09-03 جواهر الحکم المجلد التاسع ـ رسالة في الادلة الاصولية الاربعة ـ مقابله

رسالة فی الادلة الاصولیة

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 27 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

اما بعــد، فاعلم هداك الله انك اذا اردت ان‏تعرف شيئاً بالمعرفة التامة الحقيقية لاتنظر فيه الي الاقوال المختلفة و الآراء المتباينة فان تباين الاقوال دليل عدم ظهور حقيقة الحال. لايقال قديكون ذلك لتباين جهات الشي‏ء الواحد الراجعة الي الواحد في المآل لانا نقول نعم لكن بشرط عدم تكذيب هذا ذاك في الاستدلال و عدم تخطئته في المقال و ان كان يرجع الي النزاع اللفظي في اغلب الاحوال لكنهم لايشعرون بالحال لتوغلهم في القيل و القال و البحث و الجدال و الاصل في ذلك وقوفهم في مقام المجادلة بالتي هي احسن الذي هو مقام ظهور الكثرات و الاختلافات و وجود العوارض و المشخصات فلايمكن للواقف في هذا المقام ان‏يري الشي‏ء الواحد في المشخصات الكثيرة كما هو حال الواقف في مقام القلب الذي هو مقام المعاني المجردة عن الصور الشخصية الصالحة لها و المقيدة بها و اختلاف اقوال هؤلاء يؤدي الي الامر الواحد الغير المختلف لانهم ينظرون الي جهات الشي‏ء و يحكمون عليه بها ثم الي الجهة الاخري المباينة و المضادة فيحكمون عليه بها و في (ففي خ‌ل) الحقيقة ليس الاّ الواحد فيري الجاهل بالامر و يظن الاختلاف و التعارض الموجب للطرح عند الوقوف علي الامرين او الامور و من هنا اختلفت اقوال العترة الطاهرة عليهم سلام الله مادامت الدنيا و الاخرة و قالوا نحن اخلفنا بين الشيعة الواقفين في مقام المجادلة فانه اسلم لانهم مايعرفون الحقيقة لو (او خ‌ل) خوطبوا بها و لايقدرون علي الجهة الواحدة فينكرون الا (و الا خ‌ل) فاهل الحقيقة من اهل دليل الحكمة و الموعظة الحسنة لايرون الاختلاف ابداً و هو قول مولانا اميرالمؤمنين7العلم نقطة كثرها الجاهلون و قال تعالي في امر القرآن لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 28 *»

فانت اذا حاولت ادراك شي‏ء فان كان مما يتعلق بالامور العقلية فطريقها ماذكرنا مراراً عديدة و ان كان ممايتعلق بالامور النقلية فان كان في معرفة كلام الله و كلام المعصومين: فانظر فيه بعين بصيرتك معرضاً عن الالتفات الي القاعدة المأخوذة عن غيرهم: و عما تأنس به نفسك و عن العناد و التعصب و الجحود و تفهم بعقلك المستنير بنور الله و عما يقتضيه حكم الكون و الوجود بما عرفته من احاديث آل‏الرسول: بالعيان و الشهود فتري كلاماً واحداً غير مختلف اذ ما من كلام صدر عنهم: الاّ و فيه قرينة دالة علي المقصود من النفي و الاثبات ان قلت ان ذلك يلزم الدور قلت لايلزم ذلك لان الاخبار يفسر (يصير خ‌ل) بعضها بعضاً و يشرح بعضها الاخر الاّ ان ادراك ذلك يحتاج الي لطف قريحة و حسن سريرة يعرف معاريض الكلام و يعرف لحن القول كما قالوا: انا لانعد الرجل من شيعتنا فقيهاً حتي يلحن له و هو يعرف (له و يعرف خ‌ل) اللحن و قوله7 انتم افقه الناس ماعرفتم معني كلامنا و قوله7 ما معناه انا لانعد الرجل من شيعتنا فقيهاً حتي يكون محدثاً و المحدث المفهم هـ فاذا كنت (كان خ‌ل) بهذه المثابة فاسلك سبيل ربك ذللاً يخرج من بطن اشاراتك و عباراتك شراباً مختلف الوانه فيه شفاء للناس و هدي و رحمة لقوم يؤمنون و الاّ فاياك و السلوك في الطريق المظلم من غير مصباح آل الرسول صلي الله عليهم و الخوض في تلك اللجة الغامرة من غير سفينة تنجيك و سباحة (سياحة خ‌ل) تغنيك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات و ان علمتم فقولوا و الاّ فها.

فاذا عرفت ماذكرنا و وعيت ما القينا عليك فاعلم انا نذكر في هذا الكتاب المستطاب ابواب الفقه بعون الله الملك الوهاب و نستخرج الاحكام التكليفية الالهية الشرعية عن الادلة الالهية الشرعية علي مانطق به الكتاب و احاديث اهل فصل الخطاب و كل مايرجع اليهما من الاصول و القواعد و نعرض عن كل شي‏ء لايستند اليهما و لاينطبق عليهما و نعمل بظواهر الكتاب و السنة و ان لم‏يفد القطع الجازم المطابق للواقع الاولي و ان يفد القطع الثانوي المطابق

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 29 *»

لنفس الامر فان الله سبحانه يقول ان بعض الظن اثم فالبعض الآخر ليس باثم و الاّ لكان التقييد لغواً مع انه سبحانه في مقام الارشاد و هداية العباد علي جهة العموم و الاحتمال المرجوح لايعارضه فان جاز العمل بالبعض الآخر فهو المطلوب و الاّ لكان اثماً لايقال ان ذلك هو الدور المستحيل لانه اثبات ظن بظن آخر لانا نقول انه مقترن بالادلة القطعية من دليل الحكمة و الموعظة الحسنة و الاجماع من كل العقلاء من ارباب الملل و النحل اذ لم‏ير و لم‏يسمع من احد من امة محمد9 و من غيرهم انهم تركوا و اعرضوا عما جاء به الانبياء بعد زمانهم مع انه قد جرت بذلك عادة الانبياء و الرسل و الاوصياء و الخلفاء و الروات و المحدثين و العلماء و الفقهاء في تبليغ الاحكام و ايصال جزئيات الشرايع الي اطراف البلاد فضلاً عن القري و الباد (البواد خ‌ل) مضافاً الي ارسال المكاتبات و ابلاغ الصحف و الآيات بل يستحيل عادة نشر الشرايع كلياتها في الاوايل و جزئياتها في التوالي الاّ بذلك و لاينبغي ان‏يشك فيه عاقل و مارأينا الي الآن ان (ان احداً خ‌ل) حصل له الظن الراجح بالحق من كلام المعصوم7 و كلام الله تعالي و يكون خلافه مرجوحاً عنده و لاتسكن نفسه لديه و لم‏يكن لظنه معارض اقوي و لا مساو و مع‏ذلك يترك العمل بذلك الخبر او الآية و يعمل بخلافه و دعوي العلم العادي قول باللسان من غير تصديق في الجنان (بالجنان خ‌ل) و اقوالهم و عباراتهم و اعمالهم تكذبهم (يكذبهم خ‌ل) و قد حقق هذا في محله و المراد هنا الاشارة الي ذلك و المنكر للخبر الواحد ينكر الخبر الذي لايكون له قراين الصحة ابداً حتي ان الشيخ ادعي الاجماع علي العمل بالخبر الصحيح الذي يكون رواته ثقات عدول و هو كماتري فاذن تبطل كل ظن ماقام الدليل القاطع علي صحة العمل به و لايكون مستنداً الي الكتاب و السنة لان احكام الله توقيفية لا مدخل للعقول (للعقل خ‌ل) الضعيفة فيها و ماهذا شأنه تكون ادلتها ايضاً توقيفية فان الدليل ينتج منه المطلوب و هو تابع له فاذا استقل العقل في الدليل يستقل في المطلوب ايضاً للتلازم الحقيقي و استحالة الانفكاك فثبتت (فتثبت خ‌ل) توقيفية الادلة و القول بعدم الفرق بين ظن و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 30 *»

ظن (ظن ظن خ‌ل) غلط و ان قطعنا النظر عن الاجماع الذي لايرده الاّ المكابر فان ظنك و المنسوب (ظنك المنسوب خ‌ل) الي الشارع متصل به و مستند اليه و ان كان علي جهة الظن فهو اذن الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء فانت اذن محسن و ما علي المحسنين من سبيل اذا اخطأوا و الاّ فالمحسن حاله (حال خ‌ل) الاصابة له الحسني و زيادة قال الله تعالي للذين احسنوا الحسني و زيادة.

اما الظن الثاني (اما الثاني خ‌ل) الغير المستند منقطع منسوب الي نفسك فهو اذن الشجرة الخبيثة المجتثة التي مالها من قرار و منع عموم الاجماع و اختصاصه بالكتاب و الاخبار المتواترة غلط ايضاً كحصر حجية الاخبار بما في الكتب الاربعة لما ذكرنا انفاً فان المتواتر ليس الاّ القليل الذي لايفي بعشر من احكام الدين بل لاتثبت به مسألة واحدة بجميع جهاتها كما لايخفي علي المتتبع المتصفح (المتفحص خ‌ل) فليس المعمول (المعول خ‌ل) الاّ علي غيره من الآحاد بالضرورة و دعوي تواتر ما في الكتب الاربعة ضرورية البطلان و كذا حصر الحجية بما فيها اذ كثيراًما يستدلون بما ليس فيها و لانريهم (لاتريهم خ‌ل) يتوقفون في العمل بمايحصل به الظن و لم‏يكن في الكتب الاربعة مايعارضه او اقوي منه و هذا ظاهر معلوم ان شاء الله تعالي.

و اما الاجماع الضروري بقسميه فلا اشكال في حجيته و كذا الاجماع المركب ان علم حصر قول المعصوم7 في احدهما و لم‏يكن هناك ترجيح في التعيين و الاّ فان كان الترجيح ظنياً فيرجع اليه غير مدع للاجماع و ان كان قطعياً فليس بمركب بل هو بسيط محصل و ان لم‏يحصل له القطع بالحصر و حصل له دليل اقوي يصير اليه و ان كان قولاً ثالثاً كماوقع في كثير من كلمات الفقهاء رضوان الله عليهم.

و اما الاجماع المحصل الخاص و (او خ‌ل) العام فلاشك في حجيته لقطعه بدخول قول المعصوم7 و ان خالفه مخالف و ان كان يدعي الاجماع فان راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه اعلم بمصالح غنمه فان شاء فرق بينها لتسلم

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 31 *»

 و ان شاء جمع بينها لتسلم و تفصيل القول في ذلك في رسالة الاستاد ادام الله ظلاله علي رؤوس العباد.

و اما الاجماع المنقول بالخبر المتواتر فلاشك في حجيته.

و اما المنقول بالخبر الواحد فان لم‏يعارضه ماهو اقوي منه فهو حجة ايضاً (ايضا و خ‌ل) لكونه بمنزلة الخبر الصحيح ان كان الناقل ثقة عدلاً و الفرق بينه و بين الخبر تحكم و مكابرة الاّ ان المستوضح ينبغي له التأمل التام في تحقيق هذا الاجماع.

و اما الاجماع السكوتي فهو حجة ايضاً و هو ان‏يفتي الفقيه بحكم و سكت عنه الباقون و لم‏يتكلموا فيه بنفي و لا باثبات (اثبات خ‌ل) بوجه من الوجوه فيمايعلم و يستفرغ وسعه في الطلب و لم‏يعثر علي القايل به او النافي له لانه ان سكت عنه الفقهاء فهل سكت عنه الامام7 الذي بين ظهرانيكم ام لا فان لم‏يسكت عنه و هو يريد خلافه يجب نصب القرينة علي الخلاف و الاّ فاما ان‏يريده او يكون مغرياً بالباطل او ان الدين لم‏يكمل و الاول هو المطلوب و الثاني خلاف مابعث الامام7 لاجله و الثالث خلاف قوله تعالي اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي فان سكت عنه الامام7 ايضاً فما الوجه  في ذلك اذ السكوت عن شي‏ء لايخلو اما ان‏يكون للجهل به او للغفلة عنه او للخوف و التقية عن المخالف او للاتكال علي الغير للبيان و هو لم‏يبين و كل ذلك لايصح علي الامام لانه عالم لايجهل و ذاكر لاينسي و متوجه لايغفل و القول باصالة الجهل في الامام7 دليل اصالة الجهل و عدم رفعه و جريان حكم الاستصحاب في القايل و اما الخوف و التقية فلا معني له بعد الغيبة و ايقاع الاختلاف كماحقق في محله و اما الاتكال علي الغير فلايصح ايضاً لانه حجة الله علي الخلق فلايتكل في اجراء الاحكام الالهية علي الغير و كذا القول في ساير الاحتمالات البعيدة.

و الحاصل ان القطع حاصل بان الامام يقدر ان‏يوقف المستوضح المستنبط علي رشده و صوابه و تكليفه و تكليف تابعيه و المانع من قبله7 مرتفع و اما من جهة القصور فهو

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 32 *»

7اجلّ من ذلك و اما من قبل المكلفين فبعد ايقاع الاختلاف و اجراء الحكمين الواقعي ان امكن و الظاهري ان لم‏يمكن حسب حال المكلفين انقطع الكلام فلا فله7 لكل ولي اذن سامعة و هو الناظر و الشاهد علي الخلق و المطلع علي الضماير و بما في السراير و مقتضيات الاحوال و موجبات الاعمال (الاحوال خ‌ل) فالكل بين يديه يتصرف فيه (بينه خ‌ل) كما امر الله تعالي فالمقر المجتهد المستوضح يعطيه حقه من حكم الاجابة و الاقرار و الايصال الي ماهو الصواب الاولي او الثانوي و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و المنكر المنافق المعرض يعطيه حقه من حكم الانكار و الاعراض بالايصال الي اسفل درك من الجحيم كل ميسر لماخلق له و كلاً نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظوراً لانه7 وجه الله في الخلق و ظاهره و عينه و اذنه و لسانه و باب فيضه فلايغفل عن رعاياه و غنمه و قددلت عليه الروايات الكثيرة المقبولة و قد ذكرناها في محله (محلها ظ) فاذا سكت الامام7 بعدم نصب قرينة صارفة من رواية او دليل عقل قاطع او اجماع او احتمال مساو و امثال ذلك فقد اقر المستوضح علي ذلك قطعاً و القول بان العمومات الناهية عن القول لغير (بغير خ‌ل) العلم يدفع هذا القول مدفوع بان تلك العمومات لو بقيت علي عمومها لامكن (لايمكن خ‌ل) القول به لكنا نقطع بانها تخصص فانقلب العلم ظناً فاذن لايجوز التمسك بها الاّ بالقطع و هو لايحصل الاّ بعد الفحص الشديد عن المخصص و هو قديكون قولاً او فعلاً و قديكون تقريراً و انكار التقرير في هذه الازمنة غير ماثبت بالنقل جهل بمقام الامامة و نسبته7 الي الرعية و تفصيل القول يطلب في ساير رسائلنا.

و اما الشهرة فهي علي ثلثة اوجه وجه هي اجماع و حجة و الاخر مرجحة و الاخر لا اصل له اما الاول فهو ما اذا اشتهر الحكم بين العلماء و الفقهاء (العلماء الفقهاء خ‌ل) البالغين رتبة الاجتهاد و لم‏تكن قرينة تنافيها و تصرف عنها من كتاب او سنة او اجماع او دليل عقل قاطع او امثال ذلك فانها حينئذ حجة علي المستوضح لايعبأ بالمخالف الشاذ

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 33 *»

النادر فان الامام7 لما قال خذ مااشتهر بين اصحابك و اترك الشاذ النادر فان المجمع عليه لا ريب فيه و يصدق علي هذا الحكم انه المشتهر بين الاصحاب فاذا لم‏يرد المشهور من المستنبط و لم‏ينصب قرينة تصرف عنه كان مغرياً بالباطل او لم‏يكمل الدين و كلاهما محالان علي الله سبحانه فيجب ان‏يكون المراد هو المشهور و قوله7 معهم ان قلت ان قولك لايتم الاّ بعد تمام عموم الاخذ بالمشهور المستفاد من الحديث و هو ممنوع لان السائل انما سأل عن خصوص الرواية فيحمل علي ما اذا اشتهرت الرواية قلت الاصل في الكلام ان‏يجري علي الحقيقة الاّ اذا امتنع ذلك من القراين الحالية و المقالية و تكون القرينة قوية صالحة للتعارض و المنع و الصرف فان المانع خلاف الاصل و الاصل جريان الحكم علي المقتضي فاذا قوي حكم المانع يخفي اثر المقتضي و اما هذا المقام فالظاهر ان القرينة لاتصلح للصرف لاتيانه7 بما المفيدة للعموم سيما بعد تسميته (تسمية خ‌ل) هذا المشهور اجماعاً و تعليله بذلك لضرورة ان الاجماع المتداول في كلمات اهل البيت: لايعتبر (لايعبر خ‌ل) فيه خصوص الرواية فاذا قالوا اجمعت الامة علي كذا و هو حجة حق لايريدون به اتفاقهم في الرواية قطعاً كما يظهر للمتتبع المتصفح في الاخبار و حينئذ قرينة المقام لو سلم ان السؤال عن خصوص الرواية مع انه في معرض المنع معارض بان السائل قد يسأل عن امر خاص يجيبونه بمايشمل المسؤول و غيره من الافراد بذكر امر كلي و به جرت عادتهم: لعلمهم بمايحتاجون اليه و ما اضطروا اليه من عدم التمكن عن السؤال عنهم: دائماً فان قلت ان الاصل في الجواب مطابقته للسؤال قلت نعم اذا كملت (اكملت خ‌ل) شرايط السؤال و السائل و لم‏يكن المجيب اعلي و اعلم و لم‏يكن السائل جاهلاً عما (بما خ‌ل) يقتضي مقامه و رتبته في سؤاله و اما اذا لم‏يكن كماوصفنا كحال الرعية بالنسبة الي الامام7 سيما بالنسبة الي مقام عدم التمكن لاظهار الحق في كل وقت و اوان و شدة التقية و لذا قالوا: عليكم ان‏تسألوا و ليس علينا ان‏نجيب و قولهم

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 34 *»

انا لاندخلكم الاّ فيمايصلحكم فاذن فالعبرة بعموم المورد و خصوصه و مقتضي ماقالوا: فاذن ثبت ما قلنا و ادعينا من العموم.

مع انا نقول ان مجرد شهرة الرواية لاتكون مرجحة قطعاً بل قدتكون مضعفة اذا لم‏تكن مقرونة بعمل الاصحاب فيجب طرحها او تأويلها اذ عمل الراوي بخلاف روايته دليل ضعفها فاذا كانت الشهرة منتسبة الي طائفة من الفقهاء الذين عرفوا احكام الله و كانوا بذلك الواسطة بين الائمة: و بين شيعتهم و حجة الله علي الخلق من قبلهم و النافين تحريف الغالين و انتحال المبطلين الذين شأنهم الاعراض عن الرأي و القياس و الاستحسان و ما لم‏يستند الي الكتاب و السنة نحكم (يحكم خ‌ل) بان مقامهم اعلي من ان‏يفتوا من غير دليل و مستند شرعي الهي سيما اذا اتفق اكثرهم بذلك بحيث كان المخالف الشاذ النادر مع ان شأنهم و ديدنهم عدم التقليد و عدم تبعية احدهم الاخر و لذا كثر فيهم الاختلاف و انقطع بينهم الايتلاف و اكثر مايطعنون بعضهم علي بعض مخالفة السنة و (او خ‌ل) الكتاب او الاعتماد علي خبر ضعيف او غيرها و مع‏ذلك كله اذا اتفقوا (كله اتفقوا خ‌ل) في حكم و لم‏يظهر للمستوضح خلافه فلاشك و لا ريب ان ماقالوا مستند الي دليل شرعي و ان خفي علينا ذلك و في الحقيقة ترجع الشهرة الي الشهرة في الرواية و القول بان كلهم اخطأوا خروج عن الانصاف مع ان كلهم مستأهلون لذلك و ناظرون الي الدليل فكيف يخفي علي المستوضح الحجة و يضيق عليه المنهج فان خفي علي احد لم‏يخف علي الاغلب الاكثر مع ان الامام7 بين ظهرانيهم نعم لايبعد ان‏يخطأوا حكم الله الواقعي الالهي و هو ليس بمناط اذ قدتقتضي المصلحة مراعاة الحكم الظاهري حفظاً لرقاب الشيعة و ليس تكليفنا الآن ذلك الحكم الواحد الواقعي الغير المتعدد و هذا المقام و ان كان يقتضي البسط في الكلام الاّ ان هذه المقدمة المختصرة لاتقتضي ازيد من هذا فاذن الشهرة اذا لم‏يكن لها معارض بوجه من الوجوه هي اجماع و قدسماه (سماها خ‌ل) الامام7 بذلك و الاصل فيه الحقيقة و لاشك في حجيتها لا لمجرد (بمجرد خ‌ل) الشهرة بل لاهمال الامام

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 35 *»

7 و تصريح الامر بالاخذ به و تعليله بانها المجمع عليه و هذا لا اشكال فيه ان شاء الله.

اما الوجه الثاني فيما اذا كانت رواية قدعمل بها اكثر الاصحاب و منعها الآخرون متمسكين بروايات اخر و ادلة اخري فاذا لم‏يظهر للمستنبط مايقوي الآخرين من الادلة و قراين الصحة من جهات اخر تكون حينئذ الشهرة مرجحة لتلك الرواية و هذا انما يكون بنظر الفقيه عند ملاحظة الدليل.

و اما الوجه الثالث فهو الشهرة التي لا اصل لها اذا قام الدليل علي خلافها و تظهر للفقيه قرينة من الحكم الالهي تنافيها فاذن لابد له من متابعة الدليل و سلوك السبيل و ذلك لاقتضاء وصف المكلفين ذلك اذ الشهرة قدتنعكس في عصرين او في مكانين متباعدين لجواز ان‏يكون ذلك الزمان يقتضي العمل بالحكم الواقعي الخارجي و الزمان الآخر يقتضي العكس و العمل بالحكم الظاهري و يكون في الفرقة المحقة من يعمل بذلك الحكم الاول و يكون مستتراً متروكاً كامامه7 لئلايخرج الحق عن الفرقة المحقة لقوله9 لاتزال طائفة من امتي علي الحق حتي تقوم الساعة.

فاذن لايجب العمل بالمشهور اذا (و اذا خ‌ل) دل الدليل علي خلاف ماذهب اليه المشهور فالقول بان مخالفة الاصحاب مشكل و القول من غير دليل اشكل صحيح في الفقرة الثانية و اما الاولي فاذا لم‏يظهر لك دليل ينافيها و قرينة تصرف عنها لاتجوز (لايجوز خ‌ل) لك المخالفة فانك حينئذ تخالف الاجماع و ترد قول المعصوم7 و ماذا بعد الحق الاّ الضلال فاذن ليس هذا قول من غير دليل بل هذا (هذا هو خ‌ل) ادل دليل علي المطلوب و اذا ظهر لك دليل ينافيها منسوب الي كتاب الله و سنة رسوله و الائمة: وجب لك ان‏تخالفه (تخالف خ‌ل) و لا اشكال فيها و لايلزم من ذلك بطلانهم لتعدد وصف المكلفين و تعدد الحكم الظاهري و نشأ ذلك من اقتضاء الصورة الشيطانية الممتزجة مع الصورة الانسانية فافهم ذلك ان شاء الله تعالي.

و اما العقل فانه علي قسمين احدهما ضروري و هو ان‏تحكم العقول الكثيرة السليمة من غير سبقها

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 36 *»

بشبهة (لشبهة خ‌ل) و تقليد و تعصب و عناد بفطرتها من غير نظر الي شي‏ء (شيء او خ‌ل) غيرها من العادات و الاوضاع و الاضافات و الاقترانات و الامور الخارجية فاذا اتفقت بذلك فلاشك في حقيقته (حقيته خ‌ل) و هو الذي قال7 او قياس تعرف العقول عدله و حكم ذلك مثل الابصار فاذا اتفق جماعة كثيرة صحيحوا البصر علي لون فالمخالف مكابر يجب تكذيبه و الظاهر مثال الباطن و آيته قال مولينا الرضا7 قدعلم اولوا الالباب ان (الاستدلال علي خ‌ل) ماهنالك لايعلم الاّ بماهيهنا و يعرف ذلك مما اذا عرضت عليهم المقدمات من غير نظر و التفات الي النتيجة تقبلها او تنكرها فان كثيراً من الناس ينكرون المقدمات و ان علموا انها حقة لمايلزم عليهم من اثبات النتيجة و في الضروريات لايسع الاختلاف الاّ لمكابرة و جحود و لذا نحكم بتعذيب الكفار و تخليدهم في النار و قتلهم و حرقهم و سبي اموالهم و ذراريهم بالشرايط المقررة لانهم انكروا مالايسع العقول انكاره و شرح ماذكرنا و ذكر الامثلة يطول به الكلام و الحاصل ان ماحكم به العقل الضروري يجب الاعتقاد و العمل بمضمونه كمادل عليه النقل.

و اما الثاني فهو العقل النظري و هذا الذي يسع فيه الاختلاف و الاضطراب و السرّ في ذلك مابرهن في الحكمة الالهية ان الانسان له جهتان جهة يمين و شمال فالجهة اليمني مستقر العقل و مهبط الملائكة و الانوار و الجهة اليسري مستقر النفس الامارة بالسوء و لا شك ان الحق و الباطل متماثلان اي متشابهان من جهة الصورة كالماء و البول الصافي و ظلك و غيرها و الانسان اذا كان معصوماً او يكون اغلب نظره الي الجهة اليمني يأخذ عن النور و يستند اليه و يكون النظر الي الجهة الثانية مضمحلاً نادراً فالاول يعتمد علي قوله قطعاً لان قوله ناش عن صرف عقله الناظر بنور ربه و الثاني ايضاً يعتمد اليه (يعتقد عليه خ‌ل) و ان لم‏يكن كالاول في الوثوق و الاعتماد و اما الذي اغلب نظره الي الجهة اليسري او لم‏يستقر نظره الي الجهة اليسري فمايدريه الذي اتاه من الوارد من الجهة اليمني او الجهة اليسري و لايعتبر (لايعسر خ‌ل) قطعك بالامر

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 37 *»

فان مخالفك ايضاً يقطع كماتقطع و دعوي التخلية متشاركة و فوق كل ذي علم عليم مسلمة فمن (عليم فمن خ‌ل) اين تقطع بحقية (بحقيقة خ‌ل) ماتقول و بطلان مايقول مخالفك الاّ اذا كان قولك المتحصل من عقلك راجعاً الي قبول (قول خ‌ل) العامة او الاجماع او الكتاب و السنة المحكمة فاذن يقال انك نظرت الي الجهة اليمني دون اليسري و يكون هذا التطبيق كاشفاً عما في الواقع فصح ان العقل الذي يسع فيه الاختلاف لايجوز الاعتماد اليه و الاستناد اليه بل يجب ان‏يتطابق مع النقل المعلوم الحجية و اذ (ان خ‌ل) ليس فليس.

فعلي ما ذكرنا اندفع الدور المورود في هذا المقام فان العقل الضروري لايحتاج الي مستند للبداهة و عدم توقفها علي النظر فيه (فبه ظ) يثبت النقل و بالنقل يثبت الخصوصات (الخصوصيات خ‌ل) من النظريات و بالاثنين يقطع بالشي‏ء و من هذه الجهة بطل القياس و الرأي و الاستحسان لعدم استنادها الي الشرع فما اعظم جرأة من معتمد (جرأته من يعتمد خ‌ل) علي عقله الناقص و ادراكه القاصر و يحكم ان كل ظن حجة و ان لم‏يستند الي الشارع7 مع الاختلافات الكثيرة لان ماسوي العلم ليس بمحل القرار و الاستقرار و لما كان الظن اقوي المراتب اليه فاذا حصل له معين و مقو خارجي يلحقه بالعلم و اذ ليس فليس و ذلك المعين يجب ان‏يكون قطعي الحجية لا استحسان (لاستحسان خ‌ل) اخر و ظن مثله و قدعلمت ان الدليل العقلي اذا جاز فيه الاختلاف و صح له لم‏يعتمد عليه الاّ بدليل شرعي فهل الذي يزعمون مرجحية (من حجية خ‌ل) مطلق الظن ان كان مستنداً الي دليل الهي و قول معصومي و حكم شرعي نبوي فليست عاملاً بالظن مطلقاً. فلم‏تنطبق (فلم‌تطبق خ‌ل) دعواك مدعاك و ان لم‏يكن مستنداً اليه فبمعزل عن القبول و يطرح في زاوية الخمول لوفرضنا بان الدليل تام في جميع مقدماته مع انه غير مسلم فان قصاري ماقيل ان الخلق مكلفون بالاجماع (باجماع خ‌ل) و ليس ماعندهم من الادلة تكفي بالاحكام الشرعية علي جهة القطع فحيث ثبت تكليفنا و التكليف بمالايطاق محال وجب ان‏نعمل بالذي يحصل من الظنون فيكون الظن من حيث هو عند انسداد باب العلم معمولاً به و هو المطلوب و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 38 *»

الجواب ان القول بان الخلق مكلفون فالمراد (ما المراد خ‌ل) منه هل هذه التكاليف توقيفية ام لا, فان اختير الثاني تم التقريب لكنه رفع الدين و هدم مااتي به سيد المرسلين عليه و آله صلوة المصلين ابد الآبدين و الاول هل هي موقوفة بتوقيف الله تعالي ام لا و الثاني باطل بالضرورة و علي الاول هل طريق العلم بها و الدليل عليها موكول الي الخلق ام لا بل يكون الدليل و الطريق ايضاً توقيفيان و الاول يورث عدم التوقيف لمامر من ان النتيجة لازمة للدليل فلاتنفك عنه بوجه من الوجوه فاذن اين التوقيفية و علي الثاني فلا معني لاختيار طريق لم‏يكن راجعاً الي الموقف و في الحقيقة في هذا القول مع القول بان الاحكام توقيفية لا سبيل للعقل القاصر اليها تدافع ظاهر و تناقض باهر فاذا كان كذلك فيقبح علي الحكيم التكليف بما لم‏يجعل له طريقاً اليه و لو فرضنا الاحتياج الي الظن في تحصيل الاحكام الالهية لاريب انا لانحتاج الي كل ظن بل تكفي (يكفي خ‌ل) الظنون الحاصلة المنسوبة الي العترة الطاهرة الذي (التي خ‌ل) انعقد الاجماع علي اعتبارها و لانحتاج الي غيرها من الظنون المجتثة الباطلة لان الظن لايغني من الحق شيئاً فاذا كان العمل بالظن من باب الضرورة و خلاف الاصل فالضرورات انما تتقدر بقدرها فتكتفي (نكتفي خ‌ل) بمايحصل (نحصل خ‌ل) لنا التكليف.

ان قلت ان تلك الظنون المخصوصة لايفي بجملة ماكلفنا به قلت ان القائل بعموم المظنة شرذمة قليلون و الاّ فالعلماء جلهم بل مجمعون علي عدم اعتبار الظن المطلق و انما عملهم مقتصر علي الظنون المخصوصة فلم‏يتعطلوا في تكليفاتهم و لم‏يضطروا و لم‏يخرجوا عن دينهم و هم في كمال الاطمينان في ديانتهم و معرفتهم فكيف يحصل (لايحصل خ‌ل) التكليف اللابد منه و هم قدحصلوا و افتوا مقلديهم الاّ ان‏تقول انهم ماحصلوا و انما قالوا من غير دليل فتحكم بفسقهم فاذن ليس لك عندنا جواب.

ان قلت ان هذا وارد عليكم حيث تردون علي الاخباريين القائلين بحرمة العمل بالظن و وجوب تحصيل العلم و القطع الواقعي و تقولون بانا (بان خ‌ل) لو اقتصرنا علي الادلة القطعية لزم الخروج عن الدين مع ان اولئك دونوا كل

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 39 *»

ابواب الفقه و لم‏يخرجوا عن الدين حسب دعواهم قلت ان هذا القول منهم قول باللسان دون تصديق القلب فانهم في اغلب استدلالاتهم في الاحكام يلجأون الي الاخبار الآحاد و يضطربون في دلالتها و يختلفون فيها و لايمكنهم الاّ الاخذ بالراجح و ترك المرجوح و قدسموا هذا الظن علماً كماصرح به صاحب الحدائق و ان لم‏نقل ان النزاع لفظي و المراد بالقطع ان كان هو العقلي فلايجوز معه الاحتمال اصلاً و هذا مستحيل في النقليات من حيث هي سيما في امور لا سبيل للعقل اليها و لابد في معرفتها من الالفاظ و فهم المعاني منها و كم في الالفاظ من الاضطرابات و ان كان القطع عادياً كالمتواترات فلايحصل ايضاً اذ ليست الاخبار كلها متواترة و كيف يسلمون عن الاخبار المتعارضة و الموضوعة و الواردة مورد التقية و التي نقل بالمعني و التي حذفوا بعضها و ذكروا البعض الاخر و امثال ذلك من الاختلال و شيوع استعمال المجاز و الاشتراك و التخصيص و الاضمار و الحذف و غيرها من الاحوال اللفظية و قدشرحنا هذا المقال في اجوبة بعض المسائل فلانعيد.

و بالجملة لايحصل لهم الاّ الظن و به تطمئن نفوسهم و يقولون ان العلم هو ماتطمئن (يطمئن خ‌ل) به النفس و قدحكموا بقطعية صدور الاخبار في الكتب الاربعة و اعتمدوا بشهادتهم في صحة رواياتهم مع ان احدهم يكذب الآخر في رواياته و مرادهم من التصحيح ليس الاّ ماصح عندهم بحسب جهدهم و اجتهادهم من القراين و الامور الخارجية و هذا ليس مانريد من صحة الخبر (الاخبار خ‌ل) فاذا اردت ذلك انظر (الي خ‌ل) كتبهم لتري كيف يرد الصدوق الكليني و الشيخ الصدوق و بالجملة ليس هذا مقام استقصاء هذا الكلام.

ان قلت ان هذا قول من يزعم ان الحجة هو الظن المطلق و يدعي ان المنكرين يعملون به من حيث لايشعرون كماقلتم في الاخباريين لان اغلب استدلالاتهم بالشهرة و الاجماع المنقول بالخبر الواحد و الاستصحاب و امثال ذلك مما لم‏يقم اجماع علي اعتباره و ليس هو الظن المخصوص. قلت ان كل ذلك يرجع الي الظن المخصوص فان (لان خ‌ل) مرادنا بالظن المخصوص مايرجع الي

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 40 *»

الكتاب و السنة و لو بوسايط و يحصل الظن بالمراد لا مالايرجع و لا مالايحصل الظن و لانقول بالتعبد بالخبر الصحيح و غيره و ان لم‏يحصل لنا الظن بالمراد و يكون عندنا مايعارضه و اقوي منه فان هذا لايجوز نعم لو بقيت الاخبار بصرافتها قطعية الصدور مأمونة عن تحريف الغالين و انتحال المبطلين غير متعارضة بالعموم و الخصوص و المحكم و المتشابه و غير الوارد مورد التقية امكن هذا القول و مع هذه كله (كذا) لايمكن العمل بكل خبر ان (فان خ‌ل) اقتصر علي الاخبار الصحيحة فماتصغون (تصنعون خ‌ل) في قوله7 ان لنا اوعية من العلم نملؤها علماً لتنقلها الي شيعتنا فخذوها و صفوها تجدوها نقية صافية و اياكم و الاوعية فانها اوعية سوء فنكبوها و لا شك ان هذا هو الخبر الضعيف و اما توثيق الفطحية و الواقفية فلنا فيه كلام يأتي بيانه ان شاء الله و ان عمم الحكم فيلزم فساد الدين و ان خصص بمالم‏يكن له معارض مثله او اقوي منه فهذا هو الظن بل لايبعد ان‏ندعي فيه العلم اذا علم تقرير المعصوم7.

و بالجملة لايراد منا الاّ ماادركته عقولنا و اشعرت به افهامنا علي الوجه الصحيح المعتبر قال الله تعالي و ماكان الله ليضل قوماً بعد اذ هديهم حتي يبين لهم مايتقون و قد دل الدليل القطعي الكاشف عن قول الحجة7 ان البيان اعم من العلم و الظن فلايعتمد علي غيرهما اللهم الاّ ان‏يقال انه قد دل الدليل القطعي المنتسب الي اهل العصمة: انه يصح العمل بكل خبر و ماينسب اليهم و ان لم‏يعلم ذلك و لو ظناً و دونه خرط القتاد و الاخبار و الآيات و الادلة العقلية المستندة اليهما مصرحة ببطلان التعبد بالخبر من حيث هو و الظن عند عدم العلم يجب اعتباره في الدلالة و في الورود جميعاً لايكفي احدهما و اما الشهرة فانما جعلناها حجة في موارد مخصوصة لاستنادها الي اهل الشرع: كمامر و كذا الاجماع المنقول فانه خبر حقيقة فيرجع اليه بل اقوي من الخبر لصريح الدلالة بخلاف ما اذا كان خبر (خبرا خ‌ل) من غير جهة الاجماع فانه يحتمل الوجوه السبعين و لا كذلك ماثبت بالاجماع فان دلالته صريحة فان كان منقولاً بالخبر الواحد يكون الورود

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 41 *»

ظنياً لكنه اقوي من الاخبار الاخر لقلة الواسطة فيه و كثرتها فيها اذ من البين ان قلة الوسايط مما له دخل تام في رجحان الخبر لو لم‏تكن القراين.

و اما الاستصحاب في الموضوع فلا شك في حجيته اجماعاً حتي من الاخباريين و اما في الحكم فانه ايضاً حجة و منسوب الي الاخبار و هي في هذا المعني كثيرة لايخفي علي المتتبع الاّ ان‏يدل دليل علي عدم الاستمرار في بعض المواد كماوردت به بعض الاخبار و هو اقرب الي ارادة اليسر و عدم العسر و عموم الانتفاع و البصيرة فان الجزئيات لاتنضبط الاّ بعسر شديد بل يتعذر في اكثر الموارد و لو دار الامر مدار الشك و الوهم لضاق علي الخلق المنهج اذ ما من امر من احوالهم يخلو من الامرين و اليقين اقل ماقسم بين العباد فافهم ففي ماتعم به البلوي و ماتجب معرفته عينا (علينا خ‌ل) علي كل ذكر و انثي يجب القاء الكليات (الكلمات خ‌ل) ليسهل عليهم تناوله (تناوله تكليف خ‌ل) فاذا خرج بعض الجزئيات عن الحكم الكلي بامور خارجية و عوارض زائدة ذاتية يبينها الشارع7 و ينصب (فينصب خ‌ل) قرينة علي اخراجها و قدذكرنا هذا البحث بماينبغي كماينبغي في بعض ماكتبنا و ليس المقام لبسط الكلام.

و اما الاستصحاب ففي الشرع الذي يسمونه باصالة البرائة فلاشك ايضاً في حجيته لدلالة الاخبار الكثيرة و الايات المحكمة و العقول القويمة المستقيمة و قد قال تعالي و ماكان الله ليضل قوماً بعد اذ هديهم حتي يبين لهم مايتقون و قال7 الناس في سعة مالم‏يعلموا و ماحجب الله علمه عن العباد (الخلق خ‌ل) فهو موضوع عنهم كل شي‏ء لك مطلق حتي يرد فيه امر او نهي و امثال ذلك من الاخبار و دلالة صحيح الاعتبار الذي لا عليه غبار فان التكليف امر الهي يجري علي قوابل المكلفين فحيث لا مقبول لا قبول فلا تكليف فاذ لا تكليف فالعبد في سعة من ذلك فله التصرف فيما يشاء كما يشاء حينئذ و الاّ لكان مكلفاً كما هو شأن الممنوع هف و قد قال تعالي خلق لكم ما في الارض جميعاً فاذا فقد النص بجميع انحاءه من الاطلاق و التقييد و العموم و الخصوص و التلويح و التصريح فقد التكليف كما هو المشهور المنصور فيجري

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 42 *»

فيه اصالة البراءة و اذا تعارضت الادلة و لا محيص بوجه من جهة الترجيح الاّ الاحتياط يجب لانه قد اتاك التكليف و قطعت به و حصل لك الترجيح اما الاول فلورود النص و عدم ما ينفيه اصلاً و المعارض لم‏يكن نافياً و الاّ لم‏يكن معارضاً و ما احتجت الي الترجيح بل كان اقوي فيجب المصير اليه و اما الثاني فلان الامام7 حاضر و مطلع علي ذلك بل هو ملقي الدليل فلو لم‏يرده منك لنصب لك صارفاً نافياً لانه7 لم‏يهمل رعيته و قد قال7 في الدعاء بعد العصر يوم الجمعة في الصلوة علي محمد7 قداكملت به الدين و اتممت به النعيم  الي ان قال7 و نهجت به لخلقك صراطك المستقيم و بينت به العلامات و النجوم الذي به يهتدون و لم‏تدعهم بعده في عمياء يهيمون و لا في شبهة يتيهون و لم‏تكلهم الي النظر لانفسهم في دينهم بارائهم و لا التحير منهم باهوائهم فينشعبون في مدلهمات البدع و يتحيرون في مطبقات الظلم و تتفرق بهم السبل فيما يعلمون (الدعاء خ‌ل) و تصديق ذلك ما في توقيع الحجة عجل الله فرجه الي الشيخ المفيد علي ما في الاحتجاج فاذا نظرت و لم ‏تجد نافياً و صارفاً عن احد الدليلين فانت مطلوب بعدم تركهما قطعاً.

و اما الثالث فلتحصيل البراءة اليقينية مع ماورد في الاخبار خذ بالحائطة في دينك و عند تعارض الخبرين خذ مايوافق الاحتياط و امثال ذلك فقدطابق العقل و النقل بوجوب الاحتياط في مثل هذا المقام فان لم‏يكن الاحتياط او كلاهما موافقان له او مخالفان و لم‏يتيسر الترجيح فان ضاق عليك الوقت للعمل فانت مخير بايهما اخذت من باب التسليم وسعك لانه غاية مجهودك و ليس في الدين من حرج و الاّ فعليك بالتوقف فارجه حتي تلق امامك او (اما خ‌ل) بملاقاة ظاهرة او ببينة (بينة خ‌ل) واضحة كما قال7 و مالم‏تجدوه في شي‏ء من هذه الوجوه فردوه الينا علمه فنحن اولي بذلك و لاتقولوا فيه بآرائكم و عليكم الكف و التثبت و الوقوف و انتم طالبون باحثون حتي يأتيكم البيان من عندنا انتهي.

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 43 *»

فاذن فالاحكام ثلثة اما بين رشده فيتبع و اما بين غيه فيجتنب و هما انما يتحققان اما بكتاب مجمع علي تأويله او سنة عن النبي9 لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله او قرائن اخر من الامارات و الادلة الشرعية التي تورث الرجحان و ان لم‏توصل الي حد الايقان و منها عدم النص (النظر خ‌ل) في الاباحة و عدم وجدان المنافي و المخالف للخبر و ان كان ضعيفاً بحسب الاصطلاح لادائه الي التقرير و امثال ذلك مما يجده المستوضح بتأييد الحجة7 و الظاهر ان عدم الدليل دليل علي العدم لا مطلقاً بل للفاقد لان البيان لايكون الاّ بالبرهان و هو لايخلو عن احد الادلة الثلثة من دليل الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي احسن بقوله تعالي ادع الي سبيل ربك بالحكمة اه (بالحكمة و الموعظة الحسنة خ‌ل) فاذا انتفي الدليل انتفي المدلول او شبهات بين ذلك و هذه انما تكون عند تعارض الادلة و الاحوال و لايجد ترجيحاً بحال لا ما اذا لم‏يصل اليه دليل اذ الشبهة ليس لها اليه سبيل لعموم قوله تعالي خلق لكم مافي الارض جميعاً و قوله7 ماحجب الله علمه عن الخلق فهو موضوع عنهم و ماكان الله ليضل قوماً بعد اذ هديهم حتي يبين لهم مايتقون معاذ الله ان‏نأخذ الاّ من وجدنا متاعنا عنده و لايجوز العمل بالعام الاّ بعد الفحص البالغ عن المخصص فاذ لم‏يجد فلايجوز له الافتراء علي الله تعالي بالتوقف او الاحتياط و التضييق في الملة السهلة السمحاء.

فظهر لك ممااشرنا اليك بالاجمال ان هذه الادلة التي يستعملونها كالشهرة بشروطها و الاجماع المنقول كذلك و الاستصحاب و اصالة البراءة ليس من الظنون المطلقة بل انما هي مستندة الي الاصل الثابت و هو الاخبار المقطوع الحجية و المتعين العمل (للعمل خ‌ل) بمضمونها. فان قلت ان ماقررت من الاصل يقتضي ان‏يكون الظن من حيث هو اذا لم‏يكن له معارض من الكتاب و السنة يجب العمل به كماقلت في الشهرة و هذا هو بعينه قول من يدعي حجية الظن مطلقاً اذ لايقول به و لو كان له معارض لانه حينئذ راد لكتاب الله و سنة نبيه

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 44 *»

9 و لايقول به الاّ اذا انتفي المعارض و حينئذ يكون تقريراً لان الامام7 حاضر و مطلع و لم‏ينصب قرينة علي نفيه قلت ان ذلك قياس مع الفارق فانا نقول اذا سلكت سبيلاً جعله الامام7 طريقاً موصلاً الي الحكم الشرعي يلزم عليه7 ان‏يسدده و اما اذ (اذا خ‌ل) لم‏يسلك ذلك السبيل فهو مدبر معرض (معرض مدبر خ‌ل) يجري عليه حكم الادبار من عدم اصابة الحق لا الاصابة و قدقلنا ان الظن الغير المستند ليس طريقاً جعله الشارع7 و لا دليلاً عليه و انما هو مختار اصحاب الرأي و القياس و الاستحسان و ليس الظن المطلق الاّ استحساناً عقلياً و رأياً اختراعياً و قداجمعت الفرقة المحقة علي بطلان ذلك و انه ليس من طريقة اهل البيت: و ان لم‏يكن مجرد الاستحسان العقلي بل يكون مستنداً الي صاحب الشرع7 فليس اذن مطلقاً فتبين مماذكرنا ان العقل في الامور الخلافية لو لم‏يكن له مستند لايصح التعويل عليه.

الي هنا كان في النسخ.