12-05 جواهر الحکم المجلد الثانی عشر ـ رسالة في جواب الميرزا شفيع المازندراني ـ مقابله

رسالة فی جواب المیرزا شفیع المازندرانی

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 317 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم و مبغضيهم و منکري فضايلهم ابد الآبدين.

اما بعد فان العبد الفاني الجاني کاظم بن قاسم الحسيني الرشتي يقدم العذر الي جنابکم من بسط المقال و شرح حقيقة الاحوال و بسط ما هو المکنون المخزون في البال و المستودع في خزانة الخيال مع ما انا فيه من تشتت البال و اختلال الحال مع ما شاهدتم من امر هذا الخلق المنکوس فان الجور قد مد باعه و اسفر الظلم قناعه و دعي الغي اتباعه فلبوه من کل جانب و مکان في السر و الاعلان فاذن ما عسي ان اقول و طفقت ارتأي بين ان اصول بيد جذاء او اصبر علي طخية عمياء يشيب فيها الکبير و يهرم فيها الصغير و يکدح فيها مؤمن حتي يلقي ربه فرأيت ان الصبر علي هاتي احجي فصبرت و في العين قذي و في الحلق شجي اري تراثي نهبا و الحکم لله و لا حول و لا قوة الا بالله و آتي بما هو الميسور اذ لايسقط بالمعسور فاقول:

اما الجواب عن السؤال الاول فاعلم ان الرحمن لما استوي علي العرش اعطي کل ذي حق حقه و ساق الي کل مخلوق رزقه و اعطي کل نفس مشتهاها و الزم کل کينونة مقتضاها واضعا في مواضعه کل غث و سمين کما اشار اليه بقوله الحق و ما کنا عن الخلق غافلين و حيث قامت الادلة القطعية من العقلية و النقلية علي ان الکون لايخلو من التکليف و الا لبطل الفيض و ما حسن الايجاد اذ لم‌يکن علي طبق الاستعداد و لذا جري الايجاد التکويني علي جهة التکليف المنبئ عنه الامر في قوله تعالي انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له کن فيکون فاتي بلفظ الاختيار لتنبيه اهل الاختبار ان في ذلک لعبرة لاولي الابصار و حيث کان الامر کذلک و خلق الله سبحانه الخلق في عوالم عديدة يرتقي عدد کلياتها الي

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 318 *»

الف الف عالم کلف الله اهل کل عالم و حکم علي المطيعين و العاصين بما حکم و حتم لهم من قضائه المبرم ما حتم و اوصل اهل الخير الي نعيم مقيم بنسبة عالمه و اهل الشر الي عذاب اليم کذلک فهم ينعمون و يعذبون في ذلک العالم علي حسب مقاماتهم الذاتية و العرضية و لا انقضاء لهما و لا انصرام لان ذلک مما احکمته يد الاتقان و الاحکام و لما کانت العوالم تختلف بالاجمال و التفصيل و الظهور و الخفاء و اللطافة و الرقة و الغلظة و الکثافة اختلفت احوال النعيم و الالم کذلک و لماکان الخلق يتنزلون من عالم الي عالم و من مقام الي مقام کما دل عليه صريح قوله تعالي و ان من شيء الا عندنا خزائه و ماننزله الا بقدر معلوم و کان هذا التنزل ليس بتنزل و انتقال مکاني و تحرک ايني بحيث اذا تحرک من اين خلا منه الاين الاول بل انما هو تنزل تطوري و انتقال قشري کتنزل اللب الي القشر و تنزل الاکسير الي هذه الاحجار و الاجسام الکثيفة الغاسقة المدلهمة او تنزل نوري اثري و ظهور شعاعي کتنزل السراج الي الشعاع و الذات الي الآثار و الافعال و في کل هذه التنزلات لايفقد شيء من هذه المراتب و الوجودات عن عالمه و مکانه و ما منا الا له مقام معلوم و انا لنحن الصافون بل کل شيء في مکانه و زمانه و رتبته تترتب عليه احکامه من العذاب و الثواب و النعيم و الجحيم و امثال ذلک ولکنها تختلف بحسب الظهور و الخفاء و الاجمال و التفصيل و غيرها فالواقف في المقام الاسفل اذا نظر الي الاعلي بعين الاعلي تظهر له احکامه و ان نظر الي الاسفل بعينه خفيت عليه احکام الاعلي من النور و الظلمة و السعادة و الشقاوة و الثواب و العقاب فيتوهم ان هناک ليس بشيء الا تري الله سبحانه يقول الذين يأکلون اموال اليتامي ظلما انما يأکلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا و يقول يصلونها يوم الدين و ما هم عنها بغائبين و يقول کلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين و قد رويت حديث حارثة و فيه کفاية لاولي الدراية.

فاذا عرفت هذا القدر من الکلام فاعلم ان الاعرابيين قد خلقهما الله في الخلق الاول من عالم الغيب الذي اسفله عالم الارواح عالم النفوس و عرض

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 319 *»

عليهما التکليف فاعرضا و استکبرا بذاتهما و حقيقتهما و کينونتهما اي اعرضا عنادا و استکبرا عتوا و ابعدهما عن رحمته و طردهما عن باب عنايته فادخلا اسفل درکات النيران و بقيا يعذبان هناک في ارواحهما بعذاب لم‌يعذب به احد من العالمين و لما ان الله سبحانه خلق العالم الجسماني و خلق العرش و الکرسي و السموات و الارض فانزل الارواح من عالمها الي هذا العالم الاسفل اتماما للحجة و اکمالا للنعمة و ليس معني نزولهم الي هذه الدنيا عالم الاجسام مقام النقش و الارتسام اتصالهم بها بالحلول و ان الارواح حلت في اجسادها حلول الماء في الکوز و حلول الماء في الثلج و انما المراد بنزولها اتصالها بها و التفاتها اليها و اشراقها عليها کاشراق الشمس علي الارض و هي في السماء الرابعة ماخلت منها في حال من الاحوال فاذا ظهرت الارواح و الاجساد فالاشقياء و العصاة منها بقيت تنظر الي الاسفل و قطعت نظرها عن الاعلي لدناءة ذاتها و قبح حرکاتها فنسيت عالمها و لم‌تذکر المها کالسکاري لايحسون بما هم عليه من الالم و النعم مع انهم متألمين متنعمين و لايحسون به و کذا حال کل غير ملتفت الي شيء و ذلک معلوم فلا منافاة بين کونهما في هذه الدنيا و کونهما معذبين بالنار لان ذلک حکم الارواح و هذا حکم الاجسام و الاجساد.

بل لک ان تقول ما ذکرنا في العذاب الجسماني الجسداني ايضا بحسب الحکم الواقعي الاولي دون الثانوي النفس الامري و لذا تري اهل المعاصي و الکفار اذا نظر اليهم العارف الذي انکشف له الحقايق يريهم بحسب الطاعة و المعصية علي صور شتي من صور الکلاب و الخنازير و القرد و هم لايحسون ذلک اما سمعت الله سبحانه يقول الذين يأکلون اموال اليتامي ظلما انما يأکلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا فهو يأکل النار المحرقة و لايحس بها و تلدغه العقارب و الحيات و لايلتفت اليها فهما و اتباعهما في النار يعذبان و في هذه النشأة للخلافة يغصبان ذلک ذلک تقدير العزيز العليم فنظر ابليس الي باطنهما في احوالهما الروحية و الجسمية و نظر ساير الناس الي ظاهرهما و هما لايحسان و لايلتفتان لانغمارهما في حب الرياسة و طلب السلطنة و السياسة.

و قد تبين لک من هذا

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 320 *»

البيان التام ان الاعرابيين الذين رآهما ابليس هما الذين في هذه الدنيا و عذابهما في العالم الاول لتمردهما و عصيانهما عن طاعة الحق و طغيانهما لماعرض عليهما التکليف و علة نسيانهما انغمارهما في المراتب السفلية و عدم التفاتهما الي المقامات العلوية کما مثلنا لک من حال السکران و حال اهل الشوق و المحبة اما سمعت ان اصحاب الحسين عليه السلام ماتألموا بالقتل و ذلک ليس لان الالم ارتفع عنهم بل من شدة شوقهم الي ملاقاة الرحمة و الثواب لم‌يحسوا بما جري عليهم من انواع البلايا و المحن ذلک معلوم واضح ان شاء الله تعالي.

و کذلک ما ذکر حارثة من الاحوال المذکورة في الحديث علي ما رواه ثقة الاسلام في الکافي فان الجنة و النار موجودتان الآن بضرورة المذهب و قد کشف عن بصر بصيرته الغطاء فرأي الامور کما هي اما سمعت الله يقول لقد کنت في غفلة من هذا فکشفنا عنک غطاءک فبصرک اليوم حديد اما سمعت ما قاله اميرالمؤمنين عليه السلام لو کشف الغطاء ماازددت يقينا لانه عليه السلام يري عيانا ما يراه الخلق يوم القيمة و کذلک حکم التابعين له باحسان و قد قال عزوجل و لمابلغ اشده و استوي آتيناه حکما و علما و کذلک نجزي المحسنين و ذلک معلوم لمن له عينان.

اما الجواب عن السؤال الثاني فاعلم ان العلماء لاختلاف بعض الاخبار بلوازمها و اختلاف بعض الانظار لعدم استقامتها و اختلاف جهات الاشياء بوجوهها و لواحقها قد اختلفوا في الجنة و النار و وجودهما الآن و عدمهما و التفصيل اختلافا شتي لايحتاج الي ذکر اختلافاتهم لانها معلومة عند جنابکم و الحق من هذه الاقوال ما نص عليه الله سبحانه في القرآن و نص عليه مولانا الرضا عليه‌السلام علي ما في التوحيد و عيون الاخبار انهما موجودتان الآن قد خلقهما الله سبحانه عند اجراء التکليف حين سألوه ان يسألهم بقوله الست بربکم فعند الاجابة مع التمييز خلق الجنة و النار فهما مساوقان لتمام وجود الاشياء و ذوات الماهيات فمن اجاب علي وفق محبة الله علي جميع انحاء

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 321 *»

الاجابة بحسب مراتبها في قوتها و ضعفها و اقبالها التام العام و عدمه کذلک بحسب عالمها في مرتبة تفاصيلها ادخله الله الجنة بحسب مراتبه منها في ابوابها الثمانية الکلية المندرجة تحتها مراتب جزئية لايحصيها الا خالقها و بارئها و من بنوره خلقها و برأها و من اجاب علي خلاف مقتضي محبة الله و خلاف کينونته التي هي من مقتضيات الطبيعة الغاسقة المدلهمة علي ما اشار اليه الله سبحانه تعالي في قوله خطابا لآدم روحک من روحي و طبيعتک خلاف کينونتي و في موضع آخر بروحي نطقت و بضعف کينونتک تکلفت ما ليس لک به علم علي ما رواهما ثقة الاسلام في کتاب الايمان و الکفر من الکافي و ذکر آدم لاثبات القاعدة الکلية و من باب اياک اعني و اسمعي يا جارة.

و بالجملة فمن خالف محبة الله في الکينونة الاختيارية بالمشية الفرعية و ان لم‌يخالف شيئا منها في الکينونة الاولي بالمشية الحتمية علي تفاصيل مراتب الاجابة في قوتها و ضعفها و قوة ادبارها و عدمها علي تفاوت درجاتها في عالمها ادخله الله سبحانه الجحيم بحسب مراتبها الکلية في الابواب السبعة لکل باب منها جزء مقسوم المندرجة تحتها مراتب جزئية لايحصيها الا مقدرها و قاضيها و من بعکس کينونته و ظل نوريته قدرها و قضاها و امضاها فالجنة و النار لاتفارقان اهلهما من الاخيار و الاشرار مذ خلقتا فالاخيار نزلوا منها و اليها يعودون و الاشرار بدؤا منها و اليها يصيرون.

و تحقيق هذه المسئلة و فهمها صعب جدا علي افهام الناس و لهذه العلة اختلفوا فيها ولکني اشير لک اشارة اجمالية الي سر مأخذها و اصل مبدءها فان فهمته فزت بالنصيب الاعلي من الرقيب و المعلي و الا فاسئل الله سبحانه ان يفهمک و يصلح وجدانک فانه السر الحق و الکبريت الاحمر فاقول لاشک و لاريب ان الخلق الآن في مقام الصعود لضرورة ان کل مرتبه متأخرة اشرف من الاولي المتقدمة الا تنظر الي خلقة الانسان من کونه نطفة الي العلقة الي المضغة الي العظام الي اکتسائه اللحم الي ولوج الروح الي تمام الخلقة و الحرکة الارادية الي الخروج من البطن الي هذه الدنيا الي کونه رضيعا الي کونه فطيما الي کونه صبيا الي کونه مراهقا الي کونه

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 322 *»

بالغا الي کونه تاما الي کونه کاملاً الي (انتقاله ظ) الي عالم الآخر و هکذا في انتقالاته الصعودية و قد قضت البديهة و الضرورة ان کل صاعد يصعد الي ما نزل منه و الا لزم الطفرة المجمع علي بطلانها ببداهة العقل فحينئذ مانزل اهل الجنة الا منها و لايصعد الا اليها و هم يتحرکون في اطوارها و مراتبها و کک اهل النار صعدوا منها الي هذه الدنيا و نزلوا اليها الا ان الخلق في هذه الدنيا لاجل قران النقطتين نقطة النور و نقطة الظلمة حين قال تعالي للعقل ادبر فادبر متنزلا الي ان نزل الي رتبة التراب و قال تعالي للجهل ادبر فادبر متصاعدا الي ان وصل الي مقام التراب و التراب لاجل بعده عن مبدء النور حصلت له مناسبة مع ظلمة الجهل و ظلمة الجهل لبعدها عن مبدء الظلمة حصلت لها مناسبةما مع آخر مراتب النور فتقارنت النقطتان و تمازجت و اختلطت فحصلت المناسبات العرضية باعتبار الخلط و اللطخ حتي جري علي کل واحد منهما حکم الامر العرضي و هما علي ما هما عليه في الکينونة الذاتية من المنافرة و التمييز و قد اشار الي ما ذکرنا رسول الله صلي الله عليه و آله حين صعد المنبر و قال ايها الناس اتدرون ما في يدي اليمني قالوا الله و رسوله اعلم قال صلي الله عليه و آله ان في يدي اليمني اسماء اهل الجنة و آبائهم و امهاتهم و ما يتناسلون الي يوم القيمة و ان الرجل ليعمل عمل اهل النار حتي يظن الناس انه من اهل النار ثم يختم له بالخير فيدخل الجنة ثم قال صلي الله عليه و آله اتدرون ما في يدي اليسري قالوا الله و رسوله اعلم قال صلي الله عليه و آله ان في يدي اليسري اسماء اهل النار و اسماء آبائهم و امهاتهم و ما يتناسلون الي يوم القيمة و ان الرجل ليعمل عمل اهل الجنة حتي يظن الناس انه من اهل الجنة ثم يختم ثم يختم له بالسوء فيدخل النار انتهي تأمل في قوله صلي الله عليه و آله و ان من الرجل و ان من الرجل فانه اشارة الي قران هاتين النقطتين و امتزاجهما امتزاجا عرضيا و اختلاط احکامهما خلطا لطخيا فاذا تفارقتا اخذا کلا منهما الرجوع الي اصلها تمايزت و تفارقت و تنافرت و رجعت الفروع الي الاصول فاذا اردت ان تطلع علي حقيقة الامر فانظر الي هذا الشکل:

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 323 *»

@شکل ص323@

فانک تجد الامر واضحا ظاهرا و لو لم‌تکن من اهله لما اشرت الي ما اشرت.

و بالجملة عند حصول المزج و الخلط ظن صاحب کل مرتبة انه من الاخري و عدم التمييز و ظن اهل الجنة انه خارج منها و اهل النار انهم کذلک و انهم سيدخلون اليهما و ليس الامر کما ظنوا و توهموا بل الفرق بين الدنيا و الآخرة و اهلهما وجود الغطاء الذي هو المزج والخط المذکوران و رفعه و قد نص عليه الله في محکم کتابه بقوله و جاءت کل نفس معها سائق و شهيد لقد کنت ففي غفلة من هذا فکشفنا عنک غطاءک فبصرک اليوم حديد و قد قال اميرالمؤمنين عليه السلام لو کشف الغطاء ماازددت يقينا اما سمعت ما ورد ان رجلا بمحضر من الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال اللهم ادخلني الجنة قال عليه السلام لاتقل هکذا انتم في الجنة سل الله ان لايخرجکم منها و تبين لک من هذه البيان التام ان الجنة و اهلها و النار و اهلها مساوقتان في الخلق الثاني عند خطاب الست بربکم و تجريان في العوام (العوالم ظ) الکونية و المراتب الوجودية و تختلفان في الظهور و الخفا و وجود الغطاء و رفعه و حصول العوارض المانعة عن مشاهدة حقيقة الامر فلاتخلقان تدريجا فما ظنه جماعة من

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 324 *»

الناس من تدريجيتهما في الکون و الوجود نظرا الي ظواهر بعض الاخبار الدالة علي ان رسول الله صلي الله عليه و آله رأي ليلة‌المعراج لمادخل الجنة ان الملائکة يبنون قصورا و يمسکون في اثناء البناء فسألهم رسول الله صلي الله عليه و آله عن سبب الامساک و التوقف قالوا حتي تأتي النفقة و المدد قال صلي الله عليه و آله و ما هي قالوا قول سبحان الله و الحمد لله و لا اله الا الله و الله اکبر و غيرها من الروايات مما دل علي ان من عمل العمل الفلاني يبني له قصر في الجنة صفته کذا و کذا و امثال ذلک فليس کما فهموا و ظنوا لان المراد من هذا التدريج ليس هو تدريج الوجود و الکون و التحقق و انما هو تدريج الظهور و الاختصاص الخاص في وقت خاص و مکان خاص و رتبة خاصة و وضع خاص و جهة خاصة فان الاشياء في کل حال من حالاتها لاتخلوا من هذه الحدود و هي ذات مراتب متعاقبة و هذه المراتب المتعاقبة بتعاقبها مجتمعة في الدهر متجددة في الزمان فحينئذ لک ان تقول کلها مجتمعة موجودة في اماکنها و مراتبها عند المبدء الاعلي و الوسايط القريبة و لک ان تقول تدريجية الحصول متجددة الوقوع بحسب نظر اهل المراتب السفلية و عدم سعة دايرتها و مراد رسول الله صلي الله عليه و آله ان تلک الدرجات مسببة بتلک الاعمال و هي مقدمة في الدهر مؤخرة في الزمان کالنفس الانسانية الموجودة قبل خلق الاجسام باربعة آلاف عام مع تأخرها عنه و ظهورها عند الولادة الجسمانية بعد تحقق المراتب الخمسة فافهم.

او نقول بالعبارة الظاهرة ان الله سبحانه و تعالي لما علم الخلق باحوالهم و اعمالهم و مقتضيات اطوار کينوناتهم مع باقي لوازمها من المتممات و المکملات خلق لهم دارا في الجنة و النار قبل ان يوجدوا في هذه الدنيا و يعملوا تلک الاعمال المقتضية لتلک المنازل و الاحوال و ما ربک بظلام للعبيد کما اظهر الشفق في العالم غضبا لقتل الحسين بن علي اميرالمؤمنين عليهما السلام قبل ظهوره عليه السلام من بطن امه الي هذه الدنيا و هکذا نظايره کثيرة للمتتبع فان العلة اي المقتضي قد تتأخر عن معلولها و مقتضاها و ذلک لعلم علة العلل و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 325 *»

مسبب الاسباب لوقوع هذا الترتب و الاقتضاء و کذلک حکم الجنة و النار خلقهما الله جزاء لمقتضي اعمال الخلق لعلمه تعالي بوقوعها فلامنافاة اذن بين الاخبار فانما دل علي وجودهما يحمل علي ظاهرها و انهما موجودتان و ما دل علي التدريج يحمل علي بيان مقتضيات الاعمال و انها هي التي تنيل الدرجات و تهبط الي اسفل الدرکات و ان کانت الدرجات و الدرکات قد اوجدها الله سبحانه و تعالي لعلمه بوقوع مقتضياتها من اصحابها و الداخلين فيها و لو فيما بعد او نقول ان الله سبحانه و تعالي لما خلق الدنيا و کان طالعها السرطان و الکواکب في اشرافها خلق الخلق و کلفهم فاطاع من اطاع و عصي من عصي فادخل اهل الطاعة الجنة و اهل المعصية النار و هذا عند سبق النهار علي الليل و لماسبق الليل علي النهار و انعکس سير الخلق و حصلت الآفاق المايلة و خرجت عن خط الاستواء و حصلت الکواکب العروض تغيرت البلاد و من عليها فصار الخلق عند الاضطراب و الاغتشاش لايدرون ما هم عليه و لايعرفون ما ذکروا به و هو قوله تعالي بل اتيناهم بذکرهم فهم عن ذکرهم معرضون فعند سکون هذه الفورة و اطفاء هذه النايرة عرفوا ما هم عليه و رضوا بما هم فيه و هو قوله عليه السلام لو کشف لکم الغطاء لمااخترتم الا الواقع فافهم الکلام و علي من يفهم الکلام السلام فقد ذکرت لک طورا من دليل الحکمة بالوجه الاعلي و الاسفل و طورا من دليل المجادلة بالتي هي احسن و الاول للخواص و الثاني للعوام ليعلم کل اناس مشربهم و ينال کل احد مطلبهم و الله خليفتي عليکم.

و اما الجواب عن السؤال الثالث نذکر هنا وجها واحدا او وجهين علي حسب التوجه و الاقبال.

اما الاول فاعلم ان الانبياء و الائمة عليهم السلام کما ذکر جنابک و فوق ما ذکر لانهم متمحضون في ارادته متلاشون في مشيته ما يشاؤن الا ان يشاء الله الا انهم عليهم السلام لايخالفون الحکمة و لايمنعون المقتضيات عن اقتضاءاتها و لايجرون الاشياء في غير مواضعها بل يفعلون علي مجري الاسباب و يعملون

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 326 *»

علي حسب الاقتضاءات کما ان افعال الله سبحانه کک مع انه تعالي يحب الخير و يفعل الخير ولکنه يتعلق فعله بالشر علي حسب الاقتضاءات الناشية من اختلاف الميولات الناشية عن الاختيار في الذات و الصفات و الکينونات و ليس الانبياء و المعصومون في طلبهم الخير و عملهم له باعظم من الله سبحانه و تعالي في ارادته الخير للعباد تعالي الله تعالي الله علوا کبيرا و قد سمعت ما ورد عنهم عليهم السلام ان الله تعالي قبض قبضة بيمينه و خلق منه الجنة و اهلها و قبض قبضة بشماله وخلق منه النار و اهلها و کلتا يديه يمين.

فاذا عرفت هذا فاعلم ان الانبياء هم الطيبون الطاهرون ليس في نطفتهم عيب و لا قصور و لا في ارادتهم نقص و لافتور ولکن النطفة لما استقرت في الرحم رحم المرأة اکتسبت من مقتضياتها لعدم عصمتها و تنزهها الحقيقي مکاسب السوء فاقتضت الروح المتعلق بذلک الجسد بسوء اختياره المعصية و الخروج عن الطاعة و العبادة و هذا الاقتضاء ليس من جهة الاب کليا بل قد يکون من جهة الام في بعض الاحوال الا تري الماء الصافي النازل من السماء علي الارض يتولد منه السکر و منه الحنظل فما من الله طاهر طيب و اختلفت احواله بحسب الارض من الاقتضاءات فنطفة الامام عليهم السلام کالمطر النازل من السماء و رحم المرأة کالارض و السکر مثال الاخيار من اولاده و الحنظل مثال الاشرار منهم و عدم منعهم عليهم السلام للاشرار ان يکونوا کذلک هو عدم منع الله سبحانه للحنظل ان يکون حنظلا مع جريان ما ذکرت في الامام عليه السلام في الله علي الوجه الاکمل الابلغ فالکلام الکلام و الجواب الجواب.

و اما تولد مثل محمد و يوزاسف عن ابويهما فاعلم ان النطف الطيبة مقرها في عليين و نزلت في بحر الصاد و المزن و منه الي شجرة المزن و منها الي العرش و الکرسي و السموات السبع الي الارض الي البقول و الثمار و ما وقعت علي بقلة او ثمرة و اکلها مؤمن او کافر الا و خرج من صلبه النور فالمؤمن في صلب الکافر مستودع ليس منه و لا اليه کما قال مولينا الکاظم عليه السلام لعلي بن يقطين ان المؤمن في صلب الکافر کالحصی في اللبنة فاذا جاء

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 327 *»

المطر يذيب اللبنة و يبقي الحصي علي ما هو عليه و الي ما ذکرنا الاشارة بقوله تعالي يخرج الحي من الميت فافهم.

فان قلت و قد ورد عنهم عليهم السلام ان النطف الخبيثة في سجين تتعلق بابخرة تتصاعد الي شجر الزقوم و منها الي الارضين السبع الي هذه الارض التي نحن عليها الي البقول و الثمار فما اکلها مؤمن و لا کافر الا و خرج من صلبه کافر و هو قوله تعالي يخرج الميت من الحي فعلي هذا کيف يأکل المعصوم من الانبياء و الرسل من تلک البقول و الثمار الواقعة عليها نطف اهل النار و الله تعالي يقول يا ايها الرسل کلوا من الطيبات و اعملوا صالحا و قال تعالي في ابن نوح انه عمل غير صالح و کيف يتصور مخالفة نوح الذي هو من اکابر اولي العزم بعد نبينا صلي الله عليه و آله لقول الله تبارک و تعالي قلت:

اما اولا فلان الامام عليه السلام بين ان النطف الخبيثة التي في صلب المؤمن تصعد من السجين الي صلب المؤمن الي الدنيا لا ان کل خبيث يتولد بسبب المؤمن من هذا القبيل بل قد يکون تلک الارواح الخبيثة الصاعدة من سجين تتعلق بنطفة المرأة في الرحم و من هذا القبيل اولاد الانبياء عليهم السلام لا انهم عليهم السلام اکلوا تلک البقول و استقرت تلک الارواح في اصلابهم الطاهرة المنورة فافهم.

و اما ثانيا فان تلک النطف الخبيثة المتصاعدة من سجين (ليس ظ) امرا جسمانيا تحل في البقول و الثمار حلول الاجسام في الاجسام حتي يصدق عليه الاکل و ينافي قوله تعالي يا ايها الرسل کلوا من الطيبات و انما المراد بالنطف هنا ارواح غيبية و امور معنوية متعلقة بغيب تلک البقول و الثمار و هي لاتباشر الاجسام و لاتکون جزءا لها و لابدل ما تحلل عنها حتي يلزم ذلک کما ورد في العنب انه فيه بول ابليس و ان هذه الثمار منها تتکون النطفة التي هي نجسة و حين ما يأکل الشخص ثمرة من الثمار لايقال انه يأکل نطفة نجسة و ذلک معلوم ظاهر ان شاء الله تعالي فافهم.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 328 *»

و اما الجواب عن السؤال الرابع: فالکلام فيه طويل لکني اختصر لک بعبارة مختصرة فاقول اعلم ان الله سبحانه و تعالي جعل للاشياء مقتضيات و جعل لها موانع بحسب ما اراد من تمام النظم و حسن التدبير و تحقق الاختيار فاذا وجد المقتضي و ارتفع المانع يظهر ذلک الشيء تام التاثير و ان وجد المانع مع المقتضي فان کان المانع اقوي يمنع تاثير المقتضي و الا فيقل تاثيره علي حسب وجود المانع و لا يحتاج الي ذکر امثلة ما ذکرنا فانها معلومة لديکم ان شاء الله تعالي و اذا عرفت هذه المقدمة النافعة فاعلم ان الاوراد و الادعية و الاذکار کلها امور اقتضائية تقتضي مقتضياتها مما ذکر في کتب الاحاديث من توفيق الحج و طول العمر و ادرار الرزق و حصول السعة و امثال ذلک و هذه الامور اذا خلت من المعارض و الموانع يؤثر تأثيراتها حين العمل و الا فهي موقوفة الي ان يرتفع المانع اما في الدنيا او في البرزخ او في القيمة و اذا کان في الدنيا فيظهر کما اراد من مقتضياتها و اما اذا کان في الاخرة فيظهر بحقيقته و ذات کينونته التي ملأ الدنيا و احوالها و اوضاعها و تزيد عليها بما لايحصي عدد تلک المضاعفة الا الله سبحانه و اما في الدنيا فتختلف مدة ظهور تأثيرها بالقرب و البعد و الموانع امور کثيرة اعظمها الذنوب کما في دعاء کميل اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء و قد تکون بحصول قرانات و اوضاع توجب المضرة و الفتنة و الفساد و ما يکون ضرره علي الداعي اعظم مما يتوقع من منفعته و هو قوله تعالي عسي ان تحبوا شيئا و هو شر لکم, و عسي ان تکرهوا شيئا و هو خير لکم و قوله عليه السلام لو کشف لکم الغطاء لما اخترتم الا الواقع.

فعلي هذا اذا تخلف بعض الاوراد و الادعية عما ذکر لها من الخواص فعلته ما ذکرنا فان کانت الادعية بشرايط الاستجابة او في مکان حتم الله فيه الاجابة فالامر فيها کما ذکرنا و لذا کان بين قوله تعالي لموسي و هرون قد اجيبت دعوتکما فاستقيما الي هلاک فرعون اربعون سنة و کان بين دعاء الزهرا عليها السلام علي الثاني الي ظهور اثر الاجابة تقريبا من ثلثة عشر سنة و هکذا في غيرهم و قد وقعت الاجابة لتحقق الشرائط لکنها اخرت فلولا الدعاء ما ظهرت هذه الآثار فلايجب علي کل

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 329 *»

مواظب لدعاء لالتماس اثر ظهور ذلک الاثر له في الدنيا و ذلک معلوم واضح فاما المواظبة فهي المداومة و هي تحصل باکثار القرائة و التلاوة علي اختلاف الادعية و الاوراد في مثل هذا السؤال يکفي و لو کل يوم مرة و کلما اکثر في القرائة يرجي له نجح المطلوب بتکرر الانوار الحاملة لنار العظمة المحرقة لحجاب العوارض و الموانع و نسئل الله ان يوفقنا و اياکم حج بيته و زيارة قبر نبيه و الائمة عليهم السلام و ان يجعلنا من الزائرين لهم و الوافدين عليهم بحقهم.

و اما الجواب عن السؤال الخامس فاعلم ان الراحل الي الله قريب المسافة و انه لايحتجب عن خلقه فهو اقرب الي الداعي منه اليه فمن دعاه بقلب تقي و صدر مضيء و توجه ماح نفسه ملاحظا بالکينونة الابواب الاربعة و ناظرا الي الاسم الله و الرحمن و الحي و الباعث ناظرا اليه سبحانه تعالي ماحياً بتوجهه کل ماعداه فتقع الاجابة لامحة في اسرع وقت فقد جربناه کثيرا و هذا حکم عام في کل مطلب

و اما لما ذکرته جنابک فالاستغفار اصل لهذا الباب فانه ينفي العوارض و يرفع الحجاب بينه و بين مدده و عنايته و هو قوله تعالي فقلت استغفروا ربکم انه کان غفارا يرسل السماء عليکم مدرارا و يمددکم باموال و بنين و يجعل لکم جنات و يجعل لکم انهارا.

و اما الصلوة علي محمد و آله هي باب الخيرات و ينبوع الافاضات و جالبة الحسنات و ماحية السيئات فاذا اردت ذلک فاستغفر الله بعد کل صلوة سبعين مرة و صل علي محمد و آل محمد کل يوم مائة مرة و يوم الجمعة الف مرة فانک تجد الغنا ان شاء الله تعالي.

و اما الجواب عن السؤال السادس فاعلم ان الموجودات بحسب ضعفها و قوتها علي ثلثة اوجه منها ما لطيفته اکثر من ذاته کالسراج و منها ما لطيفته

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 330 *»

مساوية لذاته کالجمرة و منها ما لطيفته انقص من ذاته کالاحجار الغاسقة و الاولياء و الانبياء من القسم الاول و لکل درجات مما عملوا.

و اما ائمتنا سلام الله عليهم فلما کانوا اشرف المخلوقين و اقواهم کانوا مقابلين لفوارة القدر لامر مستقر فيجذبون من ذلک النور و يخرجونه الي عالم الظهور کما خرجت النار المحرقة من حرارة اشراق الشمس عن البلورة فالامام عليه السلام تلقي المدد من العالم الاعلي و اعطي تلک الصورة المنقوشة مادة من الجهة العليا فحيت بها و ظهرت آثارها عليها علي مقتضي صورتها و هيکلها فظهرت علي هيکل الاسد و افترست فاستقرت اجزاء المأکول فيها ثم حيث ان الحکمة ما اقتضت استمرارها و دوامها اخذ الامام عليه السلام منها ما اعطاها رجعت تلک الاجزاء للمأکول الي محالها من الارض التي اخذت طينة منها کما في الحديث علي ما فصلناه في مباحثاتنا واجوبة مسائلنا و قال عز من قائل و ما منا الا له مقام معلوم و انا لنحن الصافون و انا لنحن المسبحون فاستقرت الاجزاء في محالها علي مقتضي کينوناتها و استدارت طينة الاصلية فيها و بقيت و العرضية تفرقت الي مباديها و عللها کما في موثقة عمار بن موسي الساباطي فتعود يوم القيمة تلک الاجزاء و تصاغ ذلک الشخص المأکول بتلک الاجزاء المحفوظة في الکتاب الحفيظ من قوله تعالي قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا کتاب حفيظ و تتعلق به الروح فيحشر ذلک الشخص الموجود في الدنيا المأکول الاسد في مجلس المأمون و المتوکل يوم القيمة کما کان في الدنيا و ان کان اکل ما اکل منه من الاجزاء الاصلية و الفضلية فانها محفوظة في محالها من کتاب الله الاکبر و اما ما اکلته عصا موسي فحکمه کما قلنا حرفا بحرف و اما قوله تعالي کلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها فالمراد بها جلود اهل النار ممن کانوا في الدنيا و هي من سنخ عالمها فلما اکل الاسد اجزاءه اعاد الله سبحانه تعالي تلک الاجزاء و صاغها کما کان في الدنيا فالاية لا ربط لها في هذا المقام و ذلک ظاهر و السلام.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 331 *»

اما الجواب عن السؤال السابع فاعلم ان عالم الرؤيا عالم برزخ بين عالم الغيب و الشهادة و يسمي عالم المثال و عالم هورقليا و جابلصا و جابلقا و مدرکه بنطاسيا اسفله متعلق بمحدب محدد الجهات و اعلاه مرتبط باسفل الملکوت و هو عالم ذو عجايب و غرايب محيط بهذه الدنيا احاطة الاصل بالفرع نسبتها اليه کالخردلة الصغيرة في البرية الواسعة و استغفر الله عن التحديد بالقليل و حيث ان الله سبحانه و تعالي خلق الانسان انموذجا للعالم الاکبر فجعل فيه کل‌ما فيه بقدر مقدر و امر مستقر و حيث ان العالم الاکبر ترتقي کليات مراتبه الي الف الف وجب ان يکون في الانسان الف الف مقام و الف الف مشعر ليدرک بکل مقام و مشعر عالما من العوالم اظهارا لعظمة الله و اعلانا لقدرته و سلطانه و لما کان الانسان في هذه الدنيا تعلقت به الشهوات و تراکمت عليه حجب الانيات و علقت به ثاء الثقيل لما اتصلت به هاء الهبوط عن ميم المرکز فنسي تلک العوالم و ذهل عن تلک الرسوم و المعالم فلايعرف شيئا منها ما دامت النفس متعلقة بالامور السفلية الجسدية.

فاذا حصل لها الاعراض عن هذه القوي الجسدانية الجسمانية نظرت الي العالم الاعلي منها فان کان هذا الاعراض بالتوجه الي الله سبحانه و الاقبال اليه و طلب قربه و نجواه حتي رفع الحجاب عن بصيرته و ارتفعت الغشاوة عن نظر قلبه و حقيقته ليحصل له الامتثال لقوله عزوجل فتوبوا الي بارئکم فاقتلوا انفسکم ذلکم خير لکم عند بارئکم و لقوله صلي‌الله‌عليه‌و‌آله موتوا قبل ان تموتوا فينظر الي تلک العوالم و الحقايق و الذوات و يشاهد الازمنة من الماضي و الحال و الاستقبال فيجدها کما هو الواقع و تخبر تلک الحقايق بالسنة انفسها ما استودع في سر ذاتها من الدقايق و هذا هو مقام الصديقين و درجة المقربين و مقام السابقين لايناله الا ذو حظ عظيم فلايتفاوت عليه الحال في اليقظة و المنام.

و ان کان الاعراض بازهاق النفس لاجل تخلل الالات الجسمانية الجسدانية من فساد الحرارة الغريزية بفساد بعض الاعضاء الرئيسة و غيرها لتحقق الموت الطبيعي فان کان من ماحض الايمان محضا ينظر الي تلک العوالم بعين المثال المدرک باسفلها اعالي عالم

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 332 *»

الاجسام و باعلاها اسافل عالم الملکوت و البصائر و النواظر ما يناسبها من العوالم و المقامات فتجدها کما هو الواقع لقد کنت في غفلة من هذا فکشفنا عنک غطاءک فبصرک اليوم حديد.

و اما ماحض الکفر فهو مشغول بالعذاب عن غيره و اما المستضعف فميت لايحس و لايدرک شيئا حتي النشور فان کان الاعراض لاجل غلبة الرطوبات و کثرة الابخرة الحادثة في المجاري من جهة زيادة الاکل و شرب الماء و ساير الامور المولدة للرطوبة الموجبة لملال الروح و النفس فتجتمع الروح في القلب و تعرض عن ظاهر البدن فتلتفت الي عالمها ذي الفضاء الاوسع فتري الاشياء و تسمع الاصوات فهذا هو الرؤيا فان کان نظرها الي العوالم السفلية من اطوار عالم الاجسام مما دون الکرسي بل اي الکرسي الثاني المعبر عنه بفلک القمر ان کان في البدن و المجاري رطوبات و ابخرة تتصاعد و تتشکل باشکال و صور او في کرة البخار لزيادة الابخرة الحادثة في الجو بقرانات الاوضاع الفلکية مع المواد الارضية فتحدث صور و اشکال و هيئات و اشباح في العالم و هي تراها او في الروح عدم استقرار و طمأنينته فتصور صورا و هيئاتا مختلفة او ناظرة بخيالها الي شيء واحد مما يحبه او يکرهه فهذه کلها اضغاث احلام لا اصل لها و لا عبرة بها صور سيالة تذهب و تضمحل کسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لم‌يجده شيئا و وجد الله عنده فوفيه حسابه.

و ان کان البدن مستقرا معتدلا و الروح نظرها مستقيما غير معوج ينظر الي حقايق الملک و غيوب الملکوت فتري حقايق الاشياء و صفاتها و ذواتها و کينوناتها و تطلع عليها و تسمع منها ما يقتضي عالمها و حيث کانت الازمنة مطوية في ذلک العالم کان ربما يقع ما رأته من احواله بتنزله الي هذه الدنيا بعد مدة من الاشهر او الاعوام مما رآه من هذا القبيل يقع کما رأي و لايحتاج الي تعبير و ان کان نظرها الي العوالم العلوية و خالية عن الموانع و العوارض يقع ما رآه بالتعبير فاذا رأي الرائي انه شرب لبنا قد ينال العلم و قد يشرب اللبن و قد لايقع شيء اصلا فافهم.

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 333 *»

و اما المرئي المخبر في الرؤيا فان کان من اهل القسم الاول اي المقربين الصادقين المصطفين فهو مطلع بما رآه الرائي في المنام فان جميع عوالمه حاضرة لديه و ان کان ليس له تلک الرتبة و ذلک المقام فحيث ان عوالمه ليست حاضرة لديه و ليس ناظرا اليها کان لکل عالم حکمه مما يقتضيه فاذا جاء في العالم الاخر لاحتجابه لايدري ما جري معه في العالم الاول الا تري الرجل ربما يخبرک بخبر و يقول لک قولا ثم اذا اشتغل بشيء آخر نسي ما قال لک و اخبرک و انت تذکره و مثل ما يخبر في الطفولية و ينسي في الکبر و التفاوت بين عالم الرؤيا الذي هو عالم المثال و بين عالم اليقظة الذي هو عالم الاجسام بل الاعراض اعظم مما بين الطفولية و بين الشيخوخة بل لايقاس فالمرئي المخبر في ذلک العالم يحتجب عما اخبره و رآه في هذا العالم لان الکلام مع مثاله لا مع جسمه.

و اما الرائي فمن جهة تذکره بعد نسيانه و توجه روحه اليه و التفاته الخاص لاينسي غالبا فان قلت کلاهما اي الرائي و المرئي في عالم المثال حين الاخبار و الاستفسار فما بال الرائي يذکره اذا رجع الي عالم الاجسام و الاعراض و المرئي و المخبر لايذکر قلت اما الرائي فمن جهة وقوفه في قوس مثل قوس الصعود و المرئي في قوس النزول و قد بينا في کثير من مباحثاتنا ان قول النزول مقام النسيان و الجهل في الا الذين عند الله يسبحون الليل و النهار لايفترون اي ليل الکثرة و نهار الاجمال و الوحدة و قوس الصعود مقام الذکر فالاعلي عند الرجوع الي الاسفل لاينسي مقامه و لايذهل عن رتبته فيذکره بعد التعلق بالعالم الاسفل الا تري الصاعد الي مقام الانسانية فان جميع مراتبها و احوالها و اوضاعها علي حسب صعوده اليها حاضرة عنده متي ما ارادها نظر اليها بخلاف النازل عنها الغير الصاعد اليها فانه لايذکرها و لاتحصل له متي ما ارادها فما يحصل للعارف الناظر الي مقام انسانيته لايحصل لديه في مقام حيوانيته قبل الصعود اليها بعد النزول منها فافهم.

و هذا کلام علي لسان العلماء العارفين و الامناء الکاملين و معرفته حظ اولي الافئدة و اما علي لسان المتکلمين و

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 334 *»

الحکماء الظاهريين فانهم يقولون ان الرائي اذا حصل للروح ملل و کسل توجهت الي عالمها و استقرت في مرکزها وجه القلب فتتخيل الصور و تنطبع فيه الاشباح الحسنة و القبيحة فان کانت کاملة تنطبع فيها الصور و الاشباح کما هو الواقع کالمرآة المستقيمة الصافية و الا فعلي حسبها من انحاء الاعوجاجات و المرئي هو الشبح و المثال لا الحقيقة و الذات حتي يطلع علي حقيقة الامر فالرائي مطلع ناظر و المرئي ذاهل غافل فلااشکال و لا اعتراض و هذا الکلام قشري صوري و ان کان لايخلو من صحة.

في الجملة و کيف کان فاذا رأي الامام او النبي عليه و عليهم السلام فالامام يطلع لانه رکن البلاد و سائس العباد و الله سبحانه اطلعه علي غيبه و اودعه سره فلايعزب عن علمه مثقال ذرة في الارض و السماء و الاحاديث في ذلک مستفيضة و الادلة القطعية العقلية عليه ناطقة و آيات الکتاب عليه شاهدة و الله سبحانه يقول عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احدا الا من ارتضي من رسول و قال عزوجل و ما کان الله ليطلعکم علي الغيب ولکن الله يجتبي من رسله من يشاء و تفصيل الکلام يطلب في ساير رسائلنا.

اما الجواب عن السؤال الثامن فاعلم ان الروح التي يقبضها ملک الموت هو الشخص الانساني الحامل للفؤاد و العقل و الروح الرقايقي و النفس و الطبيعة و المادة و المثال قد نزع عنها لباس الجسم و الجسد و هي محلها و مرکزها في الوجه الاسفل الوجه الاعلي من محدب محدد الجهات و جميع الاجسام و الجسمانيات من العرش و ما دونه الي الثري بالنسبة الي عالمها کالحلقة الملقاة في فلاة قي فجميع اهل الدنيا بمرئي منها و مسمع و معني کون اهل الجنة في وادي السلام و اهل النار في حضرموت وادي برهوت في بئر بلهوت انهم في ذلک العالم و مظهر الجنة و مفتاحها و بابها باطن وادي السلام لا ظاهره و لذا تأتي الوادي و لاتري شيئا و الجنة قد علمت سعتها و نعيمها و کذلک برهوت فالمراد باطنهما کما ان الروح و العقل في القلب اللحم الصنوبري و ان

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 335 *»

الامدادات تجري الي القلب فهو باب عالم الغيب کذلک وادي السلام باب الجنة و مظهرها و اهل الجنة في غيبها فالشخص الميت في الجنة و ادي السلام محيط بجميع الدنيا من قبره و بيته و اهله اينما کانوا فلايتفاوت عنده البعد المکاني الايني فکل وقت اتي الشخص الي قبره ليلا او نهارا صبحا او عشاء هو مطلع عليه ناظر اليه فما ورد ان الارواح في الجنة يأتون يوم الجمعة وقت الصبح مع جبرئيل و الملائکة علي نوق من النور الي وادي السلام و يبقون هناک الي الزوال ثم يستأذنون جبرائيل للاتيان عند قبورهم و اهاليهم فالمراد بوادي السلام مقر الولي و مرکزه الذي تأوي اليه الخلق بعد کل جمعة لينالوا ما اعد الله لهم مما جري في سابق علمه و قضاه و قدره بعد اتمام ما قدر و قضي و امضي بعد اجتماع مراتبها فمادتها في يوم الاحد و صورتها في يوم الاثنين و نسبة المادة الي الصورة في يوم الثلثاء و نسبة الصورة الي المادة في يوم الاربعاء و مبدء الاجتماع في يوم الخميس و تمام الاجتماع و صيرورته شيئا واحد في يوم الجمعة.

فهذا اليوم يوم الاستمداد و الاستفادة و الاستزادة بمدد جديد فلابد من الوقوف بباب الفيض و فوارة النور ليجري عليه تمام الصنع و کمال الامر و باب الفيض و مرکز الخير و النور هو وادي السلام و لذا کان مقر الولي و مسکنه فالارواح تأتي وادي السلام يوم الجمعة للاستزادة و الاستمداد بنوع اعظم و اعلي فكونها في وادي السلام لايمنعها من الاطلاع و الاستخبار و المشاهدة لمن هو عند قبورهم و ابدانهم و مثاله ان الفلک الاعظم المسمي بالعرش عند اهل الشرع محيط بالارض و اهلها حتي ان نسبتها اليه لايقاس بالحواس ولکن الارض مع صغرها تطابقه بالمحاذاة فکان خط الاستواء محاذيا لمنطقة العرش و هي دائرة معدل النهار فاذا اراد الواقف في العرش ان يعرف اهل الارض کونه في اعلي المقامات و اشرفها يقول انه في خط الاستواء فانه يحاذي القطب الاصلي عندنا و المنطقة عندهم و هي باب المدد و الافاضة ولکنه حين کونه في المنطقة محاذي خط الاستواء لايحتجب عن باقي اطراف الارض و اقطارها و اقاليمها و اذا خرج عن الخط المذکور و صار في ناحية اخري من الفلک

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 336 *»

لايحتجب عن باقي مقاماتها لان الارض کلها عنده کالخردلة في البرية الواسعة.

فالمراد باتيان الارواح يوم الجمعة الي وادي السلام هو ما ذکرنا لک و من الاتيان الي اشرف المواضع و احسن الاماکن من الجنة و الوادي بابها و المحاذي لها کما روي ان مکة بازاء البيت المعمور و هو بازاء العرش و ارکانه و کما ذکرنا ان خط الاستواء بازاء دائرة معدل النهار مع ما تري من التفاوت العظيم بينها و کذلک القول في وادي برهوت فاهل الجنة لايزالون مطلعين علي من يأتيهم علي قبورهم حتي ورد عن مولانا الصادق عليه السلام ان المؤمن اذا مر بقبره حمل حنطة يعلم کم فيه من حبة هـ و ان کانوا في وادي السلام و غيره و اما اتيانهم الي قبورهم و بيوتهم و اهاليهم فذلک التفات خاص و عناية خاصة لهم لاهاليهم و بيوتهم و قبورهم لا لانهم قبل ذلک ما کانوا يعلمون اذا التفتوا و نظروا و الوجه الخاص لاينافي ما هم عليه من الاحاطة و الاستيلاء کما ذکرنا في وادي السلام حرفا بحرف فافهم.

و اما الجواب عن السؤال التاسع :اما في الظاهر فاعلم ان الزمان ليس کما يزعمون انه منتزع من حرکات الفلک و انه من الاعراض الغير القارة بل اقمنا براهين قطعية في کثير من مباحثاتنا و اجوبتنا علي ان الزمان حقيقة ثابتة قارة منبسطة و ان حرکات الافلاک کواشف عن مقاديرها ومشخصاتها و مظاهر لها فلو لم يکن حرکة الفلک و الکواکب لا يعرف الغد من الامس ولا الشهر من الاسبوع و لا السنة من اليوم لا ان المدة ما کانت کيف و هي لازمة للجسم و مقومة له و متقومة به بلا دور لاختلاف الجهات و هو قوله تعالي و لتعلموا عدد السنين و الحساب فهذه الحرکات للعلم بالسنين و الاشهر لا لتحقق حقيقتها.

و لتحقيق هذه المسئلة مقام آخر و اما ما تري من سيالية الزمان و تلاشيها فهو لاجل حرکات اهله فيه کراکب السفينة يجد الشاطي متحرکا فالزمان عبد من عباد الله مطيع له ناظر شاهد علي خلقه کما ذکره سيد الساجدين في دعاء الصحيفة اللهم ان هذا يوم جديد و هو علينا شاهد عتيد ان احسنا ودعنا بحمد و ان اسأنا فارقنا

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 337 *»

بذم و في وداع شهر رمضان السلام عليک يا شهر الله الاکبر و يا عيد اوليائه السلام عليک يا اکرم مصحوب من الاوقات و يا خير شهر في الايام و الساعات السلام عليک من شهر قربت فيه الامال و نشرت فيه الاعمال دعاء.

فمن نظر و تفکر و بصر و اعتبر علم ان الزمان امر متحقق موجود ثابت حاله کحال ساير الموجودات المتحققة المتأصلة فان سلام الامام علي امر عرضي مضمحل غير مدرک و لا شاعر قبيح جدا عند من عرف الامام عليه السلام فافهم الکلام و نحن الان لسنا بصدد تحقيق حقيقة هذه المسئلة و انما مرادنا الاشارة الي نوع البيان من اهل المعاني و البيان لاهل المعاني و البيان.

فقد عرفت مما ذکرنا ان الازمنة متأصلة لها شعور و ادراک و فهم و اختيار علي حسب مقامها و لما ثبت ان التکليف يساوق الوجودات الکونية و الشرعية کلفه الله سبحانه حين ما اصلها و شيئها فسبقت هذه الايام الشريفة الي الاجابة و سارعت دون غيرها الي التلبية و الاقرار بالتوحيد و النبوة و الولاية فشرفها الله سبحانه دون غيرها من الايام و اوجب حرمتها علي الانام و زينها بمزايا الاحکام و هي بعضها بالنسبة الي بعض تفاضل بحسب السبق الي الاجابة فيوم الغدير اول الايام المسرعة الي الاجابة و المبادرة الي التلبية فشرفه الله سبحانه تعالي علي غيره فاختص بظهور نور الولاية الذي بها کمال الدين و تمام شريعة سيد المرسلين و جزء الاخير للعلة التامة لنجات الخلائق اجمعين و الاصل الذي به قوام الکون و العين و الدنيا و الدين و الي الجميع اشار الله تعالي بقوله اليوم يئس الذين کفروا من دينکم فلاتخشوهم و اخشوني اليوم اکملت لکم دينکم و اتممت عليکم نعمتي و رضيت لکم الاسلام دينا و هو يوم الفصل اي فصل الخطاب و عنده البدو و اليه الاياب و هو يوم تتلألأ فيه الانوار و تبدو فيه الاسرار و تختلف به الليل و النهار الا ان الليل في مقام عرضيته و النهار في رتبة ذاتيته فلما تزايدت فيه الانوار و اشرقت من افقه تجليات الاسرار مما لم‌تکن في غيره و لم‌توجد في سواه فتزين باحسن زينة و تشرف باکرم شرافة بما هو اهله و مستحقه بحسب اجابته في العالم الاول و مسابقته في طاعة مبدء الکل و کذلک

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 338 *»

حکم غيره من الايام التي لها مزيد شرافة و کرامة فانها مختصة بظهور الانوار الساطعة من افق حجاب الواحدية.

و لماکان الخلق في هذه الدنيا قد غشي ابصارهم حجاب الغفلة و احاط بهم غطاء الانية فحجبوا عن مشاهدة تلک الانوار و حرموا عن تحمل تلک الاسرار فبقوا لايفرقون بينها و بين ساير الايام و لايجرون عليها تلک الاحکام التي اخبر الله سبحانه عنها بالسنة سادة الانام عليهم الصلوة و السلام فمن صدق الله سبحانه و صدق اوليائه عظم هذه الايام امتثالا للامر و ترقبا للاجر لا لمشاهدة انوارها و ملاحظة اسرارها و من لم‌يصدق ربه لم‌ير لها مزية زايدة علي غيرها من الايام و لم‌يجد لها احتراما کساير الايام.

و اما يوم القيمة فحيث ان الحجب قد کشفت و الموانع قد زالت و العوارض قد ارتفعت و الاشياء بحقائقها قد ظهرت فيري تلک الايام علي ما هي عليه من الزينة و النور و الحبور و السرور فالمصدق يستر (يسرّ) بما طابق فعله عيانه فيقول الحمد لله الذي صدقنا وعده و المکذب يتحير حيث خالف فعله وجدانه فيقول يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله و قد اشار الله سبحانه و تعالي الي ما اشرنا بقوله الحق لقد کنت في غفلة من هذا فکشفنا عنک غطاءک فبصرک اليوم حديد فمعني اتيان هذه الايام باحسن زينة ظهور احکامها و انوارها للرائي لا انشاؤها جديدا و اتيانها من مقام الي مقام کماقال عز من قائل و الامر يومئذ لله فان الامر لله في کل وقت و في کل حال و اختصاصه بيوم القيمة لبيان ظهور الاختصاص لعامة الناس بلا شبهة و التباس لانتفاء الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس فظهور هذه الايام عبارة عن ظهور کينونتها علي ما هي عليه للخلق لا انها انقلبت الي حقيقة اخري و من کينونة الي کينونة سواها حتي يلزم انقلاب العرض جوهرا بل العرض عرض و الجوهر جوهر و الايام جواهر لا اعراض و ان کانت الاشياء جواهر باعتبار و اعراض باعتبار فکل شيء جوهر و عرض اما سمعت ما يقول الشاعر يمدح به مولاه

يا جوهرا قام الوجود به

و الناس بعدک کلهم عرض

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 339 *»

و لتحقيق الجوهر و العرض مقام آخر فان لنا فيهما تحقيقا رشيقا انيقا اشبعنا الکلام فيه في کثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل.

فمعني اتيان هذه الايام الشريفة المبارکة يوم القيمة علي احسن زينة ظهورها في محالها و مواقعها اي کل يوم في محله و موضعه علي اکمل ما يکون من الصفة التي ينبغي ان يکون عليها مطيع لله مما يقتضي کينونته علي حسب ما عليه من ذات او صفة جوهر او عرض و هذه في الدنيا کک لکن غشاوة العيون و مقارنات الاشياء من اختلاط التطنجين و صرير الفلک و اصطکاک رأس افرودوس مانعة عن مشاهدة تلک الانوار و ملاحظة تلک الاسرار و اما يوم القيمة فحيث کان محل کشف الغطاء و ظهور قوله تعالي فکشفنا عنک غطاءک فبصرک اليوم حديد تظهر تلک الانوار في تلک الايام علي حسب المقام کما انک الان في خيالک تنظر الي الايام الماضية کل يوم في مکانه و محله مستقرة مجتمعة لايزاحم واحد منها صاحبه کک يوم القيمة يظهر هذا الخيال و تراه بمشاهدة العيان کما کان من غير مزاحمة و من غير اجتماع المستقبل في الماضي و الماضي في المستقبل فجميع الايام من ايام الجمعة و الغدير و غيرهما يؤتي بها علي ما هي عليه مع اهلها باحوالها و اوضاعها کک ايام شهر رمضان و شهر شعبان يؤتي بها يوم القيمة لتکون شاهدة علي اهلها من المطيعين و العاصين لان کل يوم له حکم خاص و کل ساعة و دقيقة و کل شهر و عام لها احکام خاصة و آثار معينة يترتب عليها لا علي غيرها فلابد من احضار الکل لتکون الحجة اتم و النعمة اکمل.

و اختصاص هذه الاربعة انما هو لبيان نوعها مثلا لايراد بيوم الغدير يوم واحد بل هو نوع الغدير و ان کان مشتملا علي ايام کثيرة کل يوم يظهر في مکانه علي احسن زينة و هکذا غيره فالاتيان بها هو اظهارها مشروحة العلل مبينة الاسباب فما تراها الان بخيالک في الدنيا تراها ببصرک في العقبي فلانحتاج اذن الي التکلفات التي تکلفها جنابک في خلال السؤال من تجسيم الاعمال او ان المراد اهلها و لزوم انقلاب الجوهر عرضا و غيرها مما ذکرت بل الايام علي ما هي عليه تظهر و يؤتي بها علي ما

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 340 *»

ذکرنا و انما کررت العبارة و رددتها لاجل التفهيم و کأني بضعيفکم يقول هذا قول لم‌يقله ساير العلماء قلت کماقال المتنبي:

فهب اني اقول الصبح ليل

ايعمي الناظرون عن الضياء

و البرهان احق ان يتبع والله سبحانه و تعالي اعلم بخلقه من خلقه و خلفائه و اوليائه سلام الله عليهم اشهدهم الله خلق السموات و الارض فاذا دل الکتاب و السنة و البرهان القاطع علي حکم يجب القول به و ان لم‌يقل به غيره لان فوق کل ذي علم عليم و هنا وجوه اخر من وجوه الباطن و التأويل ترکت ذکرها خوفا للتطويل و صونا من اصحاب القال و القيل و فيما ذکرنا من الوجه الظاهري کفاية فما اسعدک لو وفقت لفهمه فان فهمته فخذه و کن من الشاکرين و ليس وراء عبادان قرية و الا فرده الي اهله اولي العلم الذين يستنبطونه منه والله خليفتي عليک.

اما الجواب عن السؤال العاشر فاعلم ان الانسان له اربعون مقاما بها تتم مراتبه و تکمل حقيقته و قد اشار الله الي هذه المراتب بقوله لقد خمرت طينة ‌آدم بيدي اربعين صباحا و قوله تعالي فتم ميقات ربه اربعين ليلة فاذا عصي الشخص فان کانت معصيته عن قلب فتسود هذه المراتب و تظلم و هو الذي احاطت به خطيئته کماقال تعالي بلي من کسب سيئة و احاطت به خطيئته فاولئک اصحاب النار هم فيها خالدون و هذا مخلد في النار لايطهر و لاينجو الا بتغيير قلبه و التصديق القلبي والاخلاص الحقيقي و ان کانت ليست عن قلب بل باعراض مراتبه الحاصلة من اللطخ دون الخلط يتصعد منها بخار مظلم منتن و لماکانت مراتبه الذاتية طيبة و المعصية ليست ذاتية و انما هي مجتثة من اسفل السافلين فلاتقبل تلک المراتب ذلک الاثر المعبر عنه بالبخار المنتن فيرجع قهقري حتي يتصل الي ادني المراتب من المراتب الجسمانية فيمکث فيه لقوة المناسبة بينهما ان لم‌يتب عن تلک المعصية و هکذا لايزال يعصي معصية فيسود مرتبة من مراتبه السفلية حتي يتمادي في المعصية الي ان تظهر آثارها في جميع

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 341 *»

مراتبه التي قلنا انها اربعون فاذا اسودت هذه المراتب و اظلمت مع خلوص القلب و انکاره لها فتتقوي آثارها و يکمل ظهورها فيصعب حينئذ ازالتها الا بداع قوي و هذا الکمال في مراتب الظلمة و اسودادها في مراتبها لايکون الا في اربعين سنة لان کل مرتبة من هذه المراتب تشتمل علي ثلث مائة و ستين مرتبة و کل مرتبة تتعين في العالم الزماني باليوم الواحد الذي هو تمام اول دورة باول حرکة لاول متحرک من العوالم الجسمانية و ذلک هو العرش الاعظم و معصية کل يوم تظلم مرتبة من مراتبه اذا لم‌تکن المعصية ذاتية ففي اربعين سنة تسود المراتب کلها.

و انما قلنا ان کل مرتبة تشتمل علي ثلثمائة و ستين مقاما لان اصول الوجود عشرة و هي التي کانت الافلاک و العناصر مظاهرها و هذه العشرة يکمل ظهورها و يستعد للکمال و التمام بعد ما دارت ثلث دورات دورة العنصر و دورة المعدن و دورة‌ النبات فذلک ثلثون و کل مرتبة‌من هذه الثلثون بحکم قوله تعالي و ان من شيء الا عندنا خزائنه و ما ننزله الا بقدر معلوم قد نزلت من عشرة خزائن الاولي خزانة الامکان الثانية خزانة الکون النوراني و هو الوجود و الفؤاد الثالثة خزانة القلم الرابعة خزانة الرقايق الخامسة خزانة اللوح السادسة خزانة الحجاب الاحمر الياقوتة الحمراء التي غلظها قطر محدب محدد الجهات السابعة خزانة البحر الحاصل من ذوبان هذه الياقوتة الثامنة خزانة حجاب الزبرجد و مقام الاظلة و الاشباح ابدان نورانية لا ارواح لها التاسعة خزانة الاجسام محل النقش و الارتسام العاشرة خزانة الاعراض حجاب اسود غليظ و هي آخر المراتب السفلية فاذا ظهر الثلاثون في العشرة کانت ثلثمائة و اما الستون فلظهور هذه العشرة المذکورة في الستة الايام التي خلق الله فيها الشيء يوم النطفة يوم العلقة يوم المضغة يوم العظام يوم اکتساء اللحم يوم انشاء خلق آخر فهذه الستة لما حملت تلک العشرة تم الستون فصار کل مرتبة اشتملت علي ثلثمائة و ستين.

و قد قسمت الدواير و الکرات الظاهرية علي طبق الدواير و الکرات الباطنية ذلک تقدير العزيز العليم فاذا عصي الشخص اربعين سنة اسودت هذه المراتب کلها و اظلمت بحذافيرها و حيث کانت المعصية عرضية

 

«* جواهر الحكم جلد 12 صفحه 342 *»

ليست بذاتية من جهة عدم محبة القلب لها و ميله اليها فهي تزول اما بتوبة و استغفار او دعاء و مناجات في الاسحار او باکثار الصلوة علي محمد و آله الاطهار او بالاقبال اليه سبحانه بالعشي و الابکار او بالرجوع الي يوم القيمة و الدخول في النار و المکث فيها احقابا و يزول ذلک الغبار الذي حصله من الاغيار و لماکان الدعاء المشتمل علي الاسماء الحسني له مراتب بحسب هذا الاشتمال في قوة المدافعة و ضعفها کان اقوي الادعية دعاء بقوة نورانيته و اشتماله علي سر الاسم الاعظم و التجلي الاقدم يدفع عوارض السيئات العارضة بتلک المراتب و الدرجات المستولية علي کلها باکمال اربعين سنة فاذا ارادوا عليهم السلام ان يصفوا دعاء کاملا بالغا في قوة النورانية اعلي المقامات و اقواها عبروا عنه عليهم السلام بان من قرأه و واظب عليه غفر الله له ذنوب اربعين سنة و ان کان عمره اکثر من اربعين سنة لان السواد الطاري طرء علي جميع المراتب فاذا ازال عن الجميع ازال عن الجميع فافهم فقد اسمعتک تغريد الورقاء علي دوحات سدرة المنتهي ان في ذلک لذکري لمن کان له قلب او القي السمع و هو شهيد.

و اني معتذر الي جنابک من بسط المقال و شرح حقيقة الاحوال لما انا عليه من تبلبل البال و عدم استقامة الحال و قلة السعة و المجال و تصادم القيل و القال و فيما ذکرنا کفاية و جنابک و لله الحمد ممن تکفيه الاشارة و الله خليفتي عليک و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.