11-03 جواهر الحکم المجلد الحادی عشر ـ الرسالة الصعودية و النزولية ـ چاپ

رسالة الصعودیة و النزولیة

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 51 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمدللّه رب العالمين و صلّي اللّه علي سيّدنا خير خلقه محمّد و اله الطاهرين.

اما بعد فيقول العبد الفقير الحقير الفاني الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الموسوي الرشتي انّ بعض الاخوان و خالصي الخلاّن الذي انار اللّه قلبه بنور التوفيق و سقاه بفضله من رحيق التحقيق و هداه بمنّه و جوده الي سواء الطريق قد سألني عن مسألة عظيمة جليلة قلّ من عثر عليها و اهتدي اليها و ان كانت السنة الكل ناطقة بالوصول «و كل يدعي وصلاً بليلي» ولكن،

اذا انبجست دموع في خدود   تبيّن من بكي ممن تباكي

اذ كثير منهم قد اخطأوا في معرفتها لدقة مأخذها و صعوبة مسلكها و الاكثر حرموا عن الوصول اليها اذ ما كل من عرف شيئاً اتصل به و هؤلاء و لعمري القليلون اقلّ من الكبريت الاحمر و هم المؤمنون الذين امتحن اللّه قلوبهم للايمان و شرح صدورهم للاسلام و ازال عنهم الاغيار و صفّاهم عن كل الاكدار و هي كيفية الارتقاء الي حظيرة القدس عن حضيض التعلق و التدنس و الصعود الي اعلي مقامات العرفان عن مطمورة الزمان و المكان و الوصول الي مقام القرب و الاتصال و التخلّص عن دركات الجهل و الغي و الضلال و انّ ذلك هل يحصل بالخوض في هذه العلوم المتداولة بين الناس او بامر اخر و العلوم ايضاً لاتحصل الاّ بالاكتساب علي ماهو المقرّر عند الاصحاب او بامر اخر قد انسدّ علينا ذلك الباب و الفقير سوّفت في الجواب لما اجد في نفسي من تصادم دواعي الاشتغال و بواعث الاختلال و تبلبل البال و موانع الاستقامة في الاحوال حتي عاد في الالتماس مرّة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 52 *»

بعد اخري فكتبت هذه الاوراق علي الاستعجال مع كمال عدم الاقبال لكن الميسور لايسقط بالمعسور و الي اللّه ترجع الامور.

فاقول واثقاً باللّه الملك العلاّم اعلم وفّقك اللّه لمايحب و يرضي و جعل اخرتك خيراً من الاولي انّ اللّه سبحانه لم‏يزل فرداً واحداً متفرّداً في الازل و القدم و هو الان علي ماهو عليه كان كماقال مولينا الرضا7 لعمران فلمّا احبّ ان‏يعرف و اراد ان‏يعبد لنشر عوائد عطفه و بسط لطائف منّه و برّه خلق ماكان كماكان كماقال و ماخلقت الجن و الانس الاّ ليعبدون و لمّاكان الاضطرار في الايجاد ممايأباه و يقبّحه اهل الاعتبار و لان الاختيار و الاضطرار كلاهما مقدوران فالاول اولي بالاختيار بل نفي المقدورية عن الاضطرار لم‏يكن عليه غبار فوجب الاختيار فلمّا صحّ ذلك امتنع اجراء الاحكام الالهية الاّ بالاسباب ليعطي كل ذي‏حق حقه من ذلك الباب و الاّ ماكان ماكان لماكان كماكان لكنّه مايتذكّر الاّ اولوا الالباب و هو قوله7 ابي اللّه ان‏يجري الاشياء الاّ بالاسباب و هو قوله تعالي جعل لكم الارض ذلولاً فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه ولكن تلك الاسباب ليست مستقلّة بحيث تجري علي مقتضاها بل هي في كل حال بيد الجبّار ذي‏الجلال لايترتّب عليها مقتضاها الاّ باذن و اجل و كتاب و مع‏ذلك يمحو اللّه مايشاء و يثبت و عنده امّ الكتاب.

فاذا عرفت هذا فاعلم انّ اللّه سبحانه لمّاخلقك لِماخلقك من المعرفة لشهادة حديث القدسي فاحببت ان‏اعرف و كان الامر كماوصفت لك من اجراء الاحكام من الوجودية و الشرعية علي الاسباب اقامك في مقامك في العالم الاول عالم المعرفة و المحبة لتحصيل الغاية و هو اول ذكرك في الكون و كنت في ذلك العالم مستغرقاً في بحر المشاهدة و العيان و متوجّهاً الي اللّه الملك الديان خائضاً في لجة بحر الاحدية و سابحاً في طمطام يمّ الوحدانية لم‏يكن لك ذكر للسوي و لم‏تعلم لك غير خالقك مبدء و لا منتهي و هو غاية ايجادك و ثمرة احداثك و اقرب مقاماتك الي ربك و اعلي درجاتك في الوصول و الاتصال و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 53 *»

لم‏يكن فوقه مقام و لا اعلي منه مطلب و مرام و لمّا اراد اللّه اكمالك و تمام احسانه عليك و جميله لديك اراد ان‏يعرّفك خلقه كماعرّفك اوّلاً نفسه بنفسك ليريك ملكه و عظمته و سطوته و سلطانه و قهّاريته ازدياداً لمعرفتك و اكمالاً لنعمته عليك و يختبرك ايضاً في ضمنه لتعرف نفسك انك هل تبقي علي العهد من القطع عن السوي او تقطع عن الحق و تشتغل بها و تظهر دناءة طبعك و خسّة نفسك علي الملأ حيث اعرضت عن ربّك بعد ان‏عرفته و ذُقت حلاوة محبّته مرّة بعد اخري و كرّة غبّ اولي مع ان بقاءك في ذلك المقام ينافي الاختيار المطلوب و المرام فامرك بالسفر عن منزلك و موطنك الذي خلقت له لتشاهد الاسماء و الصفات في مظاهر التجلّيات بشرط المراجعة الي الوطن حبّ الوطن من الايمان و لمّاكنت في مقام اعلي ماتنزل الي الاسفل الاّ متدرجاً من الاشرف الي الاسفل و كانت المراتب حسب اقتضاءات الاسباب مترتبة كثيرة لكنّها تجمعها ثلثة مراتب و عوالم كان اول نزولك الي عالم الجبروت اول حجاب اللاهوت من الدّرة البيضاء الصافية و مكثت في هذا العالم مدّة طويلة و لايبعد ان‏يقال الف دهر و كل دهر مائة الف سنة و انست باهل ذلك العالم و عرفت اطوارهم و احوالهم و شاهدت عظمة الحق و جلالته فيهم بحيث قدغشيهم نور الرحمة وجوههم مبيضّة قائمون لعبادة معبودهم يسبّحون له بالليل و النهار لايفترون و هو عالم وسيع بعيد المنال لقربه من العالم الاول عالم اللانهاية عالم الانوار و علومهم الاسرار و كلها باب ينفتح منه الف باب و قداخذت منهم علوماً جمّة و اسراراً غريبة و مطالب كلية بقدر ماعندك من الاستعداد و ما في قلمك من المداد باذن اللّه ربّ العباد و اودعها اللّه سبحانه في خزانة قلبك و سدّ بابه و جعل مفتاحه بيد الملائكة العالين الذين هم علي ملائكة الحجب و بقي المفتاح عند ميكائيل و علي كل باب من ابواب بيوت قلبك ملك من جنود ميكائيل و لمّا انّ التكليف علّة الايجاد و هو مساوق للانوجاد و الداعي في كل العوالم هو رسول‏اللّه محمّد بن

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 54 *»

عبداللّه9 لانّه من النذر الاولي و كان علمه ما انزله اليه في القرءان و لقداوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنت تدري ماالكتاب و لا الايمان بعث اللّه تعالي رسوله اليك مع اهل ذلك العالم بشيراً و نذيراً فقال لكم عن اللّه تبارك و تعالي ألست بربّكم و محمّد9نبيّكم و علي وليكم و الائمة من ولده الاحدعشر اولياءكم و قرأ عليكم القرءان و عرّفكم مافيه من الحلال و الحرام فاجبتم داعي ربّكم بقلوبكم و سرائركم و اختلفتم في بواطنكم و بقي ظاهركم علي الاجابة كان الناس امّة واحدة فعرفتم بواطن القرءان حيث قرأ عليكم داعي الرحمن عليه سلام اللّه الملك المنّان و بقي كغيره مخزوناً في قلوبكم مستوراً في سرائركم و هي لعمري علوم يقينية لاشك فيها و لا ريب يعتريها.

ثمّ سافرت من ذلك العالم الي الملكوت حجاب الجبروت الزمرّدة الخضراء و عبرت في طريقك عن عالم الاظلّة ورق الاس و عرفت مافيه من العجايب و الغرايب و اتيت سايراً الي الحجاب الاخضر و مكثت في هذا العالم مدة طويلة بالمدة التي ذكرنا الاّ انّ هناك اوسع و اعظم و انست باهل ذلك العالم و عرفت اطوارهم و احوالهم و لغتهم و شاهدت عظمة الحق سبحانه فيهم لكنّهم لمّابعدوا عن العالم الاول تجلّي الرب تكاسلوا عن الطاعة و طلبوا الراحة و مضطجعون علي القفا كأنّه ما لهم ميل الي الطاعة و الزلفي و علومهم القشور و الظواهر و مايتحمّلون الاسرار و البواطن حين كانوا في ذلك العالم و كلها امور جزئية تحجب عن مشاهدة العلوم و المطالب الكليّة الاّ انّها لطيفة صافية و قداخذت منهم علومهم حسب مقامك و مقدار حاجتك و مرامك باذن اللّه تعالي ربك و اودعها اللّه سبحانه في خزانة صدرك و جعل مفتاحه عند اسرافيل او عزرائيل و ينزل منهم الي سيمون و زيتون و شمعون و علي كل باب من ابواب ذلك البيت ملك من جنود هذه الثلثة مفتاحه بيده منتظراً لامر اللّه و مترقّباً لحكمه و لمّا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 55 *»

بعث رسول‏اللّه9 عليهم و قرأ القرءان و قال لهم عن ربّهم ألست بربّكم و محمّد نبيّكم و علي و الائمة من ولده الاحدعشر و فاطمة عليه و عليهم و عليها سلام اولياءكم و ائمّتكم فاقرّ من اقرّ و انكر من انكر و لزمتهم الحجة بذلك فخلق من خلق من طينة العلّيّين و خلق من خلق من طينة السجين لكن كلا الفريقين عندهم من العلوم ثلثة انحاء علم ربهم و صانعهم و معبودهم و علم العالم الاول هو العلم بكيفية العبادة و القيام بخدمة معبودهم و العمل بخدمته و علم العالم الثاني هو العلم باحوال الخلق بعضهم مع بعض و كيفية السلوك بينهم و مداراتهم و معاشرتهم و مايترتّب بذلك فالعلم الاول هو المخزون في فؤادك اعلي مشاعرك و هو مفتاحه عند اللّه سبحانه لايطّلع عليه غيره و هو علم الحقيقة لاصحاب دليل الحكمة و العلم الثاني هو المخزون في قلبك و مفتاحه عند ميكائيل و جنوده و هو علم الطريقة و هو الفريضة العادلة و العلم الثالث مخزون في صدرك و مفتاحه عند اسرافيل او عزرائيل و جنوده الملائكة الثلثة و جنودهم و هو علم الشريعة و هو السنة القائمة و دليله المجادلة بالتي هي احسن.

فلمّا حصلت العلوم الثلثة التي هي احوال المبدء و المعاد من اول كونه الي نهاية اجله الي نهاية اكواره و ادواره و اطواره و استقرّت في الخزائن المذكورة و تمّ به الصوغ الاول انزلك اللّه سبحانه بلطيف حكمته و مقتضي ماذكرنا من الاسباب و اجرائها علي المسببات برحمته و جوده الي عالم الاجسام و مقام النقش و الارتسام البحر المواج المتلاطم مظلم كالليل الدامس كثيرة الحيّات و الحيتان ولكنّك في سيرك قدمررت علي عشرين مقاماً و بقيت عنده الي ماشاءاللّه و علمت مافيها من الايات و الحكم و المصالح الي ان انتهيت الي العناصر و تصادمت فيك الطبايع الاربع و اضمحلت بعضها في الاخر و كان هذا اخر منزل من منازل سفرك ثمّ نوديت بالرجوع الي ربك فصعدت الي ان استجننت في النبات و اجريت في الغذاء الي ان خلصت من ثفل الكيلوس و تعفين

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 56 *»

الكيموس و اخرجت الي بطن الامّ و قدّرت نطفتك بالتقدير المعلوم و اجريت فيك الرياح الاربعة بالملائكة الاربعة الدبور و الجنوب و الصبا و الشمال و قدّرت فيك القوي الاربعة من الجاذبة و الهاضمة و الدافعة و الماسكة الي ان وصلت الي اول ظهور اخر العوالم الثلثة المتقدمة فقويت اي في سيرك شيئاً فشيئاً الي ان نزلت هذه الدنيا الدنية فنسيت ماسبق عليك من الاحوال و الاوضاع و ماعلمت و ماتعلّمت من تلك العوالم من العلوم و المعارف و الاسرار و الحقايق و الانوار اما من جهة مخالطة الاعراض و الغرايب المفسدة المصحوبة في سفرك في عالم الاجسام او من جهة زجر الملك في بطن الامّ او من جهة عدم التفاتك الي مراتبك او من جهة الحكمة في انسائك ايّاها لتتمّ به معيشتك في حال رضاعك و فطمك و صباك الي ان‏تصل الي حدّ المراهقة فعند ذلك في الاغلب تصل الي المنزل الثاني في وسط الطريق.

فاذا وصلت الي هذا المقام بعث اللّه انبياء و رسلاً يدعونك الي العهد الاول الذي قدعهدت في العالم الاول ان لاتنظر الي الغير و لاتلتفت الي السوي فارجع الي كماذهبت عنّي فاسر باهلك بقطع من الليل و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون فان اجبته باجابة داعيه قل ان كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني يحببكم اللّه و يغفر لكم ذنوبكم و قطعت نظرك عن كل ماسواه و اخلصت قلبك عن كل ماعداه و سلكت سبيله ذللاً يخرج من بطن قواك و مشاعرك و ادراكاتك شراباً مختلفاً الوانه من العلوم الحقة الصورية في مقام الصدر و المعاني الحقيقية اليقينية في مقام القلب و المعرفة الكاملة و المحبة التامّة في مقام الفؤاد فيه شفاء للناس من امراض جهلهم و داء باطنهم و هدي و رحمة و نور لقوم يعلمون لانه سبحانه و تعالي يملّكك الخزائن كلها و يعطي بيدك مفتاحها و يخاطبك هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب و هو معني ماقال سيدالشهداء علي جده و ابيه و امّه و اخيه و عليه و بنيه الاف التحية

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 57 *»

و الثناء الهي امرتني بالرجوع الي الاثار فارجعني اليك بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتي ارجع اليك منها كمادخلت اليك منها مصون السرّ عن النظر اليها و مرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك علي كل شي‏ء قدير.

فاذا تكاسلت عن الاجابة و وفاء العهد المعهود المأخوذ بالالتفات الي نفسك و النظر الي الفاني الزايل فتبعد عن اللّه سبحانه فبقدر بعدك تحرم عن العلم الحقيقي لانّ خزائنه بيده و بعدك يصير سبباً لعدم استيهالك و قابليتك لان‏يسلّم بيدك المفتاح فان اعرض الغافل عن حظّه عن الحق سبحانه اعراضاً كلياً فهو بعيد لاتفتح لهم الابواب ابواب العلوم و قدتفتح في بعض المواضع اتماماً للحجة علي جهة الاستدراج و هو قوله تعالي سنستدرجهم من حيث لايعلمون و لمّاكان لكل حق ظلّ مقابل و باطل مماثل كان بازاء العلوم الثلثة في الخزائن العلوية الخزائن السفلية من الباطل و السوء و يشبه الحق و ليس بحق و بازاء الملائكة الموكّلين شياطين علي تلك الخزينة فالخزينة السوءي السفلي في مقابلة الاعلي في تحت الثري فيها من احكام الانكار و تلبيس الباطل علي الحق بقدر مافي الاولي الاعلي من المعرفة و المحبّة و اظهار الحق و الخزينة السوءي السفلي في مقابلة الثانية في الثري و فيها من احكام الشكوك و الظنون و الوساوس بقدر مافي مقابلها من اليقين و مفتاحها بيد الجهل و الخزينة السوءي السفلي في مقابلة الثالثة الاعلي في الطمطام او جهنم و تمتدّ الي الارض الثانية ارض العادات و مفتاحها بيد الشياطين الثلثة و لا منزلة بين الحق و الباطن فماذا بعد الحق الاّ الضلال فاذا اعرض عن الحق لابد ان‏يميل الي الباطل فاذا مال اليه و استقرّ ميله و استمرّ و عمل بمقتضاه و قلّل الاكل و الشرب و ساير المقتضيات اتصل باولئك الشياطين علي مقتضي عمله فمنهم من يتصل بشياطين ارض الثانية و منهم من يتنزّل عنهم الي الطمطام جهنم و بئس المصير و منهم من يتنزّل الي تحت الثري و هؤلاء سيّما الاخيرين منهم لا خير فيهم ظلمة محضة تجري عليهم احكام الانكار و الكفر لايرغبون الي الخير ابداً ناكسوا رءوسهم عند ربّهم ربّنا ابصرنا و سمعنا و هؤلاء

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 58 *»

مثل فرق اهل الضلال من الكفار و الجمهور و الصوفية منهم تراهم يتكلّمون بالاسرار و الحقايق و يفعلون خوارق العادات كل ذلك سراب يحسبه الظمئان ماء حتي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً و وجد اللّه عنده فوفّيه حسابه و اللّه سريع الحساب و هم الذين ضلّ سعيهم في الحيوة الدنيا و يحسبون انّهم يحسنون صنعاً.

و اما اذا مال الي الباطل ميلاً كلياً او اعرض عن الحق اعراضاً حقيقياً لكنه لم‏يعمل مايقتضي اتصاله بالشياطين و هذا بقي حماراً لايعرف شيئاً الاّ مااكتسبه ببعض الكسب من الامور الصناعية اجراء للمسبّبات علي نهج الاسباب مثل حكّام اهل الباطل و خلفاء الجور و قديتوسط بين الامرين مع الميل الكلي الي الباطل و هو مثل علمائهم و قضاتهم و هؤلاء علي اقسام مختلفة حسب قربهم الي مبدئهم من الجهل الكلي و بعدهم عنه و قد يكتسب البعيد من احكام الباطل المنطبع في اسفل السافلين بالكسب و هو لايفتح له الاّ بعض الابواب الجزئية من تلك الخزينة السوءي كاكثر قضاتهم و علمائهم اذ ليس لهم يد طولي و باع طويل في باطلهم بخلاف المتشبثين باذيال الشياطين و المتمرّدين فان لهم باع طويل في باطلهم و لتشابهه الحق يري الجاهل بالامر انهم علي شي‏ء الا انّهم يمارون في الساعة و انهم لفي ضلال بعيد من اطلع علي هذيانات ابن‏عربي في الفتوحات يري صدق مازبرنا و سطرنا و كذا اماتة العلوم للغزالي و امثالهما كالانسان الكامل الشيطان المضلّ لعبدالكريم الجيلاني.

فاذا عرفت هذه المقامات دركات الهالكين و مقامات الضالّين المضلّين فاعلم انّ في طرف الحق مثل ذلك حرفاً بحرف من غير زيادة و نقيصة لانّه بعد ما اتاه التكليف بعد البلوغ ان قبل او لم‏يقبل و الثاني ماذكرنا و الاول اما ان‏يرجع الي ربه و يمضي الي سبيله و لايلتفت الي غيره ابداً او يتخذ الهوي الهاً في الاعمال البدنية دون الاعتقادات القلبية و الاول هو المقتصد بل السابق الي الخيرات الذي يحوم حول ربه لايعرف غيره و الثاني فان دام نظره الي الهوي فهو الظالم لنفسه الذي يحوم حول نفسه فهذا ايضاً تنسدّ عليه ابواب العلم لتدافع

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 59 *»

النظرين اذ له بالعمل حين العمل نظر الي نفسه المجتثّة الي اسفل السافلين و بالاعتقاد نظر الي ربه فيتدافعان و ان كان النظر الاول اقوي فبقيت الابواب منسدّة عليه و العلوم مفتقدة لديه لانّه رجع في سيره قهقري فلاتنفتح له الابواب و لايملك الخزائن و المفاتيح الاّ بالاقبال الي اللّه سبحانه و الاعراض عماسواه و القيام في خدمة مولاه و قطع النظر عن كل ماعداه و ذلك لايكون الاّ بفعل مايوصل الي اللّه سبحانه من الاعمال الراجحة و لايقتصر علي الواجبات الصرفة فانه لايوصله الي مقامات العلم و المعرفة و درجات المحبّة الاّ ان‏يكون بشرط الانقطاع الكلي فان المستحبات ممايحبّها اللّه سبحانه و يحبّ صاحبها فلايترك المحبّ المنقطع عن نفسه مايحبّه المحبوب.

عجباً للمحبّ كيف ينام   كل نوم علي المحبّ حرام

قال اللّه في الحديث القدسي يا موسي كذب من زعم انّه يحبّني و اذا جاء الليل نام عنّي أ تري المحبّ ينام عن محبوبه فالمحبّ لايترك مايحبّه المحبوب فاذا فعل مايحبّه المحبوب احبّه المحبوب فاذا احبّه المحبوب اثره علي اعزّ ماعنده ممايصلح للمحبّ و لا شي‏ء اعزّ عند اللّه سبحانه من العلم لقدقال رسول‏اللّه9 ليس العلم بكثرة التعلّم بل هو نور من عند اللّه يقذفه في قلب من يحبّ فينفسح فيشاهد الغيب و ينشرح فيحتمل البلاء قيل هل لذلك من علامة يا رسول‏اللّه قال9 التجافي عن دار الغرور و الانابة الي دار الخلود و الاستعداد للموت قبل نزوله هـ و قال اللّه تعالي في الحديث القدسي مازال العبد يتقرّب الي بالنوافل حتّي احبّه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكت عني ابتدأته الحديث تأمّل في هذا الحديث الشريف تجد ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و قال اللّه تعالي في الحديث القدسي يا ابن‏ادم اطعني اجعلك مثلي اقول للشي‏ء كن فيكون تقول للشي‏ء كن فيكون انا حي لااموت و تكون حيّاً لاتموت الحديث الحياة هو العلم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 60 *»

الذي لا موت له لقوله تعالي أ فمن كان ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس و هو العلم و المراد باعطاء العلم هو تمليكك المفتاح علي حسب جهدك في العمل و يدلّ علي ذلك ماروي عن اميرالمؤمنين7 ليس العلم في السماء فينزل اليكم و لا في الارض فيصعد اليكم بل هو مكنون فيكم مخزون في قلوبكم تخلّقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم هـ و التخلّق باخلاق الروحانيين هو الذي اشار اليه روحي فداه خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكّيها بالعلم و العمل فقدشابهت اوائل جواهر عللها فاذا فارقت الاضداد فقدشارك به السبع الشداد هـ و الاضداد هي التي لحقتك من الاعراض و الغرايب حين تنزّلك الي هذه الدنيا دار تكليف و مشقّة علي خلاف مقتضي الهوي و حين المعاصي و الالتفات الي السوي فان الاغيار يستلزم الاكدار و كيفية مفارقتها ان‏تذيب نفسك و تحلّلها بنار الاعمال ثمّ تعفّنها بالتفكر و الحضور ثمّ تقطّرها بالعمل مع الاخلاص فهناك يتمّ لك الاكسير.

و شرح ذلك بالعبارة الظاهرة هي انك تقطع بل تشاهد عياناً بانّك لا شي‏ء لا تذوت لك في حال من احوالك من حركاتك و سكناتك و خطراتك و بداواتك و لحظاتك و علومك و اعتقاداتك و كل ما لك و بك و منك و اليك و فيك و معك و عنك و عندك و لديك كلها الاّ باللّه و لا حول و لا قوة الاّ باللّه و هذه الدنيا ليست بدار قرار و محل استقرار ليصحّ الركون اليها بل هي في كل ان في الزوال و الاضمحلال و الموت يأتيك في غفلة و هو اقرب اليك من كل شي‏ء و انه يقبضك علي ما انت عليه من حال الطاعة و المعصية فيلزمك احكامهما من الحور و القصور او الحيّة و العقرب و انّ مئال الاكل و الشرب الي اخسّ مايكون في الدنيا ممايحصل منهما و يخرج من البطن و كلما كان الاكل في الظاهر الذّ يكون نتنه و خبثه اكثر و اشدّ فاذا تأمّلت في هذه الامور يحصل لك الاخلاص و ان لاتقصد بعملك الاّ اللّه سبحانه اذ كل ماسواه باطل فاذا حصل لك الاخلاص فاعمل و لاتَرَهُ شيئاً فان عملك نعمة من اللّه سبحانه لاتستوجب به

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 61 *»

شيئاً من الخير ابداً و انما هو تفضل من اللّه سبحانه عليك ان اعطاك و ان منعك فبعدله لانّك مقصّر و لاتستحقّ شيئاً فاذا ايست من عملك و رجوت اللّه سبحانه و عملت لانّك عبد و العبد يقتضي ذلك فاقصد في مشيك في سلوكك عند نفسك و عند الناس.

اما الاول فلاتأكل حتي تجوع فاذا اكلت فلاتشبع و لاتشرب حتي تعطش فاذا شربت فلاترو و لاتتصوّر الصور الباطلة و الخيالات الفاسدة او الامور الماضية او المستقبلة او الاتية التي لايعنيك و لايوصلك الي الحق فليكن تصورك في عظمة اللّه سبحانه و ماخلق من بدايع صنعه و لاتهتمّ و لاتحزن لشي‏ء فاتك فان الامور كلها بيد اللّه سبحانه و انت و ذلك الذي فات عنك ملك للّه تعالي و هو يتصرف في ملكه مايشاء كمايشاء و لاتفرح بالذي اتاك اذ قديكون من جهة الاستدراج و لاتحسبّن الذين كفروا انّما نملي لهم خير لانفسهم انّما نملي لهم ليزدادوا اثماً و لهم عذاب اليم و كذلك العلوم و المعارف و لاتركن الي شي‏ء منها و كن بماعند اللّه اوثق مماعندك و عند الناس و لاتتكلّم الاّ اذا سئلت او ماهو يعنيك في امر اخرتك فان المؤمن كلامه ذكر و صمته فكر و نظره اعتبار.

و اقرأ القرءان كثيراً بالتدّبر و النظرة و انزجر لمواعظه و اجعل همّك في معرفة القرءان متعلّماً لا معلّماً و انظر كتب اخبار اهل‏البيت: و اتّبع اثارهم فانّ من شذّ عنهم شذّ الي النار لانّ الحق لهم و معهم و فيهم و منهم و اليهم و بهم و عندهم و اخلص في ولايتهم بان لاتذهب الي عقوقهم و تميل الي كتب الضلال من كتب الحكماء و المتكلّمين و الصوفية و امثالهم من المغضوب عليهم و الضالّين قال مولينا اميرالمؤمنين7 ذهب من ذهب الينا الي عيون صافية تجري بنور اللّه و ذهب من ذهب الي غيرنا الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و قدقال مولينا الباقر7 ما من عبد احبّنا و زاد في حبّنا و اخلص في معرفتنا و سئل مسألة الاّ و نفثنا في روعه جواباً لتلك المسألة انتهي و هم الصادقون اذا قالوا و الموفون بعهدهم اذا عاهدوا سلام اللّه عليهم و من الاخلاص في حبّهم الطاعة للّه سبحانه بالاخلاص.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 62 *»

و اجعل لنفسك في اليوم و الليلة ساعة تنظر فيها الي العالم خالي القلب فانه مفتاح العلوم و منبع الخيرات و لاتملّ اذا فكّرت و نظرت مرّة و مرّتين فلم‏تجد فانك تعاود في النظر مرّة بعد اولي و كرّة بعد اخري فانك تجد فضل اللّه عليك و علي المؤمنين و تذكر ماسبق منك في العوالم الثلثة المتقدمة و في مقابلاتها و الحاصل اوصيك انك لاتترك النظر و التفكر فانه روح الاعمال و العلوم كلها و كرّر النظر و عاود فانّ من قرع باباً و لجّ ولج و طلب شيئاً و جدّ وجد واللّه سبحانه ارحم الراحمين و اكرم الاكرمين لايخيّب راجيه و لايحرم امليه سيّما من اراد ان‏يتعلم لديه الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا و كيفية هذه المجاهدة زايداً علي ماذكرنا ان‏تجعل همّك اولاً ان‏تطلب المعرفة للّه و لاخلاص العمل له و للسلوك الي سبيله ثمّ لاتلتفت الي الاغراض النفسانية و الشهوات الطبعانية و لاتطلب المراء و الجدال و تكثير القيل و القال فان العلم نقطة كثّرها الجهّال و لاتركن الي قاعدة كلية او ضابطة مقرّرة مأخوذة عن القوم من غير المعصومين سلام‏اللّه عليهم‏اجمعين من غير ان‏تزن بميزانهم و لاتأنس الي جماعة و طائفة لتحبّ نفسك ان‏يكون الحق معه بل انظر بفطرتك و سجيّتك الي الكتاب و السنة و تجعلهما امامك و تأييد اللّه فوقك و الاعتصام باللّه عن يمينك و الاستعاذة من الشيطان عن يسارك و تسند ظهرك علي حول اللّه و قوته ثمّ تنظر اليهما نظر المتعلّم لا العالم المستقل بان‏تذري الروايات كذرو الريح الهشيم بان‏تأخذ و تقبل كل مايطابق عقلك و يوافق فهمك و تأوّل كل مايخالف قاعدتك اليها او تطرح كل ماتعجز عن التأويل فان ذلك يحجبك عن مرادك و مقصودك لاتنال الي شي‏ء و لاتصل الي علم لم‏يزدد الاّ في جهلك العياذ باللّه بخلاف ما اذا اردت العلم من اللّه بالنظر الي كلامه و كلام اوليائه متعلّماً جاهلاً و معتقداً بانّ الحق انما هو في الكتاب و السنة و كل شي‏ء فيهما و ان من شي‏ء الاّ و فيه كتاب او سنة فحينئذ انت المجاهد في اللّه سبحانه فيعلّمك من اسرار ملكه و ملكوته ما لاعين رأت و لا اذن سمعت و لاخطر علي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 63 *»

قلب بشر اذ الفيّاض منزّه عن البخل فكلما طلبت منه يعطيك و طريق الطلب كماذكرنا ان‏تتوجه اليه و ترغب اليه و تطلب ماعنده منه و تعرض عمّن سواه و اما اذا قلت ذلك بلسانك و قلبك يدور يميناً و شمالاً فاذن ماطلبت منه بل هو العياذ باللّه نوع استهزاء فسوف يأتيهم انباء ماكانوا به يستهزءون و اما اذا صرت المجاهد في اللّه و المهاجر اليه فيهديك البتة سبله اي سبيل سلوكك مع نفسك و مع الناس و مع اللّه و سبيل التجافي عن دار الغرور و سبيل العلوم الحقة و المعارف الدينية الالهية و سبيل التقوي و الزهد و الورع و الاجتهاد و سبيل السبيل الموصل الي السلسبيل لتكون من اصحاب الرجعة قال الباقر7 ما معناه ما من مؤمن يؤمن بهذه الاية الاّ و له ميتة و قتلة و هو قوله تعالي و لئن قتلتم في سبيل اللّه او متّم لالي اللّه تحشرون بان‏يعلم ان سبيل اللّه هو علي7 و القتل في سبيل اللّه هو القتل في سبيل علي7 و سبيل معرفة الاحاديث الصعبة المستصعبة علي ابوابها و معانيها و توحيدها و هذه السبل كلها ترجع الي سبيل واحد فالجمع للفرق و الفصل ليعرفه من سبقت له العناية و اما الكثرة فهي سبيل الضلالة فانها لاتنضبط في حدّ و لاتحصر في عدّ لانّ الهوي في كل ان يتجدّد ميله قال تعالي و انّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه و لاتتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله فافهم و اشرب عذباً صافياً. هذا مجمل كيفية الصعود الي اعلي مقامات العرفان عن مطمورة الزمان و المكان.

و اما قولك انه يحصل بهذه العلوم المتداولة بين الناس، فهيهات هيهات لاتزيد هذه العلوم الاّ بعداً و لاتكثر الاّ قساوة القلب فان شئت ان‏اشرح لك ذلك فعلت ولكنّ الحوالة الي الوجدان بلي بعد ملاحظة ماذكرنا ينفع هذه العلوم فيدرك صافيها و يعرض عن كدرها و لولا العجالة و كثرة الاشتغال و تواتر الدواعي لكنت اذكر في ذلك اموراً عجيبة غريبة لكنه لا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 64 *»

حاجة الي ذلك فانّ ماذكرنا كفاية لمن اراد الحق و الصواب و الحمدللّه في المبدء و المئاب.

قدفرغ من تسويد هذه العجالة مؤلفها يوم الجمعة من العشر

الاخر من شهر رجب المرجـب في سنـة 1233.