12-03 جواهر الحکم المجلد الثانی عشر ـ رسالة في جواب السيد امجد علي الطبيب الهندي ـ مقابله

رسالة فی جواب السید امجد علی الطبیب الهندی

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 229 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين و الصلوة و السلام علي خير خلقه و مظهر لطفه محمّد و اهل بيته الطيبين الطاهرين.

اما بعــد؛ فيقول العبد الفقير الحقير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انه قدوردت علي كلمات من الجناب الانجد و الحبر الامجد المؤيد المسدد الاسعد الارشد الولي السيد امجدعلي اعلي اللّه مقامه بمحمّد و علي8 يريد جوابها و كشف نقابها بالاستعجال و انا في غاية الاشتغال و بلبال البال بمعاناة (و معاناة خ‌ل) الحل و الارتحال لكنه لايسعني الاّ اجابته و اسعاف طلبته لانه اهل للجواب فاتيت بماهو الميسور لانه لايسقط بالمعسور و اكتفيت بالاشارة و اعرضت عن تطويل العبارة اعتماداً علي فهمه الشريف و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم.

قــال سلمه اللّه تعالي: الحمد للّه الذي هدانا الي جنابكم الذي كان لمعالجة امراض الاديان طبيباً جعل اللّه مدادكم في كف ثقلت موازينه علي دم الشهداء.

اقــول: اعلم ان الدين عبد من عبيد اللّه مخلص للّه مستوي الرحمن و حقيقة الانسان الذي علمه اللّه البيان و مقوم برج كيوان معتدل الطبايع و الاركان و تساوي فيه الميزان فالحرارة فيه حد الكمال حتي كان عرشاً ممداً فاعلاً في كل السفليات و العلويات قال تعالي و كان عرشه علي الماء قال7 ان العرش هو الدين و الماء هو العلم و اليبوسة فيه علي اقصي المراتب حيث بقي و استقر في مقامه و ماتعدي و ماانتشر الي غيره و هو الاسم المكنون المستقر في ظله فلايخرج الي غيره و بذلك صار فاعل فعل اللازم الغير المتعدي الي المفعول و الرطوبة فيه تامة بحيث ظهر نوره و انتشر بحيث ملأ الاكوان و الاعيان بل الامكان و تلقي من اللّه سبحانه جميع الفيوضات التي لايسعها الزمان

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 230 *»

و المكان كماقال ماوسعني ارضي و لا سمائي بل وسعني قلب عبدي المؤمن و البرودة فيه بالغة حد التمام و الكمال بحيث خضع و سكن فخضع بخضوعه و سكن بسكونه كل البريات و ظهر ذلك الانكسار في كل الارضين و السموات و سري في كل الجهات و المقامات و له طبيعة خامسة جامعة لكلّها من غير استيلاء احدها علي الآخر بل ظهر فيه سر الوحدة و استولي نورها بحيث اضمحل تمايز الطبايع بعضها عن بعض فهو بوحدته يفعل فعل النار الكاملة المطلقة بصرافتها و شدة حرارتها و يفعل فعل ساير الطبايع هكذا و هو الاعتدال الحقيقي التام الكامل الذي انكره الاطباء زاعمين عدم تحقق المزاج و عدم تعقل وجوده في المكان و لم‏يدروا ان مزاج الشي‏ء من حيث نفسه غير مزاجه من حيث ربه فانه سبحانه يعادي المتآلفات و يؤالف المتعاديات و المكان في مركز الاعتدال علي سرير الوصال و هذه الطبيعة هي الطبيعة الالهية التي لايتطرق عليها الامراض و لاتفسدها الاعراض لان المرض انما يكون هو الفساد الظاهر في الطبيعة بسبب مداخلة الغرائب و الاعراض الغير الملائمة و تلك الغرائب ماتعرض الاّ بمناسبة الطبيعة و تلك المناسبة لم‏تتحقق الاّ لضعف التركيب و ضعف التركيب انما يتحقق بعدم المزج التام و عدم المزج التام انما يكون لعدم التلايم التام و عدم التلايم انما يكون لعدم الاعتدال الحقيقي لانه اذا غلب جزء من الطبايع فيميل الي مايناسبه من الاعراض الخارجة فتتصل به و تؤثر في المجموع فتفسد البنية.

و اما الاعتدال فلايناسبه الاّ المعتدل و لا مضرة فيه لانها اما افراط او تفريط و هو قول اميرالمؤمنين7 من اعتدل طباعه صفي مزاجه و من صفي مزاجه قوي اثر النفس فيه و من قوي اثر النفس فيه فقدتخلق بالاخلاق الملكوتية فصار موجوداً بماهو انسان دون ان‏يكون موجوداً بماهو حيوان و قال ايضاً7 خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم و العمل فقدشابهت اوائل جواهر عللها و اذا فارقت الاضداد فقدشارك بها السبع الشداد انتهي و السبع الشداد انما انتفي عنهن الغرائب و الاضداد و بقين علي حال

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 231 *»

الاعتدال لظهور اعتدال الماء الذي اكتسب الاعتدال من العرش المستوي عليه الذي هو الدين.

فالدين اولي بان لاتتطرق عليه الامراض و تصيبه الاعراض ولكن لماكان الايجاد علي وجه القابليات في الذوات و الصفات و لايتحقق ذلك الاّ باظهار مظاهر الدين و امثلته في هويات الكاينات و تلك المظاهر و الامثال انما ظهرت في القابليات بنوع امزجتها فاذا صح المزاج ظهر الدين تاماً كاملاً و اذا اختلف المزاج و تلون باختلاف الاغذية المتضادة الظاهرة و الباطنة يظهر الدين هكذا مختلفاً متلوناً فيطرء عليه النسخ و الاختلاف و التقية و الظهور و الخفاء و البطون و الظهور و هو قوله تعالي ان اللّه لايغير مابقوم حتي يغيروا ما بانفسهم الي ان‏يرفع التضاد فيرتفع الاختلاف.

و رفع التضاد المستلزم لصحة البنية و دفع الامراض المستلزم لعدم اختلاف الدين قديكون كلياً و قديكون جزئياً فيظهر علي حسبه فاول صحة المزاج في العالم الكلي انما هو عند ظهور القائم7 و عجل اللّه فرجه و تمام الاعتدال انما هو اذا رجع رسول‏اللّه9‏ و قتل ابليس لعنه اللّه و اهلك (هلک خ‌ل) الجبت و الطاغوت و هناك يرتفع اختلاف الدين اصلاً و رأساً لاعتدال الطبايع و رفع التضاد الموجب للامراض فيصفو الامر للّه الواحد القهار فهناك يظهر قوله تعالي الا للّه الدين الخالص و هو قوله عزوجل ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون فافهم ان‏شاءاللّه تعالي.

و اما الجزئي فهو افراد العارفين المختفين في الارض تبعاً لائمتهم الطاهرين سلام اللّه عليهم اجمعين قال اللّه عزوجل فهدي اللّه الذين آمنوا لمااختلفوا فيه من الحق باذنه و اللّه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم و قال اميرالمؤمنين7 المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين نهجوا منهجهم و سلكوا مسلكهم فهجم بهم العلم علي حقيقة الايمان فيستلينون من احاديثهم مااستوعر علي غيرهم و يأنسون بمااستوحش منه المكذبون و اباه المسرفون اولئك اتباع العلماء حقاً فعلماؤهم و اتباعهم خرس صمت في دولة الباطل و نقلت بعض معني الحديث اذ لم‏احفظ كله فهؤلاء الافراد و الابدال هم الذين صفت طويتهم و اعتدلت

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 232 *»

بنيتهم فظهروا علي الدين كله بمقتضي مقامهم.

و سوء المزاج انما يكون في هذا المقام بغلبة الرطوبات الفضلية (و خ‌ل) التي هي الميل الي كل مالايعنيه و تغلظها باليبوسة السوداوية التي هي انجماد القريحة و اجتماع المواد و السدد المتولدة من الامرين المذكورين بالحرارة الغريبية دون الغريزية و هي هيجان النفس و انبعاثها للامور الدنيوية او الاخروية لا لصفاء الاخلاص فتصاعدت ابخرتها اي شعبها و فروعها الي الدماغ فاورث الصداع و وجع الرأس و الشقيقة فضعفت المدارك الكلية و الجزئية و قلت الرغبة الي المآكل الطيبة و هكذا ساير الاوجاع و الاسقام الظاهرية و الباطنية كلها قدتولدت مماذكرنا و شرح كيفية التولد ممايطول به الكلام و العاقل يكتفي بادني اشارة.

و العلاج انضاج الطبيعة اولاً بالعقاقير المنضجة التي لها مناسبة الي الجهتين مع الاخلاط و مع الطبيعة اما في العبد الكلي فكما فعل الاطباء الماهرون صلي اللّه عليهم باللّه و باذنه و بامره من ادارة الليل علي النهار و النهار علي الليل و وقوع الكسف و الخسف و الغيم و الصحو و الظلمة و النور و الحلاوة و المرارة و مرارة الثمار قبل نضجها و امثال ذلك و وقوع الاختلاف في الآراء و الاهواء و العقول و الميولات و الالفاظ (و العبارات خ‌ل) و اللغات و وقوع الشك و الوهم و النجوي و السفسطة و الظن و الوسوسة و الريبة و العلم و اليقين و المعرفة و خلط بعضها مع بعض و اما في العبد الاصغر اي الانسان فالمنضج له هو التفكر في فناء العالم و دثوره و ابادته و خرابه و عدم استدامة حال لاحد و عدم استقلال احد في امر و كثرة التقصيرات التي وقعت منه و امثال ذلك من الاحوال ثم استفراغ الطبيعة عن تلك المواد الغليظة و الاخلاط الغير الملايمة المهيجة للابخرة المستدعية لاختلال المزاج الموجبة لضعف القوي و ظهور الروح التي هي الدين.

اما في الكلي فكما يفعل مولانا القائم7 و سيدنا الحسين7 و سيدنا علي7 و السيد الاكبر رسول‏اللّه9من قتل الكفار و المنافقين و تطهير الارض عن كل رجس نجس لعين و اما في

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 233 *»

الجزئي فبالاقبال الي الطاعات و العبادات و الاجتناب علي كل المحرمات و المكروهات و الاعراض عن كل البريات و سلب الرذايل عن نفسه و الدناءات ثم تقوية الطبيعة بانواع الترياقات و المقويات و تفريحها بانحاء (بانواع خ‌ل) المعاجين و ساير المفرحات اما في الكلي فمايظهر في العالم بعد قتل ابليس من الانوار المشرقة من صبح الازل لتقوية بنية العالم و تفريج (تفريح خ‌ل) كربه و تعديل طبعه اما في الجزئي فبالتوجه التام الي اللّه سبحانه و تعالي و خلوص القلب له و رفع الكثرات عن وجدانه و دوام النظر في ملكوت السموات و الارض و مشاهدة الاشياء بسرّ الوحدة و رفع الكثرات بالمرة و النظر الي الاشياء بدليل الحكمة فهناك يصح المزاج و تعتدل الطبيعة و يظهر الدين كله بجميع انحائه و مراتبه اما في الكلي فيظهر الجنتان المدهامتان في الكوفة و ماوراءها الي ماشاء اللّه و اما في الجزئي فمختصر القول فيه انه يدخل تلك الجنة في هذه الدنيا قال7موتوا قبل ان‏تموتوا و حاسبوا قبل ان‏تحاسبوا قال7 من مات قامت قيامته و هي القيمة الصغري فيرجع الاختلاف الي الايتلاف و الحركة الي السكون و التلوين الي التمكين فيتمكن للدين قال اللّه عزوجل وعد اللّه الذين آمنوا منکم و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الارض کما استخلف الذين من قبلهم و ليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضي لهم و ليبدلنّهم من بعد خوفهم امناً يعبدونني لايشركون بي شيئاً.

فالعارف العامل لايجد في الدين و لا في شي‏ء ممااتي به سيد المرسلين صلي اللّه عليه و آله الطاهرين اختلافاً ابداً لانه عرف اللّه و عرف خلقه و عرف مقتضي الحق و مقتضي الخلق و مقتضي سلوك الحق مع الخلق قال عزوجل ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فافهم ماالقينا اليك بالاشارة.

قــال سلمه اللّه تعالي: لهذا اظهر احوال مرضي و هو الحيرة سكنه اللّه بكم و ازاله بظهور صاحبنا7 و عجل اللّه فرجه.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 234 *»

اقــول: اعلم ان اللّه سبحانه خلق قلب الانسان و له اذنان اذن عليها ملك مسدد و الاخري عليها شيطان مقيض و له عينان باحديهما ناظر الي عليين و بالاخري الي سجين و ان استمر نظره الي السجين و قطع نظره عن العليين صحبته الشياطين علي حسب نظره فان كان في الارض الاولي فالشياطين الدنياوية الجسدانية يأمرونه بالخبائث و الرذائل الجسدانية و يزينون له حب الشهوات من انواع المعاصي و السيئات و انحاء المحرمات كالزناء و اللواط و شرب‏الخمر و قتل النفس و امثالها و ان كان نظره الي الارض الثانية فالشياطين الذين يوحون الي اوليائهم ليجادلوا اهل الحق فيلقون اليه من الصور الباطلة و الاوهام الكاذبة المشابهة بصورة الحق و هكذا كلماتسافل نظره تغلظ الظلمة لا الغلظة الجسمانية بل الغلظة الروحانية الي ان‏يشابههم فيكون من شياطين الانس و علي كل جزء من اجزاء بدنه شيطان يغويه و يلعنه كماقال مولينا اميرالمؤمنين7 لمن سأله عن عدد شعر لحيته ان علي كل شعرة شيطاناً يلعنك هـ فيبلغ به الامر الي ان‏يصدر منه مايصدر عن الشياطين ممايوهم الكرامات و خوارق العادات و ان كان نظره الي العليين و استمر ذلك النظر صحبته الملائكة في الدنيا و الآخرة كمااخبر اللّه عنهم الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الاّتخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا و في الآخرة.

و الاستقامة ان كانت في جميع مراتبها فهو معتدل الطبيعة علي ماوصفت لك سابقاً و الاّ فعلي حسب مقامها و هو مؤيد بنور اللّه و مسدد بروح اللّه و اليهم الاشارة بقوله عزوجل لاتجد قوماً يؤمنون باللّه و اليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه و رسوله و لو كانوا آباءهم او ابناءهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان و ايدهم بروح منه و يدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضي اللّه عنهم و رضوا عنه اولئك حزب اللّه الا ان حزب اللّه هم المفلحون و ان كان نظره الي العليين مرة و الي السجين اخري فهناك محل الظن و الوهم و الشك و الريب و الوسوسة و الجهل و كل هذه جهات الحيرة و انما

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 235 *»

تنشأ من تعارض النظرين و عدم الاستمرار و قديبقي حال التميز فيتميز بين النظرين و قديخفي فهناك الحيرة اذ تأتيه صورة و قبل الاستقرار و التمكين اتته اخري فلايدري من الالتباس و التشابه ايهما من الاعلي و ايهما من الاسفل فيبقي واقفاً متحيراً.

و لماكان اللّه سبحانه انما خلق الخلق مشروح العلل مبين الاسباب رفع الابهام و دفع التحير باقامة الدليل و اراءة السبيل لئلايكون للناس علي اللّه حجة و اقام (فاقام خ‌ل) سبحانه لكل شي‏ء دليل حق يصل اليه طالب الحق بعد ماذكر الامر اولاً بحيث يحتمل الوجهين و لذا قال عزّوجلّ و ماارسلنا من قبلک من رسول و لا نبي الاّ اذا تمني القي الشيطان في امنيته فينسخ اللّه مايلقي الشيطان ثم يحكم اللّه آياته و اللّه عليم حكيم ليجعل مايلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض و القاسية قلوبهم, و ان اللّه لهادي الذين امنوا الي صراط مستقيم و الامنية هي القراءة و القاء الشيطان هو الاحتمالات الباطلة الغير المرادة المشابهة للمراد الصور المجتثة الكاذبة الصاعدة من الابخرة المتراكمة في اسفل السافلين فكل الكلمات و العبارات بل كل الموجودات لها جهة الي الحق يناسب اهل الحق و جهة الي الباطل يناسب اهله فاهل الحق يتمسكون بجهتهم و اهل الباطل يتمسكون بجهتهم و من هنا يأتي الاختلاف قال تعالي و اما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ولكن اللّه سبحانه لئلايغري بالباطل و لايجعل الخلق في الشبهة و لايدعهم في الحيرة نصب القراين المحكمة المعينة للحق و النافية للباطل و هو نسخ اللّه القاء الشيطان فيحق الحق و يبطل الباطل و لو كره المشركون.

ثم ارشد الي هذه الهداية و هدي الي هذه الدلالة و صرح بالامر و اكّده بالتأكيدات البالغة فقال عزوجل الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و ان اللّه لمع المحسنين فجعل المجاهد في اللّه محسناً و قال ما علي المحسنين من سبيل و قال ايضاً عزوجل فلما بلغ اشده و استوي آتيناه حكماً و علماً و كذلك نجزي المحسنين و قال ايضاً كماذكرنا فهدي اللّه الذين آمنوا لمااختلفوا فيه من الحق باذنه و اللّه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم فسمي اللّه سبحانه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 236 *»

المستوضح المسترشد مرة مجاهداً و مرة محسناً و مرة مؤمناً فقال عزوجل تثبيتاً لهدايته و ارشاده ياايها الذين آمنوا آمنوا باللّه و رسوله, يؤتكم كفلين من رحمته و يجعل لكم نوراً تمشون به و يغفر لكم و اللّه غفور رحيم لئلايعلم اهل الكتاب الاّيقدرون علي شي‏ء من فضل اللّه و ان الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم و سمّي سبحانه المحسن محبوباً حيث قال ليس علي الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيماطعموا اذا مااتقوا و آمنوا و عملوا الصالحات ثم اتقوا و آمنوا ثم اتقوا و احسنوا و اللّه يحب المحسنين ثم فسر المحبوب الذي هو (المحسن الذی هو خ‌ل) المجاهد في الحديث القدسي مازال العبد يتقرب الي بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكت عني ابتدأته و قال رسول‏اللّه9 ليس العلم بكثرة التعلم بل هو (و  انما هو خ‌ل) نور من عند اللّه يقذفه في قلب من يحب (يحبه خ‌ل) فينفسح فيشاهد الغيب و ينشرح فيحتمل البلاء قيل هل لذلك من علامة يا رسول‏اللّه قال9 التجافي عن دار الغرور و الانابة الي دار الخلود و الاستعداد للموت قبل نزوله فجعل سبحانه و تعالي ثمرة المحبة ان‏يكون هو سبحانه سمعه و بصره و يده و يستجيب دعاءه و يتفضل عليه قبل السؤال و فسره رسول‏اللّه9 بالعلم اللدنّي و انشراح القلب الذي في الصدر و انفساح الباطن لمشاهدة الغيوب فاثبت ان المحبة التي ثمرتها ماذكرنا من كلام اللّه و رسوله هي ثمرة الاحسان و فسر الاحسان بالمجاهدة في اللّه و فسر المجاهدة بفعل النوافل ثم ابان سبحانه عن حقيقة الايمان المستدعي للهداية الي الحق في الآراء المختلفة و يكون فعل النوافل المقتضي للمحبة من فروعه و آثاره بقوله الحق حيث خاطب اميرالمؤمنين7 و لو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤك ياعلي فاستغفروا اللّه و استغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه تواباً رحيماً فلا و ربك ياعلي لايؤمنون حتي يحكموك فيماشجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مماقضيت و يسلموا تسليماً فجعل الايمان هو التسليم لاميرالمؤمنين7و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 237 *»

عدم الخروج عن حكمه و قوله في حكم من الاحكام المختلف (المختلفة خ‌ل) فيه كماقال عزوجل فمااختلفتم فيه من شي‏ء فحكمه الي اللّه و عمّم الحكم في ذلك مولينا الصادق7 حيث قال ذروة الامر و سنامه و باب الاشياء و رضي الرحمن الطاعة للامام و قال عزّوجلّ ولو ردّوه الي الرسول و الي اولي‏الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم.

فاذا صح لاحد الاخلاص في محبة الامام7 و يعتقد انه الحامي لحوزة الاسلام و عين اللّه الشاهدة علي الانام و وجهه الذي لايخلو منه مكان فيسلم الامر اليه و يطلب الحق من اللّه بواسطته خاصة و يلتجأ في كل جزئي و كلي عليه لانهم قالوا: لنا مع كل ولي اذن سامعة و لايقول اذا وصل اليه حديث من احاديثهم او خبر من اخبارهم ان هذا من الاخبار الآحاد التي لاتوجب علماً و لا عملاً بل يعتقد انه حين وصل اليه الحديث امامه7 حاضر لديه و ناظر اليه و عليه تسديد رعيته و عدم اهمال غنمه فان لم‏يرده منك يجب ان‏يردعك عنه بنصب قرينة عقلية او نقلية مصرحة او اشارة او ملوحة و امثال ذلك من انواع الهاماتهم و تسديداتهم و ارشاداتهم هو و لايجعلونك البتة في حيرة و لا شدة اذن لا فرق بين طريق الحق و طريق الباطل و طريق الرحمن و طريق الشيطان.

فمن اعتقد الذي قلنا و عمل به فهو المسلّم لاميرالمؤمنين7و هو المؤمن الذي امتحن اللّه قلبه للايمان فيؤتيه اللّه سبحانه كفلين من رحمته و يجعل له نوراً يمشي به في الناس و يهديه اللّه الي الحق عند الاختلاف و يحبه اللّه و يقذف في قلبه نور اليقين و في صدره نور العلم و في فؤاده نور المحبة فينشرح فيشاهد الغيب و ينفسح فيحتمل البلاء و يكون اللّه سمعه و بصره و يده فلايسمع الاّ الحق و لايري الاّ الحق و لايعمل الاّ الحق و لايسعي الاّ في الحق و يعرض عن الباطل اصلاً و رأساً اتري تبقي بعد ذلك حيرة و اضطراب حاشا و كلاّ لان اللّه عزوجل اجل من ان‏يطرق بابه فلايفتح له او يدخل البيت من بابه فيخيبه و يحرمه كلاّ ماهكذا الظن به و هذا الذي ذكرنا هو مسكن المرض لا بل هو مزيل له ان شاء اللّه.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 238 *»

و الازالة لاتتوقف علي ظهور صاحبنا7 لانه7 ماغاب بل هو اظهر من الشمس في رابعة النهار و لو فرض ذلك اذا غاب عنك فانت ماغبت عنه روحي فداه بل انت بمرأي منه و مسمع و يدبّرك حيث مايشاء الم‏تلتفت الي باطن قوله تعالي و دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته و هذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته علي الذي من عدوه فوكزه موسي فقضي عليه و قال هذا من عمل الشيطان انه عدوّ مضل مبين ام تري انه7غافل من رعاياه و تسديده كيف و قدقال7 انا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء و احاطت بكم الاعداء و قال عزوجل و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال نعم ان الذي تحت الغيم لايقع عليه نور الشمس مثل من كان خارجاً عن الغيم و قدقلنا لكم في المسألة الاولي ان العارفين يصح مزاجهم نعم صحة المزاج الكلي يتوقف علي ظهوره عجل اللّه فرجه و روحنا له الفداء كماذكرنا غير مرة و هذا هو العلاج لمرض الحيرة و هو مرض مركب من الصفراء و السوداء المحترقة فافهم ان شاء اللّه تعالي.

قــال سلمه اللّه تعالي: و اقول ان غرض السائل سلمه اللّه تعالي عن المعايب مطلقاً من الاسؤلة الاربعة الاول ان‏يمتاز طريقتكم من الاخباري و الاصولي الفريقين من فرق ثلثة و سبعين و لماكان جنابكم تابعاً للمتبوع الحقيقي بواسطة قول المعصوم7 تضرب للسائل الحق و الباطل اقتضاءاً لقوله تعالي كذلك يضرب اللّه الحق و الباطل الي اخر الآية.

اقــول: انما قال ذلك لانه سلمه اللّه تعالي رأي ماكتبنا في جواب من سألنا عن الادلة هل هي اربعة ام لا و عن حكم مالانصّ فيه و عن سبب حصر المكلفين في زمان الغيبة في القسمين مجتهد و مقلد و عن غير ذلك من المسائل المتفرقة و لماكان الكلام علي وفق المجادلة كما هو المعروف في هذا الزمان

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 239 *»

لايخلص عن شوائب الشكوك و الشبهات لان دليل المجادلة اقل الدلالات فلاتفي لبيان كل الوجوه و الاشارات فتبقي الوجوه الكثيرة خارجة عن الدلالة فالواقف في هذا المقام اذا التفت الي تلك الوجوه و خروجها عن الدليل فيعترض و يورد البحث و ينفي ماثبت بالدليل الاول و هكذا غيره بالنسبة اليه و لايمكن الخلوص من الشبهات الاّ بدليل الحكمة من قوله عزّوجلّ ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن و ذلك الدليل الكلي الالهي ايضاً غير معروف عند عامة الناس فيتسارعون الي الانكار جعلت الكلام في جواب تلك المسائل علي الامر بين الامرين و خلطت العالمين ليعلم كل اناس مشربهم و يعرف كل احد مطلبهم و هذا هو المراد من قوله ايّده اللّه تعالي و لماكان جنابكم تابعاً الي اخر كلامه.

و اما جعلكم الاخباري و الاصولي فريقين من الفرق الثلثة و السبعين و جعل طريقتنا ممتازة عنهما ليكون فرقة ثالثة فغير صحيح كيف و قدحكم رسول‏اللّه9علي الكل بالنار و الهلاك و الكفر الاّ فرقة واحدة منهم كماقال9 اتفاقاً من المسلمين ستفترق امتي علي ثلثة و سبعين فرقة فرقة في الجنة و الباقون كلهم في النار و كيف يمكن ان‏يجعل الاخباري او الاصولي من هذه الفرق المختلفة التي نجاة احديهما مستلزمة لهلاك الاخري مع ان ربهم واحد و نبيهم واحد و كتابهم واحد و قبلتهم واحدة و ائمتهم واحدة هم الائمة الاثني‏عشر: و كذا ساير اعمالهم و عباداتهم و لم‏يخالف الاخباري و لا الاصولي شيئاً يخالف اجماع المسلمين ليكفروا او اجماع الفرقة الاثني‏عشرية ليخرجوا عن مسلكهم و بعض الاختلافات الواقعة فيهم لايخرجهم عن وحدتهم بل كلهم فرقة ناجية واحدة من الفرقة الشيعة الاثني‏عشرية و اختلافهم في بعض الجزئيات انما هو من جهة عيب السفينة كماقال عزوجل حكاية عن الخضر فاردت ان‏اعيبها و كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً و قال7 انا الذي خالفت بينكم و قال7راعيكم الذي استرعاه اللّه امر غنمه اعلم بمصالح غنمه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 240 *»

ان شاء فرق بينها لتسلم و ان شاء جمع بينها لتسلم و ليس اختلافهم في الضروريات حتي يؤدي الي ماقلت.

و اقرار الاصولي بالاجماع ليس كمازعمه مخالفونا من اجتماع اهل الحل و العقد و الاّ لماساغ لهم مخالفتهم و انما اجماعهم هو الاتفاق الموجب للقطع بدخول المعصوم7 بين المتفقين او رضاه و هذا هو الدين المبين و كذا انكار الاخباري للاجماع ليس من جهة انه كاشف عن قول المعصوم7 و يعاندون فينكرون قول المعصوم7 حاشاهم عن ذلك و انما الكلام بينهم في الموضوع و تحقق هذا الاجماع الكاشف عن قول المعصوم7 و يقولون بعد مافرض الكشف فالعمدة و الاعتبار بقول المعصوم7 لا الاجماع فاذن لا حجة الاّ الكتاب و السنة و الاصوليون يقولون طرق السنة مختلفة منها طرق قطعية و هي مايحصل من التواتر المعنوي و الاخبار المحفوفة بقرائن القطع و الاجماع و منها طرق ظنية و هي بخلاف ماذكرنا فمآل الاجماع الي السنة لكن بشرط عدم تمايز قول المعصوم7 عن قول المجمعين و الاّ يكون ظنياً لقولهم: اني لاتكلّم بكلمة و اريد منها احد سبعين وجهاً لي لكل منها المخرج فصح ان نزاعهم ليس من جهة ردّهم لقول الامام7 و انما هو في اصل التحقق و كذا نزاعهم في العمل بالظن فان الاصوليين مايعملون بالظن من حيث هو ظن و حاشاهم عن ذلك و انما يعملون به حيث مادل الدليل القطعي عندهم علي صحة العمل بذلك فح يعملون بالقطع و لايعملون بالظن كمادل الدليل علي العمل علي الشك في الصلوة و الوهم في الاشياء التي دل الدليل القطع علي ان الاصل فيها الطهارة فلو ظن النجاسة و يحتمل الطهارة احتمالاً مرجوحاً يعمل علي الاحتمال المرجوح لا الراجح الاّ اذا قطع بالنجاسة و الظن كمافي شهادة العدلين و امثال ذلك.

و بالجملة فالنزاع و الخلاف بينهم ليس في الامور الكلية حتي يورث تباين المسلكين و انما هو لبعض الجزئيات لعدم الدليل عليه لبعض و وجوده لبعض آخر و قداذن لهم مولينا الكاظم7 بذلك

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 241 *»

حيث قال7 مامعناه امور الاديان امران امر لا اختلاف فيه و امر فيه اختلاف فماثبت لمنتحليه من كتاب مجمع علي تأويله او سنة عن النبي9 لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله ضاق لمستوضح تلك الحجة الردّ اليه و التسليم له و مالم‏يثبت لمنتحليه من كتاب مجمع علي تأويله او سنة عن النبي9 لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة و عامها الشك فيه و الانكار له فماثبت لك برهانه اثبتّه و ماخفي لك بيانه نفيته هـ و هذا الاختلاف انما ساغ لهم ليسلم رقابهم عن شر الاعادي فكلهم فرقة واحدة من الفرقة الناجية التي في الجنة الاّ بسوء اعمالهم و فساد ضمايرهم و عقايدهم و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم.

و اما طريقتنا في استنباط الاحكام الالهية هي كمااختاره الاصوليون من الاستدلال بالادلة الاربعة من الكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل و الشهرة و الاستصحاب و اصالة البراءة و امثالها من الادلة و الاحوال الاّ ان في كل واحد من هذه الامور لنا ادلة من الحكمة تحتار عندها العقول و تذهل لديها النفوس فمن وصل اليها فهي الرشد و الهداية و من لم‏يصل اليها فهذه الطريقة التي عليها فقهاؤنا المجتهدون هي المعمول بها و تلك الطريقة لاتخالف ماذكروا رحمهم اللّه و بذلوا مجهودهم الاّ ان اهل الاستنباط لهم اذواق و حركات سريعة و بطيئة و متوسطة؛

و لكل رأيت منهم مقاماً   شرحه في الكتاب ممايطول

و السلام.

قال سلمه اللّه تعالي: و من المسألة الخامسة رفع الابهام (الايهام خ‌ل) من طبخ الحكماء الفلسفية و انا اعرفكم من الذين آمنوا و تطمئن قلوبهم بذكر اللّه الا بذكر اللّه تطمئن القلوب و لو انكم في اشد التقية و انا كذلك.

اقــول: طبخ الحكماء الفلسفية انما ينضج بعد حلين و عقدين كماقالوا:

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 242 *»

و حلاّن مع عقدين لابد منهما   و حلّله و اعقده و احلله و اعقد

ولكن هذا الطبخ في هذه المراتب الاربعة لايبلغ حد الكمال الاّ في اربعة ادوار:

الدور الاول طبخ العناصر و هو العمل المكتوم و هنا تنعقد النطفتان و يجتمع الزوجات اي زوج واحد مع اربع (اربعة خ‌ل) زوجات الي ان‏تحصل النطفة من مني يمني من صلب الرجل و ترائب المرأة قال اللّه عزّوجلّ خلق الانسان من ماء دافق يخرج من بين الصلب و الترائب.

الدور الثاني دور النبات من العلقة و المضغة و العظام و اكتساء اللحم و تمايز الصور باخراج المياه الخمسة.

الدور الثالث دور الحيوان و مقام (انا خ‌ل) انشأناه خلقاً آخر و هو اذا ظهر القمر في فلكه الجوزهر و يخرج ثلثة من القوم المفسدين من المدينة الطيبة و القوم الجبارين من الارض المقدسة.

الدور الرابع دور الانسان و مقام البلوغ و وقوع التكليف و محل و لاتنس نصيبك من الدنيا و احسن كمااحسن اللّه اليك و هو اذا طلعت الشمس حاكية لجسد اميرالمؤمنين7 و يخرج القوم المفسدون من المدينة الطيبة قال عزّوجلّ و كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض و لايصلحون الذين عقروا ناقة صالح فاذا دارت هذه الادوار علي الادوار الاربعة الاول فهناك تتم العوالم الستة عشر و يظهر الوفق في المربع العددي و الحرفي و يخبر عن الغايب و الدفاين و الخزاين عند تمام بيوت الرمل.

و اما رفع الابهام (الايهام خ‌ل) فهو ممالايجوز لان اللّه سبحانه ابي الاّ ان‏يستر هذا العلم الاّ عن المستدرجين من الدين (من الذين خ‌ل) قال عزّوجلّ فيهم و لايحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثماً و لهم عذاب مهين او عن العارفين الكاملين المعرضين عن الدنيا الدنية و ليس غرضهم الاّ مشاهدة جلال الحق سبحانه و عظمته في كل شي‏ء و هذا عالم مختصر من العالم الكلي فيه كل مافي العالم مشروحاً مفصلاً و فيه حقيقة الصنع من احوال البدو و العود و معرفة الصانع بصفاته و افعاله و كيفية

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 243 *»

عبادته و حقايق الوجود و اسرار الحق المعبود و هو الباطن الذي اشار اليه مولينا اميرالمؤمنين7 لماسئل عن ذلك و انه كائن ام لا فقال7 سألتموني عن اخت النبوة و عصمة المروة الناس يعلمون ظاهرها و انا اعلم ظاهرها و باطنها و انه كان و كائن الي يوم القيمة و ان من شي‏ء الاّ و فيه منه اصل او فرع قالوا بيّن لنا يا اميرالمؤمنين قال7 ان في الاسرب و الزاج و الزيبق الرجراج و الحديد المزعفر و زنجار النحاس الاخضر لكنوز لايؤتي عن اخرها قالوا زدنا يا اميرالمؤمنين قال7 و ماهو الاّ ماء جامد و هواء راكد و ارض سائلة و نار حائلة قالوا زدنا يا اميرالمؤمنين7 قال7 اجعلوا البعض ارضاً و اجعلوا البعض ماءاً و افلحوا الارض بالماء و قدتم قالوا زدنا يا اميرالمؤمنين7 قال7 لا زيادة علي هذا فان الحكماء مازادوا عليه و لولا ان النفس امارة بالسوء لبينت ذلك حتي تعلمته الصبيان في المكاتيب هـ

و ائمتنا: ماذكروا هذا العلم الاّ مرموزاً و لو جاز البيان لماابهموا و هم الحجج البالغة علي جميع الخلق نعم ذكروا لاهله بالاشارة و الرمز فمن وفق لفكّ الرمز وصل الي حقيقة الكنز فلا بيان له الاّ مرموزاً مع اني ماذكرت في جواب تلك المسألة هناك كله علي الحقيقة و مارمزت فيه بشي‏ء فيماسئل لانه سأل عن كيفية تبييض الثفل و اخراج الجسد الجديد و كل ماذكرت فيه محكم الاّ ان العمل صعب لماقلنا لكم.

و قوله سلمه اللّه و تطمئن قلوبهم بذكر اللّه اشارة الي قصة ابراهيم علي نبينا و آله و عليه السلام حيث قال رب ارني كيف تحيي الموتي اي الاجسام الكثيفة الغاسقة المدلهمة الميتة التي لا حراك لها و لا تأثير و لا صنع و لا تدبير كيف يعطيها القوة و النشاط و الحركة فيتحيي (فتتحيي خ‌ل) و تحيي الاموات و تجعلها ذهباً صافياً و فضة بالغة قال اللّه تعالي او لم‏تؤمن تقريراً و تثبيتاً لابراهيم7ليقول بلي ولكن ليطمئن قلبي بالمشاهدة و المعرفة و العلم و رؤية ذلك التدبير قال تعالي فخذ اربعة من الطير و هي الطاووس اي النار الحائلة و الديك اي الهواء الراكد و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 244 *»

الحمامة اي الماء الجامد و الغراب اي الارض السائلة فصرهن اليك اي اخلطهن و ضمّ بعضهن مع بعض بانواع التعفين و التقطير ثم الرد الي التعفين بعد التقطير و هكذا الي تمام الدور الثالث.

ثم اجعل علي كل جبل منهن جزءاً و الجبال عشرة و خلف كل جبل قوم من المفسدين الاّ العاشر اذ ليس له خلف و لا قدام يري ظاهره من باطنه و باطنه من ظاهره فلا مقام للاختفاء و تلك الجبال هي التساقي التسع و المسقي و ذلك معني قولهم ان واحداً سيغلب تسعاً من بنات البطارق.

و يريد ايده اللّه بذكر اللّه هو ذكر اللّه و هو الاسم الاعظم في عالم الاجسام كما ان رسول‏اللّه9 هو ذكر اللّه و الاسم الاعظم في كل العوالم قال تعالي انزل الله اليكم ذكراً رسولاً و قال اميرالمؤمنين7 علي ماتقدم سألتموني عن اخت النبوة فيكون هذا المولود العزيز ذكر اللّه في هذا العالم لان ذكر اللّه حسن في كل حال و اليه في هذا العالم اشار اميرالمؤمنين7 خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم و العمل فقدشابهت اوائل جواهر عللها و اذا فارقت الاضداد فقدشارك بها السبع الشداد هـ و هذا المولود قدفارق الغرائب و الاعراض حتي شارك في الصفاء و النورانية الافلاك فيؤثر تأثيرها لانه ذكر اللّه و حامل ولاية اللّه المنقطع عن نفسه الي اللّه و لذا سميته انا عبداللّه و القوم سمّوه عبدالواسع و عبدالكريم.

قــال سلمه اللّه تعالي: فها انا ذا اعرض عليكم مسألتين قداستنبطتهما لتحكم لي بالصواب او الخطاء احديهما مسألة العلم استنبطتها من دعاء العديلة و لااعرف قائله بهذا الطريق الاّ شيخنا المصلح للمجتهدين اطال اللّه بقاه.

اقــول: قداصبت في هذه المسألة و اجدت و فقرة الدعاء كمافهمت ايدك اللّه صريحة في هذا المدّعي حيث يقول7 كان قوياً قبل ايجاد القدرة و القوة و كان عليماً قبل ايجاد العلم و العلة اذ لا شك ان هذه القدرة هي القدرة

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 245 *»

المتعلقة المرتبطة بالمقدورات و هي الاضافة و الوقوع و كذا العلم المتعلق بالمعلوم و هذا هو الوقوع الواقع في كلام مولينا الصادق7 كمافي الكافي قال7 لم‏يزل ربنا عزّوجلّ عالماً و العلم ذاته و لا معلوم و القدرة ذاته و لا مقدور و السمع ذاته و لا مسموع فلماوجدت الموجودات و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و السمع علي المسموع و البصر علي المبصر و القدرة علي المقدور و لايستريب جاهل ان الواقع ليس هو الذات البحت و الاّ لتغيرت حالتاها و هو مستحيل فاذا بطل كون التعلق عين الذات ثبت حدوثه اذ لاواسطة بين القدم و الحدوث معقولة.

فالعلم المتعلق بالمعلوم ليس الاّ ظهور المعلوم للعالم و لايعقل له معني الاّ هذا و هذا الظهور انما هو قائم بالمعلوم لا العالم فالعالم هو الذات بالاشياء في الحدوث لا في الازل و الاّ لكانت الاشياء ازلية كالمتكلم فان المتكلم هو الشخص لكن الكلام ليس واقعاً في ذات الشخص و انما هو قائم في الهواء بفعل الشخص و العلم الحقيقي هو الذات البحت جلّ و علا فذاته علم و ذاته عالم كالقدرة و السمع و البصر لكن علمه الذاتي لايقتضي معلوماً كماصرّح7 بانه عالم و لا معلوم و لاندرك كيف ذلك و لانعلم بماهنالك الطريق مسدود و الطلب مردود فالعلم علمان علم هو ذاته و علم هو خلقه و هو الواح الموجودات كاللوح و القلم و امثال ذلك فكان عزّوجلّ عليماً في ذاته قبل ايجاد العلم الحادث و العلة اي القدرة قال اميرالمؤمنين7 علة ماصنع فعله و هو لا علة له.

و قولكم لااعرف قائله بهذا الطريق اه. نظر بظاهر الامر و اذا امعنت النظر وجدت اجماع الفرقة المحقة عليه و اجماع اهل‏البيت: عليه و القرآن مشحون بذلك بين نص و ظاهر و ذكر كل ما في القرآن و الاخبار ممايدل علي هذا المعني يؤدي الي التطويل و مختصر القول فيه قوله عزّوجلّ علمها عند ربي في كتاب لايضلّ ربي و لاينسي و قوله عزّوجلّ قدعلمنا ماتنقص من الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ و قوله عزّوجلّ اللّه يعلم مافي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 246 *»

السماء و الارض ان ذلك في كتاب و قوله عزّوجلّ ليعلم اللّه من ينصره و رسله بالغيب و قوله عزّوجلّ فليعلمن اللّه الذين صدقوا و يعلم الكاذبين و قوله عزّوجلّ و لما يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين و قوله7 اللّهم اني اسئلك من علمك بانفذه و كل علمك نافذ اللّهم اني اسألك بعلمك كله و قوله7 علي مافي الكافي و علم اللّه السابق المشية و قوله7 اما المعاني فنحن معانيه و نحن علمه و نحن حقه و قوله7 علي ماتقدم في دعاء العديلة و قوله المتقدم ايضاً فلماوجدت الموجودات و كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم الحديث كمامرّ و حديث عمران الصابي صريح بالامر.

و بالجملة فمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد و اعرض عن الجدال و العصبية و حمية الجاهلية لاينظر الي حديث الاّ و يجده شاهداً واضحاً لهذا المعني و هذا كله لاينافي قولهم المنعقد عليه اجماعهم ان علمه سبحانه بالاشياء قبل كونها كعلمه بها بعد كونها.

و اما اجماع اهل الحق اي الفرقة الناجية فاعلم انهم اجمعوا و اتفقوا تبعاً لاتفاق ائمتهم: و دلالة العقول المستنيرة بنور اللّه علي ان علم اللّه سبحانه هو ذاته من غير فرض مغايرة و لو اعتباراً هو ذات هو علم بعين ماهو ذات بعين ماهو علم و لايشكون فيه ابداً و الشاك فيه خارج عن الفرقة الناجية و كذا اجمعوا و اجمع كل عاقل من اهل الملل و النحل ان الاضافة لا قوام لها و لا تحقق الاّ بالمضاف و المضاف‏اليه فيستحيل عقلاً و وجداناً بل احساساً ان‏يوجد الاضافة من غير الطرفين و ان الاضافة لا استقلال لها الاّ بالطرفين و لايشك عاقل ان العلم بالمعلوم اضافة و ارتباط و لايشكون علي ان العلم الذاتي هو الذات فعلي هذا يجب ان‏تكون ذات اللّه اضافة فتبطل استقلالها فبطل ان‏تكون الذات اضافة اجماعاً و العلم المتعلق (بالمعلوم خ‌ل) اضافة اجماعاً من العقلاء فكان العلم المتعلق غير الذات اجماعاً و لا قوام له الاّ بالذات اجماعاً فصح ان ذات اللّه عالم و لا معلوم اجماعاً و هذا العلم هو الذي يقبل

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 247 *»

التشكيك ليصح قوله7 من علمك بانفذه و يقبل التعدد ليصح قوله و كل علمك نافذ و في مقام الذات لا تعدد و لا اضافة و لا تشكيك.

ثم انهم اجمعوا ايضاً علي ان العلم يجب ان‏يكون مطابقاً للمعلوم و الاّ لم‏يكن علماً اذ لايعلم السواد بالبياض و البياض بالسواد و اجمعوا علي ان اللّه سبحانه يعلم ذاته علي ماهو عليه و يعلم خلقه فان كان علمه بذاته عين علمه بخلقه و العلم يجب ان‏يكون مطابقاً للمعلوم فيكون خلقه عين ذاته و ذاته عين خلقه اذ يعلم ذاته بانه واجب غني و يعلم خلقه بانه ممكن فقير فاذا قلنا ان هذا العلم هو عين العلم الآخر وجب ان‏يكون الغني الواجب من حيث هو كذلك عين الممكن الفقير من حيث هو كذلك و هذا كفر اجماعاً فوجب ان‏يكون العلم بذاته عزّوجلّ غير العلم بخلقه فهل العلم الآخر حادث او قديم فان كان الثاني فهو الكفر الصريح لتعدد القدماء و تركيب الذات و زيادة الصفات فمابقي الاّ القول الاول فاذا كانت المقدمات اجماعية فالنتيجة اجماعية بالطريق الاولي الاّ ان الناس غير ملتفتين الي هذه الدقيقة و يتوهمون انهم اذا ارادوا ان‏يصنعوا شيئاً يتصورون صورة ذلك الشي‏ء اولاً فيعلمونه بتلك الصورة التي عندهم و يزعمون ان هذه الصورة هي ذاتهم فيقولون ان اللّه سبحانه كذلك نعم هذا آية صنعه لكنهم مااحسنوا مشاهدة الآية و ماعرفوا ان تلك الصورة و ذلك الخاطر امر حادث بهم متأخر عن ذاتهم لانهم في مقام ذاتهم لايذكرون شيئاً سوي ذواتهم.

و بالجملة شرح القول في هذه المسألة موكول الي شرح شيخنا و استادنا جعلني اللّه فداه لرسالة الملاّمحسن في العلم فان ماذكره اطال اللّه بقاه شاف واف للاحياء و المرضي و اما الاموات فماانت بمسمع من في القبور و مع هذا نقول ان علم اللّه بالاشياء قبل كونها كعلمه بها بعد كونها و لا منافاة في المقامين و بيان وجه عدم المنافاة و شرحه يحتاج الي ذكر مقدمات طويلة و لايسعني الآن بيانه لمافي قلبي من الملل و الكسل.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 248 *»

قــال ايده اللّه تعالي: و الثانية مسألة شرب الغليان من عمومات الوجوه اكتفيت علي احدها و هي ان التتن من الاشياء المرة الحنظلية قطعاً و كلها انكرت ولاية ائمتنا: و انا اعرض عنه من هذه الجهة و لااحكم بالحرمة مثل بعض الاخباريين و لا علي الوجوب مثل بعض المجتهدين اجركم علي اللّه.

اقــول: اعلم ان كل مابرز في الوجود مماهو تحت مقام العصمة لمّاعرضت عليهم ولاية ائمتنا صلي اللّه عليهم ظهر فيهم اقرار من جهة و انكار من جهة اخري و لايخلو شي‏ء من غير المعصومين: عنهما الاّ ان حكم الاقرار و الانكار مختلف بالذاتية و العرضية و الظاهرية و الباطنية و الحقيقية و المجازية و الدوام و الاستمرار و الزوال و الانقطاع و الاضمحلال اي الاستقرار و الاستيداع فكل شي‏ء بقدر اقراره لولاية اهل البيت:ترتبت عليه المنافع و المحاسن و بقدر انكاره ترتبت عليه المضار فان غلب مضاره علي منافعه يحرمه اللّه سبحانه من جهة المضرة اي في تلك الجهة خاصة لا مطلقاً الاتري ان شرب السم حرام اما استعماله من دونه مالم‏تترتب عليه المضرة ليس بحرام فان لم‏تغلب مضاره علي منافعه و ان كان فيه من نوع مقتضيات الانكار كمرارة الطعم او قبح الرايحة فلاتقتضي الحكمة تحريمه اذ هذه الدنيا ليست بدار الخلوص عن الشوايب و اهلها كنفسها فلايلايم طباعهم الاشياء الخالصة بل لابد فيه من نوع شوب ليتم النضج و لذا تدور الظلمة علي النور و النور علي الظلمة نعم اذا صفت الدنيا باهلها فهناك تصفو الاغذية و الاحوال الواردة علي الاشياء.

فاذا كان كذلك فلاتدل مرارة طعم شي‏ء علي تحريمه او كراهته اذ قديكون هذا الطعم من جهة الانكار العرضي الغير الذاتي و يكون باطن ذلك الشي‏ء طيباً طاهراً مستلزماً للمنافع الكثيرة التي اقوي من مضاره التي هي مقتضيات انكاره العرضي فلايتعادل فضلاً عن الرجحان حتي يستلزم الحرمة او الكراهة الاتري ماء زمزم فيه مرارة و كذا البئار (الآبار خ‌ل) الواقعة في الكوفة و الكربلاء (كربلا خ‌ل) علي مشرفهما آلاف السلام و اغلب العقاقير

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 249 *»

التي يداوون بها الاطباء كلها مرة كالقاسني و الصبر و بعض الحناظل مع انها ليست بمحرمة و لا مكروهة الاّ اذا استلزمت المضرة الكلية فتكون حرمتها اذن خاصة لا عامة.

و لماكانت تلك المضار المورثة لهدم البنية الغالبة لمقتضي الاقرار امورا غيبية لايعلمها الاّ اللّه سبحانه و من اشهده اللّه خلق السموات و الارض وجب علي اللّه سبحانه البيان فحيث لم‏يبين علمنا ان ليس فيه تلك المضرة الغالبة و تكون حال تلك العقاقير المرة كحال الشيعي العاصي ظاهراً الطيب الطاهر باطناً و لذا وردت الاخبار ان الاصل في الاشياء الحلية و الطهارة الاّ الامور المخصوصة التي غلبت مضارها علي منافعها و هو قوله عزّوجلّ يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما اثم كبير و منافع للناس و اثمهما اكبر من نفعهما و هذه قاعدة كلية اجراها اللّه سبحانه لاهلها في الاحكام الكثيرة و علي هذا فلاينهض ماذكرتم للحجية اذ لو كان هذا هو سبب الاجتناب فعليكم ان‏تجتنبوا من مياه الآبار و تتبرؤا من مياه الكوفة و تحبوا ماء الدجلة و ماء بلخ و قددلت الاخبار علي ان نهر الدجلة و نهر البلخ كافران و نهر الفرات و نهر النيل مؤمنان و الكوفة روضة من رياض الجنة و كذا كربلاء علي مشرفهما الثناء و التحية و تحقيق المقال و شرح حقيقة الحال يحتاج الي بسط طويل في المقال لانه من اسرار الخليقة الاّ ان العاقل تكفيه الاشارة.

و قولكم لااحكم بالحرمة كالاخباريين فيه انه ليس كلهم يحرمون و لا اغلبهم و المحرّمون شرذمة منهم قدتمسكوا باخبار عامية لاتقاوم الاجماع القائم علي الاباحة و لايصلح لتخصيص خلق لكم مافي الارض جميعاً و كل شي‏ء لكم مطلق حتي يرد فيه نهي و امثال ذلك و بالجملة فالذي اخترتم هو الصواب لكن لا للدليل الذي ذكرتم بل لاجل امور كثيرة اخر لايناسب المقام لقول مولينا الصادق7 لا كل مايعلم يقال و لا كل مايقال حان وقته و لا كل ماحان وقته حضر اهله و السلام علي تابع الهدي و خشي عواقب الردي و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.