11-02 جواهر الحکم المجلد الحادی عشر ـ رسالة في السلوک الي مقام القرب ـ چاپ

رسالة فی السلوک الی مقام القرب

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 13 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمدللّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي خير خلقه محمّد و اله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

اما بعد؛ فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرّشتي انّ جماعة من الاحباب و خالصي الاصحاب الذين ميّزوا الماء من السراب قدطلبوا من الحقير الفقير ان‏اكتب كلمات في كيفية السلوك الي اللّه تعالي و طلب قربه و رضاه و ماينبغي ان‏يكون السالك الطالب الراغب الي قربه و نجواه عليه في الاحوال و الاخلاق و الحركات و السكنات و ساير مجاري الحالات ليكون اعانة لهم للوصول الي مطلوبهم و تقرّ اعينهم بالنظر الي مشاهدة نور عظمة محبوبهم و كنت اسوّف ذلك لما بي من تواتر افواج الهموم و تلاطم امواج الغموم الواردة علي في كل حين و اوان حتي انّي

عتبت علي الدنيا و قلت الي متي   اكابد همّاً بؤسه ليس ينجلي
أ كلّ شريف من علي جدوده   حرام عليه العيش غير محلّل
فقالت نعم يا ابن الحسين رميتكم   بسهم عنادي حين طلّقني علي

الي ان راجع في الالتماس اعزّ الاخوان لدي و احبّ الخلاّن الي قرة العين بلا مين اعزّه اللّه تعالي و اسعده و ايّده اللّه و سدّده فاجبت مسئوله و بادرت الي مأموله مع ما بي من كمال الضعف و الكلال و تبلبل البال راجياً من اللّه الاعانة و التوفيق و الهداية الي سواء الطريق و ان‏ينفع به عموم طلبة الحق و اللّه المستعان و عليه التكلان.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 14 *»

اعلم انّ اللّه سبحانه هو الواحد الذي لا شريك له و الحي الذي لا موت فيه و النور الذي لا ظلمة فيه و الغني الذي لا افتقار فيه و القادر الذي لا عجز فيه و الكريم الذي لا بخل فيه و الشاهد الذي لايغيب عنه شي‏ء و العالم الذي لايجهل شيئاً و العظيم الذي لايتعاظمه شي‏ء و المتسلط الذي لايخيفه شي‏ء و المتفرد الذي لايوازره شي‏ء و القوي الذي لايعجزه شي‏ء و الدائم الذي لايفنيه شي‏ء و الموجود الذي ليس معه شي‏ء و كل ماسواه اثاره و شئونات افعاله تعالي نسبته اليه تعالي اي الي فيضه و ابداعه نسبة اثارك من قيامك و قعودك و حركتك و سكونك اليك انظر الي هذه الاثار هل لها غَناء عنك في حال من الاحوال و وقت من الاوقات في امر من الامور فانت و ذاتك و حقيقة كينونتك بالنسبة الي فعله تعالي مثل كلامك الي الهيئة المتقومة بالمادة الهوائية و تلك الهيئة لاتبقي و لاتستمرّ في الوجود الاّ بمدد جديد منك اليها فكذلك لاتستقلّ بشي‏ء من احوالك و اطوارك و ذاتك و صفتك و فعلك و اثرك و توجهك و اقبالك بدونه تعالي و كل ماسواه مثلك في الحاجة و الافتقار اليه تعالي.

فاذن سدّ باب نظرك و التفاتك و رفع حاجتك و رجائك و خوفك و طمعك الاّ اليه تعالي و هو قوله تعالي و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون فان الالتفات و النظر و التوجه الي غيره تعالي سفاهة و ضلالة كما قال سيدالساجدين7في دعاء الصحيفة اللّهم اني اخلصت بانقطاعي اليك و اقبلت بكلّي عليك و صرفت وجهي عمّن يحتاج الي رفدك و قلبت مسألتي عمّن لايستغني من فضلك و رأيت ان طلب المحتاج الي المحتاج سفه من رأيه و ضلّة من عقله فكم قدرأيت يا الهي من اناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا و راموا الثروة من سواك فافتقروا و حاولوا الارتفاع فاتّضعوا فانت يا مولاي دون كلّ مسئول موضع مسألتي و دون كلّ مطلوب اليه ولي حاجتي انت المخصوص قبل كلّ مدعوّ بدعوتي لايشركك احد في رجائي و لايتفق احد معك في دعائي و لاينظمه و اياك ندائي و قال مولانا سيدالشهداء7في دعاء عرفة أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 15 *»

 المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدلّ عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصل اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً و خسرت صفقة عبد لم‏تجعل له من حبّك نصيباً و في الدعاء ايضاً لايري فيه نور الاّ نورك و لايسمع صوت الاّ صوتك فاذا كان كذلك فاين تذهبون ففرّوا الي اللّه بالخضوع و الخشوع و الذلّة و المسكنة و فراغ القلب و اجتماع الحواس و الانقطاع عن الخلق و الاخلاص في طاعة اللّه و الشوق الي قربه و استشعار محبته.

و لمّا ان الخلق في عالم النزول اخذتهم برودة الادبار فانجمدت قرايحهم و انخمدت غرايزهم و استولت عليهم الهوي و استمكنت منهم الدنيا فانخمدت نار الشوق الي اللّه تعالي في مجمر قلوبهم و خفيت باستيلاء برودة اهوائهم و نفوسهم فلابدّ من تهييج تلك النار و ازالة ذلك الغبار ليصفو التوجه الي اللّه الجبّار و يجلس مجلس الانس و المحبة مع المحبوب خالياً عن الاغيار و يشرب شراب المؤانسة صافياً عن الاكدار و ها انا اصف لك مايهيّج تلك النار اذا تأملت الي وصفي بنظر الاعتبار.

و اعلم انّ اول ذلك اي اول مايجب للطالب السالك ان‏يستشعر عظمة اللّه سبحانه دائماً في قلبه و امثّل لك مثالاً واحداً في هذا المقام تتمكن من معرفة نوع المسألة و اعلم ان نسبة ظاهرك الي ظاهر هذا العالم هي نسبة باطنك الي باطنه فاذا عرفت احدهما فقس عليه الاخر لانهما بنهج واحد و لماكان الظاهر اقرب الي الناس فنقتصر عليه و نقول انك اذا نسبت نفسك الي جبل شامخ وجدتها بالنسبة اليه كالذرة و لذا اذا كنت علي قلة جبل تري الذي تحت الجبل صغيراً جداً و نسبة اعظم الجبال الي كل الارض كنسبة سُبْع عرض شعيرة الي كرة قطرها ذراع علي مابرهن في علم الهندسة و الارض اصغر من الشمس بمائة و ثمانين مرّة فكيف من فلكها فانّها مركوزة في جزء من اجزاء الفلك و هي قطعة من الفلك و نسبة هذه القطعة الي كل الفلك لاتقاس من الصغر و كل كوكب من الكواكب العظام التي في الفلك المكوكب اي فلك الكرسي بقدر الارض مائة مرّة و اصغر الكواكب كالسهي الذي لايدركه غير حديد

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 16 *»

البصر بقدر الارض خمسه‏عشر مرّة و اذا كان حال الكوكب الذي هو من الفلك بمنزلة النقطة فكيف يكون عظم كل الفلك و سعته و هذا الفلك بهذا العظم بالنسبة الي العرش كحلقة ملقاة في فلاة بل اقل و اقل لانّ العرش له سبعون الف طبقة و كل طبقة غلظها بقدر مابين العرش الي تحت الثري و له ثلثمائة و ستين‏الف ركن و علي كل ركن ثلثمائة و ستين‏الف ملك اصغرهم لو امر بان‏يلتقم السموات و الارض و مافيهما و مابينهما كان الجميع في لهواته كرمل صغير في البرية ثمّ بقدر المجموع احدعشر مرة و بين كل قائمتين من قوائم العرش مسيرة الطير الخفيف المسرع الف عام و نسبة الجميع الي الملائكة الكروبيين كنسبة الكلمة من المتكلم و انظر الان الي عظم الكروبيين و سعتهم و احاطة نورهم و شروق ظهورهم و هؤلاء الملائكة نسبتهم الي ملائكة العالين نسبة الكلام الي المتكلم و نسبة الجميع الي ال‏محمّد9 كنسبة جزء من الف الف الف الف الف الف الف الف جزء من رأس الشعير بالنسبة الي هذا العالم الاكبر و نسبة الكل و محمّد و اله الطاهرين صلّي اللّه عليهم اجمعين الي قدرة اللّه سبحانه كاللفظ الواحد الي اللافظ و لذا قال النبي9لمّاقال الاعرابي ماشاءاللّه و شاء محمّد9 ماشاءاللّه و شاء علي قال9لاتقل هكذا بل قل ماشاءاللّه ثمّ شاء محمّد9 فان مشية محمّد في مشية اللّه كمثل الذبابة في هذه الدنيا و ماشاءاللّه ثمّ شاء علي فان مشية علي في مشية اللّه كمثل البعوضة في هذه الدنيا نقلت معني الحديث فانظر الان نسبة نفسك الي عظمة اللّه تعالي فانك كنت مضمحلاً عند الجبل المضحمل عند الارض المضمحلة عند الشمس المضمحلة عند فلكها المضمحل عند الكرسي المضمحل عند طبقة من طبقات العرش المضمحل مع كل طبقاته عند الملائكة الكروبيين المضمحل كلهم اجمعون عند الملائكة العالين المضمحلين كلهم عند

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 17 *»

ال‏محمّد9‏وسلم المضمحلون عند قدرة اللّه و سعته و احاطته و قيّوميته و قهّاريته و عند الذات كل شي‏ء من الاعلي و الاسفل ممتنع محال فما اصغر قدرك و احقر مقامك بالنسبة الي ساير مخلوقاته تعالي الفانية الصغيرة الزائلة في جنب عظمته و قهاريته فانصف في نفسك هل هذه العظمة تنسي و هل لك قدر معها حتي تعمد و تقصد الي مخالفة هذا العظيم الجبّار القهّار سبحانه و تعالي.

ثمّ تفكر ثانياً في حقارة نفسك و خساسة ذاتك و قبايح كينونتك مع صغر قدرك و تأمل في ان ارذل الاصناف من الناس هو الكنّاس و ارذل هذه الطايفه و اخسّهم من يكنس البالوعة الممتلية من الفضلات من البول و الغايط و ساير القاذورات و يجمعها و يحملها و يخرجها من البيت و يرميها من المحل اللايق بها و تري نفسك لاتحب مجالستهم و لا معاشرتهم و لا مؤاكلتهم و لا مؤانستهم و لا ساير انحاء المعاشرات و انظر الان في نفسك انّك و ان بلغت مابلغت و ان ترقيت في الدنيا و صرت ملكاً فلابد من ان‏تباشر الغايط و البول و تنظّفها عنك بيدك و صرت قرين ذلك الرجل الذي تراه ارذل الطوايف و الاصناف كل يوم ثلث مرات او اكثر او اقل ثمّ انظر في باطن جسدك و داخل جلدك هل تجد شيئاً طاهراً طيباً فكل مايخرج منك اما نجس العين كالبول و الغايط و الدم و المني و اشباه ذلك من القطعة المبانة و غيرها او كثيف ردي خبيث يتكرّه الانسان من ان‏يباشره او يتناوله كالصديد و النخامة و البصاق و امثال تلك الامور الرذيلة و الاشياء الخسيسة. و اذا تناولت الطعام الطيّب اللذيذ حسن الرائحة اذا صار في فمك و مضغته انظر كيف يئول امره و حاله اذا اخرجته من فمك يحرم عليك بعد ذلك تناوله لانه من الخبائث و كل ذلك لمجاورتك دقيقة واحدة و كلما يمتدّ مداء المجاورة يشتدّ خبثه و نجاسته الي ان‏يكون دماً و منياً او

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 18 *»

يخرج من المثانة بولاً فانصف الان في نفسك انه هل يحسن مع ذلك التكبر و التبختر و طلب اللذات و الشهوات و الافتخار علي الغير.

ثمّ تفكر ثالثاً انك لاتطهر و لاتنجب الاّ بطاعة اللّه سبحانه و الخضوع و الخشوع لديه و لذا تري المسلم لمّا اسلم بظاهر اقراره الجسدي طهر جسده و ظاهره بخلاف الكافر فانه من جهة عدم الاسلام و الخضوع للملك العلاّم بقي علي نجاسته الاصلية الحقيقية و المعصوم7 لمّا اسلم بظاهر جسده و باطنه و سرّه و علانيته طهر ظاهره و باطنه و لحمه و دمه و شعره و بشره و انت ايضاً بقدر طاعتك و خضوعك و خشوعك لمعبودك تطهر فانظر الان ماذا ترضي لنفسك الطهارة ام النجاسة اي البقاء عليها و عند الموت يتبين لك رايحة النجاسات الظاهرة و الباطنة لك و لامثالك و في هذه الدنيا لكل مؤمن ظاهر اذا شاهدك و انت قداقترفت معصية يشمّ نتنها منك اخبث نتناً من الجيفة المنتنة و لايحبّ مجالستك الاّ كرهاً و يفرّ منك كماتفرّ من الجيفة المنتنة و يري سواد المعصية علي وجهك فضلاً عن نجاستك في نفسك و يري اعوجاج صورتك و تغيّرها بالمعصية و التكبر مع اللّه عزّوجلّ بترك طاعته و مخالفته و يري محو اسمك من عليين كتاب الابرار و ثبتها في سجين كتاب الفجار و في الدعاء ربّ لاتغيّر اسمي و لاتبدّل جسمي و لاتشوّه خلقي بالنار الاّ ان‏تتوب عن صدق و يقين و تتوجه الي خالق السموات و الارضين فانظر الان في نفسك هل ترضي نفسك ان‏تكون علي تلك الهيئة القبيحة نعوذباللّه و نستجيرباللّه و نعتصم‏باللّه و لاحول و لاقوة الاّ باللّه.

ثمّ تفكر رابعاً انك بيت الادواء و المحن و الالام و الاسقام و الاوجاع و المحل للطبايع الاربع الصفراء و السوداء و الدم و البلغم و ماتدري متي تهيج واحدة منها فيكون فيه هلاكك و لك جسد لا قوام له و لا اعتناء به فالحرّ يذيبه و البرد يجمده و السموم تحلّله و الماء يغرقه و الشمس تحرقه و الهواء تتقسمه و السباع تفترسه و الطير تنقره و الحديد يقطعه و الصدم يحطمه ثمّ هو معجون بطينة من الوان الاسقام و الاوجاع و الامراض و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 19 *»

انت مرتهن بها مترقب لها وَجِل منها طامع في السلامة منها و انت مقارن الافات السبع التي لايتخلص منها ذو جسد و هي الجوع و الظمأ و الحرّ و البرد و الوجع و الخوف و الموت.

ثمّ تفكر خامساً في نعم اللّه سبحانه عليك و ترادف مننه و الائه عليك و هي لاتحتاج الي البيان غنية عن التذكار و التبيان كفاها قوله تعالي و ان تعدّوا نعمة اللّه لاتحصوها و تفكر ان اللّه سبحانه هو الذي اخرجك من بحر الامكان الي ساحل الاكوان و اقامك في حجاب الذهب و غشّاك بالنور من غير نصب و لا تعب و اوقفك في الاظلّة تحت الحجاب الاخضر و نجّاك عن اجمة الطبيعة و رقّاك بمعني انزلك الي عالم الشهود مشروح العلل مبيّن الاسباب ليبين لك اتماماً للحجة و اكمالاً للنعمة و الان انت بيده محفوظ المراتب في كل العوالم يرزقك من الدرّة البيضاء و يحييك في الحجاب الاصفر و يخلقك و ما بك و لك و عليك و لديك و منك و اليك و فيك تحت الحجاب الاحمر و يصفّيك لبقائك ابداً دائماً سرمداً في الحجاب الاخضر و يحفظ حركاتك و سكناتك و خطراتك (خطواتك خ‏ل) و لحظاتك و كلماتك مايكنّه صدرك و يجنّه قلبك و ينكشف لفؤادك بحيث لو خلاّك و نفسك اقل من لمح البصر لفنيت و لعدمت لم‏يبق لك اثر و يعدم منك ذكر و خبر لاتعدم برّه و لاتفقد احسانه فلاتجد الاّ خيره و مع ذلك كله ترضي ان‏تلتفت الي غيره و تحبّ ان‏تتوجه الي سواه فكيف يطلب محتاج محتاجاً و انّي يرغب معدم الي معدم فماربحت حينئذ تجارتك و خسرت صفقتك و ضاعت سلعتك و هل تقصد الي اللاّشي‏ء و تتوجه الي العدم و تميل الي الباطل و تركن الي الزائل مع انك في قصدك الي الغير فقير اليه مضطّر الي كرمه ما اقبح فعلك و اشنع عملك.

ثمّ تفكر سادساً في نفسك تجدها لاتميل الي المعصية و الي مخالفة اللّه سبحانه عند واحد من افراد الناس و تكتم عنهم فكيف لاتنظر الي عظمة اللّه و قدرته و احاطة قيّوميته و انه ناظر الي كل احوالك و حركاتك و سكناتك و لحظاتك و كل ما بك و منك و اليك و عنك و فيك و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 20 *»

عندك كيف تستخفي من الناس و لاتستخفي من اللّه و تلاحظ عظمة المخلوق و لاتلاحظ عظمة الخالق و تعصيه بمرئي منه و مسمع ثمّ ان رسول‏اللّه9‏وسلم و الائمة الطاهرين سلام اللّه عليهم هم الشهداء علي الخلق و اعين اللّه الناظرة في عباده و هم ناظرون و مطلعون عليك في جميع حركاتك و سكناتك فكيف تستحقر نظرهم و اطلاعهم عليك و هم من قدعرفت و عظمتهم ما  قدسمعت ثمّ ان الاركان و الاوتاد و الابدال و النقباء و النجباء ايضاً ناظرون و مطلعون عليك و شاهدون لاعمالك فان اللّه عزّوجلّ يقول قل اعملوا فسيري اللّه عملكم و رسوله و المؤمنون ثمّ ان الملائكة حملة العرش و الكرسي و ملائكة السموات و الارض و ملائكة الهواء و العناصر و الملائكة المدبّرات و المعقّبات و الموكّلون علي اعضائك و جوارحك و قويك و مشاعرك و كتبة اعمالك و اقوالك ناظرون اليك مطلعون شاهدون علي جميع اعمالك ثمّ ان مكانك و زمانك و يومك و ساعتك ينتقش فيها صورة عملك و في السموات و الارضين و الجبال و الهواء و الماء و كل شي‏ء في الوجود ينتقش و يكتب عليه صورة اعمالك من الخير و الشر و يبقي في اللوح المحفوظ في الكتاب الحفيظ الي يوم القيمة انظر الان في نفسك ان عصيت تفتضح في كل العالم عند الاكابر و يكتب في كل لوح «هذا  شقي» فيدعو عليك كل شي‏ء و ان اطعت تمدح في كل تلك المقامات فعليك بطاعة اللّه عزّوجلّ في ما امرك به و الانزجار عمانهاك عنه و مدار الطاعة و المعصية بالاقبال علي اللّه تعالي و الادبار عنه تعالي و في كل شي‏ء تريد فيه وجه اللّه مخلصاً هو الطاعة و كل ما لاتريد به وجه اللّه فهو المعصية الاّ ان مراتب هاتين المرتبتين مختلفة في الشدة و الضعف فماترضي لنفسك اختر لها و اختر لها الخير و الصلاح و واظب علي التفكر طول نهارك و ليلك و قد قال اميرالمؤمنين7 نبّه بالتفكر قلبك و جاف عن الليل جنبك و اتق اللّه ربك و قال7ايضاً التفكر يدعو الي البرّ و العمل به و قال النبي9التفكر حيوة للقلب البصير كمايمشي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 21 *»

 المستنير في الظلمات بالنور و قال الصادق7 الفكر مرءاة الحسنات و كفارة السيئات و ضياء القلوب و فسحة للخلق و اصابة في صلاح المعاد و اطلاع علي العواقب و استزادة في العلم و هي خصلة لايعبد اللّه بمثلها قال النبي9‏وسلمتفكر ساعة خير من عبادة سنة و لاينال منزلة التفكر الاّ من خصّه اللّه بنور التوحيد و المعرفة و عنه 9افضل العبادة ادمان التفكر في اللّه و في قدرته فاذا تفكرت في هذه الامور في نفسك و تقلب احوال الدنيا و اضمحلالها و عدم سكونها و ثبات استقرار عزتها و ذلتها و فقرها و غنائها و صحتها و سقمها و عدم وفاء الاخوان و نصيحة الخلاّن و عدم الانتفاع بالاولاد و البنين و امثال ذلك و داومت النظر و التفكر في ذلك و اشباهه فلابد ان‏تستولي عليك عظمة اللّه سبحانه و يحصل لك الانزعاج عن الدنيا و الرغبة في الاخرة و ينصرف ذهنك و عقلك الي الملأ الاعلي فترد عليك الافاضات الالهية و يصير قلبك محلاًّ للانوار القدسية و العلوم الحقيقية بشرط ان‏تلاحظ مع التفكر الاستقامة في الاحوال و الاقوال و الحركات و السكنات و انحاء المعاشرات و هي الاستقامة المأمور بها في قوله عزّوجلّ و استقم كما امرت و قدقال النبي9‏ شيبتني هذه الاية علي المعنيين اما لصعوبة الامتثال و عظمته بحيث تنهدّ به القوي و الجوارح من خشية اللّه سبحانه و استشعار عظمته و اما لان الامتثال بها مورث للكمال المطلق الذي هو مقتضي مقام الشيبة.

اما الاستقامة في الاحوال اما في الاكل و الشرب فبان لاتأكل ما استطعت الاّ الطيب و تجانب الشبهات ماقدرت سيما في اوائل الامر قبل استقرار النفس في الاطمينان فان الشبهات تورث القساوة في القلب و البلادة و الحمق و تحدث الظلمة في اقطار البدن في الظاهر و الباطن او كل كماقال العسكري7 كل بحيث لو كان حلالاً لايزداد عليك طول الحساب يوم القيمة و لو كان حراماً

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 22 *»

لماضرّك اذا اخذت منه بقدر سدّ الرمق و مايمسك به النفس لا مازاد عليه الاّ ان ذلك درجة المقربين و مرتبة الصديقين الذين اكلهم ليس لللذة و لا للقوة بل لحفظ بقاء البدن في هذه الدنيا مركباً للروح ليتزوّد بها الروح زادها ليوم معادها و اما الراجون و الخائفون فهم يأكلون للقوة و النشاط للعمل لمايرجون من مثوباته تعالي و يخافون من عذابه و عقابه و اما المؤمنين من ساير العوالم فلربما يأكلون لللذة ليكسر نفوسهم عن الميولات التي تحصل بها اللذة بغير الحلال و الطيب و اما المتفكهون الهالكون فهم الذين يأكلون للتلذذ الجسداني و النشاط النفساني و لهم قال النبي9 من كان همّته مايدخل في بطنه كان قدره مايخرج من بطنه و ان كان لايسلم منه علي الحقيقة الاّ المقرّبون الصديقون.

و اما قدر الاكل و الشرب بان لايمتلي البطن منهما و علامته الاكل بمادون الرغبة و شدة الاحتياج و كذلك الشرب. فلاتأكل حتي تجوع فاذا اكلت فلاتشبع و علامة ذلك انك بعد مافرغت من الطعام تشتهي النفس اياه و لاتزال الشهوة الي ساعة و بعدها ترفع مع ان هذا المقدار من الاكل يقوي الروح و يصفي الباطن و يقوي الجسد و ينضج الطبيعة و يقوي الحرارة الغريزية كما ذكره الاطباء و ذلك معلوم واضح ان‏شاءاللّه تعالي و لاتشرب حتي تعطش فاذا شربت فلاتروّ لان الشرب يجب ان يكون ثلثي الاكل و العطش في صحيح المزاج ينشأ عن ذلك و سدّ العطش علامة الاكتفاء و الزيادة فضول تحدث الكدورة و هي تناسب الشياطين و الجانّ الذين يسكنون في الماء فيتعلقون بها و يحدثون البلادة و الحماقة في النفس و يهيجون المواد الباردة و الرطبة فيتولد الصداع و اللقوة و الفالج و خلل في الرية و امثالها و علامة الاكل للتفكّه و التلذّذ هي انه اذا لم‏يجد الطعام اللذيذ الموافق للطبيعة و الماء البارد العذب يتألم و يتكدر خاطره او تتأثر نفسه او يتكلف في طلبه و امثالها من انحاء الاعتناء و اما المؤمن العارف فليس بصدد ذلك فيتساوي عنده اللذيذ و غيره فان وجد اللذيذ اكله و ان لم‏يجد لايتأثر له و يأكل غيره بطيب الخاطر و سعة النفس كما كان يأكل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 23 *»

اللذيذ و ان يشقّ عليه هذا التساوي ينظر فيمايترتب عليهما فان الفائدة فيهما واحدة و مضارّ اللذيذ كثير و نتن المدفوع منه شديد قبيح و النتن من المعصية فلابد ان‏يكون عند اكل غير اللذيذ اطيب خاطراً و اوسع نفساً و اقرّ عيناً لا انه يترك الطعام الطيب اللذيذ بالكلية و اللحوم و ساير ما احلّ اللّه من طيبات الرزق نعم يبالغ في تقليل الاكل لا بحيث تشغل النفس بطلبه عن التوجه اليه سبحانه و الاشتغال بطاعته بل يأكل و يشرب بحيث ينسي البطن بالكلية و هو الحد الجامع.

و اما اللباس فيقتصر علي مايستر به عورته و الزائد يكون وجوده و عدمه عنده علي السوية لا انه يترك اللباس الحسن بالكلية الاّ اذا حصل للنفس عجب عند لبسه فحينئذ يجب تركه و لا انه يلبس اللباس الردي بحيث يمقت النفس و لاتميل الي الطاعة ابداً كل ذلك اذا حصل له من الحلال الطيب و الاّ فيترك وجوباً ان كان من الحرام و استحباباً ان كان يريد وجه اللّه و الدار الاخرة ان كان من الشبهة و وجوباً ان كان يريد اللّه سبحانه وحده كما في الدعاء انت لا غيرك مرادي و لك لا سويك سهري و سهادي و لقاؤك قرة عيني و وصلك مُني نفسي الدعاء و تفكر عند لبس اللباس ان هذا اللباس يستر عورتي الجسماني و ذلك دليل اللباس المعنوي الذي هو ساتر العورات المعنوية فلابد من تحصيله و الاّ تفتضح بكشف العورة فانها اقبح من العورة الجسدية و ذلك اللباس لباس التقوي ذلك خير و العورة هي المعاصي التي لاينفك عنها ممكن في كل مقام بحسبه.

و اما النوم فلاتنم ما لم‏يغلب عليك النوم و قلّل النوم ما استطعت فان كثرة النوم يدع الرجل فقيراً يوم القيمة و لاتجعل همّتك النوم و لاتعيّن له وقتاً فكلما استيقظت قم فاقعد و توضّأ و اسجد للّه قبل ان‏تقوم من مضجعك و قل الحمدللّه الذي احياني بعد ما اماتني و اليه البعث و النشور فاذا كان في الليل انظر الي افاق السماء و اقرأ الايات و الادعية المأثورة و فكّر في الكواكب و طلوعها و غروبها و الافلاك و حركتها و سرعتها و بطئها و فكّر ان ذلك بعث بعد موت و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 24 *»

الليل مظلم و العيون هجع و الاصوات مخفية فاغتنم الفرصة و ناج مع محبوبك في الخلوة و اشكُ عنده ضرّك و بلواك و اطلب منه ان‏يوصلك الي محبته و هواه فان غلب عليك النوم مرّة اخري فنم بقدر الضرورة ثمّ استيقظ و تطهّر و اعمل ماقلنا لك و تهجّد و اخضع و ابك و تأمل ان ذلك بعث النشور بعد الموت في البرزخ و خذ اهبتك و استعدادك لذلك اليوم فان الدنيا خلقها اللّه سبحانه بلاغاً للاخرة و دليلاً عليها و لاتزال تفعل كذلك الي الصباح و عليك بقلّة النوم في الليل فان المؤمن هو الذي يكون نهاره ليلاً و ليله نهاراً يعني لاينام في الليل كالنهار و لايخرج من مسكنه و لايعاشر الناس في النهار كالليل و قدقال اللّه عزوجل انّ ناشئة الليل هي اشدّ وطأً و اقوم قيلاً و الناشئة هي النفوس التي تنشأ و تنبعث في الليل و تعبد لربها في ظلمة الليل عند سكون الاصوات و هجوع العيون فاذا سهرت في الليل فنم في النهار نوم القيلولة فان النوم في النهار علي خمسة اقسام كما عن النبي9 :

نوم العيلولة (بالعين المهملة): و هو النوم بين الطلوعين و هو نوم اللعنة و ذلك النوم يورث المرض و العلة في البدن لزيادة برودة الليل الباقية الي الصباح و برودة الهواء و الارض و برودة النوم ثمّ ان بين الطلوعين هو محل الافاضات و ينبوع الخيرات و هي ساعة الجنة و فيها تقسّم الارزاق و تقدّر الاجال و ساير الصفات و الاحوال فاذا نام الشخص ينام عن حظّه لان النائم ليس مقابلاً لفوارة النور التي تنشأ عنها الحرارة و الرطوبة و انما هو مقابل لفوارة البرودة و اليبوسة التي ينشأ عنها الموت.

و نوم الفيلولة (بالفاء المعجمة): اي الفتور و الضعف و هي النوم بعد طلوع الشمس في صدر النهار و انما يحدث الفتور لان حرارة الشمس تدارك البرودة الاّ ان البرودة ايضاً غالبة من جهة عدم اشتداد الحرارة و برودة النوم فلايحصل النضج التامّ فيحصل الفتور و الضعف الناشيان عن عدم نضج البنية و زيادة المادة البلغمية.

و نوم القيلولة (بالقاف): و هي نوم قبل الزوال بساعة لقوة الحرارة في ذلك الوقت و اذا اعانتها حرارة اليقظة تستلزم الضعف و النوم في ذلك الوقت مطلوب مرغوب فيه و القيلولة بمعني زيادة العقل كما عنه9 و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 25 *»

ذلك النوم يعين للقيام في اخر الليل لصلوة التهجد و الاستغفار و المتهجد لابد ان‏ينام في ذلك الوقت ليستريح بدنه و يسكن قلبه و يطيب ريحه و يتهيج و ينعش الحرارة الغريزية و بيان وجوه هذه الامور يطول به الكلام و لست بصدده.

و نوم الحيلولة: و هو نوم بعد الزوال او حين الزوال فانه يحول بينه و بين الصلوة و ظلمة تأخير الصلوة تعارض نفع النوم في ذلك الوقت فيكون مرجوحاً.

و نوم الغيلولة (بالغين المعجمة): بمعني الهلاك و هو النوم في اخر النهار لانه يورث الامراض المهلكة في الظاهر و الباطن و وقت انبساط الشيطان و جنوده و تفصيل المقال في هذه الاحوال غير مانحن فيه.

و لاينام بعد الغذاء في الفور بل يمهل ساعة حتي يستقر الغذاء في المعدة و ينام اول الليل ان كان لابد له من النوم ليقوم بعد النصف من الليل فاذا اوي الي فراشه يذكر مقدمات الموت فاذا نام اضطجع اولاً فيذكر حالة الاحتضار و انه كان يتمني ان‏يمهله ملك الموت و لو ساعة و دقيقة ثمّ ينام الي جنبه الايمن فيذكر حالة كونه علي السرير للغسل و تقلّبه الي جانب الايمن ثمّ ينام الي جنبه الايسر ملاحظاً لتلك الحالة عند الغسل ثمّ يرد الي الجانب الايمن و رأسه الي المغرب و رجليه الي المشرق ليكون وجهه الي ناحية القبلة علي هيئة دخوله في القبر و يتذكر بتلك الحالات و يراجع الاعتقادات و يشهد الشهادتين و يتعوّذ من الشيطان الرجيم ثمّ يجعل يده اليمني تحت رأسه اي جنبه اليمني و يقول اللّهم اني اشهدك انك افترضت علي طاعة اميرالمؤمنين علي بن ابي‏طالب7و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمّد بن علي و جعفر بن محمّد و موسي بن جعفر و علي بن موسي و محمّد بن علي و علي بن محمّد و الحسن بن علي و الحجة بن الحسن و يقرأ الادعية المأثورة عنهم: عند المنام و ليكن علي طهارة من الوضوء او الغسل او التيمم لا اقل و يذكر اللّه بالتفكر و التدبر حتي يأخذه النوم فيكون حينئذ نَفَسه تسبيحاً بشرط ان لايكون البطن ممتلياً من الطعام و الشراب و يري المنامات الحسنة و المبشرات التي هي جزء من سبعين جزء من النبوة.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 26 *»

و اما القيام و القعود ففي وقت التفكر و النظر و العبرة يقعد علي هيئة قعود النبي9 و هو قعود الواثب و تلك الصورة هي صورة محمّد9 في الحروف المكتوبة و تلك جلسة الخدام لانها اقرب الجلسات الي القيام و هي اجمع للحواس و اوفر للعقل و تميل بالفهم الي المدارك العالية و في وقت الدعاء و المناجات يجلس جلسة العبيد و هي صورة الجلوس للتشهد في الصلوة متوركاً و هي علي هيئة لااله الاّاللّه في صورة اللفظية و التربيع جلسة الكسلان يجلس للاستراحة و احدي رجليه علي الاخري جلسة المتكبر فليجتنب الجلسات غير الاوليين فانهما هي المحمودة الممدوحة فاذا جلس الجلسة الاولي يذكر اني عبد مترصد مترقب لخدمة مولاي فيما يأمرني به منتظر لها فيشتغل بالمولي و بعظمته و كبريائه و جلاله و عزته و انحاء خلقه الي ان‏يأمره و يأتي اوان امتثاله و في الجلسة الثانية يجلس منتصباً ظهره غير مائل به الي التقويس يذكر اني عبد ذليل خاضع خاشع فقير محتاج باطل مضمحل عند جبروته و عظمته ادعوه و لا ادعو غيره و يذكر في هذه الجلسة جلوسه في المحشر بين يدي الجبار للحساب و قراءة الكتاب و هو قوله تعالي و تري كل امّة جاثية كل امة تدعي الي كتابها اليوم الاية و الجاثية هي القاعد متوركاً فاذا ذكر ان موقفه و مجلسه من ذلك الموقف و المجلس يشهد الشهادتين و يذكر الاعتقادات و يستعدّ للجواب في يوم الحساب و يجعل جلساته كلها منحصرة فيهما الاّ انه يلاحظ المناسبة في المقامات و عند القيام يقوم منتصباً بحيث يستقر جميع الاعضاء في المحل الذي خلقه اللّه سبحانه فيه و لايميل بها عن الاستقامة و المحاذاة كالالف و لايقوّس ظهره فانه يفسد البنية سريعاً فيما بعد فاذا قام يذكر انه عبد للّه سبحانه قائم بخدمته و وجهه ناظر اليه و معتمد عليه ثمّ يشكر اللّه سبحانه حيث لم‏يجعله منكّس الرأس و محدّب الظهر اللذين هما من هياكل النفاق و الشرك و الكفر

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 27 *»

فاذا وجد ظاهره علي هيكل التوحيد فليبذل جهده لان‏يجعل باطنه ايضاً كذلك و علامة كون الباطن عليه ان لايغفل عن اللّه سبحانه ليكون وجهه متوجهاً الي الاعلي و ان‏يذكر فقره و فاقته و عجزه ليكون رجليه الي الارض و ان لم‏يكن مشتغلاً بذكر اللّه فوجهه متوجه الي الاسفل و يديه في الارض لان‏يأكل و يستمد من الاسفل الي الاعلي فيكون حينئذ بهيمة من البهائم فنستجير باللّه من ذلك فقد صار موجوداً بما هو حيوان دون ان‏يكون موجوداً بما هو انسان كماقال اميرالمؤمنين7 و لايقوم الاّ لامر فيه محبة اللّه سبحانه.

و اما المشي فيمشي سوياً علي صراط مستقيم و يمشي علي الاستقامة و الاعتدال يعني لايعوّج الطريق بمشيه و لايميل ببعض اعضائه الي جهة غير الجهة التي يمشي اليها و الاعضاء الاخر متوجهة الي الجهة التي يمشي اليها و يمشي مع السكينة و الوقار فانهما علامة الايمان فلايلتفت الي اليمين و الشمال بل يكون التفاته بين رجليه و يمشي مستقراً تحت عظمة اللّه و كبريائه و مضمحلاً لدي قهاريته و بهائه خاضعاً ذليلاً و لايمشي الاّ الي الوجه الذي فيه رضي اللّه و محبته و لايمشي سريعاً مفرطاً و لا بطيئاً كذلك بل متوسطاً و يكون الي السرعة اقرب منه الي البطؤ و يذكر حال المشي حركته اليه تعالي بالاستدارة و استمداده منه و انه اذا لم‏يطلب لايصل اليه الفيض و النور و العمل هو الطلب و الحركة و العلم هو النور و هو قوله7 العلم يهتف بالعمل فان اجابه و الاّ ارتحل.

و اما ساير الاحوال فابك كثيراً ما استطعت من خشية اللّه تعالي و ذلّتك و فقرك و في مصيبة الامام المظلوم7سيّد شباب اهل الجنة فان البكاء في مصيبته افضل الطاعات و الاعمال و القربات يجلب الرزق و يشرح الصدر و ينوّر القلب و يورث العزة و يذهب بالفقر و الفاقة و عليك بمجالسة من يذكر الحسين7 و الجلوس في المجلس الذي يذكر فيه الائمة : فان نور اللّه الاعظم ظاهر في ذلك المجلس فالجالس فيه مغمور بكله من ظاهره و باطنه في نور اللّه تعالي و سعة رحمته و التفات جميع

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 28 *»

الانبياء و الاولياء خصوصاً اشرف الانبياء و الاولياء محمّد و اله صلوات اللّه عليهم اجمعين فمن شملت عنايتهم و التفاتهم فلايشقي ابداً و لاتضحك كثيراً فان الضحك الكثير يميت القلب و يذهب بالبهاء و الوقار و الطمأنينة اللازمة للمؤمن و هي علامة الايمان و تأمل في قوله تعالي فليضحكوا قليلاً و ليبكوا كثيراً جزاء بماكانوا يكسبون و استشعر الحزن و جلبب الخوف و لاتكن عبوساً و لا ضحّاكاً بالقهقهة بل كن بشّاشاً واسع الخلق.

و اجعل لك وقتاً في الخلوة في الليل و النهار تنظر فيه الي اثار الصنع و تتفكر في العالم و كيفية التفكر ان‏تجمع قلبك و حواسك و كيفية اجتماع القلب ان‏تترك الهموم و الغموم الدنياوية فلاتهتمّ لشي‏ء فاتك و اسأل اللّه ان‏يبلّغك احسن ممافاتك فانه ذوالفضل العظيم و ان‏تستشعر عظمة اللّه سبحانه و قهاريته و سطوته و اضمحلال ماسواه عنده فيجتمع القلب حينئذ اذ لايمكنه حينئذ الاّ النظر الي نوره و بهائه و عظمته سبحانه فاذا اجتمع القلب فانظر في العالم بنظر الحيرة و الاعتبار و التعجب و في كيفية خلق هذا الخلق العظيم علي اختلاف مقاماتهم و درجاتهم و مراتبهم و ما الذي اراد من الخلق في ايجادهم و ينظر الي اختلاف مراتب الجماد و النبات و الحيوان و اختلاف صفات كل جنس و نوع و شخص و في هيئة الانسان و احوالها و اوضاعها و امثالها من الاطوار و الاحوال و الحركات و السكنات و يتحير فيها فاذا استمر نظره هكذا مدة يجد امراً عجيباً غريباً و لايملّ من طول الفكر و النظر اذا لم‏يعرف شيئاً فانك حين النظر و الفكر متعلم عند اللّه تعالي فان اعطاك فله الحمد و ان منعك فله الحمد و كن في الحالين راضياً شاكراً و لاتترك الطلب و الفكر فان من قرع باباً و لجّ ولج و طلب شيئاً و جدّ وجد و وجه اخر للفكر هو ان‏تنظر الي العالم و الاشياء مع اجتماع القلب من غير ان‏تذهب بوهمك الي شي‏ء فانظر رحمة اللّه كيف ما اراد يجعل قلبك متوجهاً اليه و يعرّفك السرّ المستودع فيه و اعلم يقيناً ثابتاً جازماً انك لن‏تنال رتبة العلوم و لن‏تذوق حلاوة الحكم و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 29 *»

الاسرار الاّ بطول التفكر و النظر لا محض العمل و كثرة العبادة فانها من غير التفكر لاتفتح ابواب الحكمة و اسرار حقيقة المعرفة و التفكر بدون العبادة لايوصل الي الحق بل يؤدي الي مكائد الشيطان و دعوة النفس الامارة بالسوء فاذا ذهب وهمك حال التفكر الي امر اخر من امور الدنيا التفت الي عظمة اللّه سبحانه و لاتهتمّ لماذهب اليه وهمك فانه يزيد في تفرقة الحواس و وسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس و بالغ في التفكر كثيراً فاني اوصيك بذلك لتصل الي اعلي مقامات القرب و اقصي مدارج العلم.

و وظّف اوقاتك و لاتضيّعها بالبطالة و اصرفها فيماخلقت لاجله فاذا اصبحت فصلّ النافلة اي نافلة الصبح في اول وقت طلوع الفجر الصادق ثمّ صلّ الفريضة في اول وقتها فان مراعات الاوقات و محافظتها من اعظم القربات لان الصلوة في اول الوقت جزور و في اخره عصفور و في اول الوقت رضوان اللّه و في اخر الوقت غفران اللّه و عفو اللّه و هو قوله تعالي حافظوا علي الصلوات و الصلوة الوسطي و قوموا للّه قانتين و محافظة الصلوة اداؤها في اوّل وقتها فان ذلك يدلّ علي كمال اعتناء العبد بخدمة مولاه فاذا اصبحت و خرجت من ظلمة الليل اذكر حال خروجك من ظلمة العدم الامكاني الي مبدء الوجود الكوني و من ظلمة البطن الي طلوع صبح هذا العالم و كنت لاتدرك و لاتعلم و لاتعقل و لاتعرف شيئاً فاخضع و اخشع و صلّ لمن ربّاك صغيراً في بطن الامّ و حفظك عن الالام و الاسقام المهلكة حتي اخرجك الي هذه الدنيا و كنت لاتستطيع لنفسك نفعاً و لاضرّاً و لاموتاً و لاحيوةً و لانشوراً و لاتقدر ان‏توصل اليك نفعاً او تدفع عنك ضرّاً فاجلس حينئذ جلسة العبد الخاضع الذليل الذي لايقدر علي شي‏ء و هو كلّ علي مولاه اينما يوجهه لايأت بخير و هي كماذكرنا جلسة المتورك في حال التشهد و اشتغل بذكر اللّه سبحانه و افضل الذكر بعد الصلوة تسبيح مولاتنا و سيدتنا الزهراء علي ابيها و بعلها و بنيها و عليها الاف التحية و الثناء ثمّ بعد ذلك اقرأ دعاء الصباح

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 30 *»

و المساء المروي عن اميرالمؤمنين7 ليلة المبيت في الفراش و عن الصادق7 الاّ انه قال7 تجعل السبحة من طين قبر الحسين7 بيدك و تقرأ هذا الدعاء ثلاثاً ثمّ تقبّل السبحة و تجعلها علي عينيك و تقول اللّهم اني اسألك بحق هذه التربة المباركة و بحق صاحبها و بحق جدّه و بحق ابيه و بحق امّه و بحق اخيه و بحق ولده الطاهرين اجعلها شفاء من كل داء و اماناً من كل خوف و حفظاً من كل سوء ثمّ يقول هذه الكلمات عشراً فقدورد عن النبي9 من قال هذه الكلمات كل يوم عشراً غفر اللّه له اربعة الاف كبيرة و وقاه من شر الموت و ضغطة القبر و النشور و الحساب و الاهوال كلها و هي مائة الف هول اهونها الموت و وقي من شرّ ابليس و جنوده و قضي دينه و كشف همّه و غمّه و فرّج كربه و هي هذه اعددت لكل هول لااله الاّاللّه و لكل همّ و غمّ ماشاء اللّه و لكل نعمة الحمد للّه و لكل رخاء الشكر للّه و لكل اعجوبة سبحان اللّه و لكل ذنب استغفر اللّه و لكل مصيبة انا للّه و انا اليه راجعون و لكل ضيق حسبي اللّه و لكل قضاء و قدر توكّلت علي اللّه و لكل عدو اعتصمت باللّه و لكل طاعة و معصية لاحول و لاقوة الاّ باللّه العلي العظيم و هذا دعاء عظيم مفتاح الكنوز و فتّاح الرموز مشتمل علي احدعشر فصلاً كل فصل مبدء خير و مصدر نور فلو قرأته بعدد حرف كل فصل يكون فيه بلوغ ماتضمنه مثلاً اذا دهتك داهية و اصابك هول تذكر لااله الاّاللّه (165) بعدده الكبير او بتنزيل العشرات الي الاحاد لكن بشرط التوجه التامّ و الاقبال العظيم و اذا اصابك همّ و غمّ فقل ماشاء اللّه (409) بعدده و اذا انعم اللّه عليك نعمة دنيوية او اخروية فقل الحمد للّه (148) ليبقي لك اياها و يستمرها عليك و اذا اذنبت فقل استغفر اللّه (1807) بعدده مع الندم و ان اصابك مصيبة في دنياك او في دينك العياذ باللّه فقل انا للّه و انا اليه راجعون (551) بعدده ليقيك اللّه عن شر كل مصيبة و يبدلها لك بنعمة كاملة شاملة باقية و اذا ضاقت عليك الامور و تعسرت عليك المهمات و اقبلت عليك الشدائد التي لامهرب و لامفرّ لك عنها فقل حسبي اللّه (146) بعدده مع التوجه فان اللّه سبحانه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 31 *»

يخلصك عن الضيق الذي انت عليه البتة ان شاء اللّه تعالي و اذا توجه اليك قضاء السوء و شر القدر فالجأ الي حصن ذكر توكّلت علي اللّه (1032) بعدده الكبير او غيره فان اللّه تعالي يكفيك و يدفع عنك ذلك القضاء و القدر بكرمه و فضله و اذا قصدك عدو بسوء او خفت من احد فقل اعتصمت باللّه (1069) بعدده فان اللّه تعالي يؤمنك و ينجيك من عدوك البتة ان شاء اللّه تعالي و اذا عصيت او اطعت و خفت ان‏يدخلك عجب او لايقبل منك فقل لاحول و لاقوة الاّ باللّه العلي العظيم (1910) بعدده فان اللّه سبحانه يغفر لك ذنبك و يوفّقك للطاعة المقبولة و كذلك اذا خفت ان‏تقع في المعصية او لاتوفق للطاعة فقل هذا القول ايضاً بعدده فان اللّه سبحانه يقيك عن المعصية و يوفّقك للطاعة و بالجملة ادع هذا الدعاء مجملاً و مفصلاً و واظب عليه في الحالات كلّها فتري منه غرائب و عجائب و يقضي لك جميع مهمات الدنيا و الاخرة و هذا لااختصاص له بوقت الصبح و انما ذكرت في تعقيب الصبح لان الحواس في هذا الوقت اجمع و ورود الافاضات و الخير فيه اكثر لماقلنا من انّه ساعة من ساعات الجنة و فيه خلق فلك جوزهر القمر و فيه كان عقد الصديقة الطاهرة لعلي7 لانّه قدوقع في الجنة و هذه الساعة منشأها و مظهرها و ينبوعها في الدنيا و لذا ورد ان الجلوس علي المصلّي الي طلوع الشمس يوسّع الرزق و يجلب المال.

و صلّ علي محمّد و ال محمّد كل يوم الف مرة و ان يصعب عليك صلّ كل يوم مائة مرة و يوم الجمعة الف مرة كماروي عنهم: و افضل اوقاتها اول الفجر و اول طلوع الشمس و اول الزوال و ان استطعت ان‏تلعن اعداءهم بعد العصر و عند الغروب الف مرة او مائة مرة فافعل فانه تمام الخير و لاحظ في هذه الاحوال كلها نفسك و فقرها و حاجتها و ربك و غناه و بابه فامح نفسك في وجدانك و التفت الي الواحد من غير اشارة و لاكيف.

فاذا طلعت الشمس وظّف اوقاتك و اجعل لك وقتاً معيناً تتلو فيه القرءان كلام اللّه الذي فيه النور و النجاة و الخير و البركة و اقرأه في الخلوة ان استطعت

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 32 *»

بصوت حزين و رقة و خشوع و استشعر حال القراءة انه كلام اللّه الذي خاطبك به فانت حين ماتقرأ كلامه فانما تقرأه بمحضر منه سبحانه و اياك ان لاتقرأه كما انزل فانك حينئذ مفترٍ علي اللّه نعوذباللّه و احذر ان‏تلحن في القراءة باللحن الخفي او الجلي فالثاني هو ان لاتؤدي الحروف عن مخارجها و لاتحافظ الوقوف بل اقرأه بالترتيل و لاحظ محسنات القراءة من الامور الخمسه‏عشر المذكورة في كتب القراءة و احذر عن مقابلاتها من الامور الخمسه‏عشر التي هي من المستهجنات في القراءة و الاول هو ان لاتلاحظ المعاني و لاتأتمر بالاوامر و لاتنزجر عن المناهي بل اذا وصلت الي الاوامر فاعقد قلبك علي امتثاله من جهة الحبّ و الشوق و معرفة انه هو الفخر و العزّ و الشرف و اذا وصلت الي المناهي فاعقد قلبك علي كفّ نفسك عنها كذلك و انها هي الامور الردية و اذا وصلت الي ذكر الجنة فاطلب منه تعالي اياها و اذا وصلت الي ذكر النار تعوّذ باللّه منها و اطلب منه تعالي ان‏ينجيك عنها و اذا وصلت الي ذكر مكائد الشيطان تعوّذ باللّه من شره و كيده و مكره و اذا وصلت الي ذكر الامم الماضية فاعتبر منها و قس نفسك انها لو كانت معهم فيشملها الهلاك او النجاة بحسب الاعمال السوء التي اقترفوها او العمل الصالح الذي عملوه و اذا وصلت الي ماحكي اللّه تعالي عن الكفار من الاقوال الباطلة التي قالوها كقولهم عزير ابن اللّه و المسيح ابن اللّه و ان اللّه ثالث ثلثة و ان الملائكة بنات اللّه و ان يد اللّه مغلولة و امثالها من الكلمات اخفض صوتك و نزّه اللّه سبحانه عنها و ابرأ الي اللّه منهم و من اقوالهم و اعتقاداتهم و كل من يضاهيهم و يشابههم في امثال هذه الاعتقادات الفاسدة الباطلة و اذا وصلت الي تكذيب اللّه سبحانه اياهم و توعيدهم بالعذاب و النكال اجهر صوتك و شدّد في القراءة مثلاً اخفض صوتك عند قوله تعالي و قالت اليهود يد اللّه مغلولة و العن اليهود بماقالوا ثمّ اجهر عند قوله تعالي غلّت ايديهم و لعنوا بماقالوا فالعنهم ثمّ توسط توسطاً يقرب الي الشدة و قل بل يداه مبسوطتان ينفق كيف

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 33 *»

 يشاء وهكذا اجر في القراءة و اذا وصلت الي مقام الخطاب مثل ياايها الذين امنوا و ياايها الناس و امثالهما قل لبيك و سعديك و اعلم انّك من المخاطبين بالخطاب الشفاهي و اذا وصلت الي ما يأمر اللّه سبحانه بالقول مثل قل هو اللّه احد و قل ياايها الكافرون و امثالهما قل في نفسك هو اللّه احد، و ياايها الكافرون و عند قوله تعالي لكم دينكم و لي دين قل ديني الاسلام ثلثاً و عند قوله تعالي كفواً احد كذلك اللّه ربي ثلثاً وهكذا في ساير الكلمات و اذا وصلت عند ذكر محمّد و ال‏محمّد صلّي اللّه عليهم باي نحو من انحائه من تفسير الظاهر مثل قوله تعالي ماكان محمّد9 ابا احد من رجالكم الاية و قوله تعالي الذين يتبعون النبي الامّي الاية و قوله تعالي انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل‏البيت الاية و قوله تعالي قل تعالوا ندع ابناءنا و ابناءكم و نساءنا و نساءكم و انفسنا و انفسكم و امثالها من الايات التي تنزيلها فيهم صلّي اللّه عليهم او تفسير الباطن مثل قوله تعالي و واعدنا موسي ثلثين ليلة و اتممناها بعشر فتمّ ميقات ربه اربعين ليلة فموسي هو النبي9 و الثلثين ليلة هو علي7 و الليالي العشر هي الحسن7 و التسعة من ولد الحسين7 و مثل قوله تعالي و الفجر و ليال عشر و الشفع و الوتر و الليل اذا يسر فالفجر هو الحسين7 و الليالي العشر ماذكرنا انفاً و الشفع علي7 و انه الزوج و الوتر هو رسول اللّه 9و الليل اذا يسر هي فاطمة3 و قوله تعالي حم و الكتاب المبين انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم فحم هو النبي9 و الكتاب المبين هو علي7 انا انزلناه اي علياً بالعقد و التزويج في ليلة مباركة هي فاطمة3فيها يفرق كل امر حكيم اي يمتاز كل امام حكيم بعد امام حكيم و مثل قوله تعالي انّ عدة الشهور عند اللّه اثناعشر شهراً في كتاب اللّه و هم الائمة:و قوله تعالي و من قوم موسي امة يهدون بالحق و به يعدلون و قطّعناهم اثنتي‏عشرة اسباطاً و امثالها من الايات التي باطنها النبي9 و الائمة: او تفسير باطن

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 34 *»

الباطن مثل قوله تعالي بسم اللّه الرحمن الرحيم قل هو اللّه احد اللّه الصمد لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد و امثالها او تفسير التأويل مثل قوله تعالي يغن اللّه كلاًّ من سعته ذلك اذا خرج القائم المهدي عجل اللّه فرجه و انتشر العلم لايحتاج احد الي علم صاحبه و امثالها او باطن التأويل مثل قوله تعالي أ لم‏تر الي الذين قيل لهم كفّوا ايديكم عن القتال الي ان قال تعالي فلمّا كتب عليهم القتال فالذين قيل لهم كفّوا ايديكم عن القتال هو الحسن بن علي8 و الذي كتب عليه القتال هو الحسين بن علي8 او تفسير ظاهر الظاهر مثل قوله تعالي هذا صراط علي مستقيم باضافة الصراط الي علي7و قوله تعالي ان عليّنا للهدي بتشديد الياء ان عليّنا للهدي و قوله تعالي ان عليّنا جمعه و قرءانه اي عليّنا جمعه و قرأه و قوله تعالي و انه في امّ الكتاب لدينا لعلي حكيم و امثالها من الايات و الحاصل في كل موضع من القرءان تجد فيه ذكر الائمة: فصلّ عليهم صلوة كاملة و اسأل اللّه بحقهم ان‏يخلّصك من الشكوك و الشبهات و الاوهام و الخيالات و كذلك اذا وصلت الي ذكر اعدائهم و مخالفيهم و ظالميهم بجميع الانحاء المذكورة و الغير المذكورة فالعنهم و ادع عليهم و اسأل اللّه ان‏يعذّبهم عذاباً لاانقطاع لامده و لانفاد لعدده واذا وصلت الي قوله تعالي و يوم ندعو كل اناس بامامهم فاذكر عقايدك و الامام الذي تأتمّ به و الائمة الماضين من ابائه الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين و اسأل اللّه ان‏يدعوك بهم و لايفرّق بينك و بينهم و اعلم ان القرءان رفيق شفيق و حبيب صديق يطعمك من جوع و يؤمنك من خوف فاحسن مرافقته و مصاحبته و اقرأه بالتدبر و التفكر في معانيه و اسراره و مبانيه و لاتجعل همّك اتمام السورة و لا الجزؤ بل اجعل همّك معرفته و استشمام روائح ازهار بواطنه و لاتقل اني ما افهم فانك اذا داومت النظر و التدبر و التفكر يفتح لك باب فهمه و معرفته و اياك ان تستعين لفهم القرءان بكتب تفاسير المخالفين كالبيضاوي و ما اشبهه الاّ من جهة معرفة اللغة الظاهرية مما اتفقت عليه فانهم ما دخلوا باب مدينة العلم و ليس لهم في ذلك من خلاق بل اطلب فهمه من نفسه و من

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 35 *»

الاحاديث و الاخبار فانها متكفلة لجميع معاني القرءان و اسراره من ظاهره و باطنه و تأويله فتمسك بحبلهم فانهم يعلّمونك و يدلّونك الي احسن السبيل و ارشد الطريق لانك بمرئي منهم و مسمع و هو قوله تعالي و ما كنّا عن الخلق غافلين.

فاذا فرغت من تلاوة القرءان كل شيئاً و لو قليلاً حتي لاتكون علي الريق فيستولي عليك مِرّة الصفراء و احسن الاشياء للريق اللُبان و هو الذي يسمونه بالكندر و هو يدفع الرطوبات و الابخرة و يصفّي الذهن و يقوّي قوة الحافظة و يرقّق القلب و ينشط للطاعة و يذهب بالكسالة و كان مولانا الرضا 7 يأكل منه بعد ما فرغ من تعقيب الصبح و كذلك كان اكل الانبياء و لذا ورد انه ما تنبّي نبي الاّ بالاقرار بامور منها ان يكون اللبان في ميراثه و كان اميرالمؤمنين7 يزيد عليه بقدره من القرنفل و يدقّ الجميع ناعماً و يأكل علي الريق فانه اقوي تأثيراً و اشدّ عملاً من اللبان وحده سيما لمن غلبت عليه المادة البلغمية و الرطوبات الفضلية فان خفت من زيادة الحرارة فزد علي اللبان بقدره من السكّر او خذ المَصْطَكي و قدره من القند و كُلْه علي الريق.

ثمّ بعد ذلك اشتغل بطلب العلم فانه افضل ما يعمله العاملون و لطلبه و تحصيله فليتنافس المتنافسون و قدروي ان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم و انه ليستغفر له كل من في السموات و الارض حتي الحيتان في البحار لكنك اعلم ان العلم ليس في السماء فينزل عليكم و لا في الارض فيصعد اليكم بل هو مكنون فيكم مخزون في قلوبكم تخلّقوا باخلاق الروحانيين حتي يظهر لكم و اخلاق الروحانيين هي ما اشار اليه النبي9 في قوله ليس العلم بكثرة التعلم بل هو نور يقذفه اللّه في قلب من يحبّ فينفسح فيشاهد الغيب و ينشرح فيحتمل البلاء قيل هل لذلك من علامة يا رسول اللّه قال 9 التجافي عن دار الغرور و الانابة الي دار الخلود و الاستعداد للموت قبل حلوله و هذه المحبة المورثة لقذف العلم قد فسّرها اللّه سبحانه في الحديث القدسي مازال العبد يتقرب الي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 36 *»

 بالنوافل حتي احبّه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكت عني ابتدأته و فعل النوافل و ما يتقرب العبد الي اللّه سبحانه انما يكون بتحقق الانسانية و هي انما يتحقق بصفاء المزاج المسبب عن اعتدال الطبيعة علي ما في الحديث عن اميرالمؤمنين7 في الفلسفة في جواب اليهودي قال7 و ماتعني بالفلسفة أليس من اعتدل طباعه صفا مزاجه و من صفا مزاجه قوي اثر النفس فيه فقد دخل في باب الملكي الصوري و ليس له عن هذه الغاية مغيّر فصار موجوداً بما هو انسان دون ان يكون موجوداً بما هو حيوان هـ و قد قال7في النفس الانسانية ان لها خمس قوي و خاصيتان اما القوي فعلم و حلم و ذكر و فكر و نباهة و اما الخاصيتان فالنزاهة و الحكمة نقلت معاني هذه الاحاديث. انظر الان من اين جعل منشأ العلم و مبناه و منه افهم حقيقة العلم و معناه اذ لايسعني الان كل البيان و اعلم ان العلم مخزون عند اللّه تعالي في خزائنه الغيبية و عنده مفاتح الغيب التي لايعلمها الاّ هو و يعلم ما في البرّ و البحر و ما تسقط من ورقة الاّ يعلمها و لا حبّة في ظلمات الارض و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين و الكتاب المبين هو الامام عند العلماء الاعلام و صدره7 مخزن العلم و منه ينزل اليك بقدر معلوم و رزق مقسوم و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ما ننزّله الاّ بقدر معلوم فليس حق و نور و علم و معرفة الاّ عند اللّه تعالي في خزائنه فاطلب منه تعالي اذن و اطرق باب الخزينة و قف عليها ربما ينزل اليك شيئاً منه بكرمه و جوده و انه تعالي كريم لايخيب امله و لاييأس طالبه و هو الرحيم الغفور فاقطع عن غيره و اسلك سبيله ذللاً ليخرج من بطن قويك و مشاعرك شراباً مختلفاً الوانه من انحاء علوم المعرفة و علوم المحبة و علوم الوفاء و علوم الصفاء و علوم الاداب و علوم مؤانسة الاحباب و علوم الطريقة و علوم الشريعة و ما يلازمها و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 37 *»

يترتب عليها و يتفرع عنها و ما يوصل اليها فيه شفاء للناس من امراض جهالاتهم و شبهاتهم و ضلالاتهم فاذا سلكت سبيله فلايلتفت منكم احد الي سواه و امضوا حيث تؤمرون و ذلك هو المجاهدة فيه تعالي و الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا و اعلم ان اللّه سبحانه سبب كل ذي سبب و مسبب الاسباب من غير سبب فانظر الي المسبب لا الي الاسباب و المؤثر لا الي الاثار فاذا صلح ظاهرك و قلبك و سرّك فباصلاح الظاهر ينفتح لك باب علم الشريعة و باصلاح القلب ينفتح لك باب علم الطريقة و تهذيب الباطن و تزكيته و باصلاح السرّ ينفتح لك باب علم الحقيقة و بفتح هذا الباب تنفتح الابواب كلها و تنكشف العلوم باسرها و اما اصلاح ظاهرك فكما ذكرنا من الاستقامة في الاحوال من نومك و يقظتك و اكلك و شربك و صباحك و مسائك و قيامك و قعودك و فرحك و طرحك فانظر فانه تمام الامر و سنامه.

و بقي الكلام في ذكر الاقوال و المعاشرات.

و اما الاقوال فالزم الصمت و السكوت فان المرء يعرف عقله بكلامه فمن قلّ كلامه كثر عقله و من كثر كلامه قلّ عقله كما عن اميرالمؤمنين7 و لو كان الكلام من الفضة فالصمت من الذهب و كثرة الكلام تورث البلادة و الحمق و ضعف النفس كما ان كثرة المسامات و فتحها في البدن تورث ضعف البدن و اختلال القوي و فتور النفس و شرح هذه الاحوال يطول به الكلام و ليس لي الان تلك السعة لاستقصي في المرام و العاقل تكفيه الاشارة و لاتتكلم الاّ بذكر اللّه تعالي فقد ورد ان المؤمن كلامه ذكر و هو ان‏تريد بكلامك امراً من الامور التي فيه رضي اللّه سبحانه فانه ذكر و ان لم‏يكن من الاذكار المخصوصة و اقتصر علي قدر الكفاية و مايفيد المستمع و لاتطلب الزيادة فانها يقسي القلب و اذا سئلت اجب علي قدر السؤال و بقدر قناعة السائل و لاتزد حرفاً واحداً كما قالوا: لو زدتم في السؤال حرفاً واحداً لزدنا في الجواب و ان نقصتم نقصنا فتأسّ بامامك و مقتداك روحي له الفداء و اذا تكلمت فلاتجهر بكلامك جهراً لانه ليس علامة الخاضعين و دأب الخاشعين و اذكر حين الكلام قوله

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 38 *»

تعالي و خشعت الاصوات للرحمن فلاتسمع الاّ همساً و لاتتكلم الاّ بماتراجعه في وجدانك مرتين او ثلثاً او اكثر حتي لاتتكلم بالعبث او بشي‏ء مستهجن تظن انه حسن و تنبّه علي خطاء كلامك في نفسك قبل ان‏تظهره فينبّهك الناس عليه و اعلم ان المرء مخبوء تحت لسانه و قيمة المرء بقدر مايحسنه من العمل و اذا اتاك اتٍ لاتتكلم باللهو و لاتبتدئه بالكلام الاّ ان‏يكون فيه رضي اللّه تعالي و اذا صمتّ لايكون صمتك و سكوتك عن الكلام الظاهري بل كن في صمتك متفكراً و في سكوتك متدبراً في افاق العالم و الانفس مرة في زوالها و اضمحلالها و مرة في انقطاع الامال الاّ اليه تعالي و مرة في عظمة اللّه و قدرته و مرة في قيوميته تعالي و قهاريته و اقتداره علي الاشياء و مرة في توحيده تعالي في الذات و الصفات و الافعال وهكذا فارتع في رياض الحكمة و بساتين القرب و المعرفة و لاتبخس حظّك من الدنيا و خذ النصيب الاوفي عن الرقيب المعلي و هو قوله7 في المؤمن و صمته فكر و نظره اعتبار و اذا صمت و توجه الي قلبه فلينظر الي عظمة اللّه الظاهرة في قلبه و يتفكر في حال نفسه بمخالفته لربه و فقر نفسه و رجاء رحمة ربه و اذا نظر الي عالم الشهود بعد الصمت و السكوت يعتبر بحال الماضين و الباقين و اطوار تنقلات العالم و تطوراته في احواله فيرد منهلاً رويّاً و يشرب هنيئاً مريئاً.

و اما المعاشرات فان كنت طالباً لعلم التوحيد و المعرفة لتكون صادقاً حين ما تقرأ دعاء خمسه‏عشر انت لا غيرك مرادي و لك لا لسواك سهري و سهادي و لقاؤك قرة عيني و وصلك مني نفسي و في مناجاتك ولهي و الي هواك صبابتي الدعاء فاعتزل عن الخلق ما استطعت فان الناس داء دفين لا دواء لهم و اهل الدنيا معاشرتهم سمّ قاتل قاتل لايسلم منهم احد الاّ من خصّه اللّه بتوفيق الاعتزال عنهم ظاهراً و باطناً و المطلوب هو الاعتزال بالقلب لكن في هذا الزمان سيما لاصحاب التلوين الذين ماوصلوا مقام التمكين و الاطمينان و التسلط علي الاعتزال القلبي مع المعاشرات البدنية مشكل جداً و لذا لابد من الاعتزال الظاهري مهما امكن من باب المقدمة و لذا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 39 *»

قال7 ان استطعت ان‏تكون علي قلّة جبل فافعل و قال ايضاً7 ان استطعت ان لاتخرج من بيتك فافعل و قال ايضاً7فرّ من الناس فرارك من الاسد لان الناس اهل الدنيا و اهل الهوي و المعصية نجاسة و لايخلو احد من ابناء الدنيا من الانهماك فيها فيتنجسون و اذا باشرت المتنجس تتنجس سيما مع بقاء عين النجاسة هذا اذا كانت المباشرة بالرطوبة و هي عبارة عن الميل اليهم و ميلهم اليك المقتضيان للسيلان و اما اذا باشرتهم باليبوسة اي بعدم الميل القلبي فلابأس الاّ انه ترك للاكمل او انه عندك ماء طاهر تغسل درن مايصيبك منهم في الفور الاّ ان‏تكون النجاسة نجاسة الميت فانها عينية و ان كان موضع الملاقات يابساً و الاموات هم الكفرة الفجرة الصوفية امّ الاخباث و اصل الارجاس و اياك و معاشرتهم و ان لم‏تمل اليهم فينجّسوك فلايكفي الغَسل وحده بل لابد لك معه من الغُسل و اغسل بماء التوبة و الندم و التضرع و الغسل بضجر النفس بالاعمال و الطاعات و العبادات و ما ورد من الحثّ في معاشرة الاخوان و زيارة الاصحاب و الخلاّن و ضيافتهم و عيادة مرضاهم فانهم اخوان الصفا و الاحباب في اللّه الذين بمعاشرتهم يزيد نورك و بهاؤك و يكثر عملك و زهدك و يستنير قلبك و يدفع الشكوك و الشبهات عن وهمك و يذهب غمّك و همّك و يخرج حبّ الدنيا عن قلبك لا انه يزيدك حباً للدنيا و حرصاً لطلب المال و الجاه فان وجدت اصحاباً كما وصفنا فعليك بملازمتهم و مصاحبتهم و لاتفارقهم البتة فانهم نور القلوب و ضياء الصدور ولكن هؤلاء قليلون قليلون قليلون اقلّ من الكبريت الاحمر و سنوضح لك شرذمة من احوالهم ان تمكنت و وجدت المهلة و الاّ فاستنبطه مماسطرنا و اما رفقاء السوء و هم اهل الدنيا و هم الذين يحجبونك عن فعل نافلة من النوافل فاحذرهم و اهرب عنهم هربك من الاسد الضاري و لاتظن باحد ظن السوء و لاتستحقر احداً فانك اذا لاقيت الناس لايخلون معك من احد حالات ثلث

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 40 *»

اما انهم اكبر سنّاً منك فعظّمهم و وقّرهم و لاتستحقرهم و قل انهم سبقوني في طاعة اللّه سبحانه فهم احسن شأناً مني عند اللّه تعالي و انا اخسّ منهم فيجب لي توقيرهم ضرورة تعظيم الاخسّ للاشرف دون العكس او انّهم مساوون معك في السنّ فقل انّي علي قطع بمعصيتي و شكّ في معصيتهم لعلهم ماعصوا اللّه سبحانه فصاروا بذلك انجب مني و احسن و اذا رأيتهم في معصية فقل لعلهم بعد ذلك تابوا و انابوا و تاب اللّه عليهم كم من معصية توجب النجاة بكثرة التأسف و الندم و الالم و كم من طاعة تورث الهلاك و البوار بالعجب و الفخر او غيرهما من الرديات فلعل طاعتي من هذا القبيل و معصيته من ذلك القبيل فلاتستحقره في نفسك و تريها انها احسن منه و ان كان تجري عليه حكم الظاهر من عدم قبول شهادته قبل ان‏يتوب و عرفت منه صدق النية و التوبة و امثالها من ساير الاحكام الظاهرية او انهم اصغر منك سنّاً فلاتستحقرهم ايضاً و قل اني سبقتهم في معصية اللّه سبحانه و انا اكثر منهم معصية و هم اقل مني فيها فلهم الفضل عند اللّه علي و اذا نظرت و لاحظت هذه الاحوال و اجريتها في محالّها و مواقعها فانت في راحة دائمة و عافية باقية و ان قابلوك بمكروه و سوء فلاتقابلهم بذلك بل ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم و مايلقّيها الاّ الذين صبروا و مايلقّيها الاّ ذو حظّ عظيم و قل في نفسك ان كنت تستحق هذا المكروه منه بسوء عملك و صنيعك معه فقد اخذ منك حقه و نجوت و سلمت من تبعته يوم القيمة و ان لم‏تستحق منه بذلك فصار كفارة لساير ذنوبك و حصّلت ثواباً من غير كدّ و لا تعب و ان سوّلتك نفسك انك ماعصيت مع ان ذلك من المحالات العادية فقل لها هب ماعصيت لكنه يكون رفعاً للدرجات و مزيداً للحسنات لانه لايفوت عن بارئ السموات و لايعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض و لا في السماء و ان شتموك و سبّوك في

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 41 *»

وجهك فقل لهم يا اخواني ان كنت انا كماتقولون في و تنسبون الي فاسأل اللّه ان‏يغفر لي و يدفع عني هذه النكبات و ان لم‏اكن كماتقولون فارجو اللّه عزّوجلّ ان‏يغفر لكم و لجميع المؤمنين و ان اغتابوك فلاتغضب و لاتظهر (لاتضمر خ‏ل) العداوة و قل في نفسك انهم ان قالوا فيك ماهو موجود فيك فقالوا حقاً و نطقوا صدقاً و الاّ فقد حصّلت ثواباً و ذخراً من غير كدّ ثمّ ان ربك لهم لبالمرصاد و ان تعفوا اقرب للتقوي و لاتنسوا الفضل بينكم و ان حقّروك فقل في نفسك انت اهل لذلك و ان عظّموك فابتهل و تضرّع الي اللّه عزّوجلّ ان‏ينجيك من الكبر و العجب و ان مدحك و عظّمك احد في وجهك فقل ربّ لاتؤاخذني بمايقولون و اجعلني خيراً ممايظنون و اغفر لي ما لايعلمون و لاتفرح بذلك المدح و التعظيم و اذكر قوله تعالي و يحبون ان‏يحمدوا بما لم‏يفعلوا فلاتحسبنّهم بمفازة من العذاب و لاتتكبّر علي احد و اذكر اوّلك نطفة قذرة و اخرك جيفة قذرة و انت بين ذلك حامل العذرة و مجمل المقال و مختصره عامل مع الناس كماتحب ان‏يعاملوا معك و احبّ للناس ماتحبّ لنفسك و اكره لهم ماتكره لك و لاتمكّن الناس من وقتك فيذهب عليك دينك و دنياك و اخرتك و اولاك و لاتغضب عليهم اذا اضرّوك بشي‏ء من حطام الدنيا و اغضب عليهم اذا اضرّوك بشي‏ء من دينك ليكون حبّك في اللّه و غضبك في اللّه و بغضك في اللّه.

و اجعل لك وقتاً لتربية عيالك و اطفالك و اولادك و من وجبت عليك مئونتهم و عاشرهم بالعدل و وسّع عليهم ان وسّع اللّه عليك و الاّ فماتستطيع و لاتتكلف بما ليس في وسعك الاّ بمشقة فلاتغضب علي العيال و لاتعبس في وجههم و جامع كثيراً فان كثرة الطروقة من سنن الانبياء: و لاتجعل همّك النساء و لا تلذّذ النفس و انما هو لاجل تثقيل الارض لقائل لااله الاّاللّه و لكسر سورة النفس لتطمئن و يجتمع قلبك و يحصل لك الخضوع في طاعة اللّه و لاتبق عزباً فان اراذل موتاكم العزّاب و لاتكدّر خواطر النسوان و لاتضربهن و لاتعبس في وجههن فان ائمتنا: قالوا ان اشدكم حبّاً لنا اشدكم حبّاً للنساء و من اراد ان‏يعرف انه من اهل الجنة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 42 *»

فلينظر كيف محبته للنساء علي الوجه الحلال و لاتجعل عنقك جسراً للنساء حتي تسلطن عليك بل عامل معهن علي مقتضي الشرع و المروة و الاحسان و لاتتبعهن و لاتشاورهن و لاتجالسهن اكثر من حدّ الضرورة فانها تورث الحماقة و البلادة و خسران الدنيا و الاخرة فاذا تعددت الزوجات اعدل بينهن يعني كل ماتعمل لواحدة اعمل للاخري في كل شي‏ء و ان لم‏يجب عليك مطلقاً لكنه اقرب للتقوي و افرغ لك و لحواسك و الاّ تقع بينهن العداوة و الشحناء و يظهرنها فتقع في تعب شديد و لايمكنك التوجه الي ما انت بصدده من طلب الحق و المعارف الالهية و اجعل لك وقتاً لتقعد فيه للناس ان كان لابد لك منه و الاّ فلاتقعد لهم و لا معهم ما استطعت.

و انظر في كتب اخبار ائمتنا الاطهار عليهم سلام اللّه الملك المختار نظر المتعلم لا نظر العالم اي انظر فيها مع اعتقادك بان الامام7 حي حاضر موجود و الخلق كلهم بمرئي منه و مسمع و بين يديه فاذا نظرت الي كلماتهم المنسوبة اليهم و انت قاصر النظر اليهم و قاطع ان الحق لهم و معهم و فيهم و منهم و اليهم فلاشك انهم:يسددونك و يؤيدونك و لايدعونك في ضلالة فان كان الحديث منهم و يريدون منك العمل عليه يقرّونك عليه و ان لم‏يكن منهم او لايريدون منك العمل علي مقتضاه يردعونك عنه بنصب قرينة و اثبات و ارشاد و هداية و اجعل فهمك و قاعدتك تابعاً للحديث لا الحديث تابعاً لفهمك و قاعدتك حتي تعمل عليه ان وافق قاعدتك و تطرحه ان خالفها فان هذا طريقة العلماء لا المتعلمون و قد قالوا: نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و لاتقل ان الحديث فيه محكم و متشابه و ظاهر و باطن و مطلق و مقيد و مكذوب عليهم و موضوع و مغير و مبدل و منقول بالمعني و محرف و يراد بكل لفظ احد سبعين وجهاً فكيف يحصل القطع بالمراد مع قيام هذه الاحتمالات المساوية فكيف تحصل منه القاعدة الكليه القطعية لانا نقول ان هذه الاحتمالات و ان وقعت و المفاسد

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 43 *»

المذكورة و ان جرت لكن بين اظهرنا امام يقرّب البعيد و يسهّل العسير و عليه تسديد رعاياه و حاشاه ان يهملهم و يدعهم و اختياراتهم بل ينظر فيهم فالحديث الذي ليس منهم يردعه عنهم بقرينة صارفة من اشارة او عبارة او مثال او سكوت او نطق او بلحن الخطاب او بفحوي الخطاب و امثالها لان اللّه سبحانه قد اكمل الدين و اوضح سبيل اليقين و الكفار قد يئسوا من ديننا لقوة حجتنا و عظم مستندنا و قد قال مولانا الباقر7 ما من عبد احبنا و زاد في حبنا و اخلص في معرفتنا و سئل مسألة الاّ و نفثنا في روعه جواباً لتلك المسألة و قالوا ايضاً7 ان لنا مع كل ولي اذناً سامعة و قال مولانا الحجة المنتظر عجل اللّه فرجه انا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء و احاطت بكم الاعداء فاذا غاب امامك عنك فانت ماغبت عنه فارجع الي كلماتهم فان عليهم التسديد و لايدعونك تخبط خبط عشواء ان كنت قد انقطعت اليهم و صدقت في محبتهم و الكلام في هذا المقام كثير و اسراره عجيبة اقتصرت علي هذه الكلمات ارشاداً للمسترشدين و ايقاظاً للغافلين.

ثمّ لمّا انهم: قالوا ان احاديثنا تعرض علي كتاب اللّه فخذوا ماوافق و اتركوا ماخالف فكلما تجد من احاديثهم ان وجدته بصافي الاخلاص في محبتهم فلابد ان‏يكون له شاهد في كتاب اللّه تعالي عزّوجلّ دالّ علي المراد صريح في المقصود محكم غير متشابه فابذل جهدك و شمّر عن ساق جدّك و تضرّع الي اللّه عزّوجلّ ان‏يعرّفك الاية المحكمة شاهد صدق للحديث حتي لايقولوا ان الحديث المدعي متشابه او انه تلبيس فيكون في الاطمينان اشدّ و في اليقين اثبت و لحجج المخالفين اقطع و لانكار المنكرين ادحض و ذلك يحصل بتكرار النظر في كلام الملك العلام و خلوص القلب عماينافي محبة اللّه ذي‏الجلال و الاكرام و دوام التلاوة مع التفكر و التدبر في الاسحار و في اناء الليل و اطراف النهار مع الشرايط المذكورة و الاداب المسطورة فلابد حينئذ ان‏تقع علي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 44 *»

المراد و الاّ قد خيّب الكريم السائل عن بابه و الامل عن جنابه و حاشاه ثمّ حاشاه ثمّ حاشاه.

ثمّ لمّا ان اللّه سبحانه قد ذكر في محكم الكتاب سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و لاشك ان العلوم كلها و الاسرار باسرها و الشرايع بحذافيرها اية و شاهدة علي استقامة فعله و تدبيره و ثناء عليه تعالي بالسنة حالية مقالية و هي مرئية في الافاق و في الانفس فان الايات هي الجمع المضاف المفيد للعموم الاستغراقي في اللغة و دلّ الدليل العقلي و الشرعي ان القرءان جامع للعلوم كلها و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين وجب ان‏يكون كل ما في القرءان و في احاديثهم: موجوداً بمثاله بالبيان الحالي علي النهج الاكمل و الاوضح في العالم و في انفس الخلايق و لذا قال تعالي و في انفسكم أ فلاتبصرون فاطلب و اسع حتي تجد المثال و البيان الحالي علي ذلك المنوال الموجود في القرءان و في احاديثهم: ليكون في مقام الاطمينان اثبت و في اليقين اعظم و اشدّ و ذلك لايحصل الاّ بطول التضرع و التفكر في العالم بقلب خالص عن جميع الشوائب و صافٍ عن كل المراتب و المطالب بشرط ان لاتكون معانداً لجوجاً و لا صاحب قاعدة مأخوذة من غير هذه الطريقة التي هي سبيل اللّه و لا مأنوساً بطائفة ليميل قلبك الي موافقتهم لمكان الاستيناس و المودة فان حبّك للشي‏ء يعمي و يصمّ بل كن باقياً علي الفطرة التي فطر الناس عليها طالباً رضاه و طامعاً في قربه و نجواه و ناظراً الي صنعه و كينونة العالم التي هي اثر فعله الدالّ علي هيئة صفة مؤثره فحينئذ وجب علي اللّه سبحانه في الحكمة ان‏يوصلك الي ذلك المثال و يبين لك شرح تلك الاحوال لتكون ثلج الفؤاد مطمئن البال و تعرف بذلك ان الكتاب التدويني علي طبق الكتاب التكويني و من هذه المطابقة يظهر لك اسرار كثيرة من العلوم و الانوار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 45 *»

ثمّ لمّا ان اللّه سبحانه حكم في محكم كتابه و دلّت عليه شواهد صنعه انه تعالي يريد ان‏يعرّفنا اسرار الكونين و يعلّمنا اطوار النشأتين لنكون علي بصيرة من ديننا في معرفة خالقنا و بارئنا فوجب ان‏يكون ماوجدناه في الكتاب و السنة و العالم شيئاً نجده في وجداننا و ندركه بعقولنا و حواسنا و مشاعرنا فابذل جهدك و اسع سعيك و تضرّع الي اللّه عزّوجلّ و الي الائمة الهداة: ابوابه و وسائل فيضه ان‏يدلّوك الي ذلك البرهان العقلي و الشاهد الكشفي المطابق لمادلّت عليه الايات الالهية من التدوينية و التكوينية لتكون اثبت في الاطمينان و اضبط و اقوي في الايمان و الايقان و تكون كالجبل لاتحرّكه العواصف و لاتزيله القواصف و تكون علي بيّنة من ربك و هداية في دينك و نور في برهانك و انشراح في صدرك و ضياء في قلبك و اطلب كل ذلك من اللّه عزّوجلّ ليفتح لك مااعدّ لك في خزائن قلبك و مخازن صدرك.

و اعرض عن مطالعة كتب القوم سيّما عامة العمياء و كل كتاب قد اخذ منها و كن كأنّ اللّه سبحانه ماخلق سواك و ما سطر كتاب و لا ذكر جواب و لا جري خطاب أ تري انه تعالي يهملك و لايبعث لك من يعلّمك اما ظاهراً مشهوداً او غائباً مستوراً و لاتقل ان اللّه جعل هذه الكتب و الالات اسباباً و وصلة الي تحصيل العلوم لانا قد ذكرنا سابقاً ان اللّه تعالي سبب كل ذي‏سبب و مسبب الاسباب من غير سبب فظهر لك من تلويحات كلامنا انه تعالي جعل لكل شي‏ء سببين سبب عام و سبب خاص فاهل العموم يتمسكون باسباب خاصة و اهل الخصوص يتمسكون بالسبب العام و ذلك السبب العام الكافي لجميع المسببات و المناسب لها هو الانقطاع الي اللّه عزّوجلّ بكلّك و هو قوله تعالي أليس اللّه بكافٍ عبده و قوله تعالي و من يتوكل علي اللّه فهو حسبه و قوله تعالي و من يتق اللّه يجعل له مخرجاً و قوله تعالي و اتقوا اللّه و يعلّمكم اللّه.

و اما اصلاح قلبك فبان لاتثق الاّ باللّه و لاترجو سوي اللّه و لاتخاف الاّ من اللّه و لاتطمئن الاّ بذكر اللّه و لاتفرح الاّ بطاعة اللّه و لاتحزن الاّ عند معصية اللّه و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 46 *»

لاتبك الاّ شوقاً الي لقاء اللّه و لاتضجر الاّ عمايشغلك عن اللّه تعالي و ان‏تكون طاعته و مناجاته احب الاشياء اليك و لاتغفل عن ذكر اللّه و لاتركن الي الدنيا و اذا اردت ان‏تصلي تكون صلوتك صلوة المودّع للدنيا و المسافر الي العقبي و تكون متوكلاً علي اللّه راجياً عناية اللّه فلاتفرح ان وعدك احد من المخلوقين بخير و لاتحزن ان منعك و كن في هذه الحالة كما كتب اعرابي الي حاكم من الحكام يطلب منه شيئاً فكتب بعد البسملة ان اعطيتني فاللّه هو المعطي و انما اجري الخير علي يديك و ان منعتني فاللّه هو المانع و لابأس عليك فلاتنس نصيبك من الدنيا و احسن كما احسن اللّه اليك و اعبد اللّه كأنك تراه فان لم‏تكن تراه فانه يراك و لاتضمر في قلبك شيئاً من الامور التي لايحبّها اللّه سبحانه فاذا كنت كماوصفنا فقد ملكت سرير القلب و اخليته عن الشيطان الفاسق الغادر و استضاءت بنور القلب جميع القوي و المشاعر فعرفت بذلك طريق سدّ مكائد الشيطان و تلذّذت بذكر الرحمن فابشر فانك حينئذ انسان و لايدخلك ان‏شاءاللّه طغيان و هو سرّ علم الطريقة فاحذر ان‏يكون مئالك الي ماقال اللّه عزّوجلّ و اتل عليهم نبأ الذي اتيناه اياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها و لكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث الاية ختم اللّه لكم و لنا بالحسني و لايكلنا الي انفسنا طرفة عين ابداً و لاحول و لاقوة الاّ باللّه.

و اما اصلاح السرّ فبان لايخطر ببالك مايشغلك عن اللّه سبحانه او مايشغلك عن التوحيد الصفاتي او مايشغلك عن التوحيد الذاتي فالاولي بترك الخطرات المباحة و ما لايئول الي اللّه سبحانه و الثانية بترك ملاحظة غير الصفات حتي لاتري الاّ نوره و لاتسمع الاّ صوته و انت تعلم ان كل اثر يكون مبدأ اشتقاق اسم للمؤثر فانظر و لاحظ الاسماء في مبادي الاثار و اخلص نفسك عن الاغيار فانها تستلزم الاكدار و الثالثة في مقامين اسفلهما

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 47 *»

ملاحظة الواحد الجامع لتلك الصفات الشامل لتلك الشئون و الاسماء الماحي بظهوره اياها كما في قولهم الذات غيّبت الصفات و حينئذ يفتح باب علم الحقيقة التي مفتاحها عند الواحد و تعرف اذا دخلت ذلك الباب الحيث و الكيف و الكمّ و المتي و اذ و قد و ما و اني و تعرف مفصولك و موصولك و مايئول اليك من امورك فتردّ الاختلافات الي شي‏ء واحد و ترتفع المعارضات و المناقضات و تنظر الي الكثرة بعين الوحدة و بالعكس و الي العالي بعين السافل و القريب بعين البعيد فتعرف بذلك مواقع وضع الالفاظ و الالغاز و العبارات و الاشارات و الضماير و يظهر لك سرّ الحقايق و المجازات و الكنايات و الاستعارات و التشبيهات و تنفي ماسوي الحقايق في الالفاظ في مقام و تثبتها في مقام و تنفي الحقايق اصلاً في مقام و تعرف بذلك ان شيئاً واحداً سماء و ارض و جبل و برّ و بحر و شجر و حجر من بدء الوجود الي اخر مراتب الشهود فيظهر لك ان لا فخر الاّ في طاعة اللّه سبحانه و لا شرف و لا عزّة الاّ في الخضوع له و التذلل بين يديه و ان العلم عنده لا عند غيره و اما مافهمته في قلبك من علم و ماسمعته من كتاب او خطاب كله كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماءاً حتي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً و وجد اللّه عنده فوفّيه حسابه و اللّه سريع الحساب و هناك تصدّق قوله تعالي و ما امرنا الاّ واحدة كلمح بالبصر و قوله تعالي أ فعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد فحينئذ اقطع عمن سواه و لاترجع قهقري و اعلم ان حيوة الدنيا متاع و الاخرة هي دار القرار و لو اردت ان‏اصف لك مايظهر للمؤمن الواقف في هذا المقام لطار لبّك و تحيّر عقلك و قلت انه كفر او ارتد ولكن فيماذكرت عبرة لمن اعتبر و بصيرة لمن نظر و اعلاهما هو ان‏تلاحظ الاحد الحق المعبود سبحانه و تعالي و تتوجه اليه بذاتك و حقيقتك ماحياً نفسك و ناسياً ذاتك فتستغرق في بحر التوحيد و تسبح في لجّة التفريد لاتشاهد سواه و تقطع النظر عن الصفات و الاسماء و تطفئ سرج القوي و المشاعر و هو غاية مقصد الطالبين و قاطع سفر المسافرين و هو مقام الاستيناس في ظلال المحبوب كمافي قوله7 و اذا تجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 48 *»

 ريح المحبة و استأنس في ظلال المحبوب و اثر محبوبه علي ماسواه و في هذا المقام يظهر له سرّ التوحيد فيعرف اللّه باللّه اي بصفته لا بذاته و هو قوله7 في الدعاءبك عرفتك و انت دللتني عليك و دعوتني اليك و لولا انت لم‏ادر ما انت.

الي هنا اقطع الكلام اذا بلغت الغاية من المرام يا اخي وفّقك اللّه لخير الدارين و حباك لكل ماتقرّ به العين و رزقك الحسني في النشأتين و قداوضحت لك اقرب الطرق الموصل الي اللّه عزّوجلّ و الي قربه و رضاه علي ماوصل الينا من ائمتنا الهداة: و جرّبناه و شاهدنا صدقه و خيره و بركته فخذه و كن من الشاكرين و لاتعدل عماذكرت لك الي الباطل و لاتلتفت الي هؤلاء الخدّاعين الكفرة الملحدين اعني الصوفية من تسويلهم الخلق بالرياضات الغيرالمشروعة و مرادهم ان‏يعبدوا من غير اللّه حيث اسّسوا لهم تصوير صورة المرشد الخبيث و استعذ باللّه منهم و لو لم‏اكن علي اهبة السفر و مع قلب مشوّش لبيّنت لك من فضائحهم و مثالبهم مايكون تذكرة لاولي الالباب لكنك خذ الحق و اعرض عن الباطل و احسن فان اللّه مع المحسنين.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم و مخالفيهم و جاحديهم و منكريهم من الجن و الانس اجمعين و الحمد للّه رب العالمين.

قدفرغ من تسويدها منشيها يوم الاثنين لاحدي‏عشر ليلة مضين من

صفر المظفر في قرية سروان من قري الرشت في سنة 1238

حامداً مصلّياً مستغفراً.