلك و الخامس في اكتساء اللحم كذلك و السادس في انشاء الخلق الآخر هو الاصل و هذه التغييرات انما كانت لاجل ظهوره و تحقق بروزه و هو الروح اي الحيوة القديمة فاذا ظهر فلايبطل حكمه و لايضمحل اقتضاءه ابداً بل يتضاعف شيئاً فشيئاً و يبقي الي مالانهاية له فلايتغير و لا ابطال لهذا الحكم كمافي شريعة محمد9 و هو قوله تعالي خلق السموات و الارض في ستة ايام فكما ان الوجود الكوني الذاتي لايكمل الاّ بهذه التغييرات الستة و كذلك الوجود الشرعي لايتم في الظهور علي مايريد سبحانه وتعالي الاّ بهذه التغييرات الستة الم‏تنظر الي السادس و نسبته الي الخمسة في الكون و الوجود فافهم منه نسبة صاحب الشريعة السادسة الي الباقي و هذه آية ضربها الله سبحانه لك و مايعقلها الاّ العالمون و الكلام في هذا المقام بعد علي ظاهر الامر و قدظهر لك ان شاء الله تعالي ان اولي الشرايع ستة باكمل بيان بالحكمة و دليل المجادلة بالتي هي احسن و الذي يقول انهم سبعة بجعل داود احدهم فكلام لا محصل له و لا دليل عليه و انت قدعرفت انه لايصار الي الاقتضاء الثاني الذي يصير سبباً للحكم الثاني الاّ ببرهان قاطع و بهذا القدر

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 165 *»

كفاية لاهل الدراية و لولا الاستعجال و بلبال البال لاطلقت عنان القلم في هذا المضمار والله ولي التوفيق.

قــال ايده الله و سلك به مسلك الرضا: و علي الاول فاذا كان عمل الانبياء الذين كانوا في زمان كل واحد من هؤلاء الستة و فيمابعده الي مجي‏ء واحد آخرمنهم علي شريعة ذلك الواحد فباي قسم يستفيدون احكام تلك الشريعة هل يأخذون من الهام الهي او من سماع صوت ملك من الملائكة مع رؤيتهم او بدونها او يأخذون من الواحد الذي كان صاحب الشريعة او يأخذون بعض الاحكام منه و الباقي من الالهام او الملك.

اقــول: الانبياء لهم مقامات و درجات حسب اختلاف اجابتهم في عالم الذر قال تعالي و ماكان لبشر ان‏يكلمه الله الاّ وحياً او من وراء حجاب او يرسل رسولاً فيوحي باذنه مايشاء و الكلام في بيان هذه الكلمات طويل و لسنا بصدده و قديجتمع هذه الامور كلها في رسول و قدتختلف بحسب اختلاف الاشخاص فمنهم من يتلقي الوحي بالالهام خاصة و منهم بالرؤياء و منهم بالنظر في الواح الآفاق و الانفس و منهم بالسماع علي انحاء و منهم بالرؤية و معاينة الملك و قديستفيدون بصاحب الشريعة ايضاً في حياته او من كتابه و شريعته و منهم من ينزل عليهم الكتاب من الله كماروي ان الكتاب المنزل من السماء مائة و ثلثة  عشر كتاباً, و كان ما انزل علي زردشت النبي المبعوث علي المجوس كتاباً مكتوباً علي ثلثين الف جلد ثور

و بالجملة طرق تلقي الوحي لهم: كثيرة يطول بذكرها الكلام و لاينافي ذلك كله كونهم علي شريعة واحدة من اولي الشرايع كماذكرنا لان الوحي كان يأتيهم علي مقتضي تلك الشريعة و ان اختلفت بالاجمال و التفصيل و التبيين و التغيير حسب تغيير الموضوعات الجزئية كما ان العلوم و الاحكام و الاقوال التي ترد علي آل‏محمد: بواسطة الملك لكنها لاتخالف شريعة النبي

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 166 *»

9 بل هي علي طبق تلك الشريعة الاّ ان الحكم في الاوصياء حكم المبادلة و البدلية بخلاف الانبياء اذ كلهم اغلبهم كانوا معاصرين و مؤدين و مبلغين عن الله تعالي تلك الشريعة حيث مااقتضت المصلحة ان‏يكون كل اصحاب الشريعة الناسخة او الاولية يبلغون بانفسهم كمابلغ بعضهم مثل نوح و رسول الله9 و ذلك لكون ولايتهم و نبوتهم خاصة فلاتعم حسب مااقتضت قابلياتهم في عالم الاجابة في عالم الانوار فافهم ان كنت تفهم و اما محمد9 فهيهات فقدانقطع دونه الكلام و فحم عنده البيان و هو صاحب الولاية الكبري و النبوة العظمي فتعم كل شي‏ء لان حق كل ذي‏حق عنده فيتصرف كمايشاء الله و بالجملة قدتكون الشريعة عامة و البعثة خاصة كما لآدم و ثلاثة من اولي العزم و قدتكون كلتاهما عامتين و هو علي قسمين عموم جزئي اي في زمانه كنوح و عموم كلي حقيقي كنبينا9 الطاهرين فافهم.

قــال سلمه الله: و اذا قلنا باخذهم جميع الاحكام من الالهام او الملك فهل يكون رعايا لذلك الواحد الذي كان صاحب الشريعة و تجب عليهم اطاعته او لا؟ و علي الاول فاي دليل دل علي كونهم رعايا له و وجوب اطاعتهم بالنسبة اليه لان المفروض انهم لايحتاجون في استفادة الاحكام الي الاخذ من صاحب الشريعة بل اضافة الشريعة اليه و القول بانه صاحب الشريعة دونهم لايخلو عن تكلف لان المفروض ان الشريعة واحدة استفاد بعضهم احكامها من الكتاب الذي ارسل اليه و بعضهم من الالهام و سماع الصوت و كل واحد منها دليل قطعي يجب العمل عليه مضافاً الي ان ارسال الكتب ايضاً لم‏يكن مختصاً بصاحب الشريعة بل كان لكثير منهم الكتاب ايضاً فاختصاص الشريعة به و القول بوجوب اطاعتهم اياه بمجرد سبق كتابه او كثرة المرسل اليهم و نحو ذلك بعيد عن الصواب.

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 167 *»

اقــول: و قدسبق مماذكرنا جواب ماذكرت كله و نشير ايضاً للتوضيح فنقول اما اولوا العزم: فلاشك انهم قطب دائرة الرحي  و هم ائمة علي كل من كان في تلك الدائرة قال مولينا و سيدنا ابوعبدالله الصادق7 علي مافي الكافي سادة النبيين و المرسلين خمسة و هم اولو‏العزم من الرسل و عليهم دارت الرحي نوح و ابرهيم و موسي و عيسي و محمد9 و قدعلمت ان النبيين كانوا يحكمون بكتاب موسي و جعل الله ابرهيم اماماً علي الناس جميعاً و قدآمن به لوط او هو من الانبياء المرسلين و بالجملة كلهم كانوا رعايا لاولي العزم لانه حق الامام علي المأموم و قدصرح الامام الصادق7 بذلك و حكم بانه امام كما في الحديث المتقدم كما كان محمد9 اماماً علي اولي‏العزم و كلهم رعاياه و غنمه لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون بل كلهم كانوا علي شريعة و لم‏يخرجوا عن ربقة طاعته كنت نبياً و آدم بين الماء و الطين و اما عموم شريعة ادم و خصوص تبليغه مع انه ليس من اولي العزم كما قال الله تعالي و لقد عهدنا الي آدم من قبل فنسي و لم‏نجد له عزماً فمن جهة ان الشريعة انما هي احكام الخلق و احوالهم و صفاتهم و اقتضاء كينوناتهم فلاتتغير الاّ اذا تغيرت الاحوال و الاقتضاءات كماقال تعالي ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم  و قبل ان‏تتغير تبقي الشريعة و تبلغها السفرة و الوسايط الي المكلفين و هي شريعة واحدة و المؤدون مختلفة و لما كان آدم محلاً لتلك الشريعة و موقعاً لذلك النجم و مهبطاً لذلك النور اختصت به و كل من يأتي بعد ذلك قبل التغيير الكلي فهو علي تلك الشريعة و الاّ يلزم ان لايكون الحق سبحانه حكيماً تعالي ربي و تقدس عن ذلك و عدم التغيير انما نعرفه من عدم النسخ و النسخ ماتحقق الاّ عند مجي‏ء نوح7 و هذه التبعية لا دخل لها بالافضلية و المفضولية و اما اولو‏العزم فيجري فيهم هذا الحكم مع زيادة فضيلتهم عليهم و قربهم الي الله و كونهم ائمة عليهم فيجب علي

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 168 *»

الانبياء الذين كانوا في زمان شريعة اولي العزم اطاعتهم لامرين احدهما كونهم اماماً عليهم و ثانيهما كون الشريعة شريعتهم و اما في آدم فللامر الثاني دون الاول.

فان قلت: غاية مااستفيد من كلامك ان الشريعة علي طبق اقتضاء الاكوان و احوال الموجودات فهو مسلم لكن من اين يعلم ان هؤلاء الستة كان عندهم الشريعة الشاملة لكل الخلق حتي يكون كل من يأتي من الانبياء تابعاً لشريعته و موافقاً لملته و ما السر في اختصاصها به دون غيره لم لايجوز ان‏يكون عنده الشريعة المختصة بامته فتخص شريعته كما خصت بعثته و كذا سائر الانبياء كل من يكون له شريعة خاصة و لايتبعون غيره

قلت: لمادلت عليه الاخبار المتكثرة و الآثار المتظافرة و ما عليه اتفاق العلماء من ان شريعة نوح نسخت شريعة آدم و شريعة ابرهيم نسخت شريعة نوح و ان شريعة موسي نسخت شريعة ابرهيم و شريعة عيسي نسخت شريعة موسي و محمد9 نسخت شريعته شريعة عيسي و من هنا يظهر عموم تلك الشريعة للقطع بان بعد مجي‏ء الناسخ ماكانت شريعة معمول‏بها لغير هؤلاء. فان ناقشت في الاخبار و خدشت في الاتفاق اخبرك بالواقع فتدبره فاقول ان الحكم حكمان لان الاقتضاء اقتضاءان اقتضاء نوعي كلي متشخص و اقتضاء جزئي متشخص و الاول يجمع الكلي جمعاً وحدانياً و يندرج فيه تلك الاقتضاءات انظر الي الانسان فان له اقتضاء نوعي كلي محفوظ في جميع الجزئيات و هو استقامة القامة بهذه الهيئة المخصوصة و كذا الفرس و هو الانحناء بالهيئة المخصوصة و كذا البقر و هو الانحناء مع القرنين و امثال ذلك و لافراد كل واحد من هذه الانواع اقتضاءات جزئية مخالفة بعضها مع بعض مع حفظ ذلك النوع فيه كطول القامة و قصرها و نبت اللحية و عدمها و كبر الوجه و صغره و امثالها في الانسان الاّ ان هذه الاشخاص كلها مندرجة تحت نوع واحد و يصدق عليها اسم واحد فاذا تبدلت الحقيقة النوعية يبطل ذلك الاقتضاء و يضمحل ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 169 *»

الاسم و يقتضي نوع مابدل اليه كما اذا تبدل نوع الفرس بالبقر فيسقط اقتضاء الفرسية اصلاً و يبقي اقتضاء البقرية فيجري عليها احكامها ثانياً و تبتدل الجزئيات و تختلف مع بقاء الكلي علي اقتضاء.

فاذا شاهدت هذه الآية بحكم المشاهدة العيانية فاعلم ان كل زمان باعتبار اهله مع ملاحظة الاوضاع الفلكية و الادوار العنصرية له اقتضاءان اقتضاء نوعي كلي كما هو اقتضاء نوع زماننا هذا من قصر العمر و قصر القامة و قلة الاكل و امثالها من الامور الكلية و كما في الازمنة الكلية السابقة من طول العمر و طول القامة و كثرة الاكل و قلة البصيرة و امثالها من الامور الكلية و اقتضاءات جزئية مخصوصة بكل شخص.

و لا شك ان الاحكام الالهية علي حسب الاقتضاءات الكونية فيثبت لك زمان شريعة كلية علي حسب الاقتضاءات الكلية العامة و شريعة جزئية خاصة علي حسب الاقتضاءات الجزئية المندرجة احكامها تحت الاحكام الكلية, فان حصل التغير في الجزئيات مع حفظ الكلي فانما هو تفاصيل له و الحكم للكلي فان حصل التغير في الكلي يبطل الاقتضاء رأساً فيبطل حكمه فيجب تجديد الحكم علي حسب الاقتضاء و تلك الشريعة الكلية ليست متحصصة متجزئة بل انما هي في حكم شي‏ء واحد و الجزئيات مندرجة في ضمنها و تابعة لها.

و لماكان النسخ الكلي المنبئ عن التغيير الكلي في الموضوعات الكلية منحصراً في خمسة علمنا ان الشرايع الكلية انما هي ستة و لماكانت الشريعة حكماً الهياً و نوراً ربانياً لابد لها من محل خاص و مهبط مخصوص و كانت الجزئية دائرة مدارها و حائمة حولها فكانت هي القطب لرحي الجزئيات وجب ان‏يكون محلها اشرف المحال و مهبطها اعلي المهابط فاختص اولوا العزم الذين هم الاقطاب و عليهم دارت الرحي بذلك الله اعلم حيث يجعل رسالته.

و اما آدم7 فهو و ان لم‏يكن من اولي العزم لكنه لماكانت الاسباب الالهية اقتضت ابوته و تقدمه علي كل البشر و كان خليفة الله في ارضه و لم‏يكن افضل منه في الظاهر البشرية اختص مجمل تلك الشريعة الكلية اذ لم‏تنفك الكلية عن الزمان ابداً. و مادام وجود الاقتضاء الكلي

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 170 *»

المسبب للشريعة الكلية كلما عداها من الجزئيات انما هي من افرادها و تفاصيلها و مأخوذ منها و متشعب عنها حتي يبطل ذلك الاقتضاء فيرجع الحكم علي هذا النمط فكما كانت الشرايع الجزئية تابعة للشريعة الكلية و متفرعة عليها كذلك الانبياء المبعوثون بتلك الجزئيات و بيان الاحكام التفصيلية لتلك الكليات اما اولوالعزم فمن جهة الفضيلة الحقيقية الذاتية و اما آدم7 فمن جهة كونه حاملاً للشريعة الكلية و هنا امور كثيرة و اسرار عجيبة لايسع الوقت لبيانها و لسنا ايضاً بصددها و من هذا البيان اندفعت الايرادات كلها و ظهر ان الانبياء متبع لصاحب الشريعة مع تلقيهما الوحي من الملك و عدم المنافاة بينهما و عدم التكلف في اضافة الشريعة الاصلية الي صاحبها دونهم من التبع لان عندهم تفاصيل تلك الاصول فمن صاحب الشريعة الاصول و منهم الفروع و الفروع تابعة للاصول و الشي‏ء ينسب الي اصله لا الي فرعه بل الفرع لا تذوت له الاّ بالاصل و من هذه الجهة كانوا يؤمنون لصاحب الشريعة من اولي العزم و هم كانوا اماماً عليهم كما في قصة لوط و يونس و غيرهما و ليس نسبة الشريعة الي صاحبها بمجرد سبق كتاب له حتي يفهم منه اختصاص الكتب بهم ليلزم ماذكرتم و لا لكثرة المرسل اليهم بل ربما كان صاحب الشريعة اقلهم في ذلك كما قيل في ابرهيم7 انه كان مبعوثاً علي اربعين بيتاً بل لما ذكرنا و شرحنا من الاصلية و الفرعية فكان ماعليه العامة هو الصواب و الله اعلم بالصواب.

قــال سلمه الله و ابقاه: نعم اذا قال الله تعالي للانبياء اني اوجبت عليكم اطاعته و جعلتكم من رعاياه مع عدم احتياجكم اليه في اخذ الاحكام لاجل حكمة من الحكم و مصلحة من المصالح التي لاتعلمونها فلا بأس ولكن الشأن في اثبات ذلك.

اقــول: كيف لايحتاجون اليه و شريعتهم مأخوذة من شريعته و فرع لها بل ليست الاّ هي فان التفاصيل لاتخرج عن المجملات و هم المبلغون لما عنده علي

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 171 *»

ما اراد الله تعالي و هو المؤسس بل شريعته هي الباب الذي يفتح منه الف باب و اما الذي يتلقونه من الله سبحانه بواسطة الملك فهو ليس امراً جديداً و حكما تأسيسياً ليلزم ماذكرتم بل انما هي تلك الشريعة و من شعبها و افرادها اوحي الله تعالي اليهم و في الحديث ان سلمان كان محدثاً يعني يقذف الله تعالي في قلبه الالهام او يسمع من الملك و امثال ذلك أيجوز لك ان‏تقول ان سلمان في تلك المسألة له حكم جديد ليس فيها تابعاً للشريعة المحمدية9 و مجرد اخذ الشريعة و الاستفادة المعروفة لا دخل لها في التبعية لان المدار معرفتها باي نحو كان سواء كان بالهام الله سبحانه او بالتعلم من النبي9بواسطة او بغيرها و لايقال اذا كان الشخص تمكن من مقام الالهام لايحتاج الي صاحب الشريعة هيهات بل التحمل مقام و الاستفادة مقام آخر.

فمن عرفه الله تعالي بعض الشي‏ء لايكون مستقلاً كاملاً بل الكمال كل الكمال و نعم الكمال تحمل الكل فمن تأهل لذلك و تحمل فهو الكامل الذي عليه العمل فهكذا كان حكم الانبياء اذ ليس كل نبي يتحمل ماتحمله الآخر و قدقال مولينا الصادق7 ان حديثنا صعب مستصعب لايحتمله الاّ ملك مقرب او نبي مرسل الحديث فالمتحمل للجزئي تابع للمتحمل للكلي الذي ذلك الجزئي من افراده اذ لولا ذلك الكلي و ذلك النبي المتحمل له ماوصل اليه ذلك الجزئي فافهم.

قــال سلمه الله تعالي: و القول بان صاحب الشريعة كان عالماً بجميع احكام المكلفين بخلاف باقي الانبياء فانهم كانوا عالمين باحكام انفسهم او مع القوم الذين ارسل اليهم فيكون اعلم منهم فيجب عليهم اطاعته فلايخفي ضعفه لانه اذا فرض ان فلاناً كان عالماً باحكام جماعة و هم ذكر و انثي و خنثي و امثال ذلك من المجانين و السفهاء و غير ذلك كان عالماً بجميع احكام المكلفين لاشتراكهم في التكليف بل لو فرض العلم بتكليف مكلف واحد علي فرض توارد صفات مختلفة و احوال متخالفة عليه

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 172 *»

يتحقق العلم بتكليف جميع المكلفين كما لايخفي مضافاً الي ان مجرد الاعلمية لايدل علي وجوب التبعية و الاّ للزم ان‏يجب علي كل مفضول اطاعة الفاضل و البديهة تنادي بفساده.

اقــول: المراد بعلم صاحب الشريعة بجميع الاحكام هو ماذكرنا من علمه بحكم الله تعالي علي الاقتضاء الكلي النوعي لذلك الزمان باعتبار اهله و احوالهم و اطوارهم المختلفة كماذكرنا و هو مودع عند صاحب الشريعة و ساير الانبياء مبعوثون الي جزئي من جزئيات تلك الكلية الاولية و هو احوال الطائفة المخصوصة من الامة و احوالهم فرد من ذلك النوع الكلي و اين العلم بالجزئي من العلم بالكلي و القول بان العلم بالكلي منحصر في العلم بالجزئي كانحصار العلم بالانسان في العلم بزيد من حيث الخصوصية فلايخفي ضعفه بل البديهة تنادي بفساده و ليس العلم بالجزئي في العلم بالكلي الاّ كالقطرة في البحر المحيط او كالذرة بالنسبة الي كل العالم و الكلي هو الباب الذي يفتح منه الف باب بل الف الف باب بل لايتناهي و الجزئي هو باب منها بل لايعد العلم بالجزئي في جنب العلم بالكلي علماً حقيقة بل هو عنده كرائي الشبح عن بعيد و القول بان من عرف شيئاً عرف كل شي‏ء لا دخل له فيما نحن بصدده اذ الشريعة هي حكم الفرق من حيث هو و الاول هو حكم الجمع من حيث هو و بين المقامين فرق واضح و اثبات تساوي العلم للاشتراك في التكليف لايخفي ضعفه لان المراد بالتكاليف لايخلو اما ان‏يكون عامة شاملة للنوع او تكاليف خاصة فان كان الاول فلايصح بوجه اذ الخاص لايشترك مع العام اشتراكاً ينبئ احدهما عن الآخر انباءً تاماً حقيقياً و هو ظاهر جداً و ان كان الثاني فعلي فرض تسليم الانباء في صورة الاشتراك لايطلع الاّ علي الشريعة المخصوصة المبعوث عليها و لايطلع علي الاحكام الكلية الالهية المخزونة عنده فيكون اعلم منه و حصل المطلوب مع ان الانباء في صورة الاشتراك مم؟ لانه انما يستلزم ذلك لو كان الاشتراك من جميع الوجوه و في كل الاحوال و لم‏يدل دليل علي هذا بل مقطوع بفساده حتي ان من الاصوليين و

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 173 *»

الفقهاء من يمنعون الاشتراك الكلي بين المكلفين في زماننا هذا و الذين في زمان المعصوم7 مع انه شريعة واحدة مع دعويهم الاجماع علي الاشتراك و لذا اذا احتج عليهم بوجوب صلوة الجمعة في هذا الزمان بقوله تعالي ياايها الذين آمنوا اذا نودي للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا الي ذكر الله الآية, يجيبون بانا لسنا من المخاطبين بذلك و انما هو حكم الحاضرين المشافهين و اذا قيل لهم انهم مشاركون في التكليف للاجماع فماثبت لهم يثبت لنا, يقولون ان ثبوت الاجماع علي الاشتراك في هذا المقام غير معلوم و الاصل عدمه.

و بالجملة القول بالاشتراك في كل دقيق و جليل و صغير و كبير و كلي و جزئي ظاهر الفساد سيما في الشريعتين فكيف يحكم بتساوي العلمين بمجرد العلم ببعض الاحوال و هذا ظاهر ان شاء الله لكن الذي ذكرنا هو كلام علي ظاهر الحال علي ما هو المعروف بين الناس.

و اما في الحقيقة فالامر اعظم من ذلك و اعلي و اين علم ساير الانبياء من علم اولي العزم و اي نسبة بينهما فان العلم نور يقذفه الله في قلب من يحب فيشاهد به الملك و الملكوت و يترقي الي الجبروت و حضرة اللاهوت و لا شك انه يتبع صفاء الباطن و نزاهته و تصفيته عن الكدورات فكل من هو اصفي يكون نور العلم فيه اكثر و اشد و اعلي انظر الي الحجر و المرآة و البلور في اشراق نور الشمس عليها مع ان الاشراق واحد و الانوار مختلفة في الشدة و الضعف حتي ان في البلور ظهر اثر ذات الشمس فيه و هو الاحراق لكمال درجته في الحرارة و اليبوسة. فاذا ثبت ان اولي العزم سادة النبيين و اشرف الانبياء و المرسلين ثبت اعلميتهم اذ لايكونون افضل الاّ لصفاء طويتهم و نورية سريرتهم و خلو سرهم و فراغ قلبهم و لا شك ان الفيض الالهي موجود كنور الشمس فاذا وجد القابل تعلق به علي حسبه فاذا صح ان نوريتهم اشد كان عليهم اكثر. و شرف المرء و فضله علي غيره لايكون الاّ بالعلم فاذا صحت الافضلية صحت الاعلمية و هما متلازمان بل الاول يتبع الثاني و يترتب عليه و ما نال احد مقاماً و رتبة الاّ بالعلم و قدبسطنا القول في هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 174 *»

المقام في مقدمتنا علي شرح اربعين حديثاً و ما فيه كفاية لاولي الدراية و الاشارة في هذا المقام تكفي ان شاء الله.

 و القول بان الافضلية قدتكون من جهة العبادة دون العلم فكلام لا محصل له فان العبادة قبولها و عدمه و صحتها و عدمها انما هو بالعلم كيف و نوم العالم افضل من عبادة العابد و التكاليف الالهية انما اشتدت و ضعفت و قويت و خفت علي افراد المكلفين من جهة اختلاف علومهم كماكان رسول الله9 مكلفاً لما لم‏يكلفه غيره و التخفيف لاجل التوسيع تفضل من الله علي عباده فافهم. و بالجملة كل كمال يتبع العلم و هو مادة كل فضيلة و كمال.

و اما قولكم فان مجرد الاعلمية لايدل علي وجوب التبعية و الاّ للزم اه ففيه ان الاعلمية اذا كانت ذاتية لقرب العالم من المنير و بعده عنه تجب التبعية الحقيقية الاتري النور القريب الي السراج و البعيد عنه فانه القري الظاهرة للسير الي القري المباركة فوجب السير فيها ليالي و اياماً آمنين و يعرف هذا بالاجابة الاولية في عالم الذر فكل من اجاب اولاً فهو الاقدم و كان رسول الله9 اول من اجاب فتقدم علي كل مخلوق ثم بعده ائمتنا المعصومون سلام الله عليهم فحازوا مقام التقديم الذاتي علي كل مذروء و مبروء و له الفضل عليهم ثم اولوالعزم من الرسل فتقدموا علي ساير الانبياء و انما كانوا اولي العزم و الثبات لانهم ثبتوا في ولاية آل‏محمد: و عرفوها و تحملوا علومهم و ماترددوا و لاشكوا في الولاية ابداً كماقال مولينا العسكري روحي فداه و7 و الكليم البس حلة الاصطفاء لماعهدنا منه الوفاء و روح القدس في الجنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة الحديث, ثم ساير الانبياء و لذا قديحصل منهم بعض التردد و عدم التحمل لعلوم آل‏محمد: كما ان ايوب شك و بكي قال هذا امر عظيم و خطب جسيم فاوحي الله تعالي اليه أتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت آدم بالبلاء فوهبته بالتسليم له بامرة المؤمنين و انت تقول خطب جسيم فوالله لاذيقنك من عذابي او تتوب الي بالطاعة لاميرالمؤمنين7 و

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 175 *»

لاتتوهم ان المراد بالشك هو المعني المعروف بين العوام كلا و حاشا انبياء الله و هم اجل عن ذلك, بل لمعني آخر لا يناسب المقام لذكره. فمن هذه الجهة كان كل من اولي العزم اماماً لغيرهم فيجب عليهم اطاعته و اما آدم7 فمن جهة ان شريعتهم مأخوذة من شريعته الاصل فتجي‏ء التبعية من حيث الشريعة لا من حيث الفضيلة الذاتية و منه ظهر وجوب تبعية المفضول للفاضل.

و اما ماتري من عدم وجوب المتابعة حتي حكم بعض الفقهاء بل اكثرهم بجواز تقليد المجتهد المفضول مع وجود الفاضل فضلاً عن حرمة تبعية المفضول اذا بلغ رتبة الاجتهاد للفاضل فهو من جهة عدم تحقق الفاضلية الذاتية فانهم في مرتبة واحدة و قديتفاضلون باعتبار اظهار ما استجن في سرايرهم اما بعلاج او بالفطرة و هذا المعني مشترك بين كلهم اذ يقدر الكل علي علم الآخر و انما حجبه المانع و هذا لايستلزم وجوب التبعية من حيث هو و قدتجب لامور اُخر مثل وجوب تبعية المقلد للمجتهد.

قــال سلمه الله تعالي: ثم ان النبي المبعوث علي كافة الخلق جميعاً بحيث لم‏يبق واحد من المكلفين الاّ و هو مبعوث عليه و لو كان نبياً هل يكون مختصاً بنبينا9 او كان بعض انبياء اولي العزم ايضاً كذلك و يظهر من الاحاديث ان نوحاً كان مرسلاً علي جميع الخلق و يظهر من بعض النصوص ان موسي و عيسي ايضاً كانا كذلك و اذ قلنا ان بعض الانبياء كان مرسلاً علي كافة الخلق حتي علي الانبياء الذين كانوا في عصرهم فما معني البعث و الارسال بالنسبة اليهم علي ماقلنا ان غير انبياء اولي العزم يستفيدون الاحكام من الصحف المنزلة او الهام او سماع صوت الملك مع رؤيته او بدونه فمثل الخضر و الالياس الذين كانا في زمان موسي و عيسي و بقيا الي الآن هل كانا نبيين او كانا عبدين صالحين فعلي الاول كماهو المشهور هل كانا تابعين لموسي و عيسي و كانا مبعوثين عليهما و انهما من رعاياهما ام لا.

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 176 *»

اقــول: قدسبق ان الشريعة قدتكون عامة و البعثة خاصة و قديجتمعان فاما الذي جمع له الامران فليس الاّ محمد9 و نوح7 و ما كان احد نبياً في عصرهما و لا بعد نبينا9 و اما موسي و عيسي8 فلم‏يبعثا علي الكل كيفي و قدقال تعالي انا انزلنا التورية فيها هدي و نور يحكم بها النبيون فلو كان مبعوثاً علي الكل لم‏يوجد نبي قط في زمانه و تخصيصه بمابعد موسي خلاف الظاهر و لايصار اليه الاّ بدليل قاطع مع ان الاخبار المتواترة تكذب هذا المعني و تدل علي انهما مبعوثان علي بني‏اسرائيل خاصة و فرعون و ملئه ايضاً في موسي7 و الحديث الدال علي ماادعيتم فلم اطلع عليه و لو كان, فهو محمول بعموم الشريعة لا البعثة.

و اما عموم شريعة نبينا9 فمما لايحتاج الي البيان و كفي العيان عن مؤونة البيان و اغنت جلية الشأن عن اقامة الحجة و البرهان و اما نوح7 فقددلت عليه الاخبار المتكثرة و شهد بصحتها القرءان و اوضح امره عموم الطوفان علي جميع وجه الارض فلو لم‏يكن مبعوثاً علي الكل لماسري الغضب علي الكل من جهته و اما قصة بلصيال بن جور و بناءه قبة الزمان و نجاته و من معه من الطوفان فان صحت فانه قدافتقد فقداً كلياً عن وجه الارض و لم‏يذكر لها اسم و لم‏يطلع عليها احد الاّ مولينا صاحب الزمان عجل الله فرجه و روحنا فداه و بناءه للقبة دليل علي وصول الطوفان اليها لولاها فافهم قال الله تعالي و جعلنا ذريته هم الباقين الي ان قال ثم اغرقنا الاخرين فدلت الآية الثانية علي العموم كماهو ظاهر و اما الخضر7 فالظاهر انه ماكان نبياً بل كان عبداً صالحاً رزقه الله العلم  و المعرفة و بلغه الي مقام القرب و انما سمي خضراً لانه في كل موضع يقعد كان يخضر ذلك الموضع و اطرافه. و قدقال الله تعالي اخباراً عن حاله في القرآن فوجدا عبداً من عبادنا اتيناه رحمة من عندنا و علمناه من لدنا علماً و ماذكر نبوته مع ان المقام يقتضي ذلك و اما الخبر الوارد في نبوته فهو معارض بمثله و اقوي منه و القرآن يشهد بعدمها و لم‏يحضرني الآن الكتاب حتي اذكر

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 177 *»

الاحاديث الواردة في هذا المقام الاّ انك اذا فتشتها في البحار و عوالم العلوم وجدتها و اما الياس فقدكان نبياً مرسلاً كماقال تعالي و ان الياس لمن المرسلين الاّ انه كان علي شريعة صاحب الشريعة و تابع لها و يلقي اليه الوحي عنها و هو يبلغ قومه الي ان انقرضت بعثته و رسالته و بقيت نبوته و هو الآن علي شريعة نبينا9 و يأخذ شرايع دينه من الامام صاحب الزمان عجل الله فرجه و جعلنا فداه و لاينافي ان‌يأتيه الهام عن الله تعالي لبعض تفاصيل الكليات بالوساطة الغيبية.

قــال سلمه الله تعالي: و علي كل حال لاشك و لا ريب ان نبينا9 بعث علي كافة البشر جميعاً و ان كان بعضه نبياً فمثل خضر و الياس و ان قلنا بنبوتهما لا شك انهما من جملة رعايا و اتباع نبينا9 و نبينا9 مبعوث عليهم ايضاً و اذا قلنا انهما كانا يستفيدان الاحكام في زمان نبينا9 منه و من بعده من الائمة سلام الله عليهم فما معني نبوتهما و اطلاق النبي علي مجرد المعصوم من الذنوب بعيد و الاّ يلزم ان نجوز بعد نبينا انبياء متعددين لان العصمة بمعني عدم ارتكاب الذنوب صغايرها و كبايرها امر ممكن و يجوز العقل وقوع كل شي‏ء ممكن.

اقــول: بل كل الانبياء و المرسلين من لدن آدم الي حنظلة و خالد كلهم كانوا تبع و رعايا لمحمد و آله: و كل الشرايع شريعته و انما اختلف باختلاف الموضوعات و الاخبار في هذا المعني متواترة معني الم‏تسمع قوله9 كنت نبياً و آدم بين الماء و الطين و قول اميرالمؤمنين7 كنت ولياً و آدم بين الماء و الطين و لا فرق بين اولي‏العزم و غيرهم بل مابعث نبي الاّ و قداخبر قومه به و بآله صلي الله عليهم و كونهم من التابعين و المتبوعين تبعة و رعايا لهم مع ان كلهم انبياء مرسلين فاتسعت دائرة الشبهة و الجواب ان الذي استفيد من الاخبار بنظر الاعتبار ان النبي هو الذي يأتيه الوحي من الله سبحانه بالرؤيا او بالسماع باي نحو من انحائه و

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 178 *»

الرسول هو الذي يأتيه الوحي من الله سبحانه بماذكر و بمعاينة الملك في الكافي عن زرارة عن ابي‏جعفر8 قال سألته7 عن قول الله عزوجل و كان رسولاً نبياً ما الرسول و ما النبي قال7 النبي الذي يري في منامه و يسمع الصوت و لايعاين الملك و الرسول الذي يسمع الصوت و يري في المنام و يعاين الملك قلت الامام ما منزلته قال يسمع الصوت و لايعاين ثم تلا هذه الآية و ماارسلنا من رسول و لا نبي و لا محدث هـ و المراد بالامام في هذا المقام هو الوصي لا الامام المراد في قوله تعالي اني جاعلك للناس اماماً فانه مقام فوق المقامات و الاخبار بهذا المعني كثيرة جداً و لايشترط في النبي ان‏يكون مستقلاً بالامر بل و لا ان‏يكون مبعوثاً الي احد بل و لا ان‏يأتيه الوحي بالامر التأسيسي فيجوز ان‏يكون ما اوحي الله اليه انما هو بيان لشريعة مخصوصة مما هو مختص بذلك النبي نفسه او مع مايتعلقه من الامة علي حسب مقامه و درجته و لايلزم مما اذا كان الرجل نبياً ان‏يكون مستقلاً غير تابع و ليس في اخبار اهل العصمة: مايؤمي الي ذلك بل المعروف منها خلافه كمافي الحديث المتقدم ان الانبياء و المرسلين علي اربع طبقات فنبي‏ منبأ في نفسه لايعدو غيرها و نبي يري في المنام و يسمع الصوت و لايعاينه في اليقظة و لم‏يبعث الي احد و عليه امام مثل ماكان ابرهيم علي لوط8 و نبي يري في منامه و يسمع الصوت و يعاين الملك و قدارسل الي طائفة قلوا او كثروا كيونس قال الله تعالي ليونس و ارسلناه الي مائة الف او يزيدون قال يزيدون ثلثين الفاً و عليه امام و الذي يري في منامه و يسمع الصوت و يعاين في اليقظة و هو امام مثل اولي العزم و قدكان ابرهيم نبياً و ليس بامام حتي قال الله اني جاعلك للناس اماماً قال و من ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين من عبد صنماً و وثنا لايكون اماماً انتهي.

انظر بعين بصيرتك في هذا الحديث الشريف يظهر لك ماقلنا كيف جعل النبي المرسل مأموماً و هل المأموم الاّ التابع و قدصرح بذلك الحق سبحانه في القرآن و قال فآمن له لوط مع ان لوطاً كان من الانبياء المرسلين و هو كان مؤمناً

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 179 *»

بابرهيم و تابعاً له فلايلزم ان‏يكون كل نبي مستقلاً و لا مستقل الاّ صاحب الشريعة و لايلزم من تلقيهم الوحي استقلالهم اذ قديكون بيان شريعة و تفصيل مجمل و حل معضل و لماكانت النبوة قبل نبينا9 غير عامة من حيث البعثة لعدم عموم الانبياء اولي الشرايع غيره9 كان كل من يؤمن(يؤمر ظ) بالتأدية و التبليغ لنفسه او لغيره و لو كان بالتبعية يسمي نبياً بخلاف الذي ما امر بذلك و الهمه الله العلم و المعرفة و الحكم لايسمي بذلك بل يسمي ولياً كلقمان و خضر و سلمان و امثال اولئك من الكرام.

و اما عيسي و ادريس و الياس: الذين كانوا انبياء فبعد بعثة نبينا9 و عليهم انقطعت رسالتهم و نبوتهم المتعدية فهم الآن تبع و رعايا لآل‏محمد: يتلقون بعض الاحكام و الشرايع من صاحب الزمان عجل الله فرجه و يأتيهم الوحي و الالهام و سماع الصوت فيمايتعلق بانفسهم و مايتعلق بهم من تلك الشريعة الشريفة و من الامام7 القاء الاصول و التفريع عليهم بالالهامات و القذوف و الكشوف و مع‏ذلك كله فلايهتدون الاّ بنوره و لايستضيئون الاّ بسراجه صلي الله عليه و علي آبائه و هكذا كان حال اولي العزم بالنسبة اليهم و حال اولي العزم بالنسبة الي نبينا و ائمتنا سلام الله عليهم اجمعين فاطلاق النبي عليهم ليس لمجرد عصمتهم بل لكونهم انبياء مبعوثين علي الرعية و الآن انقرضت تلك و يتلقون الحكم من الله بالتبعية و ليس في شريعة نبينا9 من كان مبعوثاً علي طائفة لم‏يبعث نبينا9 عليهم بالتبليغ فانه قداجتمع عنده الاجمال و التفصيل فلايحتاج الي معين في التبليغ و في الحديث انه9 قدبلغ الشريعة الي كل احد مشافهة و ماكانت تلك المرتبة للانبياء اولي العزم فكان يوجد في عصرهم و فيمابعدهم انبياء فاندفع الاعتراض و حصحص الحق.

و اما وجود العصمة في غير الانبياء و الاوصياء و فاطمة صلوات الله عليهم و عليها و ان كان ممكناً لكنه ماوقع و ما اخبرنا به وان قيل في حق

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 180 *»

بعض الاشخاص مثل سلمان و الابواب الاربعة في الغيبية الصغري رضي الله عنهم لكنه كماتري و الحمدلله وحده.

قــال سلمه الله تعالي: ثم ان النبي المبعوث علي الجن هل هو مختص بنبينا9 او جميع انبياء اولي العزم كانوا مبعوثين علي الجن ايضاً و علي الاول فلابد و ان‏يكون لهم نبي من الجن و لم‏يثبت و ماذكره بعضهم من مجيء رسول من الجن اسمه يوسف غير ثابت.

اقــول: ان الله سبحانه خلق الجان من مارج من نار و هي نار الشجر الاخضر الذي خلق من فاضل طينة الانسان كماقال مولينا الصادق7 في قول ابليس انا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين قال7 ما معناه انه غالط لعنه الله بل النار التي خلق منها اسفل من التراب الذي خلق منه آدم لانه خلق من نار الشجرة و هي مخلوقة من فاضل طينة آدم قال7 اكرموا عماتكم, النخلة و انما سميت النخلة, نخلة لانها خلقت من نخالة آدم7فالجن تابع للانس في الاحكام و الاحوال فكلما يجري في الانس يجري في الجن بالتبعية في كل بحسبه فمن هذه الجهة لايدخلون الجنان الاصلية اذا اطاعوا بل يدخلون الحظاير التي هي من شعاع الجنة الاصلية فاذا صحت التبعية فهم يأخذون شرايعهم و احكام دينهم من نبي الانس في كل زمان و كل ارض يأخذون عن النبي المبعوث فيها او غيرها كما اخبر الحق سبحانه عنه في القرآن قال تعالي و اذ صرفنا اليك نفراً من الجن يستمعون القرءان فلماحضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا الي قومهم منذرين قالوا يا قومنا انا سمعنا كتاباً انزل من بعد موسي مصدقاً لمابين يديه يهدي الي الحق و الي طريق مستقيم الآيات, و هؤلاء جن نصيبين كمافي بعض الروايات و روي انهم سبعة و في رواية ابن مسعود انهم سبعين الفاً و لا منافاة بينهما كانوا علي دين موسي7 و لذا قالوا انزل من بعد موسي فظهر ان الجن في كل زمان

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 181 *»

يتبعون نبي ذلك الزمان لكونهم مكلفين و محتاجين الي سفير مع تبعيتهم للانسان و هذا ظاهر و اما قولكم لم‏يثبت ان‏يكون نبي من الجن اه ما المراد منه ان اردتم ان يكون نبيهم من قبل الله تعالي بلاواسطة الانس فهو كذلك و مدعيه مكابر مباهت و ان اردتم نفي النبوة عنهم مطلقاً فلا حجة علي ذلك بل الحجة علي خلافه و الشواهد العقلية و النقلية قائمة. تدبر في الآية المتقدمة في صراحة قوله تعالي يا معشر الجن و الانس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي و ينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا علي انفسنا و في الآية المتقدمة في قوله تعالي فلماحضروه قالوا انصتوا فلماقضي ولوا الي قومهم منذرين قالوا يا قومنا الآيات, فهؤلاء كانوا النذر علي طوايفهم و النذير هو النبي في القرآن و قدقال تعالي و ما من دابة في الارض و لا طائر يطير بجناحيه الاّ امم امثالكم و قال تعالي ايضاً و ان من امة الاّ خلا فيها نذير و قال ايضاً و ماارسلنا من رسول الاّ بلسان قومه و انما انا بشر مثلكم فاربط هذه الآيات بعضها مع بعض ينتج لك المطلب اذ الجن لا شك انه من دابة الارض فثبت انه من الامة و كل امة فيها نذير اي رسول فثبت في الجن رسول و الرسول لابد ان‏يكون من جنس ما ارسل اليهم بدليل قوله تعالي انما انا بشر مثلكم و ما ارسلنا الآية,

و مادل علي ان الرسول علي البشر لايجوز ان‏يكون من جنس الملائكة فثبت ان‏يكون للجن رسول من جنسهم لكنه يأخذ من الانس و يبلغ قومه كما ان رسول البشر يأخذ من الملائكة و اما ما ورد من مجيء نبي الجن اسمه يوسف و كان قبل خلق آدم في الزمان الذي كان ابليس حاكماً عليهم في الارض فلا موجب لرده بعد ماثبت ان الجان قبل خلق آدم كانوا سكان الارض و عصوا ربهم و نزل الملائكة عليهم و قتلوهم و اسروا

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 182 *»

ابليس الي السماء و هل تجوز في نفسك ان الله سبحانه يجعل الخلق سدي عمياء و كيف يتصور في حقهم المعصية اذا لم‏تكن لهم شريعة و داع من الله سبحانه يدعوهم الي الحق و الي طريق مستقيم ليكونوا بمخالفته عصاة طغاة فاذا صحت البعثة و النبوة و الارسال فقدابي الله الاّ ان‏يجعل الرسول من جنس المرسل اليهم لتتم عليهم الحجة و تكمل النعمة فلا سبيل الي رد الحديث بل يجب قبوله بعد ماكان معتضداً بالعقل القطعي و الاخبار الآحاد المعتضدة بالقراين القطعية يجب عليها العمل كما حقق في الاصول فثبت ماذكره ذلك البعض عن الحديث.

قــال سلمه الله: ثم ان نبينا9 كما انه مبعوث علي الانس و الجن هل هو مبعوث علي الملائكة ايضاً بمعني انهم لابد ان‏يأخذوا جميع تكاليفهم من النبي و وصيه من بعده: كما نأخذ تكاليفنا كذلك.

اقــول: ان الملائكة في جميع احوالهم و اطوارهم و اعمالهم و صفاتهم و ماينبغي لهم و معرفة معبودهم و كيفية عبادتهم له و كيفية سيرهم اليه تعالي و اسباب قربهم لديه و انحاء اذكارهم و تسبيحاتهم و ركوعهم و سجودهم و كل ما لهم و عليهم محتاجون الي محمد و آله عليه و عليهم السلام و واقفون ببابهم و لائذون بجنابهم و الاّ لاحترقوا, يكفيك في هذا المقام مافي الزيارة الجامعة من اراد الله بدأ بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم و عموم هذا الكلام يشمل كل شي‏ء فكل من يريد الله سبحانه في التوجه اليه بالعبادة له و قصده بالقرب اليه و الزلفي لديه و وحده لابد ان‏يتعلم طريقه من محمد و آله سلام الله عليهم هذا ظاهر المعني فيه و قدتواترت الاخبار عنهم: بانا علمناهم التسبيح و التقديس و التهليل و لولانا ماعرفوا الله سبحانه و الاحاديث في هذا المعني كثيرة في عيون اخبار الرضا و البحار و الكافي و امثالها من الكتب و ليس الآن عندي شي‏ء منها حتي اذكر الاخبار لكنها في الظهور مستغنية عن البيان و قصة جبرئيل الذي هو من سادة

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 183 *»

الملائكة مع مولينا اميرالمؤمنين7 مشهورة و انه7 علمه التوحيد و معرفة الحق سبحانه و حديث البساط ايضاً معروف من انه7 كان يأمر الملائكة و ينهاهم و قال لايخطو ملك خطوة الاّ باذني و من له انس‌ما بالاخبار و معرفة بواطن الآيات و ظواهرها يري الامر ظاهراً كالشمس في رابعة النهار الاّ ان كيفية اخذهم احكامهم و تكليفهم عن الولي7 ليس كماهو المعروف بين الناس بل بطور آخر و اما الوحي الذي يأتي محمداً و آله: بواسطة الملائكة فانما هو منهم اليهم فان جبرئيل كان يأخذ الوحي عن اسرافيل و هو كان يأخذ عن مكائيل و هو كان يأخذ عن الروح القدس كمافي الحديث و الروح هو الذي قال مولينا العسكري7 و جعلني الله فداه و روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة فافهم و بيان هذه الدقيقة الشريفة بهذه العبارة احسن و اولي بل اوفق و اسلم و الله ولي التوفيق و لا حول و لا قوة الاّ بالله العلي العظيم حسبنا الله و نعم الوكيل نعم المولي و نعم النصير.

قــال سلمه الله تعالي: و ايضاً هل نبينا9 مبعوث علي كل شي‏ء من الشجر و الحجر و المدر و غير ذلك من الاجسام اذا قلنا ان لكل شي‏ء تكليفاً علي حسب حاله و هل بعثه علي الملائكة و جميع الاجسام ان قلنا به من خواصه9 او انبياء اولي العزم كانوا ايضاً كذلك و المأمول من جنابكم ان‏تكتبوا جواب هذه المسائل مشيراً الي ادلتها و لو اجمالاً من الضرورة او القرآن او الاجماع او الخبر المتواتر او دليل عقل قاطع.

اقــول: هذا آخر كلامه زيد في اكرامه. اعلم ان كل‌ما برز في عالم الوجود فهو مركب من ضدين كما قال مولينا الرضا7 لعمران الصابي ان الله ماخلق فرداً قائماً لذاته لما اراد من الدلالة علي نفسه فخلق الشي‏ء و خلق ضده و هو قوله تعالي و من كل شي‏ء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون و لماكان الوجود الفائض من الله سبحانه نوراً محضاً فكان عين الشعور و الادراك

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 184 *»

فاذا حصل الشعور في المركب من جهتين جاء الاختيار فاذا صح الشعور و الاختيار وجب التكليف لئلايكون الشي‏ء مهملاً و سدي فوجب ان‏يكون كل موجود من الموجودات باي نحو كان مختاراً مكلفاً الاّ ان المراتب لماكانت مختلفة في القوة و الضعف كان الاختيار ايضاً كذلك و التكليف علي طبق الاختيار. فثبت بالدليل الالهي الذاتي الذوقي الوجداني المعبر عنه بدليل الحكمة ان كل شي‏ء مكلف مختار علي حسب مراتبهم و مقتضي درجاتهم فان اردت ان‏تعرف حقية هذا الدليل و صحته انظر الي الكتاب و السنة فاذا وجدت له مستنداً يطمئن قلبك و تسكن نفسك فخذه و كن من الشاكرين فاذا نظرت الي القرآن وجدت لهذا المعني شواهد كثيرة بين تلويح و اشارة و تصريح فنكتفي ببعض من الثالث فان الزكي المنصف يدرك بنظير واحد ما لايدركه البليد و المتعنت المعاند بالف شاهد قال الله تعالي انا عرضنا الامانة علي السموات و الارض و الجبال فابين ان‏يحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان انه كان ظلوماً جهولاً أليس العرض علي السموات و الارض و الجبال الامانة تكليفاً لهن بها لا علي جهة الاجبار مع امتناعهن و ابائهن اذ كل ذلك متوقف علي الشعور و الاختيار و صرف الكلام الي المجاز لابد له من قرينة حالية او مقالية و الثانية مفقودة و كذا الاولي لانها علي اربعة اقسام قرينة عقلية اي مخالفة عقلية او مخالفة عادية او شرعية كماحققنا القول فيها فيماكتبنا في الاصول و اما مجرد الجهل بالمراد و عدم المعرفة فلايكون قرينة للصرف عن الظاهر كمافعلوا فلتبصروا امركم قال تعالي ثم استوي الي السماء و هي دخان فقال لها و للارض ائتيا طوعاً او كرها قالتا اتينا طائعين فقضيهن سبع سموات و هذه الآية صريحة في المراد و قال تعالي ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة و ان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار و ان منها لمايشقق فيخرج منه الماء و ان منها لمايهبط من خشية الله الآية هل تجوز ان‏تكون خشيته بدون تصور العظمة و الجلالة و الكبرياء و هل يكون تصور من دون الشعور و الادراك و هل تتصور الخشية في حق من

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 185 *»

لم‏يقدر علي عدمها كمالاتتصور الطاعة في حق من لم‏يقدر علي المعصية و قال تعالي وقودها الناس و الحجارة و قال تعالي انكم و ماتعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون مع ان معبودهم ماكان الاّ الاحجار او الخشب او امثالهما من الجمادات فكيف يوعدها بالنار و لا فائدة في هذا التوعيد لو لم‏يكن واقعياً و الآيات بهذا المعني كثيرة و اما الاخبار فكذلك ايضاً بل صار الآن من ضروري مذهب الشيعة من ان الله سبحانه و تعالي عرض ولاية آل‏محمد:علي السموات و الارض و الجبال و المياه و الاودية و القفار و الاثمار فكل‌ما قبلها استحلي و طاب و كل‌ما لم‏يقبلها استمر و خبث و ماترويه العامة من حديث البطيخة معروف مشهور و اصرح من الكل دلالة و اوضح شاهداً و اعلي مضموناً الحديث المروي في الكتب المعتبرة المتلقاة بالقبول ماروي ان الحسين صلوات الله عليه عاد عبدالله بن شداد في مرضه فلما دخل عليه7 قام عبدالله و قال رضيت بكم ائمة ان الحمي لتهرب عنكم ثم قال7 يا كباسة فسمعوا الصوت و مارأوا الشخص يقول لبيك قال7 الم‏يأمرك اميرالمؤمنين7 الاتقربي الاّ عدواً او مذنباً لتكوني كفارة لذنوبه فمابال هذا الرجل انتهي و كذا الدعاء الذي علمه رسول الله9 علياً اميرالمؤمنين7 للحمي يا ام‏ملدم ان كنت آمنت بالله فلاتأكلي اللحم و لاتشربي الدم و لاتفوري من الفم و انتقلي الي من يزعم ان مع الله آلهة اخري فاني اشهد ان لا اله الاّ الله و ان محمداً عبده و رسوله انتهي.

فاذا نظرت الي هذه الاخبار و ماتلونا عليك من الآيات لم‏يبق لك شك في صحة ماذهبنا اليه من وجود الاختيار في كل شي‏ء و اثبات التكليف بالنسبة الي كل شي‏ء فاذا صح هذا فقددل الدليل القطعي من العقلي و النقلي ان محمداً9 حجة الله علي كل مكلف و كذا آله و اوصياؤه الاثني‏عشر سلام الله عليهم اذ لابد لكل مكلف من داع يدعوه الي مااراد الله سبحانه منه و هو قوله تعالي و ان من امة الاّ خلا فيها نذير و قدانعقد

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 186 *»

الاجماع الضروري من المسلمين ان النبوة قدانقطعت ببعثته9 فبقي كل من يصلح للتكليف و التبليغ تحت هيمنة بعثته و نبوته9.

لايقال ان العوام بل العلماء لايعرفون بعثته علي البهايم و الحشرات فضلاً عن النباتات و الجمادات فكيف يمكن دعوي الاجماع الضروري؟

لانا نقول ان هذا من باب الشبهة في الموضوع لا في اصل الحكم فان كل عامي من العوام يعتقد ان لا مبلغ من الله سبحانه الي احد من المكلفين حكماً من احكام الله سبحانه بعد نسخ شريعة عيسي7 الاّ محمد9 و لا احد يختلف في هذا المعني بوجه من الوجوه لكن الاشكال في معرفة ان هذه الامور هل تصلح للتكليف و تعلق الحكم الالهي به ام لا قيل نعم و قيل لا و القائل بالعدم يسلك سبيل العدم و القائل بالاثبات يحكم الحكم الكلي و ايضاً ان لهم الولاية الكلية لوجوه كثيرة منها قوله7 في الزيارة طأطأ كل شريف لشرفكم و بخع كل متكبر لطاعتكم و خضع كل جبار لفضلكم و ذل كل شي‏ء لكم فاذا حصل في الكون متبوع سواهم و لو جزئياً ماذل كل شي‏ء لهم: فهم المتبوعون لا متبوع سواهم و كل شي‏ء تابع لهم و ايضاً انهم سلام الله عليهم محال مشية الله و السنة ارادته و هم سابق كل موجود و كل‌ما وجد فانما وجد من نورهم كماتواردت به الاخبار و تكاثرت بل و تواترت من ان الله خلقهم9 قبل كل خلق و خلق الاشياء من الانبياء و الانسان و السموات و الارضين و الجنة و النار و البحار و القفار و كلما تجنه الليل و تبرزه النهار من انوارهم و عكوسات آثارهم فاذا كانوا هم الواسطة في الاحكام الوجودية المطلقة ففي الاحكام الشرعية فبالطريق الاولي و ايضاً ماسبق من الاخبار و الآثار ان ولايتهم عرضت علي كل جماد و نبات و حيوان و انسان فكل من قبلها طاب و طهر و من لم‏يقبلها خبث و نجس و ان الاعراض و الالوان و الاسقام كلها محكومة تحت حكمهم مقهورة تحت سلطنتهم تجري عليها اوامرهم و نواهيهم فاذا كان هذا حال الاعراض و هي اخس المراتب فما ظنك بالاجسام و النباتات و الحيوانات

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 187 *»

و لهذا المدعي وجوه كثيرة طوينا ذكرها لماقال مولينا الصادق7 ما كل‌ما يعلم يقال و لا كل‌ما يقال حان وقته و لا كل‌ما حان وقته حضر اهله انتهي. و اما ماسألتم عن ان هذه البعثة العامة و الولاية المطلقة هل هي من خواصه9 او اولوالعزم مشاركون فيها معه فاعلموا ان هذا من خواصه و لا احد شاركه فيها اذ ليس صاحب لواء الحمد الاّ رسول الله9 و ليس حامله الاّ علي7 و انت قدعلمت ان نبوة اولي العزم ماكانت عامة من حيث البعثة يجمع افراد الانسان غير نوح فضلاً عن غيرهم من التبع و لايبعد في عموم شريعتهم بالنسبة الي الكل و اما نبينا و اهل بيته الطاهرون سلام الله عليه و عليهم اجمعين فنبوته و ولايتهم عامة لكل مبروء و مذروء لكونهم مظاهر الالوهية و محل استواء الرحمن بالرحمانية المعطي كل ذي حق حقه و السايق الي كل مخلوق رزقه قال7 في الزيارة بكم فتح الله و بكم يختم و بكم ينزل الغيث و بكم يمسك السماء ان‌تقع علي الارض و بكم بنفس الهم و يكشف الضر و قال ايضاً و نوره و برهانه عندكم و امره اليكم و قال رسول الله9 علي مارواه ابن عباس انه لايوجد عند احد من الخلق شي‏ء من الحق الاّ بتعليمي و تعليم علي8 و هنا نختم الكلام ليكون ختامه مسك و لا حول و لا قوة الاّ بالله العلي العظيم.