12-01 جواهر الحکم المجلد الثانی عشر ـ رسالة في جواب ميرزاابراهيم الشيرازي ـ مقابله

رسالة فی جواب میرزا ابراهیم الشیرازی

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 3 *»

بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم و به نستعين

الحمد للّه‏ رب العالمين و صلّي اللّه‏ علي خير خلقه و مظهر لطفه محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه‏ علي اعدائهم و ظالميهم و منكري فضائلهم اجمعين الي يوم الدين.

اما بعــد؛ فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني المقيد بوثائق ال-آمال و الاماني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان المولي الاجل (المعالی الاجمل خ‌ل) الانبل و الفاضل الاوحد الاكمل ذا القريحة الوقادة و البصيرة النقادة اللوذعي الالمعي الولي الحميم الميرزا ابرهيم الشيرازي ايده اللّه‏ بتأييده و سدّده بتسديده و اسعده بهداه و اخذه بهويه الي رضاه قد بعث الي مسائل تكلّ دون معرفتها علي الحقيقة و التفصيل ابصار العقول و الاحلام و انحسر دون بلوغ حقيقتها مدارك العلماء الاعلام و اراد من الحقير الفقير المعترف بالقصور و التقصير جوابها و كشف نقابها و اتتني تلك المسائل و انا مشغول باجوبة مسائل اتت من البلاد النائية فلمّا فرغت من رسم جوابها سارعت الي جواب هذه المسائل مع قصور باعي و قلة اطلاعي و كوني لست من السفن التي يسار بها في مثل هذا البحر المتعاظم (المتغاطم خ‌ل) و الطمطام المتلاطم مع ما انا عليه من تبلبل البال و اختلال الاحوال و عروض الامراض المانعة من استقامة الحال و ابتلائي بزمان قد مـدّ (بزمان مد خ‌ل) الجور باعه و اسفر الظلم قناعه و دعي الغي اتباعه فلبّوه من كل جانب و مكان و اجابوه باللسان و الجنان قد قلّ ناصر الحق و الناطق بالصدق و الناس شغلتهم الدنيا الدنيّة عن (من خ‌ل) طلب المعارف الالهية و اكتفوا بمايوجب حصول نعيم هذه (حصول هذه خ‌ل) الدنيا الخسيسة و اعرضوا عمايوجب البلوغ الي مقامات المعارف و محالّ القدس الانسية (الانيسة خ‌ل) فاستوحشوا عمايستأنس به العلماء الربانيون و استبدلوا الذي هو ادني بالذي هو خير مما عليه العرفاء الالهيون و مع هذه الحالة فما عسي ان‏يقول قائل

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 4 *»

او يتكلم متكلم في نشر (سر خ‌ل) العلوم الحقيقية و المعارف الالهية و المطالب العالية المأخوذة من اشارات كلمات اهل بيت النبوة و الرسالة سلام اللّه‏ عليهم ولكن لماكان لكل سؤال جواب وجب ان‏نبادر الي البيان علي مايقتضي الحال لئلاامنع الحكمة عن اهلها (اربابها خ‏ل) و اؤدي الامانات الي اهلها و نسأل اللّه‏ سبحانه ان‏يوفقنا (يوفقها خ‌ل) للصواب و الرشاد و يوصل جناب السائل الي اقصي المقصد و اعلي المراد و ها اكتب صورة الفاظ ماكتبه السائل امطر اللّه‏ عليه من فيضه الهاطل ثم اذيلها بمايمدّني اللّه‏ سبحانه من الكلام و الجواب و اللّه‏ المستعان و عليه التكلان.

قال سلمه اللّه‏ تعالي: اجلي سلام لاتحيط به الاقلام و ما حدّه احد و اعلي كلام لايحصيه السنة الاعلام و ماعدّه عدد يهدي الي من عنعنت احاديث كماله الي الارتفاع و انتهت الي السند العالي مسانيد افضاله من غير انقطاع من هو الغرة في جبهة الدهر و الواسطة في قلائد الفخر خاتمة اهل العلم و العمل و نبراس اهل التقوي ذا الفضل الباذخ الاكمل محقق الشرايع ممزق البدايع العالم الرباني الذي لم‏يسمح زمانه بثاني ذا الفضائل و المكارم مفيض الخيرات و المراحم السيد السند و الركن المعتمد الذي هو اجل من ان‏يسمي اعرف العرفاء افقه الفقهاء علامة الاعلام مرجع الاسلام مدّ ظله العالي لازالت اقلامه (اقدامه خ‌ل) في ميدان اللوامع راكعة ساجدة و زواجره و مواعظه في آذان طالبي الحق نافذة و لاانفك صارم الحق بيمينه مشهوراً و طاغوت الباطل بنواقد (بنوافذ خ‏ل) حكمته (حكمه خ‏ل) ذليلاً مقهوراً.

اقـول: انما نفي الحدّ من كلّ احد عن السلام و العدّ كذلك عن الكلام لان السلام هو السلامة عن جميع العاهات و الآفات و الكدورات و العوارض و امثالها و هذه السلامة المطلقة العامة لاتكون الاّ بالتوجه الي اللّه‏ بالسرّ الغيبي و ذلك السرّ يجب ان‏يكون مبرأ و منزهاً من الحدود لانها اعراض و امراض و حجاب و نقاب و بها تحصل الكدورة و تكون النفرة قال7 ماتناكرتم الاّ لمابينكم من الذنوب و هي اعراض و حدود و الاعراض و الحدود توجب ذلك و انك لاتحتجب عن خلقك الاّ ان

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 5 *»

‏تحجبهم الآمال (الاعمال خ‌ل) دونك فالسلامة (فالسلام خ‌ل) لاتتحقق في الواقع الاّ عند رفع (دفع خ‌ل) الحدود بالمرة ليظهر لك الاسم الاعظم و النور الاقدم البري‏ء (المبرّي خ‏ل) عن (من خ‌ل) الحدود محل السرور و الحبور و الي ذلك الاسم اشار مولينا الصادق7 علي مارواه في الكافي ان اللّه‏ خلق اسماً بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ بري‏ء عن الامكنة و الحدود (و خ‌ل) مبعد عن الاقطار محجوب عنه حس كلّ متوهم مستتر غير مستور.

و اما الكلام فحيث انه القول و اعلي مراتبه الكلمات التامات التي لايجاوزهن برّ و لا فاجر فمبدؤها عالم العقول عالم الجبروت و حجاب اللاهوت و مبدأ الملك و الملكوت فمقامه مقام العدد و مبدؤه اول العدد الواحد الذي هو عادّ العدد.

و قوله سلمه اللّه‏ تعالي الي من عنعنت احاديث كلامه الي الارتفاع, لايريد به مايجعله (يجعل خ‌ل) السند مرفوعاً لانه دليل ضعف السند بل المراد بالرفع و الارتفاع الوصول الي الامام7 الذي هو من البيوت التي اذن اللّه‏ ان‏ترفع.

و قوله سلمه اللّه‏ «و انتهت الي السند العالي» الخ يريد به ماتقلّ الوسايط بينه و بين المروي عنه الذي هو الامام7 و قلة الوسايط هي حذف الحجب الكونية الوجودية و النظر الي سرّ الحقيقة بصفايا مرءاة الذات و الطوية حتي يشرق عليه نور الولي المطلق فيتصل (فينتقل خ‌ل) سنده و يبلغ مدده (حدوده خ‌ل) و لا انقطاع لهذا المدد و لا اعلي من هذا السند.

و قوله سلمه اللّه‏ تعالي «من هو الغرة في جبهة الدهر و الواسطة في قلائد الفخر», اعلم ان الولي هو شمس فلك الوجود و به اضاء كلّ غيب و شهود مقامه الظهر في افق خط الاستواء مقام رفع الظلّ بالمرة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 6 *»

و اما غرة جبهة الدهر فهو القائم مقامه و النائب منابه و هو القرية الظاهرة للسير الي القري المباركة و الغرة اول ظهور الشمس و وجه استمداده منها و هو حال هذا النائب لانقطاعه اليه7 و استمداده منه و هو الان غرة لتراكم الظلمات و عدم المصلحة لاظهار تمام النور ولكنه يكون بدراً في وقت ما عند ظهور قوله تعالي ليظهره علي الدين كلّه و لو كره المشركون و اما الواسطة في قلائد الفخر فاعلم ان الفخر بالعلم بل هو العلم و حيث كانت العلوم مختلفة متعددة فكان كل (کذلک خ‌ل) علم بمنزلة فـص القلادة و الواسطة في هذه القلادة (القلائد خ‌ل) النقطة السارية في جميع العلوم التي بها ملاكها و قوامها فحامل تلك النقطة السارية في الجميع الظاهرة بفنون مختلفة و احوال متعددة هو الواسطة في القلادة و هو من العدول الذين ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين.

قال سلمه اللّه‏ تعالي: يا بدر اهل (اهلّة خ‏ل) الدين و شمس فلك اليقين اني اشتاق الي خدمتكم كشوق الصائم الي الهلال و العطشان الي الزلال و المحرم الي الحرم و المعدم الي الدرهم ولو قدرت علي الاتيان جئتكم سبحاً علي الوجه بل مشياً علي رأسي (الرأس خ‌ل) الي ان قال سلّمه اللّه‏ تعالی و ارجو من اللّه‏ ان‏يبلغني برهة من الزمان زيارتكم حتي استفيض منكم و انتم السحاب المطير (الممطر ظ)@؟ و ان‏يشرفني لمحة من الدهر الخوان بخدمتكم حتي اقتبس و انتم السراج المنير حتي انهل من مواردكم الصافية منهلاً رويّاً و ارتع من ازهار رياض حدائقكم الصافية (الصاحية خ‏ل) مرتعاً مريئاً و اتكأ علي ارائك اليقين في قصور التسليم و اقطف من اثمار فواكه محجبات اسرار ائمتكم و ائمتي مركز الشرف و التعظيم.

اقــول: انما ذكرت هذه الكلمات مع علمي بنفسي خلافها لبيان حسن ظن السائل ايده اللّه‏ و اعانه و ان بحسن الظن ينال كلّ مأمول و يوصل الي كلّ مرجو و مقصود لقد قال7احسن الظن ولو بحجر (بالحجر خ‌ل) فان اللّه‏

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 7 *»

سبحانه يلقي الخير به اليك و قال7 ان اللّه‏ عند ظن كل امرء فاذا ظن انسان باحد خيراً و لم‏يتبين (لم‌تبين خ‌ل) له ماينافي ظنه فان اللّه‏ سبحانه اولي بان‏يحقق ظنه و لايخيبه و انا (اذا خ‌ل) اقول اللّهم لاتؤاخذني بمايقولون و اجعلني خيراً ممايظنون و اغفر لي ما لايعلمون.

قــال سلمه اللّه‏ تعالي: مولاي مااجد اليوم في المعرفة بكلام امناء الملك العلام: مدي الليالي و الايام لا انقطاع له و لا انفصام و من يحذو حذوهم (يحدو حدوهم خ‌ل) مثلكم شرح اللّه‏ صدركم لانواره و اطلعكم علي كثير من اسراره و اعلي اللّه‏ شأنكم و شدّ اركانكم بمحمد و آله فمنوا يا مولاي علي اولاً بماعندكم من معني النبوتين و الولايتين بالحقيقة الاولية (الاولوية خ‌ل) و الثانوية و الفرق بين كل من المعنيين (العينين خ‌ل) و الفرق بين النبوة و الولاية المطلقتين و المقيدتين و معني الخاتمية في كلّ منهن و الفرق بين كلامكم الشريف و الصوفية الملاحدة و الحكماء و المتكلمين و وجه الشبهة للغير القائلين بافضلية الولاية مطلقاً (المطلقة خ‌ل) علي النبوة مطلقاً (المطلقة خ‌ل) كلّ ذلك بالادلة الثلثة (و الادلة الثلثة خ‌ل) بالكتاب و السنة و دليل العقل بالتفصيل الكامل بالجواب الازهر و اما السائل فلاتنهر حتي تكشف علي (تنکشف عنی خ‌ل) حجب الحيرة و العمي ببركتكم (ببرکتهم خ‌ل).

اقــول: الحقيقة الاولية (الاولوية خ‌ل) و الثانوية لهما معنيان بالنوع و لكل معني مقامات و مراتب الاول ان‏يراد بالحقيقة الاولية الاولي من السلسلة الطولية و هي الحقيقة المحمدية في اول تعلق الجعل و الابداع قبل حقايق الانبياء و حقيقة الانسان من ساير الرعية و هذه الحقيقة المقدسة بكلا مقاميه الاجمالي و التفصيلي قد سـدّت دون البلوغ اليها الابواب و ضرب بينها و بين ساير الخلق الف حجاب فلايصل اليها احد و جميع الموجودات منقطعة السير اليها و هي الكلمات التي لو كان ما في ارض الامكان من شجرة اقلام و بحر الكون يمده من بعده سبعة ابحر بحر

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 8 *»

عالم العقول (الصفعان خ‌ل) و بحر عالم الارواح و بحر عالم النفوس و بحر عالم الطبايع و بحر عالم المواد و بحر عالم المثال و بحر عالم الاجسام مانفدت و هي النعمة التي ان تمام (رام, عام خ‌ل) الخلق ان‏يعدوها لايحصوها و هي الغيب الذي مفاتحه (مفاتيحه خ‌ل) عند اللّه‏ لايعلمه (لا يعلم خ‌ل) احد سوي اللّه‏ و هو قوله تعالي قل لايعلم من في السموات و الارض الغيب الاّ اللّه‏ و الي هذا المقام اشار رسول‏اللّه9 بقوله ياعلي ماعرفني الاّ اللّه‏ و انت و ماعرفك الاّ اللّه‏ و انا فالولاية الظاهرة في تلك الحقيقة لايقع عليها سؤال و لا جواب و لا كلام و لا خطاب لانها فوق المشاعر و المدارك و قداختصر (اختص خ‌ل) المقال في شرح هذه (هذا خ‌ل) الاحوال مولينا اميرالمؤمنين المفضال عليه سلام اللّه‏ بالغدو و الآصال في الخطبة الشقشقية عند قوله7 ينحدر عني السيل و لايرقي الي الطير فعلي هذا فالحقيقة الثانية يراد بها حقايق الانبياء: و هذه الحقيقة المعبر عنها بالثانية (بالثانوية خ‌ل) و ان كانت عند الحقيقة الاولية العلية فانية مضمحلة موجودة عندها محاطة لديها ولكنها بالنسبة الينا سنخ الرعية غيب محض بعين ماذكرناه في الحقيقة الاولية و لايصل اليها ادراكنا و لاتنالها عقولنا و احلامنا (اخلاصنا خ‌ل) و لاتدركها مشاعرنا و مداركنا فذواتنا عند تلك الحقيقة منقطعة و علومنا مردودة فلانعرف الاّ ماهو من جنسنا و سنخنا قال اميرالمؤمنين7 انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها.

و المعني الثاني للحقيقة الاولية و الثانوية هو ان المراد بالاولية ماكان في الخلق الاول من عالم الغيب من الدرة البيضاء الي الزمردة الخضراء حجاب الزبرجد و الثانية ماكان في عالم الشهادة من الكثيب الاحمر ممتداً الي كبد الثور و لماكانت الحقيقة الثانية علي طبق الاولي و الاولي انما تظهر في الثانية كماقال مولينا الرضا7 ان الاستدلال علي ماهنالك لايعلم الاّ بماهيهنا كان بيان الحقيقة الثانية علي طبق الاولي و لماكانت الرتبة الجامعة اشمل و اكمل كان الكمال المطلق الجمع بين الحقيقتين و تحقيق الحق

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 9 *»

من البين و الرتبة الجامعة هي الاصل لان الاولي لاتظهر الاّ بالثانية و الثانية لاتقوم الاّ بالاولي (بالاول خ‌ل) كحكم الجسد و الروح و الجامع هو الاصل و الفخر في معرفة الرتبة الجامعة.

و هنا (هذا خ‌ل) معني ثالث للحقيقة الاولية و الثانوية و هو المراد من غالب اطلاقاتنا و اكثر موارد استعمالاتنا و لهذا المعني بيانان بيان موجز مختصر و بيان مشروح مفصل اما الثاني فلايسعنا الآن ذكره و تحقيقه (و خ‌ل) اما الاول فنقول ان المراد بالحقيقة الاولية مااقتضته الكينونة الاولي العليا الثابتة الباقية بعد ذهاب عوارض اللطخ و الخلط الحاصلة (الخلط الی اصله خ‌ل) عند اقتران نقطتي النور و الظلمة في هذه الدنيا عند مانزل آدم الاول و قتل قابيل هابيل و يستمر الي ظهور مولينا القائم عجل اللّه‏ فرجه و سهل مخرجه و جعلني اللّه‏ فداه فالكينونة الثابتة و المزاج الحاصل و العلم الباقي من ذلك الزمان الي يوم القيمة و مابعده الي ما لانهاية له من مراتب الجنة و النار هي الحقيقة الاولية (الاولوية خ‌ل) و هي في قوس الصعود و ان كانت ثانوية ولكنها في النزول اولية لبطلان الطفرة و وجوب تعلق الجعل بالاشرف كمابرهن في محله من بيان قاعدة الامكان الاشرف.

و اما الحقيقة الثانوية فالمراد منها الكينونة الثانية (الثانوية خ‌ل) الفطرة الثانية المغيرة من قوله تعالي حكاية عن ابليس و لآمرنهم فليغيرن خلق اللّه‏ و هي الكينونة المعوجة المستمدة من سجين السارية في غالب طباع الخلق من الجن و الانس و لذا قال تعالي اكثرهم لايعلمون و اكثرهم لايعقلون و اكثرهم لايشكرون و اكثرهم يجهلون و هذه الفطرة الثانية قدغيّرت احكام الاولي و محت آثارها و غطت انوارها فتلك الفطرة الاولي العليا مخفية مستورة محتجبة لا ظهور لها و لآثارها و لا بروز لانوارها و لا ذكر لاخبارها الاّ عند القليل بل اقل و هم اخص الخواص و هم الخصيصون و هم الذين اشار اليهم سبحانه في القرآن و قال و قليل من عبادي الشكور و ما آمن معه الاّ قليل، فشربوا منه الاّ قليلاً و قال الباقر7الناس كلّهم بهائم الاّ المؤمن و المؤمن قليل و المؤمن قليل و قال

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 10 *»

مولينا الصادق7 ان المؤمنة اعزّ من المؤمن و المؤمن اعزّ من الكبريت الاحمر و هل رأي احدكم الكبريت الاحمر و هؤلاء هم الشيعة المخلصون (و خ‌ل) الاصفياء الطيّبون و الامناء الطاهرون و الدرر المكنونة و الجواهر المخزونة علومهم لاتظهر و اسرارهم لاتسطر اذ لا قابلية لاكثر الناس الذين يوسوس في صدورهم الخناس لحفظ تلك العلوم و الاسرار و تحمل تلك الحقايق و الاستنارة بتلك الانوار و الي ماذكرنا الاشارة في تأويل قوله تعالي و لاتؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل اللّه‏ لكم قياماً فارزقوهم فيها و اكسوهم و قولوا لهم قولاً معروفاً.

فاذا عرفت هذا القدر من الكلام فاعلم ان ماسأل جنابك العالي وقاك اللّه‏ من شرّ الايام و الليالي من معني النبوتين و الولايتين بالحقيقة (للحقيقة خ‏ل) الاولية و الثانوية فان كان المراد بهما الوجه الاول فذلك طلب المحال لقدقال مولينا الرضا7 علي ما في التوحيد ليس في محال القول حجة و لا في المسألة عنه جواب و لا في معناه للّه‏ تعظيم لمااشرنا اليه سابقاً من انهما فوق حقيقة ذواتنا و نحن لاندرك الاّ ما في مرتبتنا و لانصل الاّ ما في مقامنا و لانقرأ الاّ حروف انفسنا و لذا امتنعت معرفة الذات الازلية جلّت عظمتها و ان كان المراد الوجه الثاني الذي ذكرناه فذلك لايكون علي الوجه الاكمل الاّ بالجمع بين الحقيقتين اذ انفراد كل عن الاخري (الآخر خ‌ل) نقص فانفراد الاولي عن الثانية سبب الخفاء (انخفاء خ‌ل) و عدم الظهور و انفراد الثانية عن الاولي موجب الفناء و الدثور و الرتبة الجامعة هي مقام الكمال لا كل واحدة بانفرادها و ان كان لكل منهما حكمه كالباطن و الظاهر فلايكون الباطن الاّ بالظاهر و لا الظاهر الاّ بالباطن و قدقال مولينا الصادق7 ان قوماً آمنوا بالباطن و كفروا بالظاهر فلم‏يك ينفعهم ايمانهم شيئاً و ان قوماً آمنوا بالظاهر و كفروا بالباطن فلم‏يك ينفعهم ايمانهم شيئاً و لا ايمان ظاهراً الاّ بباطن.

و ان كان المراد الوجه الثالث فالحقيقة الاولية ممالم‏يؤذن لنا بيانها و لم‏نؤمر الاّ بكتمانها لان اللّه‏ سبحانه و تعالي يقول ان اللّه‏ يأمركم ان‏تؤدوا الامانات الي اهلها و اظن قد طـرق

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 11 *»

سمعك مارواه المفضل في بيان الرجعة و ظهور دولة الحق و كيفية ظهور سيدنا القائم عجل اللّه‏ فرجه من انه7 اذا ظهر يسند ظهره الشريف علي الركن العراقي و يقول تلك الكلمات الي ان‏يخرج كتاباً مختوماً بخاتم رسول‏اللّه9 و خاتمه رطب و الناس يعلمون انه خاتم رسول‏اللّه9 فيقرؤه7 عليهم فيقول لهم بايعوني علي مضمون هذا الكتاب فاذا سمعوا منه7 ذلك يتفرقون و يقولون لست انت بصاحبنا (بصاحبها خ‌ل) و لايثبت الاّ عيسي روح‏اللّه‏ و اثناعشر نقيباً الحديث و هو طويل ذكرت معني موضع الحاجة فاذا لم‏يتحمل اولئك الابرار الاخيار الذين هم صفو الارض بعض مااقتضت الكينونة الصافية من العلوم الحقيقية (الحقيقة خ‏ل) الاولية فما ظنك باهل الدنيا المغمورين فيها المغرورين بزخارفها (بزخاريفها خ‌ل) المحجوبين عن مشاهدة العوالم الغيبية من الذين لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم اذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل (و خ‌ل) اولئك هم الغافلون و من هذه الجهة ورد الحث الشديد الاكيد في حفظ الاسرار و كتمانها عن الاغيار و قدقال مولينا الصادق7 علي مارواه في الكافي يا سليمان (لسليمان خ‌ل) انكم علي دين, من كتمه اعزّه اللّه‏ و من اذاعه اذلّه اللّه‏ فقال ايضاً7 انه قال ليس من احتمال امرنا التصديق له و القبول فقط بل احتمال امرنا ستره و صيانته من غير اهله و ساق الكلام الي ان قال 7واللّه‏ ما الناصب لنا حرباً باشدّ علينا مؤنة من الناطق علينا بمانكره الحديث و ايضاً قال7 يا معلّي اكتم امرنا و لاتذعه فان من كتم امرنا و لم‏يذعه اعزّه اللّه‏ به في الدنيا و جعله نوراً بين عينيه في الآخرة يقوده الي الجنة يا معلّي من اذاع امرنا و لم‏يكتمه اذلّه اللّه‏ به في الدنيا و نزع النور من بين عينيه في الآخرة و جعله ظلمة تقوده الي النار الي ان قال7 يا معلّي ان المذيع لامرنا كالجاحد له و قال ايضاً7 ان امرنا مستور مقنع بالميثاق فمن هتك علينا اذلّه اللّه‏ و امثالها من الروايات كثيرة و مااقتضته تلك الكينونة الاولي العليا لايجوز اظهاره و ابرازه مادامت الكينونة الثانية المغيرة المختلفة المعوجة الحاصلة من اتباع ابليس و قبول

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 12 *»

اوامره باقية موجودة فانه قال فلآمرنهم فليغيرن خلق اللّه‏ فاذن لايجوز لنا الكلام عن الحقيقة الاولية حسب مقتضي الفطرة الاولي فان اول ظهورها و ادني درجاتها و مقاماتها مايبرزه7 في ذلك المكتوب و علمت ان اولئك الابرار ماتحملوها فكيف يسوغ لمن علمه اللّه‏ سبحانه شيئاً من تلك الاطوار و استنار قلبه من اشراقات تلك الانوار ان‏يظهرها و يمليها و يشرحها و اللّه‏ سبحانه و تعالي يقول ان اللّه‏ يأمركم ان‏تؤدوا الامانات الي اهلها.

قاعــدة: لعلك تتوهم ان كل ماخفي علي عامة الناس يكون من الاسرار (اسراراً خ‌ل) فيشتبه عليك الامر في تنزيل هذه الاخبار و تسئ الظن بالعلماء الاطهار حيث انهم اظهروا كثيراً مماكان الناس يخفونه و لايبدونه فتتخيل انهم اذاعوا السرّ و يتوجه (تتوجه خ‌ل) اليهم المذمة التي في هذه الاخبار المذكورة و امثالها فيجب ان‏نذكر لك قاعدة كلية تميز بها بين السرّ الواجب كتمانه و بين مايجوز اظهاره.

فنقول ان الذي يجب كتمانه علي قسمين قسم لاجل امر عرضي خارجي بحيث لولاه وجب اظهاره كالصدق و الحق فانهما قديجب كتمانهما اذا كان اظهارهما يوجب ضرراً علي نفسه او علي عرضه او علي ماله او علي احد من المؤمنين و هذا هو التقية التي يجب كتمان مايتقيه مادام الضرر فعند فقده يجب الاظهار و لذا عدّ مذهب الشيعة من السر و مسألة من مسائل الحيض سمّاها الامام7 سراً و امثال ذلك من الاشياء الظواهر التي تقتضي شريعة التقية كتمانها و عدم اظهارها لئلاتعم البلية و تثور الفتنة و تشمل (تشتمل خ‌ل) النكبة و ذلك شي‏ء معلوم واضح.

و القسم الثاني ان علة الكتمان ليس امراً خارجياً بل المسألة لاتجري تحت قاعدة كلية من القواعد المعروفة او الغير المعروفة فان العلم و ان كان خفيّاً صعباً ولكنه متي كان تحت قاعدة كلية بحيث يمكن ان‏يكون احد افرادها يمكن للعالم ان ‏يستدل عليها و يحتجّ بها و يبينها و يفهم المخاطب اذا كان من اهل الانصات و الانصاف و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 13 *»

اما اذا لم‏يكن جارياً تحت قاعدة كلية و لايمكن للعالم ان‏يشرحه و يبينه و يستدل عليه فلامحالة يقع فيه الانكار و لايسعه البيان و الاستدلال فيأتي بشي‏ء منكر و ان كان هو الحق الواقع (الواقع الحق خ‌ل) و المخاطب السامع لايخلو اما ان‏يكون من اهل التصديق او من اهل الانكار فان كان الاول فيصدق من غير معرفة و لايصدقه عن وجهه فيفسد اعتقاده و يبطل دينه لاعتقاده مايخالف الواقع فيضل فكان هو سبب اضلاله و يتوجه اليه قوله تعالي و من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً علي معني الاضلال كما ورد في الحديث و قديكون السامع و المخاطب مؤمناً منصفاً ولكنه حيث ماظهـر (اظهر خ‌ل) له ماهو باعتقاده كفر و زندقة و لا برهان و لا دليل علي اثبات حقّية مايقول فينكر عليه احتياطاً لدينه و حفظاً لشريعته و طريقته و يرميه بالكفر و الزندقة و الي هذا المعني اشار في الحديث (و خ‌ل) لن‏يبلغ المؤمن كمال الايمان حتي يشهد الف صديق بانه زنديق و الصديق هو ماذكرنا فان لم‏يجد سبيلاً الي حقّية (حقيقة خ‌ل)  مايسمع من القواعد المقررة من الكتاب و السنة و العقل الصريح علي حسب اعتقاده فيجب عليه الانكار عليه و التكفير له و ذلك لايقدح في ايمانه بل هو من الايمان و لذا قال7 لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لكفره يعني من شأنه ذلك كمايشهد له الاتيان بـ «لو» الامتناعية و لايجوز لسلمان ان‏يظهر لابي‏ذر مايوجب تكفيره اياه لان اذاعة السرّ كماعرفت فسق و لايرتكب سلمان الذي من اولياء الرحمن و من امناء اللّه‏ في الارض ذلك ابداً كماقال سيدالساجدين7 لاتتكلم بماتسارع العقول الي انكاره و ان كان عندك اعتذاره و ليس كل‏ما تسمعه نكراً توسعه عذراً.

و بالجملة فهذا هو السرّ الذي يجب كتمانه هذا كلّه بالنسبة الي المخاطب و السامع اذا كان من اهل التصديق و الديانة و الانصاف و ان كان من القسم الثاني اي من اهل الانكار فيشنع و يظهر مساوي الاقوال و الاعتقادات و يعرض (يعترض خ‌ل) المتكلم معرض التلف و الهلاك هذا كلّه اذا (هذا اذا خ‌ل) كانت المسألة ليست داخلة تحت قاعدة كلية من القواعد (حسب خ‌ل) عالم الخلط و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 14 *»

اللطخ (اللطخ و الخلط خ‌ل) و اما ماكان من العلوم و المسائل فرداً من افراد قاعدة كلية مستنبطة بالادلة القطعية بحيث يمكن للمستوضح المسترشد المنصف المتدين المعرض عن الجدال و المراء ادراكه و فهمه فان ذلك لايكون من الاسرار و ان كان خفيّاً غامضاً (عاصفاً خ‌ل) صعباً جدّاً لاتعرفه عامة الناس (او خ‏ل) من الذين لاينصفون ممن وسوس في قلوبهم الخنّاس و الاّ فمن نظر و ابصر و تفكر و تدبر يراه جارياً علي القواعد العلمية كمادلّت عليه الآيات الانفسية و الآفاقية و غير ذلك و ليس ذلك (ذلک ليس خ‌ل) بسرّ و عليه جرت (عادة خ‌ل) العلماء و الحكماء و لايزال يأتون بأشياء خفية و امور دقيقة من الامور المحسوسة و المعقولة ممالم‏تعرفه عامة الناس بل الخواص و اخص الخواص فلايكون ابداء (ابداً خ‌ل) ذلك سرّاً.

فاذا عرفت هذه القاعدة الشريفة عرفت السرّ الذي يجب كتمانه و خفايا (خفاء خ‌ل) الامور التي يجوز اظهارها بل ربما يستحب بل يجب في بعض المقامات و الاحوال لان (علماء خ‌ل) اهل‏البيت: شأنهم التعليم فان كان لايجوز لهم ان‏لايظهروا الاّ ماهو المعروف عند العوام فيكون تعليمهم تحصيلاً للحاصل و لايتفوه به العاقل (عاقل خ‌ل) فضلاً عن العالم الفاضل.

فاذا عرفت هذه المقدمة و اتقنت هذه الدقيقة المتقنة علمت ان بيان النبوة و الولاية المطلقتين و المقيدتين علي الحقيقة الاوّلية الالهية علي المعني الذي ذكرت لك شي‏ء لو فرض اني اعرفه لايسعني بيانه و شرحه لان من العلوم مايحتمل (يتحمل خ‌ل) و منها ما لايحتمل (لايتحمل خ‌ل) و من الناس من يحتمل و منهم من لايحتمل و قدقال مولينا الصادق7 ما كلّ مايعلم يقال و لا كلّ مايقال حان وقته و لا كلّ ماحان وقته حضر اهله و قد قال (سيد السجاد) سيدالساجدين7   :

اني لاكتم من علمي جواهره   كي لايري العلم ذو جهل فيفتتنا
و قدتقدّم في هذا ابوحسن   الي الحسين و وصّي قبله الحسنا
فرب جوهر علم لو ابوح به   لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا

 

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 15 *»

و لاستحل رجال مسلمون دمي   يرون اقبح مايأتونه حسناً

و لا شك ان الذي اختاره اللّه‏ تعالی و اصطفاه و جعل قلبه محلاً للواردات الغيبية و موضعاً للحقايق الالهية و خفيّات الامور و مستجناتها فلايجوز له (لها خ‌ل) ان‏يجعلها الاّ في موضع و محل يؤذن (له خ‌ل) و لايبرزها الاّ في وقت يؤمر به فان في نشر العلوم اوقاتاً خاصة و لها علامات يعرفها العالم بالعلم اللدنّي بنور التوسم و التفرس اماسمعت اللّه‏ سبحانه يقول ان في ذلك لآيات للمتوسمين اماسمعت الحديث الوارد عن النبي9 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه‏ و قدقال الشاعر و نعم ماقال و لقداجاد في المقال:

و مستخبر عن سرّ ليلي اجبته   بعمياء من ليلي بلاتعيين
يقولون خبرنا فانت امينها   و ما انا ان خبرتهم بامين

فاذا كان الامر كذلك وجب علينا لمقام جنابك عندي و حرصي للبيان و ايضاح الامر بمشاهدة (لمشاهدة خ‌ل) العيان ان‏نذكر الامر بين الامرين و تحقق (نحقق خ‌ل) الحقيقة في البين ليكون جامعاً بين مقامي الباطن و الظاهر و حاوياً لمرتبتي الخفاء و الظهور علي حسب مايمدّني اللّه‏ سبحانه و تعالي بتوفيقه و يؤيدنا بتأييده.

فنقول اما النبوة فاعلم انها هي الوساطة (الواسطة خ‌ل) و الترجمة عن اللّه‏ سبحانه و تعالي الي ماعداه فان (و ان خ‌ل) كانت تلك الواسطة (الوساطة خ‌ل) في متعلق (متعلقات خ‌ل) الاختراع و الابتداع و المشية و الارادة و القدر و القضاء و الامضاء او قل فان كانت فيمايحصل به الاختراع و الابتداع و الامكان و الاكوان و الاعيان فهي نبوة تكوين و ان كانت في الاحكام العملية (العلمية خ‌ل) و الافعال القولية و الجوارحية و التكاليف القلبية و البدنية فهي نبوة تشريع و كلّ منهما خاصة و عامة اي مطلقة و مقيدة لان تلك الوساطة ان كانت مختصة في تكوين اشياء خاصة لاتتعداها فهي نبوة تكوينية خاصة و ان كانت شاملة لكلّ الاطوار في الاكوار و الادوار و الاوطار في جميع العوالم الالف‏الف بحيث لايشذ ذرة من الذرّات

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 16 *»

الوجودية من العلوية و السفلية و الغيبية و الشهودية و المجردة (المجردية خ‌ل) و المادية و غيرها فهي عامة مطلقة واسطة في الصدور و الاثبات لانها صفة التعين الاول قدظهر بنوره و ظهوره في كلّ شي‏ء من الاشياء و موجود من الموجودات يتلقي الفيض من اللاتعين بلا كيف و لا اشارة و لا وصف و لا عبارة (اعتبار خ‌ل) و يوصله الي جميع الموجودات في السلسلتين الطولية و العرضية فيلقي الفيض اولاً عن اللّه‏ سبحانه الي طبقة الانبياء و هو (هی خ‌ل) مائة الف و اربعة و عشرون الفاً ثم بواسطة الانبياء الي حقيقة الرعية و هي اطوار الانسان الذي علم (علمه خ‌ل) البيان ممن يجري عليه الامر و النهي و تنفي عنه المتبوعية و هم التابعون بالاحسان (باحسان خ‌ل) كمافي قوله تعالي و السابقون الاولون من المهاجرين و الانصار و الذين اتبعوهم باحسان ثم يلقي بالواسطتين (بالواسطتتين خ‌ل) الي حقيقة الجن من حيث الاجمال و التفصيل بجميع مايحتاج اليه من حيث نوعها و صنفها و شخصها من الاطوار التكوينية و الافاضات (الاضافات خ‌ل) الوجودية ثم يلقي عن اللّه‏ بالوسايط الثلثة الي الحيوانات من البهائم و الاجناس المختلفة و الانواع المتعددة و كذا الحشرات باجناسها و انواعها و اصنافها و اشخاصها و الطيور بمراتبها و اختلاف اجناسها و انواعها و اشخاصها و هيئاتها و اوضاعها ثم يلقي عن اللّه‏ سبحانه الوحي التكويني في الوسايط الاربعة الي النباتات من اقسام الاشجار المثمرة و الغير (غير خ‌ل) المثمرة باختلاف اغصانها و عروقها و اثمارها و اوراقها و استقامتها و اعوجاجها و كثرة اغصانها و قلّتها و مايتعلق بها من نموّها و ذبولها و سقوط ورقها و صلاح ثمرها و فسادها و غير ذلك من اطوارها ثم يلقي بالوسايط الخمس الي الجمادات من المعادن و غيرها من المايعات و الجامدات و المنطرقات و غير المنطرقات و الجواهر الثمينات و غيرها من ساير المعدنيات و كذا غيرها من الجمادات و الاحجار الغاسقة من الكبار و الصغار و الرمل (الوحل خ‌ل) و ساير المتولدات كل ذلك من اللّه‏ سبحانه و تعالي بواسطة النبي صلی‌ الله ‌عليه ‌‌و ‌آله بهؤلاء

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 17 *»

الوسايط فالوساطة و الترجمة و ايصال كل فيض الي محل (محله خ‌ل) المقصود عن اللّه‏ سبحانه هي النبوة التكوينية.

و هذه المراتب المذكورة هي السلسلة الطولية كلّ ثانية منها اشراق و شعاع من الاولي و كلّ هذه الاشراقات و الاشعة من فاضل اشراق و شعاع النبي المطلق الذي هو حامل تلك الترجمة و الوساطة و هذه الوساطة وساطة صدور لا ثبوت و هذه الترجمة ترجمة اشراق و افاضة لا التفصيل (لاتفصيل خ‌ل) كمايأتي و في كل من هذه السلسلة افلاك و عناصر و متولدات و للافلاك جوزهرات و تداوير و خوارج المركز (المراکز خ‌ل) و الحوامل و مايترتب عليها من الآثار و مايتفرع علي قراناتها من الاضواء و الانوار من احكام الليل و النهار فالنبي المطلق هو حامل هذه النبوة المطلقة العامة التي اوحيت اليه و هو الذي يفيض تلك الفيوضات و يوصلها الي محالها و مواقعها فهو باب اللّه‏ الي الخلق في الافاضة من اطوار الاكوان و الاعيان و مستجنات الامكان و الوساطة العامة في هذه الاطوار المذكورة و الغير المذكورة هي النبوة التكوينية و الي هذا الوحي التكويني الاشارة في قوله تعالي و  کذلک اوحينا اليك روحاً من امرنا و الروح من امر اللّه‏ حقيقة من الحقايق الاولية الالهية و هو الذي اشار اليه سبحانه في قوله تعالی ينزل الملائكة بالروح علي من يشاء من عباده و هذا الروح هو حامل الامر الذي اشار اليه سبحانه في قوله تعالی و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و هذا الروح من عالم الامر الذي به قامت السموات و الارض و هذا هو الموحي الي النبي9 في قوله تعالي و لقداوحينا اليك روحاً من امرنا و قد قال اميرالمؤمنين7انا الروح من امر اللّه‏ فخذ الحقيقة و لاتحمل علي المجاز ماامكن حمل الكلام علي الحقيقة و لاتقتصر (لاتقصر خ‌ل) علي تأويل هذا الروح بالقرءان و ان كان من احد معانيه و هذه الاية اوضح دليل علي الوحي التكويني و اذا كان بهذا الموحي (الوحي خ‏ل) (الامر خ‌ل) قامت السموات و الارض فوجب ان‏يكون حامل هذه النبوة التي هذا الروح مما

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 18 *»

اوحي اليه نبياً مطلقاً علي كافة الاكوان بالنبوة التكوينية الحاملة للكتاب التكويني.

اما النبوة التشريعية فهي واسطة في الاحكام العملية مماتقتضي (يقتضی خ‌ل) كينونة العباد من حيث عبوديتهم ان‏تكون عليها لتدلّ علي بارئها (باريها خ‌ل) و صانعها فتشهد له ببلاغ الحكمة و تمام الحجة و هذه علي قسمين عامة و خاصة (و خ‌ل) اما الثانية فهي ما اذا كانت متعلقة باشخاص مخصوصين لاتتعدي عنهم الي غيرهم كماكانت نبوة ساير الانبياء سوي نبينا9 و نبوة نوح7 و اما ماسويهما فمختصة باناس مخصوصين كماكان ابرهيم7 مبعوثاً علي اربعين بيتاً بعد هلاك نمرود و قومه و لوط مبعوثاً علي اهل المدائن (المداين خ‌ل) السبع و موسي و عيسي مبعوثين علي بني‏اسرائيل خاصة وهكذا ساير الانبياء: و كان يتفق في زمان واحد انبياء متعددين كما ان بني‏اسرائيل قتلوا سبعين نبياً في يوم واحد بين طلوع الفجر الي طلوع الشمس و قتل كي‏خسرو ملك الفرس كثيراً من الانبياء و هذا شي‏ء معلوم ظاهر غني عن البيان.

و اما الاولي العامة المطلقة فان‏تعـمّ النبوة جميع الموجودات ممن يصلح لان‏يتعلق عليه التكليف من البالغ العاقل المختار و قدبيّنّا في كثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل بالادلة القطعية من العقلية و النقلية ان كلّ شي‏ء من الجمادات و النباتات و الاعراض له شعور و ادراك و عقل و اختيار علي حسب حاله و مقامه فيكون تكليفه علي حسبه اماسمعت اللّه‏ سبحانه يقول و ان من شي‏ء الاّ يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم ولو كان تسبيحاً بالحال و الكينونة و دلالة الاثر علي مؤثره لماصحّ قوله لاتفقهون لان دلالة الاثر علي المؤثر و الحادث علي القديم و العاجز علي القوي و المعدم علي الغني من اوضح الواضحات بل من ابده البديهيات فمابقي الاّ تسبيح خاص بشعور و اخلاص لاتدركه عامة الناس اماسمعت قوله تعالي انا عرضنا الامانة علي السموات و الارض و الجبال فابين ان‏يحملنها و اشفقن منها و لا ريب (لاشک خ‌ل) ان الاباء و الاشفاق بدون العلم و الشعور كذب محض و زور صرف ينزه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 19 *»

كلام اللّه‏ سبحانه عنه مع عدم موجب علي تكلّف التجوزات و تجشم الاستدلال بانواع المجازات اماسمعت قوله تعالي ثم استوي الي السماء و هي دخان فقال لها و للارض ائتيا طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طائعين و لا ريب ان هذا الطوع يضادّ الكراهة بنصّ الاية و لاتكون الطاعة الاّ بشعور و علم و ارادة كما لاتكون الكراهة الاّ كذلك انظر الي العدول عن الطائعات الي الطائعين من الدلالة الواضحة اماسمعت قوله تعالي حكاية عن يوسف اني رأيت احدعشر كوكباً و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين و لم‏يقل رأيتها لي ساجدة و قوله تعالي يتفيؤ ظلاله عن اليمين و الشمائل سجداً للّه‏ و هم داخرون و لم‏يقل و هي داخرة و قوله تعالي (و خ‌ل) كلّ في فلك يسبحون و لم‏يقل سابحة و امثالها من الآيات اذا تتبعتها في (من خ‌ل) القرآن تجـد اكثر من ان‏تحصي و اعلي من ان‏تستقصي و قدذكر سيدالساجدين صلوات اللّه‏ عليه في الصحيفة يخاطب القمر ايها الخلق المطيع الدائب السريع المتردّد في منازل التقدير الي قوله في كلّ ذلك انت له مطيع و الي ارادته سريع الدعاء و روي عن النبي9 الدعاء لاجل الحمي يا ام‏ملدم ان كنت امنت باللّه‏ (الاعظم خ‌ل) فلاتأكلي اللحم و لاتشربي الدم و لاتفوري من الفم و انتقلي الي من يزعم ان مع اللّه‏ آلهة اخري فاني اشهد ان لا اله الاّ اللّه‏ وحده لا شريك له و ان محمداً9عبده و رسوله و الاحاديث في هذا المعني كثيرة و لا داعي لتأويلها اذ لا احد يدعي ان شعورها و علمها كشعور الحيوانات الظاهرة بحيث يدركها كلّ احد حتي يكون العمل بظاهر اللفظ خلاف حس العقلاء ليجب ارتكاب التأويل و التجوز و بالجملة فانا لسنا بصدد بيان هذه المسألة و شرحها و انما المقصود الاشارة الي نوعها.

فنقول اذا صحّ الشعور و الادراك صحّ الاختيار فيصحّ التكليف فلابد من مكلف فوجب ان‏يكون علي كلّ موجود من الموجودات من جميع اصنافها و انواعها و اجناسها و جميع مراتبها و اطوارها نبياً منذراً و علماً هادياً يبيّن له مايريد اللّه‏ سبحانه منه من الاعمال و الافعال علي حسب مقتضي الكينونة الاعيانية و الكونية و الامكانية و هو قوله تعالي و ما من

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 20 *»

دابة في الارض و لا طائر يطير بجناحيه الاّ امم امثالكم و قدقال تعالي و ان من امة الاّ خلا فيها نذير و الدليل علي ان الجمادات تدبّ و تتحرك لتدخل في عموم الدابة قوله تعالي و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمرّ مرّ السحاب فبيّن سبحانه بمعونة قوله عزّوجلّ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت ان كل شي‏ء من الاشياء و كل موجود من الموجودات (الا خ‌ل) بعث (الله خ‌ل) عليه نبياً منذراً و لم‏يحط بعموم هذه النبوة في جميع الازمان من مبدأ الوجود الي اخر مراتب الشهود الاّ محمد9 فانه قدبعثه اللّه‏ علي كافة الخلق بشيراً و نذيراً في التشريع لقوله تعالي تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً و جعله نبياً علي الانبياء و اوجب عليهم الايمان به لقوله تعالي و اذ اخذ اللّه‏ ميثاق النبيين لمااتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لمامعكم لتؤمنن به و لتنصرنه قال ءاقررتم و اخذتم علي ذلكم اصري قالوا اقررنا قال فاشهدوا و انا معكم من الشاهدين و كذلك سبحانه بعثه نبياً في التكوين لماذكرنا سابقاً و لقوله تعالي ياايها النبي انا ارسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً و داعياً الي اللّه‏ باذنه و سراجاً منيراً فاذا كان هو السراج المنير يجب ان‏يكون كل ماسواه من اشعة انواره و عكوسات اثاره فهو النور الحق و النبي المطلق و كان نبياً و ادم الاول بين ماء الوجود و طين الماهية و عمّ حكمه كل الوجود في الغيب و الشهود (الشهادة خ‌ل) فالانبياء تلقوا (تلقون خ‌ل) منه (ص) من وراء حجاب كما تلقّت الكواكب النور من الشمس في الليل من وراء حجاب الارض.

و لمّاكانت الشمس تحت الحجاب بدت الكواكب و ظهرت و تميزت باشخاصها و صفاتها و اثارها فلما ارتفع الحجاب و انكشف النقاب و طلعت الشمس منخلعة عن الجلباب غابت الكواكب و خفيت اشخاصها و انمحقت اضواؤها و انوارها فلا سلطان الاّ للشمس و لا برهان الاّ لها و لا عيان لغيرها فكذلك الانبياء (و خ‌ل) لمّاكانوا مستمدّين من نور خاتم‏الانبياء (النبيين خ‌ل) صلي اللّه‏ عليه و آله و عليهم من وراء حجاب الاصلاب و الارحام ظهرت الانبياء علي نبينا و آله و: متميزة متشخصة باحكامها و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 21 *»

آثارها و لمابزغت شمس النبوة المطلقة من افق الظهور غابت و خفيت و نسخت احكام الانبياء و لم‏يبق الاّ حكمه فهو الحاكم علي كلّ احد من الانبياء و غيرهم الاّ ان في الانبياء و اممهم الذين مضوا, من وراء حجاب و في غيرهم, بعد انقطاعهم بلا حجاب و اليه الاشارة بقوله9علماء امتي كانبياء بني‏اسرائيل بناء علي ان المشبّه عين المشبّه‏به فيكون المعني علماء امتي انبياء بني‏اسرائيل فالموجودات كلّها امته و علماء امته الانبياء و انما خصّ بني‏اسرائيل لكثرتهم و شيوعهم و ظهورهم و الاّ فجميع الانبياء من ادم و من تحته علماء امته و اليه الاشارة في قوله تعالي لمن يعقل و يفهم و يعرف لحن المقال و يشاهد حقيقة الحال و يعرف وضع كلّ شي‏ء في موضعه علي القواعد الالهية و هو قوله تعالي عباد مكرمون اي الانبياء عباد اكرموا بالنبوة و الطهارة و العصمة و طيب‏الولادة و كمالات المعنوية و الصورية لايسبقونه بالقول يعني محمداً9 لدلالة الحال في لحن المقال و هنا تصريح اخفيته و تحقيق اضمرته خوفاً من فرعون و ملائه و هم بامره يعملون اي الانبياء بامر محمد9 في تكاليفهم و رسالاتهم و تبليغاتهم لانه كان نبياً و ادم بين الماء و الطين فلانسخت نبوته و لا خصّت رسالته فهم (و هم خ‌ل) بامره يعملون في جميع مالهم و منهم و اليهم و عندهم يعلم مابين ايديهم و ماخلفهم لانه قدسبقهم فهو قبلهم و بعدهم فهو (الخاتم خ‌ل) الفاتح و الخاتم و المبدء و الوارث و لايشفعون الاّ لمن ارتضي محمد دينه و عرفه من امته و رعيته و كان معتقداً بنبوته (نبوته خ‌ل) لمااخبر من النبي المبعوث اليه ظاهراً فمن لم‏يكن هكذا في جميع الامم و الازمان لاتناله شفاعة الشافعين لانهم كانوا عن التذكرة معرضين فمالهم من شافعين و لا صديق حميم و هم من خشيته مشفقون اي الانبياء من خشية مخالفة محمد9 مشفقون لانه باب اللّه‏ و وجهه و مخالفته مخالفة اللّه‏ من يطع الرسول فقداطاع اللّه,‏ ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه,‏ و من يقل منهم اني اله من دونه يعني ان ادّعوا الاستقلال و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 22 *»

تلقّي الوحي عن اللّه‏ بدون واسطة محمد9 فقدادّعوا الالوهية و الربوبية دون الاله الحق جلّ‏وعلا من قوله تعالي افرأيت من اتخذ الهه هواه و قول الصادق7 من استمع الي ناطق فقدعبده فان كان الناطق ينطق عن اللّه‏ فقدعبد اللّه‏ و ان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقدعبد الشيطان فاذا ادعوا الاستقلال لانفسهم و اعرضوا عن باب اللّه‏ فقداتخذوا انفسهم الهة من دون اللّه‏ و قال اني اله من دون اللّه‏ و من قال ذلك و فعل كذلك فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين الذين يضعون الاشياء في غير مواضعها بمخالفة محمد9 الذي فرق بينه و بين الاحد بالميم و هم الذين يفرقون بين الله و رسوله.

و اما نبوة نوح7 فهي و ان كانت عامة الاّ ان عمومها بالنسبة الي اهل زمانه لا في جميع الازمنة فانه من احد رعايا محمد خاتم‏النبيين و هو الشاهد عليه و دليله الي ربه و المهيمن علي ذلك كلّه.

تحقيق الهي: اعلم ان الرسالة قدتكون خاصة و الشريعة التي اتي بها الرسول عامة و قدتكون كلتاهما عامتين اما عكس الاول بان‏تكون الشريعة خاصة و النبوة عامة فلاتكون اما القسم الاول فكشرايع (فکالشرايع خ‌ل) الستّ فانها عامة علي جميع الخلق مع ان نبوة بعض حامليها خاصة كماذكرنا في ابرهيم و موسي و عيسي: و اما النبوة العامة الحاملة للشريعة العامة في زمانه فهي شريعة نوح7 و اما النبوة العامة الحاملة للشريعة العامة في كلّ الازمان و الامكنة فخاصة بنبيّنا9 دون غيره في جميع الاكوان و متغيّبات (متعينات خ‌ل) الامكان بجميع الانحاء و الاطوار.

(تحقيق الهي و خ‌ل) تبيين عرشي و توضيح سماوي: اعلم انه قدسبق منا ان محمداً9واقف في مبدأ الوجود فهو اذ ذاك واحد مثال للاحد و الواو لفرق المرتبة و لماكان وجه الاحد و الواسطة فكان متبوعاً مطلقاً لا تابعاً فهو الواحد المتبوع الذي لايتبع احداً و لماسبح في بحر القدرة و بحر الجلال (الجلالة خ‌ل) و بحر العظمة و بحر

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 23 *»

الكبرياء و بحر الجمال و بحر العزة و بحر الحيوة و بحر القيومية الي تمام اثني‏عشر بحراً الي تمام العشرين و تمت سباحته في هذه الابحر التي هي شعب بحر الاحدية و خلجان طمطام يم الوحدانية قطرت منه مائة الف قطرة و اربعة و عشرون الف قطرة او لماظهرت فيه حرارة الشجرة الزيتونة في رتبة الوساطة المقتضية للرطوبة او عرق فبرز منه مائة الف و اربعة و عشرون الف رشحة عرق او لما تجلي منه النور المشرق من صبح‏الازل و اشرق و اضاء فظهر من اشراقه و اضاءته مائة الف و اربعة و عشرون الف شعاع او لماكملت (قابلية خ‌ل) ذاتيته و تمّت كينونته او فضل نوره فانقسم بمائة الف و اربعة و عشرين الف قسمة و كلّ هذه الفقرات معناها واحد.

عباراتنا شتّي و حسنك واحد   و كل الي ذاك الجمال يشير

و هذه الطبقة الثانية حيث انهم اقرب الاشياء الي المبدأ و لا واسطة بين مبدأ الحق (الخلق خ‌ل) و بينهم و لكمال قربهم اضمحلت انّياتهم و ذهبت ماهياتهم فلم‏يبق فيهم الاّ وجه الحق و به كانوا واسطة بينه و بين الخلق فاستحقّت تلك الرتبة اسم النبوة لكونها ظهرت علي مثاله و جرت علي شاكلته فجعل اللّه‏ سبحانه و تعالي كلّ قطرة من تلك القطرات و رشحة من تلك الرشحات و ذرة من تلك الذرات و قبسة (قبة خ‌ل) من تلك القبسات (القباب خ‌ل) نبياً من الانبياء (و خ‌ل) فكانوا بذلك متبوعين لا تابعين آمرين لا مأمورين كمافي قوله تعالي و ماارسلنا من رسول الاّ ليطاع باذن اللّه‏.

و اما ظهورهم بهذا العدد الخاص فاعلم ان الكثرة و الوحدة انما تكونان علي مقتضي المرتبة و اقتضائها و مقتضي تعلق الايجاد و قابليته و لمّا كانت رتبة الانبياء عليهم‌السلام رتبة ثانية فهنالك (هناک خ‌ل) يعتبر امران احدهما ملاحظة الرتبة من حيث هي و الثاني ملاحظة وجود اهلها في انجعالها و انفعالها عن الاختراع فباللحاظ الثاني يحصل اربعة و عشرون مرتبة لان جهة الكثرة في التعين الثاني اعظم و اكثر (و خ‌ل)  فلماكان حدود التعين و جهاتها لاتكون

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 24 *»

اقلّ من الستة و هي الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و الزمان و المكان و كلّ من هذه الستة لاتتحقق الاّ في اربع طبايع فاذا لاحظت حدود التعين في الطبايع الاربع كان الحاصل اربعة و عشرين و باللحاظ الاول تحصل مائة لان العشرات اذا لوحظت في نفسها تكون مائة و هذا اللحاظ باعتبار وجود العوالم العشرة في العوالم العشرة لتمام الشي‏ء مشروح‏العلل مبين‏الاسباب و هي عالم الامكان الراجح و عالم الوجود المقيد و عالم العقل و عالم الروح و عالم النفس و عالم الطبيعة و عالم المواد و عالم المثال و عالم الاجسام و عالم الاعراض في كل هذه عشرة عوالم عالم القلوب عالم الصدور عالم التعقل عالم العلم عالم الوهم عالم الخيال عالم الفكر عالم الوجود الثاني و هي الحرارة الغريزية و عالم الحياة و عالم المركبات فتمت المائة بمراتبها الكلية الاولية فلما جمعنا هذه المراتب مع مراتب حدود التعين فصار الحاصل مائة و اربعة و عشرون (عشرين ظ) و لمّاكان عالم الانبياء عالم الربوبي و هم الربانيون كان الواحد في مقامهم الفاً بالقياس الي غيرهم فاقتضي ان‏يكون عددهم مائة الف و اربعة و عشرين الفاً كل واحد ظهر فيه جهة من جهات هذه المراتب و اثارها و احكامها فبالمجموع تمّت المراتب فكان كل نبي حامل اسم من الاسماء الخاصة بمقامه و مرتبته و لماكانت هذه المرتبة بكثرتها (بکثراتها خ‌ل) و جمعيتها للاسماء رشحة من رشحات بحر النبوة المطلقة كان الحامل لتلك الرتبة و هو خاتم‏الانبياء جامعاً حاوياً لجميع الاسماء و الصفات و حائزاً لجميع مظاهر الرحمانية مماظهرت في رتبة الانبياء فكان حاملاً للاسم الاعظم الاعظم الاعظم و ذاكراً بالذكر الاجل الاعلي الاعلي الاعلي و جميع الكمالات التي في مقامات الانبياء ذرة من ذرات نور وجوده و قطرة من رشحات بحر جوده.

توضيح و تبيين: قدذكرنا سابقاً ان النبوة هي الترجمة عن اللّه‏ فلابأس ان‏نعرفك معني الترجمة و حقيقتها اعلم ان اللّه‏ سبحانه و تعالي حيث جعل العالم

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 25 *»

عالم الاسباب و جعل لايجاد الاشياء اسباباً و ابواباً اختلفت الموجودات بالعلوّ و السفل و الكمال و النقصان و حصلت الخزائن و هو قوله تعالي و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزّله الاّ بقدر معلوم فما في الخزينة (الخزانة خ‏ل) الثانية السافلة يتلقي الفيض من الخزينة (الخزانة خ‏ل) الاولي العليا فالفيض اولاً يصل الي (الاولی خ‌ل) العليا علي حسب مقامها و مرتبتها فيعتدل من فاضلها بمايناسب مقام الخزينة الثانية فيفاض عليها فلولا الاولي ماامكن للثانية القبول عن المبدأ الاعلي فالاولي يترجم مايصل اليها من المبدأ و يجعله (يجعلها خ‌ل) صالحاً لقابلية الثانية حتي تقبل مثاله الجنين في بطن الام فان الغذاء من الطعام و الشراب يصل اولاً الي الام فتأكل الطعام و تطحنه الطبيعة و تسحقه و تحيله دماً حيضاً حتي يكون صالحاً لغذاء الولد فالام تترجم للولد مايصـل اليها من المدد و هذا مثال تقريبي تعرف به نوع الترجمة.

فتلخص لك مماقلناه ان الترجمة عبارة عن وصول الفيض الي العالي و تهيؤ العالي ذلك الفيض علي مقدار قابلية السافل فالماء مثلاً من السماء يصل الي الارض فتجذبه الارض و تحلله و تعقده و تجعله صالحاً لغذاء انواع المتولدات من الحيوان و النبات و الجماد علي احوال متعددة و اوضاع مختلفة و اطوار متشتتة فكلّ واسطة بين العالي و السافل هو الترجمان الاّ ان الواسطة علي قسمين واسطة في الصدور و هي الوسايط في السلسلة الطولية و هي المراتب الثمان من الحقيقة المحمدية صلي اللّه‏ عليه و آله و حقيقة الانبياء و حقيقة الرعية من الانسان و حقيقة الجن و حقيقة الملائكة الحملة المدبرات و حقيقة الحيوانات و حقيقة النباتات و حقيقة الجمادات و هذه المراتب تكون الواسطة في الصدور يعني كلّ عليا واسطة في صدور السفلي من المبدأ الاعلي فلولا العليا ماوجدت السفلي و لاتحققت بمعني ان السفلي لاتساوي العليا بوجه من الوجوه و طور من الاطوار و حال من الاحوال.

فترجمة (و ترجمة خ‌ل) العليا للسفلي اشراق نورها و احداث اشباحها و امثالها كالشعاع بالنسبة الي الشمس فان الشمس ترجمان من اللّه‏ سبحانه الي الشعاع تترجم مايصل اليها عن (من خ‌ل) المبدأ

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 26 *»

الحقّ للاشعة بالاشراق و القاء الامثال و نقش الاسماء و امثالها فهذه الترجمة تسمي ترجمة اشراق و وساطة احداث و اصدار فاللّه‏ (فان الله خ‌ل) سبحانه و تعالي يحدث السفلي باشراق الاولي کما انه سبحانه خلق الليل و النهار (و خ‌ل) لكنه تعالي خلق النهار باشراق الشمس فالشمس واسطة بين اللّه‏ سبحانه و بين الشعاع واسطة احداث و اصدار و ترجمتها لمايرد عليها للشعاع ترجمة اشراق و ذلك معلوم لاهل الاذواق السالكين الي المبدأ الحق بعزائم (الاشواق خ‌ل) الاشراق.

و القسم الثاني من الترجمة ترجمة ثبوت و شرح و تفصيل و تغير (تغيير خ‌ل) من حال الي حال و من لغة الي لغة و الحقيقة واحدة كما ان الفؤاد يترجم ماعنده من الحقيقة اللاهوتية و يوصله الي القلب معني فالمعني ترجمة الفؤاد للقلب ماوصل اليه من سرّ الحقيقة و القلب يترجم المعني الذي عنده و يوصله الي الروح رقيقة علي شكل ورق الاس و الروح يترجم ماعنده من الرقيقة و يوصل (يوصله خ‌ل) الي النفس صورة مجردة غيبية متميزة متشخصة و النفس يترجم (تترجم خ‌ل) ماعندها و توصل الي المثال بمعونة الطبيعة و المادة صورة شبحية مقدارية برزخية و المثال يترجم ماعنده من الصورة البرزخية و يوصلها الي الجسم الكل و هو يترجم ماعنده من الحقيقة الجسمية الانبساطية السارية في جميع الاجسام و يوصل الي اول تعينها (و خ‌ل) مبدأ تشخصها و هو العرش محدد الجهات مقام الاجمال الصرف البات و لذا كان مجرداً عن البروج و الكواكب و ساير القرانات و الاحوال التفصيلية و العرش يترجم ماعنده من الاجمال و الكليات و الابواب التي ينفتح من كل باب منها الف باب و من كل باب من هذا الالف الف وهكذا و يوصلها الي الكرسي مفصلة بالبروج و المنازل و الكواكب و القطب و المحور و الكرة و الدوائر من العظام و الصغار وهكذا يترجم الكرسي لفلك الشمس لانها الاصل و القطب (القطب و الاصل خ‌ل) و هي تترجم لزحل و القمر ثم للمشتري و عطارد ثم للمريخ و الزهرة ثم بمجموع حركات هذه الافلاك لكرة النار ثم بها لكرة الهواء ثم لكرة الماء ثم للارض وهكذا حكم الترجمة في التركيبات (الترکيبيات خ‌ل) و التأليفات و هذه الترجمة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 27 *»

كترجمة المعلم للمتعلم فان المعلم مايفقد الذي يوصل الي المتعلم و شرح هذه الكلمة و بيانها طويل‏الذيل و الاشارة كافية لاهلها.

فالنبي المطلق بالنبوة المطلقة التكوينية يترجم للاكوان الوجودية منها ترجمة اشراق و منها ترجمة شرح و تفصيل و الترجمة الثانية لاتكون الاّ في مقام اهل‏بيته الاثني‏عشر و فاطمة الصديقة: و اما فيماسواهم فالترجمة ترجمة اشراق كمامثلنا لك سابقاً و هذا مجمل ماتحتاج (نحتاج خ‌ل) (يحتاج خ‌ل) اليه في معرفة النبوة علي مراتبها من المطلقة و المقيدة و العامة و الخاصة و عموم الشريعة و خصوص البعثة و مايتعلق بها من احوال النشأتين و احكام الدارين فالنبي المطلق9 هو الواقف علي الطتنجين و له البرزخية الكبري و رتبة غيب ‏الغيوب و منه بدء كل شي‏ء و الي يعود.

و اما الولاية: فاعلم انها كالحقيقة المحمدية لها اطلاقان: احدهما الحقيقة الجامعة (الشريفة خ‌ل) الشاملة للنبوة و ثانيهما مايغاير النبوة و يقابلها و نحن نتكلم بعون اللّه‏ تعالي فيها باعتبار الاطلاقين فنقول اما الولاية بالمعني الاعم فهي النور الازل و التعين الاول و الازلية الثانية و صاحب الازلية الاولية و الفيض الاقدس الظاهر بالفيض المقدس و مرادنا بالازل و الازلية من الاولية و الثانوية ماهو في الامكان من المبدأ الاول الذي لم‏تصل اليه الاعيان و الاكوان (الاکوان و الاعيان خ‌ل) و هو الملك الذي اشار اليه مولينا سيدالساجدين7 في دعاء الصحيفة و استعلي ملكك علواً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لم‏يبلغ ادني مااستأثرت به من ذلك اقصي نعت الناعتين تأمل في هذه الفقرة الشريفة تجد ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطـر علي قلب بشر فالولاية هي ذلك الملك الموصوف بالقدم في الدعاء اللّهم اني اسألك باسمك العظيم و ملكك القديم و هذا الملك هو النقطة التي يدور عليها الوجود و هي القطب الاعظم و الغوث الاقدم و السرّ المعمي و الرمز المنمنم و هذه في حقيقة ذاتها من حيث هي هي احد مجرد عن الحدود منزه عن ادراك المشاعر في الغيب و الشهود و هي الحقيقة التي اشار اليها اميرالمؤمنين7 انها

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 28 *»

كشف سبحات الجلال من غير اشارة و هي الاسم الذي اشار اليه مولينا الصادق7 انه بالحروف غير مصوّت الي ان قال7 بري‏ء عن الامكنة و الحدود مبعد عن (عنه خ‏ل) الاقطار محجوب عنه حسّ كل متوهم مستتر غير مستور و هي الوصف و الملك اللذان اشار اليهما اميرالمؤمنين7في قوله رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و هي المثل و الشكل و الاية التي اشار اليها اميرالمؤمنين7 بقوله انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته و هي الكبري من الايات التي اشار (الله اليها خ‌ل) اليها اللّه‏ سبحانه لقدرأي من ايات ربه الكبري و بالجملة ان الولاية من حيث ذاتها هي الاحدية الظاهرة في الامكان و الاكوان و الاعيان لان الادوات انما تحدّ انفسها و الالات انما تشير الي نظائرها.

و اما في مقام الذكر الاول و (الاثر الاول خ‌ل) الاشراق الاول الذي يشتق منه الاسماء و الصفات فان كل اثر يشتق منه اسم لمؤثره كالقيام للقائم و القعود للقاعد و الاثر الجامع للاثار كلّها و المبدأ للانوار باسرها يشتق منه الاسماء كلّها و الصفات بحذافيرها فنسبته اليها نسبة الواحد في الاعداد ففي ذلك المقام هي (فهی خ‌ل) واحد و اليها الاشارة بقوله تعالي قل انما اعظكم بواحدة و قدورد عن تفسير اهل‏البيت: انها هي الولاية و الواحد تسعه‏عشر و اليها الاشارة بقوله تعالي عليها تسعه‏عشر و هي استنطاق الواحد و حيث انه الولاية بنصّ الاية و بها افاضة الامدادات علي اطوار الموجودات من الشرور و الخيرات فبها الجنة و بها النار و هي العطاء الذي يمدّ اللّه‏ سبحانه اهل الخير و الشرّ منه كماقال تعالي كلاً نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظوراً فعلي الجنة واحد (الواحد خ‌ل) و علي النار تسعه‏عشر فافهم هذه الدقيقة بسرّ الحقيقة.

و اما في مقام الربط (الرابطة خ‌ل) و الاقتران فالولاية اثنان نبوة و ولاية كلتاهما (کلاهما خ‌ل) منشعبتان (منشعبان خ‌ل) من الولاية الجامعة لظهور النبوة لبيان حكم التوسط و انها التعين الاول و الغيب المطلق و السرّ المقنع بالسرّ و السرّ المستتر بالسر (المقنع بالستر و الستر المستسر خ‌ل) لا الذات البحت و مجهول النعت

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 29 *»

ففي مقام الطواف عند جلال القدرة ولاية و عند الطواف حول جلال العظمة ظهرت النبوة و هما المقترنتان المتصلتان عند التوصيف اثنان و عند الذات واحدة و في الحقيقة احد و يأتيك شرح هذه الكلمات بواضح البيان ان شاء اللّه‏ تعالي في المسألة الثانية.

و اما في مقام بروز الاشياء و ظهورها من الولاية فهي ثلثة اي ظهرت في ثلثة زوج و زوجة و اولاد قال تعالي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيراً و نساءاً و ذلك عند التعلق باطوار وجودها و ظهورها في مبدأ ظهور المبادي و العلل و هذه الثلثة هي اوائل جواهر العلل فالنفس الواحدة رسول‏اللّه9 و زوجها اي قرينها و بدلها اميرالمؤمنين8 و الرجال هم الائمة: و النساء هي الزهراء3 و منهم باللّه‏ سبحانه كان ماكان و وجد الاكوان و الاعيان لقدقال رسول‏اللّه9 انا و علي ابوا هذه الامة فافهم ضرب المثل و هو (هی خ‌ل) قوله تعالي و الشفع و الوتر و قدورد ان الشفع هو اميرالمؤمنين7 و الوتر هو رسول‏اللّه9.

و اما في مقام اظهار الاركان لتحقيق الاكوان و الاعيان اربعة جدّ و زوج و زوجة و اولاد و بها تمّت اركان قبّة بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم فالماء الغير الآسن من الميم و اللبن الذي لم‏يتغير طعمه من الهاء و الخمر التي هي لذة للشاربين من الميم و العسل المصفي ايضاً من الميم كماروي عن النبي9 فالجدّ محمّد9 و الزوج (هو خ‌ل) علي اميرالمؤمنين7و الزوجة فاطمة الزهراء3 و اولادهم هم الائمة الاطهار حملة الاسرار و مطالع الانوار.

و اما في مقام الجمع بين الاركان الاربعة و الاكوان الثلثة فالولاية سبعة و هي العدد الكامل و الفيض الباذل و هو قوله تعالي و لقداتيناك سبعاً من المثاني و هي محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و موسي و جعفر (جعفر و موسی خ‌ل) و هي الحدود (المعدود خ‏ل) الكاملة.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 30 *»

و اما في مقام ملاحظة الاكوان في الاركان و ظهور نسبة كلّ منها الي تمام الاخري و لايصال الفيض الذي يحمله اسم من اسماء اللّه‏ تعالی فالولاية اثناعشر و هي كليات الاسماء التي بها الافاضة في جميع الاطوار و الادوار و قد (فقد خ‌ل) اشار اليها مولينا الصادق7 في حديث حدوث الاسماء علي مافي الكافي فجعله اربعة اجزاء معاً فاظهر منها ثلثة اسماء لفاقة الخلق اليها و حجب اسماً واحداً منها و هو المكنون المخزون ثم خلق لكلّ اسم من الاسماء الثلثة اربعة اركان فذلك اثناعشر ركناً (و خ‌ل) فهذه الاركان هي الاسماء العظام و في الزيارة السلام علي اسم اللّه‏ الرضي و مظاهر هذه الاسماء بل و حقايقها محمّد و علي و هما واحد لان علياً نفس محمد9 بنص القرءان و هما واحد و ان كان في العدد شخصان فحيث ان الزوجة انما خلقت من فاضل طينة الزوج فهي فرع مندرج تحت الاصل فعلي7 له مقام اتحاد مع محمد9 و مقام اتحاد مع فاطمة الزهراء فالثلاثة تعدّ واحداً لبيان ان الثلاثة مبدء الاعداد و مبدء الفرد و هي واحد في الاسم و ثلثة في التفصيل لان الواحد الحقيقي هو اللّه‏ سبحانه و لايدخل في الامكان حتي يدخل في الاعداد و وحدة العدد ملكه كمافي الصحيفة لك يا الهي وحدانية العدد فاللام (و اللام خ‌ل) للتمليك فالثلاثة هي الواحد و هذا معني قولهم ان مبدأ الفرد ثلثة و ان الواحد ليس من الاعداد لا ان الواحد الذي هو مبدأ الاعداد ليس من الاعداد فافهم فاذا عرفت ان الثلاثة واحد فالثاني الحسن و الثالث الحسين8 و الرابع علي بن الحسين و الخامس محمد بن علي و السادس جعفر بن محمد و السابع موسي بن جعفر و الثامن علي بن موسي الرضا و التاسع محمد بن علي الجواد و العاشر علي بن محمد الهادي و الحادي‏عشر الحسن بن علي الزكي العسكري و الثاني‏عشر حجة اللّه‏ و خليفته (خليفة اللّه‏ خ‏ل) صاحب‏الزمان و قدظهر هؤلاء الاثناعشر من ملاحظة نسبة الاركان الاربعة في الاكوان

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 31 *»

الثلاثة الاركان هي الطبايع الاربع و الاكوان الاسم و متعلق الاسم و الحاصل من المتعلق بالمتعلق.

و اما في مقام تثنية السبعة التي هي العدد الكامل لظهور تلك السبعة في العالمين عالم الاجمال و (عالم خ‌ل) التفصيل و عالم الغيب و الشهادة فالولاية اربعه‏عشر و هو قوله تعالي و لقداتيناك سبعاً من المثاني و القرءان العظيم و قدفصـل كمال التفصيل مااجمل في المراتب السابقة (السبعة خ‌ل) و هذه الاربعه‏عشر تستنطق منها اليد قالت اليهود يد اللّه‏ مغلولة غلّت ايديهم و لعنوا بماقالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فالانفاق انما يكون باليد و هي بظاهرها و باطنها حدود الولاية في الاكوان الوجودية و الاعيان الذاتية الاولية و الثانوية.

تفصيل فيه تحصيل: الولاية واحدة و هو قوله تعالي يد اللّه‏ فوق ايديهم فهي واحدة و هو قوله تعالي هنالك الولاية للّه‏ الحق و هي اثنتان و هو قوله تعالي بل يداه مبسوطتان و قوله تعالي انما وليكم اللّه‏ و رسوله و الذين امنوا فولاية اللّه‏ واحدة ظهرت في مقام الفعل و الاثر في اثنين في رسول‏اللّه‏ و مؤمن به و هو اول من امن به فلما امن بكلّه ظهرت فيه ولايته فافهم ضرب المثل فالولاية التي في الرسول نبوة و التي في الذين امنوا ولاية هذا في مقام الفرق كماسنبين ان شاء اللّه‏ تعالي علي التفصيل و الولاية ثلثة فصاعداً و هو قوله تعالي اولم‏يروا انا خلقنا لهم مماعملت ايدينا انعاماً فهم لها مالكون و قوله تعالي الا ان اولياء اللّه‏ لا خوف عليهم و لا هم يحزنون و قوله تعالي و السماء بنيناها بايدٍ و هو جمع الايدي علي احسن التفاسير و اوجهها فالجمع (بالجمع خ‌ل)  باعتبار قوي اليد و التثنية باعتبار لفظها فانه حرفان و المفرد باعتبار وضعها فافهم و كن به ضنيناً فانه باب ينفتح منه الف باب و الولاية اربعة جدّ و زوج و زوجة و اولاد و هي سبعة و هي اثنتاعشرة و هي اربعه‏عشرة و لماكانت الاطوار الوجودية (التی خ‌ل) هي حدود الولاية و حكاياتها و آياتها كالشعاع الحاكي للمنير و كالكتابة الحاكية لحركة يد الكاتب و استقامتها و اعوجاجها ظهرت تلك الاطوار اصولها علي جهات (جهة خ‌ل) الولاية فوحدة العالم دليل

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 32 *»

علي وحدتها قال تعالي و ما امرنا الاّ واحدة و قال تعالي انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون و تثنية العالم بالغيب و الشهادة و الظهور و البطون و الاجمال و التفصيل و العلوي و السفلي و المجرد و المادي و الجوهر و العرض و الصفة و الموصوف و الكون و العين دليل علي انها اثنتان و ثلاثية المتولدات و المصدر و المفعول المطلق و المفعول‏به السموات و الارض و مابينهما الموضوع و المحمول و النسبة و الالف و الحروف و الكلمة و غيرها من امثالها دليل علي انها ثلاثة و اربعية العالم بالطبايع و الاركان و انوار العرش و اركان القلب دليل علي انها اربعة و تسبيع العالم بالسيارات و الاسابيع و السموات و الارضين دليل علي انها سبعة و اثناعشرية البروج التي بها الافاضة في عالم الكون و الفساد في كلّ عالم بحسبه دليل علي انها اثنتاعشرة (اثنا عشر خ‌ل) و اربعه‏عشرية جميع السموات و الارض كالوجه و اليد و اسما الجواد و الوهاب دليل علي انها اربعه‏عشرة و لمّا كانت الوحدة هي الاصل و النور و الشرف و الفخر و الكثرة نقص و زوال و دثور و كانت الكثرة في مقام الاحداث و الايجاد في عالم الامكان مما لابد منه لاستحالة الوحدة في الامكان و كانت الضرورة (الضرورات خ‏ل) انما تتقدر بقدرها و المبادي الشريفة جهة الكثرة فيها مضمحلة و كانت الولاية وجه المبدأ و باب الابواب و علة العلل و اوائل جواهر العلل وجب ان‏تكون كثرتها في اشرف مقاماتها حتي تكون في مقام الوحدة حائزة لاشرف مراتبها و في مقام الكثرة جامعة لاكمل مقاماتها و لماكانت الكثرة انما كانت من باب العدد و هو علي اربعة اقسام ناقص و كامل و زائد و تام و الناقص يتنزه عن (عنه خ‌ل) المبدأ وجب ان‏تظهر حدود الولاية في مقام الكثرة بالعدد التامّ و مثنّاه الزايد و العدد الكامل و مثناه فالولاية (سارية خ‌ل) سرّ بدا في كلّ الوجود من الغيب و الشهود فبها (و بها خ‏ل) عرف العابد من المعبود و الشاهد و (من خ‌ل) المشهود و الموجود و المفقود و لمّاكانت الولاية لابدّ لها من مظهر حامل وجب ان‏يكون حاملها و مظهرها اشرف المخلوقات و الموجودات فلمّا دلّت الادلة العقلية (القطعية

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 33 *»

خ‌ل) ان محمداً9 اول الخلق و مبدؤهم و سيدهم و اشرفهم و لايساويه بشر و لايدانيه خطر و لايقف عليه (اليه خ‌ل) اثر يجب (وجب خ‏ل) ان‏يكون هو9حامل تلك الولاية المطلقة ثم نفسه الذي نصّ عليه سبحانه بقوله الحقّ و انفسنا و انفسكم ثم اولاده الذين من سنخ ذاته و اجزاء (من خ‌ل) حقيقته مخلوقون علي شاكلته فهؤلاء المعصومون الطيّبون الذين اذهب اللّه‏ عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً هم حملة ولاية اللّه‏ و مهابط امر اللّه‏ الذي به خلقت الاشياء و وجدت الموجودات من الارض و السماء بهم فتح اللّه‏ و بهم يختم فهذا مجمل بيان الولاية العامة التي احد افرادها النبوة و الولاية التي قسيمها و قداشرت اليه اشارة جامعة و بينت مراتبها و اقسامها بكلمات نافعة و لايسعني التفصيل صوناً لتلك المطالب الجليلة و المراتب النبيلة عن اصحاب القال و القيل.

و اما الولاية بالاطلاق الثاني و المعني الثاني هي التصرف في الموجودات حسب ارادة اللّه‏ سبحانه و اعطاء كل ذي حق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه و اظهار السلطنة و اعلاء (اعلان خ‌ل) الكلمة و اثبات الهيمنة العامة و الخاصة و تمكين القابليات و تهيئة الاستعدادات (للاستعدادات خ‌ل) و اصلاحها لقبول الفيض من بارئ الموجودات و خالق الارض و السموات و قران العلويات بالسفليات و الشرايط بالمشروطات و الاسباب بالمسببات و العلل بالمعلولات و المجردات بالماديات و اظهار آثار النظرات و احكام القرانات و ايقاع اشعة النيّرات (المنيرات خ‌ل) علي القوابل المستقبلات و تمكينها لقبول الفيض من اللّه‏ سبحانه و تعالي.

و اما النبوة فهي كماذكرنا الوساطة و الترجمة عن اللّه‏ سبحانه الي ماعداه فالنبوة وساطة نزول و النبي المطلق الموحي اليه عن اللّه‏ سبحانه يفيض تلك الفيوضات و الولي المطلق يتصرف فيها و يوصلها الي محالّها و مواقعها فالنبي هادٍ بمعني الاراءة و الولي هادٍ بمعني الايصال فالهداية الظاهرة هي الايصال الي المطلوب لاغير فالنبوة هي الانذار و النبي هو المنذر و الولاية

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 34 *»

هي الهداية و الايصال و الولي هو الهادي و الموصل و اليه الاشارة في قوله تعالي انما انت منذر و لكل قوم هاد قال رسول‏اللّه9 انا المنذر و علي الهادي بنفسه و بابداله و اعواضه و قال تعالي انك لاتهدي من احببت اي الايصال الي المطلوب الذي خلق الخلق لاجله و هم ميسّرون له لانك حامل النبوة و النبي من حيث النبوة شأنه الاراءة و اظهار الامر الوحداني الذي به تتغير (يتغير خ‌ل) احوال الخلق و تتقلب (يتقلب خ‌ل) فان النبوة ليس شأنها ذلك و انما ذلك شأن الولاية و الولي و هو قوله تعالي و اللّه‏ يهدي من يشاء يعني بولايته الظاهرة في الولي المطلق فيوصل الي النعيم و يوصل الي الجحيم و هو نعمة اللّه‏ علي الابرار و نقمته علي الفجار و النبي يخاطب بقوله تعالي ليس لك من الامر شي‏ء و الولي يعبر عنه بقوله بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء و النبي يقال له و ما علي الرسول الاّ البلاغ و الولي باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب الولي نعمة اللّه‏ علي الابرار و نقمته علي الفجار النبي هو القرءان و الولي هو النازل منه و هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً النبي ام‏الكتاب و الولي فصل‏الخطاب النبي واقف مقام الاجمال و الولي واقف مقام التفصيل النبي مظهره العرش و الولي مظهره الكرسي النبي في مقام القلم و الولي في مقام اللوح النبي الماء الطهور النازل من السماء و الولي مجري ذلك الماء الموصل بالنبات و الجماد و الحيوان و الانسان النبي في مقام العقل الكلّي و الولي في مقام النفس الكلّية النبي في مقام النقطة و الولي في مقام الالف النبي في مقام الالف و الولي في مقام الحروف و الكلمة النبي في مقام القطب و الولي في مقام المحور النبي في مقام المحور و الولي في مقام الكرة المتحركة علي المحور النبي سماء و الولي ارض حاملة لاثارها مفصلة لاطوارها.

و بالجملة فالولاية تصرف فيمايظهر بالنبوة فالنبوة في هذا المقام من حيث هي هي اعلي من الولاية من حيث هي هي لان النبوة اخذ ابتدائي عن اللّه‏ سبحانه و الولاية تصرف في ذلك كيف مايريد اللّه‏ سبحانه كماقال تعالي و ماتشاؤن الاّ ان‏يشاء اللّه‏ و لمّاكان الامكان

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 35 *»

لايستقيم الاّ بمدد و عطاء من اللّه‏ سبحانه و ذلك المدد يحدّد بالحدود و يتميز بالخصوصيات و الجهات و لكل واحد حامل و الحامل للاول (حامل الاول خ‌ل) اعلي مقاماً من الحامل للثاني (حامل الثانی خ‌ل) لان في الثاني تصرف (تصرفا خ‌ل) و تدبير (تدبيرا خ‌ل) و في الاول محض الوساطة و الاتيان بالامر الوحداني الاجمالي الاولي و لا ريب ان الوحدة اعلي مقاماً من الكثرة و الاجمال اقرب الي المبدأ من التفصيل فعلي هذا فحامل النبوة اعلي مقاماً من حامل الولاية.

و اعلم ان النبوة كالولاية علي قسمين نبوة ظاهرة و ولاية ظاهرة و نبوة باطنة و ولاية باطنة اما النبوة الظاهرة فهي وساطة و ترجمة للاوامر و النواهي الظاهرة عن اللّه‏ سبحانه و تعالي الي كافة المكلفين الذين بعث اليهم و الولاية الظاهرة وراثة من النبي9 مااتي به عن اللّه‏ سبحانه و تعالي من الاحكام التكليفية الالهية مماتقتضيه كينونات الخلق من الرعية و هذا لايكون الاّ بعد النبي صلی‌ الله عليه و آله كماهو شأن الارث و الميراث.

و اما النبوة الباطنة فهي وساطة و ترجمة للمدد الفايض عن اللّه‏ سبحانه و تعالي علي وجه الاجمال و البساطة و ايصاله الي القوابل المستعدة فنفس تلك الترجمة و الوساطة هي النبوة الباطنة.

و اما الولاية الباطنة فهي التصرف فيمايلقي اليه النبي الحامل للنبوة الباطنة بجهات التصرف و انحاء التدبير من التعريف و التعرف و تيسير كلّ شي‏ء لماخلق له و اظهار ذلك الامر الوحداني باحوال مختلفة و اطوار متعددة من انحاء الاشكال و الصور و الهيئات و الاوضاع و مرادي من الصور ماهو الاعم من الصورة النوعية و الصورة الشخصية و يدخل فيه الكليات من (و خ‌ل) الاجناس و الفصول من الجواهر و الاعراض و احكام الاضافات و جهات الانّيات و البسايط و المركبات و غير ذلك من اطوار الموجودات (الوجودات خ‌ل).

فالولاية الظاهرة تستمد من النبوة الظاهرة و النبوة الظاهرة تستمد من

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 36 *»

الولاية الباطنة و الولاية الباطنة تستمد من النبوة الباطنة مثاله العرش و الكرسي و الشمس و القمر فالشمس مثال النبوة الظاهرة و القمر مثال الولاية الظاهرة و الكرسي مثال الولاية الباطنة و العرش مثال النبوة الباطنة فالقمر يستمد من الشمس و الشمس تستمد من الكرسي و الكرسي يستمد من العرش فابن علي ماذكرنا امرك و كن للّه‏ من الشاكرين.

و اما معني ختم النبوة و الولاية فالكلام فيه طويل و القلب كليل و اللسان لبيانه عليل ولكني اذكر لك كلاماً جامعاً و بياناً مختصراً نافعاً اذا تأملته حصلت مقصودك منه و هو ان الخاتم هو الفاتح و الختم هو البدء و هو قوله تعالي كمابدأكم تعودون فاذا جعلنا «ما» مصدرية يكون المعني بدؤكم عودكم و بيان ذلك علي وجه الاجمال هو ان الكمال التامّ لايكون الاّ بتمام (باتمام خ‏ل) قوسي النزول و الصعود و هو عبارة عن قطع الاسفار الاربعة في التكوين و التشريع فاذا تمّ القوسان كمل الشي‏ء و صار قابلاً لخلافة اللّه‏ سبحانه في ذلك المقام و تلك الرتبة فاذا وجب الصعود بعد النزول فمهما وقف الشي‏ء علي حدّ لايتعدّاه علمنا ان ذلك هو مبدؤه و هو المبدأ الذي نزل عنه و صعد اليه اذ لو كان له مقام فوق ذلك لماانتهي في سيره اليه فالختم دليل البدء و الخاتم دليل المبدء الفاتح.

فلمّارأينا سلسلة النبوة انقطعت بمحمد9 فلا نبوة بعد نبوته و لا نبي بعده كذلك الولاية لمّاانقطعت سلسلتها باميرالمؤمنين7 فلا ولاية بعد ولايته و لا ولي بعده فعلمنا ان نبوة محمد9 كانت مبدأ النبوات و هو9 كان مبدأ الانبياء و علمنا ان ولاية اميرالمؤمنين7 كانت مبدأ الولايات و هو7 مبدأ الاولياء فلا نبوة بعد محمد9 و به ختمت النبوة و بعلي اميرالمؤمنين7 ختمت الولاية فهما مقترنتان (و خ‌ل) متصلتان لاتقوم احديهما الاّ بالاخري فمبدأ النبوة هو مبدأ الولاية و هما مقترنتان و الفرق بالاجمال و التفصيل و مايختم به النبوة يختم به الولاية.

فلاتصـغ اذاً (اذن خ‌ل) الي قول بعض الغافلين (العارفين خ‏ل) من مدعي المعرفة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 37 *»

ان باب النبوة قدانسدت و النبوة قدختمت بخلاف الولاية فانها مفتوحة لم‏تنسدّ فانه كلام ضعيف و قول سخيف فان النبوة و ان ختمت بمحمد9 لكنها باقية مستمرة ابد الابد و دهر السرمد و كل ما في العالم من احكام النبوة تكوينية كانت ام تشريعية فانها منسوبة الي محمد9 و حلال محمد حلال الي يوم القيمة و حرامه حرام الي يوم القيمة و كذلك الولاية فكل ما في العالم من احكام الولاية و آثارها فان ذلك من ظهورات خاتم الولاية و امثاله الملقاة في هويات الاولياء منها من حيث البدلية و منها من حيث الشبحية و المثلية الم‏تعلم ان الدنيا ختمها بالرجعة رجعة محمد و آله9 و هل في تلك الدولة ولاية لغير اميرالمؤمنين7 و نبوة لغير رسول‏اللّه9 فكما ان الخلق في تلك الدولة علي حسب مراتبهم حملت (حملة خ‌لالنبوة و احكامها و حلالها و حرامها الي محالها و مواقعها و ذلك لايقدح ختم نبوته9 و كذلك هم حملة الولاية و احكامها و اثارها في مواقعها و محالها و ليس الخاتم للنبوة الاّ محمد9 و الخاتم للولاية الاّ اميرالمؤمنين7اماسمعت انهما سلام اللّه‏ عليهما باقيان في الرجعة بعد الائمة المعصومين كلّهم و لايصعدان الي السماء لينفخ في الصور الاّ بعد الجميع فلو كان ختم الولاية بغيره كان مقتضي الحكمة بقاء ذلك الغير دونه مع ان الامر خلاف ذلك لدلالة الروايات الكثيرة و قوله7 في الزيارة الجامعة الكبيرة بكم فتح اللّه‏ و بكم يختم و هذا شي‏ء معلوم.

و كذلك لاتصـغ ايضاً الي قول من يقول ان خاتم الولاية المحمدية هو صاحب‏الزمان عجل اللّه‏ فرجه و جعلني فداه فانه من زخرف المقال و من اسخف الاقوال فانك قدعلمت منا سابقاً ان الخاتم هو الفاتح و انه الاشرف من غيره لقاعدة امكان الاشرف و بطلان الطفرة فعلي هذا القول الفاسد و الكلام الزور الكاسد يجب ان‏يكون القائم عجل اللّه‏ فرجه افضل من

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 38 *»

اميرالمؤمنين7 و المذهب قاضٍ ببطلانه فحينئذ يجب ان‏يكون الخاتم هو اميرالمؤمنين7 و خاتم‏الاوصياء و خاتم‏الاولياء ليس الاّ اميرالمؤمنين7 و الائمة: اوصياء الوصي خاتم‏الوصاية و حملة ولاية خاتم‏الولاية ظهرت في هذه الهياكل القدسية ظهور النار في السرج المتعددة و في ساير الموجودات ظهور الشمس في مرايا متكثرة و المهدي سلام اللّه‏ عليه و علي آبائه انما يظهر ظهوراً لاقتضاء العالم حتي يصفيه و ينضج مزاج كينونته و هذا ليس لانه من مقتضيات ذاته و حقيقته بل لاقتضاء الاسباب و العلل الثابتة (الثانية خ‏ل) ذلك و كلّ امام لو اقتضي ظهوره ذلك الوقت كان يظهر منه ذلك الظهور فلو كان7 هو الخاتم لم‏يظهر باقي الائمة و لم‏تكن (لم‌يکن خ‌ل) دولة الرجعة و ذلك في البطلان بمكان.

فخاتم‏الولاية و خاتم‏الوصاية (الاوصياء خ‌ل) منحصر باميرالمؤمنين7 دون غيره كمادلّت عليه الروايات لاسيما رواية ولادته7 فانه لمّاوضـع علي الارض من بطن امه سجد للّه‏ و قال اشهد ان لا اله الاّ اللّه‏ وحده لا شريك له و اشهد ان محمداً9 عبده و رسوله و بمحمد9 تختم النبوة و بي تختم الوصاية الحديث اذا كان به تختم الوصاية فكيف يكون غيره خاتمها مع ان الخاتم اشرف و لا اشرف من اميرالمؤمنين7 بعد رسول‏اللّه9 فقول ابن‏عربي و خاتم‏الولاية المحمدية هو المهدي ع كمااستحسنه جماعة من (بعض خ‌ل) علمائنا كلام باطل و قول مجتث زائل.

ازالة شبهــة: لاتتوهم من قولنا ان خاتم الولاية هو اميرالمؤمنين7 ان النبي9ليست فيه ولاية كلاّ و حاشا بل انما ولاية اللّه‏ في مقام الحدوث و الصنع و الايجاد قدظهرت اولاً فيه (فيه اولاً خ‌ل) علي جهة الوحدة و الاجمال ثم في اميرالمؤمنين7 علي جهة التفصيل اما ولاية النبي9 فبعد الاجماع يدلّ عليها قوله تعالي انما وليّكم اللّه‏ و رسوله و قوله تعالي النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم و اما ان ولاية

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 39 *»

اميرالمؤمنين7تفصيليّة (التفصيلية خ‌ل) مأخوذة من ولاية النبي9 فيدل عليه قول النبي9 يوم الغدير ألست اولي بكم من انفسكم (الست اولی بالمؤمنين من انفسهم خ‌ل) قالوا اللّهم بلي قال9 من كنت مولاه فهذا علي مولاه فافهم الدقيقة بسرّ الحقيقة و تعيها اذن واعية.

و هذا مجمل الكلام في ختم النبوة و الولاية و الفرق بينهما و اما التفصيل فان وفق اللّه‏ ملاقاتكم و مشافهتكم فلربما تحظي ببعض تلك التفاصيل علي طور عجيب و طرز غريب تنال بذلك اوفر النصيب من المعلي و الرقيب.

و اما قولكم اسبغ اللّه‏ نعمه عليكم: و الفرق بين كلامكم الشريف و الصوفية الملاحدة و الحكماء و المتكلمين.

فجوابه: انه ليس بين كلامنا و كلامهم جهة جامعة حتي يسئل عن الفرق و ان كان الكلمات بحسب الصورة متشابهة كالماء الصافي و البول الصافي كالكلمة الطيبة و الكلمة الخبيثة و الشجرة الطيّبة الثابتة و الشجرة الخبيثة المجتثة و كالزبد الذي ينفع الناس و الزبد الذي يذهب جفاء و بالجملة فالحق و الباطل و ان كانت صورتهما واحدة يلتبس علي الجاهل الاّ ان الحقيقة و الفرق بينهما كالفرق بين العلّيين و السجين ولكنّي اذكر لك في هذا المقام كلمة واحدة جامعة للمراتب كلّها و جميع المطالب و المراتب (المراتب و المطالب خ‌ل) فروع لهذا الاصل و هو ان القوم و ان كان (كانوا خ‌ل) بالسنتهم ينزهون الحق سبحانه عن النسب الخلقية و يقولون بالعلة و المعلول و الفاعل و المفعول ولكن الصوفية منهم القائلين بوحدة الوجود يرون ان هذه الاحكام احكام الانيّات و التعينات و احكام الوجود المشوب و اما الوجود الصرف فهو الظاهر في تلك المجالي و التعينات و هو (هذا خ‏ل) واحد في تلك الحالات.

و اما الحكماء منهم فالقائلون بالاشتراك المعنوي بين الواجب و الممكن فانهم و ان كانوا يقولون بالحادث و القديم و ان الحادث احدثه القديم لا من شي‏ء و لا بشي‏ء و لا علي شي‏ء و لا كشي‏ء و لا في شي‏ء و ان (فان خ‌ل) الاشتراك في المفهوم لا في المصداق ولكن لسان اعمالهم و كينوناتهم تشهد ان الوجود معني واحد في الواجب و الممكن و ان مفهوم

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 40 *»

الوجود ينتزع من الواجب و هذا اجراء علي اللّه‏ سبحانه احكام مخلوقاته و احكام المخلوقات احكام الفقر و اللّه‏ سبحانه غني مطلق فلايجري علي الغني المطلق احكام الفقير المطلق بضرورة العقل و النقل قال مولينا الرضا7 كلّ‏ما في المخلوق يمتنع في خالقه و قال مولينا الصادق7 ان اللّه‏ خلو من خلقه و خلقه خلو منه و قول اميرالمؤمنين7 داخل في الاشياء لا كدخول شي‏ء في شي‏ء فالمراد بالدخول ظهور المثال و الصفة لا الحقيقة و الذات كدخول الشمس في الشعاع و الكاتب في الكتابة و البنّاء في البناء فان ذلك ظهور المثال و الحكاية و صفة استدلال عليه لا صفة مكاشفة و حقيقة جامعة.

و هم و ان قالوا ان نسبة الخلق الي اللّه‏ نسبة الشعاع الي المنير ولكن عندهم ان الشعاع و الشمس من حقيقة واحدة و كلّ واحد مجلي لوجود واحد الاّ انه في الشمس اقوي و في الشعاع اضعف و هذا هو القول بوحدة الوجود و المتكلمون و ان قالوا ان الخلق احدثه اللّه‏ سبحانه لا من شي‏ء فحقيقة المخلوق لايتحد (لاتتحد خ‌ل) مع حقيقة الخالق الاّ ان لسان اعمالهم (و اقوالهم خ‌ل) ينادي بخلاف ذلك لانهم اثبتوا النسبة بين اللّه‏ سبحانه و بين خلقه حتي ان اورد الرازي شبهة قالوا انها غير منحلّة و هي ان الخلق متأخر وجوده عن اللّه‏ بفاصلة ام لا فان لم‏تكن فاصلة لزم ان‏يكون قديماً و ان كانت فاصلة فهي لاتخلو اما ان‏تكون متناهية او غير متناهية فان كانت متناهية لزم التحديد و ان كانت غير متناهية لزم ان لايوجد الخلق بعد و الاّ لزم تناهي الفاصلة و الملازمة بيّنة و بطلان اللازم بديهي و هذه الشبهة ماعجزوا عن جوابها الاّ لانهم اثبتوا النسبة بين اللّه‏ و بين خلقه و المنتسبان لايكونان الاّ في رتبة واحدة حتي يجتمعا.

و بالجملة فاذا كان هذا شأنهم مع اللّه‏ بالنسبة الي خلقه فالخلق بعضهم بالنسبة الي البعض اعظم و اعظم فمجموع الموجودات عندهم حقيقة واحدة اما في الجنس العالي او في الجنس السافل او في النوع او في الكيف او في الكم او في الجهة او في الرتبة او في غير ذلك الاتريهم يقولون ان الانسان

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 41 *»

كلّي صحيح‏الصدق علي جميع الافراد و يجعلون من افراده الحقيقة المحمدية9 و حقايق الانبياء و حقايق الرعية فزيد و ادم و رسول‏اللّه9 عندهم افراد لكلي واحد و هو متواطي الصدق عليها و الحيوان يجعلونه جنساً للانسان و الحمار و البقر و الحية و الحوت و ماسوي ذلك و كذلك الكلام في ساير الاجناس و الانواع و الاصناف و علي ذلك مبني علومهم.

و اما الصوفية فحيث ان عندهم باطن هذه الظواهر ذهبوا الي القول بوحدة الوجود فاذا اردنا التطبيق بين الباطن و الظاهر فباطن اقوال الحكماء و المتكلمين ليس الاّ مذهب (مذاهب خ‌ل) الصوفية و عقايدهم و اقوالهم و الصوفية في مبحث (بحث خ‌ل) الولاية و ان كانوا يقولون نوع ماقلنا الاّ ان عندهم ان ذلك حكم التعين الاول بالاضافة الي ساير التعينات فان له الهيمنة و الاستيلاء و الاستعلاء (الاستعلاء و الاستيلاء خ‌ل) علي ساير المجالي و التعينات كالقرانات و الاضافات.

و اما الحكماء فحيث انهم اثبتوا بقاعدة امكان الاشرف سلسلة العلل و المعلولات فعندهم ان العقل الاول له الهيمنة و الولاية الكبري علي النفس الكلية و علي ماسويها من المراتب و يجعلون النبي و الولي مظهر العقل و النفس بل عينهما في بعض الاحوال و يجعلون العقل و النفس و الجسم في السلسلة الطولية و ليس كذلك بل هي في السلسلة العرضية و الحقيقة واحدة (الواحدة خ‏ل) قدتعينت و تلك التعينات علي حسب الترتيب و الحكماء الاشراقيون و ان جعلوا الولاية مقام الاسم الاعظم الجامع للاسماء الالهية كلّها ولكن الاسماء و متعلقاتها عندهم من سنخ واحد و اما المتكلمون فحيث ينكرون مدخلية الولي في التكوين و ان التكوين عندهم انما يكون عن اللّه‏ سبحانه بالملائكة المدبرات و الحافظات و المعقبات و اما الاولياء فلا مدخلية لهم في التكوين (ذلك خ‏ل) فاقتصروا في الولاية علي التصرف في الاحكام الشرعية و السياسات الالهية و النواميس القدسية في الحلال و الحرام و العقود و الايقاعات و الحدود و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 42 *»

الاحكام و ها انا انقل لك بعض كلماتهم حتي تكون علي بصيرة من امرهم:

قال السيد حيدر العاملي و هو من الصوفية في كتابه «جامع‏الاسرار» نقلاً عن محيي‏الدين و قال «و الشيخ الاعظم قدفصّل الولاية تفصيلاً و قدقسّم لها تقسيماً و ذلك قوله اعلم ان الولاية تنقسم بالمطلقة و المقيدة اي العامة و الخاصة لانها من حيث هي هي صفة الالهية (الهية خ‏ل) مطلقة و من حيث استنادها الي الانبياء و الاولياء كلّهم جزئيات الولاية المطلقة كما ان نبوة الانبياء جزئيات النبوة المطلقة و النبوة المطلقة ليست الاّ للحقيقة المحمدية من حيث الظاهر و الولاية المطلقة الاّ لباطنها من حيث الباطن و قال في موضع اخر الولاية عندهم هي التصرف في الخلق بعد فنائهم في الحق و بقائهم به و ليست في الحقيقة الاّ باطن النبوة التي ظاهرها الانباء و باطنها التصرف في النفوس و اجراء الاحكام عليه و حيث ان النبوة مختومة من حيث الانباء اذ لا نبي بعد محمد9فلم‏يبق الاّ الولاية من حيث التصرف في النفوس ابدالاباد (ابد الابد خ‌ل) لان نفوس الانبياء من امة محمد9 و عليهم حملت تصرف ولايته يتصرف بهم في الخلق بالحق الي يوم القيمة بل الي غير النهاية فباب الولاية مفتوح و باب النبوة مسدود و علامة صحة الولي متابعة النبي في الظاهر لانهما يأخذان التصرف من مأخذ واحد اذ الولي هو مظهر تصرف النبي9 و لايتصرف الاّ واحد و من هذا تكلّم بعض الاتباع عن نفسه بخصايص النبي9علي سبيل الحكاية فنزل (فيتنزل خ‌ل) نفسه من النبي9 بمنزلة الاية من التصرف نحو قول ابن‏الفارض:

الي رسولاً كنت مني مرسلاً   و ذاتي باياتي علي استدلت
و كلّهم عن سبق معناي دائر   بدائرتي او وارد من شريعتي

فكما ان النبوة دائرة متألفة في الخارج من نقط (نقطة خ‌ل) وجودات الانبياء و كاملة بوجود النقطة المحمدية لانه مثل النبوة بحايط كمل الاّ موضع لبنة واحدة و هي وجوده فالولاية ايضا (و هی وجودة فی الولاية خ‌ل) دائرة مؤتلفة في الخارج من نقط (نقطة) وجود (وجودات خ‌ل) الانبياء كاملة بوجود النقطة التي سيختم

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 43 *»

بها الولاية و هو محمد بن الحسن صاحب‏الزمان المعبر عنه بالمهدي.» انتهي كلامه.

انظر الي كلامه المتهافت المختلّ‏النظام (و خ‌ل) المنحلّ‏الزمام فقداشرنا سابقاً الي بطلانه و هذا هو يصدّق قولنا من اعتقادهم ان النبوة المحمدية9 مساوٍ مع الانبياء الاخر حيث تمّت به الدائرة و ان المهدي عجّل اللّه‏ فرجه هو خاتم الولاية المطلقة.

و قال في بحث النبوة: «النبوة عندهم هي الاخبار عن الحقايق الالهية و الاسرار الربانية مترتباً علي تحقيق اسمائه و صفاته و افعاله و هي علي قسمين نبوة التعريف و نبوة التشريع فالاولي هي الانباء عن معرفة الذات و الاسماء و الصفات و الثانية جميع ذلك مع تبليغ الاحكام و التأديب بالاخلاق و التعليم بالحكمة و القيام بالسياسة و يختص (يخص خ‏ل) هذه بالرسالة».

و قال العالم الفاضل محمد بن ابي‏جمهور الاحسائي في كتابه المسمي بالمجلي (بمجلی خ‌ل) و هو ينقل غالباً كلام الحكماء قال ما لفظه اعلم ان الخلافة (خلافة خ‌ل) الحقيقة المحمدية هي قطب الاقطاب لماتقرّر عند اهل الذوق ان لكل اسم من الاسماء الالهية صورة في العالم مسمّاة بالماهية و العين الثابتة و ان لكل واحد منه صورة خارجية مسمّاة بالظاهر و الموجودات العينية و ان تلك الاسماء ارباب تلك المظاهر و هي مربوباتها و منه الفيض و الاستمداد علي جميع الاسماء و حينئذ نقول ان تلك الحقيقة هي التي برزت بصورة العوالم كلّها باسم الرب الظاهر فيها الذي هو رب الارباب لانها الظاهرة في تلك المظاهر (الظاهر خ‌ل) فصورتها (بصورتها خ‌ل) الخارجية المناسبة لصور (بصور خ‌ل) العالم هي التي مظهر الاسماء الظاهر بربّ صور العالم و بباطنها بربّ باطن العالم لانه صاحب الاسم الاعظم و له الربوبية المطلقة و لذا قال هو الذي ارسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كلّه و لهذا قال رسول‏اللّه9خصصت بفاتحة الكتاب و خواتيم البقرة و هي مصدرة بقوله تعالي الحمد للّه‏ رب العالمين

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 44 *»

فجميع عوالم الاجسام و الارواح كلّها مربوبة محتاجة لها و هذه المربوبية انما هي لها من جهة حقيقتها لا من جهة بشريتها فانها من تلك الجهة عنده مربوب (مربوبة خ‌ل) محتاجة الي ربها كما نبّـه (بينه خ‌ل) سبحانه علي هذه الجهة بقوله انما انا بشر مثلكم يوحي الي و بقوله لمّاقام عبداللّه‏ يدعوه فسمّاه عبداللّه‏ تنبيهاً (تنبها خ‌ل) علي انه مظهر لهذا (هذا خ‌ل) الاسم دون اسم اخر و نبّه (بينه خ‌ل) علي الجهة الاولي بقوله و مارميت اذ رميت ولكن اللّه‏ رمي فاسند رميه الي اللّه‏ و لايتصور هذه الربوبية الاّ باعطاء كلّ ذي حق حقه و افاضة جميع مايحتاج اليه العالم و هذا المعني لايمكن الاّ بالقدرة التامة و الصفات الالهية جميعاً (جميعها خ‏ل) فله كلّ الاسماء يتصرف بها في العالم علي حسب استعداداتهم.

و لمّاكانت هذه الحقيقة مشتملة علي الجهتين الالهية و الوجودية لايصحّ ذلك اصالة بل تبعية و هي الخلافة فلها الاحياء و الاماتة و اللطف و القهر و الرضا و السخط و جميع الصفات لتتصرف في العالم و في نفسها و بشريتها ايضاً لانها منه و بكاؤه7 و ضجره و ضيق صدره لاينافي ماذكرناه فانه بعض مقتضيات ذاته و صفاته و لايعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض و لا في السماء من حيث مرتبته و ان كان يقول انتم اعلم بامور دنياكم من حيث بشريته.

و الحاصل ان ربوبيته للعالم بالصفات الالهية التي له من حيث مرتبته و عجزه و مسكنته و جميع مايلزمه من النقايص الامكانية من حيث بشريته الحاصلة من التقييد و التنزل الي العالم السفلي ليحيط بظاهره خواص العالم الظاهر و بباطنه خواص العالم الباطن مجمع البحرين و مظهر العالمين فنزوله ايضاً كماله كما ان عروجه الي مقامه الاصلي (الاعلی خ‌ل) كماله فالنقايص ايضاً كمالات باعتبار اخر يعرفه من تنوّر قلبه بالنور الالهي و بطريق اخري هو7 العقل الاول الظاهر فيه خواص اسمه الخاص به و هو الرحمن و ذلك لان مظهره بحسب المعني هو الانسان الكامل المتصرف في الوجود ظاهراً و باطناً غيباً و شهادةً المعبر عنه بالخليفة لان الرحمة صورته هي الهداية الي الطريق المستقيم و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 45 *»

الدين القويم و المآكل و المشارب و مايتعلق بذلك و معنويته هي الوجود و توابعه و العلوم و المعارف الروحانية الذاتية.

و اما مظهره بحسب الصورة فهو العرش لان الانسان الكامل هو اول مظهر من مظاهر العالم الجسماني فخلفاء اللّه‏ الصورية و المعنوية منحصرون في الاسماء (الانسانين خ‌ل) الكبير و الصغير المعبر عنهما بالآفاق و الانفس ففي الآفاق خليفتان العقل الاول و النفس الكلية و هما مظهر الرحمن و الرحيم فالنفس الرحماني و الرحمة الامتنانية منسوبان الي العقل الاول الذي هو مظهر (مظهره خ‌ل) الاول من مظاهره في الروحانيات كما ان العرش اول مظهر له في الجسمانيات في الانس (الانفس خ‌ل) له ايضاً خليفتان النبي و الولي و هما ايضاً مظهر الرحمن و الرحيم.

فظهر ان العروش (العرش خ‌ل) الاربعة (اربعة خ‌ل) العقل الاول و هو عرش معنوي للرحمن و النفس الكلية عرش معنوي للرحيم و الفلك الاعلي عرش صوري للرحمن و الذي يليه عرش صوري للرحيم و الكلّ راجع الي الرحمن و مظهر (مظهره خ‌ل) في عالم الغيب و الشهادة و الآفاق و الانفس و بعده يرجع الكلّ الي الرحيم و لهذا (لذا خ‌ل) يسميان بالعرشين و الكرسيين فعرش الرحيم يسمي بالكرسي و هو النفس الكلية فانها كرسي الرحيم معني و الفلك الثامن كرسيه في عالم الصورة فالنفس الرحماني عندهم اشارة الي الوجود الاضافي الوحداني بحقيقته المتكثرة بصورة المعاني التي هي الاعيان و احوالها في الحضرة الاحدية تشبيهاً له بنفس الانسان المختلف بصور الحروف مع كونه هواء ساذجاً في نفسه و نظراً الي الغاية التي هي تزويج الاسماء الداخلة تحت حيطة الرحمن عند كونها و هو كون الاشياء فيها و كونها بالقوة كتزويج الانسان بالنفس و اما الرحمة الامتنانية فهي الرحمة المقتضية للنعم السابقة علي العمل فالرحمن اسم للحق باعتبار فيضان الکمالات المعنوية علی اهل الايمان و التوحيد و قد قالوا الجمعية لاسمائه التي في الحضرة الالهية الفايض منها (عنها خ‌ل) الوجود و مايتبعه من الكمالات علي جميع الممكنات كما ان الرحيم اسم باعتبار فيضان الكمالات المعنوية علي اهل

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 46 *»

الايمان و التوحيد و قدقالوا ان جميع المظاهر الكلية الآفاقية و الانفسية راجع الي الاسماء الثلثة التي في البسملة اللّه‏ الرحمن الرحيم و حروف البسملة تسع‏عشر (تسعة عشر خ‌ل) حرفاً فوقع ترتيب العالم علي تسعة‏عشر مرتبة العقل الاول و النفس الكلية و الافلاك التسعة و العناصر الاربعة و المواليد الثلاثة الجامع لكلّه (الکلية خ‌ل) فاذا ثبت رجع الي العقل الاول و النفس و الجسم و هو الجبروت و الملكوت و الملك و هي النبوة و الرسالة و الولاية و هي الشريعة و الطريقة و الحقيقة و لهذا قال علي7 ظهرت الموجودات (علي خ‌ل) من باء بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم و النبي مظهر الرحمن و الولي مظهر الرحيم و الجامع للمرتبتين مظهر اسم اللّه‏ و مشربهما من الوحي و الالهام فالاول من العقل و الثاني من النفس فاعظمهما و اشرفهما (فاعظمها و اشرفها خ‌ل) الاسم الاعظم و هو اللّه‏ و اشرف المظاهر و اعظمها مظهر هذا الاسم بالفعل دون القوة لان النوع الانساني باسره مظهر له بالقوة لكن الشرف و العظمة ليس الاّ لمظهر الفعلي (العقلي خ‏ل) و هو نبينا9 من بين الانبياء و ساير الانبياء بعده علي الترتيب و من الاولياء علي7 و ساير الاولياء بعده علي الترتيب فنبينا9 مظهر اسم اللّه‏ باعتبار جمعيته و مظهر اسم الرحمن باعتبار تصرّفه في الوجود و خلافته فيه و مظهر اسم الرحيم باعتبار ولايته المطلقة فهو العقل و النفس الكلية و كذلك علي7 و ساير اولاده سلام الله عليهم الي خاتم الخاتم لانهم اصحاب الجمعية باعتبار اخذها من القطب المحمّدي فكل واحد منهم علي الترتيب مظهر اسم اللّه‏ باعتبار جامعيته و مظهر اسم الرحمن باعتبار خلافته و مظهر اسم الرحيم باعتبار ولايته فكلّهم مجمع العوالم في هذا الموضع نقطة من بحر محيط و اللّه‏ عنده علم الكتاب.» انتهي كلامه.

و انما نقلته بطوله ليحصل لك الاطلاع علي كلماتهم و مطالبهم لان هذا الذي ذكره; جوامع كلامهم و خفايا اسرارهم و لو اردنا ان‏نذكـر مافي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 47 *»

هذا الكلام (المقام خ‏ل) من المناقشات الواقعية و ان ماذكروه من القشور و الظواهر لا حقايق الاسرار و البواطن لطال بنا الكلام و لاقتضي وضع مجلّد ضخيم ‏الحجم.

ولكنّا نقول ان الولاية و هي التصرف في جميع الممكنات حسب التقدير و التدبير و التسخير و ربط الاشياء و قراناتها و ضبط نسبها و اضافاتها و جهات اتصالاتها و مواقع مراتبها و متمماتها و مكملاتها و كل ما لها و منها و بها و عليها (اليها خ‌ل) و لديها ممايقتضي صحّة قوله تعالي صنع اللّه‏ الذي اتقن كلّ شي‏ء و هي الرياسة الكبري و القيومية العظمي انما هي للّه‏ سبحانه و هو قوله تعالي هنالك الولاية للّه‏ الحق و حيث ان اللّه‏ سبحانه و تعالي لايخلّ بالحكمة و لايباشر الاشياء بذاته و لايعانيها خلق محمداً9 قبل الخلق و قبل القبل و قبل الكون و المكان بلطيف حكمته و نافذ كلمته و جعله حاملاً لولايته و محلاً لمشيته فجعل له القيومية الكبري و الولاية العظمي و كانت الولاية لمحمد9 ثم الولاية لاميرالمؤمنين7 و هي تلك الرياسة الكبري ثم الولاية المذكورة للحسن بن علي7 ثم للحسين بن اميرالمؤمنين7 ثم للقائم المهدي عجل اللّه‏ فرجه عليه و علي آبائه السلام ثم للائمة الثمانية و هم علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسي بن جعفر و علي بن موسي و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي ثم الولاية لفاطمة الصديقة الطيبة الطاهرة صلوات اللّه‏ عليها و علي ابيها و بعلها و بنيها و ظهور الولاية التي هي الرياسة العامة علي الوجه المذكور في هؤلاء المعصومين الطيبين الطاهرين علي جهة التشكيك بمعني التقدم و التأخر و الشدة و الضعف فهم حيث كانوا في البدء وجب ان‏يكونوا في الختم فهم الفاتحون و هم الخاتمون و هم السابقون و هم اللاحقون و هم الاوّلون و هم الاخرون و هم المستسرّون و هم الظاهرون و هم البادون و هم الحاشرون و هم ظهروا في خاتمة الدنيا و تمام دولة الرجعة و اصل القيمة و علي منبر الوسيلة و حساب الخلق عليهم و ايابهم اليهم و امر اللّه‏ لديهم و حكمه فيهم و علمه عندهم و كلمته لديهم.

ثم لمّاخلق اللّه‏ سبحانه الانبياء من شعاع

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 48 *»

نورهم و فاضل طينتهم و هم مائة الف و اربعة و عشرون الفاً فجعل لهم الولاية علي حسب مقامهم و مرتبتهم و نسبة ذاتهم و طويّتهم و حقيقتهم و سرّهم فلهم الولاية حسب ماالقي فيهم من مثال آل‏محمد سلام اللّه‏ عليهم و هم يتصرفون في العالم و فيماتحتهم من مراتب الوجود بسرّ ذلك المثال الملقي اليهم في هويتهم من تلك الانوار فالولاية التي فيهم اي في الانبياء مشتقة من ولاية آل‏محمد سلام اللّه‏ عليهم اشتقاق الشعاع من المنير و اشتقاق الصورة من الشاخص فلهم الولاية و الامر و التصرف بماظهر (فيما ظهر خ‌ل) فيهم من صفة تلك الكينونة العليا ولكن قطب هذه المرتبة الذي (التی خ‌ل) يدور عليه رحي النبوة اولوا العزم اي نوح و ابرهيم و موسي و عيسي و نسبة ظهور الولاية التي فيهم مع ساير الانبياء نسبة القلب الي ساير الاعضاء فالولاية الظاهرة في مقامهم انما يكون ظهورها علي حسب التشكيك كماذكرنا في الحقيقة الاولي العليا المحمدية صلّي اللّه‏ عليها.

ثم لمّاخلق الانسان الرعية من شعاع الانبياء عليهم السلام جعل فيهم الولاية حسب ماظهر في هويّاتهم (هويتهم خ‌ل) من مثال المثال و شبح الشبح فالولاية التي في الرعية شبح و مثال لولاية الانبياء و ولاية الانبياء شبح و مثال لولاية آل‏محمد سلام اللّه‏ عليهم الامناء و فيهم مثال المثال و هو قول اميرالمؤمنين7 لكميل يرشح عليك مايطفح مني فقد رشـح منهم عليهم‌السلام الي الانبياء و طفح الفاضل الي الرعية فهؤلاء تصرفهم و تسخيرهم و تدبيرهم بفاضل ذلك التدبير و التسخير فلهم الرياسة علي حسب مقامهم و مرتبتهم فهم الاقطاب الجزئية تصرفهم علي حسب ماعندهم من سرّ الاسم الاعظم حسب حكايتهم من ذلك المثال و هذه الولاية مشتقة من ولاية الانبياء اشتقاق الشعاع من الشمس فولاية هؤلاء الرعية في مقامهم دائمة مستقرة بدءاً و ختماً و ولاية الانبياء في مقامهم مستمرة ثابتة بدءاً و ختماً و ولاية آل‏اللّه‏ آل‏محمد امناء اللّه‏ ثابتة مستقرة بدءاً و ختماً و صدق الولاية بالنسبة الي الولاية الظاهرة للانبياء و الظاهرة في

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 49 *»

الرعية (للرعية خ‌ل) بالنسبة الي الولاية الظاهرة في الحقيقة المطهرة (المحمدية خ‌ل) من باب الحقيقة بعد الحقيقة فاذا قلت ان علياً ولي اللّه‏ و نوحاً ولي اللّه‏ و سلمان ولي اللّه‏ فصدق الولاية عليهم ليس من باب الحقيقة و المجاز للاطراد و عدم صحة السلب و لا من باب الاشتراك المعنوي لعدم اتحاد الحقيقة المشتركة فيه و لا من باب الاشتراك اللفظي للزوم المباينة و استقلال الوضع الذي لايجوز في هذا المقام لان ولاية الانبياء عليهم السلام انما سمّيت بها لمشابهتها و مناسبتها و حكايتها لولاية الحقيقة المحمدية عليه و آله السلام و الاشتراك اللفظي يستدعي بينونة الاعتزال و هو في مقام الحكاية و الاستدلال محال و لا من باب المنقول لاستلزام هجر الاول و هو غير مهجور و لا من باب المرتجل لانه مع ذلك يستلزم المباينة و عدم المناسبة فيكون الاطلاق من باب الحقيقة بعد الحقيقة و هذا شي‏ء لم‏يذكره الاصوليون و لم‏يطلعوا عليه مع كثرة وروده و استعماله و لسنا الآن بصدد تحقيقه و بيانه فانا قدبيّنّا في كثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل شرح هذه المسألة و بيان هذه المعضلة نسأل اللّه‏ التوفيق لفهم دقائق الحقايق.

و هاتان الولايتان اي اللتان في الرعية و الانبياء حيث كانتا في جنب تلك الولاية الاولي العليا مضمحلة فانية كضوء السراج بالنسبة الي ضوء الشمس كانت الولاية ظاهرة في تلك الولاية الكبري و لذا ماتري في الرجعة و عند ظهور القائم عجل اللّه‏ فرجه و في القيمة لغيرهم ولاية و لا ذكر (له خ‌ل) و لا دولة قدانحصر الامر فيهم و غيرهم قدوقعوا تحت الشعاع و اما ماظهر للانبياء في هذه الدنيا من الدولة و الرياسة و الحكومة فذلك من جهة عدم ظهور تلك الدولة العليا و انها كانت تمدّ الانبياء من وراء حجاب كمابينا سابقاً من التمثيل بظهور الكواكب عند ماكانت الشمس تحت الارض و خفائها مادامت فوق الارض فاذا ظهرت الولاية الكبري لايتخيلن متخيل ان ولاية الانبياء قدفسدت و اضمحلت و بطلت كالولاية التي في الرعية فانما هي موجودة لكنها عند ظهور النيّر (المنير خ‏ل) الاعظم خفي نورها و استتر ظهورها و الاّ فهم علي ماهم

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 50 *»

عليه من الرياسة و السلطنة ولكن عند ظهور السلطان الاعظم تخفي (يخفی خ‌ل) سلطنة غيرهم من باقي الملوك و السلاطين لان الولاية كرة متألفة من نقاط وجود الاولياء و تمامها بوجود خاتم‏الانبياء بل ولاية خاتم‏الانبياء لايتممها (لايتمها خ‌ل) سويها.

فاذا اردت التمثيل التقريبي لهذا البيان التام فاعلم ان كرة القمر في مقامها و مرتبتها متحركة دائمة ابداً في محلها و موقعها و كرة عطارد فوقها متحركة دائمة و كذلك كرة الزهرة في موقعها و محلها تتحرك دائماً وهكذا باقي الافلاك كلّ فلك في مقامه يتحرك و يدوم في الحركة الي مالايتناهي ولكن لايصل كل فلك الي اخر و لا كرة الي عليا و الكل في مقامه متحرك الاّ ان العرش الاعظم لماكان قاهراً علي الكل يكون ظهور الحركة عنده و الحساب في الايام اليها و هو الذي يسخر باقي الكرات و الافلاك في حركاتها و اوضاعها و كذلك الولاية في موقعها و محلها من المراتب الثلث لاتتعدي مرتبة مقامها و مرتبتها و ما منا الاّ له مقام معلوم و انا لنحن الصافون و انا لنحن المسبحون فالولاية للّه‏ سبحانه يظهر ولايته حيث يشاء اللّه‏ اعلم حيث يجعل رسالته و افضل محال الولاية و مواقعها الحقيقة المحمدية9 الظاهرة في اربعه‏عشر هيكلاً صلوات اللّه‏ عليهم اجمعين و الي ماذكرنا الاشارة في قوله تعالي انما وليكم اللّه‏ و رسوله و الذين امنوا الذين يقيمون الصلوة و يؤتون الزكوة و هم راكعون و المؤمنون هم الائمة: و هم الذين اقاموا الصلوة اي حدود الولاية الكبري الكلية من الرياسة العامة الكلية و اتوا الزكوة من التبري (التبرء خ‌ل) عن (من خ‌ل) اعداء اللّه‏ و التجنب عمايكرهه اللّه‏ و هم الراكعون الخاضعون الخاشعون للّه‏ سبحانه المتذلّلون لديه و المنقطعون اليه و الي هذا المعني اشار سبحانه و تعالي بقوله عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم مابين ايديهم و ماخلفهم و لايشفعون الاّ لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين فقوله تعالي عباد مكرمون لايسبقونه بالقول الي قوله تعالي و هم من خشيته مشفقون شرح لقوله تعالي انما وليكم اللّه‏ و رسوله و الذين امنوا الذين يقيمون الصلوة و يؤتون الزكوة و قوله تعالي و من يقل منهم الي اخر الاية شرح لقوله و هم راكعون فعلي ما

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 51 *»

ذكرنا و فصّلنا تبين لك حقيقة الامر في الولاية و ختمها و قول ابن‏عربي ان ولاية اللّه‏ قدختمت بعيسي و الولاية المحمدية ختمت بالمهدي, قدبيّنّا فساده و بطلانه و ان ولاية اللّه‏ سبحانه انما ظهرت بمحمد و علي و ولاية علي عليه‌السلام الذي هو كتاب اللّه‏ فصّلت في الائمة المعصومين من اولاده (ع) علي نحو مابيّنّاه و هو قوله تعالي الر كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير و الكتاب هو اميرالمؤمنين الحامل لولاية اللّه‏ الظاهرة في الخلق و ولاية رسوله و تلك الولاية فصلت بالايات و هم الائمة السادات لانهم ايات اللّه‏ المحكمة بالعلوم و الاسرار و الانوار (الانوار و الاسرار خ‌ل) ثم اشرقت ولايتهم علي الانبياء كافة و ظهرت فيهم الولاية و اين (انی خ‌ل) هذه الولاية من ولايتهم بل لا ربط و لا نسبة بين الولايتين الاّ نسبة الحكاية مع المحكي و الدليل مع المدلول فافهم و اتقن فاني قدذكرت لك جوامع البيان المأخوذة من كلمات السادة القادة امناء الرحمن فاغتنم و كن (لله خ‌ل) من الشاكرين.

و اما قولكم اسبغ اللّه‏ نعمه عليكم: ما وجه الشبهة لغير القائلين بافضلية الولاية مطلقاً علي النبوة مطلقاً.

فجوابه اعلم ان المعروف لديهم و المشهور عندهم ان الولاية من حيث هي هي افضل من النبوة لان الولاية تصرّف و رياسة و النبوة رسالة و ترجمة و هي شأن من شئون الولاية و لايختلفون في ذلك بل عندهم ان النبوة تحت رتبة الولاية و لم‏اجد ممن عثرت علي كلامه من مصرّح بان النبوة افضل من الولاية لقدشرح هذا الامر و فصّل الشيخ المتقدم ذكره في كتاب المجلي المأخوذ من اقوال الحكماء و العلماء قال «و نبوة الرسول متقدمة علي رسالته و ولاية النبي متقدمة علي نبوته لان النبوة بدون الولاية ممتنعة و كذلك الرسالة بدون النبوة ممتنعة و لهذا كلّ رسول نبي و ولي و اذا كانت الولاية اقدم من النبوة و النبوة اقدم من الرسالة فلايلزم من تقديم الولاية علي النبوة و تقديم النبوة علي الرسالة تقديم الولي علي النبي و تقديم النبي علي الرسول لان هذا الترتيب انما هو باعتبار اجتماعها

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 52 *»

في شخص واحد كالرسول لا كل واحد بانفراده فانها اذا اجتمعت في شخص واحد وجب ان‏تكون ولايته اعظم من النبوة و النبوة اعظم من الرسالة و ان كان الرسول اعظم من النبي و النبي اعظم من الولي فلايتوهم من كلامه ان الولاية اعظم من النبوة و النبوة اعظم من الرسالة كون الولي اعظم من النبي و النبي اعظم من الرسول بل الامر ليس كذلك لان النبي له مرتبة النبوة و ليس للولي ذلك بل مرتبة الولاية خاصة و الرسول له مرتبة الرسالة فوق مرتبة النبوة و ليس للنبي ذلك فلايكون الولي اعظم من النبي و لا النبي اعظم من الرسول لان كل واحد منهم تابع للاخر و التابع لايلحق بالمتبوع من حيث هو تابع و الولي تابع للنبي دائماً و الاّ لايكون ولياً و النبي تابع للرسول دائماً و الاّ لم‏يكن نبياً فلايكون اعظم منه و هذه قاعدة مطردة لا اختلاف فيها.» انتهي كلامه و هو كماذكر لا اختلاف عندهم بان الولاية اعظم من النبوة و قدافرط بعضهم و قال ان افضلية الولاية علي النبوة تقتضي افضلية الولي علي النبي مطلقاً لقدضلّ و غوي و فرع علي ذلك وجوب كون اميرالمؤمنين7 الذي هو ولي اللّه‏ و حامل الولاية المطلقة افضل من رسول‏اللّه9 لمكان الولاية و النبوة و الظاهر بالولاية افضل و اعظم من الظاهر بالنبوة و للحديث القدسي خطاباً للنبي9 لولاك لماخلقت الافلاك و لولا علي لماخلقتك و جعل النسبتين من نوع واحد في الفضل و الكرامة علي اللّه‏ سبحانه و لقول النبي9 يا علي انت مني بمنزلة الرأس من الجسد و لا شك ان الرأس اشرف من الجسد و قوله9 يا علي انت نفسي التي بين جنبي و لا ريب ان النفس و الروح اشرف و افضل من البدن و لمّا ظهر من اميرالمؤمنين7 من المعجزات و خوارق العادات و غرايب الخطب و ساير الاطوار ممالم‏يظهر من النبي9 حتي ادّعت جماعة في علي7الربوبية لما ظهر منه من عجايب الايات و غرايب المعجزات

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 53 *»

ممالم‏يظهر من النبي9فدلّ (تدلّ خ‏ل) علي افضليته منه9 و مثل هذه الشبهات قدغطّت علي بصر معرفته و مدارك علومه فاعتقد ان الولي افضل من النبي.

و الجواب اما عن الشبهة الاولي من الولاية و النبوة فعلي تقدير تسليم الافضلية فالامر كماذكره صاحب المجلي من ان النبي له مقامان مقام النبوة و الولاية و هو جامع المرتبتين و الواقف علي الطتنجين بخلاف الولي فانه (فان خ‌ل) له الولاية خاصة دون النبوة فالجامع بين الافضل و غيره اشرف من المتفرد بواحد و ان كان افضل فالنبي باعتبار الجامعية افضل من الولي و الي هذا المعني يشير قول اميرالمؤمنين7 انا اصغر من ربي بسنتين و المراد من الرب هو المربي و هو رسول‏اللّه‏ و السنة المرتبة يعني هو جامع المرتبتين و انا عندي مرتبة واحدة فهو بتلك المرتبتين تقدّم علي فاذن انا اصغر منه بسبب تين المرتبتين يعني هاتان المرتبتان صارتا سبباً لكوني اصغر من رسول‏اللّه‏ بمرتبة فله الجامعية بخلافي لا كمايزعمون من ان الرب هو اللّه‏ سبحانه و المرتبتان هي الالوهية و النبوة فان هذا كلام باطل و قول مجتث زائل لان ذات اللّه‏ سبحانه لاتنسب و لاتوصف و لا بينه و بين غيره نسبة و اتصال.

و اما عن الحديث فان اقصي مايدل عليه ان وجود اميرالمؤمنين7ممايتوقف عليه وجود رسول‏اللّه9 و هذا لايدلّ علي الافضلية الاتري ان وجود الابن متوقف علي وجود الاب و لايلزم ان‏يكون الاب افضل من الابن مطلقاً و كذا وجود الرأس متوقف (يتوقف خ‏ل) علي وجود بعض الاعضاء الرئيسة كالكبد مثلاً و لا ريب ان الكبد ليس باشرف من الرأس و كذلك القلب يتوقف وجوده علي الصدر و الرأس الحامل للدماغ و لا ريب ان الرأس و الصدر ليسا باشرف من القلب الاتري ان الصلوة في الحكم التشريعي الظاهري وجودها مشروط (و خ‌ل) موقوف علي الوضوء و لاتكون الصلوة الاّ به و لايلزم ان‏يكون الوضوء اشرف من الصلوة بل ليس اشرف منه قطعاً و كذلك وجود

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 54 *»

اميرالمؤمنين7 شرط لوجود رسول‏اللّه‏ (النبي خ‏ل)9 لانهما من حقيقة واحدة و مايتألف به الحقيقة الواحدة كل واحد شرط لوجود الاخر و لا ريب ان بعضها افضل من بعض لقدقال رسول‏اللّه9 انا و علي كنّا نوراً واحداً ننتقل من الاصلاب الي الارحام الي ان‏انتقلنا الي صلب عبدالمطلب فانقسم النور نصفين (قسمين خ‌ل) في صلب عبداللّه‏ و ابي‏طالب و اذا كانت الحقيقة الاولية قدتألفت بهما فلايمكن ان‏يوجد احدهما الاّ بالاخر كما ان بدن الانسان لايمكن ان‏يتم و يوجد الاّ بالاعضاء الرئيسة كلّ واحد شرط لوجود الاخر مع مابينهما من التفاوت العظيم في الفضل و الشرف و كذلك الامر في هذا المقام الاتري انه يقال لولا الماء و الارض لماعاش الانسان و ماكان و لايستلزم ذلك فضلهما علي الانسان و لايدلّ هذا الحديث علي افضلية الولي علي النبي بوجه من الوجوه و له وجوه اخر تركتها خوفاً للتطويل.

و اما عن الحديث الثاني و الثالث فنقول بموجبهما ولكن الجامع بين الرأس و الجسد اشرف من الرأس وحده و ان كان الرأس بانفراده اشرف من الجسد بانفراده فكذلك الجامع بين الروح و الجسم اشرف من الروح وحدها و ان كانت الروح بانفرادها اشرف من الجسم بانفراده فكذلك النبي9 و الولي فان النبي له الرتبة الجامعة بخلاف الولي و هذا كلّه بالنسبة الي نبينا ص و اما نبوة ساير الانبياء و ولايتهم فهی جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير من ولاية اميرالمؤمنين7 و استغفر اللّه‏ عن التحديد بالقليل.

و اما عن ظهور المعجزات و خوارق العادات و كثرتها بالنسبة الي الولي فذلك لان الولي تفصيل شئون النبي و كتاب جامع لمراتبه و مقاماته و لسان ناطق عنه كمافي قوله تعالي فانما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين و تنذر به قوماً لداً و قدروي عن الصادق7 ان اللسان هو اميرالمؤمنين7 و المفصل و ان كان الظهور فيه اكثر لكنه فرع من فروع المجمل الاتري الكواكب الظاهرة و البروج و المنازل الثابتة في الكرسي فانها بكثرة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 55 *»

انوارها و ظهور اثارها فرع من فروع العرش و ان كان اصلاً بالنسبة الي ساير الافلاك و الكواكب و هو الاصل القديم و الفرع الكريم فاميرالمؤمنين7 نفس النبي9 و يده في اظهار تلك الاثار و الكرامات و لسانه في انشاء تلك الخطب البليغات و صدره في حفظ تلك العلوم المفصلات (المعضلات خ‏ل) من اطوار انحاء الموجودات و ذلك يدلّ علي كمال النبي و علوّ مقامه و عظم شأنه و اي عاقل يستند بهذه الشبهات و الاقوال المتشابهات و يقول بهذا القول السخيف و المذهب الضعيف و يعتقد ان اميرالمؤمنين7 افضل من رسول‏اللّه9 و يقطع النظر عمااستقرّ عليه المذهب من فضل النبي9علي كافة الخلق و قول اميرالمؤمنين7 انا عبد من عبيد محمد9 و قوله7 انا من محمد9 كالضوء من الضوء و غيرهما من الاخبار التي بلغت حدّ التواتر و مادلّ عليه الدليل القاطع بان اول ماخلق اللّه‏ يجب ان‏يكون امراً وحدانياً لشرافة الوحدة علي الكثرة و بطلان الطفرة و الخلق الثاني تفصيل ذلك الاجمال و شرح ذلك المقال و قدقام الاجماع من المسلمين مع دلالة الروايات المتواترة ان اول ماخلق اللّه‏ رسول‏اللّه9 و اميرالمؤمنين7 هو الثاني لانه قال9 كنّا نوراً واحداً الي ان قال9فقال لنصف كن محمداً و للنصف الاخر كن علياً و لايجوز العكس بان‏يقال لنصف كن علياً و للنصف الاخر كن محمداً فعلي هو الثاني و الثاني تفصيل للاول كيف يعقل ان‏يقال ان التفصيل خير من الاجمال و الكثرة اشرف من الوحدة لقدقال رسول‏اللّه9 ما اختلف في اللّه‏ و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي و ذلك معلوم ظاهر و قدشافهت رجلاً جاهلاً مركباً في دارالعبادة يزد ممن يقول بهذا القول الشنيع و المذهب الفظيع فلاتفيده الدلائل و لاتنفعه البراهين و الوسائل احاط به الجهل فبعد عن استنارة العقل و من لم‏يجعل اللّه‏ له نوراً فما له من نور.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 56 *»

تحقيق فيه تدقيق: اعلم انه قدسبق منا ان الولاية لها اطلاقان: احدهما ماتشمل النبوة و الاخر قسيمها و لا ريب ان الولاية بالاطلاق الاوّل افضل و اشرف لان النبوة شأن من شئونها و وجه من وجوهها و اما الولاية بالمعني الثاني اي مايكون قسيماً للنبوة فالنبوة اشرف و افضل فيقال نبوة و ولاية و نبي و ولي اذ لا ريب (فلا ريب خ‏ل) ان الولاية هي (هو خ‏ل) التصرف و التدبير في الذرات الوجودية و الحقايق الكونية و النبوة ايصال ذلك الفيض ليقع فيه التصرف و التدبير و لا ريب ان وساطة ما هو الاشرف اشرف مقاماً مماهو دونه فان النبوة ترجمان الفيض الاول و فيضانه بلا كيف و لا اشارة و لا جهة و لا رتبة و الولاية التصرف في ذلك و التدبير فيماهنالك و التقدير (التدبير خ‏ل) علي حسب مقتضي الحكم و المصالح و لا ريب ان هذا التصرف و التدبير بعد ايصال الفيض اولاً بلا اول و اخراً بلا اخر كنبوة التشريع و ولايته فان النبوة هي الاخبار عن اللّه‏ بمايريد و الولاية اجراء ذلك الحكم الالهي و ايصاله الي محالّه و مواقعه و اعطاء كلّ ذي حقّ حقّه و اقامة الحدود و اجراء الاحكام في الغيب و الشهود (الشهادة خ‏ل) و كل نبي مبعوث لابد ان‏يكون ولياً يضع الاشياء من الاحكام التشريعية مواضعها و يوصل اليها احكامها و كذلك في نبوة التكوين فالنبوة الباطنة التكوينية اشرف من الولاية الباطنة التكوينية و النبوة التشريعية اشرف من الولاية الظاهرة التشريعية ماتري في خلق الرحمن من تفاوت.

و حكم التكوين و التشريع واحد و كلاهما محتاجان الي الوساطة و التصرف و الولاية فيها ظهور انّية ليكون اميرالمؤمنين و يمير الفيوضات و يقدرها و يكيلها للمؤمنين ابتداءً و للكافرين بالعرض ليكون بذلك نعمة اللّه‏ علي الابرار و نقمته علي الفجار و النبوة ليس فيها انّية بل وساطة محضة من غير تقلّب و تصرّف (تصرّف و تقلّب خ‏ل) و الولي مقلب الاحوال و النبي واسطة المدد و الفيض الذي يجري فيه التقلب مثاله الهواء و البلور الصافي فان نور الشمس لايصل الي الارض الاّ بواسطة الهواء ولكن لايحفظه حفظاً يجري عليه اثاره فاذا وصل ذلك النور الي البلور و هو جسم كثيف صافي يحفظ ذلك النور لمافيه من القوة الجامعة و يظهر

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 57 *»

اثاره من الاشراق و الاحراق و اظهار الانوار الاربعة و ساير الاحوال التي تقتضيها كينونة الشمس في عالم الظهور و مقام الغيور و تلك الاثار و الاحوال لم‏تكن حين ماظهر في الهواء مع انه مااوصله الي البلور غير الهواء فالبلور هو حامل الولاية و الهواء هو حامل النبوة و لا شك ان الهواء افضل و اشرف و اعلي من البلور و لكن ظهور الاثار بالبلور اكثر فالنبي هو الاول و الولي هو الاخر فالنبي من حيث نبوته اعلي منه من حيث ولايته و الذي ذكرناه في شرح القصيدة ان النبي من حيث ولايته افضل منه من حيث نبوته هو كلام جري علي متفاهم القوم المعروف عندهم و مرادنا بذلك الولاية الباطنة التكوينية بالنسبة الي النبوة الظاهرة التشريعية و ماذكرنا هنا فالمراد به النبوة الباطنة التكوينية فالنبي و الولي لهما مقامات بحسب ظهورهما و نحن نجري الكلام في هذا المقام في الولاية الظاهرة في اميرالمؤمنين عليه السلام و النبوة الظاهرة في رسول‏اللّه9 .

فنقول ان لهما في كلّ مرتبة (رتبة خ‌ل) نور و في كلّ مقام ظهور بنسبة ذلك المقام يجري عليهما حكم اقتضاء (اقتضاه خ‏ل) تلك الرتبة فاوّل منازل ظهوراتهما السموات السبع فخاتم النبوة ظهوره في مقام الشمس و خاتم الولاية ظهوره في مقام القمر و هما (فهما خ‌ل) في هذا المقام ابنا عمّ لان القمر ابن الكرسي (للکرسی خ‌ل) و الشمس ابن العرش (للعرش خ‌ل) و كلّ منهما ابن عم للاخر و ثاني المنازل في العرش و الكرسي و خاتم النبوة ظهوره في مقام العرش و خاتم الولاية ظهوره في مقام الكرسي فهما في هذا المقام اخوان رضعا من ثدي واحد و ثالث المنازل في بلد بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم فهما في هذا المقام واحد بلا اختلاف الاّ من جهة التعلقات و في هذا المقام يكون الولي نفس النبي و من هذه الجهة جرت الانهار الاربعة في هذه القبة الشريفة من هاء البسملة و ميماتها فالجاري من ميم البسم و هاء اللّه‏ من متعلقات ظهورات خاتم الانبياء و الجاري من ميم الرحمن و الرحيم (ميمي الرحمن الرحيم خ‏ل) من متعلقات ظهور

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 58 *»

خاتم الولاية لكنهما في الاصل واحد و لذا كانت البسملة استنطاقها واحداً و رابع المنازل مبادي مراتب الجنة فخاتم النبوة في الكثيب الاحمر و خاتم الولاية في مقام الرفرف الاخضر يضرب الي السواد فخاتم الولاية في هذا المقام ابن لخاتم النبوة و لذا كني بابي‏القاسم نظراً (انظر خ‌ل) الي القاعدة التي اسسناها في كثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل لاسيما شرح القصيدة اللامية من ان كلّ اصل اب و كلّ فرع مأخوذ من ذلك الاصل ابن و خامس المنازل ظهورهما في مقام العلم فخاتم النبوة في مقام القلم الاعلي و خاتم الولاية في مقام اللوح المحفوظ و حيث ان اللوح مستمد و مأخوذ من القلم كان فرعاً له فكان ابناً له و سادس المنازل مقامهما في مبادي الوجودية فخاتم النبوة في مقام المداد بحر الصاد (و خ‌ل) ماء المزن الذي به الامداد في قوابل الاستعداد و خاتم الولاية في مقام الدواة و القابلية الاولي و ظهور الاعيان الثابتة في العلم الاعلي و حيث ان الدواة حاملة للمداد و هو اصل لتحققها لان مرادنا بالدواة نفس القابلية و هي متكثرة و بالمداد نفس المقبول و هو واحد فكان قوام القابل بالمقبول فمؤصّل المقبول اصل لمؤصّل القابل فخاتم الولاية اذن ابن لخاتم النبوة و سابع المنازل مقامها في الصنع و الاحداث فخاتم النبوة في مقام الاختراع و خاتم الولاية في مقام الابداع (الابتداع خ‌ل) و خاتم النبوة في مقام المشية و خاتم الولاية في مقام الارادة و لمّا كان الابداع و الارادة بالاختراع و المشية كان خاتم الولاية في هذا المقام ايضاً ابناً لخاتم النبوة و ثامن المنازل مقام الكلمة التامة التي انزجر لها العمق الاكبر فخاتم النبوة في مقام النقطة و خاتم الولاية في مقام الالف و لمّا كان قوام الالف بالنقطة كان خاتم الولاية ابناً لخاتم النبوة و تاسع المنازل مقامهما في الذكر الاول فخاتم النبوة في مقام الرحمة الاولية و خاتم الولاية في مقام النفس الرحماني و النفس متقوم بالرحمة فكان خاتم الولاية ابناً لخاتم النبوة و عاشر المنازل مقامهما في الاسرار فخاتم النبوة في مقام السرّ المقنع بالسرّ و خاتم الولاية في مقام السرّ المستسرّ و حادي‏عشر المنازل

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 59 *»

مقامهما في الاقطاب فخاتم النبوة في مقام القطب الاول و خاتم الولاية في مقام المحور و لمّاكان المحور ظهور القطب كان خاتم الولاية ابناً لخاتم النبوة.

فظهر لك ممابيّنا ان خاتم الولاية ابن عمّ لخاتم النبوة في مقام كماهو الظاهر في هذه الدنيا من حال اميرالمؤمنين و رسول‏اللّه‏ صلي اللّه‏ عليهما و الهما و في مقام اخر اخ له كماوردت به الروايات في ان رسول‏اللّه9 واخاه (آخاه خ‌ل) و فعله9 يجري علي الحقيقة و الواقع في كل مقام مع حفظ المرتبة و في مقام اخر نفسه و عينه كما نطق به القرءان من قوله تعالي و انفسنا و انفسكم و في مقام آخر ابن له و يشهد علي ذلك تكنية النبي بابي‏القاسم و شيوع الامر في المذهب بان اميرالمؤمنين قسيم الجنة و النار و هو القاسم بالسوية و العادل في الرعية (بالرعية خ‌ل) و القائم علي كلّ نفس بماكسبت من جميع الامة فهو ابن لذلك الاب الطاهر (الظاهر خ‌ل) و ان شئت ان‏تدقق النظر و تصفي الفكر ظهر لك هذا المعني من قول اللّه‏ تعالي خطاباً للنبي الاعلي و اصطنعتك لنفسي يعني و اصطنعتك ليظهر منك الولد المكرم و النور المعظم الذي هو سرّ العالم و نفس اللّه‏ القائمة علي كل نفس بسنن اللّه‏ و ادابه فالاضافة لامية و اللام للتمليك و منه تسمية النفس الملكوتية بذات اللّه‏ العليا في حديث اميرالمؤمنين في النفس الملكوتية ان اصلها العقل و عنه وعت و اليه دلت و اشارت و شابهته اذا كملت فهي ذات اللّه‏ العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي من عرفها لم‏يشق ابداً و من جهلها ضلّ و غوي و منه قوله تعالي في عيسي انه روح اللّه‏ و في الكعبة انها بيت اللّه‏ و في الروح المنفوخة في ادم انها روح اللّه‏ و في الزيارة السلام علي نفس اللّه‏ القائمة فيه بالسنن فافهم.

فخاتم الولاية ابن لخاتم النبوة في هذه المقامات المذكورة و المنازل المسطورة هذا ماجري به القلم في بيان احوال النبوة و الولاية ممااذن لنا في البيان و بقيت اشياء لاتسطر في كتاب و انما يلقي مشافهة الي الصدور المنيرة للازكياء الاطياب و منها ما

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 60 *»

لايجوز اظهاره مادامت الدولة للظالمين و منها ما ليس لي له عبارة و منها ماحجب عني شعر:

چيز ديگر ماند اما گفتنش   با تو روح‏القدْس گويد بي‏منش

و اللّه‏ خليفتي عليك و لا حول و لا قوة الاّ باللّه‏ العلي العظيم و الصلوة علي رسول‏اللّه‏ و اله امناء اللّه‏ (امناء الرحيم صلی الله عليهم خ‌ل).

قال ايده اللّه‏ بتسديده و جعله من خلّص عبيده: و منّوا علي ثانياً بما عندكم من معني كلامكم المقتبس من الحديث ان النبي9 حال حول القدرة و الولي ع حول العظمة و بعد صار الامر بالعكس ما نتيجة هذا في هذا العالم عالم الظاهر و العبارة المذكورة بعينها ليست موجودة عندي و الظاهر انها مذكورة في الرسالة الشريفة المسماة باسرار الصلوة و الصوم و الحج من جنابكم بعد ذكر سرّ السجود و الركوع و نسبتهما الي الولي و النبي.

اقــول: هذا الحديث رواه في البحار و العوالم عن جابر بن عبداللّه‏ الانصاري انه سأل النبي9 عن اول ماخلق اللّه‏ قال9 اول ماخلق اللّه‏ نور نبيك يا جابر كان يطوف حول جلال القدرة ثمانين الف سنة فلما وصل الي جلال العظمة خلق فيه نور علي عليه السلام فكان نوري يطوف حول جلال العظمة و نور علي يطوف حول جلال القدرة الحديث و الكلام في هذا الحديث الشريف يتمّ ببيان امور: الاول ما معني جلال القدرة و جلال العظمة الثاني ما معني طوفه حول جلال القدرة و انتهائه الي جلال العظمة الثالث كيف كانت المدة بين الجلالين و ما معناها الرابع ما الوجه في خصوص الثمانين الف سنة الخامس ما معني هذا التقديم بهذه المدة المتطاولة مع ان الاخبار و الايات دلّت علي انهما8 حقيقة واحدة و طينة واحدة السادس ما معني طوف النبي9 بعد خلق علي7 حول جلال العظمة مع انه اشرف مع انها انزل و العكس كذلك السابع هل هذا التفاوت كما ثبت بينهما صلّي اللّه‏ عليهما و آلهما ثابت

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 61 *»

بالنسبة الي ساير الائمة: ام لا و لكلّ من هذه الامور السبعة بيان ظاهري و بيان باطني و شرح غيبي و شرح شهودي و ذلك اربعة‏عشر و هي العدد الحروف النورانية و المنازل النورانية و بيان هذه الامور صعب يحتاج الي تمهيد مقدمات ليقرب الي الاذهان و تقبله العقول و الاحلام الاّ اني لضيق المجال و كثرة الاشغال (الاشتغال خ‌ل) و معاناة (مانعات خ‌ل) السفر للحل و الارتحال لايسعني تفصيل المقال بذكر غرايب الاحوال ولكني اشير الي كل مقام اشارة اجمالية لانها الميسور و لايسقط بالمعسور و الي اللّه‏ تعالی ترجع الامور.

اما الاول: اي معني جلال القدرة و جلال العظمة فاعلم ان الجلال مقام القهر و الغلبة و الاستيلاء و التمنع و الجمال مقام الانس و المشاهدة و المحبة و قديطلق احدهما علي الاخر كمايظهر لمن تتبع في الادعية و الاخبار و جاس خلال تلك الديار و اذا اجتمعا افترقا و لمّا جعل في الجلال حرف من اسم علي7 دلّ علي القهر و الغلبة و جعل في الجمال حرف من اسم محمد9 دلّ علي الانس و الايتلاف سيما الميم التي لها مخرج الربع الحاكي عن الشكل المربع المقرون بالاتحاد و الايتلاف و اللام التي لها مخرج الثلث الحاكي عن الشكل المثلث الذي هو شكل الفناء و الافتراق فافهم و اما القدرة فهي اول مايظهر من القادر من الفعل الاول الذي به يصدر جميع افاعيله و اثاره و شئونات اسمائه و هو قوله7 اللّهم اني اسألك من قدرتك بالقدرة التي استطلت بها علي كلّ شي‏ء و كلّ قدرتك مستطيلة و القدرة اول ماتظهر من الكامل و كلّ الصفات دونها فتكون جلال القدرة هي الولاية المطلقة الاولية التكوينية الظاهرة بالتصرف و هي التي اشرنا اليها سابقاً و هذه الولاية هي التي استطال اللّه‏ بها علي كل شي‏ء و هو مقام الربوبية اذ لامربوب عيناً لا ذكراً و هي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و النور الذي استضاء منه كلّ شي‏ء و الرحمة التي وسعت كل شي‏ء و العلم الذي احاط بكل شي‏ء و اليد التي في قبضتها السموات و الارض و ملكوت كل شي‏ء و هي التي اخذة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 62 *»

بناصية كل شي‏ء لانها ولاية اللّه‏ الظاهرة في خلق اللّه‏ و اما العظمة فهي تحت القدرة و بها قدحصلت و مقامها الكثرة و مقتضاها الخوف و هي مقام الربوبية اذ مربوب ذكراً و عيناً و هنا محل ظهور النبوة الظاهرة المعروفة عند العوام التي تحت مقام الولاية فالقدرة محل ظهور المشية و العظمة محل ظهور الارادة و القدرة مقام الكاف و العظمة مقام النون و القدرة مقام الاجمال و العظمة مقام التفصيل و القدرة مقام الاختراع و العظمة مقام الابتداع (الابداع خ‌ل) و القدرة الاصل القديم و العظمة الفرع الكريم.

اما الامر الثاني: اي معني طوفه حول جلال القدرة و انتهائه الي جلال العظمة فاعلم ان الحضرة المحمدية صلّي اللّه‏ عليها هي اول ظاهر باول ظهور لم‏يسبقه خلق و لا حدوث خلقه اللّه‏ سبحانه في ظل كينونته و اقامه بنفسه و طوافه عبارة عن استدارته علي جلال القدرة التي هي باطنه اي استدارة ظاهره بباطنه و علانيته بسرّه و هذه الاستدارة استمدادية و لمّاكان بكلّ الجهات مستمداً و مقبلاً (مستقبلاً خ‏ل) و متوجهاً الي المبدأ اي القطب الذي هو الواسطة بينه و بين المفيض كان ذلك القطب هو نفسه لان اللّه‏ عزّوجلّ اقامه بنفسه و امسكه بظلّه و استخلصه في القدم علي ساير الامم اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء و انتهاؤه الي مقام العظمة عبارة عن انتهاء مراتب الكاف و اول ظهور التعلق بالنون و هو اول ظهور مقام علي7 و معني انتهاء المراتب ان المقام الاول الذي هو مقام الولاية المطلقة المحمدية علي مااعرف من الاخبار له مراتب و اقلها ثلثة الاعلي و الاوسط و الاسفل و الاسفل هو اعلي مقامات العظمة و لذا جرت الكاف علي ثلاثة احرف كالنون في كـن فيكون و ان كان كل شي‏ء علي هذا النمط الاّ ان المقامات تختلف من ملاحظة التفصيل و عدمه و ملاحظة التفصيل في الاجمال و ملاحظة الاجمال في التفصيل فشواهد ماذكرنا في الكتاب و السنة و علم الحروف موجودة, تركت ذكرها لضيق المجال و اغتشاش البال.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 63 *»

و اما الامر الثالث: اي كيفية كون المدة بين الجلالين و معناها فاعلم ان كلّ شي‏ء بدا (بدأ خ‌ل) من فعل اللّه‏ سبحانه اقتضي كلّ شي‏ء من جهة ظهور اللانهاية فاذا تعقّب شي‏ء شيئاً و كان بينهما ترتيب لايظهر بل لايوجد الشي‏ء الثاني الاّ بعد تمام الشي‏ء الاول بجميع مراتبه و ان كان لا مراتب هناك بنظر العقل و انما المراتب هناك بتزييل الفؤاد فالمراد بالمدة هي المراتب المتوسطة التي هي بين مبدأ الشي‏ء و منتهاه و هي (هو خ‌ل) شي‏ء واحد تختلف احواله و اطواره بحسب الحدود اللاحقة و العوارض السانحة من جهة اقباله و ادباره اذ لايكمل الشي‏ء و لايكمّل غيره الاّ بعد قطع الاسفار الاربعة التي هي السفر من الخلق الي الحق و السفر في الحق بالحق و السفر من الحق الي الخلق و السفر في الخلق بالحق و كل شي‏ء ذو هوية لابد له من هذه الاسفار الاربعة و ان اختلفت بحسب سرعة سير السالكين و بطئهم و قصر المسافة و طولها و هذه المراتب هي المدد و كل مرتبة مدة لانها حدّ الشي‏ء في استمرار كونه فيها و ليس المراد من المدة هي الزمان السيال الغيرالقارّ علي ماهو المعروف اذ ليس ذلك المقام مقام المضي (الماضی خ‌ل) و الحال و الاستقبال و لا مقام التصرم و الفناء و التجدد و ان كان لايخلو من الفناء و التجدد مخلوق حادث بل كلّ شي‏ء ماسوي اللّه‏ هالك فانٍ مضمحل محتاج فقير كمايرشد اليه قوله تعالي بل هم في لبس من خلق جديد الاّ ان فناء تلك الرتبة العالية و تصرّمها عين البقاء و الاستقلال بالنسبة الي غيرها كماقال اميرالمؤمنين7 في وصف النبي9 استخلصه في القدم علی ساير الامم الي ان قال7 اذ لايختص من يشوبه التغيير و قال ايضاً7 اني لاتقلب في الصور كيف شاء اللّه‏ و لولا ذلك لقيل انه لم‏يزل و لايزول (لايزال خ‌ل) هـ و في وصف اللّه‏ لهم غني عن وصف الواصفين حيث قال في الشجرة المحمدية صلی الله عليها لا شرقية و لا غربية اي لا حادثة كساير الحوادث و لا قديمة يكاد زيتها يضیء ولو لم‏تمسسه نار فاين المدة الزمانية و الانتقالات الدهرية هناك فافهم.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 64 *»

و اما الامر الرابع: اي الوجه في خصوص الثمانين الف فاعلم ان اللّه‏ سبحانه لمّا ابي ان‏يجري الاشياء الاّ باسبابها و كلّ شي‏ء بدا من فعله (قوله خ‌ل) تعالي تحققت له ثلاث جهات جهة الي مبدئه و جهة الي نفسه و جهة متوسطة بينهما و لا شك ان الطفرة لمّابطلت يستمد الاسفل بواسطة الاعلي و الاعلي لمّانظر الي نفسه و نظر الي امداده للاسفل كان تسعة لانه كان واحداً فبالنظر الاول تطوّر في ثلاثة و هي لمّانظرت الي نفسها ظهر اول مجذورها و هو التسعة فكانت هي الافلاك المدبرة (المديرة خ‌ل) فصار مبدأ الاكوان عشرة و هي الافلاك التسعة و الارض و مايتعلق بها و الشي‏ء انما تشيأ بقران هذه الاعالي بالاسافل و اتصال الاسافل بالاعالي بنزول الاعالي بتطوراتها (بتصوراتها خ‌ل) الي اعلي مراقي الاسافل فكان اصل مبدأ وجود الشي‏ء من عشر قبضات كماذكرنا لك تلك القبضات ظهرت في عالم الاجسام بهذه التفاصيل المعروفة من العرش و الكرسي و الافلاك السبعة و الارض الجامعة للعناصر و لاتكمل هذه المبادي الواقعة علي الارض الميتة و البلد الطيّب الاّ بعد تمام اربعة ادوار فالدورة الاولي علي مقتضي نفس السافل من البرودة و اليبوسة و هي المسماة بالدورة الجمادية و قدظهـر في عالم الحس و الاجسام علي ذلك المقتضي من غلبة البرودة و اليبوسة كمايشاهد في الجمادات و الدورة الثانية علي مقتضي ميل السافل الي العالي من البرودة و الرطوبة و هي المسماة بالدورة النباتية كماهو المعلوم في عالم الاجسام و الدورة الثالثة علي مقتضي ميل العالي الي السافل و هي الحرارة و الرطوبة و هي المسماة بالدورة الحيوانية و الدورة الرابعة علي مقتضي نفس العالي اي الحرارة و اليبوسة و هي المسماة بالدورة الانسانية و لو اردنا ان‏نشرح حدود هذه الكلمات لاحتجنا الي بسط في المقال و ليس لنا ذلك المجال و لا ذلك الاقبال.

ولكنّك اعلم ان مرادنا بهذه الطبايع النوع و ان اختلفت الاشخاص بالمجردية و المادية و الزمانية و الدهرية و كذلك السرمدية فافهم و هذا (هذه خ‌ل) تمام الاربعين و لمّاكان لكل شي‏ء غيب و شهادة و في كل مرتبة تمام هذه المراتب فيكون مراتب وجود كلّ شي‏ء

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 65 *»

ثمانين فاهل الزمان انتهاء مراتبهم في ثمانين سنة و اهل الدهر في ثمانية الاف سنة و اهل السرمد في ثمانين الف سنة و هو قوله تعالي و ان يوماً عند ربك كالف سنة مماتعدون و محمد9 في تلك الرتبة في مقام اليوم الربوبي (اليوم العالی خ‌ل) فافهم و اتقن.

و اما الامر الخامس: اي معني التقديم بهذه المدة فاعلم ان الاخبار و الايات و اجماع الفرقة المحقة و ان دلّت علي انهم: نور واحد و طينة واحدة و حقيقة واحدة الاّ ان الاخبار دلّت علي تقديم بعضهم علي بعض و ذلك يعرف من جهة الافضلية و عدمها اذ لا شكّ ان النبي9 افضل من علي7 و هو افضل من ابنيهما (ابنيه خ‌ل) الحسن و الحسين و هما افضل من باقي الائمة و الحجة القائم عجل اللّه‏ فرجه و روحي له الفداء افضل من غيره ما عدا الحسنين8 و قدقال9 تاسعهم قائمهم افضلهم و في رواية اخري اعلمهم و افضلهم و معني هذا التقدم كماقال علي7 انا من محمد كالضوء من الضوء و لا شك ان السراجين من طينة واحدة و حقيقة واحدة الاّ ان الاول مقدم و الثاني اشتعل منه و اليه الاشارة في الحديث المشهور عن النبي9 في كيفية خلقهم الي ان قال9 كنّا نوراً واحداً ننتقل من الاصلاب الي الارحام حتي انتقلنا الي صلب عبدالمطلب فجعل ذلك النور نصفين فقيل لنصف كن محمداً و للنصف الاخر كن علياً الخ (الحديث خ‌ل) و لايصح العكس بان قيل لنصف كن علياً و للنصف الآخر كن محمداً صلّي اللّه‏ عليهما و الهما و كتقدم العرش علي الكرسي مع انهما حقيقة واحدة الاّ (لان خ‌ل) ان العرش اول ماتعلق به الفعل و الكرسي ثانياً بالعرش و هما بابان من العلم مقرونان و هما اخوان و كتقدم النقطة علي الالف فان الالف انبساط النقطة و ظهورها باطوارها و احوالها و كتقدم المشية علي الارادة و الاختراع علي الابتداع و الكاف علي النون و الواحد علي الاثنين و المجمل علي المفصل و العقل علي النفس و القلب علي الصدر و بهذا التقدم ادرك مقاماً من التوحيد

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 66 *»

لايدركه اميرالمؤمنين7 و بذلك وسع الحق سبحانه كماقال في الحديث القدسي ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن و هو9العبد المؤمن الذي وسع قلبه جميع مظاهر الحق و بذلك كان قائماً مقام اللّه‏ كمافي الحديث المتقدم و كون حقيقتهم واحدة لاينافي تقديم بعضهم علي بعض مثل السموات و الارض حقيقتهما واحدة لانهما انشعبا من البحر المنشعب من الياقوتة الحمراء لمّانظر اليه اللّه‏ سبحانه بعين الهيبة و مثل القلب و الصدر و الدماغ فانها حقيقة واحدة و ان كان بينهما تقدم و تأخر فخلق القلب مقدم علي غيره و اذا رأيت في الاخبار في الاشياء المتعددة انها من حقيقة واحدة يراد منها انها ليست بينها علية و معلولية مثل الشعاع و المنير و الاثر و المؤثر بل المراد انها من سنخ واحد و الجميع معلول لعلة اخري فيجمع الجميع حقيقة واحدة و ان كان بينهما (بينها خ‌ل) تقدّم و تأخر و ذلك واضح ظاهر.

و محصل الكلام ان لهم: مقامان (مقامين خ‌ل) احدهما مقام نسبتهم الي ماسويهم من المخلوقين و كلّهم في هذه النسبة سواء و عليه يحمل الاخبار الدالّة علي ان امرنا واحد و حكمنا واحد و علمنا واحد و نورنا واحد كماقال7 اوّلنا محمد و اخرنا محمد و اوسطنا محمد (و خ‌ل) كلّنا محمد و ثانيهما مقام نسبتهم الي ربهم في الاجابة و تقدّمها و تأخرها و ذلك مختلف فمن تقدم في الاجابة و التلبية كان افضل و كان هو المقدم و كان علمه باللّه‏ اعظم و اشدّ و من تأخر كان اقلّ لنسبة تأخره ففي معرفة اللّه‏ مختلفون و في معرفة الخلق كلّهم متساوون لانفرق بين احد منهم و نحن له مسلمون لقددلّت الاخبار و صحيح‏الاعتبار علي انهم سلام اللّه‏ عليهم كلمة التوحيد و كلمة اللّه‏ العليا و قدذكرنا ان الكلمة (الکلام خ‌ل) انما تتم في اربع مراتب الاولي مقام النقطة و هي مقام الحقيقة المحمدية صلی الله عليها و الثانية مقام الالف المنبسطة من النقطة و هي مقام مولينا اميرالمؤمنين

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 67 *»

7 و الثالثة مقام الحروف العاليات و هي مقام الائمة الاحدعشر: و الرابعة مقام الكلمة التامة الجامعة الحاوية للمراتب كلّها و هي اللبّ و الكلمة قشرها و هي مقام فاطمة الصديقة3 و لذا قال عزّوجلّ حم و الكتاب المبين انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين فيها يفرق كلّ امر حكيم فـ حم هو محمد9 في كتاب هود و الكتاب المبين هو علي اميرالمؤمنين7 و هو انبساط المجمل و انتشار الوحدة و ظهور المفصل (الفصل خ‏ل) انا انزلناه اي علياً7 في ليلة مباركة و هي فاطمة الزهراء3 و انزاله فيها عبارة عن تزويجه اياها فيها يفرق كل امر حكيم اي يمتاز كلّ امام حكيم بعد امام حكيم كماروي عن الصادق7 علي مافي الكافي.

و اما الامر السادس: اي معني التعاكس علي خلاف مقتضي الكينونة فاعلم ان الولاية للّه‏ كماقال تعالي هنالك الولاية للّه‏ الحق و لمّاكان ذات اللّه‏ سبحانه لاتباشر الاشياء لتكرّمها و قدّوسيتها فيكون التعلقات انما هي بالظهورات الفعلية و كلّ من هو اقرب اليه سبحانه بكمال التوجه الكوني و الشرعي فهو اولي بهذه الولاية و كلّ من اشتد مقامه في القرب من التكويني و التشريعي يكون سرّ ظهور القدس و الجلال و التنزه و الوحدة و البساطة فيه اكثر و اشدّ و ذلك بعينه يستلزم تعاليه و تقدسه عن التعلق بالحوادث الكونية و المتأخر عن هذه الرتبة لمّاظهر فيه سرّ الكينونة من (مع خ‌ل) تراكم اطوار التنزل النوري اي الانية النورانية التي هي حجاب الزبرجد في حديث المعراج استقرت فيه تلك الظهورات و تحقّقت به تلك النسمات انظر الي النار فان لها القيومية و التأثير بالنسبة الي اثارها فاذا تعلقت بالهواء لم‏يكن لها ظهور ابداً لكمال اتصال الهواء و تنزهها عن الكدورات فلم‏يستقرّ له الظهور لانه فرع الانية و هو قدشابهها فلا فرق بينه و بينها كماقال الشاعر:

رقّ الزجاج و رقّت الخمر   فتشاكلا و تشابه الامر
فكأنما خمر و لا قدح   و كأنما قدح و لا خمر

 

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 68 *»

و لمّاتعلقت هذه النار بالدهن الزيتوني من (علي خ‏ل) الشجرة المباركة التي ليست شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم‏تمسسه نار مع كونها في الزجاجة التي كأنها الكوكب الدرّي (کوکب دری خ‌ل) و كون الزجاجة في المشكاة يظهر من تعلقها بالدهن الموصوف ضياء عظيم و اشعة قويّة و شعلة مرئية و اثار عجيبة و ذلك لصفاء قابلية الدهن و كثافتها بالنسبة الي الهواء و حفظها اثر النار و لا شك ان النار من دون توسط الهواء لاتتعلق بالدهن و لذا تري السراج ينطفي اذا انحبس (تحبس خ‌ل) الهواء عنه فالنار مثال ولاية اللّه‏ سبحانه و الهواء مثال الحقيقة المحمدية9 و الدهن الصافي علي ماوصفه اللّه‏ سبحانه في كتابه مثال الحقيقة العلوية و لمّاكانت الولاية الظاهرة في الحقيقة العلوية ظهرت اثارها فتلألأت انوارها كان اميرالمؤمنين7 بذلك حامل اللواء فجلال القدرة التي هي الولاية الحقيقية للنبي9 لكنها قدظهرت في اميرالمؤمنين7 كماظهرت الكواكب المدبرات و البروج و المنازل و ساير المبادي في الكرسي دون العرش مع انه اعظم و اقوي فالكرسي حقيقة (حينئذ خ‏ل) طائف حول جلال القدرة في عالم الظهور لان الفيوضات الواردة في العالم المنتشرة في اقطار الارض كلّها من الكرسي و ان كان الكرسي لايستمد الاّ من العرش فمحمد و علي صلّي اللّه‏ عليهما نسبتهما في عالم الباطن نسبة العرش و الكرسي فالعرش كان طائفاً حول جلال القدرة قبل خلق الكرسي اي حاملاً لولاية اللّه‏ فلمّا خلق اللّه‏ الكرسي ظهرت له انية النورانية بظهور النفس القدسية المطمئنة فكانت سبباً لتفاصيل ظهور الولاية الاجمالية التي كانت للعرش فالولاية ظهرت في الكرسي و ثبتت للكرسي و بقي العرش علي محض الوساطة و الترجمة المعبر عنهما بالنبوة فافهم فالعرش صمت اي لم‏يسمع كلامه احد و الاّ فهو الناطق لا سويه بخلاف الكرسي فانه قدنطـق و قدسمع كلامه كلّ احد و لذا تري الناس قدغلوا في علي7 بين قائل بانه هو اللّه‏ و بين قائل بانه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 69 *»

فوض اليه امر اللّه‏ علي معني الاعتزال و بين قائل بانه اشرف من رسول‏اللّه9 و ماغلوا في محمد9 اذ لم‏يظهر منه9 ماظهر من علي7 من المعجزات و خوارق العادات و اظهار تلك الخطب التي تدهش عندها العقول مثل خطبة الافتخار و خطبة البيان و الخطبة الطتنجية (خطبة الطتنجية خ‌ل) و امثالها مع ان ماظهر من اميرالمؤمنين7 انما كان من محمد9 لانه حسنة من حسناته و لولا ان اميرالمؤمنين7 قال انا عبد من عبيد محمد و لولا انه اظهر له الخضوع و الانكسار و التذلّل و لولا ماقال اميرالمؤمنين7 انا من محمد كالضوء من الضوء لم‏يعرف الخلق محمداً9 كما ان الكرسي فلك الثوابت و افلاك الكواكب السيارة لو لم‏تتحرك بخلاف التوالي و لم‏تتبع العرش في حركاته و لم‏تظهر له الانكسار و الخضوع بمتابعتها اياه علي خلاف مجريها و اظهار عجزها عن الانفراد عنه لم‏يعرف احد ان الفلك الاعظم هو العرش و ان هنا فلكاً محيطاً بهذه الافلاك الثمانية يدبرها و يسخرها فظهر في جلال القدرة اميرالمؤمنين7 و حمل ولاية اللّه‏ الظاهرة في الخلق بمحمد9 فسمي عليّاً لانه اسم تلك المرتبة و لذا كان ذكر السجدة التي تحكي تلك الرتبة الظاهرة بذهاب الانية مطلقاً سبحان ربي الاعلي و بحمده فباطنهما صلّي اللّه‏ عليهما كمامثّلنا لك مثل العرش و الكرسي و ظاهرهما في عالم الظهور مثل الشمس و القمر فالشمس تستمد من الكرسي و لذا تريها لا عرض لها لان فلكها الخارج المركز في سطح منطقة البروج و لم‏يفارقها ابداً و القمر يستمد من الشمس فالنبوة الظاهرة تستمد من الولاية الباطنة التي هي الظاهرة في الخلق كما ان الولاية الباطنة التي هي الظاهرة تستمد من النبوة الباطنة كماتستمد الحرارة التي في السراج من التي في الهواء ولكن النبي9ظهر بالنبوة الظاهرة و اميرالمؤمنين7 بالولاية الباطنة فاميرالمؤمنين7 في مقام

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 70 *»

الظهور جري عليه حكم البطون و محمد9 جري عليه حكم الظهور و هو ابطن (بطن خ‌ل) البطون و غيب الغيوب و في هذا المقام كلمات غريبة و اسرار عجيبة لم‏تذكر في كتاب و لم‏تجر ذكرها في خطاب و لقدذكرت شرذمة ممايمكن (ممالم‏يمكن خ‏ل) اظهاره في هذا الباب في شرح الخطبة الطتنجية لمولينا اميرالمؤمنين7 فمن اراد الاستبصار فعليه بتهذيب تلك القواعد فانها منتهي المطلب و تذكرة و ارشاد لاهل التنقيح (النضج خ‏ل) و الاسترشاد.

و اما الامر السابع: اي ثبوت هذا التفاوت بالنسبة الي غير محمّد و علي صلّي اللّه‏ عليهما من ساير الائمة: فاعلم ان هذا التفاوت ثابت في كلّ من تثبت (ثبت خ‌ل) له الفضيلة منهم: بالنسبة الي غيره و هم سبعة اوّلهم محمد9 لانه سيد الخلق ثم اميرالمؤمنين7 لانه خير الخلق بعد رسول‏اللّه9‏ لقوله9 الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنة فاثبت لهما الفضيلة علي كلّ الخلق لان اهل الجنة خير من اهل النار و كلّ ما في الجنة شباب اذ ليس فيها كهل فسيدهم خيرهم ثم استثني علياً7 فقال و ابوهما خير منهما ثم الحسن7 كمافي الدعاء المنسوب الي اميرالمؤمنين7 المسمي بالعديلة الي ان قال7 ثم من بعده سيد اولاده الحسن بن علي ثم اخوه السبط التابع لمرضات اللّه‏ الدعاء ثم الحسين7 لانه سيد شباب اهل الجنة ثم القائم المنتظر عجّل اللّه‏ فرجه لقوله9قائمهم افضلهم اعلمهم ثم من بعدهم (بعده خ‏ل) الائمة الثمانية صلّي اللّه‏ عليهم اذ لم‏يتبين لنا من الاخبار مايدلّ علي افضلية بعضهم علي بعض و ليس لنا ذلك المقام حتي ندرك التفاضل بينهم بعقولنا و احلامنا فنرجع الي تساويهم في الرتبة و الاّ لبيّنوا لنا كمابيّنوا تفاوت من ذكرنا تفاوتهم و لولا بيانهم ماعرفنا و لاقدرنا علي التعبير ثم بعدهم الزهراء الصديقة صلي اللّه‏ عليها و علي ابيها و بعلها و بنيها لان الرجال في كلّ مرتبة اشرف من النساء لقوله تعالي الرجال قوّامون علي النساء بمافضل اللّه‏ بعضهم علي بعض و بماانفقوا من اموالهم فوجب ان‏يكون هذا التفاوت حاصلاً بينهم

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 71 *»

لان كلّ سافل عن عاليه منهم: كما علي عن محمد9 الاّ ان الذي اعرف من تلويحات الاخبار ان مقدار التفاوت ليس كمقدار ما بين محمّد9 و علي8 بل الظاهر و اللّه‏ اعلم ان مقدار التفاوت ستون الف سنة كمايشعر عليه دخول السين الذي هو تكرار اللام في الحسن و الحسين8

و اياك و اسم العامرية انني   اخاف عليها من فم المتكلم

و اما هؤلاء المعصومون من اولاد اميرالمؤمنين: فكلّهم طائفون حول جلال القدرة كجدّهم و سيّدهم اميرالمؤمنين7 لانهم حكوا طويّته و ظهروا علي شاكلته فالتفاوت بين كلّ سافل منهم مع عاليه كماذكرنا ولكن الطواف لاينعكس الاّ ان جلال القدرة التي هي عبارة عن الولاية التي هم يطوفون عليها يعني حاملون لها و مظهرون آثارها (و خ‌ل) هي ظاهرة في غيبهم و سرّهم الاّ ان كلّ مرتبة من هذه المراتب يطوف حول جلال القدرة الظاهرة في مقامه اي حول فلك ولايته المطلقة الخاصة به و المثال التقريبي هم الملائكة الذين علي ارجاء سماء الدنيا و يطوفون حولها و الملائكة الذين يطوفون حول السماء الثانية و الذين يطوفون حول السماء الثالثة و الملائكة الذين يطوفون حول العرش و الكلّ في مقامهم طائفون و لباب اللّه‏ طارقون و بنور العناية مستنيرون و من المدد (بالمدد خ‏ل) الظاهر في مقامهم مستمدّون و يمدون ماتحتهم علي حسب القوابل من احكام الاقبال و الادبار و هو قوله تعالي كلاًّ نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظوراً.

فافهم السر الحق و الكبريت الاحمر فقداودعت لك في اصداف هذه الكلمات و الالفاظ و العبارات درراً من عجائب المعاني و الاسرار فان عثرت عليها فاعرف قدرها و اخزنها في محلها و ادفنها في ارض القلوب الطيّبة و الصدور المستنيرة و لولا ماقال مولينا الصادق7 ما كلّ مايعلم يقال و لا كلّ مايقال حان وقته و لا كلّ ماحان وقته حضر اهله لاظهرت من المطالب اغربها و من المراتب اعجبها و من المعاني ارفعها و اسناها و من العلوم اشرفها و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 72 *»

ابهاها ولكنه ما الحيلة فان الناس قدقنعوا بالادني و ركنوا الي هذه الدنيا و احتجبوا (فاحتجبوا خ‌ل) عن مشاهدة الانوار و جعلت قلوبهم في اكنّة عن مشاهدة الاسرار فماعسي ان‏يقول قائل فوجب السكوت و الصمت كماوصف اميرالمؤمنين7 العلماء الطاهرين (الظاهرين خ‌ل) بذلك كماروي في الكافي عنه7 الي ان قال المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين ينهجون منهجهم هجم بهم العلم علي حقيقة الايمان فباشروا روح اليقين فاستلانوا من احاديثهم مااستوعر علي غيرهم و انسوا بمااستوحش منه المكذبون و اباه المسرفون اولئك اتباع العلماء حقّاً فعلماؤهم و اتباعهم خرس صمت في دولة الباطل الحديث و انا اقول كماقال الشاعر:

و ان كنت ذا فهم تشاهد ماقلنا   و ان لم‏يكن فهم فتأخذه عنّا
و ما ثمّ الاّ ماذكرناه فاعتمد عليــ   ــه و كن في الحال فيه كماكنّا(کما قلناخ‌ل)

قال سلمه اللّه‏ تعالي: و منّوا علیّ ثالثاً بايضاح هذه الفقرة الشريفة من الدعاء المشهور بدعاء الصباح يا من دلّ علي ذاته بذاته مع مجهولية الذات ان كانت للغير و ان كانت الذات الظاهرة فبينوا معني الذات الظاهرة و سرّ (شرح خ‌ل) المطلب و منّوا علي بالتفصيل التام.

اقــول: قد دلّ العقل القاطع و الفهم الصائب بعد انعقاد الضرورة من جميع المسلمين بل و المليين ان ذات اللّه‏ سبحانه و تعالي لاتدرك و لاتعقل و لاتحـس و لاتنال بالعقول و الافهام و لاتدركه المشاعر و الاحلام انقطعت جميع الموجودات عن البلوغ اليها و انحسرت ابصار كلّ المخلوقات دون الدنوّ اليها كيف لا و قدانقطع الادراك عن بعض صفات ملكه و الاحساس عن بعض نعوت خلقه لقدقال سيدالساجدين7 في الصحيفة في الدعاء بعد صلوة الليل

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 73 *»

و استعلي ملكك علوّاً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لم‏يبلغ ادني مااستأثرت به من ذلك اقصي نعت الناعتين ضلّت فيك الصفات و تفسخت دونك النعوت و حارت في كبريائك لطائف الاوهام فاذا كان هذه صفة ملكه الحادث الذي في جنب محدثه القديم مضمحل باطل لا ذكر له فيه و لا حقيقة له عنده فما ظنّك بالذات البحت و ذات ساذج و المجهول النعت و المجهول المطلق قال اميرالمؤمنين7 في الخطبة المعروفة باليتيمية الي ان قال7 ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له و ان قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و عمي القلب عن الفهم و الفهم عن الادراك و الادراك عن الاستنباط و هجم له الفحص علي العجز و البلاغ علي الفقد (القصد خ‌ل) (و البلوغ عن الفقد خ‌ل) و الجهد علي اليأس الطريق مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته و قال مولينا الصادق7 كلّ ماميزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و يكفيك في هذا المقام قول سيدالانام الذي هو اعرف الخلق باللّه‏ ماعرفناك حق معرفتك ففي الدعاء اللّهم فتّ ابصار الخلايق و فهم خيرتك من خلقك و قال سيدالساجدين و لم‏تجعل للخلق طريقاً الي معرفتك الاّ بالعجز عن معرفتك و بالجملة هذا شي‏ء معلوم غني عن تجشّم الاستدلال (التجشّم و الاستدلال خ‏ل) فلاتصـغ اذن الي قول بعض الجهال ان معرفة الذات سبحانه و تعالي حظّ الانبياء و المرسلين و العرفاء الكاملين الاّ ان‏يأول بتأويل و الاّ فعلي ظاهره فاسد باطل و مجتث زائل فاذا وجدت رواية او اية تدل علي خلاف ماقضته (اقتضته خ‌ل) الضرورة و شهدت به الملة و اجتمع عليه العقلاء فلاتحملها علي ظاهرها المعروف عند عوام اهل اللغة و العرف العام فاعمد الي بيانها و توجيهها علي مايوافق المذهب و الدين و نطقت به شريعة سيدالمرسلين و يطابق وجهاً او وجوهاً من السبعين التي ارادوها: من كلامهم ان قدرت و الاّ فارجعها الي اهلها و ذرها في سنبلها و لاتقل ما لاتعلم و لاتعتقد ما لايجوز لك اعتقاده و لاتنكر ما لايبلغ

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 74 *»

اليه فهمك و كن كماادّبك اللّه‏ سبحانه بقوله الحق و لاتمش في الارض مرحاً انك لن‏تخرق الارض و لن‏تبلغ الجبال طولاً كلّ ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً يعني لاتسع و لاتسر في ارض العلوم و المعارف متبختراً مستقلاً ظانّاً بان العلم هو الذي ادركته فانك لن‏تخرق ارض العلوم و لن‏تبلغ قعره و منتهاه و لن‏تبلغ الجبال اي ال‏محمد سلام اللّه‏ عليهم لانهم اوتاد الارض طولاً اي ارتفاعاً و مكانة فخذ منهم و لاتكن مثل من عيّرهم اللّه‏ بقوله و اذ لم‏يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم, بل كذبوا بمالم‏يحيطوا بعلمه و لمّايأتهم تأويله.

و من جملة تلك الروايات التي لايجوز ان‏تحمل علي ظاهرها المعروف عند عامة الناس هذه الفقرة الشريفة من الدعاء الشريف و هو قوله7 يا من دلّ علي ذاته بذاته و قوله7 في دعاء السحر بك عرفتك و انت دللتني عليك و دعوتني اليك و امثال هذه الفقرات في الادعية و الروايات كثيرة جدّاً و بيان ذلك علي المعني المتعارف ان اللّه‏ سبحانه لمّاخلق الخلق لمعرفته كماقال في الحديث القدسي كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف و حيث عرفت ان معرفة الذات سبحانه مما لايمكن ان‏يحصل (تحصل خ‌ل) و يستحيل الوصول اليها لان شرط الادراك احاطة المدرك المدرك (بالمدرک خ‌ل) او كون المدرك عين المدرك و كلا الامرين في الواجب و الامكان محال لان الواجب لاينزل الي الامكان حتي يعرفه الممكن و الممكن لايصعد الي الوجوب حتي يدرك الواجب و اما ادراك الواجب للممكن (الممکن خ‌ل) بالاحاطة و القيومية فلايمكن ذلك بالنسبة الي الممكن مع الواجب فانقطع طريق الممكن و سبيله عن معرفة الواجب.

و قدعرفت انه سبحانه انما خلق الخلق للمعرفة فوجب ان‏يعرفهم بنفسه و يدلّهم علي نفسه و الاّ لبطلت غاية الايجاد و هو علي الحكيم محال فوجب علي اللّه‏ سبحانه و تعالي ان‏يعرف نفسه و ذاته لخلقه ليتمّ غاية ايجاده و هذا التعريف لايكون الاّ

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 75 *»

بالفعل و الوصف لا الذات و الحقيقة و هو قوله7 يا من دلّ علي ذاته بذاته يعني توصيفه (بوصفه خ‌ل) و تعريفه فان الذات لها اطلاقان اطلاق يراد بها مايقابل الوصف و الفعل كمايقال ان الشي‏ء له ذات و صفة و له ذات و فعل و كما قسم التوحيد الي توحيد الذات و الصفات و الافعال و العبادة فالذات في هذه الاطلاقات يراد بها حقيقة الشي‏ء من حيث هي هي مجردة عن ملاحظة الصفة و الفعل و جميع ماينسب اليها و لها اطلاق اخر تطلق و يراد بها مايقابل الغير فيدخل فيها (و تدخل خ‏ل) الفعل و الصفة و جميع ماينسب الي الشي‏ء (تشمله الذات خ‏ل) كمايقال اتيته بنفسي و كلّمته بنفسي و قلت له بنفسي و بذاتي و لا ريب ان هذه الاشياء انما هو بفعله و اثره و احداثه لا بعين ذاته الحقيقية البسيطة فالمراد بالذات في هذه الفقرة الشريفة الاطلاق الثاني فدلّ علي ذاته علي حسب مايمكن ان‏يصل اليه المخلوق من الظهور باثار فعله بذاته يعني بنفسه لا بغيره فان الغير مايعرفه علي ماينبغي علي ماهو عليه من الظهور في الخلق و مثل هذه الاطلاقات في الروايات كثيرة مثل قول علي بن الحسين سيدالساجدين عليه و علي ابائه و ابنائه السلام لمّاصعـد علي المنبر في الشام بمحضر يزيد بن معوية عليه اللعنة و الهاوية و قال ايها الناس من عرفني فقدعرفني و من لم‏يعرفني فاني اعرفه بنفسي انا علي بن الحسين بن علي بن ابي‏طالب الخطبة و مثل قول مولينا الجواد لمّاصعـد به علي المنبر في مسجد النبي9 و هو ابن ستة اشهر مقمطاً بالقماط فقال ايها الناس من عرفني فقدعرفني و من لم‏يعرفني فاني اعرفه بنفسي الي اخر الخطبة و امثالها كثيرة في الاخبار يجده من جاس خلال تلك الديار و هذا التعريف لايكون الاّ بالفعل و هذه الدلالة لاتكون الاّ بالوصف فنسب الي ذاته لان هذه الدلالة و التعريف منسوب اليه لا الی غيره و لذا قال دلّ علي ذاته بذاته يعني هذه المعرفة التي عندنا له سبحانه و تعالي انما هي به سبحانه و منه لا بغيره اذ لا احد يعرفه و لا احد يصفه كوصفه و تعريفه (كتعريفه خ‏ل) و لايلزم من ذلك ان‏يكون الدالّ و المدلول‏عليه

 

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 76 *»

هو الذات البحت التي (الذی خ‌ل) لايجوز تعلق الادراك به من كلّ احد من الموجودات بل المراد بالذات في مقابل الغير يعني هو سبحانه و تعالي عرّفني كماتقول هو خلقني فاذا قلت لك اني عرّفت فلاناً نفسي و لم‏يكن يعرفني فمرادي اني عرّفته رسمي و اسمي و نسبي المعلومة (المعلوم خ‏ل) برسمي و اسمي و وصفي لا حقيقة ذاتي فان منتهي تعريفي لنفسي اياه ان‏اقول له انا فلان بن فلان و هذا كلامي و اثري احدثته لا من شي‏ء و صغته (وصفته خ‏ل) علي هيئة توصيفي فالقيته علي الذي لايعرفني فقدعرّفته نفسي بماالقيت عليه من صفة فعلي الظاهر بكلامي فماعرف مني الاّ ذلك الشي‏ء الملقي اليه لا غير فاذا قلت انا فلان بن فلان ماعرف مني الاّ هذا الوجه و اذا سألته عني هل هو عالم او جاهل هل هو كاتب او شاعر هل هو صائغ او نجار و غيرها من ساير الصفات لايعرف شيئاً منها الاّ قدر ماالقيته اليه لاغير فلو عرف ذاتي و حقيقتي ماخفي عليه شي‏ء من تلك الصفات لان العارف بحقيقة الذات عارف بجميع مراتب الصفات فاذا سألته بعد ذلك فقلت له من عرّفك بهذا قال عرّفني فلان نفسه و لايريد من هذا الاطلاق الاّ الذي ذكرت لك من معرفة رسمه و اسمه لاغير و كذلك الحقّ سبحانه لمّاعجـز الخلق عن معرفته عرّفهم بنفسه و قدوصف لهم بعض ظهورات فعله لاغير و لذا قال في الدعاء بك عرفتك و انت دللتني عليك و دعوتني اليك و هذا شي‏ء معلوم يشهد به الوجدان و العيان.

و اما كيفية التعريف و الدلالة فاعلم انه سبحانه حيث وجب ان‏يعرّف نفسه لخلقه وجب ان‏يكون ذلك التعريف اجلي مايكون حتي لايسع لاحد جهله و لان المنسوب‏اليه سبحانه (تعالی خ‌ل) لابد ان‏يكون اعلي و اشرف و اكمل ممايمكن ان‏يكون و لذا وجب ان‏يكون تعريفه اجلي التعاريف و بيانه اجلي البيانات و دلالته اوضح الدلالات و لمّاتأملنا في البيان وجدناه علي قسمين حالي و مقالي و لا ريب ان التعريف الحالي اجلي من التعريف المقالي فوجب ان‏يعرف نفسه لهم بالتعريف الحالي و معني التعريف الحالي ان‏يخلق لهم صفة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 77 *»

معرفته حتي يعرفوه سبحانه بها علي اكمل مايكون من المعرفة و لمّاكان الوصف و التعريف و البيان كلّما قرب الي من وصف له و بيّن له اكمل و اعلي و ادحض للحجة و اكمل للنعمة وجب ان‏يجعل ذلك البيان الحالي و الوصف الشهودي قريباً الي المخلوقين الذين وصف نفسه لهم و دلّهم عليه.

و لمّاكان ليس شي‏ء اقرب الي الشي‏ء من نفسه و فعله سبحانه وجب ان‏يكون علي اكمل مايكون وجب ان‏يجعل حقايق الموجودات و ذوات الممكنات وصفاً حالياً له سبحانه و تعالي فخلق و له الحمد و الشكر ذوات الموجودات و حقايق الكائنات علي هيكل معرفته و صفة توحيده بحيث من عرف نفسه فقدعرف ربه و تلك الصفة المودعة في حقايق الكائنات و حقايق الحوادث هو المسمي مرّة بالاية و هو قوله تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و مرّة بالنفس من قوله7 من عرف نفسه فقدعرف ربّه و مرّة بالمثال في قوله7 فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و مرّة بالتجلي في قول اميرالمؤمنين7 بل تجلّي لها بها و بها امتنع منها (عنها خ‌ل) و مرّة بالمقامات و العلامات في قوله7 في الدعاء و مقاماتك و علاماتك التي لا تعطيل لها في كلّ مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك و مرّة بالاسم و هو قوله7في الدعاء و باسمائك التي ملأت اركان كلّ شي‏ء و مرّة بالربوبية و هو قوله7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فمافقـد في العبودية وجـد في الربوبية و ماخفـي في الربوبية اصيب في العبودية و مرّة بالجلال في قول اميرالمؤمنين7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة و مرّة بالمعلوم في قوله7 محو الموهوم و صحو المعلوم و مرّة بالسرّ في قوله7 هتك الستر لغلبة السرّ و مرّة بالاحدية كمافي قوله7 جذب الاحدية لصفة التوحيد و مرّة بالنور المشرق من صبح‏الازل في قوله7 نور اشرق من صبح‏الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره و مرّة بالصبح الطالع في قوله7 اطفئ

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 78 *»

السراج فقدطلـع الصبح و مرّة بنور اللّه‏ في قوله7 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه‏ و مرّة بالوجه في قوله تعالي فاينما تولّوا فثم وجه اللّه‏ و قوله تعالي كلّ شي‏ء هالك الاّ وجهه علي احد التفاسير و كلّ ذلك تعبيرات عن ذلك الوصف الالهي و الخطاب الشفاهي و النقش الفهواني (الفحوانی خ‌ل) و الذات الظاهرة و تلك الصفة هي فطرة اللّه‏ التي فطر الناس عليها.

و تلك الصفة التي هي صفة الاستدلال علي قسمين: صفة تدلّ علي كماله و صفة تدلّ علي توحيده و خلق (فخلق خ‏ل) سبحانه الاشياء علي ثلث مقامات: مقام نقص و مقام كمال و مقام وحدة ففي المقام الاوّل ينزّه المعبود الحقّ سبحانه عنه لان الذي خلقه لايجوز ان‏يكون ناقصاً (و خ‌ل) نقصاً يعرفه السافل و في المقام الثاني يصفه سبحانه بالكمال لا علي الوجه الذي عنده مثلاً خلق اللّه‏ سبحانه في الخلق الحدود و القيود و التركيب لينزّه مبدأه سبحانه عنها و خلق سبحانه فيه العلم و القدرة و الحيوة و السمع و البصر و المعرفة ليصف مبدأه سبحانه بالصفات الكمالية لا علي الوجه الذي في الامكان و الحدوث فيثبت له العلم و القدرة و السمع و البصر علي وجه الوحدة و البساطة بدون تعدد و اختلاف لا في الذات و لا في الصفات و لا في المفهوم و لا في المصداق و لا في الذهن و لا في الخارج و في المقام الثالث يصف معبوده و مبدأه بالوحدة و التوحيد و ذلك مقام وجدان نفسه بلا كيف و لا اشارة.

و بيانه انه قدعلم بالضرورة من العلم ان المنسوب غير المنسوب‏اليه فاذن كلّ شي‏ء تنسبه اليك وجب ان‏يكون غيرك مثلاً تقول زماني و مكاني و جهتي و كيفي و كمّي و عرضي و جوهري و عقلي و روحي و جسمي و مادتي و طبيعتي و ساير ماتنسب اليك فتكون انت شيئاً ليس بجوهر و لا عرض و لا ذات و لا صفة و لا جسم و لا طبيعة و لا مادة و لا مثال و لا عرش و لا كرسي و لا فلك و لا عنصر و لا كرة و لا دائرة و لا استقامة و لا اعوجاج و لا عقل و لا نفس و لا روح و لا قلب و لا فؤاد و لا ذكر و لا ذاكر و لا مذكور و لا حد و لا محدود و لا النهاية و لا اللانهاية و لا النور و لا الظلمة و لا المناسبة و لا

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 79 *»

المباينة و لا المخالفة و لا المعاكسة و لا المضادة و كلّ ماتدركه مشاعرك و قواك مماتنسبه اليك فذلك الواحد بلاكيف و هو دليل الواحد الاحد الحقّ سبحانه قدخلق هذه الحقيقة في الخلق لتستدلّ (لنستدل خ‌ل) بها علي توحيده فلولا خلقه سبحانه اياها لماعرفنا توحيده علي حسب ماعندنا من المقام فدلّ علي ذاته بذاته فبه سبحانه عرفناه و لولاه ماعرفناه.

و معني انه تعالي دلّ علي ذاته بذاته انه سبحانه خلق فينا صفة نستدلّ (تستدل خ‌ل) بها عليه تعالي و هي صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له.

و بيان آخر لوجود هذه الصفة فينا هو ان اللّه‏ سبحانه لم‏يكلّفنا بمعرفة ذاته التي هي في مقابلة الصفات الفعلية و الافعال الخلقية و ذلك لعدم مشعر فينا يدركها ولكنه سبحانه كلّفنا بمعرفته علي انه سبحانه لا كيف له و لا كم و لا اشارة و لا جهة و لا رتبة و غيرها من صفات الامكان و احوال الاكوان و الاعيان مماذكر بعضها و مالم‏يذكر و انه سبحانه قدسبق القبل و قبل القبل و البعد و بعد البعد و النهاية فلو لم‏يكن فينا مشعر بهذه الصفة لايمكن ان‏ندرك هذه الوجوه و كان التكليف بمعرفتها محالاً او (و خ‌ل) كان التكليف بمعرفة الذات سبحانه واجباً و اللازمان بديهي‏البطلان و نحن قدبرهنّا في كثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل ان بين المدرك و المدرك يجب ان‏تكون مناسبة بل لايقع الادراك الاّ في مقام المدرك و هو قول مولينا اميرالمؤمنين7انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فاذا وجب ان‏نعرف اللّه‏ سبحانه منزهاً عن صفات الامكان و مبرأ عن حدود الكون و المكان و مقدساً عن اطوار الاعيان و الاكوان فوجب ان‏يخلق فينا مشعراً (مدرکا خ‌ل) يدرك ذلك و لايدرك تلك الجهات الاّ ماكان منزّهاً عنها و ذلك المشعر هو الاسم المخلوق الذي ذكره مولينا الصادق7 كماتقدّم ذكره انه بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ بري‏ء عن الامكنة و الحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كل متوهم مستتر غير

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 80 *»

مستور و هذا هو المخلوق و هذا هو الاسم و صفة الاستدلال و هذا هو المثال قدخلقه سبحانه و جعله فينا لنستدلّ به علي احديّته و واحديّته و اسمائه و صفاته و ساير اضافات احواله و هو صفة الاستدلال لا صفة كاشفة و هو القول الفصل و هو كلمة التوحيد التكوينية و هو البسملة الحقيقية الاولية الالهية فمن عرف نفسه بهذا الرسم شاهد الاسم فينبئه عن المسمّي.

قال اميرالمؤمنين7الاسم ماانبأ عن المسمي و هذا الانباء لايكون الاّ بظهور هذا الاسم و ظهور هذا الاسم لايكون الاّ بعد قطع النظر عمايدركه الحواس الخمس الظاهرة و عمايدركه بنطاسيا الحس المشترك المدرك للصور البرزخية و عمايدركه القوة الفكرية و القوة الخيالية و القوة الوهمية و القوة العلمية و القوة العاقلة بالعقل المنخفض و القوة العاقلة بالعقل المستوي و القوة العاقلة بالعقل المرتفع فاذا قطع النظر عن هذه المدارك و المشاعر و مدركاتها و مايدرك بها ظهر له سرّ ذلك الاسم الاعظم و النور الاقدم و هي السراج التي يمشي بها في ظلمات البدن و في ظلمات عالم الحدود (و خ‌ل) يجب ان‏يطفيها (يطفئها خ‌ل) حتي يطلع الفجر الطالع و الصبح الصادق الذي هو اثر شمس‏الازل فهنالك يتجلّي له الجبار بقدر سمّ الابرة من نور عظمته فيسبح في لجة بحر الاحدية و طمطام يم الوحدانية و تظهر المحبة ثم تفقد عند ظهور ذلك الاسم فيتصل بالرسم و هذا هو الصفة و بها تكون الدلالة و علي هذا النحو دلّ ذاته سبحانه علي ذاته.

فاذا عرفت هذا القدر من الكلام فاعلم ان التعريف الحالي و ان كان اجلي و التوصيف به و ان كان اظهر و اكشف و اعلي الاّ ان قران الوصف الحالي بالوصف المقالي و قران التعريف التكويني بالتعريف اللفظي و النقشي التدويني اكمل و اولي و لمّاكان فعله سبحانه لابد ان‏يجري علي اكمل الوجوه و اشرف الاحوال في كلّ مقام فوجب قران الدلالة التكوينية الحالية بالدلالة اللفظية و النقشية التدوينية ففعل و له الحمد و الشكر و قرن الدلالتين و قارن بين الوصفين و جمع بين العالمين و بعث الانبياء و الرسل

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 81 *»

و جعل معهم الكتاب المنزل فاودع في الكتاب الوصف الذي جعله و اسرّه في الذوات حرفاً بحرف و كلّ واحد منهما طبق الاخر (للآخر خ‌ل) و جعل عند النبي9 جميع مافي الكتاب و جعل في الكتاب جميع مايريد من الخلق من القشور و اللباب و جعل في الانسان و كلّ ذرة من الاكوان جميع مااودعه في الرسل و الكتب و الانبياء و كانت العوالم و الحقايق و الاكوان شارحة و جامعة جميع مافي الصحف و الكتب و الانبياء و الرسل بحيث لو نظر الي حقيقة ذاته لوجدها كماقلت (قلنا خ‌ل) سابقاً.

كلّ الذي تهويه عندك كامن   من كلّ ما في عالم الامكان

و كذلك ما عند الانبياء و الرسل جميع مافي الحقايق و الذوات و سراير الموجودات (الوجودات خ‌ل) و الرسل و الانبياء ايضاً عندهم جميع مافي الكتب و الذوات و الحقايق و كلّ واحد منها بيان مستقل و شرح مجمل و مفصل لمافي الاخر و بما يريد اللّه‏ سبحانه و تعالي كلّ واحد يغني عن الاخر و هو قوله تعالي و هو الذي منّ عليكم اذ بعث فيكم رسولاً  (لقد من الله علی المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا خ‌ل) لان ماتحصل به المنة غير واجب و لا لازم مع ان الفرقة المحقّة بدلالة العقل القاطع متفقة علي ان بعث الرسل و انزال الكتب لطف واجب علي اللّه‏ سبحانه و تعالي و ذلك ليس الاّ لان اللّه‏ سبحانه و تعالی جعل عندهم في حقايقهم و ذواتهم جميع مايريد منهم من تكاليفهم فلو لم‏يكن باعثاً للرسل كان ما عندهم كافياً لمعرفة مايراد منهم من الاصول و الفروع ولكنّه و له المنة منّ عليهم اذ بعث فيهم رسولاً يتلو عليهم اياته و يزكيهم.

و بالجملة تبيّن لك ان اللّه‏ سبحانه هو الذي دلّ علي ذاته بذاته و وصف نفسه و بيّن رسمه حيث لم‏يكن للخلق ان‏يعرفوه لا بالحقيقة و لا بالرسم فعرّفهم نفسه و قال لهم اني انا اللّه‏ لا اله الاّ انا فاعبدني و اقم الصلوة لذكري ان الساعة اتية اكاد اخفيها لتجزي كلّ نفس بماتسعي و هذا القول علي قسمين تكويني و تدويني و نحو البيان للجميع واحد لا اختلاف فيه كما ان قولك لا اله الاّ اللّه‏ كلمة تدل علي التوحيد دلالة رسم و لايلزم من ذلك اتحاد حقيقة و لا الكشف عن الذات فنقول ان اللّه‏ سبحانه وصف نفسه لخلقه و عرّفهم ذاته بقوله الحق قل

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 82 *»

هو اللّه‏ احد اللّه‏ الصمد لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد و هذا القول رسم (و وصف خ‏ل) و وسم تدلّ (ما يدل خ‌ل) علي مايمكن للخلق معرفته و قدعرف نفسه للخلق فكذلك الذوات و الحقايق فانها كلمات و اقوال تدلّ علي ذاته سبحانه و هذه الذات هي المقابلة للغير و المراد به الرسم و الصفة و الذات الظاهرة لا عين الذات و الحقيقة البحت البات فافهم هذا الكلام المكرّر المردّد بالفهم المسدّد.

و اما الذات الظاهرة فاعلم انها هي الصفة و هي الرسم و هي التي تعتبر في المشتقات فاذا قلت زيد قائم فلايدلّك علي القاعد و لا علي العالم و لا علي الصانع فلو كان الذات المعتبرة في المشتق هو عين الذات وجب ان‏تدلّ عليه لان الشخص اذا عرف عين ذات الشي‏ء يعرف جميع عوارضه و مراتبه و مقاماته لان الذات هي السابقة عليها و لا ريب ان الاحاطة بالسابق العالي توجب الاحاطة بالمسبوق السابق (السافل خ‌ل) و ذلك معلوم بديهي فلو كانت الذات المأخوذة في القائم هي عين ذات زيد لدلّتك علي جميع الصفات و الاضافات و النسب و القرانات و ساير اطوار الحالات و بطلانه بديهي و عدم الدلالة ضروري فوجب ان‏تكون هذه الذات وجهاً و اية و دليلاً علي الذات البحت و الاّ لماصـحّ توصيفها بصفات متضادة و لصحّت (لصحّة خ‏ل) الدلالة علي جميع الشئونات الحقيقية و الاضافية الاتري (ان خ‏ل) النحاة جعلوا الصفة من التوابع و قالوا ان التابع كلّ ثانٍ معرب باعراب سابقه و لا ريب ان الثاني غير الاوّل و ان التابع فرع للمتبوع (المتبوع خ‌ل) و لقدذكروا بحيث ليس عندهم اختلاف (فی خ‌ل) انّ الاشتقاق اقتطاع فرع من اصل و قداجمعوا ان المشتقات فروع للمبادي و لو كانت مقدمة او كانت عين الذات لم‏تكن فرعاً ضرورة ان الشي‏ء لم‏يكن فرعاً لنفسه و لا فرعاً لما هو ادني منه فالضارب فرع للضرب فلو كان (کانت خ‌ل) الذات المعتبرة فيه عين ذات زيد مثلاً لم‏يكن فرعاً و انما كان اصلاً ضرورة ان الذات اصل لحقيقة الصفات و قداجمعوا ان المشتق الذي هو الضارب مثلاً صفة لزيد لا الضرب فانه مباين له و مباين الشي‏ء لايكون صفة له فاذا قلت جاءني زيد القائم و قلت ان القائم صفة لزيد وجب ان‏يكون غير زيد لان اميرالمؤمنين7

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 83 *»

صرّح بذلك في قوله لشهادة كلّ صفة علي انها غير الموصوف و شهادة كلّ موصوف علي انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث فاذا (فان خ‌ل) كان القائم هو الصفة و زيد هو الموصوف و كانت الصفة غير الموصوف وجب ان‏يكون القائم علي ماهو عليه غير زيد الموصوف و وجب ان‏يكون الذات المعتبرة بالصفة غير ذات الموصوف و هذه الذات (الصفات خ‌ل) هي الذات الظاهرة التي نقولها و نتكلم عنها فان مرادنا بها هي الصفة و هي الذات الظاهرة في المشتقات و بها تقع المعرفة بالاثر لان الاثر مايعرف الاّ ماظهر فيه من اسم المؤثر لا غير ذلك و لذا تري ان الاثر لايدلّ علي جميع احوال المؤثر فاذا رأيت بناءً يدلّك علي ان له بانياً و اما ان ذلك الباني رجل او امرأة شابّ او شائب جن او انس او ملك و هل هو عالم او جاهل او يعرف غير البناء من ساير الصنايع ام لا فلايدلّ علي شي‏ء من ذلك و كذلك اذا رأيت خطاً حسناً او ردياً لايدلّك (لايدل خ‌ل) علي حسن ذات الكاتب و رداءتها فلو كانت الذات عين ذات الكاتب لدلّ عليها و المفروض خلافه و ذلك معلوم واضح و قدشرحنا هذه المسألة و اوضحناها و بيّنّاها في عدة من رسائلنا و مصنفاتنا لاسيما في تفسيرنا علي اية الكرسي عند قوله تعالي الحي القيّوم و فيماذكرنا في هذا المختصر كفاية لمن له دراية.

اعلم ان لهذا الحديث الشريف وجوه (وجوها خ‌ل) اخر ذكرتها في جواب مسائل جناب الشيخ ضيف‏اللّه‏ بن الشيخ احمد بن الشيخ صالح بن طوق القطيفي فان ما فيه غنية للطالب الراغب و اللّه‏ سبحانه يقول الحق و هو يهدي السبيل.

قال سلّمه اللّه‏ تعالي: و منّوا علي رابعاً بجواب هذه المسألة و هي ما حقيقة جبرائيل (جبرئيل خ‌ل)[1] و ما معني وساطته مع ان النبي9

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 84 *»

واسطة في الكلّ و يلزم (فيلزم خ‌ل) من ذلك ان جبرئيل اشرف و افضل من النبي و لو في ان واحد ولو في عالم الاجسام لاجل وساطته و عدم علم النبي9 في هذا العالم قبل نزوله بماينزل ان كان كذلك بجواب شافٍ بحق جدّك9 .

اقــول: اما جبرائيل فحقيقته ذات نورانية و حقيقة الهية ذات مراتب منها مجردة عقلانية روحانية و نفسانية و منها برزخية و منها مادية جسمانية لطيفة من سنخ (عالم خ‌ل) جسم العرش له ستمائة جناح بالوان مختلفة كالوان الطواويس حامل وجه من وجوه المشية طائف حول العرش متعلق بالركن الايسر الاسفل و هو النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة حامل اسم اللّه‏ القابض ممدّ للكون من جهة الخلق فالدبور ملك من جنوده موكّل علي تلك الناحية من الهواء و الكرة الاثيرية اي كرة النار من ظهورات حامليته و هو الصاعد النازل من السماء الي الارض و من الارض الي السماء و هو الذي يحمي طبقات جهنم و هو الاخذ بزمامها و هو الرئيس علي زبانيتها و هو محدث الحرارة بامر اللّه‏ سبحانه و تعالي في عالم الكون و الفساد و هو حامل النار التي نضج ثمار الجنة منها و يطلق عليه روح‏القدس (الروح‏القدس خ‏ل) و اعوانه الكلية تسعون و لكلّ من هؤلاء التسعين تحته ملائكة لايحصي عددهم الاّ اللّه‏ و كلّ ملك حامل اسم من اسماء اللّه‏ الذي هو وجه من وجوه الاسم القابض (اسم القابض خ‌ل) الذي حمله جبرئيل و يدعو اللّه‏ سبحانه و تعالي بذلك الاسم و يفيض علي الموجودات التي تحت مقامه من سرّ ذلك الاسم و باطن الاسم (اسم خ‏ل) القابض الخالق و الملائكة الموكّلة بالخلق من خدّامه منهم الملكان الخلاّقان اللذان يقتحمان رحم المرأة من فمها و منهم الملك الذي فوّض اللّه‏ اليه امر سموات و ارضين فخلق سموات و ارضين و منهم ملائكة التدبير في القضاء بحكم التركيب من قوله تعالی في اي صورة ماشاء ركّبك و من فعله امداد الشعلات المستجنات في زبد البحر الصاعدات الي السماء الظاهرات بصور (بصورة خ‏ل) النجوم الهاديات و من فعله امداد المركبات المقبولات الطيّبات و من فعله امداد

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 85 *»

المركبات المسخوطات الخبيثات فهو المهلك بالنار و حامل الاسم الخالق بالنار به الخلق و التدبير و لوازم التقدير و به النور في عالم الظهور و به ترد علي القوابل النورانية الافاضات و به ينزل امر اللّه‏ بين الارضين و السموات و به تنزل البركات و به ينزل الوحي من اللّه‏ علي الانبياء و الرسل و به الهداية الي واضح السبل (السبيل خ‌ل) و يسمي روح‏القدس و يسمي الروح‏الامين و هذه كلّها انما حصلها بظهور ولاية اللّه‏ لمّاطـاف حول العرش الاعظم الاعلي و هو واحد يظهر بكلّه (لکله خ‌ل) و ينزل بحقيقته علي محمّد رسول‏اللّه9 و ببعض وجوهه علي ساير الانبياء و هو مدمّر قوم عاد به الصيحة في المعاد (الميعاد خ‏ل) و هو المنادي في العباد و اصل شكله علي الصورة الانسانية و هو في زي الذكور دون الاناث طعامه التسبيح و شرابه التهليل ليس بالطويل العالي و لا بالقصير المتداني له ثمانون ذؤابة و قصة جعدة و هلال بين عينيه اغر ادعج محجل ضوؤه مابين الملائكة كضوء النهار عند ظلمة الليل له اربع و عشرون جناحاً مشبكة بالدر و الياقوت مختمة باللؤلؤ و عليه وشاح بطانته الرحمة و ازراره الكرامة و ظهارته الوقار ريشه الزعفران واضح الجبين اقني الانف سائل الخدين مدور اللحيين حسن القامة لايأكل و لايشرب و لايمل و لايسهو قائم بوحي اللّه و لكلّ جناح خمسة و عشرون جناحاً كلّ جناح ما بين المشرق و المغرب و انه ينغمس في كل يوم في عين الحيوة فينتفض فيخلق اللّه عزّوجلّ من كلّ قطرة ملكاً من ذهب فتطير تلك الملائكة و تقع علي سدرة المنتهي فتكون صفراء و هو قوله تعالي اذ يغشي السدرة مايغشي و يظهر لكلّ شي‏ء علي ماهو عليه فالمريخ منسوب اليه في ظهور صفته و الشمس منسوبة اليه في ظهور ذاته و حقيقته و هو شخص نوراني و وجه صمداني و وصف فهواني خلقه اللّه‏ سبحانه من شعاع نور الولي فلما استشعر بنفسه و نزل الي رتبة انّيته و احتجب بحجاب رتبته اراد سبحانه ان‏يصعد به الي مقام ذاته و حقيقته فسأله بلسان نفسه و سرّه من انا و من انت و ما اسمي و ما اسمك فلمّا احتجب عنه به و امتنع عنه به من قوله7 تجلّي لها بها و بها امتنع منها فنظر الي الوجه الاسفل و لم‏يشعر الاعلي فحكم علي ماهو فيه نسبة مقامه من حكم البينونة و ظهور الانّية فقال انا انا و انت انت اسمك اسمك و اسمي اسمي منبئأً عن الاحتجاب و شارحاً لوضع النقاب فزاده بعداً علي بعد فاحترقت اجنحة جهات التوجهات و لم‏يزل في هذا الاحتجاب الي ان جاءه الولي الذي منه البدء و اليه الاياب فقرأ عليه الكتاب و رفع عن وجه بصيرته (بصره خ‌ل) النقاب و قال له ان جاءك الخطاب عنه و عنك و عن اسمه و اسمك فقل انا العبد الذليل و انت الرب الجليل و اسمك الجليل و اسمي جبرئيل فلمّا تعلم ارتفع عن حضيض الحجاب و انكشف عن وجه بصيرته النقاب و صعد الي عالم القدس و جلس علي سرير الانس و حمل من انوار الركن الايسر الاسفل من العرش و اوصله الي المستحقين من السائلين الواقفين بباب

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 86 *»

اللّه‏ و الفقراء اللائذين بجناب اللّه‏ كماحملت البلورة الحرارة من الشمس عند مقابلتها اياها و اوصلت الي الاجسام السفلية و اظهرت اثارها من حملها اياها و ظنّي ان هذا الحكم يجري مع جميع الملائكة لان الولي هو الهادي الموصل الي المطلوب و المعلم لكلّ (بكلّ خ‏ل) شي‏ء مايريده اللّه‏ سبحانه منه فهو معلم الملكوت و شارح الجبروت و سرّ اللاهوت و وجه اللّه الذي لايموت.

و اما مدة عمره و مكثه في الدنيا من اليوم الذي ظهر في الوجود و عرف العابد و المعبود و الشاهد و المشهود الي زمان ظهور النبي9 الموعود و الخاتم الشاهد المشهود الذي هو تمام قوس الصعود اي مبدأ التمام في عالم الشهود لاتمام التمام و ان ذلك لايتناهي و لايعدّ و لايحصي فهذه (و هذه خ‌ل) المدة هي مضروب الثلثين الف في نفسه و شرح ماذكرنا و بيانه لايسعه هذا المختصر لان ذلك يحتاج الي بسط مقدمات و تفصيل قواعد كليات و شرح كلمات ابي اللّه‏ سبحانه الاّ كتمانه في هذه الاوقات.

و بالجملة فجبرئيل خلق خلقه اللّه‏ سبحانه و تعالي من اربعة اجزاء جزء من النار و جزئين من الهواء و جزء واحد من الماء و التراب فبذلك نقص اختياره في جانب الشرّ و ثبت نقصانه و لا ريب ان قوي الاختيار اقوي من ضعيفه و نسبته في التأثير في العالم (الاول خ‌ل) نسبة تأثير الحروف الجارة و الناصبة في الاسم و الفعل فاختياره ضعيف و حقيقته ناقصة و الفعل الذي هو موكّل عليه قوي و لذلك سمي (يسمی خ‌ل) بالقوي الامين لضعف جهة المخالفة و قوّة طريق الموافقة و هو قوله تعالي عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون اللّه‏ ماامرهم و يفعلون مايؤمرون لنقص قابليتهم للمعصية لا لقوتها كالانبياء و الرسل و ساير المعصومين فانهم اضعفوا جهة المعصية بقوّة الاختيار و الملائكة ضعفت فيهم تلك القوّة لضعف الاختيار فلذلك تفوّقوا عليهم و ورد عن الصادق7 ان الخلق علي ثلاثة اقسام كامل لايحتمل النقصان و ناقص لايحتمل الكمال و متردّد (مردد خ‌ل) بين الكمال و النقصان فالكامل الذي لايحتمل النقصان وجه ذي‏الجلال و الاكرام و الناقص الذي لايحتمل الكمال هم الملائكة و المتردّد بين الكمال و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 87 *»

النقصان الانس و الجان نقلت الحديث بالمعني فجبرئيل موكّل علي الوجه الذي ذكرنا لك علي نزول الوحي علي الانبياء و المرسلين: هذا مااردت من بيان حقيقة جبرائيل (جبرئيل خ‌ل).

و اما معني وساطته مع ان النبي9 واسطة في الكلّ فاعلم ان هذه المسألة يحتاج شرحها و بيانها الي ذكر مقدمة و هي ان القلب هو الاصل في البدن و عليه تدور الاعضاء و الجوارح و لو لم‏يكن القلب لم‏يكن شي‏ء من الاعضاء الرئيسة و المرؤوسه و لا المدركة و لا الغيرالمدركة و لا الشاعرة و لا الغيرالشاعرة و لا الذاتية و لا العرضية و لا الاصلية و لا الفصلية و لا الحقيقية و لا المجازية و لا الحواس الظاهرة و لا الباطنة كلّ هذه الاعضاء و الاجزاء بجميع انحائها تستمدّ من القلب و تنتهي اليه فمراتب البدن و اجزاؤها كلّ ذلك تفاصيل و آلات للقلب ينظر الي الاشياء في مرتبتها بتلك الالات فمن الاشياء ماينظر اليها من غير توسط الالات و الادوات كما اذا ادرك المعقولات و المجردات فان (فانه خ‌ل) في ادراكه لايحتاج الي استعمال شي‏ء من الالات الجسمانية و لا الجوارح الجسدانية لانها ليست من سنخ الاجساد و لا من نحوها و طورها و الادوات انما تحـدّ انفسها (نفسها خ‌ل) و الآلات انما تشير الي نظائرها و منها مايحتاج الي الآلات الجسدانية كما اذا اراد (اردت خ‌ل) تناول جسم من الاجسام بنحو من الانحاء و بطور من الاطوار فان كان لاجل الادراك فيستعمل الحواس الظاهرة من السامعة و الباصرة و الشامة و الذائقة و اللامسة و ان كان من غير جهة الادراك كالحمل و الرفع و الوضع يحتاج الي غيرها من ساير الاعضاء و الجوارح كاليد و الرجل و الظهر و آلة التناسل فلو لم‏تكن هذه الآلات لايمكن تناول تلك الاشياء و ذلك ليس لعجز في القلب و قوة لهذه الاعضاء و الجوارح و لشرافة لها عليه بل لانّ تناول تلك الاجسام لايمكن الاّ بمباشرة هذه الالة فالمدرك الفاعل هو القلب و هذه الآلات وسايط يحتاج اليه المتعلق لا القلب فادراك القلب للمبصرات من حيث الحسّ الجسمي لايمكن الاّ بواسطة العين (البصر خ‌ل) و ادراكه للمسموعات لايكون (لايمکن خ‌ل) الاّ بواسطة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 88 *»

السمع و ادراكه للمشمومات لايكون الاّ بقوة الشم وهكذا و ليس ذلك لعجز و ضعف في القلب بل لان تلك المدركات لايمكن ادراكها الاّ بهذه الآلات و الاّ لم‏يكن ذلك المدرك اياه بل غيره فاذا ادركنا المحسوسات بالحس البصر بقوة الخيال ماادركنا المحسوس بل ادركنا المعقول و ذلك خلاف المفروض مع ان قوام هذه الحواس و الآلات كلّها بالقلب و تنسب الادراك الي القلب فتقول انا رأيت و انا سمعت و انا شممت و انا لمست و انا فعلت و انا قلت و لاتقول لساني قال و لا يدي فعلت الاّ بضرب من التجوّز و لايلزم من ذلك ان‏تكون تلك الآلات اشرف من الاصل و الذات كما انك اذا رأيت مسألة في كتاب و عرفتها منه لايقال ان الكتاب اشرف منك و هو الذي علّمك و قدتعلمت منه فيكون اشرف منك فان الكتاب آلة و وصلة لتناولك (لتناول خ‌ل) تلك المعاني في العالم الجسماني فانت العالم و المعلّم هو اللّه‏ سبحانه و الكتاب آلة التعليم لعجزك و قصورك لا لعدم قدرة اللّه‏ (تعالی خ‌ل) سبحانه وهكذا القول في جميع الاشياء التي يجريها اللّه‏ سبحانه بالاسباب كماقال تعالي جعل لكم الارض ذلولاً فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه فرزق اللّه سبحانه انما يأتي اليك بالسعي و المشي في مناكب الارض و لايلزم من ذلك ان مناكب الارض اشرف منك وهكذا امثال ماذكرناه كثيرة جداً.

فاذا عرفت هذه المقدمة الشريفة و اتقنتها و علمت المقصود منها علمت وساطة جبرائيل و ساير الملائكة في نزول الوحي فان اولئك الملائكة بمنزلة الآلات الجسمانية في حصول تلك العلوم و الاطوار عند النبي9 في عالم التفصيل كالحواس الظاهرة الناقلة الي القلب احكام الاجسام الشهودية و تلك الحواس علي كلّ حال ادني و اسفل من القلب و هي تستمدّ منه و تمدّه و مثالها كمن يغرف من موضع من البحر و يصبّ في موضع اخر علي طور اخر وهكذا كان حال جبرئيل مع النبي9 و ساير الملائكة فان في عالم التفصيل لابد من وجود هذه الاسباب و الالات و ذلك ليس مخصوصاً بالملائكة فمنها اللوح و منها القلم و منها الكتاب

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 89 *»

التكويني و مايظهر من الايات في الواح الارضين و السموات و منها سماع الاصوات بقران الاجسام و اتصال بعضها ببعض و حصول الصوت الدالّ علي معني من المعاني الغيبية و علي حقيقة من الحقايق الكونية و منها صوت كوقع السلسلة في الطست الدال علي اختلاف جهات الاشياء في روابط احوالها و اطوارها و ذواتها و منها نكت في القلب (القلوب خ‏ل) بغير توسط شي‏ء من الالات الجسمانية و الروحانية و ذلك اذا نظر الي القلم الاعلي بنور انا انزلناه فلايحتاج هنالك (هناک خ‌ل) الي جبرئيل و لا الی غيره و منها بمشاهدة الايات في الانفس و الافاق و منها مشاهدة احوال الكلام و قرانها و روابطها و اضافاتها و نسبها و من حيث حامليتها لقدر اللّه‏ و قضائه و منها الملائكة المدبّرات و منها الملائكة المقدّرات و منها الملائكة المقسّمات و منها المعقّبات و غير ذلك من متعلقات الاسماء و الصفات و كلّها صحف و كتب مملوة علماً بقلم القدرة ينظر اليه الولي و النبي فيعرف مافيها و يحيط العلم بها و ان كانت تلك الاشياء به تحقّقت و بوجوده تأصّلت و له تذوّتت لان مقامه في سببيته غير مقامه في استفادته.

بل اقول بعد امعان النظر و تدقيق الفكر ان هذا المقام هو عين ذلك المقام بلافرق لقول اميرالمؤمنين7 انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها الاتري كثرة الكواكب و ترتيبها (ترتبها خ‌ل) بالبروج و المنازل فانها بالعرش و عنه و منه فاذا اراد العرش ان‏يري تلك التفاصيل و الاحوال لايراها في ذاته و انما يراها في الكرسي و ليس لان الكرسي افضل و اشرف من العرش بل لانه موضع هذه النقوش و محل تلك الكثرات فاذا قابلها في غير موضعها لم‏يجدها ابداً بل يجد غيرها كما اذا طلبت الرأس في مقام الرجل و الرجل في موضع الرأس فلم‏تجده ابداً بحال من الاحوال و كذلك الكرسي اذا اراد ان‏ينظر الي تفصيل الافلاك السبعة و العناصر الاربعة و الافلاك اذا ارادت ان‏تنظر الي تفاصيل احكام المتولدات تنظر في محالّها و مواقعها لا في ذاتها لانها الات ادراكها لا غيرها

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 90 *»

و بالجملة كلّ شي‏ء يطلب من (فی خ‌ل) مظانّه و مواقعه فاذا طلبته في غير مظانّه و مواقعه ماوجدته ابداً بحال من الاحوال فالنبي9 لو اراد ان‏ينظر الي مااودع في حقيقة جبرئيل من المعاني و الصور و الحقايق و يطلب تلك من حقيقة اسرافيل فلايجـده ابداً كما انك اذا اردت ان‏تنظر الي مسألة المبتدأ و الخبر في بحث الفاعل او تنظر الي احكام الفاعل في بحث النائب للفاعل او ساير المفعولات فلن‏تجده ابداً و كذلك اذا اراد النبي9 ان‏ينظر الي مااودع اللّه‏ في حقيقة الملائكة فيجدها في الآيات الآفاقية و الانفسية غير الملائكة علي الوجه المستودع فيها فلن‏يجده ابداً و هذا شي‏ء معلوم و انما كثّرت لك الامثال و ردّدت شرح الاحوال ليزول عنك الاستغراب فان كثيراً من الناس يستشكلون في ذلك غاية الاشكال (الاستشکال خ‌ل) و يستغربونه غاية الاستغراب و يتخيلون ان ذلك دليل الافضلية و الاشرفية و اني قدكرّرت (ذكرت خ‏ل) لك الامثال حتي تعلم ان هذا النوع من الوساطة لايدلّ علي شي‏ء من الفضل و الشرافة بل انما يدلّ علي السفل و الدناءة فان السافل لايزال مظهر (يظهر خ‌ل) تفاصيل العالي و العالي اذا اراد التفصيل ينظر في مقام السافل و بالسافل و ذلك معلوم واضح لمن له عينان و لسان و شفتان و القي السمع و هو شهيد و من هذا القبيل تعلّم موسي من الخضر فانه كتاب قدنظـر فيه و استنبط ذلك العلم فلايدلّ علي افضليته الاّ اذا كانت الاستفادة في قوس النزول فان تلك الاستفادة و الاستمداد و الوساطة تدلّ علي الافضلية و اما الاستمداد و التوسط في قوس الصعود يدلّ (فيدل خ‌ل) علي اسفلية المتقدم و الواسطة الاّ في مقام لايكون الترتيب صعودياً و لا نزولياً.

فبالجملة الاصل في التوسط في قوس الصعود ان‏تكون الواسطة اسفل و في قوس النزول ان‏تكون اعلي الاتري النطفة فانها واسطة موصلة الي العلقة و هي اشرف منها و العلقة واسطة موصلة الي المضغة و هي اشرف منها وهكذا كلّ مرتبة سفلي واسطة لظهور المرتبة العليا و هي دونها و اما الحكم في قوس النزول بالعكس

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 91 *»

فلا منافاة بين كون النبي9 آخذاً عن جبرئيل و كون جبرئيل واسطة للنبي9و كون النبي9 افضل و اشرف بل لا نسبة لانه خادم من خدّامه و اذا حضـره يجلس عنده جلسة العبد الذليل بين يدي المولي الجليل فافهم و كم من خبايا في زوايا.

و اما قولكم ادام اللّه‏ حراستكم: و عدم علم النبي9 في هذا العالم قبل نزوله بماينزل ان كان كذلك.

فاعلم ان ماينزل به جبرائيل (جبرئيل خ‌ل) علي قسمين: قسم كان يعلمه النبي9 قبل نزول جبرائيل و قسم لايعلمه فالقسم الاوّل كالقرءان فان رسول‏اللّه عليه و آله الصلوة و السلام كان يعلمه قبل ان‏ينزل (به خ‌ل) جبرائيل لان النبي9 قال كنت نبياً و آدم بين الماء و الطين و كتابه هذا القرآن لان اللّه‏ تعالي قال و لقداوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنت تدري ما الكتاب و لا الايمان و لقدفسـر الروح في هذه الآية في تفسير الظاهر بالقرآن فان الروح الذي هو من امر اللّه‏ حيث كان حقيقة من الحقايق الوجودية المتذوتة المتأصلة لايقال انه يوحي لان الوحي في المعاني لا في الاعيان في الظاهر الاّ بضرب من التأويل و الباطن كماتقدّم منّا في النبوة التكوينية الالهية فاذا انحصر علمه9 بالقرآن فاين يفقده لانه9 مافقد الايمان و الكتاب بحال من الاحوال فتبين (فبين خ‌ل) ان القرءان كان معه9 في جميع العوالم من الاكوان و الاعيان و جميع الاماكن و الازمان فاين يفقده و قدروي في حديث ولادة اميرالمؤمنين7 انه لمّاوضـع من بطن امه و وقع علي الارض قرأ القرآن كلّه من اوله الي اخره الحديث مع انه7 انما ولد قبل البعثة بسبع سنين او بعشرة فاذا علم الوصي القرآن كلّه فالنبي اولي لان علم الوصي من علم النبي صلّي اللّه‏ عليهما و آلهما و يدلّ علي مانقول صريحاً قوله تعالي و لاتعجل بالقرءان من قبل ان‏يقضي اليك وحيه و قل رب زدني علماً فان جبرئيل اذا

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 92 *»

اتي بآية و اخذ في قراءتها كان رسول‏اللّه9 يسبق و يتمّها قبل قراءة جبرئيل و اتمامه اياها فلمّااقتضت المصلحة ان لايسبق نزلت الاية و لاتعجل بالقرءان و الذي ذكره المفسرون فهو كلام غير محصّل و حاشا رسول‏اللّه9 ان‏يكون شأنه في تلقّي القرءان كالصبيان و لو فرض و لااظن ذلك (الا خ‌ل) (ان خ‌ل) علي هذا التفسير رواية فانها من باب التقية و مراعاة ظاهر الناس الذين هم النسناس.

و بالجملة لا ريب ان القرآن انزله اللّه‏ كلّه في ليلة القدر كماقال تعالي انا انزلناه في ليلة القدر و جعله في البيت المعمور في السماء الرابعة فلك الشمس فاذا كانت الكواكب و الافلاك انما خلقت من شعاع نور محمد و آله صلّي اللّه‏ عليهم كيف يخفي عليهم ماهو في رتبة اشعتهم ان ذلك لايكون ابداً لقدنـصّ علي هذا الذي ذكرناه الصدوق; فانه صرّح بذلك في عقايده و ذكر انه9 كان يعلم القرآن قبل نزوله بلسان جبرئيل و لايحضرني الآن كتابه حتي انقل عبارته لكن هذا الذي ذكرناه هو معني كلامه نعم لم‏يكن رسول‏اللّه9 مأموراً باظهار القرآن الاّ عند اقتضاء المصلحة لاظهار كلّ اية عند وقتها فجبرائيل انما يأتي بها عند اوان ظهورها و اظهارها للناس لا (الا خ‌ل) لاجل تحقّق الاية و تأصلها من مبدئها و ذلك معلوم لمن القي السمع و هو شهيد و من هذا القبيل اي من هذا القسم علمه9 بماينزل به جبرائيل قبل ان‏ينزل وقعة كربلاء و قصة اصحاب الطفوف و كان يأتي بخبرها عليه9 حيناً بعد حين و وقتاً بعد وقت مع انه كان9 عالماً بها و اخبارها و الاحوال التي تقع و هذا الاخبار ليس تحصيلاً للحاصل و انما كان ذلك ليكون سبباً للاظهار و نشر الاخبار و ظهور الخشوع و الخضوع في العالم الموجب لظهور العناية و الكرامة و قدقال سبحانه و تعالي انا عند المنكسرة قلوبهم و مثل اعداد الائمة الاثني‏عشر: و اشخاصهم و احكامهم فان الملائكة لايزالون يأتون

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 93 *»

للنبي9 باخبارهم و فضائلهم و اثارهم مثل حديث اللوح و غيره و بالجملة من هذا النوع هو الامور (من الامور خ‌ل) التي يأتي بها جبرئيل و ساير الملائكة مع ان علمه9 بها سابق و وجه اخبارها امور عرضية خارجية و مصالح اقتضتها الحكمة الالهية.

و القسم الثاني و هو الذي يأتي به جبرائيل و ساير الملائكة و لم‏يكن عنده9علمه و هي الاشياء التي كانت غيباً مطلقاً و لم‏يكن له وجود في عالم من العوالم يوجده اللّه‏ سبحانه و تعالي في عالم الكون بسابق علمه و نافذ مشيته و يوجدها في الخزائن فمادة الشي‏ء في خزانة الاكوان يعلمهم اللّه‏ سبحانه اياها بلاواسطة احد و لا شي‏ء من الاشياء بل ينكت في قلوبهم نكتاً و لا لشي‏ء توسط في ذلك.

فاما الصورة الاولي و القابلية الكبري فهي في خزانة الاعيان يعلمهم اللّه‏ سبحانه اياها و مايترتب عليها بلاتوسط (واسطة خ‌ل) احد ايضاً فهم في المقام الاول ينظرون في القلم (المقام خ‌ل) الاعلي الذي قدتحقّق من اول غصن اخذ من شجرة الخلد و ذلك ايضاً في الوجه الاعلي لا القلم مطلقاً فان له مقامات و اطلاقات يجري عليه في كلّ مقام و اطلاق احكام خاصة و لذا قيّدنا القلم بماقيّدناه و قلنا ماقلناه.

و في المقام الثاني ينظرون في اللوح المحفوظ التي هي زمردة خضراء قدرها سبعون الف ذراع في مثله في الصفحة الاولي العليا من اللوح و لا واسطة لاحد من الملائكة في هذا النظر و هذه الملاحظة لا ملك مقرب و لا غيرهم و الي هذا اللوح و القلم اشار البوصيري في القصيدة الميمية المشهورة بقوله:

و ان من جودك الدنيا و ضرتها   و من علومك علم اللوح و القلم

و الصورة الجزئية للشي‏ء المجردة الغيبية فهي الصورة الحقيقية في الصفحة الثالثة من صفحات اللوح المحفوظ يعلمهم اللّه‏ سبحانه اياها بلا توسط احد من الملائكة فهم ينظرون (فلا ينظرون خ‌ل) اليها بدون الة و وساطة و اما معاني الاشياء و حقايقها الكلية فهي في خزانة العرش المركب من الانوار الاربعة النور

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 94 *»

الاحمر الذي منه احمرّت الحمرة و النور الاخضر الذي منه اخضرّت الخضرة و النور الاصفر الذي منه اصفرّت الصفرة و النور الابيض الذي منه (ابيضت خ‌ل) البياض و منه ضوء النهار فما في هذه الخزانة يعلمهم اللّه‏ سبحانه بالملائكة الاربعة الذين هم روح‏القدس و الروح من امر اللّه‏ و النفس التي لايعلم مافيها عيسي و الروح علي ملائكة الحجب كما ان الروح ينظر الي كليات احوال البدن بالكبد و الدماغ و الشريانات و الاوردة و اما باقي العلوم التفصيلية و الاطوار (الاحوال خ‏ل) المشخصة (الشخصية خ‌ل) المميزة فان اللّه‏ سبحانه يعلمهم: بالملائكة علي اختلاف انواعها و اصنافها من المدبرات و المقدرات و المعقبات و المسخرات و المرسلات و المقسمات و امثالها من حملة الشؤونات من قوله تعالي كلّ يوم هو في شأن و هؤلاء الملائكة هم حملة هذه العلوم اليهم صلوات اللّه‏ عليهم و لايدلّ ذلك علي شرافة الملائكة و لا افضليتهم لا في ان و لا في كلّ ان علي مافصلت و بينت.

فظهر لك ممابينا ان مايأتي به الملائكة للنبي9و غيره علي قسمين: قسم تأتي به و هم يعلمونه و انما فائدة الاخبار حصول مقتضيات خاصة لامور خاصة يطول الكلام بذكرها و قدتقدّم منا ماتعلم به نوع المراد و قسم تأتي به و النبي9 لايعلمه و ذلك من فيض الابداع و التكوين الذي لازال يفاض علي العالم من بسط يد الحكيم علي تعدّد اطوار مقتضيات كفّه فالكفّ تشتمل علي خمسة اصابع و هذه الخمسة تشتمل علي اربعه‏عشر عقداً فالجهات الكلية لليد يد اللّه‏ اربعة‏عشر كل جهة مظهر امر و مهبط حكم من الاحكام الالهية و يد اللّه‏ سبحانه ليست بمغلولة قالت اليهود يد اللّه‏ مغلولة غلّت ايديهم و لعنوا بماقالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء.

ماادري مااقول و ماعسي ان‏اقول و لولا قول مولينا الصادق7 ما كلّ مايعلم يقال و لا كلّ مايقال حان وقته و لا كلّ ماحان وقته حضر اهله لاريتك من عجايب المقال و غرايب الاحوال و بدايع الخطاب (و خ‌ل) ممايشتمل عليه السنة و الكتاب ماتدهش عنده

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 95 *»

العقول و تذهل لديه الالباب (الاعجاب خ‌ل) ولكن كلّ شي‏ء مقدّر (لکل شیء وقت مقدر خ‌ل) و لكلّ نبأ (امر خ‌ل) مستقر و سوف تعلمون.

و بالجملة فكلّ‌ماخلقه اللّه‏ سبحانه و ادخله في خزانة الكون و الوجود و علمه النبي9 و عرض عليه جميع تلك الخزاين بواسطة او بلاواسطة بآلة او بغير الة و كلّ مالم‏يخلقه سبحانه و يخلقه من فيض كرمه و جوده في كلّ يوم و كلّ آن يعلمه سبحانه اياه علي تفاوت درجاته علي حسب الخزائن من واسطة و غير واسطة و آلة و غير آلة فعلم النبي و الوصي صلي اللّه‏ عليهما و آلهما دائماً يتجدّد و يزيد و هم يستزيدون ممتثلين لامر اللّه‏ سبحانه حيث امرهم بذلك و قال عزّ من قائل و قل رب زدني علماً و هذا التجدّد يكون في كلّ آن و دقيقة و اقلّ ذلك اعلي درجات علومه كمانصّ عليه مولينا الصادق7 في حديث ابي‏بصير علي مارواه في الكافي في تفصيل مراتب علومهم و جعل7 هذا القسم هو العلم الذي يعدّونه علماً لانهم يكملون به و يتجدّدون مدداً و لايزالون يطلبون هذا الكمال و يسألون منه سبحانه و تعالی الاستقلال بالاستمداد في عين الاضمحلال و منها مايتجدّد لهم في كلّ ليلة جمعة و منها مايتجدّد لهم في كلّ سنة و منها في ليلة النصف من شعبان و منها في ليالي القدر و اما المحتوم ممامضـي و ماسيأتي فعلمه لديهم حاضر و اما مايجري فيه المشية و البداء فلايعلمونه الاّ حين ماجري و يجري و هو قوله تعالي ثم قضـي اجلاً و اجل مسمي عنده فعلي هذا البيان التامّ و الشرح الوافي العام ان عرفته بحقيقة المعرفة تتمكن من الجمع بين الآيات و الروايات الواردة في باب علومهم:من النفي و الاثبات في الكلّ و البعض و التجدد و الاستزادة و العلم بكلّ شي‏ء و نفي العلم بالغيب و اثباته و غير ذلك من ساير الاحوال و قداعطيتك اصلاً كلّياً و قانوناً الهياً لايشتبه عليك شي‏ء ممايتعلق بعلومهم ان شاء اللّه‏.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 96 *»

قال ايّده اللّه‏ (سلمه الله خ‌ل) تعالي: و خامساً ما معني الملائكة العالين و اشرفيتهم من اصناف (ساير خ‌ل) الملائكة و الدليل الواضح من الكتاب و السنة علي وجودهم و الآية الشريفة استكبرت ام كنت من العالين مفسر في الصافي بمعني العلوّ لا صنف من الملائكة.

اقــول: اعلم ان الملائكة اما مشتقة من الالوكة بمعني الرسالة او مشتقة من الملك بمعني العبودية المحضة الخالصة فالملائكة المدبرات و المقدرات و ملائكة الجنة و النار (الناس خ‌ل) و الملائكة الذين هم حملة التدبير و التقدير و التسخير و غيرها سمّيت ملكاً لظهور مبدأ الاشتقاق فيهم لانهم رسل‏اللّه في ايصال (اتصال خ‌ل) ماتحملوا (تتحملوا خ‌ل) من جهات الفيض و رؤوس المشية الي محالّها و مواقعها كمانصّ عليهم اللّه بانهم رسل اللّه في قوله تعالي انا رسل ربّك و هم المتمحضون في العبودية و المخلصون في الطاعة لايعصون (الله خ‌ل) ماامرهم اللّه بحال من الاحوال و طور من الاطوار كمانصّ عليهم اللّه بقوله و جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن اناثاً و قوله تعالي بل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و قوله تعالي لايعصون اللّه ماامرهم و يفعلون مايؤمرون فلمّا ظهر فيهم مبدأ الاشتقاق و تحقّقت المناسبة المطلوبة بين اللفظ و المعني اطلق عليهم لفظ الملائكة و الاّ فهم صنف آخر و نوع آخر غير جنس الجن و الانس و غيرهم و انما سمّوا ملائكة لهذه العلة التي هي ظهور مبدأ الاشتقاق فعلي هذا كلّ شي‏ء يظهر فيه هذا المعني يصحّ اطلاق لفظ الملائكة عليه.

و لمّاكان محمد و آله صلي اللّه عليه و عليهم ممن نالوا في هذا المقام بالقدح الاعلي من الرقيب و المعلي فظهور هذين الامرين فيهم علي اكمل وجه فان الرسول9 ظاهر انه الرسول عن اللّه الي جميع الموجودات كافة في التكوين و التشريع كماتقدّم و اما باقي الائمة: فانهم (فهم خ‏ل) و ان لم‏يكونوا رسلاً في التشريع كرسالة النبي9 لكنّهم رسل في التكوين كرسالة الملائكة فيصح اطلاق الملائكة عليهم: عند ملاحظة اشتقاقها من الالوكة التي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 97 *»

هي الرسالة و كذلك ساير الانبياء يصحّ اطلاق الملك عليهم نظراً الي هذا المعني و كذلك مراتب وجود الشي‏ء التي هي وسايط الفيض يصحّ ان‏يطلق عليها الملك لظهور الرسالة التكوينية فيها كالفؤاد بالنسبة الي العقل فانه واسطة يتلقّي الفيض الابداعي من الاختراع الاوّل الي العقل و كالعقل بالنسبة الي الروح فان له وساطة تكوينية يتلقّي من الفؤاد و يوصل الي الروح و الروح له وساطة تكوينية يتلقّي عن العقل و يوصله الي النفس و النفس لها وساطة ابداعية تتلقّي عن الروح و توصل الي باقي المراتب التكوينية من الطبيعة  و المادة و المثال و غير ذلك و هذه المراتب الكلية التي لها الوساطة في الافاضة يصحّ ان‏يطلق عليها الملائكة لظهور مبدأ الاشتقاق و المناسبة الحقيقية فيها و يصحّ للفؤاد ان‏يقال انه ملك و للعقل انه ملك و للنفس انها ملك و للطبيعة الكلّية انها ملك و للعرش محدّد الجهات انه ملك هذا من جهة الرسالة.

و اما من جهة العبودية المحضة فظاهر ايضاً لان محمداً و آله صلّي اللّه عليهم بلغوا في العبودية و الملكية للّه سبحانه مقاماً لم‏يبلغ اليه احد حتي سمّوا ملكاً في قول سيدالساجدين7 كماتقدّم و استعلي ملكك علوّاً الدعاء و في قول رسول‏اللّه9 في الدعاء و باسمك العظيم و ملكك القديم فاذا بلغوا هذا المبلغ كان ظهور هذا المعني فيهم اعظم من ظهوره في ذلك السنخ و الصنف المسمّون بالملائكة و كذلك الانبياء: فانهم معصومون طيّبون طاهرون فعلي هذا يصحّ اطلاق الملك عليهم لظهور معني الملك و التملك فيهم ولكن هذا الاطلاق اي اطلاق الملائكة علي الحقيقة المحمدية و علي الانبياء و علي اجزاء الشي‏ء الواحد و علي الملائكة الحملة ليس من نحو واحد بل من باب الحقيقة بعد الحقيقة كماتقدّم في الولاية.

فاذا عرفت هذا القدر من الكلام فاعلم ان المراد بالعالين هم آل‏محمد الطيّبون الطاهرون لان ادم7 انما استحق ان‏يكون مسجوداً للملائكة لكونه وعاءاً للنور المقدس الاطهر الازهر الظاهر بالهياكل الاربعه‏عشر سلام اللّه عليهم كمايدلّ عليه صريح الرواية المروية

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 98 *»

في البحار و العوالم في كيفية رؤية ادم علی‌نبينا‌وآله‌وعليه السلام تلك الانوار المقدسة فاذا كان كذلك فهم العالون الذين يجب ان‏يخضع لهم كلّ شي‏ء طأطأ كلّ شريف لشرفهم و بخع كلّ متكبر لطاعتهم و خضع كلّ جبّار لفضلهم و ذلّ كلّ شي‏ء لهم.

فاذا كانت الاشياء كلّها باجمعها ذليلة خاضعة لهم فلا عالي سويهم فهم العالون و قوله تعالي استكبرت ام كنت من العالين يشير الي الخطاب لابليس انك استكبرت من طاعتي و امتثال امري استكباراً في الارض و مكر السيئ لتكون بذلك معانداً و مكابراً لتستحق به اللعنة و الرجم و النكال الشديد و العذاب البعيد ام كنت من العالين الذين لاتقتضي الحكمة ان‏يسجدوا لاحد لان سجود الاشياء كلّها من الملائكة و غيرهم الي جهة الحاملية لذلك النور الاقدم فكان ادم وعاءاً و حاملاً لذلك النور فاستحق ان‏يسجد له تعظيماً لذلك النور الذي هو الوجه الباقي الذي لم‏يزل و لايزول و كذلك سجود يعقوب و اولاده ليوسف لانه مظهر ذلك النور الذي ظهر بصفة الحسن و الجمال و ان لم‏يكن في صلبه ولكن هذا الحسن الذي فاق كلّ حسن و الجمال الذي علا كلّ جميل فانه من بعض شئون ذلك النور الذي ظهر في هذه المرءاة لصفاء القابلية و جودتها فكذلك سجود الخلق من امة محمد9الي جهة الكعبة فانها مثال البيت المعمور الذي هو (من خ‌ل) مثال العرش الذي انتقش فيه تلك الاشباح الطيّبة من صلب ادم و كذلك العرش كان وجهه (وجهة خ‌ل) للسجود من جهة ظهور تلك الاشباح و الانوار فيه كمايدلّ عليه صريح قوله تعالي يوم يكشف عن ساق و يدعون الي السجود عن ساق العرش.

و بالجملة فسجود الاشياء الي جهات مخصوصة للّه سبحانه لايكون الاّ لظهور ذلك النيّر الاعظم و العماد الاقوم فيها فلاتقتضي المصلحة الالهية ان‏يسجدوا بمعني الخضوع و اظهار ترفع (رفع خ‏ل) الواسطة لاحد و ان كان في عالم الظهور البشري يسجدون لكلّ حامل لظهور نور تلك الحقيقة كغيرهم: لا لاجل ارتفاع ذلك الحامل كماكان في الملائكة مع آدم7

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 99 *»

لان امرهم بالسجود لادم (الي ادم خ‏ل)7 اثبات تفوّقه عليهم و استعلائه ليبيّن لهم خطاءهم و لا كان كذلك سجودنا الي جهة الكعبة لاجل ارتفاعها و تفوّقها بل مرادنا السجود للّه متوجهاً الي هذه الجهة التي ظهـر منها سرّ اللّه فسجودهم: الي جهة الكعبة من هذا القبيل لا من قبيل سجود الملائكة لادم7.

و بالجملة (فبالجملة خ‏ل) فالعالي الذي لا اعلي منه في عالم الامكان بحسب الحقيقة ليس الاّ محمد و اهل بيته صلّي اللّه عليهم و لذا سمّي اميرالمؤمنين7 بعلي فان ظهور الاستعلاء في مقام التفصيل ماظهـر الاّ به و فيه و ان كان رسول‏اللّه9 اعلي بل هذا اسمه في الحقيقة اعاره اميرالمؤمنين لانه7 كان حاملاً لرايته (لمراتبه خ‌ل) و واقياً لمهجته و تاجاً لرأسه و يداً لبأسه و باباً لحكمته و طريقاً الي معرفته فهو مظهر علاه و لذا رفعه7 علي كتفه عند حطّ الاصنام اشارة الي هذه الدقيقة الانيقة فافهم و كن من الشاكرين.

فتبين لك ان العالين و ان كان يطلق عليهم الملائكة لكنهم ليسوا من سنخ الملائكة الذين هم حملة وجوه المشية و رؤوسها الي المشاءات المخصوصة و لذا قال مولينا الرضا7في روح‏القدس انه ليس بملك و انما هو بشر هـ فالملائكة الذين قدتقدّم انهم الناقصون فلايرجي فيهم (منهم خ‌ل) الكمال انما هم تلك الحملة لا هؤلاء العالين و قدنصّ مولينا الصادق7 علي مارواه في شرح الآيات الباهرة في العترة الطاهرة ان المراد بالعالين في هذه الآية الشريفة هم الائمة: لا غيرهم و الكتاب لم‏يكن حاضراً عندي حتي انقل الحديث بالفاظه ولكن معناه هو الذي ذكرت لك فالذي ذكرت انهم بمعني العلوّ لا صنف من الملائكة حق ان كان المراد بالملائكة المنفيين هم حملة التدبير و التقدير و الاّ فالعالون ملائكة كالكروبيّين فافهم.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 100 *»

قال سلّمه اللّه تعالي: و ما حقيقة روح‏القدس و ما معني شرافته علي جميع الملائكة (الجميع خ‏ل) حتي العالين و اختصاصه باهل العصمة كمايستفاد من الاحاديث و ان كان يستفاد عدم الاختصاص كماقال7 في هشام بن الحكم في الحديث المعروف.

اقــول: اعلم ان روح‏القدس هو مرتبة من مراتب محمّد و اله صلّي اللّه عليه و عليهم و قوة من لاهوتهم بها مدد الاشياء و منبع العلم و مظهر القدرة و مصدر النور و معدن الفيض و فوّارة القدر و هي خلق اعظم من جبرئيل و ميكائيل و هي ملك و ليس بملك مقرّها علي حافة النهر الذي دون العرش من عالم الانوار و في الحافة الاخري من ذلك النهر الروح من امر اللّه و هو مختص برسول‏اللّه9 ثم بالائمة الاثني‏عشر: و بفاطمة الصديقة و هو العمود من النور الذي بها يرون اعمال الخلايق و لها (منها خ‌ل) اشراق في الانبياء و من ذلك الاشراق ظهر نور علي مثال الروح يسدد الانبياء و يؤيدهم و ذلك النور ايضاً يسمي روح‏القدس من باب الحقيقة بعد الحقيقة و يشرق (تشرق خ‌ل) من ذلك الاشراق علي ساير الرعية و يسمي (تسمی خ‌ل) بذلك الاسم في الحقيقة الثانية و تلك الروح قوة ملكوتية الهية لاتسهو و لاتغفل و لاتتغير (و لاتغيّر خ‏ل) و لاتتبدل (و لاتبدّل خ‏ل) و لايلهو و لايلعب بها العلم و النور و يطلق علي روح‏القدس الروح من امر اللّه و هي التي اشار اليها سبحانه في قوله تعالي و کذلک اوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنت تدري ما الكتاب و لا الايمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا و ا نک لتهدی الي صراط مستقيم و ذلك عند الاجتماع و اما عند الافتراق ففي الغالب بينهما فرق.

اما ان الروح قوة من لاهوتهم و مرتبة من مراتبهم فلقوله7 علي مارواه في الكافي و بصائرالدرجات و البحار و العوالم في حديث عن اميرالمؤمنين7 الي ان قال7 فالانبياء المرسلون و الغيرالمرسلين فيهم خمسة ارواح روح‏القدس و روح‏الايمان و روح‏القوة و روح‏الشهوة و روح‏البدن فبروح‏القدس بعثوا انبياء مرسلين و غير مرسلين و بروح‏الايمان عبدوا اللّه و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 101 *»

لم‏يشركوا به شيئاً و بروح‏القوة جاهدوا عدوّهم و عالجوا معايشهم و بروح‏الشهوة اصابوا اللذيذ من الطعام و نكحوا الحلال من شباب النساء و بروح البدن دبّوا و درجوا ثم قال تلك الرسل فضّلنا بعضهم علي بعض منهم من كلّم اللّه و رفع بعضهم فوق بعض درجات و اتينا عيسي ابن مريم البينات و ايدناه بروح‏القدس ثم قال تعالي في جماعتهم و ايدهم بروح منه يقول اكرمهم بها و فضّلهم علي من سواهم الحديث و الاحاديث بهذا المعني كثيرة و منها مافي البصاير عن المفضل بن عمر (عمرو خ‌ل) قال قلت لابي‏عبداللّه7 سألته عن علم الامام بمافي اقطار الارض و هو في بيته مرخي عليه ستره فقال7 يا مفضل ان اللّه تبارك و تعالي جعل للنبي خمسة ارواح روح الحيوة فبه دبّ و درج و روح القوة فبه نهض و جاهد و روح‏الشهوة فبه اكل و شرب و اتي النساء من الحلال و روح‏الايمان فبه امر و عدل و روح‏القدس فبه حمل النبوة فاذا قبض النبي9انتقل روح‏القدس و صار في الامام و روح‏القدس لاينام و لايغفل و لايلهو و لايسهو و الاربعة الارواح تنام و تلهو و تغفل و تسهو و روح‏القدس ثابت يري به مافي شرق الارض و غربها و برّها و بحرها قلت جعلت فداك يتناول ما ببغداد بيده قال نعم و مادون العرش و حيث ادرجها7 مع باقي الارواح التي هي مراتب وجودهم علمنا ان روح‏القدس ايضاً مرتبة من تلك المراتب و لمّاكان اشرفها و اعلاها كان اقدمها في الوجود و الايجاد و العقل الكلّي هو اول الموجودات فكان هو العقل الاول الكلّي و انما سمّي روحاً لان به حيوة الاشياء و قوامها و قدساً لتنزهه و تقدسه عن كلّ مالايحبّه (ما لايحب خ‌ل) اللّه و هو قوله تعالي خطاباً للعقل و لااكملتك الاّ فيمن احب و سيأتي زيادة توضيح لهذا المطلب ان شاء اللّه تعالي.

و اما ان الروح مظهر القدرة فلما في العوالم عن البصائر عن ابي‏عبداللّه7 قال تعالی و نفخ فيه من روحه قال7 من قدرته و مافي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 102 *»

تفسير العياشي عن ابي‏عبداللّه7 قال ان اللّه تبارك و تعالي خلق روح‏القدس فلم‏يخلق خلقاً اقرب اليه منها و ليس باكرم خلقه عليه فاذا اراد اللّه امراً القيه اليها فالقته الي النجوم فجرت به و في هذا الحديث الشريف دلالة علي ان هذه الروح اول ماخلقه اللّه و الاّ كان شي‏ء اقرب الي اللّه منها فاذا كان اول المخلوق و هو العقل الكلّي لقوله9 اول ماخلق اللّه عقلي و اول ماخلق اللّه روحي و اول ماخلق اللّه القلم و قوله7 و ليس باكرم خلقه عليه يريد بان العاقل و صاحب الروح الجامع بين الروح و النفس و الجسم اشرف و اكرم علي اللّه من هذه الروح وحدها ضرورة ان الكلّ اعظم من الجزء و اشرف لان فيه الجزء و زيادة و الدليل علي انه (انها خ‌ل) اول ماخلق اللّه قوله7 فاذا اراد اللّه امراً القيه اليها فالامر الذي هو المشية يلقي اثره اليها اولاً لبطلان الطفرة و قاعدة امكان الاشرف و اذا ورد (اورد خ‌ل) الفيض عليها فينزل منها فيلقي الي المبادي العالية مثل النجوم فيجري في حقايق الموجودات و لذا قلنا انها معدن الفيض و فوّارة القدر فافهم.

و اما انه خلق اعظم من جبرئيل و ميكائيل فالروايات به متظافرة منها مافي البصائر عن ابي‏بصير قال قلت لابي‏عبداللّه7 يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي قال7خلق اعظم من جبرئيل و ميكائيل و هو مع الائمة:.

و اما انه ملك فللروايات الكثيرة و قدشرحنا وجه اطلاق الملك علي هذه الروح فيماتقدّم عند ذكر العالين فراجع.

و اما انه ليس (انها ليست خ‏ل) بملك فلما في عيون الاخبار عن الحسن بن الجهم عن الرضا7 قال ان اللّه عزّوجلّ ايّدنا بروح منه مقدسة مطهرة ليست (ليس خ‌ل) بملك و قول اميرالمؤمنين7 علي مارواه في بصائر الدرجات عن سعد الاسكافي قال اتي رجل اميرالمؤمنين7 يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل فقال له جبرئيل من الملائكة و الروح غير جبرئيل و كرّر ذلك علي الرجل و قال له لقدقلت عظيماً من القول ما احد يزعم ان الروح غير جبرئيل فقال (له)7 انك ضالّ تروي عن اهل الضلالة يقول اللّه تبارك و تعالي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 103 *»

لنبيه9 اتي امر اللّه فلاتستعجلوه سبحانه و تعالي عمايشركون ينزل الملائكة بالروح و الروح غير الملائكة.

و اما ان مقرّها علي حافة النهر فلقول اميرالمؤمنين7 علي مارواه في العوالم عن بصائرالدرجات انه قال ان للّه نهراً دون عرشه دون النهر الذي دون عرشه نور من نوره و ان في حافتي النهر روحين مخلوقين روح‏القدس و روح من امر ربه (روح من امره خ‌ل) الحديث و العرش هو المشية اي الاختراع الاول و الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و النهر هو الوجود الفايض منه المسمي بالوجود المقيد كما ان العرش هو الوجود المطلق و هذا النهر هو بحر صاد في قوله تعالي في الحديث القدسي في المعراج يا محمد ادن من صاد و توضأ لصلوة الظهر و هو المزن في قوله تعالي افرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون.

و اما الحافتان فهما الطرفان الممتازان بالحدود و القيود فاول التعين و اول مقيد هو العقل الاول و هو روح‏القدس و هو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش و الحدّ الثاني المخلوق من ذلك الحدّ الاوّل الروح من امر اللّه و هو عالم الرقايق و مقام نشو الخلايق و ليس هذا مقام استقصاء هذا البحث فان له مقام (مقاماً) آخر.

و اما انها مختصة برسول‏اللّه9 فلما في قوله7 علي ما في البصائر عن هشام بن سالم قال سمعت اباعبداللّه7 يقول يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي قال خلق اعظم من جبرئيل و ميكائيل لم‏يكن مع احد ممن مضي غير محمّد9 .

و اما انها بعد رسول‏اللّه9 يختص بالائمة لقول ابي‏عبداللّه7 في الحديث المتقدم في ذكر الارواح الي ان قال7 فاذا قبض النبي9 انتقل روح‏القدس و صار في الامام.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 104 *»

و اما انها في فاطمة الصديقة3 فلقوله7 علي مارواه علي بن ابراهيم في تفسيره في قوله تعالي كلاّ و القمر و الليل اذ ادبر و الصبح اذا اسفر انها لاحدي الكبر اي الزهراء3فانها احدي الائمة: في كلّ حالاتهم.

و اما ان الانبياء فيهم روح‏القدس فلما تقدم في كلام اميرالمؤمنين7 ان الانبياء المرسلين و الغير المرسلين فيهم خمسة ارواح روح‏القدس الي اخر الحديث.

و اما ان هذه الروح من اشراق تلك الروح فلقوله7 علي مافي الكافي عن ابي‏عبداللّه7 ان اللّه تعالي خلقنا من طينة مكنونة مخزونة عنده و لم‏يجعل في مثل الذي خلقنا منه نصيباً لاحد ثم خلق شيعتنا من طينة مكنونة تحت تلك الطينة و منهم الانبياء فاذا كانت الانبياء خلقوا من شعاع نور طينتهم كان كلّ‏ما في الانبياء شعاع و اشراق و لا ريب ان الشعاع علي هيئة المنير و اسمه فمايسدد الانبياء من اشراق ذلك النور يسمي روح‏القدس حقيقة بعد حقيقة وهكذا القول في الرعية مثل ماورد في هشام بن الحكم و ما ورد في حسان بن ثابت انك مؤيد (مسدد خ‌ل) بروح‏القدس مادمت ناصرنا فالنور المسدد و نور العصمة يسمي بروح‏القدس الاّ ان في الحقيقة الاصلية في محمد و آله و في الحقيقة التبعية في الانبياء و ساير الرعية و هو قوله تعالي في عيسي بن مريم ايدناه بروح‏القدس.

و اما ان هذه الروح لاتنام و لاتغفل و لاتسهو و لاتلهو و لاتلعب و لاتتوجه الي غير اللّه فلماتقدّم في حديث الارواح الخمسة بان روح‏القدس لاتنام و لاتغفل و لاتلهو و لاتسهو و الاربعة الارواح تنام و تلهو و تغفل و تسهو و قوله7 في الارواح الاربعة دون روح‏القدس انها تنام فالمراد بها اذا كانت معزولة عن روح‏القدس كمافي ساير الرعية من المؤمنين (الموقنين خ‌ل) و غيرهم و اما اذا كانت مصاحبة معها اي مع روح‏القدس و مقترنة بها فهي تكون منصبغة بصبغها متحلية بحليتها

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 105 *»

متحركة بحركتها فهي ايضاً لاتنام و لاتغفل و لاتسهو و لاتلهو و لاتلعب و الي ماذكرنا (ذکرناه خ‌ل) الاشارة في قوله تعالي و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون و هؤلاء عندهم تلك الارواح الخمسة و قدوصفهم اللّه بعدم الفتور عن العبادة لا في الليل و لا في النهار فاين (فانی خ‌ل) الغفلة و السهو اذن فافهم و اتقن و هذا مختصر الكلام في روح‏القدس و لبسط المقال وقت آخر نسأل اللّه التوفيق و التسديد.

قال ايّده اللّه بتأييده و سدّده بتسديده: ما معني التفويض في بعض كلمات اهل العصمة: مع ان البراهين نافية للتفويض.

اقــول: يريد بذلك من نوع ماورد عن الحجة7 في زيارة كلّ يوم من رجب انا سائلكم و املكم فيما اليكم التفويض و عليكم التعويض فبكم يجبر المهيض و مثل ماورد عن الباقر7 في قوله لجابر يا جابر عليك بالبيان و المعاني قال و ما البيان و المعاني قال قال علي7 اما البيان فهو ان‏تعرف ان اللّه واحد ليس كمثله شي‏ء و اما المعاني فنحن معانيه و نحن علمه و نحن حكمه و نحن حقّه اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه مانريد نحن ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوّض الينا امور عباده ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم و مثل ماورد في الكافي عن الصادق7 قال ان اللّه عزّوجلّ ادّب نبيه علي محبته و قال انك لعلي خلق عظيم ثم فوّض اليه فقال عزّوجلّ ماآتيكم الرسول فخذوه و مانهيكم عنه فانتهوا و قال عزّوجلّ من يطع الرسول فقداطاع اللّه ثم قال و ان نبي اللّه فوّض الي علي و ائمته الحديث و فيه عن ابي‏عبداللّه7 في حديث الي ان قال7 ان اللّه عزّوجلّ فوّض الي سليمان بن داود8 و قال هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب و فوّض الي نبيه9 و قال ماآتيكم الرسول فخذوه و مانهيكم عنه فانتهوا فمافوّضه الي رسول‏اللّه9 فقدفوّضه الينا و فيه عن زرارة قال سمعت اباجعفر7 و اباعبداللّه7

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 106 *»

يقولان ان اللّه عزّوجلّ فوّض الي نبيه9 امر خلقه لينظر كيف طاعتهم الحديث و امثال هذه من الاحاديث كثيرة.

و قوله سلمه اللّه تعالي «مع ان البراهين نافية» و هو كذلك لان التفويض يوجب الاعتزال و هو في الامكان محال و ذلك لان التفويض يوجب رفع اليد عن المفوض اليه حين التفويض اليه كالموكل لانه يفوض امره الي الوكيل حين مايوكّله فاذا فعل الوكيل مافوض اليه من امر الوكالة فليس حين الفعل في يد الموكل و لا في قدرته و انما يفعل بالامر الاول و كالمولي اذا امر عبده بان‏يفعل امراً فان العبد حال الفعل ليس في يد المولي و لا في قبضته و لا في قدرته و انما هو معتزل (معزول خ‌ل) عنه و ان كان الفعل يوقعه بامر قولي من المولي فلو جعل الامر في الامكان علي هذا الوجه لزم الاعتزال و ان لايكون الخلق في يد الحقّ في وقت‏مّا و ان‏يكون (تکون خ‌ل) البينونة بين اللّه و بين خلقه بينونة عزلة لا بينونة صفة فاذا جاز استقلال الممكن عن الواجب سبحانه في حال‏مّا جاز في جميع الاحوال و ذلك يخرج الامكان عن امكانه و يجعله قديماً و لذا قال مولينا الصادق7من قال نحن خالقون بامر اللّه فقدكفـر لان الامر اذا كان من قبيل امر المولي لعبده و (او خ‌ل) امر الموكّل لوكيله يستلزم الاعتزال و هو في الامكان محال و لذا امتنعت الامامية عن القول به في الافعال الاختيارية المنسوبة الي العباد فان التفويض علي هذا المعني يورث الاعتزال و المحال.

فتبين ان التفويض بالمعني الذي ذكرناه ليس من مذهب الحق بشي‏ء سواء كان في الافعال الالهية المنسوبة الي العبد او الافعال الالهية المنسوبة الي اللّه و لقداجمعت (اجتمعت خ‌ل) الامامية علي بطلان ذلك و لايصحّ القول بان اللّه سبحانه فوّض امره في خلق الاشياء و رزقها و احيائها و اماتتها الي خلق من المخلوقات نبياً كان او ولياً ملكاً او صديقاً او شهيداً و كذلك امر دينه من الاصول و الفروع و امر قضاء احكامه و كلّ شي‏ء من الاشياء بكلّ طور من الاطوار لايجوز ان‏يكون مثل تفويض المولي الي عبده و الموكّل الي وكيله

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 107 *»

لضرورة (بضرورة خ‌ل) العقل و اجماع الفرقة المحقة و استقرار المذهب مع انه ورد في الروايات مايدلّ علي التفويض مثل ماذكرناه من الروايات و مثل قوله تعالي و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني فتنفخ فيه فتكون طيراً باذني و اذ تبرئ الاكمه و الابرص باذني و اذ تخرج الموتي باذني و مثل قوله تعالي عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و الروايات مشحونة في ان العبد يفعل بامر اللّه و الفعل بالامر اذا كان كفعل العبد بامر المولي بحيث حين الفعل يكون المولی (العبد خ‌ل) معتزلاً فذلك هو التفويض الباطل الموجب للاعتزال و ان كان بيد الآمر فليس بتفويض في العرف.

و الجواب و تحقيق الحق الصواب هو ان‏يقال ان التفويض له اطلاقان: مرة يطلق و يراد به ماذكرناه من تسليم الامر الي احد و رفع اليد عنه و هو يفعل بنفسه و ان كان بعطاء ذلك المعطي و مرة يطلق و يراد به تسليم الامر الي احد حين كونه بيد المعطي بحيث يكون الفعل يمكن ان‏ينسب الي المسلّم المعطي و الي المعطي المسلّم‏اليه (المسلّم المعطي‏اليه خ‏ل) بيان ذلك ان اللّه سبحانه لماجعل العالم عالم الاسباب و ابي ان‏يجري الاشياء الاّ باسبابها جعل لكلّ شي‏ء (شیء شیء خ‌ل) سبباً يوجده بذلك السبب و حيث ان ذلك السبب جعله اللّه سبحانه حاملاً (کاملاً خ‌ل) و وعاءاً لفيضه الموصل الي ذلك الشي‏ء المفاض عليه فيقال انه تعالي فوّض امر ذلك الفيض اليه و ان كان حين الفعل بيده تعالي غير خارج عن قبضته و هيمنة سلطنته مثاله ان النار قدجعلت الدهن حاملاً لفيضها و اثرها الذي هي الحرارة العرضية التي في الدهن لتستحق الشعلة لتوجد بها الاشعة فالنار احدثت الاشعة بالشعلة و الشعلة احدثت الاشعة حين كونها محفوظة بيد النار التي هي الحرارة الموجودة في الدهن و لولا تلك الحرارة ماكانت الشعلة و لولا الشعلة ماكانت الاشعة فالنار فوضت الي الشعلة امر الاشعة مع ان الشعلة حين انفصال الاشعة عنها بيد النار و في قبضتها فيصحّ ان‏تنسب الاشعة الي النار و يصحّ ان‏تنسب الي الشعلة ولكن لك ان‏تنفيها و تسلبها عن الشعلة و لايصحّ ان‏تنفيها و تسلبها عن النار مثلاً يصحّ ان‏تقول ان النار احدثت الاشعة بالشعلة و يصحّ ان‏تقول ان الشعلة احدثت

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 108 *»

الاشعة بالنار و يصحّ ان‏تقول ان الشعلة مااحدثت الاشعة حين (حين‌ما خ‌ل) احدثتها ولكن النار احدثتها و لايصح ان‏تقول ان النار لم‏تحدثها و انما احدثتها الشعلة لان الشعلة من غير النار ليست بشي‏ء.

مثال اخر ان الشمس اذا اشرقت و قابلتها البلورة الصافية يحدث الاحراق فالاحراق انما كان من الشمس بالبلورة و لولا البلورة ماكان الاحراق و لم‏يكن لنور الشمس حامل جامع يجمع الحرارة حتي يحصل الاحراق و لولا الشمس ماكان الاحراق ايضاً و لك ان‏تقول ان البلورة احرقت لانها (كانت خ‌ل) محل (محلاً خ‌ل) للنور و (وعاءاً خ‌ل) وعاء لذلك الظهور و لك ان‏تقول ان الشمس احرقت و لك ان‏تقول ان البلورة حينما احرقت مااحرقت ولكن الشمس احرقت فالشمس حيث (حين خ‏ل) جعل البلورة محلاً لنورها و مخزناً لفيضها و مددها يصحّ ان‏يقال انها فوضت امر الاحراق اليها و ان كانت حين الاحراق بيد الشمس فلو فارقتها حين الاحراق ماحصـل و لم‏يوجد و البلورة سبب لفعل الشمس كالشعلة لفعل النار.

فاذا عرفت هذا المثال عرفت معني التفويض الجايز و التفويض المحال فان الشمس اذا اشرقت علي البلورة ثم عند مقابلتها لشي‏ء (بشیء خ‌ل) آخر اعرضت الشمس عنها لايحصل الاحراق ابداً و كذلك النار اذا تعلّقت بالدهن ثم ذهبت عنه لم‏تحصل الشعلة و لم‏يتحقق الاشراق فالخلق في حال السببية كلّه علي هذه المثابة فالملائكة انما تفعل ماتفعل من التدبير و التقدير و الخلق و الرزق و الاحياء و الاماتة حين كونها محفوظة بالمشية و حاملة لرأس من رؤوسها حين تعلّقه بها فالفاعل هو اللّه و هؤلاء الملائكة اسباب و حملة لفعله تعالي فيصحّ ان‏تقول اللّه يتوفي الانفس حين موتها و يصحّ ان‏تقول قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكّل بكم و يصحّ ان‏تقول الذين تتوفيهم الملائكة طيبين و كذلك يصحّ ان‏تقول ان عيسي خلق الطير و يصحّ ان‏تقول ان اللّه خلق الطير و يصحّ ان‏تقول ان عيسي ماخلق الطير حين خلق ولكن اللّه خلق وهكذا من امثاله فالسبب يصحّ ان‏ينسب اليه الفعل و يصحّ ان‏يسلب حينما ينسب اماسمعت اللّه سبحانه يقول في القرآن انه لقول رسول كريم مع ان القرآن كلام اللّه و يصحّ ان‏تقول ان القرآن كلام اللّه و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 109 *»

يصحّ ان‏تقول انه لقول رسول‏اللّه9 و يصحّ ان‏تقول ان الرسول ماقاله حينما قاله ولكن اللّه قاله.

و بالجملة فالتفويض في الكتاب و السنة اينما ورد يراد به هذا القسم لا التفويض الذي لايصحّ ان‏تقول مافعله حين فعله ولكن غيره فعله اذ لايصحّ ان‏تقول ان الذي فعله الوكيل مافعله ولكن الموكّل فعله او ان الذي فعله العبد مافعله ولكن المولي فعله فان ذلك باطل جداً لبداهة ان العبد حين الفعل ليس في يد المولي ان شاء اجري مافعله المولي و ان شاء لم‏يجـر و ليس ذلك حكم الشعلة مع النار فان الشعلة مالم‏تكن بيد النار ليست بشي‏ء حتي يحدث منها شي‏ء فماحدث منها الاّ ماحدث من النار و لها الحاملية خاصة و كذلك البلورة حين احراقها.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الحقيقة المحمدية لمّاخلقها اللّه سبحانه و تعالي جعل قلبها محلاًّ لمشيته و مكمناً لارادته ثم يظهر سبحانه آثار صنعه من هذه الحقيقة المقدسة فاللّه الفاعل و هم السبب فلايفعلون حين يفعلون بل اللّه يفعل و هو قوله7 في زيارة ال‏يس و ما شي‏ء منا (ما من شي‏ء خ‏ل) الاّ و انتم له السبب و اليه السبيل و في زيارة مولينا الحسين7 ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليكم و يصدر من بيوتكم الصادر لمافصّـل من احكام العباد.

و بالجملة حيث كان اللّه سبحانه جعل العالم عالم الاسباب و جعل محمّداً و آله هم السبب الاعظم فقدفوّض اليهم امر خلقه بهذا المعني اي بان جعلهم خزانة لامداده و محلاًّ لمشيته فيفيض سبحانه علي الاشياء بهم حين كونهم محفوظين باللّه مكلوءين بعناية اللّه علي حدّ قوله تعالي و مارميت اذ رميت ولكن اللّه رمي فمن قال بالتفويض علي المعني الاوّل لقدضـلّ و غوي و هو الذي قامت البراهين علي بطلانه و من قال به علي المعني الثاني فقداصاب و عليه تحمل تلك الروايات و الآيات و الامر و الاذن و التوكيل في قوله تعالي قل يتوفيكم ملك‏الموت الذي وكّل بكم

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 110 *»

لا التوكيل علي حسب المتعارف عند العرف لان ذلك باطل بل كفر و زندقة بل الامر في ذلك كماتقول ان اللّه خلق الليل و النهار لاريب انه سبحانه انما خلق النهار بالشمس و هي السبب لوجوده و اللّه هو الذي خلقها و كذلك اللّه سبحانه هو الذي خلق العالم ولكن باشراق شمس الحقيقة المحمدية فافهم ذلك و ابن عليه امرك فان كلّ قول دون هذا القول باطل و كلّ مذهب سوي هذا المذهب الحق مجتث زائل و احمل علي هذا المعني التفويض الذي ورد في كلمات اهل العصمة: و لاتحمل علي غيره فانك تضلّ عن سواء الطريق فافهم وفقك اللّه لمايحب و يرضي.

قال سلمه اللّه تعالي: و ما معني العصمة و حقيقتها.

اقــول: اعلم ان لمولانا و شيخنا و سنادنا و عمادنا و من عليه (اليه خ‌ل) في كلّ حق استنادنا اعلي اللّه مقامه و رفع في الدارين اعلامه كلام (کلاماً خ‌ل) في العصمة كلّ كلام دونه سقط و كلّ مطلب في هذا المقام دونه غير ملتفت‏اليه و هو لبّ الكلام و سرّ الحقيقة في العصمة فلايحتاج (تحتاج خ‌ل) بعد ذلك الي كلام ان احطت (به خ‌ل) خبراً بما فيه و تفطنت لظاهره و خافيه و انا انقل كلامه لك بالفاظه الشريفة لتفوز (لتوفر خ‌ل) بوافر النصيب من المعلّي و الرقيب فاقول:

قال اعلي اللّه مقامه: «ان العصمة ملكة ربانية تمنع من فعل المعصية و الميل اليها مع القدرة عليها و بيان ذلك اعلم ان اللّه سبحانه خلق الاشياء بفعله علي حسب قوابلها لفعله بمعني انه احدث موادّها لا من شي‏ء اعني وجوداتها و صورها كماقبلت بمعني انه تعالي ركّب صورها علي حسب قوابلها فمن لطفت مادته و رقّت لشدة نوريتها و قربها من المبدأ الفياض الذي هو مشية اللّه تعالي و فعله تلاشت انيتها و ضعفت بحيث لاتكاد تنافي هيئة فعله فلاتبدو عنها هيئة تخالف هيئة فعله تعالي فلايقع لها متعلق اقتضاء

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 111 *»

غير مااقتضته هيئة مشيته فلايريد ذلك المخلوق غير مايريد خالقه كماقال تعالي و ماتشاءون الاّ ان‏يشاء اللّه و هو معني قول علي7 فجعلهم السن ارادته يعني ان ارادته تعالي تنطق بهم فقولهم قوله تعالي و فعلهم فعله عزّوجلّ و هو معني قولهم: نحن محالّ مشية اللّه و في زيارة الحجة7 عن ابي‏جعفر محمد بن عثمان العمري مجاهدتك في اللّه ذات مشية اللّه و مقارعتك في اللّه ذات انتقام اللّه و صبرك في اللّه ذو اناة اللّه و شكرك للّه ذو مزيد اللّه و رحمته و فيها بعد هذا و القضاء المثبت مااستأثرت به مشيتكم و الممحو ما لااستأثرت به سنتكم فكان بعناية اللّه و لطفه عن قابليته سابقاً لكلّ من لم‏يكن كذلك.

و قولي بعناية اللّه و لطفه اريد منه (به خ‌ل) انه تعالي لطف بذلك العبد لسبق (بسبق خ‌ل) عناية الاختصاص فراضه (فراحته خ‌ل) بقابليته حتي بلغ به اعلي مقام القرب من رضوانه كمافي الزيارة التي رواها ابن‏طاوس و الشيخ محمّد بن المشهدي و الشيخ المفيد في الثناء علي اهل‏البيت:الذين هم اهل هذه المرتبة التي نحن بصدد بيانها و فيها لايسبقكم ثناء الملائكة في الاخلاص و الخشوع و لايضادّكم ذوابتهال و خضوع اني و لكم القلوب التي تولّي اللّه رياضتها بالخوف و الرجاء و جعلها اوعية للشكر و الثناء و امنها من عوارض الغفلة و صفّاها من شواغل الفترة بل يتقرب اهل السماء بحبّكم و بالبراءة من اعدائكم و تواتر البكاء علي مصابكم و الاستغفار لشيعتكم و محبيكم الخ فكانت فطرة هذا العبد علي هيئة فعله تعالي و محبته فحين توجّه اليه امر ربّه كان ميل فطرته و داعي صورته الغيبية مطابقاً لمحبة اللّه و ارادته و امره مع دوام الرياضة و التربية عن حقيقة ماهو اهله بالتوفيق و التسديد (السداد خ‌ل) و عدم التخلية الي نفسه في كلّ حال فتكون و تحقق و ثبت و استقر عن ذلك اللطف و العناية و الرياضة و التربية المصاحبة للتوفيق و التسديد و عدم التخلية مع مطابقة تلك الفطرة لفعل اللّه و ارادته و محبته ملكة ربانية تمنع من فعل المعصية و الميل اليها مع القدرة عليها لكون تلك العنايات و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 112 *»

الالطاف و الرياضات و التربيات و التوفيقات و التسديدات جارية لذلك العبد بقابليته و حقيقة ماهو اهله و كمااشار اليه قوله تعالي اللّه اعلم حيث يجعل رسالته و ذكر اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه في الثناء علي النبي9 في خطبة يوم الغدير و الجمعة كمارواه الشيخ في المصباح قال7 و اشهد ان محمداً عبده و رسوله استخلصه في القدم علي ساير الامم علي علم منه انفرد عن التشاكل و التماثل من ابناء الجنس و انتجبه آمراً و ناهياً عنه اقامه في ساير عوالمه في الاداء مقامه اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الاّ هو الملك الجبار قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته و اختصّه من تكرمته بمالم‌يلحقه فيه احد من بريّته فهو اهل ذلك بخاصته و خلّته اذ لايختص من يشوبه التغيير و لايخالل من يلحقه التظنين الخ فابان7 ان استخلاص اللّه له و اختصاصه به انما هو لانفراده عن التشاكل و التماثل من ابناء الجنس و ذكر علة ذلك فقال لانه عزّوجلّ لايختص من يشوبه التغيير و لايخالل من يلحقه التظنين و هو المراد ممااشرنا اليه من تحقيق تلك الملكة و بيان منشأها فتفهم ماذكرناه و ماذكره7 في هذه الخطبة.

و قولي ملكة ربانية لبيان نشو هذه الملكة علي مقتضي تلك التربيات و الرياضات و الالطاف الربانية و هذه الملكة هي العصمة و هي مجمع الكمالات لانطواء جميع الكمالات فيها باعتبار عموم دائرتها و احاطتها بجميع الصفات و الافعال من الجهة العليا و هي جهة التعلق من الفيض الالهي لقوة استعدادها لذلك و من الجهة السفلي و هي جهة الاداء و التبليغ و تربية الرعية و عمارة مدينة الكون و النظام لانها هي العدالة المطلقة الامكانية المستلزمة لحفظ النسبة الايجادية الالهية بين جميع الموجودات علي ماهي مذكورة به في العلم الامكاني من نفس‏الامر و الي هذه العدالة المطلقة الامكانية التي هي العصمة الاشارة في قوله7 بالعدل قامت السموات و الارض و روي في حديث اخر بالعدول قامت السموات و الارض يعني بالعدول اصحاب تلك العدالة المطلقة التي هي العصمة لانهم يسيرون في اعمالهم و احوالهم و اقوالهم و افعالهم علي مقتضاها من حفظ

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 113 *»

النظام و عمارة المدينة بحفظ (بحسب خ‌ل) النسب القيومية الالهية بين الاشياء كلّها التي بها يرتفع الفساد من ساير البلاد فهي عند المحققين تقتضي اموراً: الاول صدق الاقوال في كلّ المواطن الثاني حسن الافعال في جميع الاعمال الثالث صحة الاحوال و استقامتها علي مقتضي العدل الرابع ملازمة المراقبة و التلقي من الجهة العليا الخامس مداومة شهود العليا قبل السفلي و معها (منها خ‌ل) من غير انتقال البصيرة و التفات السريرة السادس حفظ الحقوق عن التعطيل و التعطل السابع حفظ نظام المعاش و المعاد عمايوجب اختلالهما بحسب الامور العقلية الشرعية في التمام و (او خ‌ل) الكمال و تلازمهما (تلازمها ظ@) اوصاف حميدة شريفة يتصف بها من اتصف بهذه الملكة كالعقل الكامل و العلم و الحلم و الخير و الايمان و التصديق و الرجاء و العدل و الرضا و الشكر و التوكل و الرأفة و الرحمة و الفهم و العفة و الزهد و الرفق و الرهبة و التواضع و التؤدة و الصمت و الاستسلام (الاستلزام خ‌ل) و التسليم و الصبر و الصفح و الغناء (العفاف خ‌ل) من الخلق و الفقر الي الخالق و التذكر و الذكر و الحفظ و التعطف و القنوع و المواساة و المودّة و الحب و الصدق و الحق و الامانة و الاخلاص و الشهامة و الشجاعة و قوة الرأي و حسن الخلق و الفهم و المعرفة و المداراة و سلامة الغيب و الكتمان و الصلوة و الزكوة و الصوم و الحج و الجهاد و صون الحديث من (عن خ‌ل) النميمة و برّ الوالدين و الحقيقة و المعروف و الستر و التقية و الانصاف و التهيئة و النظافة (النصافة خ‌ل) و الحياء و القصد و الراحة و السهولة و البركة و العافية و القوام (بفتح القاف) و الحكمة و الوقار و السكينة و السعادة و التوبة و الاستغفار و المحافظة و الدعاء و النشاط و الفرح و الالفة و الكرم و السخاء و سلامة الخلقة من العيوب المنفرة للطباع كالجذام و البرص و تشويه الصورة و امثال هذه من الصفات الحميدة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 114 *»

الشريفة و تلازمهما (تلازمها خ‏ل) الطهارة و النزاهة عن اضداد تلك الاوصاف الحميدة لان كلّ صفة من تلك الاوصاف الحميدة متكون فيها انما تكون في اعلي مراتبها و اكملها فلايجامعها شي‏ء من ضدها.» انتهي كلامه بالفاظه الشريفة و هو لعمري تمام الكلام في هذا المقام فاقتصر عليه و هو وافٍ بماتريده ان شاء اللّه.

قال سلّمه اللّه تعالي: و ما معني كلام القوم ان الامامة ليست (ليس خ‌ل) من اصول الدين و منكرها ليس بكافر علي اليقين مع ان الامامة تفصيل النبوة التي اجمعوا علي كفر منكريها (منکرها خ‌ل).

اقــول: مرادهم بقولهم ان الامامة ليست من اصول الدين هي امامة الائمة الاثني‏عشر و ان تكون الامامة باقية دائمة الي يوم القيمة (و خ‌ل) لاتنقطع و لاتزول و لاتضمحل و ان الامامة حكمها حكم النبوة في جميع المقتضيات و الاضافات و الاحكام فان هذه الامور ليست ممايوجب انكارها الخروج من الدين و الكفر بمااتي به سيد المرسلين و اصول الدين هي التي يبني عليها الدين فاذا اختلّ اصل منه يكون كافراً علي اليقين كالنبوة نفسها و التوحيد و المعاد فان هذه الامور ثابتة من ضرورة المسلمين و مناط الكفر انكار ماقامت عليه ضرورة الاسلام بحيث كلّ من اقرّ بمحمد9 يقرّ به من كبير و صغير من عالم و جاهل و مجتهد و مقلد و رجال و نساء وهكذا كلّ من دخل في دين الاسلام فاذا انكر ما هذا شأنه يخرج عن دين الاسلام و اما اذا اختلف المسلمون و كلّ فرقة منهم ذهبت الي طريق و يري ان ذلك دين محمد9 غير مظهر للعناد و لا مكابر للحق بعد ماتبيّن له و اذا انكر ما عليه فرقة اخري لايخرج عن دين الاسلام و اصول الدين بعد التوحيد و النبوة ماقامت عليه ضرورة المسلمين ان ذلك من دين محمد9 فاذا لم‏يبلغ الامر الي حدّ الضرورة لم‏يخرج عن الدين بل يخرج عن تلك الفرقة التي عندهم ذلك

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 115 *»

الاعتقاد فامامة الائمة الاثني‏عشر ليست مماقامت عليه ضرورة الاسلام و لم‏يعترف بها كلّ من دان بدين الاسلام و من هذه الجهة لم‏يحكم بكفر مخالفي هذه الفرقة المحقّة من ساير فرق الشيعة و غيرهم فالامامة ان كان المراد بها امامة الائمة الاثني‏عشر و ثبوت الامامة في عقيب الحسين7 الي يوم المحشر ممالم‏تقم عليه الضرورة ضرورة الاسلام و لم‏تكن من اصول الدين اي من اصول دين الاسلام كماقال تعالي ان الدين عند اللّه الاسلام و انما هي من اصول الدين اي المذهب الحق و دين الفرقة المحقة و لا ريب ان هذا الدين اصله الامامة و اسّه و اسطقسه بل هي من اعظم اصوله و اقوي بنيانه و اركانه لا ان الامامة ليست من اصول الدين يعني تكون من فروعه كمازعم اهل السنة فان ذلك باطل فاسد و زور كاسد فالامامة هي قوام الدين و اصل الجنة و النار و بها يمتاز الابرار من الاشرار و بها يعرف اهل الجنة من اهل النار لا انها من الفروع التي يعذر تاركها و لايخلد في النار المعرض عنها كما هو شأن الفروع كما هو المعلوم.

و ان كان مرادهم بالامامة خلافة لرسول‏اللّه9 ولو في‏الجملة فانها لا شك انها من اصول الدين اذ قد قام الاجماع من جميع المسلمين المقرّين بنبوة محمد9خاتم‏النبيين ان اميرالمؤمنين7 هو الامام و الخليفة بعد رسول‏اللّه9 و لايشك في ذلك احد ابداً فامامة اميرالمؤمنين7 من اصول الدين و المنكر لها كافر ملحد نجس علي اليقين مخلّد في اسفل السافلين و من هذه الجهة حكم بكفر الخوارج و نجاستهم عند السنة و الشيعة فلو لم‏تكن من اصول الدين اي الاسلام لماحكمنا بكفرهم و لماسمّيناهم الخوارج فالامامة بهذا المعني من اصول الدين بلا شك و (لا خ‌ل) ريب و تخمين لاتفاق المسلمين علي امامة اميرالمؤمنين7 و ان اختلفوا في انه امام بلافصل و خليفة بلافاصلة او انه رابع الخلفاء و الامام الرابع.

و اما امامته في نفسه فلا اشكال فيها و لا نزاع لاحد من المسلمين الاّ الخوارج فانهم المارقون مرقوا من الدين نعم احترام

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 116 *»

الائمة: و تعظيمهم و توقيرهم و عدم اهانتهم و ايذائهم من اصول الدين ثابت عند جميع المسلمين و اجماعهم علي انهم: من القربي الذين اوجب اللّه مودّتهم في قوله تعالي قل لااسألكم عليه اجراً الاّ المودة في القربي و من اهانهم: او ادخل الاذي عليهم او سبّهم فلا شك و لا ريب انه كافر نجس يجب قتله فلايغسل و لايكفن و لايدفن و هذا الذي ذكرنا لك هو مراد القوم.

و اما الذي عندي فانها من اصول الدين و منكرها كافر علي اليقين و مكذب لماجاء به سيدالمرسلين و مخلّد في النار اسفل‏السافلين الاّ ان شريعة التقية اوجبت الحكم بطهارتهم و العسر و الحرج المنفيين في الدين اقتضيا اجراء حكم الاسلام عليهم لانهم صاحب السلطنة و صاحب الشوكة و هم صاحب الدولة فمايصنع المستضعفون الذين لايستطيعون حيلة و لايهتدون سبيلاً الي الانتصار لو اجروا عليهم حكم الكفار فطهارتهم كطهارة ماء الاستنجاء بعد القول بان ماء (الماء خ‌ل) القليل ينفعل بالملاقاة فان الشارع المقدس انما حكم بها للزوم العسر و الحرج عن (عند خ‌ل) القول بنجاسته لابتلاء عامة الخلق في عامة الاحوال و كذلك هؤلاء المنكرون لولاية الائمة الطاهرين و امامتهم هم الكفرة الفجرة ولكن من جهة لابدية الاختلاط معهم و معاشرتهم و مباشرتهم و صعوبة التجنب عنهم بل في التجنب اهلاك النفوس و هتك الاعراض و اتلاف الاموال و فساد الحرث و النسل حكمنا بظاهر اسلامهم و طهارتهم بل الرضا (الزمنا خ‌ل) علي انفسنا معاشرتهم و مباشرتهم و امتثلنا امر مولينا و سيدنا الصادق جعفر بن محمد8 فيما ادّب به رعيته و شيعته بقوله7 عوّدوا مرضاهم و شيّعوا جنايزهم و احضروا جماعتهم و صلّوا معهم فان لم‏تمكنوا (تتمکنوا خ‌ل) ان‏تكونوا ائمة لهم كونوا مؤذنين في جماعتهم و اجهدوا ان‏تكونوا في الصف الاول فان المصلي معهم في الصف

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 117 *»

الاول كالمتشحط بدمه بين يدي رسول‏اللّه9 و في رواية اخري كالمصلي خلف رسول‏اللّه9 فاذا كان هذا و امثاله من نوعه (نوع خ‌ل) ادب مولينا الصادق7 و وصيته لاصحابه فكيف يمكن مع ذلك الحكم بنجاستهم الظاهرية فمن هذه الجهة قلنا بطهارتهم و حكمنا بكفرهم.

و اما قولكم مع ان الامامة تفصيل النبوة الخ فلايلزم من كون انكار المجمل كفراً كون انكار المفصّل ايضاً كفراً لان التفاصيل استنباطها من ذلك المجمل امر صعب قلّما يهتدي اليه ساير الناس فالشبهة الدايرة فيها موجودة بخلاف المجمل الاتري المسلمين متفقين علي شهادة لا اله الاّ اللّه محمد رسول‏اللّه و مختلفين غاية الاختلاف في تفاصيل هاتين الشهادتين فلو كان انكار التفصيل كفراً فيماكان انكار المجمل كفراً لم‏يثبت مسلم و هو قوله تعالي و مايؤمن اكثرهم باللّه الاّ و هم مشركون فافهم فانه لايسعني الان تفصيل هذا الاجمال و شرح هذا الداء العضال و علي اللّه التوكل في كلّ الاحوال.

قال سلمه اللّه تعالي: و ما معني النية و حضور القلب و التوجه و القربة في العبادات التي امرنا سادات البريّات.

اقــول: اعلم ان الذي يتصوره الانسان لايخلو اما ان‏تكون صورة حقيقة من حقايق الوجود جوهراً كان ام عرضاً ذاتاً كانت ام صفة مجردة كانت ام مادية علوية كانت ام سفلية عليينية كانت ام سجينية و غير ذلك من اطوار حقايق الاعيان و الاكوان او صورة فعل من الافعال و هو لايخلو اما ان‏يكون فعل نفسه او فعل غيره و الكلّ لايخلو اما ان‏يكون يجري عليها حكماً من الاحكام ام لا و الجميع لايخلو اما ان‏تكون تلك الصورة لها معارض (معارضاً خ‌ل) من صورة اخري ام لا و الاولي حصول تلك المعارضة اما ان‏يكون موجباً للريب او الشك او الوهم او الظن او

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 118 *»

السفسطة او الانكار ام لا و هذه اثنان و اربعون صورة بضرب الثلاثة في الاثنين تصور العين و تصور فعل نفسه و تصور فعل غيره و الاثنان ثبوت الحكم و عدمه و الحاصل ستة ثم ضرب الستة المذكورة في الاثنين و هو حصول المعارض و عدمه فالحاصل اثناعشر ثم ضرب الستة التي لها معارض في الستة اقسام المعارضة و الحاصل ستة و ثلاثون ثم جمعها مع الستة الاخري و هي التي لا معارض (تعارض خ‌ل) لها و الحاصل اثنان و اربعون و في صورة ما اذا كانت تلك الصورة التي في النفس صورة فعل نفسه لايخلو (لاتخلو خ‌ل) اما ان‏يريد يوجدها في الخارج ام لا و في الصورة الاولي فاول ماتظهر الصورة في النفس اول ذكر الشي‏ء تسمي تلك الصورة مشية و تسمي الذكر الاول كماقال مولينا الرضا7 في حديث يونس أتدري ما المشية قال لا قال7 هي الذكر الاول فاذا حصل هذا الذكر في النفس و خلي عن المعارض تأكد العزم لاحداثها و اظهارها في الكون الخارجي و تقوّي ذلك العزم الي ان صار موجباً لحركات الاضلاع و الجوارح لفعل ذلك الشي‏ء و ايجاده فيوجده (و يوجده خ‌ل) علي مقتضي ماتصور في النفس فتلك الصورة المؤكدة بالعزم الموجبة لهيجان العضلات و الجوارح هي النية.

فالنية هي العزم و الارادة المساوقة لوجود الاثر في الخارج لا محض التصور و هذه هي النية المعتبرة في العبادات و في الافعال و هي التي تخرج الشخص الفاعل عن كونه ساهياً او ناسياً او ذاهلاً و هي مساوقة للفعل لاتتخلف عنه فلو تخالفت عنه لم‏تكن اياها بل كانت صورة من الصور النفسية الخيالية. فالنية عبارة عن القصد الداعي المتحصل من تلك الصورة المتأكدة (المؤکدة خ‌ل) بالعزم المهيجة للجوارح باحداث ذلك الشي‏ء في الخارج و هو (هي خ‏ل) شي‏ء واحد فان كان ذلك المحدث ذا اجزاء يسري ذلك العزم الواحد في تلك الاجزاء سريان الروح الواحد المحتبس في القلب في جميع الشريانات الظاهرة في جميع الاعضاء و الاجزاء و الجوارح فهذه هي النية الثابتة في الافعال كلّها و هي امر طبيعي و علة فاعلية للشي‏ء مقترنة به مساوقة معه لايخرج شي‏ء من

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 119 *»

الفعل عنها كيف و خروج العلة عن المعلول محال و لاتخرج هي عن شي‏ء من الفعل لان العلة لولا احاطتها بالمعلول ماتوجد بل تعدم فلايشذّ (فلاينفكّ خ‏ل) فعل منها و لا هي (من خ‏ل) شي‏ء من الفعل و هذا هو معني الاستدامة التي يذكرها الفقهاء.

فالنية تقدمها علي الشي‏ء تقدم ذاتي و وجودها في عالم الظهور مساوق مع المفعول كحركة اليد و المفتاح و قول الفقهاء ان النية تجب (يجب خ‌ل) ان‏تكون مقارنة للفعل معناه هذا الذي ذكرنا (ذکرناه خ‌ل) لا ان النية شي‏ء يتصوره الانسان و يقدّره و يجدّده ثم يشرع في العمل فان ذلك من اسخف الاقوال فالنية في الصلوة هي مساوقة مع الف اللّه اكبر الي ميم السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته و من هذه الجهة قلنا ان قصد قطع الفعل مع عدم قطعه لايخلّ بالعمل لان قصد مفارقة الفعل (العمل خ‌ل) ليس بنية بل النية هي الارادة و هي العزم و لاتكون الارادة الاّ و المراد معها و مرادنا بعدم قطع الفعل ان‏يأتي بالعمل بعد قصد القطع مستصحباً لمانواه اولاً و ان تصور القطع فهذا التصور ليس بشي‏ء كما اذا تصور قطع الصلوة بعد تمام القراءة و اتي بالركوع علي انه من الصلوة مستمراً حالة الصلوة فان هذا القصد غير ضائر و المراد بالقطع ان‏يأتي بعمل مغاير (بعمل ضائر خ‌ل) لمانواه و ان كان جزء ذلك العمل الذي شرع فيه.

فعلي ماذكرنا تبيّن لك ان النية ليست (ليس خ‌ل) محض التصور و ان التصور علي جهة التشخص (التشخيص خ‌ل) و التميز (التمييز خ‌ل) المسمي عندهم بالاخطار بالبال ليس داخلاً في حقيقة النية و انما هي مقدمة بمعني العلم فاذا (فان خ‌ل) فعل شخص فعلاً عالماً به عازماً عليه ففعله مع النية و لايجب ان‏يكون حال العزم متصوراً لذلك الشي‏ء بحدوده و مشخصاته و اطواره و احواله مثلاً اذا علمت انك محدث يجب عليك الوضوء ثم احضرت الماء و استعملته عازماً علي الوضوء (و خ‌ل) قاصداً له و ان لم‏يكن حال الفعل متصوراً للوضوء علي الهيئة الخاصة لكنّك تفعل هذا الفعل بعزيمة و داعٍ فهذا هو النية ثم اذا تمّمت الوضوء و انت تعلم انه يجب عليك الصلوة فاتيت و وقفت للصلوة و كبرت تكبيرة الاحرام من غير استحضار للصلوة و لا لحدودها ولكنك عازم عليها غير ذاهل

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 120 *»

عنها متوجه الي المعني الواحد البسيط الساري في افعال الصلوة كلّها كالشجرة البسيطة الظاهرة بالاغصان و الاصول و الشخص الانساني الظاهر بالاعضاء و الجوارح فاذا فعلت هكذا فقداتيت بالنية و صحّ عملك و لايحتاج (تحتاج خ‌ل) الي تصور زايد علي هذا العزم.

و ماذكره الفقهاء في نيّة الصلوة من ذكر الاداء و القضاء و القصر و الاتمام و الوجوب و الندب و التقرب كلّ ذلك مرجعه الي العلم بها لا ان حين دخوله في العمل يكون متصوراً لها نعم العلم مقدمة للعمل و العمل قوامه بالنية فاذا علم ان عليه صلوة واجبة و هي الظهر مثلاً و هي الاداء و هي التمام و هي الواجبة ثم كبّر تكبيرة الاحرام من غير استحضار لهذه الخصوصيات و الحدود صحّت نيته و تمّ عمله و خرج عن عهدة الامتثال فالنية شي‏ء موجد و موجب للعمل فلايكون عمل من المختار الغير الناسي و الذاهل الاّ بها و لذا قال بعض العلماء (الفقهاء خ‌ل) لو كلّفنا اللّه ان‏نعمل بلانيّة كان تكليفاً بمالايطاق و هو كماذكر لان الفعل بلافاعل و المعلول بلاعلة و الاثر بلامؤثر لايكون ابداً و لايجري علي ذلك تكليف لان النية هي العلة الفاعلية للشي‏ء و لذا قال7 لا عمل الاّ بنية, و انما الاعمال بالنيات, و لكلّ امرئ مانوي نعم يقع (يصحّ خ‏ل) التكليف علي شرايط هذا العزم و الارادة يعني مايحصل بالارادة ليس مقبولاً عند اللّه الاّ ان‏تكون الارادة التي هي علة العمل علي وجه مخصوص و هي التقرب الي اللّه و هذا الذي يقع عليه التكليف فاذا كان العمل الذي توجده النية يفارق القربة بل يقصد شهوة نفسه او غيره فان الفعل يقع و العمل يوجد لكن لا علي الوجه الصحيح المطلوب للّه سبحانه و تعالي فاذا اتي بها علي وجه التقرب (المتقرب خ‌ل) فقداتي بالعمل علي الوجه المطلوب و قدبرئت ذمّته عن عهدة التكليف و هذا شي‏ء معلوم.

و لمّا كان العمل يستحيل تخلفه عن النية و لايمكن ان‏يوجد من دونها قلّ في كلام ائمتنا سلام اللّه عليهم التعرض لبيانها و الكشف عن حقيقتها لان ذلك بيان للواضحات و شرح للبديهيات و من هذه الجهة وردت احاديث في النية مجملة غير مفصلة و ذلك لبيان بعض لواحقها و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 121 *»

اعراضها و الاّ فهي في نفسها غنيّة عن البيان لان التكليف بالفعل تكليف بالنية و كذلك العلماء المتقدمون و الفضلاء السابقون من الفقهاء الاعلام و الفضلاء الفخام لم‏يتعرضوا للنية في كتاب العبادات و لم‏يعنونوا لها عنواناً اخر بل احالوا وجودها الي (علی خ‌ل) الفطرة و قصد التقرب فيها الي اصل المذهب و قلّ لهم التعرض فيها لانها فطرة ذاتية لايمكن الفعل بدونها و ذلك شي‏ء معلوم و ظاهر مفهوم.

و اما معني حضور القلب فاعلم ان القلب اما حقيقته فان شاء اللّه سيأتي بيانه و اما حضوره فاعلم انه ثابت مع (عند خ‌ل) كلّ عمل و فعل لان الاثر انما يكون بفاضل ظهور المؤثر و ظهوره لايكون الاّ بحضوره فلايصح العمل مطلقاً الاّ بحضور (بظهور خ‌ل) العامل حين العمل بلاكيف و لا اشارة و ذلك معلوم واضح و اما حضور القلب في العبادة الذي هو موضع السؤال فان كانت هي التوحيد و مشاهدة العظمة و الجلال و الكبرياء فهو عبارة عن استعداده و تهيئه (تهيئته خ‌ل) لمشاهدة الاسماء و الصفات و انحاء التجلّيات و سلب الرسوم و الاضافات بان‏يكون في مقام التوحيد ناظراً الي الواحد بلا كيف و لا اشارة و في مقام الاسماء و الصفات ناظراً الي الاسم الاعظم و فانياً نفسه عند ظهور النور الاقدم و الذكر الاعلي المعظم و ان كان في العبادة التي هي عبارة عن الاعمال الجوارحية كالصلوة و الزكوة و الخمس و ساير الاعمال فحضور القلب فيها اقلّ مراتبه ان‏يجـد نفسه في كلّ جزء من اجزاء فعله ممتثلاً لامر اللّه طالباً لرضا (لرضاء خ‌ل) اللّه راغباً في قربه و نجويه طالباً لثوابه خائفاً من عقابه (عذابه خ‌ل) (عالماً خ‌‌ل) بان هذا العمل جاذب للنور من عالم السرور و فاتح له باباً من ابواب الجنة و مغلق عنه باباً من ابواب النيران و يقبل الي اللّه و يتوجه علي اللّه و يري نفسه في خدمة مولاه و يشاهد هذا الامر في كلّ جزء من اجزاء عمله و يعتقد ان العمل سبب جعله اللّه سبحانه لتقوية الروح و تنميته و تعديله و اصلاح قابليته كالمآكل و المشارب الجسمانية لتعديل بنية الجسم و لتنميته و لترقّيه (لترقيته خ‌ل) و لاصلاح احواله حتي يزداد شعوراً و ادراكاً و فهماً و انتباهاً و قوّة و جمالاً و حسناً

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 122 *»

و جلالاً و كذلك الاعمال الشرعية فانها مقويات للروح كالعقاقير للبدن و هذه الاعمال لاتصلح لان‏تكون سبباً لاصلاح الباطن و تقوية الارواح الاّ بان‏تجعل نفسك حاضرة لدي اللّه سبحانه و ناظرة اليه و عالمة بانه يراها و يسمع سرّها و نجويها و يعلم غيبها و شهادتها و ظاهرها و باطنها فهي بمرءي منه سبحانه و بمسمع فتقبل بعملك اليه سبحانه بكلّك في جميع مراتب وجودك و اطوار شهودك بانك حين العمل لاسيما في الصلوة تخاطب اللّه (مخاطب للّه خ‏ل) سبحانه و هو يخاطبك و تناجيه و هو يناجيك و تقبل اليه و هو يقبل عليك فاذا كنت ساهياً ذاهلاً مقبلاً علي شأنك و اطوار كينونتك فانت و العياذ باللّه كالمستهزئ و لذا قال مولينا الصادق7 ما معناه الذي يدخل في الصلوة و يتوجه الي غير اللّه أومايخاف ان‏يقلبه اللّه حماراً و قدفعـل و هذا و امثاله من نوع حضور القلب للعوام.

و اما الخواص فهم ينظرون عند كلّ عمل الي سرّ ذلك العمل المقتضي لهذا الوجه الخاص فيجرون علي ذلك العمل مقتضاه مثلاً في الصلوة ينظرون الي العبودية المحضة و الخضوع و الانكسار الذي هو شأن العبد مع الربّ العزيز الجبار.

فعند التكبير يحرم علي نفسه جميع مالايرجع اليه سبحانه و كلّ‏ما لايقربه الي قربه و نجواه و يحرم علي نفسه النظر اليها و يكبر اللّه و يجلّه عن ان‏يكون له نظر مع نظره او له وجود مع وجوده و لذا سمّيت هذه التكبيرة تكبيرة الاحرام.

و عند القيام يستشعر ان العبد يجب ان‏يكون قائماً بخدمة المولي واقفاً بين يديه علي الوجه الذي وجهه اليه.

و عند القراءة يستشعر ان‏يكون العبد الجاهل لايعرف شيئاً الاّ بتعليم مولاه فيقول لا علم لنا الاّ ماعلمتنا و لايصفه سبحانه الاّ بماوصف به نفسه و لايستمد الاّ علي طريق يعلمه جهة الاستمداد منه و لايوالي الاّ الذين امره بموالاتهم و لايعادي الاّ الذين امره بمعاداتهم و بالجملة يمتثل امره سبحانه و تأديبه بقوله و اذكروه كماهديكم و يستحضر هذا المعني.

و عند الركوع يستشعر ان‏يكون العبد و ان قام بالخدمة و اتي بمقتضي العبودية و سلك سبيل ربّه ولكن يجـد نفسه ذليلة ضعيفة خاضعة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 123 *»

خاشعة محتاجة فقيرة فحيث ان المقام (مقامه خ‏ل) مقام العمل و ليس مقام الفناء المحض خضوعه و ركوعه علي هذه الهيئة لا موت محض و لا قيام محض بل امر بين الامرين.

و عند رفع الرأس من الركوع يستشعر ان اللّه تعالي يرفع من يضع له و يغني من افتقر اليه و يسدّ فقر من التجأ اليه و يرفعه علي كلّ احد خضع له كمال الخضوع كماقال7 من خاف اللّه اخاف اللّه منه كلّ شي‏ء.

و عند السجود يستشعر بانه و ان ارتفع بماارتفع و ان بلغ بمابلغ و ان وصل بماوصل لكنه الطين و من الطين و الي الطين حقير اصله ذليل شخصه تراب مسكنه ذلّ موطنه فيهوي (اهوی خ‌ل) الي التراب و يلصق (لصق خ‌ل) نفسه بالتراب و يضع اعضاءه السبعة في التراب تذكيراً للعوالم السبعة و تعظيماً لشأن اللّه و اعلاءاً (اعطاء‌ا خ‌ل) لامر اللّه بان هذا الذليل الحقير الذي مسكنه التراب و مأويه التراب و اصله من التراب و رجوعه الي التراب قدرفعه اللّه سبحانه و اخرجه عن (من خ‌ل) مركزه و يتمّم في سجوده بعمله معني قوله تعالي منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة اخري.

ففي السجدة الاولي بيان (تبيان خ‌ل) لقوله تعالي منها خلقناكم و في السجدة الثانية بيان لقوله تعالي و فيها نعيدكم و رفع الرأس من الثانية بيان لقوله تعالي و منها نخرجكم تارة اخري.

و في الركعة الثانية يستشعر ان كلّ (لکل خ‌ل) شي‏ء لاسيما الانسان له عالمان عالم الغيب و عالم الشهادة و عالم السرّ و عالم العلانية و كلّ منهما مطابق (متطابق خ‌ل) في كلّ مالهما فيأتي بالركعة الثانية استشعاراً بان ذلك حكم عالم الغيب فيجري فيه تلك الآداب.

و يقنت في الركعة الثانية بعد القراءة لبيان انه بتوجهه (يتوجه خ‌ل) الي اللّه سبحانه بغيبه و شهادته علي الوجه المطلوب منه صلحت قابليته و صفت كينونته و تهيأ للقبول فجاء وقت السؤال من الكريم فيقنت و يدعو بعد القيام بالخدمة التي بها تتمّ القابلية و تستأهل (تتأهل خ‌ل) للعطية و ظهر وقت قوله اللّهم اني ادعوك كماامرتني فاستجب لي كماوعدتني فيدعو و يستجيب له ان شاء اللّه تعالی.

ثم يركع و يسجد ملاحظاً للامور المتقدمة في عالم الشهادة.

فاذا تمّت (تممت خ‌ل) الكينونة اتي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 124 *»

وقت الصحة و اقتضي وجود عالم آخر فعند التشهد يستشعر بانه في القيام بين يدي منبر الوسيلة و ان ولي‏اللّه ناشر لواء (للواء خ‏ل) اللّه و نبي‏اللّه جالس لاظهار سلطنة اللّه فيجثو خاضعاً خاشعاً للّه و يتشهد الشهادتين ملاحظاً لقوله تعالي و تري كلّ امة جاثية كلّ امة تدعي الي كتابها اليوم تجزون ماكنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ماكنتم تعملون.

و عند التسليم يستشعر الاستسلام و الانقياد و الوقوف علي باب المراد و هذا الذي ذكرناه و امثاله ممافصّلناه و شرحناه في اسرار العبادات فالاستشعار به معني حضور القلب للخواص.

و اما اخص الخواص فحضور القلب منهم (فيهم خ‌ل) في هذه الاعمال فناء انّياتهم و اندكاك جبل ماهياتهم فلايرون الاّ واحداً في المجالي و الآثار بلا كيف و لا اشارة و شرح هذه الكلمة يطول و لسنا بصدد بيانه.

و بالجملة حضور القلب معناه استحضاره و استشعاره لعظمة جلال اللّه و كبرياء هيبته و انه يقبل اليه و اما غيبة القلب و عدم حضوره فقساوته المسببة للاعراض عن المبدأ و للاشتغال بالسوي و الاعراض عن الولي فاستحضار القلب و استشعاره حضور و قساوته و اعراضه عن المبدأ غيبة لا ان هنا مسافة يغيب القلب فيها ثم يحضر بل القلب في حضوره و غيبته عند اللّه حاضر و هو قوله7 موجود في غيبتك و حضرتك في تفسير قوله تعالي انه علي كلّ شي‏ء شهيد.

و اما التوجه فهو الالتفات الي وجه المبدأ لا الي ذاته فان الذات كماعرفت سابقاً و بضرورة المذهب لاتنال و لاتدرك فالتوجه انما يكون الي الوجه و ذلك في مقام العلم و اما في مقام العمل و حال الالتفات فلايجـد الاّ الذات و لايدعو الاّ لها و لايريد الاّ اياها ولكن موقع التوجه و الالتفات هو الوجه الظاهر في حقيقته كماقال اميرالمؤمنين7 بل تجلّي لها بها و بها امتنع منها (عنها خ‌ل) فتوجهه انما يقع علي ذلك الوجه و هذا التوجه في كلّ مقام علي حسبه ففي عالم الاجسام توجهه الي اللّه بالاعمال

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 125 *»

الجسمانية الجوارحية التكليفية من الاعمال الصالحات فاذا خلّي عنها فليس جسمه متوجهاً و لا بدنه ذاكراً فتوجه اللسان ذكر اللّه و التلاوة لكتاب اللّه و اعلان دين اللّه و توحيده و بيان معرفة اوليائه و خلفائه و توجه العين النظر الي آثار الصنع طالباً لمشاهدة الآيات التي جعلها اللّه سبحانه في الآفاق و (فی خ‌ل) الانفس و النظر الي وجه العالم و النظر الي خط القرآن و النظر الي كتب الاخبار و الآثار في فضائل الائمة الاطهار عليهم سلام اللّه في المبدأ و المآل و توجّه الاذن استماع صوت يرضاه اللّه سبحانه و توجّه اليد استعمال جميع مايرضي اللّه سبحانه و تعالي و مباشرته و فعله و اتقانه و احكامه و توجه الرجلين السعي و الاقدام علي جميع مافيه رضي (رضاء خ‌ل) اللّه سبحانه وهكذا ساير الجوارح فاذا خلت هذه الجوارح عن ماذكرنا من هذه الاعمال فليس بمتوجّه و لا مقبل (بمقبل خ‏ل).

و اما توجّه الروح فالنظر في جزئيات العوالم و التدبر في ذوات الحقايق و الكاينات.

و اما توجّه العقل فالعقايد الصحيحة و النظر الي الاسماء و الصفات بسلب الاضافات و الجهات التي لاترجع الي اللّه سبحانه.

و توجّه الفؤاد بمشاهدة التوحيد كماقال اميرالمؤمنين7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة و محو الموهوم و صحو المعلوم و هتك الستر لغلبة السرّ فيظهر ذلك النور علي جبل الطور و يذهب بالغيور و يورث السرور بلا كيف و لا اشارة و حقيقة التوجّه و معناه هو الذي ذكرناه (ذكرنا خ‏ل) لك و قدجمع الشاعر المعني الذي رمناه بقوله في الفارسية:

ز بس بستم خيال تو تو گشتم پاي تا سر من   تو آمد رفته رفته رفت من آهسته آهسته

و قال السهروردي في قصيدته اللامية المشهورة الي ان قال:

جاءها من عرفت يبغي اقتباسا   و له البسط و المني و السؤل
فتعالت عن المنال و عزّت   عن دنوّ اليه و هو رسول
منتهي الحظ ماتزود منه اللحظ   و المدركون ذاك قليل

 

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 126 *»

و قال ايضاً فيها:

قذفتهم الي الرسوم و كل   دمعها في طلولها مطلول

فابن علي ماذكرنا امرك و تفهم ماشرحنا لك بصافي حقيقتك و بنور طويتك تجـد صحواً بلاغبار و شرباً بلااكدار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار.

و هذا التوجه ليس الي مكان و لا في زمان و لا الي جهة و لا له كمّ و لا كيف و لا اليه اشارة و لا عنه عبارة فاذا توجهت تقع علي الرسوم و يظهر لك الحي القيوم بالاسم و يدلّك علي الرسم علي حدّ ماقال الشاعر:

قدطاشت النقطة في الدائرة   و لم‏تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها   منها لها جارحة ناظرة
سمت علي الاسماء حتي لقد   فوضت الدنيا مع الاخرة

خذ هذا المقال و اغرف من هذا الماء الزلال و لاتصغ الي قول اهل الضلال بان التوجّه الي الذات بسلب الانيات و نفي الاضافات و تيقن علي ان ذلك امر محال سبحانه (سبحانه سبحانه خ‌ل) و تعالي عمايقولون علوّاً كبيراً ما للتراب و رب الارباب فان كان لك بصر حديد و القيت السمع و انت شهيد رأيت دقيقة انيقة في قوله تعالي قدنري تقلب وجهك في السماء فهو9 حينئذ متوجه الي اللّه سبحانه و سائل عنه ان‏يكشف (ان ينکشف خ‌ل) هذه الغمة و هو التوجه الي بيت‏المقدس دون الكعبة فجعل اللّه سبحانه توجهه9 الذي كنّي عنه بتقلب الوجه في السماء لبيان ان السماء هي التي يقع فيها التوجه رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته فافهم فهمك اللّه لقدملأنا كتبنا و صحفنا و مصنفاتنا و اجوبتنا للمسائل من هذا النوع من البيان لزيغ الافهام و زلّة الاقدام و انحراف الاقلام و اضطراب الاعلام

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 127 *»

و تشويش الاحلام و انحسار الاوهام و عدم اهتدائهم الي حقيقة المرام اماسمعت ماقال الشاعر متحيراً و انشد و قال بالفارسية:

ممكن ز تنگناي عدم ناكشيده رخت   واجب ز جلوه‏گاه قدم نانهاده گام
در حيرتم كه اين‏همه نقش غريب چيست   بر لوح صورت آمده مشهود خاص و عام

فارادوا ازالة التحيّر فمنهم من قال بوحدة الوجود و منهم من اختار مذهب ذوق المتألهين و منهم من ذهب الي انتزاع المفاهيم و منهم من ذهب الي الاشتراك المعنوي و منهم من ذهب الي الاشتراك اللفظي و منهم من ذهب الي الحقيقة و المجاز و منهم من ذهب الي الانارة و الاشراق و امثال ذلك من العقايد المختلفة لقدقال سبحانه و لايزالون مختلفين الاّ من رحم ربّك و لذلك خلقهم و لم‏يعلموا ان الاختلاف لايرفعه و التحير لايزيله الاّ الحكم الذي جعله اللّه سبحانه للعباد و قال في محكم كتابه فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيماشجـر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مماقضيت و يسلّموا تسليماً فبالرجوع الي هذا الحاكم (الحکم خ‌ل) يحصل الايمان و بحصول الايمان يرفع الاختلاف و هو قوله تعالي فهدي اللّه الذين امنوا لمااختلفوا فيه من الحق باذنه و اللّه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم و الذي يشاء اللّه هدايته هو المؤمن لتعليقه رفع الاختلاف علي الايمان فافهم.

و اما القربة في العبادات فاعلم انها ليست قرب المكان و لا قرب الذات بازالة الحجب و الاستار و رفع الحدود و نفي القيود بل المراد بها القرب اليه للتوجه اليه سبحانه باثار صنعه بدون ملاحظة تلك الآثار كماتتوجه الي الكاتب حين النظر الي الكتابة من دون ملاحظة هيئة الكتابة و قدتقدّم تفسير هذه الكلمة و قداشار الي هذه الطريقة مولينا الحسين سيدالشهداء7 في دعاء عرفة الهي امرتني بالرجوع الي الآثار فارجعني اليها بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتي ارجع اليك منها كما

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 128 *»

دخلت اليك منها مصون السرّ عن النظر اليها و مرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك علي كلّ شي‏ء قدير فالقرب هو النظر الي المؤثر بمشاهدة الاثر مع قطع النظر عن الاثر و عن مشاهدته كماقال اميرالمؤمنين7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة فالقرب هو التوجه اليه بلاكيف و لااشارة و البعد هو التوجه الي النفس و الي شئونها و اطوارها و احوالها فالقرب و البعد بالنسبة اليك و اما بالنسبة اليه تعالي فالقرب عين البعد و البعد عين القرب بلااختلاف جهة و لا حيث و ليس القرب في الامكان مع القديم اتصالاً ذاتياً و قطع مسافة لوصل مكاني بل القرب توجّهك الي اللّه سبحانه و البعد اعراضك عنه تعالي و اشتغالك بمايلهيك عن النظر في ملكوت السموات و الارض.

و اما القربة المعتبرة في العبادات فهي ان‏تجرد عزمك الداعي للفعل عن غاية ترجع الي غير اللّه سبحانه و امتثال امره و الاجتناب عن نهيه لا لامر آخر خارج راجع الي نفسك و هويك حتي يكون العمل خالصاً للّه تعالی وحده و من هذه الجهة تري انه قدوقع التعبير عن خلوص العمل للّه بالقربة لا بعبارة اخري لبيان ان كلّ شي‏ء ليس للّه لايمكن ان‏يوقع العمل له.

و اما العمل (اذا عمل خ‌ل) لغاية دخول الجنة و النجاة من النار بحيث لولاهما لم‏يوجد العمل فذلك منافٍ للاخلاص و منافٍ للقربة و لم‏يكن مبرءاً للذمة لان العمل ليس للّه في الحقيقة و انما هو لنفسه و مشتهياتها و اما اذا عمل للجنة لانها دار رضا (رضاء خ‌ل) اللّه سبحانه و للتعوذ من النار لانها دار غضبه فيصحّ العمل لانه ايضاً للّه و اما اذا قصد الجنة لنفسها و لتنعمه فيها و الاستعاذة (لاستعاذة خ‌ل) من النار لالمها لا لكونها غضب الجبار لايصحّ لانها منافية للقربة التي اجمع المسلمون علي اعتبارها و حيث ان القربة علي ظاهر لفظها من القرب المكاني و الاتصال الذاتي لايصحّ اعتبارها فوجب الحمل علي اقرب المعاني اليها لان الحقيقة اذا تعذرت فاقرب المجازات متعين و لا شك ان التنعم في الجنة و عدم التألم في النار لايدلّ (لاتدل خ‌ل) عليهما القربة بشي‏ء من الدلالات الثلث و الشي‏ء اذا كان غايته القربة لايصحّ ان‏يجعلها عاقل دخول

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 129 *»

الجنة و التجنب من النار الاّ بدليل خارجي و ذلك الدليل لابد ان‏يكون دليلاً قاطعاً قويّاً ناصّاً (نصّاً خ‏ل) في المطلوب و ليس لهم في المقام دليل الاّ مايتمسكون بماروي عن الصادق7 من تقسيمه7 للعبادة علي الاقسام الثلاثة عبادة الاحرار و عبادة الاجراء و عبادة العبيد و مافي الكافي و غيره من الروايات الكثيرة الدالّة علي مضمون واحد و هو من بلغه ثواب علي عمل فعمله التماس ذلك الثواب الحديث و قوله تعالي لمثل هذا فليعمل العاملون و ماورد من الاعمال للحوائج مثلاً لقضاء الدين يصلي ركعتين و لدفع العدوّ يعمل كذا من الاعمال و هي كثيرة و هذه و امثالها قدتمسكوا بها و صرفوا التقرب الي اللّه عن معناه الي مالايدلّ عليه بشي‏ء من الدلالات الثلاث و التمسك بهذه الوجوه ضعيف و القول به سخيف لان العمل لحصول (بحصول خ‌ل) هذه الاعمال لاينافي القربة لان هذه الاعمال التي امر اللّه سبحانه بها لها خواص و اثار لجذب النور و الفيض من المبدأ الحقّ و هذه الاعمال لاتكون جاذبة تتفرع عليه (يتفرع عليک خ‌ل) تلك الاثار الاّ اذا كانت صحيحة جارية علي الوجه المأمور بها فاذا صحّت و جرت علي الوجه المأمور بها ترتبت عليها آثارها و احكامها و خواصها و مقتضياتها و اذا لم‏تجـر علي الوجه المأمور بها فسدت و بطلت و لم‏يترتب عليها شي‏ء من تلك الاثار كما لو صلّي الكافر ركعتين لم‏يترتب عليهما شي‏ء و كذا اذا صلّي ركعتين من غير طهارة فلايترتب عليه (عليها خ‌ل) شي‏ء و لو اخذ بظواهر تلك الروايات لوجب ان كلّ من صلّي ركعتين علي اي وجه كان يصـح و يترتب عليه ذلك الاثر مع انهم لايجوزون ذلك و لايقولون به فان العمل اذا لم‏يؤت به علي شرايطه كان فاسداً باطلاً و انما يترتب عليه مقتضاه اذا كان صحيحاً و ماادري لماذا ماخصصوا تلك الادلة و الروايات الدالة علي تلك الشرايط و خصصوا القربة التي هي من اكمل الشرايط بل هي الاصل المصحّح للعمل و المقوّم للفعل و لم‏يعملوا علي عموم من بلغه ثواب فعمل التماس ذلك الثواب علي كلّ عمل من كلّ شخص و خصصوا القربة بها.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 130 *»

و بالجملة العمل الصحيح هو الذي يترتب عليه الاثر كما ان الصلوة لاتكون الاّ باركان و افعال واجبة و مستحبة و شرايط خارجة و داخلة فاذا اطلق الصلوة تتبادر الي جامعة الشرايط و الاركان و منها نيّة القربة التي هي من اجلّ اركانها بل هي الاصل في تحقّقها فاذا اتي بالصلوة و ساير العبادات و الاعمال (الافعال خ‌ل) الشرعية التكليفية بنية القربة صحّت و ترتبت عليها مقتضياتها و آثارها من دخول الجنة و النجاة من النار و قضاء تلك الحوائج و قوله تعالي لمثل هذا فليعمل العاملون يعني ان العاملين اذا عملوا صحيحاً يترتب عليه هذه النعمة الدائمة و من شرط صحة العمل التقرب الي اللّه سبحانه و تعالي لا شهوة نفسه و خلاصها من النار و دخولها في الجنة دار القرار.

و يشير الي ماذكرناه من الوجه الوجيه و القول الصحيح قوله تعالي في سورة هل اتي انما نطعمكم لوجه اللّه لانريد منكم جزاء و لا شكوراً انا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريراً فاثبتوا اولاً ان عملهم هذا للّه وحده حتي يصحّ العمل و يذهب مايخافون من يوم القيمة و شدايد احوالها فعملوا لوجه اللّه و كونهم يخافون اللّه لا لان العمل غايته ذهاب الخوف بل المقصود من العمل للّه وحده و حيث انه سبحانه و تعالي رتّب عليه ذهاب الخوف تفضلاً و كرماً راموا زواله بعملهم.

فالعمل اذا اطلق يراد به جامع‏الشرايط و الاركان كأن‏يعمله مسلم موالٍ لاهل‏البيت مثلاً في الصلوة يكون مستقبل‏القبلة مستور العورة متطهراً نظيف‏اللباس مستقراً غير مضطرب و  لا متزلزل عازماً علي الفعل متقرباً اليه سبحانه طالباً رضاه ممتثلاً لامره و نهيه فالعمل علي هذا الوجه صحيح يوجب دخول الجنة و التجنب عن النار و قضاء الحوائج في الدنيا و الآخرة كما ان تلك الروايات و الوجوه التي تمسكوا بها لصرف القربة عن معناها و ادخال ما ليس منها فيها لاتسقط باقي الشرايط و الآداب كذلك لاتسقط ايضاً نية القربة بمعني التوجه الي اللّه وحده و مايؤول (لايؤول خ‌ل) اليه لا مايتمحض بغاية نفسه كمازعموا و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 131 *»

ذلك واضح ظاهر لمن انصف من نفسه و اخرج عن رقبة ادراكه قلادة التقليد و من اللّه التوفيق و عليه التسديد.

فوضح لك ان هذه الاقسام الثلثة الذين ذكرهم مولينا الصادق7 هم الذين يختلفون من حيث قصدهم للعمل الصحيح لا انهم يسقطون اعظم شرايطه فمنهم من يعمل و يتوقع ترتّب الاثر عليه و منهم من يعمل و لايتوقع و لاينظر الاّ الي اللّه و لذا ورد ان الجنة اشوق الي سلمان من سلمان الي الجنة و من ثم اني اقول لو صحّ العمل بمحض دخول الجنة و التجنب عن النار و يصحّ هذا العمل و يترتّب عليه مقتضاه فلماذا لايقبل عمل الكافر و ايمانه عند معاينة العذاب و لماذا تنكر ايمان فرعون حيث قال لمّاادركه الغرق امنت بالذي امنت به بنواسرائيل و انا من المسلمين و لماذا عيّره اللّه سبحانه و وبّخه و قال له آلآن و قدعصيت قبل و كنت من المفسدين و لماذا قال تعالي فلم‏يك ينفعهم ايمانهم لمّارءوا بأسنا و لماذا قال تعالي يوم يأتی بعض آيات ربك لاينفع نفساً ايمانها لم‏تكن امنت من قبل او كسبت في ايمانها خيراً و لماذا لايقبل عمل الكفار و لايصحّ ان‏يعملوا لاجل نجاتهم من النار و انت تصحّح العمل لاجل ذلك.

و بالجملة فالعمل لغير اللّه لايجوز و لايصحّ ان‏يكون له غاية الاّ رضا اللّه تعالي و كلّ غاية دون اللّه و رضاه (رضاءه خ‌ل) و امتثال امره و نهيه باطل لايصحّ العمل معه فافهم ماالقينا اليك و لاتنـس نصيبك من الدنيا و احسن كمااحسن اللّه اليك.

قال سلّمه اللّه تعالي: ما معني القلب و ما الفرق (بينه و خ‌ل) بين العقل و الروح.

اقــول: اعلم ان القلب له اطلاقان: احدهما اللحم الصنوبري و في تجاويفه العلقة الصفراء و منها يخرج الروح البخاري الحامل للحيوة المتنزلة (المنزلة خ‌ل) من باطن جوزهر القمر فينبسط في الشريانات و هي عروق منبتها من القلب و هي التي تتحرك و منها يعرف (تعرف خ‌ل) صحة المزاج من فساده و زيادة احد الاخلاط و قلّته و بواسطة الشريانات يصل الروح الذي هو هذا البخار

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 132 *»

الي جميع الاجزاء و الاعضاء التي تقبل الحيوة الاّ ما لايقبلها كالشعر و العظم و الظفر و هذا هو القلب الصنوبري اما انه لحم ليس بعظم لان العظم لايقبل الحيوة جامد لايقبل الذوبان و مثل ذلك لايصلح لان‏يكون واسطة للفيض لمن هو اعلي منه و لايحصل منه الوصول و اما انه ليس بعصب فلما ذكرنا في العظم و اما انه ليس بغشاوة و لا رباط لضعف الاغشية و الرباطات لعدم تحملها لحرارة الفيض و اللحم متوسط في الحالات كلّها و معتدل فيجب ان‏يكون لحماً و اما انه لحم صنوبري علي شكل المخروط لانه يأخذ من المبدأ و يوصل الي ماتحته من المراتب و حيث ان ما قرب من المبدأ اقرب الي الوحدة و البساطة عما (مما خ‌ل) بعد عنه وجب ان‏يكون الوجه المتصل بالمبدأ (الي المبدء خ‌ل) مستدقّاً شبيهاً للنقطة و لمّا ان الوجه الاسفل متصل بالعالم الاسفل مقام الكثرات ليناسبها و يسعها (لتناسبها و تسعها خ‏ل) التلقّي منه وجب ان‏يكون ظاهراً علي جهة الكثرة فكان متسعاً و لذا ظهر علي صورة الشكل الصنوبري.

و اما التجاويف فهي مخازن للامدادات التي ترد علي ساير الجوارح و الاعضاء و هو بالنوع ينقسم الي ثلثة اقسام بل اربعة اقسام: احدها مخزن خزن فيه مايمدّ به الكبد و ثانيها مخزن خزن فيه مايمدّ به الدماغ و ثالثها مخزن خزن فيه مايمدّ به الاعالي من البدن و رابعها مخزن خزن فيه مايمدّ به الاسافل و هذه الامدادات تنزل من المبدأ الاعلي فتخزن في تلك الخزائن و لمّاكانت خزينة كلّ عالم علي حسبه فالخزائن الجسمانية المتعددة لابد ان‏تكون متعدداً جسمانياً (متعددة جسمانية خ‌ل) و لمّاكانت تلك الخزائن مراتب الشي‏ء الواحد و عليها قاهر جامع كانت تلك المخازن تجاويف للقلب الجامع و الحصن المانع لانها توابع و لا استقلال لها (فيها خ‌ل).

و اما العلقة الصفراء المودعة في تلك التجاويف فهي الحاملة للحرارة الغريزية التي بها نشؤ البدن و هي انما نزلت من فلك الشمس لماشابهت تلك التجاويف اياها و تلك الحرارة هي حاملة العلة الفاعلية في اطوار البدن و الاعضاء و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 133 *»

الجوارح و كلّ تجويف فيه من الحرارة ماتناسبه و تشابهه فالصورة واحدة ولكن المتعلق متعدد مختلف و من تلك الحرارة تتكون الروح البخاري و تصعد تلك الابخرة و تدخل الشريانات و تصل الي جميع البدن و اما انها صفراء مع ان مقتضي الحرارة اذا كانت مع اليبوسة كما هي (هو خ‏ل) مقتضي الحرارة النازلة من فلك الشمس ان‏تكون حمراء علي ماهو الثابت المحقق (المتحقق خ‌ل) عند المحققين من علماء الطبيعة ان كلّ حارّ يابس لونه الحمرة و كلّ حارّ رطب لونه الصفرة و قداجبنا عن (من خ‌ل) حمرة الدم و صفرة المرة بمانجيب به عن (من خ‌ل) صفرة هذه العلقة لان الحمرة اذا مازجت الرطوبة تتولد منها الصفرة و لذا تري الجمرة الحمراء اذا وضعت في الدهن تتولد منها شعلة صفراء و هذا الحكم محسوس كالحمرة اي حمرة الدم فان الصفرة اذا امتزجت مع الرطوبة تتولد منها الحمرة كالشنجرف فانه احمر قدحصل من امتزاج الكبريت الاصفر و الزيبق الابيض و حمرة الدم لاجل امتزاجه بالرطوبات البلغمية و صفرة المرة الصفراء لامتزاج حمرتها بالرطوبات الثانية الحافظة لمواد الحيوة فالدم كان اصفر و لمّاامتزج بالابيض الذي هو الرطوبات المنبثة في البدن كان احمر و المرة كانت حمراء فلمّا (و لمّا خ‏ل) امتزجت بتلك الرطوبات اقتضت الصفرة فكانت صفراء و كذلك القول في هذه العلقة المستودعة في تجاويف القلب و هذا الذي ذكرنا لك مجمل احوال القلب اللحم الصنوبري و مختصره.

و هذا القلب مادامت هذه الدنيا و مادامت الدولة للظالمين مقرّه الجانب الايسر من البدن مع انه علة هذه البنية و حامل المدد اليها عن اللّه سبحانه و تعالي و عرش مستوي الرحمن فينبغي ان‏يكون في الوسط حتي تتساوي نسبته الي الجميع المفاض‏عليه ولكن البنية الدنياوية لمّاكانت غير ناضجة و لا معتدلة فالجانب الايمن يكون الغالب فيه الحرارة و الجانب الايسر يكون الغالب فيه البرودة و لذا كان الجانب الايمن اقوي من الجانب الايسر و جهات التدبير فيه اظهر.

و لمّا كان القلب هو حامل حرارة المبدأ و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 134 *»

الحاكي عنه فالحرارة فيه قويّة و لاسيما اذا كانت في تجاويفها الحرارة الغريزية فاذا كان استقراره الي الجانب الايمن تشتد الحرارة و تتقوي و تفسد البنية و اذا كان في الوسط تزاد الحرارة اكثر فتخرج البنية عن الاعتدال لانها في اصلها غير ناضجة فاقتضت الحكمة الالهية ان‏يكون القلب في الجانب الايسر لضعف الحرارة في هذا الجانب فيعينه و يعدل (يعتدل خ‌ل) المزاج و يورث الابتهاج و تحصل قوة لهذا البدن و استعداد لهذه البنية فساير الاعضاء و الجوارح انما تستمدّ من القلب يعطي كلّ ذي حق حقه و يسوق اليه مايستحقّه من رزقه فتساوت نسبة الاعضاء اليها.

و الي هذه الدقيقة اشارة بماوقع في حركات الافلاك فانها متشابهة علي غير اقطابها فان حركة مدير عطارد ليست متشابهة علي مركزه و انما تشابه حركاته في النقطة المسماة بمعدل‏المسير و اهل الفن جعلوا هذه المسألة من المشكلات و اللّه سبحانه خلق القلب و جعله في الجانب الايسر شرحاً و بياناً لهذه المسألة فان الافلاك مادامت الملائكة تسرع بحركاتها لانقضاء دولة الباطل يجري حكم هذه الاختلافات و اذا اعتدلت بنية العالم و نضجت و تقوّت ارتفع القسر و رجع كلّ شي‏ء علي مقتضي كينونته علي ماهو عليه فتدور دورة ذاتية و دورة تبعية فتبطئ الملائكة بحركاتها يعني ترجع الافلاك الي اصل اعتدالها و يتحرك الفلك الاعظم علي مقتضي طبيعته من ظهور القبضات العشر او ظهور الدورة الثانية فيكون يوم واحد الذي هو مقدار قطع الفلك الاعظم تمام الدورة فيكون عشرة فاليوم الواحد في دولة الحق يكون مقدار عشرة ايام من دولة الباطل و ساير الافلاك ترجع الي اصولها و تتحرك بحركاتها كيف‏ما يراد منها و لذا تطلع الشمس من مغربها لان ذلك مقتضي حركة الشمس لان حركتها من المغرب الي المشرق و تكون حركات ساير الافلاك من الكليات و الجزئيات متشابهة حول مراكزها التي هي اقطابها فيبطل هذا الرسم و يمحو هذا الاسم لان العالي بالسافل مرتبط و كذلك القلب الذي هو اللحم الصنوبري عند دوران الافلاك علي اقطابها و مراتبها و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 135 *»

ارتفاع القسر يرجع الي الوسط كماقال اميرالمؤمنين7 في العقل انه وسط الكل و العقل في القلب و مقرّ القلب الصدر و هو قوله تعالي فانها لاتعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور فافهم لاني (فانی خ‌ل) قداوقفتك علي امر غامض قل مااطّلع عليه الباحثون و لم‏يطّلع عليه الاّ الاقلّون الراسخون في العلم العارفون و الموقنون.

و الثاني العقل و اكثر مايطلق القلب علي العقل في الكتاب و السنة مثل قوله تعالي ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد و مثل ماورد عن الصادق7 ان القلب يميز الاشياء و القلب هو المميز للقوي و المشاعر من الحواس الظاهرة و الباطنة يميّز صحيحها من فاسدها و حقّها من باطلها و غثّها من سمينها و مثل قوله تعالي نزل به الروح الامين علي قلبك لتكون من المنذرين و مثل قول الصادق7 اذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل و امثال ذلك من اطلاق (اطلاقات خ‌ل) القلب و ارادة العقل كثيرة يجـده الماهر المتتبع.

و العقل انما سمي قلباً لانه مخزن المعاني و الحقايق فالمعاني تقلب فيه فكان قلباً يعني قالباً للمعاني و الحقايق و الاسماء و الصفات و موادّ الاشياء و لان العقل يقلب الشخص من الشقاوة الي السعادة بمتابعته و من السعادة الي الشقاوة بمخالفته و يقلب المطلق مقيداً لان العقل اول الوجود المقيد و لذا سمّي العقل قلباً.

و الثالث الشخص المعبر عنه بـ «انا» و هو الشخص المميّز (المتميّز خ‏ل) عن (من خ‌ل) غيره الامر الوحداني البسيط الحاصل من اجتماع المراتب كالوحدة الحاصلة في الكلّ بعد اجتماع الاجزاء و قران بعضها ببعض و كذلك المراتب الوجودية في كلّ شخص لماتألفت و اجتمعت و تقارنت و حصلت هيئة تأليفية وحدانية قدنزلت تلك الوحدة من حجاب الواحدية و قهرت تلك الاجزاء و استولت عليها و استقهرت تحت حيطته و قيوميته و تلك الجامعية القهارية صارت شيئاً واحداً يشير الي نفسه بـ «انا» و يشير غيره اليه بـ «انت» و ذلك هو القلب و هذا القلب له اربعة اركان الركن الايمن الاعلي هو العقل بمراتبه الثلث العقل المستوي و طرفيه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 136 *»

العقل المرتفع و العقل المنخفض و الركن الاسفل الايمن الروح و هو البرزخ بين العقل و النفس مقام الرقيقة ورق الاس تدرك الرقايق اي الكلّيات (الکائنات خ‌ل) التي اخذت في الحدود الشخصية و لم‏تتمّ بعد تلك الحدود و القيود حتي يتمّ الفرد و الشخص و ادراكه برزخي فمن هذه الجهة لم‏يتبين ادراكه و لم‏يظهر آثاره فظهور الآثار اما بالعقل و اما بالنفس و هذا مقام الربط و الوصل بين الشيئين المتباينين و هو القاضي الذي يشير اليهما بالتراضي و هو البقرة الصفراء فاقع لونها تسرّ الناظرين فافهم و الركن الايسر الاعلي النفس المدركة للصور الغيبية المجردة عن المادة الجسمانية و المثالية و المدة الزمانية و البرزخية ظاهرة بالصور (بالصورة خ‏ل) الشخصية الغيبية محل الصور و النقوش و الاضافات و الاوضاع و القرانات و الركن الايسر الاسفل مقام الطبيعة مبدأ الاجسام و العالم الشهودي و النقطة لحقيقة (الحقيقية خ‏ل) جسم الكلّ و بها تمّت الاركان الاربعة فالركن الاول هو النور الابيض الذي منه البياض و منه ضوء النهار و الركن الثاني النور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة و الركن الثالث النور الاخضر الذي منه اخضرت الخضرة و الركن الرابع النور الاحمر الذي منه احمرت الحمرة و تجاويف القلب الصنوبري مظهر و بيان لهذه الاركان الاربعة و الطبيعة الخامسة و الجامع القاهر لهذه الاركان هو القلب في العالم الكلي كلّي و في العالم الجزئي جزئي و يطلق عليه العرش مستوي الرحمن و بتمام هذه المراتب يتم الشخص الكامل و الجامع الواصل فيقول «انا» و هذا القلب واحد اجمالي مندرج في جميع الاجزاء و الاعضاء و المراتب الغيبية و الشهودية.

تنبيـه: القلب و الفؤاد اذا اجتمعا افترقا و اذا افترقا اجتمعا يطلق القلب علي الفؤاد و الفؤاد علي القلب في كثير من الاستعمالات و اذا اجتمعا فقيل قلب و فؤاد يجب الفرق بينهما و الكلام في الفرق طويل‏الذيل ممتدّ السيل لكني اجمل لك المقال فنقول:

ان القلب و الفؤاد كلاهما يقال انهما المعبر عنهما بـ «انا» الاّ ان انا الذي في الفؤاد بلاانا يظهر في المحو و الصحو بكشف السبحات

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 137 *»

من غير اشارة فاذا ازال السبحات و محي الموهوم و صحي المعلوم يظهر قول الحق سبحانه انا اللّه لا اله الاّ انا فاعبدني و اقم الصلوة لذكري فالفؤاد حينئذ قول اللّه انا في التكوين كقوله سبحانه اني انا اللّه في التدوين كما ان هذا القول اي انا اللّه الذي هو مكتوب في القرآن يجري علي السنة الانس و الجان و ليس عين ذات اللّه سبحانه بل اسم يدلّ عليه كذلك ذلك القول الذي هو انا اللّه فالفؤاد هو قول اللّه انا و القلب هو قول الشخص و بين القولين فرق بيّن و امتياز ظاهر و ان كان كلاهما مخلوقين مربوبين مدبّرين كما اذا كتبت قوله تعالي اني انا اللّه لا اله الاّ انا فاعبدني و اقم الصلوة لذكري يجب عليك احترامه و اعظامه و لايصحّ ان‏تمسّه الاّ بطهارة و لايجوز ان‏تنظر اليه بالاهانة و الاستخفاف فان فعلته فقدكفرت يجب قتلك و اذا كتبت قال رسول‏اللّه9 من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار يجب احترامه و عدم الاستخفاف به ولكن يجوز ان‏تمسّه بغير طهارة و اذا كتبت عن نفسك و قلت اقول كذا و كذا فانه يجوز في هذه الكتابة كلّ تكذيب و تغليط و اهانة و استخفاف فمن فعل ذلك لايكفر بل ربما لايفسق مع ان هذه الكتابات الثلث (الثلثة خ‏ل) من قلم واحد و من مداد واحد و عن (من خ‌ل) يد شخص واحد و (من خ‏ل) اثر شخص واحد و علي قرطاس واحد ولكن الفرق و التفاوت بالنسبة فالفؤاد كالكتابة الاولي و القلب كالكتابة الاخري الثالثة  فالقلب يشير الي الهيئة الوحدانية لها هيمنة و استيلاء علي ساير مراتبه و هو قطب تدور عليه جميع المراتب و اما الفؤاد فهو اسم اللّه و رسمه ولكنه اسم بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ بري‏ء عن الامكنة و الحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس كلّ متوهم مستتر غير مستور قال مولينا الصادق7 اذا تحقق العلم في الصدر خاف و من خاف هرب و من هرب نجي و اذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل و اذا تمكن من رؤية الفضل رجي و من رجي طلب و من طلب وجد

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 138 *»

و اذا انجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة (و اذا هاج ريح المحبة خ‌ل) فاستأنس (استأنس خ‌ل)  في ظلال المحبوب و باشر اوامره و نواهيه فلا فرق بينه و بين حبيبه الخ و عدم الفرق يكون في التعريف و التعرّف و المعرفة لانه صفة و الصفة اذا خالفت الموصوف لم‏تكن صفة فمعرفتها معرفة الموصوف و معرفة الفؤاد هي معرفة اللّه و هو (هی خ‌ل) النفس في قوله7من عرف نفسه فقدعرف ربه، اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه و لا شك ان الذي يعرف الصفة يعرف الموصوف الظاهر بالصفة لا مطلقاً فان من عرف القائم يعرف زيداً الظاهر بالقيام لا حقيقة زيد مطلقاً كما ان طاعة الرسول9 عين طاعة اللّه و معصيته عين معصيته و رضاه عين رضاه و سخطه عين سخطه فلا فرق بين الرسول و بين اللّه في الطاعة و المعصية و الرضا و السخط و هو قوله تعالي ان الذين يكفرون باللّه و رسله و يريدون ان‏يفرقوا بين اللّه و رسله الآية و كذلك الفؤاد لا فرق بينه و بين ربه في التعريف و التعرّف لا في اصل الحقيقة و الذات لان الصفة لا فرق بينها و بين الموصوف و لذا تريها معربة باعرابه مكتسية بحلّته (بحليته خ‏ل) متسمة بسمته كما هو المعلوم الظاهر.

و اما الفرق بين الروح و العقل فاعلم ان العقل يطلق علي معنيين بل ثلاثة:

الاول يطلق علي معني الادراك بغير الحواس الظاهرة من الحواس الباطنية سواء كانت تدرك الكليات او الجزئيات و هذا اذا قيل المعقول بمقابلة (بمقابل خ‌ل) المحسوس و كما قال المنطقيون في تفسير العلم انه الصورة الحاصلة في العقل او عند العقل و يريدون بالذهن ماسوي (سوي خ‏ل) الخارج ليكون تفسيرهم جامعاً و مانعاً و منه قوله تعالي لايعقلون و قول (قال خ‌ل) مولينا الحجة لا لامر اللّه يعقلون و لا من اوليائه يقبلون و منه الدليل العقلي اي مايدرك بالحواس الباطنية سواء كان بالقوة العاقلة او بالقوة المتفكرة ام المتوهمة ام المتخيلة و منه العقل الذي هو مدار التكليف و هو مطلق التمييز الباطني.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 139 *»

و الثاني يطلق علي نور يجعله اللّه سبحانه في الجانب الايمن من القلب و قديعبر عنه بالاذن اليمني و بالوجه الاعلي موضع الملك المسدّد و اليه اشار اميرالمؤمنين7 لمّاسئل عن العقل قال العقل ماعبد به الرحمن و اكتسب به الجنان قيل و الذي في معاوية قال7 تلك النكراء و تلك الشيطنة ليست بعقل لكنها شبيهة بالعقل و منه قوله تعالي عن اهل النار قالوا لو كنّا نسمع او نعقل ماكنّا في اصحاب السعير مع انهم كانوا يعقلون و يدركون و يميزون و يكلّفون فلم‏يكن عندهم ذلك النور الذي به يتوجهون الي اللّه سبحانه و تعالي و يقبلون عليه.

و الثالث يطلق علي نور الهي بدئ من الاختراع الاول جوهر مجرد عن المادة الملكوتية و الشبحية البرزخية و الجسمانية و عن المدة الملكوتية و المقدارية المثالية و المدة الزمانية و ذلك درّاك الاشياء بذاته يدرك المعاني الكلية و الحقايق الالهية اول نور اشرق من المشرق من صبح‏الازل و آدم الثالث و اول متولد (ولد تولّد خ‏ل) من آدم الثاني الذي هو الوجود المقيد اعني الماء النازل من سحاب المشية الذي به كلّ شي‏ء حي و من حوّائه ارض الجرز ارض القابلية اي الماهية الاولي و هي اول غصن اخذ من شجرة الخلد و هو القلم في قوله تعالي ن والقلم و مايسطرون و هو الطور و هو اول (ما خ‌ل) خلق من الروحانيين عن يمين العرش و هو النور الابيض الذي منه ابيضّ البياض و هو روح‏القدس و هو الملك المسدّد للانبياء و هو العمود من النور الذي به يري الامام7احوال الخلايق و هو نور انا انزلناه في ليلة القدر و هو النفس الرحماني الثالثي و هو عبد من عباد اللّه قائم في طاعة اللّه صورته هيكل التوحيد و صفته الرضا و التسليم و مقامه الركوع و طبيعته البرودة و اليبوسة في اصل ذاته و ادراكه المعاني الكلية المجردة عن الصور النفسية و المثالية و الجسمية و دليله الموعظة الحسنة و سبيله اليقين و طريقته التقوي و علم الطريقة و صفته الاستقامة و مكانه كلّ الممكن المكوّن الموجود بالوجود الكوني و وقته الدهر و هو الوقت

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 140 *»

الثابت المستمر الذي يجمع المختلفات و يفرق المجتمعات الزمانية و لونه البياض و صفته السواد في ظاهر ذاته و الحمرة في باطن حقيقته مقبل علي اللّه عزّوجلّ فلمّا خلقه اللّه سبحانه قال له اقبل فاقبل فاظهره اللّه سبحانه باقباله الذي ادباره عنه (منه خ‌ل) حقايق الاكوان و مستجنّات غيوب الاعيان ففي كلّ مرتبة نازلة اظهر قشره و استتر في لبّه الي ان ظهرت القشور المتراكمة و خفي اللب المقصود بالحقيقة.

ثم امره سبحانه بالاقبال فكان اقباله بحسب الاسباب الظاهرية و الباطنية فظهر بظهور الاسباب عند بلوغ الولد (المولد خ‌ل) اوان الحلم فهناك اول ظهوره و مقام كمال الولد فيكلّف ليكون (لکونه خ‌ل) سبباً لكمال الظهور و مستشرقاً بشوارق النور فهو في اول ظهوره عقل بالملكة اي بالاستعداد و التهيؤ القريب الي الفعل بكمال الظهور و الاّ فهو فعلي فاذا قوي في العلم و العمل كان عقلاً بالفعل اي يكون جميع مداركه و احواله حاضرة لديه و هو ناظر في جميع الاحوال السفلية و مطلع علي جميع مراتب الوجودات المقيدة و اذا قوي ايضاً بالعلم و العمل كان عقلاً مستفاداً فيعود الي بدئه (بدنه خ‏ل) و يحصل الاتصال بعالم اللانهاية فيقف حينئذ علي باب فوارة النور فلا غاية لادراكاته و لا نهاية لظهوراته و هذا هو العقل الكلّي في العالم الاكبر و العقل الجزئي في كلّ فرد و شخص من افراد الانسان او ماهو يقسم الكل من افراد الموجودات كما هو الحق و هذا عليه مدار التكليف و السعادة و الشقاوة و الثواب و العقاب.

و لمّاكان كلّ شي‏ء مركباً من النور و الظلمة متعادلان متعاكسان في الفعل (فی العقل خ‌ل) كان للعقل ايضاً ضدّ و هي ماهيته لكنها ضعيفة مغلوبة لتراكم الانوار فيه لكونه من الخلق الاول ولكن العبد اذا انهمك في المعاصي و اعرض عن اللّه عزّوجلّ و خالف اوامره و نواهيه و بارزه بالعصيان و الطغيان يضعف ذلك النور و يخفي و تقهره تلك الظلمة و تقوي و تظهر الي ان‏يذهب النور بالكلية و لم‏يبق له اثر و تأثير الاّ بقدر مايمسك الوجود و تستقل الظلمة و تقوي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 141 *»

و يكون لها التأثير و الاثر فينقلب ذلك النور الذي عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان الي النكراء و الشيطنة يعني يخفي ذلك و يظهر (تظهر خ‌ل) هذه فيبقي للشخص حينئذ ادراك و تمييز و يدرك الكليات و يفهم الدقايق و يقع عليه التكليف لكنه لايميل (يميل خ‏ل) الي الخير و لايحبّه و لايقبل علي اللّه عزّوجلّ و لا علي اوليائه و انما هو يبغضهم و يكرههم و هذا معني قوله7 لمّاسئل عن العقل قال7 ماعبد به الرحمن و اكتسب به الجنان قال و الذي في معاوية قال7 تلك النكراء و الشيطنة و ليست بعقل ولكنها شبيهة بالعقل هـ و هو ماذكرنا لك من ان الضدين متعادلان و متعاكسان في الاحوال كلّها فضدّ النور الكلّي ظلمة كلّية فافهم.

و اما الروح فله اطلاقات: الاول يطلق و يراد به العقل و هو روح‏القدس و الثاني يطلق و يراد به البرزخ بين العقل و النفس كماتقدمت الاشارة اليه و هو اغلب مانستعمله و نطلق عليه (نطلق الروح خ‌ل) و الثالث يطلق علي النفس كمايقال خرجت روحه اي نفسه و الرابع يطلق علي الطبيعة الكلية و هو الروح علي الملائكة (ملائکة خ‌ل) الحجب و الخامس يطلق علي البخار المتصاعد من تجاويف القلب اللحم الصنوبري كماتقدم ذكره و السادس يطلق علي باب المدد و وجه السرمد المادة العليا و الحقيقة المنبسطة الكبري الظاهرة بالنزول و الصعود في جميع الاطوار و هو قوله تعالي و نفخت فيه من روحي و قوله تعالي يا ادم روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي و قوله ايضاً يا ادم بروحي نطقت و بضعف كينونتك تكلّفت ما ليس لك به علم و تلك الروح هو ممدّ الحيوة و اصل البقاء مادة الموادّ و حقيقة الحقايق و ذات الذوات و ايس الايسات (الايسيات خ‌ل) و سرّ الانيات و اسطقس الاسطقسات و هو الروح الاعظم و النور الاقدم.

فاذا عرفت هذه الاطلاقات فاعلم ان روح‏القدس هو نفس العقل و احد اسمائه فهما اسمان يقعان علي مسمي واحد بجهتين مختلفتين لمابينّا من ثبوت المناسبة بين اللفظ و المعني.

و اما الروح بالمعني الثاني فالعقل اصل له و هو الوجه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 142 *»

الاسفل من العقل يأخذ منه و يمدّ غيره من المراتب التفصيلية و هو الروح من امر اللّه يعني انه من عالم الامر الذي قامت به السموات و الارض في قوله تعالي و من آياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و هذا هو النور الاصفر و الركن الاسفل الايمن من العرش و حامل هذا الركن و الآخذ منه (عنه خ‌ل) اسرافيل و لمّاكان محمّد9 هو الظاهر بالعقل الكلّي (الکل خ‌ل) فيكون الروح من امر اللّه الظاهر به اميرالمؤمنين7 كما انه هو الظاهر بالنفس الكلية و معني هذا الظهور ان آثار العقل في ظهوره في النبي9 غالب علي ساير المراتب كما ان آثار النفس في اميرالمؤمنين7 لا ان النبي9 ليس فيه آثار النفس و الروح و لا ان الولي ليس فيه آثار العقل الكلّي كمايقال الصفراوي و السوداوي لمن غلب عليه الصفراء و السوداء و لذا قال اميرالمؤمنين7 انا الروح من امر ربي في قوله تعالي ينزل الملائكة بالروح من امره علي من يشاء من عباده فافهم.

و الروح بالمعني الثالث تفصيل العقل لان العقل مدرك الكليات و النفس مدرك الجزئيات فالروح بمعني النفس فرع و تابع للعقل كالروح بمعني الطبيعة فانها فرع للنفس و قدتبين نسبة الروح بمعني البخار المتصاعد مع العقل بما (مما خ‌ل) ذكرناه و اما الروح بالمعني السادس فالعقل فرع له و يشتق منه اشتقاق الغصن من الشجرة و الروح شجرة الخلد و القلم الذي هو العقل غصن اخذ من تلك الشجرة و هذا وجوه الفرق بين العقل و الروح ذكرتها مجملة و تعرف تفاصيلها من تضاعيف كلماتنا و ساير ماكتبنا و رسمنا و فيماذكرنا كفاية لاولي الدراية.

قال سلّمه اللّه تعالي: ما الدين و المذهب و الاسلام و الايمان و حق‏اليقين و عين‏اليقين و علم‏اليقين و الحقيقة و الشريعة و الطريقة و الفرق بين هذه الكلمات في مذهب اهل‏البيت: .

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 143 *»

اقــول: اما الدين فهو الاسلام كماقال سبحانه و تعالي ان الدين عند اللّه الاسلام فالدين عند اهل‏البيت: يراد به الاسلام مهما اطلق و قال اميرالمؤمنين7 اول الدين معرفته و كمال معرفته التصديق به و كمال التصديق به توحيده و كمال توحيده الاخلاص له و كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه الحديث فاذا كان اوّل الدين معرفته فيكون تمامه اركان المعرفة و حملتها و حفظتها فالاركان هم الانبياء و هم اركان التوحيد اذ لايقوم التوحيد بغيرهم و محالّ المعرفة و حملتها هم الائمة: السلام علي محال معرفة اللّه و حفظة المعرفة باركانها و محالها هم الشيعة و هم القرية الظاهرة للسير الي القري المباركة فافهم.

و اما المذهب فهي الطريقة التي يسلك بها الي اللّه سبحانه علي حسب اجتهاد كلّ ذاهب و سالك فالطريقة الحقّة هي التي سلك بها الفرقة المحقّة فكانت هي مذهبهم.

و اما الاسلام و الايمان فاعلم ان لهما مقامان (مقامين خ‌ل): احدهما مقام اجراء الاحكام الصورية (الاحکام العبودية خ‌ل) الظاهرية و ثانيهما مقام الحكم الباطني بمايظهر في الآخرة يوم الدين يوم الجزاء اما المقام الاوّل ففيه مقامان: احدهما اطلاق لفظ الايمان و الاسلام و ثانيهما ملاحظة معناهما في الظاهر اما لفظ الاسلام و الايمان فمن حيث الاطلاق اي اطلاق لفظهما فبينهما عموم و خصوص من وجه فان الاسلام يجتمع مع الايمان في الفرقة المحقّة و الاسلام يفارق الايمان من حيث الاطلاق فيمايخالف الفرقة المحقّة ممن يظهر الشهادتين و لم‏ينكر ماثبت في الدين بالضرورة من ساير الملل الاثنين و السبعين من امة محمد9 و الايمان يفارق الاسلام في الحقيقة دون الظاهر في قوله تعالي ياايها الذين امنوا لم تقولون ما لاتفعلون فانها قدنزلت في الثالث و هو كماتري فاطلق الايمان علي المسلم و اطلق الاسلام علي المؤمن و اطلق الايمان علي من ليس بمؤمن و لا مسلم هذا حكم الاسلام و الايمان من حيث الاطلاق.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 144 *»

و اما الاسلام و الايمان من حيث اجراء الحكم الظاهري فاعلم ان الاسلام هو الاقرار بالشهادتين و التلفظ بهما من غير ان‏يظهر منه مايخالف الشهادتين مماعلم ثبوته في الدين بالضرورة و بعبارة اخري انه يقول لا اله الاّ اللّه محمد رسول‏اللّه و كلّ ماجاء به النبي9 حقّ من عند اللّه فاذا اعترف بهاتين الشهادتين بظاهر لسانه يحكم عليه بالاسلام طابق باطنه ظاهره او لم‏يطابق عرفت المطابقة او جهلت بمجرد مايظهر الشهادتين و لم‏ينكر ضروريّاً من ضروريات الدين و هو قوله تعالي و لاتقولوا لمن القي اليكم السلام لست مؤمناً فقال تعالي و لقدقالوا كلمة الكفر فكفروا بماقالوا فاعتبر في الكفر مجرد القول من غير ملاحظة الباطن و الاعتقاد فيكون الاسلام كذلك لقدنـصّ عليه سيدالساجدين في دعاء السحر اللّهم ان قوماً امنوا بالسنتهم ليحقنوا به دماءهم فادركوا مااملوا و انا آمنا بك بالسنتنا و قلوبنا فادرك بنا (فادركنا خ‏ل) مااملنا و ثبت رجاءك في صدورنا (قلوبنا خ‌ل).

و قدعلمت الامة انه كان في زمان النبي9 جماعة منافقون يظهرون الاسلام و يبطنون الكفر قداقرّهم رسول‏اللّه9 علي ظاهر اسلامهم و اجري عليهم احكامه و زوّجهم و تزوّج منهم و اجري عليهم حكم الاسلام و اليهم الاشارة بقوله تعالي و لاتكن للخائنين خصيماً و قدنـص عليهم اللّه سبحانه في القرآن بقوله الحق اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول‏اللّه و اللّه يعلم انك لرسوله و اللّه يشهد ان المنافقين لكاذبون فكذّبهم في دعويهم في الباطن و صدّقهم بظاهر السنتهم و اجري عليهم حكم الاسلام فتبين لك من الذي ذكرناه ان الاسلام في اجراء احكامه عليه يكفي ظاهر القول دون الحقيقة و لو علم مخالفته لمايقول و هذا هو ظاهر الاسلام الذي تجري عليه المواريث و تحقن به الدماء و تستباح به الفروج و ان كان في الباطن مخالفاً ضالاًّ.

و اما الايمان في مقام اجراء الاحكام هو القول بالشهادتين المذكورتين و القول بان اميرالمؤمنين و اولاده الائمة الاحدعشر و فاطمة الصديقة: اولياء الله

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 145 *»

طابق باطنه ظاهر اقراره ام خالف كماذكرنا في الاسلام حرفاً بحرف و بعبارة اخري ان الايمان هو شهادة ان لا اله الاّ اللّه و ان محمداً9 عبده و رسوله و ان كلّ ماجاء به النبی9 حقّ من عند اللّه و ان اميرالمؤمنين7 و اولاده الاحدعشر و فاطمة الصديقة اولياء اللّه و خلفاؤه و طاعتهم واجبة علي الرعية كطاعة رسول‏اللّه9 و ان من انكرهم و خالفهم و انكر فضائلهم مخلّد في النار ابدالآبدين و ان جميع مااتوا به و حكموا و الزموا رعيتهم عليه يجب التصديق و الاذعان به و ان جميع ماعلم ثبوته منهم: لايجوز مخالفته فهذه حدود الايمان فلو اخلّ بشي‏ء من هذه الامور او بماعلم بالضرورة من المذهب فذلك خارج من هذه الفرقة المحقّة.

و هل يخرج من الاسلام ايضاً ام لا فيه خلاف و الاصحّ عندي الاول فاذا ظهرت هذه العقايد من شخص فيسمي مؤمناً و يجري عليه احكام الايمان و لايسأل عن باطنه طابق مايقول او خالف علمت المطابقة ام جهلت و علمت المخالفة او جهلت مالم‏يظهر من لسانه او من فعله مايخالف صريح شي‏ء مماذكر (مماذكرنا خ‏ل).

فالاسلام هو الاقرار بالتوحيد و النبوة و الايمان هو الاقرار بالتوحيد و النبوة و الولاية و لمّاعلم في محله من علم الحروف ان زبر كلّ حرف اصل و البينات هي الصفة و الفرع فلمّا كان الاسلام صفة النبوة و فرعها و كان محمد9 اصل النبوة (للنبوة خ‌ل) و اسّها و سرّها و فاتحها و خاتمها كان زبر الاسلام مطابقاً لبيّنات اسم محمد9 فاذا حسبت بيّنات اسمه الشريف بالعدد الكبير يطابق زبر الاسلام فدلّ الاسم علي حقيقة الرسم و تبيّن من الاسم ان الاسلام صفة محمد9 فمن اقرّ بنبوته بعد التوحيد كان مسلماً و لمّاكان اصل الولاية و سرّها و مبدؤها اميرالمؤمنين7 و الايمان صفة الولاية (للولاية خ‌ل) فكان زبر ايمان عين بينات علي7 من غير العدد بدون الحرف فحروف بيّنات علي7 عين الايمان فدل الاسم اي اسم الايمان علي ان المؤمن هو الموالي لعلي7 و حيث ان

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 146 *»

موالاة اميرالمؤمنين7 لاتتمّ الاّ بموالاة باقي الائمة الاثني‏عشر: كان المؤمن من مواليهم (يواليهم خ‌ل) بعد الاقرار بالتوحيد و النبوة.

فاذا ظهر من شخص الاقرار و الاعتراف بالامور المذكورة فهو علي ظاهر الايمان فيجب عليه اجراء احكام المؤمنين و لايلتفت الي ما في باطنه من مطابقته لظاهره و عدم مطابقته فان الامر قبل ظهور دولة الحق و مادام استيلاء دولة الباطل فالحكم علي ظاهر الحال و مايتراءي من ظاهر اعتقاد الشخص كفراً و اسلاماً ضلالةً و ايماناً و لايلتفت الي الباطن و مطابقته للظاهر (الي الظاهر خ‏ل) الاّ عند ظهور دولة الحق و خروج مولينا الغائب عجل اللّه فرجه و ظهور قوله تعالي ليظهره علي الدين كلّه و لو كره المشركون و من القي السلام و قال اني مسلم او مؤمن باظهار ما به الاسلام و الايمان يجب تصديقه و لايجوز تكذيبه بالشبهات و لا باظهار (باظهاره خ‌ل) ما لايوجب القطع بالكفر و من فعل ذلك قبل ظهور دولة الحق فليس بمؤمن و يجب معاملة الناس و مداراتهم بظاهر اقوالهم و اعمالهم لا الامر الواقعي عند اللّه تعالی كما فعل رسول‏اللّه9 في زمانه مع اصحابه المنافقين وهكذا اميرالمؤمنين7 و الحسن و الحسين و ساير الائمة: فانهم: كلّهم مشوا علي هذا المنوال فتجب متابعتهم علي كلّ حال و لكم في رسول‏اللّه اسوة حسنة.

و اما الاسلام و الايمان علي مايوجب النجاة في الآخرة و دخول الجنة فهما يجريان علي شي‏ء واحد فالاسلام هو الايمان و الايمان هو الاسلام و هما المذهب و الدين فلا نجاة في الآخرة الاّ بهما و ان كان لهما درجات فدرجات الاسلام بحسب الحقيقة الواقعية هي درجات الايمان و درجات الايمان هي درجات الاسلام و الفرق بين الاسلام و الايمان بالعموم و الخصوص المطلق بانّ (فانّ خ‏ل) كلّ مؤمن مسلم و لا عكس كما هو مورد الاخبار الكثيرة فانما هو في الاسلام و الايمان باعتبار اجراء الحكم في هذه الدنيا و الاّ بحسب الامر الواقعي و النجاة الاخروي فلا فرق بينهما امارأيت ماعنون في

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 147 *»

الكافي باباً في دعائم الاسلام و ذكر فيه احاديث كثيرة دالّة علي ان الاسلام بني علي الولاية و اذا خلي عنها فلايصحّ الاسلام و هي اعظم اركانه كما عن ابي‏جعفر7 قال بني الاسلام علي خمس علي الصلوة و الزكوة و الحج و الصوم و الولاية و لم‏يناد بشي‏ء كما نودي بالولاية فاخذ الناس باربع و تركوا هذه يعني الولاية و فيه عن ابي‏اليسع عن ابي‌عبداللّه7 قال قلت له اخبرني بدعائم الاسلام التي لايسع لاحد التقصير عن معرفة شي‏ء منها الذي من قصر عن معرفة شي‏ء منها فسد عليه دينه و لم‏يقبل منه عمله و من عرفها و عمل بها صلح له دينه و قبل منه عمله و لم‏يضق به مماهو فيه لجهل شي‏ء من الامور جهله فقال7 شهادة ان لااله الاّاللّه و الايمان بان محمداً9رسول‏اللّه9 و الاقرار بماجاء به من عند اللّه و حق في الاموال الزكوة و الولاية التي امر اللّه سبحانه عزوجل بها ولاية ال‏محمد صلی الله عليهم الحديث و الروايات بهذا المضمون و المعني كثيرة جداً و هي كلّها مبنية علي الاسلام و الايمان الحقيقيّين.

و اما الروايات الواردة بالفرق كماعنون لها باباً في الكافي فهي مبنية علي الايمان و الاسلام الظاهريين الدنياويين بحسب اجراء الاحكام الظاهرية علي المنتحلين بهما فكم من كافر عند اللّه مخلد في نار جهنم يجري عليه حكم الاسلام اذا اظهر الشهادتين و لم‏يأت بمايخالفهما و كم من ضالّ خبيث في‏الواقع مخلد في النار يجري عليه حكم الايمان و كم من مؤمن مقبول عند اللّه يجري عليه حكم الضلال و الكفر بحسب الظاهر فعند جريان الاحكام الظاهرية يفرق بين الاسلام و الايمان كما في الكافي عن ابي‏عبداللّه7 انه سأله رجل عن الاسلام و الايمان ما الفرق بينهما فقال7 الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس من شهادة ان لااله الاّاللّه و ان محمداً رسول‏اللّه9 و اقام الصلوة و ايتاء الزكوة و حجّ البيت و صيام شهر رمضان فهذا الاسلام و قال الايمان معرفة هذا الامر مع هذا فان اقرّ بها و لم‏يعرف هذا الامر كان مسلماً و كان ضالاًّ و الروايات بهذا المعني كثيرة فلولا ان هذه الروايات

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 148 *»

في مقام الظاهر كيف جعل في تلك الروايات الولاية من دعائم الاسلام.

فتبين ان الدين عند اللّه هو الاسلام و الاسلام هو الايمان و به يحصل النجاة في الآخرة كماقال اميرالمؤمنين7 علي مارواه (ماروي خ‏ل) الكليني قال7 لانسبنّ الاسلام نسبة لم‏ينسبه احد قبلي و لاينسبه احد بعدي الاّ بمثل ذلك ان الاسلام هو التسليم و التسليم هو اليقين و اليقين هو التصديق و التصديق هو الاقرار و الاقرار هو العمل و العمل هو الاداء ان المؤمن لم‏يأخذ دينه عن رأيه ولكن اتاه من ربّه الحديث و فيه عن ابي‏جعفر الثاني عن ابيه و جده: قال قال اميرالمؤمنين7 قال رسول‏اللّه9 ان اللّه خلق الاسلام فجعل له عرصة و جعل له نوراً و جعل له حصناً و جعل له ناصراً فاما عرصته فالقرآن و اما نوره فالحكمة و اما حصنه فالمعروف و اما انصاره فانا و اهل‏بيتي و شيعتنا فاحب اهل بيتي و شيعتهم و انصارهم فانه لمّااسري بي الي السماء الدنيا فنسبني جبرئيل لاهل السماء و استودع اللّه حبّي و حبّ اهل‏بيتي و شيعتهم في قلوب الملائكة فهو وديعة الي يوم القيمة ثم هبط بي الي الارض و نسبني لاهل الارض فاستودع اللّه حبّي و حبّ اهل‏بيتي و شيعتهم في قلوب مؤمني امتي فمؤمنوا امتي يحفظون وديعتي في اهل‏بيتي الي يوم القيمة الا فلو ان الرجل (رجلاً خ‏ل) من امتي عبد اللّه عزّوجلّ عمره ايام الدنيا ثم لقي اللّه عزّوجلّ مبغضاً لاهل‏بيتي و شيعتي مافرج اللّه صدره الاّ عن نفاق.

و بالجملة فالاسلام الحقيقي الذي به النجاة لايكون الاّ بالايمان بل الاسلام في هذا المقام هو عين الايمان فلاتكفي الشهادتان في النجاة في الآخرة الاّ بالقران بالشهادتين (بين الشهادتين خ‌ل) الاخيرتين (الاخرتين خ‏ل) و هي (هما خ‌ل) الشهادة بالولاية و بالحامل (الحامل خ‏ل) لها الذي هو الشيعة فافهم الكلام.

و بماذكرنا لك اجمع بين الروايات الكثيرة المتخالفة بما لايوجب طرح احدها و لا عدم فهم شي‏ء منها فانها في مقام الفرق يريد مقام الظاهر و في مقام الجمع يريد الباطن الذي عليه النجاة فافهم و لاتكثر المقال فان العلم نقطة كثّرها الجهال و في دولة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 149 *»

الباطل و اخفاء الحق و الضيق علي المؤمنين و عدم نضج طبيعتهم و عدم الناصر لهم مادامت الدولة للفاسقين و عدم رفع علم اهل الحق و لوائهم و كسر شوكة الظالمين لايمكن حفظ الشيعة في معاشهم و حفظ انفسهم الاّ بالفرق بين الاسلام و الايمان و المذهب و الدين علي مابيّنت لك مجملاً و الاّ فاين يفارق الايمان الاسلام و متي يفارق الاسلام الايمان و كيف يقبل اللّه عملاً عند مفارقة كلّ منهما لصاحبه ولكن الداء العضال و محنة الرجال حفظ هذه الفرقة اليسيرة و الشرذمة القليلة بين هؤلاء الانذال اشباه الرجال و لا رجال نسأل اللّه العصمة و الحفظ و النجاة.

و اما حق‏اليقين و عين‏اليقين و علم‏اليقين: فاعلم ان لي كلاماً في بعض مصنفاتي في شرح هذه المراتب الثلاثة مفصلاً مشروحاً احببت ان‏انقله لك لمايشتمل عليه من الفوايد العظيمة و اني لضيق المجال و تبلبل البال لايسعني الآن انشاء كلام مستأنف فاكتفيت بنقل ماكتبته هناك مفصلاً مشروحاً و قلت:

«اعلم ان الصورة المانعة عن النقيض الثابتة الجازمة المطابقة للواقع الحاصلة من التفات النفس المطمئنة الي الوجه العقلي من القلب المتوجه المقابل الي اعلي عليين بشرط استدامتها في ذلك المقام و رسوخها في ذا (ذلك خ‌ل) المرام مع التفاتها الي جهات المعارضة و حيثيات المناقضة هي المسمي بعلم اليقين و هو اول مقام الترقي العلمي بعد تنزّله (تنزلات خ‌ل) فان الترقيات الاولية انما هي لتحصيل العلم و كانت مراتب نازلة عن العلم و دونه و لذا سمّيناها بالعوالم السالفة للعلم اذ نسبة العلم الي تلك المراتب نسبة الانسان من حيث جسمه و روحه المتعلقة به الملتفّة (الملتفتة خ‏ل) (الملتقية خ‌ل) (الحليفة خ‌ل) اليه الي الارضين السابعة السفلي و ماتحتها من البحر العظيم و الريح العقيم و العذاب الجحيم و كذا نسبة العلم الي المراتب العالية و المقامات الفوقية كماسنذكره ان شاء اللّه تعالي نسبة الانسان الكذائي الي السماء السابعة و فوقها من الكرسي و العرش و الحجاب و الستر.

فتحقق لك ان العلم في رتبة الصفات كالانسان في رتبة الذات (الذوات خ‏ل) كما ان حقيقة الانسان هي الجامعة للمراتب العالية و السافلة من حيث وحدته و هو الكتاب

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 150 *»

المبين الذي باحرفه يظهر المضمر و لذا كان مظهر اسم اللّه الجامع و مربوب لذلك الاسم الشريف كذلك العلم هو الجامع للمراتب العالية و السافلة و المتوسطة بوحدته و شخصيته و اعلي كلّ جمال و ابهي كلّ نور و جلال اذ ما من كمال الاّ و فيه منه اصل و ما من بهاء الاّ و هو له فرع فهو ظاهر الولاية و باطنه و لذا لمّا انقسم الوجود و الموجود وقع العلم في حصّة مولينا اميرالمؤمنين عليه و علي اخيه و زوجته و بنيه الصلوة و السلام و كان ذلك قسمته كماقال7 :

رضينا قسمة الجبّار فينا   لنا علم و للاعداء مال
فان المال يفني عن‏قريب   و ان العلم باقٍ لايزال

بيـان: علم‏اليقين هو النفس و (او خ‏ل) ماتدركه في رتبة مقامها بعد الانخلاع عن التعلقات البدنية و الانزعاج عن الشهوات الجسمانية الجسدانية و انقيادها للعقل الكامل و التفاتها الي عالمها الاول و توجهها الي الرأس المرفوع من القلب الي اعلي عليين و اعراضها كلية او (و خ‌ل) اغلبية اكثرية عن الرأس المنكوس الي اسفل‏السافلين فتنطبع فيها من الانوار الالهية الحقيقية المفاضة علي العرش علي جهة الوحدة و البساطة الواحدية لا الاحدية المفاضة منه علي الكرسي علي جهة الكثرة و الجزئية و التصور بالصور الشخصية فالمنطبع في النفس حينئذ هي الصورة الحقّة الشخصية الجزئية المتكثرة المتعددة من الانوار الالهية و الحقايق اللاهوتية لكنها علي نحو الكثرة المستلزمة للهيبة و ظهور العظمة و الجلال و القهر و الغلبة لربنا الكريم المتعال و لذا كانت مورثة للخشية كما اخبر عنه الحق بقوله الحق بالحصر انما يخشي اللّه من عباده العلماء و قال السجاد7لا علم الاّ خشيتك و لا حكم الاّ الايمان بك ليس لمن لم‏يخشك علم و لا لمن لم‏يؤمن بك حكم و قال مولينا الصادق7 اذا تحقّق العلم في الصدر خاف و انك لو (اذا خ‏ل) تأملت علمت وجه حصر العلم في الخشية اذ بعد منع النقيض لايعتبر و لايعتمد الاّ علي ماهو الثابت الجازم المطابق

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 151 *»

للواقع و لايكون كذلك الاّ اذا اتصلت النفس بالعقل و تكون اختاً له و تبيض لونها بعد ماكان اسود حتي يكون كلون السماء و لايكون كذلك الاّ بعد ماظهر له من نور الكبرياء و الجلال و مشاهدة تلك الصورة (الصور خ‌ل) الحقّة المنبئة عن عظمة الحق اذ لكل حق حقيقة و علي كل صواب نور فيري مقهوريته (مقهورية الکل خ‌ل) و مغلوبية الكل مع كثراتها فيحصل له من تصور ذلك الخوف المستلزم للهرب و هو قوله7 (و خ‌ل) من خاف هرب و من هرب نجي و الكلام في هذا المقام طويل.

و بالجملة ان مدعي العلم ان وجدت فيه الخشية بعلامته التي هي الهرب فهو ممن ادرك ظاهر العلم و الحق و النور و الاّ فان وجدت فيه الاهمال و الكسالة و عدم الميل و الرغبة و عدم التوغل في المخالفة فهو من العوام و المقلدين و ان ادرك شيئاً فانه لم‏يدركه كما هو الواقع عن بصيرة بحيث يقف علي اليقين في مقام الظاهر و الصورة و ان خالفه المخالف فهو و العوام علي حدّ واحد الاّ ان ماعنده من الصور الغيرالثابتة اكثر مما عند غيره من العوام و ان وجدت فيه المخالفة و التوغل في المعصية و عدم المبالاة بالشريعة المصطفوية علي ماهو عليه عامة الشريعة من الفرقة المحقة الناجية فهو من الذين نكست رءوسهم عند ربهم فانطبعت فيها من الخزينة السفلي مايعاند الاولي العليا و يضادّها و يناقضها و تعرف ذلك من علمه الاّ ان معرفة ذلك و تميّزه (تمييزه خ‌ل) و معرفة مراتبه و مقاماته صعبة اذ ليس الكلّ من اهل هذا المقام علي نهج واحد و طور غير متعدد بل هناك (هنا خ‏ل) مراتب كثيرة و لكلّ مرتبة اهل.

و لكل رأيت منهم مقاماً   شرحه في الكلام (فی‌الکتاب خ‌ل) ممايطول

و الحاصل ان المراتب الاربعة المذكورة في مقام العلم في الصدر احدها مرتبة علم‏اليقين و الاخري تقابلها تقابل التضاد و هي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 152 *»

في اسفل السافلين كما ان الاولي في اعلي عليين و اطلاق العلم عليها من جهة الضدية اذ من المناسبات مناسبة التضاد كما ان الشمس تطلق علي رسول‏اللّه محمد بن عبداللّه9 و القمر في القرآن علي علي بن ابي‏طالب اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليهم ابدالآبدين كذلك الشمس تطلق علي اول المنافقين و صدرهم و فخرهم و سيدهم ابي‏الدواهي عليه لعنة اللّه ما مرّت الدهور و القمر يطلق علي ثانيهم و مظهر القبايح و المفاسد في قوله تعالي الشمس و القمر بحسبان و حسبان دركة من دركات النيران بشهادة القرآن و امثال ذلك من الالفاظ التي تطلق علي الشي‏ء (شیء خ‌ل) و ضدّه و كذلك العلم اذا اطلق علي الصور (الصورة خ‏ل) الحاصلة الثابتة الجازمة الغيرالمطابقة للواقع و العلماء يسمونه بالجهل المركب و الصورتان الاخيرتان مقام المستضعفين من الطرفين فلايحكم عليهم الاّ بماعندهم معاذ اللّه ان‏نأخذ الاّ من وجدنا متاعنا عنده.

فلايعد الانسان عالماً معتمداً عليه معتبراً علمه الاّ اذا بلغ علمه مقام علم‏اليقين و هو كماقلنا عبارة عن الصورة الموصوفة و قبل ذلك فلايعدّ عالماً و لذا قال الحق سبحانه كلاّ لو تعلمون علم‏اليقين لترون الجحيم و هذا اليقين و الثبات الجازم المطابق انما هو في الصورة فقط و الاّ فهو في المعني الوجداني الواقعي الكلّي الشامل الجامع لتلك الصورة و غيرها بمعزل عن الوصول اليه و الادراك له اذ بعد ماقطع مسافة ذلك العالم و ماوصل اليه و ان كان يدرك من تلك الصورة معني الاّ ان ذلك ليس مانحن بصدد بيانه بل هو المتنزل الي تلك الصورة و المتقيد بها و اين هما (هو خ‏ل) ممااردنا من الوحدة الكلية الحقيقية.

ثم ان هذا المقام اي مقام علم‏اليقين و ان كان مقام الظاهر و الصورة الحقّة الواقعية الاّ ان له مقامات كثيرة و درجات عديدة حيث ان الصور الحقة مختلفة بعضها اعلي و اشرف من الاخري كماتري (يري خ‏ل) الاختلاف في الاجسام بعد اجتماع الكلّ في رتبة الجسمية و كذا الامر في الصور المنتزعة عنها اذ النفس مرآة تنطبع فيها صورة مايحاذيها و يقابلها فالانتقاش انما يكون بحسب

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 153 *»

المقابل كمايكون بحسب المرآة و لا شك ان الصورة المنطبعة من العالي اشرف و اعلي و اغمض و ادقّ و اوسع و ازيد من الصورة المنطبعة من السافل و لمّاكانت المراتب المختلفة بالعلوّ و السفل كائنة ماكانت و بالغة مابلغت تجمعها مراتب ثلثة  العالي الذي ليس فوقه في تلك الرتبة و السافل الذي ليس دونه فيها و المتوسطات كماتشاهد في الاجسام فانها مع كثرتها و وفورها غير خالية عن هذه المراتب الثلاثة (الثلاث خ‌ل) اذ اعلي مراتبها الافلاك و ادني مراتبها المتولدات من حيث هي اي الارض و مابينهما المتوسطات كالعناصر كانت مراتب علم اليقين ايضاً علي ثلثة و قداخبر الحق سبحانه عنها بقوله الحقّ و من اصوافها و اوبارها و اشعارها اثاثاً لكم و متاعاً الي حين و لا شك ان هذه المراتب انما هي مراتب ظاهر الجلد الذي هو علم الظاهر.

و لمّاكانت مراتب العلم مختلفة كانت محالّه و مواقعه ايضاً كذلك اذ الشي‏ء الواحد من حيث وحدته لم‏يختلف آثاره و ذلك اما بالآية التي يأخذها عضـداً لآثاره و افعاله او بجهاته في ذاته و الثاني اعتباره في هذا المقام لايخلو عن تكلّف بل تعسّف فيثبت الاول فللنفس آلات و هي المسماة عند القوم بالقوي الباطنية تدرك المراتب السافلة من الصور المنطبعة المنتزعة عن (من خ‌ل) الخارج بها و هي تختلف بعضها يدرك القشر المحض و الظاهر و الظاهر الخالص اي ظاهرالظاهر و الآخر يدرك اللبّ من القشر كالصوف و الآخر الثالث يدرك لبّ اللبّ من القشر و هو النفس في ذاتها و جوهرها و حقيقتها و كلّ تلك مراتب الصورة و علم الظاهر و تسميتها باللبّ و القشر اضافي فتفطن لادراك هذه الامور و احفظها و استعدّ لفهمها فان هنا مقامات اخر و تفاصيل يطول الكلام بذكرها و لذا تركناها ولكنّا ربما القينا اليك من هذا الباب زيادة علي ماذكرنا في بيان اقسام العلم و سرّ اختلافها و تشتتها بعون اللّه تعالي و حسن توفيقه و الحمد للّه رب العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و آله الطاهرين.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 154 *»

القول في مبدأ تحقق (تحقيق خ‌ل) عين‏اليقين: اعلم ان الشخص مهما هو ملتفت الي الجسد و البدن لايتعدّي ادراكه عن عالم الحس و الظاهر و لايعرف الاّ ماعرفه بالحواس الظاهرة الحسية فينكر الذي لايدرك بالحواس الجسمية كما كان كثير من الكفار و المنافقين و الزنادقة و الدهرية علي هذه الطريقة و حديث الاهليليجية (الاهليلجية خ‏ل) لمولينا الصادق7 اكثره لاثبات هذا المدّعا من ان الشي‏ء اعم من ان‏يكون مدركاً بالحواس الظاهرة او الباطنة و ذلك لشدة التفاتهم و ركونهم الي عالم الحسّ و الجسم بحيث نسوا بالكلية مراتبه (مراتب خ‌ل) الاخر فاذا التفت الي النفس من جهة العقل و اعرض عن النفس الملتفتة الي الجسم يضعف هذا الحجاب الذي كان معدن الظنون و الشكوك و الوساوس و غيرها و يرقّ و يلطف حتي يتبين ظهور النفس من ورائها فاذا اشتغل فيها و التفت اليها و استقرّ فيها و رسخ و تمكّن منها حصل له مقام علم‏اليقين و ذلك انما كان لشدة التفات النفس و ان كان من جهة العقل فاذا قطع نظره عنها و التفت الي العقل و ترك مايقتضيه (تقتضيه خ‌ل) النفس من الصور و الهيئات و الكثرات و توجّه الي العقل التفاتاً كلّياً و توجهاً اصلياً يضعف هذا الحجاب و يرقّ و يلطف حتي يشبه العقل كماقال اللّه تعالي فان تابوا و اقاموا الصلوة و آتوا الزكوة فاخوانكم في الدين قال الشاعر و لنعم ماقال:

رقّ الزجاج و رقّت الخمر   فتشاكلا و تشابه الامر
فكأنما خمر و لا قدح   و كأنما قدح و لا خمر

فاذن يظهر سلطان جبروت العقل بعد مضي جنود النفس و يلوح نوره من افق القلب بعد ذهاب ظلمة الكثرات النفسانية فيشرق في القلب و يملأ بنوره جميع فضائه و يذهب باشراقه كلّ الظلمات من الظنون و الشكوك و امثالهما فان الظنون و الشكوك لواقح الفتن و مكدرة لصفو المنايح و المنن فيحصل له علم اوسع من الاول و يتحقق لديه ادراك اشمل فيملأ في قلبه نور اليقين لانه حينئذ يدرك معاني الاشياء علي جهة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 155 *»

العموم و الكلية و الانبساط فاذا عرفها من حيث انفسها و حقّقها و رسخ فيها و عرف شيئاً واحداً بهذه المثابة فلايزول علمه بها و ان تبدلت عليه الصور و اختلفت (اختلف خ‌ل) الجهات و الحيثيات و الاضافات فانه يعرفه مع كلّ صورة و في كلّ صورة و بكلّ اعتبار و جهة و حيثية بل يعرف اموراً كثيرة ايضاً بتلك المعرفة الاولية كتلك الصور المتبدلة المعتورة عليه التي هي حصة من ذلك المعني جزئيات لذلك المعني و افراد و تعينات له.

فاذا عرف ذلك حقّ معرفته فيعرف بها جميع افراده و اجزائه و جزئياته و ظهوراته و تطوراته و افعاله في نفسه و افعاله من حيث تعيناته و تشخصاته فيتسع علمه و ينفسح قلبه فيشاهد الامور الغيبية التي هي عبارة عن ظهورات الشي‏ء الواحد و تطوراته و اليه اشار مولينا رسول‏اللّه9 بقوله ليس العلم بكثرة التعلم بل هو نور من عند اللّه يقذفه في قلب من يحبّ فينفسح فيشاهد الغيب و ينشرح فيحتمل البلاء قيل هل لذلك من علامة يا رسول‏اللّه قال9 التجافي عن دار الغرور و الانابة الي دار الخلود و الاستعداد للموت قبل نزوله انظر الي قوله9 في العلامة فانه صريح فيماذكرنا من تحقق مبدأ هذا العلم و كذا قوله9 فينفسح الخ و اي انفساح و اتساع اكثر من ذلك فانه يدرك بشي‏ء واحد اموراً عديدة بل غير عديدة و غير متناهية.

بيان حقيقة عين‏اليقين: اعلم ان هذا العلم الكلّي و النور الالهي الذي مقرّه القلب اي العقل هو المسمي بعين‏اليقين و هو البيت الذي يأوي اليه الشخص في معرفة العلوم المشار اليها في تأويل قوله تعالي و اوحي ربك الي النحل و هم آل‏محمد سلام اللّه عليهم ان اتخذي من الجبال اي الاجسام الظاهرة مقرّ الارواح الغيبية او العجم لكونه مطارح اشعة العرب كالاجسام كما هو شأن السافل بالنسبة الي العالي بيوتاً اي اتخذي من احوالهم و اوضاعهم و ظواهرهم اي ادرك منها قواعد كلية و معان الهية حقيّة ممايجمع كلّ

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 156 *»

تلك الاحوال بجامع واحد فان الامور المتباينة المختلفة مع تباينها و اختلافها و عدم ائتلافها يجمعها شي‏ء واحد بسيط و كلّ هذه الامور المتباينة المتضادة لو تأملتها بالتأمل الصادق وجدتها احوال ذلك الشي‏ء الواحد و اعراضه و اجزاءه و جزئياته و شئوناته و تطوراته و ظهوراته و مكمّلات وجوده و ظهوره و متمماته كذلك و شرايطه و علله و اسبابه و ظواهره و بواطنه و ذلك الشي‏ء الواحد هو البيت الذي يسع كلّ تلك الامور و تأوي اليه لادراكها فاذا دخلت البيت تطلع علي جميع مافيه لان اهل‏البيت ادري بالذي فيه.

ثم قال تعالي و من الشجر اي من النفوس و الارواح المتعلقة بالابدان و المنقطعة عنها المتعلقة بعالم القدس او العرب علي مافسر بالحديث (في الحديث خ‌ل) الذي رواه علي بن ابرهيم و ممايعرشون اي من الارتباطات البرزخية بين الجبال و الشجر (و خ‌ل) الصور المقدارية و الهيئات المثالية او الاعم ليشمل الارتباطات الرقايقية ثم كلي من كلّ الثمرات و هو استنباط تلك الافراد و الجزئيات من ذلك المعني الواحد الكلّي اما بضمّ صغري سهلة الحصول اليه لينتج (ليحصل خ‌ل) لك الامر بالبداهة كما اذا عرفت الانسان من حيث هو (هوهو خ‌ل) و عرفت انه حيوان ناطق (و عرفت الحيوان الناطق خ‌ل) فتجعله كبري كلّية و تقول كلّ انسان حيوان ناطق فاذا اردت استنباط الجزئيات منها فانظر فيها فان وجدت ذلك المعني فيها تجعلها صغري و ضمّها الي الكبري و قل هذا حيوان ناطق و كلّ حيوان ناطق انسان لينتج لك هذا انسان وهكذا تتصرف (تتعرف خ‌ل) في جميع جزئيات ذلك و افراده فمعرفة تلك الحقيقة الجامعة و استخراج جميع اطوارها منها هو عين‏اليقين.

فتلك الحقيقة الجامعة باب ينفتح منه الف باب من العلم و كلّ معني باب من الابواب لكونه شيئاً واحداً منطوي (منطوٍ خ‌ل) فيه الكثرات و صالح لقبولها كالمداد فانه معني الحروف و لبّ الهيئات و الحدود و ليس فيه في ظاهر الحال شي‏ء من تلك الاّ انه صالح لها و مندرجة تلك الكثرات في وحدته و ثابتة فيه ثبوتاً ذكرياً لكنها معدومة العين فاذا تصور بالصور (الصور خ‏ل) المختلفة و الهيئات المتشتتة تري ظهور المداد في تلك الاحوال بل لاتراها شيئاً

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 157 *»

الاّ بالمداد بل لاتري شيئاً الاّ المداد فيتسع علمك و ينفسح فهمك و قلبك لمشاهدة تلك الامور الغائبة في ذلك المعني كالمداد مثلاً فانت لاتزال فيه علي يقين و بصيرة بل تزداد بصيرة و علماً و يقيناً بذلك الشي‏ء اذا رأيته يظهر في كلّ شي‏ء من مظاهره و لاتشكّ فيه بوجه لان الشك اذا كان بالنفي و الاثبات من اصل ذلك المعني انه هل هو كذا ام لا ام هو هو ام لا او باعتبار اختلاف الجهات و الحيثيات و الاعتبارات يلتبس عليه امر ذلك الشي‏ء فيري ذلك الشي‏ء من حيث تصوره بالصورة الاخري او حيثية اخري معارضاً لذلك الشي‏ء من حيثية و جهة اخري و هو في الحقيقة شي‏ء واحد فيحصل عنده احد الاقسام المذكورة من الريبة و الشك و الوهم و امثالها فان كان الشك باعتبار الامر الاول فهو خارج عمانحن بصدده لان العالم بعد ماخرج عن مقام علم‏اليقين و مادخل في رتبة عين‏اليقين بل اول صعوده منه و ان كان باعتبار الامر الثاني فلايمكن فرضه لمن دخل ذلك الباب و عرف الشي‏ء من حيث هو لا من حيث الصورة فلايتحقق الشك اذن ابداً و لا الظن بمراتبه و اقسامه.

ثم قال تعالي فاسلكي سبل ربك ذللاً و سبيل (سبل خ‌ل) الرب هو الذي ذكرنا لك من اتخاذ امر الجامع الصادق علي الكلّ اما علي نحو جمعية الكلّي لافراده او الكلّ لاجزائه او العلة المادية لمعلولاته او المنير لانواره او الفاعل لافعاله او المقابل لصور (لصورة خ‏ل) المتجلية في مرايا ظهوراته او المطلق لقيوداته او الكلمة لدلالتها المختلفة حسب افهام المخاطبين فاذا سلك هذا السبيل علي هذا الطريق كان سالكاً لسبيل الرب ذللاً.

يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه اي علوم مختلفة متحدة الحقيقة من احوال العوالم (العلوم خ‌ل) العلوية و السفلية و النورانية و الظلمانية و الحقيقية و المجازية و الخلقية و الامرية اذ ليس العلم الاّ احوال العالم و الاعيان الموجودة و الاختلاف انما هو لاختلاف المعاني الكلّية المستدعي كلّ معني منها علوماً من سنخه كالنور الاحمر الذي منه احمرّت الحمرة و النور الاخضر الذي منه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 158 *»

اخضرّت الخضرة و النور الاصفر الذي منه اصفرّت الصفرة و النور الابيض الذي منه البياض او منه ابيضّ البياض مثلاً اذا علم حقيقة الجسم من حيث هو و مايقتضيه من حيث ذاته و مايصلح لان يعرض عليه يتشعب (ينشعب خ‌ل) منه العلم الطبيعي من احوال الاجسام من الفلكي و العنصري و البسيطي و المركبي.

و اذا عرف حقيقة مقدار الاشكال (المقدار او الاشكال خ‏ل) الشبحية و مايصحّ عليها و ماتقتضيه من حيث ذاتها ينفتح له باب علم الرياضي بجميع انحائه و اقسامه و كذلك امثالهما (امثالها خ‌ل) من المعاني الكلية الجامعة و يختلف العلماء في معرفة ذلك المعني الكلّي و كذا في كيفية استنباط تلك الجزئيات منه.

فيه شفاء للناس لانه اذن يدرك الحق و يعرض عن الباطل لانه يرقّ (يري خ‌ل) الشي‏ء و يشاهده علي نهج (نحو خ‌ل) يستخرج منه جميع احواله فيسكن عنده و لايضطرب اذ الحق يشفي العليل و يبرد الغليل بخلاف الباطل فانه يعلّل الفهم و يسقّم القلب و يعوّج الفطرة و يكدّر الصفوة من المشاعر و القوي (القوي و المشاعر خ‏ل) كماقال مولينا علي بن الحسين8 و اقشع عن بصائرنا (عن ابصارنا خ‏ل) سحاب (سحائب خ‌ل) الارتياب و اكشف عن قلوبنا اغشية المرية و الحجاب و ازهق الباطل عن ضمائرنا و اثبت الحق في سرائرنا فان الشكوك و الظنون لواقح الفتن و مكدرة لصفو المنايح و المنن الدعاء.

فاذا ادركت الحق و علمت الصواب فاعلم انه شفاء لكلّ مرض من امراض الجهل و السهو و الغفلة و الشك و الظن و غيرها من كلّ باب و لعمري ان هذه الاية الشريفة متكفلة لبيان عين‏اليقين علي احسن مايمكن و لا بيان ازيد من ذلك لايقال ان هذا تأويل يخالف الظاهر و الاصل عدمه للزوم ارتكاب المجاز لانا نقول بعد مافسر النحل بآل‏محمد سلام اللّه عليهم و الجبال بالعجم و الشجر بالعرب او بالعكس و لم‏يحضرني الآن لفظ الحديث فلا محيص الاّ الي ماذكرنا لايقال انه من الاخبار الآحاد التي لايوجب (لاتوجب خ‌ل) علماً و لا عملاً لانا نقول اذا كان الخبر الواحد محفوفاً بالقرائن القطعية

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 159 *»

يتعيّن العمل به سيما عند اعتضاده بالعقل القاطع و انت لو تأملت علي حقيقة الامر فيماذكرنا ينكشف لك الواقع ان شاء اللّه تعالي و لو كشف الغطاء لمااخترتم الاّ الواقع فافهم.

مراتب عين اليقين (علم عين‏اليقين خ‏ل): اعلم انه كماكان في مرتبة علم‏اليقين مراتب ثلث كذلك يكون في مرتبة عين‏اليقين فان فيها مراتب ثلث حسب التفات النفس اي الشخص الي المقامات العقلية النورية المحضة اوّلها و هو ادناها اوّل ظهور مقام العقل قبل انمحاق جهات النفس الصاعدة الي الروح و التفات العقل النازلة الي الروح ايضاً و ثانيها و هو اوسطها بل اوّلها مقام العقل في حدّ ذاته في مرتبة ذاته و بلوغه الي مقام قاب قوسين قبل ان‏يصل الي مقام او ادني و هو مرتبته الحقيقية و ذاته الواقعية من غير نزول و صعود فافهم و ثالثها و هو آخرها و اعلاها مقام العقل حين التفاته الي الفؤاد النور الذي خلق منه الذي يدرك به المؤمن صاحب الفراسة الاشياء فاذا قطع التفاته عن نفسه فذلك مقام آخر و عالم آخر كماسيظهر لك ان شاء اللّه تعالي.

القول (اقول خ‏ل) في الفرق بين علم‏اليقين و عين‏اليقين: اعلم ان الفرق بينهما في غاية الوضوح و نهاية الظهور كالفرق بين الارض و السماء فان النفس (النفوس خ‏ل) هي الارض و العقل هو السماء لان علم‏اليقين فيه ادراك الصور المعينة لذلك المعني في حدّ خاصّ و تعيّن معين علي الوجه الثابت الجازم المطابق للواقع مدرك النفس (مدركة خ‏ل) النفس المطمئنة عند نظرها الي عليين حين مارجعت الي ربها و كانت راضية مرضية و دخلت في عباد اللّه الصالحين فاستحقّت بذلك دخول جنة القرب و الصواب امتثالاً لقوله تعالي ياايتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي.

فلا نصيب لاهل هذه المرتبة اي مرتبة علم‏اليقين الاّ ادراك ذلك المعني من حيث ذلك التعين و تلك (فتلك خ‏ل) الصورة كما انه عرف الانسان من حيث ظهوره في الفرد الخاص كزيد مثلاً علي الوجه الثابت الجازم

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 160 *»

و المطابق للواقع فاذا تعيّن ذلك المعني الكلّي بتعين آخر قديلتبس عليه و لايدركه بل يراه معارضاً لذلك المعني الاوّل المتعين بتعين آخر لجهله بالوحدة لكون مقامه مقام الكثرة فلايري (لايري خ‏ل) الوحدة في ذلك مادام في ذلك المقام بخلاف مقام عين‏اليقين فان فيه ملاحظة الوحدة و الاعراض عن الكثرة و معرفة الاشياء الكثيرة و معرفة الشي‏ء الواحد.

ففي مقام علم‏اليقين علم و يقين و شي‏ء جزئي علي وجه مخصوص و في مقام عين‏اليقين يعرف الباب الذي ينفتح منه الف باب و من كلّ باب الف باب و من كلّ باب من الالف الف باب وهكذا الي ما لا نهاية له فلا ساحل لبحر علمه و لا منتهي لكُنه فهمه و لاينسدّ عليه الباب بل هو واقف دائماً و سائل للمدد ابداً من ذلك الجناب باب‏الابواب و سرّ الحجاب الذي تنتهي اليه المسببات و الاسباب و بهذا العلم يعاين و يشاهد الملك الذي له رءوس بعدد رءوس الخلايق ممن وجد و من سيوجد الي يوم القيمة و من (ما خ‏ل) ورائه الي ماشاء اللّه.

و بعلم‏اليقين يعرف رأساً من تلك الرءوس و وجهاً من تلك الوجوه فمااقل هذا المقام بالنسبة الي ذلك المقام و بعلم‏اليقين يعرف ان في القرآن حقيقة و مجازاً و كناية و اشارة و استعارات و تلويحات و بعين‏اليقين يعرف النقطة الواحدة السارية في كلّ تلك الاطوار و يظهر عنده حكمة اللّه العزيز الجبار فتطوي لديه طوامير الحقيقة و المجاز و التواطؤ و التشكيك و النقل و الارتجال و يشاهد الحقيقة الواحدة في كلّ الاحوال و يعرف البواطن القرآنية في خلال تلك الاحوال ليشاهد ظهور الحقيقة الواحدة في قوس النزول في كلّ عالم علي حسب ذلك العالم فيطلق الماء مثلاً علي الحقيقة المحمدية9 مرّة و علي الحقيقة العلوية اخري و علي الرتبة الزكية الفاطمية اخري و علي السادة الاطهار امناء الملك الجبار اخري و علي العرش الاعظم اخري و علي الكرسي المقدم اخري و علي سرّ السموات اخري و علي سرّ الارضين اخري و علي حقيقة الكواكب اخري و علي النار اخري و علي الهواء اخري و علي مبدأ المتولدات اخري و علي المنجمد اخري

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 161 *»

و علي المايع اخري و الكلّ حقيقة في بعضها تشكيك و في بعضها تواطؤ و في بعضها حقيقة بعد حقيقة و هكذا تصاريف ساير الالفاظ من نوع ماذكرنا بالايجاز.

فعين‏اليقين به يعرف بواطن الاشياء لاسيما الكتاب و السنة و بعلم‏اليقين يعرف قشورها و ظواهرها و في كلتا الحالتين ناظر بنور اللّه طارق باب اللّه مستمدّ من اللّه مصيب امر اللّه ناطق بحجة اللّه لكن في مقام علم‏اليقين منجمد و في مقام عين‏اليقين ذائب و عين‏اليقين باب باطن مقرّه العرش و علم‏اليقين باب ظاهر مخزنه الكرسي في الكواكب و البروج و المنازل و المحالّ و المواقع و بعلم‏اليقين يستدلّ بدليل المجادلة لاهل الصورة و بعين‏اليقين يستدلّ بدليل الموعظة الحسنة لاهل المعني.

و بالجملة فعلم‏اليقين و عين‏اليقين بينهما فرق بيّن و تميّز (تمييز خ‌ل) ظاهر من نوع ماذكرنا و امثاله فخـذه و كن من الشاكرين و هذا مجمل احوال عين‏اليقين (علم عين‏اليقين خ‏ل).

القول (اقول خ‏ل) في مبدأ تحقق حقّ اليقين: اعلم ان النور الرباني و الفيض السبحاني الذي اثبتنا في كثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل انه هو العلم و هو اول صادر عن الحق سبحانه بالنسبة الي مراتب كلّ شخص و مقاماته الذي امره اللّه سبحانه بالاقبال اليها و المسافرة (بالمسافرة خ‌ل) من الحقّ الي الخلق فسافر ممتثلاً و اقبل الي الخلق مرتبة بعد مرتبة الي ان وصل الي التراب و انجمد و انقطع عن الحيوة و مات ثم اراد اللّه سبحانه احياءه كماقال تعالي كيف تكفرون باللّه و كنتم امواتاً فاحياكم.

امره سبحانه بالاقبال و المسافرة من الخلق الي الحقّ بعكس السفر الاول اي الرجوع الي الوطن بعد الهجرة فاقبل اليه سبحانه ممتثلاً لقوله و مجيباً لدعوة ربّه فمرّ في صعوده كماكان في نزوله الاّ ان في الثاني كان علي جهة الخفاء و في الاول علي جهة الظهور كما هو شأن الصعود بعد الهبوط فمرّ في صعوده علي مقام النبات و لم‏يظهر فيه ادراك و شعور الاّ فعل النموّ و الذبول و مرّ علي الحيوان فظهر في هذا المقام الشكوك و الظنون و الاوهام و الوساوس و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 162 *»

الارتياب و النجوي و الخيالات الغيرالمستقلة الباطلة الكاذبة و بعض الادراكات الحقّة الجزئية علي مافصلت و بينت و شرحت.

فبعد ماقطع تلك المسافة اما صاعداً الي اعلي عليين و اما هابطاً الي اسفل السافلين و وصل الي مقام النفس و مرّ عليها فصار مبدأ انشراح الصدر بالايمان و العلوم الحقّة و الصور الصحيحة النفس‏الامرية و في مقابلة انشراح الصدر بالكفر و الادراكات الثابتة الجازمة الباطلة الغيرالمطابقة لمافي نفس‏الامر و هي مجتثة و ان كانت ثابتة و ذلك هو الحرج و الضيق قال اللّه تعالي فمن يرد اللّه ان‏يهديه يشرح صدره للاسلام و من يرد ان‏يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل اللّه الرجس علي الذين لايؤمنون و هذا صراط ربك مستقيماً قدفصلنا الآيات لقوم يذكرون و هذا مقام علم‏اليقين و الجهل المركب كمامرّ مشروحاً مفصلاً.

فبعد ماقطع في صعوده هذا مقام النفس و دخل في الباب العقلي و انفتحت له ابواب من العلم فصار في هذا المقام مبدأ عين‏اليقين الي هنا كان آخر مقامات التعين و التشخص فبعد ماقطع مسافة هذا العالم مع وسعته و بعده لحق بمركزه و عاد الي عالمه و ادرك ذاته بذاته فادرك كلّ شي‏ء بذلك الادراك اذ الكلّ من شي‏ء واحد و هو الجنان الصاقورة الذي ذاق روح‏القدس من حدائقه الباكورة فهو يدرك حقيقة الشي‏ء من حيث هي مع قطع النظر عن التعينات و التشخصات باي وجه كانت و يحيط بالاشياء المقيدة احاطة تامة كلية بحيث اذا وصل الشخص الي ذلك المقام لايشذ منه جهة من جهات الشي‏ء و حال من احواله و حيثية من حيثياته و هو يحيط بكلّ ذلك علماً.

بيان حقّ اليقين: فاذا وصل الي هذا المقام بعد قطع تلك المسافات (الاضافات خ‏ل) يحصل حقّ‏اليقين و انه لحقّ‏اليقين و النور المبين و يدرك جميع مراتب الاشياء في اماكنها و يدرك اجسامها بالقوي الجسمية (الجسمانية خ‏ل) و اشباحها بالقوي الشبحية و ارواحها بالقوي الروحانية و انوارها بالقوي النورانية و اسرارها و حقايقها بذاته و حقيقته فلايكون شي‏ء في رتبة الاّ و قدوقع علمه عليه و هذا بخلاف عين‏اليقين فانه كان يخفي فيه حقيقة الشي‏ء التي هي جهة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 163 *»

الاحدية الامكانية و انما كان فيه ظهور الواحدية الامكانية و تمام الواحدية بالاحدية فهي الكاف المستديرة علي نفسها.

و في هذه المرتبة يعرف الحقّ سبحانه بكمال المعرفة التامة الحقيقية التي لا اتم منها و لا اكمل ممايتصور في حقّ الممكن و يمكن (ممكن خ‏ل) له لا (زائد خ‏ل) كماهو الواقع عليه اي معرفة المثال الذي القاه اللّه تعالي في هوياتنا لنعرفه به و الآية التي ارانا (انار خ‏ل) اللّه اياها اي النور الوصفاني و النقش الفهواني المكنون المخزون في اللبّ الانساني الذي وقع عليه السؤال في حديث كميل لمولينا الولي الملك المتعال ما الحقيقة قال7 مالك و الحقيقة لعلوّ شأنها و نبالة مكانها و لاختصاص الخصّيص من الكملين من الشيعة بها و انت لست منهم (فيهم خ‌ل) و ماوردت ماءهم و ماشربت شربهم فزعم كميل انها من الاسرار التي يخصّ بها اميرالمؤمنين7 و هو صاحب سرّه فتعجب من انكاره7 و طرده عن هذا الباب فقال أولست بصاحب سرّك فاجابه7 بمايناسب مقامه و لم‏يأخذه بمااساء من الادب لانه7 من اهل بيت العفو و الكرم فقال7 بلي ولكن يرشح عليك مايطفح مني فلمّا عرف كميل مقامه و علم انه ليس محلاً لذلك فجاء في مقام العجز و الضعف بانّي و ان لم‏اكن لادراكها قابلاً و لكن لكل سؤال جواب و رب حامل فقه الي من هو افقه منه فاجابه7 بقوله الحق كشف سبحات الجلال من غير اشارة و كميل و ان علم ان هذا المقام عالٍ بعيدالمنال و لم‏يمكنه الوصول اليه الاّ انه اراد ان‏يدركه بالوصف المقالي و لمّا لم‏يعرف تلك الفقرة استزاد البيان فقال زدني بياناً فقال7 محو الموهوم و صحو المعلوم فقال زدني بياناً فقال7 هتك الستر لغلبة السرّ قال (فقال خ‌ل) زدني بياناً قال7 جذب الاحدية لصفة التوحيد فقال زدني بياناً فقال7 نور اشرق من صبح‏الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره قال (فقال خ‌ل) زدني بياناً (فقال خ‌ل) قال7 اطفئ السراج فقدطلع الصبح هـ

و هذه المضامين كلّها لايكون الاّ في مقام حق‏اليقين و هو لايكون الاّ في اعلي المشاعر و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 164 *»

المدارك و هو فوق العقل فمقرّ حق‏اليقين (الحق‏اليقين خ‏ل) هو الفؤاد و هو نور اللّه الذي خلق منه الشي‏ء و ان سبق الي اكثر الاوهام ان ليس فوق العقل شي‏ء الاّ الذات القديمة تبارك و تعالي.

بيان الاستدلال علي وجود مرتبة فوق العقل: نقول و (زائد خ‏ل) برهانه علي جهة الحكمة و الموعظة الحسنة من اظهر الاشياء و انما خفاؤه لشدة ظهوره اذ قديخفي الشي‏ء لاجل شدة الظهور و اما علي جهة المجادلة بالتي هي احسن فنقول حيث ان الناس من جهة بقائهم في مقام الصدر و النفس و عدم ترقّيهم الي المقامات التي فوقها لايدركون غير المجادلة فلو القيت عليهم (اليهم خ‌ل) من دليل الحكمة او دليل الموعظة الحسنة اللذين هما الاصلان و العمدتان في الايصال الي المعرفة و اليقين و الايقاف (الايقان خ‌ل) عليهما (عليها خ‌ل) لكنهم من جهة قصورهم يقولون ان هذا المطلب بقي بلادليل و برهان و لذا لو اردنا ان‏نلزم عليهم شيئاً نأتيهم بالمجادلة و هي ادني الدلالات و اخفي الاشارات ذلك مبلغهم من العلم.

فنقول هذا العقل شي‏ء موجود ام لا و الثاني بديهي‏البطلان و الاول هل هو موجود مستقل باللّه من الاعيان الخارجة النفس‏الامرية ام لا و الثاني ايضاً باطل لمابرهن في محلّه و الاول هل هو اشرف من غيره ام لا و الثاني باطل ايضاً لاعترافهم بان العقل من صقع الربوبية و هو المجرد عن المادة مطلقاً ذاتاً و فعلاً و الاول هل هو مركب او بسيط و الثاني باطل لاعترافهم بان كلّ ممكن زوج تركيبي و لا شك في امكان العقل و الاول هل هو مركب من الوجود و الماهية او غيرهما و الثاني باطل لعدم غيرهما و الاول هل الوجود امر متأصل ذا تحقق و تذوت في العين الخارجي ام لا و الثاني باطل لاعتراف محققيهم بذلك و لمااقمنا عليه من البراهين القاطعة في كتابنا اللوامع الحسينية و ليس هنا محل استقصاء هذا المرام و الاول هل هو الوجود اشرف ام الماهية و الثاني باطل و الاول هل له علم و كمال و نور و بهاء و جمال اشرف و اعظم من علم العقل و كماله و جماله ام يساوي العقل في الكمالات ام يكون دونه فيها (شيء خ‌ل) ام ليس فيه شي‏ء منها و الثلاثة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 165 *»

الاخيرة باطلة جزماً اما الاول فللزوم مساواة العالي و السافل من حيث هو سافل في الكمالات و المزايا و الفضايل و هو باطل جداً و الاّ لم‏يكن العالي عالياً من حيث هو كذلك و لا السافل سافلاً كذلك و بطلان الاول من الثلاثة يستلزم بطلان القسمين الاخيرين بالطريق الاولي فثبت الاول من الاربعة و هو ان‏يكون الوجود الذي هو جزء العقل المتعين بالحدود العرضية بالتعين المعنوي في الحدّ العقلي اعلي و اشرف و اقدم و اكثر بهاء و اعظم نوراً و سناء و اشدّ تحققاً و تذوتاً و تأصلاً و اقرب منه مبدء و اشد نوراً و اجل خطراً و اعلي منزلاً و اوفر حظاً و اجزل قسماً في كل خير و نور و حقّ من العقل و عينية تلك الكمالات كلّها له مماسبق برهانه و حيث كان العقل مقراً لعين‏اليقين وجب ان‏يكون مقر حق‏اليقين (الحق اليقين خ‏ل) هو الوجود بل هو الحق اليقين لماقدعرفت من ان كمالاته كلّها ذاتية و ليس له فعل في رتبة ذاته و يعبر عنه اهل‏البيت: في محاوراتهم بالفؤاد.

و اعلم انا قدنتغافل في هذا المقام عن ذكر احواله علي جهة البسط في الكلام و مافيه من الاسرار بالبيان التامّ نظراً الي ماقال الامام7 :

اني لاكتم من علمي جواهره   كي لايري العلم ذو جهل فيفتتنا

و اقول كماقال الشاعر في حفظ السر:

اخاف عليك من غيري و مني   و منك و من زمانك و المكان
و لو اني جعلتك في عيوني   الي يوم القيمة ماكفاني

و اعلم (فاعلم خ‏ل) يا اخي انه الي هنا انقطع مقامات العلم و ليس فوق هذه الرتبة (المرتبة خ‏ل) مقام و ادراك و فهم و نور و ظهور للشي‏ء في نفسه و لا لغيره له اذ ليس وراء عبادان قرية و لذا قلنا ان مقام الفؤاد اعلي المقامات و اشرف الدرجات و ظهور الحقّ سبحانه للشخص في هذه المرتبة اكمل الظهورات بالنسبة اليه في المراتب الامكانية.

و يسمي توحيده للحقّ سبحانه فيه التوحيد الحقيقي و الفناء الواقعي الذي هو البقاء التحقيقي و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 166 *»

الواصل الي هذا المقام في كل ان في الترقي ولكن الترقي انما هو فيه و لايصعد من هذه المرتبة ابداً لامتناع ذلك و ظهور الحق سبحانه في مقام عين‏اليقين يسمي بالتوحيد الشهودي و يري الموحد في ذلك المقام كلّ الموجودات باطلة مضمحلة و ظهور الحق في مقام علم‏اليقين يسمي بتوحيد الذات و هو يستدل من المعلول علي العلة و من الآثار يعرف المؤثر و ليس توحيد في مقام الشك و الظن و الوهم و الخيال فمن زعم ان التوحيد يجتمع مع الظن فقدقال محالاً و اتي باطلاً و ليس في محال القول حجة و لا في المسألة عنه جواب و لا في معناه للّه تعظيم.

هذا ماسنح بالبال في معرفة هذه المراتب علي جهة المشاهدة و العيان و الاستدلال و البرهان و مااكثر ماطويت ذكره في هذا المقام ممايتعلق به لامور منها اختلال البال بعروض الامراض المانعة من استقامة الحال و منها اداؤه الي التطويل المورث للكلال و الملال و منها احتياجه الي مقدمات كثيرة تؤدي الي البسط في المقال و منها عدم احتمال الناس و يسارعون اليه بالانكار و يبالغون في الجهل و يسارعون الي اظهار شنايع الاحوال كيف و قدابتليت بزمان قد مـدّ الجور باعه و اسفر الظلم قناعه و دعي الغي اتباعه فلبّوه من كلّ جانب و مكان باللسان و الجنان و هذا الذي ذكرناه كفاية لمن استبصر و استهدي الصراط (للصراط خ‌ل) المستقيم صراط الذين انعم الله (انعمت خ‏ل) عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين.» انتهي ماذكرته مع زيادة يسيرة في المقدمة الاولي من المقدمات الاربعه‏عشر التي رسمتها لشرح اربعين حديثاً نسأل اللّه التمام مع الايصال (الاتصال خ‏ل) بخير ختام.

و اما الحقيقة و الطريقة و الشريعة: فاعلم انه قداكثر الحكماء و الصوفية فيها من الكلام و اذا تأملتها وجدتها نفخاً في (من خ‌ل) غير ضرام لايسمن و لايغني من جوع ولو اردت ان‏اذكرها و ابين مافيها من الفتور و القصور لطال بنا المقال و هو لايقتضي حالي مع ما انا عليه من اختلال البال فانا اذكر لك ماعرفته من كلمات محمد المفضال و آله خير عترة و آل عليه و عليهم صلوات اللّه بالغدو و الآصال.

فنقول ان العبد اذا عرف نفسه عبداً ممكناً فقيراً لايملك لنفسه نفعاً و لا

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 167 *»

ضرّاً و لا موتاً و لا حيوة و لا نشوراً فيجب ان‏يعرف ربّه و خالقه و رازقه و مايقتضي صفة كينونته و كيفية سلوكه مع عبده و يجب ان‏يعرف نفسه و الاسباب التي توجب استيهالها و قابليتها للفيض الابدي و النعيم السرمدي و توجه العناية عن اللّه سبحانه و تعالي اليه و يجب ان‏يعرف كيف (کيفية خ‌ل) سلوكه مع ربه علي مقتضي كينونته و صفاته و حيث ان العبد جاهل مايعرف شيئاً من هذه الامور يجب علي اللّه سبحانه في الحكمة ان‏يبين هذه الامور و يشرحها له و قدتقدّم في شرح قوله7 يا من دلّ علي ذاته بذاته ان بيان اللّه سبحانه لعبده في كلّ مايجب علي اللّه بيانه علي قسمين حالي و مقالي فنقول ان بيان اللّه سبحانه معرفة نفسه و مايتعلق بهذه المعرفة من التوحيد و اركان التوحيد و حملته و محالّه و مواقعه و مظاهره و حفظته و اسمائه و صفاته و ثوابه و عقابه و ساير مايتعلق بها هو المسمي بالحقيقة لان تلك هي حقيقة اصلية كلّ ماعداها تدور عليها و تتفرع منها فهي الاصل الثابت و الشجرة الطيّبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كلّ حين باذن ربها.

و لماكان الخطاب النبوي الصادر عن الوحي الالهي بقوله تعالي و ماينطق عن الهوي ان هو الاّ وحي يوحي صدق (صدف خ‏ل) بقوله انا لانخاطب الناس الاّ علي مايعرفون وجب علي اللّه سبحانه في الحكمة ان‏يشرح هذه الحقيقة و يبيّنها لاطوار الموجودات و ذرّات (ذوات خ‏ل) الكائنات علي حسب مقامها و مرتبتها فتعدد مراتب هذا العلم اي الحقيقة بحسب اختلاف مراتب الموجودات و اختلاف مشاعرهم فمنها مايدرك بعلم‏اليقين و المدرك لها النفس و شئونها و آلاتها و اطوارها و منها مايدرك بالقوة الحافظة و هي العالمة و منها مايدرك بالقوة الواهمة موضع الصور الغيبية التي ليست من شأنها الظهور في الكون الجسمي و منها مايدرك بالقوة المتخيلة محل الصور الغيبية التي من شأنها الظهور في الكون الشهودي الجسمي و منها مايدرك بالقوة المفكرة و هي موضع التفريق و الجمع و الاتصال و الانفصال و الحركة و السكون و منها مايدرك بالحس المشترك و هو احوال تظهر في عالم البرزخ من

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 168 *»

جابلقا و جابلصا و هما اللتان تأوي اليهما الارواح بعد مفارقتها من ابدانها الجسمانية لا الجابلقا و الجابلصا اللتان خلق فيهما ابونا ادم علي نبينا و اله و7 و لا التي تظهر في اخر الرجعات عند مسجد الكوفة و ماورائها الي ماشاء اللّه و منها ماتدركه في الجنة التي خلق فيها ادم بالاتها و الات اهلها و قواها و مشاعرها و منها ماتدركه في موضع يكون طالع الدنيا فيه السرطان و الكواكب في اشرافها و ليس هناك الاّ مشرق واحد و مغرب واحد و جنوب (واحد خ‌ل) و شمال و لايتعدد المشارق و لا المغارب و منها ماتدركه في الجزيرة الخضراء علي ساحل البحر الابيض و هي التي فيها ظهور مولينا صاحب الزمان عجل اللّه فرجه و سهل مخرجه و جعلني فداه و اعانني علي طاعته و طلب رضاه عليه و علي آبائه السلام و منها ماتدركه في باطن العرش محددالجهات عند ظهور اسم اللّه البديع و منها ماتدركه في ظاهر العرش محددالجهات عند ظهور القطب الظاهر بمعدل النهار و منها ماتدركه في باطن الكرسي عند ظهور اسم اللّه الوارث و منها ماتدركه في ظاهر الكرسي عند ظهور الكواكب و البروج و المنازل النورانية و الظلمانية و منها ماتدركه في باطن السماء السابعة عند ظهور الاسم (اسم خ‌ل) الربّ و منها ماتدركه في ظاهر السماء السابعة عند ظهور باطن فلك زحل و منها ماتدركه في ظاهر السماء السابعة عند ظهور ظاهر فلك زحل و منها ماتدركه في باطن الخارج المركز لزحل و منها ماتدركه في ظاهر الخارج المركز المذكور و منها ماتدركه في باطن التدوير لزحل و منها ماتدركه في ظاهر التدوير المذكور و منها ماتدركه في ظاهر المتمم الحاوي لزحل و منها ماتدركه في باطن المتمم المذكور و منها ماتدركه في باطن جوزهر فلك زحل و منها ماتدركه في ظاهر الجوزهر المذكور و منها ماتدركه في باطن المتمم المحوي لزحل و منها ماتدركه في ظاهر المتمم المذكور و منها ماتدركه في باطن السماء السادسة عند ظهور الاسم العليم و منها ما

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 169 *»

تدركه في ظاهر السماء السادسة عند ظهور المشتري و منها ماتدركه في باطن الخارج المركز للمشتري و منها ماتدركه في ظاهر الخارج المركز المذكور و منها ماتدركه في باطن التدوير للمشتري و منها ماتدركه في ظاهر التدوير المذكور و منها ماتدركه في باطن المتمم الحاوي للمشتري و منها ماتدركه في ظاهر المتمم الحاوي المذكور و منها ماتدركه في باطن المتمم المحوي للمشتري و منها ماتدركه في ظاهر المتمم المذكور و منها ماتدركه في ظاهر (باطن خ‌ل) جوزهر الفلك المشتري و منها ماتدركه في باطن (ظاهر خ‌ل) الجوزهر المذكور و منها ماتدركه في باطن السماء الخامسة عند ظهور الاسم (اسم خ‌ل) الباطن و منها ماتدركه في ظاهر السماء الخامسة عند ظهور الاسم القاهر و منها ماتدركه عند ظهور المريخ في باطن الخارج المركز و منها ماتدركه عند ظهور المريخ في ظاهر الخارج المركز و منها ماتدركه عند ظهور المريخ في باطن فلك التدوير و منها ماتدركه عند ظهور المريخ في ظاهر فلك التدوير و منها ماتدركه عند ظهور المريخ في باطن المتمم الحاوي و منها ماتدركه عند ظهور المريخ في ظاهر المتمم الحاوي و منها ماتدركه عند ظهور المريخ في باطن الجوزهر و منها ماتدركه عند ظهور المريخ في ظاهر الجوزهر و منها ماتدركه في باطن السماء الرابعة عند ظهور الاسم (اسم خ‌ل) الحكيم و منها ماتدركه في ظاهر السماء الرابعة عند ظهور الاسم النور و منها ماتدركه عند ظهور الشمس في باطن الخارج المركز و منها ماتدركه عند ظهور الشمس في ظاهر الخارج المركز و منها ماتدركه عند ظهور الشمس في باطن المتمم الحاوي و منها ماتدركه عند ظهور الشمس في ظاهر المتمم الحاوي و منها ماتدركه عند ظهور الشمس في باطن الجوزهر و منها ماتدركه عند ظهور الشمس في ظاهر الجوزهر و منها ماتدركه في باطن السماء الثالثة عند ظهور الاسم

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 170 *»

الشكور (المشكور خ‌ل) و منها ماتدركه في ظاهر السماء الثالثة عند ظهور الاسم (اسم خ‌ل) المصور و منها ماتدركه عند ظهور الزهرة في باطن الخارج المركز و منها ماتدركه عند ظهور الزهرة في ظاهر الخارج المركز و منها ماتدركه عند ظهور الزهرة في باطن التدوير و منها ماتدركه عند ظهور الزهرة في ظاهر التدوير و منها ماتدركه عند ظهور الزهرة في باطن المتمم الحاوي و منها ماتدركه عند ظهور الزهرة في ظاهر المتمم الحاوي و منها ماتدركه عند ظهور الزهرة في باطن المتمم المحوي و منها ماتدركه عند ظهور الزهرة في ظاهر المتمم المحوي و منها ماتدركه عند ظهور الزهرة في باطن الجوزهر و منها ماتدركه عند ظهور الزهرة في ظاهر الجوزهر و منها ماتدركه في باطن السماء الثانية عند ظهور الاسم المقدر و منها ماتدركه في ظاهر السماء الثانية عند ظهور الاسم المحصي و منها ماتدركه عند ظهور عطارد في باطن الخارج المركز و منها ماتدركه عند ظهور عطارد في ظاهر الخارج المركز و منها ماتدركه عند ظهور عطارد في باطن المدير و منها ماتدركه عند ظهور عطارد في ظاهر المدير و منها ماتدركه عند ظهور عطارد في باطن التدوير و منها ماتدركه عند ظهور عطارد في ظاهر التدوير و منها ماتدركه عند ظهور عطارد في باطن المتمم الحاوي و منها ماتدركه عند ظهور عطارد في ظاهر المتمم الحاوي و منها ماتدركه عند ظهور عطارد في باطن المتمم المحوي و منها ماتدركه عند ظهور عطارد في ظاهر المتمم المحوي و منها ماتدركه عند ظهور عطارد في باطن الجوزهر و منها ماتدركه عند ظهور عطارد في ظاهر الجوزهر و منها ماتدركه في باطن السماء الدنيا عند ظهور وجه من الاسم (اسم خ‌ل) الرب و منها ماتدركه في ظاهر السماء الدنيا عند ظهور الاسم المبين و منها ماتدركه عند ظهور القمر في باطن الحامل و منها ماتدركه عند ظهور القمر في ظاهر الحامل و منها ماتدركه عند ظهور القمر في باطن المايل و منها ماتدركه عند ظهور القمر في ظاهر المايل و منها ماتدركه عند ظهور القمر في باطن التدوير و منها ماتدركه عند ظهور القمر في ظاهر التدوير و منها ماتدركه عند

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 171 *»

ظهور القمر في باطن الجوزهر و منها ماتدركه عند ظهور القمر في ظاهر الجوزهر و منها ماتدركه في باطن الكرة الاثيرية عند ظهور الاسم القابض و منها ماتدركه في ظاهر الكرة المذكورة و منها ماتدركه في باطن الطبقة الاولي من كرة الهواء و منها ماتدركه في ظاهر الطبقة الاولي من الكرة المذكورة و منها ماتدركه في باطن الطبقة الثانية عند ظهور الاسم الحي و منها ماتدركه في ظاهر الطبقة المذكورة عند ظهور الشهب الثواقب و الكواكب ذوات الاذناب و الصاعقة و منها ماتدركه في باطن الكرة الزمهريرية و منها ماتدركه في ظاهر الكرة المذكورة و هي بظاهرها و باطنها الطبقة الثالثة للهواء و منها ماتدركه في باطن الكرة البخارية (كرة البخار خ‏ل) الممتزجة بالهباء و الدخان و منها ماتدركه في ظاهر الكرة المذكورة و هذه الكرة محدودة بسبعة‏عشر (اربعة‌عشر خ‌ل) فرسخاً و ثلث و هي بظاهرها و باطنها الطبقة الرابعة للهواء و منها ماتدركه في باطن الريح الموكّل عليها الملك الجنوب من جنود اسرافيل و منها ماتدركه في ظاهر الريح المذكورة و منها ماتدركه في باطن الريح الموكّل عليها الدبور من جنود جبرائيل و منها ماتدركه في ظاهر الريح المذكورة و منها ماتدركه في باطن الريح الموكّل عليها صبا (الصبا خ‌ل) من جنود ميكائيل و منها ماتدركه في ظاهر الريح المذكورة و منها ماتدركه في باطن الريح الموكل عليها ملك الشمال من جنود عزرائيل و منها ماتدركه في ظاهر الريح المذكورة و منها ماتدركه في باطن السحب (السحاب خ‏ل) المزجاة و منها ماتدركه في ظاهر السحب (السحاب خ‏ل) المذكورة و منها ماتدركه في باطن السحب المتراكمات و منها ماتدركه في ظاهرها و منها ماتدركه في باطن السحب المكفهرات و منها ماتدركه في ظاهرها و منها ماتدركه في باطن الامطار المعتصرة من السحب و منها ماتدركه في ظاهرها و منها ماتدركه في باطن الارض عند ظهور اسم اللّه الشكور و منها ماتدركه في ظاهر الارض عند ظهور اسم اللّه المميت و منها ماتدركه في باطن الارض الحاملة للمياه لتكوين النبات و منها ماتدركه في ظاهرها و منها ماتدركه في باطن المزاج الحاصل عند

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 172 *»

اجتماع العناصر و تصادم بعضها مع بعض و حصول الطبيعة الوحدانية الاخري في المعتدل الحقيقي و منها ماتدركه في ظاهر المزاج المذكور في المعتدل الحقيقي و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الحرارة في النوع بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهر المزاج الغير المعتدل الغالب عليه الحرارة في النوع بالنسبة الي الخارج و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الحقيقي الغالب عليه الحرارة في الصنف بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الحقيقي الغالب عليه الحرارة في الشخص بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهر المزاج المذكور و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الحرارة في العضو بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه البرودة في النوع بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه البرودة في الصنف بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه البرودة في الشخص بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه البرودة في العضو بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الرطوبة في النوع بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الرطوبة في الصنف بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الرطوبة في الشخص بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الرطوبة في العضو بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه اليبوسة في النوع بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه اليبوسة في الصنف بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه اليبوسة في الشخص بالنسبة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 173 *»

الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه اليبوسة في العضو بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه البرودة و اليبوسة في النوع بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه البرودة و اليبوسة في الصنف بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه البرودة و اليبوسة في الشخص بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه البرودة و اليبوسة في العضو بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه البرودة و الرطوبة في النوع بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه البرودة و الرطوبة في الصنف بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه البرودة و الرطوبة في الشخص بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه البرودة و الرطوبة في العضو بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الحرارة و اليبوسة في النوع بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الحرارة و اليبوسة في الصنف بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الحرارة و اليبوسة في الشخص بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الحرارة و اليبوسة في العضو بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الحرارة و الرطوبة في النوع بالنسبة الي الداخل و منها ما

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 174 *»

تدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الحرارة و الرطوبة في الصنف بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الحرارة و الرطوبة في الشخص بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الحرارة و الرطوبة في العضو بالنسبة الي الداخل و منها ماتدركه في ظاهره و منها ماتدركه في باطن المزاج الغيرالمعتدل الغالب عليه الحرارة او الرطوبة او البرودة او اليبوسة مفرداً او الحرارة و الرطوبة او الحرارة و اليبوسة او البرودة و الرطوبة او البرودة و اليبوسة مركباً في كلّ واحد من النوع او الصنف او الشخص او العضو بالنسبة الي الخارج و منها ماتدركه في ظاهر كلّ واحد من هذه الامزجة و مجموع عدد الظاهر و الباطن يكون اربعة و ستين و منها ماتدركه في باطن الرتبة الجمادية و منها ماتدركه بظاهرها عند تمام المزاج و خفائه و عدم حصول الابتهاج و منها ماتدركه في باطن الرتبة المعدنية عند ظهور الاسم العزيز و منها ماتدركه في ظاهرها باختلاف انواعها و اصنافها و اشخاصها و منها ماتدركه في باطن الرتبة النباتية عند ظهور الاسم الرازق و منها ماتدركه بظاهر هذه الرتبة علي تفاوت احوالها و اطوارها من اشجارها و اثمارها و منها ماتدركه عند ظهور باطن رتبة الحيوانية المتعلق بها الروح البخاري المتشعب من جوزهر القمر عند ظهور الاسم المذلّ و منها ماتدركه في ظاهر هذه الرتبة علي اختلاف اجناس الحيوانات و انواعها و اصنافها و اشخاصها و منها ماتدركه في باطن رتبة الملائكة المدبرات حملة التدبير في هذه المراتب و المقامات المذكورة عند ظهور اسم اللّه القوي و منها ماتدركه في ظاهر هذه الرتبة العظيمة علي اختلاف متعلقاتها في اطوارها و اوطارها و اكوارها و ادوارها و منها ماتدركه في باطن رتبة الجنّ عند ظهور اسم اللّه اللطيف و منها ماتدركه في ظاهر هذه الرتبة علي اختلاف اجناسها و انواعها و اصنافها و اشخاصها و منها ماتدركه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 175 *»

في باطن الرتبة الانسانية في مقام ظهور النفس القدسية عند ظهور اسم (الله خ‌ل) الجامع و منها ماتدركه في ظاهر هذه الرتبة العليّة باختلاف اطوارها من قوله تعالي مالكم لاترجون للّه وقاراً و قدخلقكم اطواراً و منها ماتدركه في باطن رتبة الغوث الاعظم و القطب المقدم و السرّ المعمّي و الرمز المنمنم عند ظهور قوله تعالي رفيع‏الدرجات ذوالعرش يلقي الروح من امره علي من يشاء من عباده و منها ماتدركه في ظاهر هذه الرتبة العالية العليّة عند ظهور النفس الملكوتية الالهية التي اصلها العقل عنه وعت و اليه دلّت و اشارت و شابهته اذا كملت فهي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لم‏يشق ابداً و من جهلها ضلّ و غوي.

فهذه مجمل المقامات و الدرجات التي يظهر فيها علم الحقيقة علي حسب مابيّنه اللّه سبحانه للخليقة علي ماتدركه النفس المطمئنة الراضية المرضية بعلم‏اليقين في هذه المقامات و الدرجات و المراتب و في كلّها ظهرت الحقيقة الالهية و الآية المرئية و الحقايق الآفاقية و الانفسية علي حسب ماتظهر عند اصحاب علم‏اليقين و هم الذين اشار اليهم اللّه سبحانه في قوله الحقّ كلاّ لو تعلمون علم‏اليقين لترون الجحيم و تلك مشاهدة يقينية و بصيرة حقيقية و رؤية ايمانية و ايقانية كماقال اميرالمؤمنين7 لم‏تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقيقة الايمان فتلك رؤية ايمانية يقينية حاصلة بظهور الادلة الواضحة الموجبة لليقين النازلة من عليين القاطعة للشك و الريب و الظن و التخمين فاذا واظب و داوم علي هذا اليقين يظهر له سرّ عين‏اليقين و يؤدي الليل الي النهار و يكشف صبح العيان عن وجه السماع الاستار ان في ذلك لعبرة لاولي‏الابصار.

و يشاهد تلك الحقيقة بعين‏اليقين و يشاهدها العقل في مراتب (مراتبه خ‏ل): منها في باطن العقل المنخفض عند ظهور اسم اللّه البديع و منها في ظاهره عند ظهور المرة السوداء و عند ظهور الدم الاحمر و عند ظهور الياقوتة الحمراء و منها مايدركه في باطن العقل المستوي و منها مايدركه عند ظاهره و منها مايدركه في باطن العقل المرتفع عند ظهور

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 176 *»

النقطة في بسم اللّه الرحمن الرحيم و منها مايدركه في مقام العقل المرتفع عند ظهور و انا النقطة تحت الباء و منها مايدركه في باطن الالف اللينية في الم و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن باء البهاء من البسملة و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الجيم في الجلال و الجمال و الجناب و الجمع و جمع‏الجمع و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن ‌دال الدوام و الديموم و الدنو و الدليل و الدلالة و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن هاء هو الاسم الاعظم الهوية المطلقة و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن واو الولي و الولاية و الوهاب و الوحدة و الواحدية و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الزاء في الزكي و الزاكي و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الحاء في الحليم و الحكيم (الحكيم و الحليم خ‏ل) و الحامد و الحمد و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الطاء في الطالب و الطمطام و الطهر و الطاهر و الطيّب و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الياء في اليقين و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الكاف في الكمال و الكامل و الكلام و الكليم و الكلمة اي كلمة التوحيد و كلام اللّه و الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و كهيعص و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن اللام في لا اله الاّ اللّه و لا معبود سواه الحافظة للالف اللينية و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الميم في المهيمن و الملك و المرشد و المنان و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن النون في النعمة و النور و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن السين فی السمع و السميع و السامع و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن العين في العلي و العظيم و العفوّ و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الفاء في الفرد و الفتّاح و الفاتح و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الصاد في الصبور و الصبار و الصمد و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن القاف في القدوس و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 177 *»

القدير و القاهر و القوي و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الراء في الرب و الرازق و الرفيع و الرشيد و الرؤوف و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الشين في الشكور و الشهيد و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن التاء في التوّاب و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الثاء في الثابت و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الخاء في الخالق و الخبير و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الذال في ذي‏الجلال و الذارئ و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الضاد في الضارّ و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الظاء في الظاهر و منها مايدركه في ظاهرها و منها مايدركه في باطن الغين في الغفّار و الغني و الغفور و منها مايدركه في ظاهرها.

و هذه المراتب في الحروف التكوينية و التدوينية مواقع ظهور علم الحقيقة يدركها العقل المرتفع و منها مايدركه الفؤاد من سرّ الحقيقة التي هي ظهور الحق سبحانه و تعالي علي مابيّنه بنفسه في اطوار مراتبه بلا كيف و لا اشارة و التعدد في هذا المقام منقطع و الاختلاف مرتفع و هناك التوحيد ظاهره في باطنه و باطنه في ظاهره ظاهره موجود ليس يخفي و باطنه مفقود لايري فبيان اللّه سبحانه و تعالي لخلقه من معرفة توحيده و اسمائه و صفاته و كينونات افعاله و آثاره و مجالي شئوناته و اطواره للخلق بالخلق في كلّ مرتبة بحسب مقامها و كلّ مقام بمقتضي كينونته.

و هذا مجمل مايتعلق ببيان الحقيقة و سرّها في الاكوان و الاعيان و حيث ان بيانه سبحانه و تعالي يجب ان‏يكون كاملاً كان علي قسمين بيان حالي و بيان مقالي و جميع ماذكرنا من المراتب بتضاعف (يتضاعف خ‌ل) مرة ليكون علم الحقيقة ظاهراً في الحال و المقال و علي اللّه التوكل في كلّ حال.

و اما علم الطريقة: فهو بيان الحق سبحانه لعبده نفسه (بنفسه خ‌ل) اي نفس العبد (بنفسه خ‌ل) بتعريفه سبحانه اياها له لان الخلق كلّهم جهال الاّ ما

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 178 *»

علّمه اللّه سبحانك لا علم لنا الاّ ماعلمتنا قال7 علي مارواه الكليني في الكافي ان اللّه اجلّ ان‏يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به فحيث ان العبودية لاتتمّ الاّ بان‏يعرف العبد نفسه و مايقرّبه من ربه و مايبعّده عنه و يعرف مفصوله و موصوله و مايؤول اليه امره فوجب في الحكمة علي اللّه سبحانه ان‏يعرف نفسه و الاسباب التي توجب استيهالها و قابليتها للفيض الابدي و النعيم السرمدي و توجه العناية عنه سبحانه و تعالي اليه و هذا البيان و التعريف و الوصف و التوصيف و الشرح و التبيين لايصال العبد الي ما الغاية لخلقه و العلة في وجوده من افاضة النعم الغيرالمتناهية عليه و ايصال الفيض اللاتناهي اليه هو علم الطريقة و المتكفل لبيانها علم الاخلاق و الآداب و هي معرفة النفس من حيث تحليها بالفضائل و تخليها عن الرذائل و هي علم الطريقة و الفريضة العادلة اي تعديل المزاج بظهور (لظهور خ‌ل) الابتهاج لتكون قابلاً لحمل دوام المدد و دوام مقابلته (مقابليته خ‌ل) لوجه السرمد و الي هذا المعني اشار اميرالمؤمنين7 في حديث الفلسفة قال7 أليس من اعتدل طباعه صفي مزاجه و من صفي مزاجه قوي اثر النفس فيه فصار موجوداً بماهو انسان دون ان‏يكون موجوداً بماهو حيوان و قددخل في الباب الملكي الصوري و ليس له عن هذه الغاية مغيّر.

فعلم الطريقة علم الاخلاق و معرفة تهذيب النفس بدليل الموعظة الحسنة المعروفة التي تجري في تحصيل جميع الاخلاق الطيّبة و الملكات الحسنة لان دليل الموعظة الحسنة هو الترديد بين الحقّ المقطوع به و الباطل المشكوك فيه و اخذ مافيه النجاة القطعي و ترك مافيه الهلاك ولو بالاحتمال كماقال الصادق7 لابن ابي‏العوجاء حين انكر علي الطائفين بيت (لبيت خ‌ل) اللّه الحرام فقال7 ان كان الامر كمايقولون و هو كمايقولون فقدنجوا و هلكتم و ان كان الامر كماتقولون و ليس كماتقولون فانتم و هم سواء.

محصّله ان الحق لايخلو اما ان‏يكون معك او مع الطائفين بالبيت فان كان الحق معك علي فرض المحال من انكار الصانع و الحشر و النشر فانتم و هم سواء بعد مامتّم و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 179 *»

لايضرّهم مافعلوا من الاعمال الخاصة كما انكم لاتعملونها و تعملون مايضادّها فبعد الموت ليس عليكم شي‏ء و لا عليهم و ان كان الحق مع الطائفين كما هو الحق و الواقع من اثبات الصانع و الحشر و النشر فقدنجوا حيث انهم اتوا بمايوجب نجاتهم في الآخرة و يقربهم زلفي عند اللّه و هلكتم انتم حيث قصرتم عن الاتيان بمايوجب نجاتكم و اتيتم بمافيه هلاككم في الآخرة فمتابعة الطائفين موجب للنجاة علي كلّ حال سواء كان الحق معكم او معهم و متابعتكم ليس فيه النجاة اذا لم‏يكن الحقّ معكم فاذا اتبعتم الطائفين فانتم الناجون قطعاً يقيناً.

و من هذا القبيل قوله تعالي حكاية عن مؤمن آل‏فرعون يخاطبهم بقوله ان يك كاذباً فعليه كفره و ان يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم و امثالها من الآيات فهذا الدليل يستعمل في جميع مايوجب القرب الي اللّه و الزلفي لديه و ترك جميع مايوجب البعد عن اللّه سبحانه و استيهال رحمته و مغفرته من فضله و كرمه و لمّاكانت النفوس مختلفة فاصلاحها (باصلاحها خ‏ل) لاستيهالها للكمالات مختلفة فحيث ان اللّه سبحانه اتي كلّ نفس هديها و الهمها فجورها و تقويها كان علم الطريقة في كلّ مرتبة علي حسبها فسبيلها سبيل علم الحقيقة فيجري في جميع ماذكرنا من المراتب التي عددناها في كلّ شي‏ء بحسبه فلايحتاج الي تعداد ثانٍ فيتوصل الي هذا العلم بالمراتب الثلث التي هي علم‏اليقين و عين‏اليقين و حقّ‏اليقين بمراتبها و احوالها كمااشرنا الي مجمل منها فقس مالم‏نذكر بماذكرنا.

و اما الشريعة: فهي بيان اللّه سبحانه و تعالي للخلق كيفية سلوكهم معه سبحانه و هي الاحكام الشرعية التكليفية الالهية التي نطقت بها الكتب السماوية و الصحف الالهية من العبادات و المعاملات و العقود و الايقاعات و الاحكام علي ماهو المقرّر لاهل كلّ مرتبة عن اللّه سبحانه و هو قوله تعالي لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجاً, فاستبقوا الخيرات فالشريعة التي للانسان نوعها غير التي للجن و التي للجن غير التي للحيوانات وهكذا ساير الموجودات علي حسب تكليفها (تكاليفها خ‌ل) من بارئ السموات و سامك المسموكات فلاحظ الشريعة التي هي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 180 *»

الاحكام التكليفية في جميع تلك المراتب المذكورة بالنوع الذي بلغ عدد مجموع ماذكرنا مفصلاً ثلثمائة و اثنان و عشرون و في كلّ هذه المراتب شريعة الهية علي حسب مقتضي مقامها و لمّاكانت المراتب المذكورة التي بلغ عددها (مجموع خ‌ل) ماذكرناه في السلسلة العرضية و كانت السلسلة الطولية ثمانية و هي الحقيقة المحمدية صلّي اللّه عليه و اله الطاهرين و حقيقة الانبياء و حقيقة الرعية و حقيقة الملائكة و حقيقة الجن (و حقيقة الجن و حقيقة الملائكة خ‌ل) و حقيقة الحيوانات و النباتات و الجمادات و ماذكرناه في تعداد المراتب هذه المراتب فهي باعتبار مقام الجامعية و هي من السلسلة العرضية و ان سميت بهذه الاسماء و في كل مرتبة من هذه الثمانية جميع تلك المراتب التي عددناها موجودة فاذا لوحظت تلك المراتب في هذه الثمانية يبلغ عدد المجموع الفين و خمسمائة و ستة و سبعين فيكون في كلّ من علم الحقيقة و الطريقة و الشريعة يلحظ فيها هذه المراتب بتضاعفها ثلث مرّات فيبلغ عدد الجميع سبعة آلاف و سبعمائة و ثمانية و عشرين.

فمحصّل القول انه ورد عن النبي9 انه قال الشريعة اقوالي و الطريقة افعالي و الحقيقة احوالي فعلم الحقيقة معرفة اللّه سبحانه و مايتبعها من اصول العقايد في كلّ عالم بحسبه و هي حال رسول‏اللّه9 و الائمة: لانهم الادلاّء علي اللّه و ابواب معرفته و قدقال اميرالمؤمنين7 لو اراد اللّه ان‏يعرف نفسه خلقه بغيرنا لفعل ولكنه سبحانه جعلنا ابوابه و الادلاّء عليه الي ان قال7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و قال7 بنا عرف اللّه و بنا عبد اللّه و لولانا ما (لما خ‌ل) عرف الله و ما عبد الله ‌و في الزيارة الجامعة الكبيرة من اراد اللّه بدأ بكم و من وحّده قبل عنكم و من قصده توجّه بكم.

فهم سلام اللّه عليهم حالهم و كينونتهم ظهرت علي ماهم عليه من هيكل التوحيد و فطرة التفريد و اللّه سبحانه قدخلق الخلق كلّهم علي الفطرة ولكنهم قدغيّروها بمتابعة الشيطان و بدلوها بعدم سلوكهم مسلك الرحمن كما

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 181 *»

اخبر اللّه سبحانه عنهم عن لسان ابليس فقال و لآمرنّهم فليغيرن خلق اللّه و اما محمد و آله صلي اللّه عليه و عليهم ماغيروا الخلقة و بقوا علي الفطرة فكانوا بذلك الاسماء الحسني و الامثال العليا و الكبرياء و الآلاء كماقال مولينا الصادق7 علي مارواه في الكافي في تفسير قوله تعالي و للّه الاسماء الحسني فادعوه بها قال7 نحن الاسماء الحسني التي امركم اللّه ان‏تدعوه بها و في زيارة اميرالمؤمنين7 و روحي له الفداء السلام علي اسم اللّه الرضي و نور وجهه المضيء و قال اميرالمؤمنين7 الاسم ماانبأ عن المسمي.

فهم سلام اللّه عليهم الادلاّء علي اللّه فحالهم طريق معرفة اللّه و حالهم هي الآية المحكمة في الحديث الذي سنذكره و لقدقال7 اي آية اكبر مني و اي آية (نبأ خ‌ل) اعظم مني و هم الآيات المحكمات المتقنات الواضحات ليس فيها تشابه و لا اختلاف و لا تضادّ و لا تناقض و لذا ورد عن النبي9انه قال الحقيقة حالي (احوالي خ‌ل) و انما ذكرنا الائمة: مع رسول‏اللّه9 و اجرينا عليهم حكمه لانهم حقيقة واحدة و نور واحد اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة، لانفرق بين احد منهم و قال7 كلّنا محمد كماذكرنا سابقاً.

و اما الطريقة: فهي تهذيب النفس بتهذيب الاخلاق و علم النفس من حيث تحلّيها بالفضائل و تخلّيها عن الرذائل و هذه هي فعل رسول‏اللّه9 لان اللّه سبحانه و تعالي وصفه و قال و انك لعلي خلق عظيم فافعاله علي مجري اخلاقه و هي علي مجري الملكات الالهية الخارجة عن حدّي الافراط و التفريط و هي الاستقامة التي امره اللّه سبحانه بها و قال و استقم كماامرت و هي الطريقة التي يجب الاستقامة بها في قوله تعالي و ان لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماءً غدقاً يعني لو استقاموا علي تهذيب الاخلاق و تحصيل الملكات الالهية التي ادّب اللّه بها نبيه9 لاسقيناهم ماءً غدقاً يعني لامددناهم بالماء الذي هو

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 182 *»

الحيوة و هي (هو خ‌ل) العلم و النور و الايمان الموجبة لدوام الابد و بقاء السرمد لقوله تعالي و جعلنا من الماء كلّ شي‏ء حي.

و بالجملة فافعال رسول‏اللّه9 هي الجارية علي الاعتدال الخارجة عن حدّي التفريط و الافراط فكانت افعاله9 و افعال الائمة من خلفائه سلام اللّه عليهم فريضة عادلة اي طريقة مستوية معتدلة غير خارجة عن (من خ‌ل) الاعتدال و التساوي و الاستقامة في جميع مايصدر عنه من سلوكه مع نفسه و سلوكه مع ربه و سلوكه مع غيره9 فكانت افعاله9 و كذا افعال خلفائه و امنائه صلي‌الله‌عليهم فريضة عادلة يعني طريقة معتدلة مهذبة مصفاة عن الاعوجاج.

و اما الشريعة: فهي الاحكام التكليفية الالهية التي اتي بها رسول‏اللّه9 من مبدأ الوجود الي مستقرّ الشهود في الوقت الذي كان آدم بين الماء و الطين الي يوم ينفخ في الصور فهي اقواله عن اللّه تعالي لانه9 ماينطق عن الهوي ان هو الاّ وحي يوحي علّمه شديد القوي ذو مرة فاستوي و هو بالافق الاعلي ثم دني فتدلّي فكان قاب قوسين او ادني.

و ها انا اذكر لك حديثاً شريفاً في بيان المراتب الثلاث و نختم به الكلام ليكون ختامه مسكاً روي الكليني ثقة الاسلام باسناده عن ابي‏الحسن موسي7 قال دخل رسول‏اللّه9المسجد فاذا جماعة قداطافوا برجل فقال ما هذا فقيل علامة فقال9 و ما العلامة فقالوا اعلم الناس بانساب العرب و وقايعها بايام الجاهلية و الاشعار العربية (الغريبة خ‌ل) قال فقال النبي9 ذلك علم لايضرّ من جهله و لاينفع من علمه ثم قال النبي9 انما العلم ثلثة آية محكمة او فريضة عادلة او سنة قائمة و ماخلاهنّ فهو فضل.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 183 *»

قال سلمه اللّه تعالي و وفّقه لخير دينه و دنياه: و منّوا ايضاً علي بماعندكم من الادعية و الاذكار اليسيرة لدفع الوسواس في الاعتقاد و العمل و رفع القاء الشكوك و الشبهات.

اقــول: اعظم شي‏ء في رفع الوسواس ان لاتلتفت اليه و لاتحزن عند وروده و لاتشغل (لاتشتغل خ‏ل) نفسك بالاهتمام لاجل وروده و اعتقد ان ذلك لايضرّك مادمت كارهاً لوروده و هو قوله تعالي انما النجوي من الشيطان ليحزن الذين آمنوا و ليس بضارّهم شيئاً الاّ باذن اللّه فان هذا و امثاله من النجوي الشيطانية ليتمكن من الانسان في القاء شبهه و مكائده فاذا اعرضت عنه و كلّما اتاك اعرضت عنه و اعتقدت ان هذا من الشيطان و لايضرّك فيذهب باسرع وقت و اذا بقيت تلتفت اليه و تعارضه بردّ مايوسوس اليك يتردد عليك و يكرّر الورود و يضيق الامر عليك فتنحسر (فتحسر خ‌ل) المدارك و تضعف عن مدافعته فتقع و العياذ باللّه في الريب و قال7 لاترتابوا فتشكّوا و لاتشكّوا فتكفروا و لذا ورد عن النبي9 علي مارواه الكليني في الصحيح عن ابي‏عبداللّه7قال جاء رجل الي النبي9 فقال يا رسول‏اللّه هلكت فقال له رسول‏اللّه9 اتاك الخبيث فقال لك من خلقك فقلت اللّه فقال لك اللّه من خلقه قال اي و الذي بعثك بالحقّ لقدكان كذا فقال رسول‏اللّه9 ذاك واللّه محض الايمان قال ابن‏ابي‏عمير فحدثت بذلك عبدالرحمن بن الحجاج فقال حدثني ابي عن ابي‏عبداللّه7 ان رسول‏اللّه9 انما عني بقوله هذا و اللّه محض الايمان خوفه ان‏يكون قدهلك حيث عرض ذلك في قلبه و روي الكليني ايضاً بسنده عن الثقة الجليل علي بن مهزيار قال كتب رجل الي ابي‏جعفر7 يشكو اليه لمماً يخطر علي باله فاجابه في بعض كلامه ان اللّه عزّوجلّ ان شاء ثبتك فلاتجعل لابليس عليك طريقاً قدشكي قوم الي النبي9لمماً تعرض لهم لان‏تهوي بهم الريح او يقطع احبّ اليهم من ان‏يتكلموا

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 184 *»

به فقال رسول‏اللّه9 أتجدون ذلك قالوا نعم فقال و الذي نفسي بيده ان ذلك (هذا خ‏ل) لصريح الايمان فاذا وجدتموه فقولوا آمنا باللّه و رسوله و لا حول و لا قوة الاّ باللّه و فيه ايضاً بالاسناد عن حمران عن ابي‏جعفر7 قال ان رجلاً اتي رسول‏اللّه9و قال يا رسول‏اللّه9 انني (اني خ‌ل) نافقت فقال واللّه مانافقت و لو نافقت مااتيتني تعلمني ما الذي رأيت (رابك ظ) اظن العدوّ الحاضر اتاك و قال لك من خلقك فقلت اللّه خلقني فقال لك من خلق اللّه قال اي والذي بعثك بالحق لكان كذا فقال ان الشيطان اتاكم من قبل اعمالكم فلم‏يقو عليكم فاتاكم من هذا الوجه لكي‏يستزلكم فاذا كان كذلك فليذكر احدكم اللّه وحده.

و بالجملة فلايدفع الوسوسة الاّ بذكر اللّه و الاعراض عن ابليس و عن وسوسته مثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث فاذا كففت عن الحمل عليه ينبح مرّات ثم يسكت و يرجع فاذا اكثرت (كثرت خ‌ل) الحمل عليه يشتد نباحه و حملته عليك و ربما يظفر بك و تصيبك منه اذية جزئية او كلية.

فاياك ثم اياك و التغافل عماذكرت لك فانه يوقعك نعوذ باللّه في مهاوي رديّة صعبة يصعب عليك التخلص منها و اذا حصل لك شي‏ء من الوسوسة فكرّر توكّلت علي الحي الذي لايموت و الحمدللّه الذي لم‏يتخذ ولداً و لم‏يكن له شريك في الملك و لم‏يكن له ولي من الذلّ و كبّره تكبيراً فان تكراره و المواظبة عليه يذهب اللّه به وسوسة الصدر و يوسع عليه الرزق و يقضي عنه دينه و ان شئت فقل اللّهم اني عبدك و ابن عبدك و ابن امتك ناصيتي بيدك ماضٍ في حكمك عدل في قضائك اسألك بكلّ اسم هو لك سميت به نفسك او انزلته في كتابك او علمته احداً من خلقك او استأثرت به في علم الغيب عندك ان‏تصلي علي محمد و آل‏محمد و ان‏تجعل القرءان ربيع قلبي و نور بصري و شفاء صدري و جلاء حزني و ذهاب همّي و غمّي اللّه اللّه ربي لااشرك به شيئاً فمواظبة هذا الدعاء يرفع جميع مايجده الانسان

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 185 *»

من الوسوسة و حديث النفس و الهمّ و الغمّ و اكثار الصلوة علي محمّد و آل‏محمّد يدفع كلّ بلية و يوصل الي كلّ موهبة و عطية.

هذا اخر مااردنا رسمه في جواب هذه المسائل و قدكتبته في اثناء السفر بخاطر موزّع و قلب مقسّم (مسقم خ‌ل) و بال مبلبل و خاطر مشوش و كل‏ما ذكرته في هذه الوريقات قداخذناها من الائمة السادات عليهم سلام اللّه رب البريات غير مشوب و غير مختلط بشي‏ء من اوهام الحكماء من المشائين و الاشراقيين و الرواقيين و غير مختلط بشي‏ء من مخترعات الصوفيين (الصوفية خ‌ل) فاني منذ عرفت نفسي لم‏اعتمد علي كتاب و لم‏اتكل علي خطاب و لا علي سؤال و جواب الاّ ماورد علينا عن ائمتنا الاطياب فخذه و كن من الشاكرين و ليس وراء عبادان قرية و قال الشاعر و نعم ماقال:

اذا شئت ان‏تختر لنفسك مذهباً   ينجيك يوم الحشر من لهب النار
فدع عنك قول الشافعي و مالك   و احمد و المروي عن كعب الاحبار
و وال اناساً نقلهم و حديثهم   روي جدّنا عن جبرئيل عن الباري

و انا اقول:

اليكم و الاّ لاتشد الركائب   و منكم و الاّ لاتنال الرغائب
و فيكم و الاّ فالحديث مخلق   و عنكم و الاّ فالمحدث كاذب

و صلّي اللّه علي محمد و اله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم و ظالميهم و منكري فضائلهم اجمعين.

قدفرغ من املائها منشئها في الجزيرة الناحية (التاجية خ‌ل) القريبة لمسجد الكوفة سادس شعبان و ذلك بعد رجوعه من زيارة اميرالمؤمنين في اليوم السابع و العشرين من رجب (المرجب خ‌ل) حامداً مصلياً مستغفراً سنة 1258 .

 

[1] رسمت لفظة جبرئيل فی کل مکان من النسخة المطبوعة قديما علی صورة: جبرائيل.