13-09 جواهر الحکم المجلد الثالث عشر ـ رسالة في جواب بعض الاجلاء ـ مقابله

رسالة فی جواب بعض الاجلاء

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 437 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي خير خلقه محمد و آله الطاهرين المعصومين.

اما بعد فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني کاظم بن قاسم الحسيني الرشتي انه قد وردت علي مسائل لبعض الاجلاء الطالبين السالکين لسبيل الحق و اليقين الذين ميزوا الغث من السمين اعزه الله و ابقاه و بلغه اکمل ما يتمناه و اخذه بهواه الي رضاه و هي لعمري علي الواقع و الحقيقة کما يريد عزيزة المنال بعيدة الوصال و لقد اکثروا فيها المقال و اطالوا التشاجر و الجدال و لم‌يبلغوا الي حقيقة الحال علي منوال آل محمد المفضال عليهم سلام الله بالغدو و الآصال اذ سرها و منشأها مبني علي نقطة العلم التي کثرها الجهال و قد اتت و انا في الغاية من تبلبل البال و تهجم انواع الکلال و الملال و عروض الامراض المانعة من استقامة الحال و توفر دواعي الاغتشاش و الاختلال و انا في هذه الاوقات و الاحوال کماقال الشاعر و نعم ما قال:

کم بجنبي للصبابة واد

کل يوم حمامه نواح

و قد احببت ان تأتيني في غير هذه الايام لاستوفي فيها الکلام و استقصي المرام و ابين ما هو الحق في المقام و اشير الي زلة کثير من الاقدام ولکني الآن لفي واسع العذر فاکتفي بالاشارة و آتي بالتلويح بصريح العبارة اعتماداً علي ذلک الفهم العالي و الادراک السامي و اذکر السؤال بالفاظه و اذيله بما من الله علي من الجواب لحصول المطابقة و تحقق الموافقة لان السؤال ذکر و الجواب انثي و الله المستعان.

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 438 *»

قال سلمه الله تعالي: بعد البسملة: الحمد لله الذي فضل بني‌آدم و اکرم.

اقول: يعني آدم الاول في الکون الاول الکون الامري الفعلي الاولي و الثانوي المفعولي و هو ذات الذوات و الذات في الذوات للذات و ذلک اول ما برز في الوجود من عالم الغيب و الشهود فامتاز الشاهد من المشهود و الموجود من المفقود و ظهرت العبادة بظهور المعبود و اکرمه الله سبحانه بالولاية المطلقة في الازلية الثانية و اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ کان لاتدرکه الابصار و لاتحويه خواطر الافکار و طهره عن شوائب التظنين و صفاه عن لواعج[1] التغيير و التکييف و التحديد و هذه لعمري کرامة ماوراءها کرامة و سعادة ما نالها غيره من اولي المکانة ذلک فضل الله يؤتيه من يشاء

قال سلمه الله: و علمه ما لم‌يعلم.

اقول: اي من اسرار البيان و المعاني و احکام المعاني و المباني و هو البيان المستودع في سر الانسان المشار اليه في قوله عزوجل الرحمن خلق الانسان علمه البيان و هو الذي ما کان يعلمه الا بتعليم خاص الهي شهودي ديمومي في الدعاء بک عرفتک و انت دللتني عليک و دعوتني اليک و لولا انت لم‌ادر ما انت و فيه يا من دل علي ذاته بذاته و تنزه عن مجانسة مخلوقاته و ذلک کشف الحال بمعاينة المثال الذي هو ذرة من شمس العظمة و الجلال و هو العلم فحسب و ما سواه ظهور من ظهوراته الجمالية و الجلالية و الکمالية و البهائية و العلمية و الاسمية و القدرتية و غيرها من ساير الشئون قبل التعلق و بعد التعلق و مع التعلق مع ملاحظة المتعلق بکسر اللام و بدونها حين وجوده علي حسب اختلاف المتعلقات بفتح اللام في القوابل و الاستعدادات و کلها نشئات علمية و اسرار عملية و حقايق متأصلة نشأت من البيان الذي علم الانسان فهو نقطة جامعة و هوية مانعة و هو النقطة تحت الباء في البسملة و لذا قلنا ان اصل العلوم و سرها و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 439 *»

ينبوعها و معدنها هو قولک لا اله الا الله و في الدعاء فبهم ملأت سماءک و ارضک حتي ظهر الّا اله الا انت فافهم ضرب المثل.

و اياک و اسم العامرية انني

اغار عليها من فم المتکلم.

قال سلمه الله تعالي: و صلي الله علي محمد سيد الانبياء و آله الامناء و شيعتهم الاولياء ارباب القرب و الفناء و البقاء.

اقول: الصلوة وصل و وصال و سلب فرقة و زوال و اظهار حکم الاضمحلال و الاستقلال و الوصل رسمي و الفرق ذاتي و الاضمحلال ثابت و الاستقلال راسخ و ينبئ عن ما ذکرنا حديث المعراج علي ما في الکافي عن مولينا الصادق عليه السلام الي ان قال روح الامين لقد وطأت موطأ ما وطأه قبلک لا ملک مقرب و لا نبي مرسل قف فان ربک يصلي قال صلي الله عليه و آله و کيف يصلي قال يقول سبوح قدوس انا رب الملائکة و الروح ثم شرح سبحانه هذه الصلوة في مواضع من کتابه فقال ان الذين يبايعونک انما يبايعون الله, قل ان کنتم تحبون الله فاتبعوني يحببکم الله و مارميت اذ رميت ولکن الله رمي, انما وليکم الله و رسوله و الذين آمنوا الآية و هکذا ساير الآيات و هذه الصلوة جارية في النبي و الولي علي الحقيقة الجامعة و فيهما عليهما السلام و في الشيعة الاولياء علي الحقيقة الفارقة و الجامعة في الرتبة الثانية و في دعاء رجب لمولانا الحجة عجل الله فرجه ما يجمع بين الحقايق و المراتب في الصلوة عند قوله عليه السلام و بمقاماتک و علاماتک التي لا تعطيل لها في کل مکان يعرفک بها من عرفک لا فرق بينک و بينها الا انهم عبادک و خلقک فتقها و رتقها بيدک بدؤها منک و عودها اليک الدعاء فافهم فما اسعدک لو وفقت لفهمه و لايسعني الآن ازيد مما ذکرت و الله علي ما نقول وکيل.

و الآل هم قصبة الياقوت النابتة في اجمة اللاهوت المعرفة في اسرار الملک و الملکوت الظاهرة في اعلي الجبروت فمن اعلي الجبروت مبدأ الشکل المثلث و من الملک و الملکوت مبدء الشکل المربع فمن اجتماعها

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 440 *»

کان ظهور السبع المثاني و القرآن العظيم من اعظم العطايا و الکرامات التي انعم بها نبينا صلي الله عليه و آله اشرف خلقه و من تربيعهما کان ظهور شهور الحول و عدد الساعات و حروف لا اله الا الله في الرقوم المسطرات کما في الزيارة.

و الشيعة هم الفرقة الناجية عن جميع الشکوک و الشبهات و الاوهام و الخيالات و درن الآثام و السيئات و عما يشغله من الله سبحانه و هم الصادقون الموفون بعهدهم لما قالوا بلي فاخلصوا افئدتهم و فرغوها لمعاينة التجليات و مشاهدة الظهورات و فرغوا قلوبهم للتوجه اليه تعالي بسر التوجهات و العنايات بتکرر الالتفاتات الي بارئ المسموکات و داحي المدحوات حتي يتمحضوا فيما ذکره الامام سيد السادات بقوله ايکون لغيرک من الظهور ما ليس لک حتي يکون هو المظهر لک الدعاء و قوله عليه السلام لايري فيه نور غير نورک و لايسمع منه صوت غير صوتک و اخلصوا صدورهم و فرغوها لتلاوة الآيات و مشاهدة الاسماء و الصفات و مراقبة الخوف و الخشية بحيث يشغله عن تلاد نفسه و مکارهها هبني صبرت علي عذابک فکيف اصبر علي فراقک و هبني صبرت علي حر نارک فکيف اصبر عن النظر الي کرامتک الدعاء.

و هؤلاء هم الاولياء الذين شوقتهم المحبة و انحلتهم العبادة و اصفرت الوانهم للاشتياق و اضر بهم البعاد و الفراق و هم ارباب القرب الي تجليه تعالي الذي هو وجهه لهم بل هم عين ذلک التجلي فقربوا بالتجلي الي المتجلي الظاهر للتجلي بالتجلي بلا کيف و لا اشارة کما يأتي مجمل بيانه ان شاء الله تعالي و هم ارباب الفناء الذين دکت انياتهم و اضمحلت هوياتهم و نسوا انفسهم و غفلوا عن اعتبار ذاتهم فلم‌يشاهدوها و لم‌ينظروا اليها و لاترتب اثر عليها فکانوا بذلک ارباب البقاء و التذوت و الاستقلال فاضمحلالهم اقتضي استقلالهم و موتهم استدعي حياتهم و ذلتهم اقتضت عزتهم کماقال الشاعر:

اقتلوني يا ثقاتي

ان في قتلي حياتي

و حياتي في مماتي

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 441 *»

و هو قوله عزوجل فتوبوا الي بارئکم فاقتلوا انفسکم ذلکم خير لکم عند بارئکم و قوله تعالي و لاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله و يستبشرون بالذين لم‌يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم و لا هم يحزنون فافهم الاشارة بلطيف العبارة و سيأتي زيادة بيان لذلک ان شاء الله تعالي.

قال سلمه الله تعالي: و بعد فالمرفوع الي حضرة الخ و يبينوا لنا هذه المسائل الثلث علي وجه لايبقي فيها محل کلام و يندفع به عنها کل شبهة و نقض و ابرام مع بسط ميسور في المقال و اکمال ايضاح للحال من غير اغلاق و لا اجمال.

اقول: قوله ايده الله علي وجه لايبقي فيها محل کلام الخ يتحقق اذا کان المبين و المبين له في صقع واحد و متوافقين في اصل النظر و طوره و المشعر و الدليل و المقام فان کل نظر له اطوار متعددة طور الاجمال و طور التفصيل و طور الوحدة و طور الوحدة و طور الکثرة و طور الاتحاد و طور الاختلاف و طور اصل الحقيقة ببيان النقطة و طور الاقتصار علي ادني ما يتأتي به المطلوب و غير ذلک من اطوار الانظار و المشاعر ايضاً مختلفة و وقوف السلاک فيها کذلک فمن واقف في مقام الجسم الي مقام النفس و بينهما عشرون مقاماً لکل مقام اهل و لهم ايضاً في کل مقام مواقف يعثر عليها الکامل العارف و من مقام النفس الي مقام العقل مقامات کثيرة و من مقام العقل الي اقصي درجات الفؤاد و اعلي مراتب الاستناد مقامات کثيرة و کذلک من اقصي الفؤاد الي اعلي درجات النقطة و کل هذه مشاعر و مواقف و مدارک للعلماء و هي مختلفة متفاوتة لايشبه ما في بعضها الآخر بل اهل کل مقام يکذب ما عند الآخر و لايسعني الآن تفصيل هذه المقامات و شرح هذه الدرجات و المقصود الاشارة الي نوع المسئلة و الادلة ايضاً ثلثة و لکل درجات ثلث فترتقي الي تسعة و لکل شرايط و لوازم و متممات و مکملات و مقتضيات و موانع و علل و اسباب و معدات و غيرها فاذا

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 442 *»

حصل الاختلاف في شيء واحد من هذه المذکورات جاء الکلام و توجه النقض و الابرام و ان کان المجيب يؤدي و يجري کلامه علي مخ الواقع بالنسبة الي مقامه اذ قد يکون مقام السائل اعلي و ليست له ايضاً تلک الاحاطة الکاملة ليري کل شيء حقاً في مقام ذلک الشيء علي حسب ما اعطاه الله تعالي او ان صعوده الي المقام الاعلي ليس تفصيلياً ليشاهد المقامات السفلية و يحيط بما فيها او ان نظره الي ذلک المقام الاعلي و لاينظر الي ما تحته ليري ما فيه و يقول غيره مما ليس معه في تلک الرتبة و قد يکون الامر بعکس ما ذکرنا بالنسبة اليهما نعم لو کان المسئول يجري کلامه علي جميع اطوار تلک المقامات ببسط الکلمات و ايراد المقدمات و ما يناسب لکل مقام ربما يتيسر للسائل ما اراد کما اراد بما اراد اذ اجتمع فيه الشرايط الاربعة مع خامس و هو جودة الذکاء و سرعة الانتقال ولکن هذا يؤدي الي تطويل المقال و شرح ما لاينبغي ذکره من دقايق الاحوال فاذن يجب اجراء الکلام علي حسب مقام السائل او اقرب ما يکون اليه ليعرف نوع المراد بالشرط المذکور و اما غيره فلا التفات اليه اصلاً فاذن اجراء الکلام علي وجه لايبقي لاحد فيه الکلام شيء ابي الله الا کتمانه و هو سبحانه ما اجري کلامه کذلک و لا رسوله و لا اولياؤه صلي الله عليه و عليهم و لا عباده المخلصون من الشيعة الکاملين و الله سبحانه هو الموفق.

و اغرب من الکل قوله ايده الله من غير اغلاق و لا اجمال بعد قوله بحيث لايبقي لاحد محل کلام، الم‌تعلم ان العلوم علي انحاء و اطوار من ظاهرية و باطنية و سرية و سر سرية و غيرها و الناس کذلک علي انحاء کثيرة من اهل الظاهر و الباطن و باطن الباطن و لا شک ان الدليل من سنخ المطلوب فيکون سرياً اذا کان المطلوب کذلک کماقال عليه السلام و سر لايفيده الا سر و سر مقنع بسر فان اجرينا الکلام علي مذاق البعض جاء الاغلاق و الاجمال بالنسبة الي الآخرين او توجه النقض و الابرام بالنسبة الي الاولين فمن نتايج الآخرين زايداً علي ما ذکرنا ما اشار اليه بقوله تعالي بل کذبوا بما لم‌يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله و قوله تعالي و اذ لم‌يهتدوا به فسيقولون هذا افک قديم و من

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 443 *»

الاولين ما اشار اليه النبي صلي الله عليه و آله يا سلمان لو عرض عملک علي مقداد لکفر و يا مقداد لو عرض عملک علي سلمان لکفر و في رواية علمک و المعني في الجميع واحد و هذه فتنته امتحن الله بها عباده ليهلک بها من هلک و ينجو من سبقت له من الله العناية فافهم راشداً و اشرب صافياً.

قال سلمه الله تعالي: الاولي ما معني الحديث المشهور المحکي عن کا و غيره من ان الله داخل في الاشياء لا بالممازجة و خارج عنها لا بالمزايلة و کذا ما في معني هذا الحديث من قوله عليه السلام داخل لا کدخول شيء في شيء و خارج لا کخروج شيء عن شيء و غيره مما يقرب منه مضموناً.

اقول: اعلم اولاً ان کلمات اهل بيت النبوة و معدن العلم و الفتوة سلام الله عليهم ليس فيها اختلاف و لا اضطراب و انما يجري الجميع عن ينبوع واحد و ان اختلفت الجداول بحسب القوابل و الا فالمراد في الجميع واحد و ذلک معلوم قد دل عليه العقل و النقل علي الوجه القطعي کما فصلنا في ساير رسائلنا و مباحثاتنا و ثانياً ان کلماتهم عليهم السلام مما لايتعلق بالاحکام الظاهرية العامة البلوي التي لا تعلق لها بالتقليد و الظن و الاجتهاد لاتعرف و لاتعلم الا بکلماتهم عليهم السلام في تصريحاتهم و تلويحاتهم و اشاراتهم و عباراتهم و ساير الحان خطاباتهم عليهم السلام لان الکلام علي مقدار عقل المتکلم و عقلهم العقل الکلي الذي قد ظهرت الموجودات کلها باقباله و ادباره بتنزلاته في شئوناته و اطواره فاني للسافل و ادراک کلام العالي من حيث نفسه نعم للعالي ان يبين له کلامه و يکشف عن مرامه من حيث نفسه اي العالي في نفس السافل و هو قوله تعالي و علي الله قصد السبيل و قوله تعالي ان علينا جمعه و قرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه و البيان ايضاً موکول علي ارادة العالي حسب اقتضاء المصالح في الکون الثانوي من احکام الاختلاف و ان کان قد شرحه علي اکمل ما ينبغي في الکون الاولي بالبيان الحالي و المقالي علي الحکم الاعتدالي.

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 444 *»

فاذا عرفت ما ذکرنا فاعلم ان ذات الله عزوجل قد سد باب معرفتها الغناء المطلق الذاتي فلايوصف بشيء من احوال الخلق لان حقيقة الخلق و ذاتهم فقر محض و هو لايقتضي في صفاته و شؤناته و اطواره الا الفقر و الفاقة و الحاجة فکلما في عالم الخلق فقر و حاجة علي اختلاف المراتب فکيف يوصف به من کان غنياً محضاً و الا لم‌يکن وجوده ذاته هف فکل صفات الفقر منتفية عن الغني المطلق المحض و لذا قال جل من قائل ليس کمثله شيء و قال سبحانه لاتدرکه الابصار و هو يدرک الابصار اذ لو کانت المشارکة في الصفات موجودة لادرکته الابصار و الحواس ضرورة ‌ان الادوات و الآلات تشير الي نظايرها و قال مولينا الصادق عليه السلام علي ما في الکافي و غيره في عدة اخبار ان الله سبحانه خلو من خلقه و خلقه خلو منه اذ لو جاز الاتصال و النسبة ما صح هذا الکلام و قال ايضاً عليه السلام کلما في المخلوق يمتنع في خالقه و قال مولينا الرضا عليه السلام کنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لما سواه و امثالها من الروايات لاتکاد تحصي و لاتستقصي و يشهد علي مضمونها العقل السليم کما اشرنا اليه و ضرورة الاسلام و المسلمين فاذن هو سبحانه و تعالي لايوصف بالدخول و الخروج و الممازجة و المبائنة و النسبة و الارتباط و الخفاء و الظهور في رتبة‌ذاته لان کل ذلک حدود خلقه و لايجري عليه ما هو اجراه.

و لماکان الاثر من حيث هو کذلک انما هو صفة فعل المؤثر و تلک الصفة هي الاسم الدال علي المؤثر و يتوجه بذلک الي الذات بحکم ان الذات غيبت الصفات صارت الآثار کلها صفات و اسماء دالات عليه ضرورة ان کل اثر يکون منشأ اشتقاق اسم للمؤثر الا تري القيام فانه يکون منشأ اشتقاق اسم القائم و القعود للقاعد و الکلام للمتکلم و الکتابة للکاتب و هکذا فاذن لايري في الآثار غير المؤثر کما لاتري في القائم و القاعد و المتکلم و الکاتب و غيرها مثلاً سوي زيد الظاهر بتلک الآثار المدعو بتلک الاسماء مع ان ذات زيد في مقامها و رتبتها ما نزلت في مقام الآثار و هي قائمة بمباديها و عللها و هي جهات تعلقات افعاله الظاهرة بتلک الشئونات و الاطوار فلو کانت ذات زيد مرتبطة بتلک الآثار

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 445 *»

و انفکاک الذات عن ذاتياتها ممتنع عند اولي الابصار و الانظار ما جاز ان تلتفت الي صرف الذات البحت مجردة عن تلک الشئون و الاطوار و الوجدان يکذبه و البرهان يبطله و صريح کلام اميرالمؤمنين عليه السلام في حديث کميل کشف سبحات الجلال من غير اشارة يزيفه فانا بالضرورة نلتفت الي حقيقة الشيء مجردة عن کل اعتبار سوي ذاته بل لايعرف صرف الذات الا بقطع هذا الالتفات مع انا نشاهد بالعيان ان تلک نسب تتجدد عند الآثار و الافعال.

فان قلت: ان هذه النسب و الاضافات التي هي منشأ تعدد الاسماء و الصفات انما هي في رتبة الآثار و الذات البحت خلو منها و انما تدل عليها في مقامها دلالة رسم بحکم ان الذات غيبت الصفات ثبت المطلوب و تم المراد و ان قلت ان عند حدوث تلک الآثار تظهر اسماء للذات من حيث تعلقها باحداث ذلک الشأن و الاثر کالقائم فانه اسم للذات المتصفة بالقيام

قلت اذن تغيرت الذات بآثارها و افعالها فکانت منفعلة لافعالها و هذا شيء لايتفوه به انسان و ذلک معلوم بالعيان فاذن ثبت ما قلنا من ان الآثار کلها اسماء افعال و صفات آثار لاتدل الا علي موصوفاتها و مسمياتها ولکن الفعل عند الذات باطل مضمحل فلايصح الالتفات اليه و ينصرف الذهن الي الذات مع قطع النظر عن الفعل و ساير النسب و الاضافات و ان کان هذا التوجه في مقامه کما ان نظره الي الفعل في مقامه لا في مقام الفعل اذ الشيء لايتجاوز ذاته و حقيقة مبدئه فاذن هو اي الاثر خلو من الذات و ان کان لايري سواها و لايجد غيرها کما في الدعاء لايسمع فيه صوت غير صوتک و لايري فيه نور غير نورک و قال مولينا الحسين عليه السلام أيکون لغيرک من الظهور ما ليس لک حتي يکون هو المظهر لک متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليک و متي بعدت حتي تکون الآثار هي التي توصل اليک عميت عين لاتراک و لاتزال عليها رقيباً و خسرت صفقة عبد لم‌تجعل له من حبک نصيباً تعرفت الي في کل شيء الدعاء و هذا الظهور في الآثار ليس هو الظهور الذاتي فيها لان الذات اذا ظهرت بذاتها انعدمت الآثار بحذافيرها في جميع رتب ظهورها مع ان ظهور الذات بذاته لذاته في الآثار غير

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 446 *»

معقول لان الاثر اذا کان في رتبة الذات لم‌يکن اثراً و اذا کانت الذات في رتبة الاثر لم‌يکن ذاتاً بل معني ظهور الذات في الاثر اضمحلال الاثر و فنائه و افتقاره الي غيره فنظره دائماً الي غيره الذي به تقومه و تأصله و تحصله و ذلک الغير هو اظهر له عن نفسه عند نفسه اذ يجب ان ينظر اليه لسد فقره و خلته فهو في نفسه دائماً مضمحل باطل و مبدءه دائماً ثابت متحقق موجود و ليس معني ظهور الذات انها هي في الاثر فان ذلک مع استلزامه لانحاء المفاسد و القبايح غير معقول و لا متصور کما ذکرنا آنفاً فتبصر.

فصح بحمد الله معني قولهم عليهم السلام ان الله خلو من خلقه و خلقه خلو منه و معني قولهم أيکون لغيرک من الظهور ما ليس لک الدعاء انظر الآن في المرآة‌ هل تجد ذاتک فيها و هل تجد غيرک فيها من حيث انها مرآة لک فان قلت اجد ذاتي فيها کذبتک الضرورة فانک انت انت علي ما انت عليه قبل مواجهتک للمرآة و بعدها و لاتجزءت و لاتغيرت عن کينونتک و لاخرجت عن مقامک و لافقدت نفسک عما کنت عليه و ذلک معلوم و ان قلت اجد غيري فيها فکذلک کذبتک الضرورة و الا لماصح ان تستدل بها عليک مع انک عند النظر اليها تراها تحکي عنک فلاتري غيرک فيها ابداً کما لاتجد نفسک و ذاتک فيها ابداً فانت خلو منها و هي خلو منک مع انها اسمک و رسمک في مقامها و ذاتها و قد شرحت هذه المسئلة باکمل شرح و اوضح بيان باقامة الدليل و البرهان في شرحنا علي حديث عمران الصابي فليراجع هنالک.

و لماکان الامر کذلک ارادوا عليهم السلام ان ينبهوا الي هذه الدقيقة و البيان فعبروا عنه بعبارات مختلفة متفاوتة قريبة الي الافهام علي حسب مقتضي المقام فتارة عبروا عن هذا المعني ببيونة الصفة کما في قول اميرالمؤمنين عليه السلام ما معناه توحيده تمييزه عن غيره و حکم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة و غير ذلک مما يقرب مضمون هذه العبارة و معني هذا الکلام ان المغايرة بين الواجب و الممکن اي الخالق و المخلوق ليست کمغايرة الذوات المتبائنة کالمغايرة بين الافراد المنشعبة عن حقيقة واحدة او بين الحصص المحدودة

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 447 *»

بالحدود المتخالفة الناشئة من شيء واحد او کالمتضادين و المتناقضين او غير ذلک من انحاء التباين اي مطلق المغايرة‌ التي لايذکر احد المتغايرين عند الآخر برسمه و اسمه و صفته فان ذلک يستلزم الغفلة و ما کنا عن الخلق غافلين و يوجب النوم و السنة لاتأخذه سنة و لا نوم و ينافي الاحاطة و القيومية الله لا اله الا هو الحي القيوم بل المغايرة بينهما واقعة ولکنها مغايرة الصفة الفعلية لموصوفها اي المقصود بالوصف و ذلک حکم الآثار بالنسبة الي مؤثراتها الا تري ان القيام اثر يشتق منه القائم و هو صفة دالة علي الذات بالضرورة بحکم الاضمحلال و دلالة الرسم لا دلالة التکشف و کذا الکلام و الکتابة و الخياطة و الصناعة و غيرها من آثار الافعال فانها کلها آثار معدومة باطلة عند الذات في مقام ذاتها ولکنها صفات دالة عليها في مقام الافعال بل القيام و القعود و الحرکة و السکون لاتدل الا علي القائم و القاعد و المتحرک و الساکن و هي صفات دالة علي موصوفاتها و هي الذات الظاهرة بتلک الافعال علي المعني الذي قدمنا سابقاً فصح لک القول بالبيونة لان ذات الاثر معدومة فانية ممتنعة عند ذات المؤثر و الا لم‌يکن الاثر اثراً بل کان مؤثراً او لم‌يکن المؤثر مؤثراً بل کان اثراً لان المتحدين في الرتبة مشترکان في الاقتضاءات الذاتية و ان منع بعضها مانع عن الظهور فافهم و صح لک القول ايضاً بنفيها فان الاثر اسم و صفة للمؤثر و هما دالان عليه و مباين الشيء لايدل عليه من حيث التباين.

و لماکانت الصفة من حيث هي هي غير الموصوف کماقال اميرالمؤمنين عليه السلام لشهادة کل صفة علي انها غير الموصوف و ان الصفة لاتحقق لها و لا تذوت و لا استقلال بوجه الا بالموصوف کالشبح المرئي في المرآة اذ لا شيئية لها الا بالتفات القابل و مواجهته و ان هذه الصفة تدل علي الذات دلالة رسم بسر الافتقار و لا دلالة لها عليها دلالة تکشف و ان القائمة (القائم ظ) مثلاً لايدل ابداً الا علي الظاهر بالقيام و لايدل ابداً علي الظاهر بالقعود و بالکلام و بغيرها من الظهورات الفعلية و لا علي الصفات الذاتية من ذکورية‌ الذات و انوثيتها و طولها و قصرها و سوادها و بياضها و سعادتها و شقاوتها و بلادتها و ذکاوتها و غيرها من حالاتها العرضية و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 448 *»

الذاتية فکانت هذه الصفات صفة استدلال عليه لا صفة تکشف له کماقال اميرالمؤمنين عليه السلام و روحي فداءه فلاجل هذه الامور التي ذکرنا و التي لم‌نذکر اتي عليه السلام بهذه العبارة اي بينونة الصفة فانها لعمري عبارة جامعة لجميع احکام الاثر بالنسبة الي المؤثر علي اکمل شرح و اوضح بيان کما اشرنا الي بعض منها و لايسعني الآن ذکر تفاصيل المقامات و هذه الکلمة من جوامع الکلم اتوا بها تنبيهاً للشيعة المخلصين و العلماء الموحدين و اکمالاً للنعمة علي المؤمنين و اتماماً للحجة علي الجاحدين و ما ذکرنا هو المستفاد من العقل و النقل و الضرورة.

و اما ما ذکر اولئک من توجيهات باردة و تکلفات فاسدة و تمحلات کاسدة فلاينبغي الاصغاء بها و الاعتناء اليها لانها عيون کدرة‌يفرغ بعضها في بعض و لولا ما انا فيه من تهجم الامراض و تراکم الاعراض لنقلت کلامهم و ذيلته بما يرضي الله و رسوله و الحکم لله و کذلک عبروا ايضاً عليهم السلام عن هذه الدقيقة المذکورة بالدخول و الخروج و اثباتهما و نفيهما و قد مثل مولينا الرضا عليه السلام لهذا المعني بالمرآة و المقابل فقال عليه السلام لعمران انت في المرآة ام المرآة فيک قال کل ذلک لم‌يکن و حاصل الکلام انه لاشک و لاريب انک لست في المرآة و لا المرآة فيک مع انک تستدل عليک بها فلو کنت خارجاً عنها کيف تدل عليک فان مباين الشيء لايدل عليه و ان کنت داخلاً کانت المرآة ذاتاً لا شبحاً و الضرورة تقضي ببطلانه فانت داخل في المرآة بظهورک و تجليک باثر فعلک فالداخل هو الظهور و التجلي لا الذات لکنهما لما کانا غير ملتفت اليهما مع الذات تذهل المدارک عنهما و تتوجه و تنصرف الي الذات و ان کان في المرآة و لذا لو کانت المرآة حمراء تحکم علي الذات بانها احمر مع ان الامر ليس کذلک و هذا الدخول ليس بامتزاج کما هو سبيل المتداخلين في عالم الامکان من حيث هو لا من حيث الدلالة فانها ح صفة استدلال کما ذکرنا فان المتداخلين لابد فيهما من الاقتران و الاتصال و الاتحاد و هي المعبر عنه بالامتزاج.

و اما في هذا المقام فالداخل ليس هو الذات بذاتها

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 449 *»

حتي يلزم ذلک و انما الداخل ظهور الذات و لکن الملتفت اليه ليس هو الظهور بل الذات فکأنها داخلة و خارجة، داخلة من حيث انها خارجة و خارجة من حيث انها داخلة و هذا معني قوله عليه السلام لنا مع الله حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو الا انه هو هو و نحن نحن اي حال کوننا نحن هو و هو نحن هو هو و نحن نحن فهو داخل من حيث کونه خارجاً فنحن هو من حيث الظهور لا من حيث الذات فان الاثر حقيقته ظهور المؤثر و لا ظهور له في مقام الاثر الا نفسه و لماکان الظهور بالضرورة غير الذات و لايکون الظهور ظهوراً الا بعدم الالتفات الي غير الذات بل بقصر النظر اليها فهو من حيث النظر الي الذات ظهور فيکون خارجاً و من حيث عدم النظر الي السوي ذات في مقامه مع قطع النظر عن مقامه فيکون داخلاً و من حيث الالتفات الي صرف الذات و الحقيقة بالنظر و الوجدان يکون منزهاً عن الدخول و الخروج.

فلک ان تقول ليس بداخل و لا خارج لانهما جهة من الجهات الخلقية فيجب التنزيه عنهما.

و لک ان تقول داخل خارج في حال واحدة و ان لم‌يشعر الناظر بالدخول و الخروج ولکن العبارة اخبار عن متن الواقع کما في حدود النية علي قول من يري انها ليست اخطاراً بالبال و لک ان تقول داخل لا کدخول شيء في شيء فان المتداخلين بينهما اقتران و اتصال و ليس هنا کذلک بل هنا التفات الي الظهور مجرداً عن اعتبار سوي الذات فاين الغير حتي يتصور الاقتران او الظرفية او غيرهما من النقايص و خارج لا کخروج شيء عن شيء فان الشيئين اذا خرج اعتبار کل منهما عن الآخر تبايناً و لم‌يدل احدهما علي الآخر يقيناً و هنا ليس کذلک لان الاثر مع کونه خلواً من الذات کالذات منه کما في الحديث المتقدم ان الله خلو من خلقه و خلقه خلو منه و مع هذا کله لايري في الاثر ظهور سوي ظهور المؤثر حتي کان المؤثر اظهر من الاثر کماقال اميرالمؤمنين عليه السلام مارأيت شيئاً الا و رأيت الله قبله و ذلک لايمکن في المخلوق من حيث نفسه ابداً لا من حيث کونه کتاب استدلال عليه بحروف الذوات و الصفات فافهم.

و لک ان تقول داخل لا بالممازجة و خارج لا بالمزايلة کما ذکرنا حرفاً بحرف فاذا رجعنا

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 450 *»

ضمير المشتق الي الظهور کما هو الاصل في کل المشتقات فالامر هين فان الدخول و الامتزاج و الخروج و المزايلة احکام في مفهومها الاقتران بالغير و ليس ثمة غير لان ذلک الظهور لايتأتي الا بکشف السبحات و ازالة الانيات و سلب الاعتبارات و نفي الاشارات کما في کلام اميرالمؤمنين عليه السلام کشف سبحات الجلال من غير اشارة و محو الموهوم و صحو المعلوم الحديث فالسالک الساير حيث ما يسير و اينما يسير و يتوجه و لو سار الي ما لا نهاية له لم‌تقصر المسافة بينه و بين الذات سبحانه و تعالي نعم حظه الظهور و منتهي سيره ادارک النور و سلب الغيور في حد الغيور کماقال الشاعر:

منتهي الحظ ما تزود منه الـ

ـلحظ و المدرکون ذاک قليل

و علي ما ذکرنا لک انفتح باب معرفة قوله عليه السلام في دعاء رجب لا فرق بينک و بينها الا انهم عبادک و خلقک فتقها و رقتها بيدک و بدؤها منک و عودها اليک الي ان قال عليه السلام فبهم ملأت سماءک و ارضک حتي ظهر الا اله الا انت و کذا قوله عليه السلام علي ما في مصباح الشريعة العبودية جوهرة کنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق الحديث و الحديث المشهور الجمع بلا تفرقة زندقة و التفرقة بلا جمع تعطيل و الجمع بينهما توحيد و قد شرحت کلاً من هذه الاحاديث في اجوبة المسائل شرحاً وافياً و اوردت فيه کلاماً شافياً و اکتفينا هنا بالاشارة الي محل السؤال و ماسويه کله علي ذلک المنوال و علي ما فصلنا و شرحنا بطل استناد اصحاب وحدة الوجود و غيرهم من المموهين بهذه الاحاديث الشريفة فانها و لعمري بالدلالة علي خلاف مطلوبهم اقرب و اقرب منها بالدلالة علي مطلوبهم و قد ذکرنا في ساير رسائلنا و اجوبتنا في بطلان کلامهم ما يشفي العليل و يبرد الغليل خصوصاً في اللوامع الحسينية و علم الله لولا ما انا فيه من ضعف الحال و توزع البال لاطلقت عنان القلم في هذا الميدان ولکني لفي واسع العذر و قد ذکرت ما يتعلق بظاهر هذه الاحاديث الشريفة و وراءه کلام في انحاء الباطن و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 451 *»

باطن الباطن و ساير الوجوه و غرايب الامور فان کتمانها في الصدور خير من ابرازها في السطور لاسيما في هذا الزمان الذي قد مد الجور باعه و اسفر الظلم قناعه و دعي الغي اتباعه فلبوه و اجابوه و اسرعوا اليه من کل فج عميق و المستعان بالله و لاقوة الا به و السلام.

قال سلمه الله تعالي: و الثانية ما المراد من القربة التي تشترط في صحة العبادات و ما کيفية القرب و ما معني الوصول الي الحق و الفناء فيه و البقاء به و نتمني في هذا المقام علي الخصوص کمال البسط و الايضاح و ان تفصحوا عن حقيقة الامر حق الافصاح.

اقول: اعلم اولاً: ان العبد له ظاهر و باطن و لباطنه بواطن هي ظواهر و باطن اضافيات حتي تنتهي الي النقطة التي هي سر الهوية و غيب الحقيقة و ذاته المعبر عنه بأنا التي بها قوامه و تحصله و تأصله و تلک هي حاملة لظهور المبدء الحق و ناظرة اليه تعالي بالنظر المطلق في مقام الاسم و مرتبة الرسم کما ذکرنا في المسألة الاولي.

و ثانيا: ان الخلق بحسب الاسباب و العلل و الحکم و المصالح التي يطول بذکرها الکلام علي قسمين في مقام النزول و هما محفوظان بمرتبتهما في مقام الصعود ايضاً لايلحق احدهما الآخر و النسبة محفوظة دائماً و ان حصل الترقي لهما ابد الآبدين و دهر الداهرين احدهما ما تميزت مشاعره و مدارکه و ظهرت آثار تلک النقطة‌ الذاتية فيها بحيث اذا اراد النظر بتلک النقطة يتمکن من ذلک و لو في وقت ما و حال ما و امر ما في حکم ما و لهم مراتب في ذلک بحسب قوة النظر بها و ضعفه و ظهوره و خفائه و استمراره و عدم استمراره و استمراره في جميع المطالب او في بعض دون بعض و اعلي مراتب هؤلاء الانبياء عليهم السلام و اوسطه الانسان من الرعية و آخره الملک و الجن کل ذلک في مقام القطبية و ثانيهما ما ليس کذلک سواء لم‌تتمايز مشاعره اصلاً

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 452 *»

کالجمادات و النباتات او تميزت مشاعره لکنها من غير ظهور ذلک الامر الغيبي و السر الذاتي الذي به التوحيد و التنزيه و التفريد و التجريد کالبهايم من الحيوانات و الحشرات.

و ثالثا: ان الشيء حقيقة هي نقطة الذات خاصة و ماسواها من المراتب الغيبية و الشهودية و الظاهرية و الباطنية کلها ادوات و آلات لها تستعملها في مطالبها و مقاصدها اذا ارادت النظر الي مقام من المقامات السفلية الا تري القلب فانه المالک المستقل في البدن فاذا اراد الابصار الحسي استعمل القوة الباصرة و اذا اراد الاستماع استعمل القوة السامعة و اذا اراد تصور الصور و الاشباح استعمل النفس و اذا اراد المعاني و الارواح استعمل العقل و هکذا فهو الاصل و الباقي اطواره في اوطاره و له حکم ذاتي في مقامه و حکم عرضي حصل له بالاضافة الي تلک الاطوار و لذا کان ينسب اليها دونه و لذا اذا مات الانسان بالموت الصوري تعطل البدن عن الادراک مع وجود تلک القوي و الآلات و ما ذلک الا لان المدرک المدبر المتصرف قد قطع نظره و اعتباره عنه و ذلک معلوم بالعيان و غني عن اقامة الدليل و البرهان.

فاذا عرفت ذلک فاعلم ان العبد المخلوق لايقوم الا بالاقبال الي مبدئه لسد فقره و فاقته في اطوار مطالبه و حاجته و هي تختلف بحسب المقامات و المشاعر و المدارک بحسب قوة الناظر و ضعفه في علو همته و دنائته فمن طالب للرسوم و من طالب للحقايق و العلوم و من طالب للسراب و طالب للکتاب و طالب لمن به البدء و اليه الاياب علي حسب الهمم بحسب المقام و ما اکتنفه من العوارض و الاحلام و لاشک و لاريب ان الجهات کلما قلت و الروابط کلما اضمحلت تقل الکثرات و تضمحل الارتباطات المتعارضة المتعاورة المتناقضة و لماکان الاثر و المخلوق لا ذکر في ذاته و حقيقته الا المؤثر الخالق و لذا لايدل الا عليه کما فصلنا في المسألة الاولي و ان الاثر لايقوم و لايسد خلته الا بذلک النظر و لايمنعه عن التمحض في ذلک النظر الا کثرة الجهات و الحدود و الروابط الغيرية الخلقية و قد ثبت بالبرهان و العيان کما اشرنا اليه سابقاً ان ذات

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 453 *»

الشيء من حيث هي مجردة و منزهة عن جميع الحدود و الکيفيات و الرسوم و ليس فيها الا جهة الحدوث و الافتقار و لا فيها شيء‌ من مقتضيات الاغيار المستلزمة للاکدار فهي لاتطلب و لاتريد شيئاً سوي الله سبحانه و سوي قربه و الاتصال به لمکان فقرها و استمدادها و عدم الجهات المستدعية لما سوي الحق سبحانه فوجد المقتضي الذي هو الحدوث المقتضي بطلب المحدث الموجد و النظر و الالتفات اليه و ارتفع المانع الذي هو الحدود المقتضية لکثرة الجهات و الاعتبارات الحاجبة عن النظر الي الله سبحانه کما في الدعاء و انت لاتحتجب عن خلقک الا ان تحجبهم الآمال دونک.

 فذات الشيء من حيث هي لاتجد و لاتري و لاتشاهد غيره تعالي و لاتطلب سويه کماقال سيد الساجدين عليه السلام انت لا غيرک مرادي و لک لا لسواک سهري و سهادي و لقاؤک قرة عيني و وصلک مني نفسي و في مناجاتک ولهي و الي رضاک صبابتي و عندک شفاؤ علتي و دواء غلتي و برد لوعتي يا نعيمي و جنتي يا دنياي و آخرتي و الحقيقة المستدعية لهذا المعني هي حقيقة کل شيء‌ و ذاته و هي الاصل في الشيء و ما سواها اطوارها و شئوناتها و تنقلاتها و قد ذکرنا ان هذه المرتبة و المشعر و الناظر بهذا النظر قد تتميز عن بعض الحيوانات کالانسان و الملک و الجن و قد لاتتميز کما في البهائم و الحشرات و النبات و الجماد و قد ذکرنا ان الشيء حقيقة هي تلک فاذا تميزت بمشاعرها و ادراکها الخاص بها جري الحکم علي الشيء علي مقتضاها و کينونتها و من هذه الجهة کلف الانسان بالتوحيد و رفع الانداد و رفع الاضداد و نفي القرانات و الحدود و الجهات و الاعتبارات بحيث اذا لم‌يعتقد بشيء من ذلک خرج عن حد الاسلام الي حد الکفر و استحق العذاب الاليم و الخلود في الجحيم و اما البهايم فلم‌تکلف بشيء من هذه الحدود التي هي نفي الحدود لعدم ظهور تلک المرتبة فيها لعدم نضجها و اعتدالها و قوة حرارتها بالنسبة الي الانسان.

و لماکانت العبادات هي جهات اقبال العبد الي الله تعالي لسد حاجتها و فقرها فحاجة کل مقام کما ذکرنا يختلف بحسب الجهات و الکثرات و قلتها و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 454 *»

کثرتها و قلة الالتفات اليها و کثرته و لما ان حقيقة الذات لاتطلب سوي القرب و الوصال و الاتصال و المشاهدة و المعاينة کلف الانسان في العبادة بالقربة و جعلت فعل العالم العيني و السر المعنوي و کنوا بها عن النية و لذا قلنا انها القصد البسيط الداعي للفعل الحسي المساوق له و المقارن له لان اصلها في العالم الاول الالهي هي القربة المطلقة ثم تنزلت الي عالم الاجمال عالم العقل و ذکرت معها الخصوصية اي القربة الظاهرة في العالم التفصيلي بالوجه الخاص لکن علي وجه الاجمال کما هو مقتضي مقام عالم الجبروت فمن جعلها بمعني الاخطار بالبال فقد جعل العبادة منشأها من عالم النفس و قد اخطأ جداً فان النفس مقام نفي العبادة و العقل مقامها و هو العابد و لذا تري الصبي الغير البالغ مبلغ ادراک العقل و المجنون ليسا بمکلفين بالعبادة فافهم فان شرح هذه الکلمة يطول بها الکلام. فظهر لک ان القربة الي الله سبحانه هي العلة لتوجه الذات و الحقيقة التي سميناها الفؤاد و باب المراد و اول المداد و منشأ الاستعداد بل هي نفس عبادتها و اقبالها الي باريها و منشيها لقلة جهاتها و حدودها و کيفياتها و کمياتها بل لعدمها فلاتري سويه و لاتطلب غيره و کما ان تلک الحقيقة تنزلت باطوارها و اوطارها الي المراتب السفلية الي ان انتهت الي عالم البشرية الجسمية کذلک ذلک العمل الحقيقي الذي هو القربة المطلقة الي الله سبحانه يتنزل بمظاهرها و اطوارها و محالها و مواقعها الي الحدود و الاعمال الظاهرة مبدءها النية المقترنة و منتهاها ما يعمل بالجوارح الجسمية فهذه الاعمال مظاهر للقربة و المظهر بدون الظاهر باطل فانٍ مضمحل الا تري انک اذا نظرت الي المرآة لاتريها شيئاً الا بالتعلق بالتفات جهة المقابل و ظاهريتها فيها في نظر التفصيل و الاختلاف و اما في نظر الوحدة و الجمع و الايتلاف فلايري غير المقابل و يذهل عن المرآة و اما اذا نظرت الي الصورة من دون المقابل فهو نظر باطل و التفات مجتث و القربة في الاعمال کالظاهر في المظاهر فلاتقوم المظاهر الا به و لايظهر الا بها فقوام العبادات بها قيام رکن و عضد و تحقق اشبه الاشياء بالقيام الصدوري فلاتصح عبادة بدونها کلا بل و لاتقع و لاتکون فهي

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 455 *»

العمل و هي روح العمل من قوله تعالي خطاباً لآدم عليه السلام يا آدم روحک من روحي و طبيعتک خلاف کينونتي رواه في الکافي يا آدم بروحي نطقت و بضعف کينونتک تکلفت ما ليس لک به علم و هي علة‌ العمل و هي مادة العمل و هي غاية العمل و لقد کشفت لک عن سر مقنع و رمز معمي لو عرفته لعرفت جميع المسائل المتعلقة بالنية و اتضح لک الحق الصريح فيما خالف فيه فقهائنا الاعلام اسکنهم الله دار السلام و عرفت سر الوجود و مبدء اختلاف جهات العبادات و منتهاها و اصلها و فرعها و لايسعني الآن شرح هذا الکلام لما انا فيه من توزع البال و اغتشاش الاحوال و عروض الامراض المانعة عن استقامة الحال و الله المستعان في کل الاحوال.

و اما القرب فليس قرب مکان لتعاليه تعالي عن التحيز و عن ان تتوسط المسافة بينه و بين غيره و لاقرب وصل و اتصال لتعاليه تعالي عن الاقتران الملزوم للاتصال و ان تکون له حالتان حالة قبل الاتصال و حالة بعده فان متغير الحالات حادث و هو سبحانه متساوي النسبة الي الجميع کماقال عزوجل الرحمن علي العرش استوي و ان کان متعالياً عن النسبة و الکيف و لاقرب عينية علي ما ذهب اليه ابن الاعرابي و اضرابه و اشباهه و اتباعه من ان الله تعالي هو الاشياء کماقال سبحان من اظهر الاشياء و هو عينها و ذلک بفناء العبد و بقاء الرب علي ما زعموا من ان الوجود الذي هو ذات الحق سبحانه و تعالي تنزل بالحدود کالبحر المتنزل بالامواج و کالماء المتنزل بالثلج و کالمداد المتنزل بالحروف و الکتابة کماقال شاعرهم:

البحر بحر علي ما کان في القدم

ان الحوادث امواج و انهار

لاتحجبنک اشکال تشکّلها

عمن تشکّل فيها و هي استار

و قالوا ايضاً:

و ما الخلق في التمثال الا کثلجة

و انت لها الماء الذي هو نابع

ولکن بذوب الثلج يرفع حکمه

و يوضع حکم الماء و الامر واقع

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 456 *»

و امثال ما ذکرنا من اشعارهم و کلماتهم کثيرة و هذا القول في البطلان بمکان فان تلک الحدود العارضة التي بها امتازت الکائنات و الممکنات و تحققت ان نظرت الي حقيقة الوجود مع تلک الحدود کما هو المصرح به في کلماتهم لاتخلو اما ان تعرض لذاته تعالي ام لا فان کان الاول فهل هي حادثة او قديمة فان کان الاول کانت ذاته تعالي محلاً للحوادث و قد اجمع العقلاء کافة علي تنزه القديم سبحانه عنه لاستلزام انفعال القديم عن الحادث و ذلک ممتنع قطعاً و ان کان الثاني تعددت القدماء و استلزم الاقتران الذي يشهد علي الحدوث و استلزم النسبة‌ الشاهدة علي الترکيب ضرورة لزوم مناسبة المقترنين و الا جاز اقتران کل شيء بکل شيء و الضرورة تبطله و استلزم الکثرة المنافية للتوحيد لان النسب کلها امور وجودية متحققة هي علة الاتصال و الانفصال کما برهنا عليه في ساير رسائلنا و مباحثاتنا و استلزم انفعال کل من الحال و المحل عن الآخر فان المحل لو لم‌ينفعل عن الحال ما صح تمکن الحال و استقراره فيه و لذا قالوا ان المادة انثي لکونها محلاً للصورة و منفعلة عنها و هذا لايشکون فيه و اما انفعال الحال عن المحل فلما صح عندنا من انفعال الطرفين لقوله تعالي يغشي الليل النهار مع ان النهار طبع المذکر.

و بالجملة فليس الآن مقصودنا البحث عن خصوص هذه المسألة بل المقصود لزوم الانفعال فان کان من الطرفين کما هو الحق بطل قدم الجميع فان المنفعل لايکون الا حادثاً و ان کان من جهة المحل و المفروض ان محل العوارض هو ذات الله عزوجل فظهر الحق و بطل ما کانوا يعملون فما هذا شأنه ليس بقديم و لا برب و يلزم ايضاً ان لايکون الحق سبحانه کاملاً مطلقاً فان الکمال المطلق هو الوحدة التي لاتعرضها شيء من الکثرة و لو بالعرض لان ذلک ابلغ في الوحدة بالضرورة و يلزم ايضاً ان يکون له حالتان حالة الاطلاق و حالة التقييد و يلزم ايضاً ان يکون معطلاً عن الافاضة و التأثير لان الاثر لا شک انه ليس جزء ذات لمؤثره و لا عرضاً حالا به و انما هو شيء يحدثه المؤثر في رتبة التأثير و الايجاد و الفعل و الاحداث و اين ذلک من ذات المؤثر و القول بان

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 457 *»

التأثير لايقع الا کما قالوا اثبات عجز للمؤثر و نقص في قدرته الکاملة و مشيته النافذة العامة و قصور في الوحدة المطلقة الحقيقية و قبايح هذا المذهب اکثر من ان يحصي و اعلي من ان يستقصي الا ان القوم تاهوا و هوت بهم الريح في کل واد سحيق لعمرک انهم لفي سکرتهم يعمهون بل الحق ان الله سبحانه ليس مختلف النسبة و متعدد الجهات حتي يقال انه تعالي قريب بعيد بجهتين مختلفتين بل لا نسبة هناک بوجه ابداً فلايوصف الحق سبحانه و تعالي بالقرب و البعد و امتناع الاشياء و عدم مذکوريتها في ذات الحق عزوجل ينفي القرب و البعد لا نهما من مقبولة الاضافة فان اعتبرتهما بالنسبة الي ذاته عزوجل ما يصح فانها علي حالة واحدة بجهة واحدة فلايصح المضاف و لا المضاف اليه و ان اعتبرتهما بالنسبة الي غير الذات من اطوار الخلق فاين الغير و اين ذکره في الذات فالذات منقطع الاشارات لان الادوات انما تحد انفسها و الآلات انما تشير الي نظايرها فاذن لا کلام في الذات لا بنفي و لا باثبات اذا بلغ الکلام الي الله فامسکوا، و ان الي ربک المنتهي.

و انما المراد بالقرب قرب المظهر من حيث هو مظهر بالظاهر في ظهوره بآثار افعاله و اشعة انواره و قد ذکرنا في المسألة الاولي ان حقيقة العبد و الخلق و الاثر ليست الا ظهور فعل المؤثر و لماکان ظهور الفعل اثر له و الاثر عند المؤثر مضمحل باطل لايلتفت اليه کان ظهور الفعل الذي هو ذاتک و حقيقتک بالنسبة الي الفعل کذلک و لما کان الفعل جهة من الجهات الظهورية الامکانية کانت نسبته الي الذات کذلک و لذا قالوا ان الذات غيبت الصفات فاذن لايري في الاثر الا المؤثر علي المعني الذي ذکرت فلايري فيه الا الظهور و هو حقيقة الاثر و هي جهة کون الاثر اسماً للمؤثر فلايري في هذه الجهة غير المؤثر و لايتوجه الا اليه ابداً و له ايضاً جهة اخري و هي جهة الانية و الحدود المانعة عن مشاهدة المؤثر و تلک هي جهة الاحتجاب و الامتناع عن المؤثر فمادام العبد ناظراً بتلک الجهة العليا وهي وجه و قطب استمداده من المبدء فهو قريب و مادام کونه ناظراً الي الجهة السفلي فهو بعيد فالاثر المخلوق هو العين و الحجاب

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 458 *»

و هو قول مولينا اميرالمؤمنين عليه السلام لاتحيط به الاوهام بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاکمها و قول مولانا الکاظم عليه السلام ليس بينه و بين خلقه حجاب غير خلقه احتجب بغير حجاب محجوب و استتر بغير ستر مستور فقربک التفاتک الي تلک الجهة و تمحض نظرک فيها حتي لاتري شيئاً سو اه تعالي و لاتنظر الي غيره ابداً فاذا امتد بک النظر و الالتفات الي ان نسيت نفسک و غيرک بالکلية وما التفتت اليها و ما التفتت الي انک ما التفتت فهناک تم لک القرب و حصل لک درجة الوصول و انت لاتزال تترقي في هذا النظر و تصعد في هذه المعاينة برفع حجاب الغيرية في الدنيا و الآخرة و اطوار الجنة في الرضوان الي ما لا نهاية له ابد الابد و دهر السرمد فانت في مقامک و لاتصل الي الذات البحت ابداً بل التصل باعلي مراتبک في اعلي مراقيک فيما لا نهاية له الي ادني درجة و انقص مرتبة ينالها الانبياء عليهم السلام و هکذا محفوظ النسبة الي ان تنتهي الي الحقيقة المحمدية صلي الله عليه و اله وهي متحيرة في ذاتها ممتنعة عن درجة الوصول قائلة اللهم زدني فيک تحيراً بعد الامر بالاستزادة في قوله تعالي قل رب زدني علماً و اليه الاشارة في قوله تعالي في الحديث القدسي حديث الاسرار کلما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية و هذه الانظار کلها في مقام قول اميرالمؤمنين عليه السلام رجع من الوصف الي الوصف و دام الملک في الملک و عمي القلب عن الفهم و الفهم عن الادراک و الادراک عن الاستنباط و هجم له الفحص الي العجز و البلاغ علي الفقد و الجهد علي اليأس الطريق مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته الخطبة.

و اما کيفية القرب فاعلم انه لماکان عبارة عن النظر الي الظهور ذاهلاً عن الظهور و الظاهر من حيث هو الظاهر بالظهور و عن النسب الحاصلة و القرانات الواصلة حتي يتمحض له النظر الي الوحدة الحقيقية علي حسب مقامه و مرتبته کان ذلک النظر مجرداً عن جميع النسب و الحدود القلبية و العقلية و الرقايقية الروحية و الصورية النفسية و الابهامية الطبيعية و الذکرية المادية و الشبحية

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 459 *»

المثالية و التفصيلية الجسمية فلايحصل ذلک النظر المعبر عنه بالقرب الا بسلب الالتفات عن جميع المدرکات الغيبية و الشهودية و الظاهرية و الباطنية و الحقيقية و المجازية و الاجمالية و التفصيلية و ساير الحالات الکلية و الجزئية و الذاتية و الاضافية فاذن انتفت الحدود و الکيفية و الکمية و النسب و الاوضاع و کلما فيه جهة الغيرية و المخالفة و الکثرة و الاثنينية فذلک مقام لا کيف هناک و لا نسبة فامتنع السؤال عن الکيف فکيفية القرب ان لا کيف کما قال مولانا الصادق عليه السلام في تفسير العبد انه ثلثة احرف فالعين علمه بالله و الباء بونه عن الخلق و الدال دنوه من الخالق بلا کيف و لا اشارة هـ .

فاذا انقطعت الاشارة و الکيف فکان لا کيف کيف و ان الکيف حدود الخلق و احواله و العبد ح ناظر الي الرب و صفاته و لذا قال اميرالمؤمنين عليه السلام في حديث کميل کشف سبحات الجلال من غير اشارة‌ و السبحة هي النور و نور الشيء آثاره و اطواره و احواله و حجبه المانعة عن مشاهدة ذاته من حيث انها مظهر توحيد الله و امره و نهيه فقال عليه السلام تلک الحقيقة و الذات لاتظهر حتي لاتري الا الله وحده الا بعد ان تکشف جميع سبحات الجلال اي انواره و آثاره و اطواره و اوطاره و تنظر الي صرف الجلال الذي هو قدر سم الابرة من نور العظمة وحده من غير اشارة الي ظهورات اطواره التفصيلية و من غير اشارة الي الکشف و من غير اشارة الي قطع الاشارة و معني ذلک ان تنسي کلما سوي الله سبحانه من نفسک و من غيرک و ذلک هو القرب الذي هو عين البعد فالقرب قرب لا نهاية له في عين البعد کذلک فلاقرب و لابعد لانهما ايضاً من السبحات التي لابد من کشفها و ازالتها و قطع الاشارة عنها الا ان ما ذکرنا حکم الواقع و هذا غاية مقام العبد فلا مقام له اعلي من ذلک و لايزال يترقي من نوع هذا المقام الي ما لا نهاية له و لايحصل له القرب الذاتي ابداً فان ذلک محال و ليس في محال القول حجة و لا في المسألة عنه جواب و لا في معناه لله تعظيم.

و اما معني الوصول الي الحق سبحانه فهو خرق الحجب الثمانية التي هي منازل نفسه و مقامات ذاته فلابد من قطعها اذا اراد السير الي جهة مبدئه فهو

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 460 *»

يقطع هذه المنازل و يسير في هذه المراحل بالسير المستوي لا بالخط المستقيم وان حاز ذلک بوجه من الوجوه الي ان يصل الي الحجاب الثامن و هو حجاب الفؤاد و باب المراد واول المداد فينظر الي ما وراءه بنظر السر و الحقيقة فيقع نظره علي نقطة بسيطة غير منقسمة فيمتد النظر و يتقوي حتي يري قطاعاً اصغر فيکبر شيئاً فشيئاً في النظر حتي تتم کرة تامة متحرکة الي محورها الي ان يري الکرة نفسه و هي نفس المحور و هو نفس القطب يدور في مرکزه علي نفسه الي مبدئه في مقام ذاته بحرکة هي ذات القطب الذي هو ذات المحور الذي هو ذات الکرة التي هي ذات الدائرة التي هي ذات القوس التي هي ذات الاثر و حقيقته فاتصل الاول بالآخر و الظاهر بالباطن و هو قول الشاعر:

قد طاشت النقطة في الدائرة

و لم‌تزل في ذاتها حائرة

محجوبة الادراک عنها بها

منها لها جارحة ناظرة

سمت علي الاسماء حتي لقد

فوضت الدنيا مع الآخرة.

فافهم و في الحديث ان نبياً من الانبياء سأل ربه قال يا رب کيف الوصول اليک قال تعالي الق نفسک و تعال اليّ هـ و قد ذکرنا ان ليس بينک و بين ربک حجاب غير ذاتک و نفسک فاذا رفعت حجاب ذاتک في وجدانک بان نسيتها و ما ذکرتها فتجد ربک قد دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها و هو معني قول البهائي: گفت نصف الليل لکن في المنام و قد نظم بعض شعراء العجم معني ما ذکرناه من اوله الي آخره في بيت واحد فاعرفه و اتقنه و أََََََبن عليه امرک و هو قوله:

ز بس بستم خيال تو تو گشتم پاي تا سر من

تو آمد رفته رفته رفت من آهسته آهسته

و هو قوله تعالي کسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لم‌يجده شيئاً و وجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب و حقيقة ذات العبد المخلوق اذا

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 461 *»

نظرت الي تحققها و تأصلها و تذوتها و شيئيتها فهو اضعف من السراب فتفهم راشداً و اشرب صافياً.

و اما معني الفناء فيه فکما ذکرنا من قوله تعالي لذلک النبي عليه السلام الق نفسک فانه عند ظهور سلطان الوحدة و اشراقات انواره لاتبقي لظلمات کثرات الانيات قرار و لا ثبات فلابد ان ترتفع و لايصح النظر اليها بوجه فاذا لم‌ينظر العارف الي جميع ما يتعلق بنفسه و بميولاتها و شهواتها من العقلا نية و الروحانية و النفسانية و الطبعانية و الجسمانية فقد اماتها و افناها في ظهور مولاها و سيدها و هو قوله تعالي خطاباً لموسي علي نبينا و آله و عليه السلام و ما تلک بيمينک يا موسي قال هي عصاي اتوکؤا عليها و اهش بها علي غنمي و لي فيها مآرب اخري قال القها يا موسي و القاؤها قطع النظر عنها و التوجه الي حضرة ذي الجلال و الاکرام و هو التوبة الخالصة المورثة للمحبة کما في قوله تعالي ان الله يحب التوابين و قوله تعالي فتوبوا الي بارئکم فاقتلوا انفسکم ذلکم خير لکم عند بارئکم فالفناء في الله عبارة عن اضمحلال شئون العبد عند ظهور نور العظمة و الجلال و له مراتب ادناها فعل الطاعات و ترک المناهي و المحذورات و اعلاها ان ينسي نفسه بکل الجهات و لايري الا الواحد الاحد الحي القيوم داحي المدحوات و في هذه المرتبة العليا ايضاً درجات و مقامات و ما بينهما احکام المتوسطات و لايسعني الآن تفصيل هذه المقامات لما انا فيه من الکسل و الملل و الله المستعان و عليه التکلان.

و اما معني البقاء بالله فحقيقة البيان فيه مما لاينطق به فمي و لايجري به قلمي ولکنه لما کان لکل سؤال جواب فلابد من الاشارة اليه و ان کان بنوع من لحن الخطاب ليعرفه اهله من اولي الافئدة‌و اولي الالباب و مختصر البيان في قوله تعالي خطاباً لموسي قال القها يا موسي اي امتها و افنها و اعرض عنها و لاتلتفت اليها فانها حجابي و لاتصل الي الا برفعها و قتلها و افنائها فالقاها ممتثلاً لامر ربه و قطع النظر و الالتفات عنها و تمحض في النظر الي باريها و منشيها لا من حيث اضافة تعلق فعله بها فلما استدام في النظر الي ذلک المنظر تمت له

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 462 *»

المقابلة باشراق نور المعاينة في حدود الرسم و الاسم و ان کان بلا حد و لا رسم فاستنار بالنور و احاط به الظهور في جميع مراتبه و مقاماته في احواله و اطواره فتقوت تلک الجهات و استنارت تلک الظلمات و حيت تلک الاموات فنظر موسي عليه السلام الي نفسه فاذا هي حية تسعي فحيت بحياة الله تعالي و استنارت بنوره و استشرقت بظهوره فنظرت الي هذه الدنيا الضيقة و خرابها و فساد اهلها و الي سعة تلک العوالم فنفرت منها و اشتاقت الي موطنها و مسکنها و هو خلاف مقصود الحکيم سبحانه من تکميل الخلق و بعثه الي الناس بشيراً و نذيراً فامره تعالي بان يلتفت اليها و لايقطع النظر عنها لتقل نفرتها و تسکن زفرتها فقال عز من قائل خذها و لاتخف سنعيدها سيرتها الاولي لکنها محفوظة بعين العناية و مرعية بدوام الرعاية حتي لاتنسي معدنها و لاترضي بغربتها و تعود حية حيث ما اراد الله.

ثم لما القي موسي نفسه و طهرها بدوام النظر الي ربه و تفضل عليه الکريم بان القي فيه مثاله ليظهر منه افعاله فکان محلاً للاسم و منبعاً للرسم اراد سبحانه اظهار بعض آثار ذلک المثال في افعال موسي عليه السلام الجارية علي يديه اللتين هما کنايتان عن قدرته فقال عزوجل و اضمم يدک الي جناحک تخرج بيضاء من غير سوء آية اخري و هي اليد البيضاء الي القدرة الظاهرة بامر الله و بمشيته ما رميت اذ رميت ولکن الله رمي و هي آية اخري في مقام التفصيل و الا فهي تلک الآية بعينها و تلک الحيوة الحاصلة بعد إلقاء العصي هي البقاء بالله و هذه لها مراتب لاتتناهي ففي مقام لنا مع الله حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو الا انه هو هو و نحن نحن و في مقام فلم تقتلوهم و لکن الله قتلهم، و مارميت اذ رميت ولکن الله رمي و في مقام کنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و في مقام ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سکت عني ابتدأته و هکذا مقاماته لاتتناهي و درجاته لاتستقصي و منها بقاء اهل الجنة، فيها و ظهور آثار ذلک المثال في حقايقهم و ذواتهم و يلزمها بقاء النار و بقاء درکاتها و آلامها بحکم المعاکسة و المقابلة و الحاصل شرح هذا الکلام طويل و انا عليل و اعجب مني اهل هذا الزمان و اَنيّ

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 463 *»

لهم و تحمل بعض اسرار هذا البقاء و خواصه و لوازمه و مقتضياته ولکني قد اشرت الي حقيقة المراد و لوحت الي مقاماته و مراتبه والله خليفتي عليک و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم و الله المستعان.

قال سلمه الله تعالي: و الثالثة ما معني قوله تعالي لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون ظاهراً و باطناً تأويلاً و تفسيراً و غيرها و السلام.

اقول: اما ظاهر هذه الآية الشريفة فظاهر لا خفاء فيه و هو انکم لن‌تبلغوا حقيقة البر و هو کمال الخير او البر المعهود الذي هو برالله حتي تنقوا مما تحبون من المال او ما يعمه و غيره کبذل الجاه في معاونة الناس و البدن في طاعة الله و المهجة في سبيل الله و قرئ بعض ما تحبون و هو يدل علي ان من للتبعيض و يحتمل التبيين و هو قراءة اهل البيت عليهم السلام کما في الکافي باسناده عن يونس بن ظبيان عن ابي‌عبدالله عليه السلام لن تنالوا البر حتي تنفقوا ما تحبون قال عليه السلام هکذا فاقرءها و لاشک ان هذه القرائة انسق بالمقام و اولي بمدارك الافهام فان حقيقة البر و الخير الشاملة المنبسطة علي جميع افراده و جزئياته و اجزائه لن تنال بانفاق بعض المحبوب الا ان يتکلف في العبارة و هو بعيد عن سوق تعبير من لاتسعه العبارة فمن انفق المحبوب بکله و بذل حقيقة الحب نال حقيقة المطلوب و استأنس علي سرير القرب و يشير الي هذا المعني ما ورد في العوالي انه نقل عن الحسين عليه السلام و روحي فداءه انه کان يتصدق بالسکر فقيل له في ذلک فقال عليه السلام اني احبه و قد قال الله تعالي لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون و السکر هو الحلاوة و لها مراتب فافهم.

و اما تفسيرها فاعلم انه لا شيء احب الي الشيء من نفسه و ذلک معلوم بالوجدان غني عن اقامه الدليل و البرهان فاذا انفق نفسه و تصدق بها و اخرجها عن حيطة تصرفها و افناها عن شهواتها و ميولاتها فقد اتي بحقيقة الانفاق فينال ممن انفقها في سبيله کمال الاکرام لانه غاية الخضوع و نهاية الخشوع و السافل لاينال ما عند العالي الا بزيادة الخضوع و لا زيادة علي انفاق الذات فيجب علي

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 464 *»

العالي ان يملکه الکرامة الممکنة في مقامه و مرتبته فصح ان يقال ايضاً انه حقيقة البر قد ادرکها بهذا الانفاق و هذا هو المراد من الآية الشريفة بعد ما عرفت ما ذکرنا في مقدمات المسئلة الثانية من ان حقيقة الشيء هي ذاته و الخطابات کلها تجري عليها في ذاتها و في ظهوراتها في اطوار شئوناتها فاذا تنزلت تلک الحقيقة في المراتب السفلية تنزلت جهات المحبة و جهات المحبوبية فظهرت في البدن و المُهجة و المال و الجاه و غيرها فانت اذا اردت الامتثال بهذه الآية الشريفة اَفنِ ذاتک و تصدق بها و اذبحها في سبيل الله سبحانه و تعالي لتنال البر کل البر نعم البر من الجلوس علي بساط الانس و التشرف بشرف البقاء بالله و في الله و لله و في الحديث القدسي يا ابن آدم اطعني اجعلک مثلي اقول للشيء کن فيکون و انت تقول للشيء کن فيکون انا حي لا اموت اجعلک حياً لاتموت و قد روي ان المؤمن حي في الدارين.

و اما تأويلها فله وجوه اذکر هنا وجهاً واحداً طلباً للاختصار و صوناً عن الاغيار و تجنباً عن الاکدار اعلم انه سبحانه لايترک الخير و لايأمر الخلق بالخير و البر و هو يفعل و العياذ بالله بخلاف ذلک الا ان يکون بعض وجوه الخير مما يليق للممکن و لايليق له تعالي کامره تعالي بالعبادة و الطاعة فانهما لايجوزان عليه تعالي اذ هو وراء الوري بما لا نهاية له فاين المطاع و المعبود و اما فيما سوي ذلک مما ينبغي لجلال قدسه و يليق بعظم شأنه فلايترکه سبحانه الا تري ما ذکره سيد الساجدين عليه السلام في دعاء السحر اللهم انک امرتنا بالاحسان الي ما ملکت ايماننا و نحن ارقاؤک فاعتق رقابنا من النار و امرتنا ان لانرد سائلاً عن ابوابنا و قد جئناک سؤّالاً فلاتردنا الا بقضاء حوائجنا الدعاء فاذن فالله سبحانه و تعالي ماامر عباده بالانفاق مما يحبون الا و قد سبقهم سبحانه بذلک في اصل الوجود و بسط عوائد الکرم و الجود حيث افصح عن ذلک لسان الوحي و التنزيل بقوله کنت کنزاً مخفياً فاحببت ان اعرف فخلقت الخلي لکي اعرف فالمحبة تعلقت بالمعرفة فهي المحبوبة المطلوبة لله تعالي قد جاد بها و انفقها علي الفقراء المعدمين و الضعفاء و المساکين فجعل ذاتهم تلک المعرفة و

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 465 *»

خلقهم علي هيکل التوحيد و المحبة و تصدق باعز الاشياء و احبها اليه في مقام الفعل و التأثير علي هؤلاء الضعفة فاراد سبحانه و تعالي ان تجري کينونات الکائنات علي مجري فعله تعالي لتحکي حکمته و قيوميته و ان امره واحد لا اختلاف فيه و ان الاختلاف ليس من جهته تعالي.

و لما انه سبحانه حتم علي نفسه ان لايجبر شيئاً علي شيء و ان يجري امره و فعله و مشيته علي کمال الاختيار و المطاوعة و لما ان الاختيار لايتم للمختار حتي يعرف النتيجة و الثمرة من اختيار شيء‌ دون الآخر کلف الله سبحانه السابحين في لجة الامکان و الواردين علي شريعة الاکوان و الاعيان ان يجروا علي ذلک المنوال و ان يشرحوا حقيقة تلک الحال و اخبرهم سبحانه ان هذا يوصلهم الي کمال البر و اصله و حقيقته و هو الوصول الي مقام الجمع من قوله عليه السلام لافرق بينک و بينها الا انهم عبادک و خلقک و ان بعدم مراعاته لايمکن الوصول الي تلک الدرجة القصوي و الذروة العليا فقال عز من قائل لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون کما فعلت انا فاجابت کينونات الکائنات من الذوات و الصفات ذلک النداء و لبوا للمنادي فبقيت الاشياء في تأثيراتها و آثارها و اطوارها تلقي اليها مثالها و تحدثها علي هيئة معرفتها و توصيفها کالاشباح الظاهرة في المرايا و هکذا کل فعل و اثر و لذا تري القيام و القعود و الکلام و الکتابة و الاکل و الشرب و الضحک و البکاء تنبئ عن القائم و القاعد و المتکلم و الکاتب و الآکل و الشارب و الضاحک و الباکي الدالة عليک و هذه الاسماء هي اشباح معرفتک التي احببت ان تعرف بها بعد ما کنت مخفياً عند عدمها في الفعل و التأثير فجرت صنعة الايجاد علي طبق هذا المراد ثم اخبر الله سبحانه عن قبولهم لهذا التکليف و ابانتهم لهذا الامر الشريف و الحکم المنيف و امر نبيه صلي الله عليه و آله ان يبينها لکافة المکلفين الغافلين فقال جل من قائل قل کل يعمل علي شاکلته و هذه بيان لاجابة الدعوي و امتثال الامر فمن عرف هذه الدقيقة الرشيقة و سر هذه الحکاية الشريفة عرف حقايق الاشياء في بدوها و عودها و وسط الامر بينهما بحسب النظر الظاهر بموادها و صورها و هياکلها.

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 466 *»

و اما باطنها فله وجوه کثيرة اذکر هنا وجهين:

الاول ان المراد بالبر هم آل محمد صلي الله عليه و عليهم فلاينالون (اي الشيعة) و لاينال ما عندهم من العلوم و الاسرار و الرأفة و الرحمة و الشفقة و العطف الا بان ينفقوا لاجلهم و في سبيلهم الذي هو سبيل الله تعالي احب ما عندهم من نفسهم و مالهم و اولادهم و هذا الانفاق هو لازم المودة و المحبة في قوله تعالي قل لا اسئلکم عليه اجراً الا المودة في القربي و هو ملزوم الطاعة في قوله تعالي اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الامر منکم فان المحبة تستلزم الطاعة لامحالة و المحبة الکاملة تستلزم انفاق اعز الاشياء لاجل المحبوب کما قال الشاعر:

لو ان روحي في يدي و وهبتها

لمبشر بوصالکم لم‌انصف

و الکلام في هذا المقام طويل الذيل و قد عرفت ان نفس الشيء احب الاشياء اليه فاذا انفقها في طاعة الامام عليه السلام نال ما لاتدرکه الاوهام و لاتحيط به الافهام و الاحلام کما قال الصادق عليه السلام علي ما في الکافي ذروة الامر و سنامه و باب الاشياء و رضي الرحمن الطاعة للامام الحديث.

و يدل علي ما ذکرنا من باطن هذه الآية الشريفة ما نقل عن تفسير العياشي عن مفضل بن عمر (ره) قال دخلت علي ابي‌عبدالله عليه السلام و معي شيء فوضعته بين يديه فقال ما هذا فقلت هذه صلة مواليک و عبيدک قال فقال لي يا مفضل اني لاقبل ذلک و مااقبله من حاجة به اليه و مااقبله الا لتزکو به سمعت ابي يقول من مضت له سنة لم‌يصلنا من ماله قل او کثر لم‌ينظر الله اليه يوم القيمة الا ان يعفو الله عنه ثم قال يا مفضل انها فريضة فرضها الله علي شيعتنا في کتابه اذ يقول لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون فنحن البر و التقوي و سبيل الهدي و باب التقوي لايحجب دعائنا عن الله اقتصروا علي حلالکم و حرامکم فاسألوا عنه و اياکم ان تسألوا احداً من الفقهاء عما لايعنيکم و عما ستر الله عنکم و في هذا الحديث کفاية لاولي الدراية.

 

«* جواهر الحکم جلد 13 صفحه 467 *»

و الثاني ان هذا الخطاب خاصة لآل محمد عليهم السلام في العالم الاول قبل هذه الدنيا لما تراکمت المظلمة من هيجان ظلمة انکار اولئک المنافقين اراد الله تعالي کشف هذه الظلمة بنور الولاية لا من جهة الالجاء و الجبر بل بالخضوع و الخشوع و الشهادة فخاطبهم فقال تعالي لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون فاختاروا الحسين عليه السلام و روحي له الفداء لانه المحبوب عندهم و انفقوه في طاعة الله و اعلاء کلمته حتي سفک دمه و استبيح حريمه صلي الله عليه و لعنة الله علي قاتله و ظالمه فکتب بذلک الکتاب و ختمه اولئک الاطياب سلام الله عليهم في المبدء و المآب و هو قوله تعالي الم ذلک الکتاب لاريب فيه هدي للمتقين الآيات و هذا الکلام لايوضح تفسيره الا بعد النظر فيما کتبنا في رسالة اسرار الشهادة في ذکر وقعة الطفوف علي ما عند اصحاب الحقايق و الکشوف و لايمکن الآن ذکر مختصر البيان في هذا المقام لما انا فيه من کمال الضعف و اختلال الحال و اما غيرها من التفاسير فلم‌يؤذن لنا في البيان لاسيما في هذا الزمان الذي قد مد الجور باعه و اسفر الظلم قناعه و علم الله کتبت هذه الاجوبة في غاية‌ الاضطراب و اشتداد المرض و ضعف الحال و المرجو منکم المسامحة و لو کان لي سعة في الحال لاسمعتکم من غرائب الکلام و عجائب المقال ولکن الله لما يشاء فعال.

قد فرغ من تسويدها منشيها ضحي يوم الاثنين في العشر الآخر من شهر رمضان المبارک سنة 1242 حامداً مصلياً مسلماً مستغفراً.

 

[1] لعج بالفتح خليدن چيزي در دل , 12 م .