11-01 جواهر الحکم المجلد الحادی عشر ـ خطبة عيد اضحي ـ مقابله

خطبة عید اضحی

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 3 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي عجزت الاحلام عن ادراك مائيته و قصرت الافهام عن الاحاطة بكيفيته و حسرت الاوهام عن البلوغ الي كنه حقيقته و كلت البصائر و الابصار عن اصابة ذاته و هويته و ذلت الرقاب لسطوته و عظمته و خشعت الاصوات لخيفته و جبروته و تدكدكت الجبال لاستشعار قدسه و قهاريته و تزلزلت الارض عند ظهور جلال قيوميته و تفطرت السموات دون تشعشع انوار كينونيته و انتشرت الكواكب و النجوم و البروج من خشيته و خضعت كينونات الكائنات لعزته و قامت النسمات و الذوات و الصفات بكلمته و وقفت فقراء القوابل و الاستعدادات بباب رحمته و استغرقت حقائق الخلايق من بحار نعمته واستنطقت السنة خرسات الكائنات لاظهار قدرته و اضمحلت الغرائز و الطبائع دون بروز نور لاهوتيته و وقفت سفينة الممكنات في ساحل بحر آيته و وجلت قلوب الخلائق من مخافته و توجهت الطلبات اليه باسمه و صفته و انصدت طرق الوصول اليه عن جميع بريته و انقطعت النسب و الاضافات بينه و بين خليقته و توجه اليه كل احد بصافي طويته و طلبه بكل مجهوده بعين حقيقته و نظر اليه سبحانه بلطف سريرته فلم‏يقع نظره الاّ الي مقدار سم الابرة من نور عظمته.

فسبحان من عزيز جلت عزته عن الوصول اليه و عزت منعته عن البلوغ فيما لديه بل تجلي للخلق بهم بحقائقهم و ظهر لهم في ذواتهم و سرائرهم و عرفهم نفسه بكينونتهم و ابان عن نعته و صفته بذاته بذاتهم و طويتهم و القي مثاله في هويتهم و اوضح نوره و ظهوره في جبلتهم و وصف نفسه بهم بسر حقيقتهم و اشرق شمس ظهوره في باطن عقيدتهم فكانت معرفته عين معرفة انفسهم فوقعوا من الرسم الي الرسم و وقفوا بباب الوصف و الاسم فكانت الخلائق اسماءه و صفاته و الحقائق آلاءه و سماته فاصبحوا لايرون سواه و لايجدون ماعداه و لايشاهدون سوي نوره و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 4 *»

لايلاحظون غير ظهوره قدملأت الآفاق و الانفس آياته و استولت علي الاشياء صفاته و سماته و استقهرت النسمات لماتجلي جماله و بهاؤه فلم‏تكن الآثار الاّ ضياء نوره و سنائه فلايري نور غير نوره و لايسمع صوت غير صوته و لايشاهد ظهور خلا ظهوره علا نوره فظهر و استعلي قدسه فخفي و استتر فكان خفاؤه لشدة ظهوره و استتاره لعظم نوره فسبحان من استوي برحمانيته علي العرش فصار العرش غيباً في رحمانيته كماصارت العوالم غيباً في عرشه محق الآثار بالآثار و محي الاغيار بمحيطات افلاك الانوار.

و اشهد ان لا اله الاّ هو العزيز الحكيم العليم الكريم الواحد الاحد الفرد الغني الذي لايعرف بالمثال و لايخطر بالبال و لايدرك بالبيان و المقال ليس اليه حد منسوب و لا له مثل مضروب تعالي عن ضرب الامثال له و الصفات المخلوقة علواً كبيراً و اشهد ان محمداً9 عبده و رسوله و حبيبه و خليله و صفيه و صفته و خاصته و خالصته توجه بتاج الكرامة و حباه الوسيلة و دار المقامة اقام مراسم العبودية و عرفه سبحانه بالوحدانية و الصمدانية و نزهه عن الاضداد و قدسه عن الانداد و طهره عن الصفات الامكانية و صفاه عن الشوائب الكونية و الوجدانية و تغوص في طمطام يم وحدانيته فاستغرق في لجة بحر احديته و دك جبال انيته و ابطل شهود سره و سريرته و اعرض عن كل ماسواه شوقاً لفرط محبته فقام يسير وحده علي بساط مودته حتي اشرق له المحبوب مقدار سم الابرة بنور عظمته فغاب عن نفسه و فني عن شخصه و خر مغشياً عليه ساجداً تحت عرش ربه و تلألأ نور البهاء و الجمال في وجهه فناداه ربه و سيده و مولاه بلسان سره: انت الحبيب و المحبوب و انت الطالب و انت المطلوب و انت المراد و انت المريد اخترتك لغيبي و اصطنعتك لنفسي فاذهب انت و اخوك بآياتي و لاتنيا في ذكري فبعثه علي كافة الخلق رسولاً بشيراً و قال تعالي تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً.

فاستخلصه و اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء و جعله سلطاناً مطلقاً علي كل من اقر بانه الله و شاهداً علي كل معترف له بملكة الربوبية و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 5 *»

مقر له برقية العبودية فهناه الله علي هذا الفضل العظيم و المن الجسيم اذ اصبح وجه الله الباقي و حفظه الواقي و يده الباسطة و رحمته الواسعة و برهانه الجلي و عضده القوي و نوره الذي لايطفي و حجته التي لاتخفي و عينه الناظرة الي كل من في الارض و السماء و لسانه الناطق المعبر عنه في الخلاء و الملاء صلي الله عليه و آله مصابيح الدجي و اعلام الهدي و منار التقي و الانوار المضيئة لاهل الارض و السماء و ابواب الله لكل الخلق ممايري و ممالايري و السبل الواضحة و الانجم اللائحة و البدور المضيئة و السرج المنيرة اركان التوحيد و ارباب التفريد و التجريد و السن الحق المجيد و اوتاد الارض لئلاتبيد محال مشيته و مساكن ارادته و مهابط فيضه و خزنة رحمته و تراجمة وحيه و لعنة الله علي اعدائهم و ظالميهم و معانديهم و مبغضيهم و غاصبي حقوقهم اجمعين الي يوم الدين.

اما بعــد؛ عباد الله انصتوا فاذا انصتم فاسمعوا و اذا سمعتم فعوا و اذا وعيتم فاحفظوا و اذا حفظتم فاعلموا و اذا علمتم فاعملوا فاني اوصيكم و نفسي الجانية الفانية الزائلة التابعة للهوي العاصية للمولي بتقوي الله فانها شفاء صدوركم و نوركم في لحودكم و قبوركم و لباسكم بستر عورات ذنوبكم و قبائحكم و فواحشكم اذا كشف المستور و بعث من في القبور و حصل مافي الصدور و اعلم واردات الضمير و ظهر العمل من الكبير و الصغير و الجليل و الحقير و لاتغتروا بهذه الدنيا الزائلة و لاترغبوا الي هذه الجيفة المنتنة الباطلة فانها مهلكة طلابها متلفة خطابها اخذة لماتعطي سلابة لمن تكسو واضعة لمن ترفع تاركة لمن يعشقها مغوية لمن اطاعها و اغتر بها غدارة بمن ائتمنها و ركن اليها هي المركب القموص و الصاحب الخئون و الطريق الزلق و المهبط الهوي هي المكرمة التي لاتكرم احداً المحبوبة التي لاتحب احداً الملزومة التي لاتلزم احداً يوفي اليها و تغدر و يصدق لها و تكذب و ينجز لها و تخلف هي المعوجة لمن استقام بها الملاعبة بمن استمكنت منه بينا هي تطعمه اذ جعلته مأكولاً و بينا هي تخدمه اذ جعلته

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 6 *»

خادماً و بينا هي تضحكه اذ ضحكت منه و بينا هي تبكيه اذ بكت عليه و بينا هي قدبسطت يده بالعطية اذ بسطتها بالمسألة و بينا هو فيها عزيز اذ اذلته و بينا هو فيها مكرم اذ اهانته و بينا هو فيها معظم اذ صار محقوراً و بينا هو فيها رفيع اذ اوضعته و بينا هو لها مطيع اذ عصته و بينا هو مسرور اذ احزنته و بينا هو فيها شبعان اذ اجاعته و بينا هي (هو ظ) فيها حي اذ اماتته.

فأفّ لها من دار كان هذه فعالها و هذه صفتها فكيف يغتر العاقل بها و بزخارفها و اعتبروا بمن مضي قبلكم كم من قصور شيدوها و كم من ابنية بنوها و كم من ارض عمروها و كم من لذائذ اكل اكلوها و كم من ملابس نفيسة لبسوها و كم من دور عالية سكنوها و كم من ديار و بلاد فتحوها و ملكوها كلهم صاروا الي التراب و خربت تلك القباب و عاد مابنوها الي الخراب و فقدوا الاولاد و الاحباب و عدموا الاهل و الاصحاب و تلك مساكنهم لم‏تسكن بعد ان في ذلك لعبرة (لذكري خ‌ل) لاولي الالباب و اذكروا الموت هادم اللذات و اقطعوا عن العلائق و الشهوات و انتهضوا الفرصة و اغتنموا المهلة و انتبهوا عن سنة الغفلة و تيقيظوا عن رقدة الجهلة و ليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه و شيبته قبل هرمه و سعته قبل عدمه و خلوته قبل شغله و حضره قبل سفره و قبل ان‏يكبر و يهرم و يمرض و يسقم و يمله طبيبه و يعرض عنه حبيبه و يتغير عقله و ينقطع عمره و هو موعوك و جسمه منهوك قد جد في نزع شديد و حضره كل قريب و بعيد فشخص بصره فطمح بنظره و عرق جبينه و انقطع انينه و جذبت نفسه و نكب عرشه و حفر رمسه و يتم ولده و تفرق عنه عدده و قسم جمعه و ذهب بصره و سمعه و مدد وجه و جرد و عري و غسل و نشف و سجي و بسط له و نشر عليه كفنه و شد منه ذقنه و قمص و عمم و لف و ودع و سلم و حمل فوق سرير و صلي عليه بتكبير و نقل من دور مزخرفة و قصور مشيدة و حجر منضدة فجعل في ضريح ملحود و ضيق مرصوص بلبن منضود مسقف بجلمود و هيل عليه حفره و جثي عليه مدره فتحقق حذره و نسي خبره و رجع عنه وليه و نسيبه و تبدل به قريبه و حبيبه و صفيه و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 7 *»

قديمه فهو حشو قبر و رحين (كذا) قفر يسعي في جسمه دود قبره و يسيل صديده من منخره ينسحق ثوبه و لحمه و ينشف دمه و يرق عظمه حتي يوم حشره فينشره من قبره و يسأل عن حاله من مبدئه و مآله فليستعد للجواب اذ احضروه للحساب و نشروا عليه الكتاب و لايغفل لاخذ حظه من الدنيا للاستعداد ليوم الجزاء.

(هذه الفقرات لعيد الاضحي)

و اعلموا عباد الله ان في هذا اليوم العظيم ينظر الله تعالي الي حجاج بيته الكريم و زوار ابي‏عبدالله الحسين سيد شباب اهل الجنة فيقول ملائكتي اماترون عبادي قداقفروا الاوطان و هجروا (هجر خ‌ل) الاولاد و النسوان يحنون الي حنين الطير الي اوكارها و ينفدون علي فجاج الارض و اقطارها, قدملأوا البلاد تكبيراً و تهليلاً و اتخذوا الوحدانية و زيارة الشهيد المظلوم الي سبيلاً, يصيحون بالتلبية لبيك اللهم لبيك, قداتيناك من الذنوب هاربين اليك, فاشهدوا (فاشهدكم و خ‌ل) انا معكم من الشاهدين اني قدوهبت العاصين و المسيئين للمحسنين و وهبتهم اجمعين لمحمد صلي الله عليه و آله سيد المرسلين.

عباد الله و هذا يوم محضره زكوة و لصالح عملكم منماة و لسالف زللكم منجاة فابتغوا فيه الجنة و اتبعوا فيه السنة باراقة دم سائل و اطعام القانع الخامل و المعتر السائل و اعلموا انه قدجاءت السنة باستحسانها و استسمانها و المغالات في اثمانها و التجنب لنقصانها من كسر في اركانها او قطع في آذانها او هدم في اسنانها او نقص في ابدانها فاذا وجبت جنوبها فكلوا منها و اطعموا القانع و المعتر كذلك سخرنا لكم لعلكم تشكرون, لن‏ينال الله لحومها و لا دماؤها و لكن يناله التقوي منكم, لتكبروا الله علي ماهديكم و بشر المحسنين ان افضل ماتلاه التالون و عمل به العاملون كلام من يقول للشي‏ء كن فيكون قال الله تعالي واذا قرئ القرءان فاستمعوا له و انصتوا لعلكم ترحمون اعوذ بالله من الشيطان الرجيم و اذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً و علي كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم و يذكروا اسم الله في ايام معلومات علي مارزقهم من بهيمة الانعام

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 8 *»

 فكلوا منها و اطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم و ليوفوا نذورهم و ليطوفوا بالبيت العتيق.