12-02 جواهر الحکم المجلد الثانی عشر ـ رساله اسرار الشهادة ـ چاپ

رسالة اسرار الشهادة

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

 

 

رسالة

 

في بيان سرّ الحقيقة

 

في

 

وقعة الطفوف

 

 

«اسرار الشهادة»

 

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 189 *»

 

 

 

 

الحمدللّه رب العالمين و صلي اللّه علي خير خلقه و مظهر لطفه محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم و ظالميهم و مبغضيهم و غاصبي حقوقهم و منكري فضائلهم اجمعين.

اما بعد فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان جناب المولي الامجد و الاعظم الانجد قدوة الاماثل و الاكابر مجمع المعالي و المفاخر اسوة العلماء الاطياب و زبدة فضلاء الاصحاب مولينا الحاج عبدالوهاب القزويني بلغه اللّه آماله في كل باب و جعل قلبه متعلقاً بالرفيق الاعلي في المبدء و المآب لان البدء هو العود كالعكس عند اولي‏الالباب بمحمد و آله الذين بهم البدء و اليهم الاياب صلي اللّه عليهم ما لسؤال جواب، قد امرني ان املي كلمات اظهر بها سر الحقيقة في وقعة الطفوف و حقيقة الامر فيها علي ما عند اصحاب الحقايق و الكشوف و قد جاء امره العالي حين ابتلائي بانحاء الامراض و انواع الهموم و الاعراض و اختلال الاحوال و تبلبل البال و في مثل هذه الحالة لايمكن البيان علي ما يحب الخاطر لذلك الجناب المرجع لاولي‏الالباب فاردت تسويفه الي ان يطيب الحال و ينسق الاختلال ولكني خفت من عروض الموانع فبادرت بالامتثال و اكتفيت بالاشارة بدون البسط في المقال اعتماداً علي فهمه العالي و ادراكه السامي و اتيت بما هو الميسور اذا لايسقط بالمعسور و الي اللّه ترجع الامور و لا حول و لاقوة الا باللّه العلي العظيم.

اعلم ان اللّه عزوجل لماوجب ان‏يكمل صنعه و يتقن امره و يحسن خلقه و الخلق و الصنع بان‏يكون مختاراً ذاشعور و ادارك احسن و اولي من ان‏يكون مضطراً بلا فهم و ادراك و اجراء هذا الاختيار بالاعطاء علي حسب الميولات و الاقتضاءات في العالمين عالم التكوين و التشريع اولي من اجرائه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 190 *»

في التشريع فحسب و لايليق به تعالي لقدره التامة و غنائه المطلق و علمه العام البالغ ان يعدل من الاحسن و الاولي الي غيره و حيث كانت الانبياء: مأخوذين بترك الاولي و مأمورين بفعله فسبحان ربنا الكريم الاعلي و اذا كان الامر كذلك فخلق اللّه سبحانه و تعالي بحر الامكان و جعل فيه ذكر الاشياء مما يمكن ان‏يكون متعلق الجعل الالهي و الفيض السرمدي فكل ممكن امكن فيه و هو قوله7 جف القلم بما هو كائن علي احد المعاني و ذلك هو العلم الحادث و حجاب الواحدية و الامكان الراجح و بحر القدر الذي في قعره شمس تضي‏ء لاينبغي ان‏يطلع عليها الا الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضاد اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير و هو الاسم المكنون المخزون الذي استأثره اللّه في علم الغيب عنده لم‏يطلع عليه احد و منه امر نبيه بالاستفادة و الاستزادة حين قال عزوجل قل رب زدني علماً ثم جعل سبحانه اهل ذلك العالم اي عالم الذر و الامكان لا عالم الوجود و الاعيان بحيث اذا سئلوا اجابوا فسألهم لماسألوه ان‏يسألهم ألست بربكم و ذلك ليوجدهم و يكوّنهم فمن سبق بالاجابة استأهل السابقية في الوجود و الظهور من عالم الامكان الي عالم الاكوان.

فاول من سبق بالاجابة التكوينية قصبة الياقوت النابتة في اجمة اللاهوت المشتملة علي اربعة عشر عقداً علي حسب قوابلهم فاول السابقين هو([1]) محمد6 و كان بذلك عرشاً لذلك العالم ثم السابق بالاجابة علي7 و كان بذلك كرسي ذلك العالم الظاهر بمنطقته علي اثني‏عشر برجاً ثم السابق في الاجابة الحسن7 و كان بذلك شمس ذلك العالم ثم الحسين‏7 و كان بذلك قمر ذلك العالم ثم القائم عجل اللّه فرجه و كان بذلك مريخ ذلك العالم ثم ساير الائمة الثمانية: فكانوا بذلك ساير افلاكه مع فلك البروج و فلك المنازل و فلك الرأس و فلك الذنب ثم الطاهرة الصديقة3 فكانت بذلك ارض ذلك العالم.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 191 *»

ثم لماسبقوا في الوجود و احاطت الانوار الالهية علي غيبهم و شهودهم و اشرقت علي كل ذراتهم تلألأ نورهم و تشعشع ظهورهم و اقترن ذلك النور بالحدود و الماهيات فخلق منه مأةالف و اربعة و عشرين الف نبي و هم لمابعدوا عن المبدء و لو بواسطة ظهرت الظلمة فيهم بحيث قد يتركون الاولي بخلاف الاولين السابقين المقربين فلايتركون الاولي لتلاشي ظلمتهم و احتراقها بنار الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية و لاغربية يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار نور علي نور.

و في المرتبة الثالثة لما بعد النور و ظهر الغيور و اقتضت ظهور المعاصي و السيئات و اعلان القبايح و الخطيئات و اراد اللّه سبحانه اكمال نعمته و اتمام حجته و اظهار كمال سلطنته و رأفته في رعيته و خليقته لئلايكون لاحد علي اللّه حجة و لايكون لاهل المعاصي عذر فخلق سبحانه من نور طينة الانبياء و حقيقتهم ماء طعمه احلي من العسل و لونه ابيض من العاج و رايحته اطيب من الكافور و المسك و لمسه الين من الزبد و جعله تحت العرش و هو ماء المزن و بحر الصاد و النون علي احد المعاني ثم خلق سبحانه من ثفل ذلك الماء و زبده ارضاً طيبة طاهرة نقية عن الاوساخ و الاعراض بيضاء كالفضة الصافية بل اشد بياضاً منها و نباتها الزعفران و ثمرها المسك و حصادها اللؤلؤ و المرجان و الياقوت و الالماس ثم انه سبحانه و تعالي اجري ذلك الماء علي تلك الارض بيمين كلمته و نور مشيته فعركهما و خلطهما و صلصلهما حتي صارا شيئاً واحداً و ماء معيناً فراتاً سائغاً شرابه لان الارض كانت مقدار ربع الماء ثم خلق سبحانه شجرة تسمي شجرة المزن و جعل ذلك الماء يقطر علي تلك الشجرة قطرات و هو قوله عزوجل أفرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون.

ثم خلق سبحانه من ظل نور الانبياء و عكسه ظلمة غاسقة مدلهمّة و فجر منها عيناً آنية لونها اسود من القار و طعمها امرّ من الحنظل و رايحتها انتن من الجيفة و حرارتها اشد من النار و لمسها اقطع من الالماس و جعلها في السجين اسفل السافلين ثم خلق سبحانه من ثفل ذلك الماء المالح الاجاج ارضاً

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 192 *»

خبيثة نجسة منتنة سوداء مظلمة فصعد من حرارة تلك العين بخار الي الارض التي فوقها و ذلك البخار النجس و الدخان المنتن ببرودة تلك الارض استحالا ماء فاجري اللّه سبحانه بشمال كلمته و نفاذ ارادته ذلك الماء علي تلك الارض فعركهما و مرجهما حتي صارا شيئاً واحداً ثم خلق سبحانه شجرة تسمي شجرة الزقوم طعام الاثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم و طلعها كأنه رءوس الشياطين ثم اجري ذلك الماء علي تلك الشجرة فصعدت منها الابخرة و نزلت من شجرة المزن قطرات الي ان التقيا في ارض المحشر ارض عالم الذر في عالم الظلال فهو ملتقي البحرين و مجمع العالمين و محل اجتماع النقيضين فمزج اللّه سبحانه بينهما هناك حتي صارا([2]) شيئاً واحداً بكلمته و نفاذ قدرته ثم اخرج منهما النسمات و خلق بهما الارضين و السموات و هو قوله تعالي كان الناس امة واحدة.

ثم اقام الخلق في باطن المسجد الحرام عند الركن العراقي من البيت ركن حجرالاسود فسألهم ليجري حكمه عليهم و يميز بين الطيب و الخبيث و الحق و الباطل فنطق بلسان نفسه ألست بربكم و محمد نبيكم و علي و([3]) الائمة الاحدعشر من ولده و الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليهم و عليها السلام ائمتكم و اولياءكم و لماكان الاربعةعشر هم السابقين في كل مقام و كل خير و لهم ظهور في كل مرتبة و كل طور لان العالي له ظهور مع السافل في جميع مقاماته سبقوا في الاجابة و لبّوا النداء طبقاً لمقامهم الاعلي و وفقاً لرتبتهم العليا لانهم اصل كل خير و نور كما في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه و كانت الاجابة علي كل ذرات كينوناتهم في ظاهرهم و باطنهم و سرهم و علانيتهم و اعضائهم و جوارحهم انظر الي كلام مولينا الحسين‏7 في دعاء عرفة في قوله7 فانا اشهدك يا الهي بحقيقة ايماني و عقد عزمات يقيني و خالص صريح توحيدي و باطن مكنون ضميري و علايق مجاري نور بصري و اسارير صفحة جبيني و خرق مسارب نفسي و خذاريف

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 193 *»

مارن عرنيني و مسارب صماخ سمعي و ماضمّت و اطبقت عليه شفتاي و حركات لفظ لساني و مغرز حنك فمي و فكي و منابت اضراسي و بلوغ حبائل بارع عنقي و مساغ مطعمي و مشربي و حمالة ام رأسي و جمل حمائل حبل و تيني و مااشتمل عليه تامور صدري و نياط حجاب قلبي و افلاذ حواشي كبدي و ما حوته شراسيف اضلاعي و حقاق مفاصلي و اطراف اناملي و قبض عواملي و لحمي و دمي و شعري و بشري و عصبي و قصبي و عظامي و مخي و عروقي و جميع جوارحي و ما انتسج علي ذلك ايام رضاعي و ما اقلت الارض مني و نومي و يقظتي و سكوني و حركتي و حركات ركوعي و سجودي الدعاء و كان هكذا ايمانهم و تصديقهم باللّه عزوجل كلهم سلام اللّه عليهم و ان اختلفت مراتبهم في التقدم و التأخر و لماكان التصديق بكلهم ظهر النور الالهي في كل ذرات كونهم و وجودهم فتلألأت انوارهم و تشعشعت اشراقات اسرارهم و سرت بكل اطوار التوحيد في كل مقامات التفريد و التمجيد حتي ملأت الوجود و احاطت بالغيب و الشهود و هو قوله7 في دعاء شهر رجب فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الا انت و كلمة التوحيد ايضاً اثني‏عشر حرفاً للاشارة الي تلك الهياكل النورية صلي اللّه عليهم فخلق اللّه سبحانه بذلك النور النهار وقت الزوال لكمال انبساط النور و وقوف الشمس علي دايرة نصف النهار و تساوي نسبته الي جهتي الشرق و الغرب و لذا سمي ذلك الوقت ظهراً لكمال ظهور الشمس بنورها و غاية بروزها بشعاعها في ذلك الوقت.

ثم لما رأي الخلق الواقفون في ذلك المشهد ما انعم اللّه سبحانه عليهم و اتيهم اللّه من فضله بسبقهم في الاجابة في التكوين و التشريع و الذات([4]) و الصفات و كل الجهات بكل الذرات اضمرت طائفة منهم عداوتهم و بغضهم حسداً و غيظاً و تكبراً من ان‏يكونوا: هم الرئيس الحاكم عليهم كما قال اللّه عزوجل ام يحسدون الناس علي مااتيهم اللّه من فضله و قال مولينا الباقر7 نحن واللّه الناس المحسودون فلماوقع التكليف عليهم هناك ولّوا

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 194 *»

مستكبرين و اعرضوا مدبرين و انكروا الحق المبين لئلايكونوا من تبعة و رعايا اولئك المقربين سلام اللّه عليهم اجمعين و لماكانت العداوة و البغضاء و الشحناء قد سرت في كل ذرات كينوناتهم و كان العناد و الانكار و عدم الانقياد بكل جهاتهم تراكمت عليهم الظلمة بكل الجهات و اشتملت عليهم في كل الذرات لان خطيئتهم قد احاطت بهم في كل المقامات و هو قوله تعالي بلي من كسب سيئة و احاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون و تشعبت ظلمتهم و خبثت كينونتهم حتي استولت علي ارض المحشر اي عالم الذر كلها فغربت شمس تلك الانوار الطيبات و حالت بينها و بين الخلق سحائب مكفهرات و ارض الانيات و الشهوات فصارت بذلك مبدء الظلمات فخلق اللّه سبحانه بها الليل و قد غشي النهار ان في ذلك لايات لاولي‏الابصار و قد اخبر سبحانه عن تراكم ظلمة اولئك الاشرار في كلامه حيث قال بعد ذكر مثل نوره الذي هو محمد و آله الاطهار: او كظلمات في بحر لجي يغشيه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض و قد روي عنهم‏: ان الظلمات في البحر اللجي هو الاول لانه النفاق كما يشهد عليه عدد اسمه و مبدء الشقاق و هو قوله عزوجل و من اهل المدينة مردوا علي النفاق لاتعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين الاية و هو اول المتكبرين و اول الحاسدين و المعاندين لله رب([5]) العالمين و قد جاءت كنيته ابوالدواهي من اللّه الحق المبين كمااخبرت به الائمة الميامين سلام اللّه عليهم اجمعين و هو نقطة دايرة الجهل و قطب فلك الضلال يغشيه موج و هو الثاني و هو المنكر كما يشهد عليه عدد اسمه و هو المنافق و هو وزيره و صاحب تفصيله و ناشر اعلام ضلالته و باسط بساط غوايته و كرسي تفاصيل الجهل و الضلالة و هو هامان الباني لصرح التكبر الصاعد عليه الاول بغاية التبختر و رمي سهم عناده الذي هو يزيد الملعون الابتر الي جانب الحق الاكبر فامر اللّه سبحانه حوتاً و هو الحسين بن علي8 روحي لهما الفداء

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 195 *»

فقابل ذلك السهم فطلع دمه و نزل السهم مخلوطاً بالدم ليحق الحق و يبطل الباطل كما اخبر اللّه سبحانه و قال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي ابلغ الاسباب اسباب السموات فاطلع الي اله موسي و اني لاظنه كاذباً فالصرح هو سرير الولاية المغصوبة فافهم من فوقه موج و هو الثالث من فوقه سحاب و هو الرابع اي معوية انما شبّهه اي عبر عنه بالسحاب لسرّ يطول به الكتاب ولكنه لايخفي بالنوع علي اولي‏الالباب ظلمات بعضها فوق بعض و هم بنوعباس فوق بني‏اميه بالعكس او فتن بني‏اميه.

فلمااستولت الظلمات و احاطت بالنسمات و كان في ذلك تضييع الكائنات و خراب البريات و خفاء تلك الانوار المضيئات و الذوات المقدسات اراد اللّه سبحانه اظهار تلك الانوار باذهاب الظلمات و اخراج الخلق من الشكوك و الشبهات و لايمكن اذهاب تلك الظلمات الا باذهاب تلك الاصول الخبيثات و لما ان اللّه سبحانه جعل للباطل دولة كما جعل للحق دولة اتماماً لحجته عليهم و قطعاً لمعاذيرهم حتي لايقولوا لو جعلت لنا دولة و مكنة لكُنّا اطعناك و حتي يخرج اضغان المنافقين الذين اظهروا الايمان و الاسلام و ابطنوا النفاق و الكفر فلولا ان‏يكون لهم دولة مااخرجت تلك الضغون و بقيت مكنونة الي ان‏يموتوا فيوم القيمة لايصح ان‏يدخلهم اللّه الجنة لفساد عقايدهم و خبث سرايرهم و ضمايرهم و لا ان‏يدخلهم اللّه النار لايمان ظاهرهم و عدم اظهار مايحتج اللّه به عليهم و مراد اللّه الحق سبحانه من بعث الانبياء و الرسل انما هو تمييز الخبيث من الطيب في الظاهر و الصورة و الا فالله سبحانه مطلع علي ضماير خلقه و سرايرهم الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير فوجب ان‏يجعل للباطل دولة مقدمة لتكون فانية زايلة مجتثة.

و لما ان اللّه سبحانه مااصطفي لدينه و مااختار لاعلاء كلمته غير اولئك الاربعةعشر: لوجوه طويلة ذكرتها فيما كتبت في اثبات النبوة الخاصة المطلقة المحمدية6 بالدليل القطعي العقلي وجب ان لايظهروا في الدنيا

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 196 *»

مستولين ظاهرين بالسلطنة و الحكم ليكون اعداؤهم حصايد سيوفهم و مخالفوهم لايمكنهم اظهار ضغاين صدورهم و وجب ان‏يكون فيهم من يتصدي لاظهار الحق و اعلاء كلمة التوحيد علي جهة المظلومية و المقهورية و المغلوبية و تحمل الاذيات و المشقات فنادي مناد الحق سبحانه في ذلك العالم يا آل‏محمد صلي اللّه عليهم من فيكم من يتصدي لاذهاب هذه الظلمات و اظهار تلك الانوار و اعلان كلمة اللّه سبحانه في الارضين و السموات و لايكون ذلك من جهة القهر و الغلبة و الاستيلاء بل يكون علي جهة المظلومية و المقهورية و تحمل الاذي بحيث يكون امراً لاينسي ابدالابد و دهر السرمد فلبّي داعي الحق عزوجل سيدنا و مولينا ابوعبداللّه الحسين بن علي8 و قال يا رب انا الذي احب الخضوع و الخشوع لاعلاء كلمتك و افدي نفسي و مالي و عيالي و اولادي و اصحابي و كل مااملك في سبيل هدايتك لترضي.([6])

مالي سوي روحي و باذل نفسه
  في حب من يهويه ليس بمسرف

و لم‏تكن المصلحة ان‏يتقدم لذلك جده و ابوه و اخوه الطاهرون‏: لماسنذكره ان‏شاء اللّه تعالي فلماخضع الحسين للّه ظهر خضوعه و خشوعه و انكساره في كل العالم فكان كل خضوع من فاضل خضوعه و كل خشوع بتبعية خشوعه بل كل خضوع له7 فاحبه اللّه سبحانه حيث بلغ غاية مرتبة العبودية و توجه اليه تعالي بكل حقيقته في الظاهر و الباطن و الحقيقة و المجاز و الذاتيات و العرضيات فاكرمه اللّه سبحانه و حباه و اجتباه و فضّله علي غيره بالامور النسبية.

فصار اشرف الخلق جداً و والداً و اماً و اخاً و ولداً و لم‏يحظ بذلك([7]) الاجتماع احد من المخلوقين سواه روحي فداه. ثم لماكان هو المظهر لدين الحق و هو القول الحق الفصل الفاصل بين الحق و الباطل وجب ان‏يكون الائمة: الذين هم حدود الولاية التفصيلية من صلبه و من نسله و من ذريته حتي تتم له الامور المعنوية الالهية التي كل منها كاف و مستقل في

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 197 *»

الشرافة له‏7. و لذا خصه اللّه سبحانه بما خص به نفسه المقدسة في الاماكن المنسوبة اليه تعالي و لذا خيّر المسافر في القصر و الاتمام في الحاير المقدس تشريفاً و تعظيماً كما خيّر فيهما في المساجد الثلاثة و ليس هذا للنبي و ساير الائمة:.

ثم نسب ارض كربلاء اليه7 و ليس في الوجود ارض اشرف منها و قدقال مولينا الصادق7 ان اللّه سبحانه خلق ارض كربلا قبل خلق الخلق باربعة و عشرين الف عام و ان الكعبة افتخرت علي ارض كربلا فاوحي اللّه اليها ان اسكني لولا ارض كربلا لماخلقتك الي ان قال عزوجل كوني خاضعة ذليلة لارض كربلا و نسب اليه ماء الفرات و افتخر زمزم عليه فاجري اللّه فيه عيناً من الصبر عقوبة له و يجري ميزابان من الجنة في الفرات و ليس هذا الماء من مياه الدنيا ثم استحب السجدة علي ارض كربلاء كرامة للحسين7 و اخذ السبحة من تلك التربة المقدسة المطهرة و جعلها مع الميت و ليس هذا لاحد من المخلوقين و لا لارض من الاراضي ثم جعل فيها الشفاء مع انه تعالي جعل الطين كله حراماً الا التربة الحسينية فان اكلها شفاء من كل داء و حملها امان من كل خوف لانها ذكر اللّه و اسمه يا من اسمه دواء و ذكره شفاء و لم‏ينل بهذه الفضائل غيره‏7 و هنا اسرار عجيبة غريبة يضيق صدري باظهارها و لايضيق بكتمانها.

 ثم انه تعالي جعل جميع الايام التي ظهر فيها سرّ من الاسرار الربوبية او ليلة كذلك منسوبة اليه7 لا غيره من الائمة: و لذا استحب فيها زيارته‏7 كليالي القدر و ليلة النصف من شعبان و اول ليلة من رمضان و آخره و ليالي العيد و ليلة عرفة و يومها و ايام العيد و يوم اول رجب و غيرها من الايام زايداً من الايام المنسوبة اليه7 كيوم عاشورا و يوم الاربعين و غيرهما و في هذه الاوقات كلها يزار الحسين7 لبيان انها منه و اليه.

 و الحاصل انه تعالي خصه بنفسه لتحمل هذه المصيبة العظمي و الداهية

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 198 *»

الكبري و جعل له ما جعل لنفسه و حتم علي نفسه اجابة الدعاء عند اللواذ به7 البتة و هو ماورد من ان الاجابة تحت قبته و هي قبة الخشوع و الخضوع و التذلل و الانكسار للّه سبحانه فان اصله و ينبوعه الحسين‏7 فلايستجاب دعاء ابداً في شرق الارض و غربها الا تحت قبته الشريفة المقدسة و ان كان عند قبر النبي6 و ساير الائمة: لان الخضوع التام الظاهر في([8]) الكائنات انما كان به خاصة و لذا كان‏7 صاحب الشفاعة الكبري يوم القيمة و قد سمعت حديثاً ان الامة المرحومة يوم القيمة الف صف، و تسع‏مأة و تسعة و تسعون صفاً منهم يدخلون الجنة بشفاعة الحسين7 و صف واحد يدخلون الجنة بشفاعة ساير الائمة: لان شرط دخول الجنة العبودية المستلزمة للخضوع و الخشوع و ولاية اهل‌البيت: فاذا نقصوا شياً من احكام العبودية و اطوارها و احوالها البالغ الي الحد المذكور في الحديث كان الحسين‏7 متمماً لها بفاضل خضوعه الظاهر المحيط بالكائنات كلها و اما في الولاية فيشتركون سلام اللّه عليهم فيها فافهم.

فلمااكرمه اللّه سبحانه بهذه الكرامات و مالم‏نذكرها اراد ان‏يظهر امره للخلق و يوصيهم في حقه و يؤكد عليهم فرض طاعته و امتثال امره و نهيه و لزوم مودته و محبته ثانياً لئلايقولوا انا كنا عن هذا غافلين و يتم الحجة علي الاشقياء المعاندين و يكمل النعمة علي الاحباء المؤمنين فنقل سبحانه الخلق من ارض مكة التي هي امّ القري الي ارض كربلاء التي هي ابوالقري و كل سافل في الصعود مقدم علي العالي و ان كان في النزول مؤخراً عنه فنادي منادي الحق سبحانه فيهم فخاطبهم يا معشر الخلايق هذا الحسين بن علي‏8 و هو حبيبي و وليي و خيرتي و صفوتي و وديعتي فيكم احبوه و اعزوه و لاتخالفوه و لاتنكروا عليه و لاتكدروا خاطره و لاتنظروا اليه و الي كل من انتسب اليه بنظر السوء فاول من لبّي لهذا النداء و صدّق المنادي هو محمد6 ثم ابوه علي بن

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 199 *»

ابي‏طالب ثم اخوه ثم الائمة الطاهرون: ثم امه الطاهرة سلام اللّه عليها و كذلك الانبياء و الاوصياء و خلّص عباداللّه و ساير الحيوانات المطيعة المحللة و النباتات الطيبة و المعادن و ساير الجمادات و الاجنة و الملائكة و ساير الخلق من الذين آمنوا في النداء الاول بالائمة كلهم: فازدادوا له حباً و شعفاً و لذا قال النبي6 ان للحسين7 في قلوب المؤمنين محبة معروفة مكتوبة (مكنونة خ‏ل) هـ و هي التي حصلت بالنداء الثاني و لذا كانت قلوب المؤمنين تحنّ الي ارض كربلاء([9]) و مجاورة سيدالشهداء روحي له الفداء ازيد و اكثر من ساير الاماكن المشرفة المقدسة و المراقد المطهرة و ان كان الكل نوراً واحداً الا ان هناك زيادة اختصاص و زيادة اعتناء لماذكرنا و اشرنا و هذا لايدل علي ان الحسين7 افضل من النبي و ابيه علياً و اخيه الطاهرين: فلمالبّوا لهذا النداء اكرمهم اللّه تعالي و شرّفهم و حباهم و فضّلهم و زاد في نورهم و بهائهم و اجزل نواله و عطاءه عليهم كرامة للسيد المظلوم روحي له الفداء.

ثم لمارأي المنافقون الذين اشرت اليهم سابقاً مااعطي اللّه سبحانه المؤمنين كرامة للحسين7 ازدادوا غيظاً و حسداً و بغضاً و عداوةً و قالوا يا ربنا ان كنت تجبرنا علي طاعة الحسين7 و محبته و تضطرنا الي كفّ السوء عنه فلك الامر و لانقدر علي شي‏ء و ان جعلت الامر الينا و اختيارنا فنخالفك في كل ما تأمرنا في الحسين فناديهم اللّه سبحانه اني لاالجأ و لااضطر احداً الي الايمان فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر الا انكم لاتقتلوا النفس التي حرّم اللّه الا بالحق و لاتجدون حقاً عند الحسين‏7 حتي يستحق القتل قالوا يا ربنا مانرضي بان‏يكون حاكماً اميراً علينا فان اطاعنا و دخل في طاعتنا و بيعتنا و لاادعي الرياسة علينا ان شئنا كففنا عنه و ان شئنا قتلناه غيلة و الا قتلناه علانية و كل من يعينه و ان سلبت عنا القدرة فلانقدر علي شي‏ء.

فلماقالوا هذا القول و سموا اسم القتل انهدّت اركان العرش و تزلزل الكرسي و ظهر الفتور و الضعف في كل اركان

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 200 *»

الوجود و ضجّت الملئكة بالبكاء و النحيب و انزعج الرسول و بكي قلبه المحول و غشي علي الصديقة الطاهرة و هو قوله تعالي لقد جئتم شياً ادّاً تكاد السموات يتفطرن منه و تنشق الارض و تخرّ الجبال هدّاً و ظهر الضعف و الخلل في كل الوجود ففسد بذلك العالم و نقصت الاعمار و فسدت الثمار و دخل الهم و الغم في القلوب و ضاقت به الصدور و جرت الدموع و فسدت العيون و تغير طعم المياه و تكدرت الرياح و غلت الاسعار و خسر التجار و بكت السموات و الارضون فظهر الخلل في عالم كن فيكون لكون الخلق كلهم قد امروا بمحبة الحسين‏7 و كل من اطاع اللّه سبحانه احبه و المحب لايقدر ان‏يسمع ما اسمعه اولئك الاخباث عليهم الف الاف لعنة.

و لما ان الاول و الثاني لعنهما اللّه اجترأ هذه الجرأة العظيمة باعانة بني‏امية لعنهم اللّه و انزل في حقهم و اذ قلنا لك ان ربك احاط بالناس و ما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنةً للناس و الشجرة الملعونة في القرآن و نخوّفهم فمايزيدهم الا طغياناً كبيراً و هو يزيد بني‏امية لعنه اللّه الذي تصدي لهذا الامر العظيم احرق به قلوب الخلايق و استوجب بذلك غضب الخالق قال عزوجل و لقد صرّفنا في هذا القرآن و هو الحسين‏7 لانه كتاب اللّه الذي لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ليذّكّروا و مايزيدهم لعنه اللّه الا نفوراً عن الحق و عن طاعة الحسين‏7 لمّاامره اللّه بذلك.

ثم لماقال اولئك المنافقون هذا القول و اضطربت بذلك اركان العالم و ضجّت الملئكة يسئلون اللّه سبحانه رفع هذه البلية عنه‏7 و لماكان امر الدين ما كان يستقيم الا بعدم الالجاء فلابد لاهل الباطل من دولة و هم لايرضون لعنهم اللّه الا قتل الحسين7 خاطب اللّه سبحانه حسيناً بانك هل ترضي بالقتل و السبي و هتك حرمتك و ذريتك و هل تصبر علي هذه الداهية العظمي و الرزية الكبري و الا دفعنا عنك ذلك و ارحناك عن شدة هذه البلية و لاينقص من مقامك عندنا شي‏ء قال الحسين‏7 يا رب رضاك اوثر علي رضائي و القتل في محبتك احب الي من البقاء في الدنيا فداك نفسي و مالي و عيالي و اولادي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 201 *»

ارضي بكل مايرد علي اذ كان ذلك في طاعتك و محبتك و الخضوع و الاحتقار بين يديك ظاهراً و باطناً حقيقةً و مجازاً اولي و احب عندي من غيره راحتي في طاعتك و افدي نفسي في سبيل محبتك.

ثم ان اللّه سبحانه اوحي اليه ان هذا الامر لايتم الا برضاء جدك و ابيك و اخيك و امك و الابرار من ولدك ثم ان اللّه عزوجل امر القلم الاول ان‏يكتب في اللوح عهداً بهذا المضمون كمااخبر اللّه سبحانه في كتابه ان اللّه اشتري من المؤمنين انفسهم و اموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون و يقتلون وعداً عليه حقاً في التورية و الانجيل و القرآن و من اوفي بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف و الناهون عن المنكر و الحافظون لحدود اللّه و بشر المؤمنين ثم ابان اللّه سبحانه عن عدد هؤلاء المؤمنين الذين فدوا انفسهم ابتغاء مرضات اللّه و باعوا اللّه انفسهم و اموالهم من غير ثمن واللّه سبحانه وعدهم الجنة تفضلاً لا لانهم ارادوها و باعوا انفسهم بها و قال عزوجل بسم اللّه الرحمن الرحيم و هو الواحد لان عدد حروفها تسعةعشر و هو عدد حروف واحد و ذلك الواحد هو الحسين‏7 لانه اسم اللّه الرحمن الرحيم و هو المتفرد في الرتبة عن كل ماعداه من اصحابه فلايجمعهم معه مرتبة واحدة و لايذكرون معه و لذا افرده سبحانه و ابان عن كونه واحداً لا ثاني معه و انه اسم اللّه الدال عليه تعالي بشهادته و انه الذي اظهر آثار الولاية و نشر اعلام الهداية و قد ذكره تعالي بعد الحمد فاتحةالكتاب لان ذلك في بيان البيعة الاولي و النداء الاول و الخطاب الاول يجتمع في تلك السورة كل الائمة: و اما السورة الثانية شرح و بيان و تفصيل للنداء الثاني و الخطاب الثاني في ارض كربلا يوم الجمعة يوم عاشورا و لذا كانت سورة البقرة التي ذبحت لاحياء الميت و خلقت من

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 202 *»

زعفران الجنة و هي حاملة احد اركان العرش فافهم فكم من امور طويتها خوفاً من فرعون و ملائه.

الم ذلك الكتاب و الحروف المقطعة اشارة الي عدد اصحاب الحسين المستشهدين بين يديه في يوم عاشورا فانهم التائبون عن ولاية الاول و الثاني بالذكر و العمل و الخيال العابدون للّه تعالي بولاية الائمة: و الشهادة بين يدي الحسين7 روحي له الفداء الحامدون للّه تعالي حيث جعلهم اللّه تعالي انصاره و ممن هدي الخلق و انقذهم عن النار و عن الهلاك بشهادتهم و قتلهم و جعل لهم الجنة و حرم عليهم النار و امتحن قلوبهم للايمان و هم الذين يقولون الحمد للّه الذي صدقنا وعده و اورثنا الارض نتبوء منها حيث نشاء السائحون الصائمون الذين كفّوا انفسهم عن كل مايخالف محبة اللّه او انهم ساحوا مع الحسين7 من مكة الي كوفة الراكعون الساجدون المواظبون علي الصلوات الخمس بحدود ولاية آل‏محمد صلي اللّه عليهم فركعوا حيث تركوا الاوطان و بعدوا عن الاهالي و البلدان و سجدوا حيث فدوا انفسهم و وقعوا ميتاً علي الارض جزاهم اللّه عن الاسلام و اهله خيراً الامرون بالمعروف هو الحسين7 هو المعروف عند اللّه و عند رسوله و عند اوليائه بالخير و السيادة و البركة و الشهادة و الناهون عن المنكر اي عن ولاية الثاني لعنه اللّه لتطابق عدد اسمه مع المنكر و الحافظون لحدود اللّه و حدود اللّه هم الائمة الاثني‏عشر: بشهادة لفظ الحد عليه لانهم حدود التوحيد و اركان العرش المجيد و حظوا بكل المعالي بشهادة الحسين7 و لايسعني الان ذكر تفصيل تلك المعاني الا ان ذلك العالي الجناب يعرف الاشارة غير مقتصر علي العبارة و اشار سبحانه الي عددهم بقوله الحق الم فالالف واحد و اللام ثلثون و الميم اربعون و ذلك واحد و سبعون فيكون معه‏7 اثنين و سبعين و هو عدد الاسم الاعظم الذي عند الائمة: و كل واحد من هؤلاء الاكابر يحكون اسماً من تلك الاسماء و الحسين7 هو اعظم الاسماء و لذا عبر عنه بالبسملة و قد قال الرضا7 

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 203 *»

ان البسملة اقرب الي الاسم الاعظم من سواد العين الي بياضه فافهم.

ذلك الكتاب لا ريب فيه و هو كتاب العهد الذي كتبه قلم الاختراع علي لوح الابتداع فانه لا ريب فيه و لاشك يعتريه نازل من عند اللّه سبحانه([10]) مكتوب بقضائه و قدره هدي للمتقين لولاية الاول و الثاني لعنهما اللّه لان بتلك الشهادة نشرت اعلام الهداية كماذكرنا فراجع و نذكر ان‏شاء اللّه تعالي فترقب و انما خص المتقين لانه مايزيد الذين كفروا الا طغياناً كبيراً و هو قوله عزوجل و ليزيدنّ كثيراً منهم اي الذين كفروا ماانزل اليك من ربك طغياناً و كفراً.

الذين يؤمنون بالغيب و هو غيبة القائم المهدي عجل اللّه فرجه و يترقبون ظهوره لاخذ ثار الحسين7 كما قال عزوجل و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلايسرف في القتل انه كان منصوراً و وليه ابنه الطاهر صاحب الزمان و النهي بمعني النفي يعني لايسرف في القتل و ان قتل اهل الارض كلهم اذ لايساوي ذلك شعرة من الحسين7 روحي له الفداء. و يقيمون الصلوة في حال الغيبة يتمسكون بولاية اهل‏البيت: لان الصلوة([11]) ولايتهم كما ان الزكوة براءة اعدائهم كمادلت عليه الاخبار و شهد له صحيح الاعتبار. و مما رزقناهم ينفقون اي مما علّمناهم من فضائل آل‏محمد صلي اللّه عليهم و لزوم وقوع المصائب عليهم و بيعهم انفسهم للّه عزوجل ليربطوا بذلك علي قلوب ضعفاء الشيعة و يكفلوا به ايتام آل‏محمد صلي اللّه عليهم لئلايتسلط عليهم اعداؤهم في زمان الغيبة و وقت الهدنة. و الذين يؤمنون بماانزل اليك في علي و اولاده و وقوع محنة كربلا و شهادة سيدالشهداء بانها واردة نازلة و لابد من ذلك لحفظ الشيعة و ضبط رقاب الرعية و نضج العالم و خضوعه عند اللّه ليبلغ بذلك اقصي الغايات و اسني النهايات و ماانزل من قبلك علي الانبياء من كيفية شهادة الحسين‏7 و وقوعها لامحالة و بالاخرة هم يوقنون و هي رجعة الحسين‏7 و استيلاؤه علي الارض و رجوعه مع اصحابه في اثني‏عشر الف صديق يسكن داراً في كربلاء المشرفة فيها سرير من ياقوتة حمراء و علي السرير قبة من ياقوتة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 204 *»

حمراء كذلك و حولها تسعون الف قبة من زمردة خضراء يأتون اليه فيها زواره فيزورونه فيها واللّه سبحانه يخاطبهم و يقول لهم سلوا عني حوائجكم في الدنيا و الدين و الاخرة فانها مقضية اللّهم اني اشهدك اني مؤمن بالرجعة له‏7 فارني ذلك اليوم و وفقني لزيارته في تلك الدار انك علي كل شي‏ء قدير و تطول دولته و تدوم سلطنته الي خمسين الف عام او اربعين الف علي اختلاف الروايات اولئك علي هدي من ربهم و اولئك هم المفلحون و معناه ظاهر.

فلماكتب الكتاب بالمضمون الذي ذكرنا امر اللّه عزوجل روح القدس ان‏يأتي بذلك الكتاب و العهد الي رسول اللّه6 ليجد كيف رأيه و رضاه في ذلك فلما اتي به الي النبي9 و نظر الي ذلك المضمون تغير لونه و ظهرت آثار الحزن في وجهه و بكي بكاءً شديداً فقال روحي له الفداء رضيت بما رضي اللّه لنا و اصبر علي هذه المصيبة العظمي التي هدّت ركني و كسرت ظهري لان فيها الهداية العامة و اثبات نبوتي المطلقة علي الخاصة و العامة فرضي بذلك و ختم الكتاب بخاتمه الشريف باكياً عيناه و جارياً دمعه علي خديه لانه مصيبة الحبيب و ليست بسهلة علي الحبيب و انما اظهر آثار الحزن و الجزع و البكاء لماوجد في ذلك من محبة اللّه سبحانه و الا لماكان يظهر ذلك اذ لايشاءون الا ان‏يشاء اللّه و مارميت اذ رميت ولكن اللّه رمي و ليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً فافهم.

 ثم اتي بكتاب العهد الي ابيه الطاهر اميرالمؤمنين7 فلمانظر الي مضمونه اشتدّ وجده و بكاؤه و كثر غمه و عناؤه و تغير وجهه و ضاق صدره و اهتم قلبه و كان يقول مالي و لآل‏ابي‏سفيان و مالي و لآل حرب حزب الشيطان فلمارأي ان رسول اللّه6 ختم الكتاب بخاتمه ختمه اميرالمؤمنين7 راضياً بما رضي اللّه و كارهاً عما يصنع بقرّة عينه ابي‏عبداللّه الحسين.

ثم اتي بالكتاب الي امه الطاهرة فاطمة الزهراء3 فلمارأت ان‏حتم القتل علي ابنه المظلوم بكت بكاءً شديداً الي ان غشي عليها فلماافاقت

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 205 *»

علت صوتها بالبكاء و النحيب و نادت واولداه واحسيناه واقرةعيناه ولكنها لماوجدت3 في ذلك القتل راحة الامة و انتظام العالم و اظهار الدين الحق رضيت و ختمت ذلك الكتاب باكية حزينة كئيبة و هو قوله عزوجل و وصينا الانسان بوالديه احسانا الانسان هو رسول اللّه‏6 و الوالدان الحسن و الحسين8 كما في تفسير القمي ثم عطف سبحانه القول علي الحسين7 وحده و قال حملته امه كرهاً و وضعته كرهاً كماذكرنا لمااخبرت3 بشهادته و حمله و فصاله ثلاثون شهراً لان حمله‏7 كان ستة اشهر و فصاله كان في عامين و لم‏يكن هكذا الا عيسي بن مريم و يحيي8 لانهما كانا من المنتسبين الي الحسين7.

 ثم اتي بالكتاب الي مولينا الحسن7 فلما نظر الي مضمونه طال حزنه و بكاؤه و اشتد وجده و عناؤه لكنه لايمكنه الا ان‏يرضي بما رضي اللّه و رسوله و اميرالمؤمنين و امه (ظ): فختم ذلك الكتاب بحزن طويل و قلب عديل.

ثم اتي بالكتاب الي سيدنا الحسين7 فقال لمانظر اليه حباً و كرامة و سرعة الي طاعة اللّه و رسوله و انقاذ خليقته من الهلاك و اعلان كلمته فختمه‏7 بخاتمه الشريف فقبضه الملك روح‏القدس بامر اللّه عزوجل و خزنه في الخزائن الغيبية و هي الخزانة الاولي العليا مما قال اللّه عزوجل و ان من شي‏ء الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم.

فلقّب اللّه سبحانه حينئذ حسيناً بسيّدالشهداء و كنّاه بابي‏عبداللّه اما اللقب فلم‏يلقب مثله احد مع ان الائمة: كلهم قد استشهدوا و مالقّب احد بذلك سواه مع ان جده و اباه و اخاه خير منه لانه‏7 هو الاصل في ذلك و ماتمني هذه الرتبة اولاً و بالذات سواه و ماقبل الخضوع التام غيره و كل شهيد انما هو تابع له في الشهادة و هو اصل له فيها و كل شهيد مااستشهد الا في كربلا في يوم عاشورا من اول الوجود الي آخره و مانال احداً همّ او غمّ في كل الموجودات الا في يوم عاشورا و بيان هذه الكلمات يحتاج الي بسط في المقال و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 206 *»

انا في غاية من المرض و اختلال البال فان رزقني اللّه الملاقات عسي ان‏يفتح اللّه لبيانه باباً فالحسين‏7 ابوالشهداء كلهم ممن دخل تحت دائرة الامكان و الاكوان.

 فعلي هذا يظهر لك سر كنيته بابي‏عبداللّه فان العبودية هي حقيقة الخضوع و الذلة و الانكسار للمعبود الحق عزوجل بكل المعاني كلها و قدعرفت ان اصل الخضوع و حقيقة هذه الحقيقة هو الحسين7 فكل خاضع تابع له في الخضوع و الخشوع و العالم اي ماسوي اللّه عبد واحد للّه تعالي فهو7 اب لهذا العبد و اصل في قبول العبودية و ان العبد هو اسم حقيقي للنبي6 و لذا قدّمه في كل نعوته بمعني ان اللّه سبحانه انما وضع لفظ العبد اولاً و بالذات له6 و يصدق علي باقي الائمة: من باب التشكيك و علي باقي الخلق من باب الحقيقة بعد الحقيقة لاالاشتراك اللفظي و لاالمعنوي و لاالحقيقة و المجاز و لاالنقل و لاالارتجال و ليس الوضع ايضاً من باب الوضع العام و الموضوع‏له العام و لامن باب الوضع الخاص و الموضوع‏له خاص و لامن باب الوضع العام و الموضوع‏له الخاص و انما هو من القسم الرابع اي الوضع الخاص و الموضوع‏له العام الذي ذهب الاصوليين و غيرهم الي بطلانه نعم مقام وقوفهم رتبة النفس فهم هذا المعني نصيب اولي الافئدة و بين المقامين تفاوت فاحش و قد ذكرت سابقاً في تفسير و وصينا الانسان بوالديه احساناً ان الانسان هو رسول اللّه6 و الوالدان الحسن و الحسين‏8 فالحسين7 ابوعبداللّه و ماكنّي بهذه الكنية احد من المخلوقين الا تبعاً للحسين‏7 و ظهر سرّ ذلك في المقام الثاني في مولينا الصادق 7 فكنّي بذلك فافهم التلويح في التصريح بالنظر الصحيح.

 ثم ان اسماعيل بن ابرهيم تمني هذه الرتبة السامية و لمالم‏يكن من اهلها و مااحب اللّه سبحانه ردّ مأموله

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 207 *»

قبل منه ذلك و قال و فديناه بذبح عظيم و كذلك عبداللّه بن عبدالمطلب ابي‏النبي6 و لذا قال انا ابن الذبيحين و انما كان هذا المطلب لظهور النور الحسيني روحي فداه في صلبيهما فلماكان7 اصل كل خضوع و خشوع و مشقة و بلاء و حزن و عناء وجب ان لايذكر عند احد الا اشتد وجده و بكاؤه و عظم حزنه و عناؤه و هو قوله7 ماذكرت عند مؤمن و مؤمنة الا و قد بكي و اغتم لمصابي.

ثم ان الخلق في العالم الاعلي لماانهدمت بنيتهم و ضعفت كينونتهم من هذه المصيبة العظمي و الرزية الكبري فلمانزلوا الي هذه الدنيا ماظهروا علي كمال الاستقامة و لذا لمانزل آدم الي الارض انشد ابياتاً اولها

تغيرت البلاد و من عليها
  فوجه الارض مغبرّ قبيح

فكل ما وقع علي وجه الارض من الاعوجاج و خلاف الاستقامة و الكدورة و الحزن و خلاف المراد و عدم الصفا كل ذلك لاجل البكاء علي الحسين المظلوم و في القوس النزولي لمافقدت الاشياء الشعور و الادراك كانت في القوس الصعودي كلما تذكرت تجددت عليها (ظ) المصائب و الاحزان فلاتسقيم فالثمار اذا نضجت اخبرتها الملائكة بوقعة كربلاء فتفسد و تيبس بعد ذلك فلو كان الاخبار قبل النضج لايمكن لاحد ان‏يتناول ثمرة و لاينتفع بشجرة و كذلك الرياح اذا اخبرت و تذكرت تغيرت و اضطربت احرمت او اصفرت او اسودت فالاحمرار لشدة غيظها و غضبها لمافعل بقرّة عين الرسول6 و لعنها علي يزيد لعنه اللّه و الاصفرار لشدة الالتهاب و الاشتعال من هذه النائرة الباسرة و السواد هو لباسها لهذه المصيبة العظمي و كذلك البحار اذا تذكرت هذه الواقعة الهائلة تموجت و اضطربت و تغطمطت و تلاطمت و لو كانت هذه الاخبار و التذكار

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 208 *»

مستمراً دائماً لفسدت الاشياء و ماتت الحيوانات بالرياح و لغرقت السفن و المراكب في البحر و لماامكن لاحد المسافرة في البحر.

و القلم لماجري في اللوح و وصل الي وقعة الحسين7 ارتعد و اضطرب و جري بلعن يزيد اربع مرات من غير ان‏يأذنه اللّه سبحانه بالاذن الخاص و اللوح قطعة من زمردة خضراء سبع‏مأة الف ذراع في مثلها لماوصل اليه الخبر ارتعد و تغير لونه حتي اسود و الحجر الاسود مثاله و دليله و العرش لماسمع الخبر مرة ثانية ارتعدت قوائمه و اضطربت حتي كادت ان‏تنهدم فسكّنه اللّه سبحانه ببشارة الرجعة و ظهور الدولة و الكرسي كذلك بنجومها و كواكبها و افلاكها و كذلك ساير السموات السبع و الارضين السبع قبل آدم ابينا و هو قوله7 في دعاء يوم مولد(ظ) الحسين7 بكت عليه السماء و من فيها و الارض و من عليها و لمايطأ لابتيها الدعاء.

و آدم7 لمانزل الي الارض فلم‏ير حواء صار يطوف الارض في طلبها فمر بكربلاء فاغتم و ضاق صدره من غير سبب و عثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين7 حتي سال الدم عن رجليه فرفع رأسه الي السماء فقال الهي هل حدث عني ذنب آخر فعاقبني به فاني طفت جميع الارض فمااصابني سوء مثل مااصابني في هذه الارض فاوحي اللّه اليه يا آدم ماحدث منك ذنب ولكن يقتل في هذه الارض ولدك الحسين7 ظلماً فسال دمك موافقاً لدمه فقال آدم يا رب أيكون الحسين نبياً قال تعالي لا ولكنه سبط النبي محمد6 قال و من القاتل له قال تعالي قاتله يزيد لعين اهل السماوات و الارض فقال آدم اي شي‏ء اصنع يا جبرئيل فقال العنه يا آدم فلعنه اربع مرات و مشي اربع خطوات الي جبل عرفات فوجد حواء هناك.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 209 *»

و نوح7 لمانجر السفينة اتي له جبرئيل7 من السماء بمأة الف و اربعة و عشرين الف مسمار ليحكم بها السفينة و اتي له بخمسة اخر قال اجعل احدها علي صدر المركب و الاخر علي ظهره و الثالث علي مؤخره و الرابع علي اليمني و الخامس علي اليسري فلماضرب المسامير و وصل الي الخامس انكسرت الخشبة و ظهرت منها ضجة و رنّة و انّة انكسر بها قلب نوح‏7 فتعجب من ذلك و سأل جبرئيل عنه فقال يا نوح ان هذه المسامير باسم الخمسة من اهل الكساء و المسمار الخامس باسم الحسين‏7 تصيبه مصيبة تصغر عندها الرزايا و المصائب فذكر وقعة كربلا فبكي نوح و جبرئيل‏8 بكاء شديداً و حزناً طويلاً و لعنا يزيد و ساير من قتله.

 و لماركب في السفينة و طافت به جميع الدنيا فلمامرت السفينة بكربلا اخذته الي الارض و خاف نوح7 من الغرق فدعا ربه فقال الهي طفت جميع الدنيا فمااصابني فزع مثل ما اصابني في هذه الارض فنزل اليه جبرئيل و قال له يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين7 سبط محمد6 خاتم‏الانبياء و ابن خاتم‏الاوصياء قال و من القاتل له يا جبرئيل قال قاتله يزيد لعين اهل السموات و الارضين فلعنه نوح اربع مرات فسارت السفينة حتي بلغت الجودي و استقرت عليه.

و ابرهيم7 مرّ بارض كربلا و هو راكب فرساً فعثر الفرس و سقط ابرهيم‏7 و شجّ رأسه و سال دمه فاخذ في الاستغفار فقال الهي اي شي‏ء حدث مني فنزل جبرئيل7 و قال يا ابرهيم ماحدث منك ذنب ولكن هناك يقتل سبط خاتم‏الانبياء و ابن خاتم‏الاوصياء فسال دمك موافقاً لدمه قال يا جبرئيل و من يكون قاتله قال قاتله يزيد لعين اهل السموات و الارضين و القلم جري علي اللوح بلعنه بغير اذن ربه فاوحي اللّه الي القلم انك استحققت الثناء بهذا اللعن فرفع ابراهيم يده و لعن يزيد لعناً كثيراً و امّن فرسه بلسان فصيح

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 210 *»

فقال ابراهيم7 لفرسه اي شي‏ء عرفت حتي تؤمّن علي دعائي فقال يا ابرهيم انا افتخر بركوبك علي فلماعثرت و سقطت عن ظهري عظمت خجلتي و كان سبب ذلك من يزيد لعنه اللّه.

و كان ابرهيم7 كثير البكاء و النوح علي الحسين7 كمااخبر اللّه سبحانه عنه في كتابه فنظر نظرة في النجوم فقال اني سقيم و النجوم هم آل‏محمد صلي اللّه عليهم قد ظهروا في كرسي الولاية فنظر فيهم لانه من شيعتهم و عبيدهم و مرجع العبد الي سيده فلمااطلع علي وقعة الحسين‏7 فقال اني سقيم القلب لشدة الالم و الحزن و بقي علي هذا الالم و السقم و الحزن الي ان قبضه اللّه اليه او النجوم هي هذه الكواكب الظاهرة فلمانظر اليها و عرف اقتضاءاتها و تأثيراتها و فهم منها وقعة الطفوف قال ما قال و للآية وجوه كثيرة اخر تركت ذكرها و بيانها لتهجم الامراض و الاعراض.

و اسماعيل7 كانت له اغنام و هي ترعي بشاطي‏ء فرات فاخبره الراعي انها لاتشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوماً فسأل ربه عن سبب ذلك فنزل جبرئيل فقال يا اسماعيل اسأل غنمك فانه تجيبك عن سبب امتناعها من شرب الماء فقال لها لم لاتشربين من هذا الماء فقالت بلسان فصيح قد بلغنا ان ولدك الحسين سبط محمد6 يقتل هنا عطشاناً فنحن لانشرب من هذه المشرعة حزناً عليه فسألها عن قاتله فقالت يقتله يزيد لعين اهل السماوات و الارضين و الخلايق اجمعين فقال اسماعيل اللّهم العن قاتل الحسين7.

و كان موسي7 ذات يوم سائراً و معه يوشع بن نون فلماجاء الي ارض كربلا انخرق نعله و انقطع شراكه و دخل الحسك في رجليه و سال دمه فقال الهي اي شي‏ء حدث مني فاوحي اللّه اليه ان الحسين‏7 يقتل هنا و يسفك دمه فسال دمك موافقة لدمه فقال رب و من يكون الحسين فقيل هو سبط محمد المصطفي و ابن علي المرتضي عليهما و آلهما

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 211 *»

السلام فقال و من يكون قاتله فقيل هو يزيد لعين السمك في البحار و الوحوش في القفار و الطيور في الهواء فرفع موسي يديه و لعن يزيد و دعي عليه و امّن يوشع بن نون علي دعائه و مضي لشأنه.

و روي كعب الاحبار اليهودي و قال ان في كتابنا ان رجلاً من ولد رسول‏اللّه6 يقتل و لايجف عرق دواب اصحابه حتي يدخلون الجنة فيعانقون الحورالعين فمرّ بنا الحسن7 فقلنا هو هذا فقال لا فمرّ بنا الحسين‏7 فقلنا هو هذا فقال نعم.

و سليمان7 كان يجلس علي بساطه و يسير في الهواء فمرّ ذات يوم و هو ساير في ارض كربلا فادارت الريح بساطه ثلث دورات حتي خافوا السقوط فسكنت الريح و نزل البساط في ارض كربلا فقال سليمان يا ريح لم‏سكنت فقالت ان هيهنا يقتل الحسين7 قال فمن يكون الحسين قالت هو سبط احمد المختار و ابن علي الكرار فقال و من قاتله قالت يقتله يزيد لعين اهل السموات و الارضين فرفع سليمان يده و لعن يزيد و امّن علي دعائه الانس و الجن فهبّت الريح و سار البساط.

و زكريا7 سأل ربه ان‏يعلمه الاسماء الخمسة فنزل جبرئيل‏7 فعلّمه اياها ثم ان زكريا7 اذا ذكر محمداً و علياً و فاطمة و الحسن‏: سري عنه همه و انجلي كربه و اذا ذكر اسم الحسين7 خنقته العبرة و وقعت عليه البهرة فقال ذات يوم الهي مالي اذا ذكرت اربعاً منهم تسليت باسمائهم من همومي و اذا ذكرت الحسين7 تدمع عيني و تثور زفرتي فانبأه اللّه تبارك و تعالي عن قصته فقال كهيعص فالكاف اسم كربلا و الهاء هلاك العترة الطاهرة و الياء يزيد عليه اللعنة و هو ظالم الحسين‏7 و العين عطشه و الصاد صبره فلماسمع بذلك زكريا7 لم‏يفارق مسجده ثلثة ايام و منع فيهن الناس من الدخول عليه و اقبل علي البكاء و النحيب و كان يرثيه الهي اتفجع خير جميع خلقك

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 212 *»

بولده الهي اتنزل بلوي هذه الرزية بفنائه الهي اتلبس علياً و فاطمة3 ثياب هذه المصيبة الهي اتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما و كان يقول الهي ارزقني ولداً تقر به عيني علي الكبر فاذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم افجعني به كما تفجع محمداً6 حبيبك بولده فرزقه اللّه تعالي يحيي و فجعه به و كان حمل يحيي ستة اشهر و حمل الحسين كذلك.

و عيسي7 كان سايحاً في البراري و معه الحواريون فمرّ بارض كربلا فرأي اسداً كاشراً قد اخذ الطريق فتقدم عيسي7 الي الاسد و قال له لم‏جلست في هذا الطريق و لاتدعنا نمرّ فيه فقال الاسد بلسان فصيح اني لم‏ادع لكم الطريق حتي تلعنوا يزيد قاتل الحسين7 فقال عيسي‏7 و من يكون الحسين7 قال هو سبط محمد المصطفي النبي الامي و ابن علي الولي قال و من القاتل له قال قاتله يزيد لعين الوحوش و الدواب و السباع اجمع خصوصاً في يوم عاشورا فرفع عيسي7 يده و لعن يزيد و دعي عليه و امّن الحواريون علي دعائه فتنحي الاسد عن طريقهم و مضوا لشأنهم. و روي عن مشايخ بني‏سليم قالوا غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنايسهم فوجدنا فيها مكتوباً هذا البيت:

ايرجوا معشر قتلوا حسينا
  شفاعة جده يوم الحساب

قال فسألناهم كم هذا في كنيستكم فقالوا قبل ان‏يبعث نبيكم بثلث‏مأة عام.

و كان النبي6 في بيت ام‏سلمه‌رضي‌الله‌عنها فقال لها لايدخل علي احد فجاء الحسين7 و هو طفل فما ملكت منعه حتي دخل علي النبي‏6 فدخلت ام‏سلمة علي اثره فاذا الحسين7 علي صدره و اذا

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 213 *»

النبي يبكي و في يده شي‏ء يقبله فقال النبي6 يا ام‏سلمة ان هذا جبرئيل يخبرني بقتل ولدي هذا و هذه التربة التي يقتل فيها فضعيه عندك فاذا صارت دماً فقد قتل حبيبي فقالت ام‏سلمة يا رسول اللّه اسأل اللّه ان‏يدفع ذلك عنه قال قدفعلت فاوحي اللّه عزوجل الي ان له درجة لاينالها احد من المخلوقين و ان له شيعة فيشفعون و ان المهدي7 من ولده فطوبي لمن كان من اولياء الحسين7 و شيعته و شيعة ابيه واللّه هم الفائزون. و في اليوم الذي قبض فيه النبي دعي الحسين7 و ضمّه في صدره و بكي بكاء كثيراً شديداً و هو يقول مالي و ليزيد يا بني ان لي مقاماً مع قاتلك عند اللّه.

و ان اميرالمؤمنين7 مرّ في خروجه الي صفين بنينوي و هو شط الفرات فقال باعلي صوته يا ابن‏عباس اتعرف هذا الموضع قلت له مااعرفه يا اميرالمؤمنين فقال7 لو عرفته كمعرفتي لم‏تكن تجوزه حتي تبكي كبكائي قال فبكي بكاءً طويلاً حتي اخضلت لحيته و سالت الدموع علي صدره و بكينا جميعاً و هو يقول آه آه واه واه اوه اوه مالي و لآل ابي‏سفيان مالي و لآل حرب حزب الشيطان و اولياء الكفر و الطغيان صبراً يا اباعبداللّه فقد لقي ابوك منهم مثل الذي تلقي منهم ثم دعي بماء فتوضأ وضوء الصلوة فصلي ماشاء اللّه ان‏يصلي ثم ذكر مثل كلامه الاول فنعس عند انقضاء صلوته و كلامه ساعة ثم انتبه فقال يا ابن‏عباس فقلت هاانا ذا فقال‏7 الا احدثك بمارأيت في منامي آنفاً عند رقدتي فقلت نامت عيناك و رأيت خيراً يا اميرالمؤمنين قال7 رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء معهم اعلام بيض قد تقلدوا بسيوفهم و هي بيض تلمع و قد خطوا حول هذه الارض خطة ثم رأيت كأنّ هذه النخيل قد ضربت باغصانها الارض تضطرب بدم عبيط و كأني بالحسين سخلي و فرخي و مضغتي و مخّي قد غرق فيه يستغيث و لايغاث و كان الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه و يقولون صبراً آل‏الرسول فانكم

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 214 *»

تقتلون علي ايدي شرار الناس و هذه الجنة يااباعبداللّه اليك مشتاقة ثم يعزونني و يقولون لي يا اباالحسن ابشر فقد اقر اللّه به عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين.

 و ان الحسن بن علي8 دخل يوماً اليه الحسين7 فنظر اليه فبكي و قال يا اخي كأني بك تقتل مسموماً قال الحسن7 يا اخي اما انا فاُسقي سماً فاموت به و اما انت يا اخي فلا يوم كيومك يهجم اليك ثلثون الفاً يدعون انهم من امة جدنا ثم ساق الحديث و ذكر وقعة كربلا و بكي بكاء شديداً.

 روي سالم بن ابي‏حفصة قال قال عمر بن سعد للحسين7 يا اباعبداللّه ان قبلنا اناس يزعمون اني اقتلك فقال له الحسين‏7 انهم ليسوا بسفهاء ولكنهم حلماء علماء اما انه يقر عيني انك لاتأكل برّ العراق بعدي الا قليلاً ه’ . قال و خرجنا مع الحسين7 فمانزلنا منزلاً و لاارتحلنا منه الا ذكر يحيي بن زكريا8 و قال يوماً من الايام الا ان من هو ان الدنيا علي اللّه عزوجل ان رأس يحيي بن زكريا اهدي الي بغي من بغايا بني‏اسرائيل. و هكذا كان الامر في جميع الانبياء و المرسلين و الملائكة المقربين و اهل الارض اجمعين لم‏يزالوا في البكاء و الحزن و الملال حتي وقعت هذه الداهية العظمي و الرزية الكبري.

 و لماكان يوم عاشورا و بقي الحسين7 وحيداً فريداً بلا ناصر و لامعين في ارض كربلا بعد ان قتل انصاره و اعوانه و بنواخيه و بنوعمه و بنوابيه و اولاده و لم‏يبق احد سوي العليل زين‏العابدين7 و انما صار عليلاً ليسقط عنه الجهاد و انما وجب سقوط الجهاد حفظاً للعالم ان‏ينهدم و يبيد فماكان يجوز له الجهاد ليقتل فالحسين7 لمارأي وحدته و قتل جميع انصاره ودّع عياله و اطفاله الصغار و خرج الي الميدان و بقي واقفاً متحيراً متكياً علي رمحه مرة ينظر الي اخوته و اولاده و بني‏اخيه و بني‏عمه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 215 *»

صرعي مقتولين مجدلين و مرة ينظر الي غربته و وحدته و انفراده و مرة ينظر الي النساء و غربتهن و وحدتهن و عطشهن و صيرورتهن اساري و مرة ينظر الي شماتة الاعداء و تصميمهم بقتل قرة عين العالم ثم نادي7 بصوت عال حزين اما من ناصر ينصرنا اما من مغيث يغيثنا هل من موحد يخاف اللّه فينا اما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول اللّه.

 فلما نادي7 هذا النداء تزلزلت اركان العرش و قوائمه و بكت السموات و ضجّت الملائكة و اضطربت الارض فقالوا باجمعهم ياربنا هذا حبيبك و قرة عين حبيبك فأذن لنا لنصره و هو صلوات اللّه عليه و روحي له الفداء في هذه الحالة اذ وقعت صحيفة قد نزلت من السماء في يده الشريفة فلمافتحها رأي انها هي العهد المأخوذ عليه بالشهادة قبل خلق الخلق في هذه الدنيا فلمانظر7 الي ظهر تلك الصحيفة فاذا هو مكتوب فيه بخط واضح جلي يا حسين نحن ما حتمنا عليك الموت و ما الزمنا عليك الشهادة فلك الخيار و لاينقص حظّك عندنا فان شئت ان‏نصرف عنك هذه البلية فاعلم انا قد جعلنا السماوات و الارضين و الملائكة و الجن كلهم في حكمك فأمر فيهم بماتريد من اهلاك هؤلاء الكفرة الفجرة لعنهم اللّه فاذن بالملائكة قد ملأوا بين السماء و الارض و بايديهم حربة من النار ينتظرون حكم الحسين‏7 و امره فيما يأمرهم به من اعدام هؤلاء الفسقة.

فلماعرف7 مضمون الكتاب و ما في تلك الصحيفة رفعها الي السماء و رمي بها اليها فقال يا رب وددت ان اقتل و احيي سبعين مرة او سبعين الف مرة في طاعتك و محبتك و اني قد سئمت الحيوة بعد قتل الاحبة سيما اذا كان في قتلي نصرة دينك و احياء امرك و حفظ ناموس شرعك ثم اخذ7 رمحه و لم‏يأذن للملائكة بشي‏ء و باشر الحرب بنفسه الشريفة و حمل علي اولئك الكفار و طحن جنود الفجار و اقتحم قسطل الغبار مجالداً بذي‏الفقار كأنه علي المختار فلمارأوه ثابت الجأش غير خائف و لاخاش نصبوا له غوائل مكرهم و قاتلوه بكيدهم و شرهم و امر اللعين ابن سعد جنده فمنعوه من الماء و ردّوه و ناجزوه القتال و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 216 *»

عاجلوه النزال و رشقوه بالسهام و النبال و بسطوا اليه اكفّ الاصطلام و لم‏يرعوا له ذماماً و لاراقبوا فيه اثاماً في قتلهم اولياءه و هو مقدم في الهبوات و محتمل للاذيات قد عجبت من صبره ملائكة السموات و احدقوا به من كل الجهات و اثخنوه بالجراح و حالوا بينه و بين الرواح و لم‏يبق له ناصر و هو محتسب صابر يذبّ عن نسوته و اولاده حتي نكبوه عن جواده فهوي الي الارض جريحاً تطؤه الخيول بحوافرها و تعلوه الطغاة ببواترها قد رشح للموت جبينه و اختلفت بالانقباض و الانبساط شماله و يمينه يدير طرفاً خفياً الي رحله و بنيه و قد شغل بنفسه عن ولده و اهاليه.

 و اسرع فرسه شارداً الي خيامه قاصداً محمحماً باكياً فلمارأين النساء جواده مخزياً و نظرن الي سرجه عليه ملوياً برزن من الخدور ناشرات الشعور علي الخدود لاطمات الوجوه سافرات و بالعويل داعيات و بعد العزّ مذللات و الي مصرعه مبادرات و الشمر جالس علي صدره مولع سيفه في نحره ذابح له بمهنّده قد سكنت حواسه و خفيت انفاسه و رفع علي القناة رأسه و سبي اهله كالعبيد و صفّدوا في الحديد فوق اقتاب المطيات تلفح وجوههم حرّ الهاجرات يساقون في البراري و الفلوات ايديهم مغلولة الي الاعناق يطاف بهم في الاسواق فالويل ثم الويل للعصاة و الفساق قد قتلوا بقتله الاسلام و عطّلوا الصلوة و الصيام و نقضوا السنن و الاحكام و هدموا قواعد الايمان و حرّفوا آيات القرآن و همّوا في البغي و العدوان.

فقام ناعيه عند قبر جده الرسول6 فنعاه اليه بالدمع الهطول قائلاً يا رسول‏اللّه قتل سبطك و فتاك و استبيح اهلك و حماك و سبيت بعدك ذراريك و وقع المحذور بعترتك و ذويك فانزعج الرسول6 و بكي قلبه المحول و عزّاه به الملائكة المقربون و الانبياء المرسلون و فجعت به امه الزهراء و اختلفت جنود الملائكة المقربين تعزّي اباه اميرالمؤمنين‏7 و اقيمت له المآتم في عليين و لطمت عليه الحور العين و بكت السماء و سكانها و الجبال و خزانها و الهضاب و اقطارها و البحار و حيتانها و مكة و بنيانها و الجنان و ولدانها و البيت

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 217 *»

و المقام و المشعرالحرام و الحلّ و الاحرام و كل شي‏ء دخل في الوجود و اقرّ بالمعبود و قدقال مولينا الصادق7 في زيارة له7 اشهد ان دمك سكن في الخلد و اقشعرت له اظلّة العرش و بكي له جميع الخلائق و بكت له السموات السبع و الارضون السبع و ما فيهن و ما بينهن و من يتقلب في الجنة و النار من خلق ربنا و مايري و مالايري الزيارة.

و قال شيخنا و مولانا و استادنا اطال اللّه بقاه و جعلني فداه في مرثية له‏7 في هذا الباب الي ان قال سلمه اللّه تعالي:

ما في الوجود معجم لم‏يكن
  الا اعترته حيرة في استوا
كل انكسار و خضوع به
  و كل صوت فهو نوح الهوا
اما تري النخلة في قبة
  ذات انفطار و انفراج فشا
ما سعفة بها انتهت اخبرت
  الا لها حزن امامي شوا
اما تري الاثل و اهدا به
  عند الرياح ذاحنين علا
اما سمعت النحل ذا رنّة
  في طيرانه شديد البكا
و السيف يفري نحره باكياً
  و الرمح ينعي قائماً و انثني
تبكيه جرد جاريات علي
  جثمانه و ان تدقّ القرا
واللّه ما رأيت شياً بدا
  في الكون الا ذا بكاء علا

و الحاصل كل شي‏ء يبكي علي الحسين7 تبكيه الرياح بهفيفها و النار بتلهبها و الماء بجريانه و امواجه و جموده و الشمس و القمر و النجوم بتغيراتها من حمرة و صفرة و كسوف و خسوف و الجبال بارتفاعها و انحدارها و الجدران بتفطرها و انهدامها و النبات بتغيرها و اصفرارها و يبسها و الآفاق بتكدرها و اغبرارها و حمرتها و صفرتها آه ثم آه ثم آه ماادري ما اقول و تبكيه التجارة بخسارتها و بوارها و العيون بتكدرها و المعادن بفسادها و الاسعار بغلائها و الاشجار بموتها و قلة ثمرها و سقوط ورقها و يبس اغصانها و اصفرار

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 218 *»

ورقها اما سمعت بكاء  الاواني حين تنكسر من الچپني  و الخزف و من المعادن تبكي بانكسارها و بصو تها(بصوته خ‌ل)حين الكسر اما‌ سمعت بكاء الاسفار بعدم امنية القفار اما سمعت هدير الاطيار في الاوكار و هفيف الرياح و امواج البحار و بكاء الاطفال الصغار اما سمعت الليل يبكيه بظلمته و النهار بالاسفار اما رأيت تفتت الاحجار و غور الآبار و قلة الامطار و غلاء الاسعار و فساد الافكار و اختلال الانظار و قصر الاعمار([12]) آه ثم آه ثم آه اجمل لك الامر بما اجمله العزيز الجبار في كتابه قال في هذا الشأن مصرحاً بالبيان لمن لقلبه عينان وان‏من شي‏ء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم فقال7 في بيان المراد من الاية ما ذكر في الزيارة الجامعة الصغيرة المذكورة في آخر المصباح للشيخ; قال7 يسبح اللّه باسمائه جميع خلقه يعني ان كل شي‏ء يسبح اللّه بالبكاء علي سيدالشهداء عليه افضل الصلوة و السلام و الثناء و بذكر مصابه الجليل و نشر فضائله و ممادحه انتهي كلامه طول اللّه عمره.

و انما تأثرت الاشياء كلها و تألمت و بكت و اضطربت و ظهر الفساد و الخلل في العالم العلوي و السفلي لاجل هذه المصيبة العظمي و الرزية الكبري لوجوه كثيرة منها ماذكرنا سابقاً فراجع و منها ما ذكر شيخنا و مولينا كما نقلنا عنه آنفاً و منها ما ثبت ان الامام7 قطب العالم الاكبر و قلبه فاذا تكدر القلب و تألم و توجع توجع كل الاعضاء و الجوارح مما تحلّه الحيوة و القوة. فكلما كانت الحيوة و القوة فيه اكثر كان تألمه اكثر و كلما كانت فيه اقل كان تألمه اقل و الذي لاتحلّه الحيوة لايتألم بوجه و لماكانت الحيوة في العالم الاكبر انما هي بقوة العلم باللّه عزوجل و معرفته كما قال سبحانه افمن كان ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس يكون كل من كان علمه و طاعته و خضوعه للّه عزوجل اكثر كانت حيوته اقوي و تألمه و توجعه اكثر و من كان علمه و طاعته و خضوعه للّه اقل كانت حيوته اضعف فكان تألمه و توجعه اقل و لذإ؛  كانت ما اثرت

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 219 *»

هذه المصيبة في احد من المخلوقين كما اثرت في محمد و علي و فاطمة و اولادهم الطيبين الطاهرين صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين و كان النبي6 اشدّ حزناً و اكثر توجعاً عليه من غيره ثم الانبياء ثم العارفون المخلصون المنقطعون الي اللّه عزوجل ثم الملائكة المقربون ثم الجن ثم ساير المخلوقات فمن لم‏يرقّ قلبه له7 فليعلم انه ميت بعيد عن رحمة اللّه عزوجل نعوذ باللّه.

و تصديق ذلك ما قال مولينا الصادق7 في الزيارة السلام عليك يا اباعبداللّه انا للّه و انا اليه راجعون ما اعظم مصيبتك عند ابيك رسول‏اللّه و مااعظم مصيبتك عند من عرف اللّه عزوجل و اجل مصيبتك عند الملأ الاعلي و عند انبياء اللّه و رسل اللّه و قال ايضاً7 السلام عليك يا خيرة اللّه و ابن خيرته و لك فاضت عبرتي و عليك كان اسفي و نحيبي و صراخي و زفرتي و شهيقي و حق لي ان ابكيك و قد بكتك السماوات و الارضون و الجبال و البحار فما عذري ان لم‏ابكك و قد بكاك حبيب ربي و بكتك الائمة: و بكاك من دون سدرة المنتهي الي الثري جزعاً عليك الزيارة.

فثبت لك ان الجزع و البكاء علي الحسين7 دليل معرفة اللّه و الوصول الي قربه فبكاؤه اذاً اعظم العبادات و الطاعات و القربات و دليل الايمان و لذا قال7 انا قتيل العبرة ما ذكرت عند مؤمن الا و قد بكي و اغتم لمصابي.

و لماثبت ان كل من دخل في الوجود مؤمن تكوينياً كان ام تشريعياً او كلاهما او التكويني فقط فكل واحد بقدر ايمانه يجب ان‏يبكي عليه و يتوجع و يتألم لمصابه بالذات و سرّ الحقيقة و الفطرة و الطويّة و ماورد ان اهل الشام لم‏يبكوا علي الحسين7 فانما هو بالفطرة الثانية المعوجة المغيرة الميتة و اما بالفطرة الاولي حين الذهول عن الثانية فقد بكوا و ضجّوا كيف لا و يزيد لعنه اللّه قد بكي بكاء كثيراً و خولي الاصبحي لعنه اللّه كان يسلب زينب و يبكي و هكذا امثالهما من المعاندين لعنهم اللّه.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 220 *»

و منها لاجل المحبة و المودة حين امر اللّه سبحانه الخلق بمودة ذي‏القربي الذين هم الائمة: خصوصاً الحسين سلام اللّه عليه و قد مرّ سابقاً ما يدلّ علي ذلك قال عزوجل قل لااسألكم عليه اجراً الا المودة في القربي و المخاطب هو كل امة محمد6 عاماً كما برهنا عليه من عموم الخطاب و قد ثبت بالادلة العقلية و النقلية ان الخلق كلهم امة محمد6 كما قال كنت نبياً و آدم بين الماء و الطين و الانبياء كلهم من امته و كذلك الحيوانات و النباتات و الجمادات و المعادن كما قال عزوجل و ما من دابة في الارض و لا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم و بيّن ان الجمادات دابة لمن يعقل و يفهم لقوله تعالي و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمرّ مرّ السحاب و انها كلها ذات شعور و ادراك لقوله تعالي انا عرضنا الامانة علي السموات و الارض و الجبال فابين ان‏يحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان و قال عزوجل ثم استوي الي السماء و هي دخان فقال لها و للارض ائتيا طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طائعين الاية و امثالها من الآيات الدالة علي شعور الجمادات و انها مكلفة و انها دابة متحركة و قال تعالي و ان من امة الا خلا فيها نذير و قال تعالي تبارك الذي نزّل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً.

فظهر بتلويح الادلة ان الخلق ممن دخل دائرة الاكوان كلهم من امة محمد6 و كلهم علي اختلاف مراتبهم و مقاماتهم مكلفون و مأمورون بطاعة الائمة: لأجل مودتهم و محبتهم و الحب هو الامر المعنوي و السرّ الغيبي الذي ينزل من عالم الامر الي حبة القلب فيملأ قلبه من ذكر المحبوب فيمنعه من الالتفات و التوجه الي غير المحبوب ثم منه ينزل الي الصدر فيشغله عن التوجه و التصور بغير صفة المحبوب او صورته او جهته ثم منه ينزل الي الاعضاء و الجوارح فيمنعها عن الملازمة لغير المحبوب و لذا كان لفظ الحبّ و الودّ من حيث العدد عشرة لبيان سرايته في المراتب العشرة التي خلق الشي‏ء منها فاذا كان المحب بكله و بجميع حواسه و قواه و مشاعره و اعضائه و جوارحه متوجهاً الي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 221 *»

المحبوب فيمتنع عن كل ما سوي المحبوب و طالباً بكل ذلك رضاه و كماله و سروره و فرحه فاذا نال المحبوب مكروه او وصل اليه سوء يكاد يتصدع قلب المحب و يكاد يقتل نفسه و يحب ان‏يفدي نفسه دونه فكيف اذا وجد المحب محبوبه مقتولاً جديلاً طريحاً لايسعه نصرته فانظر حينئذ كيف تجد حال المحب في شدة وجده و بكائه و نحيبه و قتل نفسه اما سمعت مااشتهر من فرهاد لماسمع موت شيرين كذباً و افتراء و كذا غيره من امثاله و قصتهم مشهورة معروفة.

فاذا اوجب اللّه تعالي علي كافة الخلق من الانبياء و المرسلين و الملائكة الكروبيين و المقربين و الملأ الاعلي اجمعين و الجن و الطير و الوحوش و الانسان و ساير الآدميين و السموات و العناصر و الارضين محبة محمد و آل‏محمد الطيبين الطاهرين سلام اللّه عليهم ابد الابدين و الحسين‏7 خاصة علي التعيين و الحب كما عرفت بعض حاله فكيف يملك الخلق نفسهم اذا سمعوا او شاهدوا مايصيب محبوبهم من المحنة التي ما ابتلي بها احد من الخلق من الاولين و الاخرين و لولا حفظ اللّه سبحانه لنفاذ حكمته لبطلت حركات الافلاك و لاضطربت الارض و فسدت الاملاك و لخرب العالم بالكلية لعظم هذه الرزية فاذا ما خرب فقد فسد و بكت السماوات دماً و كذا الارض و الجبال و البحار و الاحجار كما روي ان يوم عاشورا ما رفعت حجرة علي وجه الارض الا و قد رأي تحتها دماً عبيطاً و الشمس صارت كأنها قطعة من الدم و هكذا من الامور التي خرقت الاسماع و ملأت الاصقاع و بقي الجن و الانس و الطير و الوحش في الحزن و الكآبة و زيادة البكاء حيث مافدوا انفسهم دونه. فان قلت كيف كلّف اللّه سبحانه الخلق بمحبة آل‏محمد صلي اللّه عليهم مع ان المحبة ليست من افعال الجوارح التي يقع عليها التكليف و الامر و النهي لانها من الوجدانيات و لذا قال عزوجل و لن‏تستطيعوا ان‏تعدلوا بين النساء اي في المحبة. قلت محبة السافل من حيث هو منشأها ان‏يجد كمالاً في المحبوب يكون فاقداً له و طالباً له و بذلك يكون منجذباً اليه و متوجهاً بكله اليه قاطعاً نظره

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 222 *»

حال الالتفات الي تلك الجهة عن تلك الجهة علي تفصيل لايسعني الآن بيانه فاذا توجه السافل من حيث هو بكله الي العالي شمل عناية العالي بكلها حسب احاطة السافل اياه فاحبه به كما ان السافل احب العالي به و شرح حقيقة الحال يطلب في شرح الخطبة فتكليف اللّه سبحانه الخلق محبة آل‏محمد صلي اللّه عليهم دليل علي ان اللّه تعالي جعل عندهم جميع الكمالات الحسنة ممايمكن([13]) ان‏يميل اليه فرد من افراد الخلق علي اختلاف ميولاتهم و ترجيحاتهم بحيث اذا نظر الي مقامهم، فكل واحد بكل طور يجد ما ينجذب به اليهم صلي اللّه عليهم لانهم معدن الكمالات و ينبوع الخيرات فلايتوجه اليهم احد علي الوجه المقرر الا و يحبهم روحي فداهم فان المقتضي اذا وجد و ارتفع المانع وجب الحكم فلذا ثبتت المحبة لهم لكل مذروء و مبروء لاسيما([14]) للحسين‏7 كما سمعت فانهدت حينئذ برزيته العظيمة بنية محبيهم لشدة المصيبة فبكوا و ضجّوا و احترقت قلوبهم انا للّه و انا اليه راجعون يا سادتي يا آل‏رسول‏اللّه انا لانملك الا ان‏نطوف حول مشاهدكم و نعزي فيها ارواحكم بهذه المصيبة النازلة بفنائكم الحالة بساحتكم التي اورثت في قلوب شيعتكم القروح و اكبادهم الجروح و كل الخلق في التكوين و الطيب من كل جنس في التشريع و شيعتهم و محبوهم لقد اصيبوا مصيبة مااعظمها و رزية ما اجلها جدير ان‏يبكوا دماً و قد قال الحجة في زيارة عاشورا خطاباً لجده سيدالشهداء7 مادامت الارض و السماء فلئن اخرتني الدهور و عاقني عن نصرك المقدور و لم‏اكن لمن حاربك محارباً و لمن نصب لك العداوة مناصباً فلاندبنك صباحاً و مساء و لابكين عليك بدل الدموع دماً حسرة عليك و تلهفاً لما دهاك الزيارة.

 و منها لاجل تشييد الدين و اظهار شريعة سيدالمرسلين عليه و آله سلام اللّه ابد الابدين و بيانه بالعبارة الظاهرة هو ان اللّه سبحانه بعث محمداً6 علي فترة من الرسل و طول هجعة من الامم و خفاء الحجة فلمااظهر

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 223 *»

6 الاسلام بقي نحواً من احدي‏عشرة سنة في مكة و لم‏يطع له امر و لم‏تصغ اليه اذن و لم‏يظهر له حكم و لم‏ينتشر خبره و في ذلك عدم وصول التكليف و اعلاء كلمة الحق و هو مستحيل فامره اللّه سبحانه بمقتضي الاسباب بالمحاربة و الجهاد و المقاتلة مما لايلزم منه الالجاء و الجبر ففعل صلوات اللّه عليه و آله حتي صار يأخذ منهم الجزية و يقبل منهم الفدية و اذا شفع لهم احد يقبل شفاعته هذا كله لئلا يلجأهم الي القبول حتي يقبلوا الايمان مكرهين اذ لااكراه في الدين و مااراد6 بسلّ سيفه و اقدامه علي الجهاد الا انتشار خبره و اشتهار الاثر في اطراف الارض و اقطار العالم.

 و لماكان سلّ السيف فيه توهم الالجاء و كان الاغلب انما آمنوا لظهور السلطنة و طمع الرياسة لا لمحبة اللّه سبحانه امر6 وصيه اميرالمؤمنين‏7 بعدم سلّ السيف مع اظهار حقه و ادعاء الخلافة لنفسه حتي تستنطق الطبايع بما اسرّت و الضماير بما استجنت و السراير بما انطوت فعمل علي7 بما امره رسول اللّه6 فظهر ما اراد اللّه سبحانه من اخراج ضغاين الصدور و امتياز الخبيث من الطيب فلما كاد الدين ان‏يذهب و الاسلام ان‏يفني و النور المحمدي6 ان‏ينمحق و الظلمة الاولية ان‏تستولي قام بالسيف و نهض بالامر لاعلاء تلك الكلمة فحسب كما قال7 في الخطبة الشقشقية لولا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر و ما اخذ اللّه علي العلماء ان لايقارّوا علي كظّة ظالم و لا سغب مظلوم لألقيت حبلها علي غاربها و لسقيت آخرها بكأس اولها و لالفيتم دنياكم هذه ازهد عندي من عفطة عنز.

و لماكان من جهاده7 توهم ما كان في جهاد النبي6 امر وصيه مولانا الحسن7 بماامر به النبي6 اياه من السكوت و القعود عن الحرب حتي يظهر الضغاين و يبين المنافق من المؤمن و اليه الاشارة بقوله تعالي الم تر الي الذين قيل لهم كفّوا ايديكم عن القتال و هو الحسن بن علي بن ابي‏طالب‏8 قد امره اللّه تعالي بالكفّ عن القتال و في زمانه7 ظهرت الفتن الملبسة و الظلمة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 224 *»

المدلهمة و خفي الحق بالمرة و عبد الشيطان جهرة و شاعت المنكرات و عظمت البليات و دخلت في القلوب الشكوك و الشبهات و احاطت ظلمة الجهل و الباطل بالعالم و كاد الدين ان‏يندرس و الحق ان‏ينهدم و لذا كان صلوة العشاء الاخرة منسوبة الي الحسن.

و لما كان في خفاء الحجة خراب العالم و ابطال النظام امر الحسين‏7 بالجهاد و عدم مبايعة اهل العناد. و لما كان الامر كما ذكرنا من وجوب ايصال المكلف به و عدم الجائهم الي القبول وجب ان لايقاتلهم7 بقوته و قدرته و الا لافناهم او الجأهم الي القبول و هو خلاف سرّ الحكمة فمابقي الا ان‏يقتل روحي فداه.

و لما كان ظهور سلطنة النبي6 و اعلاء امره انما هو بقتله7 اذ لم‏يتهيأ لساير الائمة: ما قدتهيأ له من ظاهر الاسباب و كان الخلق في مبدء القوس الصعودي في مقام الانجماد و لم‏يكن يتبين لهم من عظم قتله‏7 ليتنبهوا و يعظموا الامر كما لم‏يتنبهوا بقتل الوصي اميرالمؤمنين و الحسن‏8 مع انهما اعظم من الحسين7 وجب في مقام تربية العالم ان‏يجري عليه روحي فداه جميع الانواع من المكاره و المصائب و الهموم و المحن و البلايا التي يرقّ لها القلوب فان الناس لاختلاف ميولاتهم و اهوائهم لايجتمعون علي شي‏ء واحد لا في الفرح و لا في الحزن فوجب ان‏يجري عليه7 من الآلام و المحن بحيث يرقّ له القلوب بجميع ميولاتها المختلفة و شهواتها المتشتتة حتي لايبقي لاحد العذر في البكاء و النحيب و الرقة له‏7 من القتل و النهب و العطش و سبي النساء و سلب الرؤس و شماتة الاعداء و الغربة و الاسر و امثالها من الامور التي كل واحد منها مستقل في اهلاك النفس من شدة الوجد و التألم.

فكل احد و كل شي‏ء لابد ان‏يرقّ له و يبكي عليه لان القلب و ان كان قاسياً لابد ان‏يرقّ و يتأثر بجهة من الجهات و لم‏يبق جهة من الجهات مما يرقّ له القلوب الا و قد جري عليه7 فصار ذلك امراً لاينسي و جرحاً لايداوي مع ماظهر من بكاء الشمس و النجوم و الافلاك

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 225 *»

بالكسوف و جريان الدم منها و ظهور الحمرة في الافق و نبع الدم تحت كل حجرة و مدرة و امثال ذلك من الامور العظام فتنبه الناس عن الغفلة و استبصروا و اعتقدوا حقيتهم فتبين النور في تلك الليلة الديجور و طلع الفجر و لذا كان سورة الفجر سورة الحسين‏7 قال تعالي ان قرآن الفجر كان مشهوداً.

فرقّت له قلوب الخلائق و جعل الناس و الجن يقيمون عزاءه في كل مجلس في كل سنة بل في كل شهر بل في كل اسبوع بل في كل يوم و اذا مرّوا علي غريب ذكروه او مرّوا علي شهيد او علي مظلوم او علي مريض او علي عطشان او علي فريد او مبتلي ذكروه و لايخلو العالم من شي‏ء من ذلك في كل وقت و هو قوله7 علي ما روته سكينة3 انها سمعت منه يردد هذه الابيات:

شيعتي ما ان شربتم ماء عذب فاذكروني

 
  او مررتم بغريب او شهيد فاندبوني

و انا السبط الذي من غير جرم قتلوني

 
  و بجرد الخيل بعد القتل عمداً سحقوني

ليتكم في يوم عاشورا جميعاً تنظروني

 
  كيف استسقي لطفلي ثم هم لم‏يرحموني

فاقام الخلق عزاءه في كل البلدان و اطراف الارض في كل الاوقات فصار انتشر الخبر شياً فشياً و ازدادت الشهرة في كل وقت و ساعة الي ان الكفار و الفجار و الاشرار و الابرار في نواحي الهند و السند و الروم يقيمون له العزاء و الماتم و هو ابن بنت رسول اللّه و ماقتلوه الا لانه ادعي حقه و انه احق بالامر و الخلافة و الوراثة من غيره فيبلغ الخبر الي من لم‏يسمع النبي6 و لا الاسلام و([15]) هكذا يشهر الي يوم القيمة و يتم الحجة علي كل احد و يصل التكليف الي الخلق باجمعهم بذلك فلم‏يبق في الدنيا مكان لم‏يطلعوا علي هذه المصيبة الهائلة فظهر الاسلام و علت كلمة التوحيد و وصل التكليف الي كل احد و لم‏يلزم الجاء احد الي الايمان و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 226 *»

بقي المنافق الظالم علي كفره و غيّه و نفاقه و وصل صيت الاسلام الي كل احد و بلغ المؤمن المصدق بشدة ظهور اعلام الهداية الظاهرة من قتله7 الي اعلي مقامات الايمان.

 فوجب لذلك رفع الصوت بالبكاء و النحيب و جهر القول في مرثيته و الشهيق عند ذكر مصيبته و بليته فعلي مثل الحسين7 روحي له الفداء فليبك الباكون و اياه فليندب النادبون و لمثله فلتذرف الدموع من العيون و يضج الضاجون و يعجّ العاجون و لعنة اللّه علي ظالميه و قاتليه و خاذليه ابد الابدين و دهر الداهرين لعن اللّه يزيد بن معاوية لعن اللّه يزيد بن معاوية لعن اللّه يزيد بن معاوية صلي اللّه عليك يا اباعبداللّه صلي اللّه عليك يا اباعبداللّه صلي اللّه عليك يا اباعبداللّه، انا الي اللّه ممن قاتلك بري‏ء، انا الي اللّه ممن قاتلك بري‏ء، انا الي اللّه ممن قاتلك بري‏ء.

هذا ما سنح به خاطري الفاتر في هذا المقام مع تكثر الامراض و توفّر الاعراض و اختلال البال بمعاناة الحلّ و الارتحال و لو كان لي فراغ قلب و مجال لارخيت عنان القلم في هذا الميدان و لأريتك من عجايب الاسرار و غرايب الانوار مما لاتكاد تحتمله الجنان و بهذا القدر كفاية لاهل الهداية.

و الحمد للّه رب العالمين

و صلي اللّه علي محمد و آله الطيبين الطاهرين

و سلّم.

[1]ـ مراتبهم خ‏ل.

[2]ـ الضدين خ‏ل.

[3]ـ بلسان نفسه بلسان انفسهم خ‏ل.

[4]ـ زادهم خ‏ل.

[5]ـ المنكرين خ‏ل.

[6]ـ عنّي خ‏ل.

[7]ـ لم‏ينل خ‏ل.

[8]ـ قبة خ‏ل.

[9]ـ تري خ‏ل.

[10]ـ الابداع خ‏ل.

[11]ـ في كل حال خ‏ل.

[12]ـ اختلاف خ‏ل.

[13]ـ كمالاته خ‏ل.

[14]ـ وجب خ‏ل.

[15]ـ الولاية خ‏ل.