09-04 جواهر الحکم المجلد التاسع ـ رسالة في اثبات المناسبة بين الالفاظ و المعاني مقابله ـ

رسالة فی اثبات المناسبة بین الالفاظ و المعانی

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 47 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي خير خلقه محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم و مخالفيهم اجمعين الي يوم الدين و ابد الآبدين.

اما بعــد؛ فيقول العبد الجاني الفاني (الفاني الجاني خ‌ل) كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان بعض اجلاء الاصحاب بلغه الله اقصي مقاصده في المبدأ و المآب قد كتب (فيماكتب خ‌ل) في الاصول في المبادي اللغوية بعض الكلمات رداً علي القول بالمناسبة الذاتية بين الالفاظ و المعاني احببت ان اورد عليها بعض الكلمات ليظهر الحق الصافي القراح و يتبين الرشد و الصواب فجعلت كلامه سلمه الله متناً و كلامي (جوابي خ‌ل) كالشرح له و علي الله قصد السبيل و لا حول و لا قوة الاّ بالله العلي العظيم.

قــال سلمه اللّه تعالي: المقام الثاني ان دلالة الالفاظ هل هي بالوضع و ما في (بالوضع و ينافي خ‌ل) حكمه من القرينة ام لا. اعلم ان العلماء اختلفوا في هذه المسألة علي قولين الاول انها بالوضع او القرينة و هو المشهور الذي عليه الجمهور الثاني انها بالذات بمعني ان بين اللفظ و المعني مناسبة ذاتية بسببها نشأت دلالة اللفظ علي المعني و هو المحكي عن عباد بن سليمان الصيمري و علماء التكسير من اهل الجفر و بعض المعتزلة و غيرهم تمسكاً باستحالة ترجيح بعض الالفاظ في التخصيص بمعناه من غير مرجح.

اقــول: بيان منشأ هذا الاختلاف و علته يحتاج الي تنبيه و تفصيل في‏الجملة ليعلم كل اناس مشربهم و ينال كل احد مطلبهم.

اما الاول فاعلم ان الله سبحانه و تعالي لما خلق الخلق خلقهم علي ما هم عليه من مقتضي كينوناتهم كما قال سبحانه بل اتيناهم بذكرهم و قال ايضاً ربنا الذي اعطي كل شي‏ء خلقه ثم هدي فلذا اختلفت مراتبها في الشدة و الضعف و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 48 *»

العلو و السفل و التقدم و التأخر و التجرد و المادية و غيرها فما استقلت في اظهار ما يمكن في حقها و استنطاق حقيقتها و ذاتها بما اقتضت و مايراد منها مما يمكن فيها لاستكمالها بالبلوغ الي غاياتها المقررة لها و احتاجت في ذلك الي امور خارجية تتقوي بها لاظهار مااستجن في ذاتها من المقامات الامكانية و تلك الامور هي المسماة عندنا بمتممات القابلية و مكملاتها كالشرايط و اللوازم و الاسباب و العلل الناقصة من المادية و الصورية و غيرهما و المعدات و الصفات و الاوضاع و الاضافات و القرانات و امثالها و لايستريب عاقل ان بين الذوات و متمماتها من الامور المذكورة لابد من نسبة و ارتباط يصحح اختصاص هذا بذاك دون غيره و الاّ لكان كل شي‏ء شرطاً لكل شي‏ء و لازماً لكل شي‏ء و سبباً لكل شي‏ء و دالاً علي كل شي‏ء و مقترناً بكل شي‏ء و هو في البطلان بمكان و لايشك فيه انسان و ذلك الارتباط و النسبة علي قسمين احدهما ما يستقل في ادراكها و معرفتها و الحكم بمقتضاها العقل في نفسه او في مقام العادة من غير توقف الي شي‏ء اخر و ثانيهما ما لايستقل العقل فيمن لم‏يشهده الله خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و لم‏يتخذهم اعضاداً لخلقه من ساير المخلوقين في ادراكها و مواقع تحققها و مواضع وجودها ليتأتي له الحكم بل يحتاج الي توقيف الغير و لا ثالث للحصر العقلي فالاول يسمي بالاحكام العقلية و الثاني يسمي بالاحكام التوقيفية و هي علي قسمين قسم يتعلق بتوقيف الشارع و الآخر بتوقيف الواضع و هو في الالفاظ و في غيرها و تتمة الكلام يأتي.

الثاني اعلم انه قد اتفقت كلمة العقلاء علي ان بين الدال و المدلول لابد من مناسبة و مرابطة يخص بها كل دال علي مدلوله و الوجه فيه بديهي و الامر هنا ضروري و الدلالة علي اقسام دلالة عقلية و دلالة عادية و دلالة شرعية و دلالة وضعية فالاول علي انحاء منها دلالة المتلازمين احدهما علي الاخر كطلوع الشمس و وجود النهار و منها دلالة اللزوم كالاربعة و الزوجية و منها دلالة المشروط علي الشرط و منها دلالة المؤثر علي الاثر كالسراج علي الاشعة او كتعفن الاخلاط علي وجود الحمي و منها دلالة الخاص علي العام كدلالة

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 49 *»

الانسان علي الحيوان و منها دلالة العام علي صلوح الخصوصيات علي التفصيل و وجودها علي الاجمال و منها دلالة التضاد كدلالة الوجود علي العدم المضاف (المضاف الي خ‌ل) المخلوق و النور علي الظلمة لا السواد علي البياض و لا العكس و منها دلالة الظاهر علي الباطن كدلالة الاجسام علي الارواح و منها دلالة السافل علي العالي كدلالة الاجساد علي الاجسام و الاجسام علي الاشباح و الاشباح علي الارواح و الارواح علي الانوار و الانوار علي الاسرار و الاسرار علي الحجب و ليس هذا من قبيل دلالة الاثر علي المؤثر الاّ بتأويل و منها دلالة احد المتضايفين علي الآخر و منها دلالة احد المتحاويين علي الاخر كالزمان علي الجسم و منها دلالة المقدمات علي النتايج من القطعيات و الظنيات و الشعريات و منها دلالة الكل علي الجزء و منها دلالة الصفة علي الموصوف و منها دلالة البرزخ علي الطرفين كالروح علي العقل و النفس و المثال علي النفس و الجسم و النخلة علي الحيوان و النبات و المرجان علي النبات و المعدن و امثال ذلك و غيرها من الدوال التي يستقل العقل في ادراك جهة الدلالة من غير توقيف و هذه المناسبات و امثالها علي انحاء منها ما هي جلية ظاهرة معلومة في بادي النظر كاشراق الشمس و احراق النار و تبريد الماء و امثالها و منها ما هي دقيقة خفية جداً بحيث لم‏ يطلع عليها الاّ اوحدي (اوحد خ‌ل) الزمان بعد التأمل التام كما يدركه اهل الافئدة بدليل الحكمة و لنعرض عن بيانها و الاقسام الاخر متوسطات منها مايقرب الي الاول و منها مايقرب الي الثاني و الظهور و الخفاء علي حسب مراتبه القريبة و البعيدة.

و القسم الثاني مايدركه العقل في مقام العادة و هو يتنوع علي الانواع المذكورة و الغير المذكورة الاّ انها في مقام العادة.

و القسم الثالث هو ما ذكر في الشريعة من الانواع المذكورة حسب بيان الشارع.

و القسم الرابع علي قسمين وضعية غير لفظية و وضعية لفظية.

فاذا عرفت هذا فاعلم انه لا خلاف لاحد من العقلاء كما ذكرنا في وجوب النسبة الذاتية و المرابطة الحقيقية بين هذه الدوال في الدلالة العقلية و العادية باقسامها (في وجوب النسبة في الدلالة العقلية و العادية بين هذه الدوال

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 50 *»

الاربعة ( الذاتية خ ل) و المرابطة الحقيقية باقسامها خ‌ل) و مدلولاتها و انما اختلفوا في الدلالة التوقيفية من الشرعية و الوضعية لتوقيفيتها في ان المرابطة المصححة لاختصاص بعضها ببعض هل هي نفس جعل الموقف كالشارع في الاحكام الشرعية و الواضع في الاحكام الوضعية بحيث لولاه لكانت بين هذه الامور و مايخصها و يختص لها (بها خ‌ل) منافرة تامة و مباينة كلية بحيث لا تصادق بينهما الاّ بالاتفاق و يمكن التخصيص باضدادها و نقايضها من الوجه الذي عينه للضد الاخر ام لا بل المناسبة و المرابطة انما كانت موجودة ثابتة و واقعة في الايجاد الالهي الاولي او الثانوي.

و لما كانت معرفتها دقيقة المأخذ و خفية المسلك لكونها من العوالم الغيبية لايهتدي الي الكل بجميع جهاته الاّ من اشهده الله خلق السموات و الارض او الي بعضها و اقلها الاّ من نور بصيرته و كشف الغطاء عن سريرته و اراه الاشياء[1] كما هي علي مقتضي مقامه و مرتبته و كانت دواعي الخلق متوفرة الي تلك الامور بحيث لاتمكن معيشتهم دونها فتبطل بذلك ثمرة ايجادهم و تكوينهم ابان الحق سبحانه اياها للمخلوقين المحتاجين بواسطة اناس اقوياء فالشارع و الواضع([2]) انما هما بمنزلة المبين و المنبه و الكاشف عما هو في الواقع بعد التركيب و الحكم الذي هو رتبة القضاء لحكم الامضاء و هو البيان مشروح العلل مبين الاسباب بحيث لو تنبه العقل بذلك السر لعرفه و يحكم بان هذا لابد ان‏يختص بذاك بحيث لو اختص لغيره لنقصت حكمة الواضع او الشارع فعلي هذا يكون الواضع منبهاً كالشارع لا جاعلاً مخترعاً و يكون الوضع عبارة عن التنبيه كما اذا قلت لك ان السقمونيا مسهل للصفراء و زنجبيل (الزنجبيل ظ) لدفع البلغم و امثال ذلك فالحاجة الي الواضع و الشارع للتبيين فلو وصل الشخص الي ماوصل اليه الشارع او الواضع لما احتاج اليهما كما اذا وقف علي طبايع العقاقير فانه لايحتاج الي الطبيب اصلاً في معرفتها فلا

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 51 *»

مدخلية للوضع([3]) علي هذا القول في الحقيقة([4]) و ليست الدلالة من جهته بل للتعليم و التنبيه او ان الالفاظ لما كانت ذا (ذات خ‌ل) جهات كثيرة فتناسب بكل جهة معني من المعاني فلاتدل علي واحد بعينه بل علي المجموع كالمشترك علي الظاهر و التقريب فاحتيج الي الواضع للتعيين بجهة من الجهات لقوة المناسبة علي حسب المذاق و ملائمة الطبايع كمايأتي ان شاء الله فيوضع و يعين لاجل تلك المناسبة.

فذهبت الاشاعرة الي الاول اي بعدم المناسبة الواقعية في كل الامور التوقيفية و جعل كلها اموراً جعلية حيث لم‏يطلعوا علي مأخذها و لم‏يعثروا علي وجهها و علتها و عمموا الحكم حتي في الاحكام الشرعية و ان الاشياء في الواقع لا اقتضاءات لها و ان الواجب يجوز بجعل الشارع ان‏يكون حراماً و العكس و كذلك الالفاظ و معانيها و الكتابات (الكنايات خ‌ل) و العقود و الخطوط و امثالها.

و ذهبت علماء علم الحروف من اهل الجفر و التكسير و اهل الاوفاق و الاعداد قاطبة و بعض المعتزلة و عباد بن سليمان الصيمري و السيد الداماد علي ما حكي عنهم الي الثاني اي الي اثبات المناسبات الذاتية و المرابطات الحقيقية في كل الامور التوقيفية الاّ انهم بين قائل بعدم الفرق بينها و بين الامور العقلية و العادية الاّ في الظهور و الخفاء و تلك لظهورها استقل العقل و تلك لخفائها احتاج الي منبه و مبين او مقرب كما اذا كان الشي‏ء بعيداً لم‏يدركه الطرف لايعلمه الشخص بالعياني فاذا اخبره الآخر او يقرب له ذلك البعيد فيدرك كالاول و المخبر ليس جاعلاً مخترعاً و هكذا فيما نحن فيه حرفاً بحرف فالشارع و الواضع عندهم كالمخبر و بين قائل بالفرق([5]) في التعيين للمناسبة و استحالة الوضع بدونها.

و ذهب طائفة كثيرة من الاصوليين من الامامية و اكثر المعتزلة الي التفصيل فوافقوا اهل المناسبة في الاحكام الشرعية

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 52 *»

و حكموا بان الحسن و القبح عقليان و وافقوا الاشاعرة في الاحكام الوضعية فانكروا (و انكروا خ‌ل) المناسبة اصلاً و رأساً الاّ علي سبيل الاتفاق فزعموا انهم النمط الاوسط و خير الامور اوسطها ولكنهم قوم يفرقون.

فقوله سلمه الله ان العلماء اختلفوا الخ؛ بالاجمال صحيح لكن قوله في بيان القول الثاني بمعني ان بين اللفظ و المعني مناسبة ذاتية بسببها نشأت دلالة اللفظ علي المعني علي اطلاقه ليس بصحيح اذ الامر ليس منحصراً في الامرين و القول بالمناسبة ليس منحصراً فيما ذكر و ليس فيما نقل عن اهل المناسبة صراحة علي هذا الذي ذكر بل قد يظهر من الدليل الذي نقل عنهم خلاف ذلك و ان كان الي الاجمال اقرب فان كلامهم يحتمل ان ‏يكون معناه ان بين الالفاظ و المعاني مناسبة ذاتية تنشأ منها الدلالة كما ذكر لكنه بعد محتاج الي الواضع للتبيين و الكشف و هذا كلام باطل لايتصور لان الالفاظ ماخلقت في اصل فطرتها علي هذه الهيئات المخصوصة بالضرورة و انما خلقت حروفاً و هي الثمانية و العشرون او التسعة و العشرون او الثلثة و الثلثون و هي مواد لكل اللغات علي اختلافاتها و كثراتها و تباينها و كلها مصوغة منها فلايصح ان‏تكون بذاتها مناسبة لبعض المعاني بحيث تنشأ منها الدلالة عليها دون غيرها و لا احد ممن شم رائحة من العلم يدعي ذلك بل و لا المجنون نعم الدلالة انما تحصل بعد التأليف و التخصيص للمعني المناسب و هو قول مولينا الرضا7 علي مارواه في التوحيد و العيون مامعناه ان الحروف ليس لها معاني غير انفسها فاذا اردت ذلك تؤلفه لمعني محدث لم‏يكن قبل ذلك  فاذا وجب المؤلف فالمؤلف علي زعم اهل المناسبة يؤلف الحروف المتناسبة (المناسبة خ‌ل) لذلك المعني بمادته بالمناسبة النوعية و بصورته بالشخصية فيؤلف و يعين ذلك اللفظ لذلك المعني فحصلت الدلالة بتأليف المؤلف بالمناسبة تلك الالفاظ للدلالة علي تلك المعاني فقبل التأليف لم‏تكن الدلالة.

و المؤلف هو الواضع اما هو الله سبحانه علي ما هو الحق او غيره و مثال ذلك في الاحساس السرير مثلاً فانه قبل التأليف لم‏يكن سريراً بوجه من الوجوه و انما كانت خشبة مادة مناسبة بالذات

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 53 *»

للسرير نوعاً فاذا اردت ذلك اخذت من المادة المناسبة للسرير من الخشب او الحديد او الذهب او الفضة و امثالها لا ممالايناسبه كالماء و الدهن و العسل و النار و الهواء مثلاً فتصور تلك المادة و تؤلفها علي هيئة السرير فوجد السرير و دل عليه بذاته و لم‏يتحقق هذه الدلالة الاّ بمادته المناسبة و بصورته بتأليف النجار لا من دون التأليف فبعد التأليف مايتناول الصنم او الباب و كذلك لفظة زيد فانها قبل التأليف ماكان شيئاً الاّ مادة حرف تصلح لكل اسم كالخشبة مثلاً و تلك الحروف ليست لها معاني الاّ انفسها فماكانت تدل علي معني زيد فاذا اراد الواضع ان‏يعين لذلك المعني لفظاً اخذ مادة من الحروف المناسبة و الفها علي هيئة مايريد فكانت تدل علي زيد فاذن ماتصلح لمعني اخر الاّ اذا صيغ صيغة اخري اما بكسرها و تأليفها مرة ثانية او جعلها مادة ثانية لتأليف اخر.

و بالجملة هذه الالفاظ قبل التأليف ليست شيئاً فضلاً عن ان‏تكون دالة و تحققها و دلالتها انما هو بعد التأليف و ذلك المؤلف هو الواضع و التأليف هو الوضع فاذن كيف ينفك اللفظ بما هو لفظ عن الوضع و الواضع هل يجوّز عاقل ذلك فكيف ينسب هذا القول الي اهل الجفر قاطبة الذين هم اخذوا علمهم ذلك عن الانبياء الي ان‏ينتهوا (انتهوا خ‌ل) الي مولينا علي7 و جعفر الصادق7 اجماعاً منهم و كذا السيد الداماد; الذي يشق الشعر بغامض علومه نصفين كيف يتكلم بالذي لايرضي به الجاهل فضلاً عن الفاضل فضلاً عن الحكيم العارف و اذا اردت ذلك انظر كتب اهل الجفر و علماء التكسير كيف يصرحون بالذي قلت مع انه من البديهيات التي لايشك فيه احد.

فثبت ان ما نسبوا الي اهل المناسبة فرية بلا مرية بالضرورة فصح ان مراد اهل المناسبة هو الاحتمال الثاني و هو ان الحروف خلقها الله سبحانه مادة صالحة لجميع الالفاظ و اللغات كالتراب الذي خلقه الله سبحانه و جعله مادة لكل الانسان و الحيوان و النبات و الجماد فاذا اراد الواضع تعيين لفظ لمعني اخذ مادة من الحروف مناسبة لمادة ذلك المعني و يصورها بالصورة المناسبة من التقديم و التأخير و التوسيط و اخذ الحروف المجهورة او المهموسة او القلقلة او الاطباق

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 54 *»

او المستعلية او المستفلية او الحروف الحارة او الباردة او اليابسة او الرطبة او الفلكية او العنصرية و غيرها مما هو معلوم عندهم فيقولون الدلالة ارشاد اللفظ بمادته و صورته علي المعني بتأليف الواضع و تعيينه له كما ان الله سبحانه خلق الارواح ثم خلق الاجساد مناسباً لها فيناسب كل جسد روحه المتعلق به بجعل الله سبحانه و قد قال اميرالمؤمنين7 المعني في اللفظ كالروح في الجسد و كل من ترك العادات و اعرض عن التقليد يري الامر واضحاً كالشمس في رابعة النهار.

و قوله سلمه الله تعالي و علماء التكسير من اهل الجفر لعله تسامح في المقام فان علم التكسير ليس هو علم الجفر بل الجفر في بعض الاحوال قسم منه و هو كتاب علي صلوات الله عليه باملاء رسول الله9 علي جلد بقرة اسمها الجفر حين اتي بها جبرئيل7 من الجنة و كان رسول الله9 مع علي8 علي جبل فاران فذبحها علي7 و سلخ جلدها و جعلها (سلخها خ‌ل) ثمانية و عشرين جزءاً (جزوا خ‌ل) و كل جزء (جزو خ‌ل) ثمانية و عشرين (عشرون خ‌ل) ورقة و كل ورقة صفحتان يمني و يسري و كل صفحة ثمانية و عشرين (عشرون خ‌ل) سطراً و كل سطر ثمانية و عشرين (عشرون خ‌ل) بيتاً و كل بيت فيه اربعة حروف هكذا اااا و في البيت الثاني اااب و هكذا و علم التكسير غير هذا فقوله من اهل الجفر ان كان بياناً فليس بصحيح و ان كان قيداً فكذلك اذ كل علماء التكسير بجميع فنونهم يقولون بالمناسبة الذاتية و قوله تمسكاً الخ لاتتوهم ان ادلتهم منحصرة في هذا الذي ذكر بل لهم ادلة كثيرة قاطعة من العقل و النقل و ما ذكر جزء منها و هو تام (تمام خ‌ل) التقريب كمايأتي ان شاء الله.

قــال سلمه الله تعالي: و الحق هو الاول فان الدلالة لو لم‏يكن بالوضع لكانت بالذات لعدم القول بالواسطة و ذلك باطل لاستلزامه فهم الكل كل اللغات و لااقل من الغلبة لعدم تخلف ما بالذات و الاّ لزم وجود العلة بدون

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 55 *»

المعلول و اللازم باطل لعدم الدلالة عند عدم الوضع او عدم العلم به لا بالعقل و لا بغيره كمايشهد عليه الوجدان.

اقــول: الحق هو الثاني قوله فان الدلالة لو لم‏يكن بالوضع لكانت بالذات الظاهر انه يريد يستدل عليه من جهة الاجماع المركب و الاّ فليس هذا بدليل عقلي و تقريره ان الدلالة لو لم‏يكن بالوضع لكانت بالذات و ان احتمل ان‏يكون بالوضع للمناسبة معاً فالدليل هو الهيئة التأليفية من المادة المناسبة لمادة المعني و الصورة المناسبة الشخصية فماتمحضت الذاتية و لا الوضعية بل امر بين الامرين و عليه الاستقامة في النشأتين لكن هذا الاحتمال لاينقض الدليل للاجماع المركب فان النافي يقول بالوضع فحسب و المثبت بالذات فحسب فيكون هذا الاحتمال خرقاً للاجماع (خرق الاجماع خ‌ل) المركب و هو باطل بالضرورة.

و لذا قال سلمه الله تعالي لعدم القول بالواسطة ففرع عليه مقتضاه كما ذكر و لايمكن ان‏يجعل دليلاً عقلياً لقيام الاحتمال في الشق الثالث فيبطل به الاستدلال و لكنك قد علمت ان القول الذي ادعاه علي النهج المذكور لم‏يقل به احد من القائلين بالمناسبة فضلاً عن الخلاف فبطل التالي اللازم من جهة الاجماع و ايضاً عدم جواز احداث القول الثالث في الاجماع المركب انما يكون اذا حصل القطع الواقعي الثابت اولياً كان ام ثانوياً بدخول قول الحجة7 في احد الطرفين فيكون حينئذ طرحاً لقول الحجة7 و اما اذا لم‏يحصل القطع فلا و ان لم‏يجد مخالفاً (مخالفا و خ‌ل) يكفيه الاحتمال حينئذ فيجوز له احداث القول الثالث كما وقع لكثير من فقهائنا رضوان الله عليهم كالسيد المرتضي ره في مسألة ورود الماء علي النجاسة و ورود النجاسة علي الماء و قد صرح بانه لم‏يجد لاصحابنا نصاً في ذلك و قد فرق بينهما الشافعي ثم احتمله فقواه الي ان صار قولاً له و امثلة ذلك كثيرة فاذا كان كذلك فلاتعم حجية هذا الاجماع بالنسبة الي القاطع فلايمكنه الاحتجاج به علي الغير كالاجماع المحصل الخاص و الامر هكذا فيمانحن فيه اذ لو سلمنا و قلنا هذا الذي ذكر هو مراد اهل المناسبة لكنا لانسلم له القطع بدخول الحجة في احدهما بل و لانظن و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 56 *»

احتمل القول الثالث و عندي اماراته و القراين الدالة علي صحته و ليس هذا كالاجماع الضروري لئلايسعني العذر و تحقيق الامر فيه في الاصول فاذن لايتم تقريب الدليل اذ لو قيل لو لم‏يكن بالوضع لكانت بالذات نقول لانسلم قديكون بالامرين علي التفصيل الذي ذكرنا.

و قولك للاجماع ليس حجة علي مع (حجة مع خ‌ل) ماعلمت ان هذا القول ممالم‏يقل به احد ثم لو كان هذا التالي ممايعترف به الخصم اي اهل المناسبة فلا احتياج الي هذه الشرطية اذ ليس دأب العلماء عند الاحتجاج علي الخصم اثبات معترفات الخصم فانه طول لا طائل تحته و زائد لا نفع فيه فان لم‏يكن ممايعترف به الخصم فهو باطل اذ ليست الملازمة عقلية و لا عادية و لا شرعية و لا لغوية مع ان الصور الحاصلة بين المناسبة و الوضع تزيد علي اربع و ستين صورة و هذه صورة واحدة منها فكيف تصح الملازمة المدعاة فظهر لك بطلان الشرطية الاولي فلايتفرع عليها ماذكره سلمه الله.

و لئن سلمنا الاولي فنقول ان الملازمة الثانية باطلة غير تامة لان اللازم لايلزم ان‏يكون بيناً مطلقاً بل قديكون غير بين فاللازم الغير البين لايستلزم ادراك الكل اللزوم اولاً عند تعقل الملزوم بل قد تكون جهة الملازمة خفية لايدركها الاكثر ابداً و لايلزم من عدم الادراك عدم اللزوم فان مناط ادراك اللازم و الملزوم ادراك الملازمة فعدم ادراكها لايستلزم عدم وجودها و قد قال الشاعر و نعم ما قال:

علي نحت القوافي من مواقعها و ما علي اذا لم‏يفهم البقر

الم‏تسمع قول مولينا اميرالمؤمنين7 ما معناه علمني رسول الله9 الف حرف من العلم ينفتح من كل حرف الف باب و من كل باب الف باب و منه اية في كتاب الله تعالي يقرؤنها و لايعرفونها و هو قوله تعالي و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لايوقنون و لاشك ان المناسبة و الملازمة بين هذه الآية و تلك المعاني موجودة متحققة لكن الناس لايدركونها فلما دل عليها الدليل القطعي قلنا بها و ان لم‏نعلم

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 57 *»

وجه المناسبة و ايضاً علي هذا يجب ان‏ينسد باب علم الطب و يبطل تدوين خواص العقاقير و الادوية اذ لاشك ان بين تلك الخواص و الآثار و تلك الادوية مناسبة ذاتية و مرابطة حقيقية مع ان اغلب الناس بل كلهم يجهلون جميع الخواص و الآثار المترتبة (المرتبة خ‌ل) عليها سوي من اشهده الله خلق السموات و الارض و انما عرفوا الناس بعض تلك الآثار لقوام نظام معاشهم و بنيتهم عليها فبينوا لهم ما احتاجوا اليه و اخفوا عنهم ما لم‏يحتاجوا اليه و لعل الالفاظ من هذا القبيل كل ذلك لاسرار الهية و مناسبات حقيقية يدق مأخذها و يصعب مسلكها و لايترتب نظام الخلق في معاشهم و تحققهم الي معرفة ذلك فاخفوا عنهم ارادة لليسر و لجريان عادة الحق سبحانه علي (عن خ‌ل) الكف عمالايحتاج اليه الخلق كما في حديث حدوث الاسماء الي ان قال7 فجعله اربعة اجزاء معاً ليس احد منها قبل الآخر فاظهر ثلثة منها لفاقة الخلق اليها و حجب واحداً منها و هو المكنون المخزون فلعل عدم فهم الكل و الغالب لدقة المناسبة و خفائها لا لعدمها و عدم الفهم مسبب عن الامرين و لا دليل علي الحصر لو لم‏ندع الدليل علي حصر الامر الآخر و بطلان هذا الذي ادعي و لو وجدت اقبالاً فيمابعد لبينت لك الامر واضحاً ظاهراً ان شاء الله فيكون قولك الكرم مثلاً اسم لهذه الصفة كقولك العسل مع الاملة لدفع البواسير و في المقامين تجهل المناسبة و العلة فكيف تنكر بعضاً و تقر الآخر مع اشتراكهما فيما ادعيت و القول بان خواص العقاقير يعرفها الطبيب بخلاف المناسبات اللفظية باطل لما قلنا من ان الطبيب لايعرف كل الخواص و انما هو قليل من كثير لحفظ النوع و لايترتب هذا المعني علي معرفة المناسبات اللفظية مع انا نقول ان خواص المؤمنين الممتحنين يعرفون ذلك بتعليم الله سبحانه و لعمري ان هذا الكلام من جنابه لعجب و اعجب منه قوله و لااقل من الغلبة لعدم تخلف ما بالذات فان هذه العلة ان كانت تامة و القاعدة كلية فكيف جوز التخلف في غير الاغلب فاذا جاز التخلف و بطلت كلية القاعدة فاي اختصاص له بالاغلب حتي يكون اقل مايتخلف اذ علي تقدير التخلف لا فرق بين البعض و الكل و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 58 *»

القليل و الكثير و الاقل و الاكثر بل و العدم المطلق مع انا نقول ان القاعدة كلية و التخلف محال و الدلالة ثابتة الاّ ان الادراك عليل و المدرك قليل فاذا كان الرجل اعمي لايدرك نور الشمس لايقال ان النور قدتخلف عنها حاشا و كلا و كذا المناسبة فانها حقيقة ثابتة و الدلالة علي مدلولها متحققة الاّ ان القوة ضعيفة و بصر القلب غير منيرة فيحتاج الي البيان كما تقول للاعمي قد طلعت الشمس.

قوله سلمه الله لعدم تخلف ما بالذات والاّ لزم وجود العلة بدون المعلول جوابه (جوابه ان خ‌ل) ان اراد بالعلة العلة التامة البالغة مقام الامضاء فتحققها في المقام ممنوع و ان اريد بها العلة المقتضية بالذات فاستلزامها عدم تخلف ظهور المعلول اي المقتضي ممنوع لان شرط ظهور المعلول المقتضي اسم المفعول عدم المانع و ان لم‏نقل انه من تتمة المقتضي و المانع في المقام موجود كما قلنا ثم ان دليله و الاّ اه اخص من المدعي و تمام الدليل ان‏يكون مساوياً للمدعي و وجه الاخصية ان الذاتية كماتتحقق من جهة العلة الظاهرة في ذات المعلول كذلك تتحقق من جهة ذات الشي‏ء و صفاته الذاتية الحقيقية و لتحقيق هذا البحث مقام اخر و الامر فيه سهل و ان كان هذا النوع من الاستدلال خارجاً عن دأب العلماء الراسخين و المؤمنين الممتحنين الذين عرفوا الحيث و الكيف و الكم و عرفوا المفصول و الموصول و مايؤول اليه الامور و جواب باقي كلامه ظاهر مما قلنا.

و قوله سلمه الله كمايشهد عليه الوجدان فيه ان الوجدان ان كان حجة فدليل اهل المناسبة هو الوجدان لكنه علي غير الوجه الذي عناه من الوجدان و اما عدم الدلالة فلتعدد جهات الشي‏ء و تكثر وجوه المناسبة فيحتاج الي التعين كالمشترك بالنسبة الي جميع معانيه حرفاً بحرف فافهم.

قــال سلمه الله تعالي: فان قلت لعل المخالف يدعي ان العلم بالمناسبة شرط في الدلالة كما ان العلم بالوضع شرط فيها علي القول الآخر فلعل التخلف لعدم الشعور بالمناسبة قلت لو كان بين اللفظ و المعني مناسبة ذاتية لزم الشعور

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 59 *»

بعد ملاحظتهما و ملاحظة النسبة بينهما و الانفهام و لااقل من حصول العلم بالمعني عند تعقل المناسبة مع انه ليس كذلك كمالايخفي مضافاً الي ماسيأتي من وجوه اخر لبطلان هذا القول و توهم اختفاء الذاتي كما في حسن الاشياء و قبحها فاسد لعدم وجود المانع هناك بخلاف ثمة و كون الادراك بالدليل و ثمة بنفسه.

اقــول: هذا اعتراض حسن و كلام جيد و يظهر تقريره و تحريره (تحريره و تقريره خ‌ل) مماسبق الاّ انا نشير اليه اتماماً للحجة و ايضاحاً للمحجة فنقول ان مراد المخالف ان النسبة هي التي تورث الارتباط بين الشيئين اما بالملازمة او بالتلازم او بالشرطية او بالاثرية او بالتضايف او بغيرها فمهما اطلعت علي جهة النسبة اطلعت علي الامرين و حكمت عليهما بماظهر لك منها من اقسامها ولكن لايلزم ان‏تكون النسبة ظاهرة ليتأتي لكل احد الحكم علي المنتسبين علي ما هو عليه اذ من النسبة ما هي مخفية جداً لاتدرك الاّ بالتعليم الخاص و البيان الجزئي المخصوص كالنسبة بين الايجاد و الاختيار و ان كل موجود يلزمه الاختيار و ان الايجاد يقتضي بالذات (الايجاد بالذات يقتضي خ‌ل) الامر بين الامرين و لايتحقق الايجاد الاّ به و لذا قال مولينا الصادق7 لا جبر و لا قدر بل منزلة بينهما اوسع من السماء و الارض لايعلمها الاّ العالم او من علمه اياه العالم و قال مولينا اميرالمؤمنين7 ان القدر سرّ من سرّ الله و حرز من حرز الله مختوم بخاتم الله موضوع عن العباد علمه الي اخر كلامه7 من هذا القبيل علي مارواه في التوحيد و لا شك ان القدر ليس الاّ نسبة فعل الخالق (نسبة الخالق خ‌ل) الي المخلوقين في تقدير ذواتهم و اعيانهم و احوالهم و افعالهم و معتقداتهم و غير ذلك و هذه النسبة ليست امراً جعلياً بل هي موجودة و يدل الايجاد علي القدر دلالة ذاتية هو مقتضي الايجاد مع ان في ادراك هذه النسبة في حديث اميرالمؤمنين7 قد تفرد بالله وحده كما قال لاينبغي ان‏يطلع عليها الاّ الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد الله في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من الله و مأويه جهنم و بئس المصير و في حديث مولينا

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 60 *»

الصادق7 قدتفرد به الامام7 و لا منافاة بينهما لقوله تعالي عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول مع ان كل شي‏ء خلقناه بقدر و ان لا جبر و لا قدر قد خرق الاسماع و ملأ الاصقاع و صار ذلك من المذهب الضروري للشيعة و المخالف ليس منهم مع انهم سلام الله عليهم صرحوا بان معرفتها خاصة بهم او من علموه اياها و هذا لوضوء (الوضوء ظ) له مناسبة ذاتية للصلوة بسببها كانت شرطاً كما هو مذهب القائلين بالحسن و القبح مع انكم تقولون ان الوضوء شرط للصلوة فعند تعقل الوضوء و تعقل الصلوة و النسبة بينهما ماتظهر لكم النسبة الذاتية التي من اجلها كان شرطاً لها و لاتصح الصلوة بدونه فدل العقل و النقل و الوجدان و الاحساس ان وجود النسبة اعم من ادراكها و ربما تقرّ بها تقليداً و لاتعرفها و حينئذ فلايلزم عند تعقل المتناسبين في الواقع تقليداً الشعور بالمناسبة الواقعية التحقيقية (الحقيقية خ‌ل) و علي مدعي ذلك البيان هذا تقرر (تقرير ظ) كلام المخالف بزعمه فعلي هذا يكون جوابه عين المصادرة بالمطلوب لا شوبه لان المانع في مقام الاحتمال و المنع يمنع لزوم الشعور بالمناسبة و يسأل الدليل علي ذلك فيجب ان ‏يقام له الدليل علي المدعي لا ان‏يجعل المدعي نفس الدليل فيقال قلت لو كان بين اللفظ و المعني مناسبة ذاتية لزم الشعور بعد ملاحظتها و ملاحظة النسبة مع ان المانع ينفي هذا الذي ذكر مضافاً الي التهافت العجيب الذي في هذا الكلام من حيث العبارة و السياق فان قوله سلمه الله لزم الشعور يجب ان‏يكون متعلق الشعور اي المضاف‏ اليه الذي اقيم الالف و اللام مقامه هو المناسبة كماهي المدعاة في الاعتراض فعلي هذا فما المراد بقوله ملاحظة النسبة فان كانت هي النسبة الاولية فيكون معني كلامه لزم الشعور بالنسبة عند ملاحظتهما و ملاحظة نفسها فيكون الدليل حينئذ عين المدلول و بطل انكاره و ثبت مراد الخصم فان النسبة المدعاة هي الذاتية مع انه في صدد بيان عدمها و بيان انها لو كانت لدلت هذه الملاحظات عليها مع انه يقرّ بوجودها و ان كانت هذه النسبة غيرها و ليست جزءاً منها و لا اخص منها اي ليست جنسها و لا فصلها و لا من العوارض اللازمة لها فكيف يستدل بها علي

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 61 *»

النسبة المدعاة و ما التفت اطال الله بقاه ان هذه النسبة الحاصلة لنا بين اللفظ و المعني هي النسبة التقليدية كالنسبة التي تحصل لك عند ملاحظة قول الشارع9 الوضوء شرط للصلوة و ليست هذه هي التحقيقية التي تنبئ عن العلة و عن سرّ هذا التعيين و وجهه و هي في زاوية الخفاء حتي يكشف الغطاء فاذا انكشف و صار بصرك اليوم حديداً عرفت النسبة و بدا لهم من الله ما لم‏يكونوا يحتسبون.

قوله سلمه الله تعالي مضافاً الي ماسيأتي من وجوه اخر لبطلان هذا القول و قدعلمت بطلان الوجه الذي ذكر باكمل بيان و اوضح تبيان (ان خ‌ل) اعاذنا الله و اياكم من شر الشيطان و لا حول و لا قوة الاّ بالله.

و قوله سلمه الله تعالي و توهم اختفاء الذاتي الخ هذا جواب عما اوتي به تقوية للمنع المتقدم كانه قيل مايمنع ان‏تكون الالفاظ بالنسبة الي مناسباتها الذاتية كالاشياء بالنسبة الي حسنها و قبحها و تحكم فيها بالمناسبة الذاتية مع انك ماتعلم منها الاّ قليلاً من كثير فاجاب سلمه الله تعالي بان هذا قياس مع الفارق فان المانع في الحسن و القبح موجود و هو انه يجب ان‏تدرك الشي‏ء بذاته و حقيقته فتعرف انه حسن او قبيح و معرفة الشي‏ء بذاته علي ما هو عليه امر صعب بعيد المنال لايمكن لاحد الاّ لاحاد الناس حتي قيل انه محال و عليه حملوا قوله7 من عرف نفسه فقدعرف ربه و قالوا انه تعليق علي المحال و لغموضها و خفائها طلب رسول‏الله9ذلك فقال اللهم ارني الاشياء كما هي و هذا هو المانع عن ادراك الحسن و القبح لانهما متفرعان علي معرفة الشي‏ء لذاته بنفسه بخلاف المعاني فانها لاتعرف بذاتها و انما هي بالدليل و هو الالفاظ فالنسبة بينهما يجب ان‏تكون ظاهرة لكمال التعدد و المغايرة و الظهور و الوضوح بخلاف حسن الاشياء و قبحها هذا الذي فهمت من كلامه فان اخطأت مراده فلااخطأ ان شاء الله تعالي بحوله (بحول الله خ‌ل) و قوته

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 62 *»

الواقع[6] فاني المجاهد في الله علي وجهه و طريقه و الله سبحانه وعد و لايخلف الميعاد و علي الله قصد السبيل و منها جائر فنقول:

اعلم ان الشي‏ء اما ان‏يكون مصلحاً بوجوده و مفسداً بعدمه فيجب اخذه او يكون مصلحاً بوجوده و لايكون مفسداً بعدمه فالاولي و الاليق فعله و اخذه او يكون مفسداً بذاته و وجوده و مصلحاً بعدمه فيجب الاجتناب عنه او يكون مفسداً في‏الجملة بوجوده و لايكون مصلحاً بعدمه فالاولي و الاليق تركه و لايخلو شي‏ء عن احد هذه الاربعة او قل الامرين اصلاح و افساد فالاول حسن و الثاني قبيح و الحسن ينقسم الي ماقلنا كالقبيح هذا هو المقتضي اسم المفعول للاشياء كلها قد تحققته كلية فاذا نظرت الي الاشياء فان وجدتها من القسم الاول تقول انه حسن و واجب و ان وجدتها من القسم الثاني تقول انه حسن و مندوب و ان وجدتها من القسم الثالث تقول انه قبيح و حرام و ان وجدتها من القسم الرابع تقول انه قبيح و مكروه فحصلت المقتضي اولاً كلياً فاذا وجدت المقتضي حكمت علي مقتضاه هذا بالنسبة الي الاشياء و حسنها و قبحها.

و اما بالنسبة الي الالفاظ و المعاني فالامر اعظم و اعظم لانك يجب ان‏تدرك اولاً حقايق مواد الالفاظ و طبايعها و صفاتها و خواصها و احكامها و مايقابلها و مايضادها و مايوافقها و مايخالفها و مايناسبها و مايباينها و احكام القرانات الحاصلة لبعضها مع بعض و تحضر عندك جميع الصور و الهيئات الغير المتناهية و مقتضياتها و عوارضها و احكامها و سعيدها و نحيسها (سعدها و نحسها خ‌ل) و مجردها و ماديها و علويها و سفليها و قويها و ضعيفها فاذا استحضرت هذا المجموع و غيرها ثم تلتفت الي المعاني فتنظر كنظرك عند

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 63 *»

معرفة حسن الاشياء و قبحها ثم تلاحظ المجموع في محشر واحد فتنسب كل صورة لفظ بمادتها الي المعني المناسب لها بمادتها و صورتها فانت في معرفة حسن الاشياء و قبحها تحتاج الي ملاحظة جهة واحدة و في الالفاظ و المعاني تحتاج الي ملاحظة كل تلك الامور في الجهتين بل عند الاقتران ايضاً فاعتبروا يا اولي الابصار و انصفوا ايهما ابعد غوراً و اشد دقةً و اعظم خطراً هل معرفة حسن الاشياء و قبحها او النسبة الذاتية بين الالفاظ و المعاني فان كل‏ما تحتاج في معرفة الحسن و القبح من الامور التي استعظموها و عجزوا عنها و بعث الانبياء و الرسل لعجزهم عن ادراك ذلك مستقلاً تحتاج اليها في معرفة الالفاظ و المعاني ضعف ذلك مرتين بل ثلث مرات مع ان معرفة حقايق الاشياء الخارجية الذاتية و معرفة طبايعها و خواصها لكون اكثرها قريباً الي الحس و الوجدان اسهل بكثير عن (من خ‌ل) معرفة الالفاظ و طبايعها و خواصها و احوالها و عوارضها و لبعد غورها انكرها طائفة و توقف آخرون و لايمكن الاحاطة بتلك النسب و الاضافات علي ما هي عليه الاّ الله (لله خ‌ل) سبحانه و لمن ارتضي من رسول بل ربما يكون المانع للمعرفة و للاظهار في حسن الاشياء و قبحها اقل بالنسبة الي المانع لمعرفة المناسبات الوضعية فان الشريعة لما وجبت عليها الاقبال و الحضور و لاشك اذا عرفها النفس يحصل لها اطمينان و سكون اشد مما اذا لم‏يعرفها و قلدت فيها و لذا ابان الحق سبحانه عن عللها و اسبابها علي جهة الكلية علي السنة الحكماء و الاطباء و الطبيعيين بخلاف الالفاظ اذ لايتفرع شي‏ء من معاشهم و قوام دينهم و دنياهم علي معرفة ذلك نعم ربما يوجد بعض الطرق و السبل الي معرفتها في كلام اهل العصمة و الطهارة عليهم سلام الله لخواص شيعتهم من المؤمنين الممتحنين الذين اشار اليهم اميرالمؤمنين7 بقوله المتبعون لقادة الدين الائمة المهتدين الذين يتأدبون بآدابهم و ينهجون منهجهم يهجم بهم العلم علي حقيقة الايمان فيستلينون من احاديثهم مااستوعره غيرهم الخ و قولي يوجد يعني يظهر و الاّ فما من شي‏ء الاّ و فيه كتاب او سنة.

فظهر لك ان معرفة المناسبة الذاتية اللفظية ابعد غوراً من معرفة الحسن و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 64 *»

القبح فاذا عجز الخلق عن معرفة حسن الاشياء و قبحها فعجزهم عن معرفة ذلك اولي و احري و اليق و قد بينا في بعض رسائلنا سر الوضع و مبدأ الالفاظ و اللغات و نشوها و اختلافها و لم لم‏يبعث نبي لبيانها كالشرايع فلانطول الكلام بذكرها هنا و لا فائدة فيها ايضاً في هذا المقام فافهم ما القي عليك من السر الحق و الكبريت الاحمر.

قــال سلمه الله تعالي: و ايضاً لزم عدم اختلاف اللغات و ايضاً ذاتية الدلالة منافية للدلالة علي الضدين في بعض الالفاظ كالقرء للحيض و الطهر و الجون للابيض و الاسود لعدم تصور اقتضاء ذات الشي‏ء امرين متناقضين (متنافيين خ‌ل) مضافاً الي بداهة ان الاعلام و نحوها لم‏تكن قبل حدوث الوضع دالة علي مايفهم منها بعده.

اقــول: قوله سلمه الله و ايضاً يلزم (لزم خ‌ل) عدم اختلاف اللغات جوابه اعلم ان الله سبحانه قد استوي برحمانيته علي العرش فاعطي كل ذي حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه و قد قال سبحانه و تعالي و ما امرنا الاّ واحدة ثم شرح هذا المعني في الاية الاخري و قال ان الله لايغير مابقوم حتي يغيروا ما بانفسهم فخلق سبحانه و تعالي اولاً بلطيف صنعه مادة الالفاظ و حقيقتها و اصلها و هي هذه الحروف الثمانية و العشرون و هي تناسب كل لغة لكل طائفة كالتراب الذي خلقه سبحانه مادة صالحة لكل جماد و نبات و حيوان و انسان ثم صور تلك المادة علي الهيئات و الاوضاع و الهياكل التي توافق مقتضي كينونات كل طائفة و كل قبيلة بالنوع كاللغة العربية و العجمية و التركية و الهندية و العبرانية و امثالها ثم صور ذلك النوع علي هيئات الاشخاص الجزئية كالتراب الذي جعل منه الانسان و منه الحيوان اي البهايم و جعل من الانسان زيداً و عمرواً و بكراً و من البهايم فرساً و بقراً و غنماً و غير ذلك و في كل ذلك مناسبة ذاتية نوعية و شخصية في الصورة ذلك حكم الله ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قد قال سبحانه و تعالي و من اياته خلق السموات و الارض و اختلاف السنتكم و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 65 *»

 الوانكم فصح لك ان اختلاف اللغات من جهة الصور و الهيئات مع اتحاد المادة و تلك الهيئات تناسب صور الكينونات من المعاني من الذوات و الصفات و تناسب الكل مناسبة ذاتية فلاينافي المناسبة الذاتية اختلاف اللغات لتعدد الجهات و كثرة الاعتبارات فقيل ثمانية و قيل هشت و قيل ارط ذلك تقدير العزيز العليم و اما الجواب عن شبهة النقل فسيأتي.

و قوله سلمه الله و ايضاً ذاتية الدلالة منافية للدلالة علي الضدين اه جوابه ان الله سبحانه اقتضت حكمته الكاملة و قدرته الشاملة و رحمته الواسعة ان‏يجمع بين المتضادين ليدل ان (ليدل علي انه خ‌ل) لا ضد له (فجمع بين المتضادين ليدل علي ان لا ضد له)[7] فجمع بين النور و الظلمة و الخير و الشر و الحرارة و البرودة و اليبوسة و الرطوبة في الانسان الظاهر فيه المراتب متميزة الدرجات الاتري المتولدات فانها جامعة بين الكيفيات المتضادة بحيث يظهر فعل كل منها فيها فيناسب الشي‏ء بذاته للمتضادات بجهات عديدة الاتري الهواء فانه يناسب النار بحرارته و الماء برطوبته و كلاهما عين ذاته فهو شي‏ء واحد يناسب الضدين الماء و النار بذاته و كذا الماء شي‏ء واحد يناسب الضدين الهواء و الارض و هكذا جري صنع الله سبحانه في كل شي‏ء صنع الله الذي اتقن كل شي‏ء و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و كذلك حكم الالفاظ بالنسبة الي جهاتها المتحققة فيها المتخالفة بعضها مع بعض و المتضادة اظهاراً لقدرته الكاملة و ابرازاً لرحمته الواسعة فجمع بين المتضادات و المتعاديات و فرق بين المتؤالفات و المتدانيات فاذا صح ذلك فالواضع عند وضعه لهذا المعني مثلاً لاحظ اللفظ باعتبار مناسبة (مناسبته خ‌ل) بجهة من الجهات و عند وضعه لضده لاحظ باعتبار مناسبته (مناسبة خ‌ل) بالجهة الاخري و لا منافاة في ذلك بل فهذا هو الحكمة البالغة و لولا ذلك لم‏تظهر الحكمة و اذ لم‏يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم نعم مااوردوا انما يصدق لو لم‏تكن للالفاظ جهات كثيرة و هو في

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 66 *»

محل المنع اذ المركب لايتركب الاّ من ضدين و هو وسم (رسم خ‌ل) المخلوقات قال تعالي و من كل شي‏ء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون و البسيط ليس الاّ الله سبحانه (سبحانه و الا خ‌ل) فكل ممكن زوج تركيبي و كل ذلك مركب من الضدين فيناسب كل شي‏ء الاضداد بالمناسبة الذاتية للعقل و النقل و الوجدان و الاحساس فافهم ان كنت تفهم.

و قوله سلمه الله تعالي لعدم تصور اقتضاء ذات الشي‏ء امرين متناقضين (متنافيين خ‌ل) غريب جداً الاتقول ان العدد اما زوج و اما فرد أتري (زوج او فرد أتري ان خ‌ل) اطلاق العدد عليهما بالاشتراك اللفظي و لايقول به عاقل و الاشتراك المعنوي (المعنوي يقتضي خ‌ل) وجود ذلك المعني في الفردين او الافراد فيكون جنساً لذلك او نوعاً و الجنس و النوع لو لم‏يكونا (لم‌يكن خ‌ل) مناسبين للافراد يمتنع اتصافهما بها ففي حقيقة الجنس ذكر للفصل و ذاتي له و ان كان عرضياً بالنسبة الي الوجود العيني و كذلك الحيوان يتحصص في الانسان و الفرس و البقر و الكلب و الحمار و غيرها و هو شي‏ء واحد في المجموع بزعمكم كيف جمع الاضداد و تقول ان الجسم ابيض و اسود كيف اقتضي الجسم السواد و البياض لذاته و هما ضدان نعم هذا الاقتضاء ليس اقتضاءاً اوّلياً بل فيه الذكر المحض و الوجود الخارجي بمتممات القابلية من الشرايط و الاسباب فالجسم يناسب السواد و البياض فاذا اجتمعت شرايط السواد اسودّ في الكون الخارجي و اذا اجتمعت شرايط البياض ابيضّ كذلك و كذلك الالفاظ[8] فان هنا مواداً (مواد خ‌ل) صالحة مقتضية لكل صورة من الاضداد و المتناقضات فاذا اراد الواضع معني من المعاني اخذ من تلك المادة و الفها علي الهيئة المطابقة لكل صورة اراد فالقرء هو شي‏ء واحد يناسب الضدين بجهتين و كذلك الجون للسواد و البياض و لبيان وجه المناسبة مقام اخر فان ما

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 67 *»

ذكرنا هنا كلها الزاميات و ان اشتملت علي تحقيقات شريفة و قوله المتناقضين ان اراد به ماهو المعروف عند العقلاء فهما موجودان و ان اراد به ما يدعونه بدعواهم و يخالفونه في اعمالهم فهو باطل محال ليس في محال القول حجة و لا في المسألة عنه جواب و قدشرحنا هذا المعني في كثير من مباحثاتنا و رسائلنا فافهم ان كنت تفهم.

و قوله سلمه الله تعالي مضافاً الي بداهة ان الاعلام و نحوها الخ جوابه ان الاعلام قبل العلمية مواد ثانوية و هي الهيولي الثانية في عرف الحكماء و هي كالخشبة بالنسبة الي العناصر الاربعة و هي مادة لها و الخشبة مادة للسرير و الصنم و الصندوق و الباب و العمود و الضريح و امثال ذلك فاولاً تحصل الخشبة مثلاً ثم تؤلف تلك الخشبة من حيث هي و تصنع منها السرير و الصنم باضافة الصورة و هي في الاعلام الهيئة الاستعمالية و القراين الشخصية فقبل تلك الهيئات هي مادة صالحة للكل و لم‏تدل علي معين الاّ باضافة الصورة فاذا قلت زيد لم‏يتعين لك تقول من زيد اقول لك ابن‏عمرو فاذا تعين اكتفيت و الاّ تسأل اقول لك الكوفي فان لم‏يتعين اقول من اهل الكناسة و هكذا اضيف لك الصور و الحدود و الهيئات حتي تتعين و الدلالة من المادة و الهيئة الشخصية الاستعمالية فالمناسبة فيها نوعية و شخصية في الاستعمال و لذا تري اهل الجفر اذ (اذا خ‌ل) ارادوا السؤال يأخذون اسم السائل و المسؤول عنه و السؤال و طالع المسألة و اوتارها (اوتادها خ‌ل) و غير ذلك كل ذلك للتعيين حتي يتشخص فيأتي الجواب مطابقاً للسؤال فلولا المناسبة من اين يأتي هذا الجواب هل مباين الشي‏ء يصف ذلك الشي‏ء و يأتي تتمة القول ان شاء الله تعالي.

ففي الاعلام مناسبات نوعية و من جهتها لاتتشخص و لاتتعين لكنها تذكر عندها بالصلوح فاذا قلت لك زيد تحضر عندك كل‌ما يسمي بزيد من حيث الصلوح كما انك عند تعقل المداد تعقل الصورة (الصور خ‌ل) الحرفية من حيث الصلوح و التعين (الصلوح و اما التعيين خ‌ل) و التخصيص فانما هو باضافة الصورة الشخصية و تلك في الاعلام هي الهيئة الاستعمالية فدلت علي المعاني بمناسبة المادة و الصورة

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 68 *»

الشخصية كالسرير و الصنم فدعوي البداهة غريبة نعم هذا شأن الذي يستعجل و قد قال7 ان هذا الدين متين فاوغلوه برفق فان المسرع لا ظهراً ابقي و لا ارضاً قطع و لولا خوف الاطالة لاطلقت عنان القلم في ميدان بيان هذه الاحوال علي اكمل بسط الاّ ان ماذكرنا كفاية لمن طلب الهداية.

قــال سلمه الله تعالي: و استحالة الترجيح بلا مرجح بمعني اختيار احد المتساويين من كل جهة لا بمعني جعل احدهما راجحاً ممنوعة لعدم دليل عليها من العقل و النقل و لو سلمت فنقول يكفي الارادة المستندة الي ارادة الله بايقاعها علي وجه الاختيار في الاختيار فلا حاجة الي المناسبة و لو سلمت فهي انما تقتضي مرجحاً ما من المناسبة يصح الاستناد اليه كالمناسبة المرعية في الاعلام لا المناسبة الذاتية فتكون الدلالة بالوضع بمعني انه سبب لها فبعد العلم به تحصل الدلالة من غير توقف علي ارادة المتكلم كمايشهد عليه الرجوع الي العرف لان العلم باحد المضاعفين (المتضايفين ظ) يستلزم العلم بالآخر.

اقــول: الي هنا انتهت الوجوه التي اتي بها لبطلان هذا القول و الآن شرع في ابطال ماتمسك به اصحاب المناسبة لكنه لماكانت الوجوه التي ذكرها كلها هي التي ذكرها الاصوليون في الكتب الاصولية و نقلها سلمه الله تعالي الي هذا الكتاب و بقي لهم وجه آخر ماذكره سلمه الله اما لانه ماعثر عليه او لانه مارآه دليلاً كيف و هو اقوي من الادلة التي ذكرها بكثير و ان كان كلها يسقي بماء واحد وجب علينا ان‏نذكر ذلك الدليل ايضاً و نبطله لئلايكون لمحتج حجة و يخلص الامر و لا حول و لا قوة الاّ بالله العلي العظيم فنقول انهم قالوا لو كانت المناسبة ذاتية لامتنع جعل اللفظ بواسطة القرينة بحيث يدل علي المعني المجازي دون الحقيقي لان ما بالذات لايزول بالغير و التالي باطل قطعاً لوقوع ذلك و شيوعه فكذا المقدم و الملازمة ظاهرة.

جوابه ان الاشياء و المعاني لها جهات كثيرة و حيثيات و اعتبارات حقيقية و نفس الامرية و كذا الالفاظ لها جهات عديدة و حيثيات كثيرة و تختلف جهات

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 69 *»

المناسبة بينها و بين المعاني ففي بعضها اقوي و في بعضها اضعف و في بعضها اكثر و في بعضها اقل باعتبار الاعتبارات و اللفظ (فاللفظ خ‌ل) يناسب المعني الحقيقي من جهتين من جهة المعني الموجود فيه و الصفة الحالة فيه و من جهة المحل و لماكان اللفظ يناسبه بتلك الجهتين عين الواضع العارف بجهات المناسبة ذلك اللفظ لذلك المعني لاستحقاقه به دون غيره لرجحانه و الاّ يلزم اما عدم الوضع او ترجيح المرجوح و كلاهما باطلان فلذا وجب علي واضع اللغة ان يعين الالفاظ لمعانيها الحقيقية علي سبيل الشخصية و ان كان بالنوع لعلمه بالمناسبة التامة بينهما و لما اراد ان‏يوسع علينا الامر في الافادة و الاستفادة و الفصاحة و البلاغة اذن لنا و رخصنا ان‏نستعمل تلك الالفاظ الموضوعة للمعاني الحقيقية الاولية الاصلية باعتبار المناسبة الحقيقية بينهما فيمايناسب تلك المعاني فاذا وجدنا المناسبة بين معني و المعني الحقيقي فانما هي اضعف مماهو في المعني الحقيقي لكون المعني الحقيقي يعتبر منه (فيه ‌خ‌ل) الامران المعني و المحل فاللفظ الموضوع له انما يناسبه من تلك الجهتين فاذا وجدنا المناسبة للمعني بجهة فانما هو يناسب اللفظ ايضاً لان مناسب المناسب للشي‏ء مناسب لذلك الشي‏ء و لماكانت المناسبة بين اللفظ و معناه الحقيقي اكثر و اشد و اقوي لكونها بجهتين من مناسبته بالمعني المناسب للمعني الحقيقي لكونها فيه بجهة واحدة اقتضي ان‏يكون الاستعمال في الثاني ثانياً و الاّ لكان ترجيحاً للمرجوح فكان استعماله فيمايناسب المعني الاول مجازاً و ان كان المناسبة (بالمناسبة خ‌ل) لانها تدركه الخلق بما اصل لهم الواضع من القانون الكلي بحيث لاتكون الدلالة عبثاً و هباءاً خالياً من المناسبة و المرابطة التي هي اقتضاء حكمة الحكيم ذلك تقدير العزيز العليم.

و لماكان الخلق جاهلين باسرار الوضع و ادراك حقايق المناسبات ليدركونها بشدة المناسبة و قوتها و كثرتها و ضعفها و قلتها و يفرقوا بين الاستعمال الاول و الثاني بذلك اوجب عليهم الواضع ان‏يجعلوا لهم علامة لئلايشتبه الامر و ذلك لنقصانهم و عجزهم و قصورهم و لو لم‏يكونوا كذلك لساغ لهم الاستعمال من غير نصب قرينة فان نفس المناسبة

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 70 *»

هي القرينة الحقيقة (الحقيقية ‌خ‌ل) الكاملة التامة و لما لم‏يمكنهم تلك احتاجوا اليها ولكن لاتغفل عن الوجه الآخر في هذا المقام فانه اوفق فافهم.

و اما قولكم ما بالذات لايزول بالغير فليس بمحله في هذا المقام لانا ما ادعينا زوال المناسبة الذاتية بالقرينة هل (بل خ‌ل) المناسبة موجودة في كلا الاستعمالين و ان كانت مختلفة في الشدة و الضعف المقتضيان للحقيقة و المجاز لتعدد جهات اللفظ و اعتباراته و كذا المعني و اما القرينة انما احتجنا اليها لماذكرنا من احد الامرين للفرق بين الاستعمالين لعجز المستعمل و السامع و قصورهما عن ادراك المناسبة بدونها فلو تمكنا من ذلك لاستغنيا عن القرينة فافهم.

و قوله سلمه الله تعالي و استحالة الترجيح الي قوله ممنوعة قال بعض السادة الاجلاء تغمده الله برحمته في شرحه علي الوافية بما لفظه: علي القول بان الواضع هو الله تعالي فالارادة و ان صلحت للترجيح لرجوعها الي العلم بالاصلح في حقه تعالي كماحقق في محله الاّ ان الاصلحية التي هي مناط تعلق الارادة انما تكون مع الاختلاف و اما مع التساوي كماهو المفروض فالاصلحية غير معقولة اصلاً و بدون الرجوع الي العلم بالاصلح لايصلح الارادة للترجيح الاّ علي القول بجواز الترجيح من غير مرجح كما ذهب (ذهبت خ‌ل) اليه الاشاعرة و حينئذ كان الجواب منع بطلان التالي لا منع الملازمة كماتوهمه المجيب و اما علي اصول الامامية و المعتزلة من امتناع الترجيح بلامرجح فلايستقيم الجواب اصلاً فان المراد من المرجح ماعدا الارادة او المرجح لها و اما الارادة فهي بنفسها لايستقل بالترجيح عندهم و علي القول بان الواضع هو البشر لايصح القول بان المرجح هو الخطور بالبال مطلقاً اذ كثيراً ما يخطر الالفاظ الكثيرة ببال الانسان و مع‏ذلك فلايعين الاّ لفظاً مخصوصاً.

ثم قال ره و الصواب ان‏يقال ان استحالة الترجيح بلا مرجح انما يقتضي استدعاء الوضع مرجحاً يصلح للتعليل به مطلقاً و لايلزم من ذلك تحقق المناسبة الذاتية بين اللفظ و المعني لجواز ان‏يكون المرجح امراً اخر كالمناسبة للرعية (المرعية خ‌ل) في وضع الاعلام و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 71 *»

المناسبة الحاصلة في صفات الحروف و هيئاتها الحسية علي ماذكر ائمة الاشتقاق و التصريف و لو سلم فوجود المناسبة الذاتية بين اللفظ و المعني مايقتضي دلالة اللفظ علي المعني كماهو المطلوب اذ ليس كل امر ثابت في الشي‏ء ظاهراً فيه و لا كل مناسب له دالاًّ عليه انتهي كلامه اعلي الله مقامه.

اقول و قوله سلمه الله تعالي استحالة الترجيح الخ ان اراد[9] به بطلان الملازمة علي خلاف الظاهر فجواب السيد واف شاف بنسبة (بالنسبة الي خ‌ل) مقامه في هذا المقام و ان اراد به بطلان التالي فمع انه خلاف اصول الامامية و التفصيل الذي ذكره لاينفعه نقول انه قداتفقت كلمة العقلاء باجمعهم بان الامكان لايترجح من نحو ذاته بل يحتاج الي مرجح[10] و ليس ذلك الاّ من جهة تساوي طرفي الامكان في الوجود و العدم و هذا لا اشكال فيه و عليه بنوا استدلالاتهم في التوحيد و غيره و ذلك المرجح لماكان ليس حيثية ذاته و الاّ لكان المرجح صفة ذاتية له لا فعلية مع انه لاشك ان المرجح كالفاعل و الخالق لصحة السلب صفة فعلية لا ذاتية و الصفة الفعلية مؤخرة فحينئذ اقول هل المرجح يرجح بالترجيح ام بغيره فان كان بغيره لم‏يكن مرجحاً لان الترجيح مأخوذ في ذاته لمكان المشتق و الاّ لكان كذباً فصح ان‏تقول للصادق انه كاذب و بالعكس فاذا صح الترجيح فهل هو لاقتضاء الترجيح (المترجح خ‌ل) اياه ام بغير اقتضاه فان كان الاول ثبت المطلوب فلم‏يكن الترجيح من غير مرجح و ترجح و ان كان الثاني فلم‏يكن مرجحاً لان نسبة الفاعل الي جميع مفعولاته متساوية فتعلق فعله بهذا دون هذا و العكس في حيز الامكان فلايتعلق الاّ بمرجح و ترجيح و الفاعل ليس امره الاّ واحدة([11]) و لم‏يكن علي هذا التقدير حكيماً بل كان

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 72 *»

عابثاً لان الحكمة هي وضع الشي‏ء في موضعه و الموضع لو لم‏يكن له خصوصية لم‏يكن موضعاً و جعله موضعاً ابتداءاً من غير خصوصية يوجب الاول و لكان للمخلوق (للخلق خ‌ل) حجة علي الخالق و لم‏يصدق قوله تعالي الله اعلم حيث يجعل رسالته اذ لقائل ان‏يقول من قبل الكفار لو جعلت ذلك ايضاً محلاً لصلح فلذا ادعوا حيث قالوا لن‏نؤمن حتي نؤتي مثل مااوتي رسل الله و لاتقل ان الخصوصية قديمة فانا نتبرؤ الي الله تعالي من القول بقدم الاعيان و قدم شي‏ء سوي الله سبحانه فكيف يمكن الترجيح من غير مرجح.([12])

و اما قولكم ان الارادة هي المرجحة فنقول ماتعنون بالارادة هل هي كمايقوله (يقول خ‌ل) المتكلمون من العلم بالاصلح و هذا مع انه فاسد من اصله يقتضي المرجح غيرها لان الاصلحية لاتكون الاّ من قبل الشي‏ء او كمايقوله اهل العصمة و الطهارة سلام الله عليهم و انعقد اجماعهم علي ذلك من ان الارادة انما هي الفعل و الاحداث قال مولينا الرضا7 علي مارواه الكليني في الكافي و الصدوق في التوحيد و العيون في الفرق بين ارادة المخلوق و ارادة الخالق قال ان ارادة المخلوق هي الضمير و مايبدو لهم بعد ذلك من الفعل و اما ارادة الله فاحداثه لاغير لانه لايروي و لايهم و لايفكر و انما يقول للشي‏ء كن فيكون من غير لفظ و لا كيف لذلك كما انه لا كيف له و قال ايضاً7 علي ما في التوحيد ان المشية و الارادة و الاختراع معناها واحد و اسماؤها ثلثة فاذا كانت الارادة هي الفعل أتجوز ان‏يكون فعل الحكيم عبثاً و هباءً او فعل العاقل او فعل الجاهل او المجنون فان المجنون لايفعل الاّ لترجيح عنده و ان كان ذلك باطلاً عندك و الله سبحانه و تعالي يقول أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً([13]).

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 73 *»

و بالجملة لاتكون الحكمة عامة و لايكون حكيم (الحكيم خ‌ل) علي الاطلاق الاّ اذا كان جميع افعاله علي مقتضي الحكمة و المصلحة و هذه الحكمة لو كانت راجعة الي ذاته العياذ بالله فيجب ان‏يكون (لايكون خ‌ل) بين الاشياء تقدم و تأخر و جوهرية و عرضية و توالد و تناسل و حركات و سعي و كلفة (و طلب خ‌ل) و مشقة و امثالها ممانراها عياناً و مشاهدة لان ذات الله سبحانه موجودة و الحكمة لاتنتسب الاّ الي الذات فما وجه التخلف لم كان ابونا ادم بعد هذا الخلق الكثير و بعد الجان و الملائكة و لم كان نبينا9 بعد الانبياء مع انه موجود قبلهم و هو اصلهم و ذاتهم و شمسهم (و خ‌ل) لولا الحكمة الراجعة الي المخلوق باقتضاء اكوانهم و اعيانهم و حيثياتهم.

و بالجملة فالقول بان فعل الله سبحانه يتعلق بالاشياء من غير حكمة و مصلحة و يكون ذلك عبثاً قول زور و توهم كاسد و تخيل فاسد و لاتتوهم (لاتتخيل خ‌ل) ان الحكمة هي العلة الغائية بل هي و مواقع ظهوراتها الخاصة فيسئل حينئذ لم خلق النبات نباتاً و الجماد جماداً و المعدن معدناً و لم‏يخلق الكل انساناً ذوات شعور و ادراك و كمال و لم‏يجعل الانسان غنياً غير محوج الي هذه المراتب فلو كانت الارادة هي المرجحة لكان للخلق علي ربهم حجة عظيمة تعالي ربي عن ذلك علواً كبيرا.

و العجب منهم حيث يقولون في مقام النقض ان الله سبحانه خص بعض الحوادث في زمان و مكان دون الاخر لمحض الارادة و هذا هو قول الاشاعرة فانهم لاينكرون ارادة الله بل ينسبون الاشياء كلها (ينسبون كل الاشياء خ‌ل) الي ارادته سبحانه من غير مرجح و بهذا ينفتح باب شرعية الحسن و القبح اذا كانت ارادة الله هي المرجحة ترجح هذا و تجعله حسناً من غير خصوصية و تجعل الآخر قبيحاً كذلك كيف تنكر هذا و تقول ذلك مع ان المأخذ واحد.

و هل تظن ان الاشاعرة القائلين بهذا القول السخيف انما قالوا به من جهة انهم فهموا الامر كذلك و رجحوا ذلك بعقولهم (بقولهم خ‌ل) لا والله ماكان ذلك و انما ابتدع هذه الآراء الفاسدة علي بن اسمعيل ابن ابي‏بشر (ابي بشير خ‌ل) الاشعري القاضي بالبصرة عناداً

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 74 *»

لآل‏محمد سلام الله عليهم حيث وجدهم مطبقين علي بطلان قدم المشية و بطلان الترجيح من غير مرجح و بطلان قدم الكلام و بطلان الجبر و امثال هذه الامور و هو كان قاضياً من قبل الحكام و وجد ميل سلاطين الجور الي اطفاء انوار (نور خ‌ل) آل‏محمد سلام الله عليهم و اخماد ذكرهم و تفريق جمعهم و تشتيت شملهم و غرته الدنيا و باع آخرته بالثمر الاوكس الادني صعد المنبر و قال ايها الناس من عرفني فقدعرفني و من لم‏يعرفني فاني اعرفه بنفسي انا علي بن اسمعيل ابن ابي‏بشر (ابي‌بشير خ‌ل) الاشعري كنت سابقاً اقول بحدوث الكلام و حدوث المشية و ان الله لايفعل الاّ لغرض (لايفعل لغرض خ‌ل) و ان الشر ليس من الله و الان تبرأت الي الله من هذا القول و اقول ان كلام الله قديم و مشيته قديمة و ان الله لايفعل لغرض و ان الخير و الشر من الله و ان الترجيح من غير مرجح صحيح و غيرها ثم نزل عن المنبر و صنف خمسين كتاباً في هذا الباب و لاتظن ان الذين تبعوه تبعوه عن بصيرة و معرفة او انهم جهلوا الامر و اشتبه عليهم لا و الله ماكان ذلك انما كان بقوة السلطان و السيف اشتهر كتبه و كل من يخالفه يكون (كان خ‌ل) مبغوضاً عند السلطان فاطاعوه و قبلوا منه كما اطاعوا الخلفاء و الآن لاتظن ان علماء العامة جاهلون بالامر لا والله بل اخذتهم العصبية و حمية الجاهلية و خوفاً لفضاحة الاولين و تخريب امرهم في الاخرين الاّ ان كتبهم و مصنفاتهم لمااشتهرت و انتشرت و اختفت آثار آل‏محمد سلام الله عليهم عند الذي يزعم ذلك و الاّ فهي اظهر شي‏ء عند الذين تعلقوا بهم فالتجأ علماؤنا في علومهم و معارفهم الي النظر الي كتب المخالفين و مصنفاتهم و زبرهم و ارادوا ان‏يأخذوا الحق منهم و ان تأولوا ذلك بحديث الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها طلبها فدخلت عليهم الشبهة و رسخ فيهم الخلط و اللطخ فقالوا و جوزوا الترجيح بلا مرجح مثلاً و قدم المشية و امثالهما و قدانعقد اجماع ائمتنا: علي خلاف ذلك و نعم ماقال دعبل الخزاعي;

و لو قلدوا الموصي اليه امورهم لزمت بمأمون عن العثرات

 

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 75 *»

ثم العجب من التفصيل الذي فصل اطال الله بقاه و قال ان الترجيح بلا مرجح له معنيان احدهما ان‏يختار احد المتساويين من كل جهة و ثانيهما جعل احدهما راجحاً و الاخر مرجوحاً من غير امر زايد علي ذاتهما و الثاني باطل قطعاً لاجماع الامامية علي بطلان الترجيح بلامرجح و هو ينصرف الي هذا الوجه لا الوجه الاول اذ لم‏يثبت دليل علي امتناعه و لست ادري ثبت دليل علي صحته او هي كفساده من غير دليل و هل عدم الدليل دليل علي العدم او حكمه مسكوت عنه و علي كل التقادير هذا تفصيل غريب و تحقيق عجيب كانه فهم سلمه الله تعالي معني الترجيح من غير مرجح او معه جعله راجحاً بمعني اي حسناً ممدوحاً (راجحا اي ممدوحا حسنا خ‌ل) فمعني الترجيح بلامرجح هو ان‏يجعله حسناً ممدوحاً محموداً من غير رجحانه في نفسه و هو باطل لماثبت من عقلية الحسن و القبح و اما اختيار احد المتساويين من كل جهة فلا و ما التفت سلمه الله الي ان الامرين واحد و الفرق تحكم لان هذا الذي يختار احد المتساويين لملائمة بينه و بين المختار من استكمال او اكمال و (او خ‌ل) وصول و (او خ‌ل) ايصال و (او خ‌ل) بلاغ او تبليغ فيكون المختار احسن بالنسبة اليه و اولي و اليق بالنسبة الي غيره و لا اقل من اكتسائه حلية الوجود و بقاء الآخر في ظلمة عدم الامكان و اي حسن احسن من الوجود بالنسبة الي العدم لان قبل الاختيار كان اختيار احدهما دون الآخر في حيز الامكان متساوي الوجود و العدم فلما اختار احدهما و نسبه الي نفسه مستكملاً او مكملاً صار ذلك ارجح و اولي و اقدم لانتسابه اليه بخلاف الاخر فانه بقي في عالم الليس الاّ ان الراجح و المرجوح علي انحاء كثيرة في القوة و الضعف و الكثرة و القلة و العموم و الخصوص و تختلف الراجحية و المرجوحية بحسب الاصقاع و الازمان و الاشخاص و غير ذلك فاذن صار في القسمين واحداً فمن ينكر هذا فليسأل الله ان‏يصلح وجدانه مع ان الذي اشتهر عندهم و صار معركة للآراء ليس الاّ اختيار احد المتساويين من كل جهة و معني اختيار احد المتساويين هو جعل احدهما راجحاً و الآخر مرجوحاً فاذا تساوت النسبة بين الصلوة و الزنا فجعل احدهما

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 76 *»

مقوماً و الآخر مفنياً او احدهما مقوماً و الآخر مسكوتاً عنه كالرغيفين مثلاً كمايزعمون فجعل احدهما مقوماً للبدن و ساداً للجوع و مقوياً للحرارة الغريزية من دون الآخر لاشك في قبحه و انه لايصدر من الحكيم و مآل الامرين الي الواحد.

فان قلت فعلي هذا يلزم ان الله سبحانه لماخلق الكفار في جميع مراتبهم ان‏يجعلهم راجحين ممدوحين قلت ان الله سبحانه و تعالي لم‏يخلق الكافر كافراً تعالي ربي عن ذلك علواً كبيراً بل خلق اعيانهم اولاً و لاشك (لا شك ان خ‌ل) ذلك حسن و جميل ثم خلق الكفر فيهم بطلبهم اياه بانكارهم و هذا واجب و حسن و راجح و تركه قبيح فتبعيدك القاذورات عن مجلسك حسن و ادخالها فيه قبيح و الله لم‏يفعل (لايفعل خ‌ل) الاّ الحسن الجميل فلو ان الكافر حين انكر و كفر حكم عليه بالايمان لكان فاعلاً للقبيح (للقبح خ‌ل) تعالي ربي عن ذلك و ليس هذا المقام محل تحقيق هذه المسألة و مجمل الكلام ان اختيار احد المتساويين لايكون الاّ بجعل (بان يجعل خ‌ل) احدهما ارجح من الاخر و هذا لاشك فيه و لا ريب يعتريه.

و قوله سلمه الله لعدم دليل عليها من العقل و النقل, باطل لقيام الدليل عليها من العقل و النقل اما العقل فقدسبق و ازيدك اتماماً للحجة و اكمالاً للنعمة و اقول انه لا ريب ان نسبة الفاعل الي جميع مفعولاته علي السوي اي قدرته عليها و علمه بها علي حد واحد ليس علي بعضها اقدر منه بالنسبة الي الآخر فلو تفاوتت لم‏يكن لها فاعلاً مستقلاً بل هناك جزء علة هف فاذا صح ذلك فلو كان الفاعل في ايجاد مفعولاته في عالم الكون و الوجود و الشهود و ان اجتمعت كلها عنده في عالم الامكان و الصلوح لم‏ينتظر مرجحاً لوجودها من الشرايط و الاسباب و اللوازم و المعدات من المتممات و المكملات لوجب ان‏يوجد كلها دفعة واحدة لوجود المقتضي و هو القدرة و العلم و ارادة الايجاد و رفع الموانع من فقد الشرايط و الاسباب و المعدات و غيرها و هذه القاعدة اي وجوب الايجاد عند وجود المقتضي و رفع الموانع من الامور المسلمة التي لايشك فيها احد من العقلاء و الاّ يلزم الظلم و ترجيح المرجوح و ان لايكون حكيماً و ان‏

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 77 *»

يكون ظالماً بخيلاً و البديهة تشهد ان الفاعل لم‏توجد مفعولاته كلها دفعة بل توجد متدرجة عند اتمام قابلياتها من شرايطها و اسباب تكوينها من العلل المادية و الصورية و غيرها فثبت ان الفاعل ينتظر مرجحات وجود المفعولات لا لنقص فيه بل لنقص في المفعولات و منشأ تحقق المرجحات و اختلاف المفعولات و تفاوت الاستعدادات و تحقق القابليات لايمكن بيانها لانها من اسرار القدر نعم بالمواجهة ربما يتيسر شي‏ء من ذلك و الله الموفق.

فان قلت ماذكرت يدل علي الاثبات و لايدل علي الاستحالة كماهو المفروض قلت بلي يدل علي ذلك لان تخلف المقتضي عن المقتضي ممتنع من غير المانع و لاشك ان المفعول من مقتضيات فعل الفاعل فاذ لم‏يكن مانع لم‏يتخلف و لو ان الارادة هي المرجحة لم‏يتخلف شي‏ء عن الكون و الوجود و الضرورة تشهد بخلافه.

و اما النقل ففي الكتاب و السنة كثير لايحصي و منه قوله تعالي الذي اعطي كل شي‏ء خلقه ثم هدي و منه قوله تعالي الذي احسن كل شي‏ء خلقه و قوله تعالي بل اتيناهم بذكرهم و قوله تعالي بل طبع الله عليها بكفرهم يهديهم ربهم بايمانهم و قوله تعالي و ماكان الناس الا امة واحدة فاختلفوا و قوله تعالي و يؤت كل ذي فضل فضله و قوله تعالي ان الله لايغير مابقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و قوله تعالي اذا اردنا ان‏نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها و هذه و امثالها كلها واضح الدلالة علي ان الله سبحانه لايفعل الاّ بالاسباب و المرجحات الخارجة عن الارادة الم‏تسمع قوله تعالي ليس بامانيكم و لا اماني اهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به الم‏تتأمل في قوله تعالي انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون و الضمير الفاعل في فيكون لايرجع الاّ الي المكون لا الي الفاعل فيكون المفعول هو فاعل فعل الفاعل فافهم ان كنت تفهم و الاّ فاسلم تسلم.

فان كنت ذا فهم تشاهد ماقلنا و ان لم‏يكن فهم فيأخذه عنا
و ما ثم الاّ ماذكرناه فاعتمد عليه و كن في الحال فيه كماكنا

 

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 78 *»

و قد قال الله تعالي ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و ما خلقكم و لا بعثكم الاّ كنفس واحدة و ما امرنا الاّ واحدة. فاذا ثبت امر في شي‏ء يثبت في الكل و التغيير لاختلاف (التغيير في خ‌ل) الموضوعات فافهم.

و اما السنة فكثيرة منها قوله7 ابي الله ان‏يجري الاشياء الاّ بالاسباب و لاشك انها غير الارادة و قوله7 في قوله تعالي الرحمن علي العرش استوي ما معناه استوي فليس شي‏ء اقرب اليه من شي‏ء فاعطي كل ذي حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه و قوله7 ما معناه ليس بين الله و بين خلقه قرابة و نسبة و انما تتفاضلون بالاعمال انتهي و هذا يعم الحكم التشريعي و التكويني و الاّ لتحققت النسبة و القرابة هناك و هو خلاف المفروض و امثالها من الاحاديث كثيرة و انا الآن ليس لي قلب اتفتش الاخبار و اذكرها الاّ انك اذا فتشت وجدت.

فلو ان الترجيح من غير مرجح و اختيار احد المتساويين صحيح جايز و لايجوز شي‏ء علي الله الاّ و قد وجب اذ ليس هنا امكان و فقر لماصح ملاحظة الاسباب الخارجة عن الارادة و لماصح قوله7 حكاية عن الله اني جعلت معصية ادم سبباً لعمارة العالم و امثالها و كاني بكم تقولون ان هذه اخبار آحاد لاتفيد علماً و لا عملاً و انا اقل مااقول لكم اولاً انك اذا تتبعت الاخبار وجدت هذا المعني متواتراً معنوياً يلزمكم العمل عليه و ثانياً ان الاخبار اذا طابقت الاعتبار و شهد لها كلام الله القادر (الخالق خ‌ل) الجبار وجب العمل عليها في الاعلان و الاسرار نعم ربما يبقي لكم الكلام في دلالة هذه الايات و الروايات علي المدعي فو الله لولا خوف الاطالة و تبلبل البال و اغتشاش الاحوال بتواتر الاعراض و توارد الامراض لبينت ذلك و اوردت جميع الشبهات التي لكم في مقام التدقيقات اللفظية و اريتكم اينا اضعف ناصراً و اقل عددا.

اعلم انهم قديتمسكون في دعوي اختيار احد المتساويين من كل جهة و الترجيح بلا مرجح بطريقي الهارب و رغيفي الجايع و قدحي العطشان و جوابه انه في الاغلب يوجد المرجح للمختار في الاختيار من انواع الميولات و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 79 *»

انحاء الاقتضاءات الوضعية سيما في هذه الامثلة و لو فرض اعدامه في نظره في عالم الشهادة فاين انت من عالم الغيب من المرجحات الكونية و المناسبات الوجودية و لو لم‏يشعر لنقصانه في العلم من جهة احتجابه بغواشي حجب الطبيعة و الاعمال و نسيانه مامضي عليه من الاحوال اتمه له جابر الكسير و معطي الفقير ليتم له مااختاره و هو اختياره قال الله سبحانه له معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من امر الله و قال (و هو قوله‌خ‌ل) 7 لو كشف لكم الغطايا (الغطاء‌خ‌ل) لمااخترتم الاّ الواقع و قال النبي9 اعملوا فكل ميسر لماخلق له و كل عامل بعمله فافهم.

قوله سلمه الله تعالي و لو سلمت فنقول يكفي الارادة المستندة الي قوله فلا حاجة الي المناسبة اول ما فيه انه فهم ان اهل المناسبة يقولون ان الواضع هو البشر خاصة لانه الظاهر من قوله يكفي الارادة المستندة الي ارادة الله اذ لايجوز ان‏يكون الارادة المستندة عين الارادة المستندة اليها ليكون المنسوب عين المنسوب اليه فحيث جعل المنسوب اليه هو ارادة الله سبحانه فيكون المنسوب هو ارادة العبد مع ان اهل المناسبة لايحصرون الواضع في الخلق بل ما اظن ان احداً من القائلين بالمناسبة نسب الوضع الي البشر فلا معني لهذا الشق في مقام الالزام الاّ ان‏يقال هذا الكلام علي فرض ادعائهم ذلك و هو كماتري و (او خ‌ل) نوجه كلامه سلمه الله بان اهل المناسبة يريدون باستحالة الترجيح بلا مرجح نفي الوضع بان الدلالة لو كانت بالوضع وحده للزم الترجيح بلا مرجح عند التعيين و التخصيص و بطلان التالي يستلزم بطلان المقدم فاذن يتوجه ماقال سلمه الله لكنك لو فتحت عينك لعلمت بان كلامهم اعم مما الزموا عليهم و ادعوا فيهم فان بطلان التالي يستلزم بطلان المقدم خاصة لا مطلقاً و المأخوذ في المقدم الوضع وحده و هو يبطل ببطلان التالي لكن بطلان الوضع وحده لايستلزم عدم الوضع مطلقاً لعله يكون من الامرين اذ يبقي حينئذ احتمالان بل ماذكرنا سابقاً من الصور الكثيرة التي تزيد علي الستين فكيف يجعلون (تجعلون خ‌ل) لازم كلامهم هذا الشق دون الآخر لعلهم ارادوا ذلك و قدقلنا لك انهم

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 80 *»

ما ارادوا غيره فان قلت ان العلماء هكذا نقلوا عنهم و هم ثقات و شهادتهم حجة قلت لم‏نجد احداً ممن قال بالمناسبة قال ذلك و لا في كلماتهم مايشير اليه و الناقلون لايستندون في نقلهم الي السماع عنهم و انما يستندون الي اجتهادهم من دليلهم و استعجالاً بالامر و لذا نقول ان الحق ان التوثيق و التضعيف و الجرح و التعديل في الرجال كلها من باب الظنون الاجتهادية ليست من الشهادة و لا من الرواية مع ان بين المقامين فرق (فرقا خ‌ل) فان وجدتم استنادهم اليهم معنعناً هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين فظهر لك ان ماذكره سلمه الله انما يتم اذا انكروا الوضع اصلاً او نسبوا الوضع الي البشر و كلاهما في محل المنع فلم‏ يتم التقريب.

و قوله الارادة المستندة الي ارادة الله سبحانه انما يشير الي قوله تعالي و ماتشاؤن الاّ ان‏يشاء الله (و قوله‌تعالي خ‌ل) و مارميت اذ رميت و لكن الله رمي و قوله تعالي خطاباً لداود انت تريد و انا اريد ثم لايكون الاّ مااريد الحديث و قوله7 لايكون شي‏ء في الارض و (و لا في خ‌ل) السماء الاّ بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن زعم انه يقدر علي نقص واحدة منها فقدكفر و في رواية اخري فقداشرك و هذا كلام صحيح لا اشكال فيه لكن قوله يكفي لايخفي انه مايكفي اذ لاشك ان العابث و السفيه و امثالهما ليسا مستقلين و انما هما بالله سبحانه و ارادتهما منسوبة الي ارادة الله سبحانه اذ لايمكنك ان‏تمنع ذلك و مايمكنك تمنع بطلانهما و لاشي‏ء يقع في الارض و لا في السماء من الخير و الشر و الحق و الباطل الاّ بمشية الله سبحانه و ارادته و علي هذا يجب ان‏يقبل كل شي‏ء و لاينكر المنكر لان المنكر و المعاند و المبطل و العاصي و المخطي و غيرهم في ارادتهم منسوبون الي الله سبحانه أيكفي هذا الاستناد في صحة افعالهم و اعمالهم حاشا و كلا و هذا بعينه قول الصوفية المباحية و مايضاهيهم من القائلين بوحدة الوجود و قدقال ابن‏عربي مميت الدين عندنا و محيي الدين عند غيرنا في فتوحاته التي هي الحتوفات عندنا ان كل شي‏ء حق و يؤول الي الحق و لاينبغي ان‏يكره (ينكره خ‌ل) شي‏ء و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 81 *»

كل شي‏ء علي الحق و علي صراط مستقيم و استدل بقوله تعالي و ما من دابة الاّ هو آخذ بناصيتها ان ربي علي صراط مستقيم قال فاذا كان ناصية كل شي‏ء بيد الله و الله علي الصراط المستقيم فيكون كل شي‏ء علي الصراط المستقيم.

و قوله سلمه الله اشبه الاشياء بقوله بل هو عين قوله نعوذ بالله من طغيان الاقلام و زلل الاقدام و لئن اغمضنا عن كل ماذكرنا و سلمنا ماقال نقول ان مراده بالارادة المستندة هو ان ارادة العبد تابعة لارادة الله لا بحيث يلزم الجبر فحينئذ هل ارادة الله تعلقت بالوضع من غير ترجيح بل من باب اختيار احد المتساويين من كل جهة من دون مرجح غير ارادته ام لا بل من جهة الترجيح الخارجي الذي هو المناسبة فان قلت بالاول نقول قدسبق مادل علي بطلانه من العقل و النقل مع ان هذا هو قولك الاول فلا معني لهذا الكلام و لايحتاج ايضاً الي هذا الاستناد ان انت لم‏تنف الاختيار فلو نسبت الي العبد ايضاً لادي هذا المؤدي و ان قلت بالثاني بطل قولك فلا حاجة الي المناسبة لان الترجيح للتعيين غير الارادة لايكون غيرها فماذا تقولون و اين تذهبون.

قــوله سلمه الله تعالي: و لو سلمت فهي انما تقتضي مرجحاًما من المناسبة يصح الاستناد اليه.

اقــول: و ليت شعري ماذا يريدون من المناسبة الذاتية و اظنهم يتوهمون فيما اذا قالوا ان الواضع هو الله ان الله سبحانه و تعالي خلق اولاً الالفاظ و صورها بهذه الصور هكذا اتفاقاً ثم وضع كل لفظ لمعني من غير نسبة و ارتباط و اذا قالوا بالمناسبة الذاتية يعنون ان هذه الالفاظ التي صورها الله سبحانه و الفها اتفق ان من الهيئة الاجتماعية حصلت نسبة و رابطة تقتضي معني مخصوصاً لاتقتضي غيرها ابداً و يعرفها كل من يراها و اذا قالوا ان الواضع هو البشر يعنون ان الله سبحانه صور هذه الالفاظ من غير ملاحظة معني من المعاني او ان البشر صور لفظاً ثم جعله لمعني آخر فلو لم‏نحمل كلامهم علي هذا لم‏يتصور لكلامهم معني محصل و كل اعتراضاتهم و تدقيقاتهم علي اهل المناسبة كلها تتوجه علي الذي ذكرت و لو لم‏يقولوا هذا بلسان مقالهم فان لسان حالهم تشهد بذلك و تنادي بماهنالك و انت قدعرفت ما (مما خ‌ل) حققنا لك سابقاً ان هذه كلها اقوال

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 82 *»

باطلة و ظنون فاسدة و الله سبحانه اجل من ان‏يجعل شيئاً و لايقصده و يكون ذلك منه علي سبيل الاتفاق و لعمري ان ذلك (هذا خ‌ل) مذهب ذيمقراطيس الذي يقول ان العالم كان بالاتفاق و حكم البعض هو حكم الكل لايتفاوت بين من يقول باتفاقية الكل او البعض لان حكم الله علي الكل علي طور واحد ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قداقمنا علي ماقلنا براهين سديدة مستنبطة من العترة الطاهرة في ساير ماكتبنا فكيف يقال ان الله سبحانه و تعالي خلق الالفاظ علي صور شتي و هيئات مختلفة و اوضاع متفاوتة كل ذلك من غير حكمة و قصد مصلحة فيجعل بعضها مفردة كهمزة الاستفهام و بعضها مركبة ثلاثية و رباعية و خماسية مجردة و مزيد (مزيداً خ‌ل) فيه مشتقة و جامدة منصرفة و غير منصرفة معتلة و صحيحة مهموزة و مدغمة و مضاعفة افعالاً و اسماء و حروفاً يكثر في بعضها من الحروف المجهورة او المهموسة و الشديدة او الرخوة و المستعلية او المستفلية و المطبقة او المفتحة و الحارة او الباردة و اليابسة او الرطبة و النورانية او الظلمانية و الفلكية او العنصرية و الشمسية او القمرية و المتواخية او المتعاوية (المتعادية خ‌ل) و يقللها في البعض الآخر اتجوز ان‏يكون كل ذلك علي سبيل الاتفاق و لايقصد من ذلك شيئاً (شيء خ‌ل) مع ان العقل يقطع ببطلانه الطبيعة تنبو و تشمئز عند استماعه هذا كله نقص في حكمة الحكيم او نفي لقدرته او نقصان في علمه و انتم لاترضون نسبة هذا الي بعضكم فيماتعرفون و تعلمون انكم لتقولون قولاً عظيماً.

فظهر لك ان ما نسب المصنف الي اهل المناسبة تبعاً لغيره و مافهموه من دليلهم ليس مرادهم و انما هم يقولون كماقلنا مراراً ان الاصل في الاشياء هو الذوات و المعاني و لما ان المعاني حقايق عينية و ذوات غيبية احتيجت لاظهارها و ابرازها و ترتب الآثار و الاحكام عليها الي مظاهر و مرايا فخلق الله سبحانه هذه الالفاظ مرايا لتلك المعاني كماخلق الاجسام مرايا للارواح و العقول فالف لكل معني لفظاً يناسب (يناسبه خ‌ل) ذلك المعني بصفاته من الجهر و الهمس و الحرارة و الرطوبة و البرودة و اليبوسة و التقديم و التأخير علي

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 83 *»

ترتيب محكم و نظام متقن بتمام الصيغة (الصنعة خ‌ل) و بديع الفطرة فاذا اطلع عليها العارف يقطع بان هذا فعل حكيم عالم كريم لكن و كأين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون و يضرب الله الامثال للناس, و مايعقلها الاّ العالمون, قل انظروا ماذا في السموات و الارض و ماتغني الآيات و النذر عن قوم لايؤمنون و من الآيات العظيمة خلق اللغات علي طور غريب و نظم عجيب و حكايتها للمعاني و توصيفها لها علي اكمل وجه و اعظم حال الم‏تعلم ان اهل التكسير كيف يداوون الامراض المزمنة الغريبة العجيبة بحروفهم و اسمائهم و يتصرفون فيها و يسقونها اياهم فيداوونهم بها ولكنهم اذ لم‏يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم فقوله سلمه الله تعالي مرجحاً ما من المناسبة هذه هي المناسبة الذاتية و ليست هذه الذات مقابلة للصفات بل يريدون بالمناسبة الذاتية مقابل الوضعية لا مقابل الصفاتية بل المناسبة لاتقع الاّ في الصفات و اما في الذوات فلا الاّ ان‏تكون حكاية لعاليها و هو غير ما نحن بصدده فالمناسب في الصفات من المناسبة الذاتية كما قالوا في الفصم و القصم و الاعلام ايضاً منها الاّ انها اقلها دلالة لانها نوعية فتقوي المناسبة عند الشخصية و المقارنات الفلكية فتكون المناسبة الذاتية هي المرجحة.

قوله سلمه الله تعالي فتكون الدلالة بالوضع بمعني انه سبب لها و قدسبق لك من الكلام مايبطل به هذه (هذا خ‌ل) المرام من ان الدلالة انما هي ارشاد اللفظ بمناسبة مادته و صورته بمادة المعني و صورته علي ما الفه الواضع و قرره فانت من جهة جهلك بالمناسبة تلتفت الي مطلق الوضع و التعيين تقليداً كما ورد ان اللبان و مواظبة اكله يزيد في الحفظ و يقوي البنية فاذا رأوا اللبان يقولون انه يزيد في الحفظ ولكنهم لم‌يدروا لم كان كذلك او (و خ‌ل) انه من جهة حرارته و يبوسته يقطع البلغم فيورث الحفظ و كذلك يقال لك ان اللفظ الفلاني اسم للمعني الفلاني لكنك لاتدري لم كان ذلك كذلك فانت حينئذ مقلد لا محقق و اما المحقق فيكفيه مجرد الاستعمال فانه يحكم علي ان هذا الاستعمال حقيقي او مجازي مشترك لفظي او معنوي منقول او مرتجل و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 84 *»

لايحتاجون الي البيان من الواضع في كل واحد واحد علي حسب مراتبهم و بلوغهم في العلم،

و لكل رأيت منهم مقاماً شرحه في الكلام ممايطول

فظهر بما (مما خ‌ل) ذكرنا بطلان باقي الكلام.

قــال سلمه الله تعالي: فان قلت لعل مراد اهل المناسبة انها سبب للوضع بمعني ان الواضع لايهمل في وضعه رعاية المناسبة بين اللفظ و المعني كوضع الفصم بالفاء التي هي من حروف الرخوة للكسر بسهولة و وضع القصم بالقاف التي هي من حروف الشدة للكسر بالشدة قلت هذا مع انه خلاف الظاهر و خلاف الواقع في بعض الالفاظ سيما ماوضع للضدين لعدم تصور المناسبة بهما معاً و يقتضي ان‏يكون النزاع بلا ثمرة فان الوضع حينئذ سبب للدلالة لا المناسبة و ان كان الوضع للمناسبة ممانهاه (نفاه خ‌ل) بعض القائلين بالمناسبة صريحاً.

اقــول: ماذكره سلمه الله تعالي من الاحتمال هو قول السكاكي في المفتاح قال علي ماحكي عنه ان ماذكره اهل المناسبة تنبيه علي ما عليه ائمة (ائمة علمي خ‌ل) الاشتقاق و التصريف من ان للحروف في انفسها خواص لها تختلف كالجهر و الهمس و الشدة و الرخاوة المتوسط بينهما و  غير ذلك و تلك الخواص يقتضي ان‏يكون العالم بحالها اذا اخل في تعيين شي‏ء مركب منهما (منها خ‌ل) لمعني لايهمل التناسب بينهما قضاء لحق الحكمة كالفصم بالفاء الذي حرف رخو (رخوة خ‌ل) لكسر الشي‏ء من غير ان‏يبين و القصم بالقاف الذي هو الشديد لكسر الشي‏ء حتي يبين و ان لهيئات تركيب الحروف ايضاً خواص كالفعلان و الفعلي بالتحريك كالنزوان و الحيدي لما في مسماهما من الحركة و كذا باب فعل بضم العين مثل شرف و كرم للافعال الطبيعية اللازمة و قس علي هذا.

اقول هذا الذي ذكره السكاكي ان اراد في كل الالفاظ من الجامدة و المشتقة في كل لغة و يخص المناسبة بالذي ذكر من التناسب في بعض الصفات و الهيئات او يخص بالمشتقات في اللغة العربية فغلط فاحش و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 85 *»

خبط واضح و هو يريد الحمل و الجمع فاقول انه صلح بدون رضي الخصمين لان اهل المناسبة لايخصون لفظاً دون لفظ او مناسبة دون اخري بل يعممون الحكم في كل لفظ في كل لغة باي نوع من انواع المناسبات التي اشرنا الي بعضها فيما سبق و ان اراد جميع المناسبات في كل الالفاظ و اتي بماذكر علي سبيل المثال و هو حق و ان اراد ان‏يتخذ له مذهباً فباطل لمامر و سيأتي ان شاء الله و اما اهل الوضع فلايعتبرون المناسبة لا ان‏يعتبروا عدمها فان اتفقت المناسبة فهو من باب الاتفاق و لا حكم للقضية الاتفاقية و الحاصل ان مراد اهل المناسبة هو الذي ذكرنا مراراً من اعتبار المناسبة حال الوضع و انها هي العلة المرجحة و الغاية الخاصة و الشرط التام و السبب القوي فالمناسبة هي من متممات قابلية الدلالة مع ملاحظة الواضع المؤلف و انحاء المناسبات كثيرة لا (و لا خ‌ل) حصر لها.

قوله سلمه الله تعالي قلت مع انه خلاف الظاهر ان اراد مااحتمله السكاكي من حكم الاختصاص فكذلك بل هو خلاف الواقع لانهم يعممون الحكم ان (و ان خ‌ل) اراد ان اهل المناسبة ينكرون الوضع مع المناسبة اصلاً و رأساً فباطل بل مايريدون غيره و قوله خلاف الواقع في بعض الالفاظ سيما ماوضع للضدين اعادة لماقاله اولاً و قدظهر لك مشروحاً مفصلاً ان قوله خلاف الواقع خلاف الواقع بل الواقع ان الشي‏ء الواحد يناسب الضدين كما انك تناسب الاضداد تناسب النار بالمرة الصفراء تناسب الماء بالرية مادة البلغم تناسب الهواء بالدم تناسب الارض بالطحال تناسب الملك بالعقل تناسب الشيطان بالنفس الامارة تناسب الرحمة بالطاعة و تناسب الغضب بالمعصية و هكذا الي ما لا نهاية له من الاضداد و الله سبحانه انما خلق العالم مجمعاً للاضداد ليعلم ان لا ضد له.

و قوله سلمه الله و يقتضي ان‏يكون النزاع بلاثمرة فان الوضع حينئذ سبب للدلالة باطل لان الوضع مع المناسبة سبب لها لا الوضع وحده و الثمرة في هذا النزاع كثيرة منها وضع الاسم لذات الحق سبحانه و تعالي فان القائل بالمناسبة يمنعه و ان كان الواضع هو الله تعالي و النافي لها يثبته و ان نفاه فانما هو

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 86 *»

من جهة اخري لكنه ماوجدنا من النافين من نفي وضع الاسم لذات الحق سبحانه و تعالي بل اتفقوا علي ان لفظ الجلالة اسم للذات تعالي ربي و تقدس و لاتتوهم ان النافي للاسم يريد بلفظ الجلالة غير الذات بل مايريد منه الاّ الذات لكن لا من حيث انها مدلولة للّفظ و انما هو مثل ما اذا قلت لك يا قائم و يا قاعد مااريد الاّ ذاتك مع ان مدلول اللفظ غيرها و تحقيق الكلام في غير هذا المقام و يظهر في هذا المقام ثمرات كثيرة شريفة و قدظهرت (ظهر خ‌ل)‌ لي بعون الله تعالي حال الكتابة فاطويها و اصونها قال و نعم و ماقال:

اخاف عليك من غيري و مني و منك و من زمانك و المكان
و لو اني جعلتك في عيوني الي يوم القيمة ما كفاني

و منها وضع الاسم للممتنعات كشريك الباري و الاعدام الصرفة و اللاشي‏ء البحت البات و الليس الساذج فان القائل بالمناسبة يمنعه لعدم تحققها بين الالفاظ الموجودة المتأصلة مع الاعدام الصرفة و تناسب التضاد لايتحقق لان الضدين امران وجوديان فحيث لا مناسبة لا اسم و هذه الاسماء للجهات الامكانية و التجويزات الوهمية و التحليلات الافكية قال تعالي و تخلقون افكاً مثل تسميتك الرجل الموجود بالمعدوم و قد قال مولينا الصادق7 كل‌ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و لتحقيق الكلام مقام اخر و اما النافي للمناسبة فلايلتفت الي هذه الامور و يثبت الاسم للكل لعدم اشتراط المناسبة و لو منعه و انما هو لامر آخر من كون المدلول المعني يجب ان‏يكون موجوداً.

و منها ان اللفظ اذا استعمل في معنيين يقدر اهل المناسبة علي الحكم بان هذا الاستعمال حقيقي و الآخر مجازي او نقلي او اشتراك لفظي او معنوي و ذلك بقوة المناسبة و ضعفها و تعدد الاصقاع و وحدتها و هذا الحكم لايتأتي له الاّ اذا قطع كالشمس في رابعة النهار و لايقطع الاّ اذا كان فهمه في ذلك مستنداً الي الكتاب و السنة و كاني بك تستهزئ و تقول ان هذا شي‏ء لم‏يتفوه به احد من العلماء و اني اقول لك:

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 87 *»

و هب اني اقول الصبح ليل أ يعمي الناظرون عن الضياء

و قد قال تعالي و تفصيل كل شي‏ء و قال7 و ان من شي‏ء الاّ و فيه كتاب او سنة و قالوا: نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و قال اميرالمؤمنين7 المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين يهجم بهم العلم عن (علي خ‌ل) حقيقة الايمان فيستلينون من اخبارهم مااستوعر علي غيرهم اجمع بين هذه الاخبار لينتج لك المراد و اني تتبعت العلماء و رأيت لسان حالهم ناطقاً بمااقول و يأبي عن ذلك لسان مقالهم و لو كان لي اقبال لشرحت لك حقيقة الحال و قديحصل ذلك بالمشافهة فان المشافهة تطرد العصافير بقطع الشجرة لا بالتنفير و اما النافون فلايتأتي لهم ذلك فان هذه المناسبات عندهم غير مرعية.

و منها و هو اعظمها اعتباراً اللطايف و الخصايص و الحقايق و الاسرار المطوية في الالفاظ القرآنية و الاسماء الحسني و اسماء الائمة: و اسماء اعدائهم المدلول عليها بالالفاظ من تقديم و تأخير و توسيط و ترقيق و تفخيم و جهر و همس و شدة و رخوة و حروف نارية و هوائية و ترابية و مائية و تكثيرها في بعض الكلمات و تقليلها و تعديلها و الاتيان بالحروف النورانية و الظلمانية و السعيدة و النحيسة و المتواخية و المتناكرة و المتؤالفة و المتعادية و اليومية و الليلية و حروف المنازل و البروج و الافلاك و الحروف الجبروتي و الملكوتي (و الملكي خ‌ل) و من العدد و من الشكل و من الهيئة و من الصورة و من الصفة و غيرها من الامور المقررة عند اهلها التي وصلت اليهم من الانبياء عن الله سبحانه بواسطة الوحي و اجمعوا علي ذلك و يستخرجون منها مطالب كثيرة و اسراراً عجيبة من الامور المرموزة و المطوية كما استخرجوا الائمة سلام الله عليهم من قوله تعالي ان رحمة الله قريب من المحسنين و استخرجوهم سلام الله عليهم من آية التطهير و استخرجوا اسم محمد و علي من لفظ الجلالة و استخرجوا الايمان من اسم علي و الاسلام من اسم محمد صلي الله عليهما و آلهما و استخرجوا اسم علي7 من اليمين فعرفوا معني

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 88 *»

اصحاب اليمين و كذلك في الاعداء و استجماع الكمالين اي الكمال الشعوري و الظهوري للطاء في فاطمة3 و قددلت اخبار ائمتنا سلام الله عليهم علي هذا المعني في مواضع لايحصي كما في التوحيد عن الباقر7 في تفسير قل هو الله احد قال7 ما معناه الهاء اشارة الي تثبيت الثابت و الواو اشارة الي الغائب عن درك الحواس و لمس الناس و في الصمد قال7 ان الالف و اللام المدغمان اشارة الي وجوده و غيبوبته (غيبته خ‌ل) و عن الصادق7 في قوله تعالي و ان كنتم في ريب ممانزلنا علي عبدنا قال7العين علمه بالله و الباء بونه من الخلق و الدال دنوه من الخالق بلاكيف و لا اشارة و كما قال7في تفسير البسملة الباء بهاء الله و السين سناء الله و الميم ملك الله و في رواية مجد الله و قال في الله الالف الاء الله علي خلقه من النعيم بولايتنا و اللام الزام خلقه ولايتنا و الهاء هوان لمن خالف ولايتنا و حديث ابي‏لبيد المخزومي من المشهورات و قال مولينا الحسن العسكري7في كلام له وجد بخطه الشريف قد صعدنا ذري الحقايق باقدام النبوة و الولاية الي ان قال‌عليه‌السلام‌ و شيعتنا الفئة الناجية و سينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظي النيران لتمام الم و طه و الطواسين و قال الحجة المنتظر عجل الله فرجه في كهيعص، ان الكاف اشارة الي كربلاء و ان الهاء اشارة الي هلاك العترة الطاهرة و الياء اشارة الي يزيد لعنه الله و العين اشارة الي العطش و الصاد اشارة الي صبرهم و الاخبار في هذا المعني لاتحصي و لاحصاء بعضها مقام آخر.

و بالجملة اهل المناسبة لايزالون غواصون (غواصين خ‌ل) في بحر العلوم و الحقايق و قدظهر لهم ما قال امامهم صلي الله عليه ان حديثنا صعب مستصعب اجرد كريم ذكوان مقنع و فسروا:الذكوان بانه ذكاء المؤمن او بانه طري ابداً لاتفني عجايبه و لاتبيد غرائبه و لايستقصي ما فيه و انت ايها السامع لاتكذب بما لم‏تحط به علماً و تدبر في قوله تعالي و مااوتيتم من العلم الاّ قليلاً و في قوله تعالي و فوق كل ذي علم عليم و لاتكن كما قال تعالي و اذ

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 89 *»

 لم‏يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم و اما النافون فبمعزل عن هذه العلوم و لايلتفتون اليها ابداً كانهم يزعمون ان الله سبحانه و تعالي او الائمة الهداة لما تكلموا بتلك الكلمات ما استشعروا بهذه اللطايف و غيرهم وجدوها من كلماتهم من باب الاتفاق كمايقولون في دليل الاشارة و يمثلون ذلك باقل مدة الحمل من قوله تعالي كما قالوا سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم.

و قوله سلمه الله تعالي ممانفاه بعض القائلين بالمناسبة صريحاً و لست ادري من هذا القائل و نحن لم‏نجد اشارة و لا تلويحاً من كلماتهم (بكلماتهم خ‌ل) يشعر بنفي الوضع فضلاً عن التصريح و اما اهل الجفر فدائماً يسألون عن اسم السائل و لايعلمونها و دائماً يتكلمون في اصول الالفاظ و هي الحروف الثمانية و العشرون و يقولون ان مدار كل الالفاظ و اللغات عليها و هل يمكن ان‏يتألف و يتصور لفظ من غير مؤلف و مصور و هل المؤلف و المصور الاّ الواضع و لاتقف ماليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولاً و ليس تتبعه و نظره في كلمات اهل المناسبة اكثر من تتبعنا و نظرنا ان كان الامر كماتقولون هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين عصمنا الله و اياكم من الزلل بمحمد و آله الطاهرين.

قــال سلمه الله تعالي: قال بعض افاضل العصر الاصح ماذهب اليه اهل المناسبة تمسكاً بان كثيراً من المعاني تظهر فيها المناسبة كالخضخضة و الطنطنة و كالغليان و النزوان و غير ذلك فتجد (فنجد خ‌ل) فيها صورة تشابه حركة مسماها بحيث لو سمعها من لم‏يكن عالماً بالوضع و قيل له في مسمي الخضخضة ما اسم هذه أخضخضة ام مرجلة مثلاً لقال الاولي ان‏تسمي خضخضة و لايناسب ان‏تسمي مرجلة و هذا شي‏ء يعرف بالطبع و العقل و ليس لذلك دليل الاّ ماتدركه الفطنة من المناسبة.

اقــول: يريد بهذا البعض شيخنا و مولانا و ثقتنا و معتمدنا و محيي نفوسنا و منور قلوبنا عماد الاسلام و المسلمين المبطل لقوانين الاشراقيين المضيع

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 90 *»

لتمويهات الرواقيين المزيف لاوهام المشائين المخرب لمخترعات الصوفيين الناطق بالحق و الصواب في الفروع و اصول الدين لانه المتمسك في كل الاحوال و العلوم بحبل الله المتين و الآخذ اصوله و فروعه من مشكوة انوار الائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين و هو المحسن و لا سبيل علي المحسنين الشيخ الورع الصالح الزكي التقي النقي خاتم المجتهدين و قدوة المؤمنين الممتحنين مولانا و مقتدانا الشيخ احمد ابن المقدس المرحوم الشيخ زين‏الدين الاحسائي اطال الله بقاه و جعلني في كل مكروه و محذور فداه و بلغه الي مايتمناه و اخذ هواه الي رضاه و جزاه عنا خير الجزاء و رفع درجاته في مقام القرب و الزلفي كما نور قلوبنا بمصباح الهداية و التقي فانه اطال الله بقاه قد قال بالمناسبة الذاتية لكنه علي ما فصلت لك يعني ان الواضع لما اراد ان‏يوضع (يصنع ظ) لفظاً بمعني الف له من الحروف مايناسب ذلك المعني علي هيئة مادته و صورته بحيث اذا اطلع عليها السامع يقطع بان هذا اللفظ لايصلح الاّ لهذا المعني كما ان السرير بعد ما صنع و صيغ لايتناول الصنم و الصندوق فكل من يراه يعلم انه سرير و لكن قبل التأليف يصلح لهذا و لهذا الاّ ان انحاء المناسبات كما ذكرت لك مراراً مختلفة في الظهور و الخفاء و شدتها و ضعفها و قلة الظهور و كثرته (كثرتها خ‌ل) ففي بعض الكلمات ظاهرة واضحة بحيث اذا عرضت علي كل عاقل منصف متأمل يدرك وجه المناسبة و ذلك مثل خضخضة (الخضخضة خ‌ل) الموضوعة لمدلولها في الحديث لعن الله المخضخض و هو المستمني باليد او مطلق تحريك الماء علي الوجه المخصوص و لم‏يحضرني الآن الخصوصية لكن الطبع السليم و الفهم المستقيم يعرف ان المناسبة لهذا المدلول هو الخضخضة لا الطنطنة و لا المرجلة اذ في ذات اللفظ مناسبة تعرفها الفطنة و العقل مع تلك الحركة المخصوصة ليست مع الطنطنة نعم فيها مناسبة مع النغمة و التغني.

و بالجملة مراده اطال الله بقاه اثبات وجود المناسبة و بيان ان بعد تأليف اللفظ و صوغه علي تلك الهيئة الخاصة في بعض الالفاظ التي ظهرت المناسبة

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 91 *»

فيها يمكن للسامع ادراكها و ادراك مدلولها و ان لم‏يعلم الوضع فان الفطنة بالفطرة تعرف ذلك, مثال ذلك اذا كانت مرايا متعددة كلها تصلح لحكاية ظهور صورتك بالصلوح النوعي فقبل المقابلة لم‏تتعين مرءاة خاصة و كلها في الصلوح و الامكان سواء فلما قابلت احدي تلك المرايا و خصصتها بالهيئة الشخصية التي هي المقابلة ظهرت صورتك فيها فلاتحكي تلك الصورة الاّ اياك فكل من نظر اليها عرفك و ان لم‏يرك و لم‏يخبره مخبر بمقابلتك اياها و كذلك الالفاظ قبل ان‏تتعين و تتشخص و تتألف كانت مواداً (مواد خ‌ل) صالحة لكل المعاني فلما اراد الواضع معني هيأ له صورة خاصة مناسبة لذلك المعني المخصوص فاذا تألف اللفظ بالمناسبة فلا شك انه لاتدل الاّ علي ذلك المعني بالمناسبة و ان لم‏يعلم الوضع الاّ انها لماكانت خفية في اكثر الالفاظ و اغلبها قيل للناس ان اللفظ الفلاني موضوع للمعني الفلاني مثل مايقول الحكيم ان الحرارة و اليبوسة تقتضي لون الحمرة فحين تعقل هذا المعني مايلتفت الاّ الي قول الحكيم و مايلتفت الي حقيقة المناسبة التي صارت علة فحينئذ لايقال انما صارت الحمرة من الحرارة و اليبوسة او من اجتماع البياض و الصفرة بقول الحكيم و اما في ان النار تحرق و الماء تبرد (يبرد خ‌ل) فلايحتاجون الي قول الحكيم و كذلك بعض الالفاظ تظهر فيها المناسبة بحيث يعرفها الفطن الزكي كمايعرف تبريد الماء و تسخين الشمس و ان لم‏يعلمه الحكيم و كذلك هناك يعرفها و ان لم‏يعلمه الواضع و في بعضها لم‏تظهر مثل ماذكرنا فيحتاج الي الاعلام فلايقال حينئذ ان اشراق (احراق خ‌ل) الشمس و احراق النار و تبريد الماء لذاتها من غير جعل جاعل و تأليف مؤلف فكذلك في الالفاظ اذ دلت بالمناسبة لايؤيد انها استغنت عن الواضع بل ماصارت كذلك الاّ بالواضع فافهم فاني قدكشفت لك القناع و نزلت المعقول منزلة المحسوس.

فاذا عرفت هذا القدر من الكلام ظهر لك فساد غرضه من اتيان هذا الكلام نقلاً عن ذلك العالي المقام لبيان انه اطال الله بقاه ينكر الوضع صريحاً حاشا و كلا و انما هو يقر بالوضع صريحاً و قد صنف في مسألة الواضع رسالة و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 92 *»

نقل فيها الاقوال و ادلتها و رجح القول بان الواضع هو الله سبحانه و استدل عليه و صحح كل الاستدلالات التي استدلوا بها لهذا المطلب من الآيات و العقل و ابطل جميع الشكوك و الشبهات الواردة عليها و قد صرح في هذه المسألة في عدة مواضع بالواضع و ان الواضع يؤلف الفاظاً مناسبة الي غير ذلك و هذه العبارة المنقولة ليست صريحة في نفي الوضع لو لم‏ندع الظهور في اثباته بقوله الاولي ان تسمي خضخضة بل الالفاظ المؤلفة المركبة علي هيئات و اوضاع و صور اقوي شاهد علي الواضع المؤلف المصور فكيف يمكن ان‏يقال مع هذا كله انه ينفي الوضع صريحاً لاينبغي للعالم ان‏يكون له عجلة فيحكم و ينسب بادني شبهة فلو كان هذا حالهم في تنقيح كلام الاحياء مع كونه حياً و شيوع تصانيفه و اجوبة مسائله و كتبه و وجود تلاميذه العالمين بمراده و تمكنه منه و منهم في تحصيل مراده علي القطع و اليقين هكذا فكيف في تحقيق حال الاموات و تهذيب الرجال مع البعد العظيم و الوسايط الكثيرة و تنقيح الاخبار و تهذيبها علي وجه الاستبصار ليكون كافياً لارشاد قواعد شرايع الاسلام و وافياً لذكري مدارك نهاية الاحكام مع الاختلافات (الاختلاف خ‌ل) العظيمة و المعارضات الشديدة التي يدعونها و الله المعين و الموفق و لولا خفت الاطالة و مافي قلبي من الملل و الكسل لبينت لك دأب العلماء و كيفية الاجتهاد و القواعد التي يجب علي المجتهد ان‏يراعيها ليعد من الذين جاهدوا فينا و الله الهادي توغلوا في الامور و تأملوا مر الدهور و لاتستعجلوا في الجرح و التعديل و لاتستبدوا بالرأي فان كل ذلك موانع اصابة الحق و السلام علي تابع الهدي و خشي عواقب الردي.

قــال سلمه الله تعالي: اقول فيه اولاً ممايكذبه الوجدان سيما بالنسبة الي غير اهل هذا اللسان فانه لو قال له عند تحريك الماء و نحوه هذا كذا او (و خ‌ل) كذا يقول ماادري بالبديهة.

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 93 *»

اقــول: ان اراد بوجدانه خاصة فهو اعلم و ان اراد بوجدان عامة الخلق الخالين عن الشكوك و الشبهات و الاوهام و العبارات و انحاء التقليدات فممنوع بل الذي هو المعروف و طابق عليه العقل و النقل و الوجدان و الاحساس ميل الشي‏ء الي مايناسبه و يؤالفه و لا شك ان الشي‏ء الي المناسب اميل منه الي المخالف المباين و هو قريب من الاوليات و انا اسألك هل تجد مناسبة و موافقة بين تحريك الماء علي الوجه المخصوص و بين الخضخضة لاتجد بينه و بين المرجلة و بين الباب مثلاً ام لايتفاوت عندك الحال و كذا بين الغاغ و صوت الغراب و الدق و معناه و الشيب و صوت شفتي الناقة حال الشرب فان قلت لم‏يتفاوت عندي الحال فليس لنا معك كلام لادائه الي السفسطة مع ان هذه الالفاظ ليست بادون من الفصم و القصم الذي اقررت بالمناسبة بينهما فان كان فيهما في حرفين و هنا (فهنا خ‌ل) في كل الحروف و كذلك الغليان و الفوران و النزوان و الجولان و امثالها للحركة الصعودية و لاينبغي التشكيك في المناسبة بينها و بين مدلولاتها و لا احد انكرها الاّ انهم اجابوا عن ذلك بانها مجرد الاتفاق و بالجملة فاذا صحت المناسبة و تحققت و لا(فلا خ‌ل) شك في ان الطبيعة تميل الي المناسب للمناسبة فاذا وجدت الطبيعة الساذجة و الجبلة الصافية شيئاً يناسب الآخر فتحكم له به مطلقاً ان وجدت المناسبة تامة و الاّ فبالنسبة الي المباين و هذا هو مقتضي الفطرة الالهية و الاستقامة الحقيقية و عدم الحكم لعدم وجدان المناسبة لا لوجود المناسبة و عدم اقتضاء الفطرة و العقل المستقيم يحكم الي المناسب و يميل اليه و هذا واضح ان‏شاء الله تعالي فظهر لك ان الوجدان انما يشهد علي حكم المناسب للمناسب فقوله يكذبه الوجدان ان اراد المناسبة بين الخضخضة و مدلولها و كذا باقي الالفاظ و مدلولاتها فيكذبه الوجدان و ان اراد حكم العقل المناسب للمناسب فكذلك يكذبه الوجدان و وجداني الذي ادعيت مستند (مستندا خ‌ل) الي العقل و النقل و الحس و البداهة بخلاف ماذكره (ذكر خ‌ل).

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 94 *»

و قوله سلمه الله سيما بالنسبة الي غير اهل اللسان اه, جوابه انه لايتفاوت الحال و كونه من اهل اللسان لا مدخلية له بل ربما يبعد الفهم لالتفاته الي جهة الانس و مراد الشيخ اطال الله بقاه هو الباقي علي الفطرة المستقيمة الغير المعوجة فان الفطرة اذا غيرت ربما في حال الغفلة تدرك (يدرك خ‌ل) الحق بالاستقامة فاذا التفت الي جهة المخالفة تنكره (ينكره خ‌ل) و امثلته كثيرة لانطول الكلام بذكرها فاذا كان الشخص خالي الذهن عن شبهة المناسبة و الوضع و الميل الي جهة تقليداً يدرك الذي ذكر بالبديهة و العجب من قوله يقول ما ادري بالبديهة فان ذلك ابطال لحكم العقل و الفطرة المستقيمة و دعوي البديهة غريبة مع انه بالف نظر لايمكنه اثبات هذا المدعا الاّ عند الذين غيرت فطرتهم عن الاستقامة الاصلية و رسخت الشبهة في اذهانهم و الله المعين و هو حسبي و نعم الوكيل.

قــال سلمه الله تعالي: و ثانياً ان الدلالة لابد و ان‏تكون من اللفظ فيجب ان‏يفهم من لفظ خضخضة (الخضخضة خ‌ل) تحريك الماء (مثلاً خ‌ل) لا العكس.

اقــول: ان مولانا جناب الشيخ اطال الله بقاه و امد ظلاله علي رؤوس رعاياه يريد من هذا الكلام تأصيل اصل يكون باباً ينفتح منه الف باب و هو ان الالفاظ لماكانت اصولها مواداً (مواد خ‌ل) صالحة و هي الحروف الثمانية و العشرون و ليست في هذه الحروف دلالة علي شي‏ء مخصوص معين فاذا اراد معني يؤلف له حروفاً علي وضع مخصوص و ترتيب معين فيدل بالمناسبة و لماكانت هذه الدلالة ذاتية و اذا اراد غير الواضع ان‏يعينها يجب عليه استحضار جميع الصور و الهيئات او اغلبها و اكثرها و الاول بالنسبة الي غير الامام7 و الثاني بالنسبة الي عامة الخلق متعذر و الثاني بالنسبة الي بعض الاوحديين متعسر فعلي الواضع ان‏يبين ذلك اللفظ احضاراً له في فهم السامع و ذهنه و اعانة له علي ادراك المطلوب فاذا سمع ذلك اللفظ و وجد كمال التناسب بينه و بين المعني

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 95 *»

المدلول استراح و استقام و سكن فاذا اراد الواضع ان‏يظهر حكمته و ان فعله علي امر متقن محكم يقول أخضخضة مثلاً اولي بان‏يكون دالاً علي هذا المدلول ام غيرها مثل الشيب يقول السامع لا بل الخضخضة اولي و اليق و ذلك مثل قوله تعالي قل الله خير اما يشركون و قوله تعالي افمن يهدي الي الحق احق ان‏يتبع امن لايهدي الاّ ان‏يهدي فما لكم كيف تحكمون و ليس ان الحكم انما حصل بقوله تعالي الان بل هذا الحكم كان ثابتاً لكنهم ماكانوا ملتفتين اليه فنبههم علي ذلك و كذلك الالفاظ تدل علي معانيها بالذات بعد ماوضع الواضع فالدلالة انما هي بمناسبة مادته و صورته بمادة المعني و صورته ولكن الخلق لماكانوا غافلين اعلمهم الله سبحانه بالامر كمااعلمك بالشرايع مثلاً فهم الخلق و ادراكهم لم‏يبلغ ان‏يعملوا عملاً جامعاً لمقتضي العبودية و الربوبية فاتي لهم الشارع بالصلوة فقال لهم هل الصلوة جامعة لمقتضي العبودية ام الزنا و اللواط مثلاً يقولون لا بل الصلوة لمايجدون من المناسبة بينها و بين العبودية المحضة فالدلالة التي لنا من الالفاظ كلها تقليدية اعلامية و هي لاتحصل الاّ بعد الاعلام و التنبيه و البيان كماقالوا الصلوة واجبة و صوم اول (شهر خ‌ل) شوال محرم و آخر رمضان واجب مصلح (كذلك خ‌ل) و العلم اسم لتلك الصفة و الممكن لذات الخلق و انت لم‏تعرف الامرين الاّ بالاعلام و الدلالة التحقيقية (الحقيقية خ‌ل) هي التي تعرفها من حقيقة الشي‏ء و اقتضاء كينوناته و هذه لايتيسر الاّ لاحاد الناس في بعض الالفاظ فافهم.

قال شيخنا اطال الله بقاه في تحقيق معني الدلالة قال «و الحق ان الدلالة صفة اللفظ لا صفة السامع و لا صفة اللافظ كما قديتوهم و ذلك لان الواضع الحكيم وضع الاسماء علامات علي المسميات و كمال العلامة (العلامات خ‌ل) ان‏تكون علي هيئة تدل علي ماوضعت له و حيث كان كل شي‏ء زوجاً تركيبياً وجب ان‏يكون لذلك الاسم هذا الحكم و المراد ان كل شي‏ء له مادة و صورة و هذا وسم (رسم خ‌ل) جميع المخلوقات و كل اسم فله مادة مخصوصة بينهما (بينها خ‌ل) و بين مايراد له مناسبة نوعية و له صورة مخصوصة بينها و بين

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 96 *»

مايراد له مناسبة شخصية فاذا اراد وضع لفظ بازاء معني اخذ له من الحروف مايناسبه و جعلها مادة لاسم ذلك المعني و ركب تلك الحروف علي هيئة من التركيب في الحركات و السكنات و التقديم و التأخير تناسب ذلك المعني كذلك و تلك الهيئة هي صورة ذلك الاسم فوضعه (فوضع خ‌ل) بازاء ذلك المعني فكان الاسم بتلك المادة المخصوصة و الهيئة المخصوصة دالاً للسامع العالم بالوضع علي مسماه كما انك اذا اومأت بان‏يأتي اليك (اذا اومأت اليك بان تأتي خ‌ل) اومأت اليه بهيئة الاقبال بان‏تقبض اصابعك في‏الجملة مشيراً له بها اليك فيفهم بالمادة و هي حركة اليد و الصورة و هي الاشارة له بيدك كالجاذب له ارادة الاقبال و لو انك اردت انصرافه اومأت اليه بيدك بهيئة الدفع فيفهم بالحركة و الهيئة ارادة الانصراف لان هذه الهيئة في المادة المخصوصة تدل المشار اليه علي مايراد منه فكذلك الاسم بالمادة و الهيئة المخصوصتين يدل السامع علي معناه فحقيقة الدلالة ارشاد اللفظ بمناسبة مادته و صورته لفهم المخاطب الي المعني الموضوع له كمامثلنا في الاشارة.

فان قلت لو كان كذلك لم‏يجهل احد شيئاً من المعاني و الواقع خلافه قلت انما احتيج للعلم بالوضع لشدة خفاء المناسبة لانها مناسبات حرفية من عالم الغيب كماحقق في محله فان قلت اذا كانت مناسبات حرفية من عالم الغيب فما الفائدة في ملاحظتها و اعتبارها اذا لم‏يطلع عليها جميع المخاطبين قلت الفائدة شيئان احدهما اقتضاء حكمة الحكيم ان لايخصص شيئاً بشي‏ء بغير مناسبة تقتضي التخصيص مع قدرته و ثانيهما ان ذلك اسكن لقلب المخاطب لو تنبه في بعض الاحوال لبعض المناسبات» انتهي كلامه رفع الله اعلامه انظر بعين بصرك و بصيرتك كيف صرح بالوضع و الواضع و ان الجاهل بالامر لايدركه الاّ بعد العلم بالوضع فظهر لك مماذكرنا و ذكر سلمه الله جواب اعتراضه و ايراده و الله الموفق للصواب.

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 97 *»

قــال سلمه الله تعالي: و ثالثاً ان ذلك لايتم بالنسبة الي الضدين كمالايخفي و رابعاً ان ذلك لايتم بالنسبة الي الاعلام كمالايخفي.

اقــول: قدتكرر في هذا الشرح مايكون جواباً لهذا القول مع ان مولانا جناب الشيخ اطال الله بقاه ما ادعي ذلك الظهور في كل لفظ و لاادعي لكل احد حتي يرد ذلك و هو اطال الله بقاه قدصرح في الكلام الذي نقلنا عنه ان ذلك مناسبات حرفية من عالم الغيب يصعب مسلكها و يدق مأخذها و لايدركها كل احد و الضدان تظهر المناسبة بينها حال التعلق بكل واحد و الاّ فاللفظ مطلقاً يدل علي الجهة الجامعة بالمناسبة الذاتية فاذا اضيفت اليها الهيئة الشخصية دلت كالحيوان المتساوي النسبة بين الذئب و الغنم مثلاً او الانسان و الكلب علي زعمكم فلايتمايز الاّ حال التعين و التشخص فقوله اطال الله بقاه في المناسبة تام في الضدين علي التفصيل الذي ذكرنا و اما بالنسبة الي ظهورها لكل احد فما ادعاه ذلك فافهم و تنبه.

و اما الاعلام فقدقلنا مراراً انها مواد ثانوية مبهمة غير متميزة فتدل بذاتها نوعاً علي مايصح الصدق عليه فيتميز بالهيئة الاستعمالية الاّ ان المناسبة هنا دقيقة ادراكها اما سمعت ان اهل التكسير في باب التكسير الصغير في باب طب الابدان يداوون الانسان بحروف اسمه و اجمعوا علي صحته و جربوا و لايخطي العمل اذا اتوا به علي وجهه قالوا اذا جاؤوا اليك بمريض قدطالت علته و اعيي الاطباء فتنظر اليه و تسأله عن وجعه فان كان وجعه في رأسه فلايكون دواؤه الاّ في الحروف النارية التي اولها الالف و اخرها الذال فمثال ذلك اذا قيل لك ان هذا الانسان رأسه يوجعه و فيه ضربان شديد و له مدة طويلة فتقول اسمه زيد و تكسره ثم تسأله ان كان في الصدغين فتأخذ حروف الرأس و تكسرها و تأخذ حروف الصدغين و تقول سكن الوجع ثم تأخذ الحروف و تمزجها ثم تجمعها بالرقم و تزنه بالميزان ثم تكتب الحرف علي طبع الوزن و تصرفه و صفة ذلك تكتب اولاً ز ي د س ك ن و ج ع ر ا س ه م ن ا ل ص د غ ي ن ثم تمزج هذه الحروف و يأتي الغالب طبع الماء و يكتب المربع و يسقي و يحمل في رأسه

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 98 *»

فيطيب من ساعته انما كتبت هذا التفصيل لئلاتغتر و تقول اهل المناسبة يقولون بالدلالة الذاتية و يكتفون بها عن الوضع و هو يقول يسئل عن اسمه ثم كتبوا اسمه و اسم الوجع و اسم الرأس و اسم الصدغين فالفوا هذه الاسماء بحروفها فاثرت في الشخص فلو لم‏تكن في الاعلام مناسبة مع المسمي كيف يؤثر الاسم في المسمي و اللفظ في المعني و لايمكنك انكار هذه التأثير لوقوع الاجماع عليه و هؤلاء ليسوا باقل من اهل النحو و الصرف و اللغة الذين تعتبرون اجماعهم و تجعلونه كاشفاً و ليس اهل اللغة عندهم الاّ كالشعرة الواحدة في البقرة و السيد السند تغمده الله برحمته في شرح الوافية ذكر ان التأثيرات الحرفية و خواصها و اثارها لايمكن انكارها و هو شي‏ء معلوم ضروري ان شاء الله تعالي فثبت المناسبات في الاعلام باستلزام التأثير فيها التأثير في المعني الاّ انها خفية جداً استخراج مناسباتها شأن علماء الحروف بانواع البسط و التكسير و هناك يظهر تقدير الحكيم العليم الخبير لا اله الاّ الله (الا هو خ‌ل) وحده لا شريك له.

قــال سلمه الله تعالي: و خامساً ان غاية ماذكر حصول المناسبة و اما كونها سبباً للوضع فلا و لو سلم فكونها سبباً للدلالة مم مضافاً الي ان المدعي دلالة جميع الالفاظ بالمناسبة فلايناسبه التصدير بالكثير فليتأمل.

اقــول: بعد ماسلم حصول المناسبة فلا مجال للمنع الاّ ان‏يختار مذهب الاشاعرة و يقول بالترجيح من غير مرجح كما ادعي و حينئذ فالكلام كماسبق مشروحاً فحيث بطل الترجيح من غير مرجح فيكون المرجح هو المناسبة و هي علي انحاء كثيرة و ماذكره الشيخ اطال الله بقاه نوع منها و قديكون في اللفظ اكثر انواعها و قد يكون نوعاً منها و لاريب ان المناسبة المذكورة مما رعاها الواضع حال الوضع لكمال المطابقة و الموافقة بينهما لكنا لانحصر الامر فيها بل قديكون مع امور اخر و ظهر لنا هذه للبيان و هذه كعلل الشرايع علي فرض انها اسباب كماهو المختار اذ قديذكر جزء العلة من غير الاشارة الي انه جزء كماقالوا عليهم السلام في علة العدة انها لاستبراء الرحم و ليس هذه علة تامة لمكان

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 99 *»

التخلف فيكون العلة مركبة من امرين من استبراء الرحم و من احترام الزوج لانه قائم علي الزوجة و كذلك الاسباب الظاهرة في الالفاظ من المناسبات قدتكون جزء سبب و قدتكون هي العلة التامة و نحن لما لم‏نحصل (نحن لم‌نحصل خ‌ل) الدلالة من المناسبة لجهلنا و قصورنا و انما ندركها و نحصلها من الاعلام و التنبيه كالاحكام الشرعية فلايجب ان‏يظهر لنا كل الاسباب و العلل و المناسبات الموجبة للوضع فنكتفي بماظهر لادراك العلوم و المعارف و الاسرار و نعرف بذلك ان الواضع حكيم فنعبده و لانشرك به شيئاً و الشيخ اطال الله بقاه ماحصر الامر في المناسبة الظاهرة و هذا الايراد عليه عجيب بعد ماتوهم من كلامه انكار الوضع فكيف يورد عليه انها لاتصير سبباً للوضع و هو مايقول بالوضع علي زعمه فافهم.

قوله و لو سلم فكونها سبباً للدلالة مم, باطل لانه ان اراد بالدلالة الاولية فلا شك انها مسببة عن المناسبة لماقلنا من ان الواضع انما الف تلك الصورة علي هيئة ذلك المعني بمادته و صورته فذلك المعني هو نتيجة من الاب الذي هو المادة و الام الذي هو (التي هي خ‌ل) الصورة و لايمكن التخلف و هذه المناسبات المذكورة من تلك يقيناً لماذكرنا من شدة الموافقة و الملائمة و المطابقة و اما هي عين المناسبة التي هي العلة في الدلالة و الوضع فما ادعاه احد و ان اراد بالدلالة التي (هي خ‌ل) عندنا فانما هي اعلامية تنبيهية مانلتفت في هذه الاّ الي بيان المبين الواضع كما اذا قال لك الشارع صل وجوباً فانك حين تعقل وجوب الصلوة لاتلتفت الاّ الي قول الشارع لا الي المناسبة التي صارت علة لوجوب الصلوة اليومية و استحباب غيرها مثلاً.

قوله مضافاً الي الخ, جوابه من وجوه كثيرة ليس لي الآن قلب فارغ لكثرة الهموم و الاعراض حتي آتي بجميعها فاكتفي ببعضها فنقول لما دل الدليل العقلي و النقلي و الوجداني علي ان حكم الله سبحانه في الخلق علي طور واحد ليس في حكمه و لا في خلقه و لا امره اختلاف كما قال عزوجل لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً و قال تعالي ماتري في خلق الرحمن من

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 100 *»

 تفاوت و قال تعالي و ماخلقكم و لا بعثكم الاّ كنفس واحدة و قوله تعالي و ماامرنا الاّ واحدة الي غير ذلك من الآيات و الروايات فاذا وجدنا حكماً الهياً في شي‏ء من الاشياء و علمنا ان ذلك ليس لخصوصية المواد فتعمم ذلك الحكم في الكل فلما وجدنا في كثير من المعاني و الالفاظ مناسبة ذاتية و علمنا ان الواضع هو الله سبحانه فعلمنا ان هذا بناء الامر في كل الالفاظ لان حكم الله لايختلف لقوله تعالي و ماامرنا الاّ واحدة ثم لماوجدنا المناسبة في كثير من الالفاظ و المعاني و وجدنا و قطعنا ان الوضع بالمناسبة كما فعل احسن من الاتفاقيات و في الاول يظهر حكمة الحكيم و في الثاني تنقص و تبطل (تبطل و تنقص خ‌ل) و الله سبحانه هو الحكيم علي الاطلاق فوجب تعميم الحكم في كل الالفاظ لان الله سبحانه افتخر باللغات و خلقها و وضعها و لايكون ذلك الاّ لاظهار حكمة عظيمة و امر متقن محكم يدل علي عظمة الخالق و احكام صنعه و اتقان امره و اظهار حكمته و قدرته و اما اذا قلنا بالعدم فيسلك بنا سبيل العدم و يورث الظلم فيحدث به الظلم فما اكثر مايعتري النافين من الندم و الله يقول الحق و هو يهدي الي سواء السبيل و لا حول و لا قوة الاّ بالله العلي العظيم.

ثم ذكر كلام مولانا الشيخ اطال الله بقاه بطوله ابقيناه علي حاله و ماتعرضنا لشرحه لانه اطال الله بقاه و جعلني في كل محذور فداه اجل من ان‏يتكلم علي كلامه او يتصدي لشرحه و بيانه امثاله من القاصرين و قدعجز عنه العلماء الفحول من اهل المعقول و المنقول و اقروا بعجزهم و قصورهم و هو كذلك و لقد انصفوا لانه كلام ليس بما (مما خ‌ل) يعرفه الناس و لا ذكر في كتاب و لا جري في خطاب‏نعم في تلويحات كلمات الائمة سلام الله عليهم اشارة الي ذلك بل صراحة لكنها من احاديثهم الصعبة المستصعبة التي لايعرفها الاّ الاقسام الثلثة الذين شربوا من حوض ولايتهم و رووا و ما التجأوا الي النظر في كتاب احد سويهم فهجم بهم العلم علي حقيقة الايمان فاستلانوا من احاديثهم مااستوعر علي غيرهم و صاروا كما قال7 علي ما في معاني الاخبار انتم افقه الناس ماعرفتم معني كلامنا و ان الكلمة منا لتنصرف

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 101 *»

 علي سبعين وجهاً و قال7 انا لانعد الرجل من شيعتنا فقيهاً حتي يلحن له و يعرف اللحن و قال ايضاً‌ عليه‌السلام انا لانعد الرجل من شيعتنا فقيهاً حتي‏يكون محدثاً و المحدث المفهم و قال ايضاً7 ان شيعتنا لايسألون اعداءنا و ان ماتوا جوعاً و السؤال في العلم ايضاً منه فافهم و بالجملة فالافهام قاصرة عن فهم مقاصده و مراداته الاّ بعد السماع منه او ممن اخذ عنه و لذا سكت العلماء و بالجملة قال بعد نقل كلام طويل عن الشيخ في اثبات المناسبات في الالفاظ الدالة علي النقيضين و الاستدلال علي وجود المناسبة و ابطال شبهات النافين.

قــال سلمه الله تعالي: اقول لايخفي مافي ذلك الذي ذكر بعد ملاحظة ماذكرنا مع ان المناسبة بين اللفظ و الجهة الجامعة بين الضدين كما افاده في بعض كلماته غير نافعة في الدلالة علي الخصوصين المتضادتين (المتضادين خ‌ل) بل اللازم منها دلالته علي تلك الجهة الجامعة و ليس كذلك و ان المناسبة الحاصلة بعد التخصيص في نحو زيد مسبب من الوضع لا سبب بل لو نظر بعين البصيرة يعلم ان ماذكره مرجعه الي الوضع لمناسبة.

اقــول: كيف لايخفي مع انه ماظهر من ذلك شي‏ء لا و الذي نفسي بيده كلامه اصفي من الشهد الصافي و الزلال الفايض الوافي لايناسب المزاج السقيم فان اراد ان‏يعرف يبين (تبيين خ‌ل) الذي ادعاه و يذكر الذي يرد عليه حتي يتبين الامر, قال المتنبي شعراً:

و هب اني اقول الصبح ليل أ يعمي الناظرون عن الضياء

قوله مع ان المناسبة بين اللفظ و المعني الخ قدتكرر الكلام في ذلك و مولينا جناب الشيخ اثبت بماذكر الجهة الجامعة و ان مادة اللفظ كالقرء مثلاً يناسبها و اذا ارادوا المخصص يضيفون الي القرء الهيئة الاستعمالية فيتشخص بالاستعمال في الدلالة فالقرء مادة ثانوية كالخشبة للسرير و الصنم و اذا اضيف اليه الهيئة الاستعمالية فالقرء مع تلك الهيئة يناسب الضد المخصوص و يدل عليه بمادته و صورته و مع الهيئة الاخري يناسب الضد المخصوص الآخر بمادته و

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 102 *»

صورته و القرء و الجون و عسعس و وراء و امثالها ماتدل الاّ علي جهة (الجهة خ‌ل) الجامعة فافهم لئلايشتبه الامر عليك.

قوله سلمه الله تعالي و ان المناسبة الحاصلة الخ هذا اقصي ماتمسك به السيد السند; في شرح الوافية و قدذكرنا مراراً كثيرة مايدل علي بطلانه من ان الذي يعرفه الشخص ليس من جهة المناسبة الذاتية بل من جهة التقليد لجهله بالامر كما اذا قال لك الطبيب ان القرنفل يقطع البلغم فانت حين تعقل هذا المعني لاتلتفت الاّ الي قول الطبيب و لاتلتفت الي جهة المناسبة كما قلت لك و كذلك الالفاظ و هذه الدلالة دلالة ثانوية تقليدية و ليس الكلام في هذا و ليس هو محل النزاع فان القائل بالمناسبة يقول بالوضع و خفاء المناسبة بل الكلام في الدلالة الاولية و الوضع الاولي و هذا لاشك انها مسببة عن المناسبة بالوضع و ليس الوضع هو السبب بل السبب المناسبة و الوضع انما جري علي طبقها و المراد بالوضع هو التأليف و التركيب بعد ماكانت الحروف مواداً (مواد خ‌ل) صالحة للكل في كل اللغات فالفها المؤلف علي تأليف و تركيب و هيئة تدل علي المعني و ان لم‏تعلم الوضع لكن ادراك هذا المعني خاص لمن اشهده الله خلق السموات و الارض و اتخذه اعضاداً لخلقه و لايدعيه علي الاطلاق سواهم الاّ كاذب و مانسب الي السيد الداماد فهو كذب محض و زور صرف.

قوله ان ماذكر مرجعه الخ هو صحيح لكن علي التفصيل الذي ذكرت مجملاً مفصلاً فراجع.

قــال سلمه الله تعالي: فليس هذا الاّ كالاكل من القفا فلاتكن مقلداً عمياناً عن الضياء.

اقــول: هذا الكلام ليس له عندنا جواب و نحن لانقابله بالذي قال.

فحسبكم هذا التفاوت بيننا و كل اناء بالذي فيه ينضح

و العجب منه سلمه الله تعالي كيف يعظ غيره و لايتعظ و ماوجدنا في كلامه تحقيقاً ابداً و كل‌ما ذكرت (ذكر خ‌ل) في هذه الكلمات كله قد اخذ مماذكره

 

«* جواهر الحکم جلد 9 صفحه 103 *»

الاصوليون من العامة و الخاصة و هم قد اخذ بعضهم عن بعض عيون يفرغ بعضها في بعض و ليس عنده شي‏ء جديد و تحقيق لطيف مع انه لو اخذه عن التحقيق لم‏يحصل هذا التدافع الكثير في كلامه سلمه الله تعالي و ماابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء الاّ مارحم الله و لا حول و لا قوة الاّ بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

و كتب منشيها ابن محمد قاسم محمدكاظم الحسيني الرشتي يوم السبت التاسع و العشرون من شهر شوال المكرم في سنة 1234 عن الهجرة النبوية علي مهاجرها آلاف الثناء و التحية حامدا مصليا مستغفرا.

[1] اي الظاهري و هو البيان لا الاصلي. منه اعلي الله مقامه.

([2]) و مئال القولين واحد بعد القول بان الواضع هو الله سبحانه و تعالي. منــه اعلي الله مقامه

([3])  اي الظاهري و هو البيان لا الاصلي. منـه اعلي الله مقامه(خ‌ل)

([4]) لاتتوهم ان في كلامنا تناقض و انما هو علي كمال التوافق و انما استعمل هذه العبارات امتحاناً لفطنة الزكي ليعلم مقدار العلماء في تدقيقاتهم فافهم و تفطن و تبصر و الله خليفتي عليك و لا حول و لا قوة الاّ بالله. منـه اعلي الله مقامه

([5])  و هذا الفرق كماقلنا ظاهري قشري و اما في الحقيقة علي القول ان الواضع هو الله سبحانه لايتفاوت الامر بل الامران موجودان متحققان نعم في القول بان الواضع غير الله سبحانه او علي التفصيل (رد علي التفصيل خ‌ل) ربما يتم هذان القولان. منـه اعلي الله مقامه

[6] ان قلت:

و كل يدعي وصلا بليلي

و ليلي لاتقر لهم بذاكا

قلت:

فهب اني اقول الصبح ليل

يعمي الناظرون عن الضياء

 

[7] ما بين الهلالين كان ساقطا من نسخة 64 خ.

[8] و الفرق بين المفهوم و المصداق و امثالهما من الكلمات خرافات لايصغي اليها و قد حققناها في كثير من مباحثاتنا و رسائلنا منه اعلي الله مقامه.

[9] لا يقال ان الاقتضاء كيف يتصور قبل الوجود لانا نقول نعم لايتصور قبل الوجود و انما هو مساوق له لكن العقول قد قصرت عن ادراكه فلاتكذب بمالم‌تحط به علما فانا قد شرحنا هذا المعني في كثير من مباحثاتنا و رسائلنا فاذا دل الدليل القطعي علي شيء يجب قبوله و ان لم‌نعرف وكذا الامر فيما نحن فيه و السلام علي من يعرف الكلام, منه.

[10] يقتضي الايجاد ترجيح احد طرفي الامكان من ذات المعلول المخلوق اذ المختار مطلقا الي هنا تم الاستدلال و ما بعده تأييد للمراد, منه اعلي الله مقامه.

([11]) التاء في واحدة للتأكيد. منـه اعلي الله مقامه

([12]) اعلم ان هذا الدليل عام لكل المختار و المريد في فعله و ان كان ماذكرنا ثانياً استطراداً في خصوص فعله سبحانه و خلقه نظراً بعموم المنفعة و ارشاداً للمؤمنين الممتحنين بنوع دليل الحكمة في هذه الطريقة و اثبات العموم من هذه الخصوصية فافهم. منـه اعلي الله مقامه

([13]) هذه الاية الشريفة في حكم الكلي و الجزئي فسقط الاعتراض فافهم. منـه اعلي الله مقامه