13-07 جواهر الحکم المجلد الثالث عشر ـ رسالة في جواب الملامهدي الرشتي ـ مقابله

رسالة فی جواب الملا مهدی الرشتی

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 343 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي خير خلقه محمد و اله الطيبين الطاهرين.

اما بعــد؛ فيقول العبد الفقير الحقير الجاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان بعض الاخوان ايده اللّه تعالي بالايمان و اوصله بمنه و كرمه الي حقيقة الايقان و سلمه عن طوارق الزمان بالنبي و آله سادة الانس و الجان سألني عن مسائل عميقة غامضة يريد الجواب علي الوجه الواقعي الحقيقي الذي عليه الامر في الواقع الاول ليظهر حق الصواب و ينكشف عن وجه المقصود النقاب و يري الامر ظاهراً من غير حجاب و هذا امر صعب جداً سيما علي الحقير في هذه الاوقات لتراكم الامراض الظاهرية و الباطنية و توارد الآلام الصورية و المعنوية و توفر الاشتغال و اختلال الاحوال و بلبال البال و مع‏ذلك كله فان مايريد كمايريد لايمكن و لايتحصل الاّ بدليل الحكمة من الادلة الثلثة التي امر اللّه سبحانه نبيه ان‏يدعو الخلق الي سبيله بها كماقال تعالي ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن فلايعرف الشي‏ء علي ماهو عليه بحيث يزول و يرتفع كل الاشكال الاّ بدليل الحكمة الذي هو اعلي الادلة و اقواها و اعظمها و اشرفها و اسناها و به تعرف الاشياء كماهي كماقال9 اللّهم ارني الاشياء كماهي و هو الذي اعطاه اللّه داود و لقمن كماقال تعالي و آتيناه الحكمة و فصل الخطاب و لقد آتينا لقمن الحكمة اه و قال تعالي و من يؤت الحكمة فقداوتي خيراً كثيراً و قدبينا الادلة الثلثة في كثير من مباحثاتنا و رسائلنا الاّ ان المعروف المشتهر الآن بين علماء الزمان هو المجادلة بالتي هي احسن التي ذكرها المنطقيون في علم الميزان و هذا الدليل لايوصل الاّ الي ظاهر الشي‏ء و قشره و صورته فلاترتفع به

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 344 *»

الاشكالات و لاتذهب معه الاحتمالات فاذا سدّ احتمالاً يقوم احتمال آخر و لذا تريهم كثيراًما يرجعون عن حكمهم الاول المعلوم المقطوع‏ به بالدليل البرهاني و القياس الاستثنائي و الاقتراني الي الامر الآخر فيكون الاول باطلاً عندهم و قديتفق ان الامرين في الواقع شي‏ء واحد و انما اختلفا في الصورة و الحدود الظاهرية و هذا دليل علي انهم ماشاهدوا الامر و ماوصلوا الي الواقع و مارأوا الشي‏ء كماهو و انما تصوروا مفهوماً صورياً و رتبوه علي المفهوم الآخر فينتج المفهومان بهذا التزويج و الاقتران مفهوماً آخر و صورة اخري و ان كان يتراءي لهم انه الحقيقة و الواقع لكنه ليس كذلك بدليل عدم الثبات و الاستقرار الاّ ان هذا الدليل ايضاً باب فتحه اللّه سبحانه للخلق اذا عجزوا عن الدليل (الدليلين ظ) الآخرين اللذين هما الاصل في معرفة الاشياء علي جهة القطع و اليقين الذي لايشوبه الظن و التخمين.

فاذا علمت هذا علمت ان اجراء الكلام علي دليل الحكمة لايمكن في هذا الزمان لعدم معرفتهم اياه و عدم انسهم به فينكرون كماهو عادة اكثر الطبايع و قداخبر اللّه تعالي عنهم في كتابه و اذ لم‏يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم و قال تعالي بل كذبوا بمالم‏يحيطوا بعلمه و لمّايأتهم تأويله و الفقير آتٍ في هذه الاوراق بماهو المقدور من الطرفين و لايمكنني البسط في المقال كمايريد لمكان الاستعجال و تزايد المرض المانع من استقامة الحال و في مثل هذه الحالة لايمكنني ان‏اشتغل بشي‏ء الاّ اني اذكر ماهو المقدور الميسور لانه لايسقط بالمعسور و جعلت سؤاله سلّمه اللّه متناً و جوابي كالشرح ليطابق كل جواب بسؤاله كماهو عادتي في اجوبة المسائل.

قــال سلمه اللّه تعالي: اما بعد فيا سيدي و مولاي و معتمدي لمّاعلمت لطفك و شفقتك و رأفتك بالنسبة الي بادرت الي السؤال عن مسائل اشكلت علي اريد من جنابكم جوابها و خفت اني ان سألتكم مشافهة ان‏تجيبني بجواب و انساه و ايضاً ان حيائي مانع من السؤال مشافهة و لاتحرمني يا سيدي و مولاي من افاضتكم بحق جدكم و آبائكم عليهم سلام اللّه اجمعين فاني مطيع لكم و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 345 *»

لآبائكم الطاهرين المعصومين و ارجو من اللّه ان‏اكون اهلاً لاقتباس انواركم و استدعي منكم تعجيل جوابها و ان اعلم ان لكم شغلاً شاغلاً و تبيين مرامها سيما المسألة الخامسة بقدر فهمي و استعدادي فاقبل استدعائي فان اللّه لايضيع اجركم و زاد اللّه في عمركم و كثر في الدنيا امثالكم.

المسألة الاولي: ماتقول يا سيدي في الادلة التي ذكرها الاصوليون في استنباط الاحكام الشرعية هل هي اربعة ام اثنتان و علي فرض انها اربعة ما المراد بدليل العقل و هل يحصل العلم بالاجماع في امثال زماننا هذا ام لا و هل دلالة الحديث قطعية ام لا.

اقــول: اعلم ان اللّه سبحانه ابتدع الخلق بقدرته ابتداعاً و اخترعهم بمشيته اختراعاً ثم سلك بهم طريق ارادته و بعثهم في سبيل محبته و ذلك تكليفهم بمايوجب موفور ثوابه و مايورد محذور عقابه ليجزي الذين اساؤا بماعملوا و يجزي الذين احسنوا بالحسني فلمّا وقع التكليف لطفاً من الحكيم اللطيف تحققت امور خمسة متساوقة لايتقدم احدها عن الآخر و لا العكس بل تحصلت جميعاً دفعة واحدة.

الاول: المكلِّف (بكسر اللام) من حيث هو كذلك و هو الشارع الاول و هو اللّه سبحانه بفعله قال تعالي شرع لكم من الدين ما وصي به نوحاً الآية و قال تعالي لايكلف اللّه نفساً الاّ وسعها.

لايقال ان المكلف يبطل حكم المساوقة المدعاة فان اللّه سبحانه كان قبل الخلق و قبل اكوانهم فضلاً عن تكليفاتهم و التكليف انما وقع بعد التكوين و البلوغ الي الحدّ لانا نقول قيد الحيثية يرفع الشبهة والايراد فان المكلف ليس صفة ذاتية للّه سبحانه حتي تكون عينه و توجد بوجوده تعالي يعني هي هو(هو هي خ ل) ليلزم ذلك بل انما هو من صفات الافعال و اسمائها كالخالق و الرازق و الفاعل و امثال ذلك و لا شك ان الفعل الخاص المقيد المحدود لايكون الا عند المفعول الخاص و الاّ لوقعت الخصوصية باطلة فان الفعل من حيث هو ليس فيه سواه و هو واحد و تكثر اسمائه كالقائم و الكاتب و الآكل و الشارب انما هي

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 346 *»

بتعلق(بتعدد خ ل) المتعلقات و تلك الخصوصيات عرضية له كماهو المعلوم فيكون الاسم الفعلي الخاص مساوقاً لذلك المفعول الخاص بروزاً و شهوداً و ان كان ذلك مذكوراً في القدرة التعلقية صلوحاً و استعداداً و هو معني قوله7 له معني الخالقية اذ لا مخلوق فافهم.

الثاني: التكليف و هو فعل المكلف و تأثيره الواقع باثره علي المكلَّف (بفتح اللام) و لولا ذلك لماوقع المكلف‏به فلاتترتب عليه الغاية فيبطل به النظام.

الثالث: المكلف‏به و هو الحدود الموظفة المقررة التي هي روابط بين المكلِف و المكلَف حسب اقتضاء كينونات المكلف و لولاها لم‏تحصل المقابلة لفوارة النور التي تفور من بحر القدر فلم‏يظهر المدد فيبطل الاكوان لانه سبحانه ابي ان‏يجري الاشياء الاّ باسبابها و اما ماتري من الذين لم‏يقبلوا التكليف ظاهراً و مع‏ذلك مرزوقون موجودون فذلك من جهة فاضل اعمال الغير و ثبات حسناتهم و لولاها لبطلت اكوانهم و اضمحلت اعيانهم الم‏تر الي قوله تعالي و أمر اهلك بالصلوة و اصطبر عليها لانسألك رزقاً نحن نرزقك و العاقبة للتقوي فافهم.

الرابع: الدليل و هو تمكين المكلف (بكسر اللام) المكلف لقبول التكليف بفعل المكلف‏به اذ من شرايط تحقق الاختيار و عدم الاضطرار التمكين و تخلية السرب و لولا التمكين كان مضطراً او يكون القبول ممتنعاً فوجب الدليل لارشاد السبيل.

الخامس: المكلف نفسه و لولاه لم‏يكن للتكليف موقع و محل. و يظهر من قوله تعالي ادع الي سبيل ربك بالحكمة الآية.

ان هنا قسماً سادساً و هو السبيل و هو كذلك و يدل عليه العقل السديد الاّ انه ليس ممايتعلق به غرضنا في هذا المقام فلذا تركته.

فاذا عرفت هذا فاعلم ان هذه الخمسة هي الاصول التي يدور عليها جميع مااراد اللّه سبحانه من خلقه من الاعتقادات و الاعمال و الافعال و بحدود هذه الخمسة تنفتح ابواب معرفة جميع الاحكام التكليفية و لو كان لي قوة و نشاط و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 347 *»

لم‏يمنعني الضعف و المرض لبينت لك حدودها علي مانطق به الكتاب و اخبار اهل فصل الخطاب و بالجملة فانك علمت لماذكرنا ان كل هذه المراتب الثلث من التكليف الي الدليل كل ذلك من جهة المكلف (بكسر اللام) ليس للمكلف فيها الاّ قبول التكليف بفعل المكلف‏به بواسطة الدليل فاذا اختل احد هذه الثلثة برئت ذمة المكلف عن التكليف قطعاً و الامر في الاولين ظاهر و اما الدليل فمن جهة انه متمم لقابلية المكلف و مقوم لها فلا قبول الاّ بعد تمام القابلية الاّ بالتمكن و لايحصل التمكن الاّ بالتمكين و من التمكين اراءة السبيل باقامة الدليل فيجب ان‏يكون دليل الاحكام و الشرايع ايضاً من اللّه سبحانه كماكان الاصل كذلك.

و ان اردت بيانه بدليل المجادلة بالتي هي احسن فنقول ان كل حكم توقيفي نظري يجب ان‏يكون دليله ايضاً كذلك و كل‏ما كان كذلك فلايجوز اقتراح الدليل علي ذلك الحكم من غير جهة الموقف اما الصغري فلان المطلوب من مقتضيات الدليل و نتيجته صورة كينونته فمهما تحققت علي ماينبغي ترتب اثرها عليها و هو المطلوب المدلول و هذا ظاهر و اذا وجد السبيل الي الدليل من نفسه وصل الي المطلوب المدلول من نفسه بنفسه فلايكون ذلك توقيفياً فان التوقيفي ما لايكون اليه سبيل الاّ ببيان الموقف و اما الكبري فلما ذكرنا في الصغري فاذا ثبت ان الدليل في الاحكام التوقيفية يجب ان‏يكون توقيفياً فتكون ادلة الاحكام الالهية الشرعية الفرعية كلها توقيفية و الاّ لم‏تكن الاحكام كذلك و اللازم باطل قطعاً فكذا الملزوم و الملازمة ظاهرة.

و لمّا ان اللّه سبحانه خلق الخلق و كلّفهم بماهو صلاح آخرتهم و دنياهم و مقتضي مسائل صفات كينوناتهم و به نظام معاشهم و معادهم و كان لايتم التكليف الاّ بالدليل جعل لهم ادلة الحق و اقام لهم منار الصدق ليدركوا بذلك موصولهم و مفصولهم و تلك الادلة هي اولياء اللّه في ارضه و حججه علي خلقه و شهداؤه علي عباده فكشفوا: عن كل‏ما اراد من الخلق بعد مابيّنه اللّه سبحانه

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 348 *»

لهم في كتابه بظاهر احاديثهم و اقوالهم و افعالهم و تقريراتهم و بواطنها و اشاراتها و تلويحاتها ولكن لماكان لوقوع المكلف‏به بالتكليف الاول الجاري علي مقتضي هياكل التوحيد ظاهراً مشروحاً مترتباً عليها الآثار و صافياً عن جميع الاكدار شرط آخر غير الخمسة المذكورة فانها شرط لتحقق التكليف و لولاها يمتنع بخلاف ما اذا تحققت وجب و ان لم‏يظهر فان ذلك ليس من قبل الحق سبحانه و انما هو من قبل الخلق و حكم اللّه سبحانه جارٍ و هو جلّ‏جلاله لايخل باللطف و الواجب و ذلك الشرط هو انقياد الرعية كلهم للداعي الدليل باختيارهم و شهوتهم و هواهم فاذا انقادوا اظهرت الارض بركتها و فتحت ابواب الارزاق الظاهرية و الباطنية و لاكلوا من فوقهم و من تحت ارجلهم فاذا ما انقادوا اما باسرهم او بعضهم دون بعض و في الصورة الثانية الاكثر ام الاقل اذ لكل من هذه الصور حكم خاص يترتب عليه ثانياً و بالعرض غير ما اذا كانوا منقادين باجمعهم.

ففي الصورة الاولي فان لم‏يكن في اصلابهم نطف طيبة تستحق الهداية و الارشاد ولو بعد زمان طويل يجب انقراضهم و انعدامهم لوجود المقتضي و رفع المانع لانه حقّت عليهم كلمة العذاب بانعكاس حقايقهم و ذواتهم عن مبدأ النور و انتكاس رؤسهم الي اسفل السافلين و تقابلهم بنار الغضب و حرارة الدخان المتصاعد من الجهل الكلي فلا مهلة لهم و لايحسن ايضاً في الحكمة و يلزم وضع الشي‏ء في غير موضعه فافهم فان بيانه و شرح اسبابه و علله يطول به الكلام و لسنا بصدده.

و في الصورة الثانية فان كان المنكرين اقل من المنقادين فالحكم للغالب و يجب حينئذ اظهار الدين و اعلاء كلمة اللّه الحق المبين و ارشاد الضالين و اخماد المضلين و اثبات التكاليف علي الواقعي الاولي لوجود المقتضي و عدم مقاومة المانع اياه و ان كانوا اكثر فهناك ينقلب الامر بالظهر و البطن و ينعكس العرش الي الفرش فيختلف الاحكام لاختلاف اقتضاء الكينونات الاّ ان الاصل انما هو حكمان حكم اولي واقعي الهي علي حسب الكينونة الاولية المطابق لهيكل التوحيد و ذلك لايتغير و لايتبدل و لايزيد و لاينقص بل هو واحد علي كل حال و حكم واقعي ثانوي

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 349 *»

الهي علي حسب الكينونة الثانوية الغالبة عليها احكام هيكل الكفر و الشرك و النفاق و هذا يختلف و يتعدد و يتغير و يتبدل و يزيد و ينقص و اثبات هذا الحكم الثانوي انما هو لحفظ البنية و نظام الوجود و الكون لاظهار الحكم الاولي الواقعي الالهي و لولاه للزم احد الامرين/

اما الالجاء في التكليف بان‏يظهر الداعي الدليل امره و يعلن كلمته و يقمع من خاصمه و يقتل من ينكره فهناك يثبت الالجاء فيدخل في الدين ظاهراً من لادين له باطناً مكرهاً و ملجأًً فلايمكن تكذيبه لقوله تعالي و لاتقولوا لمن القي اليكم السلام لست مؤمناً و الالجاء محال في الدين قال تعالي لا اكراه في الدين قدتبين الرشد من الغي و كذلك كان الإلجاء فيما اذا كان الامام7 ظاهراً و معلناً بالامر و لم‏يحارب فيقتلونه و لم‏يقتل و يؤذونه و لم‏يتأذ و مع‏ذلك يبقي مدة طويلة ماجرت العادة بها في زمانهم فهم حينئذ بين قائل له بالسحر لكن في طول البقاء لايتمشي هذا القول فان الساحر مايقدر علي تطويل عمره و بين قائل بانه الرب و بين قائل بقوله مكرهاً حيث لايقدرون عليه و لايجدون حيلة و بين قائل له طامعاً حطام الدنيا و امثال ذلك من الامور فلايحصل التصفية الاّ بالغيبة و هنا امور كثيرة لايناسب المقام لذكرها و اما مافعل رسول‏اللّه9 من المحاربة فانه اعانة لمن سبقت له من اللّه الحسني لا الجاء و من هذه الجهة كان يقبل منهم فدية و جعل عليهم الجزية و جعلهم من اهل الذمة و لمّا كان في ذلك توهم الإلجاء و عدم التصفية امر علياً7 بالسكوت و عدم المحاربة ليميز اللّه الخبيث من الطيب و جري هذا الحكم في خلفائه و اوصيائه: الي ان‏تنقطع النطف الطيبة من الاصلاب الخبيثة و تصفي الطبايع لرفع الغباوة فهناك يشاهد الحق فينكر من ينكر عن بيّنة و يقبل من يقبل كذلك فهناك تطهر الارض من الخبائث بخلاف الآن فوجبت المقاتلة عند قيام القائم7 و قبحت الآن و لم‏يلزم الإلجاء هناك و يلزم هنا فافهم.

 

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 350 *»

او قتل الداعي الدليل اذا لم‏يجبرهم و مع‏ذلك يعلن الامر اعلاناً كلياً فان المنكر المخالف يحب قتل من يعانده و يخالفه و هم اكثر جمعاً فيقتلون اهل الحق باسرهم و في قتل الامام الداعي الي الحق فساد الكون و خراب النظام فوجبت الهدنة و المداراة و التقية فهناك يأتي الحكم الثانوي و لابد فيه من الاختلاف و عدم الاتفاق للتشبه بالباطل قال تعالي رجلاً فيه شركاء متشاكسون و رجلاً سلماً لرجل، و جعل الظلمات و النور، و لاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله فعلي هذا قديمكن اظهار الحكم الاول الواقعي و قد لايمكن و الامام7 حينئذ يجري رعيته و غنمه فيمايصلحهم و يبقي كونهم و عينهم من الاختلاف و الاتفاق انا لاندخلكم الاّ فيمايصلحكم، راعيكم الذي استرعاه اللّه امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء جمع بينها لتسلم و ان شاء فرق بينها لتسلم سواء كان7 ظاهراً غير مطاع او مكتتماً مستوراً و لايتفاوت الامر في الحالين ابداً فاذا غاب الامام7 عن ابصار الخلق و استتر عن نواظرهم او انه ظاهر غير مطاع لايمكن الوصول اليه فلايجوز اقتراح الدليل لتحصيل التكاليف الالهية فانه اذا غاب عن الخلق لم‏يغب الخلق عنه بل كل الخلق عنده كالدرهم بيد احدكم و قد دلّ عليه العقل و النقل و لاينكر ذلك الاّ مكابر لعقله او نافٍ لقدرة اللّه و عظمته في اوليائه و احبائه و لايمكنني استقصاء ماورد من الاخبار و دلالة صحيح الاعتبار الاّ اني اذكر بعضها لئلايقول الجاهل ان هذا دعوي بلا دليل فمن ذلك مافي الكافي عن اميرالمؤمنين7 في خطبته اللّهم انه لابد لك من حجج في ارضك حجة بعد حجة علي خلقك يهدونهم الي دينك و يعلمونهم علمك كيلايتفرق اتباع اوليائك ظاهر غير مطاع او مكتتم يترقب ان غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم‏يغب عنهم قديم  مبثوث علمهم و آدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون و قد قال7 في مواضع أخر من هذه الخطبة فمن هذا يأزر العلم اذا لم‏يوجد له حملة يحفظونه و يروونه كماسمعوه من العلماء و يصدقون علمهم فيه اللّهم اني لاعلم ان العلم لايأزر

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 351 *»

كله و لاينقطع مواده و انك لاتخلي ارضك من حجة لك علي خلقك ظاهر ليس بمطاع او خائف مغمور كيلاتبطل حجتك و لايضل اولياؤك بعد اذ هديتهم بل اين هم و كم هم اولئك الاقلون عدداً الاعظمون عند اللّه قدراً و في الكافي عن رسول‏اللّه9 ان عند كل بدعة يكون من بعدي يكاد بها الايمان ولياً من اهل‏بيتي موكلاً به يذبّ عنه ينطق بالهام من اللّه تعالي و يعلن الحق و ينوره و يرد كيد الكائدين يعبر عن الضعفاء فاعتبروا يا اولي الابصار و توكلوا عليه و فيه ايضاً عن مولينا ابي‏عبداللّه7 ان اللّه لم‏يدع الارض بغير عالم و لولا ذلك لم‏يعرف الحق من الباطل و قال ايضاً مازالت الارض الاّ و للّه فيها الحجة يعرف الحلال و الحرام و يدعو الناس الي سبيل اللّه و فيه ايضاً عنه7 ان الارض لاتخلو من حجة كيما ان زاد المؤمنون ردّهم و ان نقصوا شيئاً اتمه لهم و في الاحتجاج عن مولينا الحجة عجل اللّه فرجه في التوقيع الي الشيخ المفيد; الي ان قال7 نحن و ان كنا ثاوين بمکاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي اراناه اللّه تعالي لنا من الصلاح و لشيعتنا المؤمنين في ذلك مادامت دولة الدنيا للفاسقين فانا نحيط علماً بانبائكم و لايعزب عنا شيء من اخباركم و معرفتنا بالامر الذي اصابكم الي ان قال7 انا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لنزل بكم اللأواء و اصطلمتكم الاعداء فاتقوا اللّه جل‏جلاله و قال مولينا سيد العابدين7 في الدعاء بعد العصر يوم الجمعة في الصلوة علي محمد و آله صلي اللّه عليهم الي ان قال7 قداكملت به الدين و اتممت به النعيم الي ان قال و نهجت به لخلقك صراطك المستقيم و بيّنت به العلامات و النجوم الذي به يهتدون و لم‏تدعهم بعده في عمياء يهيمون و لا الي شبهة يتيهون و لم‏تكلهم الي النظر لانفسهم في دينهم بارائهم و لا التخير منهم باهوائهم فينشعبون في مدلهمات البدع و يتحيرون في مطبقات الظلم و تتفرق بهم السبل فيمايعلمون الدعاء و امثالها من الاخبار كثيرة بل لو تأمل البصير في كلام اللّه المجيد و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 352 *»

خطبات اهل بيت النبوة و اخبارهم و نظر الي الفطرة لايشك فيما اقول و بسط الكلام هنا يفضي الي ما لايحسن.

فالمكلف المستوضح يجب عليه ان‏يستوضح الحكم بسراج جعله اللّه له فمادام ذلك السراج امامه فهو يسير بنور اللّه سبحانه و ضيائه و اذا فقد السراج فليعلم انه علامة عدم الاذن للسير(للمسيرخ ل) فيجب عليه الوقوف اذ ليس عنده سراج يضي‏ء غيره و لايعرف الطريق اذ لم‏يسلكه ليستغني عنه فليس عليه الاّ السكوت فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات فاذا اراد المكلف استيضاح حكم من الاحكام الالهية التكليفية فليطلبه من مظانه و ادلته التي قررها اللّه سبحانه.

فمنها كتاب اللّه الذي جعله اللّه تعالي نوراً يستضي‏ء به العباد في ظلمات الحيرة و استيلاء الشكوك و الشبهات و روحاً لتقوي به اجساد الاعمال للصعود و العروج الي رب الارضين و السموات و ذكر يذكرهم الله به احوال النشأتين و حكمي المبدأ و المعاد و هدي يهتدون به سبيل الرشاد و يبلغون به كمال رتبة الاستعداد و هو حجة اجماعاً فلايعبأ بمخالفة بعض الاخباريين كيف و هو من اكبر معاجز النبي7 بقي الي يوم القيمة علي حكم الاعجاز فلو لم‏يعرفوه و لم‏يدركوه و لم‏يبلغوا الي بعض اسراره و مزاياه ماكان قاطعاً لحجج المخالفين و لا رافعاً للجاج المعاندين فاذا عرفوا بعض احكامه و ادركوا بعض اسراره و علموا انه فوق طاقة المخلوقين ان هو الاّ ذكر للعالمين، تنزيل من رب العالمين و لاشك ان الذي لايعرف الشي‏ء لايظهر له محسناته و مزاياه و لذا تري الاعجام لايتميزون بين جيد اشعار العرب و رديها بل و لايعرفون لها حسناً و لايكفي مجرد حسن الاسلوب و الترتيب و استعمال الالفاظ الملائمة و ترك الالفاظ المنافرة اذ كل ذلك تابع للمعاني و مواقع الاداء و هذا معلوم لكل من له فهم مستقيم نعم لايعرف العباد كلما في القرآن اذ فيه تفصيل كل شي‏ء و له بواطن و اشارات و تلويحات و لطايف و حقايق و في الظاهر ايضاً مشتمل علي متشابهات ليكون ابلغ في الاعجاز و ليظهر احتياج الخلق الي الائمة

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 353 *»

الراشدين و الهداة المنتجبين سلام الله عليهم فلو لم‏يعرف كل القرآن  لم‏يثبت كونه معجزاً او انه ملتفت اليه فتبطل فائدة الانزال و لو عرفت كله لادي الي مالايحسن في الحكمة اذ ليس كل احد موضعاً للعلم و محلاً للحكم و في القرآن تفصيل كل شي‏ء و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين فجعله مشتملاً للامرين ليكون هادياً للنجدين فجعل فيه محكماً يعرف تفسيره و متشابهاً يرد علمه الي الله و رسوله و الراسخين في العلم و هو قوله تعالي هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات الآية.

فقولهم في عدم الحجية ان القرآن لايعلمه الاّ الله و الائمة الطاهرون: مدفوع بهذا التقسيم اذ ليس المتشابه عند العارف بالامر و لايحتاج الي محكم يكون ذلك ام الكتاب اي اصلاً يرجع اليه كلماسواه فان هذا تعليم لمن لايعلم و اما الذي هو محيط بالامر او يأتيه تأويله و تفسيره من الله بالخصوص فلايحتاج الي هذا التقسيم مع ان من تدبر في القرآن عرف ان لايريد به الاّ الرعية قال تعالي أفلايتدبرون القرآن ام علي قلوبهم اقفالها و ضرب الامثال و حكي القصص و امر الخلق بالتدبر و التفكر فيه و في الآيات الآفاقية و الانفسية مرة يوعظ الخلق و مرة يحذرهم عن عقابه و مرة يرغبهم في ثوابه و مرة يضرب لهم الامثال و مرة يحثهم الي الاعمال و يأمرهم بطاعة الرسول و اولي‏الامر و اولي الامر و مودة ذي‏القربي و لمانزل سورة براءة امر علياً7 ان‏يقرأه علي كفار اهل مكة و القول بان الرسول9 يفسر لهم كل جزئي جزئي ممنوع اذ لم‏يثبت ذلك مع انا نقول ان القرآن ليس خاصاً بطائفة دون طائفة و قوم دون قوم بل هو امر الله في الخلق الي يوم القيمة فكيف يتأتي هذا القول السخيف و التفرقة بين آيات الاحكام و آيات الامثال خرق للاجماع و مكابرة للوجدان و معارضة لصريح القرآن حيث يقول تلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون و امثال ذلك و لا احد ثلث ما ثني الله سبحانه فافهم و كذا قولهم في منع الحجية ان القرآن مشتمل علي تحريف و تغيير و تبديل فلايعلم(فلا يعرف خ ل) المراد منه مدفوع ايضاً بان الامة قداجمعت علي

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 354 *»

انه ما زيد علي القرآن شي‏ء و ان هذا المجموع هو القرآن المنزل علي النبي المرسل9 و اما كون بعض الآيات التي في فضايل اهل البيت: و ذم اعدائهم و اثبات خلافتهم و رجعتهم و كرتهم و تعذيب المنافقين باسمائهم نقصت منه فلايقدح في حجية الآيات التي تدل علي الاحكام الالهية اذ لاشك انهم مانقصوا من كل حرف حرف من القرآن شيئاً او من كل آية لتبطل حجية الكل اذن يبطل النظم و يفضح امرهم مع ان المنافقين ليس مرادهم تحريف القرآن من حيث هو هو كيف و قدقالوا حسبنا كتاب الله بل مرادهم تحريف الآيات الدالة علي افتضاحهم و اثبات خلافة غيرهم فما تعرضوا لما لم‏يتعلق بذلك ابداً مع انهم ماقدروا علي حذف ما ارادوا و احبوا علي ما ارادوا و احبوا امارأيت في الاحتجاج في احتجاج اميرالمؤمنين7لماسأله طلحة عن امر القرآن و تعلل7 في الجواب ثم قال طلحة لااراك يا اباالحسن اجبتني سألتك عنه من امر القرآن الاّ تظهره للناس قال7 يا طلحة عمداً كففت عن جوابك فاخبرني عماكتب عمر و عثمان أ قرآن كله ام فيه ماليس بقرآن قال طلحة بل قرآن كله قال7 ان اخذتم بمافيه نجوتم من النار و دخلتم الجنة فان فيه حجتنا و بيان حقنا و فرض طاعتنا قال طلحة حسبي اما اذا كان قرآناً فحسبي الحديث و يؤيد ذلك احاديث العرض علي كتاب الله و العمل بمايوافق و ترك مايخالف فاذن كلما يظهر من القرآن و يفهم تفسيره و لم‏يكن له مناف و معارض فهو حجة يقيناً لانه قرآن يقيناً منزل من عند الله سبحانه و احتمال ان هذا بخصوصه نقص منه مرجوح مخالف للاصل مع انهم: امرونا بالاخذ عنه و عرض اخبارهم عليه و حكم اميرالمؤمنين7 في الحديث المتقدم بالاخذ بما فيه فانه موصل الي الجنة و هذه الاخبار الكثيرة كلها معتضدة بالادلة العقلية و الاصل و سالمة عن المعارض.

و الاخبار التي تدل علي ان القرآن لايعلمه الاّ الله و من انزل اليه و اهل بيته ليست علي عمومها بل المراد بها متشابهاته دون محكماته فان الله سبحانه

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 355 *»

يقول فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و مايعلم تأويله الاّ الله و الراسخون في العلم علي قراءة الوقف عليه فدلت الآية الشريفة علي ان متابعة الحكم فيه الهدي و لا اختصاص له بمااختص به المتشابه بل يعم الخلق كلهم كما هو سياق المفهوم من الآية الشريفة و الاجماع ايضاً حاصل علي مضمون مافي الآية الشريفة و الاخبار الكثيرة فان لم‏تسلم الاجماع فلااقل من الشهرة العظيمة بين المسلمين و لاينكرها الاّ مكابر لحسه و الخبر اذا اشتهر يجب العمل بمضمونه و هذا واضح. و قولهم في منع الحجية بتواتر القراءات السبع و اختلافاتها(اختلافها خ ل) فلايقطع اذن بالمعني المراد مدفوع ايضاً بان الاختلاف في القراءة في الاغلب لايغير المعني و لو سلمنا في بعض الاحوال كمافي قراءة يطهرن بالتخفيف و يطهرن بالتشديد فان مقتضي الاولي كراهة الجماع بعد النقاء و قبل الغسل و مقتضي الثانية حرمته قبل الغسل فلا حجية في مثل هذه المواضع بل يلتمس دليل آخر و حجة اخري.

و بالجملة فلاينبغي التوقف في حجية كتاب الله فما اجمعوا علي تأويله و تفسيره منه لا محيص عنه و وجب العمل عليه لقول الكاظم7 فماثبت

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 356 *»

لمنتحليه من كتاب مجمع علي تأويله الي ان قال ضاق لمن استوضح تلك الحجة الرد اليها و التسليم لها انتهي فما لم‏يجمعوا عليه و حصل للمستوضح ترجيح من القرائن الاخر و مرجحات اخري لم‏تظهر لغيره و قطع به فلاشك في حجيته لكن لايجب علي غيره ان‏يقبله منه بل يجوز له انكاره و اثبات معني آخر غيره حسب ما اراه الله سبحانه بمقتضي كينونته و اختلاف الكينونات في الاقتضاءات دليل اختلاف الاحكام كماذكرنا فافهم فان لم‏يحصل له القطع الاولي لكنه بعد الفحص البالغ لم‏يجد له منافياً و معارضاً من محكم الكتاب و لا من السنة و لا من الاجماع بوجه من الوجوه فهو حجة ايضاً بحكم التقرير كمانبينه لك فيمايأتي ان‏شاءالله تعالي لكن ليست حجية عامة بل تخصه كمافي حديث الكاظم7 علي مارواه المفيد في الاختصاص فمالم‏يثبت لمنتحليه من كتاب مجمع علي تأويله او سنة عن النبي9 لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة و عامها الشك فيه و الانكار له  انتهي فافهم فان لم‏يحصل الظن بوجه ابداً فلا حجية فيه بوجه ابداً و هو ظاهر ان‏شاءالله تعالي.

و من الادلة التي جعلها الله سبحانه هي السنة المطهرة المعصومية(المعصومة خ ل) علي مفتتحها آلاف الثناء و التحية و هي اعظم الابواب في هذا الباب و هي تنقسم الي متواترات و آحاد فالمتواترات علي قسمين لفظية و معنوية فالمتواترات لاشك في حجيتها و انها تفيد القطع و لا نزاع فيها فان كانت لفظية فحكمها حكم القرآن حرفاً بحرف بلا فرق و ان كانت معنوية فيقيد القطع بالواقع الاولي بالقطع العادي و يحتمل الثانوي ايضاً الاّ انه يقطع ان هذا الحكم مما امر به و لايشك(لا شك خ ل) فيه و اما الآحاد المحفوفة بالقرائن مفيدة للقطع فكالمواترات و اما المفيدة للظن فكذا (فكذلك خ ل) ايضاً للاجماع و(دلالة خ ل) لدلالة الاخبار عليه فانهم:امروا بالكتابة و انهم يحتاجون اليها فيما بعد في زمان حرج و هرج و لاشك انها لاتفيد الاّ الظن و التخصيص مما يفيد القطع بالقرائن الخارجية خلاف الاصل و ادعاء كون الآيات الناهية عن العمل بالظن قرينة للتخصيص غير مسموعة اذ لا نسلم ان المراد جميع افراد الظن علي سبيل الشيوع و العموم مع صراحة قوله تعالي ان بعض الظن اثم و التقييد بالبعض يوهن قطعية القرينة فلاتصلح فان العبرة في اعتبارها كونها قطعية يقينية و لو سلمنا نقول كلما هو حرام في حالة السعة حلال (حالة خ ل )عند الضيق و الشدة قال تعالي فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم و قال تعالي فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم و قال ايضاً فمن اضطر غير باغ و لا عاد فان ربك غفور رحيم و الاخبار في هذا المعني كثيرة مثل مافي البحار عن الصادق7 قال ليس شي‏ء مماحرمه الله الاّ و قداحله الله لمن اضطر اليه  الاّ مااخرجه الدليل مع انه لو اقتصر في العمل علي المتواترات المعنوية يبطل النظام لبطلان(التكاليف خ ل) التكليف

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 357 *»

فان المتواترات المعنوية قليلة جداً و كذا الاجماعيات لايثبت بها حكم من الاحكام بجميع جهاتها فيبقون الخلق حياري و الله سبحانه اجل من ان‏يجعل الخلق هكذا كيف و قد اقام الحجج و اوضح البينات و حجة الله صلوات الله و سلامه عليه بين ظهراني الخلق يتصرف فيهم الي ما امره الله سبحانه و انما جعله الله بين الخلق كيما ان زاد المؤمنون ردهم و ان نقصوا شيئاً اتمه لهم فهو صلي الله عليه و علي آبائه لايزال ناظراً الي احوال رعيته و غنمه و يسددهم و ينصب لهم القرائن و يوفقهم علي ما اراد الله سبحانه منهم.

ان قلت انه7 غايب كيف يتصرف و ينصب القرائن (القرينةخ ل) و لو صح ذلك فلم عطل الحدود و اجرائها

قلت اما اجراء الحدود فيتوقف علي ظهوره7 قائماً بالامر و ليس الآن اوانه مع ما في اجراء الحدود من الامور الغير اللائقة سيما في دولة الفاسقين بين الظالمين و اما التصرف في اصلاح احوالهم و شؤونهم فلايستلزم ظهوره بحيث يعرفه الرعية بل هو يدبرهم من حيث لايشعرون و دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها و نصب القرينة للفقيه المستوضح لايلزم المشافهة ابداً اذ قديكون ذلك بالعبارة او بالاشارة او بالارشاد او بالالهام او بالتنبيه او غير ذلك في نص او ظاهر بخصوص او بعموم او تقييد او اطلاق او ايماء بعمل او تقرير او مثل و ما اشبه ذلك.

ان قلت اذا كان هو المدبر لهم و مسددهم لم يختلفون و لايوصلهم الي الحق الواقع قلت ان هذا اصلح و اسلم للرعية و لو اتفقوا علي شي‏ء لاخذ برقابهم كماقال7 لعبيد بن زرارة بن اعين راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه هو اعلم بمصالح غنمه ان شاء جمع بينها لتسلم و ان شاء فرق بينها لتسلم.

ان قلت اذا كان هو المتصرف و المدبر لشؤون الخلق و احوالهم خصوصاً الشيعة لم لم‏يوصلهم الي مقام الحق و اليقين و لم‏ يبقيهم في رتبة الظن و التخمين و لا ريب انه9قادر علي ذلك كما في(الاجماع خ ل) الاجماعات و لاينافي ذلك الاختلاف مع ان هذا ادخل في اطمينان النفس

قلت في

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 358 *»

زمان دولة الظالمين و اجراء الحكم الثانوي لاتجري الامور علي نهج واحد و طور غير متعدد سيما اذا كان المطلوب التشبه بهم فانهم اهل الرأي و القياس و الظن فاذا حصلت بينهم نوع مشابهة و مناسبة يسلمون من كيدهم و شرهم و يحسبونهم من سنخهم و جنسهم فتبقي كينونتهم و يتمكن بذلك من اجراء الاحكام الواقعية في اغلب الاحوال بخلاف ما اذا كانوا جميعاً قاطعين بالامر باردي الفؤاد اذ بذلك ترتفع المناسبة و يحصل الخلل في السد الذي بناه ذوالقرنين الحقيقي للسلامة عن شر يأجوج و مأجوج و بالجملة فالذي دعاه الي ايقاع الاختلاف هو الذي دعاه الي عدم ايصالهم الي اليقين و شرح ذلك و علله و ذكر ماعسي ان‏يرد عليه يطول به الكلام و لسنا بصدده الاّ ان العاقل تكفيه الاشارة و كاني بك تقول ان هذه امور لم‏يتكلم بها احد من العلماء و تعرض عنه و تنسبه الي الغلط و تستهزئ به (بي خ ل) و اني اقول لك:

و هب اني اقول الصبح ليل   أيعمي الناظرون عن الضياء

ان قلت علي هذا ينبغي ان لايحصل اليقين للفقيه و الواقع بخلافه

قلت ان الضرورات انما تتقدر بقدرها فاذا حصل نوع مشابهة تكفي و لايلزم من ذلك ان‏يكونوا في كل حال كذلك

ان قلت فعلي هذا لما وقع الخطاء من احد من اهل الاستنباط مع انكم لاتقولون به بل تجوزون الخطاء و تنكرون علي اهل التصويب

قلت علي ماقررت سابقاً يظهر الجواب من ان الحكم علي قسمين حكم واقعي و حكم نفس امري اما الاول فيقع فيه الخطاء كثيراً و اما الثاني فلا بل ما يهتدي احد الاّ الي حكمه الظاهري في ذلك الزمان و كل هذه الاحكام الظاهرية النفس الامرية وجوه لذلك الحكم الاولي الواقعي و اهل التصويب لايقولون بذلك بل عندهم ان حكم الله تابع لرأي المجتهد و ليس لله سبحانه علي الاشياء في الواقع الذي لايتعدد و لايختلف حكم و هذا غلط فاحش و كذب واضح و الله سبحانه و تعالي اجل من ذلك مع ان هذا قول لايتصور

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 359 *»

و بالجملة فاذا استفرغ المجتهد المستوضح وسعه و لم‏يجد السبيل الاّ الي ذلك المظنون فيعمل به قطعاً و لايتركه ليكون فاعلاً للقبيح بتركه الراجح و فعله المرجوح و ليس الامر حينئذ الاّ متردداً بين الامرين و الشبهات الواردة كلها مرتفعة من البين فافهم و كيف يمكن حصر الامر في القطع الواقعي اذن لا فرق بين الظهور و الخفاء و لايستريبه عاقل و قدقال7ان الناس ينتفعون به7 كماينتفع الناس بالشمس اذا جللها السحاب ألم‏تفرق بين الحالتين اين حالة ظهور الشمس من غير حجاب مشرقة منيرة و انتفاع السفليين بها من حالة الاحتجاب سيما اذا تراكمت السحب بل يخفي نورها و لم‏يظهر الاّ قليل و العلم المشوب بالظلمة الغالب عليها جهة النورية و العلمية لايكون الاّ الظن فافهم ان كنت تفهم و الاّ فاسلم تسلم و قولي حالة الظهور و الخفاء لم‏ارد به خصوص الغيبة عن ابصار الخلق بل اريد عدم تمكنهم و ظهور سلطانهم فهم: في حجب الخفاء مختفون حتي يمكنهم الله في ارضه عجل الله فرجهم و لذا يشار اليهم بالليل في الكتاب المجيد بقوله و الفجر و ليال عشر و فسروا: الفجر بالحسين7 و الليالي العشر هما الائمة( بالائمة خ ل) التسعة من ذرية الحسين و مولينا الحسن: اذ ماقدروا علي اظهار الامر و احقاق الحق و اثبات الحكم الاولي الواقعي ألم‏تنظر الي قول سيد الساجدين في الصحيفة حتي عاد صفوتك و خلفاؤك مغلوبين مبتزين يرون حكمك مبدلاً و كتابك منبوذاً و فرايضك محرفة عن جهات اشراعك و سنن نبيك متروكة الدعاء فاذن لا فرق بين ايامهم سلام الله عليهم و ايامه صلوات الله عليه و وصول بعض اهل المدينة و الكوفة و مايحاذيها بخدمتهم الشريفة مع هذه الحالة الشديدة التي وصفها7 لايكفي في ايصال الاحكام و الشرايع الي جميع المكلفين من اهل المشرق و المغرب لانهم حجة الله علي كل الخلق و يجب عليهم نشر الاحكام التكليفية علي الكل و الاّ لم‏تكن الحجة البالغة ألا تريهم يحكمون بالحكم الواقعي حاشا و كلا و هو يقول7 يرون حكمك مبدلاً و فرايضك محرفة و انما يحكمون بالحكم

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 360 *»

الظاهري فاذن كيف يحصل العلم القطعي للمشافهين المشاهدين ان هذا هو حكم الله الواقعي بل قد يكون مايلقي اليه هو الحكم الظاهري غاية الامر ان‏تقول انهم حينئذ قاطعون بالتكليف و انا اقول نعم لكنهم ظانون بالحكم الواقعي الاولي مثل هذا الزمان حرفاً بحرف فانهم يظنون بالحكم الاولي و يقطعون بالحكم الثانوي الذي اراد اللّه سبحانه منهم و بين الامام7 لهم فاذن لا فرق بين يومنا و يومهم الاّ انا حرمنا من شرف ملاقاة امامنا و سيدنا روحي فداه صلي الله عليه و علي آبائه الطاهرين المعصومين فقولهم ان باب العلم منسد بغيبة الحجة7 لم‏اعرف له وجهاً صحيحاً فانك علمت علي مابينت لك ان حكم الزمانين واحد فان كان اهل ذلك الزمان يعملون بالعلم دون الظن فكذلك انتم و ان كانوا يعملون بالظن فكذلك انتم فمن جهة مساواتكم في حكم ذلك الزمان و تقرير الائمة: اهل ذلك الزمان علي ماهم عليه الذي هو ما انتم عليه فاستبشروا بحقية امركم و ان ما انتم عليه هو الذي اريد منكم من قبل الله و قبل الائمة الهداة سلام الله عليهم نعم بقي هنا شي‏ء يمكن ان‏يحتج به في مقام الفرق فيقال ان اهل ذلك الزمان الذين يمكنهم لقاء امامهم صلي الله عليه  اذا اشتبه عليهم امر من امور دينهم ممايتعلق باصولهم او فروعهم كانوا يستعملون و يستخبرون منه7 و لو بواسطة او بوسايط و كثيراًما يسعهم الحضور لكنا نقول و انت ايضاً يمكنك ذلك لان مذهبنا دين الله الذي لايطفي نوره و لايرتفع عن اهله محفوظ عن كل مايخدشه اذ لايكون جهة من جهات العبادات و لا نحو من انحاء النفوس و لا مذهب من مذاهب العقول الاّ و قدوضع لنا حفظة الشرع: عليه دليلاً يبينه من صحة او فساد او امارة توصل الي مافيه السداد و حجة واضحة موضحة سبيل (لسبيل خ ل) الرشاد و ذلك يحصل بالعبارة او بالاشارة او بالالهام او بالتنبيه او غير ذلك في نص او ظاهر بخصوص او عموم او تقييد او اطلاق او ايماء بعمل او تقرير او مثل و ما اشبه ذلك و لذا (لهذا خ ل) قال7 ما من شي‏ء الاّ و فيه كتاب او سنة فاذا استفرغ من له اهلية

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 361 *»

الاستيضاح وسعه في تحصيل معرفة حكم الامام7 وقع عليه و عرف قوله و حكمه فيه لانه7 مهما طلب من النحو الذي امر بطلبه منه وجد لانه هو القيم علي هذه الفرقة و هم رعيته و عليه تسديدهم كما اشارت اليه النصوص و براهين هذه المعاني ممايطول به الكلام الاّ ان فيماتقدم كفاية لاهل الاشارة فان العاقل تكفيه الاشارة و الجاهل لاتنفعه الف عبارة و ان اردت ان‏ازيدك بياناً في هذا الشأن نقول انه قدثبت بالادلة القطعية الالهية ان التكاليف علي مقتضي الكينونات و المكلف‏به هي صفاتها من حيث مباديها و اصولها اذ هي روابط الافاضة و اسباب الاغاثة و علة المقابلة لفوارة النور و قابلية تحقق الظاهر بالظهور و هذا ظاهر معلوم ذكرنا برهانه في كثير من مباحثاتنا و ليس المقام مقتضي البسط في الكلام لما بي من الضعف المفرط و الكينونات علي خمسة اقسام احدها كينونة الهية مبدئية نورية التي هي نور صرف و وجود بحت قد انخلعت عن قيد التركيب بانخلاع جميع مقتضياته و احواله و ان بقي للتركيب اسم من غير حقيقة و لا رسم.

و ثانيها الكينونة المظلمة الخبيثة المنتنة الشجرة الخبيثة المجتثة من فوق الارض و هي الكينونة الشيطانية و رتبة المبدئية الظلمانية ظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم‏يكد يراها.

و ثالثها الكينونة النورانية التابعة للكينونة الاولي.

و رابعها الكينونة الظلمانية التابعة للكينونة الثانية.

و خامسها الكينونة البسيطة الغير المحكومة ظاهراً التي ترجي امرها الي الله ليستنطق اسرارهم و يبلو اخبارهم فيرجع امرها الي احد الامرين فيعود الوجود الي التربيع هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن.

 

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 362 *»

اما الكينونة الثانية فهي ولت و ادبرت و انكرت فخبثت و اظلمت و حقت عليهم كلمة ربك انهم لايؤمنون فبقيت لاتقتضي الاّ الجحيم و لاتطلب الاّ العذاب الاليم بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون.

و اما الثالثة فهي الفرع تلحق باصلها يوم الصفو و الصحو.

و اما الخامسة فهي بعد مانضجت بنيتها و ماينعت ثمرتها و لا اكملت مداركها فهي فاقدة لشرايط التكليف كالاطفال الذين لم‏يبلغوا الحلم و اما الاولي فهي الاصل و المبدأ لحصر القسمة و بطلان الطفرة فهي باب الايجاد و متمم الاستعداد و اما الثانية فهي و ان كانت نوراً و شعاعاً و هو يقتضي الشوب بشي‏ء من الظلمة لتحقق الانية الاّ انها مادامت تقابل المنير الذي هي الكينونة الاولي مستنيرة بنورها مستشرقة باشراقها فهي تابعة تجري عليها احكامها فجميع احوالها و مقتضياتها كلها نورانية مصفاة عن الكدورات النفسانية فادني مداركها العلم الغير المشوب بظلمة الجهل ابداً ليتحقق الظن و الوهم و الوسوسة و الشك فانها تحصل اذا اظلمت المدارك و اما اذا صفت فليس هناك الاّ العلم الصافي النوراني لصفاء المقابل و نورانيته فليس في ذلك الصقع ظلمة وهم و شك و ظن فاذا حصلت احياناً فانها تحترق و تضمحل عند مقابلة النور فلم‏يبق الاّ العلم الخالص الناشي‏ء منه الدين الخالص الا لله الدين الخالص و هذا هو الحكم الاول.

و قدعرفت المراد من الاشارة ان الكينونة الاولية هي المعصومون المطهرون و الثانية هي شيعتهم لانهم من شعاع انوارهم قالوا: انما سموا الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع انوارنا و قالوا ايضاً: ان شيعتنا لتنفصل منا كانفصال الاشعة من الشمس و قالوا ايضاً ان شيعتنا لاشد اتصالاً بنا من اتصال الاشعة بالشمس و الذي ذكرنا حال تلقي الشيعة الاحكام الالهية التكليفية من ائمتهم: اذا كانوا ظاهري الامر نافذي الحكم مطاعين في الوجود فهنا (فهناك خ ل) ليس الاّ البصيرة الواضحة و المعرفة الكاملة و القطع البات و رتبة التمكين و الثبات فلا

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 363 *»

سبيل للظن و الوهم و الشك هناك لاضمحلالها عند انوارهم و انعدامها عند لمعان آثارهم سلام الله عليهم و اما اذا حيل بين الشمس و اشعتها و يحتجب (فيحتجب خ ل) نورها عنهم قدر الحايل و كثافته فتسمتد الاشعة منها من وراء الحجاب من ذلك الباب لكن النور حينئذ ليس كالاول اذ بقدر احتجاب النور ازدادت الظلمة فتختلط بالنور فحينئذ يخفي الحكم الاول الذي كان بينها و بين الاشعة الاّ اذا ارتفع الحجاب فتمد الاشعة حينئذ بالنور المشوب بمقتضي منع الحجاب و هو قوله7 ان الناس ينتفعون منه7 في غيبته كماينتفعون من الشمس اذا جللها السحاب و لا شك ان العلم  ليس فوقه مرتبة و لا اشرف منه مقام حتي يفرض في المقام الاول فلم‏يبق في المقام الثاني الاّ الظن و هو الاغلب الاكثر و الشك في بعض الاحوال عند تكافؤ الادلة و تعارض الاحتمالات فيبني علي التخيير و اما الوهم فانه في صقع آخر غير صقعهما فلايثبت معهما لايقال اذن يجب ان لايحصل القطع لاحد لانا نقول قديرتفع المانع و يثبت الحكم الاولي و الاّ لفسد الكون كما اذا كانت الشمس محتجبة ابداً و اما اذا ارتفع الحجاب قليلاً فيقع النور علي مرايا القلوب فيتحقق العلم و لايكون ذلك الاّ في الاجماعين الضروري و المذهب و اما في غيرهما من الاجماعات فمرجعها الي الظن اما الاجماع المركب فظاهر بالنسبة الي كل واحد منهما و اما المشهوري و المحصل و السكوتي فكذلك اذ كل منهما قد تنعكس في الازمنة البعيدة او الامكنة النائية و هذا دليل عدم الثبات فلو سألت القاطع بالامر من الاجماع ان هذا هو حكم الله الواقعي الاولي الذي اراد من المكلف لايمكنه ان‏يقول نعم لمكان التعاكس و الاختلاف حتي من نفسه نعم هو قطع بالحكم الثانوي كما هو شأن ساير الظنون فان مال الكل الي القطع و لايعبد الله سبحانه بالظن ابداً.

فان قلت ان هذا القطع لم لم يوقع (لم‏يوقعه خ ل) في الرعية

قلت لماسبق من ان الاختلاف هو المطلوب و قديقتضي احوال شخص واحد و تبعه اختلافات كثيرة من اثبات حكم و نفي ذلك بعينه كما كان يتفق كثيراً في زمان

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 364 *»

ائمتنا سلام الله عليهم يفتون الشخص بما يوافق المخالفين ثم يرجعونه عن ذلك ثم يأمرونه بالآخر وهكذا لتسلم رقبتهم عن شر طاغية زمانهم و فرعون اوانهم و كذلك في هذه الاوقات و الاختلافات في القطعيات اقل بل لايكاد يجد الاّ نادراً بخلاف الظن فانه يتطرق فيه ما لايتطرق في القطع قطعاً فايقاع الاختلاف في هذه الحالة امكن مع انه لهم و لشيعتهم اصلا  لتحقق المشابهة و المناسبة قال7 انا لاندخلكم الاّ فيما يصلحكم.

ان قلت من اين يثبت لنا من ان الامام7 امرنا علي العمل بالظن

قلت ان لم‏ تكفك ماذكرنا من الحجج الواضحة نقول اتماماً للحجة و اكمالاً للنعمة ان التكليف لاشك انه باق فان السبب الباعث الداعي لارسال الرسل و الكتب و ايقاع التكليف هو الآن موجود و لايمكن تخلف المسبب عن سببه و الاّ لم‏يكن سبباً و المانع ليس مانعاً مطلقاً بل انما هو مانع للكمال علي وجه خاص لا علي جميع الجهات فاذا ثبتت التكليف لانتظام امور المعاش و المعاد و ليس لنا سبيل ظاهري اليه الاّ بالكتاب و السنة.

اما الكتاب فمن جهة اشتماله علي المحكم و المتشابه و المطلق و المقيد و الخاص و العام و التقدير و الاضمار و التقديم و التأخير و امثالها لايفيد القطع به بالمراد كيف و كل اهل ملة و فرقة من هذه الثلث و السبعين فرقة يحتجون به و يستدلون به بل ساير الملل و الطوايف ايضاً في مقام الالزام و الاحتجاج فلو كان الكتاب فيما يحتاجون اليه نصاً لم‏يقع الاختلاف فان النص هو الذي لايحتمل الخلاف في لغة يتحقق التخاطب بها و مع‏ذلك كله فليس الكتاب جامعاً لجميع الاحكام التكليفية التي تنتظم به احوال العباد ظاهراً بل ليس فيه الاّ قليل من ذلك و هو ايضاً كله عمومات و اطلاقات و اجمالات (احتمالات خ ل) يحتاج الي البيان التام و لايوجد فيه ظاهراً بحيث يتناوله ايدي العوام دون ائمة الاعلام: فلو اقتصر علي الكتاب لما يثبت شي‏ء من الاحكام التفصيلية بوجه من الوجوه و لو جوزنا العمل بالظن و اما في صورة المنع فيجب الاعتزال عن القرآن و عن الانتفاع به كمافعلوا.

و اما السنة فتشتمل علي مايشتمل عليه الكتاب

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 365 *»

من قواطع القطع و زيادة ورودها في اغلب الموارد مورد التقية و وضع اهل الخلاف احاديث كثيرة لتناقض دين الحق و دسهم  مفترياتهم في اخبارنا و تكلمهم سلام الله عليهم و ارادتهم احد سبعين وجهاً و اختلاف الروات و اختلاف العلماء فيهم و تعارض الاخبار و امثال ذلك من الامور التي لايشك عاقل عدم تحقق القطع معها و اما المتواترات المعنوية فليست الاّ قليلة لاتكفي لاثبات حكم من الاحكام بجميع وجوهه و كذلك المحفوف بقراين القطع كمايظهر للعارف المتتبع في الاخبار كيف يحصل قرائن القطع في كل المواضع و هو7 يقول اني لاتكلم بكلمة و اريد منها احد سبعين وجهاً لي لكل منها المخرج.

و القول بان اهل الشرع:يضعون قرينة ان اريد بها قرينة القطع مطلقاً ممنوع لعدم تحققها في اغلب المواضع و اكثرها لماذكرنا من السر الحقيقي و عدم وجداننا ذلك مع سلوكنا سبيل الرب ذللاً و اعتراف جمع كثير و جم غفير من العلماء الاخيار و الفقهاء الابرار الذين يشقون الشعر بدقة علومهم و افهامهم و لايشك احد في ورعهم و اجتهادهم و تبحرهم في العلوم و معرفتهم بمواضع القراين كالعلامة و الشهيدين و المفيد و الشيخ الطوسي و المقدس الاردبيلي و غيرهم ما لايحصي عددهم الاّ الله و اغلبهم كانوا مؤيدين بنور الله فلو كان الامام7 يوصل احداً الي القطع في كل المسائل باعتبار القرائن لكانوا اولي الناس بها و لم‏نجد في الذين يدعون القطع من الاخبار من الذكاء و الفهم و التورع و الاقبال بازيد و اكثر مماشاهدنا فيهم بل و لا نسبة بينهم ذلك بوجه من الوجوه و كلهم رحمهم الله بذلوا مجهودهم و استفرغوا وسعهم في استنباط الاحكام و لم‏يصلوا الي مقام القطع فاضطروا الي العمل بالظن فلو كان طريق الي القطع و هم ماسلكوه و اقتصروا علي الظن لكانوا فساقاً حاشاهم عن ذلك و هم اجل و اعلي من هذه النسبة و ايصال الامام7 بعضهم اليه  دون بعض مع ان الكل رعيته و غنمه و عليه تسديدهم من دون مرجح لايناسب رتبة الامام و الولاية اذ المرجح اما دقة النظر او العمل

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 366 *»

و العبادة و الاقبال الي الله سبحانه او اجتماع القلب و المجموع في المدعين ليس بازيد عن غيرهم لو لم‏ننف كلها منهم اذ آثارهم و اعمالهم و اقوالهم شاهد صدق علي حالهم و الحاصل لاينبغي الشك في ذلك.

و دعوي قطعية الكتب الاربعة من حيث الصدور باطلة اذ ماذكروا من شهادة المشايخ الثلثة علي صحة الاخبار المذكورة في كتبهم لايدل علي قطعيتها اذ الشهادة انما تقبل اذا ما تعارض الشهود بعضهم مع بعض مع ان كل واحد في كتابهم (كتابه ظ)يطعن علي الآخر و ليس عندي الآن احد من هذه الكتب حتي ابين ذلك لك و احققه و ايضاً انهم انما قالوا ذلك لا من جهة انهم راوون و سامعون من الامام مشافهة بل انما ذلك من جهة اجتهادهم و استفراغ وسعهم و ماثبت لهم ليس حجة عامة لغيرهم و لذا ساغ لاحدهم مخالفة الآخر مع ان قول الصدوق ره في الفقيه اني لم‏اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع مارووه بل قصدت الي ايراد ما افتي به و احكم بصحته و اعتقد فيه انه حجة فيما بيني و بين ربي انتهي، لايدل علي انه قاطع من جهة وروده عن المعصوم7 بالقطع الاولي لعل مراده القطع الثانوي كماهو الآن دأب المجتهدين فان كلما يذكرون في كتبهم الاستدلالية او في فتاويهم يقطعون بصحته و يحكمون عليه و يعتقدون فيه انه حجة بينهم و بين ربهم و لايشكون فيه ابداً بل الظاهر ان مراده هو الذي ذكرنا فانه يعتمد في استدلالاته علي امور عجيبة مثل ما قال في كتاب محمد بن احمد بن يحيي العطار مامعناه انه قد اخرج شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد ثلثين رجلاً من رواته لم‏يعمل بماتفردوا به من الرواية و عدهم ثم قال و كل ما لم‏يصححه شيخنا ليس بصحيح فلايجوز العمل بماتفردوا به ثم ذكر في الفقيه في باب الطهارة صحة الطهارة بماء الورد مستنداً الي رواية محمد بن عيسي عن يونس بن عبدالرحمن و قد عدهم من الثلثين الذي لم‏يجوز العمل بماتفردوا به مع مخالفتها للمشهور و عمل الاصحاب علي خلافه و معارضته مع الروايات الاخر فظهر ان مراده ايضاً هو مراد المجتهدين فيمايقولون الاّ انه ره كان لايتعدي عن الاخبار و لايعمل

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 367 *»

بمطلق الظن كما هو الحق الصواب و لايدل شهادته علي صحة (بصحة خ ل) ورود هذه الاخبار عن الائمة الاطهار سلام الله عليهم و ليس ما صح عند فقيه حجة علي الفقيه الآخر بل يجب علي الكل النظر لعل ما يعتمد ذلك الفقيه و يجعله دليلاً لم‏يعتمد عليه الآخر كما انا ما اعتمدنا علي كلية ما ادعاه شيخ الصدوق ره و محمد بن الحسن بن الوليد تبعاً للصفار بل فيهم ثقات معتمد عليهم مثل محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني و اغلب ما تمسكوا به من الحجج في تضعيف الثلثين امور ضعيفة لايجوز الاعتماد عليه (عليها ظ) لكنهم اعتمدوا اذا لم‏يجدوا غيرها و نجلّ الصدوق ان‏يعتمد علي شيخه تقليداً او شيخه و هو من ثقات اصحابنا يعتمد علي شيخه كذلك او ان شيخه محمد بن الحسن الصفار يقول من غير حجة الاّ ان المدارك مختلفة و الله عند ظن كل امرئ فلايكون ما ثبت عند فقيه اذا لم‏يكن اجماعياً علي التفصيل الذي نذكر ان شاء الله حجة علي فقيه آخر و لذا ترانا نمنع حجية الاجماع المنقول اذا كان عن محصل خاص و لذا قال7 فما لم ‏يثبت لمنتحليه من كتاب مجمع علي تأويله او سنة عن النبي9 لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة و عامها الشك فيه و الانكار له انتهي. نعم اذا رووا مشافهة و هم ثقات نعتمد عليه بخلاف ما اذا رووا عن رواة اخر و لذا نقول ان الحق الحقيق بالتحقيق و التصديق ان التوثيق في الرجال ليس من باب الشهادة و انما هو من باب الظنون الاجتهادية مع ان الرواية اقرب الي الصواب من الشهادة و ليس الآن موضع تحقيق هذه المسألة و بالجملة ليس لقطعية الاخبار الموجودة في الكتب الاربعة دليل يعتمد عليه و يركن لديه بل كلها تمويهات يضيع العمر بالاشتغال بها مع انه لو فرض قطعية صدور ما فيها لاتضر مانحن بصدد بيانه من الظن بالحكم المستفاد من الخبر فان استفادة الاحكام ليست من الالفاظ بل من الدلالة، غاية مافي الباب سبيلها سبيل المتواتر القطعي و القرآن و هما لايفيدان في اغلب المواد الاّ الظن و ليست الاخبار التي يستنبط منها الفقيه محصورة في الكتب الاربعة بل كل خبر

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 368 *»

اذا استجمعت شرايطه يجب العمل عليه و الحاصل ان الاخبار لاتفيد اكثرها و اغلبها الاّ الظن.

و اما الاجماع فالضروري منه لايكفي و باقي الاجماعات قد انكروا تحققها سيما في هذه الازمنة و قالوا ان الاجماع في هذه الازمان لايوجد الاّ منقولاً و لو سلم تحققه فانما هو قليل قليل فان قلته و ندرته صارت علة لانكار طايفة تحققه في هذه الاوقات فلايكفي لاستنباط الاحكام التي يحتاج اليها الانام.

و اما العقل فانه لايصح استقلاله في تأسيس الاحكام اتفاقاً اما في ترجيحها فلابد من مستند و ليس الاّ الكتاب و السنة و الاجماع و قدعرفت الكلام فيها و سيأتي الكلام ان‏شاءالله في دليل العقل مشروحاً.

فاذا كان هذا حال الادلة التي بين ايدينا و هي الوصلة و الطريق الي حكم الله سبحانه و لايحصل منها الاّ الظن فلو اقتصر علي مايقطع به منها لما حصلنا المكلف به علي مايتم به النظام و تكمل به المعيشة مع انا مكلفون بهذا المقدار قطعاً فيجب علي الامام7 لو لم‏يرض منا بمانعرفه من هذه الامور الاربعة و مايظهر لنا منها ان‏يقيم لنا علماً هادياً و مناراً يوصلنا الي مقام القطع و اليقين فان هذا لطف واجب و هو قادر عليه و لايجوز الاخلال باللطف و الواجب سيما من الامام7 فحيث لم‏يفعل و خلانا علي هذه الحالة علمنا قطعاً ان هذا هو الذي يريد منا و لم‏يجعلنا في ظلمة عمياء و دهمة بكماء كيف و قدقال مولينا و امامنا ابوعبدالله7 ان الله لايخلي الارض من حجة و لولا ذلك لم‏يعرف الحلال من الحرام فابان ان وجود الحجة لتعريف الحلال و الحرام، فلو لم‏يعرف لم‏تظهر الثمرة و دعوي عدم التمكن باطلة اذ منشأها الجهل بمقتضي الامامة و سلطان حكم الولاية مع عدم لزوم الالجاء و الجبر فافهم فظهر لك مما بينا انا من امثال هذه المذكورات عرفنا ان الامام7 اقرنا علي العمل بالظن فافهم ان كنت تفهم و لاتكذب بما لم‏تحط به علماً فتدخل في قوله تعالي بل كذبوا بما لم ‏تحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله.

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 369 *»

 و من الادلة التي جعلها الله سبحانه للخلق الاجماع و هو اتفاق جماعة احدهم المعصوم7 قطعاً غير معلوم بعينه علي امر من الامور و قولنا غير معلوم ليخرج حال التقية لانه ان (اذا خ ل) علم بعينه كان قوله7 خبراً و لم‏يكن اجماع اذ لا عبرة بالاتفاق ما لم‏يكن هو7 احد المتفقين و اما قوله منفرداً فهو خبر يحتمل ارادة السبعين ايقاعاً للاختلاف فلايحصل اليقين بالمراد كماقال7 علي مارواه في معاني الاخبار انتم افقه الناس ما عرفتم معني كلامنا انا لنتكلم بالكلمة و لها سبعون وجهاً ان شئت اخذت هذا و ان شئت اخذت هذا و امثال ذلك كثيرة فلايحصل القطع الذي هو مؤدي الاجماع و مقتضاه فلم‏يثبت و بالجملة فالعبرة في تحقق الاجماع هو القطع بدخول قول المعصوم7 لا اتفاق الطائفة و لا اتفاق اهل الحل و العقد و لايعتبر فيه العدد و لا الكثرة فلو حصل هذا القطع في اقوال طائفة و لو كانوا ثلثة بل و اثنين يتحقق الاجماع و الذي يدعي انه منا و ذهب الي ان العبرة فيه هو نفس اجتماع الامة لا لدخول (لاجل دخول خ ل) قول المعصوم7 اثباتاً لشرافتهم و جلالة امرهم و ان الحق يدور معهم لقوله تعالي كنتم خير امة اخرجت للناس فذلك من لطخ اصابه من اهل الباطل في عالم الاظلة و جهل بموقع الاجماع اذ لا شرافة للامة (في الامةخ ل) ا لم‏تر انهم كلهم بعد وفات رسول الله9 ارتدوا علي اعقابهم و ما بقي منهم الاّ اربعة و كيف تعتبر اجتماعهم مع ان الامة افترقت بثلثة (بثلاث ظ) و سبعين فرقة كلهم من اهل النار الاّ فرقة واحدة فقوله7 لاتجتمع امتي علي خطاء ان اريد مدلول اللفظ فهو مناقض لقوله9ستفترق امتي الخ و ان اريد المجموع من حيث المجموع بحيث لايشذ منهم احد لم‏يتحقق الاجماع الاّ في ضروري الاسلام و هو خلاف المعروف من الحديث بل يريد بالامة امة الإجابة في حال اتصافهم بهذه الصفة و هذه الصفة لايتحقق الاّ اذا كانوا مصيبين و علي الحق فالمخطي من حيث هو كذلك في حال الخطاء ليس بامة النبي9

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 370 *»

لان الباطل ليس منه و لا اليه فلاينتسب اليه فالموصوف به من حيث تلك الصفة لم‏ينتسب اليه9 فلم‏يكن حينئذ امة و لذا قالوا:لايزني الزاني و هو مؤمن و لايسرق السارق و هو مؤمن و هكذا.

فاذا اجتمعت الامة علي شي‏ء لابد اولاً من معرفة انهم في هذه الحالة موصوفون بتلك الصفة منتسبين اليه9 ام لا فاذا تحققت الصفة نحكم بالاصابة و تلك الصفة لاتتحقق الاّ اذا علمنا موافقة من لايعصي و لايخطي معهم و دخول قوله مع قولهم فاذن تتحقق الصفة و نحكم بالاصابة فالحديث الشريف لمن يفهم و يعقل ينادي باعلي صوته دخول قول المعصوم7 في الجمعين و هذا الذي ذكرنا مبني علي الاحاديث الدالة ان بالمعصية و الباطل يخرج روح‏الايمان فلايكون الرجل مؤمناً في تلك الحالة فاذا عاد الي الحق و الصواب تعود اليه روح الايمان و بيان هذه المسألة و برهانها يحتاج الي ذكر مقدمات يطول بها الكلام و ليس هنا موضع استقصائه.

و بالجملة لا فائدة في هذه الاقوال اذ ما استقر عليه مذهب الفرقة المحقة ممن يقول بالاجماع هو اعتبار دخول قول المعصوم7 فاذا صح هذا و قطع به و تحقق العلم بدخول قول المعصوم7 لاشك في حجيته و عمومها و لايحتاج ذلك الي برهان و لايتوقف علي بيان اذ لاشك ان المعصوم حجة و قوله حجة و الناس مكلفون بمايعرفون و يعقلون فاذا علم ان هذا هو مراده7 فيجب العمل عليه ان كان مما يتعلق بامر او نهي فالاجماع بجميع اقسامه من الضروري و المذهب و المركب و المشهوري و المحصل الخاص و السكوتي حجة لما ذكرنا و التوقف في الاجماع السكوتي مع القطع بكون الامام7 من الساكتين و هو قد اقر عليه لا معني له فمن لم‏يحصل له هذا القطع فليس بحجة عليه و دعوي ان هذا لايمكن غلط لبداهة عدم امتناعه و دعوي انه لايوجد فكما استشكلوا في تحقق ساير الاجماعات في الازمنة النائية عن زمان المعصوم7مثل زماننا و مايقاربه و مابعده و سيأتي الكلام فيه ان‏شاءالله.

 

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 371 *»

و اما الاجماع المنقول عن الاجماع المركب و المحقق العام بالخبر المتواتر فلا شك في حجيته لانه بمنزلة الخبر الصحيح المتواتر و الفارق مكابر و اما المنقول بخبر الواحد فمبني علي القول بحجية خبر الواحد و دعوي انها مبنية علي حجية (علي القول بحجيةخ ل) مطلق الظن او الظن المخصوص فعلي الاول حجة و علي الثاني لا ليست بصحيحة فان الاجماع المنقول يزيد علي الخبر الواحد بقلة الوسايط و هي من المرجحات القوية فكيف لايساوي الخبر الصحيح كماذكرنا في (في ساير خ ل) رسائلنا نعم المنقول عن المخصص الخاص يشكل اعتباره و حجيته بل الرجحان لجانب العدم فان تحصيله ليس عاماً بحيث اذا نظر الفقيه عرف كالمحصل العام بل انما يخص لمن حصله لحصول الدليل القاطع بدخول قول المعصوم 7 له في جملة قول القائلين و لايحصل ذلك الدليل للناقل و الاّ لم‏يكن ناقلاً بل محصلاً و لا لمن نقل اليه و الاّ لكان اعتماده و استناده علي من حصل لا الي الاجماع المنقول فلايكون حجة لغير المحصل بالكسر و ان كان مقوياً اذ لو اطلع الغير علي دليله الذي قطع به ربما لايري فيه دلالة و لايحصل له القطع و ما هذا شأنه لايكون حجة في حقه و لذا قال مولينا الكاظم7 علي مارواه صاحب البحار فمالم‏يثبت لمنتحليه من كتاب مجمع علي تأويله او سنة عن النبي9 لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة و عامها الشك فيه و الانكار له.

و كذلك الامر يشكل في الاجماع المشهوري ايضاً فانهم كثيراًما يطلقون الاجماع علي الشهرة تقوية للاحتجاج و قال الشهيد في الذكري الحق بعضهم المشهور بالمجمع عليه فان ارادوا في الاجماع فممنوع و ان ارادوا في الحجة فقريب هـ و حكي ان ظاهر البعض اطلاق الاجماع علي الشهرة محتجين بقوة الظن في جانب الشهرة فيكون ذلك امارة دخول قول المعصوم7 فيها سواء كانت في الرواية او في الفتوي و الحق انها ليست باجماع و لا حجة اما الاول فلان الاجماع عندنا هو الكاشف عن قول المعصوم7علي جهة

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 372 *»

القطع و اليقين و هنا ليس كذلك و الاّ لكان اجماعاً يفيد القطع لا شهرة تفيد الظن و اما الثاني فلان الظن لايغني من الحق شيئاً و انما جوزنا العمل بالاخبار الآحاد لكونها مستندة الي القطع الذي هو السنة و ليس هنا اصلاً قطعياً لتستند الشهرة اليه فلاتكون حجة مع ورود ورب مشهور لا اصل له و رب للتكثير لا للتقليل كما لايخفي و لو انكشف لك السر في بعض المشهورات لصدقت بقول الامام7 و علمت ان لا حجية في الشهرة من حيث هي هي و قوله7 خذ ما اشتهر بين اصحابك و اترك الشاذ النادر فان المجمع‏عليه لا ريب فيه بعد الاغماض عما قالوا فيه من النقض و الابرام نقول ان ظاهر تعليله7 يدل علي ان المراد هي الشهرة التي تكون اجماعاً كاشفاً عن قول المعصوم  (الامام خ ل)7 بقرينة رب مشهور و لا اصل له فان الكلام فيما خالف الاصل اذا كان بالاحتمال وقع موقع الاجماع و يحمل علي القدر المتيقن فان المعروف من مذهبه7 ان العمل بالظن حرام و قبيح لتواتر الاخبار في ذلك معني بمعونة الكتاب و دلالة العقل و لاينكر ذلك الاّ من ليس له تتبع في الاخبار و ما جاس خلال تلك الديار فلو انه تتبع يري الامر واضحاً كالشمس في رابعة النهار و الذي ذكرنا سابقاً من صحة العمل بالظن و حجيته فانما هو لرجوعه الي القطع لا مطلقاً.

لايقال ان الاحتمال المحض لايبطل به الاستدلال و احتمال ارادة الاجماع لايكفي لاجمال اللفظ

لانا نقول ان الاحتمال المساوي قائم لو لم‏نقل انه الراجح بملاحظة التعليل بقوله7 فان المجمع‏عليه لا ريب فيه و قوله و رب مشهور و لا اصل له و ما نري في اكثر المشهورات من عدم الثبات

و لايقال ان مراد السائل هو تحصيل مراد الامام7 من الاخبار المتعارضة فلو تيقن بقوله7 من الاجماع لم‏يحتج الي السؤال و لم‏يبق في الحيرة فلايكون تلك الشهرة كاشفة علي جهة القطع اذ لا فائدة في الجواب حينئذ

لانا نقول لايلزم ان‏يطلع السائل بجميع الجهات التي يقطع بها بمراد المعصوم7 فاسس له7 بقوله هذا اصلاً كلياً الهياً لاستكشاف قوله7 في زمان الحيرة و بيان ذلك يطول به الكلام.

و نحن اذا اعتمدنا علي

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 373 *»

الشهرة و جعلناها اجماعاً هو ماعرفنا من ارشاده7 في هذا الحديث و مايشابهه و ليس اعتمادنا علي الشهرة من حيث هي هي فانه لا حجية فيها فان نقل الاجماع عن المشهوري فان علم انه من المشهوري الذي هو الحجة بحيث علم من الدليل الذي نصبه الامام7 لاهل الاستيضاح و الاستنباط ان قوله7 داخل في المجمعين فهذا حجة علي ما يظهر من كلام بعض الاعلام لكونه بمنزلة الخبر الصحيح لان تحصيله عام فلايخص كالمحصل الخاص لكني بعد ما ظهر لي وجهه و ان كان ارجح و اوسع من المحصل (المحصل الخاص خ ل) في المرجحية و الحجية ايضاً ان سلم عن المعارض مطلقاً و ان علم ان المراد به الشهرة من حيث هي هي فكما عرفت من عدم الحجية و ان لم‏يعلم ذلك فالاعتماد عليه مشكل بحمله علي المشهوري الذي هو اجماع حقيقة فان اطلاق الاجماع علي المشهوري غير عزيز عندهم و ان قالوا ان الظاهر انه من العام كمايظهر من عبارات الفقهاء رضوان الله عليهم.

و كذلك الامر يشكل في المنقول عن الاجماع السكوتي علي فرض حجيته فانه يستدعي الاطلاع علي اقوال الفقهاء ممن يقدر عليهم و يسعه بعد استفراغ وسعه و الاّ فلايتحقق و خروج معلوم النسب يضر في هذا الاجماع بخلاف غيره و ليس ما في عباراتهم من دعوي الاتفاق صريحاً في اتفاق الكل اذ كما مايحتمل انه ما اعتني بقول المخالف يحتمل ايضاً انه ما عثر عليه و ما استفرغ وسعه علي ماينبغي اذ كثيراًما يعتمدون علي نقل الوفاق و هو يحتمل ان لايري الناقل المدعي المخالف ممايعتبر قوله فيدعي و ربما لو اطلع عليه فقيه آخر اعتبره و اعتمد عليه اذ مدارك الافهام ليست علي طريقة واحدة و اقتضاء الكينونات علي طرق غير متعددة بل الامام7 له مع كل ولي اذن سامعة يدبره حيث ما اراه الله سبحانه من احكامه التكليفية من حكم الاتفاق و الاختلاف فلاتعتبر الاّ بما ييسر لك راعيك و ما يترجح لك عندك فلاتعتبر بقول احد الاّ بعد التفتيش و ليس هذا طعن في عدالتهم او في نقلهم حاشاهم عن ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 374 *»

بل لما قلت لك ان في دولة الباطل ليست الامور علي طور واحد فان الاحوال تختلف باختلاف الليل و النهار بالنسبة الي المجموع و الي الشخص الواحد ايضاً و التكاليف تدور علي مقتضي تلك الاحوال و الاوضاع و العالم بحقيقة هذه الاختلافات و مقتضي هذه الاقتضاءات الذي اشهده الله خلق الارضين و السموات يجريهم علي حسب تكاليفهم في تلك الاحوال فمن طلب منه و اتكل عليه في فهم الاحكام بمستوضحات الكلام عرفه مايقتضي حاله و القرائن التي تدل علي المراد المطلوب منه فانه الكهف الحصين و غياث المضطر المستكين و ملجأ الهاربين و عصمة المعتصمين لايفقدهم و ارشاداتهم و هدايتهم من طلبهم قال اميرالمؤمنين7 علي مارواه في الكافي المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين يتأدبون بآدابهم و ينهجون نهجهم فعند ذلك هجم (يهجم خ ل) بهم العلم علي حقيقة الايمان فتستجيب ارواحهم لقادة العلم و يستلينون من حديثهم ما استوعر علي غيرهم و يأنسون بما استوحش منه المكذبون و اباه المسرفون اولئك اتباع العلماء صحبوا الدنيا بطاعة الله تبارك و تعالي و اوليائه و دانوا بالتقية عن دينهم و الخوف من عدوهم فارواحهم معلقة بالمحل الاعلي فعلماؤهم و اتباعهم خرس صمت في دولة الباطل منتظرون لدولة الحق و سيحق الله الحق بكلماته و يمحق الباطل طوبي لهم علي صبرهم علي دينهم حال هدنتهم و يا شوقاه الي رؤيتهم في حال ظهور دولتهم و سيجمعنا الله و اياهم في جنات عدن و من صلح من ابائهم و ازواجهم و ذرياتهم انتهي كلامه الشريف و فيه عن ضريس الكناسي قال سمعت اباجعفر7 يقول و عنده اناس من اصحابه عجبت من قوم يتولونا و يجعلونا ائمة و يصفون ان طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله9 ثم يكسرون حجتهم و يخصمون انفسهم لضعف قلوبهم فينقصونا و يعيبون ذلك علي من اعطاه برهان حق معرفتنا و التسليم لامرنا أترون ان الله تبارك و تعالي افترض طاعة اوليائه علي عباده ثم يخفي عنهم اخبار السموات و الارض و يقطع عنهم

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 375 *»

مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم الحديث و انما ذكرت الحديثين لغاية عندي فان ادركتها فقد فزت بالنصيب من المعلي و الرقيب.

و بالجملة فالمنقول عن الاجماع السكوتي فان علم انه وقع عن كمال التفتيش كان حجة لكن فيه احتمال عدم الاستقصاء كماعرفت و لاجل ماذكرنا ترانا نقول ان الاعتماد علي الاجماع المنقول لابد من الاطلاع الابتدائي فيحكم عليه علي ما يظهر للفقيه و الاّ فلو وجد دليل (دليلاً خ ل) علي خلافه يعدل عنه اليه كما تري الفقهاء فانهم يحكمون في مقابلة الاجماع المنقول و ليس هذا طعن في الناقل بل لما قلنا من احد الامور المذكورة فافهم و لبسط المقال مقام آخر و اما تحقق الاجماع في الازمنة النائية عن زمان المعصوم7 فلا شك فيه و لا ريب يعتريه و انكار بعضهم لايعبؤ به الاّ ان‏ينكروه رأساً كالاخباريين و الاّ فالقول باثباته في زمان المعصوم7 و انكاره في هذه الازمنة فبعيد عن الصواب لما بينا انه لا فرق بين الزمانين و الآن ايضاً زمان المعصوم يتصرف في رعيته و شيعته كما اراد الله فان اقتضي الامران يوقع بينهم الاتفاق علي سبيل الاطلاق ليكون ضروري الدين او المذهب فعل او يجعلهم طائفتين بحصر الحق فيهما ليكون الاجماع المركب فعل او يجعل قوله اما الواقعي او الظاهري في الاكثر الاغلب و يجعل خلافه في الشاذ النادر لئلايرتفع الحق من اهله اما الواقعي او الظاهري الثانوي ليكون الاجماع المشهوري فعل او يجعل قوله احد الامرين في طائفة و يرشد البعض اليه بقراين و امارات قطعية فمن جري تكليفه بذلك دون الآخرين ليكون الاجماع محصلاً فعل او يسكت عن حكم و يقرره قال7 ان رسول الله9 امر باشياء و نهي عن اشياء و سكت عن اشياء و لم ‏يكن سكوته عنها جهلاً فاسكتوا عماسكت الله و ابهموا ما ابهمه الله هـ ليكون الاجماع سكوتياً فعل و قدفوض اليه امر غنمه و انعامه يدبرهم حيث‏ما اراد الله.

فعلي هذا لايلزم ما الزموا و لايرد ما اوردوا من الاطلاع علي اقوال كل الفقهاء و العلماء ممن في مشرق الارض و مغربها اذ ليس هذا الاجماع من مذهب الشيعة بل الذي عندهم و مناط تحقق

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 376 *»

اجماعهم هو العلم بدخول قول الحجة المعصوم7و ان وجد مخالف و تحقق معارض فان ذلك لايعتني به و هذا القطع انما يحصل بالقرائن و الامارات و ملاحظة الاحوال و الاصول الكلية المعصومية و غير ذلك من القرائن الحالية و المقالية فاذا حصل القطع تحقق الاجماع و لايلزم من ذلك الاحاطة و الاطلاع التام الكلي فانه مذهب مخالفينا و هذا مثل قطعك ببعض الاحكام و الاحوال و الاعتقادات مع وجود المخالف و ليس الاّ بالقراين و ملاحظة الامور و قديحصل القطع بالقول الواحد المحفوف بالقراين فكيف بالاقوال الكثيرة اذا ضمت اليها القرائن و الارشادات التي ينصبها صاحب‏الامر صلوات الله عليه نعم في الاجماع السكوتي لابد من الاتفاق اذ بمخالفة واحد و لو معلوم النسب يبطل حكم هذا الاجماع لكن هذا الاطلاع لايجب ان‏يكون كلياً اذ ليس الشخص الجزئي شأنه الاحاطة بالكلي و ليس مكلفاً به بل الواجب عليه في تحقق هذا الاجماع استفراغ الوسع و بذل الجهد في الاستطلاع فاذا بلغ غاية مجهوده لايكلف بازيد من ذلك فيجد ولي الله عند تمام جهده فيوفيه حسابه و الله سريع الحساب فافهم مقالتي و لاتنكرها اذ لم‏تحط به علماً ليشملك قوله تعالي و اذ لم‏يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم، بل كذبوا بما لم‏يحيطوا بعلمه و لمايأتهم تأويله فظهر لك ممابينا تحقق الاجماع في امثال زماننا هذا و لايسعني الآن ذكر جميع مايتعلق بهذا المقام ممانعرف و الايرادات التي ذكروها (ذكرها القوم خ ل) و الرد و القبول الاّ ان فيما ذكرت كفاية للمسترشد المستوضح الفطن اللبيب و علي الله قصد السبيل و منها جائر.

و من الادلة المثبتة للحكم الالهي دليل العقل و هو التمييز و الفهم الذي جعله الله في الانسان و جعله مدار التكليف و مناطه به يتميز بين الحق و الباطل و الحسن و القبيح و الجيد و الردي و امثال ذلك و هذا التمييز له مراتب.

احدها مايحصل بالفؤاد و هو اعلي مشاعر الانسان و ليس فوقها مشعر و الادراكات و المشاعر كلها تنتهي اليه و ذلك يدرك حقايق الاشياء و اعيان الموجودات علي ماهو عليه في الواقع و هو مقر المعرفة و محل المحبة قال

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 377 *»

مولينا الصادق7 و اذا انجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة فاستأنس في ظلال المحبوب و دليل هذه المرتبة دليل الحكمة من الادلة الثلثة التي قال الله تعالي ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن.

و ثانيها ما يحصل بالقلب و هو وجه الفؤاد و محل المعاني و مقر اليقين و مسكن الرجاء كما قال مولينا7 و اذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل و من تمكن من رؤية الفضل رجا و من رجا طلب و من طلب وجد و ذلك يدرك الكليات و المعاني علي جهة اليقين الذي لايختلجه الشك و دليل هذه المرتبة دليل الموعظة الحسنة.

و ثالثها مايحصل بالصدر و هو باب القلب و قشره و ظاهره قال الله تعالي و انما تعمي القلوب التي في الصدور و هو محل الصور و مقر العلم و مسكن الخوف كماقال7 اذا تحقق العلم في الصدر خاف الحديث و قال الله تبارك و تعالي انما يخشي الله من عباده العلماء و قال سيد الساجدين7 لا علم الاّ خشيتك و لا الحكم الاّ الايمان بك ليس لمن لم ‏يخشك علم و لا لمن لم ‏يؤمن بك حكم الدعاء و هو يدرك الصور الشخصية و الاشباح المنفصلة الجزئية و دليله المجادلة بالتي هي احسن.

و كل مراتب التميز و الادراك في اي عالم كان ينتهي الي هذه المراتب الثلاثة.

و لما كان كل حق له باطل يقابله و الاّ لم‏يكن حقاً كان لكل مرتبة من هذه المراتب الثلاث ضد ظلماني و لما كان الانسان مركباً من الضدين في كل المراتب الثلاثة و كل ضد يميل الي اصله و مبدئه فان مبدأ النور في اعلي عليين و مبدأ الظلمة في اسفل السافلين و كل الانوار و الظلمات المنبثة في العالم منتسبة الي هذين الاصلين الاصيلين كان للانسان في هذه المراتب نظران نظر الي اعلي عليين و نظر الي اسفل السافلين فاذا نظر الي الاعلي يشرق عليه الانوار الالهية فيستنير قلبه بنور المعرفة و العلم و اليقين و اذا نظر الي الاسفل تصعد اليه

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 378 *»

الادخنة الظلمانية من البحر العجاج المستجن فيه الحرارة الجحيمية فيسود قلبه و يظلم بكدورات الجحود و الشك و الوهم و الوسوسة و الظن و امثال ذلك و قديشتبه عليه النظران لعدم استقلاله في احد الطرفين لتماثلهما فان الظل علي مثال الاصل و البول الصافي كالماء الصافي فيمايترتب عليهما من هذه الحيثية و هو قول اميرالمؤمنين7 لو خلص الحق لم‏يخف علي ذي‏حجي ولكن اخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معاً فهنالك استحوذ الشيطان علي اوليائه و نجا من سبقت لهم من الله الحسني هـ فاذا كان للانسان هذان النظران نظر من الجهة الاعلي و نظر من الجهة السفلي او من اليمين او من الشمال فاذا نظر الي شي‏ء و حكم عليه لابد ان‏يعرف انه من اي النظرين لحكم المشابهة و المماثلة في الصورة الظاهرية اذ المفروض انه ينظر بكلا النظرين و دليل النظرين صدور الطاعة و المعصية منه و ما استقل في احدهما مع ان ذلك ايضاً لابد من المعرفة حتي يستقل و لايعرف ذلك من نحو العقل فيدور او يتسلسل فيجب ان‏يكون من خارج العقل و هو احد الامرين الاول مطابقته مع ساير العقول السليمة الخالية عن الشبهة والعناد و العصبية و يعلم هذا بامور منها عرضه علي الباقي علي الفطرة الغير المغيرة بعادة من العادات علمية كانت ام غيرها و هو ظاهر و منها عرض المقدمات قبل العلم بالنتيجة فان كثيراً من الناس ينكرون المقدمات و ان علموا انها حقة لما يلزم عليها من اثبات النتيجة الم‏تنظر الي المخالفين انهم مع انهم يعلمون و يقطعون بل هم في كتبهم الاخلاقية كتبوا و يكتبون ان التنزه من الارجاس و الذنوب و المعاصي (شي‏ء خ ل) ممكن و هو من اعظم الكمالات فبقدر التنزه يحصل لهم القرب الي الله فيفاض عليهم من الانوار الالهية و العلوم الربانية و الالهامات ما لم‏يخطر علي قلب بشر و لا شك ان المتصف به يفوق كل الفضايل و المزايا و لايشكون في هذا اصلاً لكن اذا قلت لهم فيجب ان‏

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 379 *»

يكون الامام7كذلك لانه الرئيس علي الكل و اقرب الخلق الي الله سبحانه و الاّ لم‏يكن رئيساً و يجب ان‏يكون عنده من العلوم التي تكفي كل رعية من اهل الشرق و الغرب و هو لابد ان‏ يكون من الله سبحانه و مقام القرب لايحصل الاّ بالمناسبة مع الظهورات الفعلية و تلك المناسبة لاتكون الاّ اذا ترك الانية و هو يستلزم ترك كل المعاصي المستلزم للعصمة ينكر و يمنع لمايلزم عليهم من تسليم هذه المقدمة من نفي رؤسائهم عن الخلافة حتي انهم نسبوا كل انبياء الله الي المعصية و فعل القبيح و جعلوا اولياء الله اولياء الشيطان للتمويه علي عوامهم و ضعفائهم فاذا نظر العاقل يقطع بديهة ان هذا من جهة العناد لانه يقر بالمقدمة حين ذهوله عن النتيجة و امثال ذلك كثيرة و لو ذكرنا بعضها يطول علينا الكلام و ان لم‏تخل من الفائدة الاّ ان العاقل تكفيه الاشارة.

و هذا العقل الموافق للعقول السليمة يقال له العقل الضروري و به يعرف الله سبحانه بانه موجود و انه عالم و انه حي و انه سميع بصير و تعرف نبوة الانبياء و وصاية الاوصياء اذا ادعوا و اظهروا المعجز المقرون بالتحدي لا مطلقاً فانه يشتبه بالسحر و امثال ذلك من الامور الضرورية و مما ذكرنا لك عرفت ان في العقل الضروري لايجب تطابق الكل بل العقول الغير المسبوقة بالشبهة و يعلم ذلك بما ذكرنا و امثاله فان كذب الكاذب يعرف من فلتات لسانه و اضطراب جنانه لانه اما معاند او مسبوق بالشبهة و لهؤلاء و امثالهم قد لايحصل العلم بالتواتر و ذلك لتمكن الشيطان في قلوبهم فهم لايعقلون.

و الثاني مطابقته بالكتاب و السنة فان كان بالكتاب المجمع علي تأويله او سنة عن النبي9 لا اختلاف فيها فهو ايضاً من الضروري فيجب اتباعه و لايسع احداً من المسلمين ممن يعقل انكاره و ان لم‏يكن كذلك بل استند الي تلويحات الكتاب و السنة و اشاراتهما و لطايفهما و حقايقهما و الوجوه المخفية علي عامة الناس من الوجوه السبعين او روايات مختلفة عرف بالقراين حقية بعضها دون الآخر و قطع بالمراد قطعاً اولياً في الاعتقادات و معرفة حقايق الاشياء او قطعاً ثانوياً في الاحكام الشرعية فيكون ذلك العقل متبعاً و حجة وسع

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 380 *»

فيه الاختلاف و يمكن للذي ما ظهر له الذي ظهر لغير من القرائن و الاحوال  رده و عدم قبوله الاّ انه حجة الهية له خاصة و لتابعيه اذا كان في الاحكام التكليفية.

فان لم‏يطابق نظر العقل فيما يعرف و ينظر باحد الامرين المذكورين فهو الرأي و الاستحسان و الهوي و منه القياس الذي امرونا بالتجنب عنها و الاعراض عنها و لا واسطة بين الامرين فعلي ماذكرنا و شرحنا اندفع الدور المورد فان الكتاب و السنة نفسهما و مبديهما و حافظهما يثبت الاول و ما سواها اذا لم‏يكن ضرورياً يثبت بالثاني يعني يكون الكتاب و السنة كل واحد منهما كاشفاً لاصابته او بطلانه (لبطلانه خ ل) لئلايلزم مخالفة المفروض.

فظهر لك ان عقل غير المعصوم يجب ان‏يكون له مستند من احد الامرين و القول بان المدار في دليل العقل هو القطع مطلقاً غلط اذ ماكل قطع يدور عليه الحق اذ كثيراًما يقطعون بالشي‏ء و هو خلاف الواقع أ لم‏تر الاحول فانه يري الواحد اثنين قطعاً يقيناً لايشك فيه و ربما يحلف مع انك لاتقبل قوله و ترده فيمايقول و كذلك العين التي بعد ماتبين لك صحتها و مرضها بل تمرض وقتاً و تصح وقتاً آخر و لاتتغير ظاهراً و ان كانت في الباطن متغيرة تتوقف في صحة الامور المستندة اليها و كذلك امر الباطن حرفاً بحرف قال مولينا الرضا7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الاّ بماهيهنا فاعتبر مشاعر باطنك بمشاعر ظاهرك مع ان الذي اقول امر بديهي لاينبغي التأمل فيه للمنصف الفطن و يأتي تتمة الكلام في القطع فيما بعد ان‏شاءالله تعالي.

فثبت لك بالبرهان القاطع ان الذي لايستند الي الكتاب و السنة او الضرورة هو رأي و استحسان و لا واسطة بينهما كما قال مولينا الكاظم7 ليونس بن عبدالرحمن عماسأله عمايعرف به التوحيد قال7 لاتكونن مبتدعاً من نظر برأيه هلك و من ترك اهل بيت نبيه صلي الله عليه و عليهم ضل و من ترك كتاب الله و قول نبيه كفر انتهي. و لم‏يجعل واسطة بينهما يكون الحق معه.

 

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 381 *»

فاذن فالذي اختلفوا بعد اتفاقهم بحجية الظن هل هو مطلقاً اي ظن كان الاّ ما اخرجه الدليل القاطع او ما يقوم مقامه ام لا بل الظن المخصوص لست ادري ما الذي ارادوا بهاتين العبارتين ان ارادوا بالمطلق كل ظن يحصل باي نحو كان سواء كان يرجع الي الكتاب و السنة ام لا يرجع فان هذا جرأة عظيمة فان ماسوي العلم بمحل القرار و موضع الاستقرار و لما كان الظن اقوي المراتب بالنسبة اليه فاذا حصل له معين و مقو خارجي يلحقه بالعلم و اذ ليس فليس ذلك المعين يجب ان‏ يكون قطعي الحجية لا استحسان آخر و ظن مثله او الاستحسان لايلتفت اليه و الظن لايكون مؤسساً مع انك علمت ان الدليل العقلي اذا لم‏يستند الي الامرين اللذين هما حكمان الهيان و دليلان شرعيان لم‏يعتمد عليه و لايستند اليه فهل الذين يزعمون من حجية مطلق الظن ان كان مستنداً الي دليل الهي و قول معصومي و حكم شرعي فليسوا حينئذ عاملين بمطلق الظن بل بالظن المستند فلم‏ينطبق دعواهم مدعاهم و ان لم‏يكن مستنداً اليه فبمعزل عن القبول و يطرح في زاوية الخمول و ذلك كله لو فرضنا ان دليلهم علي حجية مطلق الظن تام بجميع مقدماته و دل العقل عليه مع انه غير مسلم اذ قصاري ما قالوا ان الخلق مكلفون في زمان الغيبة بالاجماع و ليس ما عندهم من الادلة تكفي بالاحكام الشرعية علي جهة القطع.

فحيث ثبت تكليفنا و امتنع التكليف بما لايطاق وجب ان نعمل بما نحصل  (يعمل بالذي تحصل خ ل) من الظنون و لا فرق بين ظن و ظن كالعلم فيكون اختيار احدهما دون الآخر ترجيحاً من غير مرجح فيكون الظن من حيث هو عند انسداد باب العلم حجة معمولاً به و الجواب ان القول بان الخلق مكلفون ما المراد منه هل هذه التكاليف توقيفية ام لا فعلي الثاني يتم التقريب في الجملة لكنه رفع للدين و هدم لما اتي به سيد المرسلين عليه و آله صلوات المصلين و علي الاول هل هي موقوفة (توقيفيةخ ل) بتوقيف الله سبحانه ام لا و الثاني باطل بالضرورة و علي الاول هل طريق العلم بها و الدليل عليها موكول الي الخلق ام لا بل يكون الدليل و الطريق ايضاً توقيفيين(توقيفيان خ ل) و الاول يورث عدم

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 382 *»

التوقيف لما مر من ان النتيجة لازمة للدليل فلاتنفك عنه ابداً فاين التوقيفية و علي الثاني فلا معني لاختيار طريق لم‏يكن راجعاً الي الموقف و في الحقيقة في هذا القول مع ان القول بان الاحكام توقيفية لا سبيل للعقل القاصر اليها تدافع ظاهر و تناقض باهر فاذا كان كذلك فيقبح علي الحكيم التكليف بما لم‏يجعل له طريقاً اليه فالقول بانا مكلفون و لا طريق لنا اليه من قبل المكلف خروج المكلف عن الحكمة فلايكون حكيماً لان الدليل من العلل الموجبة للتكليف فاذا انتفي انتفي كما قررنا سابقاً تعالي ربي عن ذلك علواً كبيراً بل جعل الدليل و الطريق.

و لما لم‏يكن العلم في دولة الظالمين في كل جزئي جزئي علي وفق الحكمة كما اشرنا اليه سابقاً فاكتفي بالطريق الظني الراجع الي القطع و هو الكتاب و السنة و مايرجع اليهما و لو بوسايط ثم انا نقول بعد ما احتجنا الي الظن فلا شك انا لانحتاج الي كل ظن بل يكفي الظنون الحاصلة المنسوبة الي العترة الطاهرة فلانحتاج الي غيرها من الظنون المجتثة لان الظن لايغني من الحق شيئاً فاذا كان العمل بالظن من باب الضرورة و خلاف الاصل فالضرورات انما تتقدر بقدرها فنكتفي بمايحصل لنا التكليف و نعرض عن الباقي.

ان قلت ان تلك الظنون المخصوصة لاتفي بجملة ماكلفنا به

قلت ان القائل بعموم المظنة شرذمة قليلون بل الظاهر انه هو قول حادث في الشيعة بين المتأخرين و اما جل الفقهاء مجمعون علي عدم اعتبار الظن المطلق و انما عملهم مقتصر علي الظنون المستفادة لا المطلقة و لم‏يتعطلوا في تكليفاتهم و لم‏يضطروا و لم‏يخرجوا عن دينهم و هم في كمال الاطمينان في ديانتهم و معرفتهم فكيف لايحصل التكليف لابد (اللابدخ ل) منه و هم قد حصلوا و افتوا مقلديهم و لم‏يجعلوهم في حيرة الاّ ان‏ تقول انهم ما حصلوا و انما قالوا من غير دليل فتحكم بفسقهم فاذن ليس لك عندنا جواب.

ان قلت ان هذا وارد عليكم حيث تردون علي الاخباريين القائلين بحرمة العمل بالظن و وجوب تحصيل العلم و القطع الواقعي و تقولون بانا لو اقتصرنا علي الادلة القطعية لزم الخروج عن الدين مع ان اولئك دونوا كل ابواب الفقه و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 383 *»

لم‏يخرجوا عن الدين حسب دعواهم

قلت ان هذا القول منهم قول باللسان دون تصديق في القلب فانهم في اغلب استدلالاتهم في الاحكام يلجؤون الي الاخبار الآحاد و يضطربون في دلالتها و يختلفون فيها و لايمكنهم الاّ الاخذ بالراجح كما شاهدنا في كتبهم الاستدلالية و قد سموه علماً كما صرح به صاحب الحدايق اذ المراد بالقطع ان كان هو العقلي فلايجوز معه الاحتمال اصلاً و هذا يستحيل في الالفاظ و ان كان هو العادي فكذلك اذ الاخبار كلها ليست بمتواترة فكيف يسلمون في الآحاد عن الاخبار المتعارضة و الموضوعة و الواردة مورد التقية و التي نقل بالمعني و التي حذفوا بعضها و ذكروا البعض الآخر و امثال ذلك من الاختلال و شيوع استعمال المجاز و الاشتراك و التخصيص و الحذف و الاضمار و غيرها من الالفاظ (الاحوال خ ل) اللفظية و قد شرحنا هذا المقال في اجوبة بعض المسائل فلانعيد.

و بالجملة لايحصل لهم الاّ الظن و به تطمئن نفوسهم و يقولون ان العلم هو ماتطمئن به النفس و قد حكموا بقطعية صدور الاخبار في الكتب الاربعة و اعتمدوا علي شهادة المشايخ الثلثة في صحة رواياتهم مع ان احدهم يكذب الآخر في رواية و لم‏يدروا ان مرادهم من التصحيح ليس الاّ ماصح عندهم بحسب جهدهم و اجتهادهم من القراين و الامور الخارجية و هذا ليس ما يزيد من صحة الخبر فاذا اردت ذلك انظر كتبهم لتري كيف يرد الصدوق الكليني و الشيخ الصدوق و قد اشرنا اليه سابقاً و اما اصحابنا المجتهدون فمنزهون عن ذلك فظهر الفرق.

ان قلت ان هذا قول من يزعم ان الحجة هو الظن مطلقاً و يدعي ان المنكرين يعملون به من حيث لايشعرون كما قلتم في الاخباريين لان اغلب استدلالاتهم بالشهرة و الاجماع المنقول بخبر الواحد و الاستصحاب و امثال ذلك مما لم‏يقم اجماع علي اعتباره و ليس هو الظن المخصوص

قلت ان كل ذلك يرجع الي الظن المخصوص اذ مرادنا بالظن المخصوص الذي نجعله حجة ان‏يكون مستنداً الي الكتاب و السنة للاجماع الواقع علي ان ما يستفاد منهما

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 384 *»

حجة معمول به و لايلزم ان ‏يتحقق الاجماع في كل جزئي جزئي فاذا كان كذلك وجب اعتبار كلما يستند اليهما لانه فرع من فروع ما ثبت بالاجماع و غيره من الادلة الشرعية التي اشرنا الي بعضها فيما قبل لكن بشرط ان لايعارضه امر يضعف الظن او يقلبه شكاً او وهماً فان ما كان هذا سبيله من الكتاب و السنة لايجب العمل عليه بل لايجوز و اثبات التعبد بالاخبار دونه خرط القتاد و لنا في هذا المقام كلام شريف ذكرنا في بعض ما كتبنا و انا تركناه خوفاً للتطويل و بيان رجوع هذه الامور الي الكتاب و السنة علي الوجه المستوفي لايمكنني الآن لما بي من تراكم الامراض و الآلام الاّ اني اشير اليها مجملاً تنبيهاً للعاقل المسترشد.

فنقول اما الاجماع المنقول فكماعرفت سابقاً من انه بمنزلة الخبر الصحيح بل يزيد عليه بقلة الوسايط و صراحة الدلالة بشرط ان لايحصل الاطلاع الابتدائي و لايكون منقولاً عن المحصل الخاص و لا عن المشهور و الاجماع السكوتي علي التفصيل الذي عرفت.

و اما الشهرة فهي عندنا علي ثلثة اقسام:

قسم هو اجماع و حجة و هو ما اذا تحققت الشهرة و لم‏يكن لها معارض اصلاً لا من الكتاب و لا من السنة و لا من الاجماع و لا تنبيه و لا تلويح و لا ارشاد و لا اشارة و لا غير ذلك مما يظهر للفقيه فان هذه هي التي اقرها الامام7 و الاّ لوجب عليه ان ‏ينصب قرينة تصرف عنها لانه الحافظ للدين كما ذكرنا غير مرة و عليه تسديد رعاياه كما دلت عليه النصوص المتكاثرة المتضافرة بل المتواترة مثل قوله7 كيما ان زاد المؤمنون شيئاً ردهم و ان نقصوا اتمه لهم و عموم الجمع المحلي باللام افرادي يتعلق بكل فرد فضلاً عن المجموع الاغلب الاكثر فافهم فلو لم‏يردها و لم‏ينصب قرينة صارفة لزم احد الثلثة اما انه لم‏يطلع عليها او انه صار مغرياً بالباطل او ان الدين لم‏يكمل و التوالي كلها باطلة اجماعاً من الشيعة نعم ربما يقولون انه ما يقدر نقول ان ارادوا الحكم الواقعي فنعم و ان ارادوا الظاهري فلا كيف و هو7

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 385 *»

يقول في الزيارة الجامعة و دعوتم الي سبيله بالحكمة و الموعظة الحسنة و جاهدتم في الله حق جهاده حتي اعلنتم دعوته و بينتم فرائضه و اقمتم حدوده و نشرتم شرايع احكامه و سننتم سنته الزيارة فما هذه الاحكام التي نشروها و الحدود التي اقاموها و الفرايض التي بينوها أهي الواقعية مع انهم سلام الله عليهم قالوا في المناجات حتي عاد صفوتك و اولياؤك مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدلاً و كتابك منبوذاً و شرايعك محرفة عن جهات اشراعك و سنة نبيك9 متروكة الدعاء فثبت ان التي نشروها من الشرايع هي الاحكام الظاهرة لا الحقيقية و ثبت ايضاً ان كل الفرايض بينوها و كل الشرايع نشروها في الرعية علي ما اراد الله سبحانه و مولانا القائم7 و عجل الله فرجه ايضاً داخل في هذا الخطاب فلاتمنعه غيبته عن نشر الاحكام و بيان الفرايض و اقامة الحدود علي ماتقتضي احوال الرعية و ذلك ليس بالمشافهة في الغيبة الكبري اتفاقاً بل اجماعاً فيكون بنصب القرائن و الارشادات و التنبيهات كماذكرت لك كيف مايقدر7 و هم يقولون ما من عبد احبنا و زاد في حبنا و اخلص في معرفتنا و سئل مسألة الاّ و نفثنا في روعه جواباً لتلك المسألة فاذا ثبت قدرتهم و ان من اكمال الدين نصب القرينة و الدين قدكمل و لم‏ينصب قرينة لنفي هذه الشهرة فارادها و قررها قطعاً.

و القسم الآخر ليست باجماع و لا حجة لكنها مرجحة مقوية كما اذا كانت رواية عمل بها (بها اكثر خ ل) الاصحاب و منعها الآخرون متمسكين بادلة اخري و لم‏يظهر للمستنبط مايقوي الآخرين من الادلة و قرائن الصحة او من جهات اخر تكون حينئذ الشهرة مرجحة لتلك الرواية لقوله7 خذ ما اشتهر بين اصحابك و اترك الشاذ النادر و لم‏يكن هذا اجماعاً لاحتمال تعين قول المعصوم7 و في الاجماع يجب عدم تعينه.

و القسم الثالث ليست باجماع و لا حجة و لا مرجحة و هي التي لا اصل لها فهي اذا عارضها الدليل و وجد الفقيه لصرفها قراين و امارات يعدل عنها و لا حجية فيها فقول صاحب المدارك مخالفة الاصحاب مشكل و القول من غير

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 386 *»

دليل اشكل غير منقح فان المشهور اذا لم‏يعارضه دليل صارف و حجة اقوي يتعين القول به و هو اقوي دليل للمراد فحينئذ اذا وافق ليس موافقته عن تقليد و انما هو عن دليل و اذا ظهر له دليل صارف فحينئذ يتعين عليه المخالفة و لا اشكال فيها لما قلنا مكرراً ان التكاليف باعتبار اختلاف الاحوال و الاقتضاءات تختلف فافهم.

و من هذه الجهة تري المشهور قد ينعكس في زمانين او في مكانين متباعدين مثل مسألة البئر فان المشهور بين المتقدمين انها تنجس بالملاقاة و التقادير الواردة في الشرع للنزح كلها للتطهير و لولاها لم‏تطهر و يحرم الانتفاع بها لكن المشهور بين المتأخرين بعكس ذلك من انها لاتتنجس عندهم بالملاقاة و التقادير للتنزيه فيكره الانتفاع قبل النزح و امثالها كثيرة و هذا الانعكاس و الاختلاف لتغير الموضوع قال الله تعالي ان الله لايغير مابقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و ليس بنسخ و ان كان جائزاً في زمن الخلفاء الراشدين و في هذا الزمان ايضاً باذن الرسول9 و امره الخاص علي شروطه و ليس الآن موضع تحقيقه فافهم.

و اما الاستصحاب فاصالة البراءة لاشك انها ثابتة من الشرع و الآيات و الروايات فيها لاتكاد تحصي و كذا اصالة البقاء و العدم للروايات و دلالة العقل المستقيم و التفرقة بين الموضوع و الحكم و حمل الروايات علي الاول و التوقف في الحكم تحكم و لعلنا نتعرض لبيان هذا المطلب ان‏شاء الله في المسألة الثانية فظهر لك ان مايستدلون به اصحاب الظنون المخصوصة كلها راجعة الي الشرع اما بواسطة او بوسايط فظهر لك ان القول بالظن المطلق لا معني له و اما قولهم لا فرق بين ظن و ظن غلط فاحش فان الظن المستفاد من الكتاب و السنة ان لم‏نقل ان مرجعه القطع نقول انه مستند الي الكتاب و السنة المستندين الي الله و الي رسوله فيكون هذا الظن كالشجرة الطيبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء و هو محسن حيث اتي البيت من بابها و ما علي المحسنين من سبيل،  وان الله لمع المحسنين لانه اتي

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 387 *»

بكل ما عنده من النور و اما الغير المستند فهو منقطع مجتث كالشجرة المجتثة علي وجه الارض ما لها من قرار.

و اما الذي يقول بالظن المخصوص ان اراد ما يستفاد من الكتاب و السنة خاصة لقولهم: و ان من شي‏ء الاّ و فيه كتاب و سنة فهو حق و صواب و ان اراد ما قام عليه القاطع بالخصوص في كل جزئي فغلط اذ هذا لم‏يثبت الاّ في المتواترات (خاصةخ ل) و اما ما سواها فقد اختلفوا فلايثبت به الاجماع و الاقتصار علي المتواترات لا ريب انه خروج من الدين و هدم لما اتي به سيد المرسلين عليه و آله سلام الله ابد الآبدين و ابطال لفائدة البعث و الارسال و غير ذلك من القبايح و المفاسد الكثيرة و منع عموم الاجماع جهل بموقع الاجماع و طريق تحصيله اذ لم‏ير و لم‏يسمع من احد انه ترك ماعرف من كتاب الله او احاديث آل الله و لم‏يكن عنده مرجح اقوي و حجة اخري و كان عليه عمل الصحابة و التابعين بل طريقة غير المسملين من ساير الملل و ما كان عملهم مقتصراً علي العمل بالمتواترات او النصوص الواضحات و الاّ لما اختلفوا و لااقل كان الاتفاق اكثر من الاختلاف مع ان الامر بالعكس و تري كل احد يحتج بقول بينه و امامه و الآخر يحتج بمثل ما يحتج هو بخلافه و لايرده الآخر من جهة انه ظني الدلالة بل لا ذكر للعلم و الظن عندهم و لا هم بهذا الصدد و لايتوقفون في العمل بخبر ما لم‏يعارضه ما هو اقوي منه و استمرت علي ذلك طريقة المتقدمين و المتأخرين بل طريقة الانبياء و المرسلين و الخلفاء الراشدين و الرواة و المحدثين و العلماء و الفقهاء في تبليغ الاحكام و ايصال جزئيات الشرايع الي اطراف البلاد فضلاً عن القري و الباد (البوادي ظ) مضافاً الي ارسال المكاتبات و الصحف و الآيات بل يستحيل عادة نشر الشرايع كلياتها في الاوايل و جزئياتها في التوالي الاّ بذلك و هكذا كان حال اصحاب الائمة: في زمان مشاهدتهم فانهم كانوا يأخذون عن الرواة من الذين سمعوا الحديث و يعملون بمجرد ذلك و يكتفون به مع كثرة الاضطرابات و الاغتشاشات التي كانت في ذلك الزمان و لم‏تكن الاخبار مجتمعة و لا مهذبة

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 388 *»

مثل هذا الزمان فان فقهاءنا المتقدمين و علماءنا الاولين شكر الله مساعيهم الجميلة بذلوا مجهودهم في نقد الاخبار و جاسوا خلال تلك الديار و هذبوها عن الاكدار و صفوها عن مدانس الاغيار و جمعوها او اغلبها مهذبة مصفاة عن تناول الاشرار و كذا اتي من بعدهم و بذلوا جهدهم في تنقيحها و تحقيقها و ذكر معارضاتها و اثبات عامها و خاصها و محكمها و متشابهها و مطلقها و مقيدها و جمعوا كلها في مجمع واحد و اني لاهل ذلك الزمان هذا التنقيح في الاخبار و يأتي الفقيه المستنبط المستوضح يري اخباراً مهذبة و منقحة يزيد علي افكارهم فكره و علي تنقيحهم تنقيحه و مع‏ذلك وراءه امام يسدده و يؤيده و يلقي اليه مايراد منه قال7 لنا مع كل ولي اذن سامعة .

و بالجملة فالمنصف لايشك في تحقق هذا الاّ ان المسبوق بالشبهة قديشك في المتواترات بل الضروريات نعوذ بالله من العادات المعوجة و الفطرة المغيرة و اما تخصيص الاجماع بالخبر الصحيح فغير صحيح فان تقسيم الخبر الي هذه الاقسام اصطلاح جديد حدث بين المتأخرين من الاصوليين و ان كان لا بأس به و اما المتقدمون و عوام الخلق ما استمرت طريقتهم الاّ علي ما قلت لك فان مرجع الرد و القبول وجود المرجحات و المعارض و المنافي فكم من خبر صحيح قد ردوا و خبر ضعيف في الاصطلاح قد عملوا به و انت لو كان لك بصر حديد تري ما اقول لك من تتبع سيرة العقلاء و الله المستعان.

ان قلت ان الانظار مختلفة فمنهم من يعمل بها من حيث انها تفيد القطع و منهم من يعمل بها من حيث انها فرد من الظن المطلق و منهم من يعمل بها من حيث انها متعبد بالعمل بها و منهم من يعمل (بهاخ ل) من حيث انه الظن المخصوص فاذا اختلفت الانظار لم‏يبق للاجماع ثبات و لا قرار فلايحتج به في مثل هذه المقامات و الاجماع المحصل الخاص لاتعم حجيته كماذكرت و لايثبت المراد للخصم قلت اما دعوي العلم و النظر في الاخبار من حيث افادتها للعلم فكما سمعت انه قول باللسان دون تصديق في الجنان و قد سموا الظن الراجح علماً لرجحانه و ضعف طرف المرجوح كما قال به صاحب

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 389 *»

الحدايق اذ لايريدون به القطع الواقعي الاولي لاختلافهم فهو (و هو خ ل) ينافي القطع الاولي لانه واحد و هذا ظاهر فلايعبؤ بتسميتهم هذا (الظن خ ل) علماً و لذا قيل انهم مجتهدون من حيث لايشعرون و ان ارادوا العلم القطعي العادي الاولي فاذن بطلت استفادتهم من غير الاخبار المتواترات المعنوية و ان ارادوا الثانوي فكذلك كل من ينتحل الاسلام ممن يعقل اذ الظن ليس بمحل التوقف الاّ اذا استند الي قطع و علم الاّ ان ذلك المستند القطعي منهم من يجعله الاخبار و منهم من يجعله العقول.

و بالجملة فالقول بتحصيل العلم من كل الاخبار اولاً و بالذات ساقط عن محل الاعتبار نعم القطع الثانوي حاصل و لا شك فيه فرجعت استفادة هؤلاء المدعين للعلم الي الظن في اغلب المواضع و اكثرها.

و اما الذي يقول بالظن المطلق فلاشك انه لايتعدي عن الظن الراجع الاّ اذا عارضه من غيره ما هو اقوي عنده فمرجعه في قوة الظن و ضعفه لا خصوص الكتاب و السنة اذ لو لم‏يجد اقوي عمل بها قطعاً و كذا الذي يقول بالتعبد فانه اذا حصل له الظن بالخبر يعمله يقيناً فاذن كلهم اتفقوا مع اصحاب الظن المخصوص في حجية ما يدعون و صحة العمل بما يختصون بقي عندهم امور زائدة خارجة عن محل الوفاق الذي هي طرفي الافراط و التفريط من الظن الغير الراجع و من الخبر الغير المفيد للظن المعتبر شرعاً و هذه الامور الزائدة لم‏يدل دليل قاطع متفق عليه علي اعتبارها و حجيتها فتطرح في زاوية الخمول لمحكم قوله تعالي و لا تقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولاً و قوله7 ان علمتم فقولوا و الاّ فها هـ و اشار بيده الشريف الي فيه المبارك فبقي الاجماع المدعي سالماً باقياً علي عمومه شاملاً لكل ما يستند الي الكتاب و السنة فافهم فهمك الله.

و اعلم اني قد اتغافل عن ذكر بعض الامور و بعض ما عسي ان ‏يرد علي مانقول و الجواب عنه لانه ربما يؤدي الي ذكر مقدمات عجيبة غريبة يحتاج في اثباتها و تنقيحها الي بسط في الكلام و تدقيق تام في المرام و انا الآن في حال شديد و ليس لي قلب

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 390 *»

مجتمع لاتصدي لبيانها فاتغافل عنها الاّ ان فيماذكرنا لو نظر اليه المنصف الفطن كفاية عن الكل اذ لكل حق حقيقة و لكل صواب نور.

فظهر لك مماشرحنا و بيننا ان الادلة التي ذكرها الاصوليون كلها حق و هي اربعة الكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل لان الاربعة هي جهات الارتباط و بها تتم (يتم ظ) نظام المعاش و المعاد في الوجودين اي الوجود التشريعي و الشرع الوجودي.

فان قلت علي ماقررت في دليل العقل من انه يجب ان‏ يكون مستنداً الي الشرع يلزم ان‏ تكون الادلة ثلثة لا اربعة اذ المناط الشرع المستنبط من الكتاب و السنة و الاجماع

قلت لايلزم ذلك لان العقل الضروري قد يكون له وجوه و جهات كثيرة كلها مؤسسة لحكم من الاحكام الالهية لكن عامة الناس لايلتفتون اليها و كذا اكثر العلماء فاذا نبهتهم بها يلتفتون فيدركون من غير تقليد فان لم‏تسبقهم شبهة يصدقون و امثال ذلك و نظايره كثيرة في الفروع و الاصول يقف عليها المتتبع الماهر و يحجب عنها الجاهل و الله ولي التوفيق و كذا العلم في العقل النظري ايضاً فان العقل اذا ادرك شيئاً بالوجدان و صحيح الاعتبار و وجد تنبيهاً في كلمات الائمة الاطهار عليهم سلام الله مادام الليل و النهار اما بالتلويح او بالاشارة او بالمثال او بالفعل او بالترك او بالسكوت او بالنطق او بالتعريض او بالايماء و بامثال ذلك يعرف الحق و يقطع به و يبني عليه الحكم الشرعي فلولا العقل و الوجدان لما كان ذلك التنبيه مستقلاً صالحاً لتأسيس الحكم الالهي فيهما معاً صلح للدليل فالعقل الذي هو الحجة هو العقل الملفق بالنقل و لذا تري اهل العربية في اثبات اللغات ما جعلوا للعقل طريقاً اليها و قصاري ماجوزوا في اثباتها العقل الملفق بالنقل لا العقل وحده و ليس ذلك الاّ لكونها توقيفية فما هذا شأنه لا سبيل اليها لغير الموقف.

لايقال ان هذا قياس مع الفارق فان الشريعة انما شرعت علي نظم محكم بنهج الحكمة و اقتضاء الاكوان و صفات المكلفين فما حسن في الشريعة الاّ ما هو حسن في الواقع و ما قبح الاّ ماكان كذلك و للعقل سبيل اليه لكن العقول لما

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 391 *»

كانت ناقصة قاصرة عن فهم كل ما يحتاج اليه الخلق ابان الشارع7 عن الواقع فللعقل ان‏ يعرف بعضها بناء علي الاصل المحقق عند الفرقة المحقة ان الحسن و القبح عقليان لا شرعيان خلافاً للاشاعرة فاذا عرف شيئاً و قطع به كان هو حكم الشرع لان الشارع7 انما كشف عن الواقع و العقل ادرك الواقع اذ ادراك الواقع ليس بمستحيل علي جهة الجزئية و هذا بخلاف اللغات فان الوضع فيها ليس بالمناسبة الذاتية كماهو مذهب عباد بن سليمان الصيمري و اهل التكسير و انما هو بجعل الواضع و اختراعه فاذن لا مجال للعقل فيها و قصاراه التلفيق و لذا تريهم يعلقون عدم مدخلية العقل في اللغات بالقول ببطلان المناسبة و علي القول بها لايمنعون ذلك كما هو المعروف المقرر عندهم و المشروح في كتبهم

قلت اذا كان الواضع و الشارع هو الله تعالي ففعله تعالي واحد لايتفاوت ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و ماخلقكم و لا بعثكم الاّ كنفس واحدة فاذن اثبات امر في موضع و نفيه في موضع آخر مع انتساب الامرين الي واحد حكيم و امكان وقوع ذلك المنفي بعيد عن الصواب و قد كشفنا القناع عن وجه المرام في هذا المقام فيما كتبنا في بحث الدلالة فاذن لا فرق بين المقامين و ارتفعت المباينة من البين و مع ‏ذلك كله لا سبيل للعقل القاصر الناقص في تأسيس الحكم و تأصيل الاصل و تخصيص الوضع اذ للشي‏ء الواحد جهات كثيرة متخالفة متباينة متضادة بل متناقضة يناسب كل شي‏ء انفراداً و متفقاً و كون بعض الوجوه اظهر للشي‏ء و انسب الي انتسابه الي الآخر و بعضها ابعد و اخفي في نظرنا لايستلزم التعيين كذلك اما لجواز مانع اقوي قد خفي علينا او لاشتباهنا الامر لعدم العصمة فالذي رأيناه قريباً كان بعيداً و بالعكس قال الله تعالي انهم يرونه بعيداً و نراه قريباً فلايجوز التخصيص و التأسيس الابتدائي الاّ لمن اشهده الله تعالي خلق السموات و الارض بحيث لاتخفي عليه خافية كرامة من الله في اوليائه حيث يقول عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول فلايجوز للعقل القاصر التخصيص و التأسيس بوجه من الوجوه الاّ اذا استنبط ذلك من كلام من امر الله اتباعه و جعله

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 392 *»

واسطة بينه و بينه فلاتذهبن بكم المذاهب فان الامر اوسع و اعظم من ان‏ تناله ايدي العقول و الافهام الجزئية ، فدع عنك بحراً ضل فيه السوابح .

و لاينافي ذلك كون الحسن و القبح عقليين فان المراد ان الاحكام ليست كما تقول (تقوله خ ل) الاشاعرة من انها انما صارت كذلك بامر الشارع و جعله فلو عكس الامر لانعكس و هذا قول باطل و نفي لحكمة الله تبارك و تعالي فان الله تعالي ابي ان ‏يجري الاشياء الاّ بالاسباب و هي لو لم‏تكن مناسبة مع المسبب لم‏تكن سبباً نعم بعد القول بالترجيح من غير مرجح و ان الظلم لايقبح من الله تعالي انقطع الكلام فالاحكام كلها علي مجري الواقع و مقتضي الاكوان و الاعيان فاذا اجري الشارع7 حكماً امكن العقل ان ‏يدرك الوجه و الحكمة فيه بعد ما نبهه الشارع بانواع التنبيهات التي لاتحصي عدداً و لاتبلغ امداً الاّ انه مستقل (يستقل خ ل) في التأسيس لانه يحتمل ان‏ يكون لهذا و يحتمل ان ‏يكون لغيره اذ الامكان ثابت و التركيب واقع و الوجه متحقق و التخصيص شأن الحكيم العليم الذي فوق كل ذي‏علم و هو الله سبحانه و ذلك التخصيص هو المشية المتعلقة فقبل المشية لا تخصيص بل ابهام صرف و صلوح محض و كل العلوم منحطة دونه و المشاعر واقفة لديه مطلقاً من جميع الخلق و لايختص بهذا العلم الاّ الله سبحانه و من هنا يستزيد العلم رسول الله9 و يقول الله زدني فيك تحيراً و بالمشية يحصل التخصيص فيقع علي محالها و مهابط اشراقاتها قالوا: نحن محال مشية الله و السنة ارادته فيعلمون ذلك الشي‏ء قال الله و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بما شاء فكلما شاء تعالي بالمشية الثانية الكونية يعلمونه: و اما قبل ذلك فليس الاّ الابهام و الصلوح و الجواز فلايخصص ذلك الابهام و الصلوح المحض الاّ الشارع الذي هو الله فبعد ما خصص عرف الوجه للتخصيص و التعيين بتعريف الله سبحانه فافهم فقدالقيت اليك سراً ما اسعدك لو فزت به.

و كل (كذلك خ ل) الوضع في باب اللغات لايمكن للعقل قبل الوضع و التخصيص ان‏يعين و يشخص لفظاً مخصوصاً لمعني مخصوص و ان قلنا

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 393 *»

بالمناسبة الذاتية لكثرة جهات الشي‏ء و شؤونه و قراناته و اضافاته و ارتباطاته و موانعه و اسبابه و علله و شرايطه و اثاره و اعراضه و امثالها اذ الشي‏ء لايرتبط الي الآخر من نحو ذاته المركبة الاولية فانها جهات المخالفة فتكون الموافقة لشرط المخالفة هف فيكون الانتساب و الارتباط بالاضافات و هي غير محصورة و الترجيح لمن احاط بها جميعاً لا لمن (للذي خ ل) حفظ شيئاً و غابت عنه اشياء فكيف يمكنه الترجيح و التخصيص من غير التوقيف نعم بعد ما استعمل لفظ في معني يمكن للعقل في بعض المواد ان ‏يحكم انه (ان هذا خ ل) حقيقة او مجاز او مشترك او غير ذلك و من هذه الجهة تري المختلفين في الوجود انه مشترك لفظي او مشترك معنوي يتمسكون بالامور العقلية المحضة و لايلتفتون الي النقل و الي الامور التي تثبت به اللغة من التنصيص و التواتر و الآحاد و الامارات و العقل الملفق و اللزوم و الاستغراء و الترديد بالقرائن و الاستصحاب و غيرها مما ذكروا و امتنعوا في اثباتها عن غير هذه الطرق مع انهم ما التفتوا الي هذه الامور في اثبات الاشتراك اللفظي و المعنوي و الحقيقة و المجاز و لا احد من اهل العلم و اهل الفن ردهم و طعن عليهم ان هذه الادلة لايجوز استعمالها في باب اللغات بل مدارها ما ذكروا و ما اظن (لا اظن خ ل) احداً تكلم في هذا المقام بما قرروا و كذلك الخلاف في ان لفظ الله وضع كلياً ام جزئياً وضع بازاء الذات ام لا و انه اسم او مسمي و كل ذلك مداره الي اللغة اثبتوها بالعقل المحض و الوجدان الصرف.

فظهر ان العقل بعد استعمال اللفظ في المعني يمكنه من نحوه ان ‏يحكم ان هذا حقيقة او مجاز مشترك او (ام ح ل) متواطي ام مشكك و اما التخصيص الاولي فلا و كذلك في الشريعة حرفاً بحرف فدليل العقل ليس للتأسيس و انما هو للترجيح نعم اذا وجد دليل شرعي لكنه قاصر عن الدلالة لضعف سنده او متنه بشرط ان لم يكن له مناف و معارض صالح من الكتاب و السنة و الاجماع او انه تنبيه و اشارة غير معروفة من سياق الحديث و ظاهره و العقل حينئذ يتمم ما نقص في امثال هذه الامور و يقطع به

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 394 *»

فيكون حينئذ حجة لانه حينئذ محسن و ما علي المحسنين من سبيل و ان كان كل واحد منهما بانفراده لا حجية فيه فافهم فقد اوضحت لك الامر.

و اما القول بان العقل و الشرع متطابقان ينبئ احدهما عن صاحبه و ان العقول انبياء في الباطن كالانبياء في الظاهر و ان الله احتج علي خلقه بما عندهم من العقول و الحديث الوارد في تفسير قوله تعالي و اسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة عن سيدنا الكاظم7 ان النعم الظاهرة هي الانبياء و النعم الباطنة هي العقول فالجواب عما ذكر و امثاله ما تقدم من ان العقل لا شك في حقيته و حجيته و انه ناظر الي نور الله و لاينظر الي نفسه ابداً فجميع مداركه حقة لكن الاشكال لغير المعصوم في معرفة ما يرد عليه من الوارد انه من العقل فاتاه من الجهة اليمني او من النفس و الشيطان المقيض فاتاه من الجهة اليسري و هذه المعرفة لاتحصل من نحو ذات الشخص مادام هو ناظر الي الجهتين كما ذكرنا فيكون من خارج ذاته و هو احد الامرين الذين ذكرناهما فراجع تفهم ان شاء الله تعالي.

و اما ماسألت عن دلالة الحديث هل هي قطعية ام لا فجوابه قد ظهر لك فيما مر من ان الحديث علي اقسام فالمتواترات المعنوية دلالتها قطعية يقينية عادية و اما المتواترات اللفظية فصدورها قطعي و اما دلالتها فلا لاحتمال التقية علي نفسه و علي شيعته و احتمال ارادة احد السبعين المخرج كمارواه المفيد في الاختصاص و الصفار في بصايرالدرجات و غيرهما من قوله7 اني لاتكلم بكلمة و اريد بها احد سبعين وجهاً لي لكل (من كل خ ل)منها المخرج و قوله7انتم افقه الناس ما عرفتم معارض كلامنا و انا لنتكلم بالكلمة لها سبعون وجهاً ان شئت اخذت هذا و ان شئت اخذت هذا و قوله7 و الله انا لا نعد الرجل من شيعتنا فقيهاً حتي يلحن له و يعرف اللحن و في خبر آخر حتي يكون محدثاً و المحدث المفهم انتهي و هي و امثالها يدل علي ان المراد من كلامهم: ليس مشرعة لكل خائض و انما تحصيله لاشخاص مخصوصة و ذلك لكثرة الاحتمالات منه فاذا كان هكذا سبيلهم لايكاد يقطع

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 395 *»

بمرادهم ما دامت دولة الدنيا للظالمين الفاسقين نعم كل احد يأخذ نصيبه من الكتاب من الحكم الظاهري الثانوي او الواقعي فيقطع بوجوب العمل و لزومه لا ان هذا هو الحكم الواقعي كما ذكرنا فلايفيد الاّ الظن بالحكم الواقعي.

و اما الآحاد فصدورها ظني كدلالتها لما ذكرنا و لكثرة الافتراء و الاخبار الموضوعة و التي يدسونها في احاديثهم لنقض الحق و النقل بالمعني و الحذف و الاضمار و المجاز و الظاهر و المتشابه و المأول و خطاء الرواة و شيوع اختلافهم و تعارض الاخبار و اختلاف العلماء في توثيق و تضعيف الرجال و كثرة الوجوه اللفظية و الاحتمالات المساوية و امثال ذلك من الامور التي يعرفها المتتبع الناظر و يجهلها الواقف الكسل القاصر فيتوهم انه علي شي‏ء و يحسبون انهم يحسنون صنعاً و قد ذكر العلماء في ظنية دلالة الاخبار اقوالاً و ادلة مذكورة في كتبهم الاصولية اغلبها صحيحة و في ما ذكرنا ايضاً كفاية للمتدبر المنصف فكيف يمكن القطع حينئذ نعم اذا حصلت له القرائن و تراكمت الامارات بحيث افادت القطع فهو و الاّ فتبقي علي ظنيتها و ظنية الطريق لاتنافي قطعية الحكم فافهم.

قــال: سلمه الله تعالي: المسألة الثانية: هل الاشياء التي لم‏تصل الينا من الشرع حكمه فالاصل فيه هو الحرمة او التوقف او الحلية كالغليان مثلاً.

اقــول: اعلم ان الله سبحانه خلق الخلق علي مستقرهم اذ اجابهم بدعوة سرهم و اتاهم بذكرهم و جعل فيهم مبادي خيرهم و شرهم فانقسموا قسمين و صاروا صنفين اذ دعاهم داعي ربهم بقوله الست بربكم و سري هذا التكليف في كل شي‏ء من الاكوان و الاعيان و الصفات و الذوات و الجواهر و الاعراض و الانسان و الحيوان و النبات و الجماد و المعدن و كل ما خلقه الله قال الله تعالي و لله يسجد من في السموات و الارض طوعاً و كرهاً و ظلالهم و قال تعالي ألم‏تر الي ماخلق الله من شي‏ء يتفيؤ ظلاله عن اليمين و الشمائل سجداً لله و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 396 *»

هم داخرون و الحمل بالتكوين المحض خلاف ظاهر الآية و خلاف المعروف بين الناس مع ان الاصل حمل اللفظ علي معناه الحقيقي و لايعدل عنه الاّ بصارف قطعي و اذ ليس فليس مع توارد الاخبار و الآيات بذلك مثل قوله تعالي و ان من شي‏ء الاّ يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم و قوله تعالي انا عرضنا الامانة علي السموات و الارض و الجبال فابين ان‏يحملنها و اشفقن منها فحملها الانسان و قوله تعالي ثم استوي الي السماء و هي دخان فقال لها و للارض ائتيا طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طائعين و قول النبي9 في دعائه علمه علياً7 لدفع الحمي يا ام‏ملدم ان كنت آمنت بالله فلاتأكلي اللحم و لاتشربي الدم و لاتفوري الفم و انتقلي الي من يزعم ان مع الله آلهة اخري فاني اشهد ان لا اله الاّ الله و ان محمداً عبده و رسوله و قول سيدنا الحسين7 في مخاطبته للحمي في عيادة عبد الله بن شداد قال7 يا كباسة فسمعوا الصوت و لم‏يروا الشخص يقول لبيك قال7 الم‏يأمرك اميرالمؤمنين7 الاّتقربي الاّ عدواً او مذنباً لتكوني كفارة لذنوبة فما بال هذا الرجل و قولهم7 ان ولايتنا عرضت علي الجبال فما قبلها صارت جبال المعادن و ما لم ‏يقبلها صارت يابسة جامدة لم‏ تنبت شيئاً و ولايتنا عرضت علي الارضين فاول ارض قبلها مكة فشرفها الله تعالي ببيته و جعلها مطاف الخلق ثم قبلها ارض المدينة فشرفها برسول الله9 ثم قبلها كوفة فشرفها باميرالمؤمنين7 و كل ارض قبلها صارت طيبة تنبت الازهار و ما لم ‏يقبلها صارت سبخة خبيثة و عرضت ولايتنا علي المياه فما قبلها استعذب و استحلي و ما لم ‏يقبلها استمر و الاخبار في هذا المعني تكاد ان ‏تبلغ حد التواتر بل و بلغت و قولهم: ان ارض مكة افتخرت علي ارض كربلاء فاوحي الله تعالي اليها ان اسكتي و قري و لولا كربلا لما خلقتك و ان زمزم افتخر علي الفرات فاجري الله تعالي فيه عيناً من الصبر و قولهم: ان الارض التي يتخذونها مختلي اشتكت الي الله تعالي مما يقع عليها فاوحي الله اليها ان اسكني و اصبري و الاّ جعلتك

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 397 *»

مرقداً للعزاب و قولهم: انه ما تسقط ورقة و لا تفسد ثمرة الاّ و قد غفلت عن ذكر الله ذلك اليوم و قول سيد الساجدين7 في مخاطبته للقمر ايها الخلق المطيع اه و في مخاطبته لشهر رمضان عند دخوله و وداعه عند خروجه.

بل لو فتش الانسان و تدبر لم‏يجد رواية و لا آية الاّ و يجد فيها دلالة علي هذا المدعا و حمل هذه الاخبار و الآيات كلها علي المجاز خروج عن حدود العلم و العلماء مع ان الاصل عدمه و الصارف القطعي و الظني ايضاً معدومان نعم غاية ما في الباب انكم لاتدركون كيفية اختيارهم و تكليفهم و قبولهم و انكارهم و لايجوز ان‏ يجعل ذلك حجة اذن اين قوله تعالي و ما اوتيتم من العلم الاّ قليلاً و قوله تعالي فوق كل ذي‏علم عليم و قوله تعالي بل كذبوا بما لم‏ يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله و قوله تعالي و اذ لم ‏يهتدوا بهذا فسيقولون هذا افك قديم مع ان الله تعالي في خصوص هذه المسألة نفي علمهم لها في قوله الحق ولكن لاتفقهون تسبيحهم مع ان العقل لايأبي ان‏يكون كل شي‏ء له تكليف بحسبه يتوجه الي الله سبحانه بنسبة مقامه و مرتبته و لانعلم كيفية ذلك فاذا اخبر به خالقه و من اشهده الله خلق السموات و الارض يجب قبوله و الاذعان به مثل ما قبلنا الامور الغائبة عنا مثل القيمة و الجنة و النار و الحساب و البرزخ و امثالها مع ان الادلة العقلية علي المراد ما لاتكاد تحصي و لولا اني اخاف التطويل في المقدمة لبينت لك لكنها تطلب في ساير ما كتبنا من اجوبة المسائل.

فاذا صح الاختيار و الشعور و الادراك و التكليف في كل شي‏ء فبعد ما كلفوا اختلفوا لاجل قبولهم و انكارهم و مراتب قبولهم و انكارهم و مراتب ذاتيتهما و عرضيتهما بالحسن و القبح و الطيب و النتن و الطهر و النجاسة و النور و الظلمة و السواد و البياض و الحل و الحرمة و امثال ذلك و مرجع الكل الي القبول الذاتي و القبول باعتبار اللطخ و الانكار الذاتي و الانكار باعتبار اللطخ فبالاول يورث النورية الذاتية و بالثاني النورية العرضية و بالثالث الظلمة الذاتية و بالرابع الظلمة العرضية و ليس هنا امر خامس بان‏ لايكون قابلاً و لا

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 398 *»

منكراً لا ظاهراً و لا باطناً و الاّ لم ‏يوجد اذ الايجاد انما هو بالمادة و الصورة فالمادة قبل تعلقها بالصورة لا تحقق لها في الظهور كما لا تحقق للصورة قبل عروضها للمادة في الوجود و الصورة الشخصية انما تكون بالاجابة و الانكار و الاّ كان التخصيص في هذه الصور المختلفة الشريفة و الكثيفة ترجيحاً من غير مرجح و هو لايليق بالحضرة الواحدية الالهية المتنزهة عن كل الخلق و احوالهم و صفاتهم فاختلف ما اختلف بالصور حين اختلافهم في القبول و الانكار و حين استقرار الكل في مقامه و ما منا الاّ له مقام معلوم فالتابع في رتبة التابعية و المتبوع في رتبة المتبوعية فترتبت الاصقاع فكان انساناً و حيواناً و نباتاً و جماداً و اختلف كل صقع بنسبة مقامهم في القبول و الانكار بالنورانية و الظلمانية و الطيب و الخبث و السواد و البياض و الطهارة و النجاسة و تلك الاحوال كلها تتبع بالنورانية و الظلمانية و قد تكون ذاتية و قد تكون عرضية.

فسرت هذه الاختلافات في كل شي‏ء بنسبة مقامه و الآثار الصادرة عن الشي‏ء و مقتضيات كينونته و ساير شئوناته انما تتبع الصورة لا المادة ألاتري الصنم انما كان خبيثاً محرماً يترتب علي فعله العقاب لما صنعت الخشب علي صورته و كذا السرير انما كان شريفاً بصورته و الاّ فالخشب الذي هو المادة في المقامين واحد من غير اختلاف فاذا تصورت المادة بالصور الشخصية فاقتضت كل صورة اثرها (باثرها خ ل) و مقتضاها الذي هو من نحو ذاته من الخير و الشر و الظلمة فيترتب عليها اذا تحققت شرايطها فيؤثر البعض الظلمة المحضة التي هي اصل كل شر و نجاسة و رجاسة و نتن و قبح في الظاهر و الباطن و البعض الآخر يؤثر النور الذي هو اصل كل خير من القوة و النشاط و امثالهما و البعض الآخر لايستقل في تأثير النورية بل انما هو يعين و يزيد و يكمل بل و يتم النورانية في الشي‏ء علي انواعها و اشخاصها و البعض الآخر بعكس ذلك اي الثالث يعني يزيد في الظلمة و الكدورة و ان لم‏يستقل بذلك و لايتصور هنا قسم آخر ليخمس التقسيم بان لايحدث النور و لا الظلمة و لا المجموع المركب و لايعين علي الزيادة فيهما بل تكون مادة مبهمة و طبيعة ساذجة من غير صورة و قد

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 399 *»

علمت ان المادة لاتظهر الاّ بالصورة فتبقي في رتبة الامكان حتي تتم شرايط وجوده الصورة و الصورة لاتخل من الامرين اما شيطانية او انسانية اي هيكل التوحيد و هيكل الكفر و الجحود و لا واسطة بينهما فيترتب عليها آثارها و مقتضاها.

و لما كان الانسان المكلف مدنياً بالطبع لاتتم معيشته الاّ بمعاشرة (بمباشرة خ ل) كل المراتب من رتبة الانسان نفسه و رتبة الحيوان و النبات و الجماد و المعدن في اطوارها و احوالها المختلفة المتباينة و كان كل جزئي جزئي من تلك المراتب اما بنفسه او بالاضافة الي غيره و اقترانه معه يترتب عليه اثره و مقتضاه المستجن في كينونته من اقتضاء الصورتين من الخير و الشر فيلزم الانسان المباشر له حكمه من اصلاح امره و افساده من الامور الظاهرة التي تتم بها امر معاشه و الامور الباطنية التي يكمل بها امر معاده و لما كان الانسان جاهلاً بمقتضي الكينونات و ما استجنت في الذوات من الاحوال الظاهرة بالصفات ليأخذ ما يوافقه و يصلحه و يجتنب عما يضره و ينافيه و يفسده و كان من تمام امره معرفة الامور المصلحة و الامور المفسدة و التمييز بينها ليستكمل في مراتبه و يترقي الي درجاته و يتنزل الي دركاته ابان الحق سبحانه اكمالاً للنعمة و اتماماً للحجة تلك الامور.

فجعل سبحانه و له الحمد استعمال الامور التي تصلحه ظاهراً و باطناً و لايتقوم امره الاّ بها و يفسد لولاها واجباً حتماً لايسعه تركه و الاّ يلزمه ما يقتضي الترك مثلاً يجب علي الانسان الاكل بقدر سد الرمق فلو لم ‏يأكل يترتب عليه مقتضاه الذي هو الموت فيموت و يفسد عليه امره وهكذا كل الواجبات و هذا معني قولهم في تفسير الواجب انه طلب يترتب العقاب علي تركه و العقاب هو الذي ذكرت لك فافهم فانه امر بيد الله سبحانه فيجري عليه عند الترك ولو اراد عدم الاجراء لفعل انه علي كل شي‏ء قدير و من هنا ينفتح باب الفضل و الشفاعة.

و جعل سبحانه استعمال الامور التي تفسده ظاهراً و باطناً و لولا اجتنابه عنها لترتب عليها مقتضاها فيهلك اما الهلاك الظاهري او الهلاك الباطني الذي هو الهوان الاكبر نعوذ بالله منه

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 400 *»

محرماً لايسعه فعلها و الاّ لزمه مقتضاها مثلاً يحرم عليه شرب السم و لو اكله لمات من ساعته و هذا معني قولهم ان الحرام طلب ترك يترتب العقاب علي فعله ضد الواجب.

و جعل سبحانه ما يزيده نوراً و بهاءاً و قوة و نشاطاً فيتمم ما لو نقص شي‏ء من نورية الواجب لعدم ادائه علي ما ينبغي بنوريته او يكمله او لم‏ينقص منه شي‏ء او يوجد في بعض افراده الغير المعينة المأمور به الواجب ندباً مستحباً يسعه ترك اغلب افراده للامن من المضرة المقطوع‏ بها و تقوم البنية بدونها لا ترك الكل فان ترك كل المستحب حرام لوجود الواجب في بعض افراده و لذا استحب و ترك الكل يستلزم ترك المأمور به يقيناً.

و جعل سبحانه ما يزيده ظلمة و كدورة و ضعفاً و كسالة مكروهاً يسعه فعله لكن الاحسن تركه لما ذكرنا و هو معني قولهم المكروه ما لايترتب العقاب علي فعله كما ان المستحب ما لايترتب العقاب علي تركه فتربع حكم الانسان بالنسبة الي مباشرته للاشياء اما لخصوصيته الي نفس تلك الاشياء او باعتبار اضافتها اليه او اليها بعضها الي بعض و ليس هنا شي‏ء لايضر و لاينفع و لايزيد و لاينقص و لايتمم و لايكمل بل يكون عارية عن جميع الاقتضاءات و الاحوال و يلزم ايضاً لو كانت عارية عن جميع الاقتضاءات العبث في ذلك النوع و الاهمال فيه تعالي عن ذلك علواً كبيراً و اذا جاز في البعض جاز في الكل و لازمه المصير الي مقالة اهل الضلالة و الكفر لانا قد قلنا لك ان كل صورة اما شيطانية او انسانية لان الصورة هي الحدود و الهيئات و هي اما تشابه جهة الحق او جهة النفس و ليس هنا ثالث لاتشابه جهة الحق و لا جهة النفس و الاّ لكان إله آخر فافهم فالذي لا يقتضي (لاتقتضي خ ل) شيئاً اصلاً ليست مصورة فليس بعد موجوداً فاذن لا مباح بحسب الواقع و الاحكام الواقعية ليست الاّ اربعة بالبرهان الالهية من دليل الحكمة ما اسعدك لو فزت به فاذن اخذت النصيب من المعلي و الرقيب فليس في الواقع الوجودي الاولي الاّ الواجب و المكروه و الحرام و المندوب هذا حكم الاشياء في الواقع و ان كان باعتبار اضافتها الي المكلف فالذي اشهده الله خلق السموات و الارض و يشاهد الاشياء

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 401 *»

علي ماهي عليه ليس عنده و عمله الاّ الاحكام الاربعة اما المكلفون فمن جهة جهلهم بالواقع و عدم مشاهدتهم الاشياء علي ما هي عليه فوجب علي الله سبحانه ان‏ يعلمهم اياها بواسطة سفرائه:.

و اما التعليم فهو علي قسمين تعليم شهودي كشفي و هو تعليم واحد عام بكشف الغطاء عن وجه صدره و قلبه و فؤاده ليري الاشياء كما هي و ينطق كل شي‏ء له بما اودع الله فيه من صحة او فساد مضرة او منفعة ذاتية او عرضية كما كان شأن الانبياء و خواص الاولياء و اظن ان في زمان القائم7 و عجل الله فرجه يكون الامر علي هذا المنوال و هذا التعليم ايضاً يكشف عن الواقع من غير تغيير و تبديل و هنا (هذا خ ل) ايضاً بقي التقسيم علي حاله.

و القسم الآخر من التعليم هو التعليم البياني القولي او الفعلي او التقريري و هذا من جهة عدم احاطة المتعلم يجب ان‏يبين له كل جزئي و الجزئيات لاتتناهي فلايمكنهم حصرها و يتعذر عليهم هذا لو فرضنا بقاء السفير في المكلفين ظاهرالامر نافذ الحكم و تمكن الرعية من الوصول الي خدمته الشريفة و تقبيل عتبته المنيفة فما ظنك فيما اذا لم‏يظهر و غاب او انه ظهر و ما تمكن الرعية من الوصول بخدمته و ما نفذ حكمه و ماظهر امره فاذن كيف صنعهم في جزئيات امورهم المتجددة لهم آناً فآناً و الاشياء التي لابد لهم من استعمالها اذ بها نظام معاشهم و حيوتهم و لا ريب ان في هذا ضيقاً شديداً و حرجاً عظيماً علي فرضنا الاول فكيف في الثاني الذي نحن فيه (عليه خ ل) فرحم الله سبحانه هذا الخلق الضعيف لانه البر اللطيف لايريد بهم العسر بل يريد بهم اليسر و ماجعل عليهم في الدين من حرج لطفاً منه للعباد و تيسيراً في البلاد فاباح لهم الاشياء علي جهة الاطلاق فلهم ان‏يفعلوا فيها ماشاؤا الاّ ان‏يأتيهم الحكم الجديد من احد الاربعة فقبل ورود الحكم و الامر علي المكلف هو في سعة في ذلك ان اراد ان‏يترك فعل و ان اراد ان‏يفعل فعل تيسيراً من الله و توسعة له و لم‏يجعلها حراماً لانه اشد في الضيق و الحرج من الامر الاول و لم‏يجعلها باقي الاربعة.

اما الواجب فلما قلنا في الحرام فان ماوصل الي المكلفين من الامور

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 402 *»

المتناهية بالنسبة الي ما لم‏يصل جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير و استغفر الله من التحديد بالقليل فاذا كان ما لم‏يصل اليهم واجباً عليه لاصابهم ضر شديد و لايخفي ذلك لمن كان(علي من خ ل) له قلب او القي السمع و هو شهيد و الوجه للجميع ان الاشياء اذا ما امكن في الحكمة اجراؤها علي الواقع الاولي فيحمل و يجري علي اقرب الاحوال اليه ثم الاقرب و هكذا و الوجه فيه ظاهر فاذا ما امكن ايصال الاحكام الي المكلفين في كل شي‏ء فلايجوز الزامهم علي شي‏ء اذ قد يكون ذلك علي خلاف الواقع و الحكيم منزه عن ذلك فيجعلهم في سعة و فسحة حتي يرد عليهم الامر و النهي اللزوميين و التنزيهيين. و اما التوقف و ان كان هو الواقعي بالنسبة الي الجاهل لكنه في ذلك عود للمحذور الاول الذي صار سبباً للتوسعة و التخفيف اذ لاشك ان شئونات المكلف لا نهاية لها و يحتاج اليها و لايمكنه السكوت عنها و القطع حاصل بانه ما اتي الامر و النهي فيما يتعلق بجميع شئوناته من حركاته و سكناته و لحظاته و خطواته و لمحاته و انواع مآكله و ملابسه و هيئات احواله و اوضاعه و اضافاته و قراناته و صفات مشيه و هيئات مكالمته و غير ذلك من سبحاته و شئونه و لو انه توقف في كل ما لم‏يصل اليه لاضطرب اضطراباً شديداً و اصابه ضر عظيم فلااقل من العسر و ضيق الصدر و الذي لايريد الاّ اليسر و السعة و ان لايكون للناس عليه حجة و لو وهمية لايسلك بالخلق الي هذا السبيل فانه وعر جداً فتأمل.

و اما اذا اردت الوجه الحقيقي فاسمع لمايتلي عليك ان هو الاّ وحي يوحي و ليس وراء ذلك كلام فنقول اعلم ان الحدود الالهية التكليفية صور شرعية يتحدد بها الشي‏ء و الحكم الزام تلك الصورة اياه باقتضائه فالشي‏ء المحكوم عليه هو مجموع تلك الصورة و ذلك الشي‏ء الذي هو المادة او كالمادة فقبل تحقق الصورة يبقي ذلك الشي‏ء مطلقاً معري عن كل تلك الصور و صالحاً للتقيد بها و هذا لا اشكال فيه ثم ان الحدود الجارية علي الاشياء علي انحاء منها حدود تلزمها من حيث نفسها و اقتضاء كينونتها من حيث مراتبها و شئونها و ذاتها و منها حدود تلزمها من حيث انتسابها الي غيرها و اقترانها معه و افتراقها

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 403 *»

عنه علي ماهو عليه في الواقع الوجودي و منها حدود تلزمها مع الجميع باعتبار علم الآخر به و متعلقها به اذ حدود الشي‏ء الواحد باعتبار العلم و الجهل تختلف ألاتري من واقع الاجنبية جاهلاً فانها حلال عليه و لو (انعقدت خ ل) انعقد نطفة ليست نطفة حرام و ذلك الولد ليس بولد الزنا بخلاف ما لو كان عالماً فانه ينعكس الامر و كذلك الصائم يأكل و يشرب جاهلاً بحيث يشبع و يروي و لايبطل صومه و لا قضاء عليه و لا كفارة بخلاف ما لو كان عالماً فان عليه القضاء و الكفارة و هذا لا ريب فيه اذا علمت هذه المراتب الثلثة فاعلم ان كل مرتبة ثانية حدود المرتبة الاولية بمنزلة المادة للثانية و ان كانت مصورة في مرتبتها كالخشب فانه مركب من المادة و الصورة لكنه مطلق بالنسبة الي السرير و الصنم و الباب و غير ذلك فالشي‏ء من حيث هو قبل التعين و التصور قابل لكل صورة مطلق لابشرط فلما تصور و تعين تقيد و لايشمل الآخر و هذا الشي‏ء المصور المقيد في رتبة قبل الاقتران بالآخر الذي يفيد الحدود الثانوية مطلق بالنسبة الي الرتبة الثانية صالح للتقييد بكل قيد و حد في المقام الثاني غير محكوم علي شي‏ء مما في هذه المرتبة فيكون المجموع المركب من الحد و المحدود مادة للحدود الثانوية سواء طابقت الاولي ام خالفت او ناقضت و ذلك كالصدق فانه من حيث هو طيب طاهر حلال يوصل صاحبه الي اعلي مقامات القرب و الكذب فانه من حيث هو رجس نجس خبيث منتن هوام (حرام ظ) يوصل صاحبه الي اسفل دركات البعد لكن اذا اضيف مع الآخر ينقلب الحكم فاذا اضيف الصدق الي هلاك المؤمن فيكون حينئذ من حيث هذا الوصف رجساً نجساً باطلاً حراماً و الكذب اذا اضيف الي نجاة المؤمن في الله يكون حلالاً طيباً طاهراً مباركاً و لا ريب فيه فاذا قطعت النظر الي الاضافة او رجع كل منهما الي صقعه و رتبته سقط الحكم الثانوي و رجع الي الاولي.

فكذلك هذا المجموع باعتبار علم المكلف و جهله به يختلف حكمه و يتجدد حده فيكون ذلك المجموع مادة او بمنزلة المادة المطلقة للحدود الثالثة فاذا قطعت نظرك عن علم المكلف رجع ذلك الشي‏ء الي صقعه و سقطت الاحكام المتعلقة بتلك

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 404 *»

الرتبة رأساً فتكون حينئذ الرتبة الاعلي الاولي مطلقة بالنسبة الي السفلي الثانية فالشي‏ء مطلق بالنسبة الي السفلي الثانية فالشيء مطلق بالنسبة الي الحدود الاولية الثابتة له من حيث هو و لولا تلك الحدود لاجريته في كل مايصلح له و لايأبي عن ذلك و الشي‏ء المحدود بالحدود الاولية الذاتية مطلق بالنسبة الي حال الاقتران فلولا الحدود الثانية الثابتة له من هذه الحيثية لاجريته الي مايصلح له من حيث الاقتران علي الاطلاق و كذلك المحدود بالحدود الثانوية مطلق بالنسبة الي الحدود الثالثة الثابتة له من حيث علم المكلف به و تمكنه عليه فلولا تلك الحدود لاجريته فيمايصلح و لايأبي عن ذلك و للاشارة الي هذا السر المخفي قال7 كل شي‏ء لك مطلق حتي يرد عليك امر او نهي.

 و لنوضح لك المراد بذكر المثال و يضرب الله الامثال للناس و مايعقلها الاّ العالمون فنقول ان الذات و الجوهر المجرد عن الصفات المخلوق اولاً قبل الصور و التعينات مطلقة عامة شاملة لكل الصور و الحدود و ليس بحد اولي من الحد الآخر بالنسبة اليه و ينتسب الي الكل و ينتفي عنه فاذا تحددت بالحدود الجنسية و تصورت بصورها فامتازت لكن كل حد من هذه الحدود الجنسية مطلق بالنسبة الي الصور النوعية فتصلح كل حصة من الحيوان مثلاً لكل من الانسان و الفرس و البقر و امثالها ظاهراً فيجوز لك ان‏تنسب كل حصة الي الكل و تنفي عنه و هذا المحدود بالحدود النوعية مطلق بالنسبة الي الحدود الشخصية فتنسب كل حصة الي كل هذه الحدود و تنفي عنها مما استجن فيها من امكان كل تلك الحدود فاذا تشخص بالمشخصات الجزئية ارتفع العموم و اختص كل حصة بما لها من الصور فتقول زيد و عمرو و بكر و غير ذلك فتدبر في هذا المثال تجد الامر واضحاً.

ان اردت اوضح من ذلك اذ ربما تستشكل لقصورك و لغرابة المطلب و بعده عن الافهام فلنمثل لك مثالاً مطابقاً في بادي النظر فنقول ان الشي‏ء من حيث هو هو مع قطع النظر عن ملاحظة كيفيته معه مطلق يصلح لكل طبيعة و كل لون فاذا اضفت اليه الحرارة و اليبوسة اقتضي الحمرة فحكمت (عليه خ ل)

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 405 *»

انه احمر و اذا اضفت اليه الحرارة و الرطوبة اقتضي الصفرة فحكمت عليه بها و اذا اضفت اليه البرودة و الرطوبة اقتضي البياض فحكمت عليه به و اذا اضفت البرودة و اليبوسة اقتضي السواد فحكمت عليه به هذا اصول الالوان في الجملة و براهينه مذكورة في العلم الطبيعي هذا حكم كل واحد من حيث نفسه فاذا اضفت بعضها الي الآخر يختلف حكمه فتحكم عليه بحكم آخر مثل ما اذا اضفت الصفرة الي السواد تحصل الخضرة فتحكم عليه من هذا الاقتران بالخضرة و اذا اضفت الصفرة الي البياض تحصل الحمرة و اذا اضفت السواد الي البياض تحصل الزرقة و هكذا هذا حكمه من حيث الاقتران الواقعي.

و اما حكمه باعتبار ظهوره في المرآة مع هذه الالوان و هو مثال علم المكلف فان العلم ظهور صورة المعلوم في مرآة خيال العالم فيختلف باختلاف المرآة فلون الابيض يري في المرآة البيضاء ابيض و في السوداء اسود و في الحمراء احمر و في الخضراء اخضر و في الصفراء اصفر و في العوجاء اعوج و هكذا فقبل مقابلته بالمرآة يصلح ان‏ يتلون بالاحمر و الاخضر و الاصفر و الاستقامة و الاعوجاج الي غير ذلك من احوال المرآة فلايمكنك قبل المقابلة ان ‏تحكم عليه بشي‏ء من هذه الالوان فيسقط اعتبار حكم المرآة فهو قبل مقابلة المرآة اياه مطلق بالنسبة الي الصور المنطبعة فيها لايجري عليه من حيث المقابلة قبلها حكمه نعم بعد ما ظهر في مرآة من المرايا اختص حكمها به فافهم فانه تمام الامر.

فظهر لك مما شرحنا ان الاشياء و ان كانت لها حدود من حيث انفسها و حدود من حيث اضافتها الي المكلفين لكنها مطلقة بالنسبة الي علم المكلفين بها و تمكنهم عليها فاذا فقد احد الشرطين اللذين هما تمام قابلية تلك الحدود انتفي المشروط المقبول نعم اذا حصل العلم و المكنة هنالك حصلت المقابلة التامة فيلزمهم الحكم و يترتب عليه مقتضاه من السعادة و الشقاوة و اما قبل ذلك فالناس المكلفون في سعة من ذلك، هذا حكم الوجدان الصحيح الصريح و تطابقت عليه الآيات و الروايات عن سادات البريات مثل قوله تعالي و ماكنا

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 406 *»

معذبين حتي نبعث رسولاً و قوله تعالي ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة و قوله تعالي لايكلف الله نفساً الاّ ما آتاها و قوله تعالي و ماكان الله ليضل قوماً بعد اذ هديهم حتي يبين لهم مايتقون و قوله تعالي معاذ الله ان‏نأخذ الاّ من وجدنا متاعنا عنده و قوله9 رفع عن امتي مالايعلمون و قوله9 ماحجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم و قوله7ايما امرأ ركب امراً بجهالة فليس عليه شي‏ء و قوله9 الناس في سعة ما لم‏يعلموا و قوله7 كل شي‏ء مطلق حتي يرد فيه نهي كمارواه الفقيه; حتي يرد امر او نهي كمارواه الشيخ; و قوله7 حين سئل عن الرجل فتزوج المرأة في عدتها أهي مما لاتحل له ابداً فقال لا اما اذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما ينقضي عدتها و قد يعذر الناس في الجهالة بما هو اعظم من ذلك فقلت باي الجهالتين اعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه او (ام خ ل) بجهالته انها في عدة فقال7 احدي الجهالتين اهون من الاخري الجهالة بان الله حرم ذلك عليه و ذلك انه لايقدر علي الاحتياط معها فقلت فهو في الاخري معذور؟ قال نعم الحديث و قوله9 ان الله احتج علي الناس بما آتاهم و عرفهم و قوله7 في قول الله عزوجل و ما كان الله ليضل قوماً بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون قال7 حتي يعرفهم ما يرضيه و ما يسخطه قال فالهمها فجورها و تقويها قال بين لها ما تأتي و ما تترك و قال انا هديناه السبيل اما شاكراً و اما كفوراً قال عرفناه اما آخذ و اما تارك و عن قوله تعالي و اما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمي علي الهدي و هم يعرفون و في رواية بينا لهم و في رواية عبدالاعلي اصلحك الله هل جعل للناس (في الناس خ ل) اداة ينالون بها المعرفة (قال خ ل) فقال لا فقلت فهل كلفوا المعرفة؟ قال لا علي الله البيان لايكلف الله نفساً الاّ وسعها و لايكلف الله نفساً الاّ ما اتاها و قوله7 ليس علي الخلق ان‏ يعرفوه و للخلق علي الله ان‏ يعرفهم و لله علي الخلق اذا عرفهم ان‏ يقبلوا و رواية عبدالاعلي بن اعين قال سألت اباعبدالله7 من لم‏يعرف شيئاً فهل عليه شي‏ء؟ قال لا و رواية

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 407 *»

حمزة بن الطيار عن ابي‏عبدالله7 قال لي اكتب فاملا علي ان من قولنا ان الله يحتج علي العباد بما آتاهم و عرفهم ثم ارسل اليهم رسولاً و انزل عليهم الكتاب فامر فيه و نهي الحديث و قوله7 ان الحجة لايقوم لله علي خلقه الاّ  بامام حتي يعرف و الروايات في هذا المعني كثيرة لاتحصي بل لاتجد خبراً و لا آية من كتاب الله الاّ و رأيته شاهداً علي هذا المدعا بل الكون و الخلق و الرزق و الحيوة و الموت ما بنيت الاّ  علي هذا و السر فيه ما ذكرت لك من دليل الحكمة.

و ان اردت دليل المجادلة بالتي هي احسن فقل ان الخلق جهال من نحو ذاتهم و التكليف امر توقيفي من عند الله سبحانه لا سبيل للخلق اليه كماعرفت سابقاً مشروحاً فاذا اراد حكماً من العبد يجب عليه في الحكمة ان ‏يبينه له لانه هكذا وعد و قال و علي الله قصد السبيل فاذا لم‏يبين مع اقتداره عليه و ايصاله الي الخلق و جهل الخلق اياه لم‏يرده من الخلق فاذا اراد ذلك و لم‏يبين كان مكلفاً بما لايطيقه الخلق و هو سبحانه اجل من ذلك و انما كلفهم علي وسعهم كيف و لو فتح هذا الباب لانسد باب ارسال الرسل و انزال الكتب و تعيين الحفظة لجواز ان‏يريد من الخلق ما لايبينه لهم فكلما جاز علي الله وجب اذ ليس عنده تردد و لا انتظار الاّ  اذا كان ذلك الشي‏ء في نفسه قبيحاً مثل اسعاد الاشقياء و اشقاء السعداء.

فان قلت ان في التكليف من غير بيان قبحاً

قلت فالله تعالي اجل من ان‏يرتكبه

و ان قلت ليس في قبح لكن البيان احسن و لاجله بعث الانبياء

قلت فالله اجل ان‏يعدل عن الاحسن ما لم‏يكن مانع

فان قلت ان المانع غيبة الحجة و المبين7 و روحي له الفداء

قلت اولاً ليس هذا هو المانع لماذكرنا مكرراً ان الحجة يد الله في الارض و عين الله الناظرة في العباد (عباده خ ل) يد الله المبسوطة ينفق منها كيف يشاء من احكام الوجودي و التكليفي و الذاتي و الصفتي كيف و لولا ذلك لم‏تجد الحق اصلاً قال رسول الله9علي ما رواه ابن‏عباس ما معناه لم‏يوجد حق في يد احد من الخلق الاّ بتعليمي و تعليم علي7 و لايلزم ذلك المشاهدة و المعاينة بل يدبرهم من حيث لايشعرون و كما كان سنن

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 408 *»

الانبياء الماضين مع رعيتهم و شيعتهم حال اختفائهم اقرأ قوله تعالي و دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها الآية و ثانياً ان هذا هو المصادرة فان المراد ان في صورة الغيبة و عدم التمكن من ايصال التكليف و المكلف به يرتفع التكليف فلايجوز ان‏يكون مثبتاً للمدعا فافهم.

فان قلت ان الخلق لاشك انهم يدرون ان في كل شي‏ء حكماً يكلف به الانسان

قلت هذا لمجمل نعم لكن من اين يدرون عموم هذا حتي الي انفسهم حين عدم وصول الحكم اليه مع انه قد سبق لك ان علم المكلف بالتكليف و المكلف به و كذا الدليل من تمكين المكلف (المكلف للمكلف خ ل) للقبول او للانكار فان التمكين يجب ان‏يكون من الفاعل لا من القابل فاذا اثر الفاعل و ما مكن القابل يرفع الحامل بينه و بينه لم‏يظهر ذلك الاثر و لم‏يقع علي المفعول المتأثر قطعاً و هذا لاشك فيه فاذا لم‏يصل اليك من المكلف امر و نهي فاقطع قطعاً يقينياً انك لست مكلفاً بذلك و لايريده منك و الاّ لاقام لك الدليل فانت في سعة منه و اباحة.

ان قلت انك قررت سابقاً ان الاحكام في الواقع اربعة واجب و حرام و مندوب و مكروه و لاشك ان هذه الاربعة صفات الاشياء و من مقتضيات كينونتها و الشارع ابان عن الواقع فالمضرة و المنفعة انما هما ثابتان في ذلك الشي‏ء كالسم و العسل اذ لانقول كما قالت الاشاعرة ان الاحكام لا مدخلية للخارج فيها بل نري الحسن و القبح عقليين فاذا كان هكذا فماوصل اليك من الشارع بيان عملت علي مقتضاه و ما لم‏يصل اليك فعليك التوقف لان الشارع مبين لا مخترع حينئذ و قد يكون في ذلك مضرة و الاحتراز عن الضرر لازم قلت بلي ان الحسن و القبح عقليان و ان الشارع يحكم علي حسب مقتضي الشي‏ء لكن ليس ذلك الشي‏ء مستقلاً في ذلك الاقتضاء بل متوقف علي اذن و اجل و كتاب فاذا ما قصر المكلف في الطلب و لم‏يعثر علي الدليل فلم‏يرد الله منه ذلك فيدفع عنه ما فيه من المضرة اذا استعمل في ذلك الشي‏ء ألا تري ان الرجل اذا واقع اجنبية جاهلاً و انعقدت نطفته يحكم بان الولد ليس ولد الزنا و انه يرث و اذا مات يدخل الجنة الاصلية ان عمل صالحاً لا الحظاير مع ان ولد الزنا لايدخل الجنة و ذلك لاقتضاء

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 409 *»

كينونته و استدعاء قابليته و صفته فرفع الله مرتبته و دفع عنه كدورته و رقاه الي اصل جنته.

و بالجملة ان الاسباب انما كانت اسباباً اذا كانت بيده و المقتضي انما يترتب علي المقتضي باذنه و اللازم يترتب علي ملزومه (الملزوم خ ل) بفعله و بامره فاذا ما اذن و حال بين اللازم و ملزومه و المقتضي و مقتضاه فانه علي كل شي‏ء قدير و ما ذلك عليه بعزيز و اذا اتقنت هذا الاصل الذي اشرنا اليه مجملاً يهون عليك الامر في الاختلافات الواقعة في الشريعة و ايقاع الاحكام و العقود و الايقاعات علي آراء مختلفة و الكل مثابون في افعالهم و مأجورون و يزيد الله بذلك درجاتهم و يرفع مقاماتهم تفضلاً منه و رحمة انه ذو الفضل العظيم فلو كان الامر دائراً مدار الواقع و الوصف الاولي لهلك الناس ألم‏تر ان الاطباء اذا اختلفوا في طبيعة دواء و سقوه المريض لا شك و لا ريب انه لاينفع الاّ فيمن اصاب الواقع في طبيعته و الباقي يتضررون بذلك بل ربما يهلكون و ليس الشارع كالطبيب مبين محض و لا التأثيرات الثابتة في الاشياء كالتأثيرات الثابتة في العقاقير بالنسبة الي الاطباء و لا كما تقوله الاشاعرة فان القول به نقصان في الحكمة كما ان في القول بانها كالعقاقير عزل لله سبحانه عن السلطنة بل امر بينهما اوسع من السماء و الارض لايعلمه الاّ  من انار الله قلبه و شرح صدره و فيما ذكرنا كفاية لاهل الدراية و لا حول و لا قوة الاّ  بالله العلي العظيم.

فظهر لك ان الاشياء التي لم‏يصل الينا له من الشارع حكم و الاصل فيها الاباحة بالعقل و النقل و الوجدان و اشرنا الي الجميع فمن لم‏يجد ما قلنا و تأمل فيه فليسأل الله ان‏يصلح وجدانه فبطل القول بالتوقف فانه فرع ثبوت التكليف و القول بالاحتياط لانه لتحصيل القطع بالمكلف به و هو فرع ثبوت التكليف مع ان مولينا الصادق7 منع من الاحتياط و احاله بقوله ان الجاهل باصل التكليف و الحكم لايقدر معه علي الاحتياط و هو كما قال روحي فداه و كذا الاقوال الاخر فان كلها ساقطة عن الاعتبار فمن نظر الي ما كتبنا و عرف ما اشرنا

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 410 *»

يري صحواً بلا غبار و نوراً كالشمس في رابعة النهار و علي الله قصد السبيل و منها جائر.

و اما ما مثلت به من امر التتن فالقائل بحرمته او التوقف فيه لايستند الي مجرد كونه ما لا نص فيه بل يستند الي اخبار تنافيها عمل اصحابنا رضوان الله عليهم و تعارضها ما تقاومه فان الاخبار اكثرها بل كلها ضعيفة عامية مع ان دلالتها علي المطلوب ممنوعة و ليس لي الآن اقبال في ذكر ماتمسكوا به من الاخبار في حرمته و لو ادعي احد الاجماع علي جوازه امكن نعم هنا اعتبارات اخر يصلح للاعتبار و انا الي الآن ما تأملت فيها لاجل الترجيح و لم‏يتبين لي صحة ماذكروا و الله الهادي الي سواء السبيل.

قــال سلمه الله تعالي: المسألة الثالثة: ان من وجد حكماً من الاحكام بالاخبار التي دونت و جمعت في الكتب الاربعة هل له ان‏ يعمل بمقتضاه ام لايسوغ له ذلك حتي يسمع من المجتهد حكمها بواسطة او بغيرها.

اقــول: اعلم ان الله سبحانه خلق الخلق اظهاراً لقدرته و اثباتاً لعظمته و ابانة عن سلطنته فجعلهم امثلة تفريده و تمجيده و خلقهم علي هيكل توحيده فاظهر بهم علمه لما خلق فيهم العلم و قدرته لما خلق فيهم القدرة و حيوته لما خلق فيهم الحيوة و هكذا ساير صفاته الكمالية و سماته الجلالية و قال عز من قائل سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق، و يضرب الله الامثال للناس و ما يعقلها الاّ  العالمون، و اضرب لهم مثل الحيوة الدنيا كماء الآية و لماكان ظهور السلطنة و الكبرياء و القهارية و الجبروت من اعظم مايجب علي الخلق معرفته حتي يخضعوا لطاعته و يخشعوا لعظمته فتذلل رقابهم لعبوديته و ترتعد فرايصهم من خشيته و تضمحل اهواءهم دون ارادته و تبطل مشيئاتهم دون مشيته ليخلصوا في طاعته و عبادته و يصيروا من اهل توحيده لينالوا ماخلقوا لاجله و يصلوا الي مقام قربه و يتنعموا في جنته بثوابه تفضلاً منه و رحمة و قدجرت عادة القلوب ان بالبيان المقالي لاتسكن و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 411 *»

لاتطمئن الاّ  اذا رآه او رآي صفته و مثاله بالمشاهدة فتستولي عليه عظمة الحق سبحانه خلق صفة تلك السلطنة و مثالها و آيتها في الخلق ليكون ابلغ في الحجة و اكمل للنعمة فجعل الخلق علي قسمين تابع و متبوع و راع و رعية بحيث لايستقيم النظام بدونه في كل مرتبة من المراتب حتي في نفسه و اهل بيته و هو قوله7 كلكم راع و كلكم مسئولون عن رعيته و لما كان الاشياء انما يجريها الله سبحانه باسبابها و شرايطها اثباتاً للحكمة و اظهاراً للقدرة و الاّ فهو يفعل ما يشاء كما يشاء لما يشاء بما يشاء جعل عند المتبوع جميع ما يحتاج اليه التابع ليأخذ عنه و يرجع اليه و يكون بذلك تابعاً له و منقاداً لامره و مطيعاً له في جميع ما امره و ذليلاً لديه و حقيراً عنده و يري انه مع ذلك عبد ليستشعر عظمة الله و قدرته و قهاريته و ان لا ملجأ من الله الاّ اليه و لا مفر عنه الاّ اليه فيخلص التوحيد و العبودية فيستوجب بذلك كرامة الابد لطفاً من الله العزيز الحكيم و لماكان المتبوع هو ظاهرية الحق للخلق و به ظهور سلطنته يجب ان‏يكون عادلاً عالماً متفضلاً متجاوزاً عظيماً صعباً ليناً حكيماً حليماً رؤفاً رحيماً مشفقاً علي رعاياه مسدداً لهم علي ما (لما خ ل) هو صلاحهم و مرشداً لهم الي ماهو رشدهم و خيرهم ليعلموا بذلك لطف الله القاهر علي الكل التابع و المتبوع و حلمه و حكمته و رأفته و رحمته و ثوابه و عقابه و بالجملة هذا اصل اذا نظر المستبصر اليه يعرف جميع ما يجب عليه و ما يستحب له من سلوكه سبيل ربه في عقايده و اعماله و اقواله و حركاته و سكناته و جميع ما يخطر بباله.

و ذلك السلطان الذي جعله الله سبحانه آية لسلطانه و مثالاً لقدرته و عظمته و امتنانه هو اولوا الامر الذين يهدون الي الحق و الي طريق مستقيم فيجب ان‏ يكونوا معصومين مطهرين عالمين حكيمين و غير ذلك من الصفات الكمالية الظاهرة للرعية فجعلهم سلطاناً علي كل من ذرأ و برأ من الخلق من اهل المشرق و المغرب و ماوراءهما الي ماشاء الله اذ عندهم جميع ما يحتاجون في جميع جهاتهم و مراتبهم و مقاماتهم و درجاتهم و ليستشعروا رجوع كل الخلايق بكثراتها و اضافاتها و مراتبها الي الواحد القهار و لايستعجبوا ان الكثرة الغير

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 412 *»

المتناهية كيف ترجع الي الواحد و تقوم به و تصدر عنه و لماكان الليل قد تقدم علي النهار مع ان النهار خلق قبله دل علي تقدم الظلمة علي النور فلما استولت الظلمة برجسها و نتنها و خبثها يغيب النور فلذلك غاب الحجة السلطان العادل فلما غاب العادل7 اختلف امر التابعية و المتبوعية فاتبع من هو دليل الشيطان و خصيم الرحمن و غلب الحق و خفي فما بقي ظهور السلطنة الالهية علي ما خلقت له و قد علمت ان ذلك هو اقوي آيات الله سبحانه في خلقه اذ عليه يترتب كلما اراد الحق من الخلق من الاعمال و المعتقدات ارادوا: ان‏ يثبتوا ذلك الحكم و يبقوا ذلك التقسيم و لما كان ذلك انما يتم بالاسباب جعلوا كلماتهم: كالقرآن علي ما هو عليه من المحكم و المتشابه و الخاص و العام و المطلق و المقيد و الظاهر و الباطن و المنطوق و المفهوم و دليل الخطاب و فحوي الخطاب و دليل الاشارة و دليل التنبيه و التلويح و التضمين و الاستخدام و الكناية و الاستعارة و من قبيل اياك اعني و اسمعي يا جارة و التشبيه و التمثيل و امثالها من الاحكام و الامور التي لايعرف المراد منها الاّ بالطلب و الجهد و استفراغ الوسع و العلم بنوع الطريقة و المذهب ليكون المحصل للمراد حاملاً لمتبوعيته و جامعاً للصفة التي يناسب و يقرب وصفهم كالعدالة و المعرفة و الورع و التقوي و امثالها ليرجع اليه من لم‏ يتمكن من التحصيل و يأخذ عنه و يذل لديه فيحصل به الغرض الذي به نظام الوجود و سر معرفة المعبود.

و لما كان حصر رعاياهم و غنمهم في متبوع و رئيس واحد و جمعهم علي متابعته يستلزم توجه سيوف المخالفين عليهم و اعدامهم كما بينا اوقع فيهم الاختلاف و تعددت الرؤساء و الرعايا و جعلهم بلطيف حكمتهم سلام الله عليهم ان لاتنازع بينهم و لا تحاسد و لا تباغض ليدعوهم الي فناء انفسهم كالرياسات الظاهرية ليدل علي تنزه الاصل الغالب المستتر عن ذلك و هذا الحكم يجري فيهم حتي يدول دولتهم و يظهر مستورهم (مستودعهم خ ل) عجل الله فرجه و فرجهم فهنالك يرجع الامر الي الواحد و يخلص التوحيد لله الواحد القهار و يستغني بعضهم عن بعض كما قال تعالي و ان يتفرقا يغن الله كلاً من

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 413 *»

سعته و لم‏يبق الاحتياج الاّ الي الواحد الذي هو ظهور الاحد جل‏جلاله و عم نواله فالعلماء في هذا الزمان نواب ائمتهم و حكام رعيتهم كماقال7 هم حجتي عليكم و انا حجة الله علي الخلق و قال7 انظروا الي رجل منكم قدروي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فارضوا به حكماً فاني قد جعلته عليكم حاكماً فالرد عليه كالراد عليّ و الراد عليّ علي حد الشرك بالله سبحانه و تعالي و قال الله تعالي فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون و قال تعالي فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و قال تعالي أفمن يهدي الي الحق احق ان‏يتبع ام من لا يهدي الاّ ان‏ يهدي فما لكم كيف تحكمون و قدقال مولينا العسكري7 في تفسير قوله تعالي فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عند الله قال فهذه لقوم من اليهود ثم قال7 و قال للصادق7 رجل اذا كان هؤلاء العوام من اليهود لايعرفون الكتاب الاّ بما يسمعونه من علمائهم فكيف ذمهم بتقليدهم و القبول من علمائهم و هل عوام اليهود الاّ كعوامنا يقلدون علماءهم الي ان قال فقال7 بين عوامنا و عوام اليهود فرق من جهة و تسوية من جهة اما من حيث الاستواء فان الله تعالي ذم عوامنا كما ذم عوام اليهود و اما من حيث افترقوا فان عوام اليهود كانوا قد علموا علماءهم بالكذب القراح و اكل الحرام و الرشا و تغيير الاحكام و اضطروا بقلوبهم الي ان من فعل ذلك فهو فاسق لايجوز ان‏يصدق علي الله و لا علي الوسايط بين الخلق و بين الله فلذلك ذمهم و كذلك عوامنا اذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر و العصبية الشديدة و التكالب علي الدنيا و حرامها فمن قلد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم فاما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً علي هواه مطيعاً لامر مولاه فللعوام ان‏يقلدوه و ذلك لايكون الاّ بعض فقهاء الشيعة لا كلهم فان من ركب القبايح و الفواحش مراكب علماء العلماء فلاتقبلوا منهم عنا شيئاً و لا كرامة و انما كثر التخليط فيما يتحمل عنا اهل البيت لذلك لان

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 414 *»

الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه باسرهم بجهلهم و يضعون الاشياء علي غير وجهها لقلة معرفتهم و آخرون يتعمدون الكذب علينا الحديث و صلي الله علي قائله.

فقد ظهر لك ان النظام لايتم الاّ بالتابع و المتبوع و السلطان و الرعية و ظهر لك ايضاً ان اخبار الائمة الاطهار و كلام الله الواحد القهار ليس مشرعة لكل خائض و منهلاً لكل وارد بل لهما اصحاب و حملة و حفظة يعرفون اشاراتها و يحققون بلطيف النظر تلويحاتها و يدركون بصحيح البصر معاريضها و لطايفها و يلتفتون الي القراين و الاحوال و الارشادات التي ادرجوها في كلماتهم سلام الله عليهم و يطلعون علي مواقع الاجماع بصحة الاطلاع و يفرقون بين الشهرة الباطلة و الصحيحة و يستخرجون منها حكم الله و من لم‏يصل الي هذه الدرجة و لم‏يبلغ هذه المرتبة فهو من رعاياهم و غنمهم و يجب عليه متابعتهم و يتلقي منهم الي ان يكشف الله هذه الغمة عن هذه الامة و يرث الارض و من عليها. فثبت ان عند خفاء الحجة ظاهراً الناس صنفان مجتهد و مقلد لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما و ظهر ايضاً ان الاجتهاد ليس واجباً عينياً كما ذهب اليه الحلبيون فان ذلك خلاف نظم الوجود و خلاف ما يظهر من اخبار آل ‏الرسول سلام الله عليهم و ما يستفاد من القرآن مع ما يسلتزم ذلك من العسر و الحرج و الضيق علي كافة الخلق لان تحصيل الاحكام عن اجتهاد لابد من تحصيل مقدماته من العلوم التي هي النحو و الصرف و اللغة و علم الاصول و مواقع الاجماع و فتاوي العلماء و معرفة الاخبار و معرفة الآيات القرآنية الدالة علي الاحكام و الملكة الراسخة و القوة القدسية التي بها يقتدر عن رد الفروع الي الاصول و اني لعامة الناس ذلك و كيف و الطلاب الذين يصرفون اعمارهم في تحصيل العلم ما نري البالغين رتبة الاجتهاد منهم الاّ القليل مع ان الله سبحانه يقول ما جعل عليكم في الدين من حرج و يقول وما كان المؤمنون ‏لينفروا كافة فلولا نفر الآية، كما سبق و الاحاديث السابقة و الاخبار في هذا الباب كثيرة و كذا الادلة العقلية كما سمعت من دليل الحكمة و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 415 *»

المجادلة بالتي هي احسن فلا معني لتكليف الخلق كلهم علي معرفة الاحكام الاستنباطية و الشريعة الحنفية السهلة السمحة تأبي من (عن خ ل) ذلك.

فاذا عرفت ما ذكرنا لك ظهر الجواب عن المسألة بان الذي يجد حكماً من الاحكام من الكتب الاربعة ان كان من اهل الاستنباط و الاستيضاح فيعمل بمقتضاه و الاّ فلايجوز فان اخبارهم صعب مستصعب مفتاحها عند المجتهد و هو الباب ليس البر ان‏ تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقي و أتوا البيوت من ابوابها فلو ان مجرد ملاحظة الحديث كان كافياً لكان كل من عنده كتاب من الحديث لاكتفي و استغني به و البديهة تشهد بخلافه فكما ان كتاب الله له حملة يحفظونه يؤخذ علمه عنهم كذلك الاخبار لها حملة يحفظونها عن تحريف الغالين و انتحال المبطلين فيؤخذ علمها منهم الاّ ما كان من قسم الضروريات.

قــال سلمه الله تعالي: المسألة الرابعة: ما معني علم الحال الذي ذكره الطوسي القدوسي في آداب المتعلمين في تفسير قوله7 طلب العلم فريضة علي كل مسلم و مسلمة.

اقــول: المراد بالحال حال الشخص مع ربه و حاله مع نفسه و حاله مع غيره لان الله سبحانه لما خلق الخلق نظر المخلوق الي نفسه فبذلك تكثرت شئونه و احكامه و قواه و شهواته و ارادته و لما كان من جهة وقوعه في رتبة الامكان الجائز مايقدر علي اظهار جميع ما يمكن في ذاته الاّ بمعونة الخارج من الاشياء الخارجية حصلت له علاقة الي غيره و ارتباط به فهناك تتحقق حالات ثلاث حالة ملاحظة خالقه و حالة ملاحظة نفسه و حالة ملاحظة غيره و لما كان محتاجاً في الاحوال الثلاثة (الثلاث خ ل) الي المدد و كان تلقي المدد موقوفاً علي مقابلته لفوارة القدر و كان جاهلاً بكيفية تلك المقابلة في المقامات الثلث أبان الحق سبحانه عن ذلك و شرح له ذلك في كتابيه التكويني و التدويني فيجب عليه ان‏ يعرف تلك الكيفيات لان قوام وجوده و بنيته الظاهرية و الباطنية

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 416 *»

موقوف علي المدد و ايصال المدد موقوف علي المقابلة و هي موقوفة علي العلم بكيفية المقابلة في الاحوال الثلث و قد كشف مولينا رسول الله9 عن هذا العلم بقوله الشريف انما العلم ثلثة آية محكمة و فريضة عادلة و سنة قائمة.

فالعلم بالحالة الاولي معرفة توحيد الله سبحانه و معرفة اركان توحيده و ترجمان توحيده و حفظة توحيده و الثمرات المترتبة علي توحيده و المترتبة علي كفره فالترجمان هو النبي و الحافظ هو الوصي و الثمرة المترتبة معرفة الحشر و النشر و الثواب و العقاب يوم القيمة و معرفة صفات الحق و افعاله و الفرق بين صفاته الذاتية و الفعلية و الفرق بين الصفات اللايقة لجلال قدسه و التي لاتليق به مطلقاً اي في الصفات الذاتية و الفعلية و معرفة عبادته و مناجاته و دعائه و كيفية الاعمال الموصلة الي ثوابه و الاعمال الموصلة الي عقابه و هذا القدر بالاجمال للعوام و بالتفصيل للخواص و بالتحقيق للخصيص و قد ذكرنا في تفسيرنا علي آية الكرسي عند تفسير لا اله الاّ هو ان التوحيد له مائة و ستون مرتبة و كل الخلق من الذرة الي الدرة لهم مقام فيها علي حسب درجاتهم و ترقياتهم و تنزلاتهم و الاعمال تتبع التوحيد فالحقيقي يستدعي الحقيقية و الباطني اي الشهودي يستدعي الباطنية و الملاحظة الاضمحلالية و الصوري يستدعي الصورية

و لكل رأيت منهم مقاماً   شرحه في الكتاب ممايطول

فافهم وفقك الله.

و العلم بالحالة الثانية ان ‏يراقب النفس و يطهرها من اوساخ الاغيار و يحليها بحلية الابرار و يستشعر عظمة الله و قدرته آناء الليل و اطراف النهار و انه ليس شي‏ء الاّ بمدده و وجوده من فاضل جوده و لايتعقل باطلاً و لايتصور زايلاً و لايتخيل خيالاً بل يجعل همه في ذكر الباقي و فكره و السعي في طلبه و الباقي له مراتب من اول جنان الآخرة الي الكثيب الاحمر الي مقام الرفرف الي مقام الرضوان ثم منه الي ماشاء الله من البقاء الابد و الدوام السرمد او الباقي الذي

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 417 *»

لايهلك و هو وجهه سبحانه الظاهر في اسم الله الرحمن الرحيم ففي الرحيم ينظر الي الوجه بذاته و في الرحمن بشبحه و في الله بنوره او الباقي الذي هو الحق المتعالي عن وصمة الزوال بان لايكون همك الاّ هو لا بان‏ تصل الي ذاته كما هو من خرافات الصوفية لعنهم الله بل بان ‏تقطع نظرك عن كل ما سواه بحيث استولي بظهوره علي كل الظهور فاضمحل عند نوره كل نور و انعدم بوجوده كل الغيور و انت في مكانك و هو جل‏جلاله في ازله تعالي عما يقوله الظالمون و عما يصفه الواصفون علواً كبيراً و قدقال7 المؤمن كلامه ذكر و صمته فكر و نظره اعتبار و قد شرحنا هذا العلم في جواب المسألة التي اتانا(أتتنا ظ) من ارض الغري علي مشرفها سلام الله الملك العلي فان ما فيه تمام الامر لمن عرفه و ليس لي الآن توجه الي التفصيل.

و العلم بالحالة الثالثة له بيان مجمل و مفصل اما المفصل فمذكور في اخبار الائمة الاطهار عليهم سلام الله الملك الجبار و الكتب الموضوعة في علم الاخلاق فليرجع اليها و اما المجمل فبان تعاشر غيرك مثل ما تحب ان‏ يعاشرك اذا كنت معتدل المزاج و متوسط الاحوال و الاّ فانظر حال المعتدلين الواقفين مقام اليقين فشابههم ثم عامل معاملتهم و هذه الحالات الثلثة هي تقوي الله في القرآن في قوله تعالي ليس علي الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا و آمنوا و عملوا الصالحات ثم اتقوا و آمنوا ثم اتقوا و احسنوا ان الله يحب المحسنين فالاولي تقوي الناس و الثانية تقوي النفس و الثالثة تقوي الله علي ماشرحت لك و الله ولي التوفيق و لا حول و لا قوة الاّ بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

قــال سلمه الله تعالي: المسألة الخامسة: كيف تبييض الثفل اذا اخذ منه المياه هل بالاحراق او الطبخ مع لبنة العذراء و ما المراد بالجسد الجديد الذي ذكره الحكماء فابسط لي يا سيدي هذا المقال و بين لي حقيقة الاحوال و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 418 *»

اكشف القناع عن وجه الاجمال بيض الله غرة احوالكم و جعل الفردوس مآلكم.

اقــول: كلا الامرين يصح لكنك اعلم اولاً ان تبييض الثفل في مقامين احدهما في المقام الاول الذي هو العمل المكتوم فان هذا العمل له اربع مراتب الاولي المغتذي حتي يكون نطفة و يتميز بين نطفة الرجل و نطفة المرأة ثم يجمع بينهما بالتزويج بالزوجات الاربع الي ان‏ ينعقد الماآن الخارجان من صلب الرجل و ترائب المرأة و يصيران ماءاً واحداً و هيهنا يتم ربع العمل الثانية رتبة المعدن و هو بعد انعقاد الاصل و المادة و السقي بالمياه الاربعة الاول بمثله ثم بنصف ثلث مثله ثلث مرات لاتمام الاربعة و ظهوره في كل سقي بلون من الالوان الي ان‏يعود الي البياض كالروب و الي هنا يتم نصف العمل الثالثة رتبة النبات و هو استخدامها بالجواري الست و طوافها بالبيت الحرام اسبوعاً ثم استخرج الارواح الي الانوار الحقيقية النور الابيض و النور الاصفر و النور الاحمر و جعلها هي النور الاخضر و الي هنا يتم ثلث العمل الرابعة مرتبة الحيوان و هو مقام التركيب و الضم و اخراج التسعة المفسدة من الارض المقدسة بالتساقي(التسعة خ ل) التسع و وضعها علي الجبال العشرة فهناك يتم العمل فبعد اتمام الثلث يظهر القمر في فلكه الجوزهر في مقام انشأناه خلقاً آخر فباتمام التسع يكمل الولد و يبلغ مبلغ الرجال و ينطق معلوم المبدأ و المآل و هو الشجاع الذي يهزم الصفوف و لايكترث بالالوف و القوم انما كتموا الربع الاول و ما ذكروه ابداً تضنيناً لهم بالامر و تعمية للفهم و لذلك سموه بالعمل المكتوم و ربما يشيرون الي الربع الثاني باشارات بعيدة المنال و يشرحون النصف الآخر في اغلب الاحوال بالرمز و الايماء في المقال فالتبييض في العمل المكتوم مما لابد منه بل هو الاصل و الاّ يبقي المركب كدر اللون فيؤثر هكذا كدراً اغبر و هذا نقص عظيم في العمل.

و كيفية هذا التبييض انك بعد ما فصلت المادة الي ماء جامد و نار سائلة و صفيت النار و اخذت صفوها و القيتها علي الماء اربعة امثاله او ثلثة فجذبتها منه

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 419 *»

ثم رويتها الي ان انقلب نصف الماء ناراً ثم القيت عليه من ذلك الصفو مثله فجذبتها منه ثم اعدتها عليه الي ان انحل النصف الآخر فرميت الباقي فانه ميت لا حيوة فيه فهناك انعكس الامر فانقلب الماء بالنار و النار بالماء ثم  تعقد النار حتي يكون في قوام العسل او الشحم فهناك محل التبييض بان ‏تدخل عليه الماء المستخرج عنها و تعفنها ثلثة اسابيع حتي يصير ماءاً واحداً ثم تقطره و ترفق في تقطيره و ترد الاعلي الي الاسفل سبع مرات فيصير الاعلي في اعلي طبقة الزيبق الغواص و تقطره بالرطوبة و لاتزال كذلك حتي يكون الماء ابيض كالثلج و النار التي هي الجسد اسفل اغبر فلاتزال تردد عليه الماء و تقطر حتي يبيض النحاس المحروق و هو الثفل كالرخام المدقوق و الماء كالورد الاحمر و قد بلغ غايته و ان قل الماء اذا زدت تقطيره و ضع عليه من الماء المدخر عندك و اطبخ الجسد به و قطره.

و اعلم ان الغرض كله في البياض فلاتضجر من طول زمانه فبعد يقصر الزمان و اعلم ان العمل علي الماء القراح و ليس له قدر معلوم فلاتضر كثرته و ان زاد الاّ انه يبطي في الانجلاء فاذا ابيض ذلك الجسد او تلك النار او العسل او الشحم او نطفة الرجل فهناك محل التزويج بالمرأة فتوزن من ذلك الماء ضعفه اربع مرات فزوجه اولاً بكفوه و هو مثله ثم اقسم الباقي نصفين و اجعل النصف ثلثة فزوج كل ثلث مرة و عفن في هذه المراتب الثلث كل مرتبة عشرين يوماً بعد ما عفنت الازل اربعين يوماً ففي التزويج الاول يكون اسود كالقار و في الثاني كالزبرجد و في الثالث ازرق كلون السماء و في الرابع ابيض كالروب و هذا تمام نصف العمل ثم تدبير رتبة النبات و تمام الستة التامة و كمال السبعة الكاملة في التساقي الستة و الاشواط السبعة فبعد اتمام هذه المراتب و قطع هذه المسافة يؤخذ في اخذ الماء و تطهير الجسد الثاني الذي هو الجسد الجديد بعد تطهير الجسد الاول العتيق و اخذ الماء الذي هو الحيوة و به روح الحيوة بل هو روح الحيوة التي يقبضها ملك الموت و هذا الجسد الثاني هو الارض المقدسة التي فيها قوماً جبارين و قد امر الله موسي الصبغ الاحمر (ان خ ل) ‏يطهر تلك الارض بجنوده و اعوانه و هم المياه المستخرج من الجسد اولها الماء ذو

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 420 *»

الوجهين كوكب اميرالمؤمنين7 اي زحل و ثانيها الماء الابيض البراق الشفاف في غاية التلألؤ و اللمعان اشبه الاشياء بالزيبق و هو الغربي و الفتاة الغربية و هرمس حكيم(الحكيم ظ) و يوشع بن نون و هو الحمامة في قوله تعالي فخذ اربعة من الطير و كانت الطاووس و الحمامة و الديك و الغراب لما سأل ابرهيم علي نبينا و آله و عليه السلام ربه ان‏ يريه كيفية احياء الاموات و كيف تدبير الحكيم لذلك الشي‏ء اللئيم حتي يكون حياً و محيياً و كاملاً و مكملاً و نوراً و منوراً يحكي بالمثال و يدعو الي القادر المتعال و يناجيه باسمه ذي‏الجلال فيكون اخت النبوة و عصمة المروة في المآل و لعمري ان ذلك بعيد المنال و منيع الوصال ظاهره ظاهر الادوار و باطنه حقيقة الاكوار في الاطوار و هو ظهور الصنع و المصنوع و الحقايق و المعارف ينبوع الولد الكريم الشجاع العظيم المسمي عند طائفة بعبد الواسع و عبد الكريم و عندي بعبدالله العلي العظيم فابان الحق عزوجل عن كيفية ذلك بقوله الحق فخذ اربعة من الطير و شرح مولانا اميرالمؤمنين7 ذلك بقوله7 :

خذ الطيار و الطلقا   و شيئاً يشبه البرقا
اذا مزجته سحقاً   ملكت الغرب و الشرقا

فالطيار هو الحمامة و هو الابيض الغربي و يقال له لبنة العذراء ايضاً لوجه لايخفي و كوكب عطارد و ان كان المشتري هنا اقرب و له اسماء كثيرة علي نحو اشاراتهم و ثالثها الماء الاصفر الشرقي و هو يخرج بعد هذا الماء الابيض الغربي و هو الديك في قوله تعالي المتقدم و يشار اليه بالبراق و هو بريد التلاق و به المساق و هو البقرة الصفراء و كوكب الزهرة و رابعها الماء الغليظ الاحمر القاني الشرقي و هو يخرج بعد هذا الماء بتضعيف الحرارة و هو الطاووس و الماآن معاً شي‏ء يشبه البرقا في قول اميرالمؤمنين7و هو كوكب المريخ ثم يضاف الماء الاول ذو الوجهين الذي ظاهره ناظر الي القمر و باطنه

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 421 *»

الي الشمس علي الثفل الباقي فيطبخ علي النار و لو مكشوف الرأس فتظهر الشمس مادة الكبريت الاحمر و هو موسي الكليم الملقي في اليم خوفاً من فرعون اللئيم فيأخذه عدو له بذلك الثفل فلما استخلص نبئ و امر بتطهير الارض المقدسة فقام7 منادياً في قومه يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم و لاترتدوا علي ادباركم فتنقلبوا خاسرين اذ بهم تعمر تلك الارض و يعلو ذكر الله سبحانه فيها قالوا يا موسي ان فيها قوماً جبارين و هم ريش غراب و الصخور و الجبال و لذا قيل ان العرب لاتقدر علي حمل الصخور و الجبال فازل ريش الغراب ليكون عقاباً قال رجلان من الذين يخافون انعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون و علي فتوكلوا ان كنتم مؤمنين و الرجلان يوشع بن نون و كالب بن يوحنا و دخل يوشع بن نون في المدينة و هو عبارة عن الابيض الغربي فيتطهر و يبيض تلك الارض و الثفل بعد اخذ المياه بارسال الابيض الغربي او بالتكليس و لهم في ذلك طريقان الاول اولي لئلايتحجر و لموافقته لكتاب الله اما الاول فيوضع عليه من ذلك الماء الغليظ فيعفن بحرارة شمس الشتا ثم يقطر بحرارة شمس الصيف فيكرر العمل الي ان‏يبيض ان احتيج الي ذلك و الاّ فالمرة الواحدة تكفي و ذلك الماء المصفي به الصافي باطناً و الكدر ظاهراً بالعرض يصفي مرة ثانية بالتقطير فيعود الي الحالة الاولي و هذا ليس بواجب و لا دخل له في حقيقة العمل الاّ ان المسافر كلما يكون عنده الماء اكثر احسن لئلا يعطش في اثناء الطريق و لايجد ماء فيهلك و اما الثاني بان ‏يوضع الثفل الذي هو الارض قبل التطهير بنتنها و لزوجتها في آثال من خزف صابر علي النار ثم يوقد تحتها اول اليوم بنار لينة يوم و ليلة ثم تنقله الي نار الفحم الدقيق ثم الي نار الحطب تدرج النار الي ستة ايام و في السابع تضرمه بنار التصعيد القوية حتي يصعد الجسد كله الي القبة و يبقي الثفل كالخشب الاحمر فارمه فلا نفع فيه و هذه النار القوية تسمي بالهائجة و هذا الصاعد هو الارض المقدسة و هذا هو الجسد الجديد.

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 422 *»

هذا آخر مااردنا ايراده في جواب هذه المسائل و الحمد لله وحده و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.