-11-12-01 جواهر الحکم المجلد الحادی عشر ـ شرح آية الکرسي ـ چاپ – الجزء الاول

 

شرح آية الكرسي – الجزء الاول

 

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحكيم الصمداني

الحاج السيد محمد كاظم الحسيني الرشتي

اعلي الله مقامه

 

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 221 *»

d

الحمدللّه الذي اجلي (اخلي خ‏ل) افئدة العارفين لتجلّيات ظهوره و انار قلوب السالكين لاشراقات نوره و شرح صدور العالمين لتشعشع لمعات بدوره و الصلوة علي سيّدنا محمّد9 الذي به استقرّ عرشه و كرسيّه و هو الاسم الذي استقرّ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره و هو الاسم الاعظم المكنون و النور الانور المخزون به نوّرت الانوار و به ظهرت الاسرار و به اشرق النور من صبح الازل و به وجدت الموجودات ماقلّ و جلّ و علي اله و اصحابه شموس الهدي و بدور الدجي و اعلام التقي و ذوي النهي و اولي الحجي و كهف الوري و وَرَثة الانبياء عليهم صلوات اللّه مادامت الارض و السماء.

امّا بعد: فيقول العبد المسكين المحتاج المستكين الغريب في وطنه البعيد عن اهله و مسكنه اقلّ الناس جِرماً و عملاً و اكثرهم جُرماً و زللاً افقر العباد من الاقاصي و الاداني ابن محمّدقاسم محمّدكاظم الهاشمي النبوي العلوي الفاطمي الحسيني الموسوي المكّي المدني الرشتي انّ هذه كلمات وجيزة كتبتها علي ا ﻴ[ الكرسي و شرحت بعض خفاياها التي ماعثرت عليها افهام مفسّريها و شارحيها و كتبتها علي طريق التأويل و الباطن و اعرضت عن الظاهر لانّ العلماء ملأوا كتبهم من ذلك و هو مُغنٍ لمن يريد القشر و الظاهر و مارأيت احداً تكلّم في الباطن و اصاب الحق علي مايوافق مذهب اهل الحق: و الفقير في سنّ الشباب بعد مُضي عشرين سنة من سنّه لمّاوفّقني اللّه تعالي للتوجّه الي جانب بيت‏اللّه الحرام و السفر اليه خلج ببالي ان‏اكتب علي تلك الاية الشريفة مالم‏يكتب في كتاب و لم‏يذكر في خطاب مع اغتشاش البال و اختلال الاحوال و اسأل اللّه تعالي ان‏يلهمني الصواب و يجعلني و جميع المؤمنين الطالبين من المقتبسين من فصل‏الخطاب و اليه المرجع و المئاب و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم و الحمدللّه ربّ العالمين و الصلوة علي خير المرسلين محمّد و اله الطيبين الطاهرين و ها انا اشرع في المقصود باعانة مفيض الخير و الجود.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 222 *»

فاقول واثقاً باللّه الملك العلاّم و جاعلاً نفسي هدفاً لسهام طعن اغاليط الاوهام اعلموا وفّقكم اللّه تعالي انّ القرءان رمز بين الحبيب و المحبوب لايعرفه بحقيقة مراده سواهما و ذلك لانّ اللّه سبحانه و تعالي جعل نبيّه صلوات اللّه عليه و اله رسولاً الي جميع خلقه من الاوّلين و الاخرين من الدرّة الي الذرّة لنصّ الايات و الروايات و لاينكره الاّ جاهل او جاحد معاند فهو قبل المرسل اليه بالذات و الرتبة و الاّ يلزم تقديم الاخسّ علي الاشرف و امارة الوضيع علي الشريف و هذا لايجوّزه عاقل فاذا كان هو مقدّماً في الوجود و واسطة في الايجاد و لايصل احد الي مقامه و مرتبته لامتناع اتّحاد الرتبة علي مابرهنّا عليه في كثير من رسائلنا و مباحثاتنا فكلّ ما تحته من شعاعه و فاضل نوره و الرشح الذي رشح منه9فالحقيقة المحمّديّة صلّي‏اللّه عليها علّة للحقايق و الذوات كما قال نفسه9 انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات و عقله الشريف الكلّي علّة للعقول الجزئيّة كلاً و طرّاً و روحه الشريف علّة للارواح و نفسه الشريفة المقدّسة علّة للنفوس الجزئيّة و طبيعته الشريفة (المقدّسة خ‏ل) علّة للطبايع و هو معني ماقال العالم7العرش مركّب من اربعة انوار نور احمر منه احمرّت الحمرة و نور اخضر منه اخضرّت الخضرة و نور اصفر منه اصفرّت الصفرة و نور ابيض منه ابيضّ البياض و منه ضوء النهار الاوّل اشارة الي الرابع و الثاني الي الثالث و الثالث الي الثاني و الرابع الي الاوّل و هو9 لمّا خلقه اللّه تعالي علّمه علم كلّ ما في الوجود و فوّض اليه امر جميع الخلق فقال مااتيكم الرسول فخذوه و مانهيكم عنه فانتهوا فهو9 كان عالماً بجميع المراتب في جميع المراتب بل هو علم اللّه بالخلق و علمه بنفسه و علمه هو القرءان في جميع المراتب قال اللّه تعالي و لقد اوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنت تدري ما الكتاب و لا الايمان و لكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء الي صراط مستقيم و هو القرءان بلااختلاف و كما انّ لرسول اللّه9 ظهوراً في كلّ العوالم كذلك القرءان ايضاً لانّه حكم اللّه الذي يحكم به علي عباده في العوالم عالم الاسرار و عالم الانوار و عالم الارواح و عالم الاشباح و عالم الاجسام.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 223 *»

و امّا في عالم اللاهوت فلا كلام و لا اسم و لا رسم و هو واقف في ذلك المقام تحت عرش ربّه ساكت لايتكلّم لمحوه في جماله و فنائه في بقائه و سكره في صحوه اذ كشف سبحات الجلال و وصل الي مقام الجمال و جلس علي سرير الكمال اين الكلام من ذلك المقام و اين الثريّا من يدالمتناول و هو معني قوله تعالي ماكنت تدري ما الكتاب و لا  الايمان و تصديق العالم7 بذلك لمّا سئل عن ذلك لانّ تحت ذلك المقام مقام الكلام و ماكان جاهلاً حجّة اللّه علي الانام.

فاوحي اللّه تعالي اليه في مقام الانوار و ارسله الي خلقه في ذلك العالم و كان اهله كلّهم قائمين واقفين ببابه لائذين بجنابه و كان القرءان في ذلك العالم نوّراً ابيض في كمال التلألؤ و اللمعان كالدرّة البيضاء و لمّا كان اهل ذلك العالم من فاضل نوره و كان ادراكاتهم و مشاعرهم كلّها من فاضل ظهوره9فلايدركون و لايعرفون مايعرف رسول اللّه9فلايفهمون القرءان لانّ القرءان  بقدر فهمه و عقله و اين فهمهم من فهمه و ادراكهم من ادراكه.

ثمّ انزل اللّه تعالي الخلق من ذلك العالم الي عالم الارواح فارسل اللّه رسوله اليهم مبشّراً و نذيراً و اوحي اليه القرءان  فنزل النبي9و تنزّل القرءان الي ذلك العالم و هو اذن نور اصفر في كمال الصفرة و نشر رسول‏اللّه ذلك النور في ذلك العالم علي اهل ذلك العالم فاشرق علي الكلّ بقدر مافيه من القوّة و الاستعداد و هذاالانتشار كان بالرشح لا بالاصل لما قلنا لك انفا فعرفوا الرشح و القشر و بقي اللبّ و الاصل محجوباً في حجاب الخفاء و مقنّعاً بالحجب و الاستار بل مافهموا مافهم اهل‏العالم الاوّل المكلّفين فهم اصل بالنسبة الي هؤلاء و معرفتهم قشر بالنسبة الي معرفة النبي9 فلهم قشرالقشر بالنسبة الي القرءان الاصل.

ثمّ انزل اللّه الخلق من ذلك العالم الي عالم النفوس و مقام النقوش فامر نبيّه9بالنزول اليهم فنزل بكلامه الذي هو القرءان الي ذلك العالم فقال لهم عن اللّه تبارك و تعالي الست بربّكم و محمّد نبيّكم و علي وليّكم و الائمّة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 224 *»

اولياءكم قالوا بلي فسعد من سعد و شقي من شقي السعيد سعيد في بطن امّه و الشقي شقي في بطن امّه و القرءان حينئذ نور اخضر كالزمرّد الخضراء فنشر النور علي اهل ذلك العالم اي قرأ القرءان عليهم ففهموا حكم اللّه و عرفوا امر اللّه فاجاب من اجاب و انكر من انكر لكن ماعرف هؤلاء قشر لمعرفة اهل عالم الارواح الذي معرفتهم قشر لمعرفة اهل عالم الانوار الذي معرفتهم قشر لمعرفة النبي9 فمعرفة اهل هذا العالم قشر قشر القشر بالنسبة الي معرفة النبي9القرءان الاصل.

ثمّ انزل اللّه تعالي الخلق من ذلك العالم الي عالم الاجسام مقام النقش و الارتسام امر اللّه تعالي نبيّه9 ان‏يدعوهم و يأمرهم و ينهيهم فاظهر9 الانبياء و الرسل باذن اللّه تبارك و تعالي علي حكم القرءان بمقتضي ذلك الزمان في عالم الاجسام من اوّل ادم الي زمان بروزه و ظهوره و تشعشع نوره9 فتنزّل القرءان  من عالم الانوار الي عالم الاجسام و من الغيب الي الشهادة فظهر بمقتضي ذلك الزمان الي اخر الزمان فكان الفاظاً و عبارات و قصصاً و حكايات كماتري فكلّ الكتب المنزلة علي الانبياء و المرسلين انّما هي نسخة من القرءان  و حكم من احكامه و القرءان سرّها و لبّها و لذا قال العالم7 و سرّ الكتب المنزلة في القرءان و قدروي انّ القرءان فيه جميع ما في الكتب المنزلة و زايداً و قيل الزايد هو الحواميم السبع و نعما قال لكن ببيانه يرتاب الجاهلون و الكناية ابلغ من التصريح ففي القرءان جميع الاحكام و الاخبار و اللغات من الهنديّة و التركيّة و الروميّة و السريانيّة و اليونانيّة و العبرانيّة و غيرها من اللغات و جميع الاشعار بجميع الالحان من العربيّة و العجميّة و في القرءان الاخبار بما في الغيب و ما وقع و ماسيَقع ان شاءاللّه تعالي علي سبيل الحتم و في القرءان  جميع العلوم علي سبيل الاستغراق ما وصل الينا و ما لايصل و هو مكنون عند الانبياء و المرسلين و الملائكة المقرّبين و مالايصل اليهم ايضاً و هو مكنون عند الملائكة الكروبيّين و مالايصل اليهم ايضاً و هو مكنون عند الملائكة العالين الذين ماسجدوا لآدم7 قال اللّه تعالي لابليس

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 225 *»

استكبرت ام كنت من العالين و كلّ‏الادعية و المناجات التي جرت علي لسان نبي من الانبياء و وصي من الاوصياء و الملائكة المقرّبين و كلّ شي‏ء مما وجد و مالم‏يوجد الي يوم القيمة و فيه الجفرة الجامعة و مصحف فاطمة صلوات‏اللّه عليها و لذا قال تعالي و فيه تفصيل كلّ شي‏ء خذها قاعدة كليّة فتعرف منها مالاعين رأت و لا  اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر و قال تعالي و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين.

يا اخي وفّقك اللّه تعالي اقرأ القرءان  و لاتدعه فانّه احسن لك من كلّ شي‏ء اذا واظبت عليه تري سرّ ما اقول لك فاذا فهمت هذه المذكورات عرفت مبلغاً من علم القرءان  و فهمت انّه لايجوز ان يتمنّي ذلك كما هو لانّه حرام علي المسلمين و المؤمنين لانّه تمنّي رتبة النبي و اهل بيته صلوات اللّه عليهم اجمعين و هذا لايجوز لاحد حتّي الملك المقرّب و النبي المرسل و الاّ لاحترق و لبعد عن ساحة القرب و العزّ رحم اللّه امرءً عرف قدره و لم‏يتعدّ طوره و من خرج عن زيّه فدمه هدر و قدقال العارف بمقامهم و رتبتهم:

اگر يكسر موي برتر پَرَم   فروغ تجلّي بسوزد پَرَم

و لايغررك ماعندك من الفهم القليل ان‏تدّعي فهم القرءان  لانّك مااوتيت من العلم الاّ قليلاً و فوق كلّ ذي‏علم عليم و لاتنكر علي من قال شيئاً و استدلّ بالقرءان بخلاف مافهمت و عرفت اذا لم‏تر له منافياً و معانداً في الاحاديث و اجماع الفرقة المحقّة علي التفصيل الذي ذكرنا في رسالتنا «مقامات العارفين» فاطلبه و انظر اليه ليظهر لك الحق الحقيق بالتصديق و التحقيق.

فاذا فهمت انّ حقيقة القرءان  رمز لايعرفه الاّاللّه تعالي و من ارسله اليه و اهل بيته و اهل البيت ادري بالذي فيه فاعلم انّا لمّا سمعنا منه9القرءان في عوالم عديدة و فهمنا منه بقدر افهامنا من الرشح في ذلك العالم و هذه العوالم متفاوتة في اللطف و الغلظة و الشرافة و الكثافة و التجرّد و المادّيّة فيختلف فهم القرءان باختلاف افهامنا فنسمّي مافهمنا من القرءان  بعد تنزّله الي عالم الاجسام بالظاهر و مافهمنا في عالم الاشباح بالباطن و مافهمنا في عالم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 226 *»

النفوس بباطن الباطن و مافهمنا في عالم الارواح بباطن باطن الباطن و مافهمنا في عالم الانوار بباطن باطن باطن الباطن و علي هذا كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبّتي غاية و لا نهاية و كلّ ذلك قشر و ظاهر بالنسبة الي مبدئنا و اوائل جواهر عللنا فاذا كان كذلك قلنا ايضاً طريق الي الباطن باقسامه الاّ انّ هذا الباطن قشر و ظاهر بالنسبة اليهم و لهم ايضاً هذه المراتب و عندهم بواطن و تأويلات لانّ عقلنا من فاضل جسمهم و قس عليه كلامهم كما انّ لنا كلاماً عقليّاً و كلاماً روحيّاً و كلاماً نفسيّاً و كلاماً مثاليّاً و كلاماً جسميّاً كذلك لهم:ايضاً و ماتسمع في الاحاديث من انّ الباطن مخصوص بالنبي9و اهل‏بيته:ليس لاحد فيه نصيب يراد بها الباطن علي الحقيقة و امّا الباطن الذي عندنا ظاهر بالنسبة الي غيرنا و امّا الباطن الذي ليس ظاهراً فهو مخصوص بهم و ليس لاحد فيه نصيب.

و ماتسمع في الاحاديث انّ شيعتهم يعلمون مثل قولهم انّ حديثنا صعب مستصعب لايحتمله الاّ الملك المقرّب و النبي‏المرسل و المؤمن الذي امتحن اللّه قلبه للايمان فهو اشارة الي الباطن بالمعني الاعم كما لايخفي قلنا ايضاً بعون (بفضل خ‏ل ) اللّه و قوّته مراتب في الباطن المرتبة الاولي مرتبة السرّ المقنّع بالسرّ و بها نعرف اسرار النقطة بالرشح المرتبة الثانية مرتبة السرّ المستسرّ بالسرّ و بها نعرف اسرار الالف الممتدّ من النقطة بالرشح قال في هذا المقام و نعم ماقال:

نقطه با  كو ز ظلّ وحدت حق شد پديد   مبدء(منشأ خ‏ل) خطّ الف گرديد بي‏گفت و شنيد
از الف پيدا حروف از حرف قرآن مجيد   پس به هر حرف از كلام واحد فرد وحيد

شاهد موجود بر يكتايي مولا علي ‏است

المرتبة الثالثة مرتبة السرّالمستسرّ بالظاهر و بها نعرف اسرارالحروف و السحاب المزجي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 227 *»

المرتبة الرابعة مرتبة الكلمة التامّة و هي مرتبة الجلد و لها مراتب المرتبة الاولي مرتبة الاوبار و اشرفها و اعلاها و اعظمها و اقدمها المرتبة الثانية مرتبة الاصواف المرتبة الثالثة مرتبة الاشعار قال تعالي و من اصوافها و اوبارها و اشعارها اثاثاً و متاعاً الي حين و كلّ هذه‏المراتب رشح من مبدئنا يرشح علينا ولذا قال‏العالم7 عند قول‏القائل اولست بصاحب سرّك قال نعم ولكن يرشح عليك مايطفح منّي فافهم و كن به ضنيناً و هذاالذي ذكرنا لك من الوجوه التي تذكر في هذاالمقام.

و اذا اردت ازيد من ذلك فاعلم انّه قددلّت الايات و الروايات و دلّ العقل السليم المستمدّ من‏الفؤاد الناظر بنور ربّه الذي قال فيه العالم7اتّقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللّه انّ للقرءان  ظاهراً و باطناً و تأويلاً و للظاهر ظاهر و له ظاهر الي سبعة و للباطن و هو اميرالمؤمنين7 باطن و باطن باطن و باطن باطن باطن الي سبعة و للتأويل تأويل و تأويل تأويل الي سبعة و لباطن التأويل باطن و باطن باطن الي سبعة و القول في معرفة جميع‏المراتب علي‏التفصيل لايسع المقام لذكرها لكنّي ابيّن بتوفيق اللّه و قوّته و حسن اعانته هذه‏التفاسير ممّا اذن لنا بالبيان.

امّا الظاهر فظاهر لانّه التفسير علي وضع اللغة العربيّة مع ملاحظة جميع تركيباته النحويّة من تقديم العامل علي المعمول و بالعكس في مواضع عديدة و اذا كان المعمول ظرفاً او جارّاً او مجروراً و امثال ذلك و تقديم المبتدا علي الخبر و امثال ذلك ممّا هو المقرّر عند النحويّين و عدم صرف اللفظ عن معناه اللغوي ان امكن و صرفه الي المجاز و الكنايات و الاستعارات ان دلّ الدليل العقلي و الحديث النبوي علي بطلان صرفه الي المعني اللغوي و امثالها ممّا هو المقرّر عند اهل المعاني و البيان و هذا هو المعروف عند المفسّرين بل لاتكاد تجد غيره فلوتكلّمت بغيره انكروك لااله الاّ اللّه وحده لاشريك له.

و امّا التأويل  فهو ان لاتلاحظ هذه الامور بل تأخذ بعض‏الكلام مجرّداً عن ملاحظة ارتباطه بماقبله او بمابعده مثل قوله تعالي يغن‏اللّه كلاًّ من سعته اي اذا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 228 *»

خرج دابة الارض (القائم7 خ‏ل) و يمتاز الاخيار من الاشرار و يعزّ الاخيار و يذلّ الاشرار ينبسط العلوم و ينتشرالمعارف بحيث لايحتاج الي ان‏يتعلّم العلم و المعرفة فاذن العالم و المتعلّم بمنزلة سواء يغن‏اللّه كلاًّ من سعته و هذا اذا قطعت النظر عن اوّلها و اخرها لانّك اذا لاحظتها مع‏ذلك لايفيد المعني الذي قلنا و كذا يشترط فيه ان‏يكون المعني معني باطنيّاً خلاف مايعرفه اهل الظاهر كما عرفت من المثال و هذا المعني عام كلّي لايتخصّص بشي‏ء دون شي‏ء و قديطلق التأويل و يراد به ماكان في العالم الانساني من الاحكام القرءانيّة لانّ الانسان الصغير هو نسخة العالم‏الكبير و فيه ما في‏العالم.

أتزعم انّك جرم صغير   و فيك انطوي العالم الاكبر

و الاحكام القرءانيّة في الظاهر في الانسان الكبير و لك ان تؤوِّلها في الانسان الصغير اذ كلّ ما فيه فيه ايضاً و كذا في الانسان الوسيط اي المولود الفلسفي اذ كلّ ما فيه فيه ايضاً فيطابق مثل قوله تعالي و لاتنكحوا المشركات حتّي يؤمنّ هذا خطاب في التأويل للعقول يعني ياايّها العقول لاتنكحوا المشركات اي النفوس الامّارة بالسوء اي لاتجعلوها صديقة لكم و تحبّونها و تفعلون بمقتضاها حتّي يؤمنّ اي تطمئنّ في طاعة اللّه سبحانه و لاتريد الشرّ و تصير تابعة للعقل و لك ان‏تقول انّ  هذا خطاب للطيور التي هي الديك و الحمامة و الطاووس التي هي الابيض الغربي و الاصفر الشرقي و الاحمر الشرقي يعني لاتدخلوا في الارض المقدّسة التي فيها الكثافات و الاوساخ و عليها الرذائل قوماً جبّارين و هو ريش الغراب لانّ ريشه منتن لايمكن الدخول فيه حتّي يؤمنّ اي تطهر تلك الارض بارسال الابيض الغربي اليها و تكون كسحالة الفضّة او الذهب فامر بنكاحهنّ بعد ايمانهنّ بطريق مفهوم المخالفة فيزوّجون اي الاربعة بملاحظة و الثلثة بملاحظة اخري و الاثنين بملاحظة اخري الاوّل بان‏تقول الابيض الغربي و الاصفر الشرقي و الاحمر الشرقي و الانفحة يسقونها بالارض المقدّسة بعد التصفية و الثاني مع قطع النظر عن

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 229 *»

الانفحة و الثالث بان‏تقول الطيّار و شي‏ء يشبه البرقا قال العالم الكبير7.

خذ الطيّار و الطلقا   و شيئاً يشبه البرقا
اذا مزّجته سحقا   ملكت الغرب و الشرقا

فافهم و كن به ضنيناً فالقرءان  من اوّله الي اخره بهذه الوتيرة و النمط كيف يكون وصف اللّه التدويني مخالفاً لوصفه التكويني ماتري في خلق الرحمن من تفاوت. و لا تري فيها عوجاً و لاامتاً و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا و مايذّكّر الاّ اولوا الالباب.

و قدنطلق التأويل و نريد به ماكان المؤوّل اليه و يؤل الامر اليه و هوالذي يرجع الامور و تعود اليه و هو قوله تعالي فذكّر انّما انت مذكّر لست عليهم بمصيطر الاّ من تولّي و كفر فيعذّبه اللّه العذاب الاكبر انّ الينا ايابهم ثمّ انّ علينا حسابهم فلنقبض عنان القلم خوفاً من فرعون و ملائه ان‏يفتنهم اه اه

و في‏النفس لبانات   اذا ضاق لها صدري
نكتّ الارض بالكفّ   و ابديت لها سرّي
فمهما تنبت الارض   فذاك النبت من بذري

هذا مجمل القول في معني تفسير التأويل و كلّ ذلك ورد عن‏الشرع لا بالتصريح بل بالاشارة و التلويح لايعرفه الاّ العالم او من علّمه ايّاه العالم. قال الحافظ الشيرازي بالفارسيّة و نعمّا قال:

نه هركه چهره برافروخت دلبري داند   نه هركه آينه سازد سكندري داند
نه هركه طرف كله كج نهاد و راست نشست   كلاهداري و آيين سروري داند

 

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 230 *»

هزار نكته باريكتر ز مو اينجاست   نه هركه سر نتراشد قلندري داند

و امّا الباطن فهو ان‏تلاحظ الصورة العربيّة كما في‏الظاهر و تلاحظ التقديم و التأخير كما في‏الظاهر حرفاً بحرف لكن تقصد منه المعني‏الباطن الذي لايكون مدلوله علي خلاف مايعرفه اهل‏الظاهر و اهل‏الباطن يدعون المجاز و يأخذون الحقيقة و يجعلون الحقايق متعدّدة كالصلوة حقيقة للولاية و حقيقة بعد حقيقة للاركان المخصوصة و كما في قوله تعالي و جعلنا من الماء كلّ شي‏ء حي الماء ماء الوجود و سرّ الحقّ المعبود و ظهور الربّ الودود و هو النازل من سحاب المشيّة الواقع علي ارض الجرز فتكوّن ماء ثاني به وجود الموجودات المقيّدة و ظهور الافعال المحكمة المتقنة و لمّا اشرق شمس اسم اللّه القابض علي ذلك الماء صعدت الابخرة فامتزجت مع جوهر الهباء المنبثّ في هواء الامكان الخاصّ باسم اللّه البديع و الحي فصارت سحاباً مزجي ثمّ تراكمت فاشرق عليه شمس اسم اللّه القابض مرّة اخري فتقاطر ماء وقع علي قابليّات النفوس فتكوّن ماء ثالث و هكذا الي هذا الماء الذي هو الجسم البارد السيّال فاطلاق الماء عليه ليس علي سبيل المجاز لانّ اهل العربيّة وضعوا ذلك لذلك و اطلاقه علي الماء الاوّل و الثاني و الثالث الي اخرها ليس مجازاً اذ لايتصوّر المجاز قبل الوضع لقولهم انّ المجاز يستلزم‏الوضع و ان لم‏يستلزم الاستعمال و لايتصوّر وضع اللفظ قبل وجود المعني فثبت بالدليل انّ اطلاق الماء علي هذا الماء من قبيل اطلاق الحقيقة بعد الحقيقة فالحقيقة الاوّليّة للوجود و هو المراد من قوله تعالي و جعلنا من الماء كلّ شي‏ء حي و لفظ كلّ سور موجبة كليّة يفيد الاستغراق و العموم و لاريب انّ حيوة المجرّدات ليس من الماء الذي هو العنصر المخلوق تحت الكرة الهوائيّة و لعمري انّ حيوة الهواء و النار و الافلاك و غيرها من‏العلويّات ليس من هذا الماء فاين الكلّية المستفادة من‏الاية الشريفة فيجب ان‏يحمل علي الوجود اذ به يمتاز العابد من المعبود و الخالق من المخلوق فالحقيقة الاوّليّة للوجود و الحقيقة الثانويّة للعقل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 231 *»

و الحقيقة الثالثيّة للنفس و امثال ذلك و هذا معني ماقلنا لك انّ اهل الباطن يأخذون الحقايق و يتركون المجاز و يقولون انّ المجاز قنطرة الحقيقة و الطريق الموصل اليها بل هو شعيرة الحقيقة و ليس عندهم الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له بل الحقيقة عندهم ذات كاملة لطيفتها زائدة علي ذاتها فالذات هي الحقيقة و اللطيفة هي المجاز و لمّاكانت اللطيفة علي هيأة الذات و مثالها فتكون هي‏الحقيقة فافهم و لاتكن من الغافلين. فاهل الباطن يراعون الظاهر حرفاً بحرف و يقصدون معني لايخالفه في عين المخالفة و كلّ باطن يخالف الظاهر كذلك فهو باطل مردود كماسيجي‏ء ان‏شاءاللّه تعالي.

امّا ظاهرالظاهر فهو ان تأخذ مادة الكلمة من غير ملاحظة الوضع اللغوي و تصرّف فيها بما شئت علي النهج المروي عن اهل البيت: كما في قوله تعالي و اوحي ربّك الي النحل ان اتّخذي من الجبال بيوتاً قالوا انّ الجبال جمع جبلّة و هي‏الطبيعة و هذا علي تفسير ظاهرالظاهر لانّ الجبال جمع جبل في‏الظاهر و لايجمع علي الجبلة و في‏الباطن الجبال جمع جبل و هو الاجسام فلاحظت المناسبة الظاهريّة في الباطن و ما لاحظتها في ظاهرالظاهر كما لايخفي.

و امّا باطن‏الباطن فهو ممّا امرنا بكتمانه و عدم اظهاره لانّ من الناس من يحتمل و منهم من لايحتمل و قال العالم الحكيم7 لا كلّ‏ما يعلم يقال و لا كلّ‏ما يقال حان وقته و لا كلّ‏ما حان وقته حضر اهله و قال ايضاً:

انّي لاكتم من علمي جواهره   كيلا يري‏العلم ذوجهل فيفتتنا
ياربّ جوهرعلم لو ابوح به   لقيل لي انت ممّن يعبدالوثنا
ولاستحلّ رجال مسلمون دمي   يرون اقبح مايأتونه حسنا

لكن لمّا كان لكلّ شي‏ء بيان بحسبه بالاشارة و التلويح و اشار العلماء اليه نشير اليه و نسكت عن غيره.

فنقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم يااخي وفّقك اللّه تعالي استمسك بالعروة الوثقي واعتصم بحبل اللّه و اسلك سبيل اللّه و سر في القري الظاهرة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 232 *»

كي‏تصل الي‏القري المباركة الباطنة و ينكشف لك السرّ في باطن الباطن اذا وصلت الي‏الباب فاعلم انّه باطن‏الباطن و اذا وصلت الي المعاني فاعلم انّه باطن باطن الباطن و اذا وصلت الي‏التوحيد فاعلم انّه باطن باطن باطن‏الباطن و في مقامات التوحيد ان وصلت اليها تري العجايب و الغرايب ممّا لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر و قل بسم‏اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم‏الدين  ايّاك نعبد و ايّاك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غيرالمغضوب عليهم و لاالضالّين بسم‏اللّه الرحمن الرحيم قل هو اللّه احد اللّه الصمد لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد فتفوز فوزاً عظيماً بالله عليك لاتنسني اذا وصلت ذلك المقام ان فهمت هذا القدر من‏الكلام ينكشف لك السرّ في باطن‏الباطن و هكذا الي اخرالكلام و نعم ماقال:

و ايّاك و اسم‏العامريّة انّني   اخاف عليها من فم‏المتكلّم

ان فهمت المراد لاتتكلّم الاّ كما تكلّمنا و لاتصرّح بالمراد والاّ فعليك لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين.

و امّا باطن‏التأويل فلنعرض عن بيانه و لنقبض العنان لانّا لسنا من فرسان هذا الميدان و هذه المراتب يعرفها العلماء بالرشح لانّ الموجودات من شعاع نور محمّد9و الشعاع و ان‏لم‏يبلغ الي مرتبة المنير لكنّه مثاله و يشابهه و لذا ورد في‏الدعاء لافرق بينك و بينها الاّ انّهم عبادك و خلقك فافهم لقد كشفت القناع لكن مااظهرت المراد خوفاً من فرعون و ملائه قال و نعم ماقال:

اخاف عليك من غيري و منّي   و منك و من مكانك و الزمان
ولو انّي جعلتك في عيوني   الي يوم ‏القيمة ماكفاني

فاذا عرفت هذه المراتب فاعلم انّ هذه‏الامور لاتحصل لكلّ احد و لايقدر كلّ الناس ممّن يدّعون الفضيلة ان‏يعرفوا القرءان  و يفهموا بواطنه و اسراره بل يحتاج الي شروط لابدّ من ملاحظتها والاّ لايصح:

منها ان لايكون مخالفاً للظاهر و الصورة منافياً لمايعتقده العوامّ من‏المسلمين و المؤمنين فانّ النبي9 قداقرّهم علي ذلك و ماغشّهم و مااضلّهم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 233 *»

عن‏السبيل نعوذ باللّه منه لانّه الهادي الي‏السبيل و النورالذي يذهب بظلمة الضلال و الشكّ بل اقرّهم علي‏الهدي و هَديهم الي صراط السوي لكنّهم لمّا كانوا لايعرفون الحقايق و لايدركون الدقائق و ماتصل افهامهم الي المطالب العليّة العالية فالبسوا: تلك الدقائق لباس الظاهر و الصورة و القوها عليهم بحيث اذا اعتقدوا بالظاهر اعتقدوا بالباطن لكن لا عن بصيرة و لنضرب لك مثلاً في هذا المقام فاستمع و طبّق عليه المرام.

فنقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم انّ العوامّ مثلاً لايعرفون انّ كلّ شي‏ء مثلّث‏الكيان و مربّع‏الكيفيّة فذلك سبعة و الشي‏ء لايؤثّر في مرتبة ذاته لانّه فيها هو و اذا اراد ان‏يفعل شيئاً يتنزّل في مقام الفعل الذي في رتبة المفعول و لاشكّ انّ الاحاد اذا تنزّلت مرتبة واحدة تكون العشرات فتصير السبعة سبعين فالشي‏ء اقوي من اثره بسبعين مرتبة فالعلّة اقوي من معلوله بسبعين درجة فالعوامّ لمّا لم‏تكن لهم تلك الدقة قالوا:انّ الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش و العرش جزء من سبعين جزء من نور الستر و يقولون انّ لذّة الجنّة اكثر و اقوي من لذّة الدنيا بسبعين مرتبة و ذلك كثيرة جدّاً بل لاتري شيئاً من مرامهم الاّ هكذا فكلّ ظاهر له باطن لكن لايخالفه.

و من هنا تعرف بطلان اقوال الذين اوّلوا القرءان بمايخالف ظاهره و قال في قوله تعالي سواء عليهم ءانذرتهم ام لم‏تنذرهم لايؤمنون بالجبت و الطاغوت و لايريدون سوي‏الحق‏المعبود ختم‏اللّه علي قلوبهم فلايعرفون الاّ الحق و لايفهمون الاّاللّه و علي سمعهم فلايسمعون الاّ صوت‏اللّه عزّوجلّ و جعل علي ابصارهم غشاوة فلايرون الاّ نوراللّه و لهم عذاب عظيم قال انّه مشتقّ من العذب و هوالحلاوة و اللذّة نعم لهم في الخلوة مع محبوبهم لذّة لايعادلها شي‏ء من لذّات الدنيا و الاخرة و امثال ذلك من التأويلات و كلّ ذلك يخالف ظاهر الاية و ينافي مراد اللّه عزّوجلّ و نحن من ذلك الباطن و اهله برآء ببراء اللّه و رسوله منه فافهم.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 234 *»

و منها ان لايخالف العقول السليمة فانّ العقول من اظلّة عقل النبي9 و اشعّته و الشعاع لايخالف المنير و فيه تفصيل ذكرنا في كتابنا «مقامات العارفين» فلترجع اليه لتعرف حق المراد و لاتنظر الي ظاهرالكلام فانّ غلط العقل ليس من المنير بل من القابليّة فافهم فانّا قدبسطنا الكلام في ذلك الكتاب.

و منها ان لايخالف العالم من الافاق و الانفس فانّه صفة تعرّف الحق للخلق بالتكوين و القرءان  صفة تعرّف الحق للخلق بالتدوين و الكتاب التدويني لايخالف الكتاب التكويني فاذا وجدت المخالفة فاعلم انّ مافهمت ضلّة من عقلك و سفه من رأيك مااصبت الحق البتّة.

و منها ان لايخالف الاحاديث و الروايات فانّ اهل‏البيت:ماقصّروا في‏التبليغ و الاداء و ذكروا كلّ مايحتمله الناس بجميع اقسامهم من البواطن و الاسرار فنبّهوا علي البواطن في مواضع بالتصريح و في‏الاخري بالاشارة و في‏الاخري بالتلويح و لذا ورد في الحديث انّه ما من شي‏ء الاّ و فيه كتاب او سنّة ايّاك ايّاك و ان تأوّل القرءان او تكلّم فيه بحسب الباطن و ليس لك سند من الحديث و الرواية لانّك جاهل لاتعلم القرءان و لاتفهم الايات فانّ التفسير بالرأي اي بمالم‏يكن له سند من‏الحديث من قبيل الهذيان و الزندقة لايصغي اليه فلواتّفق انّ الرجل تكلّم بالباطن بدون السند و بعد ذلك وجد السند فقد اخطأ يعذّبه اللّه تعالي علي ذلك او يعفو عنه فانّه ذوالفضل العظيم و المنّ الجسيم لااله الاّ اللّه وحده لاشريك له و انّ محمّداً عبده و رسوله اللّهمّ صلّ علي محمّد وال محمّد و السند لاينحصر بالتصريح في كل موضع و التخصيص في كلّ مطلب بل تكفي العمومات و الاشارات و التلويحات و امثال ذلك بل اقول اذا تأمّل الانسان و تدبّر في القرءان  و الاحاديث رأي الاشياء كلّها مصرّحة مفصّلة كيف يقول الحق سبحانه و فيه تفصيل كلّ شي‏ء و هو مجمل و اللّه سبحانه اصدق القائلين (و من اصدق من اللّه قيلاً خ‏ل ) ولكن نحن كما قال الشاعر نقول:

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 235 *»

چو نيست بينش به ديده دل   رخ ار نمايد ترا چه حاصل
كه هست يكسان به چشم كوران   چه نقش پنهان چه آشكارا

و اذا راعيت هذه الشروط اصبت الحق و وصلت الي مطلوبك و مقصودك هذا هوالباب الذي امراللّه تعالي عباده ان يأتوا منه قال تعالي و ليس البرّ ان‏تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتّقي و أتوا البيوت من ابوابها فافهم فهّمك اللّه.

و امّا النسب التي بين هذه التفاسير فاعلم انّ التأويل و الباطن بينهما تساوٍ كلّي اي يصدق كلّ منهما علي جميع مايصدق عليه الاخر هذا اذا اردنا بالباطن و التأويل مايخالف الظاهر و بينهما تباين كلّي علي المعني الذي ذكرنا لك في هذا المقام و بينهما عموم و خصوص من وجه علي المعني الثاني للتأويل لتصادقهما في قوله تعالي قال موسي و هو العقل الناظر الي نور ربّه سبحانه لقومه الموكّلين بالخيرات و الحسنات و الانوار المتشعشعة من نور الاعمال الصالحات ياقوم اذكروا نعمة اللّه عليكم اذ جعل فيكم انبياء و جعلكم ملوكاً متصرّفين و مدبّرين في العالم في الابدان كيف شاء اللّه سبحانه و تعالي و اتاكم مالم‏يؤت احداً من‏العالمين من القوّة و الشوكة و الفضل العظيم و النور الجسيم ياقوم ادخلوا الارض المقدّسة التي كتب اللّه لكم و لاترتدّوا علي ادباركم فتنقلبوا خاسرين و الارض المقدّسة هي ارض النفوس قبل تصفيتها و ازالة اوساخها من‏المعاصي اذا كانت النفس امّارة بالسوء او ملهمة او لوّامة قبل ان‏تصل الي مقام الاطمينان قالوا انّ فيها قوماً جبّارين و هو المعاصي و السيّئات و الشهوات النفسانيّة و العلائق الجسمانيّة و انّا لن ندخلها ماداموا فيها لانّ النور لايدخل في مقام الظلمة الاّ و ذهبت فلايجتمع النور و الظلمة في موضع واحد فاذهب انت ايّها العقل و ربّك اي مربّيك و ممدّك الذي هو الوجود فقاتلا اي طهّرا تلك الاوساخ و الكثافات انّا هيهنا قاعدون نحن في مكاننا لانقدر ان‏ندخل عليهم الاّ اذا ذهبتما و طهّرتما قال رجلان من الذين يخافون انعم اللّه عليهما و هما يوشع بن‏نون و كالب بن يوحنّا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 236 *»

اي تأثر فلك زحل و فلك المشتري او بالعكس ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانّكم غالبون و علي اللّه فتوكّلوا ان كنتم مؤمنين فالانسان اذا عمل بعلمه تنوّر و كلّما يعمل يزداد نوره الي ان‏تصل نفسه الي مقام الاطمينان فاذن تصير صالحة لدخول الانوار المشرقة من شمس الوجود و تصير منيراً للملائكة هذا في الانسان الصغير.

و امّا في الانسان الوسيط فكذلك ايضاً و هذه الايات تأوّل اليه و موسي في ذلك العالم اشارة الي الصبغ الاحمر المأخوذ من الثفل في الاخر بعد ماتصبّ الماء الرقيق الاولي عليه فيخرج موسي و انّما سمّوه موسي لانّه مادّة اكسير الاحمر و هو الشمس و هي النبوّة لانّ الذهب انّما يتكوّن بنظر الشمس فيشيرون بالشمس الي النبوّة و بالقمر الي الولاية و يشيرون بالشمس في ذلك العالم الي الاحمر اي الصبغ الاحمر الشرقي و بالقمر الي الابيض الغربي و هو الماء اشبه الاشياء بالزيبق في الغلظ و البياض لانّ طبعه بارد رطب طبع القمر و فلكه سيما جوزهرّه و هو يوشع بن نون و هو الذي يدخل في الارض المقدّسة التي هي الثفل و يطهّرها و يجعلها صالحة لدخول اقوام موسي و هي المياه المأخوذة من الماء بعد اتمام الانفحة فافهم من هذه الكلمات تأويل هذه الايات في هذا العالم و التفصيل لايناسب المقام و في هذه الايات اجتمع الباطن و التأويل امّا الباطن فمن جهة مراعاة الظاهر حرفاً بحرف و قصد معني غير مايعرفه اهل الظاهر و امّا التأويل فمن جهة انّها مأولة بالانسان الصغير و الوسيط و يفارق التأويل في قوله تعالي يغن اللّه كلاًّ من سعته اذا اريد بها الانسان الصغير و الوسيط كما لايخفي و يفارق الباطن في قوله تعالي حم و الكتاب المبين انّا انزلناه في ليلة مباركة انّا كنّا منذرين فيها يفرق كلّ امر حكيم و بيان باطن هذه الكلمات لايحسن في هذا المقام فافهم و كن به ضنيناً.

و كذا بين التأويل بالمعني الثالث و الباطن عموم من وجه لتصادقهما في قوله تعالي الم ذلك الكتاب لاريب فيه هدي للمتّقين الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلوة و ممّا رزقناهم ينفقون اولئك علي هدي من ربّهم و اولئك هم المفلحون الايات و يفارق الباطن في قوله تعالي اللّه نور السموات و الارض مثل نوره كمشكوة فيها

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 237 *»

 مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونة  لاشرقيّة و لاغربيّة يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار اذا اردت بالمشكوة الجسد المشبّك بشباك الحواس الذي يخرج نور العقل من خلالها و بالمصباح هو العقل و الزجاجة هو القلب و الشجرة المباركة هي الحقيقة المحمّديّة صلوات اللّه عليه و اله البرزخيّة الكبري لاشرقيّة لا قديمة لحدوثها و لا غربيّة لا حادثة لان حدوثها بنفسها فهي فاعلة و مفعولة الكاف المستديرة علي نفسها يكاد زيتها قابليتها اي العقل يضي‏ء يظهر في الوجود و لو لم‏تمسسه نار المشيّة فالمصباح مركّب من مسّ النار و القابليّة التي هي الزيت و مسّ المشيّة هو الوجود الذي هو جوهر العقل و لك ان‏تجعل هذه الاية الشريفة مادّة الاجتماع و محلّ التصادق اذا اردت منها التأويل المذكور في الاحاديث المعني من الم فافهم فتّش تجد ان شاءاللّه تعالي و يفارق التأويل في قوله تعالي يغن‏اللّه كلاًّ من سعته اذا اردت منها ما في الحديث.

و اعلم انّ للباطن عندنا اطلاق اخر و هو المعني الثالث للتأويل حيث مايطلق الباطن نريد به هذا المعني و حيث مايطلق التأويل نريد به المعني الثاني له فاذن تنقلب النسبة فاستخرج من الذي ذكرنا لك نسبة معاني التأويل بعضها مع بعض و نسبة الباطن بالمعني المذكور انفاً مع معاني التأويل فانّ بالبيان يطول الكلام و لسنا بصدده.

و النسبة بين التأويل و ظاهر الظاهر التباين و النسبة بين الباطن و باطن الباطن نسبة الظاهر الي الباطن و ان شئت  قلت التباين و ان شئت قلت التساوي و الضدان يجتمعان فيه لكن لا في موضع واحد بل في موضعين كما لايخفي علي الفطن العارف و النسبة بين التأويل و باطن الباطن كالنسبة بين التأويل و الباطن لانّه يشترط في باطن الباطن مراعاة الظاهر كما في الباطن البتّة فتتّحد النسبة من هذه الجهة و تختلف بالتساوي و التباين من جهة الظاهر و الباطن و قولنا التساوي مسامحة لانّ بين الظاهر و الباطن المشابهة و المناسبة  لانّ الروح لها علاقة مع البدن الذي تعلّق به غير ماكان للبدن الاخر و لذا يجيبون بالمحال في المسألة المشهورة و امّاالتباين فمن جهة انّه المجرّد و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 238 *»

هو المادّي و لايصدق المجرّد علي مايصدق عليه المادي  لانّه الشريف و ذلك الكثيف و ليس بين الشريف و الكثيف الاّ التباين الكلّي فافهم و اغتنم و كن من الشاكرين و صلّي‏اللّه علي محمّد و اله الطاهرين و الان وقت الشروع في المقصود لكن قبل الشروع لابدّ من مقدّمة مهمّة و هي:

انّ القرءان  كما عرفت رمز و اشارة و تلويح علي انحاء مختلفة و اطوار متعدّدة سيّما علي وفق علم الحروف  فانّ اللّه سبحانه اجري كلامه علي ترتيب حروف لها دلالات علي مطالب و مراتب مثلاً في ترتيب الحروف و تقديم بعضها علي بعض و تأخير بعضها عن بعض دلالة علي امر عظيم قدخفي علي كثير من الافهام و العقول و كذا في ايراد الحروف المخصوصة كالالف و اللام و الهاء مثلاً دون غيرها من الحروف دلالة علي شي‏ء و كذا في ايراد الحروف الناريّة في الكلمة الواحدة او تكثيرها فيها و تقليلها فيها و كذا في الحروف الهوائيّة و المائية و الترابيّة و تكثيرها و تقليلها في الكلمة الواحدة و كذا في الحروف النورانيّة و الظلمانيّة و كذا في الحروف الجبروتيّة و الملكوتيّة و الملكية و كذا اذا اشار بالحروف الجبروتيّة الي الذوات الملكيّة و بالحروف الملكيّة الي الذوات الجبروتيّة و كذا اذا حذف حرف او ادغم في اخر او قدّر بعضها مع ارادتها و تبديل بعض الحروف ببعض و امثال ذلك و في كلّ هذه الامور اشارة خفيّة الي مطلب عظيم و خطب جسيم و من رأي حديث ابي لبيد المخزومي([1]) يظهر له حقيقة الامر يعرف العارفون من هذا الترتيب اموراً و اوضاعاً بتعليم ائمّتهم: ما لاعين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر و لمّا بلغ الكلام الي هذاالمقام فلابأس علينا ان‏نذكر بعض القواعد في علم الحروف ليكون الناظر في هذه الاوراق علي بصيرة من امره.

فنقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم انّ عالم الحروف عالم مثل عالم الذوات  حرفاً بحرف كما انّ في الاكوان جبروت و ملكوت و ملك كذا في الحروف ايضاً جبروت و هوالهمزة والهاء و العين والغين و الحاء والخاء و ملكوت و هو الجيم و الدال والزاء و الطاء والياء والكاف واللام والسين و الصاد والقاف والراء و الشين و ملك و هوالباء و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 239 *»

الواو و الميم والفاء والنون و الثاء والذال والضاد و الظاء و التاء و كما انّ في الاكوان نور و ظلمة كذلك في الحروف ايضاً نورانيّة و ظلمانيّة و الحروف النورانيّة اربعة عشر و هيالمذكورة في فواتح السور اذا حذفت المكرّر و هوالصاد و الراء و الالف والطاء و العين و اللام والياء والحاء والقاف و النون و الميم و السين و الكاف و الهاء والبواقي ظلمانيّة و هي بازاء منازل القمر الثمانية و العشرين اربعة عشر منها نورانيّة ابداً و اربعة عشر منها ظلمانيّة ابداً و هذه الاربعة عشر النورانيّة بازاء اسم اللّه الوهّاب و الجواد منها يفيض الي العوالمالسفليّة و هذه الحروف لها تأثير كتأثيرها من له اطلاع في علمالجفر يعلم كيفيّة العمل و كما انّ في الاكوان عناصر اربعة بسايط و كذا في الحروف فانّها تنقسم الي هذه الاقسام الاربعة الناريّة و الهوائيّة والمائيّة و الترابيّة علي هذا الترتيب:

النارية حمل اسد قوس ا هـ ط م ف ش ذ
الهوائية جوزا ميزان دلو ب و ي ن ص ت ض
المائية سرطان عقرب حوت ج ز ك س ق ث ظ
الترابية ثور سنبله جدي د ح ل ع ر خ غ

 

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 240 *»

تدبر فافهم و اضبط هذه القواعد فانّها تنفعك كثيراً فيما سيأتي و الكلام في الحروف طويل الذيل لكنّا اختصرنا بقدر الحاجة و الان اوان الشروع في المرام باعانة اللّه الملك العلاّم فاقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم.

قال اللّه تبارك و تعالي: (اللّه)

اعلم انّ هذه الكلمة الشريفة قدتشوّشت فيها الافهام و اضطربت فيها الاحلام (العقول خ‏ل ) و الاوهام في لفظها و المعني المراد منها و قدكتبوا في هذاالباب رسائل و كتباً امّا اهل‏الظاهر فتكلّموا في لفظها هل هو عربي ام عبري ام سرياني و هل هو علم او صفة و هل هو مشتقّ او جامد و هل هو كلّي او جزئي و امثال ذلك من الامور الظاهريّة المتعلّقة بالالفاظ و النقوش و امّا اهل الباطن فتكلّموا في المعني المراد منها هل هو الاسم الاعظم ام لا و هل هو بازاء الذات ام لا و هل الحروف التي فيها اشارة الي اي شي‏ء و امثال ذلك من الامور الباطنيّة المخفيّة علي اهل الظاهر و الفقير الحقير المعترف بالقصور و التقصير اذكر بعون اللّه تعالي و حسن توفيقه في مقام الظاهر تحقيقاً شريفاً دقيقاً انيقاً ممّا افاضه اللّه تعالي علي عبده المسكين المحتاج المفتقر الي اللّه يقول العالم7في‏الدعاء كيف استعزّ و في‏الذلّ اركزتني و كيف لااستعزّ و اليك نسبتني ليظهر انّ هذا اللفظ المقدّس علم او صفة كلّي او جزئي ثمّ اتكلّم في‏الباطن ان‏شاءاللّه تعالي.

فاقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم انّ الذي يقول انّه علم يريد به انّ هذا اللفظ انّما وضع للذات المقدّسة اوّلاً و بالذات مثل زيد للشخص المعيّن و الذي يقول انّه صفة كلّي يريد به انّه موضوع لمفهوم كلّي هذه الذات المقدّسة احد افرادها بحيث لو وجد فرد اخر لاستحقّ هذا الاسم لكنّه كلّي منحصر في الفرد مثل القادر و العالم لمن له القدرة و العلم و هو كلّي شامل لجميع افراده و اللّه ايضاً لمن له الالوهيّة و هو ايضاً كلّي عامّ شامل لجميع الافراد لكن لمّا لم‏يوجد من له هذه الصفة اختصّ الحقّ به و تصديق هذا الكلام يحتاج الي معرفة قاعدة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 241 *»

كليّة و هي انّ الالفاظ هل هي موضوعة بازاء المفهوم الذهني او المصداق الخارجي او موضوعة بازاء الماهيّة لابشرط؟ لاسبيل الي الاوّل لانّ المفهوم الذهني ظلّ للمصداق الخارجي كما برهنّا عليه في كثير من رسائلنا و مباحثاتنا فاذا كان كذلك يلزم ان‏يكون اللفظ المستعمل في‏الذات مجازاً و في‏الظلّ حقيقة لانّه اذا كان موضوعاً للامر الذهني كان الاستعمال فيه استعمال اللفظ فيما وضع له و لانعني بالحقيقة الاّ هذا و استعماله في الامر الخارجي استعماله في خلاف ماوضع له و هو المجاز و لايجوّزه جاهل فضلاً عن فاضل و كذا لاسبيل الي انّ‏اللفظ موضوع بازاء الماهيّة لابشرط لانّ معناه انّ الماهيّة غير مقيّدة بكونها في‏الذهن او في الخارج و الاسم للماهيّة المعرّاة عن جميع المشخّصات الخارجيّة و الذهنيّة و هذا الكلام مبني علي انّ الماهيّة الموجودة الخارجيّة هي الموجودة في الذهن بالمشخّصات الذهنيّة ام لا بل الموجودة في‏الذهن هي الصورة و الشبح و الظلّ للامر الخارجي لاسبيل الي الاوّل للبراهين القطعيّة العقليّة المذكورة في محلّه فيتحقّق الثاني فاذا كان كذلك فلاطريق لهذا القول كما لايخفي علي العاقل العارف الفطن.

فاذا عرفت فساد هذين القولين فاعلم انّ الحقّ هوالثاني و هو انّ الالفاظ موضوعة بازاء الامر الخارجي و يطلق علي الوجود الذهني علي سبيل الظلّ و الرسم يعني يطلق علي الذات اوّلاً وبالذات و علي الصورة و الشبح ثانياً وبالعرض لا بالاشتراك المعنوي بل الاشتراك اللفظي كما نبيّن لك ان شاءاللّه تعالي و لاقوّة الاّ باللّه و تصديق ذلك ما روي في‏الحديث ياهشام الخبز اسم للمأكول و الماء اسم للمشروب و الثوب اسم للملبوس الحديث و هذا صريح في‏المراد.

فاذا فهمت هذه المقدّمة انّ الموضوع له اللفظ هو الامرالخارجي فاعلم انّ الاسامي التي تطلق علي اللّه سبحانه و علي غيره هل هو من قبيل الاشتراك اللفظي او المعنوي مثل القادر و العالم و الموجود و امثال ذلك و المراد بالاشتراك المعنوي هو ان‏يكون اللفظ موضوعاً لحقيقة واحدة سارية في حقايق مختلفة بحيث يكون اطلاق اللفظ علي الامور المختلفة بمعني واحد مثل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 242 *»

الحيوان فانّه موضوع لحقيقة واحدة سارية في الانسان و الفرس و البقر و الغنم و امثال ذلك بحيث يكون صدق الحيوانيّة علي الجميع بمعني واحد علي الظاهر هذا هوالاشتراك المعنوي و هل الاسامي التي تطلق علي اللّه تعالي من هذا القبيل ام لا؟ لاسبيل الي الاوّل لانّ الحقيقة الواحدة لاتجمع بين الحق و الخلق و الواجب و الممكن والاّ يلزم المشابهة و يلزم ان‏يكون الحق و الخلق في صقع واحد و ينقلب الممكن الي الواجب و الواجب الي الممكن و يلزم المناسبة و المشابهة و التركيب من ما به الاشتراك و ما به الامتياز و ان‏يكون للحق و الخلق حال واحد و هذا لايجوّزه احد من العقلاء و امّا القول بانّ الاشتراك في‏المفهوم لا في‏المصداق فقول زور و توهّم كاسد يقوله من لم‏يعرف حقيقة الامر و لم‏يشاهد المطلوب الاّانّ الحكماء العلماء (: خ‏ل ) لمّاتكلّموا بشي‏ء من باب الرموز و الاسرار اخذوا ظاهر الكلام و ماعرفوا المرام فكانوا كماقال الشاعر:

قديطرب القمري اسماعنا   و نحن لانفهم الحانه

فظهر لك من هذا البيان انّ القول بالاشتراك المعنوي في الالفاظ التي تطلق علي اللّه و علي الخلق باطل فيكون الاشتراك لفظياً لفقدان الجهة الجامعة و هذا الكلام يجري في جميع الاسماء و الصفات التي تطلق علي اللّه تعالي لا اختصاص له بالوجود وحده و قدملأ العلماء كتبهم من انّ الوجود هل هو مشترك لفظي او معنوي هذا ظاهر القول.

و امّا حقيقة الامر فاعلم انّ اللّه سبحانه هو الذات البحت و المجهول المطلق و الذات الساذج و ذات بلااعتبار و الكنز المخفي و شمس الازل و مجهول النعت لايعلم كنه ذاته و لايدري حقيقة صفاته و هو علي ماهو عليه في عزّ صفاته لايعلم كيف هو الاّ هو الطريق مسدود و الطلب مردود فلا اسم له و لا رسم له لانّ في الاسم اعتبار المسمّي و هو ينافي كونه ذاتاً بحتاً و لانّ الاسم انّما وضع ليعرف المسمّي به و المجهول المطلق لايعرف فلااسم فهذه الاسماء التي تطلق عليه تعالي باعتبار ظهوراته و تجلّياته في مرايا القوابل و الاستعدادات فبكلّ ظهور ظهر اسم من الاسماء و بكلّ تجلّ ظهرت صفة من الصفات فالاسم للظهور و الصفة للتجلّي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 243 *»

مثلاً لمّا ظهر بالالوهيّة سمّي باللّه فاللّه اسم لجهة ظهوره بالالوهيّة و لمّا ظهر بالرحمة الواسعة سمّي بالرحمن و لمّا ظهر بالرحمة المكتوبة سمّي بالرحيم و لمّا ظهر بالقدرة سمّي بالقادر و لمّا ظهر بالعلم سمّي بالعالم و لمّا ظهر بالحيوة سمّي بالحي و امثال ذلك و هذه الاسماء اسماء افعال لامدخليّة لها بالذات تعالي و تقدّس لانّ مقام الذات ليس مقام الصفة و الاسم كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كلّ صفة علي انّها غير الموصوف و شهادة كلّ موصوف علي انّه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث.

و هذه الاسماء تختلف باختلاف الظهورات فعموم الظهور يستلزم خصوص الاسم مثل اللّه و رحمن لانّهما الجامعان لجميع الاسماء و الصفات الاّ انّ الرحمن انزل من اللّه بمرتبة لانّ الظهور بالرحمة الواسعة اخصّ من الظهور بالالوهيّة فاوّل ظهوره بالالوهيّة و قدملأ جميع الممكنات و الموجودات ثمّ ظهر بهذا الظهور بالرحمانيّة اي الرحمة التي وسعت كلّ شي‏ء و لذا لايجوز اطلاق اللّه و الرحمن علي غيرالحق سبحانه لانّ الظلّ لايكون له هذا الظهور الكلّي ليكون له هذان الاسمان بالتبعيّة و خصوص الظهور يستلزم عموم الاسم مثل ماقال لعيسي 7و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيه فتكون طيراً باذني و تبري‏ء الاكمه و الابرص باذني و لايجوز اطلاق هذه الاسامي التي تطلق علي اللّه سبحانه علي غيره بذلك المعني لعدم الجهة الجامعة لماقلنا لك انّ اللّه سبحانه كان قادراً و عالماً و سميعاً و بصيراً و ساير الصفات الكماليّة قبل ان يخلق الخلق و يوجد الموجودات فاين الحقيقة الواحدة الجامعة فالاطلاق بالاشتراك اللفظي مثل ماانّك اذا سمّيت الجدار خالقاً عالماً سميعاً بصيراً.

و امّا النقض بياارحم‏الراحمين و يااكرم‏الاكرمين و ياخيرالرازقين و يااحسن‏الخالقين و امثالها ممّا يدلّ علي الاشتراك المعنوي فمدفوع بارادة التبعيّة من الاسماء الفعليّة لاالذاتيّة كالسراج فانّه يقال له انّه انور من الاشعّة لكن ليس له اطلاق النور عليهما بمعني واحد لفقدان الجهة الجامعة فانّ الاشعّة اظلّة السراج فلاتجمعهما حقيقة واحدة لكن من جهة بروزه و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 244 *»

اظهار نوره و تعريفه للاشعّة جعلها علي هيأة ظهوره و مثال تجلّيه و بروز نوره بحيث اذا عرفوا انفسها عرفوا السراج من عرف نفسه فقد عرف ربّه ، اعرفكم بنفسه اعرفكم بربّه فافهم و اشرب عذباً صافياً هنّاك اللّه.

و اذا فهمت  هذا القدر من الكلام فاعلم انّ القول بانّ لفظ اللّه علم للذات المقدّسة و وضع بازائها كلفظ زيد الموضوع بازاء ذاته و لايشترك فيه معه احد ان اريد بالذات الذات البحت القديم تعالي شأنها و تقدّس فغلط لانّ الالفاظ و المعاني علي ماهو الحق عند اهل الحق لابدّ و ان يكون بينهما مناسبة ذاتيّة و المناسبة و المرابطة بين الحادث و القديم منفيّة رأساً و اصلاً و القائل به علي حدّ الشرك من الدين قال اللّه تبارك و تعالي فيهم و مايؤمن اكثرهم باللّه الاّ و هم مشركون و انّ الشرك في هذه الامّة له دبيب اخفي من دبيب النملة السوداء علي الصخرة الصمّاء في الليلة الظلماء لانّ العقل لايجوّز شيئاً خلق حين كونه لم‏يخلق و ماخلق و مالم‏يخلق.

و ان‏لم‏تسلم هذه المقدّمة من انّ بين الالفاظ و المعاني  لابدّ من المناسبة الذاتيّة بل تكفي الوضعيّة نقول انّ الاسم انّما وضع ليعرف المسمّي به و لذا تري انّ الشخص اذا كان في مكان خال لايكون هناك احد يحتاج اليه و تدعوه الحاجة الي دعوته لايحتاج الي اسم قط لانّه يعرف نفسه و لايحتاج الي ان يدعوها فثبت انّ الاسم لجهة المعرفة و معرفة الذات الواجب تعالي و تقدّس ممتنعة باتّفاق المسلمين فلااسم لها نعم الاسم لجهة المعرفة و هي جهة الظهور و التجلّي و هي حادثة لا قديمة و لذا قال7الطريق اليه مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته و قال7انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و قال7انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها.

و ايضاً هل الواضع له الاسم الخلق ام ذاته و الاوّل باطل لانّ من لم‏يعرف المسمّي بوجه لايمكن ان‏يضع له الاسم و قدصحّ انّ اللّه تعالي هو المجهول المطلق و الثاني لايصحّ لانّ الاسم انّما هو للخلق ليعرفوه و هو سبحانه و تعالي لايحتاج في مرتبة ذاته المقدّسة الي اسم و قدنصّ اللّه سبحانه بانّه لايكلّف نفساً الاّ وسعها فلايكلّف الخلق بمعرفة حقيقة ذاته

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 245 *»

لانّه تكليف بما لايطيقه الخلق و هو قبيح فكلّفهم بمايطيقون فوضع الاسم بازائه انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله ولذا قيل في شهد اللّه انّه لااله الاّ هو و الملائكة و اولوا العلم انّ شهادة الحق للحق بالحق حق و شهادة الحق للخلق بالحق خلق و رسم.

به عقل نازي حكيم تا كي   به فكرت اين ره نمي‏شود طي
به كنه ذاتش خرد برد پي   اگر رسد خس به قعر دريا
چو نيست بينش به ديده دل   رخ ار نمايد ترا چه حاصل
كه هست يكسان به چشم كوران   چه نقش پنهان چه آشكارا

فاذا فهمت هذا فهمت انّ القول بانّ لفظ اللّه موضوع بازاء الذات المقدّسة من حيث هي الواجبة القديمة باطل مردود لاعترافهم بانّ مرتبة الاحديّة لا اسم لها و لا رسم و لا عبارة عنها و لا اشارة اليها و ان اريد به انّه موضوع بازاء الذات الظاهرة بالالوهيّة و المتجلّية لها فحقّ لاشكّ فيه و لاريب يعتريه و هذه الذات الظاهرة بالاسماء و الصفات هي مقام المقامات و العلامات التي لاتعطيل لها في كلّ مكان قال صلّي‏اللّه عليه و علي ابائه الطاهرين في دعاء رجب اللّهمّ انّي اسألك بمعاني جميع مايدعوك به ولاة امرك المأمونون علي سرّك الي ان قال فجعلتهم معادن لكلماتك و اركاناً لتوحيدك و اياتك و مقاماتك التي لاتعطيل لها في كلّ مكان يعرفك بها من عرفك لافرق بينك و بينها الاّ انّهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك اعضاد و اشهاد و مناة و اذواد و حفظة و روّاد فبهم ملأت سماءك و ارضك حتّي ظهر ان لااله الاّانت.

و ايّاك و اسم العامريّة انّني   اخاف عليها من فم المتكلّم

و نعم ماقالت ليلي العامريّة:

باح مجنون عامر بهواه   و كتمت الهوي فمتّ بوجدي
فاذا كان يوم القيمة نودي   من قتيل الهوي تقدّمت وحدي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 246 *»

و هذا القول الاخير اي كون لفظ اللّه و غيره من الاسماء موضوعة بازاء الذات الظاهرة بتلك الامور لا الذات البحت هو المختار عند الفقير و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم. من قرأ القرءان بالتدبّر و النظر و تتبّع الاحاديث و رأي ايات اللّه تعالي في الافاق و الانفس بمعونة العقل السليم لايشكّ في حقيقة هذا الكلام و يراه حقّاً كالشمس في رابعة النهار.

و امّا القول بانّ لفظ اللّه كلّي صار الان علماً بالغلبة فغلط ناش من سوء التدبّر و التفكّر لما عرفت من المقدّمتين المذكورتين فمجمل القول هو انّ جميع الاسماء و الصفات التي تطلق علي اللّه سبحانه خاصّة لجهة ظهوراته لايشاركه فيها احد من الدرّة الي الذرّة بالاشتراك المعنوي لفقدان الجهة الجامعة لانّ الجهة الجامعة لابدّ و ان‏تكون حقيقة واحدة لا حقيقتين مختلفتين بالتابعيّة و المتبوعيّة و الاثريّة و المؤثّريّة متشابهتين تشابه الاثر مع صفة المؤثّر و فعله و لايتحقّق هذا في اسماء اللّه تعالي و اسماء المخلوقين لانّ حقايقهم موجودة بهذه الاسماء و اسماؤهم متأخّرة عن ايجاد حقائقهم فكيف تجمعها حقيقة واحدة كرّرت العبارة لتبيّن المراد و يهتدي السالك الي سبيل السداد.

و الاسم و الصفة واحد لافرق بينهما كما سئل العالم عن الاسم فقال7الاسم صفة لموصوف لانّ الاسم هو الدالّ المخبر عن المسمّي و العلامة له و الصفة هي هيأة المسمّي الدالّة علي الموصوف فاذن كلّ الموجودات اسماء للّه و صفات له لانّه تعالي انّما يعرف بها فهي المخبرة عنه و الهيأة الدالّة علي صفاته الكماليّة و اسمائه الجلاليّة و الجماليّة.

پادشاهان مظهر شاهي حق   عارفان مرآت آگاهي حق

و لذا قال الحكيم من عرف نفسه فقد عرف ربّه لانّه خلق علي هيكل التوحيد و هو النور المشرق من صبح الازل الذي يلوح علي هياكل التوحيد اثاره الاّانّ الاسماء مختلفة في الخصوص و العموم و الاجمال و التفصيل فكلّ عامّ خاصّ و كلّ خاصّ عامّ فاسم اللّه انّما اختصّ به لعمومه و كذا اسم الرحمن و امّا باقي الاسماء فلخصوصها عمّت علي وفق مابيّنّا لك من انّ الاثر علي هيأة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 247 *»

صفة المؤثر اي جعله المؤثر علي هيأة اذا عرفه عرفه فله العلم و له القدرة و له السمع و له البصر و له الحيوة و له الخلق و له الكرم و كلّ ذلك من ظلّ الاسماء الفعليّة الالهيّة و امّا الالوهيّة و الرحمانيّة فليستا للاثر لامتناع ذلك فيهم لانّ الالوهيّة هي الجامعة لجميع الصفات و الاسماء من القدس و الاضافة و الخلق ، و الرحمانيّة هي الجامعة لجميع صفات الاضافة و الخلق و لايصحّ هذا لاحد من المخلوقين و لو بالتبعيّة و الاثريّة بخلاف ساير الاسماء و الصفات فانّها ليست بهذا العموم فافهم و اشرب عذباً صافياً فانّه جرعة و شربة من حوض الكوثر فان شربته لاتري الظمأ ابداً لاتنظر الي من قال و انظر الي ما قال و لاتقلّد فانّ هذه المذكورات خلاف مايعرفه اهل الظاهر من ظاهر معتقداتهم بل هو معتقد العلماء الحكماء المعصومين الذين لايسهون و لايغفلون و لاينسون بل مؤيّدون و مسدّدون بروح القدس ان اردت تعرف الحقّ في المرام فانظر في احاديثهم و كلماتهم سيّما «عيون اخبار الرضا» و «الكافي» و «الوافي» و «التوحيد» و «معاني الاخبار» و امثال ذلك من الكتب المؤلّفة في هذا الشأن و صلّي‏اللّه علي محمّد و اله الطاهرين و سلّم تسليماً كثيراً حسبنا اللّه و نعم الوكيل نعم المولي و نعم النصير.

ايّاك و ايّاك ان‏تتوهّم من كلامنا الظلّ و السنخ و ان‏تكون الموجودات علي مثال الحقّ و صورته نعوذباللّه من هذا الاعتقاد و انا براء منه و ممّن يقول به كيف‏لا و انّ اللّه تعالي لا ظلّ له و لا شي‏ء يشبهه و من سنخه و هو الواحد المتفرد في ازليّته لايشبهه شي‏ء و لايوافقه شي‏ء و لايخالفه شي‏ء و لايضادّه شي‏ء و لاينادّه شي‏ء و لايشاركه شي‏ء و لا هو من شي‏ء و لا في شي‏ء و لا كشي‏ء و لا عن شي‏ء و لا منه شي‏ء و هو الاحد الفرد الصمد الذي لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد لايعلم كيف ذلك و لايدري ما هنالك ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشّف له و ان قلت الهواء نسبته فالهواء من صنعه رجع من‏الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله.

و لمّا اراد ان يعرف و احبّ ان يعبد خلق الوجود المطلق لا من شي‏ء و لا كشي‏ء بل اخترعه اختراعاً و ابتدعه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 248 *»

ابتداعاً و هو الفعل و الولاية المطلقة و الازليّة الثانية و عالم فاحببت ان‏اعرف و لا مناسبة بينه و بين الذات الواجب تعالي و تقدّس ابداً و لا مرابطة بينهما و لانسبة بينهما لانّ النسبة فرع وجود المنتسبين و لاتتحقّق الاّ اذا تحقّقا فاذن يجب امّا ان يكون النسبة حادثة او الخلق قديماً و تعدّد القدماء باطل عندنا و عندكم فثبت الاوّل و القول بانّ مباين الشي‏ء لايصدر عنه كالحرارة من الماء و الرطوبة من الارض و امثال ذلك فلابدّ من مناسبة و مرابطة تصحّح صدور ذلك الامر منه مدفوع بانّ كلّ ما يجب في الخلق يمتنع في اللّه و كلّ ما يمتنع في الخلق يجب في اللّه قال العالم7كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه و صدور مباين الشي‏ء عنه يمتنع في الخلق فيجب في اللّه مع انّ اللّه تعالي لايباينه شي‏ء و لايساويه شي‏ء و لايشابهه شي‏ء و هو علي ما هو عليه في عزّ صفاته نعم لابدّ من المناسبة و المشابهة بين فعله و اثره و خلقه لانّه تعالي انّما اوجد الموجودات بفعله لا بذاته و لفعله رءوس كلّ رأس يختصّ بموجود من الموجودات فهو ملك له رءوس بعدد رءوس الخلايق ما وجد و ما لم‏يوجد و سيوجد الي يوم القيمة و بعده الي ما شاء اللّه فاوجد الموجودات بفعله و خلقه بنفسه فهو الكاف المستديرة علي نفسها تدور علي نفسها علي خلاف التوالي و نفسها تدور عليها علي التوالي فكان الفعل في اوّل ظهوره نقطة جوهريّة لاتقبل القسمة ابداً في جميع الجهات لافرضاً و لاعقلاً و لا وهماً ثمّ حرّكها اللّه سبحانه بنفسها فصار الفاً قابلة للقسمة في الطول لا في العرض ولعمري انّ الالف هي النقطة ثمّ حرّكها اللّه تعالي بتحرّكها بنفسها فصارت حروفاً عاليات ثمّ جمع بين الحروف المتفرّقة و الّف بينها فصارت كلمة فانزل من سحاب تلك الكلمة ماء الدلالة و هي الظهور و التجلّي للخلق بالخلق علي ارض القابليّات فنبت شجرة الوجود المقيّد فكان اوّل من ذاق الباكورة في جنان الصاقورة روح القدس قال العالم7 ان روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة و الصاقورة هي الاسم الاعظم و الكلمة التامّة و العرش الاكبر الاعلي و السرّ المقنّع بالسرّ فكلّ الموجودات ثمرات تلك الشجرة و اغصانها و اوراقها و كلّها تشابهها تشابه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 249 *»

الاشعّة بالسراج فالاسماء الكماليّة التي للخلق من ظلّ اسماء تلك الذات المقدّسة التي هي من الاسماء الفعليّة الالهيّة و المشابهة بالتبعيّة انّما تكون لحادث مع حادث و القديم تعالي شأنه منزّه عن كلّ ذلك سبحان ربّك ربّ العزّة عمّايصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين.

و لماارانا اللّه سبحانه مثاله الذي هو اياته في الافاق و الانفس ليكون شاهد صدق علي الوهيّته و قدرته فنضرب لك مثلاً في هذا المطلب لتكون علي بصيرة من الامر فنقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم انّ النار هي المؤثّرة في الاشعّة و الموجدة لها اذ لها الفاعليّة  و للدهن القابليّة فمسّت الدهن الذي هو ظهوره و تجلّيه فوجد السراج فالسراج مركّب من مسّ‏النار و من الدهن و هذا الاشتعال و الضياء خلقته النار لا من شي‏ء و لا كشي‏ء و لا مناسبة بينه و بين النار ابداً اذ ليس في النار الاضاءة و الاشراق فلمّا خلقت السراج بنفسه جعلته عرشاً لاستوائها عليه بالنور فاعطت كلّ ذي حقّ من الاشعّة حقّه و ساقت الي كلّ مخلوق رزقه فالاشعّة كلّها علي مثال السراج و هيكله الذي هي هيكل التوحيد فحقيقتها مركّبة من ظهور السراج و قابليّتها التي هي الحدود المعيّنة لها في حدّ خاصّ و مكان معلوم و الاّ فامر السراج واحد ماتري فيه اختلافاً ابداً انظر في حقيقة الاشعّة هل يعرفون غير السراج و هل يعلمون سواه لانّ حقيقتها من اثره و ظلّه و الشي‏ء لايتجاوز ماوراء مبدئه مع انّ كلّها معترفة بانّ السراج وجه النار و به يتوجّهون اليها و به يستمدّون منها و كلّها واقفة سائلة بباب النار الذي هو السراج و الفقراء اللائذون بجنابها و اسامي السراج و صفاتها كلّها لها لكن بالتبعيّة و الاثريّة سوي الشمول الكلّي و العموم الحقيقي و سريان النور المثالي الذي هو مفاد اسم اللّه تبارك و تعالي تأمّل يااخي و تدبّر فيه فانّه من غوامض الاسرار فاذا فهمته يفتح لك باب من العلم ينفتح منه الف باب بفضل اللّه ملهم الصواب.

فاذا اردت تفهّم حقيقة المسألة فاعلم انّ‏النار مثال للوجود المطلق و الكلمة التامّة التي هي النقطة و مسّها مثال للوجود المقيّد الذي هو الماء النازل من سحاب المشيّة و السراج اشارة الي العقل الكلّي و النور المحمّدي صلوات

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 250 *»

اللّه عليه واله و الاشعّة مثال للموجودات المقيّدة فكلّ ما للموجودات من الصفات الكماليّة من اظلّة تلك الصفات الكماليّة و اشعّتها لا دخل لها في ذات الحقّ القديم تعالي شأنه و تقدّس فافهم و اغتنم و كن من الشاكرين هداك اللّه و ايّانا الي الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لاالضالّين. هذا مجمل الكلام في ظاهر لفظ الجلالة ممّا سنح بخاطري الفاتر في حال الكتابة و لنقبض العنان من هذا الميدان و لنشرع في بيان باطن هذه الكلمة الشريفة و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم.

اعلم انّ الكلام في باطن هذه الكلمة الشريفة انّما يتمّ ببيان امور:

الاوّل في حقيقة الاسم و الموضوع‏له هذا اللفظ ،اعلم انّ الاسم مشتقّ من السمة و هي العلامة فالاسم علامة المسمّي و به يعرف المسمّي قال امير المؤمنين7الاسم ماانبأ عن المسمّي و قدصحّ انّ الموجودات بحذافيرها انّما تدلّ علي اللّه سبحانه و صفاته و اسمائه فكلّها اسماء له و لمّا نظرنا في الاسماء رأينا انّها علي قسمين ذوات و صفات و هي عبارة عن‏الحروف و الاصوات و النقوش و كلاهما علي قسمين اسماء حسني و اسماء سوءي فالاسماء الحسني بالاطلاق من تحت العرش الي الارض و الاسماء السوءي من تحت الثري الي الارض الدنيا ايضاً فهذه الارض هي مجمع البحرين و ملتقي العالمين و محلّ الاجتماع و الاسماء الحسني هي الدالّة علي مسمّياتها الحسنة الكماليّة الجماليّة الدالّة علي كمال الصانع و جماله و جلاله و الاسماء السوءي هي الدالّة علي مسمّياتها الخبيثة النجسة المجتثّة الدالّة علي تنزّه الصانع و تقدّسه عن جميع النقايص و السلوب و الاعدام فلو انّه تعالي ماخلق هذه الحقايق الخبيثة لما سألوه ان يخلقها كذا لما عرفت تنزّه الصانع عن صفات النقص اذ الممكن لايعرف الاّ مافيه و لايقرء الاّ حروف نفسه و لذا ورد في الحديث انّه تعالي انّما خلق الضدّ ليعرف ان لاضدّ له فلو انّه ماخلق تلك الحقايق الطيّبة و الذوات الحسنة لماعرف الصانع (اتصاف خ‏ل ) الكامل سبحانه بالكمال فخلق الزوجين و جعل الشي‏ء مركّباً منهما و من كلّ شي‏ء خلقنا زوجين لعلّكم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 251 *»

 تذكّرون فكلّ شي‏ء هكذا لانّ العلّة الغائيّة من ايجاد الاشياء المعرفة الكاملة و هي لاتتحقّق الاّ باثبات الصفات الكماليّة و سلب النقائص الخلقيّة الممكنة و هي ايضاً لاتتحقّق الاّ بمعرفتهما و لايعرف شي‏ء شيئاً لم‏يخلقه اللّه تعالي فخلق العلم و خلق ضدّه الجهل و خلق القدرة و العجز و خلق الحيوة و الموت و خلق العزّة و الذلّة فالانسان بقدرته يستدلّ علي قدرة الحقّ و بعجزه يستدلّ علي انّه تعالي ليس بعاجز والاّ لكان ممكناً و هو من معاني قوله تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحقّ و قوله7 من عرف نفسه فقد عرف ربّه فحينئذ تكون الاسماء علي اربعة اقسام اسماء حسني حقيقة ذاتيّة و اسماء حسني اسميّة لفظيّة و اسماء سوءي حقيقة ذاتيّة مجتثّة و اسماء سوءي اسميّة لفظيّة.

ثمّ انّه لمّا كانت الحقايق مترتّبة لبطلان الطفرة و امتناع صدور الكثرات من الواحد من جميع الجهات لضعف قابليّة الصادر المحدث كذلك كانت الاسماء ايضاً مترتّبة و لذلك اختلف بالعالي و الداني فالاسم الاعظم الاعلي هو المخلوق اوّلاً المالي‏ء بنوره و ظهوره جميع فضاء الامكان  فمابقي في الامكان مكان الاّ و قدوسعه (يسعه خ‏ل ) ذلك النور العظيم و لايجوز ان‏يكون خلق في مرتبته و مقامه و الاّ لكان هو، لانّ المرتبة من المشخّصات و اتّحاد المشخصين مع تغاير المتشخّصين ممتنع كما برهنّا عليه في مكانه و لايجوز ان يكون خلق لا بواسطته لاستلزام الطفرة الباطلة الاّ عند المسفسطين فيجب ان يكون ذلك الاخر من نور الاوّل و مستضيئاً منه كاستضاءة الضوء من الضوء و لمّا كان اعلي الموجودات و اشرفها و اقدمها المعني المجرّد عن المادّة النفسانية و الجسمانيّة و المدّة الملكوتيّة و الزمانيّة يجب ان يكون اوّل الموجودات و اوّل الاسماء و الاّ يلزم ان‏يكون الاخسّ قبل الاشرف و قدقام البرهان علي بطلانه و لمّا كان المعني لايتمّ في الظهور الاّ بالصورة المشخّصة المميّزة و الاّ لايظهر شيئاً و لايعرف احد صاحبه يجب ان تكون الصورة ثاني الموجودات فتمّ الموجود بالمادّة و الصورة و قدملأا الفضاء و وسعا الارض و السماء فكلّ ما في

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 252 *»

‏الوجود بعدهما من جزئيّاتهما و اشعّتهما خلقت مادّتها من نور الاوّل و صورتها من نور الثاني و الاوّل هو نور اللّه و الثاني هو نور رحمته قال العالم7 انّ‏اللّه خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخ المؤمن لابيه و امّه ابوه النور و امّه الرحمة و لهذين المخلوقين الشريفين هيمنة و تسلّط علي جميع الموجودات و المخلوقات:

فالاوّل هو الاسم الاعظم الاعلي الجامع لجميع الصفات الكماليّة: القدس و هوالصفات الجبروتيّة التنزيهيّة الغير المقارنة بشي‏ء اصلاً لا ذاتاً و لا فعلاً و هو اسم السبحان و القدّوس و العزيز و امثال ذلك و هو نفس ذلك الاسم الاكبر9 و هو معني ماقال النبي9في خطبة يوم الغدير في مقام الثناء علي اللّه سبحانه الذي ملأ الدهر قدسه الخطبة لانّ ذلك الاسم الشريف المبارك علي ماذكرنا لكونه اوّل المخلوقات قدملأ الامكان و مابقي مكان في الامكان الاّ و قدظهر ذلك النور العظيم فيه و الاضافة و هي الملكوتيّة ذات الاضافة العرضيّة الفعليّة لا الذاتيّة و هو اسم العلم و القدرة و السمع و البصر وامثال ذلك و هذه الاسامي لاتعلّق لها بشي‏ء من الاشياء ابداً اذا اردت منها الذاتيّة و لاتعتبر الاضافة في ذلك و انّما الاضافة في اثارها الفعليّة عند ظهورها في المجالي الامكانيّة بفعلها ( و فعلها خ‏ل ) فافهم و الخلق و هي الصفات الملكيّة ذات المقارنة الذاتيّة و الفعليّة كالخالق و الرازق و المحيي و المميت و امثال ذلك.

و الاسم الشريف المبارك الثاني لمّا كان في مرتبة ثانية كان له الاجتماع لجميع المراتب من الاسماء و الصفات الاّ ما اختصّ به الاوّل و هو نفسه و ذاته المختصّة به و السراج الوهّاج الذي استضاء منه ذلك السراج الوهّاج كالضوء من الضوء هذان الاسمان الاعليان هما الاصل للموجودات و لهما هيمنة و تسلّط علي كلّ الاسامي و الصفات لانّ ماعداهما جزئيّات ماتصل رتبتهما في الشمول و الاحاطة فللاوّل شمول الباطني الثانوي الذي هو الظهور الاولي و للثاني شمول الظاهري الاولي الذي هو الظهور الثانوي و البواقي ظهور الظهور و شعاع الشعاع و اسماء الاسماء الي اخر مراتب الموجودات الامكانيّة هذا هو القسم الاوّل من الاقسام الاربعة التي للاسماء ممّا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 253 *»

استنبطناه من الاحاديث بتأييد اللّه تعالي فانّه ذوفضل عظيم و منّ جسيم و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم.

و امّا القسم الثاني منها فاعلم انّ الحروف و الكلمات علي اقسام و انحاء: منها حروف معنويّة و هي حروف اهل عالم الجبروت و كلماتهم اذا ارادوا ان‏يتكلّموا بلغتهم في الخلوة من دون غيرهم و طبعها في هذا العالم بارد رطب فلونها البياض و منها حروف رقائقيّة و هي حروف اهل عوالم البرزخ الاكبر الخاصّة بهم و طبعها حارّ رطب فلونها الصفرة و منها حروف نفسانيّة صوريّة و هي كلام اهل عوالم الملكوت الاعلي و طبعها بارد يابس فيه اعتدال و لونها الخضرة خلاف طبعه و ذلك لجهة مانع يمنعها ان‏تكون علي لون طبعها و هو اختلاط السواد مع الصفرة و ذلك يستلزم الخضرة فافهم و منها حروف مثاليّة شبحيّة و هي كلام اهل عوالم البرزخ الثاني و لهم سماء و ارض ارضه محدّب محدّد الجهات الجسماني الزماني و سماؤه من اسفل الدهر و اخر (اسافل الدهر و اواخر خ‏ل) الملكوت و طبعها من طبع العالم الاوّل و لونها كلونها الاّ انّ لونها يميل الي السواد لكونها ذات صورة مقداريّة فافهم و منها حروف جسمانيّة و هي كلام اهل عوالم الاجسام و طبعها بارد يابس و لونها السواد لعدم اختلاطها بالصفرة لعدم المجانسة.

نوريان مر نوريان را طالبند   ناريان مر ناريان را جاذبند
رو مجرّد شو مجرّد را ببين   ديدن هر شي‏ء را شرطست اين

فبقيت علي سوادها الاصلي هذا اقسام الحروف و الكلمات.

امّا كيفيّة تكوّنها فاعلم انّ المتكلّم في كلّ عالم من هذه العوالم المذكورة اذا اراد ان‏يتكلّم يأخذ اربعة اجزاء من الهواء و يدخلها في جوفه اي علي وجه قلبه فيكون نقطة جوهريّة مستديرة لاستدارة محلّها ثمّ تتحرّك فتمتدّ النقطة بحرارة تلك الحركة فكان خطّاً الفاً و نفساً ممتدّاً لكن هذه الاجزاء المصوّرة قبل وصولها الي فضاء الفم يأمر اللّه تعالي ملكاً من جنود اسرافيل ان‏يأخذ جزءاً من يبوسة هباء المنبثّ في هواء الجوف فيمزجه معها فيعفّنه في حمّام مارية باسم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 254 *»

اللّه الحي ثمّ تصعد شمس حرارة حركة النفس تلك الابخرة المعفّنة الي سماء الفم اي الطبقة الثالثة من طبقات هوائه فتصير سحاباً مزجي و هو الحروف المقطّعة المناسبة للمعني المقصود المشابهة لهيأة معناه ثمّ تراكم فتصير سحاباً ثقالاً و هو الكلمة التامّة المجتمعة المركّبة من الحروف المقطّعة المترتّبة علي صفة المعني ولمّا اشرقت عليه حرارة شمس حركة المتكلّم للاخراج يذوب و يتقاطر منه الماء اي الدلالة فينزل علي ارض الجرز و البلد الميّت التي هي قلب المخاطب فيأخذ الملك جزئين من ذلك الماء و جزءاً من يبوسة قلب المخاطب فيضعهما في التعفين في بطن الفرس فتنبت الشجرة اي شجرة المعني في ارض قلب المخاطب فيتحقّق هنا اربع مراتب المرتبة الاولي مرتبة النقطة و لونها ابيض في كمال البياض كالدرّة البيضاء لكمال البساطة و المرتبة الثانية مرتبة الالف و النفس و لونها الصفرة لاختلاط حرارة المتنزّل مع رطوبة النقطة و المرتبة الثالثة مرتبة الحروف المقطّعة و لونها الخضرة لاختلاط سواد الكثرة مع صفرة الالف و المرتبة الرابعة مرتبة الكلمة التامّة و لونها الحمرة لاجتماع بياض النقطة مع صفرة الخطّ في حرارة حكمة التأليف و التركيب كالشنجرف فانّه مركّب من الزيبق و الكبريت او لونها اسود لكمال الكثرة و الغلظة.

ثمّ اعلم انّ هذه المراتب لاتتحقّق الاّ بفعل الشخص و حركته و لاشكّ انّها ماحصلت بالحركة الواحدة لانّ الواحد من حيث الوحدة لايصدر عنه الاّ الواحد لانّ بين الاثر و فعل المؤثّر لابدّ و ان‏يكون مناسبة خاصّة تصحّح صدور ذلك الاثر منه و الاّ يلزم الترجيح من غير مرجّح و هو باطل و لايجوز ان يكون الشي‏ء الواحد مناسباً و مشابهاً لامور مختلفة متضادّة في حال واحد الاّ الواجب تعالي و تقدّس لانّ قدرته غير متناهية لاتحيط بها عقولنا و لاتدركها افهامنا فنسكت عنه و نقول انّه علي كلّ شي‏ء قدير فاذا رأينا تعدّد المفعول نقطع بتعدّد الفعل و ان كانت هذه التعدّدات و الكثرات رءوس ذلك الفعل الكلّي فثبت انّه تعلّق بكلّ مرتبة من هذه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 255 *»

المراتب الاربع فعل خاصّ غير متعلّق بالاخر فسمّي الفعل المتعلّق بالنقطة المشيّة و بالالف الارادة و بالحروف القدر و بالكلمة التامّة القضاء و بالاظهار و الابراز الامضاء و هو لازم القضاء كما لايخفي و هذه المراتب الفعليّة هي صبح الازل و المراتب المفعوليّة الانوار المشرقة عن صبح الازل فالنور الابيض هو المشرق عن المرتبة الاولي و هي المشيّة و النور الاصفر هو المشرق عن المرتبة الثانية و هي الارادة و النور الاخضر هو المشرق عن المرتبة الثالثة و هي القدر و النور الاحمر هو المشرق عن المرتبة الرابعة و هي القضاء و كلّ مرتبة لونها و طبعها من طبع ما صدر عنها و لونها فافهم و احفظ فانّه ينفعك كثيراً في المراتب العالية و حلّ الاحاديث المشكلة.

ثمّ انّ الكلمة التامّة المجتمعة لها الوان اخر بحسب العوالم لوناً عرضيّاً و ان كان لها لون ذاتي و هو الحمرة او السواد مثل الريح فانّه هو الهواء المتحرّك و هو بحسب سنخ ذاته حارّ رطب لكن باعتبار الامكنة و الازمنة يكتسب الطبايع العرضيّة فيكون له الوان متفاوتة كالصبا فانّه بارد رطب و لونه البياض و الدبور فانّه حارّ يابس و لونه الحمرة و الشمال فانّه بارد يابس و لونه السواد و الجنوب فانّه حارّ رطب و لونه الصفرة و هنا كلام اخر كتبناه في شرحنا علي الفوائد.

فاذا عرفت حقيقة الكلمة و الكلام و ماهيّتها و مبدأها و منتهاها تعرف انّها لابدّ و ان‏تكون متأخّرة عن الذوات لانّها فعلها و صفتها و اسمها فهذه الاسماء اللفظيّة الحرفيّة اسماء لذوات هي اسماء اللّه عزّوجلّ لبطلان الطفرة فمرجع الكلّ الي اللّه و الكلّ له تعالي انّا للّه و انّا اليه راجعون و لمّا كان بين الاسماء و مسمّياتها علي ما هو الحق عند اهل الحق مناسبة ذاتيّة فيجب ان‏يكون اشمل الاسماء الحرفيّة و اعمّها و اعظمها و اقويها الاسم الاول الذي هو المخلوق الاوّل الذي هو نور السموات و الارض و عمودها و به قامتا و به تحرّكت السموات و سكنت الارض و تحته شمولاً و احاطة الاسم الثاني المخلوق فهما الاسمان الاعليان اللذان بهما سكنت السواكن و تحرّكت المتحرّكات و كلّ الاسامي ذاتيّة كانت او لفظيّة من

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 256 *»

فروعهما و شعاعهما صلّي‏اللّه عليهما و الهما.

و لمّا نظرنا الي الاسماء الحسني اللفظيّة رأينا لفظ اللّه في كمال الشمول و الاحاطة و له هيمنة و تسلّط من حيث اللفظ علي جميع الاسماء و الصفات فعرفنا انّها كانت موضوعة لتلك الذات الشريفة المقدّسة فعرفنا اللطيفة في قوله تعالي اللّه نورالسموات و الارض و اللطيفة في تفسير مفسّر قوله تعالي مثل نوره كمشكوة فيها مصباح انّه محمّد9 و قدثبت عند اهل الحق انّ المشبّه في القرءان عين المشبّه به فافهم و كن به ضنيناً و كذا لفظ الرحمن لمّا رأيناها تحت لفظ اللّه و فوق جميع الاسماء عرفنا انّها كانت موضوعة لتلك الذات المقدّسة المخلوقة ثانياً فاللّه اسم للذات المستجمع لجميع الصفات الكماليّة و النعوت الجماليّة الخلقيّة الثلثة التي هي صفات القدس و الاضافة و الخلق و الرحمن اسم للذات الكاملة المقدّسة الجامعة لجميع الصفات الاضافيّة و الخلقيّة علي ما فهمت و بعبارة اخري اللّه اسم للذات الظاهرة بالالوهيّة و الرحمن اسم للذات الظاهرة بالرحمة الواسعة و تلك الذوات كلّها اسم للقديم تعالي شأنه الذي لا اسم له و لا رسم و كلّ الموجودات اسماؤه و كلّ المخلوقات اثاره و هو المخفي في عين الظهور و الظاهر في عين الخفاء.

خفي لافراط الظهور تعرّضت   لادراكه ابصار قوم اخافش
و حظّ عيون النحل من نور وجهه   لادراكه حظّ العيون الاعامش

فاذا قلت يااللّه و يارحمن ماتعني الاّ الذات القديم تبارك و تعالي و تجعل تلك الذوات وجهاً لتعريفك و دعائك لانّك لاتصل الي اللّه الاّ بالوجه لكن لاتلاحظ الوجه قطّ فاذا قلت يااللّه و قصدت الموضوع‏له هذا اللفظ فقد اشركت و كفرت كفر الجاهليّة و اذا قلت يااللّه و زعمت انّه موضوع  للذات القديم و انكرت الوجه و الواسطة فقد كفرت ايضاً و اشركت و اذا قلت يااللّه و قصدت القديم تبارك و تعالي و توجّهت اليه بهذا الوجه و جعلته الة لتوجّهك الي حضرته تعالي و ما رأيت الوجه حين دعائك فانت موحّد كما اراد اللّه سبحانه و تعالي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 257 *»

منك مثاله انّك اذا اردت ان تبصر شيئاً بهذا البصر الجسماني مايمكنك ابصاره الاّ بواسطة هواء لايصل حدّ الافراط فانت اوّل ماتبصر هو الهواء و هو واسطة لابصارك ذلك الشي‏ء فهو المبصر اوّلاً لكن انت لاتلاحظ الهواء و لايخطر ببالك في حال الابصار انّك تبصر الهواء مع انّ الهواء هو الوجه لايمكنك ان‏تتوجّه اليه الاّ به و هذا المثال مقرّب من وجه و مبعّد من جميع الوجوه فانّ ذات الحق لايمكن الوصول اليه بوجه ولو بالوجه الاّ بالوجه و الي هذه الدقيقة اشار العالم7بقوله اللّه مشتقّ من اله و الاله يقتضي مألوهاً و الاسم غير المسمّي فمن عبد الاسم دون المسمّي فقد كفر و لم‏يعبد شيئاً و من عبد الاسم و المعني فقد اشرك و عبد اثنين و من عبد المعني بايقاع الاسم عليه فذاك التوحيد لقد اخرجت لك لؤلؤ من بحر التوحيد ما وصل اليه الغوّاصون ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذوالفضل العظيم و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم هذا مجمل القول في القسمين الاوّلين و هو الاسماء الحسني بكلا قسميه.

و امّا القسمان الاخران و هو الاسماء السوءي بكلا قسميه فاعلم انّك قدعرفت علي مابيّنا لك انّ لكلّ شي‏ء ضدّاً فضدّ العالي اسفل و المتوسّط متوسّط اذا نظرت في الماء رأيت انّ ظلّ رجلك عند رجلك و ظلّ رأسك في اخر المراتب فكما انّ المخلوق الاوّل في كمال النور و الضياء و السناء بحيث بنوره اشرقت السموات و الارض و كذا ضدّه في كمال الظلمة بحيث انّ كلّ ظلمة في العالم من فاضل ظلمته و كلّ شرّ و معصية و خبث من فاضل شروره و معصيته و خباثته و الصفة تابعة للذات و الاسماء و المسمّيات بينهما مناسبة ذاتيّة خذها قاعدة و تصرّف فيها ماشئت فانّه باب ينفتح منه تفسير الباطن من القرءان  و تأويله بالمعني الثالث من معانيه كما ذكرنا لك سابقاً فراجع تفهم و لقد بيّنا حقيقة الاسماء الحسني و مبدأها و كيفيّة ايجادها و ترتّب مراتبها و الاسماء اللفظيّة التي بازاء كلّ مرتبة منها و الحروف التي بازاء مراتبها و كيفيّة اقبالها و ادبارها و الاسماء السوءي الخبيثة النجسة و كيفيّة تعاكسها و الاسماء السوءي اللفظيّة التي بازائها و الحروف

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 258 *»

المعكوسة التي بازاء مراتبها و كيفيّة ادبارها و عدم اقبالها علي اكمل تفصيل و اتمّ بيان في شرحنا علي الفوايد التي صنّفها الاستاد ادام اللّه بركاته علينا و علي العالمين من اراد الاطّلاع علي حقيقة الامر فلينظر اليه و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطيبين الطاهرين.

الثاني من تلك الامور في الفرق بين الالوهيّة و الاحديّة و الواحديّة و الرحمانيّة قيل: «اعلم انّ جميع حقائق الموجودات و حفظها في مراتبها تسمّي الالوهيّة و اعني بحقائق الموجودات احكام المظاهر مع الظاهر فيها اعني الحق و الخلق فشمول المراتب الالهيّة جميع المراتب الكونيّة و اعطاء كلّ ذي حق حقّه من مرتبة الوجود و هو معني الالوهيّة و اللّه اسمٌ لربّ هذه المرتبة و لايكون ذلك الاّ ذات واجب الوجود فاعلي مظاهر الذات مظهر الالوهيّة اذ له الحيطة و الشمول علي كلّ مظهر و هيمنة علي كلّ وصف و اسم فالالوهيّة هو امّ‏الكتاب و القرءان هو الاحديّة و الفرقان هو الواحديّة و الكتاب المجيد هو الرحمانيّة و الذي عليه اصطلاح القوم انّ امّ الكتاب هو ماهيّة كنه الذات و القرءان هو الذات و الفرقان هو الصفات و الكتاب المجيد هو الوجود المطلق لا خلاف بين القولين الاّ في العبارة و المعني واحد فاذا علمت ما ذكرنا تبيّن لك انّ الاحديّة اعلي الاسماء تحت هيمنة الالوهيّة و الواحديّة اوّل تنزّل الحق من الاحديّة و اعلي المراتب التي شملتها الواحديّة المرتبة الرحمانيّة و اعلي مظاهر الرحمانيّة في الربوبيّة و اعلي مراتب الربوبيّة في اسمه الملك فالملكيّة تحت الربوبيّة و الربوبيّة تحت الرحمانيّة و الرحمانيّة تحت الواحديّة و الواحديّة تحت الاحديّة و الاحديّة تحت الالوهيّة لانّ الالوهيّة اعطاء حقائق الوجود و غير الوجود حقّها مع الحيطة و الشمول و الاحديّة حقيقة من حقائق الوجود فالالوهيّة اعلي و لهذا كان اسمه اللّه اعلي الاسماء و هو اعلي من اسمه الاحد» انتهي كلامه.

اقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم انّ هذا الكلام علي ما اعرف في غاية المتانة و الصحّة و اللّه اعلم بمراده الاّ قوله و الذي عليه اصطلاح القوم الي قوله

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 259 *»

لاخلاف بين القولين الاّ في العبارة فانّه في غاية الاغتشاش و الاضطراب بل عندنا هذا الكلام باطل لكن ظاهر عبارة هذا القائل في بيان المراد صحيح فان كان مراده هو الذي قال لا خلاف الاّ في العبارة فالمراد باطل و العبارة صحيحة و الاّ فكلاهما صحيحان فافهم و اللّه اعلم بمراده و سنزيد لك الكلام في هذا الباب عند بيان قوله تعالي لااله الاّ هو.

الثالث في لطائف الاسرار المودعة في هذا اللفظ الشريف اعلم هداك اللّه و ايّانا سواء الطريق و سقانا اللّه و ايّاك من رحيق التحقيق انّ هذه الكلمة الشريفة هي الكلمة التامّة الكاملة التي تشمل جميع مراتب الامكان و الاعيان من البدء الي العود و البرازخ التي بينهما و تثبت الحق و تميت الباطل و تأمر بالمعروف و تنهي عن المنكر و لذا كان اعظم اسماء اللّه الحسني و اشرف صفاته ولذا امر نبيّه9 ان يقوله و يعرض عن كلّ باطل و قال تعالي قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون و بيانه بالاجمال علي انحاء:

منها انّ الهمزة هي الالف المتحرّكة و هي اوّل الحروف و اصلها و اسّها و اسطقسّها و بها ظهرت الحروف و منها بدئت و اليها عادت و طولها الف الف ذراع و هي اشارة الي اوّل الوجود و سرّ الحق المعبود الذي به خلق العالم و استضاء منه ادم و هو الماء الثاني المظهر للماء الاوّل بل الماء الاوّل عينه و ادم الثاني حقيقته فاتّحد الاوّل و الثاني في عين الافتراق و افترقا في عين الاجتماع و ظهرا معاً و وجدا متقدّماً و متأخّراً و هو مبدأ الوجود و الباء في بسم اللّه الرحمن الرحيم ظهرت الموجودات من باء بسم اللّه الرحمن الرحيم و سرّ البسملة في الباء و سرّ الباء في النقطة و انا النقطة تحت الباء اصرّح و لااخاف اذ ليس فيه اغتشاش و لا اختلاف و هو نبيّنا محمّد9لنصّ قوله اوّل ما خلق اللّه نوري و اوّل ما خلق اللّه روحي فاشار الي البدء اي بدء الاعياني بالمطابقة و لمّا كان هوالسراج الوهّاج فاشار الي مسّ النار بالتضمّن و هو الماء الاوّل المتقاطر من سحاب النار فاشار الي المشيّة التي تلك الحقيقة المقدّسة محلّها و مكان ظهور نورها بالمظهر و ان شئت قلت بالالتزام لانّ الدلالة الالتزاميّة اعزّ الدلالات و امنعها و اشرفها فاشار الي الموجودات الامكانيّة و الاعيان الثابتة و الوجودات العدميّة المخلوقة الحادثة بالالتزام لانّ

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 260 *»

الامكان محلّ المشيّة و ماهيّتها فافهم فاشار الحق سبحانه بالالف الي جميع هذه المراتب بالاشارة الواضحة الصريحة الغير الخفيّة الاّ عند غير اهلها فالالف هي النبوّة و هي بدء ظهور الاسلام و الايمان و الكتب المنزلة و السنة في الباطن و الظاهر و لمّا كانت النبوّة لاتستقرّ بدون الولاية لانّها نفسها فذكر اللام بعد الالف اشعاراً بانّ الولاية تحت النبوّة بمرتبة واحدة كما قال7انا اصغر من ربّي بسنتين اي انا الواقع في المرتبة الثانية و اشار باللام اليها لان اللام لها من العدد ثلثون و هذا اشعار بانّ الولاية هي القمر كما انّ النبوّة هي الشمس و انّما اشار الي الولاية بالقمر و الي النبوّة بالشمس اشعاراً بانّ مواد الموجودات من الشمس التي هي النبوّة و صورها من القمر الذي هو الولاية لانّ الموجودات الثانويّة من الشمس لانّ الشمس هي الحارّة اليابسة فاثرها من جنس طبع مؤثّره و هو اصل الشي‏ء و الحيوة الثانويّة من القمر لانّه بارد رطب فاثره من جنس طبع مؤثّره و هو صورة الشي‏ء و لذا كانت نطفة الرجل حارّة يابسة و نطفة المرأة باردة رطبة فالاصل و المادة للاب و القشر و الصورة للامّ فافهم.

و لمّا كان ظهور الولاية علي قسمين قسم باطني لاظهور لها ظاهراً الاّ قليلاً بل لاظهور لها في‏الظاهر اصلاً و رأساً و هو ظهور تلك المظاهر المقدسة و بروز تلك الحقائق المنوّرة في اوان ظهور النبي9 و بعده في عالم الاعيان الجسمانيّة و قدظهرت تلك الاقمار الساطعة منخسفة و هو ظهورهم الاوّل فاشار اليه باللام الاوّل و لمّا كان الحق له حقيقة و لابدّ ان‏يظهر بحيث يملأالارض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً وجب في الحكمة ان‏يرجع اللّه تعالي تلك الذوات المقدّسة في عالم الظهور الجسماني مرّة بعد اخري و هو في الرجعة فاشار اليها باللام الثانية و هنا ولايتان ولاية ظاهريّة و ولاية باطنيّة هنالك الولاية للّه الحقّ هو خير ثواباً و خير عقباً و الالف بين اللام الثانية و الهاء المطويّة نقشاً و ظاهراً اشار الي قيام القائم7 فانّ خروجه و ظهوره اوّل ظهور الولاية الثانويّة لكنّه ليس برجعة لانّ الرجعة هي الرجوع بعد الموت و هو7 بعد حي عند ربّه مرزوق و هو سرّ الاطواء في النقش دون اللفظ و الهاء اشارة الي الهويّة المخفيّة التي هذه المراتب المذكورة من

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 261 *»

مظاهرها و اثارها و هي تعود اليها بعد بدئها منها و هي القيمة اذا رجع كلّ الي مبدئه فقد جمع هذه الكلمة الشريفة جميع الموجودات الامكانيّة و الاعيانيّة و بدءها و عودها و الحق الذي يجب التمسّك به و الباطل الذي يجب الاعراض عنه ولذا قال تعالي لنبيّه9قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون يعني جميع الكون من حيث الاسميّة تشملها هذه الكلمة و ما لم‏يذكر فيها لايجوز التمسّك به و الاقتداء به لانّهم همج رعاع لم‏يستضيئوا بنور العلم و لم‏يلجئوا الي ركن وثيق فافهم فانّه اصعب مايرد علي العلماء.

و منها انّ الالف هي الاء اللّه علي خلقه من النعيم بولاية الولي و هذا تمام الوجود و كماله و الجامع لما جمع جميع القرءان و الكتاب الافاقي و الانفسي لانّ النعم التي انعم اللّه تعالي بها علي عباده تدور علي اقسام اربعة لاتزيد و لاتنقص الخلق و الرزق و الحيوة و الموت قال اللّه تعالي هو الذي خلقكم ثمّ رزقكم ثم يميتكم ثمّ يحييكم و الموجودات علي ثلثة اقسام في ثلثة عوالم عالم الجبروت و عالم الملكوت و عالم الملك و في كل عالم من هذه العوالم الثلثة عشر مراتب و هي القبضات التي خلق الشي‏ء منها في كلّ عالم بحسبه و لها ثلث دورات دورة معدنيّة و دورة نباتيّة و دورة حيوانيّة فيكون ثلثين و في كلّ مرتبة من هذه المراتب هذه الاركان الاربعة التي هي الخلق و الرزق و الحيوة و الموت و قدوكّل علي كلّ ركن من هذه الاركان ملك من الملائكة الكليّة فالموكّل بركن الخلق جبرئيل و الموكّل بركن الحيوة اسرافيل و الموكّل بركن الرزق ميكائيل و الموكّل بركن الموت عزرائيل فجبرئيل طبيعته حارّة يابسة لانّه المستمدّ من الركن الاسفل الايسر من العرش و هو النور الاحمر و اسرافيل طبيعته حارّة رطبة لانّه المستمدّ من الركن الاسفل الايمن من العرش و هو النور الاصفر و ميكائيل طبيعته باردة رطبة لانّه‏المستمدّ من الركن الايمن الاعلي من العرش و هو النور الابيض و عزرائيل طبيعته باردة يابسة لانّه المستمدّ من الركن الايسر الاعلي من العرش و هو النور الاخضر و تحت هذه الملائكة الكليّة ملائكة لاتحصي و الدبور ملك من جنود جبرئيل هلكت عاد بالدبور و الصبا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 262 *»

ملك من جنود ميكائيل نصرت بالصبا و الجنوب ملك من جنود اسرافيل و الشمال ملك من جنود عزرائيل فافهم فاذا ضربت الاربعة في الثلثة يكون الحاصل اثني‏عشر و اذا ضربت الاثني‏عشر في الثلثين يكون الحاصل ثلثمائة و ستّين فاعط جبرئيل تسعين ملكاً و اسرافيل مثله و ميكائيل مثله و عزرائيل مثله او قل اضرب الثلثة في الثلثين فيكون تسعين و اضرب الاربعة في التسعين فيكون ثلثمائة و ستّين هذا تمام الوجود و سرّ الحق المعبود و كلّ ذلك نعم انعم اللّه تعالي علي عباده لولاية الولي هنالك الولاية للّه الحقّ فكلّها من الولاية و الي‏الولاية و للولاية و في‏الولاية و مع‏الولاية و عن‏الولاية و بالولاية و لك ان‏تجعل النعم نفس المنعم عليه و التفرقة بملاحظة الاجمال و التفصيل و الجمع و التفريق و لك ان‏تجعل العباد المنعم عليهم ثلثة اشخاص كلّ واحد منهم حاوٍ لماحوي عليه‏الاخران و التفرقة بينهم بالبطون و الظهور و الكمون و البروز.

العبد الاوّل هو ماتحت العرش الاعظم الاعلي الذي هو الصاقورة للجنان التي غرسها الولي و ذاق روح‏القدس باكورتها الي ماتحت الثري و هو عبد واحد خلقه اللّه سبحانه شاهداً و برهاناً علي الوهيّته و ربوبيّته و قدرته و صنعه و هو العبد الصالح الطائع العابد المطيع للّه تبارك و تعالي لايغفل عن ذكره طرفة عين لااله الاّ هو سبحان من دانت له السموات و الارض بالعبوديّة و اقرّت له بالوحدانيّة لااله الاّ اللّه الحليم الكريم لااله الاّ اللّه العلي العظيم لااله الاّ اللّه الملك الحق المبين سبحان اللّه ربّ السموات السبع و ربّ الارضين السبع و ما فيهنّ و ما بينهنّ و ما فوقهنّ و ما تحتهنّ و هو ربّ العرش العظيم و الحمدللّه ربّ العالمين فافهم فهّمك اللّه.

العبدالثاني هو عبدالواسع و عبدالكريم و عبداللّه الشابّ النقي الورع الزكي الشجاع الذي يهزم الصفوف و لايكترث بالالوف و له طبع واحد يفعل في‏الطبايع الاربع و حقيقة وجوده ملتئمة من ارض و ماء و الماء منشعب الي اربع مياه بل خمسة و اجعل هذه المياه ثلثة و ستّة و افلح الارض بالثلثة المصلحة الاوليّة في كلّ فلاحة يخرج قوم مفسد من التسعة المفسدة و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 263 *»

لمّا تمّ الثلث ظهر القمر فاشرق بنوره علي ظلمات الارض فتنوّر جميع مافيها لكن فيه شي‏ء من‏الكدورة اهل الشرع سمّوه بالمحو و اهل الاشراق سمّوه بالعكس و الظلّ و اهل الصناعة الفلسفيّة سمّوه بالقوم المفسدين و هم ستّة رهط الذين قالوا لشعيب هو الصبغ الاحمر و لولا رهطك لرجمناك و هم بانفسهم كانوا رهط شعيب يعني لولا انّك منسوب الينا لرجمناك فاجابهم و قال ياقوم ارهطي اعزّ عليكم من اللّه‏ فطهرت تلك الارض بالصاعقة التي انزل اللّه تعالي عليهم بدعاء شعيب فصلحت لدخول الملائكة و الانبياء و المؤمنين الصالحين فصارت طيّبة طاهرة مشرقة كالشمس في رابعة النهار تشرق علي العوالم السفليّة فتعطي كلّ ذي حقّ حقّه و تسوق الي كلّ مخلوق رزقه و هو العرش مستوي الرحمن فافهم و اشرب عذباً صافياً هنّاك اللّه.

العبد الثالث الكتاب الصغير و المختصر الوجيز و نسخة اللوح المحفوظ و هو الذي قال العالم7:

دواؤك فيك و ماتشعر   و داؤك منك و ماتبصر
اتزعم انّك جرم صغير   و فيك انطوي العالم الاكبر
و فيك الكتاب المبين الذي   باحرفه يظهر المضمر

و لك ان‏تجعل العبد عامّاً و هو كلّ ذرّة من ذرّات الوجود علي‏حدّ ما قال الشاعر:

كلّ شي‏ء فيه معني كلّ شي‏ء   فتفطّن و اصرف الذهن الي
كثرة لاتتناهي عدداً   قدطوتها وحدة الواحد طي

و الكلام في هذا المقام طويل الذيل و الاختصار هو المطلوب لما قيل خير الكلام ماقلّ و دلّ لكن الفقير المعترف بالقصور و التقصير باعانة اللّه العلي الكبير كتبت هذا المطلب اي الامور المشار اليها بلفظ الالف في‏اللّه علي كمال البسط و التفصيل في شرحنا علي الفوائد للاستاد ادام اللّه بركاته علينا و لاحول

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 264 *»

و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم و الحمدللّه ربّ العالمين و صلّي‏اللّه علي محمّد و اله الطاهرين.

و لمّا انّ اللّه سبحانه خلق الخلق لاظهار رحمته و كرمه و احسانه و امتنانه و هو ايصالهم الي المراتب العالية و الدرجات المتعالية لينالوا بها حظوظهم و ليأخذوا نصيبهم من الرحمة الواسعة التي وسعت كلّ شي‏ء و ابي ان‏يجري الاشياء الاّ باسبابها لحكم و مصالح تحيط ببعضها عقولنا جعل لكلّ ذات و حقيقة عملاً يكون وصلةً و سبباً لوصولها الي تلك الدرجات و المقامات فكلّفها بها و حثّ علي فعلها و توعّد علي تركها علي تفصيل لايسعني الان بيانه و نهاها عن امور يقطع ارتكابها عن البلوغ الي اعلي المقامات و مكّن الشخص من ارتكابها لئلاّ يكون التكليف بالالجاء و ليتحقّق الطائع و العاصي و المؤمن و الكافر و لئلاّ يكون المحسن اولي بالاساءة من المسي‏ء و المسي‏ء اولي بالاحسان من المحسن لكنّه تعالي مكّن اداء المأمور و سهّل سبيل اجتناب المحظور و لم‏يكلّف الطاعة الاّ دون الوسع و الطاقة و هذه الامور اي الاعمال و العبادات يسمّونها في الاصطلاح الوجود التشريعي كما انّهم يسمّون الاوّل بالوجود التكويني لكن العارف الكامل الاستاد ايّده اللّه بفنون تأييداته سمّي الاوّل بالشرع الوجودي  و الثاني بالوجود الشرعي و المعني واحد لااختلاف الاّ في العبارة فاشار الي الوجود التشريعي بقوله تعالي اللام المذكورة بعد الالف و هي اشارة الي الزام خلقه الولاية اي ولاية الولي7 فانّ قبول ولاية الولي و الاقرار بها هو القبول و الاقرار بجميع ما جاء به الانبياء و المرسلون من عنداللّه تبارك و تعالي لانّ كلّ ما عند اللّه فهو حقّ و كلّ ما جاء به الانبياء فهو من عنداللّه تبارك و تعالي فكلّ ما جاء به الانبياء فهو حقّ فكلّ الانبياء صادرون عن امرالولي و كلّ ما يأمر الولي فهو امر اللّه و لذا قال تعالي ما اتيكم الرسول فخذوه و مانهيكم عنه فانتهوا و قال من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و قال ان هو الاّ وحي يوحي علّمه شديد القوي فكلّ حقّ فهو من امر الولي و كلّ باطل فهو من نهيه فالزام الخلق ولاية الولي هو الامر بكلّ معروف و النهي عن كلّ منكر و اشار بتكرار اللام الي قسمي العبادات و الاعمال فانّها علي قسمين

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 265 *»

ظاهريّة و باطنيّة و الظاهريّة ظاهرة و الباطنيّة هي اعمال الحواسّ و القوي و المشاعر و الادراكات الباطنيّة كالفؤاد و القلب و العقل و النفس و الخيال و الواهمة و الحافظة و المفكّرة و امثال ذلك من القوي الباطنيّة و لهم اعمال من دون ذلك اي الاعمال الظاهريّة هم لها عاملون و الالف اشارة الي البرزخ المتوسّط بين العالمين عالم الظاهر و عالم الباطن و هو عالم الاشباح و المثل النوريّة و الابدان النورانيّة التي لا روح فيها فانّ الالف هي السراج و هو الباب الواقف بين الطتنجين مسّ النار و النار و الاشعّة و الاظلّة كما هو حال البرازخ و المثال مقرّب من وجه و مبعّد من كلّ الوجوه اين حال السراج و البرزخ و بينهما بون بعيد كمايعرفه العلماء الراسخون و لذا طويت خطّاً.

و لمّا كانت هذه الاعمال و العبادات و المحرّمات و المنهيّات اسباباً و مقتضيات و تظهر مسبّباتها و مقتضياتها عند زوال المانع و حصول الصوغ الثاني الذي لايحتمل الكسر و موت الموت و ذبحه و هو يوم القيمة اراد الحق سبحانه ان‏يبيّن ذلك و يظهر ما هنالك ليتمّ الوجود باتمام الكلمة فاشار اليها بالهاء اي هوان لمن خالف الولاية و المخالفة هي المضادّة و الولاية هي‏الامر بكلّ معروف و النهي عن كلّ منكر و مخالفتها هي الامر بالمنكر و النهي عن المعروف فيظهر اثره في القيمة ظاهراً عند الشخص و عنداللّه تبارك و تعالي و انبيائه و رسله و اوليائه و هو الخذلان و الهوان و الحرمان لانّ الذي يمسّ المركّب تسودّ يده باذن اللّه تبارك و تعالي و انّ المركّب سبب للسواد مع حصول الشرايط و النار سبب للاحراق مع حصول الشرايط فلايرتفع هذا السواد مالم‏يغسل يده بالماء او بشي‏ء اخر طاهر و لو كان الي اخر الدهر و امّا اذا غسلها فتطهر و كذا المعصية تقلب صورة الشخص الي صورة حيوان من الحيوانات اي البهائم مثلاً اذا كانت معصيته من جهة الشهوة تنقلب صورته الي صورة الدُبّ و اذا كانت من جهة الغضب تنقلب صورته الي صورة الكلب و امثال ذلك فهو علي هذه الحالة مالم‏يتب فاذا تاب توبة صحيحة تنقلب صورته الي صورة الادمي اي الصورة الانسانيّة فهو علي هذه الحالة مالم‏يعص فاذا عصي تنقلب صورته الي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 266 *»

صورة مايناسب تلك المعصية فهو علي تلك الحالة مالم‏يتب و هكذا الانسان في كلّ حال يكسر و يصاغ الي وقت موته و قبض روحه و لهذا يري من له بصر حديد و يكشف الغطاء عن بصره الناس علي صور مختلفة متفاوتة من صور البهائم و حشرات الارض و هو تأويل قوله تعالي لواطّلعت عليهم لولّيت منهم فراراً و لملئت منهم رعباً فاذا قبض روحه يقبض علي ماهوعليه من صورة السعادة و الشقاوة و الانسانيّة و الحيوانيّة و هو قوله تعالي و جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد فاذا كان علي صورة الحيوانيّة في الظاهر و الباطن و لم‏يكن من اهل الشفاعة يبقي علي تلك الحالة ابداً خالداً معذّباً و القول بانقطاع العذاب قول من لم‏يطّلع علي حقيقة الامر ولم‏يفهم كنه‏المراد و سنحقّق ان‏شاءاللّه تعالي و اذا كان محبّاً للولي7 و ان كان عاصياً كمال المعصية فلايدخل النار و لاتنقلب صورته الحقيقية لانّ حبّه حسنة لاتضرّ معها سيّئة و بغضه سيّئة لاتنفع معها حسنة و هنا كلام ذكرنا في شرح‏الفوايد فراجع اليها و هذه الاشارة تلويح الي ما اعدّه اللّه سبحانه لعباده المتّقين العاملين بمقتضي الولاية لانّه ضدّه و الضدّ له دلالة علي ضدّه دلالة ذاتيّة كما ذكرنا في شرح‏الفوايد و ماعكس الامر للاشارة الي ابطال اقوال اقوام يقولون بانقطاع العذاب و عدم تأبيد العقاب فانّ الهوان هو الهوان الاكبر و الهلاك الاعظم لانصراف اطلاق المطلق الي الفرد الكامل و هذا الذي ذكرنا لك هوالمأثور عن‏اهل‏البيت: فتّش كتب الحديث تجد ان‏شاءاللّه تعالي فانّي لااصرّح بالمراد قال و نعمّا قال:

به پيري رسيدم در اقصاي يونان   بدو گفتم اي آن كه باعقل و هوشي
به عالم چه بهتر ز هرچيز، گفتا   اگر راست پرسي خموشي خموشي

انظر يااخي وفّقك اللّه تعالي كيف جمع في هذه الكلمة الشريفة كلّ الوجود و اسراره و اطواره بكلا قسميه من وجودي التكويني و التشريعي و مايترتّب عليهما و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 267 *»

الكافي لمن له نظر و اعتبار و لذا قال تعالي قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون فافهم و اشرب عذباً صافياً هنّاك اللّه تعالي.

و منها انّ الالف هي مقام‏الظاهر و مظهر النور الباهر و مقام قل فللّه الحجّة البالغة علي من يشاء لانّ الالف هي‏الحجّة علي كلّ الحروف و الرسول اليها و مترجم الوحي الذي ينزل اليه من احكامها و اسرارها و اللام اشارة الي باطن الظاهر و ظاهر الباطن و اشار باللامين المدغمين المتّصلين الي انّ هذا المقام مقام الابواب فله وجهان وجه الي مبدئه يأخذ منه و وجه الي ماتحته يفيض عليه فهو واحد و له وجهان و هو سرّ الادغام و الاتّصال فافهم و الالف الثاني اشارة الي باطن الباطن و هو مقام المعاني اي الصفات الزايدة الخلقيّة الفعليّة كالعلم و القدرة و السمع و البصر و الحيوة و المشيّة و الارادة و الخلق و الرزق و امثالها من الصفات الفعليّة و الهاء اشارة الي الهويّة السارية و هو التوحيد و مقام البيان و مقام الجلال و الصحو و السكر و الفناء و البقاء و صبح الازل و هو مقام معرفة النفس التي هي معرفة الربّ و لذا قال في الدعاء الهي امرتني بالرجوع الي الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتّي ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السرّ عن النظر اليها و مرفوع الهمّة عن الاعتماد عليها انّك علي كلّ شي‏ء قدير و قال تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق قال العالم7نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا فافهم فانّه من غوامض الاسرار و كون المجموع كلمة واحدة اشارة لاهل الاشارة الي انّ هذه المراتب في شخص واحد كلّ ذلك من مراتبه و ظهوراته فاوّل المراتب و اعلاها مقام لنا مع اللّه حالات نحن فيها هو و هو فيها نحن و هو هو و نحن نحن و اخرها و اسفلها مقام انّما انا بشر مثلكم يوحي الي و المقام الثالث هو مقام ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن و المقام الثاني مقام قوله تعالي ليعلم اللّه من ينصره و رسله بالغيب ام تنبّئونه بما لايعلم و امثال ذلك من الايات و لذا كان هذا الاسم هو الاسم الاعظم لاشتماله علي اجلّ المراتب و اعلي المقامات و لذا قال اللّه تعالي قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 268 *»

 يلعبون اي تمسّك بالاسم العظيم الاعظم و اعرض عن الكفّار و الجاحدين فانّه يغنيك عن كلّ‏شي‏ء و سيوضح هذا المرام ان‏شاءاللّه تعالي.

و منها انّ الالف الاوّل هي‏الالف القائم البسيط الكلّي في وحدته و اللامان المدغمان المتّصلان المنفصلان اشارة الي ما في العوالم الملكيّة من المراتب المشاركة في الملكوتيّة و كونها في الدهر المفارقة في المراتب و التقدّم و التأخّر و الهاء اشارة الي عالم الملك الشهودي من اوّل العرش اي محدّد الجهات الي الثري انّما اشار اليه بالهاء التي هي من حروف عالم الجبروت اشعاراً بانّ هذا الاخر هو عين الاوّل اذا زالت السبحات يكون الاخر هو الاوّل كما اشار الي عالم الجبروت بالباء في بسم اللّه الرحمن الرحيم و هي من حروف عالم الملك اشعاراً بانّ الاوّل هو عين الاخر و تفصيل هذا الاجمال كتبنا في شرح الفوايد و لايفهم حقيقة الامر في هذه المسألة الاّ من قابل مرءاة الحكماء و من لم‏يقابلها لم‏يعرفها كما هي اللهمّ اجعلنا منهم بمحمّد و اله الطاهرين و قدتمّت العوالم في هذه الكلمة عالم الجبروت و هو الالف القائم و عالم الملكوت و هو اللامان المدغمان المتّصلان المنفصلان و عالم الملك و هو الهاء فالمجموع تمام الوجود و هو الكلمة التامّة و تمّت كلمة ربّك صدقاً و عدلاً ان كنت مااخاف لبيّنت المرام من هذا الكلام لكنّي اقول لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم ان رأيت ماكتبنا سابقاً في شرح‏الفوايد تفهم هذا الكلام و الاّ فلاتنكره و ردّه الي اهله الذين يستنبطونه من العلم.

و منها انّ هذه الكلمة الشريفة خمسة احرف و هي اشارة الي تمام الوجود الذي هي خمسة حجب الاوّل هو الحجاب الابيض الدرّة البيضاء الثاني هو الحجاب الاصفر و هو البقرة الصفراء و الثالث هو الحجاب الاخضر الزمرّدة الخضراء الرابع هو الحجاب الاحمر الياقوتة الحمراء و اليها اشير في الاخبار بقصبة الياقوت الخامس هو الحجاب الاسود كالليل الدامس و في كلّ واحد من هذه الحجب عشرة مراتب و مواقف فيكون خمسين و هو خمسين‏الف عام و تظهر في كمال الظهور في القيامة و لذا كان يومه خمسين‏الف عام و في هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 269 *»

اشارة الي انّ ابدان الاخرة و اجسامها و احوالها و جنّتها و نارها هي بعينه ابدان الدنيا و اجسامها و احوالها و جنّتها و نارها كلّما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل و اتوا به متشابهاً و علي هذا التأويل شواهد من الايات و الاحاديث لايناسب هذا المقام ذكرها و اليوم يوم واحد اذ ليس في جنّة الاخرة ليلة و يوم انّما هو نور موجود و ظلّ ممدود و انّما قيّدنا الجنّة بالاخرة لانّ في جنّة الدنيا يوماً و ليلةً و غدوّاً و عشيّاً كما نطق به الحقّ في كلامه الكريم فافهم فهّمك اللّه و ايّانا من مكنون العلم و مخزون السرّ بالنبي و اله الطاهرين.

و منها انّ هذه الكلمة الشريفة اشارة الي مقام التوحيد و المعرفة و نعني بالتوحيد التوحيد الحقيقي القسم الرابع من التوحيد الصفاتي تسمّيه العلماء العرفاء بمقام الفناء في البقاء و مقام السكر في الصحو و مقام الوجود في العدم و امثال ذلك من العبارات و الاطلاقات التي مئالها واحد فالالف المتحرّكة اشارة الي الالف اللينيّة اشارة بالمظهر الي الظاهر و هو الشايع الذايع لانّ الالف المتحرّكة هي ظهور الالف اللينيّة فوحدتها عدديّة لتعيّنها في حدّ خاصّ و ان كانت عامّة فهي منفيّة عن الحق تعالي و امّا قول العالم7في‏الدعاء لك يا الهي وحدانيّة العدد فاشارة الي انّه تعالي منزّه عنها و هي ملكه و تحت حيطة تصرّفه و مخلوقه و لايجري عليه ما هو اجراه كما لايخفي و وحدتها اي الالف اللينيّة ليست بعدديّة بل وحدتها وحدة الشمول و الانبساط و لذا تري الصوفيّة يقولون في المثال التوحيدي اي الوجودي الشهودي انّ الحق تعالي كالواحد في الاعداد و كالالف في الحروف و لايريدون بالواحد و الالف الوحدة العدديّة و الالف المتحرّكة لانّهم في كثير من المواضع نفوها عنه تعالي و نزّهوه عنها سبحان ربّي عمّايقولون علوّاً كبيراً و عمّايصفون و نحن لانقول بقولهم و لانسلك مسلكهم بل نقول انّ مقام توحيد الحق اي ظهوره للخلق بالخلق كالالف في الحروف و الواحد في الاعداد و الفرق بينهما واضح لمن عرف كلامنا فيماسبق و بالجملة الالف اشارة الي السرّ الالهي و النور الربّاني و تجلّي الحق للخلق و اللامان المدغمان المتّصلان المنفصلان اشارة الي احوال ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 270 *»

المقام و اوصافه فاشار بالاتّصال و الادغام الي انّه هو اي معرفته معرفته و توحيده توحيده و هو مقام نحن هو و هو نحن و اشار بالانفصال الي مقام الفرق في عين الجمع و هو مقام الاّ انّه هو هو و نحن نحن و لقدقلت في بيان معني هذا الكلام بالفارسيّة بالتمثال بالنار و الحديدة المحميّة فيها و هو هذا:

گويد آتش هين به آهن تو منم   من تويي و تو تويي و من منم
ذات ما باشد ز يكديگر جدا   فعل ما فعلي است واحد نِي دوتا
چونكه خود را در اطاعت سوختي   آتش حبّم به دل افروختي
من به تو فاعل شوم تو فعل من   من به تو ظاهر شوم تو ز اهل من

و هذا البيان كاف في هذا المقام و لقدقال الشاعر و اجاد:

ز بس بستم خيال تو، تو گشتم پاي تا سر من   تو آمد رفته رفته، رفت من آهسته آهسته

تأمّل في حقيقة هذا البيت تعرف منه من الحقائق و الاسرار ما لايحتمله العلماء الفحول و اشار بالالف الثاني الي وحدة ذلك المقام مع تركّبه يعني انّك في ذلك المقام لاتري شيئاً الاّ الواحد المحبوب مع قطع النظر عن الوحدة و المحبّة لانّ المحبّة حجاب بين المحبّ و المحبوب فافهم و اشار بالهاء الي الهويّة المحضة الصرفة اي تلك المرتبة هي مرتبة الذات البحت الصرف المعرّاة عن جميع اعتبارات الحقيّة و الخلقيّة اذ كلّ اعتبار مطلقاً ينافي الهويّة المحضة و هي النفس التي من عرفها عرف اللّه و من جهلها جهل اللّه فهذه الكلمة بيان و وصف لمقام تلك المعرفة التي هي كمال المعرفة الحقيقيّة الامكانيّة لكلّ موجود من الموجودات علي تفاوت مراتبها و اختلاف درجاتها و مقاماتها من اوّل الوجود

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 271 *»

الي اخره و نهايته و سيأتي تحقيق هذا المطلب ان‏شاء اللّه تعالي في بيان التوحيد في لا اله الاّ هو و لذا كان هذا الاسم هو الاسم الاعظم فافهم و اشرب عذباً صافياً وفّقك اللّه لمايحبّ و يرضي.

و منها انّ الالف هي الاشارة الي الوحدة السارية في العالم فانّ العالم مع تكثّره و تعدّده و اجزائه و جزئيّاته و افراده و مجرّداته و مادّياته تجمعها حقيقة واحدة مسمّاة باسم واحد كما في الحديث انّ اللّه خلق اسماً بالحروف غيرمصوّت و باللفظ غيرمنطق و بالشخص غيرمجسّد و باللون غيرمصبوغ بري‏ء عن الامكنة و الحدود ثمّ جعله علي اربعة اجزاء فاظهر ثلثة منها لفاقة الخلق و افقد واحداً منها فهو المكنون المخزون ثمّ خلق لكلّ من هذه الثلثة اربعة اركان فذلك اثني‏عشر الي اخر الحديث ذكرت الحديث بالمعني لانّي ماحفظت اللفظ بكلّه فاشار بالاسم الواحد الي العالم من حيث هو فانّه من حيث هو واحد بسيط لايقبل القسمة قال العالم7:

و في كلّ شي‏ء له اية   تدلّ علي انّه واحد

و هذه الوحدة هي من ظلّ الوحدة الالهيّة الدالّة علي وحدة الصانع تعالي شأنه و هو بالحروف غيرمصوّت لانّ الحروف من اجزائه و الكلّ غير الجزء و هكذا اللفظ و الشخص و اللون و المكان و الزمان و الاوضاع و الحدود و كلّ شي‏ء في الوجود انّما هو جزؤه و لايصدق الكلّ علي مايصدق عليه الجزء و الاّ لكان الكلّ جزءاً و الجزء كلاًّ الاّ في المواضع التي يطلق اسم الكلّ علي الجزء مجازاً قوله7 ثمّ جعله علي اربعة اجزاء اشارة الي انقسام الوجود و العالم الي الاقسام الاربعة عالم اللاهوت و عالم الجبروت و عالم الملكوت و عالم الملك و قوله7فاظهر منها ثلثة لفاقة الخلق و هي هذه الثلثة الاخيرة لانّ مدار تكوّن الخلق و ادراكاتهم و ايجاداتهم و انوجاداتهم علي هذه الثلثة كما لايخفي و المكنون هو العالم الاوّل لعدم احتياج الناس اليه علي ماذكرنا في رسائلنا مطالع‏الانوار. الحاصل انّ العالم امر واحد بسيط لاتقبل القسمة فاشار اليه بكلّه بالاجمال بالالف لانّ له من العدد الواحد و للاشعار بانّ هذه الوحدة هي ظلّ

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 272 *»

الوحدة الازليّة الثانويّة التي هي صاحب الازليّة الاوّليّة.

ثمّ فصَّل الحق سبحانه و تعالي هذا الاجمال باللام فاشار اليه بالقابليّات و المقبولات يعني انّ الوجود تدور علي اثنين قابل و مقبول و يساوي في هذا المعني كلّ موجود الاّ انّ جهة القبول في الاشياء مختلفة و كذا المقبول و اشار الي القابليّات بالتصريح و الي المقبولات بالكناية فذكر اللام و لها من العدد ثلثون و هي ميقات موسي قال تعالي و واعدنا موسي ثلثين ليلة و ذلك لانّ الشي‏ء انّما خلق من عشر قبضات القبضة الاولي من العرش محدّد الجهات خلق منها قلبه و القبضة الثانية من فلك الكرسي خلق منها صدره و القبضة الثالثة من فلك زحل خلق منها عقله و القبضة الرابعة من فلك المشتري خلق منها علمه و القبضة الخامسة من فلك المرّيخ خلق منه وهمه و القبضه السادسة من فلك الشمس خلق منها وجوده الثاني و القبضه السابعة من فلك الزهرة خلق منها خياله و القبضة الثامنة من فلك عطارد خلق منها فكره و القبضة التاسعة من فلك القمر خلق منها حياته و القبضة العاشرة من الارض خلق منها جسمه و جسده و هذه القبضات العشر لاتظهر في عالم الظهور متمايزة فاعلة لفعل خاصّ لها الاّ اذا دارت عليها ثلث دورات الاولي الدورة العنصريّة و الثانية الدورة المعدنيّة و الثالثة الدورة النباتيّة فاذا دارت الدورة النباتيّة تهيّأ لتعلّق الروح الحيوانيّة بها فاذا ضربت الثلثة في العشرة يصير ثلثين و هو قوي اللام و القابليّات و الثلثون ليلة لميقات ربّ موسي و لمّاتهيّأت و استعدّت هذه القبضات بعد تلك الدورات لقبول الحيوة تعلّقت الروح الحيوانيّة بها فتدور الدورة الرابعة فتكون عشرة و هي تمام ميقات ربّ موسي و هي رتبة المقبولات و هو الاربعون و هو الميم في بسم اللّه الرحمن الرحيم و هو معني قوله تعالي و اتممناها بعشر فتمّ ميقات ربّه اربعين ليلة فتمام الثلثين هي تمام القابليّات و تمام الاربعين هو مجموع القابليّات و المقبولات فاللام اشارة الي رتبة القوابل بالتصريح و الي رتبة المقبولات بالكناية و التلويح و باللام الثاني اشارة الي انّ هذه القوابل و المقبولات علي قسمين ظاهري و باطني و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 273 *»

بالادغام و الاتّصال اشار الي انّ الشخص الواحد يجمعها فهما في عين الاتّصال منفصلان و في عين الانفصال متّصلان فافهم و لاتكن من الغافلين.

و اشار بالهاء الي تفصيل اللام يعني انّ الوجود الذي هو مركّب من القابليّات و المقبولات علي خمسة مراتب و هي الحجب الخمسة المذكورة و ان كان لنا ان‏نبيّن علي طريق اخر بان‏نقول المرتبة الاولي عالم الامر و الابداع و المرتبة الثانية عالم المثال الملقي في هويّة الموجودات و المرتبة الثالثة عالم الجبروت و المرتبة الرابعة عالم الملكوت و المرتبة الخامسة عالم الملك و اذا اشبعت الهاء و اخرجت منها الواو تكون اشارة الي تفصيل الهاء فنقول انّ هذه المراتب الخمسة علي احدعشر مرتبة المرتبة الاولي مقام النقطة الجوهريّة و الحقيقة المحمّديّة صلوات‏اللّه عليه‏و اله المرتبة الثانية مقام الالف و النفس الرحماني الاولي و المرتبة الثالثة مرتبة الحروف و السحاب المزجي و المرتبة الرابعة مرتبة الكلمة التامّة مقام الظاهر و السرّ المقنّع بالسرّ و المرتبة الخامسة مقام الدلالة و ظهور الظاهر و تجلّي المتجلّي و الماء الاوّل.

و قداشار الحق سبحانه الي هذه المراتب الخمسة بالتفصيل و الي ماسواها من المراتب بالاجمال في قوله تعالي هو الذي يرسل الرياح و هو النفس الرحماني الاولي بُشري بين يدي رحمته و هي النقطة الجوهريّة الغيرالمنقسمة لا في الطول و لا في العرض و لا في العمق و اشار الي المرتبة الثالثة بقوله تعالي هو الذي يزجي سحاباً و هو الحروف العاليات ثمّ يؤلّف بينه ثمّ يجعله ركاماً و هو قوله تعالي حتّي اذا اقلّت سحاباً ثقالاً و هو الكلمة التامّة المجتمعة سقناه لبلد ميّت و هو القابليّات الميتة و الارض الجُرز المستعدّة للاحياء فانزلنا به الماء ماء الوجود اي الدلالة من الكلمة التامّة فاخرجنا به من كلّ الثمرات و هي الموجودات فكان اوّل من ذاق ثمرة الوجود و اوّل غصن نبت في شجرة الخلد روح‏القدس و عالمه عالم الجبروت و هو المرتبة السادسة و ثاني غصن نبت من شجرة الخلد هو عالم الاظلّة ورق الآس و هو عالم الارواح اي الرقائق و هو المرتبة السابعة و الغصن الثالث من شجرة الخلد هو اللوح المحفوظ و الكتاب المسطور في

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 274 *»

الرقّ المنشور و هو عالم النفوس و مقام الرسم و النقوش و هو المرتبة الثامنة و الغصن الرابع من تلك الاغصان الشريفة من تلك الشجرة الطيّبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء عالم الطبيعة النور الاحمر الذي منه احمرّت الحمرة و هو المرتبة التاسعة و الغصن الخامس من تلك الشجرة عالم المادّة و المثال و جوهر الهباء و هو المرتبة العاشرة و الغصن السادس من تلك الشجرة عالم الاجسام و محلّ النقش و الارتسام و هو المرتبة الحاديه‏عشر هذه المراتب هي التي تجمعها كلمة هو فهي تفصيل للهاء و الهاء تفصيل اللام و اللام تفصيل الالف.

فكلمة اللّه هي الجامعة لجميع مراتب الوجود علي انحاء مختلفة و اطوار متشتّتة متعدّدة و فيها اسرار و لطائف و معارف و حقائق لايحصيها الاّ اللّه سبحانه و تعالي و من نزل عليه و الحقير الفقير كتمت كثيراً منها لوجوه منها لعدم احتمال الناس و للنهي عن التكلّم بماتسارع العقول في انكاره و منها من جهة الخوف من فرعون و ملائه و منها من جهة التطويل المخلّ لدرك المقصود فاقتصرت علي هذا القدر و ان‏شاءاللّه تعالي اكتب في تفسير بسم اللّه الرحمن الرحيم جميع هذه الاسرار سوي القسم الاوّل بل اكتبه ان‏شاءاللّه الرحمن كماكتبوا و اقول كماقالوا بالتلويح و الاشارة و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم اللّهمّ صلّ علي محمّد و ال‏محمّد و اجعلني اللهمّ خيراً ممّايظنّون و اغفر لي ما لايعلمون و اجعل عاقبة امورنا و خاتمة اعمالنا خيراً و اجعلنا ممّن كفر بالطاغوت و امن باللّه و من المتمسّكين بالعروة الوثقي برحمتك يا ارحم الراحمين و الحمدللّه ربّ العالمين و الصلوة و السلام علي خير المرسلين محمّد و اله الطاهرين و اصحابه الاكرمين الذين لاخوف عليهم و لا هم يحزنون و هذا اوان الشروع في تفسير كلمة التوحيد و تحقيقها و باطنها و باطن باطنها.

قال اللّه تبارك و تعالي: (لا اله الاّ هو)

اعلم انّ الظاهريّين الذين ماشمّوا رايحة الحقيقة و الباطن و ماعرفوا الحيث و الكمّ و الكيف و ماعرفوا مفصولهم و موصولهم و مايؤل اليه امورهم حجبهم القشر من اللبّ و الصورة عن المعني و ماعرفوا انّ الصورة تنزّل المعني

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 275 *»

و القشر ظهور اللبّ بظهور مخصوص و بروز معيّن و له بروز و ظهور في غير هذا القشر بصور اخري فاخذوا الصورة فعرفوا المعني بها فماعرفوا ذلك المعني الظاهر بصورة اخري كما اذا عرف الانسان بانّه زيد مثلاً فلم‏يعرفه ذلك العارف اذا تعيّن بتعيّن اخر و حصل له اسم سوي الاوّل مثالهم مثل من يري الشبح من بعيد و لم‏يتميّز له حقيقة الامر ففي كلّ ساعة يتجدّد يقينه و مثال اهل الحقيقة مثل من يري ذلك الشبح بعين اليقين و يعرفه كما هو.

الحاصل انّهم اختلفوا في خبر لاء نفي الجنس في هذا المقام هل هو موجود او ممكن او مستحقّ للعبادة و علي كلّ تقدير اوردوا ايراداً و قالوا اذا قدّرنا الخبر موجوداً يصير المعني لا اله موجود الاّ اللّه و هذا ينفي الاله الموجود و لاينفي الاله الممكن لجواز ان‏يكون الاله ممكناً و لم‏يكن موجوداً و اذا قدّرنا الخبر ممكناً يصير المعني لااله ممكن الاّ اللّه و هذا ينفي الاله الممكن و لاينفي الاله مطلقاً لجواز ان‏يكون الاله موجوداً و لم‏يكن ممكناً و اذا قدّرنا الخبر مستحقّاً للعبادة يكون المعني لااله مستحقّ للعبادة الاّ اللّه و هذا ينفي الاله المستحقّ للعبادة سوي اللّه و لاينفي غيره لجواز ان‏يكون الاله و لم‏يكن مستحقاً للعبادة فاضطربوا اضطراب الارشيّة في الطوي البعيدة و ماعرفوا وجه المخلص و قالوا بامور يضيع الوقت بذكرها و ماعرفوا انّ المعني يصحّ في كلّ من هذه التقادير الثلثة.

امّا علي التقدير الاوّل فيتمّ المقصود لانّك اذا قلت لااله موجود الاّ اللّه نفيت كلّ اله سوي اللّه ممكناً كان او موجوداً و ذلك لانّ الاله لابدّ و ان‏يكون ظاهراً مستقلاً في الاعيان له هيمنة و تسلّط و تحكّم علي ماخلق و هذا الشريك الذي في الامكان و بعد ماظهر و وجد في الاعيان هل هو مايقدر ان‏يوجد و يظهر في‏الاكوان الاّ بمرجّح ام لا فان كان الاوّل فليس بالهٍ لانّ الاله هو ما لايكون محتاجاً ابداً و ان كان الثاني هل هو من جهة عدم مقاومته و معادلته مع الاله الموجود تعالي و تقدّس ام من جهة تصالحه و اتّفاقه فان كان الاوّل فليس بالهٍ ايضاً لانّا لانعبد العاجز الفقير بل معبودنا هو الغني القادر الكبير و ان كان الثاني فليس باله ايضاً لفقدانه الكمال الذي هو اتمّ الكمالات اذا كان قادراً ان

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 276 *»

‏يستقلّ بالمملكة و يوحّد في‏الحكم والاّ فهو عاجز فقير لا اله الاّ هو له الحكم و اليه ترجعون فاذا نفينا الاله الموجود نفينا الاله مطلقاً موجوداً كان او ممكناً كماعرفت بالدليل.

و امّا علي التقديرالثاني فيصحّ ايضاً لانّك اذا قلت لااله ممكن الاّ اللّه نفيت كلّ الالهة لانّ نفي العامّ يستلزم نفي الخاصّ مثلاً اذا نفيت الحيوان نفيت الانسان و الفرس و امثالهما بخلاف ما اذا نفيت الانسان و لاشكّ بانّ الامكان اعمّ من الاعيان فكلّ ما في الاعيان فهو ممكن و لا كلّ ما في الامكان هو موجود فاذا نفيت الامكان نفيت الاعيان البتّة و المراد بالامكان مايخالف الوجوب و الامتناع فقولك لااله الاّ اللّه معناه انّ الاله سواه ممتنع لاضير في ذلك لقولهم شريك الباري ممتنع.

و امّا علي التقدير الثالث فيصحّ ايضاً لانّك اذا قلت لااله مستحقّ للعبادة الاّ اللّه نفيت كلّ‏الشركاء لانّ من لم‏يستحق له العبادة فليس بالهٍ كمالايخفي علي العارف الفطن.

و اعلم انّه قيل ما معني هذا الاستثناء فانّ الاله ان كان موجوداً فما معني للنفي و ان كان معدوماً فكذلك ايضاً و الجواب انّ الاله و ان لم‏يكن موجوداً لكن لمّا كان بعض الاوهام لتعلّق نفوسهم بالشهوات الجسمانيّة انقطعت عن ملاحظة العالم الاعلي ليعرفوا انّ تصوّر شريك الباري ممتنع تتصوّر شيئاً و تسمّيه شريكاً له تعالي و ان كان عبداً مرزوقاً لقوله7 كلّ ماميّزتموه باوهامكم و ادركتموه بعقولكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فاتي بهذه العبارة و امثالها مثل وحده لاشريك له مكنسة لغبار الاوهام و الاّ فلايتصوّر الممتنع و شريك الباري و لايمكن ذلك ابداً لانّ التصوّر هو حصول صورة الشي‏ء في الذهن و لاشكّ انّ الصورة تحتاج الي ذي‏الصورة و الاّ فلا تكون صورة بل هي اصل هف. و كذا العلماء اجمعوا بانّ الوجود الذهني هو الوجود الظلّي و لاشكّ انّ الظلّ لايتحقّق بدون الشاخص و ذي‏الظلّ والاّ فلايكون ظلاّ هف. فاذا كان ما في‏الذهن هو الظلّ و الصورة و هما يحتاجان الي ذي‏الصورة و الشاخص تعيّن ان‏يكون لكلّ متصوّر ذات خارجية

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 277 *»

ينتزع صورتها و يدخلها في الذهن فالذات في الخارج لاستحالة ان‏يكون الظلّ و الشاخص في مرتبة واحدة لانّ الاثر و المؤثّر لاتجمعهما حقيقة واحدة قطّ و من عرف حقيقة الامر يعرف وجه استحالته و ثبت انّ ما في الذهن هو الصورة فيكون ما في الخارج هو الذات فكلّ متصوّر لك ذات خلقه اللّه تعالي في خزائنه التي قال و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزّله الاّ بقدر معلوم و الادلّة علي هذا المطلب من الوجدان من العقل و النقل كثيرة لايقتضي المقام ذكرها.

فاذا تحقّق هذا تعرف انّ تصوّر الشريك للّه تعالي ممتنع والاّ يجب ان‏يكون له تعالي شريكاً فلايحمل الامتناع عليه فيبطل قولك شريك الباري ممتنع و من هنا تعرف و تعلم انّ اللاشي‏ء الصرف و العدم المحض و الممتنع الصرف لايتصوّر و لايتعلّق العلم به و لا عبارة له و هذه العبارات لجهة امكانه اذ لاشكّ بانّ هذه الالفاظ ليست بمهملات بل هي موضوعات و اللفظ الموضوع ماوضع للمعني و المعني ان لم‏يكن شيئاً ليس بمعني و امّا هذه الالفاظ فهي موضوعة بازاء الامور التي يتصوّر الخيال و يخلقها اللّه تعالي في خزائنه بمقتضي اوهامهم و خيالاتهم من باب الحكم الوضعي عند اهل الاصول فهي موضوعة بازاء معانٍ حادثة مخلوقة فاذا قلت اللاشي‏ء او العدم المحض يتوجّه خيالك الي شي‏ء و فضاء خال تسمّيه باللاشي‏ء و لذا قيل ان مفهوم اللاشي‏ء و مفهوم العدم وجود و نسمّيها باللاشي‏ء و الممتنع مثل تسمية الرجل الموجود بالمعدوم و اتيان هذه العبارات و الالفاظ من جهة ازالة الشكوك و الشبهات عن خواطر الاوهام و لذا قال ام تنبّئونه بما لايعلم يعني الشريك له و لايصحّ ان‏يكون شي‏ء لايتعلّق به علم اللّه او يتصوّر احد شيئاً لايعلمه اللّه كيف و قدقال تعالي و اسرّوا قولكم او اجهروا به انّه عليم بذات الصدور الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير فكلّ التصوّرات و التخيّلات و التوهّمات امور خلقها اللّه تعالي بانزالها من الخزائن العالية او السافلة الي اذهان الخلق و هذا الذي صرّح الحق سبحانه علي انّه لايعلم لايكون له وجود اصلاً لا في الذهن و لا في الخارج لا في الامكان و لا في الاعيان فشريك الباري لايعقل و لايتصوّر ابداً في حال من الاحوال و كلّ ماتصوّره شي‏ء و ليس شريكاً للباري قال العالم لم‏يتصوّر

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 278 *»

 احد شيئاً الاّ و قدخلقه اللّه قبل ذلك حتي لايقال لم‏يخلق ذلك و ليس الذي خلقه اللّه تعالي شريكاً له.

و لايقال انّ الذي اتصوّره ليس شريكاً بل هو الة الملاحظة و وجه اتوجّه به اليه كما سمعت من بعض العلماء مراراً لانّا نقول اللاشي‏ء الصرف لامظهر له و لا وجه له لانّ المظهر انّما يكون للشي‏ء الظاهر له و شريك الباري ليس شيئاً و لعمري انّهم اذا تأمّلوا في معني عباراتهم و قواعدهم المقرّرة لعرفوا ذلك و ذلك لانّهم صرّحوا في الكتب المنطقيّة انّ القضيّة هي المركبّة من ثلثة تصوّرات او اربعة علي اختلاف تصوّر الموضوع و تصوّر المحمول و تصوّر النسبة الحكميّة و الحكم او تصوّر الحكم و الحكم فقولك شريك الباري ممتنع قضيّة لابدّ من هذه التصوّرات فيجب عليك في هذا التصديق انّ تصوّر اوّلاً شريك الباري ثمّ تصوّر الممتنع ثمّ تصوّر النسبة التي بين الشريك و الممتنع ثمّ تصوّر الحكم علي الشريك بالامتناع ثمّ الحكم فاذا وجَب التصوّر يكون اللاشي‏ء شيئاً و الممتنع ممكناً لانّ التصوّر هو حصول صورة الشي‏ء في الذهن فهذا المتصوّر هل هو شي‏ء ام لا فان كان شيئاً كيف يتّصف بالامتناع.

و لايقال انّ المتّصف بالامتناع هو الخارجي لا الذهني لانّا نقول امّا اوّلاً فيلزم ان‏يكون له شريك في الذهن لانّ علي زعمك الذي في الذهن ليس بممتنع و انّما الممتنع هو الخارجي فيجوز ان‏يكون له تعالي شريك في الذهن مع انّ كلّ ما في الذهن مخلوق مثلنا كيف يكون شريكاً و امّا ثانياً فنقول انّ كلّ ذهني منتزع من خارجي علي ماقرّرنا سابقاً مجملاً و في رسائلنا مفصّلاً و ان لم‏يكن شيئاً لم‏يكن متصوّراً علي القاعدة المقرّرة و كذا تصوّر الممتنع كما لايخفي فالحق في الكلام هو انّ معني قولك شريك الباري ليس بشي‏ء اي ليس بما قصدتم من توهّم الالوهيّة و ذلك لانّ الناس لمّا لم‏تكن لهم مرتبة العصمة و كان للشيطان عليهم سبيلاً ادخل الشيطان في اذهانهم هذا التصوّر الفاسد فهم يتصوّرون شيئاً و له صورة و حدود و هيأة و يسمّونه شريكاً للّه تبارك و تعالي من جهة الامكان و هذا التصوّر مخلوق للّه تبارك و تعالي في الخزانة الامكانيّة السوأي التي خلق اللّه تعالي فيها جميع الكواذب و الاحتمالات الباطلة الفاسدة مخلوقة للّه تعالي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 279 *»

فهو مخلوق مثلك مردود اليك ليس هو شريك الباري و لمّاكانت هذه التصوّرات تفسد عليهم امورهم شيئاً فشيئاً ارسل اللّه تعالي اليهم الرسل و الكتاب و قال لهم انّ هذه التصوّرات و التوهّمات او هذه الاصنام التي صنعتموها و جعلتموها شريكاً لي ليس بشي‏ء اي ليس بالذي قصدتم من الشركة لا انّه ليس بشي‏ء اصلاً نعم هو شي‏ء لكن لا الذي قصدوا و لذا قيل انّ المعاصي اعدام مع انّها شي‏ء و هو قوله تعالي اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماءً حتّي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً مع انّهم يجدون السراب و هو شي‏ء فنفي الشيئيّة انّما هو من جهة ماقصدوا لا مطلقاً و الاّ لايصحّ و كذلك الكلام في هذا المقام و لا فرق بين ماتصوّره في الذهن و مايصنع الشخص في الخارج صنماً و يسمّيه شريكاً مثلاً اذا قلتُ للرجل المشرك شريك الباري ممتنع و شريك الباري ليس بشي‏ء ليس مرادي انّ هذه الخشبة التي صنعتها صنماً ليس بشي‏ء بل المراد انّ الذي قصدت من هذه‏الخشبة ليس بشي‏ء يعني انّ الصنم ليس باله و كذا هذا المتصوّر في الخيال او في الوهم ليس بشي‏ء اي ليس بشريك كماتوهّمته.

ولذا تري العارفين: ليس استدلالاتهم في التوحيد مثل ماقرّره المتكلّمون و الحكماء المشّاءون و المسفسطون و لايتصوّرون الشريك ابداً و لايجوّزونه و يقولون انّ دليلنا في التوحيد هو قوله تعالي قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون و هو هو لايسمع صوت الاّ صوته و لايري نور الاّ نوره «در هرچه نظر كردم سيماي تو مي‏بينم» قال العالم7في الدعاء ايكون لغيرك من الظهور ماليس لك حتّي يكون هو المظهر لك متي غبت حتّي تحتاج الي دليل يدلّ عليك و متي بعدت حتّي يكون الاثار هي التي توصل اليك الدعاء و قال واحد انّ العالم غيبٌ لم‏يظهر قطّ و اللّه تعالي هوالظاهر ماغاب قطّ و الناس في هذه المسألة علي عكس الصواب فيقولون انّ اللّه تعالي غيبٌ و العالم ظاهر الحاصل انّ اهل الحكمة الذين اوتوا خيراً كثيراً لايلتفتون قطّ الي الادلّة المذكورة في كتب المتكلّمين كدليل التمانع و دليل الفرجة و امثالهما من الادلّة قال و نعمّا قال:

پاي استدلاليان چوبين بود   پاي چوبين سخت بي‏تمكين بود

و سنحقّق ان‏شاءاللّه تعالي مراتب التوحيد و مراتب الموحّدين علي كمال ماينبغي بفضل اللّه و قوّته و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه‏العلي العظيم.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 280 *»

و ممّاسبق من التحقيق ظهر لك انّ قول المتكلّمين انّ المفاهيم علي خمسة اقسام الواجب لذاته و الواجب لغيره و الممتنع لذاته و الممتنع لغيره و الممكن لذاته باطل لا اصل له لانّ الواجب لذاته ليس مفهوماً و لايدخل في الذهن ابداً و الواجب لغيره ليس واجباً بحيث لايتخلّف نعم يتخلّف اذا اراد اللّه تعالي كتخلّف الاحراق عن النار في قضيّة ابرهيم7و تخلّف التبريد عن الماء في قضيّة ذلك الخبيث لمادعا عليه الحسين7 و امثالهما من‏الامور الخارقة للعادة و ان سلّمنا انّه لايتخلّف ليس واجباً بل هو ممكن و من اقسامه و الممتنع لذاته ليس شيئاً حتّي يكون مفهوماً و لا عبارة عنه و لا اشارة اليه وكذا الممتنع لغيره قسم من اقسام الممكن و كذا قولهم الممكن لذاته لانّهم ان‏ارادوا بالامكان الذاتي انّ الشي‏ء يكون عليه بدون جعل جاعل و تأثير مؤثّر ام لا فان كان الاوّل يلزم ان‏يكون الامكان قديماً و منه يلزم تعدّد القدماء و ان كان الثاني فليس الامكان لذاته انّما هو لغيره و ايضاً المقسم اي  شي‏ء هل هو واجب لذاته او واجب لغيره او ممتنع لذاته او ممتنع لغيره او ممكن لذاته او غيرها فان كان الاوّل يلزم ان‏يكون المقسم قسماً من الاقسام يلزم ان‏يكون قسم الشي‏ء قسيماً له فان كان الثاني فاي شي‏ء هو فانّك حصرت الوجود و العدم في هذه الخمسة و بعدُ مابقي لك شي‏ء اخر اذ ليس عندك شي‏ء ليس بواجب و لاممتنع و لاممكن فيبطل التقسيم و لاينفعك عدم‏الملاحظة لانّها كذب‏بحت ولكن‏معرفته‏من نصيب اولي‏الافئدة.

و ايضاً المقسم هل هو شي‏ء ام ليس بشي‏ء فان كان شيئاً كيف يكون احد اقسامه لاشيئاً بحتاً و عدماً صرفاً و هو الممتنع عندك ضرورة انّ المقسم لابدّ ان‏يعتبر في الاقسام و ان لم‏يكن شيئاً كيف يكون مقسماً و كيف يكون احد اقسامه هو الشي‏ء البحت الصرف و هو حقيقة الشي‏ء الذي لاشي‏ء سواه و لا موجود غيره لانّ التقسيم هو ضمّ القيود المتخالفة بالمقسم ليحصل من ضمّ كلّ قيد قسم كما هو المعلوم عند اهل الفن و ايضاً يلزم تركيب الواجب و الممتنع لانّ الاقسام مركبّة من المقسم الذي هو ما به الاشتراك و من القيود المتخالفة المنضمّة بالمقسم الذي هو ما به الافتراق و الامتياز و التركيب

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 281 *»

منفي عن الحقّ تعالي شأنه و عن الممتنع لانّه ليس شيئاً حتّي يقال فيه انّه بسيط او مركّب.

فان قلت انّ هذه المفاهيم و الاقسام كلّها ممكنة محدثة لكنّا اعتبرناها وجهاً لمتعلّقاتها، نقول امّا في الواجب تعالي شأنه فالوجه صحيح لكن الوجه له ملاحظتان احدهما ملاحظته من حيث انّه ممكن مخلوق محدث لايملك لنفسه نفعاً و لاضرّاً و لاموتاً و لاحيوةً و لانشوراً و هو في هذه الملاحظة ليس وجهاً و انّما هو مخلوق من المخلوقات و ثانيهما ملاحظته من حيث انّه ممكن مع كشف جميع السبحات و ازالة جميع الاعتبارات و لمّاكان الطريق الي الحقّ مسدوداً و الطلب مردوداً فتوصف الوجه بصفاته فتعرفه به لانّ معرفته معرفته و طاعته طاعته و عبادته عبادته و رضي اللّه عنك بهذا المقدار و الاّ لكان التكليف بمالايطيقه المخلوق فاذاً لاتوصفه بصفات الحوادث المخلوقين المحتاجين لانّ اللّه تعالي خلق الوجه علي هيأة معرفته و هيكل توحيده فتنزّهه عن التركيب و البساطة و الكليّة و الجزئيّة و الجنسيّة و الفصليّة و النوعيّة و التجرّدية و الماديّة و بالجملة تنزّهه عن كلّ نقصٍ و تصفه بكلّ كمالٍ لانّه غاية ادراكك و مبلغك من‏العلم بشرط ان‏تزيل السبحات و تمحو الموهوم و تهتك الستر علي ما سيجي‏ء فهناك يكون وجهاً و في مقام الوجه لاتعتبر جهة النقص و الخلق و امّا التقسيم و جعل الواجب قسماً مركّباً من المقسم و القيود المتخالفة و جعله قسماً من المفهوم الذهني كلّها من صفات المخلوقين و احوالهم و اوصافهم لايعرف اللّه به قال7اعرفوا اللّه باللّه قال الشاعر:

اذا رام عاشقها نظرة   فلم‏يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفاً رءاها به   فكان البصير بها طرفها

و امّا في الممتنع فلانسلّم الوجه ولانقبله ابداً لانّ الوجه هو المظهر و هو لايكون الاّ لظاهر و الظاهر لايكون الاّ لشي‏ء و العدم الصرف ليس بشي‏ء فلايكون له مظهر اصلاً و من العجايب انّ الواجب و الممتنع الذاتي علي هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 282 *»

التقسيم و التقدير تجمعهما حقيقة واحدة و يطلق عليهما الشيئيّة بالاشتراك المعنوي و هذا من الغرايب التي تضحك عليها الثكلي و امّا الواجب لغيره و الممتنع لغيره فليسا غير الممكن فالحق هو ماقال العالم7 حقّ و خلق لاثالث بينهما و لاثالث غيرهما فقل كماقال الاستاد العارف الكامل سلّمه اللّه تعالي و ايّده بفنون تأييداته و وفّقه باصناف توفيقاته انّ مايعبّر عنه بالوجود علي ثلثة اقسام الوجودالحق و الوجودالمطلق و الوجودالمقيّد و الذي في هذا المقام هو ان‏تقول الموجود واجب و ممكن و الممكن صفة الواجب و اسمه الدالّ عليه بالربوبيّة و الالوهيّة و الوحدانيّة و اذا عرفت الوحدة التي في العالم و في الاشخاص مع تكثّره و تعدّده عرفت بانّ الواجب لابدّ ان‏يكون واحداً متوحّداً فرداً متفرّداً لانّ فعل الاثنين لايكون واحداً فلايقدر الشخص الواحد ان‏يقول انا بل يجب ان‏يقول نحن و تفهم هذه المسألة اذا نظرت الي السراجين اللّذين تعارضا في شخص واحد فتري هناك ظلّين غيرتامّين كمالايخفي علي العارف الفطن و لذا قال7:

فواعجبا كيف يعصي الاله   ام كيف يجحده الجاحد
و في كلّ شي‏ء له اية   تدلّ علي انّه واحد

و سئل العالم7 عن التوحيد قال7 اتّصال التدبير و تمام الصنع و هو معني ماقلنا لك انفاً و قدملأ العلماء كتبهم الكلاميّة و الحكميّة من ادلّة التوحيد و هي للظاهرييّن ان ارادوها و نحن نعرض عن ذلك لانّ اهل الظاهر لاينتفعون من هذا الكتاب الاّ قليلاً فنذكر شرذمة ممّاعليه اهل الباطن.

اعلم انّ اهل الباطن لايطلبون الدليل و لايلتفتون اليه لانّ طلب الدليل لمن لايكون علي يقين و هم صلوات‏اللّه‏عليهم مايرون شيئاً الاّ و يرون اللّه قبله او معه لايجدون للخلق وجوداً الاّ وجود الحق العظيم تعالي شأنه و لذا قال7 في الدعاء تعرّفت الي في كلّ شي‏ء فرأيتك ظاهراً في كلّ شي‏ء و قال ايضاً انّ كلّ معبود سواك ممّادون عرشك الي قرار ارضك السابعة السفلي مضمحلّ باطل ماخلا وجهك الكريم فانّه اعزّ و اجلّ من ان‏يصف الواصفون

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 283 *»

 كنه جلاله او تهتدي القلوب الي كنه عظمته و قال بوجهك الباقي بعد فناء كلّ شي‏ء فلايرون الاّ اللّه و لايجدون سوي اللّه و قدقلت في هذا المعني بالفارسيّة:

وهم باشد وهم كثرت بينيت   ديده بگشا ديده حق بينيت
تا ببيني جمله را نور خداست   پس نظركردن به غير او خطاست
چشم را از علم اخباري بپوش   در عياني جان من قدري بكوش
تا كه توحيد شهودي حاصلت   آيد و از جملگي بربايدت
نور حق را در دلت بيني ظهور   كرده باشد همچو موسي كوه طور
پس قدم بالا نه از اين مرتبه   غير حقّ را جملگي گردان تبه
پس تجلّي جمالي را ببين   عشق عشقي را كه گويند هست اين
عشق چبود غير اضمحلال خويش   وارهيدن از تمامي حال خويش
عشق سلطاني است با فرّ و شكوه   چونكه آيد بايدت رفتن به كوه
چيست عاشق، مرده‏اي بي‏حس و هوش   چيست معشوق، آن نگار پرخروش
چونكه عاشق فاني آمد در وجود   «مارميت» ديده را خواهد گشود

الي اخر الابيات و اذا سألت اهل الباطن عن الدليل في التوحيد يقولون اللّه استنباطاً من قوله تعالي قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون لانّه لايري سوي اللّه و اهل الظاهر من جهة عدم معرفتهم بحقيقة الامر يقولون انّ هؤلاء ليس لهم دليل مستقيم و ليس كلماتهم برهانيّة تسكن اليها النفوس و تميل اليها القلوب و ليس هذا الاّ من جهة جهلهم بحقيقة الامر و عدم معرفتهم بكلماتهم لكنّهم اذا عرفوا مرادهم علموا انّها كلّها منطبقة بالظاهر و الادلّة الظاهريّة لانّ الباطن الحق لايخالف الظاهر الاّ انّهم من جهة عدم الاعتناء بهذه الامور الرذيلة لايرتّبون القياس و الاشكال الموافقة لمااصطلحوا عليه و هم يتخيّلون انّهم لايعرفون هذه الامور و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم هذا هو الامور المتعلّقة بظاهر هذه الكلمة المباركة ذكرناها بالاجمال.

و امّا الامور المتعلّقة بباطنها فاعلم انّ هذه الكلمة جامعة لجميع مراتب التوحيد و شاملة لكلّ جزئيّاتها و كلّياتها و ظاهرها و باطنها و تحقيق هذه المراتب يتوقّف علي بيان امور الاوّل في سبب اختلاف مراتب التوحيد مع

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 284 *»

وحدة الموحَّد (بفتح‏الحاء) الثاني في تقسيم التوحيد اوّلاً و بالذات الي اقسام اربعة الثالث في تقسيمه باعتبار الموحّد الي قسمين الرابع في تقسيم القسم الثاني الي اقسام اربعة:

امّا الاوّل فاعلم انّه لمّاامتنع ادراك كنه الذات تعالي و تقدّس لكونها في الازل و نحن في الامكان و هو لاينزل الينا و نحن لانصعد اليه و في هذا المعني قال الشاعر:

عاشق به مكان در طلب جانان است   معشوق برون ز حيّز امكان است
نايد به مكان آن، نرود اين ز مكان   اين است كه درد عشق بي‏درمان است

و قال جامي:

ممكن ز تنگناي عدم ناكشيده رخت   واجب ز جلوه‏گاه قدم نانهاده گام
در حيرتم كه اين‏همه نقش غريب چيست   بر لوح صورت آمده مقبول خاص و عام

و خلقنا لاجل معرفة ذاته و صفاته و اثاره لقوله الصادق و ماخلقت الجنّ و الانس الاّ ليعبدون اي ليعرفون و قوله تعالي في الحديث القدسي كنت كنزاً مخفيّاً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف يجب ان‏يعرّف نفسه لنا و الاّ يلزم ان‏يكون فعله عبثاً لفقدان العلّة الغائيّة و لمّاكان الخلق علي اطوار و احوال متعددة مختلفة متفاوتة في القرب و البعد و النورانيّة و الظلمانيّة و التجرّد و الماديّة و العلوّ و السفل و امثال ذلك و قس عليها اختلاف لغاتهم و ادراكاتهم و مشاعرهم و افهامهم و عقولهم و حقائقهم و ماجري الخلق علي طور واحد بل خلقهم بمقتضي القابليّة وصف نفسه لهم اي لكلّ واحد منهم علي قدر فهمه و مقدار عقله و وفق لسانه و ماارسلنا من رسول الاّ بلسان قومه و الاّ يلزم التكليف بمالايطيقه الخلق فعرف كلّ واحد من الخلق توحيد الحق و صفاته و اسماءه و اثاره علي ماهو عليه في مراتبه و اطواره و احواله من الوجود و العقل و النفس و الطبيعة و المثال و الجسم و هو قوله تعالي و انزلنا من السماء ماءً فسالت اودية بقدرها اي انزل من سماء المتجلّي ماء التجلّي فسالت ادوية قوابل الممكنات الموجودة المتحقّقة حين الانزال بقدرها فاختلف مراتب التوحيد باعتبار مراتب الموحّدين فظهر

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 285 *»

انّ التوحيد الذي للقريب غير الذي للبعيد و الاّ لكان القريب و البعيد علي حال سواء فتجلّي الحق سبحانه للبعيد من فاضل تجلّيه للقريب و ظهر له بشعاع ظهوره و القرب و البعد امران اضافيّان يتعدّدان و يختلفان و يختلف التوحيد باختلافهما الي ان‏يبلغ الامر الي انّ النملة تزعم انّ للّه زبانيتين لمّارأتهما كمالاً لمااتّصف بهما فاختلاف مراتب التوحيد بعدد مراتب الخلايق بل بعدد انفاسهم اذ في كلّ نفس يتجلّي الحق للخلق غيرما تجلّي له في النفس الاخر و هو معني قولهم انّ اللّه لايتجلّي في صورة مرّتين كما لايخفي علي الفطن العارف و لذا يقولون الطرق الي اللّه بعدد انفاس الخلايق فيكون لا اله الاّ اللّه خاصّاً لكلّ فرد من افراد الموجودات و قديكون قول لا اله الاّ اللّه شركاً بالنظر الي الموجود الاقرب و توحيداً خالصاً بالنظر الي القائل و لذا قال تعالي شهد اللّه انّه لا اله الاّ هو و الملائكة و اولوا العلم و الملائكة هم الملائكة العالون و حملة العرش و الملائكة الكروبيّون و اولوا العلم الانبياء و المرسلون و المؤمنون و الحقيقة الانسانيّة و الحقيقة البهيميّة و الحقيقة النباتيّة و الحقيقة الجماديّة و كلّها اولوا العلم باللّه و مسبّحون بحمده و التسبيح فرع العلم به قال تعالي و ان من شي‏ء الاّ يسبّح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم ولذا قيل بالفارسيّة:

دانش حق ذوات را فطري است   دانش دانش است كان فكري است

فشهادة الحق لذاته تعالي بالوحدانيّة هو التوحيد الخالص الصرف اللائق بجناب قدسه في الازل لايعلم كيف ذلك و لايدري ما هنالك الطريق مسدود و الطلب مردود و خيرالخليقة اعترف بالعجز عن البلوغ الي هذه المرتبة حيث قال انا لااحصي ثناء عليك انت كمااثنيت علي نفسك و ليس ثناء اعظم من الاعتراف له بالوحدانيّة فلايقدر احد لتوحيده تعالي كمايوحّد نفسه و لذا افرده في الذكر و قدّم شهادته علي نفسه بالوحدانيّة ولذا قيل في هذا المقام انّ شهادة الحق للحق حق و شهادته للخلق رسم كماسيأتي ان‏شاء اللّه تعالي فيكون قول لا اله الاّ اللّه خاصّاً للّه سبحانه علي الحقيقة لايشرك معه احد في هذا التوحيد ثمّ دونه اي تحت الازل و فوق جميع مراتب الامكان الحقيقة المحمّديّة صلوات اللّه و سلامه عليها فتوحيده اتمّ التوحيدات و اعلاها و اشرفها لكونها

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 286 *»

اوّل مظهر للذات باوّل ظهور الذي هو نفس الظاهر فاتّحد الظهور و الظاهر و المظهر فيه9 فظهر الحق له به نفسه بدون توسّط شي‏ء سوي نفسه فله مقام في التوحيد لم‏يبلغه احد من الموجودات الامكانيّة و الاعيانيّة لكن توحيده بالنسبة الي توحيده الحق تعالي ناقص بل شرك امّا بالنسبة الي مرتبة الموجودات الامكانيّة فاعلاها و اشرفها و اتمّها قدرضي اللّه عنه بهذا التوحيد ولذا جعله رسولاً علي وحييه الوجودي و التشريعي اللّه اعلم حيث يجعل رسالته و اميناً علي امره و مطّلعاً علي سرّه9 ثمّ رتبة علي7ولذا قال مخاطباً لعلي7ماعرف اللّه الاّ انا و انت لكونهما و اولادهما الطاهرين حقيقة واحدة فلا اله الاّ اللّه الذي يقولها رسول‏اللّه9 دون لا اله الاّ اللّه الذي يقولها اللّه سبحانه ثمّ دونه اي تحت رتبة الحقيقة المحمّديّة9رتبة الملائكة العالين الذين ماسجدوا لادم7حين امرت الملائكة بالسجود قال تعالي لابليس لمّااستكبر عن سجود ادم7استكبرت ام كنت من العالين فثبت انّ الملائكة العالين ماسجدوا لادم7 و هم حملة العرش الذي هو تمام الوجود لانّ الوجود بحذافيره انّما يستمدّ منهم و هم اربعة كلّ منهم موكّل علي ركن من اركان العرش و الملائكة الاربعة تستمدّ منهم فميكائيل يستمدّ من الملك الموكّل بالركن الايمن الاعلي من العرش و اسرافيل يستمدّ من الملك الموكّل بركن الايمن الاسفل من العرش و عزرائيل يستمدّ من الملك الموكّل بركن الايسر الاعلي من العرش و جبرائيل يستمدّ من الملك الموكّل بركن الايسر الاسفل من العرش و من اجل انّ الموجودات كلّها تستمدّ من تلك الملائكة العالين فهم اقرب الي المبدء بالنسبة الي الجميع فظهور الحق تعالي لهم اعلي و اتمّ من الجميع بل ظهوره تعالي للجميع بفاضل ظهوره لهم فمقامهم في التوحيد اعلي و اشرف من كلّ المراتب الاعيانيّة سوي مقام الحقيقة المحمّدية9 فانّ ظهور الحق لهم بتوسّط ظهوره لمحمّد9 فلا اله الاّ اللّه الذي يقولها تلك الملائكة اعلي و اشرف من كل الموجودات و دون لا اله الاّ اللّه الذي يقولها النبي9ثمّ دونهم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 287 *»

رتبة الملائكة الكروبيّين و هم قوم من شيعة محمّد9 تحت العرش لو قسم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم و لمّا سأل موسي ربّه ماسأل امر بواحد منهم فتجلّي له بقدر سمّ الابرة فدكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً و هم ارباب الانبياء باللّه قال اللّه تعالي فلمّا تجلّي ربّه للجبل جعله دكّاً و خرّ موسي صعقاً فلهم مقام في التوحيد لم‏يبلغه احدٌ مما تحتهم من الانبياء و المرسلين و المؤمنين الممتحنين و ماتحتهم من الحيوانات و النباتات و الجمادات فلا اله الاّ اللّه الذي يقولها هؤلاء الاخيار تحت لا اله الاّ اللّه الذي يقولها الملائكة العالون و محمّد9و فوق لا اله الاّ اللّه الذي يقولها جميع الموجودات ثمّ دونهم رتبة الانبياء فمقامهم في التوحيد تحت مقام الكروبيّين و فوق جميع المراتب التحتيّة لانّ اللّه تجلّي لهم بتجلّيه للكروبيّين و تجلّي للكروبيّين بتجلّيه للملائكة العالين و تجلّي للملائكة العالين بتجلّيه للحقيقة المقدّسة النبويّة9فهي قطب الوجود و عليه مدار الوجود و اليه كلّ شي‏ء يعود فلا اله الاّ اللّه الذي لهم تحت لا اله الاّ اللّه لما فوقهم و فوق لا اله الاّاللّه الذي لما تحتهم هذا لهم بالاجمال و لهم ايضاً مقامات و درجات و مراتب في التوحيد تختلف بحسب اختلاف تجلّيات الحق لهم فلكلّ واحدٍ ذكر خاصّ من لا اله الاّاللّه لايشاركه معه سواه و ترتيبهم في درجاتهم مثل ترتيب الاشعّة المستمدّة من السراج في مقاماتهم و درجاتهم و ليس هذا الترتيب ترتيب العليّة و المعلوليّة بل ترتيبهم ترتيب التقدّم و التأخّر و مجموع الاشعّة علّة للاظلّة لا واحداً واحداً من افرادها و كذا الانبياء علّة لما تحتهم من المؤمنين و المسلمين و المنكرين و الكافرين لكن بتمامهم لا واحداً واحداً منهم كما لايخفي فحينئذ تعرف معني ماورد في الدعاء لا اله الاّ اللّه ادم صفي اللّه لا اله الاّاللّه نوح نبي اللّه لا اله الاّ اللّه ابرهيم خليل اللّه لا اله الاّاللّه موسي كليم اللّه لا اله الاّ اللّه عيسي روح اللّه لا اله الاّ اللّه محمّد حبيب اللّه الدعاء و سرّ هذا الترتيب من ادراج نبيّنا9في درجات الانبياء تعرف من الحديث المروي انّ نور نبيّنا لمّا اتمّ السباحة في الابحر

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 288 *»

الاثني‏عشر بحر المحبّة بحر القدرة بحر العظمة بحر الجلال بحر العزّة بحر الرفعة بحر الجمال بحر الكمال الي اخر الابحر قطر منه مائة و اربعة و عشرون الف قطرة خلق من كلّ قطرة روح نبي من الانبياء و نبيّنا صلوات اللّه عليه و اله منهم و هو سرّ الترتيب و الادراج فافهم.

ثمّ دون رتبة الانبياء رتبة الانسان الذي هو من فاضل الانبياء فلا اله الاّ اللّه الذي يقولها خاصّ بهم و هو تحت توحيد الانبياء و فوق توحيد الحيوانات هذا بالاجمال ولهم مقامات في لا اله الاّ اللّه لايحصي عددها الاّ اللّه وكذا الكلام في البهائم و النباتات و الجمادات و كلّها اولوا العلم شاهدون للّه تعالي بالوحدانيّة كلّ في مقامه و مرتبته لا اله الاّ هو له الحكم و اليه ترجعون و هذا سرّ اختلاف التوحيد بالاجمال.

واذا اردت ان‏تعرف حقيقة الامر في هذه المسألة قابل مرايا متعددة مختلفة مترتّبة فتري في المرءاة الاولي صورتك وحدها و في المرءاة الثانية صورتين و مراة و في المرءاة الثالثة ثلث صور و مراتين و هكذا الي اخر المراتب و المرايا و يبلغ الامر الي ان يعوج صورتك و تصغر لكثرة الصور و المرايا تأمّل في معرفة هذه الصور ايّاك مع ملاحظة انّ الشي‏ء لايتجاوز مبدأه و لايقرء الاّ حروف نفسه فكلّ هذه الصور توحدك علي اختلاف مراتبهم و تفاوت معارجهم و درجاتهم فتوحيد الصورة التي في المرءاة الاخيرة شرك بالنسبة الي الصورة في المرءاة التي فوقها و توحيدٌ بالنسبة اليها لانّها وسعها و طاقتها و لاتقدر علي غيرها و اللّه لايكلّف نفساً الاّ وسعها و اذا كانت المرايا متعدّدة مترتّبة فلايمكن ان‏يتجلّي في المرءاة التي في التحت الاّ بتوسّط تجلّيه في المرءاة التي في الفوق و هكذا يترقّي الي ان‏يصل الي المرءاة التي انت قابلتها بلاتوسّط مراة اخري سوي نفسها وليس فيها الاّ صورتك وحدها فمعرفة تلك الصورة ايّاك اعلي و اشرف من جميع الصور التي في المرايا التحتيّة فتوحيد كلّ الصور شرك بالنسبة الي توحيد تلك الصورة العالية الشريفة ولكن معرفتها بالنسبة الي معرفتك ناقصة و توحيدها بالنسبة الي توحيدك نفسك شرك لانّ توحيدها ظهور و رسم و تجلّي علي ما هي عليه لا علي ماانت عليه و ان كان

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 289 *»

المرءاة مستقيمة غير معوجّة فكلّ هذه المراتب يقولون لا اله الاّ اللّه لكن كلّ في مقامه و مرتبته و لايليق كلّ شي‏ء منها بجلال قدسه سوي توحيده نفسه و لهذا نزّه نفسه عن كلّ توحيد لكلّ شخص و لكلّ وصف لكلّ فرد من افراد الموجودات حيث قال تعالي سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين و هنا كلام ذكرناه في رسالتنا مقامات العارفين من اراد الاطلاع فليطلبها فانّ فيه غنية للطالب السالك الي اللّه تعالي و الي هذا انقطع الكلام عن المطلب الاوّل و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم و صلّي اللّه علي محمّد خير المرسلين وعلي اله واصحابه الاكرمين و الحمدللّه رب العالمين.

الثاني في تقسم التوحيد تقسيماً اوّلياً اعلم انّه يجب علينا ان نوحّد اللّه جلّ جلاله توحيداً كاملاً صحيحاً تامّاً بحيث لايشوبه شرك اصلاً و هو لايتحقّق الاّ اذا وحّدنا الحق سبحانه في اربع مراتب: الاولي توحيد الذات قال اللّه تعالي لاتتّخذوا الهين اثنين انّما هو اله واحد ومعني التوحيد الذاتي هو ان‏توحّد ذات الحق تعالي عن الشريك له في الذات كما صرّح به تعالي و تقطع النظر عن كلّ شي‏ء سواه. الثانية توحيد الصفات قال تعالي ليس كمثله شي‏ء و هوالسميع‏البصير و هذا التوحيد له معنيان احدهما انّ اللّه تبارك و تعالي واحد متفرّد في صفاته لايشرك معه فيها احدٌ لا في صفاته الذاتيّة و لاالفعليّة فلاتقول اللّه عالم و زيد عالم و صدق العالميّة عليهما بالاشتراك المعنوي و كذا اللّه موجود و زيد موجود والاّ لكان له شريك في صفاته فانّ الوجود حقيقة واحدة فيهما تعالي ربّي و تقدّس عن ذلك علوّاً كبيراً و ثانيهما انّه ليس في الوجود سوي صفة اللّه سبحانه و اسمه اذ كلّ ما في الوجود سوي اللّه تعالي ممكن و كلّ ممكن محدث باللّه و كلّ محدَث صفة المحدث و اسمه المنبي‏ء عن صفاته و اثاره كما لايخفي و هذا معني عال شريف

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 290 *»

في غاية المتانة و اليه الاشارة في الدعاء لايري فيه نورٌ الاّ نورك و قال7 ما رأيت شيئاً الاّ و رأيت اللّه قبله و معه كما لايخفي علي‏الفطن العارف. الثالثة توحيد العبادة كما قال تعالي فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربّه احداً و قال ايضاً قل اعبدوا اللّه و لاتشركوا به شيئاً و معني ذلك انّ المخلوق لايفعل مايخالف رضي اللّه و لايشرك في عبادته احداً اذ لو فعل مايخالف رضي اللّه فقد فعل مايوافق هواه فقد اتّخذه الهاً من دون اللّه و لذا قال تعالي افرأيت من اتّخذ الهه هواه وكذا المرائي مشرك و هنا تفصيل سيأتي بيانه ان‏شاء اللّه العبادة هو فعل مايرضي اللّه سبحانه و العبوديّة هي رضي مايفعل و هذه قواعد كليّة قس عليها جزئيّاتها كما لايخفي علي العارف الكامل. الرابعة توحيد الافعال و هو ان‏تعتقد انّ الفاعل في الوجود واحد و هو اللّه سبحانه قال تعالي هل من خالق غير اللّه. قل اللّه خالق كلّ شي‏ء فاعبدوه. ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات و الارض. و العارف يري هذا المعني بعين المشاهدة و العيان و يري ان لامؤثّر في الوجود الاّ اللّه و لا فاعل الاّ هو لكن يجيب المضطرّ اذا دعاه و يكشف السوء عمّن ناجاه و اذا سألك عبادي عنّي فانّي قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون و بيّن ذلك العالم في الدعاء حيث قال اللهمّ انّي ادعوك كما امرتني فاستجب لي كما وعدتني فهو معطي الفيض و القوّة و الاستعداد لا علي نهج الجبر بل بمقتضي القابليّة ولكن لايعرف هذا المطلب الاّ من اطلعه اللّه علي مكنون علمه و مخزون سرّه و سئل العالم عنه قال سرّ اللّه فلاتهتكه و سئل ثانياً قال بحر عميق فلاتلجه فهّمك اللّه و ايّانا مكنون سرّه بالنبي و آله الطاهرين ولقد كتبنا في الرسالة الرشيديّة هذا التوحيد علي اكمل وجه و اتمّ بيان من اراد الاطلاع عليه فليطلبها و يري فيه ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم وصلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين الاكرمين هذا هو الذي ذكره العلماء من اهل الظاهر.

امّا الفقير فعندي و لاقوّة الاّ باللّه انّ التوحيد شي‏ء واحد و كلّ واحد من هذه المراتب يشمل المراتب الاخر

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 291 *»

و هذه التفاصيل من جهة تكثير الالفاظ و امّا الحقيقة فتوحيد الذات ان كان الشخص صادقاً في هذا التوحيد يستلزم التوحيدات الاخر و كذا في توحيد العبادة و توحيد الصفات و توحيد الافعال فالموحّد حين التوحيد لايري هذه الاشياء و الامور و لايلتفت الي الكثرات و الاّ لما وحّد فانّ التوحيد ينافي الاثنينيّة و هذا معلوم لمن له قلب او القي السمع و هو شهيد واذا ضربت المراتب المختلفة التي في التوحيد باعتبار الموحّدين في هذه الاربعة لانّ في كلّ مرتبة من المراتب لابدّ و ان‏يكون هذه المراتب و الاّ لكان التوحيد ناقصاً و تلك المراتب ثمانية: الاولي مقام الحقيقة المحمّديّة9 و الثانية مقام ملائكة العالين حملة العرش و الثالثة مقام الملائكة الكروبيّين و الرابعة مقام الانبياء و الخامسة مقام الانسان و السادسة مقام الحيوانات من البهائم و السابعة مقام النباتات و الثامنة مقام الجمادات فاذا ضربت يكون الحاصل اثنين و ثلثين فاستخرجها كلّها من هذا الشكل وفّقك اللّه و هذه المراتب لكلّ مقام من هذه المقامات الاّ انّ في البعض من حيث يشعر و في البعض من حيث لايشعر كما فصّلنا و حقّقنا في هذا الشكل و هو هذا:

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 292 *»

توحيد الموحد

توحيد الذات توحيد الصفات توحيد العبادة توحيد الافعال
مقــــــــــام

الحقيقة المحمديـــــة

اول الظهور في كمال الخفاء و العماء و هو صبح الازل بالاضمحلال و عدم الملاحظة لان كمال التوحيد نفي الصفات عنه بالفناء و الانقطاع لان عبادته نفسه و لانفس له بالاحراق علي ماقال تعالي و مارميت اذ رميت ولكن الله رمي
مقــــــــــام

الملائكــــــة

العاليـــــــن

اول المظهر بثاني الظهور و لهم صورة واحدة قائلون كماقال تعالي ليس كمثله شئ و هو السميع العليم لايلتفتون الي الشهوات النفسانية مستغرقون في بحر العبادة قائلون لااله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
مقــــــــــام

الملائكــــــة الكروبييـــــن

ثاني مظهر بثالث الظهور و لهم مرايا و صورتان قائلون لايسمع فيها صوت الا صوتـــــــــك ناظرون الي ربهم و منقطعون عن نفسهم لكن بالحقيقة المحمدية قائلون لايري فيها نور الا نــــــــورك
مقــــــــــام

الانبيــــــــاء و المرسليـــن

اتم المظاهر و لذا كانوا رسولاً الله يعلم حيث يجعل رسالته قائلون مارأينا شيئاً الا و رأينا الله قبله او معــه قد يشكون في الولاية قائلون لااله الا انت  سبحانك اني كنت من الظالمين راضون لقضاء الله و قدره و لايتعرضون ابداً ابداً
مقــــــــــام

معاشــــــــر

الانســـــــان

اشرف المخلوقات و لهم مرايا و صور اذا عرفوا انفسهم عرفوا ربهم بمايناسب مقامهم و يليق حالهم لهم في هذا المقام مراتب و الاكثر المعني الاول و لهم نظر الي انفسهم و الي ربهم في الاغلب و قد يشابهون الانبياء في الاحوال لامؤثر في الوجود الا الله في الاغلب بلسان حالهم و القليل باللسانين و في البعض من حيث لايشعرون
مقــــــــــام

انـــــــــواع

البهائــــــــم

ادني الصورة لاعوجاجها لكثرة الصور و المرايا كما لايخفــــي لهم في هذا المقام المعني الاول علي مايناسبهــــم و اكثر نظرهم الي انفسهم و توحيدهم من حيث لايشعرون كذلك الكلام في هذا التوحيد بالنسبــة اليهــم
مقــــــــــام

اصنـــــــاف النباتـــــــات

اخر المراتب النفسية و يجعلون ربهم مستقيمــــاً و لهم مارأيت شيئاً الا و رأيت الله بعده كما في البهائم الا انه انزل نظرهم الي انفهسم و الي ربهم من حيث لايشعـــرون اقرارهم بهذا التوحيد من حيث الكينونـــــــــة
مقــــــــــام

انـواع الجمادات

مظهر اسم الله المميت اموات غير احيــــاء و لهم المقام الفوقاني بالفاضل و الشعــاع نظرهم الي انفسهم  يعبدون الشمس من دون اللّـه يقرون بهذا التوحيد من حيث لايشعرون

الثالث في تقسيمه ثانياً اعلم انّك قدعرفت مما سبق من كلامنا انّ مراتب التوحيد مختلفة متعدّدة فاعلم انّه يجمع كلّ هذه المراتب مرتبتان من التوحيد: المرتبة الاولي: التوحيد الذاتي و هو توحيد الحق سبحانه نفسه و شهادته له بالوحدانيّة في الذات و الصفات و الافعال كما قال شهد اللّه انّه لا اله الاّ هو و هذا التوحيد خاصّ للّه سبحانه القديم الازل الفرد القيّوم لايشركه احدٌ في هذا و لايبلغه موجود من الموجودات الامكانيّة و الاعيانيّة ايّاك ايّاك ان‏تتوهّم من كلامنا مغايرة الموحّد و الموحّد و تعدّد المراتب في الذات و الصفات حاشا و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 293 *»

كلاّ في ذلك المقام التوحيد و الموحّد و الموحّد و المراتب من الذات و الصفات كلّها واحدٌ لااختلاف فيه و لاتعدّد و لاتكثّر و لانعلم كيف ذلك الاّ انّه تعالي المخبر الصادق اخبر عن نفسه في كلامه الحق المبين فنقول به و لولاها لما نعرف توحيده و صفاته كيف و نحن في الامكان و هو في الازل نحن منقطعون عنه انقطاع العلّة من المعلول قال و نعما قال:

ندارد ممكن از واجب نمونه   چگونه دانَدَش آخر چگونه؟

و قدقال ابن ابي الحديد في هذا المقام كلاماً ما احسنه و اطيبه قال:

فيك يااُغلوطة الفكر   تاه عقلي و انقضي عمري
سافرت فيك العقول فما   ربحت الاّ اذي السفر
رجعت حسْري و ما وقفتْ   لا علي عين و لا اثر
فلحَي اللّه الأُلي زعموا   انّك المعلوم بالنظر

و قال ايضاً:

فيك يااُعجوبة الكون   غدا الفكر كليلاً
انت حيّرت ذوي اللبّ   و بلبلت العقولا
كلّما اقدم فكري   فيك شبراً فرّ ميلاً

و بالجملة الطرق الي هذا التوحيد مسدود فنقطع الكلام عنه لانّ المتكلّم لايزداد الاّ تحيّراً و ضلالاً.

المرتبة الثانية: التوحيد الصفاتي و حيث لم‏يتيسّر لنا ادراك ذاته و معرفة كنه صفاته و خلقنا لاجل المعرفة و الحكيم لايفعل العبث تجلّي لنا بصفة من صفاته و اشرق علينا بنور من انواره و ظهر لنا بظهور من ظهوراته فعرفناه بصفاته و علمناه بتجلّياته و في كلّ تجلّي ظهر اسم من اسمائه و في كلّ ظهور و اشراق برزت صفة من صفاته توجّهنا بها اليه و دعونا بها ايّاه بقوله تعالي فللّه الاسماء

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 294 *»

 الحسني فادعوه بها ولمّا لم‏يكن لتجلّيه غاية و لا لظهوره نهاية كان في كلّ نفس من الانفاس لعبده ظهور غير ما كان للنفس الاخر و في كلّ ظهور توحيد خاصّ به فتعدّدت مراتب التوحيد بتعدّد انفاس الخلايق بل اكثر و كلّها صفات تعرّف الحق للخلق بالخلق ولمّا كانت للشخص الواحد مراتب و مقامات هو متوقّف عليها كمقام العقل و النفس و الجسم و امثال ذلك كان ظهور الحق له بحسب تلك المرتبة لانّ الشخص في تلك المرتبة مراة لظهور الحق فيشرق شمس الظهور في تلك المرءاة بحسبها لا بحسبها و لمّا كانت كلّيات مراتب الانسانيّة منحصرة في اربع مراتب: الاولي مقام الحقيقة و الذات التي هي صرف الظهور و الوجود بدون التقييد بقيد و التحديد بحدود خاصّة و عامّة و هي المجرّدة عن المادّة العقليّة و النفسيّة و الجسميّة و مدّتها و عن الصورة الجبروتيّة و الملكوتيّة و الملكيّة و هي لا اسم لها و لا رسم و لاعبارة لها و لااشارة اليها و هو الاشراق الكلّي و التجلّي العامّ و الظهور التامّ. الثانية مقام العقول و الجبروت و هو اوّل تعيّن الوجود و اوّل تحدّده بالحدود المعنويّة و هو اقرب الاشياء الي المبدء جوهرة بسيطة درّاكة للاشياء بذاتها المجرّدة عن المادّة الرقايقيّة و النفسيّة و المثالية و الجسميّة و المدّة البرزخيّة و الزمانيّة و الصورة النفسيّة و الجسميّة مادّتها النور المشرق من صبح الازل و صورتها القيام اي البساطة اي الرضا و التسليم و فعلها ادراك المعاني المجرّدة و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 295 *»

طبعها البرودة و الرطوبة و لونها البياض. الثالثة مقام الصورة و عالم الكثرة و محلّ التميّز و معدن التشخّص و التعدّد و اللوح المحفوظ و الكتاب المسطور و ثاني تعيّن الوجود و المتحدّد بالحدود جوهرة بسيطة درّاكه للاشياء الصورية المجرّدة عن المادّة المثاليّة و الجسميّة و عن مدّتيهما مادّتها النور المشرق من صبح الازل و صورتها الانبساط و الاضطجاع و فعلها ادراك الصورة المجرّدة و طبعها الحرارة و الرطوبة و لونها الخضرة لاختلاط طبع ظاهرها بظهور طبع باطنها كما لايخفي. الرابعة مقام الجسم و عالم الملك و الشهادة جوهرة مركّبة من العناصر الاربعة النار و الهواء و الماء و الارض المقارنة بالمادّة العنصريّة و المدّة الزمانيّة مادّتها العناصر و صورتها الركود و الانخفاض و هو سرّ كسر الميم في بسم اللّه الرحمن الرحيم و فعلها طلب الشهوة و التكبّر و التعزّز و الادعاء و طبعها طبع الموت البرودة و اليبوسة لانّها مظهر اسم اللّه المميت و لونها السواد كالليل الدامس ظهر الحق سبحانه في كلّ هذه المراتب بحسبها و استعدادها و قابليّتها ففي المرتبة الاولي هي نفس التجلّي و في الثانية اوّل تعيّن التجلّي و في المرتبة الثالثة ثاني تعيّنه لكنّه محدود و مصوّر و مضيّق عالمه و ما هو واسع بوسعة العالم الاوّل اي الثاني اوّل التعيّن و في المرتبة الرابعة ظهوره قليل قليل و هو مرتبة الجماد و ذكرنا حاله في الشكل و الانسان بعد نزوله و صعوده يترقّي في هذه المراتب الي ان‏يصل الي مبدئه و معاده و هو صرف الظهور و التجلّي و في كلّ منزل من هذه المنازل التي يتوقّف فيه في سيره الي اللّه الذي هو السفر من الخلق الي الحق يري ظهوراً و يشاهد حالاً و يوحّد الحق تعالي بتوحيده مسمّي باسم و كلّما يترقّي يري انّه في حالته الاولي كان في الشرك لانّ ذلك التوصيف الذي كان يصف اللّه به كان شركاً ماكان لايقاً بجلال قدسه كتوصيف النملة له تعالي بالزبانيتين فانّ هذا التوصيف عندنا شرك و كفر حتّي اذا بلغ الي مقام حقيقة المعرفة و غاية المحبّة و هو مقام السفر في الحق بالحق كلّ هذه التوحيدات توحيد في مقامه و شرك في المقام الاعلي بحيث لو اعتقد السافل مااعتقده العالي لكفر ولو اعتقد العالي مااعتقد السافل لكفر و هو سرّ قوله7لو عمل ابوذرّ عمل سلمان لكفر و لو عمل سلمان عمل ابي‏ذرّ لكفر و لذا قيل بالفارسيّة:

هر مرتبه وجود حكمي دارد   گر حفظ مراتب نكني زنديقي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 296 *»

و اذا عرفت هذا القدر من الكلام فاعلم انّ اوّل مراتب التوحيد توحيد العبادة و هو اوّل مقام السالكين و مقدّمة سفر المسافرين فقد ظهر الحق سبحانه و تعالي للشخص الواقف في هذا المقام بصفة المعبوديّة و هم يوحّدون المعبود و ينزّهونه و يقدّسونه عن النقائص و العيوب و يقيمون الدليل علي ذلك علي ما نطق به ظاهر الكتاب و السنّة و دلّ عليه الدليل القطعي العقلي الظاهري القشري و يوحّدون معبودهم في مقام الذات و الصفات و الافعال و العبادة و لايلتفتون الي حقيقة الامر و لايعرفون كنه التوحيد و هم العوامّ من اهل الصورة اي الترب الموصدة و من الذين اراد اللّه بهم خيراً و لايجوز القاء الشكوك و الشبهات علي هؤلاء لعدم معرفتهم بالجواب فيفسد عليهم امرهم و دينهم فاذا كان هذا الموحّد مواظباً بالاعمال الصالحات و هي بمنزلة القاء النار علي الماء بعد ما عصرت الشجرة الطورية و اخذت ماءها و صفيتها بالتقطير و التعفين فتلقي النار التي هي الماء علي الماء الذي هو الثفل و تكرّر التعفين و التقطير الي ان‏انحلّت نصف اليبوسة فاذا وصَل السالك الي هذا المقام يترقّي الي المرتبة الثانية و هي توحيد الذات و هو المنزل الاوّل من منازل المسافر و هم العوامّ اي اللبّ من القشر اي اهل الصورة المجرّدة عن المادّة العنصريّة و اهل هذه المرتبة يوحّدون الحق عزّوجلّ بملاحظتهم في الافاق و الانفس و تلاوتهم كتاب اللّه التكويني فتحصل لهم المعرفة علي بصيرة من امرهم قال تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق و قال مولانا الحسين7في الدعاء الهي امرتني بالرجوع الي الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتّي ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السرّ عن النظر اليها و مرفوع الهمّة عن الاعتماد عليها انّك علي كلّ شي‏ء قدير و هذه الكلمات في الظاهر لاهل هذه المرتبة و ان كان في الباطن اشارة الي مراتب اخر اعلي من هذه المرتبة بمراتب علي ماسيجي‏ء ان‏شاء اللّه تعالي.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 297 *»

ان قلت: كيف يكون تلاوة كتاب الافاق و الانفس حاصلاً لاهل هذه المرتبة مع انّ دليل الحكمة الذي لاهل العرفان البالغين الي مقام المحبّة و غاية المعرفة مستنبط من ملاحظة الكتاب الافاقي و الانفسي فكيف التوفيق قلت: امّا اوّلاً فلانّ اهل الحقيقة المستدلّين بدليل الحكمة ليس نظرهم في الافاق و الانفس نظر الكثرة مثل اهل هذه المرتبة بل نظرهم نظر الوحدة و البساطة و نظر هؤلاء نظر الكثرة و الاختلاف و التعدد فاختلف النظران و امّا ثانياً فلانّ اهل الحقيقة المستدلّين بدليل الحكمة الناظرين في الافاق و الانفس ينزلون عند الملاحظة الي تلك المرتبة و ان كانت لهم مراتب فوقها فانّ العالي قديتنزّل الي السافل كما تنزّل العالم7الي مقام الحمامة و تكلّم معها كتكلّمها و لا نقص في ذلك للعالي بل هو عين الكمال لكونه مراتب الجلال و الجمال فاذا لم‏يقف السالك في هذا المقام و لم‏يشغله ملاحظة الكثرة عن ملاحظة الوحدة و واظب علي الاعمال الصالحات التي هي القاء النار علي الماء بعد انحلال اليبوسة فيكرّر التعفين و التقطير الي ان انحلّت نصف اليبوسة فاذا وصل بالاعمال الي هذا المقام الذي هو مقام الاطمينان بل الكمال فتقلب النار ماء و الماء ناراً فيترقّي الي المرتبة الثالثة و هي مقام التوحيد الشهودي و في هذا المقام ظهر الحق للخلق في قلبه بحيث ملأ جميع فضاء قلبه فلايري الاّ اللّه و يري الاشياء مضمحلّة باطلة و قدقال في هذا المقام العالم باسرار المبدء و المعاد الهي مااقربك منّي و ابعدني عنك و ماارأفك بي فما الذي يحجبني عنك الهي علمت باختلاف الاثار و تنقّلات الاطوار انّ مرادك منّي ان‏تتعرّف الي في كلّ شي‏ء حتّي لااجهلك في شي‏ء الهي كلّما اخرسني لؤمي انطقني كرمك الي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 298 *»

ان قال كيف يستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر اليك أيكون لغيرك من الظهور ماليس لك حتّي يكون هو المظهر لك متي غبت حتّي تحتاج الي دليل يدلّ عليك و متي بعدت حتّي تكون الاثار هي التي توصل اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً و خسرت صفقة عبد لم‏تجعل له من حبّك نصيباً الدعاء.

اوّل هذا المقام مقام مارأيت شيئاً الاّ و قدرأيت اللّه معه و اخره مقام مارأيت شيئاً الاّ و قدرأيت اللّه قبله و اهل هذا المقام انّهم يستدلّون علي الخلق بالحق بخلاف المقام الثاني فانّهم كانوا يستدلّون علي الحق بالخلق و يقولون انّ اللّه اجلّ ان‏يعرف بخلقه بل الخلق يُعرَفون به و هذا المقام كثير الاخطار و الحيّات و العقارب فيها ظلمات و رعد و برق و لقداستوفينا ببيانه في شرحنا علي شرح‏الزيارة للاستاد دام‏ظلّه‏العالي اطلب لتجد فيه ما لم‏يذكره واحد من العلماء و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم و هذا المقام مع اختلاف مراتبه تجمعها مرتبتين كما ذكرنا و هو مقام المادّة التي يلقي عليها اربعة امثالها من الماء ليكون نطفة و ستّة امثالها من الماء ليكون شجرة ثمّ يوضع علي النار علي القدر المعيّن عندهم ليخرج منه المياه الاربعة المعلومة فاذا واظب الشخص بالمراقبة و لم‏يقف في ذلك المقام و خلص عن حيّاته و عقاربه يترقّي الي المرتبة الرابعة و هي مقام التوحيد الحقيقي و هو المنزل و هو مقام الفناء و الصحو و السكر و الوجود و العدم و مقام نحن هو و هو نحن و مقام السفر بالحق في الحق و مقام الجمع و جمع الجمع و مقام المحبّة و المعلوم و الجلال و السرّ و النور المشرق من صبح الازل و الصبح الطالع و منتهي امال العارفين و غاية مطلب الطالبين و ليس هذا المقام مقام الكلام و لا الاشارة و لا العبارة و هنا محلّ اتّحاد المحبّة و المحبّ و المحبوب و التجلّي و المتجلّي و المتجلّي‏له و الظاهر و المظهر و الظهور و الوصف و الموصوف و الصفة بلاملاحظة المحبّة و قطع النظر عن كلّ وصف و اسم المحبّة حجاب بين المحبّ و المحبوب و الذي نفسي بيده مااقدر ان‏اصف هذا المقام بالعبارة و الكلام لانّه ليس بمقام العبارة و لا بمحلّ الاشارة و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 299 *»

هو بحر قدغرقت فيه سفن كثيرة و ماوصلوا الساحل و قدذكر الشيخ عبداللّه بن القاسم السهروردي في قصيدة له احوال هذا المقام و السالكين اليه و هي طويلة نذكر هنا بعضاً منها الي ان قال مخاطباً لاهل ذلك المقام:

جئت كي اصطلي فهل الي نـ   ـاركــم هذه الغداة سبيـل
فاجابت شواهد الحال عنهم   كلّ حدّ من دونها مغلول
لاتروقنّك الرياض الانيقات   فمن دونها ربي و وحول
كم امتها قوم علي غرّة منها   و راموا امراً فعزّ الوصول
وقفوا شاخصين حتّي اذا ما   لاح للوصل غرّة و جحول
و بدت راية الوفا بيد الوجد   و نادي اهل الحقائق جولوا
اين من كان يدّعينا فهذا   اليوم فيه صبغ الدعاوي يحول
حملوا جملة الفحول و لايسرع   يوم اللقاء الاّ الفحول
بذلوا انفساً سخت حين شحّت   بوصال و استصغر المبذول
ثمّ غابوا من بعد مااقتحموها   بين امواجها و جاءت سيول
قذفتهم الي الرسوم فكلّ   دمعه في طلولها مطلول
نارنا هذه تضي‏ء لمن   يسري بليل لكنّها لاتنيل
منتهي الحظّ ما تزوّد منه   اللحظّ و المدركون ذاك قليل
جاءها من عرفت يبغي اقتباساً   و له البسط و المني و السـئول
فتعالت عن المنال و عزّت   عن دنوّ اليه و هو رسول
فوقفنا كما عهدت حباري   كلّ عزم من دونها مخذول
فارفع الوقت بالرجاء و نـ   ـاهيك بقلب غذاؤه التعليل
كلّما ذاق كأس يأس مرير   جاء كأس من الرجا مغسول

 

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 300 *»

هذه حالنا و ما وصَل العلم   اليه في كلّ حال تحول

هذا الذي ذكره في هذه القصيدة رمز من احوال هذا المقام و لايعرف حقيقة الامر في هذا التوحيد الاّ من وصل اليه و لذا قيل «من لم‏يذق لم‏يدر» لانّ هذا المقام هو مقام الظهور الصرف و التجلّي المحض الذي لايشوبه شي‏ء من احوال الخلق من التقييد و التحديد و التعيين فكلّ‏ما يسمع و يعرف و يقال و يعبّر و يشاراليه بنحو من القيود و هذا المقام مبرّء عن كلّ قيد و تعيّن فلايمكن ان‏يبيّن و يعرف الاّ به و هذا الذي هو حقيقة الشخص من ربّه و لمّا كان هو ظهور الربّ عزّوجلّ فيكون لكلّ موجود من الموجودات علي حسب قابليّته و في كلّ مرتبة من هذه المراتب يجب ان يوحّد الحق سبحانه و تعالي في المراتب الاربع توحيد الذات و توحيد الصفات و توحيد العبادة و توحيد الافعال و اذا ضربت الاربعة في الاربعة يكون سته‏عشر و اذا ضربت الاثنين و الثلثين المذكورة في الشكل المزبور في هذه الاربعة يكون الحاصل مائة و ثمانية و عشرين امّا شكل الضرب الاوّل فهو هذا وفّقك اللّه و ايّانا صراط المستقيم بحق ساداتنا و موالينا و هذا الشكل:

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 301 *»

توحيد الموحد توحيد الذات توحيد الصفات توحيد العبادة توحيد الافعال
التوحيد الحقيقـــي مقام الاحدية الذات البحــــت كمال التوحيد نفي الصفات عنـــــه مقام العدم و هي تقتضي الوجــود ليس الا لانفاس تخبر عنه و هو عنها مبرء معزول
التوحيد الشهــودي هو اني انا الله لااله الا انا في خطاب موسي لايري فيها نور
ا÷ نـــــورك
و ان كل معبود ممادون الحق باطل لايسمع فيها صوت الا صوتك
التوحيد الذاتـــــي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم الايــة هي ذاتية و فعلية فالاولي قديمة و الثانية حادثة لانعبد الا اياه مخلصين له الدين مارميت اذ رميت ولكـن الله رمي
التوحيد العبــــادي لاتتخذوا الهين اثنين انما هو اله واحد و هي ثبوتية و سلبية و كلاهما معلومان فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احدا قل الله خالق كل شئ فاعبــدوه

 

و هذه الامور التي ذكرنا لك كلاًّ اوصاف الشخص في تلك المرتبة المعيّنة و ان كان كلّها توحيداً لكنّها مختلفة المراتب كما عرفت ممّا ذكرنا في هذا الشكل و الاّ فكلّ موجود من الموجودات في كلّ حال من احوالهم شاهد صدق علي ربّهم بالوهيّته و وحدانيّته كما يريه العارف عياناً و يجده وجداناً و يحسّ به احساساً

فان كنت ذافهم تشاهد ما قلنا   و ان لم‏يكن فهم فتأخذه عنّا

و اعلم انّ المراتب الثمانية المذكورة في الشكل الاوّل لاتجري عليها هذه المراتب من التوحيد اي الحقيقي و الشهودي و الذاتي و العبادتي و تجري عليها تلك المراتب الاوّليّة اي توحيد الذات و توحيد الصفات و توحيد الافعال و توحيد العبادة و تعرف تفاصيل تلك المراتب من هذا الشكل:

فافهم و تأمّل وفّقك اللّه و اخواننا المؤمنين للفهم و التعليم بحق ساداتنا الابرار و هذا هو الشکل:

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 302 *»

توحيد الموحد التوحيد الحقيقي التوحيد الشهودي التوحيد الذاتي التوحيد العبادي
مقام نبينا محمــــد9 الصورة المحضة المتجلية لها بها من غير مرءاة يشاهد الحق في الخلق و الوحدة في الكثرة لااله الا هو
ذوالملك و الملكوت
لانعبد الا اياه مخلصين له الدين
اهل‌بيته الطاهريـن: انا من محمد كالضوء من الضوء أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك در هرچه نظركردم سيماي تو مي‌بينم الا كل شئ ماخلا الله باطــــــل
الانبياء و المرسليـــــن محو الموهوم و صحو المعلوم و عليه السير لااله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين يسبح الله باسمائه جميع خلقـــه لااله الا الله و ان محمداً عبده و رسوله
الانسان من المؤمنين وغيرهم لااله الا الله محمد رسول‌الله من غير التفات الي الوحدانية و الرسالة لاموجود ا÷ الله و لاشــئ سـواه و ان من شئ الا يسبح بحمده الآية لااله الا هو كماشهد لذاتـــه و شهدت
الجن مؤمنيهـم و كافريهـــــم لااله الا الله العلي العظيم الحليم الكريم بالغيبة عن الوجه كل شئ هالك الا وجهه له الحكم الآية كل ما في الكون وهم او خيـــال انا سمعنا قرءاناً عجباً يهدي الي الرشــــد
الحيوانات
و البهائــــــم
لااله الا الله الملك الحق العدل المبين خ فامنا به و لن‌نشرك بربنا احداً و في كل شئ له آية تدل علي انه واحــد اعبدوا الله و لاتشركوا به شيئاً
النباتات باصنافهـــــــا لااله الا هو ذوالجلال و الاكرام هرگياهي كه از زمين رويد وحده لاشريك له گويد هرگياهي كه از زمين رويد وحده لاشريك له گويد لااله الا الله و ان محمداً عبده و رسوله
الجمادات بعناصرها و معادنها لااله الا هو
ذو الفضل العظيم
ظهور الغير لظهوره و انت الظاهر لظهور غيرك نطفة ثم علقة ثم مضغة لنبين لكم الآية لااله الا الله له
الحكم و اليه ترجعون

اعلم انّ في هذه المراتب ترتيب و تفصيل قد فتح اللّه تعالي علي هذا الفقير الحقير من دون قابليّة و استحقاق باب فهمه و الحمد للّه رب العالمين و ماكتبته هنا لعدم احتمال الناس ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء اقول بلسان حالي و مقالي

كلّما قلت قداعتق الشكر رقّي   جعلتني المكارم لك عبدا
اين مهل الزمان حتّي اؤدّي   شكر احسانك الذي لايؤدّي

فلنقطع الكلام عن بيان مراتب التوحيد لانّه بحر عميق طويل عريض قدغرقت فيه السفن و كلّت عن بيانه اللسن، الواصل يعرفه و السالك يطلبه و الساكن يجهله فلا حاجة للساكن و الواصل و لا طاقة الاّ اذا وصل فالاحسن ان نختم الكلام في هذا المقام و نشرع في باطن هذه الكلمة الشريفة.

فاقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم انّ لا اله الاّ اللّه هو الصراط الموعود في القيمة و هو الولاية الازليّة الثانويّة التي هي محل الولاية الازليّة الاوّليّة قال اللّه تعالي هنالك الولاية للّه الحقّ هو خير ثواباً و خير عقباً و ما عمل بمقتضي هذه الولاية الاّ محمّد

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 303 *»

9واهل بيته:و الاّ فكلّ الخلق مقصّرون فيها و ماعملوا بمقتضاها من لدن ادم الي يوم القيمة لانّ الولاية هي اصل كلّ خير لانّ كلّ خير من اللّه تعالي و الخير عامّ يشمل ما يجب و يستحبّ لاهل الشريعة و ما يجب و يستحبّ لاهل الطريقة و ما يجب و يستحبّ لاهل الحقيقة و ما يجب و يستحبّ للانبياء و المرسلين و مايجب و يستحبّ للمؤمنين الممتحنين و النهي عن كلّ شرّ و هو عامّ شامل لما يحرم و يكره في المراتب المذكورة و ما يخطر من خاطر السوء في التعقّل و التصوّر و التوهّم و التخيّل و مايحسن من الامور الرذيلة في الملك و مقابلاتها في المراتب المذكورة فاذا ارتكب جميع الخيرات من الواجبات و المستحبّات و انتهي عن جميع الشرور من المحرّمات و المكروهات في جميع المراتب فقد قال لا اله الاّ اللّه حقّاً و صدقاً و الاّ فقد استكبر في هذا القول و تردّد في الولاية و يدخل في زمرة قوله تعالي و اذا قيل لهم لا اله الاّ اللّه يستكبرون و ذلك لانّ الشخص اذا علم انّ الشي‏ء الفلاني هو الخير و الحقّ و فيه رضاء اللّه تعالي و ان كان مستحبّاً لا عقاب في تركه و مع ذلك عدل عنه و ما فعله او فعل غيره سواء كان فعل الغير فيه ثواب اقلّ من ثواب الاوّل ام ما فيه ثواب ابداً فقد استكبر في قول لا اله الاّ اللّه لانّ العدول عنه ليس الاّ من جهة متابعة النفس فقد اطاع النفس و اتّخذه الهاً من دون اللّه و لذا قال تعالي افرأيت من اتّخذ الهه هواه و اضلّه اللّه علي علم الاية و قال تعالي و ما يؤمن اكثرهم باللّه الاّ و هم مشركون و قال النبي9الشرك في هذه الامّة له دبيب اخفي من دبيب النملة السوداء علي الصخرة الصمّاء انّ يعقوب7تردّد في الولاية لمّا جاء اخوان يوسف و طلبوه منه و قال انّي ليحزنني ان تذهبوا به و اخاف ان يأكله الذئب و انتم عنه غافلون و يوسف7تردّد فيها لمّا ان نظر الي المرءاة و رأي صورته في كمال الحسن و الجمال قال انّي لوكنت عبداً كم كان ثمني و لمّا ان قال اذكرني عند ربّك و يونس7تردّد فيها لمّا ان دعي علي قومه و غضب عليهم للّه تعالي و التمس منه روبيل ان‏يستغفر لهم و يرحمهم و لايهلكهم و ما قبل التماسه و بعد ما ردّ عن قومه العذاب و مانزل عليهم بعد ما نزل علي رأسهم و ضجّوا و بكوا و استغفروا و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 304 *»

ندموا و تابوا الي اللّه سبحانه و هو ارحم الراحمين رءوف بعباده عطوف عليهم ردّ عنهم العذاب قال يونس لقد كذبني الوحي لمّا ان وعده اللّه سبحانه بانزال العذاب علي قومه في يوم اربعاء عند العصر لكنّه قداستثني جبرئيل و قال الاّ ان‏يشاء اللّه و انزل اللّه تعالي عليهم العذاب لكنّه تعالي ما وعده الهلاك و اخبر قصّته في القرءان و ذا النون اذ ذهب مغاضباً فظنّ ان‏لن‏نقدر عليه فنادي في الظلمات ان لا اله الاّ انت سبحانك انّي كنت من الظالمين فاستجبناله و نجّيناه من الغمّ و كذلك ننجي المؤمنين و ايّوب7 لمّا كان عند الانبعاث عند المنطق شكّ و بكي و قال هذا امر عظيم و خطب جسيم قال تعالي أتشكّ في صورة انا اقمته اني ابتليت ادم7بالبلاء فوهبته له بالتسليم عليه بامرة المؤمنين و انت تقول هذا امر عظيم و خطب جسيم ثمّ ادركته السعادة بالولي لمّا اقرّ بولايته و داود7 لمّا قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الي نعاجه و انّ كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم علي بعض و ادم7 لمّا اكل تلك الشجرة المنهيّة.

و بالجملة ما ابتلي نبي من الانبياء و لا ولي من الاولياء الاّ و قدتردّد في ولاية الولي و قدعرفت معناه يعني حسنات الابرار سيّئات المقرّبين و ليس معني التردّد و الشكّ عدم العلم بولاية الولي و حقيّتها و الجهل به و بها معاذ اللّه عن ذلك و الاّ لكفروا و الانبياء اجلّ شأناً و اكرم مقاماً عن ذلك بل معناه كما عرفت من فعل ما لاينبغي فعله فاذا كان الانبياء المؤيّدون بروح القدس حالهم هكذا علي ما سمعت فماظنّك بك وامثالك نعوذ باللّه من غضب اللّه اللهمّ صلّ علي محمّد و ال محمّد و ثبّتنا علي الولاية و اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالّين و قال تعالي في حقّ المنكرين لحقّ الولي بالاصالة و تابعيهم بالتبعيّة و اذا قيل لهم لااله‏الاّاللّه يستكبرون فيدخل فيها اليهود و النصاري و المجوس و الزنادقة و كلّ ما يخالف الطريقة الحقّة و كذا العاصون ايضاً نستجير باللّه من سخط اللّه فقول لااله‏الاّاللّه علي الحقيقة و الواقع خاصّ لنبيّنا محمّد9و اهل بيته الذين اذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً قال اللّه تعالي انّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 305 *»

 يطهّركم تطهيراً فالجنّة لهم علي الحقيقة اذا تفضّل اللّه عليهم و الباقون كلاًّ لهم مراتب في الجنان حسب تصديقهم بلااله‏الاّاللّه قال7 من قال لااله‏الاّاللّه فقددخل الجنّة كلّ بحسب مقامه و رتبته و تصديقه بهذه الكلمة و عدم تصديقهم.

و اعلم انّ كلّ الموجودات علي سبيل العموم يقولون لااله‏الاّاللّه و يوحّدونه تعالي علي الحقيقة و انت اذا كان لك بصر حديد تري هذا الكلام بعين المشاهدة و العيان و لذا قال كلّ صائرون الي حكمك و امورهم ائلة الي امرك لااله‏الاّهو له الحكم و اليه ترجعون لايخالف شي‏ء منها محبّتك فكلّ الموجودات في التصديق الحالي مساوون و امّا في التصديق المقالي و الاعتقادي و الجناني مختلفون بعضهم قدغمسوا في بحر الطغيان و الكثرة بحيث انكروا الوحدة و قالوا ما من اله واحد بل الالهة متعدّدة متكثّرة و لهم اولاد من البنين و البنات و قدماتوا و دفنوا في قبور طبايعهم قال تعالي مخاطباً لهؤلاء الاشرار الهيكم التكاثر حتّي زرتم المقابر كلاّ سوف تعلمون اذا كشف عن بصائركم و ترون الامر كما هو قال و نعم ماقال:

بر افكن پرده تا معلوم گردد   كه ياران ديگري را مي‏پرستند

و بعضهم عرفوا الحقّ تعالي بانفسهم نظروا الي انّياتهم و تعيّناتهم فقالوا انّه جسم فاختلفوا فيه بعضهم قالوا هو علي صورة الشابّ الامرد و بعضهم قالوا هو العرش محدّد الجهات و بعضهم قالوا هو فلك الكرسي الي اخر الاجسام و تحقيق هذا الكلام هو انّ الموجودين المكلّفين علي قسمين قسم عرفوا اللّه باللّه اي عرفوه بانفسهم لا من حيث هي بل من حيث انّها صفة اللّه و هذه الحيثيّة لاتتحقّق الاّ اذا كشفوا سبحات الجلال و محوا الموهوم و هتكوا الاستار و الحجب المانعة عن مشاهدة الحق و هذا المقام يسمّونه بالاحديّة و هو مقام الاحديّة التي تحت مقام الالوهيّة و دونها دون الجزء بالكلّ كما لايخفي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 306 *»

و قسم عرفوا اللّه تعالي بالنظر الي انفسهم من حيث هي‏هي مع ملاحظة الانّيّة و الماهيّة فمنهم من لم‏يتجاوز عن مقام الجسميّة و يري انّ معبوده جسم و منهم من تجاوز عنه و قال انّه مثال و صورة لانّ العالم حيوتها بصورته و منهم من تجاوز عنه و قال انّه مادّة العالم لانّ قوام الشي‏ء بمادّته و منهم من تجاوز عنه و قال انّه طبيعة العالم لانّها المدبّرة له و منهم من تجاوز عنه و قال انّه روح العالم و نفسه المدبّرة له الصورة المجرّدة عن المادّة و هذه المراتب الخمسة دركات الهالكين و مقامات الخاسرين قال تعالي او كظلمات و هو المقام الاوّل في بحر لجّي يغشاه موج و هو المقام الثاني اي مقام المثال لانّ الجسم في المثال من فوقه موج و هو المقام الثالث من فوقه سحاب و هو المقام الرابع ظلمات بعضها فوق بعض و هو المقام الخامس لايهتدي السالك فيها يضلّ ضلالاً بعيداً و يخسر خسراناً مبيناً.

و اعلم انّ في مقام الصورة عشرين مقاماً اعلاها الصورة المجرّدة و ادناها الترب المؤصدة و مابينهما درجات الهالكين الاوّل النفس و الثاني الطبيعة و الثالث المادّة و الرابع المثال و الخامس المحدّد الجهات فلك الاطلس و السادس فلك الكرسي فلك الثوابت و السابع فلك المنازل و الثامن فلك البروج و التاسع فلك زحل و العاشر فلك المشتري و الحادي‏عشر فلك المرّيخ و الثاني‏عشر فلك الشمس و الثالث‏عشر فلك الزهرة و الرابع‏عشر فلك العطارد و الخامس‏عشر فلك القمر و السادس‏عشر كرة النار و السابع‏عشر كرة الهواء و الثامن‏عشر كرة الماء و التاسع‏عشر كرة التراب و العشرون جسم الكلّ و لكلّ من هذه المراتب قائل يعبدها و يقرّ لها بالالوهيّة و الوحدانيّة اذا نظرت في التواريخ و السنن سيّما تفسير الكبير الذي كتبه الملاّحسين الكاشفي يظهر لك حقيقة الامر فاذن تعرف عياناً تأويل قوله تعالي ظلمات بعضها فوق بعض اذا اردت منه مقام الجسم بعكس ما ذكرنا من الترتيب و التأويل بالعكس اظهر و ابين كما لايخفي علي الفطن العارف.

و منهم من تجاوز عن مقام الصورة و قال انّ معبوده معني و هذا ان اشار الي حدّ معنوي فهذا ايضاً كالاوّلين و ان

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 307 *»

اشار الي معني غير محدود بالحدود المعنويّة فهو موحِّد لكن توحيده ادني المراتب و اسفل الدرجات و هو تأويل قوله تعالي فيه ظلمات و رعد و برق و قوله تعالي يكاد البرق يخطف ابصارهم كلّما اضاء لهم مشوا فيه و اذا اظلم عليهم قاموا و هذا المقام اخر مقامات النهاية و التعيين و التقييد و اذا تجاوز السالك عن هذا المقام يصل الي مقام اللانهاية و اللاتعيّن و اللاتقيّد و مقام معرفة النفس لا من حيث هي بل من حيث ظهور الرب و صفة الحق و هذا المقام هو مقام كمال التوحيد و المعرفة و هو اخر المراتب و اقصي الدرجات من عرفه فقدعرف اللّه و من جهله فقدجهل اللّه هذا منتهي معرفة الوجود المقيّد ليس لهم فوقها درجة و لا منزلة «ليس وراء عبّادان قرية» و يسمّونه بالدوات الاولي و المداد الاوّل و النفس الرحماني الثانوي.

و امّا الموجودات المطلقة فلهم مقامات في‏التوحيد كلّها مظاهر الحقّ و مقاماته الاوّل ظهوره لعبده في النقطة ثمّ في السراج اي الالف ثمّ في الحروف اي السحاب المزجي ثمّ في الكلمة التامّة اي السحاب المتراكم فالاولي معرفة الباطن بالنقطة و الثانية معرفة الباطن من حيث هو باطن بالنفس الرحماني الاولي و الثالثة معرفة الظاهر بالسحاب المزجي و الرابعة معرفة الظاهر من حيث هو ظاهر بالسحاب المتراكم و هذه المراتب هي المقامات و العلامات و الايات التي في الدعاء فجعلتهم معادن لكلماتك و اركاناً لتوحيدك و اياتك و مقاماتك التي لاتعطيل لها في كلّ مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الاّ انّهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك اعضاد و اشهاد و مناة و اذواد و حفظة و روّاد فبهم ملأت سماءك و ارضك حتّي ظهر ان لااله‏الاّانت الدعاء فالمقامات اي مقامات ظهور الحق لعبده في التوحيد خمسة المرتبة الخامسة اعلي مراتب الوجود المقيّد و المراتب الاخر في الوجود المطلق لا دخل لها في الوجود المقيّد و هي الاسم المكنون المخزون الذي استقرّ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره فافهم فان فهمته فانت الموحِّد الكامل كالكبريت الاحمر فانّ المولود الفلسفي هو الموحِّد و لذا قلنا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 308 *»

انّ اسمه عبداللّه في مقام ايّاك نعبد فالمجموع احدعشر مرتبه خمسة منها نور و نجاة و خمسة منها ظلمة و هلاك و واحد فيه ظلمات و رعد و برق يكاد يخطف ابصارهم كلّما اضاء لهم مشوا فيه و اذا اظلم عليهم قاموا و تسمّي هذه المراتب بميادين التوحيد فالساكنون في درجات الخمسة الاول يقولون لااله‏الاّاللّه بلسان حالهم و لايقولونها بلسان مقالهم و اعتقادهم و ان ادّعوا كذبوا و لا اعتناء بمايقولون لانّهم يقولون ما لايفعلون ياايّها الذين امنوا لم تقولون ما لاتفعلون كبر مقتاً عنداللّه ان‏تقولوا ما لاتفعلون.

اعلم انّ «لا» هو النفي الصريح الباتّ البحت الذي هو شي‏ء. اختلفا في ان النفي شي‏ء ام لا قال احدهما انّه شي‏ء و قال الاخر انّه ليس بشي‏ء فسألا العالم7 قال انّه شي‏ء و قل بقول هذا الرجل في هذه المسألة و معني شيئيّته ما عرفت سابقاً من انّه منزلة اللاّشي‏ء و لذا قال تعالي او لم‏ير الانسان انّا خلقناه و لم‏يك شيئاً و قال تعالي هل اتي علي الانسان حين من الدهر لم‏يكن شيئاً مذكوراً و من المعلوم انّ النفي انّما يتعلّق بالقيد لا المقيّد فثبت انّ «لا» نفي و عدم و الاله ايضاً نفي و عدم و لا اصل له و لا تحقّق و لا تذوّت بل اللاشي‏ء الصرف و الليس الساذج و المراد بالاله في هذا المقام كلّ شي‏ء يقصد سوي اللّه و ينظر اليه اذ كلّ ما سواه اذا كان مقصوداً و منظوراً اليه فهو اله سوي‏اللّه و شريك له في الوحدانيّة عندالعارفين الموحّدين يقول صاحب‏مقام التوحيدالشهودي:

كلّ ما في الكون وهم او خيال   او عكوس في المرايا او ظلال

و يقول صاحب مقام التوحيد الحقيقي اللّه فحسب ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون و قدسمعت انّ بعض الموحّدين لمّاحضرته الوفاة حضر عنده اصحابه و تلامذته فقال واحد منهم حين احتضاره لااله‏الاّاللّه فاشار بيده ان لايقول هذه الكلمة ثمّ قال اللّه اللّه فاشار بيده ان‏يقول لانّ هذا المقام ليس بمقام النفي بل هو مقام الاثبات اذ ليس سواه و لا موجود غيره و لهذا المعني يصحّ لك ان‏تقول لاموجود الاّ اللّه و لاوجود سوي اللّه فوحدة الوجود بهذا المعني يصحّ فكلّ الاشياء عدم و نفي و ليس فقولك لااله نفي النفي و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 309 *»

يوجب الاثبات و هو اللّه و هو مقام الاسم و الصفة و الوجه و الظهور و التجلّي و الاشراق و اللّمعان و لولا انّه يوجب الاثبات لماعرف الحق و لماعرف مجرّداً عن القيود و التعيّنات فيصير قولك لااله‏الاّاللّه سبباً لنفي عالمي الوجوب و الامكان و لمّا انّ نفي النفي يوجب الاثبات فيبقي الوجوب عند ازالة الممكنات.

چو ممكن گرد امكان برفشاند   بجز واجب دگر چيزي نماند

و هذا معني ما قال الشاعر بالفارسيّة:

گر نبودي نفي نفي اثبات در اثبات حق   باعث نفي دو عالم مي‏شد استثناي من

قداضطربت العقول و تشوّشت في معني هذا البيت و ماعرفوا وجه الصواب و هذا الذي ذكرته ماخلج بخاطري الفاتر في حلّ هذا البيت لكنّه اعلي المعاني و اشرفها و اقويها و اعظمها. الي هنا نقطع الكلام عن بيان معني لااله‏الاّاللّه و «اين الثريّا من يد المتناول» و هذه الكلمة اشرف و اعزّ من ان‏يعرف حقيقة مافيها من الاسرار و العلوم و المعارف هذا الفقيرُ فلنقبض العنان لانّي لست من فرسان هذا الميدان و لنشرع في بيان الاسرار المودعة في لفظ «هو».

فنقول واثقاً باللّه الملك العلاّم و جاعلاً نفسي هدفاً لسهام طعن اغاليط الاوهام انّ لفظ هو مخفّف لفظ اللّه و ازدياده لانّك اذا حذفت الالف من اللّه يبقي للّه فالمعني للّه ملك السموات و الارض و مابينهما و اذا حذفت اللام مع الالف الثانية يبقي له اي له ما في‏الوجودالمطلق و المقيّد و اذا حذفت اللام‏الثانية يبقي الهاء و هو التخفيف و اذا اشبعت الهاء يكون هو و هو الازدياد و امّا سرّ التخفيف فللتّنبيه علي بساطة مسمّاه و تقدّسه عن الاعتبارات و عن الملاحظات و الاضافات لكونه موضوعاً بازاء الهويّة الصرفة مع قطع النظر عن تنزّله الي مقام و ظهور ليظهر اسم الاضافة و لذا قيل انّ «هو» ليس باسم بل هو المسمّي مع قطع النظر عن ملاحظة الاسميّة و امّا سرّ الازدياد فلكونه اخصّ و اعلي من اللّه اذ يطلق علي ما يطلق عليه اللّه و هو الهويّة و اللّه يطلق علي الالوهيّة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 310 *»

و اين هذا من ذاك فهو اعمّ الاسماء و الصفات فيكون اخصّها حتّي من لفظ اللّه و لذا قدّمه اللّه سبحانه في قوله قل هو اللّه احد فقدّم «هو» علي اللّه اشعاراً بكونه اخصّ الاسماء و الصفات و موضوعاً للهويّة و قدّم اللّه علي الاحديّة لكون اللّه اخصّ و اقدم علي‏الاحديّة تقدّم الكلّ علي الجزء كما ذكرنا سابقاً و لذا قيل انّه تمام الاسماء الحسني لانّ الاسماء الحسني تسعة و تسعون فاذا اضفت اليها اسم «هو» اضافة المنير الي الشعاع فيتمّ و يظهر بالجبل المحيط بالدنيا و هو القاف و اذا اضفت اليها احَدَ عشر يكون كما قال تعالي هو العلي الكبير بالاشباع اذا جعلت لفظ هو مبتدء و العلي الكبير خبره كما قال تعالي و انّه في امّ الكتاب لدينا لعلي حكيم بدون الاشباع و معني هذه الاضافة انّ هو كان في رتبة المسمّي احَدَعشر فاذا تنزّل الي مقام الاسماء كان مائة و عشرة و هو قوله تعالي و هوالعلي‏الكبير يعني هو اذا تنزّل الي مقام الاسماء كان اسمه العلي الكبير لانّ عدد علي يطابق عدد هو بعد تنزّله لانّ الاحاد اذا تنزّل يكون عشرات و العشرات اذا تنزّل يكون مئات فلفظ هو احدعشر اذا تنزّل كان مائة و عشرة و هو عدد علي و لذا ورد في الحديث انّ اللّه تعالي اختار لنفسه اسماً لغيره يدعوه بها لانّه اذا لم‏يدع باسم لم‏يعرف فاوّل ما اختار لنفسه العلي العظيم لانّه اعلي الاشياء كلّها فمعناه اللّه و اسمه العلي العظيم و هو اوّل اسمائه لانّه علا علي كلّ شي‏ء و المراد باللّه في قوله فمعناه اللّه هو لفظ اللّه مع ملاحظة هو فمعناه اللّه هو و اسمه العلي العظيم قال تعالي في هذه الاية الشريفة التي نحن بصدد شرحها و تفسيرها و هو العلي العظيم فهو الاسم الاعظم لاشتماله علي جميع مراتب الاسماء و المسمّيات و الافعال و الصفات لعمومه و شموله و انبساطه لانّه حرفان الهاء و الواو امّا الهاء فهي اشارة الي تثبيت الثابت باللفظ و العبارة و الي مراتب تجلّيات الثابت المثبت حسب اختلاف مراتب التجلّيات بالعدد فالثابت المتجلّي مسمّي المتجلّي له بالاسم الاعظم الذي هو التجلّي و اشار الي انّ الاسم و المسمّي واحد لا اختلاف بينهما ابداً باتّحاد صورة اسم الهاء مع

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 311 *»

صورة معناه و امّا الاوّل فظاهر عند اهل الظاهر و الباطن و الصورة و الحقيقة لانّك اذا قلت «ه» فقد اشرت الي شي‏ء ثابت متحقّق بعيد عن المنال و امّا الثاني فلانّك ما تشير الي حقيقة الثابت و ظهوره ليكون علي نهج واحد بل تشير الي جهة ظهوره لك بك و الموجودات بالاجمال علي قسمين مطلق و مقيّد و لاشكّ انّ ظهوره للمقيّد بواسطة ظهوره للمطلق فيكون الظهور للمقيّد واحداً لانّ المقيّد يقال للشي‏ء الواحد المتعيّن بالتعيّنات المختلفة المتفاوتة فالمقيّد واحد و هو امر اللّه الوحداني الانبساطي الساري في جميع الاشياء علي حسب قابليّاتها و قدر استعداداتها و ما امرنا الاّ واحدة كلمح بالبصر. و ما خلقكم و لا بعثكم الاّ كنفس واحدة. ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و القيود هي التعيّنات من المشخّصات الستّة الكمّ و الكيف و الوضع و الرتبة و الجهة و الزمان و المكان فالمقيّد هو المجموع فاذا سلب عنه القيود و مايلازمها اي في وجدانه فيعرف الثابت و يشير اليه من حيث الاشارة قال7 كشف سبحات الجلال من غيراشارة و هذا الظهور واحد الاّ انّ المرايا مختلفة كما لايخفي.

و امّا في الوجود المطلق فالظهور متعدّد لانّه هو الكلمة التامّة التي خضعت لها السموات و الارض و انزجر لها العمق الاكبر و هي لاتتحقّق و لاتظهر الاّ باربع مراتب: الاولي النقطة و هو الظاهر الباطن السرّ المقنّع بالسرّ. الثانية الالف و هي الباطن من حيث هو باطن و ظاهر باوّل الظهور. الثالثة الحروف و هي الظاهر و العماء و الحجاب الاخضر. الرابعة الكلمة و هي الظاهر من حيث الظهور و لمّا تمّت الكلمة تظهر منها الدلالة فتتعلّق بقلب المخاطب فيظهر المعني فالدلالة واحدة و لو كانت المعاني مختلفة فهو ليس الاّ من جهة اختلاف افهام المخاطبين كما لايخفي فظهوره للنقطة غير ظهوره للالف و هكذا ظهوره للكلمة غير ظهوره للحروف و هكذا ظهوره للدلالة غير ظهوره للكلمة امّا الدلالة فهي واحدة اذ لايجوز ان‏تكون في الكلمة الواحدة من جهة الوحدة دلالات مختلفة فالدلالة في هذا المقام هو الوجود القابل للتقييد و التعيين و هو ظهور جهات الموجودات من ربّهم و هو الماء النازل من السماء و المداد الاوّل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 312 *»

و الدوات الاولي و النفس الرحماني الثانوي المقام الخامس من المقامات و العلامات التي لاتعطيل لها في كلّ مكان و  الكلمة التامّة هي السرّ المقنّع بالسرّ و مقام الظاهر و الولاية المطلقة و الازليّة الثانويّة و عالم فاحببت ان اعرف المقام الرابع من المقامات و العلامات و الحروف هي مقام الظاهر و مرتبة العماء المقام الثالث من المقامات و الالف هي المقام الثاني من المقامات و العلامات و النقطة هي المقام الاوّل من المقامات فالمقامات خمسة و هي قوي الهاء لانّ الهاء لها من العدد خمسة كما لايخفي علي العارف الفطن و هذه الخمسة هي نهاية مقامات الموحّدين من اوّل الوجود الي اخره من الوجود المطلق الي الوجود المقيّد و من العقل الي الثري و اذا تأمّلت في هذه الكلمات تري فيه من العجايب و الغرايب ما لاعين رأت و لااذن سمعت فظهر لك من هذا البيان انّ المقامات في قوله7فجعلتهم معادن لكلماتك و مقاماتك و علاماتك التي لاتعطيل لها في كلّ مكان خمسة للدليل العقلي المستمدّ من الفؤاد و النور قال7اتّقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللّه و امّا الثالث فلانّ ظهور الحق تعالي للخلق ليس بذاته و لا بامر اخر و الاّ لكان تكليفاً بما لايطيقه الخلق فظهر للخلق بالخلق قال علي7لاتحيط به الاوهام بل تجلّي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها فاذا كان الامر كذلك فيكون الظاهر و الظهور و المظهر شيئاً واحداً لااختلاف بينها الاّ باللفظ و العبارة فاتّحد الاسم و المسمّي فصورة اسمه هي صورة مسمّاه وهذا من خواصّ الهاء كما لايخفي و امّا الواو فهي الاشارة الي الغائب عن درك الحواسّ و لمس الناس باللفظ و العبارة و الي مراتب الموجودات العارفين الذين غاب الحق سبحانه عن ادراك ابصارهم وبصائرهم بالقوي و العدد و الي مراتب ظهورات اسم العلي العظيم الذي هو اسم «هو» باعتبار تنزّله في المراتب الاسمائيّة و الصفاتيّة بالشكل و الصورة امّا الاوّل فظاهرٌ لمن كان له قلب او القي السمع فهو شهيد لايحتاج الي البيان

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 313 *»

و امّا الثاني فلانّ لها من العدد ستّة و هي اشارة الي مراتب الموجودات المقيّدة الاولي عالم العقول الثانية عالم النفوس الثالثة عالم الطبايع الرابعة عالم الجواهر الهبائيّة الخامسة عالم المثال البرزخ السادسة عالم الاجسام الملكيّة و كلّ ذلك مراتب المجهوليّة التي هي نفس المعلوميّة و هو تمام الوجود من العالي الي السافل و امّا الثالث فلانّ لذلك الاسم العظيم ظهورات معنويّة مخفيّة مستورة في المراتب الكونيّة في الدنيا بحيث يدبّرهم من حيث لايشعرون لكن الخواصّ يعرفون و العوام يجهلون و المنافقين ينكرون حسب درجاتهم و مقاماتهم و بالجملة ليس له ظهورٌ تامٌّ بحيث يعرفه كلّ احد معرفة ظاهريّة مقاليّة و ان كانوا يعرفونه حالاً واستعداداً و في هذا المعني قال الشاعر:

دانش حق ذوات را فطري است   دانش دانش است كان فكري است

و اليه اشار قوله تعالي فطرة اللّه التي فطر الناس عليها هذا حال النشأة الدنيويّة المشار اليها بالواو الاوّل و له ظهورٌ برزخي اي اخر الدنيا و اوّل الاولي و هذا الظهور و ان كان تامّاً حالاً و مقالاً قابليّة و استعداداً و لساناً الاّ انّ هذا الظهور ليس بنفسه و ذاته بل بحرف من حروف نفسه و اسم من اسماء ذاته و هو بعد في حجاب الخفاء في الزمرّدة الخضراء و هذا هو المشار اليه بلفظ الالف التي بعد الواو و اشعاراً و تنبيهاً علي قيامه بالامر و له ظهورٌ تامٌّ و بروز عامّ بحيث لايجهله احدٌ و يقرّون به باللسان و الحال او ينكرونه مع المعرفة قال اللّه تعالي يعرفون نعمة اللّه ثمّ ينكرونها و اكثرهم الكافرون و هذا الظهور انّما هو في الاولي في جميع مراتب الاكوان الستّة المشار اليه بالواو الثانية فتمّ الوجود بجميع مراتبه و اقسامه في لفظ «هو» فهو الاسم الاعظم اذ لايغني بالاسم الاعظم الاّ الاسم الجامع المحيط بكلّ الاسماء و الصفات و لذا ورد عن علي7انّه قال رأيت الخضر في المنام قبل بدرٍ بليلةٍ فقلت له علّمني شيئاً انتصر به علي الاعداء فقال  يا هو يا من لا هو الاّ هو فلمّا اصبحت قصصت قصّتها علي رسول اللّه9فقال يا علي علّمت الاسم الاعظم فكان علي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 314 *»

لساني يوم بدرٍ قال و قرأ7 يوم بدر قل هو اللّه احد فلمّا فرغ قال يا هو يا من هو يا من لا هو الاّ هو اغفر لي وانصرني علي القوم الكافرين و كان يقول ذلك في يوم صفّين و هو يطارد قال له عمّار بن ياسر يا امير المؤمنين ما هذه الكنايات فقال اسم اللّه الاعظم و عماد التوحيد لا اله الاّ هو و اخر الحشر ثمّ نزل و صلّي اربع ركعات قبل الزوال.

و اعلم انّ الهاء من عالم الجبروت اوّل الوجود و الواو من عالم الملك اخر الوجود فهو الجامع بين الاوّل و الاخر فهو الاوّل و الاخر و الاوّل هو نفس الاخر و الاخر هو نفس الاوّل و اسم اللّه العلي العظيم هو الاوّل و الاخر لنصّ قوله تعالي و هو العلي العظيم علي تفسير ظاهر الظاهر و لاشكّ انّ الاوّل قطب للاخر و الاخر يدور علي الاوّل دورة متوالية غير متوالية فالهاء قطبٌ للواو اي مركز له و الواو يدور عليه الا تري صورة الواو فانّها علي شكل الدائرة الا تري الامتداد الذي بين الهاء و الواو عند التركيب «هو» و كلّ ذلك اشارات و رموز لامور خفيّة لايعثر عليها الاّ الراسخون في العلم او من علّموه ايّاها و تعرف من هذا الشكل حقيقة الامر في ذلك:

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 315 *»

اعلم انّ السالك الي اللّه سبحانه في السفر من الخلق الي الحقّ لمّاقطعوا مسافة هذه الدائرة العظيمة و الكرة المجوّفة يصلون الي المركز الذي هو الهاء و كلّ سالك يري الفاً فاوّل مايرونه هو النقطة الغيرالمنقسمة في الجهات الثلث فاذا دخلوا في ذلك العالم و يصلون اليه و مدّ النظر اليها يرونه خطّاً ممتدّاً فاذا تقدّموا يرون الخطّ دائرة و الدائرة كرة فيرون الكرة نفس الدائرة و الدائرة نفس المحور و المحور نفس المركز و المركز نفس القطب و النقطة فالدائرة هي النقطة ظاهرها في باطنها و باطنها في ظاهرها و هو معني قول النبي9التوحيد ظاهره في باطنه و باطنه في ظاهره فظهر لك انّ الهاء هو النقطة و النقطة هي الدوائر الخمس المذكورة فافهم و هذا هو تفصيل مايشمل عليه لفظ «هو» من الكرات و الدوائر و كلّ واحد منها يرتقي الف الف و اجرينا هذا الترتيب علي ترتيب الكون و اقتضاء الرتبة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 316 *»

فالكرة الاوّليّة تدير ماتحتها من الكرات و الدوائر فهي بمنزلة القطب لها و انّما جعلناه كرة لفقره و استدارته علي وجه مبدئه فمنتهي الكرات متعالية متعارجة و متصاعدة الي الكرة الاوّليّة الطوليّة فهي حقيقة الحقائق و كونها كرة من جهة استدارتها علي نفسها علي خلاف التوالي و دوران نفسها عليها علي التوالي و لاتظنّ انّ نفسها قطب و انّما هي كرة او انّها شي‏ء غيرها بل هو عينها و سنزيد لك البيان في كيفية الكرة الاوّليّة و استدارتها علي نفسها فيمابعد عند قوله تعالي الحي القيّوم في كيفيّة القيّوميّة و هذه الدائرة بخلاف الدائرة الاولي و لاتخالف بينهما عند من عرف اصطلاحنا و معني كلامنا و الحمدللّه ربّ العالمين.

و اعلم انّ الدوائرالخمس اربعة منها شي‏ء واحد لااختلاف فيها الاّ بالاعتبار والاّ فالنقطة هي نفس الالف و هي نفس الحروف و هي نفس الكلمة و المجموع نفس النقطة و ان شئت قل انّها واحد بلااختلاف و لاتعدّد و لاتكثّر و هي قصبة الياقوت و تحمل عليه احاديث الاتّحاد و ان شئت قل انّها مختلفة ولو بالاعتبار كما هو الاصل و تحمل عليه احاديث الاختلاف و المرتبة الخامسة هي الاخر و هي اخر المقامات و العلامات و الفرق بين المرتبتين من وجوه:

منها انّ المراتب الاربعة لافاضل لها و لايخرج منها الي غيرها و هي الاسم المكنون المخزون الذي استقرّ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره و امّا المرتبة الخامسة فلها فاضل و رشح و شعاع و عرق و تنزّل و امثالها من العبارات

عباراتنا شتّي و حسنك واحد   و كلّ الي ذاك الجمال تشير

و هي الرشح المذكور في حديث كميل كمايعرف من تتبّع الاحاديث فافهم و اعلم انّ الهاء هي ابوالخمس المذكور في الدعاء و هو يا اباالخمس بحقّ الخمس و اباء الخمس و ابناء الخمس و قدسئل جماعة من العلماء عن ذلك و عجزوا عن جوابه و كذا الفقير ايضاً لكن الان قدفتح اللّه علي قلب هذا المسكين حلّه و هو انّ اباالخمس هو اليمين و الخمس هو اولاده بحذف المتكرّر و اباء الخمس هي قوي الهاء و قدقال العالم7انّ اللّه تعالي خلق الف الف ادم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 317 *»

 و الف الف عالم انتم في اخر تلك العوالم و اولئك الادميّين و المراد بالاب هو الاصل و المنشي‏ء و هو عامّ شامل و ابناء الخمس و هي الحجب الخمسة فافهم فهّمك اللّه و ايّانا من مكنون العلم اذا عرفت هذا القدر من الكلام يظهر لك من الاسرار و المعارف ما لاعين رأت و لااذن سمعت.

و اعلم انّ قوي الهاء اربعة منها طبعها طبع الاكسير المولود الفلسفي فانّ له طبع واحد و طبيعة واحدة و ان كان مركّباً من العناصر الاربعة التي هي الابيض الغربي و الاحمر الشرقي و الاصفر الشرقي و الارض المقدّسة فهي خمسة لانّ الابيض الغربي لابدّ و ان‏يكون جزئين بخلاف الشرقيّين و الارض المقدّسة فاذا سقيت الارض بثلث سقيات و نفخت فيها اي في كلّ سقي بريح الجنوب تنبت النبات و هي الشجرة فلها طبيعة خاصّة خامسة واحدة لايشابه تلك الطبايع و يناسب الطبايع الاربع و يفعل في كلّ طبيعة فعلها كمايعلمه اهل الفن و ليس هذا الاّ من جهة انّ فيها تلك الطبايع الاربع فالكلّ في الوحدة اي يجمع الكل حقيقة واحدة لك ان‏تقول و له طبيعة واحدة اوله طبايع مختلفة فالاختلاف في عين الاتّفاق و الاتّفاق في عين الاختلاف و سنزيد لك البيان في هذا الباب ان‏شاءاللّه تعالي.

و اذا عرفت انّ الهاء خمس دوائر اربعة منها هي النقطة و هي الكرة المصمتة التي هي نفس الكرة المجوّفة النفس الرحماني الاولي و الخامسة هي الظهور و الظاهر و المظهر و الوصف و الصفة و الموصوف و المجموع (و خ‏ل) هي مقامات التوحيد و علاماته و اركانه بل هي التوحيد علي مافصّلت لك سابقاً فاعلم انّ الواو التي في «هو» هي كرة واحدة مجوّفة مركزها في هذه الدوائر الخمس المذكورة و هي تنقسم علي سبع كرات متطابقات مقعّر كلّ فلك علي محدّب الاخر و الفلك السافل يستمدّ من العالي الاولي كرة المعاني المجرّدة عن الصور الرقائقيّة و النفسيّة و المثاليّة و الجسميّة و العرضيّة الثانية كرة الرقائقية البرزخيّة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 318 *»

الثالثة كرة الصوريّة النفسيّة المجرّدة عن المادّة الجسميّة و هذه الكرة كرتان مخروطتان قاعدة كلّ منهما عند رأس الاخر و فيها مقامات المخروط الاوّل النوراني و الثاني الظلماني و هذه الاوّليّة و الاخرويّة بالشرافة والاّ فكلّ منهما ظهرا دفعةً في الوجود

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 319 *»

و هذا الاختلاف انّمانشأ من الاجابة و الانكار في يوم الست بربّكم قالوا بلي

انّما كان الشكلان متداخلين لانّ اللّه سبحانه بعد ماخلق طينة العلّيين و خلق طينة السجّين فامتزجتا و لذا كانتا متداخلين كلاّ انّ كتاب الابرار لفي علّيين و ماادريك ما علّيون كتاب مرقوم يشهده المقرّبون و كلاّ انّ كتاب الفجّار لفي سجّين و هذا العالم كرة حقيقيّة الاّ انّ الكثرات اخرجته عن الكرويّة كمافهمت و هذه الكثرات و ان‏كانت في كلّ العوالم الاّ انّها هنا ظاهرة و في تلك العوالم خفيّة تراه شيئاً واحداً مع كمال الاختلاف و لذا قال تعالي كان الناس امّة واحدة في الكرة الاوّليّة من الكرات السبعة فاختلفوا في الكرة الثالثة و قدسمّيناه في الاصطلاح الذرّ الثالث و قدنسمّيه الذرّ الثاني و قدنسمّيه الذرّ الاوّل علي اختلاف الانظار و تفاوت الاطوار كمالايخفي علي اولي الابصار فافهم لكن لاتهتدي الي هذه المطالب المذكورة في هذا المقام الاّ اذا شافهناك او فتح اللّه عن قلبك او سمعك وفّقك اللّه تعالي لمايحبّ و يرضي.

الرابعة كرة الطبايع الخامسة كرة المادّة الجسمانيّة الجوهر الهبائيّة و هي مع قطع النظر عن المثال و الصورة جوهرٌ مجرّدٌ لايدركها الحواسّ الظاهريّة تعدّ من عالم الغيب و هي موادّ الاجسام و قابلة النقش و الارتسام و ليس المراد من المادّة هنا المادّة مطلقاً اذ لايصحّ لانّ كلّ شي‏ء مادّته مساوقة لوجوده بل لايتحقّق ذلك الشي‏ء الاّ بالمادّة و الصورة المناسبة له كمالايخفي علي العارف الفطن السادسة كرة المثال و الصورة عالم هورقليا و جابلصا و جابلقا و عالم البرزخ و مأوي الارواح المنتزعة من الاجسام العنصريّة و محدّب فلك الافلاك الجسماني علي مقعّره السابعة كرة الاجسام مطلقاً و المراد بالجسم هنا الجسم الكلّي الواحد البسيط الجاري في الاجسام مطلقاً مثاله الشجرة الواحدة مع ملاحظة وحدتها ثمّ الاصول و الاغصان و الاوراق و الاثمار وهكذا هنا فالجسم بماهو جسم شي‏ء واحد كرة واحدة فاختلف بالعلوّ السفل فاوّل الاجسام محدّد الجهات و هي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 320 *»

اوّل الافلاك و اخرها فلك القمر و و اخر الاجسام الارض و ليس بعد عبّادان قرية و هذا تمام الوجود المقيّد الكرات الواويّة لم‏تحسب البرزخ بمعني انّك تحسبه في احد الطرفين كمالايخفي و هو قوي الواو.

و اعلم انّ في الواو ثلاث كرات اخر بملاحظة زُبُرها و بيّناتها الاولي كرة الواو الاولي الثانية كرة الواو الثانية الثالثة كرة الالف المتوسّطة و هي علامة القيام و هي الواقف بين الطتنجين البرزخ بين العالمين و هي شهر رجب المرجّب و لنقبض العنان فللحيطان اذان و نعمّا قال:

اخاف عليك من غيري و منّي   و منك و من زمانك و المكان
فلو انّي جعلتك في عيوني   الي يوم القيمة ماكفاني

اذا فهمت هذا المطلب تكون كالاكسير لكنّي اوصيك بالحفظ و الكتمان حفظك اللّه و ايّانا من شرّ الشيطان و اعلم انّ «هو» هو الاوّل و الاخر فالهاء هو الاوّل و الواو هو الاخر و الهاء هو الباطن و الواو هو الظاهر و الهاء هو الظاهر و الواو هو الباطن و الواو هو الاوّل و الهاء هو الاخر و الهاء هو الاوّل و الاخر و الواو هو الاخر و الاوّل و اوّليتهما نفس اخريّتهما و ظهورهما نفس بطونهما فالهو هو الغيب و الشهادة فالهاء هو الغيب و الواو هو الشهادة و كذا بالعكس امّا انّ الهاء هو الاوّل امّا من جهة اللفظ فكماعرفت من انّها من اقصي الحلق و هي مقام الحروف من عالم الجبروت و امّا من جهة المعني فكماعرفت ايضاً من انّها الاشارة الي الهويّة الاوّليّة التي هويّة كلّ ذي‏هويّة بفاضل ظهور هويّته و هو المسمّي و ماسواه الاسم فهو الاوّل و امّا انّ الواو هو الاخر امّا من جهة اللفظ فلماقلنا انّ الواو شفويّة و هي مقام الحروف من عالم الملك و هي اخر العوالم و امّا من جهة المعني فلماعرفت من انّها الاشارة الي الوجود المقيّد علي جهة الوحدة و البساطة كمالايخفي و امّا انّ الهاء هو الباطن فمعلوم من جهة اللفظ و المعني لانّها السرّ المقنّع بالسرّ و المجلّل به و امّا انّ الواو هو الظاهر فمعلوم ايضاً من جهة اللفظ و المعني لايحتاج الي البيان و امّا انّ الهاء هو الظاهر لكونها في

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 321 *»

اوّل مرتبة الظهور بعد مرتبة الخفاء و العماء و هي المحبّة التي قال تعالي كنت كنزاً مخفيّاً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف و هي صبح الازل الطالع من ظهور شمس الازل و امّا انّ الواو هي الباطن لانّها مقامات التنزّل و مراتب المجهوليّة فقدخفي فيها جميع مراتب الهاء فبطن لكمال ظهوره و امّا انّ اوّليّتهما نفس اخريّتهما امّا في الهاء فظاهر في اللفظ و المعني

اي تو مخفي در ظهور خويشتن   اي رخت پنهان به نور خويشتن

و امّا في الواو امّا في اللفظ فلانّ الواو اوّلها و اخرها واحد و امّا في المعني فلانّ الاخرة هي الاولي و الاولي هي نفس الاخرة و من هنا تعرف سرّ اللفظي من اتّصال الواوين في الشكل و انفصالهما في الترتيب و فيه سرّ خفي لايعثر عليه الاّ العارفون البالغون مقام المعرفة فافهم.

و اعلم انّ بيّنات الالف القائم في اللّه هو زبر الالف المبسوط الذي هي نفس الالف القائم و هي اليمين الذي هو تنزّل «هو» في مرتبة الاسماء و هو العلي العظيم الذي في هذه الاية الشريفة في اخرها و اللامان و الهاء في اللّه اي بيّناتها هي زبر الالف القائم لانّ اللامين عددهما ثمانون و الالف اثنان اوّلهما الاحاد و ثانيهما العشرات فيكون الحاصل اثنين و تسعين و هو زبر الالف القائم انّما بيّنا لخفائه و الاوّل لا خفاء فيه كما لايخفي احفظ هذه المراتب و اكتمها و لاتبرزها عند غير اهلها لما قال العالم7 ما كلّ ما يعلم يقال و اذا عرفت هذا القدر من الكلام تعرف انّ «هو» هو اسم الاعظم الاعلي الذي كلّ الاسماء عنه و منه و اليه و به، و منه وجدت الموجودات و هو اوّل مظهر باوّل ظهور الذي هو نفس المظهر و هو المسمّي و الاسم عين المسمّي و هو الاسم الذي ليس بالحروف مصوّت و لا باللفظ منطق و لا بالشخص مجسّد و لا باللون مصبوغ بري‏ء عن الامكنة و الحدود و الاعراض لانّ كلّ ذلك ممّا احدثها مايعبّر عنه بالهاء و اجزاء لمايعبّر عنه بالواو و الواو هو الكلّ و هو غير اجزائه فليس بلفظ و لا شخص و لا لون و لا حرف و لا غير ذلك و الهو اسم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 322 *»

للمجموع اي المحدث و المحدث.

لايقال انّ هو لفظ و المفروض انّ ذلك الاسم ليس باللفظ منطق لانّا نقول انّ هو ليس ذلك الاسم لانّ الاسم اللفظي هو المظهر للاسم المعنوي الذي هو الاصل علي الحقيقة و هذا اللفظ لااعتناء بشأنه نعم له تأثير باعتبار مناسبته لذلك الاسم و هو ليس بجسم و لا لفظ و لا معني كما لايخفي علي العارف الفطن فجعل اللّه سبحانه ذلك الاسم علي اربعة و افقد واحد منها و هو المكنون المخزون و هذا المفقود هو عوالم الهاء اربعة منها اي النقطة و الالف و الحروف و الكلمة و الخامسة لانتكلّم فيها ابداً ان‏شاءاللّه تعالي و الثلثة الظاهرة هي مايعبّر عنه بحرف الواو و هو الكرات الثلاث الاصليّة اي كرة المعاني و كرة الصورة و كرة الاجسام علي مافصّلت لك سابقاً و خلق لكلّ واحد منها اربعة اركان و هو ركن الخلق و الحيوة و الرزق و الموت فيكون اثني عشر بضرب الثلثة في الاربعة ثمّ خلق لكلّ منها ثلثين اسماً فيكون ثلاثمائة و ستّين بضرب الاثني عشر في الثلثين كما ذكرنا لك سابقاً و سنفصّله لاحقاً ان‏شاءاللّه فهو الجامع لجميع ما في الوجود المطلق و المقيّد و كلّ شي‏ء تحته و كلّ موجود تحت حيطة تصرّفه و هو الذات و ذات الذوات و الذات في الذوات للذّات فهويّة كلّ ذي هويّة من فاضل ظهور هويّته و هويتّه بهويّة نفسها فبها و اليها يدور كل الافلاك و الكرات و هي تدور علي نفسها و نفسها تدور عليها فاستدارة جميع الاشياء عليها و استدارتها علي نفسها دورة لا علي التوالي و استدارة نفسها عليها استدارة متوالية علي التوالي و معني ذلك انّ اللّه تعالي جعلها ممدّاً لجميع الموجودات و امدّها بها نفسها لا بما يغايرها و لذا يشار اليها بالكاف المستديرة علي نفسها مثاله السراج فانّه عرش النار و مستويها بالرحمانيّة فظهر بالسراج و اعطي كلّ ذي حقّ من الاشعة حقّها و ساقت الي كلّ مخلوق رزقها فالسراج هو خزانة النار يعني جعلته خزانة للاشعّة فتستمدّ الاشعّة منها بالسراج و جعلت السراج خزانة لجميع الفيوضات التي للاشعّة و جعلته خزانة لنفسه ايضاً فتستمدّ السراج من النار بنفسه فالاشعّة تستدير علي السراج علي خلاف التوالي و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 323 *»

السراج تستدير علي نفسه ايضاً علي خلاف التوالي و نفسه تدور عليه علي التوالي فافهم فهّمك اللّه و ايّانا من مكنون العلم و مخزون السرّ بالنبي و اله الطاهرين هذا مجمل الكلام في تحقيق معني «هو» و نفصّل فيما بعد عند قوله تعالي و هو العلي العظيم و قدذكر ابن سينا في تفسيره لقوله تعالي قل هو اللّه احد كلاماً لابأس بذكره هنا و ان كان علي الظاهر بينه و بين ما ذكرنا يوهم التنافي و التناقض لكن عند التحقيق لا منافاة بينهما قال:

الهو هو المطلق هو الذي لايكون هويّته موقوفة علي غيره فهو مستفاد منه فمتي اعتبر غيره لم‏يكن هو هو و كلّ ما كان هويّته لذاته سواء اعتبر غيره او لم‏يعتبر فهو هو لكن كلّ ممكن فوجوده من غيره و كلّ ما كان وجوده من غيره فخصوصيّته وجوده منه و ذلك هو الهويّة فاذن كلّ ممكن فهويّته من غيره و الذي يكون هويّته لذاته هو واجب الوجود انتهي.

اقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم امّا هذا الكلام قشري ظاهري و هو علي ظاهره صحيح لاغبار عليه و امّا علي الحقيقة فان كان مراده هو ما ذكرنا و بيّنّا و فصّلنا و اجملنا في هذه الكلمات في هذه الاوراق فحقّ لا مرية فيه و لاشكّ يعتريه لانّ الممكن الفقير لايقدر علي شي‏ء و لايصل الي شي‏ء و ما اوتي من العلم الاّ قليلاً فكيف اثاره و افعاله و افهامه و كلماته و اشاراته و عباراته نعم ما قال ابن ابي الحديد:

فيك يااُعجوبة الكون   غدا الفكر كليلاً
انت حيّرت ذوي اللبّ   و بلبلت العقولا
كلّما اقدم فكري   فيك شبراً فرّ ميلاً([2])

يا اخي وفّقك اللّه و اعانك علي الطاعة و التقوي و جعل اخرتك خيراً من الدنيا لاتلتفت الي من يدّعي معرفة الذات تبارك و تعالي و يتكلّم فيها و احثُ التراب في فيه لانّه جاهل لايعرف شيئاً لوكان له معرفة و ديانة لايدّعي هذه المرتبة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 324 *»

انظر الي كلمات الانبياء و كلام فخرهم و سيّدهم ماعرفناك حقّ معرفتك. انا لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت علي نفسك و قال7:

اعتصام الوري بمغفرتك   عجز الواصفون عن صفتك
تب علينا فانّنا بشر
  ما عرفناك حقّ معرفتك

قال ابن ابي الحديد و نعم ما قال:

من انت يا رسطو و من   افلاط قبلك يا مبلد
و من ابن سينا حين قرّر   ما بنيت له و شيّد
و ما انتم الاّ الفراش   رأي السراج و قدتوقّد
فدنا فاحرق نفسه   و لو اهتدي رشداً لأبعد

يا نور يا نور النور يا نور كلّ نورٍ يا مدبّر الامور اهدنا من عندك و افض علينا من فضلك و انشر علينا من رحمتك و انزل علينا من بركاتك اللهمّ اخرجني من ظلمات الوهم و اكرمني بنور الفهم و لاتزغ قلبي بعد اذ هديتني و هب لي من لدنك رحمة انّك انت الوهّاب الي هنا نقطع الكلام لانّ المقام لايقتضي ازيد من هذا و كم من المعارف و الاسرار المودعة في لفظ «هو» و كتمته لعدم احتمال الناس و للخوف من فرعون و ملأهم و تطويل مملّ و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم و الحمد للّه ربّ العالمين و الصلوة و السلام علي خير المرسلين محمّد و اله و اصحابه الاكرمين الاطيبين و لمّا فرغنا عن بيان كلمة التوحيد نشرع في تفسير الاية.

قال اللّه تبارك و تعالي: (الحي القيّوم)

اقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم انّ الكلام في هذين الاسمين الشريفين من وجوه. الاوّل في الحي و الثاني في القيّوم و الثالث في المجموع المركّب و الرابع في معني كونهما الاسم الاعظم.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 325 *»

امّا الاوّل فاعلم انّ الحي هو الصفة الذاتيّة للّه تعالي اذ لايصحّ سلبه عنه سبحانه و قدعرفت انّ الصفة الذاتيّة هي عين ذات الحقّ عزّوجلّ بلافرق فالذات هي الصفة و الصفة هي الذات و الاّ هل هما قديمان او الصفة حادثة و الاوّل باطل لانّ تعدّد القدماء عند الموحّدين المسلمين باطل بالادلّة القطعيّة المذكورة في الكتب الكلاميّة و الحكميّة. و الثاني لايمكن ان‏يعقل لانّ الصفة الذاتيّة هي الثابتة في مرتبة الذات و هي قديمة فلايصحّ فرض ثبوت الحدوث فيها لانّ الحدوث في الامكان و القدم في الازل و الوجوب و بينهما بون بعيد لاينزل القدم الي الحدوث و لايصعد الحدوث اليه فلايتصوّر كون الصفة الذاتيّة حادثة فيجب ان‏تكون قديمة و الكثرة عندنا منتفية فاذن هو الصفة و الصفة هو فاذن تقول هو الحي و هو الحيوة لافرق بين المبدء و المشتقّ في هذا المقام الاّ بالعبارة فاذن لاتعرف حقيقة الحيوة اذ جعلناها صفة ذاتيّة و لانفهمها و لاندركها و لانعقلها و لانتصوّرها و لانتخيّلها و لانحسّها الطريق مسدود و الطلب مردود لانّ معرفتها يستلزم معرفة الذات بل هي معرفة الذات.

فنقول اذا عرفنا الحيوة الذاتيّة فقد عرفنا ذات الحقّ جلّ جلاله لما سبق من انّ الصفة هي الذات لكن معرفة الذات ممتنعة فمعرفة الحيوة ممتنعة فاذن تعرف انّ اطلاق الحيوة علي الواجب و الممكن كقولك اللّه حي و زيد حي من قبيل الاشتراك اللفظي لتباين الحقيقتين كما فهمت سابقاً لكن لمّا كانت الصفات التي نقول انّها ذاتيّة كالعلم و السمع و البصر و الحيوة و امثالها علي نحوين نحكم علي نحو بالذاتيّة و انقطاع الفهم عن ادراكه و معرفته و نحكم علي نحو بالفعليّة و وصول الفهم الي ادراكه و معرفته و الاوّل مثل مااذا قلت عالم و لامعلوم سميع و لامسموع بصير و لامبصر قادر و لامقدور حي ولاحي و لاميّت و هذه الاوصاف ذاتيّة عين ذاته تعالي بلاتفرقة بين الذات و الصفات لانقطاعها عن الارتباط و الاضافة و الاسناد لانّ الارتباط يستلزم المناسبة و المشابهة بين المرتبطين و المنتسبين و ليس كمثله شي‏ء و هو السميع البصير و لانعرف حقيقة هذه الصفات و لامعانيها و لاصورها

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 326 *»

ابداً بوجه من الوجوه و هي قديمة منقطعة عن الحوادث لا مثال لها فيها و لاصورة اصلاً و قطعاً و الثاني مثل ماقلت عالم اذ معلوم و قادر اذ مقدور و سميع اذ مسموع و بصير اذ مبصر و امثال ذلك و هي حينئذ صفات افعال انتهي اليها جميع التعلّقات و كلّ الاوصاف التي اتّصف بها الخلق من هذه فهي مثال و ظلّ و صورة من هذه الاوصاف اذ بالعلم اوجد الحوادث و بالقدرة اقام المقدورات فالعلم و القدرة اللتان في الخلق هما مثال لمؤثّرهما و مبدئهما ضرورة انّ الاثر علي هيأة صفة المؤثّر و كذا السمع و البصر و الحيوة و امثال ذلك و هو معني ماقال العالم7فالقي في هويّتها مثاله فاظهر عنها افعاله و لمّاكان الشي‏ء لايتجاوز مبدأه فغاية معرفته معرفة تلك الامثلة بطريق الظلّية لاالاصليّة فيحكم علي مؤثّره بالعلم و القدرة و الحيوة و السمع و البصر لما عرف نفسه و وصل المثال الملقي في هويّته لكن العارف و المعروف و المعرفة كلّها حادثة لا دخل فيها للقديم الاّ انّه تعالي اجاز ذلك لنا و قبل عنّا لانّه لايكلّفنا الاّ بقدر وسعنا و طاقتنا انظر الي الاشعّة المحدثة من النار بتوسّط السراج هل تعرف السراج و هل يمكن ان‏تصف مؤثّرها الاّ بالاضاءة و الانارة لانّها غاية معرفتها و منتهي علمها مع انّك تعلم و تقطع بانّ مؤثّرها بري‏ء عن هذه الصفة التي تصفها الاشعّة بها اذ ليس في النار وحدها اضاءة و لا انارة و لو انّ النار تكلّف الاشعّة بمعرفة نفسها كما هي يكون تكليفاً بما لايطاق و انت تلومها و توبّخها علي هذا الفعل الشنيع القبيح و من هذا المثال تعرف معني قوله تعالي سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين و لذا قال العالم7كلّما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فاذاً يمكننا ان‏نتكلّم في اوصافه تعالي و نعرفها اذ لها خلقنا و لولاها ما وجدنا و هي ثمرة وصفه لنا كلّم الناس علي قدر عقولهم و ما ارسلنا من رسول الاّ بلسان قومه ليبيّن لهم.

فنقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم انّ الحيوة هي ضدّ الممات فكلّ نقص في الحقيقة موت لانّه فقدان صفة الكمال و الفقدان طبعه البرودة و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 327 *»

اليبوسة و هي طبع الموت و لانّ النقص ظلمة و هي الموت لانّ الظلمة عدم النور و معني قوله تعالي هو الحي انّه العالم القادر السميع البصير المدرك الرحمن الرحيم الخالق البارئ المصوّر المقدّر المدبّر الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد. و بالجملة هذا الاسم شامل لجميع الاسماء و الصفات الكماليّة التنزيهيّة التقديسيّة و الاضافيّة الارتباطيّة و الخلقيّة الفعليّة و هو تفصيل «هو» و تفصيل اساميه و لعمري انّه شامل لجميع الصفات الجلاليّة و السمات الجماليّة لانّ المراد بالحيوة في هذه الاية الشريفة الحيوة الكاملة التامّة العامّة التي لاحيوة فوقها كما يشهد به سياق الكلام لمن عرف المرام و لام الجنس فاذا كان كذلك فلايعتريه موت اصلاً بوجه من الوجوه فليس بجاهل لان الجهل البسيط فقدان و الجهل المركّب ظلمة قال تعالي افمن كان ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات اي ظلمات الجهل ليس بخارج منها قال العالم7همج رعاع اتباع كلّ ناعق يميلون مع كلّ ريح لم‏يستضيئوا بنور العلم و لم‏يلجئوا الي ركن وثيق و ليس بعاجز و ليس بظالم و ليس بجسم و ليس بمركّب و ليس بجوهر و ليس بعرض و ليس بكلي و ليس بجزئي و ليس بعرضي و ليس بجنس و لافصل و لا له اب و لا امّ و لا في زمان و لا في مكان و لا في جهة و لا له وضع و لا معني و لا لفظ و امثال ذلك من صفات الخلق فلاتكون الحيوة كاملة الاّ اذا نفيت عن الحقّ تعالي جميع صفات الخلق لانّ صفات الخلق صفات الافتقار و الاحتياج وصفات الحق صفات الغناء و القدرة فلايصدق احدهما علي الاخر كما لايخفي علي اولي البصائر و كلّ شي‏ء هالك الاّ وجهه فهو الحي الباقي الجامع لجميع الصفات الكماليّة و النعوت الجلاليّة و الجماليّة فهو بيان اسامي «هو» و بعبارة اخري هو تفصيل تنزّلات «هو» في مرتبة الاسماء فكان العلي العظيم كما في اخر الاية الشريفة فذكر في هذه الاية الشريفة جميع الاسماء الحسني و مسمّياتها بالاشارة و التلويح لانّها ابلغ من التصريح.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 328 *»

اعلم انّه قيل لقائل ان‏يقول  لمّا كان معني الحي هو الذي يصحّ ان‏يعلم و يقدر و هذا القدر حاصل لجميع الحيوانات فكيف يحسن ان‏يمدح اللّه تعالي نفسه بصفة مشاركة فيها اخسّ الحيوانات و الذي في هذا الباب انّ الحي في اللغة ليس عبارة عن هذه الصحّة بل كلّ شي‏ء كان كاملاً في جنسه فانّه يسمّي حيّاً الا تري انّ عمارة الارض الخربة تسمّي احياء الموات و قدقال تعالي فانظر الي اثار رحمة اللّه كيف يحيي الارض بعد موتها و الصفة المسمّاة في عرف المتكلّمين انّما سمّيت بالحيوة لانّ كمال الجسم ان‏يكون موصوفاً بتلك الصفة و كمال حال الاشجار ان‏يكون مورّقة خضرة فلاجرم سمّيت هذه الحالة حيوة فثبت انّ المفهوم الاصلي من لفظ الحي كونه واقعاً علي اكمل حاله و صفاته و اذا كان كذلك فقد زال الاشكال لانّ المفهوم من الحي هو الكامل و لمّا لم‏يكن ذلك مفيداً بانّه كامل في هذا دون ذلك دلّ علي انّه كامل علي الاطلاق و الكمال علي الاطلاق ان لايكون قابلاً للعدم لا في ذاته و لا في صفاته الحقيقيّة و لا في صفاته النسبيّة الاضافيّة ثمّ عند هذا ان خصّصنا القيّوم بكونه سبباً لتقويم غيره فقد زال الاشكال لانّ كونه حيّاً يدلّ علي كونه متقوّياً بذاته و كونه قيّوماً يدلّ علي كونه مقوّماً لغيره و ان جعلنا القيّوم اسماً يتناول المتقوّم لغيره كان لفظ القيّوم مفيداً فائدة لفظ الحي مع زيادة فهذا ماعندي و لقائل ان‏يقول الحيوة حقيقة صفة مستلزمة لاتّصاف محلّه بالعلم و القدرة و لمّا كان العلم و القدرة علي انواع متفاوتة بالكمال و النقصان و اللّه تعالي متّصف باكمل الانواع حسن مدح نفسه لهما و ان كان غيره يشاركه فيهما في مطلقهما فكذلك الحيوة علي انواع متفاوتة و اللّه تعالي متّصف باكمل انواعها و هي الحيوة المستلزمة لاكمل انواع العلم و القدرة و البقاء الدائم الذي لاسبيل عليه للفناء فحسن مدح نفسه بهما و امّا اطلاق الحيوة في غير الذي يصحّ ان‏يعلم و يقدر فبطريق المجاز فانّ الارض الخربة لما اتّصفت بصفة تقتضي الزرع و الغرس او البناء فيها التي هي كمالاتها سمّيت تلك الصفة حيوة و احداث تلك الصفة فيها احياء بطريق المجاز انتهي.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 329 *»

اقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم انّ اطلاق الحيوة علي ما قرّرنا لك سابقاً علي انواع الموجودات كلّها علي سبيل الحقيقة لكنّه ليس علي الحقيقة الاوّليّة بل علي الحقيقة بعد الحقيقة لانّ الحيوة هي ضدّ الممات فالحيوة الكاملة التامّة التي لايشوبها عدم و لا موت بوجه من الوجوه ثابتة للّه تعالي و يطلق عليه تعالي لفظ الحي بهذا المعني علي الحقيقة الاوّليّة و ليس لاحد من الموجودات المطلقة و المقيّدة نصيب في هذا الاطلاق ابداً و الاّ لاشترك معه غيره من خلقه و ليس كمثله شي‏ء.

ثمّ تحت تلك المرتبة الازليّة حيوة فعله تعالي و هذه الحيوة عين الفقدان و الموت و الفناء في مبدئه فحيوته بالتفات مبدئه اليه و التفاته الي مبدئه فمتي انعدم احد الالتفاتين كان ميّتاً الاّ انّ انعدام الاوّل يقتضي فناءه بالكليّة و انعدام الثاني لايقتضي الفناء كذلك لانّ هذا انعدام بالالتفات الثانوي و ليس باولي كما لايخفي فاطلاق الحيوة علي هذه الحقيقة اطلاق ثانوي تحت الاطلاق الاوّلي و حقيقة فيها من بعد تلك الحقيقة فهي حقيقة من بعد الحقيقة.

ثمّ دون تلك المرتبة مرتبة الماء التي به حيوة كلّ شي‏ء قال تعالي و جعلنا من الماء كلّ شي‏ء حي اذ لايجوز ان‏يراد من الماء في هذا المقام الماء الذي هو احد العناصر كما ذكرنا سابقاً فراجع تفهم فيجب ان‏يراد به الوجود الذي به حيوة كلّ شي‏ء من المجرّدات و المادّيات و العنصريّات و الجسمانيّات و امثال ذلك من الموجودات فاطلاق الحيوة عليه علي سبيل الحقيقة البتّة فاطلاق الحيوة عليه و علي الاوّل ليس من قبيل الاشتراك المعنوي كما هو ظنّ جماعة من العلماء بل من قبيل الاشتراك اللفظي لعدم الحقيقة الجامعة كما لايخفي فهذه حقيقة ثانية تحت تلك الحقيقتين الاوّليتين و حيوة هذه الحقيقة بنفس التجلّي و الاشراق و اللمعان بل هو نفس التجلّي و الاشراق و جمال المحبوب للمحبّين المقيّدين و موته بعدم التجلّي.

ثمّ دون تلك المرتبة العقل الاوّل و هو مقام السراج و اوّل المتجلّي و المقيّد فحيوته بجزئه علي سبيل الاطلاق ظهور النار الذي هو الحقيقة الثالثة و الدهن الذي هو القيد و التعيّن الموجود حين تنزّل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 330 *»

الماء الي الارض و اطلاق الحيوة عليه علي سبيل الحقيقة لا المجاز و في هذه المرتبة مرتبتان الاولي العقل الطبعاني و الثانية العقل السمعاني و قال العالم7:

رأيت العقل عقلين فمسموع و مطبوع
  فلاينفع مسموع اذا لم‏يك مطبوع

كما لاتنفع الشمس و ضوء العين ممنوع

و العقل الطبعاني علي مراتب العقل الهيولاني و العقل بالملكة و العقل بالمستفاد و العقل بالفعل و هذه المقامات و المراتب انّما يتحقّق عند اشراقات العقل الكلّي في مرايا القوابل. مثاله الشمس فانّها لاتظهر و لايتحقّق نورها الاّ عند جسم كثيف فاذا وجد الجسم الكثيف يظهر نور الشمس. و هذا الظهور انّما يختلف باعتبار اختلاف الاجسام في الغلظة و الرقّة و الكثافة و الدقّة و الاحمرار و الاصفرار و الاستقامة و الاعوجاج و امثال ذلك. مثلاً اذا اشرقت علي الجسم الكثيف مثل الارض الغليظة تري نوراً ظاهراً في كمال التلألؤ و اللمعان فاذا اشرقت علي الزجاجة تري النور اكثر و التلألؤ و اللمعان اشدّ بحيث تري ظهور الشمس و مثالها فيها و اذا اشرقت علي البلّور تري النور اكثر و اقوي و اشدّ في كمال الحرارة بحيث يحرق و اذا اشرقت علي المرءاة السوداء تري النور اسود و كذا اذا اشرقت علي الصفراء و الحمراء و امثالها مع انّ الشمس علي حالة واحدة و اشراقها بطور واحد و هو كما قال الشاعر:

اري الاحسان عند الحرّ ديناً   و عند النذل منقصة و ذمّاً
كقطر الماء في الاصداف درّ   و في بطن الافاعي صار سمّاً

فاذا عرفت هذا المثال فاعلم انّ الماء لمّا نزل الي الارض باذن اللّه تبارك و تعالي حييت الارض و خرجت شجرة العقل و هو اوّل شجرة نبت من جنان الوجود و اوّل من ذاق الباكورة في جنان الصاقورة و اوّل غصن اخذ من شجرة الخلد و اوّل سراج اوقد من الشجرة المباركة التي هي الحقيقة المحمّديّة و حيوته من الماء و الارض اي من ماء الوجود و ارض القابليّات او

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 331 *»

من مسّ النار و الدهن و هذا السراج لمّا كان اوّل الوجود و اقرب الاشياء الي المبدء كان له نورٌ و اشعّة و الاّ تلزم المفاسد المتكثّرة التي يعلمها من له قلب او القي السمع و هو شهيد. و لاشكّ انّ اشعّته من سنخه و جنسه و ليست في مرتبته و مقامه و الاّ لاتكون شعاعاً و نوراً بل هي منير فتحقّق العقول الجزئيّة. و لمّاكان النور اي السراج لايظهر الاّ عند وجود القابليّات فيجب ان‏يكون مرايا و قوابل لظهور العقل الكلّي و هي الموجودات مما تحته فثبت انّ للعقل ظهور في كلّ موجود بحسب مراتبها و وجوداتها و هو العقول الجزئيّة فاذا قطع الشخص قوسي الصعود و النزول كان اوّل ماظهر فيه من العقل العقل الطبعاني اذا كان دماغه مستقيماً غير مختلّ و هذا العقل حيوته من ظهور العقل الكلّي و الحدّ المعنوي الجزئي حسب قابليّة تلك المرءاة فاذا اختلّ واحد منها يموت و هذا الاختلال عند اختلال الدماغ فاذا اختلّ دماغ الشخص بحيث لايكون له استقرار ابداً يختلّ ظهور العقل الكلّي فيه فيكون الشخص مجنوناً لايميّز بين الجيّد و الردي و الحقّ و الباطل و لايعرف شيئاً فلايكلّف بشي‏ء و حاله في يوم القيمة حسب اختلال الدماغ كمانفصّل ان‏شاءاللّه تعالي عند قوله تعالي من‏ذا الذي يشفع عنده الاّ باذنه هذا حال من اذا كان دماغه مختلاًّ و امّا اذا كان معوجّاً فيكون الظهور معوجّاً فينقلب الامر فيري الحقّ باطلاً و الباطل حقّاً و الجيّد رديّاً و الردي جيّداً فيكون العقل النكراء و الشيطنة و هي شبيهة بالعقل و ليس بعقل و هذا معني موت العقل الطبعاني و حيوته فافهم ان‏كنت تفهم وفّقك‏اللّه و ايّانا ان‏شاءاللّه تعالي.

و هذا العقل الطبعاني اذا ايّده الشخص بالاكتساب يقوي شيئاً فشيئاً الي ان‏يبلغ الشخص الي مقامٍ لايكون الاخر مثله في ذلك المقام و هو علي انحاء:

منها المعاشرة و الصحبة مع اولي الفنون و اولي الافهام فيحصل للشخص ادراك و تميّز لايكون عند من لم‏يعاشرهم و قدجعل بعض العارفين المعاشرة و الصحبة بطن الامّ فيمااشتهر انّ الشقي شقي في بطن امّه و السعيد سعيد

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 332 *»

في بطن امّه اي بطن الصحبة و المعاشرة و هو المراد من الاب و الامّ في حديث كلّ مولود يولد علي الفطرة لكن ابواه يهوّدانه و ينصّرانه و يمجّسانه.

و منها الممارسة مثل مارس الصنايع كالصباغة و النجارة و الخياطة و الخبازة و امثال ذلك من انحاء الصنعة اذ كلّ من له بصيرة يعرف انّ الخيّاط لايقدر ان‏يعمل عمل النجّار و هو عمل الخبّاز و هو عمل الصبّاغ و امثالها و هو من جهة عدم ادراكه لعدم اكتسابه لعدم ممارسته و مثل من مارس في العلم علي جميع انحائه كالنحو و الصرف و المعاني و المنطق و الحكمة بجميع اقسامها من الطبّ و الاخلاق و الفقه و الرياضي و الطبيعي و الالهي بكلا معنييه و العلوم الغريبة كالكيميا و الليميا و الهيميا و السيميا و الريميا و كالجفر الجامعة و الرمل و الحساب و العدد و امثالها من العلوم و هذه كلّها يحصل عند الاكتساب بالممارسة اي بكثرة مطالعة الكتب و اقوال العلماء و كثرة التعليم و التعلّم ممّا هو المعهود عند اهل هذا الزمان كمالايخفي عند من له عقل سمعاني.

و منها استعمال الادوية مثل اكل الاشياء الحارّة اليابسة او الرطبة حسب اختلاف الامزجة مثل اكل اللبان و اللبن و السمن و العسل و القرنفل و اللحم و امثالها من المسخّنات سيّما اذا خلط اللبان مع القرنفل و اكل كلّ صبح مقداراً منه يري حدّة فهمه و ذهنه و حفظه و ادراكه ما لايوصف و كذا اكل اللبان كلّ يوم و هو اكل الانبياء و اوصيائهم: و كذا التمر و الحلويّات باقسامها علي الاختلاف في الشدّة و الضعف و لذا ورد انّ المؤمنين حلويّون و هذا الكلام لايسعني الان بيانه لعدم اقتضاء المقام و هذه الادوية ليس علي سبيل العموم بل لابدّ من ملاحظة مزاج الشخص ان‏وفّقني اللّه تعالي اكتب فيمابعد رسالة في هذه الامور بحيث يشفي العليل و يبرد الغليل انّه علي كلّ شي‏ء قدير و ماذلك عليه بعزيز.

و منها انحاء المعالجات كالحجامة علي القفاء و تقليل الدم و قدروي عن النبي9انّه قال لمّاعرج بي الي السماء و وصلت الي السماء السابعة مالاقاني

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 333 *»

ملك من ملائكة ذلك الفلك الاّ و اوصاني ان امر امّتي بالحجامة علي القفاء و ذلك لانّ السماء السابعة سماء زحل و هو المدبّر للعقول علي سبيل الجميع باذن اللّه تعالي يعني انّ اللّه سبحانه وكّل علي ذلك الفلك بكلّه ملكاً كليّاً من جنود ميكائيل يدبّر العقول الجزئيّة و يصلحها بنظر زحل و فلكه بجسم الكوكب و الفلك يدبّر محلّ العقل اي الدماغ و بروحه يدبّر العقل و تلك الملائكة جزئيّات لذلك الملك و مدبّرات لكلّ فرد فرد من افراد الموجودات و لذا وصّوه9بالحجامة علي القفاء لاصلاح عقل امّته و هذه الادوية و المعالجات كلّها لاصلاح المحلّ فاذا صلح المحلّ يظهر النور فيه اكثر و اشدّ كما اذا صقلت الارض يظهر نور الشمس فيها اكثر و اشدّ بالنسبة الي الارض الغيرالمصقّلة كمالايخفي علي الفطن العارف.

و منها استعمال الاذكار من الاسماء الحسني مثل ياعلي ياعليم ياحكيم ياحي ياقيّوم يانور ياهادي و امثالها من الاسماء فاذا واظب الشخص كلاًّ من هذه الاسماء بعدد معيّن لايسعني الان بيان قاعدته بحضور القلب و طمأنينة النفس و الاّ فلايؤثّر و لو قرأ مدي العمر فانّ الاقبال روح العمل لايستقرّ الجسم بدون الروح كمالايخفي.

و منها استعمال ماقرّره اهل الجفر من وضع المثلّثات و المربّعات و المخمّسات علي وفق اسمه و اسم اللّه و العقل مثلاً و ضابطه مذكورة في كتب اهل الجفر و اهل العدد و كلّ من يفعل يزداد عقله البتّة و يستوي فيه المؤمن و الكافر و العالم و الجاهل و العادل و الفاسق الاّ انّه يكشف لكلّ حسب ماهو عليه

كقطر الماء في الاصداف درّ   و في بطن الافاعي صار سمّاً

و قصّة ابن‏مقنّع و ابنه السند و مافعل من بسط اسم ابنه مع اسم اللّه و العقل من المشاهير و هو كافر يدّعي الربوبيّة و الالوهيّة و ذلك لانّ اللّه سبحانه ابي ان‏يجري الاشياء الاّ باسبابها و جعل لكلّ شي‏ء خاصيّة و اقتضاء فاذا وجد ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 334 *»

الشي‏ء مع تمام شرايطه و اسبابه تترتّب عليه تلك الخاصيّة بحسب الاقتضاء المودع فيه مثلاً جعل المركّب ليسوّد فاذا اصاب اليد يخلق اللّه تعالي فيها اقتضاء المركّب اي السواد و الاّ يلزم ان‏يمنع الاسباب من مقتضياتها و هذا كمايجري في المعصية يجري في الطاعة و في هذا الفساد الكلّي في العالم العلوي و السفلي و اذا عرفت هذه الدقيقة تعرف سرّ القدر ان‏شاءاللّه‏تعالي.

و منها فعل الرياضات و خلوص العمل للّه تعالي و تخلية القلب عمّاسوي اللّه قال9 من اخلص للّه العبوديّة اربعين صباحاً تفجّرت ينابيع الحكمة من قلبه علي لسانه فان‏كان مؤمناً كان هدي و نوراً و ان‏كان كافراً كان حجّة عليه و قال ايضاً ليس العلم في السماء فينزل اليكم و لافي الارض فيصعد اليكم بل هو مكنون فيكم و مخزون في قلوبكم تخلّقوا باخلاق الروحانيّين يظهر لكم و قال9 ليس العلم بكثرة التعلّم بل هو نور من عند اللّه يقذفه في قلب من يحبّ فينفسح فيشاهد الغيب و ينشرح فيحتمل البلاء قيل هل لذلك من علامة يارسول‏اللّه؟ قال9التجافي عن دار الغرور و الانابة الي دار الخلود و الاستعداد للموت قبل نزوله و قال اللّه تعالي في الحديث القدسي مازال العبد يتقرّب الي بالنوافل حتّي احبّه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكت عنّي ابتدأته الحديث و قال تعالي و لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماءً غدقاً اي علماً جمّاً و قال فلمّابلغ اشدّه و استوي اتيناه حكماً و علماً و كذلك نجزي المحسنين و قال تعالي و اتّقوا اللّه و يعلّمكم اللّه و امثال هذه من الايات و الروايات كثيرة و الناس اختلفوا في كيفيّة هذه الرياضة كلّ من بني له طريقة و جعل له وجهاً توجّه الي اللّه سبحانه بذلك الوجه علي ظنّهم و معتقدهم و وصلوا الي مطلوبهم لكن بعضهم خرجوا من ظلمة الجهل الي نور الايمان و اليقين و بعضهم خرجوا من ظلمة الجهل و دخلوا في ظلمة الانكار و النفاق قال تعالي فيهم يعرفون نعمة اللّه ثمّ ينكرونها و اكثرهم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 335 *»

الكافرون و قال و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم ظلماً و علوّاً و الاخرون مثل اليهود و النصاري و المجوس و امثالهم من الكفّار من مرتاضيهم و احبارهم و رهبانهم و الرياضات التي لهم و الكشف الذي لهم حتّي انّهم يرون الذي اسلم و ترك دينهم و طريقتهم بصورة الكلب و الخنزير و امثالهما من السباع و البهائم كماسمعنا مراراً كثيراً ممّن اطّلع علي طرائقهم و عاداتهم و رأينا من رسائلهم و تصنيفاتهم و هذا الكشف هو الكشف عمّاعليه حقايقهم من الاعوجاج علي ماذكرنا انفاً فعقلهم السمعاني هو النكراء و الشيطنة و هي شبيهة بالعقل و ليس بعقل كمالايخفي و السابقون الاوّلون هم المسلمون و الكشف الذي لهم و هذا الكشف يحكي علي المقابل كماهو لتصفية مرءاة حقايقهم بالرياضة و المجاهدة الشرعيّة قال تعالي و الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا.

و هذه الرياضة علي انحاء ذكرها العلماء رضوان‏اللّه‏عليهم في كتبهم الاخلاقيّة لكن احسنها و اولاها و اقربها هو الذي ذكر الفقير الحقير في هذا المقام ممّاسمعت من شيخنا شيخ المشايخ العظام و عمدة عرفاء الزمان و قطب الاقطاب و مقصد اولي الالباب اطال‏اللّه بقاءه ممّااستنبطت من الايات و الروايات قال9 خلق الانسان ذانفس ناطقةٍ ان‏زكّيها بالعلم و العمل فقدشابهت جواهر اوائل عللها و اذا اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد فقدشارك بها السبع الشداد و روي انّ بعض اليهود اجتاز بعلي7 و هو يتكلّم مع جماعة فقال له ياابن‏ابي‏طالب لو انّك تعلّمت الفلسفة لكان يكون منك شأناً فقال صلوات‏اللّه و سلامه عليه‏و اله و ماتعني بالفلسفة اليس من اعتدل طباعه صفي مزاجه و من صفي مزاجه قوي اثر النفس فيه و من قوي اثر النفس فيه سما الي مايرتقيه فقدتخلّق بالاخلاق النفسانيّة و من تخلّق بالاخلاق النفسانيّة فقدصار موجوداً بما هو انسان دون ان‏يكون موجوداً بما هو حيوان فقددخل في الباب الملكي الصوري و ليس له عن هذا الباب مغيّر فقال اليهودي اللّه‏اكبر ياابن‏ابي‏طالب لقدنطقت بالفلسفة جميعها في هذه الكلمات رضي‏اللّه‏عنك.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 336 *»

اعلم انّ اعتدال المزاج في كلّ شي‏ء لااختصاص له بالجسم امّا في الاكل و الشرب فان‏تجهد ان‏تحصّل من الحلال لا علي نحو يصل الي حدّ الوسواس و الاجتناب عن كلّ شي‏ء كماهو شأن بعض اهل الزمان فاذا حصّلت من الحلال فتأكل منه بقدر سدّ الجوع و لاتأكل كثيراً بحيث يشغلك عن الذكر و عن الاقبال الي اللّه سبحانه و لاتأكل حتّي تجوع و كذا في الشرب لاتشرب حتّي تعطش فاذا شربت فلاترو و امّا في اللباس فالبس مالايلومونك عليه و مالاتفتخر عليه و و مالاتذلّ نفسك عنده و اختر حالة الوسطي فانّ خير الامور اوسطها هذا مجمل مايتعلّق بتعديل المزاج الجسمي علي الظاهر.

و امّا مايتعلّق بالروح فكن دائم الذكر و ليس معني ان‏تقول سبحان‏اللّه و الحمدللّه و لااله‏الاّاللّه و اللّه‏اكبر في كلّ الاوقات بل معناه ان‏تذكر اللّه في حال المعصية فتتركها و تذكره في حال الطاعة فتفعلها قال العالم7 المؤمن كلامه ذكر و صمته فكر و نظره اعتبار و معني انّ كلامه ذكر هو انّه لايتكلّم الاّ بمايعنيه من معاش الدنيا و الاهل و العيال و كلّها من الذكر و لايتكلّم بمالايعنيه فالذكر عامّ و امّا قوله و صمته فكر فمعناه انّ الشخص المؤمن اذا سكت يفكّر في امر اخرته و دنياه و بدئه و عوده و مبدئه و معاده و مااراد اللّه سبحانه منه من الطاعات و العبادات و التقصيرات التي قصّر من الكسالة عن العبادة و الطاعة و المعاصي التي ارتكبها و يحاسب نفسه و يندم علي مافعل من الذنوب و يستغفر اللّه و يسأله التوبة قال تعالي و اسألوا اللّه من فضله انّه كان بكم رحيماً. فاذكروني اذكركم و اشكروا لي و لاتكفرون و امّا معني قوله و نظره اعتبار انّه اذا نظر في كلّ شي‏ء ينظر اليه بعين الاعتبار و من حيث انّه مثال لاية اللّه الواحد القهّار قال تعالي افلم‏ينظروا في ملكوت السموات و الارض و ان‏عسي ان‏يكون قد اقترب اجلهم و قال تعالي ايضاً سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق و قال و يضرب اللّه الامثال للناس و مايعقلها الاّ العالمون و قال و كأيّن من اية في

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 337 *»

 السموات و الارض يمرّون عليها و هم عنها معرضون و امثال ذلك من الايات كمالايخفي و الانسان اذا عيّن له وقتاً ينظر فيه الي الايات الافاقيّة و الانفسيّة خالي القلب عن كلّ شي‏ء يعلّمه اللّه مافيها من العلوم و الاسرار و الحقائق و هذا هو الكتاب الذي اذا قرأه الانسان كشف اللّه عن بصره العالم فيعلم الحيث و الكيف و الكمّ و الموصول و المفصول و مايئول اليه الامور و ماهو مخفي علي الناس ممّا لاعين رأت و لااذن سمعت و لاخطر علي قلب بشرٍ و لايحتاج هذا الي بيان لانّ من لم‏يذق لم‏يدر الحاصل انّ الانسان اذا فتح له هذا الباب وفّقه اللّه تعالي بفنون توفيقاته و ايّده بصنوف تأييداته الاتري قول اللّه تعالي في حقّ ابرهيم النبي علي محمّد و اله و عليه السلام حيث قال و كذلك نري ابرهيم ملكوت السموات و الارض ليكون من الموقنين و هذا باب اذا فتح لاحد يقوي عقله السمعاني فيكون اعلم الناس و اورعهم و اتقيهم و اعرفهم بحسب ماهو عليه و هنا تفصيل لايمكنني الان بيانه و اللّه الموفّق و المعين و هذا الذي ذكرنا هو الامور التي يكون سبباً لتحقّق العقل السمعاني و لايتحقّق العقل السمعاني الاّ اذا كان العقل الطبعاني الذي هو التميز في اوّل المرتبة لانّ استعمال هذه الامور لابدّ من التميّز و الادراك و الاّ لفقد و لذا قال العالم في الشعر السابق:

فلاينفع مسموع   اذا لم‏يك مطبوع
كما لاتنفع الشمس   و ضوء العين ممنوع

فظهر ممّا ذكرنا لك انّ العقل المسموعي هو ظهور العقل المطبوعي فالعقل المسموعي هو كالنور المشرق علي المرءاة و العقل المطبوعي كالنور مطلقاً كما لايخفي فالعقل الهيولاني هو كاشراق الشمس علي الحجر و العقل بالملكة هو مثل اشراقها علي الزجاجة و العقل بالمستفاد هو مثل ظهورها علي البلّور و العقل بالفعل هو مثل ظهورها علي الالماس و من هذا المثال تعرف مراتب ترتيب العقول في مراتبها فانّ الزجاجة هي المأخوذة من الحجر و البلّور هو المأخوذ من الزجاجة و الالماس هو المأخوذ من البلّور علي نحو يعلمه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 338 *»

اهل الصناعة الفلسفية فحيوة هذه المراتب بتصفية المحلّ و هي بالاسباب المذكورة المتقدّمة و مماتها بفقدان التصفية عند فقدان الاسباب و افضل الاسباب و اشرفها و اسرعها تأثيراً نظر الحق للشخص و هو قد يكون بهذه الاسباب و قد لايكون بهذا بل بلاسبب اذا سبقت له العناية من ربّه من جهة طلبه الاولي و سؤاله السرمدي فافهم هذا الذي ذكرنا هو مجمل احوال العقل و كيفيّة حيوته و موته و ازدياده و نقصانه.

و امّا الذي يقول انّ العقل كلّ كمالاته بالفعل ليس شي‏ء منه بالقوّة فغلط لانّ الشي‏ء في كلّ انٍ يترقّي و يقرب الي مبدئه و الاّ لبطل الايجاد لانّ اللّه سبحانه ما خلق الخلق للانتفاع به نفسه تعالي ربّي و تقدّس عن ذلك بل انّما خلقهم لينفعهم و يظهر رحمته و احسانه و اياديه لانتفاعهم فخلقهم لكن الانتفاع انّما يتحقّق اذا خلقهم علي مقتضي قابليّاتهم و حسب استعداداتهم و خلقهم كما هم عليه و هذا لايختصّ بعالم الاجسام بل يعمّ جميع الموجودات من العقول و النفوس و الطبايع و الموادّ و الامثلة و الاجسام و الاّ يلزم تفضيل الاخسّ علي الاشرف و لمّا كان الامر كذلك فسألهم لمّا سألوه ان‏يسألهم فكان اوّل من اجاب و اقرّ و اعترف بالعبوديّة للّه عزّوجلّ العقل الكلّي عند الاشراقيّين و العقل الاوّل عند المشّائين و النور المحمّدي9 عند اهل الشرع فاحبّه اللّه سبحانه و اجلسه علي سرير الرفعة و العزّة و شرّفه بتشريف التقرّب و امره بالاقبال و الادبار فلمّا امتثل امر اللّه في كلّ ما امره و عبده كمال العبوديّة صعد به في مراتب الاسماء الحسني و مدارجها حتّي وصل الي حدّه و غاية مرتبته و هو اسم اللّه البديع فكان يسير الي اللّه تعالي في تلك المرتبة فاحبّه اللّه و اكرمه و زاد نوره و بقاؤه و جعله اقرب جميع الموجودات بحيث اشرقت السموات و الارضون و ما فيهما به فكان نورها و هو تأويل قوله تعالي بملاحظة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 339 *»

المقدّمات المذكورة في الاوايل اللّه نور السموات و الارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقيّة و لاغربيّة يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تسسه نار نور علي نور يهدي اللّه لنوره من يشاء و يضرب اللّه الامثال للناس و اللّه بكلّ شي‏ء عليم فافهم.

و لمّا كان اقرب الموجودات و بلغ في العبادة و الطاعة حدّ الغاية التي هي عين اللاغاية احبّه اللّه تعالي فكان سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصربه و يده التي يبطش بها ان دعاه اجابه و ان سأله اعطاه و ان سكت ابتدأه و قد قال تعالي له لمّا امتثل امره بالاقبال و الادبار فوعزّتي و جلالي ما خلقت خلقاً احبّ الي منك و لااكملتك الاّ فيمن احبّ و قد قال تعالي في الحديث القدسي كلّما وضعت لهم علماً رفعت لهم حلماً ليس لمحبّتي غاية و لانهاية فهو في كلّ انٍ في الترقّي و الازدياد بلانهاية و الاّ يلزم امّا انتهاء رحمته تعالي و نهايته و غايته و منه يلزم تحديده تعالي او يلزم وقوف العقل عن العبادة و الطاعة و كلاهما باطلان امّا الاوّل فظاهر و امّا الثاني فكلّ عبادة تزداد نوراً و صفاء لم‏يكن له سابقاً و الاّ يلزم ان لايكون للعبادة ثمرة فيكون التكليف بها عبثاً تعالي ربّي الحكيم عن فعل العبث و هذا الازدياد الذي له في كلّ انٍ لم‏يكن في الان السابق و لايجيئه من الوجوب بل انّما يظهر ماكان في امكانه الي اعيانه و هو معني الحركة و هو المراد من الخروج من القوّة الي الفعل.

ان قيل انّ القوّة و الفعل و الزيادة و النقصان و التحويل و الانتقال شأن المادّيّات مثل الاجسام و امّا المجرّدات مثل العقول و النفوس و امثالهما فلا اذ ليست لها مادّة لتظهر كمالاتها شيئاً فشيئاً فجميع كمالاتها فعليّة قلنا انّ المادّة لاتخصّص لها بالاجسام و الجسمانيّات بل كلّ شي‏ء له مادّة و صورة و الاّ لايتحقّق لانّ الاشياء لابدّ لها من اصل و ذات يكون بها بقاؤها و تحقّقها و ثبوتها و من صورة و هيأة تكون بها ظهورها و تعيّنها و المادّة و الصورة مساوقة في الوجود الخارجي لايظهر ابداً مادّة لا صورة لها و لا صورة لا مادّة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 340 *»

لها بل هما معاً في الوجود بل في التعقّل الاّ انّ الهيولي و الصورة متعدّدة الهيولي الاولي و الصورة الاوّلية للعقل و الهيولي الثانية للروح و الهيولي الثالثة للنفس و الهيولي الرابعة للطبيعة و الهيولي الخامسة للمادّة الجسمانيّة و الهيولي السادسة للمثال و الهيولي السابعة للجسم و الهيولي الثامنة لمحدّد الجهات و الهيولي التاسعة لفلك الكرسي و الهيولي العاشرة لفلك زحل و الهيولي الحادي‏عشر لفلك المشتري و الهيولي الثانيه‏عشر لفلك المرّيخ و الهيولي الثالثه‏عشر لفلك الشمس و الهيولي الرابعه‏عشر لفلك الزهرة و الهيولي الخامسه‏عشر لفلك عطارد و الهيولي السادسه‏عشر لفلك القمر و الهيولي السابعه‏عشر لكرة النار و الهيولي الثامنه‏عشر لكرة الهواء و الهيولي التاسعه‏عشر لكرة الماء و الهيولي العشرين للارض.

ثمّ اعلم انّ اللّه سبحانه يركّب من جزء الارض و جزئي الماء تركيباً ثالثاً و يعفّنها في بطن الارض فيكون هذا المجموع هيولي و مادّة للخشبة الشجرة فهي مركّبة من مادّة و هي الارض و الماء و من صورة و هي الهيأة المخصوصة ثمّ يجعل هذه الخشبة مادّة لصورة اخر مثل هيأة السرير او الباب او الصنم و امثال ذلك فالقول بانّ العقول و النفوس لا مادّة لهما ان اريد بانّه لامادّة لهما اصلاً غلط لما عرفت و في الحقيقة هذا لايحتاج الي بيان و استدلال بل هو عندنا و عند من له ادني مسكة من البديهيّات الاّ من عمي اللّه عينه لايري ضوء الشمس و ان اريد بانّه ليست لها المادّة الجسمانيّة فصحيح لاشكّ فيه و لاريب يعتريه بل ليس للنفس ما للعقل من المادّة ابداً فاذن يصحّ لك ان‏تنفي القوّة و الفعل من المجرّدات علي النحو الذي للجسمانيّات و هذا صحيح و نحن نقول به الا تري الاشعّة و السراج فانّ هذه الشدّة و الضعف و الزيادة و النقصان الذي للاشعّة ليست للسراج البتّة بل له ايضاً لكن علي نحو اشرف و اعلي فمجمل القول انّ كمالات ماتحت العقل الكلّي و دونه فعليّة للعقل و امّا كمالاته نفسه فكلّها ليست كذلك بل هي متجدّدة في كلّ انٍ و دقيقة و ساعة و كلّ ذلك من امكانه الذي يعنون به القوّة و لذا قال تعالي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 341 *»

مخاطباً لنبيّه9 قل ربّ زدني علماً فانّ الاستزادة ممّا كان عنده قبيح و هو تحصيل الحاصل و الاستزادة من الوجوب حرام و كفر لانّه لاينزل من الوجوب شي‏ء الي الامكان و لايصعد من الامكان شي‏ء الي الوجوب و كلّ منهما في مكانه و رتبته فيجب ان‏يستزاد ممّا يمكن في حقّه.

فان قلت ماقلت سابقاً انّ الترقّي لو لم‏يكن غير متناهٍ يلزم امّا تناهي رحمة الحق تعالي و امّا وقوفه عن العبادة و كلاهما غير صحيح بل هنا شقّ ثالث و هو عدم القابليّة للازدياد و لايلزم من ذلك تناهي الرحمة و لا وقوفه عن العبادة بل علي ما قال اللّه تعالي و انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها، قلنا انحصر الامر في الشقّين المذكورين فانّ الاشياء و امكاناتها ليست متناهية لا اوّل لها و لا اخر لها الا تري انّك كلّما تفرض لك ابتداء تري فوقه في تصوّرك شي‏ء اخر يدلّك علي انّه ليس ابتداءك و قدقام الاجماع و اتّفقت جميع العقول و الاراء من العقول السليمة الاّ ماشذّ من العقول المغيّرة بالنكراء و الشيطنة علي انّ كلّ ماله اوّل له اخر و كلّ ما له اخر له اوّل و كلّ ما ليس له اوّل ليس له اخر و بالعكس و قد صحّ عند جميع المسلمين انّ الجنّة و النار لانهاية لهما و لا لنعيم الجنّة و لا لعذاب النار و لاشكّ انّ الجنّة و النار انّما يتحقّقان باهلهما و هو كلّ الخلق فلا اخر للخلق فلا اوّل له كيف يتحقّق الاوّليّة و الاخريّة مع انّ الخلق كلّها كرة تدور علي قطبها الذي هو فعل اللّه سبحانه الدائر علي نفسه بخلاف التوالي و الكرة لا اوّل لها و لا اخر كلّما تفرض لها الاوّل فله الاوّل بل هو الاخر و الاوّليّة نفس الاخريّة كيف يكون الاوّل لمن خلق لا في زمان و لا في مكان بل الاوّليّة و الاخريّة و الزمان و المكان انّما خلقت بالفعل الذي نفسه الامكان و هو ذكر جميع الموجودات فاذا تحقّق انّ الشي‏ء غير متناه فكلّ ما له لايجوز ان‏يتحقّق بالفعل و الاّ يلزم وجود الامور الغيرالمتناهية في الاوقات المتناهية و قد قام البرهان في الكتب الحكميّة علي بطلانه فثبت انّ بعض الامور الممكنة للاشياء ظهر من الامكان الي الاعيان و بعضها ماظهر يظهر بالتدريج في الاوقات الغيرالمتناهية.

و امّا ما قلت من عدم القابليّة فجوابه انّ اللّه سبحانه قال في محكم كتابه عن لسان

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 342 *»

الملائكة في الظاهر و لسان الخلق في الباطن و ما منّا الاّ له مقام معلوم و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ما ننزّله الاّ بقدر معلوم فكلّ شي‏ء له حدّ لايتجاوز عنه فقولنا انّ الشي‏ء يترقّي كالعقل ليس مرادنا انّه يتجاوز عن مقامه و يصل الي مقام الوجود و هما يتجاوز عن مقامه و يصل الي مقام الكلمة التامّة و هي يتجاوز عن مقامها فتصل الي مقام الحروف العاليات و هي تتجاوز عن مقامها فتصل الي مقام الالف و النفس الرحماني و هي تتجاوز عن مقامها فتصل الي مقام النقطة و هي تتجاوز عن مقامها فتصل الي مقام الازليّة مقام الوجوب فتنقطع السلسلة او تذهب الي غير النهاية لانّه باطل و كفر و زندقة لانّه يلزم امّا التسلسل او حدوث الوجوب او قدم العالم و كلّ ذلك باطل مردود و لايحتاج الي البيّنة في هذا المقام لانّ كتب اهل الحكمة و اهل الكلام مشحونة بذلك بل نقول انّ الشي‏ء يحصل له الترقي و هو في مكانه و زمانه و وقته و كونه و كمّه و كيفه بحيث اذا رأيته حكمت عليه بانّه هو و هنا امثلة كثيرة الاّ انّ الفقير اذكر في هذا المقام منها مثالين لتبيّن الامر و لذا قال تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق الم‏تعلم انّ اللّه علي كلّ شي‏ء شهيد قال العالم7العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة فما فقد في العبوديّة وجد في الربوبيّة و ما خفي في الربوبيّة اصيب في العبوديّة قال اللّه تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق الحديث تأمّل و تدبّر في هذين المثالين فانّهما من ادلّة الحكمة التي قال اللّه تعالي امراً لنبيّه9 ادع الي سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن.

المثال الاوّل في السراج و ذلك لانّ النار لمّا تجلّت و ظهرت بالدهن وجدت الشعلة التي هي السراج الوهّاج9 فاوجدت بواسطة السراج الاشعّة فهي تختلف و تتعدّد و تقوي و تضعف بالقرب و البعد و لايمكن ترقّي شعاع في مرتبة التي قدّرها اللّه سبحانه بالنار بالسراج لها الي مقام شعاعٍ فوقها و لاتكلّف الاشعّة بهذا ابداً لانّه تكليف بما لايطاق و هو باطل نعم اذا صقلت الارض او وضعت المرءاة في الشعاع البعيد عن

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 343 *»

السراج تري فيها الضياء و النور اشدّ و اكثر و اقوي بالنسبة الي مافوقها و ماتحتها من الاشعّة التي لم‏تصقل الارض و لم‏توضع المرءاة فيها بل تري فيها مثال السراج دون غيرها فكلّما صقلت الارض يظهر النور اكثر و اشدّ و هذا معني السير في مرتبته و مقامه و مثال الحجرة التي تترقّي الي الزجاجة و منها الي البلّور و منها الي الالماس سبق انظر و تأمّل فيه هل خرج الحجرة من مرتبة الجماد الي مرتبة النبات او هي بعد في مرتبة الجماد لكن انظر حالتها الاولي مع الاخري و هكذا يترقّي و هي في مكانها فافهم.

و المثال الثاني في الصناعة الفلسفيّة فانّها مرءاة الحكماء فيها جميع ما في الوجود اي الانسان الاكبر و الاصغر اذا عرفتها عرفت جميع الوجود بالمشاهدة العيانيّة و هو انّهم اذا اخذوا الطيور الاربعة التي هي الطاووس و الديك و الحمامة و الغراب فقطّعوهنّ ثمّ جعلوا علي الجبال العشرة كلّ جبال جزء ثمّ دعوهنّ يعني ازالوا ريش الغراب فاخذوا من الحمامة جزئين و من الطاووس و الديك جزء و من الغراب بعد ازالة ريشه جزء و ممّا خرج منهنّ جزء ثم خلطوهنّ و عفّنوهنّ و طبخوهنّ و سقوهنّ ثلث سقيات فاخرجوا ثلثة رهط مفسدة في الارض فاذن يفعل هذا المركّب فعل القمر عند ظهوره علي الجوزهر ثمّ يسقونه بالتساقي الستّ الاخر حتي اخرجوا جميع التسعة المفسدة التي لايصلحون فاذا صفّوا تلك الارض و اخلوها من الرذايل و القبايح تترقّي و تحيي و تظهر روحها الكامنة فيها فيحيي الاموات فتفعل فعل الشمس في خارج المركز فيفعل الواحد في المائة و هذا تمام الاكسير ثمّ اذا سقوه يزداد فعله و كلّما زاد السقي يزيد فعله الي ان‏يبلغ الي مقام يكون الواحد علي الف الف و هكذا يترقّي عند تزايد السقي فصار اشرف الجمادات و المعادن و اكملها و اتمّها و قد سمّاه الامام علي اميرالمؤمنين صلوات‏اللّه عليه‏واله باخت النبوّة و عصمة المروّة و ماصار سبب هذه الشرافة الاّ كثرة تصفيته و تزكيته حتّي بلغ حدّ الكمال و جلس علي سرير الجلال و الجمال الناس في تمام اعمارهم يطلبونه و جميع اموالهم في

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 344 *»

طلبه يصرفون قلّ من اهتدي اليه و شذّ من وجده و تسلّط عليه الاّ ان‏يكون صاحب المعرفة و الراغب في رضاء اللّه سبحانه و الراغب عن الدنيا بتمامها و كمالها و امثاله يجدون اذا كتب اللّه لهم ذلك و قديكون عند غيرهم لاجل مصلحة لايناسب الان ذكرها فليطلب في محالّها انظر و تدبّر وفّقك اللّه يا اخي انّ هذه الترقّيات التي حصلت لهذا الولد العزيز الصالح الشجاع الكريم المسمّي بعبد الواسع و عبد الكريم السخي الجواد الرحيم هل اخرجته عمّا هو عليه من المرتبة و المقام و اوصلته الي مقام الحيوان او الانسان بل هو علي ماهو عليه من الجماد لكنّه اعزّ و امنع ممّا سواه تأمّل في السقي يا اخي هل يقصر الحكيم اذا كان عنده مياه كثيرة غيرمتناهية عن سقيه لازدياد مقامه و مرتبته و المفروض انّ الحكيم ليس بخيلاً و السائل ليس ساكناً و هو دائماً يسأل و هو دائماً يجيب امّن يجيب المضطرّ اذا دعاه و يكشف السوء عمّن ناجاه.

و امّا ماقلت من انّ البخل ليس من جهة المبدء و ليست رحمته و فضله و كرمه متناهية بل هو المعطي علي قدر القابليّة و لقد اكمل للعقل جميع كمالاته بحيث لايقبل ازيد من ذلك فجوابه ماقلنا سابقاً من انّ الشي‏ء اذا كانت امكاناته غيرمتناهية لايمكن ان‏يتحقّق و يوجد في الاعيان في الازمنة المتناهية فهو بعد في الترقّي علي انّا نقول انّ القابليّة تزيد في كلّ انٍ بسبب الطاعة و العبادة و تسبيح الحق و تقديسه و تخلية القلب له و لايتجدّد له الكمال الاّ اذا زادت القابليّة باذن اللّه و لاتزيد القابليّة الاّ في محلّها و مكانها كماعرفت في المثالين المذكورين كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبّتي غاية و لانهاية. و للحقير الفقير المعترف بالقصور و التقصير في كيفيّة ازدياد القابليّة و نقصها كلام كتبته جواباً لبعض الاخوان ايّده اللّه و وفّقه لفنون توفيقاته لمّا عظم عليه ذلك قال انّه يلزم الجبر و الخلق علي خلاف مقتضي القابليّة و اراد من الفقير ان اكتب شيئاً في ذلك فكتبت هذا:

اعلم انّ اللّه وحده و لا قديم سواه و لا مؤثّر غيره و كلّ شي‏ء باطل مضمحلّ عند جلاله و عظمته فلمّا افاض الوجود دفعة واحدة لقوله الحق و ما

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 345 *»

 امرنا الاّ واحدة كلمح بالبصر خرجت كلّ حصّة منه علي ما هي عليه من الحدود و الهيئات المعنويّة ثمّ كلّفهم بعد ما كلّفوه ان‏يكلّفهم بقوله الست بربّكم فاجابوه بمعني انّه خرجت الحصص المعنويّة المتمايزة علي ماكانت عليه تمايزاً صوريّاً فالقابليّة عبارة عن الصورة التي هي عبارة عن الحدود و الهيئات المعنويّة و هي الهيكلان هيكل التوحيد و الانسانيّة و هيكل الشرك و الشيطانيّة فهذه هي التي اعطاها اللّه تعالي العبد لمّا سأله حين سأله فلمّا سأله هيكل التوحيد الذي هو الصورة الانسانيّة اعطاها اللّه سبحانه ايّاه و هو قوله تعالي افمن كان ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس و لمّا سأله الهيكل الشيطانيّة اعطاها اللّه تعالي ايّاه بطلبه و هو قوله تعالي بل طبع اللّه عليها بكفرهم فلايؤمنون الاّ قليلاً فكان الخلق علي قسمين و هو قوله تعالي هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن فالقابليّة في الانسان الطائع هي هيكل التوحيد الذي هو الايمان و القابليّة في العاصي المنافق هي الهيكل الشيطانيّة التي هي الكفر و الفسوق و العصيان و الايمان قابل لجميع الخيرات الممكنة في حقّ المؤمن لا مطلقاً تظهر فيه علي قدر تصفية القلب و تزكيته لانّ مراتب الايمان و المؤمنين متفاوتة منهم علي الدرجة العليا و الرتبة القصوي في القرب و هم يقبلون المدد و الفيض بلاغاية و لانهاية ازلاً و ابداً دهراً و سرمداً و هو البحر الذي لا ساحل له و هم المتبوعون و منهم علي الدرجة التي هي تحتها و هؤلاء يقبلون الفيض و المدد من اللّه سبحانه بما لايتناهي في المرتبة التابعيّة و لايساوون مرتبة العليا الاولي قطّ و الاّ لكانوا هم، هذا خلف؛ و منهم من هو تحتها و هم ايضاً قابلون الخير بما لايتناهي لكنّه في رتبتهم و مقامهم و مثاله السرمد و الدهر و الزمان كلّ منها لايتناهي لكنّه في مرتبته فانّ اللّه سبحانه اذا علم الاقبال من العبد اليه تعالي بطبيعته و ذاته و حقيقته يقبل اليه من اقبل الي اللّه شبراً يقبل اللّه اليه ذراعاً و اعلم انّك للداعين بموضع اجابة و للملهوفين بمرصد اغاثة فيزداد نوراً و فضلاً منه تعالي لانّ قابليّته في المرتبة الاولي كانت اقلّ ممّا هي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 346 *»

في الثانية و لو قلنا انّ القابليّة ماتتفاوت التي في المرتبة الاولي هي التي في المراتب الاخر يلزم ان لايكون للشخص مراتب و منازل و ترقّيات ضرورة انّ النور من اللّه سبحانه يشرق علي القابليّات كما هو عليها فلو كانت متساوية لكانت متساوية هذا خلف فيزيد البتّة و هذه الزيادة ليست ممّا فوقها بل تزداد في رتبة الي غير النهاية و هذا ليس بجبر و لا الخلق علي خلاف مقتضي القابليّة لانّ الايمان هو يقتضي جميع الخيرات الممكنة في حقّ المؤمن لكن الاقتضاءات متفاوتة غيرمتناهية فاللّه سبحانه يخلق الاقتضاءات حسب بدء شأنها الغيبي الاوّلي الذكر الاوّل الذي قال تعالي بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون و يترتّب علي تلك الاقتضاءات مقتضياتها و هو قوله تعالي في الحديث القدسي ان سألني اعطيته و ان سكت عنّي ابتدأته و المراد بالسؤال هو السؤال الاستعدادي و المراد من السكوت السكوت كذلك فاذا سكت بالاستعداد الظاهري يجعله اللّه سبحانه سائلاً و يعطي العطيّة حسب استعداده الذاتي و القابليّة الكليّة الاوّليّة ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذوالفضل العظيم و قس علي ما ذكرنا من حال الايمان و المؤمن حال الكفر و الكافر فانّ الكفر قابل لجميع الشرور لانّه عبارة عنها فهو مدبر ابداً لايقبل قطّ بمقتضي ذاته فلايصلح للاقبال اليه لمكان التناقض فهو الظلمة و الظلماني و اللّه سبحانه يمدّه من جنسه من جهة امكانه و فقره اليه و لو لم‏يمدّه يفني وجوده فيغيب الايمان و الطاعة و النور و يعود الي مركزه و يعبد اللّه تعالي فيما لايتناهي و هذا يستلزم بطلان الايجاد و التكليف و لو امدّه من النور تفني الظلمة ايضاً و كذا اذا امدّ النور من الظلمة يذهب النور للمناكرة الحاصلة بينهما فيجب ان‏يمدّ كلّ شي‏ء ما يسأله من جنس ما يطلبه من مبدئه و لذا قال تعالي قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدّاً حتّي اذا رأوا ما يوعدون امّا العذاب و امّا الساعة فسيعلمون من هو شرّ مكاناً و اضعف جنداً هذا في مدد الكفّار و المنافقين و قد ظهر من سياق العبارة انّ مددهم من الامور العدميّة المجتثّة التي لا اصل لها و يعبّرون عنه بالخذلان و الطرد و قال تعالي في حقّ المؤمنين بعد هذه الاية و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 347 *»

كيفيّة امدادهم بالمدد الوجودي النوري قال تعالي و يزيد اللّه الذين اهتدوا هدي و الباقيات الصالحات خير عند ربّك ثواباً و خير مردّاً و قال تعالي ايضاً في سورة الشوري في مدد الطرفين و الملائكة يسبّحون بحمد ربّهم و يستغفرون لمن في الارض الا انّه هو الغفور الرحيم و الذين اتّخذوا من دونه اولياء اللّه حفيظ عليهم و ما انت عليهم بوكيل و لهذا المطلب في القرءان شواهد لاتحصي اذا اردت الاطّلاع انظر اليه و اقرأه بالتدبّر و التفكّر ليحصل لك المطلوب و اللّه خير موفّق.

و اذا اردت ان‏تعرف المثال الذي خلقه اللّه سبحانه في هذا المطلب لاولي الالباب الذين هم اولوا الافئدة اصحاب دليل الحكمة فانظر في السراج فانّ السراج قبل ان‏يشعل ما كان شعاعاً و لا ظلاًّ فلمّا اشعلت السراج يظهر النور و الظلمة دفعة واحدة و لاشكّ انّ الظلمة التي هي عبارة عن الظلّ في هذا المقام و النور الذي هو الشعاع انّما وجدا بالسراج امّا الاشعّة فانّما وجدت به بالاصالة و هو منسوب الي السراج و هو الشجرة الطيّبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء و امّا الاظلّة فانّما وجدت بتبعيّة النور من حيث هو نور لا من حيث هو اثر السراج ففاعل الظلّ انّما هو السراج لكن بواسطة نفس النور فهو الناظر الي نفس النور لا الي السراج فهي الشجرة الملعونة الخبيثة المجتثّة التي هي فوق الارض مالها من قرار فالنور انّما ينظر الي السراج الناظر الي مسّ النار الناظر الي النار فله اصل ثابت و الظلّ انّما هو ناظر الي النور نفسه لا من حيث كونه اثر السراج فهو باطل و منقطع ليس له اصل ثابت اذ لاينظر الي فاعله و مؤثّره و موجده الذي جميع اموره ترجع اليه فهو الساجد للشمس من دون اللّه و بالجملة انّ الظلّ و النور وجودهما بيد السراج فاذا اخذ السراج يبطل الكلّ و لاشكّ انّهما لايبقيان الاّ بمدد السراج و افاضة الفيض عليهما و لاشكّ ان السراج لو لم‏يكن يمدّ كلاً منهما من مبدئه لبطلا و فسدا مثلاً اذا امدّ النور بالظلمة و كذا بالعكس فيمدّ كلّ منهما من جنس ما يطلبه فيمدّ الاشعّة بالنور و الضياء و يمدّ الاظلّة بالظلمة السوداء و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 348 *»

هو معني قوله تعالي من كان يريد العاجلة الي ان قال كلاً نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربّك و ماكان عطاء ربّك محظوراً مضيفاً الي ما سبق من الايتين المذكورتين.

الحاصل انّ اللّه سبحانه هو الجواد الكريم لايُيئس احداً ممّا طلبه و سأل منه و الاّ لما كان حكيماً تعالي ربّي عن ذلك علوّاً كبيراً فيعطي كلّ ذي حقّ حقّه من الرحمة الواسعة رحمة العدل التي وسعت كلّ شي‏ء و هو قوله تعالي و رحمتي وسعت كلّ شي‏ء بتجلّي اسمه الرحمن فافهم.

فظهر لك من هذا الكلام علي سبيل الاجمال ان القابليّة تزيد و تنقص الا تري الشخص يترقّي و يبلغ في العلم او في شي‏ء اخر الي ما لم‏يبلغ اليه احد من امثاله و اقرانه بعد ما كان جاهلاً بليداً فلو كانت القابليّة التي في المرتبة الثانية في المرتبة الاولي يلزم ان‏يكون المعطي جلّ شأنه بخيلاً تعالي عن ذلك لانّ الحق تعالي هو الذي يعطي العلم و المعرفة و البصيرة في الامور علي سبيل العموم و الاطلاق و لاشكّ انّه تعالي انّما يعطي بقدر القابليّة فلو كانت هذه القابليّة الثانية حاصلة للشخص و مع ذلك منعه اللّه تعالي ما يناسب قابليّته و استعداده كان بخيلاً و هو محال علي الحق سبحانه و تعالي فثبت انّها ماكانت حاصلة فازدادت بما ذكرنا لك سابقاً و قد يكون الشخص عالماً فاضلاً في كمال الدقّة لكن بعد مدّة بالاسباب التي لايسعني الان بيانه صار بعكس ماكان و ليس هذا الاّ من جهة نقصان قابليّته فاذا صحّ هذا المطلب نقول لاشكّ في عدم تناهي فيوضات الحق سبحانه و لاشكّ ايضاً في عدم وقوف العقل عن العبادة و الطاعة بل العقل لاينظر الي نفسه ابداً و انّما نظره الي الحق سبحانه لايري لنفسه انيّة و لااعتبار و لاتحقّق كيف و قد اضمحلّت ماهيّته و احترقت انّيته كما في الحديث المذكور في كتاب البحار و امثاله من الكتب و ذكرنا شرحه في كثير من رسائلنا سيّما في شرحنا علي الفوايد و علي شرح‏الزيارة كيف و العقل لايلتذّ بطعام و لا شراب و لا رياسة و لا سلطنة و لا نكاح و لا صورة حسنة و لا شي‏ء ممّا يتعلّق بعوالم الصوريّة ابداً و انّما التذاذه باللّه و ذكره

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 349 *»

و عبادته و مراقبته و الخلوة معه و مناجاته اذا اردت ان‏تعرف صدق ما ذكرنا انظر في الذين غلبت عليهم جهتهم العقليّة هل يلتفتون الي هذا العالم الجسماني الشهواني ابداً بل هم ابداً في الدعاء و المناجاة و الذكر و الفكر كالمؤمنين الممتحنين و كالانبياء المرسلين و الملائكة المقرّبين و قد روي في الحديث انّ الجنّة التي بازاء العقل و هي جنّة عدن ليست مكان كلّ احد بل فيها اناس مخصوصون لايلتذّون بالطعام و الشراب و النكاح و الحور و الغلمان و انّما التذاذهم بالمشاهدة و المراقبة فاذا كان امر هؤلاء كذلك فماظنّك بالعقل الكلّي اوّل الموجودات و اقربها الي المبدء و اشرفها و اعظمها شأناً و ارفعها مكاناً و اقدمها رتبة و اتمّها (امتنها خ‏ل) منزلة به وجدت الاشياء و منه استمدّت و اليه عادت فهو لايري لنفسه الوجود و لايجد له الشهود و لايشاهد سوي المعبود فكيف يقف عن العبادة و الذكر و التسبيح و الركوع و السجود و قد صحّ انّ كلّ ما قرب الي المبدء معرفته بربّه اكثر و كلّ ماكان معرفته اكثر طاعته اعظم و لذا تري المؤمنين العارفين اكثر عبادة من غيرهم و ابناء جنسهم و الانبياء و المرسلين اعظم طاعة و اكثر عبادة من المؤمنين الممتحنين و العلماء العارفين و نبيّنا9اكثر عبادة من كلّهم و جميعهم. ما من احد من الخلق علي سبيل العموم يصل عبادة سيّدنا و مولينا خاتم النبيّين9 و العقل اقرب الموجودات الي المبدء فكيف يقف عن العبادة و الطاعة فهو في كلّ انٍ في الترقّي و الازدياد ابد الابدين الي غير النهاية لاغاية لهذا و لانهاية و هنا كلام اخر يؤدّي الي هذا المطلب من جهة الكرويّة و سرعة الحركة و بطئه تركنا ذكره للتطويل.

فان قلت فاذا كان الاشياء غير متناهية لا اوّل لها و لا اخر يلزم ان‏تكون قديمة و ليست بحادثة اذ ليس شأن الحادث الاّ النهاية و الازليّة و الابديّة انّما هو شأن القديم تعالي شأنه و قدم العالم عندك باطل قلنا انّ اللاتناهي انّما كان قديماً اذا لم‏يكن فوقه شي‏ء فهو القبل و قبل القبل و البعد و بعد البعد و لا نقول هذا و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 350 *»

انّما نقول انّ اللاتناهي الذي ادّعينا انّما هو في رتبة الثانية رتبة المعلوليّة و هو رتبة الحدوث و اللّه سبحانه فوق مالايتناهي و هو سبحانه و تعالي قبل القبل و بعد البعد قبليّته نفس بعديّته و بعديّته نفس قبليّته اوّليّته نفس اخريّته و ظهوره نفس بطونه تعالي شأنه و تقدّس و ليس كلّ ما لايتناهي بقديم مطلقاً هذا العدد و مراتبه غير متناهية من جهة الاوّل و الاخر و ليس بقديم و كذا الزمان غير متناه و ليس بقديم و لايلزم من عدم تناهي الشي‏ء قدمه و وجوبه مع انّ المتكلّمين صرّحوا في كتبهم كما هو معتقدهم انّ مقدورات اللّه سبحانه و تعالي غير متناهية و لايقولون بقدمها لمكان عدم المنافاة و لايقال اللّه سبحانه و تعالي غير متناه اذ لايوصف الحق تعالي بصفة التناهي و عدم التناهي اذ لايجوز ان‏يقال انّه تعالي قبل خلقه و ايجاده بامور متناهية و لا بالغير المتناهية اذ الصورة الاولي يستلزم اتّصال الحادث بالقديم و هو يستلزم المشابهة ضرورة وجوب تناسب المتّصلين في الملتقي و الاّ فلايصحّ الاتّصال هذا خلف، و الصورة الثانية تستلزم عدم الكون مطلقاً لانّ كلّ وقت تفرض الانتهاء فله انتهاء الي غير النهاية فلايقف علي حدّ يستلزم وجود الكون.

الحاصل انّه يجب علينا ان‏ننزّه الحق سبحانه عن كلّ الصفات الامكانيّة علي سبيل العموم و الاستغراق لانّ الصفات من مقتضيات الذوات علي مانعرف و لايقتضي الناقص الاّ الناقص مثله فلايجوز اتّصاف احد المتباينين بصفات الاخر كما لايخفي علي اولي النهي فثبت انّ القول بانّ عدم تناهي الموجودات و الممكنات تستلزم القول بقدم العالم باطل نعم نقول بقدم العالم كما قال مولينا امير المؤمنين7في خطبة في وصف الرسول9استخلصه في القدم علي سائر الامم و قال اللّه تعالي حتّي عاد كالعرجون القديم و هذا القدم لاينافي الحدوث بوجه ابداً و بعض الناس فهموا انّه تنافي الحدوث حكموا بكفر القائلين بهذا القول و ماعرفوا انّه قول اللّه و رسوله و اهل بيته صلوات اللّه عليهم و سيأتي الكلام في هذا ان‏شاء اللّه تعالي في خلال الكلام و القائل بصحّة انقطاع فيض الحق تعالي عن الخلق انّما يخبر عن نفسه التي قطع عنها الفيض

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 351 *»

الوجودي النوري يعني لايقبل لعدم القابليّة لا انّه انقطع عنه الفيض بل لايقبل الفيض الاولي و انّما يقبل الفيض الثانوي الذي من ظلّ الاولي فالمسكين صادق في انكاره مثل الظلمة اذا انكرت النور لكن لسان حالها يشهد بوجودها و كذلك الجدار اذا انكر النور الذي في المرءاة الذي هو مثال السراج و الشمس الملقي في هويّتها لكن لايمكن ان‏يقال انّ فيض الشمس و السراج انقطع عن الجدار و ما انقطع عن المرءاة بل فيضهما واحد و نورهما واحد و الاّ فالالسنة الحاليّة للموجودات من المنكرين و المقرّين كلّها شاهدة بانّ اللّه سبحانه كلّ يوم هو في شأن من ايّام الشأن لاالايّام المعروفة و انّهم في لبس من خلق جديد لكن بعضها يوافقها الالسن المقاليّة و بعضها لايوافقها اذ لايلزم التوافق بين اللسانين الحالي و المقالي.

فثبت بالبراهين القاطعة و الدلائل الواضحة المأخوذة عن العترة الطاهرة صلوات اللّه عليهم اجمعين انّ العقل الكلّي و النور المحمّدي9 في كلّ حين في الترقّي و الازدياد بماليس له زوال و لانفاد و كذا العقول الجزئيّة التي هي اشعّة انوار العقل الكلّي اذ كلّ ما في المنير يكون في النور بالتبعيّة و لذا قال7 في الدعاء لافرق بينك و بينها الاّ انّهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك و قد خرجنا عن المقام فلنرجع الي ما كنّا فيه.

فنقول انّ دون مرتبة العقل الكلّي السراج الوهّاج الذي هو معدن المعاني المجرّدة عن الصور النفسيّة و الجسميّة و عن المدّة الملكوتيّة الدهريّة و المثاليّة و الزمانيّة بجميع مراتبها و اقسامها علي ما ذكرنا سابقاً مرتبة الروح الكلّي النور الاصفر الركن  الاسفل الايمن من العرش و هو البرزخ الكلّي في الوجود المقيّد اي الرقيقة اوّل التميّز و التعيّن اعلاه اسفل اعلي الدهر و اسفله اعلي الدهر و الملكوت و هو علي شكل ورق الآس علي هذه الصورة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 352 *»

و صورته في الحروف نحو كتابة الباء في بسم اللّه الرحمن الرحيم علي هذا النهج «» و هو اوّل تعيّن العقل اي تنزّله عن مقامه و اوّل امتثاله لقوله تعالي ادبر و اقبل علي اختلاف الروايتين فحيوته بتنزّل العقل الكلّي في هذه المرتبة و ظهوره فيها و انبعاث الجزئيّة منه انبعاث الشعاع من المنير و موته بغيبوبته في المقامات السفليّة و عدم ظهور اثاره فيها بجميع المراتب فاطلاق الحيوة علي هذا الموجود الشريف ثاني غصن نبت من شجرة الخلد الحي بالذات و العرض علي الحقيقة لكن تحت تلك الحقيقة الكليّة الاوّليّة اي اوّل غصن من شجرة الخلد يعني انّ هذا اللفظ انّما وضعه الواضع عند وجود تلك الحقيقة المقدّسة بازائها فلمّا وجدت بعدها هذه الحقيقة بالاولي استحقّ لهذا الاسم ليس اشتراكاً معنويّاً لعدم الحقيقة الواحدة الجامعة بدليل التقدّم و التأخّر نعم لك ان‏تقول بالاشتراك المعنوي اذ لاحظت الحيوة الاوّليّة السارية في جميع الحيوانات علي الاطلاق من اوّل العقل الي الثري و هي احد جزئي العقل الحيوة الاوّليّة التي تحت الحيوة الاوّليّة علي ماحرّرنا.

ثمّ دون تلك المرتبة مرتبة النفس الكليّة و هي اوّل التصور و التعيّن المتمايزة المعلومة المتحقّقة الذرّ الثاني و الثالث اذ الاوّل مقام السعادة و الشقاوة و لها مرتبتان مرتبة التمام و التحقّق و مرتبة الكمال و التذوّت فالاولي علي اربع مراتب مختلفة متعدّدة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 353 *»

بالذات و الحقيقة و هي النفس النباتيّة و الحيوانيّة و الانسانيّة و الملكوتيّة الالهيّة و كلّ منها لها حيوة و ممات مذكورة في حديث الاعرابي و كميل كما ذكرنا في شرحنا علي الفوايد و الثانية علي سبع مراتب و هي الامّارة و اللوّامة و الملهمة و المطمئنّة و الراضية و المرضيّة و الكاملة و هذه المراتب تختلف بالكمال و النقصان و الشدّة و الضعف و النورانيّة و الظلمانيّة و الشرافة و الكثافة كما ذكرنا في شرحنا علي شرح الزيارة الجامعة فالنفس الامّارة ميتة فاذا ماتت حييت فحيوتها في موتها و موتها في حيوتها و اللوّامة فيها بعض الحركة مثل البرازخ التي بين الحيوانات و النباتات الغالبة عليهم جهة الحيوانيّة لكن فيها من الاوصاف النباتيّة كما هو المعلوم من ملاحظة احوال بعض الحيوانات اي البهايم و الملهمة فيها الحيوة التامّة الحيوانيّة الفلكيّة و تمام مرتبة القابليّات قوي اللام و ثلثون ليلة لميقات موسي و المطمئنّة هي تمام ميقات موسي اربعون ليلة و فيها الحيوة الانسانيّة القدسيّة اوّل مقامها مقام مارأيت شيئاً الاّ و رأيت‏اللّه بعده. و ثاني مقامها مقام مارأيت شيئاً الاّ و رأيت اللّه معه و ثالثها مقام مارأيت شيئاً الاّ و رأيت اللّه قبله فاذااستقرّت في هذاالمقام تكون لايقة لخطاب اقبل الذي هو المعراج المشار اليه بقوله ارجعي الي ربّك راضية مرضيّة فلمّا رضيت عن اللّه تعالي و مارأت لنفسها تحقّقاً و انّية و فارقت الاضداد بتكرير التعفين و التقطير رضي اللّه تعالي عنه فتكمل مشاركتها بالسبع الشداد فحيوة المراتب الثلثة الاخيرة بنور الصرف المشار اليه بقوله تعالي افمن كان ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس و المرتبة الاولي حيوتها بظلمة الصرفة المشار اليها بقوله تعالي كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها لانّها مقام ملاحظة الكثرة المحضة و هي الظلمة لكون طبعها البرودة و اليبوسة طبع الموت و الهلاك و الفناء و المراتب الثلثة الباقية فحيوتها بالنور المختلط بالظلمة و الاّ كانت المراتب اربعة الاّ انّ في المرتبة الاولي الظلمة اكثر من النور لقربها الي المخروط الظلماني و المرتبة الثالثة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 354 *»

نورها اكثر من الظلمة لقربها الي المخروط النوراني و المتوسّط متوسّط كما لايخفي لكن ليس هذه المراتب متعدّدة بالذات و الحقيقة كما في المراتب الاوّليّة المذكورة الاربعة بل هي واحدة لها ترقّيات و تنزّلات فبكلّ ترقّي و تنزّل تستحقّ لاسم يناسب ذلك الترقّي او التنزّل مثالها الشجرة الطوريّة في تنزّلها الي مقام الجماد الذي هو ادني المقامات و اسفل الدرجات و ترقّيها الي مقام المعدن و منه الي النبات و منه الي الحيوان و منه الي الانسان و منه الي الكمال الذاتي الحقيقي و هي شجرة واحدة بعينها كما لايخفي فاذا عرفت حيوة تلك المراتب تعرف موتها بمقابلاتها واضدادها و سيجي‏ء البحث في الموت و كيفيّة تحقّقه و تذوّته و كيفيّة ايجاده و صدوره من المبدء و كيفيّة حيوته و موته و ذبحه بصورة كبش املح بين الجنّة و النار علي اتمّ تفصيل ان‏شاءاللّه تعالي.

ثمّ دون تلك المرتبة مرتبة الطبيعة الكليّة النور الاحمر الذي منه احمرّت الحمرة و هي الطين الذي رجعت الارواح السعيدة و الشقيّة اليه و اوّل موت الانوار المجرّدة عن المادّة المثاليّة و الجسميّة فحيوتها بتنزّل العقل النور الصوري النفسي اليها و خفاؤه فيها فاطلاق الحيوة عليها ايضاً علي سبيل الحقيقة بعد الحقيقة كما دريت في المراتب الفوقيّة.

ثمّ دون تلك المرتبة مرتبة المادّة الجسمانيّة و حيوتها علي قسمين حيوة في مرتبة ذاتها و حقيقتها مع قطع النظر عن تنزّلها الي مقام و رتبة و ظهورها في مظهر و بروزها في موضع و حيوة بالنسبة الي ظهورها و بروزها في عالم الاجسام و ترتّب الاثار و الاحكام عليها فموت المرتبة الثانية لاينافي حيوة المرتبة الاولي بلاعكس فحيوة المرتبة الاولي لاتقتضي الحيوة في الثانية لانّ ظهور الشي‏ء ليس من مقتضيات ذاته كما لايخفي امّا حيوته الاوّليّة فهي بجزئيه اللذين هما عبارة عن النور المجرّد الناشي عن فعل اللّه تعالي القائم بامره النازل الي هذه المرتبة بتوسّط الطبيعة المتحدّد بحدّ الابهام و المتعيّن

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 355 *»

بتعيّن الشمول في الاجسام و المتشخّص بتشخّص الصلوح للنقش و الارتسام و هي من عالم الغيب و هو تحقّقها في ذاتها فموتها باختلال احد الاجزاء و امّا حيوتها الثانويّة فهي بانضمامها بالصورة و المثال و تنزّلها اليها فلاتظهر المادّة الاّ بالصورة و المراد بالمادّة المادّة الجسمانيّة و بالصورة الصورة كذلك و ليس المراد بهما المادّة المطلقة و الصورة المطلقة كما ذكرنا سابقاً فموت هذه المرتبة من هذه الحيثيّة بالافتراق بينهما و نعم ما قال:

حيات من نه به جان و ممات من نه به مرگ   من الوصال حيوتي من الفراق مماتي

فافهم و العن من فرّق بين المادّة و الصورة.

ثمّ دون تلك المرتبة مرتبة الصورة عالم المثال و البرزخ و فيه الجنّة التي فيها غدوّاً و عشيّاً و خلق فيها ادم و حوّا و جهة العليا تسمّي هورقليا و جهتي الشرق و الغرب تسمّي بجابلصا و جابلقا و فيه النار و جحيم الدنيا في وادي حضرموت بئر برهوت و هو التي ينظر اليها الشخص في المرءاة و يري الطائف في الطيف فحيوته بالذات بالنور الواحد الساري في المراتب كلّها المتنزّل الي هذه المرتبة بتوسّط المادّة و الحدّ الصوري الكلّي العامّ الشامل و بالظهور باعتبار تقاربها بالمادّة و الاّ فهي من حيث انّه نور مجرّد من عالم الغيب كما تري من الايات الافاقيّة و الانفسيّة و موتها بالمفارقة و المهاجرة في الثانية و اختلال احد الاجزاء في الاولي.

ثمّ دون تلك المرتبة مرتبة الاجسام بقول مطلق من اوّل فلك الافلاك الي الثري و حيوة هذه المرتبة بجزئيها الذي هو المادّة و الصورة و بعبارة اخري الهيولي و الصورة و نعني بالصورة المشخّصات الستّة من الكمّ و الكيف و الجهة و الرتبة و الزمان و المكان كما سنذكر ان‏شاءاللّه تعالي و اطلاق الحيوة علي هذه المرتبة علي الحقيقة و الواقع و الاّ فهي مظهر اسم اللّه المميت و قد ماتت فيها جميع المراتب العالية الفوقيّة التي في تمام الادراك و الشعور و الاختيار بحيث توهّم جماعة انّه ليس في هذه المرتبة حيوة و لا ادراك و لا شعور و لا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 356 *»

اختيار و لا تكليف ولذا خصّوا مافوق النباتات بالحيوان و ليس هذا الاّ من جهة عدم احساسهم بذلك ظاهراً لعدم ظهور هذه الامور فيها كما في غيرها و هذا اخر مراتب التنزّل و ادني مقامات الادبار.

فلمّا وصل في مقامات التنزّل الي هذه المرتبة امره اللّه سبحانه بدعائه مطلبه بالاقبال فقال اقبل فامتثل لقوله تعالي فاوّل ماترقّي و صعد الي مقام النبات فظهرت فيه النفس النامية النباتيّة التي اصلها العناصر و مقرّها الكبد و مادّتها من لطائف الاغذية و فعله النموّ و الذبول و الزيادة و النقصان فحيوة تلك المرتبة النباتيّة التي هي عبارة عن اوّل امتثاله بقوله تعالي اقبل و ادبر بالنفس النامية النباتيّة المذكورة ثمّ يترقّي الي مقام الحيوان يعني ظهور النفس الحيوانيّة الفلكيّة التي اصلها الافلاك و مقرّها الكبد و فعلها الحركة و الظلم و الغشم و سبب فراقها تخلّل الالات الجسمانيّة فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لاعود مجاورة فحيوة هذه المرتبة بالنفس الحيوانيّة المعبّر عنها في الاحاديث بروح المدرج و هذا ثاني امتثاله لقوله تعالي اقبل ثم يترقّي و يصعد الي مقام الانسان يعني ظهور النفس الناطقة القدسيّة الانسانيّة التي اصلها العقل و مقرّها العلوم الحقيقيّة و سبب فراقها تخلّل الالات الجسمانيّة فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة ثمّ يترقّي و يصعد الي مقام الجامع فيظهر فيه النفس الملكوتيّة الالهيّة و هذه النفس لها جهات و حيثيّات و اعتبارات فبكلّ وجه و توجّه يتوجّه الي مرتبة من المراتب التي فوق مراتب الانسانيّة المعروفة ذوي النفس الناطقة الانسانيّة المترقّية عن رتبة البهيميّة فتختلف المراتب باختلاف الانبياء و المرسلين في التوجّهات و هذه النفس بكلّها و جميع مراتبها و حيثيّاتها ليس الاّ في ذات كاملة جامعة لجميع الصفات و الكمالات الجماليّة المنزّهة عن كلّ الصفات الجلاليّة التي هي مسمّي اسم اللّه تعالي التي هي الاسم الاعظم الاعلي فالمراتب العالية النازلة السابقة كلّها حيوانات اي ذوات حلّت فيهم الحيوة في كلّ مقام و مرتبة بحسبها فحيوتها لمراتبها التي هي غير ذاتها و تكون كلّ منها حيوة لهذه المراتب الصاعدة بعد

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 357 *»

نزولها فحيوانية هذه الحيوانات بتلك المراتب و لولاها لماتت كما لايخفي علي العارف الفطن.

ثمّ اعلم انّ المراتب الحاصلة عند الاقبال و امتثال المخلوق الاوّل بقوله اقبل الظاهرة فيها صفة الحيوانيّة حيوتها بامور ثلثة و ان كانت بجميع المراتب المتقدّمة العالية النازلة السابقة الاخرة الاّ انّه هذه الثلثة هي اصول النشئات و كلّ المراتب غيرها مندرجة فيها بل هنا مراتب لا دخل لها في الحيوة اي الظهور في عالم الادراك و الشعور و الاختيار بل مراتب لجهة تنزّلات تلك المراتب العالية و كسرها و صوغها مثل الطبيعة و المادّة و الجسم قبل النضج و الاعتدال الذي هو مظهر اسم اللّه المميت و لادخل لها في الحيوة من حيث هي حيوة و ان كان لها دخل في ظهورها و ترتّب اثارها عليها و هو غير ما نحن بصدده و امّا المثال و ان كان له دخل فيها لكنّه تابع للنفس بجميع ماله من الظهور و الادراك و الشعور و لونه كلونها و طبعه كطبعها و امّا الروح و ان كان تابعاً للعقل في كلّ ما له لكن فيه من الامور المخصوصة به ماليس في غيره و له اثار و اوضاع تترتّب عليها احكام مخصوصة و لذا تري الحكماء يفردونه في الذكر في كثير من المواضع و ان كان يمكن استخراج احكامه بالنظر الي العقل و النفس لانّ في جهته العليا احكام العقل و في جهته السفلي احكام النفس لكن معرفتها مشكل جدّاً و لما كان متعلّقاً بالحيوة بل هي نفس الحيوة نفرده في الذكر بخلاف المثال كما لايخفي و اذا اردت معرفة هذه الامور بالمعرفة الكاملة ان‏شاءاللّه تعالي فانظر في هذا الشكل بعون اللّه تعالي.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 358 *»

الحيوة‌الحيوان العقل الرّوح النّفس
 

الجامع7

الحبيب و المحبوب الذي اكمل الله فيه
العقل المدبر المقبــــل
النور الاصفر البرزخية الكبري الثانية البراق الذي ورد الاصفر من عرقـــه النفس الملكوتية الالهية ذات الله العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي
 

الانسان

الشاع بمراتبه الذي
هو جهة الكلي و التفاتاته و عناياتــــــــه
بقــــــرة صفـــــراء

فاقــــــع لونهــــــا

تسرّ الناظريـــــــــن

النفس الناطقة القدسية التي اصلها العقل و مقرها العلــــــوم الحقيقيـــة
 

الملك

شعاع الشعاع و ظهور الظهور الغالب عليهم جهة النورانية كما لايخفـــــــي الرقيقة التي صفتها الصعود من شعاع
ماتقدم من المراتـــــب
النفس القدسية التبعية لايعصون الله ما امرهم و يفعلـــون مـا يؤمــرون
 

الجنّ

الشعاع الغالب عليه
جهة الظلمات بحيث يكـــون كالظــــــــل
الرقيقة القشرية
العرفية الفاضلية
الفرعيــــة الطليـــــــة
النفس الحيوانية الفلكية و قد يحصل له الترقي ما لايحصل لغيـره بتصفيـــة النفــــس
 

البهائم

بعد اتصاله بالمبدء و اشراقه عليه بحيث ظنوا انه معدوم فيه و ليس كمايظنــــــون جهة العليا متصلة
في الحكم الي السماء البيــــت الفوقانــــــي
النفس الحيوانية الفلكية اصلها الافلاك و مقرها الكبــد و فعلهـا الظلم
 

النباتات

حاله في ظهور المبدء فيه كالبهائم بل اشد و لذا حكموا عليه بعدم الادراك و العقـــل دقيقة خفية جداً
بحيث من ليس له بصـر حديـــــد لايراهــــــا
النفس النامية النباتية
التي اصلها العناصر و مقرها الكبد و فعلها النمو و الذبول

اعلم ان‌ّ الجامع7 هوالمبدء و كلّ ماتحته من المراتب المذكورة من اشعّته و جزئيّاته و هذا الذي ذكرنا في هذه البيوت هو مرتبة الشعاع في نفسها و الاّ فالكلّ متساوق من جهة الشعاعيّة لكن لما كانت هذه المراتب هي الاصول في الاقبال ذكرناها بالاصالة و الانفراد و ان كان هنا يعني في مراتب الاقبال مراتب و مقامات مثل مقام ال‏محمّد سلام‏اللّه عليهم و الملائكة العالين و الملائكة المقرّبين و الملائكة الكروبيّين و الانبياء و المرسلين و غيرهم من المراتب و الدرجات الاّ انّ بعضها يرجع الي بعض و ليس كلّ واحد منها اصلاً برأسه و شخصه بل يدخل احدها في الاخر كما لايخفي علي من له ادني مسكة و تأمّل.

فاذا عرفت ماقدّمنا لك من بيان مراتب الحيوانات و ترتّبها في مراتبها عرفت انّها ليس في الجميع علي طور واحد و نهج غيرمتعدّد بل حيوة كلّ شي‏ء هو مايناسب ذلك الشي‏ء في ذاته و طوره و لاريب انّ الحيوانات متعدّدة مترتّبة بالعلّية و المعلوليّة و الاثريّة و المؤثريّة فلايجوز ان‏يكون اطلاق الحيوة علي الجميع بمعني واحد اي بالاشتراك المعنوي فيكون الاطلاق في البعض

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 359 *»

بالاشتراك اللفظي و في الاخر بالاشتراك المعنوي علي تفصيل مابيّنّا لك فالحي في الحقيقة و الواقع اسم للذات المقدّسة التي كلّ الحيوانات من اثاره و افعاله فجميع الاشياء الحيّة مظهر لاسمه الحي بل هو عينه اي الاسم و الصفة و قدبيّنّا انّ الاسماء علي قسمين حقيقة ذاتيّة و لفظيّة اسميّة و الاسماء اللفظيّة الاسميّة اسماء للاسماء الحقيقيّة الذاتيّة فهي اسم الاسم و صفة الصفة و لاشكّ انّ اسم الاسم اسم بالطريق الاولي و هذا سنح بخاطري الفاتر حال الكتابة من بيان الوجه الاوّل من الوجوه الاربعة التي هي بيان اسم الحي.

و امّا الوجه الثاني اي القيّوم فاعلم انّ القيّوم هو القائم بذاته و المتقوّم به غيره و هذا ليس من الصفة الذاتيّة كالحي لصحّة السلب و لاعتبار الخلق في مفهومه اذ من البيّن انّه ليس قيّوم في مرتبة ذاته و الاّ لكان الخلق في رتبة ذاته و علي هذا يلزم امّا ان‏يكون الحق سبحانه و تعالي حادثاً او الخلق قديماً و القول بانّ الماهيّات ليست بمجعولة بل هي قديمة مستجنّة في غيب الذات استجنان الشجرة في النواة فيصحّ قيّوميّته بحسب الذات و الحقيقة كلام باطل و قول زور لانّ بطلان قدم الحقائق و الماهيّات اظهر من الشمس و ابين من الامس لايشكّ فيه العارف و امّا الجاهل فلا اعتناء بشأنه و لايصغي لكلامه و القول بانّ القيّوم صفة ذاتيّة باعتبار المبدء و الاصل كما قالوا في الكلام و قالوا انّ المتكلّم من الصفات الذاتيّة من جهة المبدء بل عمّموا القول في جميع الصفات الفعليّة من انّها باعتبار المتعلّق حادثة و باعتبار المبدء قديمة و لااختصاص له بصفة دون صفة اي صفة كانت من تلك الصفات باطل فاسد لانّ مبدء هذه الصفات ليس الاّ العلم و القدرة و هما صفتان ذاتيّتان و ليس هنا كلام او خلق او تقويم او غير ذلك فانّ الذات قبل اظهار صفة من الصفات و اسم من الاسماء قادرة عليها و عالمة بها و ليس فيها الاّ العلم و القدرة اذ من الضروريّات انّ الشي‏ء لايوصف بالمشتقّ قبل وجود المبدء فلايقال متكلّم قبل ان‏يتكلّم و لا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 360 *»

خالق قبل ان‏يخلق و الاّ يلزم ان‏يجوز اطلاق الكاذب علي من لم‏يكذب و الظالم علي من لم‏يظلم لانّه في مرتبة ذاته كان قادراً ان‏يكذب او يظلم و هذا لايجوّزه جاهل فضلاً عن فاضل كما لايخفي.

فظهر انّ القيّوم ليس من الصفات الذاتيّة كالحي بل هو من الصفات الفعليّة و الاسماء الافعاليّة لكنّه اسمٌ جامعٌ بالمعني لجميع الاسماء و الصفات الفعليّة لانّه اذا ثبت انّ اللّه تعالي قيّوم اي قوام كلّ الوجود و الموجود به و ناصية كلّ شي‏ء بيده يثبت اتصاف الكامل سبحانه و تعالي بجميع الصفات و الكمالات المتعلّقة بالحوادث و المخلوقين فهو العالم القادر السميع البصير المدرك المريد المنشئ المبدئ البدي‏ء البديع الخالق الرازق المحيي المميت الباعث الوارث الرحمن الرحيم القهّار الجبّار المتكبّر الحكيم الحليم الرءوف الرحيم و امثال ذلك من الاسماء و الصفات الفعليّة و كلّها تحت هذا الاسم الشريف و للذات الظاهرة بهذا الاسم هيمنة و تسلّط علي كلّ شي‏ء من الاشياء و كلّ موجود من الموجودات من الاعيان و الامكان و الذوات و الصفات و الحقائق و الاسماء و لاشكّ انّ كلّ شي‏ء من الاشياء انّما وجد باسم من الاسماء الفعليّة الخاصّة بذلك الموجود و لمّا كان كلّ ماسوي الحق تعالي شأنه انّما هو من اثار هذا الاسم الشريف كان جميع الاسماء من اتباع هذا الاسم الشريف و لذا افرده اللّه سبحانه و تعالي في الذكر بعد الحي و بعد هو و بعد اللّه في هذه الاية الشريفة التي هي سيّد الايات علي النهج المروي عن اهل‏البيت: فاثبت بقوله الحي اتصاف الكامل سبحانه بجميع تفاصيل الكمالات الحسنة و الصفات الجلاليّة و الجماليّة الذاتيّة و غيرها و بيان اتصاف الكامل بالكمال مطلقاً و اثبت بقوله القيّوم تفاصيل جميع الصفات و الكمالات الحادثة الفعليّة المخلوقة المتعلّقة بالحوادث و المخلوقين علي مابيّنّا لك فيمكن لنا ان‏نعرف هذا الاسم المبارك بكلّ وجه ولو بالوجه بخلاف الحي حيث جعلناه من الصفات الذاتيّة كماسبق فانّا لانعرف بكلّ وجه ولو بالوجه كما لايخفي هذا مايتعلّق بلفظ القيّوم.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 361 *»

و امّا القيام فاعلم انّه علي اربعة اقسام: قيام صدوري و قيام ظهوري و قيام تحقّقي و قيام عروضي و هو معني العرضيّة و يظهر معني الجوهر بمقابلاتها لانّ العرض هو الذي لايقوم بنفسه بل يكون قائماً بغيره فالقائم بالشي‏ء عرضي له و الشي‏ء الذي يقوم به الشي‏ء جوهر و هذا القيام علي اربعة اقسام و هو تمام الوجود و كماله فكلّ شي‏ء فهو جوهر من وجه و عرض من وجه و تنتهي السلسلة الي جوهر الجواهر الذي قال الشاعر فيه:

يا جوهراً قام الوجود به   و الناس بعدك كلّهم عرض

و قال ابن ابي‏الحديد:

صفاتك اسماء و ذاتك جوهر   بري‏ء المعاني عن صفات الجواهر
يجلّ عن الاعراض و الكيف و المتي   و يكبر عن تشبيهه بالعناصر

و الحاصل انّ العرض ليس خاصّاً بمايحلّ في الجسم و الاّ يلزم ان‏لايكون الكلام عرضاً للمتكلّم لكونه قائماً و حالاًّ بالهواء المجذوب المدفوع كما لايخفي فالذي لايكون قائماً بنفسه في الخارج بل يحتاج الي غيره في تقوّمه فهو عرض في الجهة التي يتوقّف علي ذلك الشي‏ء فهو لايخلو عن حالات اربعة لانّه لايخلو امّا انّه لا وجود و لا ثبوت له اصلاً بوجه من الوجوه و يتوقّف في اصل تحقّقه و كونه علي غيره فهو المسمّي بالقيام الصدوري او انّه لاظهور للشي‏ء الاّ به فقوام ظهوره بيده فهو القيام الظهوري او انّه لايتحقّق في الخارج الاّ بحلوله في موضع و جسم فهو القيام العروضي او انّه لاتحقّق للشي‏ء اصلاً الاّ به فهو القيام التحقّقي.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 362 *»

و لك ان‏تقول انّ الشي‏ء لايخلو امّا ان‏يكون متوقّفاً علي مبدئه و علّته الفاعليّة او علي مظهره او علي محلّه و موضعه او علي مقوّم وجوده فالاوّل هو القيام الصدوري و الثاني هو القيام‏الظهوري و الثالث هو القيام‏العروضي و الرابع هو القيام‏التحقّقي.

فالقيام الصدوري هو قيام الشي‏ء بفاعله و علّته في جميع ماله و اليه و منه و به و معه و فيه من امكاناته و وجوداته الخارجيّة الغيبيّة و الظلّية و الحقيقيّة و الرسميّة و لايشترط فيه الاقتران و لا الاتصال و لا الانفصال و لا التباين و لا التساوي و لا المداناة و لا المعاداة و لا القرب و لا البعد بل يكون المعروض في محلّه و مكانه و مرتبته التي هي كينونته علي ما هو عليه و العرض في محلّه و مقامه و مرتبته فايضاً منه صادراً عنه مستمدّاً منه واقفاً ببابه راجياً من جنابه فالمعروض يمدّه و يفيض عليه في مكانه و يجيبه بمايسأل و يطلب مثل الاشعّة فانّها اعراض قائمة بالسراج قيام صدور لا تذوّت و لا تحقّق لها الاّ بتوجّه السراج اليها و يمدّها في امكنتها و مرتبتها بمايناسب قابليّاتها و يليق استعداداتها من قوّة النور و ضعفه و كثرته و قلّته و قربه و بعده و لااتصال بينها و بين السراج لوجوب المشابهة و المناسبة في الملتقي فيكون الشعاع من حيث هو شعاع سراجاً و السراج من حيث هو سراج شعاعاً و الضرورة تشهد بامتناعه و لا انفصال بينها و بين السراج و الاّ ننقل الكلام فيما فصل هل هو السراج او الشعاع او غيرهما فان كان الاوّل يثبت المطلوب و ان كان الثاني يدور او يتسلسل و الضرورة تشهد ببطلان الثالث و كذا لاتباين بينها و بين السراج و الاّ ماصدر عنه شي‏ء و لا التساوي و الاّ لما كان نوراً و منيراً كما لايخفي بل هنا اتصال حقيقي لايعرفه الاّ من فتح اللّه قلبه و سمعه وكذا الصورة في‏المرءاة لانّها حاصلة بالتفات‏المقابل و توجّهه‏اليها فهي عرض‏قائمة بالمقابل المعروض قياماً صدوريّاً لااتصال بينهما و لاانفصال و لاتباين و لاتساوي و لاالمداناة و لاالمعاداة و لاالقرب و لاالبعد وكذا الكلام‏للمتكلّم و امثال ذلك.

فاذن جميع الوجود بل الامكان و الاعيان بحذافيرها اعراض قائمة بفعل اللّه تعالي قيام صدور كلّ منها في مكانه و مرتبته و لذا قال الامام7 اقام الاشياء باظلّتها اي بحقايقها و ذواتها في مراتبها و بهذا المعني نقول بعرضيّة المشيّة و الارادة و ليست عرضيّتهما و قيامهما بالمعروض قيام العروضي حتّي يلزم ان‏يكون الحق تعالي شأنه محلاً للحوادث اذا قلنا بحدوثهما كما هو الحقّ عند اهل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 363 *»

الحقّ: فاذن كلّ سافل اي اثر عرض قائم بالمؤثّر و المعروض قيام صدور و لذا قال العالم7 انا الذات انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات هـ. اعرف هذه المسألة فانّك ان عرفتها تفتح لك ابواب من حلّ الاحاديث المشكلة و معرفة حقائق الاشياء كما لايخفي.

و امّا القيام التحقّقي فهو قيام الصورة بالمادّة و اللازم بالملزوم فانّ المادّة ليست جاعلة للصورة و لا فاعلة لها بل هو سبب تعلّق فعل اللّه سبحانه عليه و تحقّقه فلولاها لماتعلّق بوجوده بوجه من الوجوه لا في الذات و لا في الظهور و كقيام الماهيّة بالوجود فانّ قيامها به ليس بالصدور و الفعل بل هو سبب لتقوّمها و واسطة لتعلّق فعل الحق سبحانه عليه و كذا اللازم و الملزوم فبينهما اربع جعلات جعل متعلّق بالملزوم و جعل متعلّق باللازم و جعل متعلّق بالملازمة و جعل متعلّق بالالتزام و كلّ جعل تابع للاخر و قائم به قيام تحقّق اذ لا شكّ بانّ هذه الامور لابدّ منها في الملازمة و اللزوم و لايصحّ بغيرها و لا شكّ انّ كلاً منهما ليس عين الاخر لترتب الاحكام المختلفة الدالّة علي المغايرة عليهما فاذا صحّت المغايرة فنقول هذه الامور لاتخلو امّا ان‏يكون جميعها مجعولة ام ليست بمجعولة او بعضها مجعولة و بعضها ليس بمجعولة فان كان الاوّل ثبت المطلوب و ان كان الثاني يلزم قدمهما و ان كان الثالث يلزم ترتّب القديم علي الحادث و تبعيّته له اذ لا شكّ انّ اللازم تابع للملزوم و صفة له و قدم الملزوم خلاف المفروض فعلي الاوّل لايخلو امّا ان‏يكون تلك الامور مجعولة بجعل واحد حقيقي ام لا بل كلّ واحد منها مجعولة بجعل مستقلّ عليحدة لاسبيل الي الاوّل و الاّ يلزم ان‏يكون الشي‏ء الواحد في الان الواحد مشابهاً لامور متعدّدة مختلفة في القوّة و الضعف و يلزم منه ان‏يكون الشي‏ء الواحد من حيث هو واحد متعدّداً و من حيث هو متعدّد واحداً و هذا ممّا لايتصوّر بل لايتعقّل لانّ المجعول لايمكن تحقّقه الاّ بجعل الجاعل و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 364 *»

الجعل الذي هو عبارة عن الفعل المتعلّق بالمجعول المفعول لابدّ ان‏يكون له مناسبة و مرابطة و مشابهة مع هذا المجعول الخاصّ دون غيره ليصحّ صدور ذلك عنه دون غيره و الاّ يلزم الترجيح من دون مرجّح و هو باطل اذ لولا مشابهة حركة يد الكاتب بالالف في الاستقامة لتعذّر صدورها منها دون الباء و ساير الحروف و هذا ممّا لايشكّ فيه عاقل و هو قولهم الواحد من حيث الوحدة الخاصّة الشخصيّة لايصدر عنه الاّ الامر الواحد الخاصّ الشخصي فيجب ان‏يتعلّق بكلّ واحد من تلك الامور جعل غير الجعل المتعلّق بالاخر فيتعدّد الجعل بتعدّد المجعول.

فالقول بانّ اللوازم و الماهيّات ليست بمجعولة ان ارادوا به انّها ليست بمجعولة مطلقاً اي ماتعلّق بها جعل جاعل و تأثير مؤثّر فتكون الماهيّات قديمة، باطلة لامعني له عند اهل المعني كما تكلّمنا عليه في ساير المباحث و ان ارادوا به انّها ليست بمجعولة جعلاً مستقلاً غير جعل الملزوم فان ارادوا به انّ هنا ليس جعل غير جعل الملزوم بل هو جعل واحد و انّما وجد اللازم حين وجود الملزوم من غير تعلّق جعل عليه فهو باطل لما عرفت من انّ اللازم ليس عين الملزوم حتّي يكفيه جعل واحد بل هو غيره بالبديهة و ليس بقديم فيلزم المحذور المتقدّم من ان‏يكون الشي‏ء الواحد في حال واحد قويّاً و ضعيفاً و موصوفاً و صفة حارّاً و بارداً و هو ممّا يعلم خلافه بالضرورة فيجب ان‏يتعلّق به جعل غير جعل الملزوم ولكن هذا الجعل تابع لجعل الملزوم كما انّ اللازم تابع للملزوم يعني انّ اللازم انّما حصل و وجد مقصوداً بالعرض لا اوّلاً و بالذات فلولا الملزوم لما وجد اللازم فهو عرض للملزوم و قائم به قيام تحقّق و كذا الملازمة و النسبة و الالتزام كلّها امور مجعولة مخلوقة متقوّمة بالاخر قيام تحقّق.

و كذا القول في الوجود و الماهيّة فانّ فيهما اربع جعلات لانّ اللّه تعالي خلق الوجود اوّلاً ثم خلق الماهيّة به ثمّ خلق النسبة بينهما حين وجودهما فهي قائمة بالطرفين حين تحقّقهما ثمّ الزم الماهيّة بالوجود لكن لمّا كان الامر دفعة واحدة ليس بين هذه المراتب تقدّم و تأخّر زماني اشتبه علي المحجوبين هذا التفصيل و ماادركوا تلك الدقيقة و قالوا انّه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 365 *»

ليس هنا الاّ جعل واحد كالزوجيّة للاربعة فانّ الاربعة مهما وجدت و تحقّقت تكون الزوجيّة معها فلاتحتاج الزوجيّة الي جعل ثاني و كذلك الاشراق للشمس و الاحراق للنار و الماهيّة للوجود لكنّهم ما دروا انّ اللوازم و الماهيّات امور خلقها اللّه سبحانه فالزمها ملزوماتها و ليست هي اموراً مستقلّة من دون اللّه و لا هي اعداماً صرفة لاتقبل الجعل و الوجود كيف و قدقال تعالي الم‏تر الي ربّك كيف مدّ الظلّ و لو شاء لجعله ساكنا اي غيرمتحرّك بحركة الشمس و لا تابع له في الظاهر امّا في التأويل فهو اشارة الي الماهيّات بالنسبة الي شمس الوجود الم‏تعلم انّ اللّه علي كلّ شي‏ء قدير لكنّ اللّه سبحانه من جهة لطفه ماجبرها و اعطاها مقتضاها فاخبر عنها بقوله ثمّ جعلنا الشمس عليه دليلاً هادياً و وليّاً مرشداً يهتدي به في ظلمات العدم و يخرج من الظلمات الي النور نور الوجود الذي هو الظلمة فلولا الشمس لم‏يتحقّق الظلّ علي مقتضي القابليّة من باب الحكم الوضعي عند اهل الاصول و الفروع و الاّ فاللّه سبحانه قادر علي منع المسبّب عند وجود السبب و المقتضي عند تحقّق الاقتضاء كما صرّح بقوله الحق انفاً ولو شاء لجعله ساكناً و لمّا علم الحق سبحانه و تعالي انّ الشيطان يدخل في اوهام اكثر الناس اشباه البهائم انّ اللوازم يمتنع انفكاكها عن الملزومات و السمبّبات عند الاسباب ليخرجوا بذلك الحق تعالي عن قدرته العامّة و سلطنته الكاملة و يحصروا قدرة الحق سبحانه علي وفق افهامهم الكاسدة و مقتضي عقولهم الفاسدة المغيّرة بالنكراء و الشيطنة ازال تلك الشبهة و اذهب تلك الخدشة اتماماً للحجّة و اكمالاً للنعمة بعد ما قرّر اوّلاً بقوله ثمّ قبضناه الينا قبضاً يسيراً بالتكوين و الفطرة و ان كان يسجد للشمس من دون اللّه عند الشعور و الرويّة فيسير الي اللّه سبحانه سيراً ذاتيّاً عرضيّاً علي خلاف التوالي و هو قوله تعالي او لم‏يروا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 366 *»

 الي ما خلق اللّه من شي‏ء يتفيّؤ ظلاله عن اليمين و الشمائل سجّداً للّه و هم داخرون فاشار بالظلال الي الماهيّات المستقلّة الغير القارّة الاّ بالوجود و اشار بتذكير الضمير و جمعه الي استقلاله و تذوّته و تحقّقه و اشار بالسجود الي السير الي الحق سبحانه بالذات منفصلاً عن الوجود و هو سرّ الاختصاص بالذكر تعالي ربّي و تقدّس عمّا تصفه الاوهام و العقول المغيّرة.

لايقال انّ انفكاك اللازم عن الملزوم من الممتنعات التي لاتصلح لتعلّق القدرة بها و لايلزم منه نقص في اللّه سبحانه لانّ اللّه سبحانه انّما تعلّق قدرته بارادته و مشيّته بالممكن و امّا الممتنع فلامثل خلق الشريك له و ادخال العالم كلّه في بيضة بحيث لاتصغر الدنيا و لا تكبر البيضة و اجتماع النقيضين و امثال ذلك من الامور التي لايمكن تعلّق الجعل به و لايلزم منه نقص بوجه من الوجوه كما انّه مالزم النقص عند امتناع تحقّق الامور المحالة التي ذكرناها و مالم‏نذكرها لانّا نقول هذا قياس مع الفارق لانّ مناط امكان الشي‏ء و الحكم بامتناعه هو امتناع التصوّر الذهني فكلّ مايمكن تصوّره و فرضه و اعتباره و تخيّله و تعقّله و توهّمه فهو ممكن تتعلّق به القدرة و اللّه تعالي قادر عليه اذا اراد ان‏يظهرها في الاعيان فعل الاّ انّ كثيراً من الممكنات لايظهرها و يوجدها لحكم و مصالح لاتحيط به عقولنا و ليس من جهة امتناع ذاته و كلّ مايمتنع تصوّره بجميع المراتب و المقامات ليس بممكن لاتتعلّق به القدرة لانّه قدبرهن في موضعه انّ المدرِك و المدرَك لابدّ بينهما من المناسبة و المرابطة فالشي‏ء الممكن لايمكنه ان‏يتصوّر الاّ ممكناً و لذا قال العالم7 كلّ ما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و قال 7انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و قال7انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله فدلّ العقل و النقل علي انّ كلّ متصوّر يجب ان‏يكون ممكناً و هو متعلّق القدرة و الذي لايتعلّق به القدرة لايمكن تصوّره و توهّمه.

فان قلت انّا نتصوّر شريك الباري و دخول الدنيا في البيضة بحيث لاتصغر الدنيا و لاتكبر البيضة و اجتماع النقيضين و امثالها من الامور المحكومة عليها

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 367 *»

بالامتناع فيجب ان‏تكون ممكنة، قلت ان الذي له العقل السليم و الذهن الصافي المستقيم يعلم بالضرورة و البديهة انّ ذلك ما يمكن بوجه من الوجوه و امّا في شريك الباري فكما قلنا سابقاً و امّا في اجتماع النقيضين و دخول الدنيا في البيضة و امثالها فلايمكن تصوّرها بالاجتماع بوجه من الوجوه بل تتصوّر اوّلاً الدنيا في مكانها و هيئتها ثمّ تتصوّر البيضة في محلّها و مقامها ثمّ تحكم عليه هذا الحكم الباطل و لايمكنك تصوّر الدنيا بكبرها و هيئتها موجودة في البيضة بصغرها و هيئتها و كذلك اجتماع النقيضين و كذلك اثبات الولد للّه سبحانه و تعالي اذ لايمكنك تصوّر وجود زيد و عدمه دفعة واحدة بل تتصوّر كلاًّ منهما في محلّه ثمّ تحكم عليه بالاجتماع بخلاف تصوّره و هذا معلوم لمن راجع الي وجدانه و قرأ حروف نفسه.

فظهر لك من هذا البيان انّ فرض المحال محال لانّ المحال هو الذي لايتعلّق به القدرة و كلّ ممكن تتعلّق به القدرة و كلّ ما ليس بممكن لايمكن للممكن ادراكه لانّ الشي‏ء لايدرك الاّ ما هو من سنخه و جنسه و الاّ يلزم ان‏يدرك الممكن حقيقة الواجب و ذاته فكلّ من جوّز تصوّر الممتنعات و العلم بها جوّز تصوّر ذات الواجب و العلم بكنه حقيقته لكن التالي باطل و المقدّم مثله و الملازمة ظاهرة لكون الواجب و الممتنع مشتركين في عدم كونهما من سنخ الممكن و عدم وجودهما في مرتبة من مراتبه و قدصحّ انّ الشي‏ء لايتجاوز ماوراء مبدئه و هذا ظاهر و امّا هذه الاحكام باعتبار ماعندنا من التصوّر المسمّي بالممتنع و المحال و ليس هو الاّ ممكناً فقولنا شريك الباري ممتنعٌ معناه انّ الحكم علي ذلك المتصوّر المحدود المخلوق بكونه شريكاً للواجب سبحانه و تعالي باطل محال لا انّ ذلك التصوّر محال بل هو شي‏ء متحقّق متأصّل في الذهن منتزع عمّا يقابله من الخارج اذ لم‏يتصوّر احد شيئاً الاّ و قدخلقه اللّه سبحانه قبل ذلك حتّي لايقال لم لم‏يخلق ذلك و هو كما قال تعالي اعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماء حتّي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً و هذا النفي ليس نفي الشيئيّة مطلقاً ضرورة انّه اذا جاءه يجده السراب البتّة كما اتّفق

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 368 *»

كثيراً في البريّة في اطراف نجد فنفي الشيئيّة باعتبار ماكان يتوهّم الظمئان من وجود الماء و كذلك الامر فيما نحن فيه بعينه و لذا اخبر الحق سبحانه عن المطلق بانّه لايعلمه كما قال اتنبّئونه بمالايعلم في السموات و الارض ام بظاهر من القول يعني لفظ لا معني له. يا اخواني تعجّبوا من اقوام ماكفاهم ادّعاء الربوبيّة ادّعوا فوقها و قالوا نحن نعلم مالم‏يعلمه اللّه تعالي خالقنا ورازقنا و محيينا و مميتنا و خالق علومنا و منزل الادراكات و الصور العلميّة في اذهاننا و عقولنا فتبّاً لهم و سحقاً لقد ضلّوا ضلالاً بعيداً و خسروا خسراناً مبيناً و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم.

فاذا عرفت بالبرهان انّ كلّ ما يتصوّره الانسان فهو ممكن و كلّ ممكن يتعلّق به القدرة فاعلم انّا نحكم في العقل و التصوّر بانفصال اللازم عن الملزوم و الوجود عن الماهيّة و الهيولي عن الصورة يعني نتصوّر كلاً من هذه الامور مجرّداً عن لازمه في الذهن و ان كان لايتحقّق في الخارج الاّ به كما صرّحوا بذلك في كتبهم الكلاميّة و الحكميّة و المنطقيّة في بحث الدلالة الالتزاميّة و ما اشبهها و القاعدة في ذلك هو انّ الشي‏ء اذا لم‏يكن عين الشي‏ء او جزؤه الداخل في مفهومه يمكن تصوّره مجرّداً عنه و ان كان من لوازمه الذاتيّة او الخارجيّة او الذهنيّة او من مقوّمات وجوده او من مشخّصاته مثلاً تتصوّر الانسان و لايخطر ببالك قبوله للعلم و الصنعة و الكتابة و تتصوّر الشمس و لاتتصوّر الاشعّة و تتصوّر النار و لاتتصوّر الاحراق في الخارج و تتصوّر الاربعة و لاتتصوّر الزوجيّة لانّ اللازم مع الملزوم رتبة ثانية للملزوم اذ لاشكّ بانّ الملزوم من حيث الذات مقدّم علي اللازم و الوجود علي الماهيّة و المادّة علي الصورة و اللازم بحسب الذات مؤخّر عن الملزوم و كذا الماهيّة عن الوجود و الصورة عن المادّة فيكون بينهما تقدّم و تأخّر ذاتي و ان لم‏يكن زمانيّاً فاذا صحّ التقدّم و التأخّر فيكون المؤخّر منفصلاً عن المقدّم في رتبة المقدّم و المقدّم عن المؤخّر في رتبة المؤخّر فاذا صحّ الانفصال صحّ الانفكاك فاذا صحّ الانفكاك في الذهن و التصوّر تتعلّق به قدرة الحكيم الحق القديم تعالي و له المشيّة ان شاء فصل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 369 *»

بينهما كما فصل بين الاحراق و النار في قصّة ابرهيم7 و التبريد و الماء و امثال ذلك و ان شاء ابقاهما علي مقتضاهما كما اشار الي الشقّين في الاية السابقة الم‏تر الي ربّك كيف مدّ الظلّ و لو شاء لجعله ساكناً و هذا الافتراق و الانفصال بحسب قدرته و سلطانه جلّ جلاله ثمّ جعلنا الشمس عليه دليلاً هذا الاجتماع و الاتّصال حسب استعداده و سؤاله و طلبه و دعائه امّن يجيب المضطرّ اذا دعاه و يكشف السوء عمّن ناجاه. و قدظهر لك من هذا البيان التامّ انّ القيام التحقّقي هو ان‏يكون العرض قائماً بمعروضه في التحقّق و الوجود الخارجي و نفس الامري فيكون المعروض سبباً و واسطة لايجاد العارض لا علّة و فاعلاً و محدثاً و مصدراً كما كان في القيام الصدوري

و امّا القيام الظهوري فهو قيام ظهور الشي‏ء بالاخر لا ذاته و لا كونه فيكون العارض هو الظهور وحده مثل قيام الاشعّة بالارض و قيام الصورة بالمرءاة و قيام ظهور الملزوم باللازم و الوجود بالماهيّة و المادّة بالصورة فانّ الارض ليست علّة لوجود الاشعّة و تحقّقها بالذات فانّ الشعاع هو لازم للشمس و متّصل بها في عين الانفصال يتحقّق مهما تحقّقت الشمس و السراج و لا مدخليّة فيه للارض لانّ الشمس ليست فاعلة بالاختيار كالانسان بحيث ان شاء فعل و ان شاء ترك علي الظاهر و ان كانت فاعلة بالاختيار بهذا المعني كما سيجي‏ء بيانه فيكون الشعاع لازماً لها حين وجودها ولكنّه لايظهر الاّ عند وجود شرايطه و هو الجسم الكثيف فيكون الجسم الكثيف سبباً لظهوره لا سبباً لوجوده و كذلك الصورة بالمرءاة فان الصورة تحدث عند المقابلة مطلقاً لكنّها لاتظهر الاّ عند مقابلة الاجسام الصيقليّة فالمعتبر في القيام الظهوري هو قيام ظهور العالي للسافل فيكون ذلك الظهور هو نفس السافل فقد ظهر السافل بالسافل فيكون السافل محلاً لذلك الظهور الذي هو نفسه من حيث نفسه فيتحدّ الظهور و المظهر و هو قول امير المؤمنين7 في الملأ الاعلي صور عارية عن الموادّ خالية عن القوّة و الاستعداد تجلّي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويّتها مثاله اي ظهوره و الهويّة هي المثال كما قال7 في حديث اخر لاتحيط به

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 370 *»

الاوهام بل تجلّي لها بها و بها امتنع منها هـ. و لمّا كان الشي‏ء لايُعرف الاّ به لا بغيره و الاّ لايعرف اعرفوا اللّه باللّه و الرسول بالرسالة و اولي الامر بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر فيعرف السافل العالي بنفس العالي الذي هو نفس السافل الذي هو مثال العالي الملقي في هويّة السافل الذي هو طرفه في قول الشاعر:

اذا رام عاشقها نظرة   فلم‏يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفاً رءاها به   فكان البصير بها طرفها

و لهذه الدقيقة قلنا انّ اللّه سبحانه و تعالي لايعرف الاّ بما وصف به نفسه و ما وصف نفسه بنحو ما وصف به غيره فكان وصفه لنفسه مخالفاً لوصفه لغيره فلا احد عرف اللّه الاّ اذا عرف ذلك الوصف و لا احد عرف ذلك الوصف الاّ اذا جهل الخلق اصلاً و رأساً حين عرف ذلك الوصف و ذلك الوصف هو الظهور الذي قلنا هو نفس الموصوف الذي هو نفس الموصوف له فاذا عرفت ذلك الوصف عرفت الموصوف بذلك الوصف اي الظاهر بذلك الظهور المخصوص فيكون الظاهر عين الظهور الذي هو عين المظهر و كلّ هذه المراتب مراتب الخلق و مقامات الرسم لانّ وصف الحق للخلق بالخلق خلق و رسم انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته فافهم فهّمك اللّه تعالي من مكنون علمه و مخزون سرّه.

فان قلت انّك قلت انّ المعتبر في القيام الظهوري هو قيام ظهور العالي بالسافل للسافل فيكون السافل محلاً لذلك الظهور الذي هو نفسه و ما مثّلت بالاشعّة و الارض و الصورة بالمرءاة لايوافق ذلك فانّ الارض غير الاشعّة و الصورة غير المرءاة كما لايخفي، قلت انّ الذي قلنا ثانياً هو في السلسلة الطوليّة و مامثّلنا هو في السلسلة العرضيّة فلاتنافي علي انّا نقول انّ الارض و المرءاة يجري فيهما ماذكرنا من الاتّحاد لانّ الارض هو نفس الشعاع القابلة لظهور الشمس الذي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 371 *»

هو نفس الشعاع و المظهر في الحقيقة الذي به قيام ظهور الشمس هو نفس الشعاع فيتّحد الظهور و المظهر بل الظاهر لانّ الشمس ماظهرت للشعاع بذاتها ليكون الظاهر هو الشمس بل ظهرت بنفس ذلك الشعاع كما لايخفي و امّا الارض هذه المعروفة فهي محلّ لتلك المظهر فافهم و كذا القول في الصورة و المرءاة فانّ الصورة نفس المرءاة المنطبعة فيها الصورة علي ماحرّرنا لك في الشمس و امّا الزجاجة فهي محلّ المحلّ و محلّ المظهر و لايقال للارض علي الحقيقة و المرءاة التي هي الزجاجة علي الحقيقة المظهر بل المظهر هو نفس ظهور الظاهر كما لايخفي لكن هذا المطلب من اصعب مايرد علي العلماء الفحول و لاتنكر اذا ماعرفت فانّ علم ال محمّد9صعب مستصعب اجود كريم ذكوان مقنّع لايحتمله الاّ الملك المقرّب او النبي المرسل او المؤمن الممتحن قلبه للايمان و نحن تكلّمنا في هذا المقام علي الظاهر حسب مايعرفه العوامّ و علي الحقيقة حسب مايعرفه الخواصّ و الخصّيص ليعلم كلّ اناس مشربهم و ينال كلّ احد مطلبهم.

و امّا القيام العروضي فهو كما قاله المتكلّمون و الحكماء في بحث الجواهر و الاعراض و حصروا العرض فيه من انّه الموجود في الموضوع و هو مايحلّ في الاجسام و هو منحصر في المقولات التسع الكمّ و الكيف و الوضع و الاضافة و الزمان و الفعل و الانفعال و الملك و الجدة و قدملأ العلماء اهل الظاهر كتبهم من بيانها و ذكر مايتعلّق بها من اوصافها واحوالها و من اراد الاطلاع فلينظر كتبهم سيّما المجلّد الثالث من كتاب الاسفار للملاّصدرا فانّه قداستقصي المرام في الحقيقة في ذلك الكتاب لكن الذي ذكروا كلّها متعلّقة بالقشور و الظواهر و لو كان لي مجال لبيّنت لك حقائق ماذكروا من الظواهر لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم هذا هو الاقسام الاربعة التي قلنا سابقاً انّها للعرض.

فمجمل القول هو انّ الاشياء كلّها بحذافيرها اي كلّ مايصدق عليه الشيئيّة جوهر و عرض لكن

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 372 *»

الجوهريّة و العرضيّة في موضوعين و ذلك لانّ الاشياء لاتذوّت و لاتحقّق لها الا بمباديها في كلّ احوالها و اطوارها فهي قائمة بها علي احدي الاقسام من القيام فتكون اعراضاً لها امّا بالصدور او بالتحقّق او بالظهور او بالعروض كماعرفت و امّا اذا نظرت الي صفاتها و هيئاتها و حالاتها و افعالها و اثارها القائمة بها فتكون جواهر و هذا المعني عامّ كلّي لااختصاص له بشي‏ء دون شي‏ء اذ كلّ شي‏ء لايتحقّق الاّ بهيأة و صفة فهو محلّ‏لها و هي قائمة بها و لانعني بالجوهريّة و العرضيّة الاّ هذا كمالايخفي.

فان قلت علي هذا التقرير يلزم ان‏يكون الحق سبحانه و تعالي جوهراً لقيام الاشياء كلّها به قيام صدور لحدوثها به و صدورها عنه قلت نعم اذا كان ذات الحق جلّ جلاله جاعلة للاشياء و خالقة لها بذاتها و هو كذب محض لانّ الذات البحت من حيث هي‏هي لاتتّصف بالخالقيّة و الفاعليّة كما هو معتقدنا و معتقد ائمّتنا: و لتصريحهم بانّ الخالقيّة و الفاعليّة من صفات الفعل لا صفات الذات لانّه لو كان الاتّصاف باقياً في الازل لما جاز لك سلبها عنه فتقول لم‏يفعل و لم‏يخلق اذ لايرد النفي و الاثبات علي الذات البحت ضرورة انّ الصفة الذاتيّة عين ذاته تعالي فاذا ثبت انّ الذات من حيث هي لاتتّصف بالفاعليّة في رتبة الازل اذ الفاعل لايكون الاّ عند الفعل و الخالق لايكون الاّ عند الخلق.

و امّا قول الامام7 له معني الخالقيّة اذ لامخلوق فالمراد به القدرة لاهذه الصفة الخاصّة و لذا قال7 معني الخالقيّة فافهم فاذا اتّصفت بها لايخلو امّا انّ الذات يتّصف بها من حيث هي او الفعل لاسبيل الي الاوّل و الاّ يلزم ان‏يحدث في الذات مالم‏يكن معه في‏الازل و منه يلزم التغيير و الحدوث و لعمري انّ هذا المعني لايتصوّر ابداً بوجه من الوجوه كما سنتكلّم ان‏شاءاللّه تعالي فتعيّن الثاني فالفاعل ظهور الذات بالفعل و ظهور الذات غير الذات و ان كان لاتذوّت له الاّ بالظاهر فالاشياء قائمة بمبدئها و علّتها قيام صدور و هو فعله لا ذاته و الي هذه الدقيقة اشار الامام جعفربن محمّد الصادق8 في قوله خلق اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 373 *»

الاشياء بالمشيّة و خلق المشيّة بنفسها يعني انّ اللّه سبحانه و تعالي خلق الفعل بنفس الفعل ففاعليته نفسه باللّه تعالي فهو الكاف المستديرة علي نفسها تدور علي نفسها علي خلاف التوالي دوران المعلول علي العلّة و تدور نفسها عليها علي التوالي دوران العلّة علي المعلول لاتظنّ انّ هنا علّة و معلولاً حقيقة فتقول يلزم تقدّم الشي‏ء علي نفسه ضرورة انّ العلّة مقدّمة علي المعلول بالذات و ان‏كانت معه في الظهور في بعض الاحوال بل هنا شي‏ء واحد بسيط في كمال البساطة نعتبر فيه هاتين الجهتين و هو تعبير علي انّه لا حادث قبله و لا فعل سواه و الاّ يلزم التسلسل او الدور ضرورة انّ الفاعل انّما يفعل بالفعل لا بالذات يعني انّ اللّه تعالي اخترعه اختراعاً فهو الاختراع الاوّل من غير مادّة و لامدّة و لا فعل غير نفسه ثمّ خلق الموجودات كلّها به فهو فاعليّة الحقّ في الاشياء و فاعليّته لنفسه و المثال التقريبي لهذا المطلب السراج فانّ النار هي الفاعلة فيه اي في النور من غير نسبة و ارتباط بينهما لانّ الاضاءة و الانارة ليست فيها بوجه من الوجوه فاحدثت الشعلة بنفسها من غير شعلة غيرها و لا نور قبلها ثمّ احدثت الاشعّة بالسراج فالنار تمدّ السراج بنفسه لابذاتها اذ ليس فيها نور و لا ضياء و تمدّ الاشعّة بالسراج انظر الي الشعلة هل لها استقلال و تذوّت بدون النار و هل الشعلة مستمدّة من ذات النار بوجه من الوجوه فالشعلة قائمة بنفسها تدور علي نفسها علي خلاف التوالي و نفسها تدور عليها علي التوالي و الاشعّة كلّها تدور علي الشعلة علي خلاف التوالي و الشعلّة تدور عليها علي التوالي لكن الشعلة ليست مستقلّة في هذا الاستمداد من نفسها فالنار تمدّها من نفسها فهي فاعلية النار بنفسها و للاشعّة.

و اذا عرفت هذا المثال تعرف قول الامام7 المتقدّم لكنّه تقريبي فانّ المثال مقرّب من وجه و مبعّد من كلّ الوجوه كما لايخفي علي الفطن العارف فاذا كانت الاشياء قائمة بفعل اللّه تعالي قيام صدور فتكون اعراضاً لفعله لا لذاته فيكون الفعل هو جوهر الجواهر و اسطقسّ الاسطقسّات كما قال:

يا جوهراً قام الوجود به   و الناس بعدك كلّهم عرض

 

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 374 *»

فنفي الجوهريّة عن ذات الحقّ سبحانه باقٍ علي حاله قال7انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و ليس الحقّ سبحانه غاية الاشياء و منتهيها حتّي تصدق عليه الجوهريّة فجوهر الجواهر هو منتهي الاشياء و هو الفاعل و هو امره الذي اذا قال للشي‏ء كن فيكون و هنا دقيقة لابدّ ان‏نذكرها حتّي يتبيّن الامر و يوضح المراد.

فنقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم انّك تقول انّ القائم في جاء زيد القائم مرفوع علي التبعيّة و الوصفيّة و الاخ في قولك جاء زيد اخوك مرفوع علي التبعيّة و البدليّة فيجب ان‏يكون القائم غير زيد لانّ الصفة تابعة للموصوف و الموصوف متبوع و التابع في الرتبّة الثانية من المتبوع و لذا قال امير المؤمنين7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كلّ صفة علي انّها غير الموصوف و شهادة كلّ موصوف علي انّه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث هذا كلام علي ظاهر الحال و امّا الحقيقة فاعلم انّ الصفة من مقتضيات الموصوف مطلقاً فاذا تحقّق المقتضي يجب ان‏يكون المقتضي معه لتحقّق الاقتضاء الذي لابدّ له من وجود المقتضي الاّ ان‏يمنعه المانع من مشيّة اللّه سبحانه و تعالي و مااجري الحق تعالي عادته علي ذلك لانّه سبحانه ابي ان‏يجري الاشياء الاّ باسبابها فاذا تحقّق السبب لابدّ ان‏يوجد المسبّب عنده و ان‏كان علي خلاف مايحبّه.

فاذا ثبت انّ الصفة من مقتضيات الموصوف فنقول ان كان المقتضي هو الذات من حيث هي كانت الصفة ذاتيّة بل هي عين الموصوف او لازم ذاته بحيث مهما تحقّقت الذات تكون الصفة لكونها مقتضاها و لايتخلّف المقتضي عن المقتضي مثل الحيوة و الشعور و الادراك للانسان فمهما وجد الانسان تكون الحيوة معه فيتّصف بصفة الحي حين وجوده في جميع احوال وجوده فلايمكن ان‏يوجد الانسان و لايتّصف بالحيوة ابداً لاقتضاء الانسانيّة نفسها ذلك و ان كان المقتضي فعل الموصوف تكون الصفة فعليّة يعني منسوبة الي الفعل لا الذات لا دخل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 375 *»

لتلك الصفة في الذات و لمّا كان الفعل لاتحقّق له الاّ بالذات فانّها بنفسها تنسب الي الذات بالاصالة و امّا في الحقيقة للفعل لكونها من مقتضيات الفعل لا من مقتضيات الذات كالقائم و القاعد و المتحرّك و المتكلّم و امثال ذلك اذ لو كان القيام من مقتضيات الذات للزم ان‏لايتخلّف منها في جميع اوقات وجودها فيجب ان‏يكون زيد لم‏يزل قائماً فلايصحّ وصفه بالقعود او لم‏يزل متكلّماً فلايصحّ وصفه بالسكوت و امثال ذلك من الصفات فلايصحّ ان‏يقال انّ القائم هو زيد لانّ القيام ليس من اقتضاء ذات زيد و الاّ لماكان يتخلّف فلمّا تخلّف عرفنا انّه ليس هو زيد بل صفة من صفاته و تابع من توابعه فالقائم مثال زيد و ظهوره بالقيام و اية تعريفه و تعرّفه لافرق بينه و بين زيد في المعرفة بحيث من عرف القائم عرف زيداً الاّ انّه عبده و خلقه فتقه و رتقه بيده بدؤه منه و عوده اليه فالقائم اسم الفاعل لا اسم الذات لماعرفت من انّ الذات البحت من حيث نفسها ليست علّة و لا فاعلة فاوجد الفاعل بنفس الفاعل ثمّ اوجد القيام به فالمفعول المطلق في الحقيقة هو الفعل لانّه اوّل من وقع عليه فعل الفاعل الذي هو ظهور الذات و الفعل هو ظهور الفاعل و المفعول ظهور الفعل فالفعل من حيث انّه اوّل ظهور الذات هو الفاعل و من حيث انّه اوّل ماحدث من الفاعل المفعول و من حيث انّه واسطة لتعلّق تأثير الفاعل بالمفعول فعل فاتّحد الفاعل و الفعل و المفعول كاتّحاد الظاهر و المظهر و الظهور في فاعل القيام فالقائم بمنزلة التوحيد و البيان و القيام بمنزلة المعاني ركن التوحيد فمقام البيان الذي هو مقام التوحيد هو مقام المقامات و العلامات التي لاتعطيل لها في كلّ مكان.

فاذا عرفت هذه الدقيقة عرفت الموضوع له الاسماء الالهيّة و الاوصاف الربوبيّة بعد ماعرفت انّ ذات الحق سبحانه ليس مدلولاً للفظ و لايدلّ عليه لفظ لانّ الادوات انّما تحدّ انفسها وتشير الالات الي نظائرها لكنّها جهات تعرّف الحق و وجه الالتفات اليه فالالفاظ و العبارات و الاشارت و التعبيرات و الالتفاتات و العلوم و الصفات كلّها ترد علي تلك المقامات مقام القائم اي الفاعل من حيث الاسميّة و الوجهيّة فهي منتهي جميع

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 376 *»

تعلّقات الصفات و هي لاشي‏ء عند الذات و موصوف جميع الصفات و النعوت و الاسماء و هو الذي قال الحجّة7في دعاء يوم رجب فجعلتهم معادن لكلماتك و اركاناً لتوحيدك و اياتك و مقاماتك و علاماتك التي لاتعطيل لها في كلّ مكان يعرفك بها من عرفك لافرق بينك و بينها الاّ انّهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك فالتوحيد و الايات و المقامات و العلامات هي بمنزلة القائم علي مابيّنا لك و لها هذه الاسامي بالاعتبارات فسمّيت بالتوحيد من جهة انّه اقصي مقاصد الموحّدين و غاية مطلب العارفين لا احدٌ يتجاوز عن ذلك المقام في كلّ العوالم لا الملك المقرّب و لا النبي المرسل و لا المؤمن الممتحن قلبه للايمان و سمّي بالايات من جهة انّه اوّل ظهور الحق للخلق و اوّل تجلّيه و ايته و هو الذي قال تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق من ربّهم و هي تلك المقامات لانّ كلّ شي‏ء هو من اثار تلك الايات و مظاهر افعالها فهي المرئي في الافاق و الانفس كما لايخفي و سمّي بالمقامات لانّه مقام الظهور و محلّ التجلّي و البروز بعد العماء المطلق فقام ظهور الحق تعالي و سمّي بالعلامات لانّها مثال ظهور الحق و صفة تجلّيه و اسمه الدالّ عليه باكمل الدلالات الامكانيّة لانّ الاسم مشتقّ من الوسم و هي العلامة و انّما اتي بصيغة الجمع في الايات و المقامات و العلامات لتعدّد ذلك المقام في عين الاتّحاد و هو خمسة مقامات الاوّل مقام السرّ المقنّع بالسرّ و المجلّل به و هو مقام الباطن الثاني مقام السرّ المستسرّ بالسرّ و مقام الباطن و الباطن من حيث هو باطن الثالث مقام سرّ السرّ و مقام الباطن و الظاهر الرابع مقام السرّ و باطن الظاهر و الظاهر من حيث هو ظاهر الخامس مقام الظهور

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 377 *»

فالاوّل هو النقطة و الرحمة و هو النقطة تحت باء بسم اللّه الرحمن الرحيم و الثاني هو الالف و النفس الرحماني الاوّلي و هو الباء في بسم اللّه الرحمن الرحيم و الثالث هو الحروف و السحاب المزجي و هو اجزاء بسم اللّه الرحمن الرحيم و الرابع هو الكلمة التامّة و السحاب الثقال المتراكم و هو تمام بسم اللّه الرحمن الرحيم فالاوّل هو حم و الثاني هو الكتاب المبين و الثالث هو فيها يفرق كلّ امر حكيم و الرابع انّا انزلناه في ليلة مباركة انّا كنّا منذرين و انّا انزلناه في ليلة القدر و المجموع هو الرحمة الكليّة و الشجرة الطيّبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء و هذا هو مقام التوحيد الذي لهم: و في هذا المقام جميع الموجودات اعراض لهم و قائم بهم سلام‏اللّه عليهم بقيام صدور و هو الذي قال الباقر7 يا جابر عليك بالبيان و المعاني قال و ما البيان و المعاني قال قال علي7امّا البيان فهو ان‏تعرف انّ اللّه تعالي واحد ليس كمثله شي‏ء فتعبده و لاتشرك به شيئاً و هو الذي قال امير المؤمنين7نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و هو الذي قال7انا الذات انا ذات الذوات و كلّ هذه الاحاديث و امثالها اشارة الي ذلك المقام لكن في كلّ باعتبار جهة من الجهات و حكمة من الحكم التي اطلعنا علي بعضها و خفي علينا اكثرها و هذا المقام هو اعلي مقاماتهم و اكمل درجاتهم لانّهم اوّل مظاهر الحق و اوّل مقاماتهم مقام القائم و هو مقام التوحيد و البيان و كلّ المراتب و المقامات المتقدّمة لهم و عنهم و بهم فالنقطة اشارة الي الحقيقة المحمّدية9و الالف و النفس الرحماني اشارة الي الحقيقة العلويّة حامل لواء الحمد و صاحب الازليّة الاوّلية و الولاية المطلقة و الحروف اشارة الي الحقائق المقدّسة الاحد عشر من اولاد امير المؤمنين:و الكلمة التامّة اشارة الي فاطمة3 التي اجتمعت فيها تلك الحقائق المقدّسة و هي الملائكة و الروح التي تنزّل في ليلة القدر و الليلة المباركة التي فيها يفرق كلّ امر حكيم و المجموع تمام الشجرة و قصبة الياقوت فاذا قلنا الحقيقة المحمّدية9نريد به

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 378 *»

الشجرة و اصلها و فرعها و لقاحها و اغصانها و الاحكام في مقام البيان واحد و هو مقام الجمع لايترتّب الاثر الذي هو الدلالة الاّ بعد الاجتماع في الكلمة التامّة و الفرق بين تلك المراتب بالنقطة و الالف و الحروف و الكلمة و الفرق في اخر مراتبهم و اسفل درجاتهم علي ماسيجي‏ء ان‏شاءاللّه تعالي و ثاني مراتبهم مقام المعاني الذي قال الباقر7 لجابر و امّا المعاني فنحن معانيه و نحن علمه و نحن حكمه و نحن عينه و نحن حقّه اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه مانريد الحديث و هو الذي قال الحجّة7 في الدعاء اللهمّ انّي اسألك بمعاني جميع مايدعوك به ولاة امرك المأمونون علي سرّك المستبشرون بامرك الي ان قال فجعلتهم معادن لكلماتك و اركاناً لتوحيدك الدعاء و المعاني هو الذي اشار اليه الباقر7في حديث جابر و اشاروا: في احاديثهم مثل قولهم نحن عينه الناظرة و يده الباسطة و رحمته الواسعة و اذنه الواعية و امثالها من الكلمات و هي معاني التوحيد اي صفاته الذي يدعو اللّه تعالي به ولاة الامر كما يقولون يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا حكيم يا عليم يا حي يا قيّوم و امثالها من الاسماء فالالوهيّة و الرحمانيّة و الرحيميّة و الحكمة و العلم و الحيوة و القيّوميّة كلّها معاني تلك الذات اي صفاته القائمة بها الغير المستقلّة الاّ بها فهي معادن لها التي هي الكلمات و ركن لها اي لظهورها بل لوجودها اذ لولا القيام لماتحقّق القائم و قدقلنا انّ الذات بمعزل عن تلك الصفات ليس بينه و بين خلقه بينونة عزلة و كذا العلم ركن العليم و السمع ركن السميع اذ لولاه لماكان ذلك و امّا الذات فهي موجودة ابد الابدين و دهر الداهرين و ازلاً و سرمداً لانّ المشتقّ لايصدق الاّ اذا وجد مبدء الاشتقاق و لايقال ضارب الاّ اذا وجد الضرب و المتكلّم الاّ اذا وجد الكلام كما لايخفي.

فهم العلم في العالم المتعلّق بالمعلومات حين وجود المعلومات و القدرة في القادر المتعلّق قدرته بالمقدورات حين وجود المقدورات و بعبارة اخري العالم اذمعلوم و السميع اذ

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 379 *»

مسموع و البصير اذ مبصر و القادر اذ مقدور و ساير الصفات الفعليّة مثل الخالق و الرازق و المحيي و المميت و المتكلّم و المريد و المنشئ و البديع و البدي‏ء و الرحمن و الرحيم و امثالها من الصفات لانّ هذه الصفات اذا لم‏يكن عين الذات كانت اوّل مظاهر الذات في مراتبها في المظهريّة و قددلّ الدليل علي انّهم:اوّل المظاهر و اسبق المجالي فكانت حقائقهم: هي تلك الصفات و الاسماء فلهم سلام اللّه عليهم ملاحظتان ان‏نظرت اليهم في انفسهم لايصحّ اطلاق الاسامي عليهم و ان نظرت اليهم بالمظهريّة و الوجهيّة فهم تلك الاسامي و مسمّي الاسامي اللفظيّة.

و اذا عرفت هذه الدقيقة عرفت المراد في الايات و الادعية مثل دعاء كميل اللهمّ انّي اسألك برحمتك التي وسعت كلّ شي‏ء و بقوّتك التي قهرت بها كلّ شي‏ء و خضع لها كلّ شي‏ء و ذلّ لها كلّ شي‏ء و بجبروتك التي غلبت بها كلّ شي‏ء و بعلملك الذي احاط بكلّ شي‏ء و بسلطانك الذي علا كلّ شي‏ء و بعزّتك التي لايقوم لها شي‏ء و بوجهك الباقي بعد فناء كلّ شي‏ء يانور ياقدّوس يااوّل الاوّلين و يا اخر الاخرين الدعاء و مثل دعاء السحر اللهمّ انّي اسألك من بهائك بابهاه و كلّ بهائك بهي الي اخر الدعاء فهم المراد في كلّ هذه المراتب اذ لايصحّ ارادة ذات الحق لمقام التشكيك و لاتشكيك في الذات سبحانه و تعالي فهم القائم و هم القيام و هم الحي و هم الحيوة في مقام الاسميّة و الوصفيّة و الرسميّة فهم الوجه و كلّ شي‏ء هالك الاّ وجهه اما سمعت قول الامام7نحن الاسماء التي امركم اللّه ان‏تدعوه بها قال اللّه تعالي قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن ايّاًما تدعوا فله الاسماء الحسني فافهم هذا المطلب و انا كشفت القناع عن وجه الحقيقة و بيّنت الكلام بالصراحة و لاخوف من فرعون و ملائه بعد ما القيت العصي فصارت حيّة فانّها صعبة مستصعبة و عِها و اكتمها الاّ عن اهلها لكن يا اخي لاتزلّ قدمك و لاتظنّ بنا الاّ خيراً فانّ اعتقادنا انّ المعني بهذه الاسماء هو ذات الحقّ سبحانه القديم تعالي شأنه فانّك اذا قلت يا اللّه يا رحمن ماتقصد به الاّ الذات القديمة الواجبة الوجود المنزّهة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 380 *»

عن صفات المحدثين و اسماء المخلوقين و انّ الحقيقة المحمّديّة9محدثة مخلوقة مصنوعة لايملك لنفسه نفعاً و لاضرّاً و لاموتاً و لاحيوة و لانشوراً و من قال غير هذا فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين عذّبه اللّه عذاباً يستغيث منه اهل النار فانا منهم براء ببراءة اللّه و رسوله و الائمّة المعصومين: عنهم و هذا الذي ذكرنا هو تقرير حدوثهم و قدم الحق و عدم الارتباط بين الحدوث و القدم لكنّه علي وجهٍ لايعرفه الاّ الراسخون في العلم.

و اذا عرفت هذا القدر من الكلام عرفت انّ الاشياء كلّها بحذافيرها قائمة بهذا المقام مقام المعاني قيام صدور لانّه لايكون شي‏ء في الارض و لا في السماء الاّ بسبعة بمشيّة و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فبعلمه كانت المشيّة و بمشيّته كانت الارادة و بالارادة كان القدر و بالقدر كان القضاء فاذا صحّ القضاء امضي فجميع اركان الوجود قائمة بهذه الاركان الاربعة من الفعل الذي هو العرش الاعظم الاعلي الصاقورة في الجنان التي غرسها محمّد و اهل بيته الطاهرون و هو علي اربعة اركان النور الابيض الذي منه ابيضّ البياض و منه ضوء النهار و النور الاصفر الذي منه اصفرّت الصفرة و النور الاخضر الذي منه اخضرّت الخضرة و النور الاحمر الذي منه احمرّت الحمرة فالنور الابيض هو المشيّة المتعلّقة بالذكر الاوّل للشي‏ء قال الرضا7ليونس بن عبد الرحمن اتعلم ما المشيّة قال لا قال هي الذكر الاوّل و بياضها لكمال بساطتها و عدم تركيبها و النور الاصفر هي الارادة التي هي العزيمة علي مايشاء لكونها تكرّر المشيّة كما انّ الصفرة تكرّر البياض الحاصلة من حرارة حركة الفعل مع رطوبته الاصليّة و النور الاخضر هو القدر اي الهندسة الايجاديّة موضع الحدود و الاوضاع الخلقيّة لاختلاط صفرة الارادة مع سواد القدر الحاصل من الكثرة و النور الاحمر هو القضاء اي التركيب و الحكم كما قال تعالي في اي صورة ماشاء في القدر ركّبك في القضاء لاجتماع بياض المشيّة مع صفرة الارادة في حرارة حكم القضاء و سيجي‏ء الكلام عن هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 381 *»

المطلب باكمل بسط ان‏شاءاللّه تعالي في مبحث العرش و الكرسي.

فالعرش الاوّل الاعظم الاعلي اوّل مستوي الرحمن بالرحمانيّة التي هي نفس العرش هو هذه الانوار الاربعة التي هي اركان الفعل و قديطلق الاركان الاربعة علي اركان المفعول كما سنذكر ان‏شاءاللّه تعالي فكلّ موجود من الموجودات باعتبار اركانه الاربعة قائمة بهذه الاركان الاربعة فالوجود قائمة بالركن الايمن الاعلي و الماهيّة بالركن الاسفل الايمن و التعيّن و التشخّص بالركن الايسر الاعلي و التركيب و التأليف بالركن الايسر الاسفل و الاظهار و الابراز بالامضاء الذي هو لازم القضاء و لايخلو شي‏ء من هذه الاركان الاربعة و لاتزيد و لاتنقص فقوامها بتلك الاركان في الصدور و كلّ واحد من تلك الاركان قائم بصاحبه فالمشيّة قائمة بالمشي‏ء و الارادة قائمة بالمريد و القدر قائمة بالمقدّر و القضاء بالقاضي و كيفيّة القيام مثل ماسبق لك من الكلام من الاتّحاد كما لايخفي فقيام الاشياء بالمقامين المذكورين اعني مقام البيان و مقام المعاني بالصدور البتّة لانّ كلّ مايتعلّق بذلك المقام مقام المعاني من توابع هذه الاركان الاربعة كما لايخفي علي اولي البصائر و الافهام لكنّه ادقّ من الشعر و احدّ من السيف لايهتدي اليها الاّ من قطع طريق النهاية و وصل الي اللانهاية و بقي هناك الي غير النهاية فان العقل لايدركه الاّ بالرسم في الثاني و امّا الاوّل لايدركه الاّ الفؤاد و هو نور اللّه الذي ينظر المؤمن صاحب الفراسة به الي حقائق الاشياء.

و ثالث مراتبهم مقام الابواب الذي قال الباقر7 لجابر في الحديث المذكور المتقدّم نحن ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوّض الينا امور عباده انّ الينا اياب هذا الخلق ثمّ انّ علينا حسابهم و قال الحجّة7 في ذلك الدعاء المذكور اعضاد و اشهاد و مناة و اذواد و حفظة و روّاد فبهم ملأت سماءك و ارضك حتّي ظهر ان لااله الاّ انت لبيان المفهوم المخالفة في قوله تعالي ما اشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم و ماكنت متّخذ المضلّين عضداً فيدلّ بمفهوم المخالفة بشهادة قول

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 382 *»

الامام7 ان لم‏نقل بحجّيتها علي انّه اتّخذ الهادين عضداً للخلق و اشهدهم خلق السموات و الارض و هو مقام الترجمان اي ترجمان الوحي و الاحاديث في كونهم ابواباً للحقّ و الخلق اكثر من ان‏يحصي.

و بيانه انّ اللّه سبحانه جعلهم خزائنه لجميع مايحتاج اليه الخلق من الامدادات الوجوديّة النوريّة من الذاتيّة و الوصفيّة و الامدادات العدميّة الظلمانيّة من الذاتيّة و الوصفيّة و هو قوله تعالي من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها مانشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصليها مذموماً مدحوراً و من اراد الاخرة و سعي لها سعيها و هو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكوراً كلاًّ نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربّك و ماكان عطاء ربّك محظوراً كما قال تعالي في الحديث القدسي ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن و هم المؤمن علي نهج الجمع بدون الفرق فاعطي كلّ ذي حقّ من الوجود النور حقّه من باطنهم الذي هو باب الفيض و الرحمة المكتوبة اي الفضل و اعطي كلّ ذي حقّ من العدم الظلمة حقّه من ظاهرهم الذي هو باب الفيض و الرحمة الواسعة اي العدل فهم: الرحمة الرحمانيّة اي الواسعة العامّة للفضل و العدل قال تعالي فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و قال تعالي و ننزّل من القرءان  ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً و قال تعالي اذلّة علي المؤمنين اعزّة علي الكافرين.

اذا اردت ان‏تعرف حقيقة الامر في المسألة انظر الي السراج فانّ النار جعلته باباً للفيوضات و الامدادات التي تستحقّها الاشعّة فتوصل الفيض النور الي السراج الشعلة فيترجمها السراج و يجعلها صالحة لافهام الاشعّة ثم بلّغ اليها ماحمّلته النار من الوحي و الالهام الي الاشعّة لانّ الاشعّة لاقابليّة لها ان‏تأخذ الفيض من النار و الاّ لاحترقت فلابدّ ان‏يصل الفيض اوّلاً الي الشعلة فتترجمه للاشعّة فالسراج باب النار الي الاشعّة و باب الاشعّة في الافتقار الي النار فهي الواقفة السائلة بباب‏النار الذي هو السراج و الفقراء اللائذة بجنابها فلاتصعد حوائج الاشعّة الي‏النار الاّ من ذلك الباب فتفطّن.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 383 *»

و كذلك الامر فيما نحن فيه بعينه فانّ الخلق لمّا لم‏تكن لهم قابليّة ان‏يأخذوا الفيض من النور و الظلمة بلاواسطة و الاّ لانعدموا و جعلهم اللّه تعالي لصفاء قابليّاتهم و نوريّة استعداداتهم حيث كانوا من الامكان الراجح كادت قابليّاتهم تظهر في الاعيان و لو لم‏تمسسه نار المشيّة باحداث الوجود الذي هو المسّ فيهم فكانت قابليّاتهم راجحة غير متساوي الطرفين لانّها كادت توجد لو لم‏يتعلّق بها امر الحق سبحانه و لاكذلك غيرهم لانّ الامر فيهم متساوي و لذا قالوا: كنّا بكينونته كائنين غير مكوّنين ازليّين ابديّين فهم الكائنون بالكينونة لا بالتكوين لانّه نفسهم كما ذكرنا سابقاً فهم ازليّون و ابديّون بالازليّة الثانويّة التي هي مجلي الازليّة الاوّليّة و ذلك لصفاء قابليّتهم و شدّة نورانيّتهم فرجح وجودهم علي عدمهم فاوجدهم اللّه تعالي نورانيّين كاملين في النورانيّة بحيث سدّ الفضاء و ملأ مابين الارض و السماء فضاء الامكان و سماء الكون و ارض العين المعبّر عنها بقوله تعالي كن فالكاف اشارة الي الكون و النون اشارة الي العين و الواو المقدّرة اشارة الي لطيفة ماظهر عنهم الكامن بين الكاف و النون فافهم و هو قول النبي9 في خطبة يوم الغدير في الثناء علي اللّه تعالي الذي ملأ الدهر قدسه و هو معني قول الحجّة7في ذلك الدعاء فبهم ملأت سماءك و ارضك حتّي ظهر ان لااله الاّ انت و هذه الفضيلة و الشرافة التي اعطاهم اللّه تعالي كانت من مقتضيات ذواتهم كما ذكرنا غير مرّة و لذا ردّ الحقّ عزّوجلّ علي الجماعة الجاهلين بالامر الذين قالوا لن‏نؤمن حتّي نؤتي مثل مااوتي رسل اللّه فردّهم بقوله اللّه اعلم حيث يجعل رسالته فلمّا ملأوا بنورهم و ظهورهم جميع فضاء الامكان و الكون فمابقي مكان ليوجد فيه غيرهم او طريق ليصل الفيض الي الغير بدونهم فيجب ان‏تكون كلّ‏ما سواهم في الرتبة الثانية متحقّقاً بفاضل نورهم فكانت لهم المتبوعيّة علي الاصالة و لغيرهم التابعيّة علي الاضافة فالنسبة بين التابع و المتبوع العموم و الخصوص من وجه فبعض التابع متبوع في المتوسّطات و بعض المتبوع ليس بتابع ابداً و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 384 *»

هم صلّي اللّه عليهم فلايصحّ لهم التابعيّة بوجه من الوجوه لا بالذات و لا بالعرض و لا بالفرض و لا بالاعتبار الاّ باعتبار بعض الاعتبارات الغير المعتبرة الكاذبة الخبيثة الموجودة في الخزائن السفلي في اسفل السافلين تحت الثري فجميع الفيوضات و الامدادات و الالهامات تنزل اوّلاً الي تلك الحقائق المقدّسة بطريق الجمع المعبّر عنها بالشجرة الكليّة و الحقيقة المحمّديّة9فيترجمون تلك الفيوضات بمايصلح لقابليّة السافل المستمدّ فيلقون اليهم فامور كلّ ماسواهم مفوّضة اليهم و هم ظاهر الحق لكلّ ماسواهم و لانفسهم فلايرون الخلق للحقّ ظهوراً الاّ ظهورهم و كلّ امورهم راجعة اليهم و ليس لهم تقوّم الاّ بفاضل نورهم و كلّ احوالهم حاضرة لديهم بحيث لاتغيب عنهم ساعة و لادقيقة و لا ان و لااقرب و هم الحافظون لوجودات الخلق بجميع مراتبهم.

فاعرف بهذا البيان معاني الاحاديث المتقدّمة من قوله7نحن ظاهره فيكم بالمعني الذي ذكرنا اخترعنا من نور ذاته فاشار بقوله7اخترع بانّه ماسبقهم شي‏ء ابداً بل اخترعهم لا من مادّة غير انفسهم و ابتدعهم لا من صورة غير انفسهم بل خلق مقبولهم بنفس المقبول الذي هو المادّة التي هي وجوداتهم الخاصّة بهم و خلق قابليّاتهم بمقبولاتهم و هو معني قوله7اخترعنا و هذا صفته و امّا قوله من نور ذاته ليس المراد انّهم قطعة من ذات الحق جلّ و علا او جزء لها او منفصل منها كانفصال الاشعّة من الشمس لا، تعالي ربّي و تقدّس عن مشابهة المخلوقين المحدثين و الاقتران بهم او الاتّحاد معهم بل المراد انّ اللّه سبحانه خلق ذلك النور العظيم المالئ جميع الامكان و الاعيان الذي هو ظاهر الحق في الخلق لهم و شرّفهم به و اكرمه لهم بانتسابه الي نفسه مثل ماقال تعالي الكعبة بيتي و نفخت فيه من روحي تعالي ربّي و تقدّس عن ان‏يكون له مكان او احاط به شي‏ء ثم قال7 و فوّض الينا امور عباده من امداداتهم في وجوديهم التشريعي و التكويني لانّ الفيض لايصل الي العباد الاّ بعد ان وصل اليهم سلام اللّه عليهم فهم يعطون كلّ ذي‏حقّ حقّه و يسوقون الي كلّ مخلوق رزقه بفاضل نورهم و زايد عطيّتهم و ليس لاحد ردّها و الاّ لانعدم و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 385 *»

قوله تعالي مااتيكم الرسول فخذوه و مانهيكم عنه فانتهوا.

و امّا هذا التفويض ليس مثل مايتوهّمون من الكفر من انّ اللّه تعالي اعطاهم المدد و الفيض و خلاّهم و انفسهم و اعتزل عنهم فهم مثل الوكيل، له الاختيار فيما وكّل له فانّه كفر و زندقة و يلزم منه الاستقلال و اعتزال الحق عن الخلق و استغناء الخلق بل نسبتهم الي الخلق في ايصال الفيض اليهم من خزائن الحق سبحانه نسبة السراج الي الاشعّة انظر الي السراج هل تستغني الاشعّة منه و هل هو يستغني من النار فالنار ابداً تمدّه بمدد جديد بحيث لولا مدد النار لانعدم فالسراج هو الباب و هو المفوّض اليه امر الاشعّة لكنّه بالنار لا تذوّت له و لا تحقّق الاّ بالنار و لو انّ النار تركت السراج و حاله لم‏يبق اناً واحداً كما هو الواجد و لذا قال تعالي في وصفهم صلوات اللّه عليهم بانّهم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم مابين ايديهم و ماخلفهم و لايشفعون الاّ لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون و من يقل منهم انّي اله يعني انّي انا من دونه فذلك نجزيه جهنّم كذلك نجزي الظالمين فهم يعطون بعطيّة اللّه و لا استقلال لهم في انفسهم كلاّ هم عبيد مربوبون انّ الينا اياب هذا الخلق ثمّ انّ علينا حسابهم لرجوع الاشياء الي مبدئها و اوائل جواهر عللها و ليس معني الرجوع هو الاتّصال الظاهري و ان كان هو الاتّصال الحقيقي بل المراد استمدادهم منهم في جميع احوالهم و اطوارهم و حركاتهم و سكناتهم في الدنيا و الاخرة و الجنة و النار الاّ انّهم يحاسبون الكلّ علي قدر مااعطوهم.

و انت اذا عرفت ماسبق لنا من الكلام عرفت ان لا ملجأ للخلق الاّ اليهم بكلّ الوجوه و تعرف ايضاً من هذا البيان قول الحجّة7اعضاد و اشهاد لانّه بعد ماثبت انّ الخلق كلّهم من فاضل نورهم فيكون نورهم هو المادّة لهم و قابليّاتهم هي الصور و لا شكّ انّ مادّة الشي‏ء عضد له يعني لولاه لماتحقّقت الصورة و الهيأة لانّ الصورة هي القابليّة و هي لاتتحقّق بدون المقبول و المقبول عضد القابل انظر الي الاشعّة فانّها مركّبة من مادّة و هي نور السراج و من هيأة و هي قابليّات الاشعّة فالسراج عضد الاشعّة بنوره لا بذاته و هو معني ماقال الصادق7 انّ اللّه خلق المؤمنين من

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 386 *»

 نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخ المؤمن لابيه و امّه ابوه النور و امّه الرحمة فنور اللّه هو ما فضل من نورهم و الرحمة هي الرحمة الواسعة العامّة للصورة الانسانيّة و الصورة الشيطانيّة فالصورة الانسانيّة منسوبة الي باطنهم اي موافقتهم و الصورة الشيطانيّة منسوبة الي ظاهرهم اي مخالفتهم فكلتا الصورتين منسوبتان اليهم و تدوران عليهم الاّ انّ احديهما يدور علي التوالي و الاخري يدور علي خلاف التوالي اما سمعت قوله7 انا قسيم الجنّة و النار و الجنّة و النار كلتاهما منسوبتان اليهم: فالجنّة من موافقتهم و النار من مخالفتهم فكما انّهم باب للمادّة كذلك باب للصورة فثبت انّهم اعضاد للخلق في المادّة و الصورة فهم العلّة المادّية و العلّة الصوريّة لكلّ الموجودات فالعالم قائم بهم :في هذا المقام بالقيام التحقّقي فموادّهم قائمة بفاضل نورهم و صورهم الحسنة قائمة بباطنهم بالقيام التحقّقي و صورهم الخبيثة قائمة بظاهرهم بذلك القيام و هو قول النبي9 انا و علي ابوا هذه الامّة لانّ النور منسوب الي الرسول و الرحمة منسوبة الي امير المؤمنين صلوات اللّه عليه و اله لكونهما الاسمين الاعليين اللذين اذا اجتمعا افترقا و اذا افترقا اجتمعا.

ثمّ اعلم انّ المادّة تابعة للصورة في الانسانيّة و الشيطانيّة و الشرافة و الخباثة لانّ المادّة هي النور فاذا تعيّن بتعيّن الموافقة يكون من اعلي عليّين و اذا تعيّن بتعيّن المخالفة يكون من اسفل السافلين و لانقص في ذلك للمنير مثلاً انّك اذا نظرت الي المرءاة السوداء تري وجهك اسود و اذا نظرت الي العوجاء تراه اعوج و اذا نظرت الي المستقيمة تراه مستقيماً و هذا ليس من جهة انّ النقص فيك بل النور الساطع منك واحد الاّ انّ القابليّة اختلفت

كقطر الماء في الاصداف درّ   و في بطن الافاعي صار سمّا

و من هنا تعرف انّهم: علل اربع لوجود الموجودات العلّة الفاعليّة في مقام البيان و المعاني و العلّة المادّية و الصوريّة في مقام الابواب و العلّة الغائيّة في كلّ المقامات كما قال7 نحن صنايع ربّنا و الخلق بعد صنايع لنا اي خلق لأجلنا و قال تعالي في الحديث القدسي مخاطباً لنبيّه لولاك لما خلقت الافلاك

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 387 *»

 و لولا علي لما خلقتك للنقص الواقع في العلّة التامّة لفقدان حامل اللواء و ساقي الحوض و قسيم الجنّة و النار و الصهر و فيه الخلل في العلّة الفاعليّة و العلّة المادّية و العلّة الصوريّة و العلّة الغائيّة كما انّ الرجل اذا عدم النفس ناقص و لايدلّ علي انّ النفس افضل منه و اخصّ و اشرف لانّ الكلّ اشرف من جزئه و ابي اللّه تعالي ان‏يخلق الشي‏ء الاّ كاملاً و ابي ان‏يجري الاسباب الاّ نحو المسبّبات فاذا كان الشي‏ء ناقصاً لفقدان بعض الشرايط لم‏يحسن ايجاده الاّ اذا تحقّق ذلك الشرط بمقتضي القابليّة و هو سرّ التراخي و التقدّم و التأخّر الزماني للموجودات كما لايخفي فافهم فهّمك اللّه تعالي و ايّانا. فهم العلّة الغائيّة في جميع المقامات و المراتب لانّ اللّه تعالي خلق الخلق للمعرفة و العبادة فالمعرفة الكاملة و العبادة الحقيقيّة انّما تحقّقت بهم و لذا قال النبي9 ماعرف اللّه الاّ انا و انت و ماعرفني الاّ اللّه و انت و ماعرفك الاّ اللّه و انا بالحصر الحقيقي المقتضي لاخراج جميع الوجود و ما فيه لانّ معرفة كلّ ما سواهم من فاضل معرفتهم و عبادة كلّ ما غيرهم من شعاع عبادتهم فلا احد مثلهم في المعرفة حتّي يقال انّه مقصود ايضاً في الايجاد و التكوين فهم المقصودون بالذات في تكوين الارضين و السموات و اليه الاشارة في الباطن في قوله تعالي و اصطنعتك لنفسي اذهب الي فرعون الجهل الكلّي انّه طغي بالادبار و عدم الاقبال حيث امرناه فطغي بمخالفة الامر لقبوله الهيكل الشيطانيّة التي هي مبدء جميع الشرور و المعاصي و الخبائث و السيّئات و الاثام و لذا لقّبوه: بابي الشرور و بابي الدواهي فثبت انّهم المتأصّلون في الايجاد في المتبوعيّة و غيرهم هم المقصودون بالعرض في التابعيّة فالمقصود بالعرض من شعاع المقصود بالذات و من عرقه و شعرته و من فاضل نوره و قطرة منه كما ورد في الكلّ النصّ عنهم:.

و ذلك انّ اللّه تعالي لمّا خلقهم و سوّيهم فعدلهم في اي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 388 *»

صورة ماشاء ركّبهم بكينونته لا بتكوينه ليكون كائنين غير مكوّنين فاقتضت قابليّاتهم ان‏يجيبوا الحق عزّوجلّ في جميع مسائلهم و اراد من ثمرة خلق الخلق لمّاسألوه ان‏يسألهم و طلبوا منه ان‏يطلبهم بنفس ذلك السؤال و الطلب اي كان ذلك حقيقتهم و جهات تكوّنهم:فهم السائلون و المسئولون و المجيبون و المجابون و الطالبون و المطلوبون و هذا في كلّ شي‏ء لكن الفرق بينهم و بين غيرهم انّهم المجيبون و السائلون السائلون و المجيبون في مقام البيان و التوحيد بخلاف الخلق فانّهم المجيبون و السائلون فحسب و لكنّك اذا تنزّلت عن مقام التوحيد فيختلف المجيب و السائل و السائل و المجيب كما لايخفي لمن عرف معني كلامنا سابقاً.

الحاصل انّهم: لمّا سألوا الحق عزّوجلّ كلّ الخيرات و الحقائق و المعارف اجابهم الحق تعالي لكونه المجيب اذا دعاه و يكشف السوء عمّن ناجاه فكملت انسانيّتهم و تمّت نورانيّتهم فسطع ذلك النور و تشعشع ذلك الظهور فوجدت من ذلك الشعاع الشيعة انّما سمّوا شيعة لانّهم خلقوا من شعاع فاضل انوارنا و حصل من نفس ذلك النور المنقطع عن المنير في الدوران الذاتي و ان كانت له عليه الدورة العرضيّة الظلّ فوجدت من ذلك الظلّ الناظر الي نفس النور الاعداء الكلمة الخبيثة فكان مثالهم الشجرة الخبيثة المجتثّة من فوق الارض مالها من قرار كما كان مثال الشعاع الكلمة الطيّبة الشجرة الطيّبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كلّ حين باذن ربّها فالمنير باب النور يترجم له مايوحي اليه من المبدء الاوّل فاختلف مراتب النور في الشدة و الضعف من وجهين احدهما لاختلاف مراتب لمعان المنير و تشعشع النور الفائض منه و هو اختلاف مراتب الوجود كاللاهوت و الجبروت و الملكوت و الملك فاللاهوت شعاع

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 389 *»

لاهوتيّتهم بالاجمال في الظاهر المنزل الي مقامه فالنسبة بين عالم اللاهوت و بينهم نسبة الواحد الي السبعين و الجبروت من جبروتهم نسبة الواحد الي السبعين و الملكوت جزء من سبعين جزء من ملكوتهم و الملك جزء من سبعين جزء من ملكهم و هذا بالاجمال مرتبة من مراتب الوجود من الدرّة الي الذرّة و ثانيهما اختلاف مراتب الترجمة حسب افهام المخاطبين في القرب و البعد و الشدّة و الضعف و كمال النور و تمامه و نقصانه فاوحي اللّه تعالي اليهم الوحي و الالهامات الوجوديّة النوريّة كلّ مايستحق هم انفسهم و كلّ مايستحقّ ماسواهم من المراتب.

و اوّل ماترجموا و بلّغوا للملائكة العالين الذين ماسجدوا لآدم قال تعالي استكبرت ام كنت من العالين و هم اربعة حملة العرش الذي هو انفسهم النور الابيض الذي منه ابيضّ البياض و النور الاصفر الذي منه اصفرّت الصفرة و النور الاخضر الذي منه اخضرّت الخضرة و النور الاحمر الذي منه احمرّت الحمرة و هم اربعة ملائكة روح القدس و الروح من امر ربّي و النفس التي لايعلم مافيها عيسي7 و الروح علي ملائكة الحجب و الثاني للملائكة الكروبيّين و هم ارباب الانبياء باللّه اي تجلّي الحق لهم بهم و ظهوره لهم و هم الذين لمّاتجلّي واحد منهم لموسي هلكت بنو اسرائيل و خرّ موسي صعقاً كما اخبر عنه تعالي بقوله حكاية عن موسي قال ربّ ارني انظر اليك قال لن‏تراني و لكن انظر الي الجبل فان استقرّ مكانه فسوف تراني فلمّا تجلّي ربّه للجبل جعله دكّاً و خرّ موسي صعقاً قال الصادق7 لمّا سألوه عن الكروبيّين قال7قوم من شيعتنا من الخلق الاوّل اقامهم اللّه خلف العرش لو قسّم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم و لمّا سأل موسي ربّه ماسأل امر اللّه تعالي بواحد منهم فتجلّي له بقدر سمّ الابرة فدكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً انتهي. و العرش هو الذي حملته الملائكة الاربعة العالين كما سبق في اوّل الكتاب فراجع تفهم.

ثمّ اعلم انّهم: انّما ترجموا ما اوحي اللّه تعالي اليهم من الالهامات و الامدادات الوجوديّة النوريّة اوّلاً و بالذات للملائكة العالين

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 390 *»

فترجموا للملائكة الكروبييّن ثانياً و بالعرض و قدعرفت انّ الثاني و بالعرض من شعاع الاوّل و بالذات و نوره و فاضله و وجهه و التفاته و لذا ورد انّ روح القدس كان مع جميع الانبياء بوجه من الوجوه و كان بكلّه مع محمّد و اهل بيته الطاهرين صلّي اللّه عليهم اجمعين و قدورد عنهم انّ نور نبيّنا9 لما اتمّ السباحة في الابحر الاثني‏عشر قطر منه مائة و اربعة و عشرون الف قطرة خلق من كلّ قطرة روح نبي من الانبياء فكانت الانبياء ثالث من تلقّي الفيض عنهم:ففي الحديث اجمال و ذلك لانّ الروح قطرة من شجرة المزن الذي هي قطرة من بحر المزن (النون خ‏ل) قال تعالي افرأيتم الماء الذي تشربون اي هو لطيفة وجوداتكم و به قوام ارواحكم و انفسكم و اجسامكم و منه تشربون الرزق الذي به مدد جميع احوالكم و اطواركم و افعالكم ءانتم انزلتموه من المزن و هو الصاد و هو بحر من الماء العذب الفرات السائغ شرابه عذب و استحلي من جهة قبوله لولاية ال‏محمّد صلوات‏اللّه‏عليهم لماعرضت عليه و لمّاكان اوّل من قبل فكان مادة جميع الموجودات و حيوة كلّ الاشياء و هو الماء الذي قال تعالي و جعلنا من الماء كلّ شي‏ء حي لكونه من نور ال‏محمّد و ظهورهم و هو امر اللّه الذي قام كلّ ماسواه به قال كلّ شي‏ء سواك قام بامرك فيقطر من ذلك البحر قطرات علي الشجرة قال7مامعناه انّ للّه شجرة تسمّي المزن فتقطر منه قطرة الي الارض فمااكلها احد الاّ و قدتولّد منه المؤمن و انّما سمّوا تلك الشجرة بالمزن مجازاً مثل تسمية الاشعّة بالشمس لبيان انّ الصورة مثال المعني و المجاز قنطرة الحقيقة فالروح قطرة من الشجرة و تقطر عليها قطرات من البحر فالاوّل البحر و الثاني الشجرة و الثالث الروح فالانبياء في المرتبة الثالثة الاولي الملائكة العالون و الثانية ماظهر عنهم و فضل عنهم و هو الملائكة الكروبيّون و المراد بهم حقائق الانبياء و لطيفة وجوداتهم و وجوههم الاعلي الي مبدئهم و اوائل جواهر عللهم الذي هو محلّ تجلّي ربّهم و الثالثة هم الانبياء ممن حيث انفسهم و منزل تلك الحقائق الي مراتبها و مقاماتها فافهم و الرابع الانسان و هو متلقي الفيض و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 391 *»

الوحي من نور الانبياء المتلقّين للفيض من الكروبييّن المتلقّين للفيض من الملائكة العالين المتلقّين للفيض من الحقيقة الكليّة المحمّديّة9و الخامس البهائم من الحيوانات ذوي النفس الحيوانيّة الفلكيّة العارية من النفس الناطقة القدسيّة فيوحي اللّه تعالي اليهم بالشرع الوجودي من نور الانسان و السادس النباتات و ذوي النفس النامية النباتيّة العارية من النفس الحيوانيّة الفلكيّة فيوحي اللّه تعالي اليهم بالوجود التشريعي الذي هو الشرع الوجودي من نور الحيوانات و السابع الجمادات تتلقّي النور و الفيض و الوحي من اللّه تعالي بنور النباتات و هذا مجمل السلسلة و كلّ عالٍ باب الفيض للسافل و وجه توجّهه الي مبدئه الحق جلّ و علا و كلّ سافل عرض للعالي الذي باب فيضه و مدده من‏اللّه تعالي فالابواب تنتهي سلسلتها الي‏الباب الاعظم الاعلي الكلّي الحقيقة المحمّديّة9كما قال سيّد الساجدين7 في دعائه الهي وقف السائلون ببابك و لاذ الفقراء بجنابك و المراد بالباب هو الكلّي لانّ الجزئيّات باطلة مضمحلّة عند الكلّي كما لايخفي علي الفطن العارف اللبيب.

([1]) بحار الانوار  ج 52  ص 106

([2]) شرح نهج البلاغة لابن‏ابي‏الحديد ج13 ص51