08-09 جواهر الحکم المجلد الثامن ـ رسالة في جواب الحاج مکي بن الحاج عبدالله البحراني ـ مقابله

رسالة فی جواب الحاج مکی بن الحاج عبدالله البحرانی

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 447 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي خير خلقه محمد و آله الطاهرين.

اما بعــد؛ فيقول العبد الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان جناب الاكرم الامجد المسدد الممجد الحاج مكي بن الحاج عبدالله المقابي البحراني اتي بمسائل عويصة صعبة المنال علي الوجه الذي يريد و يريد جوابها علي استعجال و انا مع كمال اغتشاش البال و اختلال الاحوال ماوسعني الاّ اجابته لاني الزمت علي نفسي بقدر الوسع رعايته فاتيت بماهو الميسور لانه لايسقط بالمعسور و جعلت كلامه سلمه الله متناً و جوابي كالشرح له ليختص كل جواب لسؤاله كماهو عادتي في اجوبة المسائل.

قــال سلمه الله تعالي: نرجو من ملاذنا السيد ايده الله تعالي في بيان تحقيق فضل سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام علي مريم و علي الانبياء عليهم السلام لان اخواننا المسلمين اجماعهم علي تفضيل مريم بالكتاب المبين لقوله تعالي يا مريم ان الله اصطفيك و طهرك و اصطفيک علي نساء العالمين ما المعارضة و ما به ندفعهم فاذا اوردنا عليهم الاحاديث المستندة في صحاحهم من قوله صلي الله عليه و آله فاطمة بضعة مني و غيره من الاحاديث و مااخبر به صلي الله عليه و آله في حديث ابن‏مسعود يأولونها و يصرفونها و يدفعونها بالآية المحكمة و بعضهم من يفضل عايشة بنت ابي‏بكر علي فاطمة عليها السلام.

اقــول: اما تفضيل فاطمة عليها السلام علي مريم بنت عمران فاعلم ان الله سبحانه شرف نساء النبي صلي الله عليه و آله لانتسابهن اليه علي جميع النساء ان اتقين و اجتنبن المآثم و السيئات و صرن معصومات طاهرات في قوله تعالي يا نساء النبي لستن كاحد من النساء ان اتقيتن و عموم الاحد بدلي و وقوع

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 448 *»

النكرة في سياق النفي يفيد العموم الاستغراقي و المعني يا نساء النبي لاتساويكن احد من النساء في الفضل و السابقة من جميع نساء الاولين و الآخرين و السابقين و اللاحقين الي يوم القيمة ممن يطلق عليهن النساء ان كنتن متقيات و لايكن كذلك علي الحقيقة الاّ اذ كن معصومات و ذلك لشرف الانتساب فالمعصومة من نسائه اشرف من المعصومات من ساير النساء لمزية النسبة و تساوي العصمة فاذا كان الامر كذلك في النساء الاجنبيات اللاتي حصل لهن النسبة بمجرد المصاهرة و النكاح فما ظنك باولاده من البنين و البنات اذ كانوا معصومين من الذنوب مطهرين من العيوب و مسددين من عند علام الغيوب لكون الولد جزء للوالد و من سنخه و جوهر ذاته و لطيفة سره و السلالة منه اما سمعت الله سبحانه رد علي الكفار لما قالوا الملائكة بنات الله قال سبحانه و جعل له من عباده جزءاً فاثبت ان البنت جزء للوالد و مشاكلة له و لا ريب ان النسبة في هذا المقام اعظم و الالتصاق اشد و اكثر و لايشك فيه من له ادني عقل و فكر و روية و قدشهد الله سبحانه علي عصمة موليتنا فاطمة الزهراء عليها السلام و طهارتها في آية التطهير و انه سبحانه قدتولي بنفسه اذهاب الرجس عنها و تطهيرها عن كل رجس و قذارة في آية التطهير المتفق بين المسلمين كافة ان الزهراء عليها السلام من اهل البيت عليهم السلام فاذا ثبت تقويها و طهارتها و عصمتها وجب ان لاتساويها احد من النساء الاولين و الآخرين كرامة لرسول‏الله صلي الله عليه و آله و كرامة لها لماعرفت حرمة رسول‏الله صلي الله عليه و آله و لم‏تهتك حجابه بمعصيتها اياه في صغيرة و لا كبيرة و لايضاهيها احد فوجب حينئذ تخصيص آية مريم و اصطفيك علي نساء العالمين بعالمي زمانها لا مطلقاً حتي تتم هذه الشرافة لرسول‏الله صلي الله عليه و آله.

فان قلت كمايجوز تخصيص آية مريم البتول عليه السلام بآية نساء النبي كذلك يجوز تخصيص آية النساء بتلك الآية فتقول يا نساء النبي لستن كاحد من النساء ان اتقيتن ماعدا مريم لانها سيدة نساء العالمين و عموم الآيتين

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 449 *»

عموم من وجه و ترجيح تخصيص احدهما بالاخري يحتاج الي مرجح و دليل و الاّ فيبقي المقال في قالب الاجمال.

قلت لو فرضنا عدم المرجح سقط الاستدلال علي تفضيل مريم بالآية المذكورة لسقوط الاستدلال علی تفضيل مريم بالآية المذکورة لسقوط الاستدلال عند قيام الاحتمال سيما اذا کان عروض الاحتمال موجباً للاجمال فوجب التماس دليل آخر و حجة اخري مع ان المرجح موجود اذ لو فرض تساوي مريم و الزهراء عليها السلام في الطهارة و العصمة مع التفاوت الفاحش الذي يظهر من الآيتين لذي العينين من التأكيد البالغ في آية التطهير بالتصريح باذهاب الرجس علي جهة الاطلاق و الطهارة و تأكيدها بخلاف الآية الاخري نقول هب انهما تساويا في اصل الطهارة و العصمة ولكن مريم عليها السلام فاقدة شرف الانتساب الي رسول‏الله صلي الله عليه و آله خير البرية و السلطان المطلق علي جميع الخليقة فقدجمعت الزهراء سلام الله علي ابيها و بعلها و بنيها و عليها الشرفين الشرف الذاتي في العصمة و الطهارة و الشرف الذاتي في النسبة الحقيقية الي سيد الخلايق صلي الله عليه و آله و حاشا الله سبحانه ان‏يساوي ذي الشرفين مع ذي الشرف الواحد فضلاً عن ان‏يفضله عليه و الاّ لكان فاعلاً للمرجوح و قادماً علي فعل القبيح تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً فوجب تخصيص آية مريم بنساء زمانها لا مطلقاً فتبقي آية الزهراء عليها السلام علي عمومها بعد ثبوت طهارتها علي ان الزمخشري روي في الكشاف عن النبي صلي الله عليه و آله انه قال لمريم  انها سيدة نساء بني‏اسرائيل خاصة و قدذكر ايضاً فيه في قوله تعالي و اصطفيك علي نساء العالمين اي اختارك بولادة عيسي عليه السلام من غير اب علي جميع نساء العالمين اذ لم‏يتفق لاحد سويها و لا ريب ان هذا لايدل علي الفضل في مطلق الكمال فوجب التخصيص لهذا المرجح القوي.

فان قلت فعلي هذا تكون نساء النبي صلي الله عليه و آله افضل من جميع النساء حتي مريم قلت ان ثبت عصمتهن و طهارتهن من الذنوب بنص من الله سبحانه او من النبي صلي الله عليه و آله لا اختلاف فيه او باجماع من الامة او بدلالة عقل

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 450 *»

قاطع تعرف العقول عدله قلنا به لانه سبحانه شرط العصمة في قوله تعالي ان اتقيتن و اللازم باطل و الملزوم مثله و الملازمة ظاهرة و اما فاطمة عليها السلام فقدثبتت عصمتها و طهارتها بنص القرآن و اجماع من الشيعة لاسيما الامامية الفرقة المحقة فثبتت فضيلتها علي من عداها من نساء العالمين و ذلك بحمد الله واضح.

و اما قول جنابك و منهم من يفضل عايشة فاعلم انه كان كذلك بالنسبة الي ساير النساء دون الزهراء عليها السلام لولا عدم اتقائها لله و مخالفتها لرسول‏الله صلي الله عليه و آله لانها كانت تدخل في نساء النبي صلي الله عليه و آله لكنها فقدت الشرط و خالفت الله و رسوله صلي الله عليه و آله بعدم قرارها في بيتها و خروجها لحرب اميرالمؤمنين عليه السلام الذي قال رسول‏الله صلي الله عليه و آله فيه في الحديث المتفق عليه يا علي حربك حربي و سلمك سلمي و الايمان مخالط لحمك و دمك كما خالط لحمي و دمي و الحق مع علي و علي مع الحق يدور معه حيثما دار و ايقاعها الفتنة بين المسلمين و شقها عصي الدين و اذا انتفي الشرط ينتفي المشروط فاين الفضل حتي تكون افضل من الزهراء عليها السلام و ذلك معلوم واضح لايحتاج الي بسط المقال و تكثير القيل و القال.

و اما فضلها عليها السلام علي الانبياء عليهم السلام فاعلم ان الله سبحانه و تعالي قال ان الله اصطفي آدم و نوحاً و آل ابرهيم و آل‏عمران علي العالمين فنص سبحانه علی اصطفاء هؤلاء الانبياء و آلهم عليهم السلام علی العالمين كافة من الخلائق اجمعين و لما قال سبحانه ان اكرمكم عند الله اتقيكم عرفنا ان الذي ليس بالمتقي من هؤلاء لا كرامة له و لا اصطفاء فدل علي ان الغير المتقي من آل ابرهيم و آل عمران ليس بالمصطفي و لا من المكرمين و لماكانت التقوي كلما كانت اقوي و اكثر كانت الكرامة اعظم و القرب اشد كماقال تعالي فضل المجاهدين باموالهم و انفسهم علي القاعدين و كلاً وعد الله الحسني و لماكان آل ابرهيم فيه محمد و آله صلوات الله و سلامه عليه و آله لان ارادة الاولاد من الآل هو القدر المتيقن و ان وقع الخلاف في غيرهم من

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 451 *»

الاقارب و الانساب و ليس في الآية تقييد و تخصيص للآل بالرجال دون النساء حتي يختص باصطفاء الرجال دونهن فيجب الحمل علي العموم كما هو شأن حمل اللفظ علي حقيقته الاّ ان‏يدل دليل قاطع علي عدمها فدلت الآية الشريفة علي ان آل‏ابرهيم كائناً من كان ممن صدق عليهم الاسم مطلقاً من الرجال و النساء كلها قداصطفاهم الله تعالي علي كل الخلق بشرط التقوي و الطهارة كماشرط سبحانه في الآية الاخري المتقدم ذكرها و لماكانت موليتنا و سيدتنا فاطمة الزهراء علی ابيها و بعلها و بنيها و عليها آلاف التحية والثناء من اهل البيت الذين قدشهد الله سبحانه لهم بالطهارة و بذهاب الرجس مطلقاً كانت في اعلي مراتب التقوي من العصمة و الطهارة فساوت غيرها ممن هو في رتبتها لو فرض تساوي عصمتها مع عصمتهم فكانت لها الاصطفاء علي كافة الخلق و لما دلت الادلة القطعية ان محمداً رسول‏الله صلي الله عليه و آله افضل الخلق و اشرف الانبياء عليهم السلام و كانت الزهراء سلام الله عليها لها النسبة الحقيقية الذاتية معه صلي الله عليه و آله بما لم‏يتفق شرافة تلك النسبة لغيرها من جميع الخلق لكونها بنته و جزءه و لطيفة سره و الظاهرة علي شاكلته فقدجمعت عليها السلام الشرفين و الفخرين و المجدين بخلاف ساير الانبياء فان لهم شرف العصمة لا غير و فضل ذي الشرفين علي ذي الشرف الواحد من الضروريات ان فرض التساوي في ذلك الشرف فظهر بالدليل القاطع فضل سيدتنا الزهراء سلام الله عليها علي كافة الانبياء عليهم السلام ماعدا نبينا صلي الله عليه و آله فانها به شرفت و بالانتساب اليه فضلت و افتخرت صلوات الله عليها و علي ابيها و بعلها و بنيها.

فان قلت ان الانبياء يساوون الزهراء عليها السلام في العصمة و الطهارة ولكن لهم الترجيح لكونهم الرجال و الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض و بماانفقوا و الرجل خير من المرأة ضرورة فان كانت الزهراء سلام الله عليها لها شرف الانتساب و هي نسبة عرضية فان الانبياء عليهم السلام لهم الشرافة الذاتية و هي الرجولية و اين الرجل من المرأة و ليس الذكر

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 452 *»

كالانثي فتعارض المرجحان و الترجيح للفضل الذاتي الاتري ان نصيب المرأة في الارث نصف نصيب الرجل و شهادتها نصف شهادته و لاتقبل شهادتها في كثير من المواضع و لا ولاية لها علي احد بخلاف الرجل فلايعارض محض النسبة لهذه المرجحات الوجودية و الذاتية الحقيقية

قلت في الجواب دقائق و اشارات و حقايق و تلويحات لايسعني الآن شرحها و بيانها الاّ اني اذكر الظواهر المحسوسة المعلومة بالضرورة المبتنية علي تلك الحقايق فنذكر ماظهر و نترك مابطن و ستر من العلل الحقيقية و الاسرار الالهية.

فنقول لاشك و لا ريب ان الله سبحانه ناط الكرامة و الفضل بالتقوي و الطهارة و العلم و المعرفة لا بالذكورية و الانوثية و لذا تري المرأة الصالحة المؤمنة اشرف من الرجل‏ الطالح‏ الفاجر و هكذا كل ما كانت المرأة اقرب الي الطهارة و التقوي و العلم كانت اشرف من غيرها ممن لم‏يكن مثلها من الرجال و النساء و اذا فقد الرجل التقوي لا ولاية له و لا كرامة الاتري ان المرأة قدتملك الرجل بملك اليمين و الرجل اذا فسق لم‏تقبل شهادته مطلقاً و لا له الولاية عند ثبوت الخيانة و بالجملة فالمزية حاصلة للرجل مع التقوي و اما بدونها فلا فاذا تساوت المرأة و الرجل في جهات العلم و التقوي و فالفضل للرجال و اما اذا رجحت المرأة في الفضل و العلم و التقوي فلها الفضل ففضل الرجل علي المرأة منوط بشرطين احدهما مساواته معها في التقوي و العلم و ثانيهما تساويه معها في الدرجة و اما اذا كانت المرأة اعلي من الرجال بدرجة في السلسلة الطولية او العرضية في مقام الترتيب بان‏تكون المرأة في مقام المنير و الرجل في مقام الشعاع فلا ريب ان الفضل للمرأة ضرورة عدم تساوی  الشعاع مع المنير في حال من الاحوال.

فاذا ثبت ذلك فنقول ان الزهراء سلام الله عليها قدثبتت عصمتها و طهارتها بنص من الله في كتابه الذي لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه فشهد الله سبحانه لها بالعصمة بما لا مزيد عليه لانه تعالي اذهب عنها الرجس الاقذار الظاهرية و الباطنية من المعاصي و السيئات الظاهرة و الباطنة و الصغيرة

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 453 *»

و الكبيرة حتي من حديث النفس بما لا يريد الله سبحانه و اخطار مايكرهه سبحانه بالبال و بالجملة فهي مطهرة طاهرة حقيقة‏ عن كل نقص و عيب علي جهة الاطلاق اذ كل‏ما تفرضه فهو داخل في الرجس و هم قدطهروا عنه و اما ساير الانبياء عليهم السلام فليس في القرآن مايدل علي عصمتهم و طهارتهم علي هذا النحو الذي ذكره سبحانه لاهل البيت عليهم السلام و اما اهل السنة و الجماعة فلايثبتون للانبياء عصمة اصلاً و لايسعهم دفع هذه الآية الشريفة لانها صريحة في المراد و هي من القرآن الذي انكاره كفر بالاجماع من المسلمين فشتان بين ماهو معصوم في اعلي مقامات الطهارة و العصمة و بين مايزعمون عدم عصمتهم بالمرة فهل يساوي في الفضل عند هذا القائل و الله سبحانه جعل مناط الكرامة و الفضل و التقوي و الطهارة فاهل السنة علي مايعتقدون فی الانبياء و يعتقدون في القرآن من كفر منكره لايسعهم يعتقدون تساوي الانبياء مع الزهراء عليها السلام فضلاً عن ان‏يفضلوهم عليها فانها و الله جرأة عظيمة و جسارة عاقبتها وخيمة و يجب ان‏تكون الزهراء عليها السلام عندهم افضل من كل المخلوقات ماعدا ابيها للاجماع علي انه سيد البرية و اما الامامية فهم و ان كانوا يثبتون للانبياء ولكنهم لايساوونهم في العصمة و الطهارة مع اهل البيت عليهم السلام و لايخالفون ما نص علي الله سبحانه في كتابه العزيز الحميد في حق اهل البيت و لم‏يذكر ذلك في حق احد من الانبياء عليهم السلام بل ذكر سبحانه لحكم و مصالح في حق الانبياء عليهم السلام مااورثت الشبهة لاهل السنة و الجماعة في عصمتهم كمايظهر لك من تتبع الآيات و مواقع النص من الروايات فلم تتساوي عصمة الانبياء عليهم السلام مع عصمة الزهراء عليها السلام فكان لها الشرف الرائق و الفضل الفائق علي الانبياء لولا شرافة الانتساب و كونها من الدوحة الاحمدية و البضعة المحمدية و كيف و قدقارن فضلها فضلاً و شرفها شرفاً فقدجمعت المفاخر و المزايا الذاتية و النسبية بالنسبة الي ابيها سيد الخلائق اجمعين و الي بعلها نفس النبي صلي الله عليه و آله و الي ولديها سيدي شباب اهل الجنة و كل ما في الجنة شبان فمن مثلها سوي

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 454 *»

ابيها و بعلها و بنيها صلي الله عليهم اجمعين و بماذكرنا تبين لك ان لها الفضل علي جميع الانبياء بنص القرآن و الاجماع علي عدم مساواة الانبياء لمدلول النص المذکور فی القرآن فی عصمة و طهارة اهل البيت الذين منهم مولاتنا الزهراء عليها السلام بالاجماع من المسلمين فافهم و اغتنم و كن من الشاكرين.

و اما عدم مساواة الانبياء عليهم السلام لهم معها في الرتبة و ان مقامها مقام المنير و مقامهم مقام الشعاع فلنا في ذلك ادلة واضحة و براهين قاطعة من الكتاب و السنة و العقل المستنير بنور الله لايسعنا الآن بيانه لتبلبل البال و عدم الاقبال و فيماذكرنا دلالة واضحة لفضلها عليها علي كافة الخلق ماعدا ما استثني لمن نظر و ابصر و انصف.

قــال سلمه الله تعالي: سؤال هل انصار القائم عليه السلام افضل ام انصار الحسين عليه السلام لماتقدم لهم من الفضل لايسبقهم بالفضل من كان قبلهم و لايلحقهم من كان بعدهم و كذلك نقول سلمان و ابوذر و المقداد و عمار و هم الذين صدقوا في نصرة مولينا اميرالمؤمنين عليه السلام أهم افضل ام انصار مولانا الحسين عليه السلام الذين سفكت دماؤهم؟ نرجو من ملاذنا و مرشدنا ومنقذنا و سيدنا و مقدمنا بيان ذلك و ايضاحه و ان كان علي سبيل الاختصار لما انتم فيه من الحل و الارتحال و السفر و تشويش البال متعنا الله بدوام سلامتكم.

اقــول: الذي دل عليه العقل القويم و الفكر الصائب المستقيم و نص الكتاب الكريم و سنة النبي الرؤوف الرحيم و اوليائه و خلفائه اولي التبجيل و التعظيم ان المدار في الفضل ليس هو الكون الوجودي من حيث هو في العالم الروحاني و الجسماني في كل مرتبة من السلسلة العرضية لان الشیء من حيث هو حجاب و معاكس للغاية التي خلق لاجلها فان شرف الاشياء

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 455 *»

لغاياتها لا لانفسها و لمادل الدليل العقلي و النقلي ان الغاية لايجاد العالم هي المعرفة و العبادة كما افصح عنها قوله تعالي في الحديث  القدسي كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف و في القرآن الكريم و ماخلقت الجن و الانس الاّ ليعبدون فالخالي من المعرفة و العبادة لا خير فيه و لا فضل قطعاً و هو قوله تعالي ياايها الناس انا خلقناكم ذكراً و انثي و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقيكم فحصر سبحانه الكرامة و الفضيلة في التقوي لا غير و هي قسمان علم و عمل اي عبادة قلبية و روحانية و عبادة جسمية شهودية جوارحية فالعمل القلبي يسمي علماً و هو عمل و العمل الجسمي يسمي عبادة و هو علم و العلم و العمل لاينفكان في كل مقام الاّ ان الاعلي اذا نسبته الي الاسفل بالنسبة الي شخص تسمي الاعلي علماً و الاسفل عملاً و الاّ فماتري في خلق الرحمن من تفاوت و لا ريب ان قوام الجسم و الجسد بالقلب و الروح فلولاهما لماكانا و لماتحققا فكذلك قوام عمل الجسم و الجسد بعمل الروح و القلب و لذا ورد انه لا عمل الاّ بنية و انما الاعمال بالنيات و لكل امرئ مانوي و لا ريب ان النيات تختلف قوة و ضعفاً و ثباتاً و تزلزلاً و طمأنينة و اضطراباً بالعلم و المعرفة فكل قوي العلم وافر المعرفة قوي النية و کل قليل العلم ضعيف المعرفة ضعيف النية و الاعمال تختلف بالنيات و هي تختلف بالمعرفة فعمل الجوارح بلاعمل القلب جسم بلا روح و لذا قالوا ان العلم روح العمل فالنسبة بينهما نسبة الروح و الجسد فان اقترن العلم الكامل بالعمل فذلك هو الفضل الباذخ و الشرف الشامخ و اذا نقص احدهما فالفضل لقوي العلم و ان كان ضعيف العمل و لذا تري ان العلم اي المعرفة و التصديق يوصله صاحبه الي النجاة بخلاف العمل الخالي عن العلم فان كثرة هذا العمل لاتزداد لصاحبه الاّ بعداً و هلاكاً و بواراً و هو قوله تعالي و قدمنا الي ماعملوا من عمل فجعلناه هباءاً منثوراً و هو قوله تعالي و لايملك الذين يدعون من دونه الشفاعة الاّ من شهد بالحق و هم يعملون و قوله تعالي  يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات و الايمان لايكون

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 456 *»

الاّ بالعلم (بالعمل خ ل) و المعرفة و لذا تري الخلل في العمل يتداركه العلم و الخلل في العلم لايتداركه العمل و يردي صاحبه و يدخله اسفل درك الجحيم فاصلاح الباطن و العلم اكمل من اصلاح الظاهر و العمل و نوم العالم افضل من عبادة العابد و فضل العالم علي العابد كفضل القمر ليلة البدر علي ساير النجوم و النظر الي وجه العالم افضل من ثواب ختم القرآن اثني‏عشر الف مرة و عبادة الف ليلة و لا ريب ان العابد لايكون كذلك الاّ اذا اتي بالعبادة الصحيحة علي وجه التقليد او الاجتهاد و الاّ لم‏يكن عابداً لبطلان عبادته و فسادها.

فظهر ان العلم الذي هو الكمال هو الاعتقاد الصحيح و الترقي في درجات اليقين و صحة الاعتقاد في الاولياء و الخلفاء و النقباء و النجباء فجهاد الباطن الذي هو جهاد النفس اعلي و افضل من جهاد الكفار و لذا سماه رسول‏الله صلي الله عليه و آله الجهاد الاكبر و جهاد الكفار الجهاد الاصغر و كم من مجاهد و هو في بيته اعلي و افضل من المجاهد في المعركة مع النبي المرسل و الامام العادل اما سمعت حال المجاهدين الذين كانوا مع النبي صلي الله عليه و آله في غزواته كلها او جلها و قدنصحوا في الجهاد و البراز منهم طلحة و زبير ابن العوام و سعد ابن وقاص و فلان و فلان و فلان و المجاهدين الذين مع اميرالمؤمنين عليه السلام في وقعة الجمل و صفين و النهروان اكثرهم هم الذين قاتلوا الحسين عليه السلام الي ان قتلوه و خادعوا الحسين عليه السلام الي ان خذلوه و كذلك المجاهدون الذين كانوا مع ساير الانبياء عليهم السلام مثل موسي بن عمران علي نبينا و آله و عليه الصلوة و السلام فان المقاتلين المجاهدين بين يديه اكثرهم هم الذين اتوا بصفوراء زوجة موسي و حاربوا وصيه يوشع بن نون و بالجملة فليس المداد في فضل الجهاد الظاهر و انما المدار العلم و المعرفة مع التصديق باولياء الله و موالاتهم و معاداة اعداء الله و بهذا القسم الاخير يتميز العلم النافع من العلم الضار فان العلم قديكون وبالاً

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 457 *»

علي صاحبه و سبباً لدخول النار و هو العلم الخالي من التصديق و موالاة اولياء الله و معاداة اعداء الله و اليه يشير قول الشاعر:

لو كان للناس في غير التقي شرف

لكان اشرف كل الناس ابليس

و قدنص عليه سبحانه بقوله الحق يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها و اكثرهم الكافرون و قوله تعالي و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم ظلماً و عتواً و قوله تعالي يعرفونه كمايعرفون ابناءهم و ان كثيراً منهم ليكتمون الحق و هم يعلمون و قوله تعالي و اذ لم‏يهتدوا فسيقولون هذا افك قديم و امثالها من الآيات و هي صريحة الدلالة ظاهرة المقالة علي ان العلم الخالي من التصديق هو العلم الذي يردي صاحبه و يهلك حامله و لايتم العلم الاّ بالتصديق و هو قوله عليه السلام انكم لن‏تؤمنوا حتي تعرفوا و لن‏تعرفوا حتي تصدقوا و لن‏تصدقوا حتي تسلموا ابواباً اربعة لايتم اخرها الاّ باولها ضل اصحاب الثلثة و تاهوا تيهاً بعيداً فالمعرفة لاتكون الاّ بهذه الاركان الاربعة فاذا اخل بركن منها فسدت معرفته و لم‏يأت بالذي خلق لاجله ابتداءاً و لذا ان بلعم ابن باعور لما لم يصدق موسي علي نبيا و آله و عليه‏السلام مع علمه بنبوته اهلكه الله تعالي و قال تعالي و اتل عليهم نبأ الذي اتيناه اياتنا فانسلخ منها حيث انسلخ عن التسليم و التصديق.

و اما العارف الجامع للاركان اي الايمان و المعرفة و التصديق و التسليم بالحدود السبعة و هي معرفة التوحيد و معرفة المعاني و الابواب و الامامة و الاركان و النقباء و النجباء فهم السائلون الفائزون الذين لايضرهم شي‏ء من المضار الاّ مايخرجه من تلك الحدود و الاركان فيخرج عن محل البحث فمداد هذا العالم خير من دماء الشهداء لانه حافظ للقلوب و الارواح و النفوس و المجاهدون بالجهاد الظاهري حافظون للابدان و الاشباح

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 458 *»

و الاجساد و اين الثريا من الثري بل المؤمن الذي هذا شأنه هو المجاهد و هو الشهيد و هو المحامي و هو العلوي و هو الهاشمي و هو المهاجری و الانصاری لان هؤلاء منطو علي سرائرهم كل خير و لم‏يمنعهم ادراكه الاّ عدم ادراك زمانه و بذلك يخلدون الجنة ابد الآبدين فهم في كل حال لهم الدرجة التي تمنوها بقوة علمهم و لم‏ينالوها بظاهر اجسامهم الاتري قوله 6 في زيارة اول يوم من رجب و النصف من شعبان لبيك يا داعي الله ان كان لم‏يجبك بدني عند استغاثتك و لساني عند استنصارك فقداجابك قلبي و سمعي و بصري فلهم في كل تمني مقام من تلك المقامات ثوابهم اذ لم‏يمنعهم فعلهم الاّ عدم اللحوق و لذا قال الرضا عليه السلام لابن شبيب ان اردت ان‏تكون معهم في درجاتهم فقل متي ماذكرتهم ياليتني كنت معهم فافوز فوزاً عظيماً و قال سبحانه في حديث القدسي لموسي عليه السلام في وصف عاشوراء الي ان قال تعالي فمن بكي في ذلك اليوم كان له اجر مائة شهيد لان الشهداء رضي الله عنهم قدتقطعت اجسادهم و فازوا بالدرجات العلي و استراحوا عن هذه الدنيا و مقاساة الاعداء و هؤلاء العارفون الكاملون المنقطعة ايديهم عن اخذ الثار المبتلون بمشاهدة رياسة الاغيار قدتقطعت قلوبهم و انخلعت افئدتهم و عقولهم و ادركتهم الهضيمة و ذابت قلوبهم كمايذوب الملح في الماء و هذه شهادة ماوراءها شهادة و سعادة لاتضاهيها سعادة و فضل هؤلاء العارفون الكاملون علي اولئك الشهداء كفضل الروح علي الجسم فهم ساروا في مقام الفضل اي درجة العلم فكان هؤلاء اعلي منهم لان لهم في كل آن شهادة بخلاف اولئك الاطهار فانهم قتلوا مرة واحدة و عانقوا الحور العين و لذا ورد في الحديث ان المؤمن شهيد ولو مات حتف انفه و استشهد بقوله تعالي و الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم الصديقون و الشهداء الآية و روي في العلل عن جعفر بن محمد بن عمارة عن ابيه قال سمعت الصادق عليه السلام يقول المؤمن علوي لانه اعلي في المعرفة المؤمن هاشمي لانه هشم الضلالة المؤمن قرشي لانه اقر

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 459 *»

 بالشي‏ء المأخوذ المؤمن عجمي لانه استعجم عليه ابواب الشر و المؤمن عربي لان نبيه عربي فكتابه المنزل بلسان عربي مبين و المؤمن نبطي لانه استنبط العلم و المؤمن مهاجري لانه هجر السيئات و المؤمن انصاري لانه نصر الله و رسوله و اهل بيت رسوله صلي الله عليه و اله و عليهم و المؤمن مجاهد لانه يجاهد اعداء الله في دولة الباطل بالتقية و في دولة الحق بالسيف و بالجملة فالمؤمن العارف المصدق المسلم قداحاط بجوامع الخيرات و معالي الكمالات كلها فلايعارضه شي‏ء من الاعمال البدنية كالجهاد بشرايطه و الصلوة بحدودها و الزكوة بنصابها و ساير الاعمال بوظايفها و كذلك السيادة الظاهرية في النسب الظاهري اذا خلت من العلوم الحقيقية و لذا قال تعالي يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح نعم ينفع و توجب الفضيلة اذا كانت مقرونة بالعلم الكامل و المعرفة التامة علي ماوصفت لك فاذا تبين لك مدار الفضيلة و مناطها فلا كلام في خصوص الاشخاص و ان صدقوا في النصيحة لاولياء الله فان هذا الصدق يختلف و يقوي و يضعف باختلاف العلم الذي هو المناط في كل خير فلاتغرنك النسب العرضية و الاعمال البدنية و قدقال رسول‏الله صلي الله عليه و آله يا فاطمة لاتغرنك قول الناس انك ابنة رسول الله لو عصيت لهويت فاصحاب الحسين عليه السلام اما علي بن الحسين عليه السلام الاكبر الشهيد روحي له الفداء فقدورد فيه ما لايبلغه احد و ان عظمت مناقبه و جلت فضائله و هو قول ابيه عليه السلام لمابرز الي الحرب اللهم اشهد علي هؤلاء القوم فقدبرز اليهم غلام اشبه الخلق خلقاً و خلقاً و منطقاً برسول الله صلي الله عليه و آله و الفضل كل الفضل في قوله عليه السلام خلقاً (بضم الخاء) فان الله سبحانه وصف نبيه صلي الله عليه و آله في ذلك فقال و انك لعلي خلق عظيم و يدخل في الخلق العلم البالغ الكامل و الملكات الالهية النفسانية و المقامات العلية و الدرجات السنية و قدكان بذلك مثال اسماعيل الذبيح عليه السلام في ذلك الامة لماقال ابوه يا بني اني اري في المنام اني اذبحك فانظر ماذا تري قال يا

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 460 *»

 ابت افعل ماتؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين و كذلك سيدنا الحسين عليه السلام لماذكر لولده هذا مارأي في المنام من قتل اصحابه و شهادتهم قال يا ابه ألسنا علي الحق قال عليه السلام بلي يا بني انا علي الحق قال عليه السلام اذن لانبالي بالموت و الاستفهام ليس للجهل و الشك بالواقع بل لماترتب عليه من قوله لا نبالي بالموت اذا كنا علي الحق و ما لنا الي الخير و ذلك يدل علي كمال المقام في العلم و المعرفة و بالجملة فلولا دليل خارجي يدل علي افضلية احد عليه كمادل في الائمة و الانبياء عليهم السلام لم‏يسبقه في الفضل احد ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء و اما سيدنا العباس رضي الله عنه فقدسمعت من شيخي العلامة اعلي الله في الدارين مقامه و رفع فيهما اعلامه انه قدوقف علي رواية تدل علي علمه الفائق و فضله الرائق و هو اعلي الله مقامه و شيد اركانه ثقة فيمايقول و يسند و عليه الاعتماد و اما غيرهما من الاصحاب فلم‏اقف علي شي‏ء يدل علي اطلاعهم علي علوم الاسرار و حقايق الانوار و مراتب التوحيد و مقامات التفريد و التجريد التي بها مناط الافضلية و الاكرمية و اما قول اميرالمؤمنين عليه السلام لم‏يسبقهم احد ممن كان قبلهم و لايلحقهم من كان بعدهم و قول مولينا الحسين عليه السلام اني لم‏ار اصحاباً خيراً من اصحابي و لا اهل بيت ابر و لا اوصل من اهل بيتي فالمراد السبق في مقام الجهاد و لا في كل المقامات فان قرينة المقام ظاهرة الدلالة واضحة المقالة علي ذلك بل جميع مايترتب علي اصحاب الحسين عليه السلام في السابقية و الفضيلة كل ذلك لاجل مقامهم و علو مرتبتهم في الجهاد كما هو الظاهر لمن يعرف لحن المقال و يشاهد حقيقة الحال و هم رضوان الله عليهم قدسبقوا في الجهاد كل مجاهد لانهم اقدموا علي الموت و علي القتل بعد علمهم بذلك و يقينهم عليه و عدم احتمالهم النجاة باخبار الامام عليه السلام و ماتبين لهم من القرائن الخارجة من كثرة عدد المخالفين و قلتهم و عدم ناصر و معين لهم و شدة عطشهم و ظمئهم و لم‏يكن ذلك الاّ لكمال الرسوخ في الايمان و ثبات في الدين بحقيقة الايقان بخلاف ساير المجاهدين قاطبة من مبدأ الوجود

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 461 *»

آلي اخر مراتب الشهود فانه لم‏يتفق لاحد من المجاهدين ان‏يقدم علي الجهاد مع العلم بعدم الظفر و  كل ذلك امتثالاً لامر الله و ثباتاً في دين الله و اعلاءً لكلمة الله و ان اميرالمؤمنين عليه السلام في وقعة صفين طلب مئة شخص يبايعونه علي الموت منهم اويس القرني  رحمه‏الله لاينافي ذلك لان هذه بيعة وقعت في الاثناء و ما انعقد الجهاد علي ذلك بل ربما انعقد علي الفتح و الظفر و ان اميرالمؤمنين عليه السلام يقتل القاسطين بخلاف جهاد اصحاب الحسين عليه السلام فانه انما انعقد علي الموت و القتل و الشهادة و الكل منهم اقدم علي اذهاق نفسه و اهلاك روحه بين يدي سيدالشهداء ريحانة رسول‏الله صلي الله عليه و آله و في هذا المعني لم‏يسبقهم من كان قبلهم و لم‏يلحقهم من كان بعدهم و هم في هذا المقام خير الاصحاب و خير كل اهل بيت لم‏يتفق لاحد سواهم و لو اتفق فرضاً فهم اصله و اساسه و الفرع لايلحق الاصل و التفصيل لايلحق الاجمال و اما في باقي الكمالات و ساير الدرجات لايلزم ذلك و ظاهر اللفظ و ان كان فيه شمول ولكن الادلة القطعية المأخوذة من الاصول الحقيقية و ظاهر المقام و حال هؤلاء الاعلام يشهد علي التخصيص بمقام الشهادة و الجهاد الذي نالوا به منتهي السعادة و ثباتهم و وفائهم رضوان الله عليهم و ان كان يشهد علي علو مقامهم في العلم الاّ انه علم خاص في جهة خاصة في مقام الظاهر الذي يجب ان‏يكون كل مؤمن عليه و الذي قصر عنه فهو قاصر في ايمانه الظاهري و اما العلوم الحقيقية و الاسرار الالهية التي بها تتفاضل العلماء و اصحاب الدرجات فاعلي من ذلك و اعلي و اعلي و هذا ان شاء الله ظاهر لمن القي السمع و هو شهيد و خرج عن مقام التقليد و مااستبعد مادل عليه العقل السديد فمن كان من اهل العلوم الحقيقية و الاسرار الالهية و ذكر الحسين عليه السلام و بكي عليه كان له اجر مئة شهيد فافهم وفقك الله.

و اما انصار القائم عجل الله فرجه و روحي له الفداء فهؤلاء علي ثلاث طبقات و درجات:

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 462 *»

(خ‌ل الطبقة الاولي) الذين ينصرونه عليه السلام في غيبته و يعلون كلمته و هم علي قسمين الاول اناس ينصرونه بتعليم رعيته الاحكام و حدود الحلال و الحرام و هم العلماء الابرار و المجتهدون الاخيار الذين بذلوا جهدهم في نصرة امامهم و سيدهم في استنباط احكامه من حلاله و حرامه و ايصالها الي الضعفة من شيعتهم و المنقطعين من رعيته و ثانيهما علماء حکماء حلماء اصحاب الصدق و الوفاء سلكوا سبيله و نهجوا منهجة فهجم بهم العلم علي حقيقة الايمان و وصلوا الي حقيقة الايقان و عرفوا موصولهم و مفصولهم و مايـؤول اليهم امورهم بلغوا في المعرفة غايتها من الحدود السبعة و الاركان الاربعة و اعطوا نور التوسم و معرفة الاشياء كما هي و هؤلاء الابرار و الاخيار ينصرونه عليه السلام بحفظ قلوب شيعته و عدم تمكن ابليس من الاستيلاء عليها بجنوده بسطوته و هم الواقفون علي الثغر الذي يلي ابليس و جنوده علي ضعفاء القلوب و المستضعفين و هم يردون عنهم و يخرجونهم عن مقام التشكيك و يواصلونهم الي مقام اليقين و التحقيق و هم الذين قال عليه السلام فيهم ان لنا في كل خلف عدول ينفون عن ديننا تحريف الغالين و انتحال المبطلين.

(خ‌ل‌ و الطبقة) الثانية: انصاره روحي فداه (خ‌ل روحي له الفداء) و عجل الله فرجه الذين معه في غيبته و يصلون الي خدمته و هؤلاء قسمان: احدهما النقباء و هم ثلثون نفساً عدة ميقات موسي و قوي لام التعريف و هم الابدال الذين لايزالون معه و اذا مات واحد منهم ابدل بآخر و لاينقص هذا العدد بحال من الاحوال و هؤلاء يسيرون في البلدان و بهم تحفظ الاعيان و الاكوان و ثانيهما الاركان و هم اربعة اشخاص عيسي علي‌نبينا‌و‌آله‌و‌عليه‌السلام و ادريس و الياس و خضر عليهم‏السلام و هؤلاء الاركان لايتغيرون و لايختلفون و لايزيدون و لاينقصون بهم نظام الوجود و منهم يفاض علي الثلثين من الفيوضات التي لهم و لغيرهم (خ‌ل‌ و) يوصلونها الي محاله و مواقعه.

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 463 *»

(و الطبقة خ‌ل) الثالثة انصاره عليه‌السلام الذين يظهرون مع ظهوره و هم تمام العدة ثلثمائة و ثلاثة‏عشر و هؤلاء علي قسمين: قسم هم النقباء الاثني‏عشر و هم الذين يثبتون عند سماع تلك الكلمة التي يقولها القائم عليه‌السلام بعد ان‏يحضرهم بطي (خ‌ل لطي) الارض و حمل السحاب و يريهم خطاً بخاتم رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله و هم يعرفون انه خاتم رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله (خ‌ل الرسول) و قسم هم الذين لايثبتون عند سماعها و يقولون لست انت بصاحبنا و يتفرقون في مشارق الارض و مغاربها ثم لايجدون لهم ملجأ و لاملاذاً فيرجعون اليه عليه‌السلام و يسلمون و يصدقون و يسلمون و يرتفعون الي اعلي الدرجات و اسني المقامات.

فظهر لك مما بينا ان انصاره (ع) لهم حدود ستة قدتشعبت من ثلاثة اما الاولي من الاولي فلا ريب ان اصحاب الحسين عليه‌السلام افضل منهم و اعلي مقاماً لانهم حموا ظاهر اعمال شيعته البدنية و اصحاب الحسين عليه‌السلام حموا دينهم و فدوا انفسهم دون صيانة مذهبهم و اظهار الصبح الصادق بعد غياب ظلمات (ظلمة) الشكوك و الشبهات العارضة للقلوب بفعل ذلك الجسم المركوس و الخلق المعكوس و الرأس المنكوس و هذه نصرة لايعادلها تلك النصرة و لايساويها بل لايدانيها و اما العلوم الحقيقية و الاسرار الغيبية و الانوار الشهودية فهم بمعزل عنها و قدذكرنا سابقاً انها مناط (خ‌ل‌الفضيلة) الافضلية و مدار الكرامة و اكتفوا بالعلم الاجمالي و المعرفة التي لابد منها و لا مناص عنها لمن رام الدخول في حزب المسلمين فلا ريب في فضل (فضيلةخ‌ل‌) انصار الحسين عليه‌السلام و اصحابه الشهداء (خ‌ل و) السعداء.

و اما الاقسام الاخر فهم اصيبوا ما اصيب اصحاب الحسين عليه‌السلام بالنيات و القلوب و التأسف علي فوت تلك المواقف التي حضروا لنصرتهم في كل آن ينالون الشهادة و يفوزون بالسعادة مع مايرون و يشاهدون في زمان الغيبة و دولة الباطل من الاحكام المبدلة و الشريعة المنبوذة و الآراء (المتبعة خ‌ل) المتبوعة و المفاسد الواقعة و المعاصي الظاهرة و الحدود المعطلة و اخفاء الحق و انكار فضل آل الله

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 464 *»

و عدم اعطاء كل ذي حق حقه و الظلم البارز و الجور الظاهر و تعدي حدود الله و الاستهانة بامر الله (باهل الله خ‌ل) و الاحتقار بكلمة الله و عدم التمكن من الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و ترأس المتغلبين و صرف مال الله في السفهاء و المستهزئين و امثالها من المناكر المعروفة التي توجب تجرع الغصص و مكابدة الاحزان و الاشجان و ذوبان القلوب و تقطع الارواح و هي لعمري اذيتها و شدتها اعظم و اعظم من تقطع الابدان بمبارزة الشجعان و هي الاذية التي كان يشكو منها رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله بقوله (ص) مااوذي نبي مثل مااوذيت لان اذية ساير الانبياء (ع) كانت جسدانية و اما اذيته صلي‌الله‌عليه‌و‌آله روحانية و شتان مابينهما و نسبة اهل الاذيات الروحانية مع الاذيات الجسمانية في الفضل مثل نسبة فضل رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله علي ساير الانبياء عليهم‌السلام و اصحاب الحسين عليه‌السلام و ان‌ نالهم بعض تلك الاذيات الروحانية في وقت معاوية الاّ انهم في مدة ايام قلائل و اين تلك من زمان الغيبة الصغري و الكبري و طول المدة و وقوع الحيرة و استظهار (اهل خ‌ل) الباطل و اختفاء اثر الحق و قلة الناصر و شدة العدو المكاثر اللهم انا نشكو اليك فقد نبينا (ص) و غيبة ولينا و كثرة عدونا و قلة عددنا و شدة الفتن  بنا و تظاهر الزمان علينا فصل علي محمد و آل محمد و اعنا علي ذلك بفتح منك تعجله و ضر تكشفه و نصر تعزه و سلطان حق تظهره و رحمة منك تجللناها و عافية منك تلبسناها برحمتك يا ارحم الراحمين.

هذا مع ما نال اولئك الاعلام انصار الحجة عليه‌السلام من العلوم الربانية و الاسرار الصمدانية و (او خ‌ل) مجاهدة النفس ما اوجب لهم ظهور (سرّ خ‌ل) امامهم فيهم من الغيبة و التصرف في الوجود من احوال الغيب و الشهود و طي الارض و (طي خ‌ل) الزمان و التصرف في باقي الاكوان و الاعيان و مشاهدة الامور الغيبية علي العيان و اكمال الاسفار الاربعة و السير في المقامات (مقامات خ‌ل) الاسماء الحسني التي بها ظهور الافعال و التأثيرات و ساير ما لهم من الحالات اين هذا المقام من مقام غيرهم ممن لم‏يكن لهم هذه الدرجات و الفضيلة كمافي رواية ابي‏خالد علي مارواه في الاحتجاج عن علي بن الحسين عليهما‌السلام الي ان قال عليه

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 465 *»

السلام ان اهل زمان الغيبة (غيبته خ‌ل) القائلين بامامته (و خ‌ل) المنتظرين لظهوره افضل كل زمان لان الله تعالي اعطاهم من العقول و الافهام و المعرفة ماصارت الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة و جعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله بالسيف اولئك المخلصون حقاً و شيعتنا صدقاً و الدعاة الي دين الله سراً و جهراً.

مع ان من انصاره الانبياء الموجودين كعيسي (ع) و غيره و لاشك انهم افضل من كل الرعية اجمعين و اما غيرهم فقد استأهلوا لظهور تلك الكلمة التي ماظهرت لاهل هذه الدنيا لعدم استيهالهم لها عليهم فمنهم من عرفوها و حققوها ابتداء و منهم من رجع اليها انتهاء و هم اهل الكلمة العليا و الاسماء الحسني و الامثال العليا فلايقاس بهم احد الاّ من كان في مقامهم و مرتبتهم و الكلام في هذا المقام طويل و اللسان لمقاساة محنة اهل هذا الزمان كليل و البدن عليل و لو اذن لنا بالبيان لاطلقنا عنان القلم في هذا الميدان و لأريت‏ عجايب الامور من اطوار البيان و فيما ذكرنا كفاية لاولي الدراية.

و اما ماسألت من نسبة سلمان و ابي‏ذر و المقداد و عمار الذين صدقوا في نصرة اميرالمؤمنين عليه‌السلام مع انصار القائم عجل‌الله‌فرجه فاعلم ان مدار الفضيلة كماذكرنا سابقاً بعلم المعرفة بحدودها و اركانها و هذا المعني كان في سلمان علي الوجه الاتم و النهج الاكمل لايضاهيه احد من الرعية و يكفيك في هذا مارواه ثقه‏الاسلام في جامعة الكافي عن الصادق عليه السلام قال ذكرت التقية يوماً عند علي بن الحسين عليه‌السلام فقال لو علم ابوذر مافي قلب سلمان لقتله لان علم العلماء صعب مستصعب لايحتمله الاّ ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان و انما قلت علم العلماء لان سلمان من العلماء فجعل عليه‌السلام علم سلمان علماً لايحتمله الاّ هؤلاء و لايكون ذلك الاّ باختصاصه لانفسهم الشريفة و رفعه الي مقاماتهم المنيفة و في الاختصاص روي الصدوق ره باسناده الي ابن نباتة قال سألت اميرالمؤمنين عليه‌السلام عن سلمان الفارسي ره و قلت ماتقول فيه فقال مااقول في رجل خلق من طينتنا و روحه مقرونة بروحنا خصه الله تبارك و تعالي من العلوم باوّلها و آخرها و

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 466 *»

 ظاهرها و باطنها و سرّها و علانيتها و لقد حضرت رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله و سلمان بين يديه فدخل اعرابيّ فنحاه عن مكانه و جلس فيه فغضب النبي صلي‌الله‌عليه‌و‌آله حتي در العرق بين عينيه و احمرّت عيناه ثم قال يا اعرابيّ أتنحي رجلاً يحبه الله تبارك و تعالي في السماء و يحبه رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله في الارض يا اعرابيّ أتنحي رجلاً ماحضرني جبرئيل الاّ امرني عن ربّي ان اقرأه السلام يا اعرابيّ ان سلمان منّي من جفاه فقد جفاني و من آذاه فقد آذاني  و من باعده فقد باعدني و من قربه فقد قربني يا اعرابيّ لاتغلظنّ في سلمان فان الله تبارك و تعالي امرني ان اطلعه علي علم المنايا و البلايا و الانساب و فصل الخطاب فقال الاعرابي يا رسول‏الله ماظننت ان‏يبلغ فضل سلمان ماذكرت أليس كان مجوسياً فاسلم (ثم اسلم خ‌ل) فقال النبي صلي‌الله‌عليه‌و‌آله يا اعرابي اخاطبك عن ربي و تقاولني ان سلمان كان مجوسياً و لكنه كان مظهراً للشرك و مبطناً للايمان يا اعرابي اماسمعت الله عزوجل يقول فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيماشجر بينهم ثم لايجدون (يجدوا ظ) في انفسهم حرجاً مماقضيت و يسلّموا تسليماً اماسمعت الله عزوجل يقول ماآتيكم الرسول فخذوه و مانهيكم عنه فانتهوا يا اعرابي خذ ما آتيتك و كن من الشاكرين و لاتجحد فتكون من المعذبين و سلم لرسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله تكن من الآمنين.

و فيه ايضاً بسنده الي محمد بن مسلم عن ابي‏جعفر الباقر عليه‌السلام قال سمعت جابر بن عبدالله الانصاري يقول سألت رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله عن سلمان فقال سلمان بحر العلم لايقدر علي نزحه سلمان مخصوص بالعلم الاول و الآخر ابغض الله من ابغض سلمان و احب من احبه الحديث و فيه ايضاً بلغنا ان سلمان الفارسي  ره دخل مجلس رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله ذات يوم فعظموه و قدموه و صدروه اجلالاً لحقه و اعظاماً لشيبته و اختصاصه بالمصطفي و آله فدخل عمر فنظر اليه و قال من هذا العجمي المتصدر فيمابين العرب فصعد رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌وآله المنبر و خطب فقال صلي‌الله‌عليه‌و‌آله ان الناس من يومنا هذا مثل اسنان المشط لا فضل للعربي علي العجمي و لا للاحمر

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 467 *»

 علي الاسود الاّ بالتقوي سلمان بحر لاينزف و كنز لاينفد سلمان منا اهل البيت سلسل عين الحكمة و يؤتي البرهان و  في تفسير علي بن ابرهيم جري ذكر سلمان و ذكر جعفر الطيار بين يدي جعفر بن محمد عليهما‌السلام و هو متك ففضل بعض جعفراً عليه و هناك ابوبصير فقال بعضهم ان سلمان كان مجوسياً ثم اسلم فاستوي ابوعبدالله جالساً مغضباً و قال يا ابابصير جعله الله عربياً بعد ان كان مجوسياً و قرشياً بعد ان كان فارسياً فصلوات الله علي سلمان و ان لجعفر شأناً عند الله يطير مع الملائكة في الجنة.

و من رجال الكشي باسناده عن ابي‏عبدالله عليه‌السلام قال كان و الله علي عليه‌السلام محدثاً و كان سلمان محدثاً قلت اشرح لي قال يبعث الله اليه ملكاً ينقر في اذنيه يقول كيت و كيت و منه باسناده عن الفضيل بن يسار عن ابي‏جعفر عليه‌السلام قال لي تروي مايروي الناس ان علياً عليه السلام قال في سلمان انه ادرك علم الاول و الآخر قلت نعم قال فهل تدري ما عني قلت يعني علم بني‏اسرائيل و علم النبي صلي‌الله‌عليه‌و‌آله فقال ليس هكذا و لكن علم النبي صلي‌الله‌عليه‌و‌آله و علم علي عليه‌السلام و امر النبي صلي‌الله‌عليه‌و‌آله و امر علي عليه‌السلام و منه باسناده عن الحسن بن منصور قال قلت للصادق عليه‌السلام أ كان سلمان محدثاً قال نعم قلت من يحدثه قال ملك كريم قلت فاذا كان سلمان هكذا فصاحبه اي شي‏ء هو قال اقبل علي شأنك و من مناقب ابن شهراشوب كتب رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله عهداً بحي‏ سلمان بكازرون هذا كتاب من محمد بن عبدالله رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله سأله الفارسي سلمان وصيته لاخيه مهاد بن فروخ بن  مهيار و اقاربه و اهل بيته و عصبته (عقبه خ‌ل) من بعده ماتناسلوا من اسلم منهم و اقام علي دينه سلم الله احمد الله اليكم ان الله تعالي امرني ان اقول لا اله الاّ الله و امر الناس بها و الامر كله لله خلقهم و اماتهم و هو ينشرهم و اليه المصير ثم ذكر فيه من احترام سلمان الي ان قال و قد رفعت عنهم جز الناصية و الجزية و الخمس و العشر و ساير المؤن و الكلف فان سألوكم فاعطوهم و ان استغاثوا بكم فاغيثوهم و ان استجاروا بكم فاجيروهم و ان اساؤا فاغفروا لهم و ان اسيء اليهم فامنعوا عنهم و ليعطوا من بيت مال المسلمين في كل سنة مأتي

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 468 *»

  حلة و من الاواني مائة فقد استحق سلمان  ره ذلك من رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله ثم دعا لمن عمل به و دعا علي من آذاهم و كتب علي‌بن‌ابي‏طالب و الكتاب الي اليوم بايديهم انتهي.

و في هذا الحديث كرامة ظاهرة لسلمان التي اقتضت سلوك رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله مع اقاربه الكفار باعظم من سلوكه بالمسلمين فليتفهم متفهم في هذا (المعني خ‌ل) الحديث امر دقيق و في بصائر الدرجات بالاسناد عن الفضل بن عيسي الهاشمي قال دخلت علي ابي‏عبدالله عليه‌السلام انا و ابي فقال له أمن قول رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله سلمان رجل منا اهل‏البيت فقال نعم اي من ولد عبدالمطلب فقال منا اهل البيت فقال له (فقال خ‌ل) اي من ولد ابي‏طالب فقال منا اهل‏البيت فقالوا (فقال ظ) له اني لااعرفه فقال فاعرفه يا عيسي فانه منا اهل البيت ثم اومأ بيده الي صدره ثم قال ليس حيث تذهب ان الله خلق طينتنا من عليين و خلق طينة شيعتنا من دون ذلك فهم منا فخلق طينة عدونا من سجين و خلق طينة شيعتهم من دون ذلك فهم منهم و سلمان خير من لقمان.

و في الرجال الكبير بالاسناد عن جابر عن ابي‏جعفر عليه‌السلام قال دخل ابوذر علي سلمان الي ان قال فقال اميرالمؤمنين عليه‌السلام يا اباذر ان سلمان لو حدثك بمايعلم لقلت رحم الله قاتل سلمان يا اباذر ان سلمان باب الله في الارض من عرفه كان مؤمناً و من انكره كان كافراً و ان سلمان منا اهل البيت و ذكر فيه خطبة طويلة لسلمان الي ان قال فيها الا يا ايها الناس اسمعوا من حديثي ثم اعقلوه منّي فقد اوتيت العلم كثيراً ولو اخبرتكم بكل مااعلم لقالت طائفة انه لمجنون و قالت طائفة اخري اللهم اغفر لقاتل سلمان الا  ان لكم منايا تتبعها بلايا ثم ذكر كثيراً من الامور المغيبات منها وقعت و منها تترقب وقوعها.

و بالجملة لاينبغي ان‏يشك في ان سلمان بعد الانبياء (ع) اعلم من كل امة محمد صلي‌الله‌عليه‌وآله في الظاهر و الباطن و السر و العلانية و نعم ماقال فضل بن شاذان رحمه‏الله علي ماحكي عنه في الرجال  الكبير انه مانشأ في الاسلام رجل من كافة الناس كان افقه من سلمان الفارسي و هو كماقال رحمه‏الله فاذا كان كذلك فلايساويه احد و لايدانيه و

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 469 *»

قد افصح عن هذه الحقيقة مولانا الصادق عليه‌السلام حيث قال ان الايمان عشر درجات و السلمان في الدرجة العاشرة و هل ابقي لغيره مقاماً فيها و قد احاط  بالايمان بجميع درجاته و مقاماته الظاهرة و الباطنة و الحقيقية و المجازية و الجوهرية و العرضية و الذاتية و الصفتية فانّي مثل سلمان و هل قامت النساء عن مثل سلمان لا والله هو افضل من سواه من الرعية و اشرف من عداه من الامة لقد عاش اربعمائة سنة صرفها كلها في طاعة الله و طلب العلم و الترقي في المقامات و الدرجات.

و اما ماسواه ممن صدقوا في النصيحة لاميرالمؤمنين عليه‌السلام مثل ابي‏ذر و المقداد و عمار فهؤلاء لم‏يبلغوا في العلم مبلغاً يوجب  تلك المزية (المرتبة خ‌ل) التامة و الفضيلة العامة و مااصيبوا بمثل مصيبة اصحاب الحسين عليه‌السلام و مانالوا تلك الدرجة قبل اصحاب الحسين عليه‌السلام في الاسلام اعظم قد اظهروا بشهادتهم الدين و ابدلوا الشك باليقين و اظهروا عن صريح الحق و ازالوا شبهة الباطل و اوضحوا الحقيقة و بينوا الدقيقة و ثبتوا في الدين بخالص اليقين فاظهر الله سبحانه اثار ثباتهم و وفائهم ليبين الحق ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي  عن بينة فاذا نقصت درجتهم عن اصحاب الحسين عليه‌السلام فعن انصار القائم عجل‌الله‌فرجه من الاقسام الخمسة المذكورة سابقاً انقص و انقص و لاتتوهم ان هؤلاء انصار رسول‏الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله و انصار اميرالمؤمنين عليه‌السلام و هم افضل من الحسين و القائم عليهما‌السلام فيكون اتباعهم و انصارهم افضل من انصارهم فان هذا التوهم مغالطة ظاهرة و مكابرة باهرة لان نسبتهم  عليهم‏السلام‌ بالنسبة الي ماظهروا للحق واحدة بلا  تفاوت كماقالوا كلنا محمد اولنا محمد و آخرنا محمد فلايتفاضلون بالنسبة الي الخلق نعم لهم تفاضل بالنسبة الي مقاماتهم الذاتية و مراتبهم الحقيقية فاين الخلق من  ذلك المقام فانصار كل واحد منهم (ع) انصار الاخر بلاتفاوت و التفاضل الذي يحصل بالنسبة الي انصار كل امام يحصل

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 470 *»

بالنسبة الي انصار الجميع حرفاً بحرف و ذلك معلوم لمن تتبع الاخبار و جاس خلال تلك الديار و السلام علي من نظر و ابصر بعين الاعتبار.

فقدفرغ من تسويدها منشيها مع كمال اختلال البال و اغتشاش الاحوال و عروض الامراض المانعة من استقامة الحال و معاناة السفر بالحل و الارتحال في حظيرة القدس و مأوي الانس حضرة ائمة سامرة عليهم‌ سلام‌الله مادامت الارض و السماء في يوم الخميس الرابع و العشرين من شهر ربيع الثاني من شهور سنة ست و خمسين و مئتين بعد الالف من الهجرة النبوية حامداً مصلياً مستغفراً.