08-10 جواهر الحکم المجلد الثامن ـ رسالة في بيان الاجال ـ مقابله

رسالة فی بیان الآجال

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 473 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

اما بعد فيقول العبد الفاني الجاني . . .([1]) الحسيني الرشتي ان بعض الاخوان الصالحين الطالبين للحق و اليقين من مجاوري مشهد مولانا اميرالمؤمنين عليه‌السلام التمس مني ان‌اکتب کلمات ذات تبيين في بيان الاجال و اقسامها من المحتوم و المخروم و الجمع بينها و بين قوله تعالي فاذا جاء اجلهم لايستأخرون ساعة و لايستقدمون و حقيقة الامر في ذلک و قداجبت ملتمسه و اعطيته مسألته مع قلب مشوش و خاطر موزع و انا في هذا الوقت کماقال الشاعر:

کم بجنبي من صبابة([2]) واد   کل آن حمامه نواح

و اعتذر من بسط المقال و شرح دقايق الاحوال و اکتفي بالاشارة اعتماداً علي فهمه العالي و ادراکه السامي و لان ذلک هو الميسور و لايسقط بالمعسور و جعلت کلامه سلمه‌الله متناً و جوابي کالشرح له کما هو عادتي في اجوبة المسائل لتطابق الجواب بالسئول (بالسؤال ظ) و لقولهم عليهم السلام ان السؤال ذکر و الجواب انثي.

قال سلمه الله تعالي: المرجو من احسانکم ان‌تکتبوا بيان هذه المسألة علي حقيقتها علي التفصيل کما وعدتم و خير الخير ما کان عاجله و هي ان الله سبحانه و تعالي قال في کتابه العزيز فاذا جاء اجلهم لايستأخرون ساعة و لايستقدمون و قد وردت اخبار عن السادة الاطهار عليهم ‌سلام‌ الله الملک الجبار ان الصدقة تطيل العمر و ان بر الوالدين يطيل العمر و ان الظلم ينقص العمر و ما شاکل ذلک و هو کثير و ما التوفيق و هل هذا بداء و ان البداء

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 474 *»

يجوز عليه و علي تقدير جوازه فاي قسم يجوز و هل هناک اجل مخروم ام لا اَبن لنا ذلک علي التفصيل سؤالاً و جواباً و لازلت مؤيداً بالتوفيق.

اقول: و بالله التوفيق و منه الهداية الي سواء الطريق اعلم ان الله سبحانه و تعالي ابي الا ان‌يجعل فعله کاملاً لکماله المطلق و لماکان الاختيار اشرف و اکمل من الاضطرار وجب ان‌يجري فعله و مفعوله في الايجاد و الانوجاد علي جهة الاختيار ليکون امره و فعله علي کمال ما ينبغي اظهاراً للحکمة البالغة و اعلاناً للقدرة الکاملة فاجري سبحانه و له الحمد و الشکر سر الاختيار و الشعور و الارادة في جميع ذرات الکاينات و اطوار الموجودات و الاختيار و آثاره لايظهران الا بترتب الاسباب علي مسبباتها و اللوازم علي ملزوماتها و جري الاشياء بالمتممات و المکملات و الشرايط و العوارض و الغرايز و الغرايب و التکاليف و الاحکام من التکوينية و التشريعية و غيرها من الامور التي يطول بذکر تفاصيلها الکلام فجعل سبحانه و تعالي و له الحمد و الشکر بلطيف حکمته و حسن صنعته تلک الاسباب و اللوازم و الشرايط و اجراها علي جهة التکليف تتميماً للاختيار و تحقيقاً للاختبار فخلق الخلق في العالم الاول ذراتٍ مبثوثة و حصصاً مادية غير مصوغة بصورة خاصة صالحة لکل صورة قابلة لکل هيئة فسألهم بلسان قدرته لما اقدرهم علي الاجابة بان جعل فيهم ما اذا سئلوا اجابوا من الاختيار و الشعور و الارادة و آلات القبول و المنع فسألهم الست بربکم فاختلفوا في الاجابة علي اقسام فمنهم من اقروا بظاهرهم و باطنهم علي الاصالة و السابقية و هم السابقون السابقون الذين هم المقربون و هؤلاء صاغهم الله باجابتهم علي احسن الصورة من الصورة الانسانية و اکمل الفطرة من الفطرة الالهية خلقهم من بحر النور فجعلهم علي فطرة التوحيد و کساهم حلية التفريد و منهم من اقروا ظاهراً و باطناً علي جهة التابعية دون الاصالة الاولية الذاتية فخلقهم الله سبحانه و تعالي باجابتهم علي هيئة خلقة الاولين بفاضل نورهم و اشراقات ظهورهم و منهم من انکروا ظاهراً و باطناً بسوء قابليتهم و قبح اختيارهم في طويتهم فخلقهم الله سبحانه بانکارهم من ظلمة الشقاق و النفاق و

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 475 *»

خمر في طينتهم جميع المعاصي و الاوزار اولئک هم رؤساء الکفر و الضلال و اصول الفساد و الاختلال و منهم من انکروا ظاهراً و باطناً علي وجه التابعية الثانوية دون الاصالة الاولية الذاتية فخلقهم الله سبحانه و تعالي من طينة متبوعيهم و علي هياکلهم و صورهم من الصور الخبيثة القبيحة الشيطانية بحکم التابعية من فاضل ظلمات اولئک الاشرار و هؤلاء هم الذين خلقوا للنار بسوء اختيارهم و هو قوله تعالي و لقد ذرأنا لجهنم کثيراً من الجن و الانس الآية و منهم من توقفوا و لم‌يقروا و لم‌يجحدوا بل سکتوا و لم‌يعرفوا و هؤلاء لم‌يخلقوا علي صورة مخصوصة و بقوا علي حالتهم الاصلية من کونهم حصصاً مادية و منهم من اقروا ظاهراً و انکرواً باطناً فانکارهم عتو او عناد و اقرارهم استهزاء و سخرية لاظهار بواطنهم الخبيثة و لاجراء طغيانهم علي کل البرية و هم النواصب من الکفار الموجودون في هذه الدنيا علي الصورة الانسانية الظاهرية و منهم من اقروا باطناً و انکروا ظاهراً مثل کلب اصحاب الکهف فانه مؤمن مسلم في الروح کافر بظاهر الجسد و خلق الله سبحانه و تعالي باطنه من صبغ الرحمة الذي هي الصورة الانسانية و ظاهره من صورة الانکار و له نظائر کثيرة.

فهؤلاء الاقسام من المخلوقين کانوا في الخلق الاول امة واحدة غير مختلفة و باقرارهم و انکارهم و اجابتهم و اعراضهم اختلفوا کماقال عز من قائل کان الناس امة واحدة فاختلفوا فالاقرار و الانکار هما السببان القويان العظيمان في اختلاف الاشياء و قوتها و ضعفها و دوامها و اضمحلالها و بقائها و فنائها و اعوجاجها و استقامتها و حسنها و قبحها و لطافتها و کثافتها و تجردها و ماديتها و استعلائها و تسافلها و سعتها و ضيقها و استدارتها و استقامتها و علمها و جهلها و نورها و ظلمتها و شبابها و شيبها و کسرها و جبرها و ساير احوالها کلها انما حصلت باقبالها الي الله عزوجل لما ‌کلفها و ادبارها عنه تعالي لما امرها بالاقبال اليه.

فمن صفي اقباله الي الله و خلص عن شوب الشهوات النفسانية من النفس الامارة بالسوء فهو واقف علي فوارة النور و الخير و الرحمة

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 476 *»

علي حسب قبوله و اقباله فکتب له الاجل الدائم الباقي الطويل و الرزق الواسع و الصورة الحسنة و التراکيب المعتدلة و الشمائل المستحسنة و غزارة العلم و جودة التحصيل و ما اشبهها من الخيرات العظام و العطايا الجسام و کتب ذلک في اللوح المحفوظ و اودعه عند الحملة ملائکة الانوار حملة کتاب الابرار في عليين لدي الملک الجبار.

و من خلص انکاره و قوي ادباره و بقي يحوم حول نفسه و لم‌يلتفت و لايتوجه الي ربه فهو واقف علي باب الظلمة بعيد عن الخير و الرحمة منکس الرأس حالّ في الرمس فکتب له الحرمان و الطغيان و الشقاق و النفاق و الجهل و الحمق و الفسوق و العصيان و الضيق و الحرمان و الفناء و الاضمحلال و الذلة و الانکسار و سوء الخلق و قبح المنظر و فساد الضمير و سوء التقدير و کتبه في اللوح المحفوظ و اودع عند حملة کتاب الفجار في سجين.

و اما الذي يقبل مرة و يدبر اخري کعامة الناس فيضعف في حقه تلک الاحوال من الطرفين فاذا قوي في جهة قوي ترتب المسببات علي تلک الاسباب فاذا ضعف ضعف و هذه القوة و الزيادة و النقصان لاتتناهي في عالم الذر الاول الي ان وصلوا الي عالم الاظلة و بقوا هناک ما شاء الله و اختلفوا في الزيادة و النقصان اما بالتمسک باسباب الخير المقتضي لترتب مسبباتها عليها او بالتمسک باسباب الخذلان المقتضي لترتب آثارها عليها فتختلف اوضاعهم في ذلک العالم بالنسبة ‌الي العالم الاول فيقع في اللوح محو و اثبات و تغيير و تبديل الي ان وصلوا الي عالم الهباء و عالم الاشباح الي ان نزلوا الي هذه الدنيا بعد قطع مسافات بعيدة بحصول اختلافات شديدة لاختلاف اطوارهم في اقبالهم و ادبارهم و ما لحقهم في هذه الدنيا من انواع التطورات المستدعية لانحاء الاختلافات المقتضية لوقوع التغيير و التبديل في اللوح المعبر عنه بلوح المحو و الاثبات ذلک تقدير العزيز العليم. هذا بيان سرّ نوع الاختلاف في النشاءات بتطور الحالات.

و اما الآجال فاعلم ان الله سبحانه و تعالي لما لم‌يکن زمانياً و لا مکانياً کانت نسبة الماضي و الحال و الاستقبال عنده تعالي علي حد سواء و الازمنة

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 477 *»

الغير المتناهية و الامکنة المتباعدة الغير المتقاربة حکم جميعها عنده تعالي سواء فهو سبحانه و تعالي لما اجري عادته لما عرفت ان‌ يرتب الاسباب و يجري مسبباتها عليها و يخلق الخلق و يجعل فيهم الاختيار و الشعور و الارادة و الادراک و يعطي علي حسب الميولات و ما اقتضته الشهوات و لايجبر احداً في حال من الحالات و لايظلم شيئاً فيما يستحقه من الحرکات و السکنات و تلک الاسباب و العلل و الاطوار و الاحوال و الميولات و الاقتضاءات علي اختلافاتها کلها حاضرة لديه غير غائبة في ملکه کان عنده سبحانه علم جميع الاشياء بجميع حدودها و عوارضها و مشخصاتها الي انقطاع اطوارها الغير المتناهية عندها و المتناهية عند باريها و منشيها قبل وجودها و بعد وجودها و حين وجودها الي انقطاعها و فنائها علي المعاني کلها کل ذلک علم احاطة و عيان و قيومية في لوح محفوظ لايتغير و لايتبدل و لايقع فيه المحو و لا الاثبات و لا النقصان و لا الزيادة فما کتب عنده في ذلک الکتاب لايمحي و لايثبت و لايتغير و لايتبدل و هو قوله تعالي حکاية عن موسي علمها عند ربي في کتاب لايضل ربي و لاينسي,

و الاجل الثابت للشيء المکتوب في ذلک اللوح هو المسمي بالاجل المسمّي کماقال عزوجل ثم قضي اجلاً و اجل مسمّي عنده و هذا الاجل نهاية الشيء بعد جميع اطواره و ادواره و تنقلاته في اوطار اکواره و لماکان الله سبحانه و تعالي اشهد محمداً و آله صلي‌الله‌عليه‌و‌عليهم و ملائکته المقربين و انبيائه المرسلين اطوار الخلق حين خلقهم و علمهم مقتضيات ميولاتهم و شهواتهم الموجودة في ذلک الوقت المقتضية لاجل معين و رزق معين و سعة معينة و امثال ذلک و لماکان امدادات الامکان لاتتناهي و اطواره لاتحصي و هم سلام‌الله‌عليهم لا يحيطون بجميع الامکان و اطواره و احواله لان ذلک علم خاص بالله سبحانه لايشارکه فيه احد و الا لساواه في الغني و الوجوب کانوا لايعلمون الا مقتضي ميولات الخلق من آجالهم و ارزاقهم و مدة اعمارهم و سعة احوالهم الا ما اقتضته کينوناتهم بحسب جريان المسببات علي اسبابها في ذلک الوقت و ذلک الزمان و الدهر بل و السرمد و تلک المقتضيات علي قسمين: قسم وقع السبب علي

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 478 *»

المسبب و ترتب حکمه عليه و قسم لم‌‌ يقع و هو علي قسمين: قسم ينتظر الوقوع و يحتمل الوقوع و اللاوقوع و قسم لايحتمل الوقوع اما عقلاً او عادة او من جهة وعد الله سبحانه و تعالي و حکمه و امره اما الذي وقع فالاعمال التي صدرت عنه من خير و شر و نفع و ضرر و ترتب حکمها عليه من طول العمر و قصره و ضيق الرزق و سعته و اما الذي ينتظر الوقوع فکالاعمال التي لم‌يفعلها و يحتمل في حقه فعلها و ترکها و يصلح لترتب مقتضياتها عليه و اما الذي لايقع و لايحتمل الوقوع عقلاً فمثل ان يترقي الخلق من الفقر الي الغني و من الامکان الي الوجوب و من الجهل الي العلم المحض و امکان ان‌لايقع بعد وقوعه و اما الذي لايقع عادة و يحتمل وقوعه في مشية الله فمثل ان‌ينقلب الرجل من الذکورية الي الانوثية و تنزل السماء الي الارض و تصعد الارض الي السماء و امثالها و اما الذي لايحتمل وقوعه لوعد الله سبحانه و تعالي فکاسعاد الاشقياء و ادخالهم الجنة من حيث انهم اشقياء و العکس کذلک فما وقع السبب علي المسبب و تحقق القدر من المدد و الاجال فذلک هو الاجل المقضي المشار اليه في قوله عزوجل ثم قضي اجلاً فان القضاء هو الحکم بعد ترتب الاسباب علي مسبباتها و اللوازم علي ملزوماتها و الشرايط علي مشروطاتها ثم ان کان مما محوه و وقوع ضده ممتنع عليه اما عقلاً او عادة او وعداً من الله سبحانه کما عرفت فذلک الاجل هو المقضي المحتوم ففي المقام الاول محتوم لايمکن تغييره و في المقام الثاني و الثالث محتوم في الحکمة و ان جاز التغيير و التبديل نظرا الي المشية و القدرة و ان کان مما محوه و وقوع ضده ممکن منتظر فذلک الاجل الثابت في اللوح هو المسمي بالاجل المشروط يعني انتهاء تلک المدة مشروط بعدم وقوع معارض من نور او ظلمة فان وقع الشرط يظهر حکم المشروط زيادة و نقصاناً و يمحي عندهم العلم الاول و يثبت عندهم الثاني بالنسبة اليهم حيث لا احاطة لهم سلام‌الله‌عليهم بما في مکامن الغيب من وقوع تلک المشروطات و لا وقوعها حيث ان الخلق دايم السيلان و الذوبان و کل يوم هو تعالي في شأن و لايحيط بجميع تلک العلوم من الغيب و الشهادة الا الخارج عن حد الامکان.

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 479 *»

ان قلت: ان کثيراً من فقرات الزيارات و الادعية و الروايات ناصة صريحة علي انهم يعلمون علم ما کان و ما بقي و ما کان و ما يکون فلايتم ما ذکرت قلت اذا نظرت الي تلک الروايات و قابلتها مع الآيات مثل قوله تعالي قل رب زدني علماً و قوله تعالي و لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء و امثالهما و الروايات الناهية عن القول بانهم يعلمون الغيب التي کادت ان‌تبلغ حد التواتر علمت ان المراد من هذا العلم هو العلم الاکواني يعني عندهم علم ما وجد في عالم الاکوان سواء برز في عالم الشهادة و الوجود او بقي مخفياً في الخزائن الغيبية و لم‌يؤذن له بالبروز الي عالم الشهود و سيظهر فيما بعد ذلک اما مستمراً او منقطع الوجود فقد يقع شيء بعد آلاف الف سنة مثلا من سني الآخرة و هم يعلمونه الآن و قد ‌يقع شيء بعد ساعة و لايعلمونه کما اخبر رسول الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله عن ذلک الحطّاب بانه يموت بعد ساعة و لايرجع ثم تصدق ذلک الرجل فکانت تلک الصدقة علة التأخير و سبباً لانساء الاجل و لم‌ يکن يعلمها رسول الله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله لانها لم‌تکن موجودة في عالم من عوالم الاکوان الا في بحر الامکان عند الله عزوجل لا انها کانت موجودة في خزانة من الخزائن المکنونة و لم‌يعلم بها نبينا نبي الرحمة حاشا و کلا فان الله سبحانه اشهده علم کل موجود من غايب و مشهود بل لايوجد شيء الا و هو مرتبة من مراتبه او شعاع من اشراقات انواره او عکس من ظلال اثاره و الي ما ذکرنا يشير قول اميرالمؤمنين عليه‌السلام لولا آية في کتاب الله لاخبرتکم بما کان و ما يکون الي يوم القيمة و هو قوله تعالي يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الکتاب.

فقدتبين لک ان المحو و الاثبات انما يقع للشيء في حکم الله سبحانه و تعالي عليه بتنقلات اطواره و تطورات اکواره و ادواره الا تري ان الانسان في حال کونها (کونه ظ) نطفة له حکم بحسب مقامها فاذا انتقلت النطفة الي العلقة محي حکم النطفة و ثبت حکم العلقة لا ان العالم جاهل بالحکم الثاني في المقام الاول بل في المقام الاول ليس له الا ذلک الحکم فلو حکم عليه بالحکم الثاني کان خطأً محضاً و ظلماً صرفاً فلما انتقلت الحالة الاولي الي الثانية

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 480 *»

اخفي الحکم الاول اذ لا موضوع له و اظهر الحکم الثاني لتحقق موضوعه و بقاء محله و هکذا من طور العلقة الي المضغة و من المضغة الي العظام و من العظام الي اکتساء اللحم و منه الي ولوج الروح و منه الي الخروج الي هذه الدنيا و منه الي حالة ‌الرضاع و منها الي الفطام و منها الي حالة الي الصبي و منها الي حالة‌ البلوغ و منها الي حالة‌ الشباب و منها الي حالة التمام و منها الي حالة الوقوف و منها الي حالة الکمال و منها الي حالة الانحطاط و منها الي حالة الشيب و منها الي حالة الهرم و الکبر و ارذل العمر و منها الي حالة ‌المرض و منها الي حالة ‌الموت و منها الي حالته في البرزخ باطواره من قبره و لحده الي انفکاک روحه عن جسده الي دخول روحه في الجنة او في النار و احواله في مقامات الجنة من حال اکله من کبد الحوت الي حالة اکله من کبد الثور الي شربه من ماء الکافور الي شربه من ماء السلسبيل الي دخوله في الکثيب الاحمر الي دخوله في الرفرف الاخضر الي وقوفه في ارض الزعفران الي صعوده علي جبل الاعراف من ياقوتة حمراء الي غوصه في بحر الرضوان و سباحته فيه ابد الابدين الي ما شاء الله و لا شک ان لکل من هذه الحالات حکماً خاصاً و لها اجالاً خاصة ينتقل تلک الاحکام و تلک الاجال بانتقال تلک الحالات فلايزال يثبت اجل و يمحي اخر و يکتب حکم و يمحي اخر و يظهر امر و يخفي اخر کل ذلک بالنسبة الي الشيء الواحد و المحيط بهذه الاحوال و هذه الاحکام في هذه الاطوار کلها عنده علم جميع هذه الاحکام المختلفة المتعاورة علي شيء واحد و عنده الامر الواحد الذي ينتهي اليه الشيء و لايزول عنه و لايتغير و لايتبدل و اما الذي له الاحاطة ببعض دون الآخر فله الاحاطة باحکام ذلک البعض خاصة فاذا طرءت عليه الاحوال الاخر المقتضية للاحکام الاخر تتجدّد عنده تلک الاحکام من الآجال و الارزاق و هذا هو البداء الذي يستعمل في الله عزوجل و يصح عليه تعالي اذ لايصح ان‌يقال انه تعالي ما کان يعلم ثم علم و تجدد له علم فان ذلک

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 481 *»

زندقة محضة بل المراد انه تعالي يجري احکامه و مقاديره علي حسب احوال الشيء فاذا اقتضي الشيء علي مقتضي شأنه في علم الغيب کتب له و عليه ذلک الحکم و اذا اقتضي ما يضاده کتب عليه و له ذلک الضد في الوقت الآخر و يمحو الاول لا انه تعالي جاهل بالحالة الثانية المقتضية للحکم الثاني و الاجل الثاني بل عنده الحکمان و الاجلان و الاجل الذي لم‌يتغير و لم‌يتبدل الذي هو الاجل المسمي مثلاً لما وجدت النطفة جعل لها من الاجل اربعين يوماً فکتب في اللوح ان الانسان في النطفة اجله اربعين يوماً فلما صار في العلقة زاد الاجل و بقي الانسان و هکذا لما وصل الرحم و زار سيدنا و مولانا اباعبدالله الحسين عليه‌السلام قويت بنيته و اعتدلت قابليته و زاد في عمره عما کان سابقاً فمحي الاجل الذي کان قبل ذلک فلما عصي بعد ذلک و زني و قطع الرحم مثلا ضعفت بنيته و اضمحلت طويته فنقص عمره فمحي الاجل الذي کان مکتوباً قبل ذلک و الاجلان بالسببين کان عند الله سبحانه و تعالي ولکن عند سبب القوة اجري و ابان حکمها و عند سبب الضعف اجري و ابان حکمه و الجميع في الکتاب العزيز الحميد الذي لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حکيم حميد نعم الملائکة و الائمة عليهم‌السلام يعلمهم الله ما تتحمل قابلياتهم من الاحاطة باطوار الانقلابات المقتضية لانقلاب الاجال و الاحکام و يخفي عنهم ما لاتتحمل قابلياتهم و يعطيهم اياه شيئاً فشيئاً في ليالي القدر و ليالي الجمع و ما ينزل عليهم في کل ساعة و آن و دقيقة من العلوم و حيث کانت الاحاطة التامة لکل عالم الامکان لايمکن الا للخارج عن هذا الحد کان علم البدا خاصاً لله تعالي اذ لا احاطة لغيره تعالي بجميع تلک الشئون و الاحوال التي يجري عليها تلک الاحکام و الآجال فمن هذه الجهة لايمکن لاحد تحصيل العلم الذي لايتغير و لايتبدل و لايزيد و لاينقص الا لله عزوجل او من اخبره الله تعالي علي سبيل الحتم و القطع فانه تعالي لايکذب اوليائه فافهم و لذا قلنا ان لوح المحو و الاثبات الواح صغار في اللوح المحفوظ و کلها حدود اللوح المحفوظ و صفاته

 

«* جواهر الحکم جلد 8 صفحه 482 *»

و اطواره و احواله و هذا هو حقيقة البدا فافهم فانک لن تجد هذا البيان في غير هذا الجواب و الله خليفتي عليک.

و اما الاجل المخروم فاعلم ان العبد ربما يعمل عملاً يقتضي ذلک العمل بالله سبحانه زيادة في عمره و رزقه و حياته و بقائه و اکتسابه للعلوم و الکمال و لکنه قد يتفق له اسباب عرضية يموت بقتل او بغرق او حرق او صدم او هدم او غير ذلک من الاسباب قبل استيفاء اجله المقدر له قبل ذلک و عدم عروض مانع يمحو ذلک الاجل و الرزق و البقاء و الحيوة فيبقي هذا في موته ما شاء الله فيحييه الله تعالي عند قيام القائم عجل الله فرجه و عليه‌السلام فيستوفي رزقه و حيوته و اجله فيموت بعد ذلک و العلماء اختلفوا في مقدار الاجل الباقي للمخروم علي اقوال نادرة بالخرص و التخمين و الذي اعرفه من الروايات ثلاثون شهراً و الله سبحانه اعلم.

و اما قولکم ان ذلک ينافي قوله تعالي فاذا جاء اجلهم لايستأخرون ساعة و لايستقدمون فلا منافاة في ذلک فان الله عزوجل علق الفورية و الوقوع بمجيء الاجل و هو کذلک فاذا جاء لايتأخر بل التأخير محال ح ولکن المحو و التأخير انما يقعان قبل المجيء فان الرجل کان مستحقاً للبقاء خمسين سنة فقبل تمام الخمسين و لو بدقيقة و لو ثانية و ثالثة و رابعة بل اقل من ذلک قبل المعاينة و قبل قبض روحه عمل عملاً قويت بنيته و صلحت فطرته و اعتدلت قابليته فينسي في اجله و يؤخر الي اجل معلوم لانه بعد ما جاء فاذا جاء الاجل فلامخلص و لا مفر فافهم و اعذرني عن بسط المقال و شرح دقايق الاحوال فان في هذه الاحوال ما کتبنا لکم غاية المقدور ولکني اشرت الي جميع ما اردت من شقوق المسألة و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.

و فرغ من تسويدها منشيها عصر يوم الخميس في العشرين من شهر ربيع الثاني حامداً مصلياً مستغفراً مسلّماً في سنة 1244.

[1] (قد محي شطر من اسم المؤلف (اع) في اول النسخة و اضيف مکانه اسم شخص آخر ولکن الظاهر ان الرسالة من مصنفات السيد الاجل المرحوم السيد کاظم الرشتي اعلي‌الله‌مقامه املاها و کتب ثلاث صفحات من آخرها بخط نفسه اعلي‌الله‌مقامه).

[2] للصبابة. ظ