13-02 جواهر الحکم المجلد الثالث عشر ـ رسالة في جواب الشيخ محمد بن الشيخ حسين البحراني (2) ـ مقابله

رسالة فی جواب الشیخ محمدبن الحسین البحرانی (2)

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 93 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

قال سلمه الله تعالي: و ما يقول سيّدنا في الاجتهاد و علامة المجتهد فانّي وقفت عليها و لم‏اعتبر بقول غيركم.

اقول: اقول الاجتهاد و هو عبارة عن استنباط الاحكام الشرعية عن ادلّتها التفصيلية و هذا لا شكّ انّه حق و ثابت لانّ الاحكام الشرعية الفرعية توقيفية فلاتتلقي الا من الموقف الشارع و هذا التلقي بالضرورة ليس من الامور البديهية او الطبيعية الجبلية التي تعرفها الطبيعة كبكاء الاطفال عند الجوع و التقام الثدي و احساس الجوع و العطش و غيرها. فاذا ثبت انها نظرية لايمكن حصولها الا بالدليل و لما كان الدليل هو الكتاب و السنة اتفاقاً من المسلمين او مع الاجماع و العقل علي رأي طائفة عظيمة و هذه الاربعة تتعارض احوالها و تختلف احكامها مع قوله صلي الله عليه و آله قد كثرت علي الكذابة و قولهم عليهم السلام ما منّا الا و من يكذب علينا فلابد من النظر و استنباط الصواب من الخطاء و الصحيح من الباطل و الصدق من الكذب من مظانّها و اماكنها التي هي الاربعة بها، فمن استنبطها بغيرها فقد اخطأ و من استنبطها من غيرها فكذلك ايضاً و من استنبطها منها بها فذلك هو المصيب لانحصار الجهات و الامر بالاتيان من الباب ثم القاء الصواب و هو قوله تعالي الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا. لاتحرّك به لسانك لتعجل به انّ علينا جمعه و قرءانه فاذا قرأناه فاتبع قرءانه ثم انّ علينا بيانه و لما كان الاختلاف في هذه الازمان هو المطلوب اوقع حملة الشريعة عليهم السلام الاختلاف مادامت الدولة للظالمين الفاسقين فقالوا عليهم السلام نحن اوقعنا الخلاف بينكم و ذلك اسلم لنا و لكم و لو اجتمعتم علي كلمة واحدة لصدقكم الناس علينا و لاخذ برقابكم هذا معني كلامهم صلّي‏اللّه عليهم. فمن انكر الاجتهاد بالمعني الذي ذكرنا فقد اخطأ و خبط خبط عشواء.

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 94 *»

اما شرايط تحقق الاجتهاد فمعرفة اشياء و حصول شي‏ء و لايكمل الا بها فمن ادّعاه بدونها معاً فقدكذب و افتري و ضلّ و غوي. اما الاشياء التي يجب معرفتها الكتاب و السنة و الاجماع و الاختلاف و ادلة العقل المتعاضدة بالنقل من الاستصحاب و اصالة البراءة و الاباحة و لسان العرب و اصول العقايد و اصول الفقه.

اما الكتاب فيحتاج الي معرفة اشياء العام و الخاص و المطلق و المقيد و المحكم و المتشابه و المجمل و المبين و الناسخ و المنسوخ و مقدار الواجب منه الآيات المتعلقة بالاحكام الشرعية و هي نحو من خمسمائة و لايلزم معرفة جميع آيات القرآن المجيد و يجب معرفتها ولو بكتاب تفسير يرجع اليه و لايلزم حصولها بتفسيرها كلها عنده.

و اما السنة فيحتاج لمعرفتها الي ماذكر في الكتاب لوجود الناسخ و المنسوخ في قول الرسول صلي الله عليه و آله اجماعاً و في اقوال الائمة عليهم السلام علي الخلاف فيجب عليه معرفتها مع معرفة المتواتر و الآحاد و السند و المتصل و المنقطع و المرسل و المرفوع و معرفة الرجال و الرواة فان في بعض الموارد يتوقف الترجيح و الاستنباط عليها كمافي مقبولة عمر بن حنظلة عند تعارض الرواية خذ باوثقهما في نفسك و يجب الاقتصار في الكتاب و السنة علي متفاهم اهل الظاهر من اهل اللسان و مايعرفونه من طرق المحاورات و الاستعمالات.

و اما الاجماع و الخلاف فيحتاج الي معرفة الكتب الفقهية و معرفة اصطلاحات الفقهاء و امعان النظر فيها و التتبع في مواقع المسائل فان الوفاق و الخلاف و الشهرة انما تعرف بتلك الكتب من المتون و الشروح.

و اما لسان العرب فيحتاج لمعرفته الي النحو و الصرف و المعاني اللغوية التي وضعت لها الالفاظ العربية و احكام الدلالات من المنطوق و المفهوم من الموافقة و المخالفة و فحوي الخطاب و لحن الخطاب و دليل الخطاب و(دليل التنبيه خ ل) و دليل

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 95 *»

الاشارة و الامثال و ايراد الكلام باياك اعني و اسمعي ياجارة و التلويح و التصريح و امثالها مما هو الجاري علي السنة العرب و طريق محاوراتهم.

و اما علم المنطق فلايزداد معرفته الا بُعداً و ملاحظته دائماً الا شكّاً و طريق الفهم و المعرفة وجداني و الميزان قول من لايخطي و لايسهو و لايغفل اذا ثبت و تحقق و قداطلنا الكلام في ذلك في كثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل فلايناط بمعرفة الاجتهاد و الفقه قطعاً.

و اما الشي‏ء الواحد الذي يجب حصوله لتحقق الاجتهاد والا لايتحقق و ان عرف هذه العلوم المذكورة و الغيرالمذكورة كلها هي القوة القدسية و هي حالة في النفس تتمكن بها من ردّ الجزئيات الي الكليات و استخراج الفروع من الاصول كما ان الذي يعرف علم العروض و طرق الالحان الموسيقية لايتمكن من انشاء الشعر الا اذا كان فيه تلك القوة التي بها يتمكن من النظم و التأليف و التركيب و هذه القوة هي النفس الناطقة القدسية و هي التي بها يمتاز الانسان من ساير الانواع لاشتراكه مع غيره في الجهة المناسبة له و لذا كان له النفس النباتية التي بها الذبول و النمو و الصغر و الكبر و بها يجذب (الغذاء خ ل)و بها يوصل الي جميع الاجزاء و الاعضاء و هو في هذه النفس يشارك الاشجار و البقولات و غيرها لا فرق بينه و بينها فيها. و له النفس الحيوانية الفلكية البهيمية التي بها الحركة و الشهوة و الغضب و الرقة و بها يشترك مع جميع البهائم و الحيوانات من الوحشية و الاهلية و يمتاز الانسان عن الكل بالنفس الثالثة و هي النفس الناطقة القدسية و هي التي تدرك المعارف و العلوم و تنبعث الي الطاعات اذا كانت اختاً للعقل و الي المعاصي و السيئات و هي النفس الامارة بالسوء اذا كانت مركباً للجهل و مقراً للشيطان المقيَّض و لما كان المجتهد هو نائب الامام عليه السلام و هو خليفة اللّه في الارض عن خليفة اللّه و هو الحجة عن الحجة و هو القائم مقام الانبياء و الصديقين فاقل مراتبه ان‏يكون موصوفاً بالصفة الانسانية و مترقياً اليها و خارجاً الي (عن ظ) الرتبة البهيمية اذ لايصلح ان‏يكون حجة اللّه الذي يجب علي كل الناس طاعته و امتثال امره و نهيه و يكون الرادّ عليه الرادّ (الرد عليه الرد خ ل) علي اللّه و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 96 *»

الانكار عليه الانكار علي اللّه و هو علي حدّ الشرك باللّه كما في مقبولة عمر بن حنظلة يكون بهيمة علي صورة الانسان. الاتري اللّه سبحانه يقول لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم اذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضلّ اولئك هم الغافلون و هذه النفس موجودة في كل شخص الا ان الاشخاص يختلفون في ظهورها و خفائها فمن كانت مخفية فيه فحكمه حكم البهايم والا فنبات و قد ذكرهم اللّه سبحانه في كتابه العزيز و لما كان ظهور هذه النفس يجب ان‏يكون موجوداً في الفقيه المجتهد و لايتمكن الا بها و المدعي لها كثير ذكر الامام اميرالمؤمنين عليه السلام علامات هذه النفس ليكون صاحبها متميزاً عن غيره فقال عليه السلام في حديث كميل عليهم السلام لها خمس قوي و خاصيتان اما القوي فهي علم و حلم و فكر و ذكر و نباهة و الخاصيتان النزاهة و الحكمة و قال مولينا الصادق عليه السلام لايصلح للفتيا الا من عرف مراد اللّه من كتابه بسرّه  فلنقبض العنان فاذا تحققت هذه القوة و ظهرت معرفة العلوم المذكورة علي وجه التحقيق لا التقليد فهو المجتهد الذي لايصلح له اتباع غيره و تقليده و هو العالم الذي لايسأل غيره كما في مفهوم قوله تعالي فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون.

و هنا شرائط لكمال الاجتهاد و ان كان يحصل لولاها ولكن مع وجودها يكون كاملاً مستغنياً و هي امور:

منها علم الهيئة لمعرفة الزوال و القبلة و تعيين خط نصف‏النهار و الطول و العرض للبلاد حتي يتمكن من معرفة انحراف قبلة كل بلد عن نقطة الجنوب و الشمال.

و منها علم الحساب لاستخراج المجهولات في الوصايا المبهمة و الغيرالمبهمة و مباحث الميراث.

و منها علم الهندسة لمعرفة الاوزان و الاشكال و تمييز الحصص و معرفة الاحكام علي اختلاف الاشكال كما لو باع علي شكل حمار او شكل عروس مثلاً.

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 97 *»

و منها علم الطب ليعلم المرض المبيح للافطار و لايوكّل الناس الي الاطباء الغير الموثوق بهم.

و منها انه يعرف العلوم الثلثة المعاني و البيان و البديع ليكون كاملاً في اطوار الفصاحة و البلاغة حتي يحصل و يفتح له باب في تمييز كلام المعصوم عن كلام غيره لا بالسند فيتبع بذلك في استنباط الاحكام الشرعية.

و في معرفة علم الحروف بفتح باب واسع في التكافؤ و التراجيح و التعادل و يجعل الشخص علي كمال البصيرة التامة و المعرفة و هو له مدخلية تامة في كمال الاجتهاد.

و في العلم الطبيعي له دخل تام في الكمال في المعرفة (معرفة ظ) الاستحالات و الانقلابات و ان الدخان قداستحال ام لا و كذا الخزف و الفحم و المتقاطر من الجسم و نسبته الي ذلك الجسم و امثال ذلك.

و كذلك في العلم الالهي بالمعني الاعم ليعرف الروح و العقل و الحقيقة و نسبتها الي الجسم و الجسد التعليميين لتحقق ان الانسان ما هو. هل هو الجسم و الروح معاً ام الجسم وحده (او الروح وحده خ ل) او شي‏ء آخر غيرهما لتحقيق الخلاف الواقع بين الفقهاء في سقوط خيار المجلس اذا مات احد المتبايعين او كلاهما بعد ايقاع صيغة البيع في المجلس هل ثبت(يثبت خ ل) خيار المجلس ام لا و الاختلاف في ذلك كماقالوا منشأه ان الشخص ما هو؟ فمن قال انه الروح او شي‏ء آخر غير الروح و الجسم او المركب منهما يقول بسقوط الخيار و من قال انه الجسم يقول بعدم السقوط لعدم التفريق انما قلنا لتحقق الكمال يحتاج الي هذا العلم لان المتفاهم العرفي يكفي في هذه المقامات و كذلك في الحركة و ان الحادث في كل ان يحتاج الي المدد (ليبين خ ل)ليتبين له حقيقة الاستصحاب و حكمه.

و بالجملة مكملات الاجتهاد كثيرة لو ذكرناها لضاقت الدفاتر و انّي لي و بيانها في زمان ابتلي الناس بالانكار و عدم الاقرار لاهل الفضل و الحق بفضلهم و حقهم و الي اللّه المشتكي.

فاذا تحققت هذه الشرايط و امثالها فهو الكامل في الاجتهاد ولكنه لايصلح للقضاء بل للقضاء لابد من شرايط اخر هي ماذكرنا فالقاضي لابد ان‏يكون بالغاً عاقلاً مؤمناً كاملاً عادلاً ذكراً حرّاً طاهر

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 98 *»

المولد و ينبغي ان‏يكون القاضي الحاكم الشرعي قوياً من غير عنف ليّناً من غير ضعف لئلاّيطمع القوي في باطله و لاييأس الضعيف من حقه و عدله حكيماً بصيراً بمزايا الامور و دقايقها و متفرساً ينظر بنور اللّه ذافطنة وقادة لايؤتي من غفلة ضابطاً صحيح‏السمع قوي‏البصر و البصيرة عارفاً بلغات اهل ولايته سديد العفة كثير الورع بعيداً عن الطمع صادق ‏اللهجة ذارأي سديد ليس بجبار و لا عسوف و لا بعباس و لا بطّاش و لا غضوب و قد قال اميرالمؤمنين عليه السلام انه قال لاينبغي ان‏يكون القاضي قاضياً حتي يكون فيه خمس خصال: عفيف حليم عالم بماكان قبله يستشير ذوي‏الالباب لايخاف في اللّه لومة لائم.

و اما علامة المجتهد للعامي فامور:

منها الشياع اي اخبار جماعة يحصل له باخبارهم العلم العادي باجتهاد الشخص اما لكثرتهم بحيث يأبي العقل علي تواطئهم علي الكذب او لصفتهم حيث انهم من اهل العلم و الورع و التقوي و حسن الفطرة و الفطنة و الذكاوة و اصحاب التؤدة و الطمأنينة في الامور بحيث يعلم قطعاً انهم لايقلدون دينهم شخصاً ليس بقابل للفتوي.

و منها اخبار العدلين من اهل البصيرة و الخبر علي اجتهاده و لايلزم ان‏يكونا مجتهدين بل يكفي علمهما بمعاريض الكلام و صفات نائب الامام و تدربهما في العلم و الفقه.

و منها انتصابه للفتوي او اجتماع الناس عليه مع عدم صدور مايظهر عليه (و يدلّ خ ل) علي عدم استيهاله مثل حبّه للدنيا و حسده للعلماء و انكاره الحق مع العلم و القول بما لايفعل و امثالها ممايفعله اهل الدنيا المغمورين فيها فان ارتكاب هذه الامور يخرجه عن الاستيهال للتقليد و العمل بقوله.

و منها انه يفتي بمحضر من العلماء المجتهدين او مجتهد واحد مسلّم‏ الاجتهاد و لايتعرض لفتواه ذلك المجتهد و لاينكر عليه مع عدم التقية و الخوف منه.

و هذه الجهات يعلم العامي المجتهد بها فلو لم‏يكن مع وجود احد هذه الامور مستأهلاً للفتوي يجب علي اللّه تعالي ان‏يفضحه و يفسد امره و يبيّن فسقه و ذلك البيان بامارات و قراين و دلايل تظهر للشخص يقطع بعدم استيهاله للتقليد و الفتوي و ان كان مقبولاً عند عوام ‏الناس

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 99 *»

اشباه البهايم همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم‏يستضيئوا بنور العلم و لم‏يلجاؤا الي ركن وثيق نسأل اللّه الثبات و العصمة من الخطاء.

قال سلمه الله تعالي: و ما يقول سيدنا في تفسير قوله تعالي رکعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله و رضواناً سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلک مثلهم في التورية و مثلهم في الانجيل کزرع اخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوي علي سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الکفار الآية من هم و ما هذا الرمز.

اقول لما اراد الله سبحانه ان يذکر الخواص من اولياء الله الذين خصهم الله بنفسه و قرن طاعتهم بطاعته و ينوه بمقامهم و مرتبتهم و يعظم امرهم و يتقن حکمهم و لما ان في الوجود ليس اشرف من محمد و آله صلوات الله عليهم و لا اخص منهم بالله و لا اکرمهم علي الله و لا اقربهم من الله ذکرهم الله سبحانه في سورة الفتح التي هي الاشارة الي ان الله سبحانه بهم فتح الوجود و بهم يختم و لما کان رسول الله صلي الله عليه و آله هو الاصل و الائمه عليهم السلام هم الفرع کما يشير اليه قوله عليه السلام في زيارة اميرالمؤمنين عليه السلام السلام علي الاصل القديم و الفرع الکريم و ان الخواص من شيعتهم فرع الفرع بحکم فمن تبعني فانه مني و لما ان الکني و الالقاب تشتبه و تحتمل الغير لانه لايعين المسمي مطلقاً ابتدأ الله سبحانه في اختتام السورة باسمه الشريف فقال عز من قائل محمد رسول الله صلي الله عليه و آله ارسله الله سبحانه بالشريعة الکونية و الايجادية في القدم الي ساير الامم اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ کان لاتدرکه الابصار و لاتحيطه خواطر الافکار و الذين معه بالمعية الحقيقية بان يکونوا معه في صقع واحد و يجتمعوا معه في الحقيقة الجامعة و هم الائمة من آله اولهم اميرالمؤمنين عليه السلام و آخرهم خاتمهم قائمهم المستور عن عوالمهم و هؤلاء ارواحهم و انوارهم و طينتهم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض کماقال تعالي ذرية بعضها من بعض و من للتبعيض الدال علي الاجتماع في الحقيقة المشترکة ثم وصفهم الله بالولاية الحقيقية و انهم اليدان

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 100 *»

المبسوطتان يد اليمين للمؤمنين و يد الشمال للمخالفين و بدأ بالشمال مراعاة للصعود و الترقي من الاسفل الي الاعلي فقال اشداء علي الکفار اي نقمته سبحانه علي الکفار الموصلون من عطاء الله الي اهل الضلال بالمدد الظلماني من احکام الحرمان يجعل صدرهم ضيقاً حرجاً کأنما يصعد الي السماء کذلک يجعل الله الرجس علي الذين لايؤمنون بالولاية باوليائه و اهل محبته و هم العذاب الواقع للكافر ليس له دافع من الله ذي المعارج و هم الاعزة علي الکافرين و هم قبضة الله بشماله و قال للنار و لاابالي ثم ذکر اليد اليمني فقال رحماء بينهم و ادخل معهم شيعتهم لانهم منهم کما في قوله عليه السلام اللهم ان شيعتنا منا خلقوا من فاضل طينتنا و عجنوا بماء ولايتنا يوصلون الي انفسهم و الي شيعتهم من المواد النورانية و العطاء الوجودي و الخير الحقيقي و العلم اللدني ثم اراد سبحانه ردع الاوهام الباطلة و الشبهات الفاسدة لاهل الضلال و التضليل ان الله سبحانه يرجح من غير مرجح و تخصيص (يخصص ظ) من غير مخصص و بين انه سبحانه ما ولاهم امر خلقه و ماجعل لهم الهيمنة العليا علي جميع بريته الا لما هم اهله و ما يألوا هذه المرتبة الا العبودية و الطاعة و قال تراهم رکعاً سجداً الرکوع هو الخضوع مع ملاحظة انهم فانون مضمحلون في جنب نور العظمة و السجود هو الفناء المحض فالسجود اشارة الي ظهورهم في عالم الفؤاد و المحبة و کانوا بذلک احباء الله سبحانه و لما تمکنوا في هذا المقام کانوا هم الاحباء لا سواهم کما في الزيارة لا حبيب الا هو و اهله و الرکوع اشارة الي الظهور في عالم الجبروت اي الظهور بالرسالة و الامامة و الامر و النهي و الحکم و اعطاء کل ذي حق حقه بحکم ما رميت اذ رميت ولکن الله رمي فهم عليهم السلام هم الذين خضعوا و فنوا في محبة الله سبحانه بما لايدانيهم انسان فلم‌يفعلوا مرجوحاً و لم‌يترکوا راجحاً و اليهم الاشارة في قوله تعالي و من عنده لايستکبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبحون الليل و النهار لايفترون و عدم الفتور دليل علي انهم لايترکون الاولي و الارجح و قد خصهم الامام عليه السلام في الزيارة بانهم يقيمون الصلوة و يؤتون الزکوة و قد قال تعالي ان الصلوة تنهي عن الفحشاء و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 101 *»

المنکر في کل عالم بحسبه و هو دليل العصمة و اختار في هذه الآية الشريفة اشرف مواضع الصلوة فان اعظم مقامات الصلوة ارکانها و اعظم الارکان الرکوع و السجود فعندهما الفناء المحض الذي هو العبودية المحضة الصرفة بجميع اقسامها و انواعها و مراتبها و صفاتها و احوالها و کينونتها ثم لما کانت العبادة المحضة لاتکون الا بنية و هي لاتکون منجية موصلة الي اعلي المقامات الا اذا کانت خالصة و لاتکون خالصة الا و يقصد معها القربة الي الذات البحت سبحانه و تعالي حيث امتنعت کان العمل للتقرب الي فضله و رحمته و محبته لا لجنته و ناره و نعمته و التعوذ من سخطه فان ذلک ينافي الاخلاص و القربة و العمل بتلک النية اذا کانت متمحضة لطمع الجنة و الخوف من النار اشار الله سبحانه الي صحة عملهم و عبادتهم عليهم السلام بصحة نياتهم رفعاً للاعاذير و دفعاً للاباطيل و ان عملهم هو الخالص لله سبحانه فقال عز من قائل يبتغون فضلاً من الله و رضواناً يعني انهم في عبادتهم و رکوعهم و سجودهم و انقيادهم لايطلبون شيئاً راجعاً الي انفسهم و انياتهم بل ما يبتغون و ما يطلبون الا فضلاً من الله لينظر اليهم سبحانه بنظر العناية و الرحمة و يدخلهم في بحر الرضوان و هي لجة الاحدية و طمطام الوحدانية لايطلبون سواه و لايريدون غيره هو سبحانه مطلوبهم و مقصودهم في جميع عباداتهم ثم ذکر سبحانه ان آثار السجود المعبر عنه بالفناء ظاهرة في ظواهرهم و بواطنهم فقال سبحانه و تعالي سيماهم في وجوههم من اثر السجود اي علامات الولاية و الرفعة و الهيمنة و الاستعلاء ظاهرة في وجوههم و رؤوس مشيات افعالهم سلام الله عليهم المتعلقة باطوار الموجودات و سراير الکائنات من المبدأ الي المنتهي و بها کتبت اسمائهم في کل شيء من العرش الاعظم الاعلي الي ما تحت الثري فان وجوه افعالهم و تصرفاتهم ظاهرة في الاشياء کلها و کل هذه الرفعة و الولاية و القدرة العامة التامة الظاهرة في وجوه افعالهم المتعلقة بالاکوان من انحاء التصرف ليس من جهة انهم هم المستقلون او هم الشرکاء مع الله ففي هذه التصرفات او الامور قد فوضت اليهم حاشا و کلا، هم العبيد الذين لايملکون لانفسهم نفعاً و لاضراً و لا

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 102 *»

موتاً و لا حيوة و لا نشوراً بل انما هذه الولاية و الهيمنة من اثر السجود الفناء و الخضوع و الخشوع لله سبحانه فلما خضعوا لله سبحانه احبهم الله سبحانه و اکرمهم و اعطاهم و ملکهم و اقدرهم هو المالک لما ملکهم و القادر علي ما اقدرهم عليه و لو شاء لاخذ منهم ما اعطاهم کماقال تعالي و لو شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليک لکن لو للامتناع و حاشا الله او يرجع في عطائه او يعطي من لايستحق و هو سبحانه لايختار من يلحقه التغيير و البحث هنا طويل و اللسان لبيانه کليل و لمااختارهم الله سبحانه بما اختارهم من کثرة الرکوع و السجود و ان في سيماهم من اثر السجود عرفهم سبحا نه کل شيء و ذکر مثلهم في اطوار الکائنات ليعرفوهم و يتوجهوا الي الله سبحانه بهم و يجعلونهم الشفعاء و الادلاء علي الله عزوجل.

و لما کانت الموجودات بجملتها يجمعها مقامان مقام الاجمال و مقام التفصيل و الوصف يکون في کل مقام علي حسبه و لماکان الوصف التفصيلي هو الذي ذکره من ظهور الولاية المطلقة بوجوهها في اطوار الموجودات علي التفصيل المتعلق کل وجه بمتعلقه الخاص به المتحقق به الاسماء التي ملأت ارکان کل شيئ ناسب ذکر هذه الصفة في اللوح المحفوظ الذي هو الفرقان و اليه الاشارة بقوله تعالي ذلک مثلهم في التورية اي ذلک الذي ذکرنا الي قوله من اثر السجود صفتهم و مثلهم سلام الله عليهم في التوراة وهي الکتاب المنزل علي موسي عليه السلام و يشار بها الي اللوح المحفوظ الذي فيه ذکر الاشياء مفصلاً و التوراة وصفها الله سبحانه بالفرقان و ان فيها تفصيل کل شيء و الکل علي العموم ليس الا اللوح المحفوظ ضرورة ‌ان التوراة المعروفة ليس فيها ما في القرآن و الا لساوته و هو في البطلان بمکان و قد قال تعالي اصدق القائلين و کتبنا له في الالواح من کل شيء موعظةً و تفصيلاً لکل شيء فخذها بقوة و أمر قومک يأخذوا باحسنها ساوريکم دار الفاسقين و المخاطب من کتبت له في الالواح الکونية الوجودية و العينية تفصيل الاشياء کلها و هو موسي الاول في التوراة الاولي فافهم و الا فاسلم تسلم.

ثم ذکر سبحانه صفتهم في المقام الاجمالي الظاهر في الفروع المفصلة کما هو مقتضي مقام الروح

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 103 *»

الاعلي في عالم الرقايق فانه مقام الوحدة المنزلة الي الکثرات و لماکان الانجيل کتاب الله المنزل علي روح الله ناسب ان يذکر مثلهم و صفتهم عليهم السلام في المقام الاجمالي الظاهر في المقام التفصيلي فقال عز من قائل و مثلهم في الانجيل کزرع اخرج شطئه و هذا مثلهم و مثالهم سلام الله عليهم في مقام التفريع الزرع هو الشجرة الالهية التي هي رسول الله صلي الله عليه و آله اخرج شطأه يعني فراخه المتولد منه المنشعب عنه و هي الشجرة الصغيرة التي تنبت من اصل الکبيرة و هي علي سنخها و جنسها و الفراخ المتولدة منه هو اميرالمؤمنين عليه السلام و اولاده الاحدعشر الطيبون المخلوقون من طينته و المتفرعون عن حقيقته صلي الله عليه و آله فآزره فقواه من الموازرة بمعني المعاونة بالامداد الالهية النازلة من حقيقته الي حقايقهم عليهم السلام في مقام الوجود الکوني او الظهور العيني لانهم المستمدون منه المتقوون به و لذا رفعه علي کتفه صلي الله عليهما لبيان انه به ارتفع و استعلي و تمکن بما تمکن من اعلاء کلمة الحق في التکوين و التشريع فاستغلظ فصار من الدقة الي الغلظ باجتماعهم المراتب الوجودية من العقل الي الجسم لان مقام الدقة و رقة الحجاب مقام العقل و مقام الغلظة و تمام الشيء و معني استغلظ انه تم في جميع المراتب الي مرتبة ‌المثال و الجسم فاستوي علي سوقه اي استقام علي قصبه و السوق جمع ساق و هذه الاستقامة انما تکون بعد تمام تکوينهم و ظهور العوالم العشرة و الاثني‌عشر و العشرين المراد بالعشرة هي القبضات في اصل تکوين الشيء من القلب و الصدر و العقل و العلم و الوهم و الخيال و الفکر و المادة و الصورة و الجسم و المراد بالاثني‌عشر الحواس الظاهرة و الباطنة و النفس و الروح و المراد بالعشرين تمام الحواس في عالم الاجمال و التفصيل او في عالم الواقعي و النفس الامري و هذا کما فعل رسول الله صلي الله عليه و آله في تمام السباحة في البحر (الابحر ظ) الاثني‌عشر ثم في الابحر العشرين ثم تقاطر منه ما تقاطر من حقايق الانبياء و کتمام دورته صلي الله عليه و آله حول جلال القدرة ثمانين الف سنة الي ان خلق نور اميرالمؤمنين عليه السلام بعد ثمانين الف سنة و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 104 *»

ذلک کله لتمام فاستغلظ فاستوي علي سوقه و لماکمل تلک الفروع المعبر عنها بالشطأ و تمت مشروحة العلل مبينة الاسباب دلت علي کمال صنع الصانع و قدرة القادر و وحدته و جلاله و جماله و کبريائه و عظمته و قيوميته تمت الولاية ‌الظاهرة في خصوصيات تلک الجهات في الظهور فيعجب الزراع اي الحامل لتلک الولاية المفصلة المقرنة بالمتعلقات الخاصة فقال معجباً عن کمال القدرة و ظهور العظمة تبارک الله احسن الخالقين فانزل الله سبحانه افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون و ذلک بحرث ارض الامکان و غرس الشجرة الکلية الزيتونة التي ليست شرقية و لاغربية يکاد زيتها يضيء و لو لم‌تمسسه نار فالغارس هو الزارع من قوله تعالي ءأنتم تزرعونه ام نحن الزارعون و قوله تعالي و مارميت اذ رميت ولکن الله رمي و اما الزراع فقد روي محمد بن العباس عن محمد بن احمد عن عيسي بن اسحاق عن الحسن بن الحرث بن طالب عن ابيه عن داود بن ابي‌هند عن سعيد بن جبير عن ابن‌عباس في قوله عزوجل کزرع اخرج شطئه فآزره اصل الزرع عبدالمطلب و شطئه محمد صلي الله عليه و آله و يعجب الزراع قال علي بن ابي‌طالب عليه السلام هـ و بالمعني الذي يکون الزرع عبدالمطلب و الشطأ محمد صلي الله عليه و آله و الزراع اميرالمؤمنين عليه السلام يکون الزراع في هذا المقام هو اميرالمؤمنين عليه السلام حرفاً بحرف و لست ادري ما يقولون في معني هذا الحديث الشريف و يؤيده ما روي عن مولانا العسکري فيما وجد بخطه و روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباکورة و روح القدس اذا کان هو العقل الکلي و الحديقة لايکون الا بارض و ماء و بذر و حب و زارع و قد قال عليه السلام حديقتنا دل علي انهم هم الزارعون و العقل الاول قد اکل اول ثمرة بستانهم الذي غرسوه و انشأوا شجرها ولکن بحکم ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون ثم ان الله سبحانه لما علم ان المنکرين لفضل آل محمد صلوات الله عليهم يحسدونه و الحاسد يشتد حسده و غيظه اذا رأي کمالاً و سمع مقالاً في مدح المحسود و قد قال الباقر عليه السلام نحن الناس المحسودون في تأويل

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 105 *»

قوله تعالي اراد الله سبحانه يشتد غيظ المخالفين و حنق الکافرين المعاندين المنکرين لاسرار آل محمد الطيبين سلام الله عليهم اجمعين فذکر مثلهم في التوراة و مثلهم في الانجيل بهم الکفار المعاندين و الاشرار المنافقين ثم لما علم الله سبحانه ان جماعة من المنافقين يستدلون بظاهر سوق الآية الشريفة تمويهاً علي المستضعفين و تلبيساً علي الضعفاء من التابعين، ان الذين کانوا مع رسول الله صلي الله عليه و آله کلهم اخيار ابرار کما ذکرهم الله سبحانه فلايجوز القدح فيهم و تخطئة آراءآهم و فساد اساسهم اراد الله سبحانه دحض حجتهم و دفع باطلهم بتمام الآية الشريفة عز من قائل وعد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات منهم مغفرة و اجراً عظيماً فبين ان ما کل من معه صلوات الله عليه بظاهر الاقرار بالکون الجسماني اهل الصدق و الصفا و مستحقي الرحمة من الله سبحانه بل فيهم منافقون و اناس ملحدون و ان کانوا بظاهرهم مسلمين کما اخبر عنهم القرآن بصريح البيان بقوله تعالي اذا جاءک المنافقون الآية و يحلفون بالله انهم لمنکم و ما هم منکم ولکنهم قوم يفرقون.

 فلايتمسک مستمسک بان الذي ذکرنا مرادنا الکون معه بظاهر اللسان حتي يرتب عليه ما رتبوه من مزخرف الکلام بل المرضيون الموعودون بالمغفرة هم المؤمنون بالجنان و اللسان و العالمون للصالحات التي هي طاعة آل محمد السادات عليهم السلام من رب البريات و هؤلاء بعض من کان معه في الظاهر بدليل منهم الدال للتبعيض و هم في الحقيقة الذين معه و المنافقون ليسوا معه فافهم لحن المقال و قد روي من طريق العامه نقله اخطب خوارزم في مناقبه يرفعه الي ابن عباس قال سأل قوم النبي صلي الله عليه و آله فيمن نزلت هذه الآية قال اذا کان يوم القيامة عقد لواء من نور انور و نادي مناد ليقم سيد المؤمنين و معه الذين آمنوا و قد بعث الله محمداً صلي الله عليه و آله فيقوم علي بن ابي‌طالب فيعطي الله من النور الابيض بيده تحته جميع السابقين الاولين من المهاجرين و الانصار لايخالطهم غيرهم حتي يجلس علي منبر من نور رب العزة و يعرض الجميع عليه رجلاً رجلاً فيعطي اجره و نوره فاذا اتي علي آخرهم قيل لهم قد عرفتم موضعکم و منازلکم من الجنة ان ربکم يقول لکم عندي

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 106 *»

مغفرة و اجر عظيم يعني الجنة فيقوم علي بن ابي‌طالب و القوم تحت لوائه معهم حتي يدخل الجنة ثم يرجع الي منبره و لايزال يعرض عليه جميع المؤمنين فيأخذ نصيبه منهم الي الجنة و يترک اقواماً علي النار هـ و من طريقهم ايضاً ابن‌مردويه الحافظ و اخطب خوارزم في قوله تعالي تراهم رکعاً سجداً انها نزلت في علي بن ابي‌طالب و قوله تعالي فاستوي علي سوقه نقل ابن مردويه عن الحسن بن علي عليهما السلام قال استوي الاسلام بسيف علي عليه السلام.

و قولکم من هم فقد عرفناک انه آل محمد صلي الله عليه و عليهم و التابعون لهم باحسان بالتبعية و الحقيقة بعد الحقيقة.

و قولکم و ما هذا الرمز فقد ذکرناه باکمل وجه و اتمه و ان اردت الرمز و المثال الصوري و الظاهري فقد قال بعض المفسرين هو مثل ضربه الله للصحابة قلوا في بدو الاسلام ثم کثروا و استحکموا فترقي امرهم بحيث اعجب الناس و ذلک بدخول الناس في دين الله افواجاً و قايس ما ذکره بما ذکرنا تري التفاوت و العلم الالهي.

قال سلمه الله تعالي: و ما معني قوله تعالي الم غلبت الروم في ادني الارض و هم من بعد غلبهم سيغلبون الآية، ما معناه من طريق التفسير و التأويل و ما معني الروم اهل البيت عليهم السلام کما في بعض التفاسير.

اقول: اما تفسير الظاهر فاعلم ان الروم اسم لابن عيص بن اسحاق بن ابراهيم عليه السلام و کان ابراهيم الخليل له ابنان احدهما اسماعيل من هاجر ام ولد و ثانيهما اسحاق و هو من سارة و ما ولد من اسماعيل من الانبياء الا نبينا صلي الله عليه و اله و اهل بيته عليهم السلام هم الاوصياء.

و اما اسحاق فقد ولد ابنان احدهما عيص و الآخر يعقوب و هو انما سمي يعقوب لانه کان عقيب عيص و يسمي يعقوب اسرائيل لانه اسر ائيل و هو ابليس من الابالسة کان يطفي بالليل سرج بيت المقدس فرصد له يعقوب ليلة فلزمه و ربطه في اسطوانة من اسطوانات المسجد فقالوا ان يعقوب اسر ائيل ثم

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 107 *»

غلب عليه الاستعمال فقالوا اسرائيل، هکذا سمعت من شيخنا العلامة اعلي الله مقامه و قد يطلق اييل علي الله فاسرائيل في اللغة السريانية بمعني عبدالله و کيف کان فبنواسرائيل من الانبياء و غيرهم من اولاد يعقوب.

و اما عيص فقد ولد له ولد اسمه الروم و الافرنج کلهم من نسله و يقال لهم بنو الاصفر لان لون الروم کان اصفر و هؤلاء کلهم نصاري و ملکهم قيصر فلما کتب سول الله صلي الله عليه و آله الي القيصر ملک الروم و دعاه الي الاسلام عظم الکتاب و اعز الرسول و احسن في الجواب و قيل انه آمن خفية و قد کتب صلي الله عليه و آله الي ملک عجم کسري المسمي بخسروپرويز اهان الکتاب و مزقه و رماه و اهان الرسول و اساء في الجواب و من هذه الحمية کان المسلمون يحبون النصاري لفعل ملکهم و هو قوله تعالي و لتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصاري الآية و کانوا اي المسلمون يکرهون العجم و الفرس لفعل ملکهم و کفار قريش کانوا يحبون العجم لمشارکتهم في العداوة مع رسول الله صلي الله عليه و آله و اظهار عداوتهم بالنسبة اليه و روحي له الفداء و لانهم ليسوا من اهل الکتاب ظاهراً بين الناس و ان کان لهم کتاب قد انزل الله اليهم اسمه جاماسب کان مکتوباً علي اثني‌عشر الف جلد ثور و بعث الله اليهم بذلک الکتاب نبياً اسمه زرداست فقتلوا نبيهم و حرقوا کتابهم و بقوا ليس لهم کتاب يعرف و هم المجوس فمن جهة مشارکة قريش لهم في عدم الکتاب کانوا يحبونهم فلما غلب فارس علي الروم فرح المشرکون فان الفرس الذين ليس لهم کتاب فنحن ايضاً نغلب عليکم و حزن لذلک و لما ذکرنا المسلمون.

و اما کيفية غلبة فارس فنذکر قصتها و ان کان يطول الکلام الا انها لاتخلو من فائدة ذکر المفسرون و المورخون ان امرأة کانت لها اولاد معروفون بالشجاعة و السخاوة و القدرة فبعث اليها کسري و قال لها اني عازم علي حرب قيصر ملک الروم و اريد ان اجعل احد اولادک رئيساً علي العسکر انظر و قولي ايکم اليق لهذا الامر قالت احد اولادي اسمه فرحان هو اشجع من الاسد و احيل

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 108 *»

من الثعلب يمضي عزمه و لايفکر عاقبته و لي ايضاً ولد آخر اسمه شهريران اشجع من الليث و احلم و اوقر من الجبل قال کسري فاني اختار الاحلم و الاوقر فبعث الي شهريران و جعله رئيساً علي العسکر وعقد له راية عظيمة و بعثه الي الروم فمضي شهريران و ظفر علي قيصر و خرب اکثر بلاد الروم و کان هذا الحرب في اذرعات و بصري و هي ادني و اقرب الاراضي الي الشام و قد غلب علي الروم في السنة التاسعة من البعثة و بلغ الخبر الي مکة ففرح المشرکون من قريش و تفألوا بذلک غلبتهم علي المسلمين و حزن المسلمون لشماتة الکفار و لما ذکرنا سابقاً من رعايتهم للنصاري و لما کان في اول الاسلام و قبل قوته انزل الله سبحانه قرآناً لتسليهم و قد قال عز من قائل الم غلبت الروم في ادني الارض و هي اذرعات و بصري او فلسطين و کسکر و غيرها علي اختلافهم في التفاسير ثم قال سبحانه تسلية و استجلاباً و جبراً لخواطرهم و هم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين و هو بين الثلاثة و التسعة.

روي عبدالله بن عقبة ان ابابکر باحت بعض المشرکين علي شيء في القمار قبل ان يحرم و جعل الموعد الي سبع سنين و لم‌تغلب الروم علي فارس تسع سنين فقال له رسول الله صلي الله عليه و اله لم‌تغلب ذلک و کلما دون العشر بضع فکان ظهور الروم علي فارس في سنة الحديبية و سبب غلبة‌ الروم علي فارس هو ان شهريران ذکر يوماً لاخيه فرحان انه رأي في المنام انه قاعد علي کرسي و ذلک بعد فتح بلاد الروم و مغلوبية قيصر فسمع کسري ذلک و کتب الي شهريران انه لمجرد کتابي اهجم الي اخيک فرحان و اضرب عنقه فکتب شهريران الي کسري في الجواب ان اخي رجل شجاع و لنا اعادي کثيرة و قتله ليس مصلحة للملک و نحن لابد لنا من شجاع قوي و لانلقي احسن من اخي و کتب کسري مرة اخري اليه انه لابد من قتله فکتب اليه الجواب الاول الي ان کتب له ثلاث مرات و کل مرة يکتب له الجواب المذکور و لم‌يجسر لقتل اخيه شفقة و محبة له فغضب کسري و عزل شهريران عن الرياسة و نصب اخاه فرحان و اراد منه ان يبعث اليه رأسه فامر اخوه و قبض علي شهريران و امر بضرب عنقه فلما رأي انه هم بقتله و انه

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 109 *»

يقتله لامحالة قال له يا اخي امهلني حتي اتکلم بکلمات ثم انت و شأنک فامهله و قال له يا اخي ان الامر الذي انت مأمور به الآن کنت مأموراً به سابقاً و قد کتب الي ثلاث خطوط و في کل مرة يأمرني ان اضرب عنقک و ابعث برأسک اليه و انا اکتب له في الجواب کيت و کيت و لم‌اقتلک و انت تبادر الي قتلي بخط واحد فهل هذا هو الانصاف و الجزاء فلما سمع فرحان ذلک نزل من السرير و عزل نفسه و اقعد اخاه و ارجع اليه الرياسة و الحکومة و تکدر خواطرهما علي کسري و کتبا الي قيصر کتاباً يواعدانه بالغلبة و الظفر فاحبا مواجهته و اجابهما علي ذلک فاجتمعا علي محل واحد مع قيصر و ذکر انهما نقضا عهد کسري لما ان بدا منه نقض العهد و بعث قيصر معهما عسکراً عظيماً و مضي شهريران الي ارض فارس و کل بلدة يصل اليها يخربها و في رواية يحرقها الي ان غلب علي کسري و انهزم الي ناحية من نواحي فارس و استولي قيصر علي اکثر ممالک العجم و هذا الخبر انما وصل الي المسلمين في عام الحديبية ففرح المسلمون و حزن المشرکون و لم‌يزل الضعف في اهل فارس الي خلافة الثاني فاستأصل ملکه واباد امره و انقطعت دولته فصدق الله و رسوله بالاخبار بالغيب و بالذي يقع هذا ما يتعلق بظاهر التفسير.

و اما التأويل فالکلام فيه طويل الا انا نذکر في هذا المقام ما ورد عن اهل البيت عليهم السلام في کتاب تأويل الآيات الباهرة في العترة الطاهرة عن محمد بن العباس بسنده عن اميرالمؤمنين عليه السلام في قوله عزوجل الم غلبت الروم في ادني الارض هي فينا و في بني‌امية و عن ابن مسکان عن ابي‌بصير عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال سألته عن تفسير الم غلبت الروم قال عليه السلام هم بنوامية و انما انزلها الله عزوجل الم غلبت الروم في ادني الارض و هم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الامر من قبل و من بعد و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله عند قيام القائم عليه السلام هـ و المراد بالنزول هکذا يعني بفتح الغين في الماضي و بضمها في المستقبل و امية کان اصله من الروم و انما تبنّاه عبدشمس من عبدمناف فاشتهر انه ابنه و انتسب اليه و ليس کذلک.

و يدل علي ما ذکرنا ما في کتاب الاستغاثة لابن ميثم قال روينا

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 110 *»

من طريق علماء اهل البيت عليهم السلام في اسرارهم و علومهم التي خرجت منهم الي علماء شيعتهم ان قوماً ينسبون من قريش و ليسوا من قريش بحقيقة النسب و هذا مما لايعرفه الا معدن النبوة و ورثة علم الرسالة و ذلک مثل بني‌امية ذکروا انهم ليسوا من قريش و ان اصلهم من الروم و فيهم تأويل هذه الآية الم غلبت الروم  في ادني الارض و هم من بعد غلبهم سيغلبون معناه انهم غلبوا علي الملک و سيغلبهم علي ذلک بنوالعباس و يغلب الکل مولانا القائم عجل الله فرجه و دولة بني‌امية و بني‌العباس واحدة في کونها مخالفة للحق و هذا ظاهر معلوم.

و اما ما ذکر جنابک من دو(کذا) الرواية:

ان الروم هم اهل البيت عليهم السلام فلم‌اعثر عليها بعد ما تفحصت بعض مظانها و الله العالم بحقيقة الحال و لو فرض ورود رواية بذلک فالمراد بالروم هم اهل البيت عليهم السلام لکونهم عليهم السلام من ذرية‌ ابراهيم الخليل عليه السلام و قد قال تعالي خطاباً لهم عليهم السلام ملة ابيکم ابرهيم هو سميکم المسلمين من قبل و في هذا ليکون الرسول شهيداً عليکم و تکونوا شهداء علي الناس و تنزيل هذه الآية فيهم عليهم السلام فيصح اطلاق الروم عليهم بهذا المعني و التقريب.

او ان الروم في تفسير ظاهر الظاهر بمعني القصد و المقصد و المقصود في کل خير و نور و ظهور ان ذکر الخير کنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه، من اراد الله بدأ بکم و من وحده قبل عنکم و من قصده توجه بکم فعلي هذا (هم ظ)سلام الله عليهم غلبوا علي حقهم ظاهراً و الا فدولتهم مازالت و سلطنتهم ما ارتفعت و لو بدعوي مدعي باطل تزول السلطنة و ترتفع الکبرياء و العظمة لزالت سلطنة الله و کبرياؤه بادعاء فرعون انه الله، تعالي الله عما يقولون علواً کبيراً و لذا قال مولانا الصادق عليه السلام في جواب مفضل لما قال ان جماعة يزعمون ان المراد بالرجعة رجوع دولتکم بظهور المهدي عجل الله فرجه قال عليه السلام ويحهم متي اخذت الدولة منا حتي ترجع الينا نقلت معني الحديث و هذا لاشک فيه فالمراد بالمغلوبية هو ما ظهر للناس من خفاء امرهم عليهم السلام نعم ربما يرد الاشکال علي هذا التفسير و ما قبله ان الغلبة ما کانت في بضعع سنين قطعاً و الجواب في

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 111 *»

قوله تعالي لله الامر من قبل و من بعد اي يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الکتاب و قد ورد هذا المعني في عدة روايات يطول بذکرها الکلام و فيما ذکرنا کفاية.

قال سلمه الله تعالي: و ما يقول سيدنا في قول مولانا الرضا عليه السلام لعمران الصابي ان المبدأ الواحد الکائن الاول لم‌يزل واحداً لا شيء مه فرد لا ثاني معه لا معلوماً و لا مجهولاً و لا محکماً و لا متشابهاً و لا مذکوراً و لا منسياً و لا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الاشياء و لا من وقت کان و لا الي وقت يکون و لا بشيء قام و لا الي شيء استند و لا في شيء استکن و ذلک کله قبل الخلق اذ لا شيء غيره.

اقول لما کانت مسألة التوحيد و ابداع الخلق و الربط بين الحادث و القديم من امهات المسائل و مهماتها اذ عليها يبتني جميع قواعد الدين و فيها وقع الاشتباه العظيم و الاختلاف الشديد بين المسلمين و ما اکتفي عمران بالاشارة في الجواب و الفهم بلحن الخطاب کما فعل عليه السلام غير مرة اراد عليه السلام بسط المقال في هذا الاحوال و توضح الکلام في الجواب فقال عليه السلام ان الکائن الاول لم‌يزل واحداً لا شيء معه في رتبة ذاته و الاشياء کلها اي الممکنات و الامکانات باسرها في مرتبة ذاته تعالي معدومة ممتنعة لا ذکر لها فيها اصلاً فکان فرداً لا ثاني معه في الصفات و لا في الذات فهو الاول الذي ليس له ثاني فهو دائماً اول کما في الصحيفة السجادية کذلک انت الله الاول في اوليتک و علي ذلک انت دائم لاتزول فاذا کان کذلک فآخريته هي اوليته و بالعکس لا بالاضافة الي شيء من الاشياء و صفة من الصفات و قران من القرانات فاذن لا ثاني له مطلقاً لا معلوماً مدرکاً للمشاعر بجهة من الجهات و اعتبار من الاعتبارات و لامجهولاً اي شيئاً ثابتاً لاتدرکه المشاعر و لاتحويه الضماير او المفرد من عدم الغيرية لاستدعاء الازلية و ذاتية الوجود اياه و لا محکماً اي امراً لا شبهة فيه و المتقن الموجود علي کمال الاعتدال والاستقامة الجاري علي

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 112 *»

محض الحکمة من وضع کل شيء في موضعه و لا متشابهاً بخلاف ما ذکرنا الجاري علي خلاف الاعتدال بحقيقة ما هو اهله بالنسبة الي الاول و الا فالمتشابه ايضاً من المحکم و لذا نقول اعوجاج الجيم من الاستقامة والله سبحانه جعل هذا الاختلاف و عدم الاعتدال من الاستقامة و اِحکام الصنع کما في قوله تعالي فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام و من يرد ان يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً کأنما يصعد في السماء کذلک يجعل الله الرجس علي الذين لايؤمنون و هذا صراط ربک مستقيماً فاذن لامتشابه اصلاً کماقال عزوجل صنع الله الذي اتقن کل شيء فالمتشابه من القبضة المأخوذة بالشمال و المحکم من القبضة المأخوذة باليمين و ان کان کلا يديه يمين فاذن لا ذکر للاشياء في الذات فلا محکم هناک و لا متشابه و لا مذکوراً بالامکان او الکون في رتبة العقول و الارواح و النفوس و الطبايع و المواد و الامثال و الاشباح و الاجسام و الاجساد و الاعراض و الصور و الهيئات و المقادير و هکذا متسافلاً و کذلک متصاعداً الي مقامات الفؤاد و نقطة الکلمة و الفها و حروفها و کلمتها نفسها و دلالتها و قرانات حروفها بعضها ببعض و وقوع الدلالة علي قلب المخاطب و الاطوار الحاصلة من تلک المقارنات و الالزامات و ظهورات الاسماء و حقيقتها و مواقعها و محالها و هکذا ساير المراتب او کل ما هو مذکور في هذه المراتب و المقامات ممتنعة في رتبة ‌الذات فلا مذکور سواه الا و هو مخلوق فلايکون معه و لايکون هو سبحانه موصوفاً به و لا منسياً اي متروکاً معرضاً عنه کما في قوله تعالي نسوا الله فنسيهم او منسياً غير مذکور بالاضافة اذ کثيراً من الاشياء يکون مذکوراً في مقام و عالم و منسياً في عالم آخر مثل ما يوجد ذکره الامکاني و لم‌يکن في الکون مثل سعادة الاشقياء و شقاوة الانبياء و مح و غيرها و قد يکون اشياء مذکورة في عالم العقول و لم‌يتشخص و لم‌يتصور في عالم النفوس فهي هناک منسية و هکذا نفس المراتب و المقامات.

و اما المنسي بحيث لا ذکر له في رتبة من المراتب حتي في الامکان فلا وجود له اصلاً بوجه من الوجوه لان متعلق الجعل لايکون عدماً بحتاً و الحادث بنفسه لايتکون و لو

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 113 *»

فرض التکون فهو مذکور في محل التکون و القديم لايکون وجوده الا ذاتياً متأصلاً مذکوراً عنده فلايکون منسياً و لا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الاشياء غيره.

فلما فصل بعض الاشياء و امثال ما ذکر لايتناهي اراد ذکر ما يعم القول و يحمله و لايشذ منه شيء فقال انه سبحانه ليس شيئاً يقع عليه اسم شيء من ساير الاشياء غيره و کل ما وقع عليه اسم فهو حادث لان الاسم يقتضي الارتباط بينه و بين المسمي و کل ما فيه ارتباط و اقتران حادث فبقي القديم هو الذي لا اسم له و لا رسم مع ان الاشياء کلها اسماء له فکل شيء غيره مما يقع عليه اسم شيء من الاشياء الموجودة الممکنة او المکونة فهو خلقه و الخلق الحادث لايصح ان يکون مقترناً بالقديم الازلي و لا ان يکون موجوداً معه فانما بين عليه السلام تنزيهه سبحانه عن مطلق الاقتران و کون شيء معه في الازل و هذا التنزيه هو الاصل و الأس و الأساس في التوحيد لکن بشرط ان يکون بلا اشارة اما اذا کان مع الاشارة فليس تنزيه و انما هو تحديد و لاجل عدم الفرق بين المقامين اشتبه الامر علي جماعة من الفحول فقالوا بالجمع بين التشبيه و التنزيه فراراً عن التحديد و التجسيم فوقعوا فيهما و ضلوا و اضلوا کثيراً و ضلوا عن سواء السبيل.

و لما ذکر عليه السلام حکم التنزيه اراد ان يبين تذوته سبحانه و استقلاله و انه باين عن صفات المخلوقين متأصل متقوم بمحض ذاته لا بشيء سواها فقال عليه السلام و لا من وقت کان و لا الي وقت يکون اي يکون له اول و آخر قد تحدد الوقت و الزمان کالممکنات اذ لا بقاء لها الا بالوقت و هو من اجزاء العلة الصورية و الشيء لايقوم الا بمادة و صورة و لا بشيء قام من القيامات الاربعة القيام الصدوري کقيام المعلول بالعلة و الاثر بالمؤثر و الکلام بالمتکلم و الشعاع بالمنير و القيام الرکني العضدي کقيام الصورة بالمادة و قيام الشيء بالمادة و الصورة و القيام الظهوري کقيام المادة بالصورة و ظهور الشمس بالارض و الجدار و القيام العروضي کقيام الاعراض بالجواهر کالالوان و الهيئات بالاجسام و قد بسطنا القول في هذه القيامات في تفسيرنا علي آية الکرسي و کتابنا اللوامع الحسينية فان فيهما في هذا البحث اسرار عجيبة غريبة

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 114 *»

لاتتحملها العقول والافهام الا بعناية خاصة من الملک العلام و لا الي شيء يقوم اي يکون تقومه و تحققه منتهية الي شيء من الاشياء کالذوات السيالة المتجددة التي اذا انتهت الي غاية کمالها استقلت اي حفظت الصورة النوعية في عين اضمحالالها ککون الانسان تراباً ثم دخاناً ثم سحاباً ثم مطراً ثم کيلوساً ثم کيموساً ثم دماً ثم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم اکتساه لحماً ثم انشأه خلقاً آخر فلما انتهت فطرته و خلقته الي هذه الصورة و الهيکل استقلت و قامت بالروح فلايزال کذلک لاتفقد هذه الصورة و الهيئة و الروح ان کان من اهل الايمان المستقر و لا کذلک ربنا عزوجل لاتعتريه الاحوال و لاتتغير بانتقال و لا زوال و لا الي شيء استند کيف و هو سبحانه سند من لا سند له و ذخر من لا ذخر له و استناده تعالي بذاته لا بشيء سواه و الا لم‌يکن وجوده عين ذاته لذاته بذاته هف و استناد الاشياء کلها بفعله تعالي اذ لا اقران لها بذاته جل و علا لانها هناک معدومة و العدم البحت لايقترن بالوجود الصرف و لا في شي‌ء استکن و حل و استجن.

و لماکانت هذه الامور التي نفاها عليه السلام عنه تعالي بعضها مما يثبت له تعالي بضرورة الاسلام و الايمان بل بضرورة العقل مثل کونه تعالي معلوماً و مجهولاً و مذکوراً و خالقاً و فاعلاً و هما يستلزمان الاتصاف و الاستناد و ذلک ينافي ما نفاه الامام عليه السلام کلياً بقول مطلق اراد عليه السلام ان يذهب هذه الواهمة و يبطل هذا الايراد و يوضح هذا الاشکال بقوله عليه السلام و ذلک کله قبل الخلق اذ لا شيء غيره اي ما ذکرنا من الامور المنفية من کونه تعالي ليس بمعلوم و لا مجهول و لا مذکور و لا منسي و لا محکم و لا متشابه و غيرها کل ذلک انما هي قبل الخلق اذ لا شيء غيره حتي يکون باعتبار ذلک الغير معلوماً و مجهولاً و مذکوراً و منسياً و يجعل له اسماً يدعوه بها هو هو و لا شيء سواه فاذا کان کذلک تنفي عنه جميع الصفات و الاسماء التي نسبها النسبة و ارتباط و اقتران.

و اما وصفه تعالي بتلک الاوصاف و اثبات بعض الامور فانما هو بعد الخلق و نسبته اليه تعالي فيکون سبحانه معلوماً عندهم بالاثار مجهولاً بالذات

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 115 *»

مذکوراً عندهم يذکرونه تعالي عند الطلبات ودواعي القابليات فحصول هذه الاشياء انما هو عند الخلق و مع الخلق اما قبل الخلق فلا اسم و لا ذکر و لا مذکور و لما کان في هذا الکلام توهم تغييره تعالي بخلقه و تجدد الحالات له تعالي و قد قامت الضرورة علي بطلانه اراد عليه السلام دفع هذه الواهمة فقال عليه السلام و ماوقعت عليه من الکل فهي صفات محدثة و ترجمة يفهم بها من فهم اي مااوقعت عليه سبحانه من الصفات و الاسماء بقول مطلق فهي ليست ذاتية توصف الذات بها حتي يلزم التغيير و تجدد حال له و تفاوته قبل الخلق و بعد الخلق و انما هي صفات و اسماء حدثت عند تعلق فعله تعالي بمفعولاته فهي حادثة منتهية الي الفعل لا الي الذات و هي صفات الافعال لا صفات الذات و لکن الفعل لما کان مضمحلاً و فانياً عند الذات لا ذکر له معها تنتقل (ينتقل ظ) الذهن عند ملاحظة هذه الصفات الي الذات و هذه الذات الملحوظة المدرکة بتلک الاوصاف ليست هي کنه الذات و انما هي مثالها الذي نسميه بالذات الظاهرة و هي الذات المعبرة في المشتقات و تمام هذا الکلام في هذا المقام في شرح الخطبة الطتنجية فاذن لايلزم التغيير و اختلاف المتوهم و الذات سبحانه علي ما هي عليه قبل الخلق و بعد الخلق و مع الخلق بلا نسبة و ارتباط الا نسب فعلية لاتصل الي الذات البحت سبحان ربک رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمدلله رب العالمين و هذا الذي ذکرنا مختصر بيان الفقرات الشريفة.

قال سلمه الله تعالي: و قال ايضاً عليه السلام لعمران الصابي اما الواحد فلم‌يزل واحداً کائناً لا شيء معه بلاحدود و لا اعراض و لايزال کذلک ثم خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً باعراض و حدود و ثم سيدي تفيد التراخي عند اهل العربية ما هذا التراخي و ما معناه و الله منزه عن المکان و الزمان و ما معني هذه المذکورات علي التفصيل اَفِدني سيدي فداک ابي و امي و نفسي فاني مضطر فقير الکي فلاتردني من بابک خائباً و انا والله محتاج و اي محتاج فبالله عليک

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 116 *»

اجبني و عندي اناس هم ممن يرون رأيکم و متعطشين لکلامکم فارشدونا معلومکم فانه مااخذ الله علي الجهال ان يتعلموا حتي اخذ علي العلماء ان يعلمونا الله الله سيدنا فاني قصدت جنابک الاقدس فلاترد فانک اهل الکرم و الجود حرره عبدکم و مملوککم و قنکم و فقيرکم محمد بن حسين بن خلف بن سلمان البحراني.

اقول هذا آخر مسائله و کلامه اعلي الله مقامه و افاض عليه من جزيل انعامه المراد بالواحد هنا ذات الله سبحانه اي الاحد قد يطلق احدهما و يراد به الآخر واما الوضع الحقيقي فالواحد موضوع للصفة الفعلية و فيه وحدة ظاهرية و کثرة اجمالية و لذا لاينفي بنفيه القليل و الکثير کما ينفي بنفي الاحد فلو کان للذات البسيطة المحضة من حيث هي بلاحدود و اعراض کان لايبقي بنفيه شيء فظهر انه للصفة التي هي الوجه الواحد من الذات فالاحد موضوع لوحدة صرف الذات البحت مجردة و معراة عن جميع السوي و الغير و الواحد موضوع للوحدة الوصفية في مقام القيومية و الوضع في کلا المقامين يقع علي العنوان و ذلک ان ذات الله سبحانه لاتدرک و لاتنال و لايتغير عن حال الي حال و انما ظهوره بصنعه و معرفته باثر فعله و هو سبحانه تجلي لخلقه بخلقه و عرفهم نفسه بنفسه فلما وجدوا غابوا عن وجدانهم و شهودهم فعرفوا ربهم بما نقش في لوح ذاتهم و حقيقة سرهم و دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فماعرفوه الا من انفسهم لکن مصون السر عن النظر اليها و مرفوع الهمة عن الاعتماد عليها فکان ظاهرهم هياکل بشرية و باطنهم اسرار الهية و نشآت قدسية و مظاهر الاحدية.

و لماکان بين الاسم و المسمي و اللفظ و المعني لابد من المناسبة‌ الذاتية فوجب ان تکون الاسماء الالهية الدالة علي التوحيد مستنطقة و مستخرجة من الحروف الخلقية و لماکان حدود الخلق ستة و هي الايام الستة التي خلق الله فيها الشيء فکانت الواو هي الاصل في الدلالة علي نفس الخلق من حيث هم و اذا کشفت عن باطن الواو الذي هو باطن الحدود الخلقية و نظرت الي سرها بزبرها و بيناتها استنطقت منها الاحد لکونه ثلاثة‌عشر فدل ظاهر الخلق علي حقيقة

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 117 *»

التوحيد الفرد و الي هذا المعني وقعت الاشارة في الانجيل بقوله تعالي يا انسان اعرف نفسک تعرف ربک ظاهرک للفناء و باطنک انا هـ اي ظهور توحيدي لا سر ذاتي کما يقوله الملحدون من الصوفية فمن سر الواو ظهر الاحد فاذا اضفت الواو الي الاحد و نسبت الخلق اليه بکونه اليه و به و عنه علي جهة الاضمحلال و الزوال باظهار سر القيومية ظهر الواحد فالواحد فيه ذکر الغير علي جهة الاضمحلال و الاحد لا ذکر للغير لانه ظهور بعد القاء الواو و ظاهر نفسه فلا ذکر للغير فيه فالاحد هو الربوبية اذ لا مربوب لا ذکراً و لا عيناً و لا کوناً و الواحد هو الربوبية اذ لا مربوب کوناً و عيناً و الربوبية اذ مربوب ذکراً و الاحد رتبة الذات و الواحد رتبة الاسماء و الصفات فهو ينبوع الاسماء و حقيقة المسمي من حيث هو کذلک و الواحد الذي ليس من الاعداد هو الاحد و هو الذي به اختص القديم سبحانه و الواحد الذي هو مبدأ الاعداد و مقابل الاثنين و الثلاثة فهو من الاعداد لکنه ثلاثة لان الممکن لايخلو عن جهات ثلاثة الا ان الوحدة لما غلبت عليها اضمحل حکم التثليث و بقي حکم الوحدة من قبيل اطعني اجعلک مثلي و کما تقول للشخص انه صفراوي المزاج و ان کان لايخلو من ساير الاخلاط فکان اول الاعداد بل اول الاشياء و مبدؤها الثلاثة فاول الفرد ثلاثة الزوج اربعة و الاثنان اجمال الاربعة و الواحد اجمال الثلاثة و لذا کان المثلث ابا الاشکال و اصلها و هو شکل ابينا آدم عليه السلام في العوالم الالف الف فنفي الوحدة العددية عن القديم سبحانه لکونه ثلاثة و هي تستلزم الکثرات کلها و جملتها و لماکان الواحد فيه ما ذکرنا من عدم التمحض في الوحدة الکاملة البالغة قال عليه السلام في تفسيره اما الواحد انما عبر عنه بهذا اشارة و رعاية لقول عمران فيما تقدم ما لقيت من يثبت لي واحداً قائماً بوحدانيته فاراد عليه السلام اثبات الواحد له کما اراد بما اراد لما اراد فقيد الواحد بقوله فلم‌يزل واحداً کائناً فنفي عنه تعالي الاضداد و الشرکاء لان الذي لم‌يزل کائناً ثابتاً لايزول و لايحول و لايتغير و لايتبدل و لايحس و لايمس امتنع ان يکون له مثل اذ لو فرض وجب ان يکون قديماً موجوداً فاشترکا في القدمية و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 118 *»

اختلفا بالمميز فتغيرا ادخالهما قبل الفصل و التميز غير حالتهما بعد الفصل و التميز و القبل و البعد هنا لا ذاتيان لا زمانيان فلم‌يکونا ازليين اذ حدث فيهما ما لم‌تکن قبل فکانا حادثين لعدم کون الوجود ذاتياً و الا لم‌يفقد اشياء و حالاً لم‌يکن فالذي وجوده ذاته امتنع تعدده و تکثره بحصول الترکيب و التغيير المنافيين لعينية الوجود کما اثبتنا في رسالة منفردة.

و قوله عليه السلام و لا شيء معه رد و ابطال لقول من زعم استجنان الاعيان الثابتة في القدم و الازل و انها قديمة اذ القديم ما لم‌يتعلق به جعل جاعل و الاعيان عندهم کذلک سواء قلنا ان الشيء اعم من الوجود ام مساوق له و کذا القول بزيادة الصفات عن الذات کما هومذهب الاشاعرة و کذا القول بان بسيط الحقيقة کل الاشياء و ان الوجودات کلها في ذات الله بنحو اشرف و امثالها من الاقوال لان الذي ازلي غير مستند الي شيء وجوده ذاته بذاته فلو فرض ان لغيره ايضاً وجود و تحقق فان کان وجود الغير عين ذاته بکل اعتبار ارتفعت الاثنينية و ان لم‌يکن عين ذاته کان فاقداً لذلک الوجود فلم‌يکن الوجود ذاتياً لان الذاتي لايتخلف هف فالذي هکذا لايکون معه شيء بل ابداً له ذکر في ذاته و صفاته الذاتية التي هي عين ذاته.

قوله عليه السلام بلا حدود و لا اعراض رد و ابطال لقول القائلين بوحدة الوجود فان الوجود هو ذات الله سبحانه و الخلق حدود و اعراض لذلک الوجود تعينه بحد فيکون منشؤه مرتبة من المراتب کالبحر والامواج کماقال شاعرهم:

البحر بحر علي ما کان في القدم

ان الحوادث امواج و اشکال

سبحانه و تعالي عما يقولون علواً کبيراً فان المحدود ينفعل بالحد و يتغير به لان حالة الاطلاق غير حالة‌ التقييد ثم ان المحدود لو لم‌يکن صالحاً للحد ما يصح تحديده به و جهة الصلوح غير جهة‌ الذات فتکثر الذات عند ذکر تلک الصلوحيات مع ان کل ما يقبل الحد يقبل الزيادة و النقصان و کذلک القول في الاعراض لانها هي الحدود او اعم منها و لاشک انها خارجة عن حقيقة الذات و لايتصل بها الا لما بينهما من المشابهة و الملائمة و الايتلاف و کلها نسب يجب تنزيه الباري سبحانه عنها لاستلزامها الترکيب و کون الواجب حادثاً او الحادث

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 119 *»

واجباً لان النسبة تستدعي اتحاد الصقع في المنتسبين لانها رابطة و وصلة و الشيء الذي کلها سواه معدوم عنده لايقترن بشيء و لايتصل به و لايرتبط معه ثم ان الاعراض ان کانت حادثة يلزم ان يکون الواجب محلاً للحوادث و ان کانت قديمة يلزم تعدد القدماء و في هذا القول ايضاً اشعار الي ابطال ماذهب اليه المتکلمون من ان موضوع علم الکلام هو ذات الله تبارک و تعالي مع اتفاقهم بان الموضوع مايبحث فيه عن عوارضه الذاتية و الله سبحانه منزه عن ذلک کله.

قوله عليه السلام و لايزال کذلک يعني انه تعالي لايتغير بخلقه الخلق لتکون له حالتان حالة قبل الخلق و حالة‌ بعد الخلق بل حاله سبحانه واحد في الحالين و هذا دليل عدم النسبة و ان نسبة الخالقية و المخلوقية لم‌تقع في رتبة ‌الذات و انما هي في مقام الاسماء و الصفات الفعلية الاضافية فلو کانت النسبة جارية علي الذات تغيرت البتة و ماصح القول بانه تعالي لايزال منزه عن الاقتران لان النسبة تابعة للمنتسبين فقبل وجود احدهما لم‌يوجد لاستحالة النسبة الا في الشيئين و حيث کانت الحوادث معدومة وجدت بالايجاد کانت النسبة عند الايجاد فان کانت هذه النسبة مع الذات لم‌تکن حالها قبل الخلق هي حالها بعد الخلق و هذا خلاف ما اجمع عليه المسلمون فابطل عليه السلام بهذا القول الربط بين الحادث و القديم کما عليه جماعة من الناس وکذا ابطل بذلک قول من توهم من قولهم عليهم السلام کان الله و لم‌يکن معه شيء بان الله سبحانه کان في وقت لم‌يکن هناک شيء ثم صارت الاشياء في وقت آخر فيکون زمانه فاصلاً بينه و بين خلقه حتي توجه عليهم کلام بعض الحکماء من ان هذه الفاصلة الزمانية لاتخلو اما ان تکون متناهية او غير متناهية فان کانت متناهية لزم تحديد الواجب و ان لم‌تکن متناهية يجب ان لايوجد الخلق الي الآن اذ کل وقت فرض حدوث الخلق تناهت الفاصلة و لزم التحديد ثم ان هذا الوقت و الزمان الذي کان و لم‌يکن شيء لايخلو اما ان يکون شيئاً ام لا؟ فان لم‌يکن شيء ارتفعت السابقية و ان کان شيئاً لايخلو اما ان يکون حادثاً او قديماً فان کان حادثاً وجب ان لم‌يکن في وقت ثم ننقل الکلام في ذلک الوقت بعين ما

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 120 *»

ذکرنا فيدور او يتسلسل او ينتهي الي عدم الوقت و الزمان و ان کان قديماً لزم تعدد القدماء و ذلک معلوم البطلان.

و لما تنبه بعضهم الي هذه المفاسد و اشباهه من انقطاع الفيض الغير اللايق بالکريم الفياض و التعطيل في ما يصح الافاضة و الفعل و غير ذلک قال و يجب ان تحمل الزمان السابق علي خلق الاشياء المستفاد من قوله عليه السلام کان الله لم‌يکن معه شيء علي الزمان الموهوم المتوهم لا الموجود المحقق حتي يلزم ما ذکرنا و ليت شعري ما الذي نفعه هذا التوهم اذا لم‌يکن صادقاً مطابقاً لما في الواقع و المفروض ان في الواقع الوجودي لا وقت و لا زمان و اما الواهمة فهي منوطة بوهم الواهم فاذا لم‌يتوهمه قبل خلقه و قبل خلق الواهمة و التوهم کيف کان الامر هل کان زمان و وقت لم‌يکن فيه شيء ام لا و عليه العمدة و الاعتماد و الواهمة لاتغير الحقايق المتأصلة الوجودية و کل هذه المغالطات انما نشأت من ظواهر الاخيار و الآثار و الادعية کما في الدعاء يا ذا الذي کان قبل کل شيء ثم خلق کل شيء و غير ذلک و هم عليهم السلام لماعرفوا ذلک من قوله تعالي و ما ارسلنا من قبلک من رسول و لا نبي الا اذا تمني ألقي الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ارادوا عليهم السلام نسخ القاء الشيطان من کلامهم عليهم السلام فقالوا کما عن اميرالمؤمنين عليه السلام فان قيل کان فعلي ازلية الوجود و ان قيل موجود فعلي تأويل نفي العدم فبين ان کان ازلية لا زمانية و الازل ليس عنده قبل و بعد و متي و القبل هو عين البعد و العکس و الاولية هي عين الآخرية کالعکس کماقال اميرالمؤمنين عليه السلام لم‌يسبق له حال حالاً ليکون اولاً قبل ان يکون آخراً و يکون ظاهراً قبل ان يکون باطناً فاذن يکون حاله قبل خلق الخلق هو حاله بعد الخلق فکما کان و لم‌يکن معه شيء و کذلک يکون ابداً لم‌يزل و الا کانت له حالتان و متغير الحالة حادث و لذا قال عليه السلام في جواب عمران و لايزال کذلک اي کائناً لا شيء معه بلاحدود و لا اعراض فبالاول نفي ما نفي ما عليه المتکلمون و بالثاني نفي ما عليه الصوفية الملحدون و اظهر الحق الصريح و لو کره المشرکون و قد بين الامام عليه السلام في هذه الکلمات جميع ما يتعلق بامر التوحيد و الاسماء و الصفات و ظهور

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 121 *»

الوسايط و کونه منزهاً عن وصف الواصفين و متعالياً عن ادراک العارفين و ان الاشياء لاتنتهي اليه تعالي و لاتقترن بها بل مرجع الاشياء و مصدرها ما يشابها فـرجع من الوصف الي الوصف و دام الملک في الملک و انتهي المخلوق الي مثله و ألجأه الطلب الي شکله.

 فبقوله عليه السلام اما الواحد اشار الي الصفات کلها و الي الاحد الذي هو الذات اما الصفات کلها فانها کلها مقهورة تحت الواحد فان الصفة هي ظهور الذات باثر من الآثار الفعلية و قد قلنا ان جميع مراتب الخلق تنحصر في قوي الواو فاذا اضيف الي الاحد الذي هو ظهور الذات فتکثر الاسماء و الصفات للشيء الواحد لان الظهور بالمتعلق ينصبغ بصبغه فالظهور بالرحمة يکون الرحمن و الظهور بالخلق يکون خالقاً و الظهور بالعظمة يکون عظيماً و هکذا الي ما لا نهاية له من الاسماء التي تظهر و تشتق عند وجود المبدأ الذي هو الاثر و لذا کان الواحد مبدأ الاعداد الغير المتناهية و اما الذات فلأن الواحد لا قوام له بالاحد ضرورة ان الصفة لاتقوم الا بالذات بنحو من انحاء القيام کما فصل في محله و برهن في موضعه.

و بقوله واحداً کائناً اثبت جميع مراتب التوحيد التي ترتقي کليات مراتبه الي خمسة آلاف و مأتين و ثمانين مرتبة.

و بقوله عليه السلام لا شيء معه اثبت تنزهه عن جميع الممکنات اذ لا علي ما هو اجراه.

و بقوله عليه السلام و لايزال کذلک اثبت انقطاع الخلق عن الوصول الي عز جلاله و انقطاع النسبة مطلقاً بينه و بين خلقه فلاينتهي شيء و لايتصل به شيء و الخلايق لا محيص لهم عن النسبة و الا عدموا و فنوا و اضمحلوا فتکون النسبة الي اسمائه و صفاته و هي لمظاهره و مقاماته التي لاتعطيل لها في کل مکان و هو قوله تعالي و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع الآية و شرح هذه الاحوال يضيق القلب بابرازها في السطور و لايضيق باخفائها في الصدور مع ما يستلزم من تطويل المقال و ليس لي الآن ذلک الاقبال.

قال عليه السلام ثم خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً باعراض و حدود مختلفة لا في شيء اقامه و لا في شيء حده و علي شيء حذاه و مثله له.

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 122 *»

اقول هذا التراخي ليس زمانياً ليتخلل زمان بين ذاته و بين خلقه و لا دهرياً و لا سرمدياً و لا طبعياً و لا ذاتياً کتقدم حرکة اليد علي حرکة المفتاح و لا غير ذلک من انحاء التقدم و التأخر و انما هو تراخي حقيقي بلا کيف و لا وضع لان جميع ما يتصور من انحاء التقدم و التأخر و اقسامه کل ذلک مخلوق بهذا الخلق و لايجري عليه ما هو اجراه و هذا الخلق هو الفعل المخلوق اولاً عبر عنه بالمخلوق المبتدع رداً علي من يزعم انه امر اعتباري لا وجود له متحقق و هو باطل و انما هو مخلوق مصنوع مخترع مبتدع ذات تذوتت بها الذوات و تحققت بها الکينونات فکيف يکون امراً اعتبارياً و اثره ذوات متأصلة فان المفعول معمول للفعل و محدث به و لايعقل تذوت المعمول و اعتبارية العامل المؤثر بالفعل ايضاً عامل في الفاعل لکون فاعلية الذات انما تکون بالفعل لا بالذات و الا لزم الاقتران و التغيير المنفيين باجماع المسلمين و هذا الخلق انما وصفه بالابتداع علي معني الاختراع فان احدهما يطلق علي الآخر اذا افترقا و الاختراع هو الخلق لا من شيء اصلاً فيکون هو مبدأ الموجودات اذ کلها مخلوقة من شيء اي من المادة التي احدثها الله سبحانه فهذا الخلق فهو المخترع بالاختراع الاول الذي هو نفسه و حقيقته سبحانه اول ما خلق الفعل و هو المشية و الارادة و الابداع و الاختراع خلقه بنفسه لانه حرکة ايجادية و هي لاتتولد من الذات و انما تحدثه بنفسها لا بحرکة غيرها کماقال عليه السلام خلق الله الاشياء بالمشية و خلق المشية بنفسها فنفس المشية هي جهة فاعلية نفسها بالله تعالي فتدور المشية عليها علي خلاف التوالي لکون الاستدارة‌ استدارة المعلول علي علته و هي تدور علي المشية علي التوالي لکونها استدارة العلة علي معلولها و بلافرض العلية و الفاعلية لم‌يتحقق الشيء ضرورة ‌ان المفعول يتقوم بفاعله و المعلول يتقوم بعلته الا ان العلة لماکانت صفة فعل لا صفة ذات لاستلزامها المقارنة و المناسبة و المرابطة لايجوز ان ينتسب الي الذات لتعاليها عن الاقتران فوجب ان تکون تلک الصفة في رتبة الفعل عند احداث الفعل نفسه يکون للفعل جهتان جهة هي تلک الصفة اي الفاعل و العلة التي هما اسما الفاعل لا اسما

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 123 *»

الذات و جهة هي الانية المعلولة فالعليا تدور علي السفلي علي التوالي و السفلي تدور علي العليا علي خلاف التوالي و التمييز بين العليا و السفلي انما عند التعلق بالآثار و المتعلقات.

و اما في ذاته فانما هو شيء واحد بسيط لاتعتبر فيه جهة و کيف و اقتران و اتصال کما قال الرضا عليه السلام و لاکيف له اي للفعل کما انه لاکيف لذاته و لماکان الجعل و الاحداث لايتم في التأثير الا بالکيفيات الاربع لان کل واحد منها شرط لتحقق الاخري في الظهور و الوجود و لذا قلنا اذا تعلق الفعل بالمفعول حدث هناک اربع کيفيات النار لحرارة الحرکة الايجادية المعبر عنها بالفعل و لاستقراره في نفسه و عدم صيرورته نفس المفعول کما هو مذهب طائفة و الهواء لربط بالمفعول و نسبة اليه فالربط رطوبة و رطب و جهة الفاعل حرارة‌ الماء لربط المفعول بالفعل و توجهه اليه للاستمداد منه التراب لحفظ المفعول ما يقع عليه من تأثير الفعل و الفاعل و هذه الطبايع مما لابد منه في ممکن من الممکنات الا انها تختلف ظهوراً و خفاء لشدة بساطة المفعول و ترکيبه اي ظهور البساطة و الترکيب و الا فالترکيب لايخلو منه ممکن کما اشتهر في قولهم کل ممکن زوج ترکيبي.

و لماکان هذا الخلق الاول وجد بنفسه لا بامر آخر غيره کانت الطبايع هناک متحدة فالنار هناک هي نفس الثلاثة و هي نفس النار و کل واحد منها نفس الآخر بل هو شيء واحد يطلق عليه هذه الاسماء کما تقول ان الله تعالي عالم قادر سميع بصير و کل واحد من هذه الصفات هناک غير الآخر و اختلافها انما ظهر باعتبار الآثار و المتعلقات و هذا المثال تقريبي و الا فالمشية عند الذات مختلفة کما صرح عليه السلام في المتن کما نبين لک ان شاء الله تعالي و لذا عبر عنه عليه السلام بالاختلاف لانه کلامه في الوحدة المحضة کما هي شأن سؤال عمران فيکون الفعل هو اول الخلق و هو المختلف في ذاته بالطبايع الاربع و ان کان بينها اتحاد و ايتلاف و هذه الطبايع ايضاً ظهرت فيه في الکونين و العالمين المعبر عنهما بالعقدين و الحلين ففي الحل الاول فالرطوبة فيه غالبة لانها هناک اربعة ‌اجزاء و اليبوسة جزء واحد من الحرارة و البرودة بالنسبة و في

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 124 *»

الحل الثاني فاليبوسة فيه غالبة لانها هناک جزء واحد و الرطوبة جزءان فيحصل الانعقاد ففي کيفية خلق الفعل اخذ سبحانه و تعالي من رطوبة الرحمة بتلک الرطوبة التي هي نفس الرحمة بنفس الرطوبة بتلک النفس اربعة اجزاء بها و من هبائها اي اليبوسة نفسها بها جزء به ثم صعد بها بنفس الصعود في هواء عالم الظهور فتراکمت بها و انعقدت بها به ثم قام عبداً خاضعاً خالصاً الفقر لله سبحانه بکله و ببعضه فحباه سبحانه سر الکينونة مع اليبوسة فجري الاشياء و جميع الصور و حضرت عنده الاعيان و انتهت اليه روابط عالم الامکان فظهر کعموم قدرة الله و حصلت له باعتبار الجهات اسماء فهو الوجود المطلق لکونه في تحققه و تکونه و صدوره و انصداره لايحتاج الي شيء سوي فاعله و خالقه فوجوده مطلق اي ليس مشروطاً بشرط و قيد کساير الحوادث و الموجودات و هذا معني اطلاق هذا الوجود و کونه لا بشرط لا علي ما يزعمون من انه حقيقة واحدة انبساطية يتعين بالحدود و الاطوار و العينيات فان الامام الرضا عليه السلام نفي هذا المعني عنه.

و يسمي ايضاً بالظهور و التجلي الاولي لکونه جهة الله سبحانه و ذکره و مذکوريته في الامکان و يسمي بالفعل و الحرکة الايجادية لکونه ظهوره سبحانه لغيره و موصل فيضه الي ما يريد من خلقه و يسمي الفاعل لکونه ظهوره سبحانه له به و لغيره يسمي بالمشية لکونه اول الذکر و المذکور و به نشأت الاشياء و تأصلت و بالارادة حيث انه مبدأ الصور و الاعيان و بالاختراع حيث انه تکون لا من شيء و بالابتداع حيث انه تکون لا لشيء و لا علي احتذاء مثال و بالتعين الاول حيث انه اول مظاهر الحق سبحانه و ظهوراته في الامکان و بالشجرة المبارکة الزيتونة حيث انه الاصل المنشعب عنه الحدود و الحيثيات و کونه مصفي عن جميع ما ليس له سبحانه و بالمحبة حيث انه اول الميل الذي هو مبدأ الايجاد و علته و بالرحمة حيث انه به الاحسان و الامتنان و من اثره الماء الذي به کل شيء حي و بالولاية‌ المطلقة حيث انه تدبير الحق للخلق في الخلق و الاخذ بزمام کل شيء و بناصية کل دابة و بالازل الثاني حيث انه لا غاية لاوله و لانهاية لأمده و هو منقطع و مضمحل له اول و آخر عند بارئه

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 125 *»

و بصبح الازل حيث انه اول ظهور الحق سبحانه کما ان الصبح اول ظهور الشمس و بآدم الاول لکونه في اول الاصول و اصلها و غايتها و بالاسم الاعظم حيث ان کل الظهورات و التجليات الالهيه انما هي بفاضل تجليه لها و بالکاف المستديرة علي نفسها حيث انه متمم لحقايق الامکان و الاکوان و متمم لنفسه بنفسه بالله سبحانه و بالسر المقنع بالسر و السر المجلل بالسر و السر المستسر حيث انه مبدأ المبادي و جوهر اوايل العلل و بالسبحات حيث ان الماء الواقع علي ارض الجرز انما نشأ منه و صدر عنه و تأصل به و بالکلمة الاولي العليا حيث انه اللفظ الصادر عن فعله سبحانه بنفسها و بالامر حيث انه حکم الله علي الموجودات و بفلک الولاية المطلقة حيث انه المستدير علي نفسه و قطب لما سواه و بالعلم حيث انه الذکر الاول للاشياء الامکانية و بالقدرة حيث انه به استولي الله سبحانه علي الاشياء و استطال عليها و بالعرش الاعظم الاعلي حيث انه به ظهور مواد الخلق و تأييداتهم من عند الله سبحانه و غيرها من الاسماء و الصفات التي يطلع عليها الفطن الماهر في استعمالات حفظة الشريعة عليه السلام.

و تعدد الاسماء لاجل اختلاف جهات ذلک الخلق المبتدع و تلک الجهات المستدعية لتعدد الاسماء ليست ذاتية و انما هي باعتبار تعلقات الآثار و المفاعيل و هذه هي الاسماء العامة للجهات العامة و له ايضاً اسماء خاصة و هي لاتحصي و لاتعد و لايصفها الواصفون و لايعدها العادون مثل الحرکة المطلقة فانها اسم للفعل المطلق و اما الحرکات الخاصة المتعلقة بآثار خاصة کالقيام و القعود و الاکل و الشرب و غير ذلک فلها اسماء خاصة کالقائم و القاعد و الآکل و الشارب و غير ذلک و قد برهنا في مقامه ان المشتقات انما تشتق من المصدر المشتق من الفعل فتلک هي اسماء الافعال لا اسماء الذات فافهم.

فظهر لک ان هذه الاختلافات ليست من حيث الذات و انما هي من حيث الاعراض و الحدود و اليه الاشارة بقوله عليه السلام مختلفاً باعراض و حدود و لاشک ان الاعراض و الحدود خارجة عن ذات المعروض و المحدود و جزء للحقيقة المتحصلة من انضمام ذلک الحد فان کان المحدود الکينونة فتسمي الحدود ذاتية کتحديد ذات

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 126 *»

الانسان بالحيوان الناطق و ان کان المحدود الصفات و الافعال فهي الحدود الفعلية کتحديد الانسان بانه الکاتب و القائم و القاعد و لذا عد المنطقيون امثال هذه الصفات من الخاصة او العرض العام.

و اما الحدود الذاتية مثل الفصول و المشخصات النوعية و الجنسية فعدوها من الذوات لانها اما جزء الماهية او عينها علي ما زعمهم فالحدود الذاتية في المشية هي الطبايع الاربع المذکورة و مراتبه الذاتية في تکوينه من الحلين و العقدين و اختلاف مراتبه ايضاً بالنقطة و الالف و الحروف و الکلمة التامة و امثالها من الذاتيات التي لانطول الکلام بذکرها لکن لا علي جهة الاختلاف و الکثرة و انما هي محض الايتلاف و الوحدة و لايمکننا ادراک تلک الجهات و الاختلافات لان اقصي مقامات الوحدة الحاصلة لنا بحيث لايمکن لنا ان ندرک وحدة و بساطة اعظم و اشد منها هي ذاتنا و حقيقتنا لا من حيث هي هي و هي اثر المشية و الفعل الاول الاعظم بوسايط و لاشک و لاريب ان التأثير انما يقع في الرتبة السفلي لا الرتبة الاعلي و الاثر يحکي الوجه الاسفل من احد ظهورات فعل المؤثر فاذا کان هذا الوجه الاسفل الذي هو وجه واحد من الوجوه الغير المتناهية في الوحدة و البساطة و الاتحاد کماتري فما ظنک باصل الفعل و نفس المشية و حقيقة هذا الخلق المبتدع المخترع ولکن لماکان الفعل اثر الذات و مضمحلاً لديها و فانياً عندها و الحادث لايکون الا ذا الجهات قال عليه السلام خلقاً مبتدعاً مختلفاً و کان قوله عليه السلام بالحدود و الاعراض اشارة‌ الي ان هذه الاختلافات الظاهرة انما هي لاجل التعلقات و هي الحدود العرضية المتعلقة بالمشاءات مثل هيئة حرکة اليد بالنسبة الي الکتابة و رسم حدودها و خطوطها او الي ان کل ممکن زوج ترکيبي و ان هذا الترکيب لايکون الا بالاطلاق و التقييد و الاجمال و التفصيل و التعميم و التخصيص و لا ان تکون الاجزاء متساوية في العموم و الخصوص و الاطلاق و التقييد فان ذلک خلاف صنع الحکيم بل لايجري النظام المتقن الا عليه.