09-02 جواهر الحکم المجلد التاسع ـ رسالة في ان الشريعة روح الوجود الکوني ـ مقابله

رسالة فی ان الشریعة روح الوجود الکونی

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 11 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

اعلم ان الشريعة هي دواعي القابليات و اقتضاء الكينونات و هي جهات تلقي العباد من الله سبحانه الامداد و ما به يتقوي للبقاء و الدوام ابدالاباد اما بنعمة متجددة ما لها من نفاد و اما بعذاب اليم اشدها الطرد و الابعاد اعاننا الله و اياكم لتحصيل الزاد ليوم المعاد اي زاد التقوي فانها خير زاد فهي روح الوجود الكوني و باطنه و سره و لبه و لذا غمضت مسالكها (مسالكه خ‌ل) و خفيت معالمها و ما اهتدي اليها علي الواقع الاّ من اشهده الله خلق السموات و الارض و لما انك مااوتيت العلم الاّ قليلاً و ما احطت بالواقع و المقتضيات خبراً وجب عليك ان ‏تهتدي بالعلامات التي جعلها الله عزوجل لنا اذا خفي علينا المسلك و غاب عنا المدرك و لما ان الشمس قد غيبها السحاب و انسد علينا ذلك الباب و لم‏نتمكن من الوصول الي ذلك الجناب وجب ان ‏نسلك سبيله و نطلب منه برهان ما يراد منا و دليله فان شخصه و ان غاب لكن بنوره ينفتح الف باب فنجعله صلوات الله عليه و علي آبائه امامنا في كل مسألة و كل مطلب و تأييد الله سبحانه و نصره فوقنا فنسلك سبيل ربنا ذللاً عسي ان ‏يخرج الله سبحانه بفضله و كرمه من بطون ما استفدنا من القواعد و الاصول المستنبطة من اثار آل الرسول سلام الله عليهم شراباً من العلم و المعرفة فيه شفاء للناس السايرين الي معبودهم بتوجههم الي ائمتهم المنقطعين عنهم جمع الله تعالي شملهم بمحمد و آله الطاهرين.

فنقول ان الوجود الشرعي لما كان طبق الوجود الكوني في كل ما لهما و كان الوجود الكوني لوحاً جلياً مكتوباً فيه كل الاحوال و الاقتضاءات و الاطوار و الحيثيات و الاضافات و النسب و الجهات و الاعتبارات بكل (بل كل خ‌ل) شي‏ء دليل و مدلول عليه و سبب و مسبب و جوهر و عرض و ذات و صفة و اسم عين و اسم معني و قول و فعل الي غير ذلك من الاحوال الوجودية و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 12 *»

المقامات الكونية فمن عرف قراءة هذا النقش و احسن معرفة هذا اللوح فقد عرف الاشياء مشروحاً مبيناً لايختلجه شك و لاريبة (ريب خ‌ل) و يعرف بذلك اسرار الشريعة و احكامها و كيفية استنباط فروعها من اصولها و استخراج مفصلها من مجملها و يعرف بذلك اكثر الاقتضاءات فيجري عليها مقتضاها من الاعمال علي حسب مانطقت به الاخبار و هؤلاء لعمري لقد استراحوا و طابوا و لما لم ‏يجد في نفسه العصمة و يجوز عليه الخطاء لايجوز عليه الاعتماد في مثل هذه المقامات الاّ بالقطع الثابت البات فان هذا مسلك غريب و طور عجيب ليس لكل عالم فيه نصيب و يجب ايضاً ان ‏يعتمد فيما يدركه و يقطع به من ذلك النقش الي كتاب الله تعالي و سنة رسول الله9 (رسوله خ‌ل) و اخبار العترة الطاهرة عليهم سلام الله مادامت الدنيا و الآخرة فان الخلط و الاشتباه هنا كثير جداً فان الحق لو خلص لم‏يخف علي ذي‏حجي و لكن اخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فمن هنا هلك من هلك و نجي من سبقت له العناية و لايجب ان‏يكون استناده الي الكتاب و السنة بشي‏ء واضح الدلالة فيعرفها (يعرفها خ‌ل) كل احد اذ ليس كل ما في الكتاب و السنة يعرف لانهما الصعب المستصعب لايهتدي اليه الاّ الاقلون و لايدركه (لايدركونه خ‌ل) الاّ المؤمنون الممتحنون اذ لايلزم الاستنباط من المفهوم الصريح بل قد يكون بغيرها (بغيره خ‌ل) من المراتب الاخر من الوجوه السبعة او المعاني السبعين الاّ ان المستنبط المستوضح يجب عليه القطع في الدلالة و هذا هو المجاهد في الله و لايخطأ ان شاء الله فان اخطأ فما عليه من سبيل لان الله تعالي يقول ما علي المحسنين من سبيل.

فاذا وقفت علي هذا الطريق فلاتعدل الي غيره لانه دليل الحكمة و هو اعلي الادلة و مقام المعرفة و البصيرة فان لم‏تجد اليه سبيلاً فان قدرت علي دليل الموعظة الحسنة و سلكت سبيل السلامة فعلت و الاّ فارجع الي المجادلة بالتي هي احسن و هو في الاحكام الشرعية اربعة:

الاول كتاب الله فمتشابهاته ليست بحجة اجماعاً الاّ اذا رجعت الي المحكم و النصوص التي لايحتمل الخلاف حجة اجماعاً و هو الكتاب المجمع

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 13 *»

علي تأويله علي ما في الحديث عن الكاظم7 و المراد به النصوص و اما الظواهر فقد خالف فيها جماعة قليلة و شرذمة يسيرة لايعبأ بهم و الحق انها حجة اذ لم‏يثبت منع خاص علي حجيتها منه بخصوصه لا من الاجماع و لا من العقل الضروري و العمومات القرآنية الناهية عن العمل بالظن مطلقاً فهي من الظواهر لغلبة اشتهار ما من عام الاّ و قدخص و وجوب اجراء اصل العدم فلاتكون ناصة فكيف صححتم العمل بها دون غيرها فان منعتم عن ذلك بقي مطلبكم بلابرهان و دليل مع كون الكتاب هو الثقل الاكبر و ميزان تصحيح الاخبار المتعارضة و المكذوبة و الموضوعة و المأمور باتباعه في مسائل الحلال و الحرام و ما فيه من الاحكام و الاقتصار علي النصوص يلزم عدم ذلك كله اذ ما من اية في مسألة من المسائل النظرية قد اتفقوا فيها و ليس ذلك عناداً لهم حاشا اهل الحق عن ذلك بل انما هو لتطرق الاحتمالات المساوية بل الراجحة فيها في نظرهم و الشارع7 كان عالماً بذلك كله و مايبتلون به الامة من الاختلافات و بالجملة لاينبغي التأمل في حجية الظواهر الكتابية.

الثاني السنة فالمتواتر منها لفظاً حكمه حكم الكتاب و معني حكم النصوص الصريحة منه و اليه اشار ما في الحديث او سنة عن النبي لا اختلاف فيها و اما المحفوف بقراين القطع فكذلك و اما الاحاد المفيدة للظن كان ‏يكون رواته كلهم اماميون ثقات او غير ذلك فقد ادعي الشيخ الاجماع في صحة العمل به و هو الذي يظهر من الاخبار و يشهد له صحيح الاعتبار و اما ما كانت الروات مكذوباً فساقاً فلايطرح الاّ بعد التبين و التثبت لانهم قالوا: ان لنا اوعية من العلم نملؤها لتنقله الي شيعتنا فخذوها و صفوها تجدوها نقية صافية و اياكم و الاوعية فانها اوعية سوء لعله يكون من تلك اوعية فينظر في الحديث فان عثر علي مخالف له مما هو اقوي منه من كتاب او سنة او اجماع او عقل ضروري فلايلتفت اليه ابداً فان لم‏يجد له مخالفاً و لا (مخالفا او خ‌ل) معارضاً و قد ابهم في الاخبار و سكت عنه العلماء الاخيار فما تضمنه حجة علي المستوضح اذا كان مكلفاً و يطلب تكليفه فان الامام7 لاشك انه مطلع

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 14 *»

عليه بسره (مطلع بسره خ‌ل) و علانيته و هو مستوضح و قد سكت الامام7 عنه بعدم نصب قرينة له علي تكليفه و ما اريد منه و بذل مجهوده في الطلب فلايخلو اما ان اقره الامام7 علي ذلك او اهمله فاما ان‏يكون مغرياً بالباطل او لم‏يكمل الدين و تعالي ربي و تقدس ان‏يجعل حجة و خليفة في الارض و هو يغفل عن رعيته و غنمه و قد دلت الاخبار بان الارض لاتخلو عن حجة كيما ان زاد المؤمنون ردهم و ان نقصوا اتمه لهم فان منعت عن ذلك اسألك لم منعته هل الحجة علي الخلق في ظاهر الامر الاّ لاقامة الحجة و تقويم الزيغ و لمّ الشعث و سد الخلل عن الدين الذي تعبد الله خلقه (الخلق خ‌ل) به من الذين قبلوا ذلك الدين و تدينوا به فاذا كان كذلك فبعد ما غاب شخصه الشريف لمرض ابصارنا و ضعفها عن مشاهدة ذلك النير الاعظم صلي الله عليه و علي ابائه و احتجب عنا بسحاب الغيبة هل يمكنه ان ‏يعطي من توجه اليه و انقطع اليه من الشيعة الفرقة المحقة حقه مما اراد الله منه من التكليف الخاص به علي مقتضي كينونته فان قلت لا فقد انكرت امامته و اخرجته عن المقام الذي هو عليه فان (و ان خ‌ل) قلت  نعم قلت فما يمنعه عن نصرة رعيته و ملاحظة غنمه فان قلت لعله لمصلحة اخري لم ‏ندركها قلت ليست المصلحة في غيبته الاّ حفظ نفسه الشريفة و نفوس الخلق كلهم بل العالم بحذافيره لكون غيبة الحجة عن الخلق قبيح اذ ما بعث الله الحجة الاّ للخلق لكن لما كان حضوره صلي الله عليه مستلزماً لما هو اقبح من ذلك و اشد فارتكب اقل القبيحين للضرورة و هي انما (انما هي خ‌ل) تتقدر بقدرها فلم‏يبق الاّ ملاحظة حال رعاياه و غنمه فيوصلهم الي ما هو تكليفهم و لايلزم ذلك المشاهدة بل يكون بنصب قرينة و اظهار مخالفة و التأييد بكتاب او بالقذف في القلب و امثال ذلك من التقرير و التثبيت ليعلم كل اناس مشربهم و لينال كل احد مطلبهم فان الابصار اذا ضعفت عن ملاحظة نور الشمس بلا حجاب جعل الله عليها حجاباً لينتفعوا بها لا لئلاينتفعوا و كذا الامام صلوات الله عليه و عجل فرجه فانه ما غاب الاّ لينفعنا حيث لم ‏يمكن ان ‏ننتفع منه صلوات الله عليه حال الظهور لا لان ‏يتركنا و يجعلنا عمياء في ظلمة

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 15 *»

دهماء مع هذه الاختلافات الشديدة و شيوع الباطن فوالله لولا حفظه لما اصاب احد حقاً و قد قال مولينا اميرالمؤمنين (ع) في خطبته اللهم انه لابد لك من حجج في ارضك حجة بعد حجة علي خلقك يهدونهم الي دينك و يعلمونهم علمك كيلا يتفرق اتباع اوليائك ظاهر غير مطاع او مكتتم يترقب ان غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم ‏يغب عنهم قديم مبثوث علمهم و ادابهم في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون و قد قال7 في موضع آخر من هذه الخطبة فمن هذا يأرز العلم اذا لم‏يوجد له حملة يحفظونه و يروونه كما سمعوا (سمعوه خ‌ل) من العلماء و يصدقون عليهم فيه اللهم اني لاعلم ان العلم لايأرز كله و لاينقطع مواده و انك لاتخلي ارضك من حجة لك علي خلقك طاهر (ظاهر خ‌ل) ليس بمطاع او خايف مغمور كيلا تبطل حجتك و لايضل اولياؤك بعد اذ هديتهم بل اين هم و كم هم هم اولئك الاقلون عدداً الاعظمون عند الله قدراً و قال رسول الله9 ان عند كل بدعة تكون (يكون خ‌ل) من بعدي يكاد بها الايمان ولياً من اهل بيتي موكلاً به يذب عنه ينطق بالهام من الله تعالي و يعلن الحق و ينوره و يرد كيد الكايدين يعبر عن الضعفاء فاعتبروا يا اولي الابصار و توكلوا عليه و قد قال مولينا الصادق7 ان الارض لاتخلو من حجة كيما ان زاد المؤمنون ردهم و ان نقصوا شيئاً اتمه لهم و قال ايضاً مازالت الارض الاّ و لله فيها الحجة يعرف الحلال و الحرام و يدعو الناس الي سبيل الله و قال ايضاً7 ان الله لم‏يدع الارض بغير عالم و لولا ذلك لم‏يعرف الحق من الباطل و قال الحجة المنتظر عجل الله فرجه و روحنا له الفداء في التوقيع الي الشيخ المفيد ره الي ان قال7 نحن و ان كنا ثارين (ثاوين خ‌ل) بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي اراناه الله تعالي لنا من الصلاح و لشيعتنا المؤمنين في ذلك مادامت دولة الدنيا للفاسقين فانا نحيط علماً بانبائكم و لايعزب عنا شي‏ء من اخباركم و معرفتنا بالامر الذي اصابكم الي ان قال7 انا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لنزل بكم اللأواء و احاطت (اصطلمكم خ‌ل) الاعداء فاتقوا الله جل جلاله انتهي الحديث و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 16 *»

امثال ماذكرنا كثيرة في الاخبار و يشهد بذلك العقل القاطع فان قلت لو كان الامر كما تقول لم (فلم خ‌ل) لم ‏يرفع الاختلاف بين الشيعة و لاشك انه احسن و لا مانع له من ذلك قلت ان راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه هو (فهو خ‌ل) اعلم بمصالح غنمه فان شاء جمع بينها لتسلم و ان شاء فرق بينها لتسلم و لو اجتمعتم علي كلمة واحدة لاخذ برقابكم و الاختلاف مادامت دولة المعاوقين (المنافقين خ‌ل) و الفاسقين احسن و اسلم.

لكن هنا شي‏ء (شيء آخر خ‌ل) لم‏اطلع عليه و هو ان الامام7 يقدر ان‏يجعل لكل من المكلفين قرينة يقطعون بها علي تكاليفهم من الله سبحانه و يكونون علي بصيرة من امرهم و اطمينان من قلوبهم مع وجود الاختلاف كما في الاجماعات المحصلة فانها تفيد القطع و ان كان مخالفاً للاخر مع انه7 (ان الامام خ‌ل) ابقاهم في مقام الظن و ان كانوا قاطعين في مقام العمل الاّ ان في الاول يحصل لهم القطع اولاً و لايحتاجون الي امر اخر بخلاف الثاني لكنا نؤمن بما فعل و نصدق و نقول كل من عند ربنا لانهم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون لكنه قد يخطر بالبال القاصر في وجه المصلحة امران:

احدهما عدم اقتضاء الاسباب ذلك لان الذي يفيد القطع اما حصول الاجماع او وقوع التواتر المعنوي او القرائن القطعية و هي اما موافقة الاجماع و عمل الاصحاب او الضرورة او المتواتر او العقل القاطع او توارد الامارات الكثيرة بحيث يقطع العقل بصحة الخبر و كلها قد تكون المصلحة بخلافها فان الاجماع لايكون الاّ بالاتفاق و ان كان له مخالفاً و هذا غير ممكن في كل المسائل اذ التكليف علي حسب اقتضاء المكلف فلايجري عليه الاّ مايقتضيه بكينونته في ذلك الوقت و هذا الحكم قد يتخالف و قديتوافق قديكون هو حكم الرجل في مدة معينة و بعد انقضاء تلك المدة يتغير حكمه فيتغير ترجيحه و ما هذا شأنه لايجوز فيه الاتفاق بل لايمكن بوجه من الوجوه كما نري في الواقع و العيان ما ادركناه بالذوق و الوجدان و الحمدلله الملك المنان و كذلك القول في عمل الاصحاب و اتفاقهم و كذلك التواتر و حكم الضرورة

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 17 *»

اجلي و اظهر.

بقي الكلام في العقل القاطع و هو ايضاً لايمكن في جميع المسائل اذ العقل لايستقل في الامور الشرعية الغيبية لانها اسرار باطنية و مشاهدات سرية فلايمكن للعقل الاّ ادراك بعض الجزئيات منها مما قامت به الضرورة و شهدت به البديهة كرد الوديعة و الاحسان و قبح الظلم و الطغيان و امثال ذلك فلايقطع العقل في بعض المسائل فضلاً عن كلها او جلها او (و خ‌ل) اغلبها فان قلت يلهمه الامام السر فيه فيدرك و يقطع به كما قالوا:نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون قلت ابي الله ان‏يجري الاشياء الاّ باسبابها (علي اسبابها خ‌ل) و نور الامام7 لايفقد بل هو موجود ابد الابدين لانه وجه الله الذي يتوجه اليه الاولياء و الاية التي لا تعطيل لها في كل مكان كنور الشمس المنبث في العالم الاّ انه يحتاج الي قابل و مستنير فعلي حسبه الانارة و الاضاءة كاشراقها علي الجدار و علي المرآة و علي البلور فاذا اعطت الشمس الجدار بقدر مافي المرآة من النور لم‏تكن حكيماً لوضعها الشي‏ء في غير موضعه و كذا حكم المرآة بالنسبة الي البلور و هكذا حكم الامام7 بالنسبة الي العلماء من الشيعة في النسبة الخاصة دون العامة و الاستيهال لتعلم اسرار الشريعة انما يمكن اذا علم الاشياء كماهي و عرف اقتضاءاتها و دواعي قابلياتها و هذا مقام لايمكن علي التفصيل الاّ لمن سأل ذلك و طلب و قال اللهم ارني الاشياء كماهي صلي الله عليه و آله نعم قد يحصل لبعض الخواص من الشيعة بعض الكليات المجملة فهم في ذلك علي يقين و بصيرة و كذلك الكلام في توارد الامارات الكثيرة فتحقق لنا ان ماهو الواقع هو الواقع و لايمكن غير ذلك مع ان الذين كانوا في عصر الائمة: في الامكنة النائية و يتلقون الاحكام من المكاتبات و التوقيعات و الوسايط ما اظنهم كانوا قاطعين بالامر مع شيوع الكذب عليهم: في تلك الاوقات و كثرة المعارضات و تعارض الاصول و يكفيك في حقية ماذكرنا الاخبار العلاجية و سؤالهم عن شدة التعارض و تحيرهم بل كانوا يكتفون اذا اخبرهم راو عادل و لم‏يكن له معارض و كانوا يعملون به كمايظهر من الاخبار و في هذه الازمنة و لله الحمد و الشكر قد سهل الخطب و هان

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 18 *»

الامر فان العلماء رضوان الله عليهم قد بذلوا مجهودهم في نقد الاخبار و جاسوا خلال تلك الديار و صفوها علي مقدار وسعهم عن الاكدار و منعوها عن ان‏ تناله ايدي الاشرار و جمعوا خاصها و عامها و مطلقها و مقيدها و محكمها و متشابهها و نقحوها و ماكانت هكذا في سابق الازمان سيما في البلدان البعيدة سيما في شدة الاغتشاش في امر التقية فظهر السر في ذلك و الحمد لله رب العالمين.

و ثانيهما الفتنة و الامتحان و الاختبار و التمحيص ليهلك من هلك و نجي من سبقت له من الله الحسني فافهم.

فاذا فهمت هذا الكلام علمت ان ما لم‏نجد له مخالفاً من الاخبار الصحيحة و الايات المحكمة المنصوصة و اجماع الاصحاب فان ذلك تقرير منه7 و سكوت عنه و تثبيت للمستوضح و قد قال اميرالمؤمنين7 مامعناه ان رسول الله9 احل حلالاً و حرم حراماً و سكت عن اشياء و لم ‏يكن سكوته عنها لغفلة فاسكتوا عماسكت الله و ابهموا ما ابهمه الله و تفصيل القول علي الاجمال هو ان ‏نقول ان الخبر الوارد الغير الصحيح لايخلو عن احوال اما ان تكرر وروده في الكتب و عمل بخلافه الاصحاب فيترك و الاّ يلزم ان‏يكونوا علي باطل و هو لايصح لقوله9 لايزال طائفة من امتي علي الحق حتي تقوم الساعة فان تكرر في الكتب و عمل به بعض الاصحاب و تركه الاخرون فحينئذ ينظر اما انهم صرحوا بخلافه و بطلان المصير اليه ام لم ‏يلتفتوا اليه و علي الثاني ينظر هل يجد له معارضاً اقوي من الكتاب و السنة فيتبع الاقوي و لايتعين عليه العمل بذلك لوجود المقتضي و هو الخبر المعتضد بعمل الاصحاب و عدم وجود المعارض و لقوله7 ان لنا اوعية من العلم اه و هذا من التصفية كما ان الدم يصفي و يطهر اذا انتقل الي بطن البق و علي الاول حصل التعارض فيطلب دليلاً اخر و يلتمس حجة اخري فان تكرر في الكتب و لم‏يعمل به احد من الاصحاب و لم‏يعملوا بخلافه ايضاً بل سكتوا عنه و عما يقتضيه و هذا له صورتان الاولي ان ‏يعمل به واحد منهم و سكت الباقي مع علمهم به و اطلاعهم عليه و الثانية ان لايعمل و لا واحد بل سكتوا عنه

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 19 *»

فعلي الاول يتعين العمل عليه لانه اجماع سكوتي و الامام7 احد الساكتين اذ لاتبقي بعد الغيبة و ايقاع الخلاف و لايتوقف لسعة علمه الشريف اذ ليس مأخوذاً من الادلة حتي يتوقف عند تصادمها و لايجهل لكونه حجة الله علي كل الاكوار و الادوار و الاطوار مع اختلاف مقاماتهم و لايغفل لعدم التفاته الي نفسه و عدم وجدان انيته حتي يشتغل بها و يغفل عما امره الله و لايتكل علي غيره لاظهار الحق لانه اولي بذلك و ليس شخصه الشريف متعيناً حتي يقتضي امراً اخر و لايخل بواجب لانه اولوا الامر و هو لايعرف الاّ بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر (عن المنكر كما قال عليه‌السلام اعرفوا الله بالله و الرسول بالرسالة و اولي الامر بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر خ‌ل) فاذا علم بباطل و لم ‏ينهه بنصب قرينة من القراين كان لاينهي عن المنكر و مغرياً بالباطل العياذ بالله و لايقول بالتصويب لانه قد خطأ المخطي و حكم بان الحق ليس الاّ واحداً (واحد خ‌ل) فليس الاّ لانه7 قد اقره علي ذلك فان قلت قد يكون ذلك حكماً للقايل به فلايعم غيره قلت ان المعروف من المذهب و الشريعة ان ‏يكون حكمها واحداً كما قال7 حكمي علي الواحد حكمي علي الجماعة فاذا خرج بعض الافراد عن هذه الكلية يجب التنصيص عليه بالخصوص و اذ ليس فليس و علي الثانية لايبعد ايضاً القول بالمصير اليه لان الفرقة المحقة لم‏يعملوا (يعلموا خ‌ل) بخلافه حتي يستدل بقوله9لايزال طائفة من امتي اه فانهم ماكانوا علي الباطل قطعاً و احتمال انهم (بانهم خ‌ل) اطلعوا علي الخبر و لم‏يعملوا عليه لضعفه و بطلان القول به حتي جعلوه في معرض النسيان معارض باحتمال انه يجوز ان‏يطلعوا عليه و لم‏يتوجهوا و لم‏يلتفتوا اليه لعدم احتياجهم اليه او لكونه من الوقايع النادرة و الفقيه همه تنقيح المسائل الكلية لا الجزئيات و يؤيد ذلك انهم قدجرت عادتهم بقدح المخالف و الطعن فيه لغرض من الاغراض سيما اذا كان حديثاً مذكوراً في الكتب فاذا لم ‏نجد له راداً من العلماء بوجه من الوجوه و لا عاملاً بخلافه و نظرنا الي الكتاب

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 20 *»

و السنة فلم ‏نجد فيهما معارضاً و لا منافياً (معارض و لامنافي خ‌ل) و لا قرينة تدل علي ذلك و الامام7 بين اظهرنا و مطلع علينا و عالم بما فعلنا و ماكلفنا و سكت عنا فعلمنا ان السكوت ليس الاّ التقرير و الاّ لكان مهملاً لرعيته او مغرياً بالباطل و هو لايجوز عليه7 مع ورود ان لنا اوعية اه و ان لم‏يتكرر في الكتب المدونة للفقه و كان مذكوراً في كتب الاعتقادات و الاخبار المروية فيها و لم ‏يطلع عليه الفقهاء لقصر نظرهم في الكتب الاربعة و لم ‏يكن له معارض و مناف بوجه اقوي او مساو له فالظاهر الحجية لما تقدم اذ لايخفي علي المستنبط جهة المعارضة.

الثالث الاجماع و هو الاتفاق الكاشف عن قول المعصوم7 او تقريره و هو حجة بجميع اقسامه اما الاجماع الضروري و اجماع الفرقة المحقة و هو حجة بالاتفاق و مخالف الاول كافر و مخالف الثاني غير مؤمن مخلد في النار و الاجماع المركب حجة ايضاً و لا خلاف في حجيته و بطلان احداث قول ثالث علي (علي فرض خ‌ل) تحقق العلم بدخول قول المعصوم7 في احدهما و الاجماع المنقول بخبر الواحد بحكم الخبر الصحيح بل اقوي منه من حيث الدلالة و الشبهات الواردة في هذا المقام ليس بشي‏ء و السر في ذلك علي الاجمال هو ان الله سبحانه ابي ان‏ يجري الاشياء الاّ علي اسبابها و اقتضاءاتها و الشريعة يجب ان ‏تكون علي وفق تلك الاقتضاءات علي نهج محبة الله سبحانه لتجري علي المكلفين آثارها من الترقي الي الذروة الاعلي و المقصد الاسني و تلك المحبة لاتتم الاّ بامور ثلثة الاول وجود المتعلق اذ حال ارتفاعه يقبح التعلق و هو ظاهر و الثاني وجود المبلغ لذلك المتعلق لجهل الخلق بمصالحهم و مضارهم و هو لازم للاول غير منفك عنه كالروح للجسد و الثالث انقياد المكلفين للمبلغ باجمعهم فاذا تحققت الشروط الثلثة رجعت الاشياء علي مباديها و اصولها و صفائها و مقاماتها العالية لانه حينئذ سؤال و طلب علي مقتضي محبة الله سبحانه و ليس لمحبته سبحانه غاية و لا نهاية قال تعالي في الحديث القدسي كلما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 21 *»

 نهاية فاذا اختل احد من هذه الامور الثلثة يختل الامر علي حسب اختلال ذلك الشرط فاذا اختل الاولان عدمت الاشياء و فنيت و اذا اختل الثالث تخفي (يخفي خ‌ل) مقتضيات تلك الشريعة لحصول المانع ان الله لايغير مابقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و المانع ليس من تتمة المقتضي الاّ انه يحجب ظهور الاقتضاء فهي مخفية لاتظهر الاّ بزوال المانع لا انها ليست موجودة و لما كان عدم الانقياد (انقياد خ‌ل) المانع لظهور مقتضي الشريعة ليس كلياً ليكون المنع و الحجب كلياً كما في الكفار بل حصل بعض الانقياد و لما حصل الامتزاج و الاختلاط بين المنقادين و غيرهم من المنكرين المعاندين لم‏يكن الحجب كلياً و لا الاظهار كذلك (الاظهار كليا خ‌ل) فصار بعض الاحيان و الاحوال يظهر الحكم الاصلي و في بعضها ما اقتضت المصلحة من جهة المانع علي اقتضائه من اظهار الحكم الظاهري فاختلفت الاحكام و تغيرت مسائل الحلال و الحرام و تعطلت الحدود كشف الله هذه الغمة عن هذه الامة بمحمد و آله الطاهرين.

فاذا علمت الاختلاف الكلي في الشريعة كماقال7 و هو اسلم لنا و لكم و لو اتفقتم لاخذ برقابكم فافراد المسائل و الاحكام علي انحاء منها مايقتضي اتفاق المنقادين علي العمل به و منها ما لايقتضي كذلك و الاول اما ان‏يكون كلياً او له مدة ينقطع عند تمامها و الثاني لايخلو اما ان ‏يقتضي الاختلاف ام لا و المجموع لايخلو اما ان ‏يكون حكماً واقعياً اولياً او ثانوياً ظاهرياً فيجري الامام7 حافظ الشريعة علي رعاياه هذه الاحكام علي حسب الاقتضاءات كما قال مولينا الصادق7 و الله انا لاندخلكم الاّ فيما يصلحكم و قال ايضاً7 لعبيد بن زرارة راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه هو اعلم بمصالح غنمه فان (ان خ‌ل) شاء فرق بينها لتسلم و ان شاء جمع بينها لتسلم فان اراد الاتفاق جعل قوله الشريف مع المتفق عليه و ينصب لك قرينة تدلك علي ان هذا الاتفاق يكشف عن قوله او عن تقريره او ينفرد لك (ذلك خ‌ل) قسماً من الاتفاق و يقول لك ان هذا ايضاً مما يدخل قولي فيه كما قال في الشهرة خذ بما اشتهر بين اصحابك و اترك الشاذ و النادر فان المجمع عليه لا ريب

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 22 *»

 فيه فعلمنا ان قوله في المشهور حيث لا معارض لها و الاّ لكان مغرياً بالباطل و هو محال منه صلي الله عليه و هذا الاتفاق الكاشف عن قوله7 هو الاجماع و قد يكون اتفاقاً كلياً يشمل كل المنقادين و المتدينين و هو الاجماع الضروري من الدين و قد يكون اتفاقياً في المذهب للفرقة (الفرقة خ‌ل) المحقة و هو ضروري المذهب و هذان من الاحكام الواقعية النفس الامرية و لا خلاف في كشفهما عن قول المعصوم7 و منكرهما كافر في الاول غير مؤمن بل هو مخلد في النار علي الاصح علي الثاني و الاّ فكثير منهم اطلق القول في ذلك بالكفر و في هذين لايعذر الجاهل و لايقبل قول لم‏يثبت عندي فان الضروري لايحتاج الي ذلك بل علاجه السيف و قد يكون اتفاقاً كلياً لكن بين القولين اذا كان المذهب مستقراً علي القولين و لايحتمل القول الثالث فان هذا هو الاجماع المركب لايجوز العدول عن القولين لانه رد علي الامام7 اذ قوله الشريف منحصر فيهما لا غير و هذا اذا علم استقرار المذهب عليهما بدلالة القراين و التتبع الكامل و الاستقراء الوافي و ان لم ‏يعلم بذلك بل احتمل قولاً ثالثاً و ما قطع جزماً ان قوله7 منحصر في القولين اذا حصل له دليل قطعي يرجح القولين يقول به غير مدع للاجماع و ان حصل له دليل قاطع علي قول ثالث يصح له القول به و لا محذور لانه حينئذ ليس رداً (رادا خ‌ل) لقول المعصوم7 بل هو طالب له و عامل به كماوقع لكثير من العلماء و الاكابر مثل السيد المرتضي ره و امثاله و الشهيد الثاني و لايناسب المقام ذكر ما قالوا فاذا فتشت وجدت و هذه المخالفة ليست لمخالفتهم الاجماع و حاشاهم عن ذلك بل لما قلنا فان مجرد الاتفاق ليس اجماعاً بل الذي يكشف فاذا لم ‏يكشف و حصل له دليل اقوي فيتركه فقدرجح المرجوح و فضل المفضول و هو لايجوز عند اهل العقول و قد يتعاكس هذا الاجماع بالنسبة الي عصرين او مكانين بعيدين فافهم و قديكون اتفاقاً مشهورياً و يكون له نادر مخالف فهذا اذا فتشنا في دليل المسألة و لم ‏نجد لها مايدل علي ترجيح القول النادر و لا صارف عن المشهور فان قول

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 23 *»

الامام7 حينئذ مع المشهور و هو يحب الاتفاق لقوله7خذ ما اشتهر بين اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه و سماه اجماعاً و الاصل في الاستعمال الحقيقة انما شرطنا الفحص و عدم القرينة المخالفة لماورد رب (و رب خ‌ل) مشهور و لا اصل له و يتم الكلام بملاحظة ماتقدم في السنة من عدم اهمال الامام7 و اكمال الدين و هذا الاجماع لايكون في عصر او في مكان او امكنة متقاربة و لايبعد تحققه في مكانين متباعدين لم‏يطلع اهل احد المكانين علي الآخر و يتعاكسان في عصرين و هو يجوز ان‏يكون حكم الله الظاهري او الواقعي فقاصر النظر الي احدهما قاصر النظر اذ قد يشتهر في المتقدمين ما يشتهر في المتأخرين بخلافه و لايجوز ان ‏يكونا واقعيين و الاّ لما اختلفا فافهم و قديكون اتفاقاً سكوتياً و هو الذي يسمونه اجماعاً سكوتياً و هو اذا قال فقيه بحكم و سكت عنه الباقون و لم ‏يخالفه احد من العلماء اذا فتش علي قدر الطاقة و هو يدل ايضاً علي ان الامام7 ايضاً من الساكتين و ليس سكوته خوفاً او اثارة فتنة او تقية عن احد او اتكالاً علي غيره او توقفاً في دليل المسألة او غفلة و جهلاً بحقيقة الامر او اهمالاً للدين كما سبق فيسكت للتقرير و هو حجة كالقول . . . . . . .(الي هنا كان في النسختين)