14-01 جواهر الحکم المجلد الرابع عشر ـ رسالة في جواب بعض الديانين من اصفهان (اسرارالعبادات) ـ مقابله

 

رسالة فی جواب بعض الدیانین من اصفهان (اسرار العبادات )

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج سید کاظم بن السید قاسم الحسینی

اعلی‌الله‌ مقامه

 

 

1259 ـ 1212

رسالة في جواب مسائل

 

منها

 

جواب السؤال عن «اسرار العبادات»

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 9 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و الصلوة علي خير خلقه محمّد و آله اجمعين و لعنة اللّه علي اعدائهم الي يوم الدين.

اما بـعد فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني كاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان بعض الديانين الذين ميّزوا الماء من السراب و فرّقوا بين القشور و اللباب و طلبوا لذلك الحق و الصواب علي ما عند الائمة الاطياب عليهم سلام اللّه في كل باب من الذي خصّوا به شيعتهم المخلصين من اولي الافئدة و اولي الالباب سلمه اللّه و ابقاه و سلك به مسلك رضاه قد عرض علي مسائل اغلبها من غوامض المسائل قد انحطت دونها عقول الحكماء و عجزت من حلّها افهام العلماء و اراد جوابها علي الاستعجال و انا في غاية اشتغال البال لعروض الامراض المانعة من استقامة الحال و حمل اعباء السفر و معاناة الحل و الارتحال فلم‏اتمكن من تعجيل الجواب الي ان مضت برهة من الزمان تقرب ستة اشهر حتي وفّقني اللّه تعالي لزيارة ثامن الائمة روحي له الفداء و عليه السلام و بعد المراجعة من ذلك السفر المقرون بالسعادة و الظّفر و عزمي للعود الي وطني المعروف و مسكني المألوف مشهد مولينا و سيدنا الحسين روحي فداه خطر ببالي ان املي جواب تلك المسائل في اثناء السفر في المنازل علي ما يمدّني اللّه سبحانه البيان علي جهة الاشارة و التلويح لانّ في مثل هذه الحالة و عدم اجتماع القلب لايمكن استقصاء الكلام و دفع ما يرد من النقض و الابرام و آتٍ بما هو الميسور لانه لايسقط بالمعسور و الي اللّه ترجع الامور و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم و قد جعلت كلامه سلمه اللّه تعالي متناً و جوابي كالشرح له كما هو عادتي في اجوبة المسائل.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 10 *»

قال سلّمه اللّه تعالي المسألة الاولي: ان‏تبين لنا اثبات النبوة الخاصة المطلقة المحمدية و الولاية الخاصة العلوية و الذرية الطيبة بالدليل القطعي العقلي الغير المشوب بشي‏ء من الدليل النقلي و ساير الامور الخارجية من خوارق العادات و ظهور المعجزات و ساير القواعد والكلمات التي عند المتكلمين فانها لعمري ما ترفع الشبهات و لاتوصل الي مقام القطع الباتّ فلئن رفعت بها الشبهات لاتطمئن بها النفس و لاتصل الي مقام الاطمينان لانه و ان كان تحقيقاً لكنه نوع تقليد فاوضح لنا هذا السبيل باقامة الدليل.

اقول: هذه المسألة قد استصعب علي العلماء حتي احالها بعضهم زعماً منهم بان الجزئي ليس بكاسب و لا مكتسب و العقل شأنه ادراك الكليات و اثبات الخصوصية لادخل للعقل فيها نعم للعقل اثبات النبوة العامة الكلية و اما الخصوصية فانما تعرف بالخارج من تحقق المعجزة الخارقة للعادة الممتازة من السحر و ساير انواع الشعبدة و هذه القول اي القول باستحالة اقامة البرهان العقلي علي نبوة محمد6 و ولاية علي و الائمة من ذريته:باطل فاسد عند اهل المعرفة و البصيرة لانه قد ثبت بالادلة القطعية من العقلية و النقلية ان اللّه سبحانه خلق العقول من شعاع العقل الكلي الذي هو عقل محمد و اهل بيته الطاهرين سلام اللّه عليهم بل عقول الخلق من شعاع اجسامهم و قد قال الشاعر و نعم ما قال و قد اجاد في المقال:

ستعرف ان العقل و النقل واحد   و ذلك معلوم بحكم الضرورة
ببرهان ان العقل نور نبينا   و ذلك كلي باصل الحقيقة
و ان عقول الانبياء و حزبهم   و اشياعهم من شمسه كالاشعة

و لا شك ان الشعاع شبح المنير و ظل كينونته و هو مراة يري المنير فيها علي ما هو عليه علي ما هي عليه فالشعاع اذن صفة المنير و اسمه و حقيقة رسمه فتكون عقول الخلايق اظلة كينونة نور محمد و آله: و رسوم تنبي‏ء عن تلك الديار علي ما هي عليه و اسماء دالة عليهم فلاتدل العقول الاّ علي الاربعة عشر قصبة الياقوت و حجاب الملك و الملكوت و وجه الحي الذي

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 11 *»

لايموت الا تري الاشعة الواقعة علي المرايا هل تجد فيها شيئا غير الشمس و وجهها و صفتها و اسمها و كذلك في العقول و الاحلام و الافهام لايوجد شي‏ء غير ذكر محمد و آله عليه و عليهم السلام لان العكس لايدل الاّ علي العاكس و الصورة الا علي المقابل و الشعاع الاّ علي المنير و ذلك واضح الاّ ان المرايا منها ما هي معوجة يظهر النور فيها علي جهة الاعوجاج و منها ما هي مصبوغة ملونة يظهر فيها علي وفق ذلك الصبغ فيظن المنير و المقابل متلوناً او معوجاً و منها ما هي متحركة غير مستقرة فلايستقر ظهور النور المتجلي من الخارج فيها فلاتحكي حينئذ المقابل علي ما هو عليه و منها ما هي صافية مستقيمة نورانية مشرقة ثابتة تحكي المقابل الخارجي علي ما هو عليه و الناظر في المراة ايضاً ينظر مرة الي نفس المراة من حيث هي هي مع قطع النظر عن الخارجي المقابل و هذا نظره الي الاسفل و الي الاختلاف و نسيان المقابل و الذهول عن الاصل و الالتفات الي الفرع و نظره نظر الاجتثاث و ادراكه و علومه كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لم‏يجده شيئا و وجد اللّه عنده فوفّيه حسابه و اللّه سريع الحساب و مرة ينظر الي تجلي المقابل في المراة فله نظر الكثرة و الحجاب الا ان حجابه رقيق و الكثرة مضمحلة لكنها قدتمنع عن الصواب و دائماً تمنع عن اللقاء فلايعرف المقابل كما ينبغي حين النظر الي المراة و مرة ينظر الي المقابل من حيث هو هو في المراة بل ينظر اليه فيها من غيرها و دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فاذا نظر هكذا في المراة الصافية المستقيمة الثابتة فلايجد الاّ المقابل و لايقع علي الخطاء ابداً.

فاذا عرفت هذا المثال الذي ضرب اللّه سبحانه لك علمت سرّ كون العقول كلها شعاع نور محمد و علي و آلهما صلي اللّه عليهما و آلهما مع ذهولها عنهم و اعراضها عن تصديقهم و مشاهدتهم: في سرّ هويتهم و ذلك لاقبال الخلق الي الدنيا و نسيانهم اللّه و الاشتغال بالشهوات و ذلك اقتضت اختلاف الميولات و صار الناس كماتري.

و لكل رأيت منهم مقاماً   ذكره في الكتاب مما يطول

 

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 12 *»

فظهر لك مما ذكرنا ان المنقطعين الي اللّه سبحانه و المخلصين في ولاية اولياء اللّه يبقون العقل علي الفطرة الاولية التي خلق اللّه سبحانه الخلق عليها فيقرؤن في حقيقة ذاتهم و الواح صدورهم جميع صفات الولي المطلق و النبي المطلق8 علي ما هما عليه في هيئاتهم الذاتية و العرضية و العلوية و السفلية و قراناتهم من الزوجات و الاماكن و الازمان و الاعداد و غير ذلك من ساير الحالات و العلامات بل لايجد في العالم سوي ذكرهم و لايري غير نورهم و ظهورهم صلي اللّه عليهم.

الا سمعت الاخبار الواردة في ان اسماء آل محمد: مكتوبة علي ساق العرش و الكرسي و السموات و الارض و الكواكب و رؤوس الجبال و كل شي‏ء خلقه اللّه و ليس هذا الاسم هو الاسم اللفظي و ان كان هو ايضاً كذلك و لا الكتابة هي الكتابة الرقمية و ان كانت هي ايضاً كذلك و انما الاسم اثبات الرسم و البيان الحالي المقرون بالبيان المقالي كنقش اسمك في مراتك حرفا بحرف و لا احب تطويل المقال في ذكر هذه الاحوال و هل يبقي مع هذا المقال الثابت بالعقل و النقل كما بيّنّا في كثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل مجال للقول بان اثبات النبوة الخاصة للنبي الخاص و الولاية الخاصة للولي الخاص محال لان الجزئي ليس بكاسب و لا مكتسب و اين الجزئي من مقام آل محمد: بل المخلوق الاول المقصود لذاته هم: و ماعداهم اشعة عكوسات انوارهم و اشراقات ظهورات آثارهم و الشعاع و الاثر يدلان علي المنير و المؤثر بالإِنّ كما يدل المنير المؤثر عليهما باللِّمّ.

ثم انا نقول ان محمدا و آله صلي اللّه عليهم لماخضعوا لله سبحانه بسرّ حقيقتهم و حقيقة ذاتهم و هويتهم البسهم اللّه سبحانه و تعالي لباس عظمته و كبريائه و غشاهم بنور بهائه و عزته و اقامهم في جميع العوالم مقام نفسه في عز قدسه فكان حكمهم حكم اللّه و امرهم امر اللّه و طاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه فدليلهم هو وجه دليل اللّه و نهج الاستدلال في المقامين واحد فكما ان اللّه سبحانه يستدل عليه بالعقل بالان و يستدلّ علي الخلق بالله سبحانه بالفؤاد باللم كذلك آل محمد: يستدل عليهم بالعقل بجميع احوالهم

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 13 *»

الظاهرة في المخلوقين بما نقش اللّه سبحانه في حقايق العالم من صفة كينونتهم و يستدل علي الرعية و ساير المخلوقين بهم بالفؤاد بما سبقوا الخلايق في سرّ حقايقهم فكانوا اقرب الي الخلق منهم فيرون قبلهم و يعرفون دونهم ثم هم يعرفون بهم قالوا:نزلونا عن الربوبية و قولوا فينا ما شئتم و لن تبغلوا و هذا الذي ذكرنا لك نوع تنزيلهم عن الربوبية.

و اذا اردت بياناً اوضح مما ذكرنا لاهل العلوم و اصحاب الرسوم فاعلم ان اللّه سبحانه لماوجب ان‏تكون نعمته شاملة و حكمته بالغة و فعله يجري علي احسن الوجوه و اتمّ النظام و خلق الخلق ليعرفوه و يعبدوه و كانت معرفته لاتحصل الاّ ببيانه و توصيفه اذا الخلق جاهلون ما هو عليه في عزّ قدسه و مايليق بجنابه من انحاء التوجهات وجب في الحكمة ان‏يعرّفهم نفسه و ما يريد منهم من طرق العبادات و الطاعات الموصلة الي قربه و رضاه و لماوجب ان‏يكون لتك ادلاء يوصلون الخلق اليها لجهل الخلق بالسبيل و الدليل وجب ان‏يعرّفهم الدليل الموصل الي ذلك السبيل و لماكان التعريف اللّه سبحانه وجب ان‏يكون ظاهراً جلياً بحيث لايكون اجلي و اظهر و اوضح منه و الاّ لم‏تكن الحجة بالغة و السبيل واضحة و الطريق مهيعاً و كان البيان و التعريف علي قسمين بيان حالي و بيان مقالي و البيان الحالي اجلي و قرانه بالبيان المقالي اكمل وجب ان‏يجمع الامرين لترفع الحجة من البين و لئلايكون للناس علي اللّه حجة و لماكان الوصف كلما كان اقرب الي من وصف له كان اقرب لاتمام الحجة و اكمال النعمة و ليس شي‏ء اقرب الي الشي‏ء من نفسه جعل انفس الخلايق ذلك الوصف و تلك الكتابة و النقش و جعل في ذات كل احد كل ما يطلب و يريد منه من صفة توحيده في الذات و الصفات و الافعال و العبادة و يستلزم هذا الوصف توصيف صفة معرفة الانبياء و الاوصياء و الاولياء و النبي المطلق و الولي المطلق باعيانهم و اشخاصهم و هيئاتهم و اسمائهم و صفاتهم و ساير الاحوال الظاهرة بها في العالم.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 14 *»

و نحن بعون اللّه تعالي قد شرحنا ذلك كله في اجوبة مسائل بعض فضلاء الرشت حيث سأل عما سألت عنه بعينه و ذكرت هناك بالدليل العقلي لزوم كون الخلق الاول اربعة عشر و ان واحداً منه القطب الممدّ للمجموع و الاخر حاملا جامعا حاويا للجموع و يستلزم كونه امرأة انثي و اثني‏عشر منهم الاصول و عليهم تدور الفصول و ان واحداً من الاثني‏عشر هو الاصل و الشجرة و الباقي فروعه و اغصانه و لزوم كون القطب هو النبي المطلق و الولي المطلق في مقام الاجمال و ان الاصل في الاثني‏عشر هو الولي المطلق في مقام التفصيل و مقام اعطاء كل ذي حق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه و لزوم كون الانبياء بالعدد المعلوم الذي هو مأة الف و اربعة و عشرون الفاً مخلوقين من شعاع الاربعة عشر و ساير الخلق من شعاع الانبياء و لزوم سبق الاربعة عشر في الخلق الاول و تأخرهم في عالم الصعود و لزوم ظهور الانبياء قبلهم و كون الطبقة الانسانية في بدو الظهور الصعودي واحداً من الانبياء المتوسطين و لزوم كون اسمه آدم و وجوب خلق زوجته من ضلعه الايسر و وجوب كون اسمها حوا و لزوم كون الشرايع ستة هي الدائرة في هؤلاء الانبياء: و وجوب نسخ خمسة منها و بقاء الشريعة السادسة و وجوب عدم نسخها الي انقراض العالم و ذكرنا زمان وجوب ظهور الشريعة السادسة و تعيين امتداد الوقت من بدو ظهور الشريعة الاولي الي السادسة و وجوب كون حامل السادسة هو القطب في الاربعة عشر و وجوب كون اسمين له اسم في السماء و هو احمد و الاخر في الارض و هو محمد6 و اسرار الحروف المقتضية بعد تركيب هذين الاسمين الشريفين و وجوب كون بعثته يوم النيروز بعد مضي اربعين سنة من عمره الشريف و وجوب كونه يتيماً بلا اب و لا ام و ان‏يكون يومه الجمعة و كوكبه الزهرة و شكله المربع و كنيته ابوالقاسم و وجوب الوزير له و كونه هو الولي المطلق و كون اسمه علياً و ابيه اباطالب و كون اسم اب النبي عبداللّه و امه آمنة بنت وهب و وجوب بقاء البنت للنبي6 و وجوب كون اسمها فاطمة و وجوب تزويجها من علي7

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 15 *»

لاسواه و وجوب ان‏يكون له منها ولدين ذكرين و وجوب كون اسم الاكبر منهما الحسن و اسم الاصغر منهما الحسين8 و ان‏يكون الاكبر ظاهراً بالصمت و الكف عن القتال و الاصغر بالعكس و ان‏يكون نصيبه الشهادة الكبري و الرزية العظمي التي تندك منها الجبال و تقطع لها الاوصال و ان‏يكون الذرية الطيبة: من نسله7 و هكذا ساير الاحوال و الاوضاع مما جرت عليهم كل ذلك بالدليل القطعي العقلي الغير المشوب بشي‏ء من النقل و ساير الامور الخارجية من الاجماع و التواتر و المعجزات و خوارق العادات و ساير ما هو عند العلماء علي طور انيق و طرز رشيق لم‏يسمح به فكر احد قبلي فاذا اردت حقيقة الامر فيما ذكرنا فارجع الي تلك الرسالة فان فيها مايشفي العليل و يبرد الغليل و ليس الآن لي اقبال ذكرها كلها في هذا المقام لما بي من الكسل و الملل و اعباء السفر.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة الثانية: ان‏تبين لنا اسرار الصلوة و الزكوة و الحج و الخمس علي جهة التوضيح و التبيين سيما تفصيل مقامات الصلوة و مراتبها من اول الشرايط و المقدمات الي اخر التسليم و ساير الفرايض و الواجبات و تفسير سورة الحمد و التوحيد بتفسير الباطن و التأويل علي ما هو المروي من اهل‏البيت:.

اقول: اما اسرار العبادة فهي عظيمة جليلة كثيرة في كل عالم ظهرت كانت سرّ ذلك العالم لانها سرّ بدء عند (عن خ‏ل) ظهور الالوهية المطلقة و سري في كل ذرات الكائنات و المكونات و الحوادث الغيرالمتناهية فهي جزء حقيقة العبد و اصل قابليته و وعاء فيضان النور الالهي من مبدء المبادي و هو قوله عزوجل و ماخلقت الجن و الانس الاّ ليعبدون لانه عزوجل خلقهم لايصالهم الغاية القصوي من نور الفيض و الكرم و الجود و العطية فلهم السؤال و الطلب و الاستعداد و القابلية و للّه العطية و الفيض فما يسألون يعطيهم و بذلك ينالون نصيبهم من الكتاب امن يجيب المضطر اذا دعاه و يكشف السوء فخلقهم

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 16 *»

سبحانه ليخضعوا له بالسؤال و يقفوا علي باب الكرم و يقرعوا الباب بانامل الفقر و الفاقة و يطلبوا الاستغناء لغاية فقرهم و شدة فاقتهم و ذلك حقيقة العبادة و سرها و هي في كل عالم بحسبها و هي الارض الطيبة و البلد الطيب و جداول لجريان الماء الذي به حيوة كل شي‏ء لوصوله الي كل الذرات فالعبادة لصفة الالوهية و اللّه هو المعبود المطلق لاسواه و العبادة جزء حقيقة العبد و اصل نفسه و حقيقة سرّه و هي اصل للعبد و العبد علي الحقيقة هو الحائز لجميع مقامات العبادة و مراتبها لان سرها هو اصلها و المراتب فروعها فالحائز للاصل يلزمه حيازة الفرع.

و لما كان بينات العبد هو زبر محمد6دلّ علي ان العبد اصل له و لجميع كمالاته المطوية كلها في اسمه الشريف الذي هو محمد6 لكونه مشتقاً من الحمد الذي هو ظهور البسملة التي هي سرّ الاسم الاعظم الجامعة لكل ما في القرآن الذي لا رطب و لا يابس الاّ و قد جمع اللّه سبحانه فيه و كون كمالاته كلها انما هي فرع نشأ من العبودية التي هي الاصل، شرح ان اللّه سبحانه ليس بينه و بين خلقه نسبة و قرابة و ما نال احد مقاماً و لا مرتبةً الاّ بذلة الخضوع للمعبود بسرّ العبودية و لذا كان العبد اشرف القابه و اعظم مفاخره فوجب ان‏يكون ذلك اسماً لابيه في كل عالم بحسبه و لما كانت البينات صفة الزبر و فرعه و بينات العبد هو زبر محمد6 ظهر للمؤمن الممتحن ان العبد هو حقيقة محمد6 و هو حامل العبادة فكان بذلك حامل جميع اسرار الربوبية و هو قوله تعالي في الحديث القدسي ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن و هو6 العبد المؤمن حقيقة لا سواه قال عزوجل الذين يتبعون النبي الامي الذي يومن باللّه و كلماته الاية و ساير الخلق اما نفسه كالائمة:او حكاية رسمه و حقيقة اسمه6 كساير الخلايق فان اطلاق العبد عليهم لكونهم حاكين نور تلك الحقيقة المقدسة المنورة فافهم.

فالعبادة اصلها و حقيقتها عندهم: اي حدود ذاتهم و هيئات

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 17 *»

هياكلهم الشريفة المقدسة و ما في ساير الخلايق اشعة انوار تلك الحدود و اظلة آثار تلك القيود و سرّ العبادة و اصلها و ينبوعها و قلبها و وجهها من مبدئها و حامل وجودها و تأصلها هي الصلوة التي هي خير موضوع و هي التي عمود الدين ان قبلت قبل ماسواها و ان ردّت ردّ ماسواها و هي كالقلب و باقي العبادات كلها لها بمنزلة الرأس و الدماغ و الصدر و الكبد و العروق و الاعصاب و الشراسيف و العضلات و الاوردة و ساير الاعضاء و الجوارح و المتممات و المكملات و ها انا اصف لك مجمل اسرار حقيقتها من بدو ذاتها و نزولها من عالمها الي هذا العالم و عودها و تشعبها الي هذه الحدود المعينة و الاركان المشخصة و لزوم هذه المقدمات لها و ضرر حكم المنافيات علي جهة الاختصار و الاقتصار علي اقل ما يحصل به المطلوب و لو بالاشارة و التلويح.

فاقول اعلم ان الصلوة كانت نوراً مكنوناً مخزوناً تحت حجاب الواحدية في قعر بحر القدر و هو الشمس المضيئة تحت ذلك البحر و هو اول من لبّي لداعي الحق بالعبودية و سرّ الخضوع و الخشية ولكن لقربها من عالم الوحدة و اضمحلال الكثرة و احتراقها كانت نوراً شعشعانياً في غاية البساطة و الاجمال و حاملة لاسم اللّه الحي المتعال و معلنة بالثناء علي اللّه عزوجل بالغدو و الاصال علي المعاني كلها في كل الاحوال فلمااقتضت الحكمة الالهية اظهار متعلقات اسم اللّه لاظهار كمال قدرته العامة و حكمته التامة البالغة و نعمته السابغة اظهر ذلك الامر الوحداني الحامل لذلك الاسم الاعظم الواحد علي اربعة عشر هيكلاً او قل جعل تلك الشجرة علي اربعة عشر غصناً و هي الشجرة الزيتونة التي ليست شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار و تلك النار هي من تلك الشجرة الذي جعل لكم من الشجر الاخضر ناراً كما ان الزيت منها فافهم الاشارة.

و سميت تلك الشجرة صلوة فالصاد تنبي‏ء عن الشجرة لانها مقام الاجمال و اندراج الكثرة في كينونة الوحدة لانها هي الصاد في كهيعص فالاصل هو الهاء فلماتكررت اربع مرات نطقت الكاف و لماتكررت مرة واحدة نطقت

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 18 *»

الياء و لماظهرت الهاء في الياء نطقت النون، و الكاف و النون اذا اجتمعتا و نطقتا ظهرت العين فالعين علة الوجود و كلمة المعبود و بها سكنت السواكن و تحركت المتحركات فالكاف مقام الاجمال و النون مقام التفصيل و لماكان اول متعلقات الكلمة التي هل الفعل و المشية يجب ان‏يكون في غاية الاجمال و السعة و الاحاطة و البساطة لبطلان الطفرة وجب ان‏يكون في اول المتعلق حكاية الكاف لكونه الاشرف و مقامها مقام الاجمال اكثر من النون التي هي مقام الكثرة و التفصيل فزيد عدد الكاف علي عدد العين الذي هو عدد المجموع فنطقت الصاد فكانت هي علي شكل المربع فالصاد اول متعلق المشية و هو بحر تحت العرش قال اللّه عزوجل ليلة المعراج ادن يا محمد من صاد و توضأ لصلوة الظهر و هذه الصاد الثانية التي هي الاولي في عالم الوجود المقيد هي علي طبق الاولي في عالم الوجود المطلق فان العالم الاسفل صفة و حكاية عن العالم الاعلي قال مولينا الرضا7 ما معناه قد علم اولواالالباب ان ما هنالك لايعلم الاّ بماهيهنا فافهم.

فظهر لك ان الصاد هي حقيقة الشجرة المتطورة باطوار الغصون و الافنان و الفروع قد ظهرت في المبدء اذا لوحظ معها غيرها كالواحد الذي بعد الثاني و الثالث و هكذا مع ان الواحد هو اصل الاعداد و ينبوعها و ذلك في مقام الاجمال و اذا عدّ معه غيره كان في عالم التفصيل و اللام تنبي‏ء عن اصل الشجرة المفصلة بالاغصان لان اللام مقامه التفصيل و لذا كان القمر الذي عليه العدد و الحساب و معرفة تفاصيل الامور و هو اصل البرودة و الرطوبة و منه الصور و الهيئات و الحدود و به التمايز و اسم اللّه المربي له المبين لاتتم دورته و لايظهر تمام اثره الاّ بعد ثلثين يوماً فاللام مقامها القمر كما ان الصاد مقامها الشمس و اصل الشجرة يستمدّ عن الشجرة كما ان القمر يستمدّ من الشمس فالشمس هي مقام النبوة و القمر رتبة الولاية و النبي صاحب مقام الاجمال و الولي صاحب مقام التفصيل.

و لماكانت المقامات ثلثة، احدها مقام النبوة و ثانيها مقام الولاية و الاجمالية البسيطة و ثالثها مقام الولاية التفصيلية و كل منها احد اضلاع المثلث و لماكان النبي6 جامعاً للمقامين و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 19 *»

للولي الثالث كان له احد اضلاع المثلث و لماكان الصاد تنبي‏ء و تحكي عنه6 فوجب ان‏يكون اللام تحكي عن الوزير الولي6 لان اللام ثلث الصاد و احد اضلاعها و الواو تنبي‏ء عن الاغصان الاثني‏عشر بالتكرير و التثنية و ذلك تمام الاربعة عشر المتشعبة من الاصل الواحد الحامل للاسم الاعظم اللّه و الهاء سرّ الكل و اصله و اصل الاسم الاعظم فان اللّه اذا حذفت منه الالف يبقي لله ما في السموات و الارض و اذا حذفت منه اللام يبقي له ما في السموات و الارض و اذا حذفت منه اللام الثانية يبقي الهاء فاذا اشبعت كانت هو فالهاء هي اصل التوحيد الحق و ميادينه الخمسة الحقة و حقيقة الاسم الاعظم فدلّ لفظ الصلوة علي حقيقة الحامل و المحمول و الداعي و اسم المدعو به مع جميع احوالهما و صفاتهما الذاتية و العرضية و الحقيقية و المجازية و قد اشرنا الي بعضها و لو تصدينا لشرح الجميع لطال بنا الكلام و لأدّي الي ذكر ما لاينبغي ذكره.

و قداراد اللّه سبحانه بهذا الترتيب كشف سرّ اخر لاولي المعرفة و البصيرة و هي ان لكل من الاربعة عشر المدلول عليهم بالصاد و اللام و الواو خمسة مقامات مقام الامام و مقام الابواب و مقام المعاني و مقام الاسماء و مقام التوحيد و مقام انا الذي لايقع علي اسم و لا صفة فاذا لوحظ الاربعة عشر في الخمسة استنطقت كلمة كن التي انزجر لها العمق الاكبر فهم: تلك الكلمة و هم حاملها و مظهر امرها و لذا كانوا يد اللّه فان اليد اربعة عشر عقداً فاذا ضربت في الخمسة الاصابع كانت سبعين و هو تمام كلمة كن و هو قوله تعالي انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون و قال عزوجل تنزل الملئكة بالروح من امره علي من يشاء من عباده، و من آياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و لذا قلنا ان حقيقة الصلوة انما كانت مخزونة تحت حجاب الواحدية او ان الواو و الهاء اشارتان الي الاحدعشر الذرية الطيبة من الولي: و تمام الكلمة اشارة الي الصديقة الطاهرة3 لانها الحاملة لظهورات الجميع و مقامها في الكلمة العليا و الكلمة التامة تمام الكلمة المؤلفة كما ان مقام

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 20 *»

بنيها:الحروف العاليات المقطعات و مقام بعلها8 مقام الالف المبسوطة و مقام ابيها8 مقام النقطة و قد شرحنا تفاصيل هذه المجملات في كثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل.

فالصلوة اما من الوصل فهم الذين وصلوا الي مقام قربه و رضاه بما لايمكن لاحد من المخلوقين سواهم و اتصلوا به تعالي الي ان صار قولهم قوله و حكمهم حكمه و امرهم امره و طاعتهم طاعته و معصيتهم معصيته و محبتهم محبته و بغضهم بغضه قال مولينا الصادق7لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو الاّ انه هو هو و نحن نحن.

و اما من الصلة و العطية فهم عطاء اللّه سبحانه و فيضه و كرمه و جوده و احسانه الي كل مخلوقاته من انفسهم و من غيرهم و هم النعم التي انعم اللّه عزوجل بها علي انفسهم و علي كلّ من سويهم لان ما سويهم من اشعة انوارهم و عكوسات اثارهم قال عزوجل و ان تعدوا نعمة اللّه لاتحصوها و قال عزوجل و اسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة فالنعم الظاهرة هو الامام الظاهر المشهور و الباطنة هو الامام الغايب المستور عجل اللّه فرجه.

و اما من الصلوان و هم: الذين اتبعوا الحق عزوجل بحيث لايذكر اللّه الا و يذكرون معه فعلي ساق العرش مكتوب لا اله الاّ اللّه محمد رسول اللّه6علي اميرالمؤمنين ولي اللّه و علي الكرسي مكتوب كذلك و علي اللوح و القلم و السموات السبع و الارضين السبع و ما بينهما من المتولدات من المعادن و النباتات و الحيوانات و الليل و النهار و البراري و القفار و البحار و الانهار و كل شي‏ء خلقه الجبار القهار كذلك فلايذكر اللّه الا و يذكرون معه لانهم مع اللّه سبحانه كما في قوله تعالي و للّه يسجد من في السموات و الارض و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبحون الليل و النهار لايفترون قال الصادق7 الذين في السموات هم الملائكة و الذين في الارض الجن و الانس و نحن الذين عنده فاذا كانوا عنده علي المعني الحق فيكون ذكرهم تالي ذكر اللّه و هم ايضاً وجه

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 21 *»

اللّه فلايذكرون الا و يذكر اللّه سبحانه حين ذكرهم.

فالصلوة بكلّ معني و بكلّ اشتقاق و بكلّ قاعدة لاتصدق اولاً و بالذات الا عليهم: و لذا قال اميرالمؤمنين عليه صلوات الحق المبين انا صلوة المؤمنين و صيامهم و قال مولينا الصادق7 في مكاتبته لمفضل علي ما رواه في بصائر الدرجات نحن الصلوة و نحن الزكوة.

فهذه الالفاظ في الحقيقة انما وضعت لهم: لا غير لماثبت بالبرهان القطعي ان اللّه سبحانه هو الواضع للاسماء لمسمياتها و ان بين الالفاظ و معانيها مناسبة ذاتية و مرابطة حقيقية و ان الطفرة في الوجود باطلة و ان اللّه سبحانه لايخل بالحكمة و قد شرحنا هذه المسألة باكمل بيان في كثير من مباحثاتنا و رسائلنا.

فلما انهم صلي اللّه عليهم تمت خلقتهم و كملت هياكلهم و خضعوا للّه سبحانه بذلّ العبودية في سرّهم و علانيتهم سطع نورهم و تشعشع ظهورهم الحاكي لحدود هيئاتهم و هياكلهم فخلق اللّه سبحانه من ذلك النور و سطوع ذلك الظهور حقايق الانبياء: ثم حقايق ساير شيعتهم و مواليهم و لما ان الشعاع يستحق اسم المنير من باب الحقيقة بعد الحقيقة و من باب الوضع الخاص و الموضوع‏له العام الذي اتفق علماء الاصول علي بطلانه فاستحقت تلك الحقايق و الذوات ذلك الاسم بالتبعية و ذلك عند ظهورهم في التكوين ثم ظهر نورهم: بسرّ عبوديتهم في التشريع ظهر نوراً ساطعاً و بدراً لامعاً حكي كينونتهم و انبأ عن حدود ذواتهم و هياكلهم التي هي نفس الخضوع و الخشوع و الذلة للّه عزوجل فاستحق اسمهم و هو الصلوة و بقي مكنوناً و مخزوناً تحت العرش الاعظم الاعلي قبل ان‏يخلق اللّه السموات و الارض و الكواكب و البروج و العرش الثاني و الكرسي و الواح المحو و الاثبات و كانت نوراً اجمالياً وحدانياً يسبح اللّه سبحانه بسرّ ذاته و حقيقته.

فلمااراد اللّه سبحانه ان‏يمن علي خلقه بها انزلها من عالم الي عالم آخر ليفصلها و ليكمل اهل ذلك العالم باشراق نورها و سطوع ظهورها و وكل علي حفظها و نزولها ملكا اسمه لقائيل و هو اعظم الملئكة قدراً و كبراً و عظمةً و جعل تحته جنوداً من الملائكة

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 22 *»

لايحصي عددهم الاّ اللّه تعالي و هؤلاء الملائكة اقرب الملائكة الي اللّه تعالي و اخضعهم له و هم اعظم من حملة العرش و الطائفين حوله و قد روي عن الصادق7 ان اللّه سبحانه خلق العرش و جعل له ثلثمأة و ستين الف ركن و خلق عند كل ركن ثلثمأة و ستين الف ملك اصغرهم لو امر بان‏يبلغ السموات السبع و الارضين السبع و ما فيهن و ما بينهن كانت في فمه كالخردلة في فلاة وسيعة ثم امرهم بان‏يحملوا العرش ماقدروا عليه فخلق عند كل ركن ضعف ما كان سابقاً فلم‏يقدروا ايضاً علي حمل العرش فخلق عند كل ركن عشرة اضعاف ماكانوا هذا ملخص معني بعض الحديث و الملائكة الذين تحت الملك الموكل بالصلوة اكثرهم عدداً و اجنحة و اقويهم قوة و اشدهم عبادة و اعظمهم عند اللّه قرباً و مكانة.

فاول ما نزلت الصلوة علي مقتضي قوله تعالي و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزله الاّ بقدر معلوم نزلت الي بلدة بسم اللّه الرحمن الرحيم و هي قبة دخلها النبي6 ليلة المعراج و لها اربعة اركان يجري فيها اربعة انهار الركن الاول يجري منه الماء الغير الاسن من الميم في بسم اللّه الرحمن الرحيم و الركن الثاني يجري منه اللبن الذي لم‏يتغير طعمه من الهاء في بسم اللّه الرحمن الرحيم و الركن الثالث يجري منه الخمر من ميم الرحمن و الركن الرابع يجري منه العسل المصفي من ميم الرحيم و الملك الموكل بتلك البلدة اسمه وحدائيل.

فلمانزلت الصلوة الي هذه البلدة الطيبة تلقوها الملائكة الموكلون بها و كانت نوراً ذائباً انجمدت و تفصلت علي اربعة اركان فركن التكبير بازاء الركن الرابع فمن اقام بحدوده و اقبل اليه بكله سقاه اللّه من العسل المصفي فيصفو ظاهره و يكون محبوباً لاولياء اللّه و شفاء من كل داء للناس و ركن القيام بازاء الركن الثالث فمن اقام بحدوده و شرايطه سقاه اللّه من ذلك الشراب و ركن الركوع بازاء الركن الثاني فمن اقام بحدوده و شرايطه سقاه اللّه من ذلك اللبن بكل احواله و مراتبه و مقاماته و درجاته المترتبة المتنزلة و ركن السجود بازاء الركن

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 23 *»

الاول و هو بازاء الركن الابيض الذي منه البياض و منه ضوء النهار.

و النية انما هي روح مقرونة بذات الصلوة بل هي الاصل الواحد و هذه الاربعة تفاصيلها و ظهوراتها فالنية للصلوة كالروح للانسان فليست بشرط خارج و لا هي بجزء داخل لان الروح ليس بداخل في البدن كدخول شي‏ء في شي‏ء و لا خارج عنه كخروج شي‏ء عن شي‏ء فليست النية في صقع الاركان الاربعة و لا في مرتبتها بل لها الرتبة العليا و المرتبة القصوي و لذا قلنا انها بسيطة ليست بمركبة و هي العلة الموجبة الظاهرة بنورها او بذاتها او بصفتها الذاتية في كل مراتب المعلول الاصطلاحي فافهم.

و لماكانت هذه الاركان هي الاصول الاولية و المقامات الذاتية التي لاتتم حقيقة الممكن الاّ بها كانت تبطل الصلوة اذا اخل بركن منها سهواً كان او عمداً فان اللّه سبحانه خلق كل شي‏ء من زوجين و هذه هي الاربعة و الهيئة التركيبية الخامسة و كذلك التوحيد الذي هو اصل سبب ايجاد الامكان و الاكوان انما ظهر في مقامات التفصيل في خمس مقامات بعدد قوي الهاء في هو و كل ركن من هذه الاركان الخمسة مظهر ظهور من ظهورات التوحيد فاذا فقد مظهر من تلك المظاهر بطلت الصلوة لانها مظهر الكلّ و لذا كانت عمود الدين ان قبلت قبل ماسواها و ان ردت رد ماسواها.

ثم انزلها اللّه سبحانه من تلك البلدة المباركة الي العرش الثاني ثم منه الي الكرسي ففصّلها هناك اي باطن الكرسي في كتاب الابرار في عليين الي هذه الحدود المشخصة كمايأتي الاشارة الي بيان سرّ تلك الخصوصيات اجمالاً.

و لما انها امر عظيم و خطب جسيم و لها نجاة الخلايق و هي ظاهر صفات الخالق و باطنها علة الذوات و الحقايق اراد اللّه سبحانه ان‏يبين للخلق عظيم منزلتها و رفيع شأنها و مرتبتها فاقام الخلايق في ارض عالم الذر في البدو كما انها ارض عالم المحشر في العود ثم عرضها علي الخلايق علي جهة التكليف ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة و الي هذا المعني اشار الحق سبحانه علي احد التفاسير بقوله عز من قائل انا عرضنا الامانة علي السموات و الارض و الجبال فابين ان‏يحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان انه كان ظلوماً

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 24 *»

 جهولاً فالامانة هي الصلوة كما ورد عنهم: باطناً و ظاهراً و الانسان هم المؤمنون الذين ادّوا حقها و راعوا حرمتها و يحتمل ان‏يكون المضيعين لحقها و حرمتها.

اما الاول فان من عرف حقها و احبها بقلبه و ادّاها بجميع جوارحه و صافي طويته و خالص سريرته اشرق اللّه في قلبه نور اليقين و في صدره نور العلم و في فؤاده نور المحبة و اناره اللّه بالانوار القدسية و افاض عليه من العلوم الدينية فصار متوجهاً اليه سبحانه بكله و انغمس في بحر لاهوتيته بشهود لبّه و قلّت منه الظلمات و ذهبت عنه درن السيئات فكان نوراً لامعاً و بدراً ساطعاً من الذين قال اللّه سبحانه في حقهم اللّه ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الي النور و الناس اهل الهوي و طلبة الدنيا في ظلمة دهماء يهيمون و في لجة عمياء يعمهون و في غيّهم و ضلالتهم يترددون فلايلتفتون الي اولئك الاخيار و يسعون في اطفاء تلك الانوار جهلاً منهم بمقامهم و مرتبتهم و نسياناً لربهم بسوء حظّهم و قصور معرفتهم فاولئك الاخيار المصلون الذين هم لاماناتهم و عهدهم راعون و الذين هم علي صلواتهم يحافظون هم المظلمون المجهول القدر لانهم انوار قدسية الهية بين ظهراني الخلايق و هم عنهم غافلون و عن طريق رشدهم معرضون و هم رضوان اللّه عليهم علي بصيرة من دينهم و هداية من ربهم قد ملئت قلوبهم نوراً و ابصارهم نوراً و حواسهم نوراً فهم مع اللّه في شغل عن الناس.

و اما الثاني فان الذين لم‏يراعوا حرمة الصلوة و ضيعوها و لم‏يحافظوا اوقاتها و اهملوها و لااعتنوا بشأنها و عظيم قدرها عند اللّه فهم الظلوم الجهول اي الظالمون الجاهلون الذين ظلموا انفسهم و تركوا ما به نجاتهم و سلكوا ما به هلاكهم و نسوا حظّهم مما ذكروا به فاغرينا بينهم العداوة و البغضاء فلماحمل الانسان الامانة و قبلها فمنهم من اضمر محافظتها و منهم من اضمر ضياعها علي ما فصلنا لك.

ثم انزل اللّه سبحانه اياها الي هذه الدنيا فكانت الصلوة بنورها تشرق علي اهل السموات و الارضين الي ان اهبط اللّه سبحانه

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 25 *»

آدم7 الي الارض من العليين فكانت به شامة سوداء عرضته للادبار و النزول من قرنه الي قدمه فطال حزنه و بكاؤه علي ما ظهر به فاتاه جبرئيل7 فقال له مايبكيك يا آدم فقال من هذه الشامة التي ظهرت بي قال قم يا آدم فصلّ فهذا وقت الصلوة الاولي فقام فصلي فانحطت الشامة الي عنقه فجاء في الصلوة الثانية فقام قم و صلّ يا آدم فهذا وقت الصلوة الثانية فقام فصلي فانحطت الشامة الي سرّته فجاء في الصلوة الثالثة فقال يا آدم قم فصلّ فهذا وقت الصلوة الثالثة فقام فصلّي فانحطت الشامة الي ركبتيه فجاء في الصلوة الرابعة فقال له يا آدم قم فصلّ فهذا وقت الصلوة الرابعة فقام فصلّي فانحطت الشامة الي قدميه فجاء في الصلوة الخامسة فقال له يا آدم قم فصلّ فهذا وقت الصلوة الخامسة فقام فصلي فخرج منها فحمد اللّه و اثني عليه فقال جبرئيل7 يا آدم مثل ولدك في هذه الصلوة كمثلك في هذه الشامة من صلّي من ولدك في كل يوم و ليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة.

و لماكانت الصلوة هي توجه الكينونة من الظاهر و الباطن و السرّ و العلانية الي اللّه سبحانه كان لها الفضل علي كل الاعمال سيما اذا دخل العبد فيهما بكمال الاقبال كما في الفقيه عن الصادق7 احب الاعمال الي اللّه عزوجل الصلوة و هي آخر وصايا الانبياء:فمااحسن الرجل ان‏يغتسل او يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يتنحي حيث لايراه انيس فيشرف اللّه عزوجل عليه و هو راكع او ساجد فالعبد اذا سجد فاطال السجود نادي ابليس يا ويلاه اطاع و عصيت و سجد و ابيت و فيه قال رسول اللّه6 مثل الصلوة مثل عمود الفسطاط اذا ثبت العمود ثبت الاطناب و الاوتاد و الغشاء و اذا انكسر العمود لم‏ينفع وتد و لا طنب و لا غشاء و قال7 انما مثل الصلوة فيكم كمثل السري و هو النهر علي باب احدكم يخرج اليه في اليوم و الليل يغتسل فيه خمس مرات فلم‏يبق الدرن علي الغسل خمس مرات و لم‏تبق الذنوب مع الصلوة خمس مرات و فيه عن الصادق7 انه قال من قبل اللّه منه صلوة واحدة لم‏يعذبه و من قبل اللّه منه حسنة لم‏يعذبه و قال7 كان رسول

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 26 *»

اللّه6يقول من حبس نفسه في صلوة الفريضة ينتظر وقتها فصليها في اول وقتها فاتم ركوعها و سجودها ثم مجد اللّه عزوجل و عظمه و حمده حتي يدخل وقت صلوة اخري لم‏يلغ بينها كتب اللّه له كاجر الحاج المعتمر و كان من اهل عليين هـ .

فظهر لك مما لوّحنا و اشرنا ان الصلوة علي طبق الكينونة و الحقايق و الذوات فهي جامعة لجميع مقامات العبودية المطلقة و هي مقام اول الفرق في قوله تعالي اياك نعبد و اياك نستعين و هي اول ما يفرض علي العاقل حين عرف نفسه و عرف ربه و لاتتوقف علي شي‏ء سوي هذه المعرفة و لاترتفع بحال من الاحوال بخلاف ساير العبادات كالحج يرتفع عند عدم الاستطاعة و يكتفي به مرة و الزكوة عند عدم المال و الصوم عند عدم الاقتدار و الجهاد عند العمي و العرج و المرض و هكذا غيرها بخلاف الصلوة فانها ثابتة مستقرة مادام النفس و المعرفة و ان‏كانت اوضاعها تتغير و تختلف بحسب الموضوعات الا انها لاترتفع اصلاً و ماقالوا في فاقد الطهورين كما هو احد الاقوال في المسألة فالاقوي و الاصح وجوب الصلوة عليه و الاعادة اذا وجد الطهور.

و اما القول في الشرايط و الاجزاء فاعلم ان شرايطها كثيرة و ادابها عظيمة اكثر من ان‏تحصي الا ان الشارع7 اظهر للخلق اصول تلك الشرايط و اركانها تسهيلاً عليهم و رعاية لما بهم من الضعف و الفتور لعدم نضج الكينونات و عدم ظهور سرّ الصلوات الزاكيات المباركات الطيبات لانا قدذكرنا ان الصلوة هي حدود الولاية و هيئاتها و صفاتها و جهة توجه الولي المطلق الي اللّه سبحانه بكل جهاته و اعتباراته و احواله و هي لاتحصي و هي لاتتناهي و هي مقام اجتماع ظهور الربوبية المطلقة الظاهرة للمخلوقين لا التي هي الذات البحت فانها متعالية عن الاجتماع و الاقتران و حقيقة العبودية المطلقة كما هو مقتضي قوله و اشهد ان محمداً عبده و رسوله فاثبت بالاولي حقيقة العبودية و بالثانية تمام ظهور الربوبية لان الرسول لايكون كذلك الا ان‏يكون عنده من اثار الربوبية الالهية ليكون بها الواسطة و السفير و بها يهدي الخلايق الي سواء

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 27 *»

الطريق و ذلك هو الكتاب الذي يجعله عنده كما قال اللّه تعالي انا انزلناه في ليلة القدر الي اخر السورة و لقد اوحينا اليك روحاً من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الايمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء الي صراط مستقيم.

و لقد ثبت ان الوحي التشريعي مطابق للوحي التكويني و الكتابان متطابقان فكان الكتاب المنزل عليه6 هو الاكبر الجامع للكلّ لقوله تعالي في الحديث القدسي ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن. فالصلوة حيث كانت معراج المؤمن هي الوصال كما يشهد عليه اسمها و الركوع و السجود و القيام هي الخضوع و التذلل و الابتهال فهي اذن الواقفة بين الطتنجين و البرزخ بين العالمين و الناظرة في المغربين و المشرقين و ها انا اشير الي اسرار بعض شرايطها و مقدماتها بالاجمال.

اما الطهارة: فاعلم ان العبد لماكان حال الصلوة متوجهاً الي جلال العزة و نور العظمة و جمال القدس و البهاء و النور و الكبرياء و تلك الساحة طيبة طاهرة منزهة عن جميع شوائب النقصان و درن القصور و الامكان فوجب ان‏يكون المصلي طاهراً حتي يقبل اليه الملاء الاعلي و الكروبيون و تتوجه اليه الملائكة المقربون و الاّ كان بعيداً عن حرم الكبرياء و مبغوضاً و منكراً عند الملاء الاعلي فلاتشمله الرحمة بل يستوجب النقمة و لان النجاسة انما حصلت من كثافة الادبار الناشي عن مشاهدة الاغيار فاذا صحب المصلي حين التوجه و المسير اليه كدورة الاغيار اصابته الرحمة الواسعة فرمت به الي النار الا تري كيف يظهر نتن الجيفة و عطر الورد و ساير الازهار عند مقابلة الشمس فالشمس اشراقها واحد و تربي القوابل السفلية علي حسب ما فيها من الصفاء و الكدورات فتربي السكر و الحنظل باشراق واحد فافهم و لان المتوجه حين التوجه وجه المتوجه اليه فوجب الطهارة لبيان انه سبحانه مطهر من كل الصفات الامكانية و اللوازم الخلقية فالطهارة اشارة الي عصمة الولي7 كما قال

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 28 *»

عزوجل انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيراً فهم: الذين طهّروا سرّهم و حقيقتهم و ساير مراتبهم الظاهرية و الباطنية عن لوث الاغيار و كثافة الاكدار فتوجهوا الي اللّه سبحانه بكلّ كينونتهم بالعشي و الابكار فتطهير الكينونة شرط للتوجه لا جزء لان الطهارة ازالة الاعراض و الاوساخ الظاهرية و الباطنية و تلك الاوساخ انما هي بالعرض فازالتها مقدمة لا ذاتية فافهم.

و المطهرات عشرة في مقابلة النجاسات لان اللّه سبحانه خلق الخلق من عشر قبضات و هي قبضة القلب و الصدر و العقل و العلم و الوهم و الوجود اي المادة و الخيال و الفكر و الحيوة و الجسد و كل قبضة حين التوجه الي اللّه سبحانه و الخضوع و الانقياد لجلال عظمته مطهرة و طاهرة لانه سبحانه نور محض فاشراق جلال عظمته يطهّر كل ما يقابله و ينقّيه فيظهر فيه مثاله كما قال اميرالمؤمنين7 فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و كلّ قبضة حين الاعراض عنه تعالي نجاسة و منجسة اذ لا واسطة بين الاقبال و الادبار و الطهارة و النجاسة و هذا معلوم و كما ان المطهرات متفاوتة في الشدة و الضعف فكذلك النجاسات و ذلك باعتبار وقوف الخلق في مقام كل قبضة لان الخلق في القوس الصعودي لهم وقوف في مقام من المقامات علي حسب اعمالهم اما صاعدون او نازلون فما جمع المقامات الصعودية كلها علماً و عملاً الاّ الكامل المطلق كما انه ما جميع المقامات النازلة السفلية كلها علماً و عملاً الاّ الشقي المطلق ابوالدواهي ابوالشرور و المراد بجمع المقامات ظهورها و الا فهي مجتمعة في كل شي‏ء فمنهم من هو واقف في مقام القلب و منهم من هو واقف في مقام الصدر و منهم من هو واقف في مقام العقل و منهم من هو واقف في مقام العلم و منهم من هو واقف في مقام الوهم و منهم من هو واقف في مقام المادة و منهم من هو واقف في مقام الخيال و منهم من هو واقف في مقام الفكر و منهم من هو واقف في مقام الحيوة و منهم من هو واقف في مقام الجسد فطهارة كلّ مقام علي حسب ما يقتضيه ذلك المقام من الشدة و الضعف.

و قد

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 29 *»

اشار الي نوع ماذكرنا مولينا الصادق7 في قوله تعالي ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات قال7 ما معناه السابق بالخيرات هو الذي يحوم حول ربه و المقتصد هو الذي يحوم حول قلبه و الظالم هو الذي يحوم حول نفسه.

و هذه المقامات المذكورة من حيث الطهارة لماتنزلوا من الخزاين الغيبية الي الهياكل الجسدية ظهرت علي هذه المطهرات المعروفة في هذا العالم الجسماني فالماء الذي به حيوة كل شي‏ء هو من القلب الذي به حيوة الجسد و الروح كله و هو النافذ في كل الاعضاء و الجوارح و العضلات فالماء الجاري و ماء المطر و ماء البئر آية الخصيصين من الشيعة و دليل لهم اي اخص الخواص و هم الاعلون علي تفاوت مقاماتهم فالاوسط للاعلي منهم لان الفيض الاقدس من المبدأ الاعلي دائم الورود و النزول عليهم حتي صاروا نفس ذلك الفيض النازل للمستعدين و المتعلمين و الاول للاوسط منهم لكونهم حملة علوم حقايق الاشياء حسب مااراهم اللّه سبحانه في الافاق و الانفس فهم انهار جارية (نهر يجري خ‏ل) من تحت جبل الازل الي مالانهاية له من المداء و الفرق بين الاول و الثاني ان الاولين عندهم من اسرار التوحيد و الاسماء و الصفات و الاخرين عندهم اسرار حقايق الكائنات من قول النبي6 اللهم ارني الاشياء كما هي مع اشتراك الفريقين من الاستمداد و الجريان من المبدء فافهم و الاخر للاسفل منهم لانهم اصحاب العقل المرتفع ينبع لهم العلوم من القلب باذن اللّه سبحانه و توفيقه و هؤلاء الذين لايتنجسون بملاقاة نجاسة كيد الشيطان و مكره كما قال عزوجل ان الذين اتقوا اذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فاذا هم مبصرون و قال تعالي انما النجوي من الشيطان ليحزن الذين امنوا و ليس بضارهم شيئاً الاّ باذن اللّه و ذلك اذا اعتقد حقية مكر الشيطان فهنالك استولت النجاسة علي الاوصاف الثلثة او واحد منها فيتنجس حينئذ.

و يحتمل ان‏تكون المياه الثلثة آية و دليلاً للامام7 بحسب مقاماته7فهم:

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 30 *»

الغيث الهاطل من سماء المجد و العزة و العظمة و هم النهر الجاري من اللانهاية الي اللانهاية و هم البئر المعطلة و القصر المشيد كماقال عزوجل:

بئر معطلة و قصر مشرف   مثل لآل محمّد مستطرف
فالقصر مجدهم الذي لايرتقي   و البئر علمهم الذي لاينزف

فحينئذ لايجوز فرض استيلاء النجاسة علي احد اوصاف المياه الثلثة علي هذا التقدير الا علي ضرب من التأويل بملاحظة ايام التقية و ظهور دولة الظلمة الفسقة و باقي المطهرات وجه من وجوههم: او وجه من وجوه شيعتهم سلام اللّه عليهم من الواقفين في مقام من مقامات وجودهم و تكوينهم و تفصيل الامر في هذا المقام يفضي الي التطويل و النجاسات اضداد المطهرات حرفاً بحرف علي ما ذكرت لك في كلّ مقام و كلّ مرتبة.

و الكرّ هو آية و دليل لخواص الشيعة و هم الذين قد نفذ الماء الطهور الذي هو العلم و المعرفة و الايمان في مقاماتهم الثلثة المعبر عنها بالطول و العرض و العمق و هي عالم الجبروت اي العقول و عالم الملكوت اي النفوس و عالم الملك اي الاجسام و يعتبر في كل من الاحوال الثلثة ثلثة اشبار كما هو المروي في صحيحة اسمعيل بن جابر و هو اقوي الروايات سنداً و اعتباراً و اما روايات النصف فهي محمولة علي الاستحباب لتحصل القدر الواجب علي القدر المتيقن و الا لزم طرح الروايات الصحيحة المعتبرة مع عدم داع اليه من عقل او اجماع او نص قاطع او امثال ذلك و ليس هذا المقام مقام بيان امثال هذه الكلمات فالثلثة الاشبار اشارة الي المقامات الثلثة التي في كل مقام و هي الوجه الاعلي و الاوسط و الاسفل في كل من هذه العوالم الثلثة المذكورة فاذا استولي ماء الفيض الالهي و نور المعرفة علي كل هذه المراتب المجتمعة في الشخص الانساني فقد بلغ حد الكرية فلاينجس بملاقاة كيد الشيطان و مكره و خدعه و امانيه و غروره الا ان‏يستولي عليه الشيطان فينجسه كماقال تعالي و اتل عليهم نبأ الذي اتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين نستجير باللّه من ذلك و هذا الذي ذكرنا هو سرّ الكرّ و حقيقته بحسب المساحة.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 31 *»

و اما بحسب الوزن فهو الف و مائتا رطل بالعراقي فان اللّه سبحانه خلق الخلق من عشر قبضات كما تقدم فاذا لوحظت نسب تلك القبضات بعضها مع بعض كانت مائة و هي قد ظهرت في ستة اطوار عالم الغيب و هي عالم الفؤاد و العقل المرتفع و العقل المستوي و العقل المنخفض و الروح و النفس و في ستة اطوار عالم الشهادة و هي الطبيعة و المادة و المثال و الجسم و الجسد و العرض و المجموع الف و مائتان و الرطل اربعة امداد و هي العناصر و الطبايع و الاركان و القوي الاربعة النار و الهواء و الماء و التراب، الحرارة و الرطوبة و البرودة و اليبوسة، المِرّة الصفراء و الدم و البلغم و المِرّة السوداء، الجاذبة و الهاضمة و الدافعة و الماسكة فاذا ظهر الماء الذي هو نور المعرفة في هذه الحدود و المقادير و استقر فهو الكرّ الذي لاينجسه شي‏ء الاّ عند الاستيلاء كما ذكرنا فافهم.

و الماء القليل هو مثال (مقام خ‏ل) عوام الشيعة و ضعفائهم فانهم اذا اصابهم كيد من مكائد الشيطان هووا و لم‏يعرفوا وجه المخلص فتنجسوا و نجسوا و اما قبل الاصابة فلا بل علي حكم الطهارة لانهم علي الحق و علي صراط مستقيم و ان كان ماء معرفتهم قليلاً.

و اما ماء المضاف فهم الغير المخلصين و هم عصاة الشيعة فهم طاهرون لكنهم غير مطهرين لما بهم من درن المعاصي و السيئات و الشكوك و الشبهات.

و اما الاسئار فهي العلوم التي تأتي اليك من غيرك فطهارتها و نجاستها تابعتان للحيوان الذي باشرها فان كان من اهل الحق فحق و الاّ فباطل كما قال مولينا الصادق7 من استمع الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن اللّه فقد عبد اللّه و ان كان ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان فافهم.

ثم ان النجاسة ان كانت في ظاهر الجسد و الثوب و غيرها من الامور المحسوسة بالبصر الظاهري و اللمس الظاهري فهي الخبث و لايحتاج ازالتها الي النية لان المطلوب الذي هو الازالة و رفع النجاسة بالكلية يحصل بالغسل

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 32 *»

بالماء فلايحتاج حينئذ الي معين خارجي لتلاقي العينين عياناً و قوة الماء و عدم غلبة (عينية خ‏ل) النجاسة.

و ان كانت النجاسة في باطن الجسد و داخله الخارجة بالمسامات اللاحقة الي الجسد اي ظاهره فهي المسماة عند اهل الشرع:بالحدث فيحتاج لازالتها الي الماء المطلق ليجريه علي الجسد و يدخل من طريق المسامات و المنافذ الي داخل الجسد فيغسل داخله فيطهر كما طهر ظاهره و لماكانت المسامات البدنية و منافذها ضيقة لايصل الماء الي الباطن الا شيئاً يسيراً قليلاً و لذا يستحب دَلْك الاعضاء حتي يكثر النفوذ فلايحصل الغسل المطلوب من ازالة العين و لذا جعل الشارع7 للماء معيناً للازالة و هو نية التقرب الي اللّه تعالي و الاخلاص في عبادته و طاعته فان هذا القصد اذا اقترن بالماء يقويه و يقوي تأثيره و ان كان قليلاً بحسب الكمّ و الوزن فيكون حينئذ شأنه شأن الاكسير الذي ينفذ قيراطه في قنطار من النجاسة فيطهره و يجعله ذهباً صافياً خالصاً كما ان الرجل اذا اخلص في محبة اللّه و طاعته يتقوي بحيث يهزم الصفوف و لايكترث من الالوف لما به من القوة الالهية فهذه الطهارة التي تحتاج الي النية هي الطهارة عن الحدث و هي الطهارة اذا اطلقت عند الفقهاء و الاطلاق حقيقة شرعية بل لغوية من باب التشكيك و جهل اهل اللغة من باب الجهل بالموضوع لا باصل الوضع و الا فالوضع واحد و ليس المقام مقام استيفاء هذا الكلام و قد ذكرنا مشروحاً في اكثر مباحثاتنا.

ثم ان النجاسة كلما كان نضجها و طبخها اعظم و اشد و صفاؤها اقوي كانت نجاستها اغلظ فتأثيرها اشدّ و اكثر و اصل النجاسات الجسمانية و حقيقتها هي مااعرض عنه المبدء باعراضه عنه فان كان الاعراض قبل النضج و الاعتدال لم‏يكن نجساً و سبيله حينئذ سبيل الاطفال و الذين لم‏يبلغوا الحلم او الرشد و التميز اذا صدر عنهم المعاصي و كلمات الكفر فانه لايحكم عليهم بالنجاسة و الكفر و ذلك كالرطوبات الفضلية العرضية من المواد البلغمية كالقيح و ان كان من المواد الاخر و كالمذي و الودي و الوذي و امثالها مما يخرج عن الانسان.

و ان كان الاعراض بعد النضج و الاعتدال فان كان في النضج

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 33 *»

الاول و الهضم الاول كالغائط و البول علي الخلاف مع الاطباء في البول فانه عندهم من الهضم الثاني فيحكم عليه بالنجاسة فعند الخروج و الدفع يتلوث باطن الجسد كما يتلوث ظاهره بعد الخروج فلابد من تطهيرهما و لماكان تأثيرها لم‏يكن قوياً حتي يؤثر في كل الجسد اي باطنه لم‏يحتج الي غسل كل الجسد و الريح الخارج من السبيلين يؤثر في باطن الجسد بخلاف ظاهره لمكان اليبوسة و شرح حقيقة هذه الاحوال و ذكر الشبهات و الجواب عنها يحتاج الي بسط عظيم في المقام و ليس لي الان ذلك الاقبال الا ان من له اطلاع علي كتب الاطباء يعرف حقيقة الامر فيما اقول في الجملة. و سبيل هذه النجاسات سبيل من عصي و كفر من العوام و الجهال و الحمقاء بعد البلوغ و العقل فانهم و ان كانوا محكومين بالكفر و النجاسة و المؤاخذة و العقوبة لكنه لايشدد عليهم في ذلك و لايلامون كثيراً كما هو المعروف عند العوام و الخواص انظر كيف يعظم علي الناس معصية العالم و لو بترك الاولي و لايعظم عليهم معصية الجاهل و ان كانت كبيرة عظيمة خطيرة.

و ان كان الاعراض في النضج الثاني و الهضم الثاني الذي ينقلب به الغذاء دماً كالحيض و النفاس فتكون نجاسته اشدّ و اغلظ و تأثيرها اعظم و اقوي فهو و ان كان له مجري واحد الا ان‏نتنه و خبثه يصل الي الجسد كله ولكنه في طريقه لماكان يمرّ علي مخرج البول او انه يصحب معه شيئاً من البول كان معه سببان سبب يقتضي غسل كل الجسد و سبب يقتضي غسل بعضه و لايكفي احدهما عن الاخر لان كل واحد منهما في جهة غير الاخري كالتوبة عن ذنب لايغسل درن الذنب الاخر فيحتاج له الي توبة اخري.

و اما الاستحاضة فلماكانت تحدث عن استرخاء في عروق الرحم و ليست مثل الحيض في الحرارة و النتن و السواد لان الحيض وجه الماهية الخبيثة المدبرة عن نور الحق و لماكانت هذه الجهة في النساء غالبة ظهرت اثارها في العالم الجسماني فيهن

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 34 *»

و اما المعصومة الطيبة الطاهرة التي طهّر اللّه سبحانه باطنها و ظاهرها و سرّها و علانيتها بما اقتضته كينونتها من عدم الاعراض عن اللّه سبحانه و لو بترك الاولي فهي منزهة عن الحيض كما كانت سيدتنا و مولاتنا الزهراء علي ابيها و بعلها و بنيها و عليها الاف التحية و الثناء و كانت مريم3 كذلك لانها مثالها و دليلها و آيتها في الزمان المتقدم و اما حواء3فلماتركت الاولي و كانت هي الداعية لآدم الي ذلك رأت الدم و قدروي ان اول دم وقع علي وجه الارض دم حوا لما ان حاضت و الحاصل ان دم الاستحاضة لماكانت البرودة و الرطوبة فيها غالبة فتكون نجاستها خفيفة بالنسبة الي الحيض فهي في النضج برزخ بين البول و الحيض فلاترفع بها الصلوة لكنها اذا كانت قليلة يجري عليه حكم البول و يزاد عليه بان يتوضأ لكلّ صلوة لان نجاستها اقوي و ان كانت متوسطة يزاد علي الكل غسل في الصبح و ان كانت كثيرة فعليها ثلثة اغسال و تصلي مع الوضوء و ذلك حكم البرزخ فكلما قرب الي البول جري عليه حكمه و كلما قرب الي الحيض اشتدت النجاسة و جري عليه حكم الحيض لا كله و الا كان حيضاً. و النفاس دم الحيض بعينه فيخرج مع الولد ما فضل غذاءه من دم الحيض و سبيل هذه النجاسات سبيل من عصي او كفر من العلماء العارفين من الخواص فان عذابهم اشد و عقوبتهم اعظم نستجير باللّه من ذلك قال اللّه تعالي يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك علي اللّه يسيراً و ذلك لزيادة النضج و الاعتدال في الروح و الجسم الحامل له.

و ان كان الاعراض في الهضم الثالث و الرابع كالمني فتكون نجاسته اقوي و اغلظ و لماكان الداعي و الباعث لخروج المني استلذاذ النفس بكل البدن و اقبال كل الجسد الي الشهوة و اللذة فيتحرك الكل و تتقوي الحرارة الغريزية و تسري في كل البدن فتدفع و تسيل بها الرطوبات الاصلية و لذا يضعف البدن و يفتر عند خروجه و يختلف قوام المني في الرقة و الغلظة و لونه في البياض و الصفرة و الحمرة بحسب قلة الرطوبة في المزاج و كثرتها و ذكر

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 35 *»

تفاصيل هذه الاحكام لايناسب المقام و لماكان الانبعاث في كل البدن و خروج المني من كل البدن قال7 تحت كل شعرة جنابة و يحتاج كل جزء الي الغسل و لذا قلنا بجواز التبعيض في غسل الجنابة بمعني ان كل جزء اصابه ماء الغسل طاهر يجري عليه احكام ما اذا غسل الكلّ مثل مسّ المصحف و ادخاله في المسجد و مسّ جسد الامام7 و امثالها من الاحكام.

و قد قلنا سابقاً ان مدار الطهارة و النجاسة اعراض المبدء الاعلي عن الادني الاسفل في كل مقام بحسب ذلك المقام فالروح الحيوانية في الجسم الحيواني و القالب العنصري مادامت ملتفتة اليه و ناظرة و مدبرة له بوجهها التي هي الحرارة الغريزية فالبدن حي طاهر ما لم‏يكن الروح معرضة عن الحق سبحانه كالكلب و الخنزير و الكافر فاذا اعرضت الروح الحيوانية عن البدن لفساد فيه بكله او بجزئه كالجزء المبان عن الحي و كالدم المسفوح الخارج قليلاً كان او كثيراً و امثال ذلك و سواء كان الاعراض كلياً او جزئياً يتنجس البدن ان كان في الاصل اي في عالم الذر حين قوله تعالي الست بربكم طاهراً و الاّ فهو نجس العين كالكافر و امثاله فان كان الاعراض كلياً يقع ميتاً فيخرج نطفته التي خلق منها و لما كان الاعراض عن كل جزء من اجزاء البدن سرت النجاسة في كل جزء من اجزائها و تلك النطفة هي الحرارة الغريزية و المني وجه لها و حامل لأثرها فاذا وجب الغسل للحامل و الفرع فلخروج الاصل بالطريق الاولي لانا قلنا ان الغسل تطهير للبدن من حيث الباطن و الظاهر.

و لماكان الروح علي ثلثة اقسام روح حيواني مقره القلب اللحم الصنوبري و روح نفساني مقره الدماغ به الادراك و الحواس و روح طبيعي مقره الكبد و به النمو و الذبول و كل هذه الثلثة يخرج من البدن و يبقي متعلقه نجساً فاسداً وجب علي الميت ثلثة اغسال للتنقية التامة و التصفية المطلقة فغسل السدر و هو الاول من قبل الروح الطبيعي لازالة الاوساخ و الاعراض الحاصلة من فساد الاخلاط الحاصلة في الكبد من الروح الطبيعي و غسل الكافور و هو الثاني من قبل الروح النفساني لان الدماغ بارد رطب فلمافارقت

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 36 *»

الروح غلبت الرطوبة الغريبة و كانت سبب تناثر الاعضاء و الجوارح و تقطعها و استلزمت الروايح المنتنة الخبيثة فجعل الكافور لما فيه من قوة البرودة الموجبة للانجماد و قوة اليبوسة الموجبة للامساك و عدم التناثر سريعاً و قوة الرايحة الشديدة لازالة الروايح الخبيثة التي في الميت لاجل مفارقة الروح و غسل ماء القراح و هو الثالث من قبل الروح الحيواني الذي في القلب و هو الجامع للكل لازالة ما في الميت من لطخ ورق السدر و رغوته و اجزاء الكافور و وسخه و لان‏يكون طيباً طاهراً من جميع الاوساخ فغسل السدر بازاء الظهور الملكي و الكافور بازاء الظهور الملكوتي و غسل القراح بازاء الظهور الجبروتي فهذه العوالم الثلثة التي ظهرت في القوي الثلثة و ذكر تفصيل الامر في ذلك يحتاج الي بسط كلمات و تمهيد مقدمات لايسعني الآن شرحها و بيانها و عند المشافهة و المواجهة ربما تحظي ببعض المطلوب.

و لماكان الميت الآدمي للطافة بدنه و رقة قواه و اجزائه و شدة نجاسته و فضلاته كان سريع النفوذ و شديد التأثير في غيره فاذا لاقاه حي تنفذ برودة جسده في جميع المسامات و المنافذ فيتأثر البدن و الجسد بذلك و كذلك الروح لما بينهما من شدة المنافرة و المضادة فوجب عليه الغسل لازالة ذلك الدرن الساري في كل اقطار البدن و لا كذلك في الحيوانات لانّ نجاسة كل شي‏ء علي حسب شرافته فكل ما كان اشرف كان المعروض منه انجس و لذا كان صنما قريش انجس الخلايق و ارذلهم.

و اما بدن الامام7 و النبي فهو حي عند مفارقة الارواح و لذا اذا ارادوا تحركوا و تكلموا و كان النبي6 يتقلب في السرير عند الغسل. الحاصل ان احوالهم لاتقاس بساير الخلق لانهم وجه اللّه الباقي و ستر اللّه الواقي فافهم.

و لماكانت البرودة و التبريد هي المطلوبة في الميت لاجل المناسبة و لماقلنا يكره غسل الميت بالماء الحار لان الحرارة طبع الحيوة و تكون ايضاً سبباً لتناثر الاعضاء و لماكانت برودة الكافور كيبوسته قوية ما حرم الغسل بالماء الحار لانه لايعارض برودة الكافور و يبوسته نعم يكره للتأثير

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 37 *»

المذكور و عدم المناسبة هذا اذا كان اعراض الروح كلياً.

و اما اذا كان جزئياً عرضياً لفساد البدن كما اذا غلبت الرطوبات و تحركت باشراق شمس الحرارة الغريزية و وصلت في صعودها الي الدماغ و اصابتها البرودة فتراكمت و انعقدت سحاباً منع نفوذ الماء الحرارة في كل الجسد فيجتمع الروح في القلب و يضعف تأثيره في اقطار البدن فيقع البدن الظاهري و الحواس الظاهرية ميتاً و يتعطل عن الادراك و الاحساس و هذا هو النوم و حقيقته و هو قوله تعالي اللّه يتوفي الانفس حين موتها و التي لم‏تمت في منامها فيمسك التي قضي عليها الموت و يرسل الاخري الي اجل مسمي فبرد البدن و ذبل و اظلمت اقطاره و تنجس بالاضافة و لماكانت هذه الظلمة ضعيفة غير قوية و تأثيرها كاصلها ضعيف لبقاء الروح و التفاته لايلزم غسل كل الاعضاء و الجوارح كالميت و خروج المني و امثالهما فيكتفي ببعض الاجزاء كما يأتي ان‏شاء اللّه تعالي و كذلك القول في المغمي عليه و شارب المسكر المزيل للعقل و امثال ذلك.

فظهر لك مما بيّنا ان النجاسة التي يجب ازالتها للصلوة و الاقبال علي اللّه سبحانه و تعالي علي انحاء و انواع منها ما هي علي ظاهر الجسد و اللباس و هذا يغسل بالماء المطلق او بغيره علي ما هو عليه و هو التطهير عن نجاسة الخبث و هي المعاصي الصغيرة من باب اللمم الذي تصيب المؤمن من جهة اللطخ العرضي الجزئي و هذه تكفّر بالالام و المحن الدنيوية و لاتبقي الي البرزخ و لا الي يوم القيمة و ان لم‏يتب عنها قال تعالي ان‏تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم و ندخلكم مدخلاً كريماً و منها ما هي علي باطن الجسد لا علي ظاهره و هذه علي قسمين:

احدهما ما هي سارية في كل الجسد و البدن و هذه هي الحدث الاكبر و يحتاج تطهيرها الي غسل البدن كله مع نية القربة الي اللّه تعالي لماذكرنا و هذه هي المعاصي الكبيرة لا عن القلب اي القلب يكرهها و يراها قبيحة و هي التي لاتكفّرها الالام الدنيوية و محنها بل لابد من التوبة القلبية او عذاب البرزخ و لاتبقي الي يوم

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 38 *»

القيمة و هذه النجاسات ستة انواع فتكون الاغسال الواجبة ستة و لماكان الغسل لتطهير درن النجاسة الحاصلة من المعصية الحاصلة من النفس الامارة بالسوء و كانت النفس في المرأة ضعف ما كان في الرجل لان اللّه سبحانه خلقها من جزء واحد من العقل و جزئين من النفس و الرجل خلقه بالعكس علي ما فصلنا في ساير مباحثاتنا و اجوبتنا اختصت المرأة بثلثة اغسال لم‏يشاركها الرجل و هي بازاء الجزء المختص بها من النفس و هي غسل الحيض و النفاس و الاستحاضة و شاركت الرجل في الثلثة الاخري و هي الجنابة و غسل الميت و غسل مس الميت و هي بازاء الجزء المشترك و انما كانت الاغسال ستة لانها تطهير مقتضي الماهية الخبيثة و حدودها ستة و هي الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و الزمان و المكان فغسل الميت دليل لمعصية الكفر فان الكافر ميت و المؤمن حي قال تعالي افمن كان ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً الاية، يخرج الحي من الميت الاية و هو قلبه نجس و صدره نجس و جسمه نجس فله ثلثة اغسال اي ادخال الايمان و رسوخه في المقامات الثلثة و غسل الجنابة للتطهير عن الكبائر التي تستقل بها النفس كالحسد و حب الرياسة و امثالهما فله غسل واحد لان قلبه طاهر و جسده ذاهل او تابع و ساير الاغسال للتطهير عن الكبائر التي للنفس و الجسد له مدخلية كالزنا و شرب الخمر و امثال ذلك فله الغسل للنفس لانها الكبري و الوضوء للجسد لانه الوجه الاضعف و الجهة الصغري فافهم ان كنت تفهم و الاّ فاسلم تسلم.

و ثانيهما ما ليست بسارية في كل الجسد اي باطنه لضعفها و ضعف تأثيرها و هي الحدث الاصغر و لايحتاج تطهيرها الي غسل البدن كله بل يكفي غسل البعض و لايرتفع الحدث الاصغر و الاكبر الاّ بالماء المطلق اما غير الماء فلعدم نفوذه الي الباطن و المراد تطهيره لا الظاهر و اما الماء المضاف فللخلط و الغلظة ايضاً لاينفذ في المسامات الضيقة و اذا نفذت ايضاً كالادهان الحادة او غيرها لايطهر لضعفه و تكدره بخلط الغير و بعده عن السماء لان الماء كله قد نزل من السماء كالعيون و الابار و الانهار و غيرها فافهم و ما قال الصدوق بجواز الغسل

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 39 *»

بماء الورد فساقط عن الاعتبار عند اولي الابصار و الحديث المروي فانما هو ما تفرد به محمد بن عيسي بن عبيد عن يونس بن عبدالرحمن و كان لايعمل الصدوق بمتفرداته وفاقاً لشيخه ابن الوليد و لكنه قد عمل هناك و لم‏يعمل به احد من الاصحاب فالحديث وارد مورد التقية فيراد منه التأويل و لايناسب الآن ذكر تأويله لارتياب الملحدين. و اما الاسئار فيكره استعمالها في الوضوء و الغسل للبعد المذكور و عدم بقائها علي صرافة الطهارة و الماء المشمّس يورث البرص و ماسوي ذلك فهو المختار المباح لرفع الحدث الاكبر و الاصغر.

و اذا فقد الماء و لم‏يوجد جعل بدله التمسح بالتراب لما فيه من كمال الخضوع و الذلة و المسكنة للمعبودة اذ ليس ادني من التراب شي‏ء فيكون جهة الخضوع و الذلة في التمسح به اكثر و اعظم و لذا كان السجود افضل اركان الصلوة كما يأتي الاشارة اليه ان‏شاء اللّه و اما مسحه بالجبهة لانها اشرف المواضع الظاهرة في الانسان و بيان انه يسم ناصيته بوسم العبودية و الذلة و الافتقار و ان نواصي الخلق بيده يديرها حيث يشاء كما قال تعالي و ما من دابة الاّ هو اخذ بناصيتها و لان التراب الطيب هو ظل ارض الجرز و البلد الطيب و هو الحامل لماء الوجود و هو علة التكوين و التكون و ليس اقرب الي الماء شي‏ء سوي التراب فكان بدله البتة و يمسح به ناصيته لماعرفت و يديه من الزندين لان اليد هي ظهور القدرة التامة فيذلل عنده تعالي اشرف اعضائه و اعظم ما فيه من القوة و القدرة و الشوكة فمع هذا التذلل الزايد يسوغ له الدخول في الصلوة مع الحدث الباطني الذي اشرنا اليه فاذا وجد الماء و تمكن من استعماله وجب عليه الوضوء او الغسل و لايعيد الصلوة فافهم.

و اما خصوصية غسل الاعضاء المعلومة و مسحها في الوضوء فقد روي الصدوق في الفقيه انه جاء نفر من اليهود الي رسول اللّه6 فسألوه عن مسائل و كان فيما سألوه اخبرنا يا محمد6 لاي علة توضي‏ء هذه الجوارح الاربعة و هي انظف المواضع في الجسد قال النبي6 لما ان وسوس الشيطان الي آدم7 دني من الشجرة

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 40 *»

فنظر اليها فذهب ماء وجهه ثم قام و مشي اليها و هي اول قدم مشت الي الخطيئة ثم تناول بيده منها ما عليها و اكل فطار الحلي و الحلل عن جسده فوضع آدم يده علي رأسه و بكي فلماتاب اللّه عزوجل عليه فرض عليه و علي ذريته تطهير هذه الجوارح الاربعة فامر اللّه عزوجل بغسل الوجه لمانظر الي الشجرة و امره بغسل اليدين الي المرفقين لماتناول بهما و امره بمسح الرأس لماوضع يده علي امّ رأسه و امره بمسح القدمين لما مشي الي الخطيئة هـ . و كتب ابوالحسن علي بن موسي الرضا7الي محمد بن سنان فيهما كتب من جواب مسائله ان علة الوضوء التي من اجلها صار علي العبد غسل الوجه و الذراعين و مسح الرأس و الرجلين و القدمين لقيامه بين يدي اللّه عزوجل و استقباله اياه بجوارحه الظاهرة و ملاقاته بها الكرام الكاتبين فيغسل الوجه للسجود و الخضوع و يغسل اليدين ليقلبهما و يرغب بهما و يرهب و يتبتل و يمسح الرأس و القدمين لانهما ظاهران مكشوفان يستقبل بهما علي كلّ حالاته و ليس فيهما من الخضوع و التبتل ما في الوجه و الذراعين هـ .

و اما خصوصية الغسل الترتيبي فلانّ الرأس هو الطف المواضع الظاهرة و اشرفها و فيه وجه القلب الذي به يعرف الشخص لا بغيره فيجب تقديم غسله علي كلّ الاعضاء و الرقبة تابعة للرأس او جزء منه فتدخل في الغسل معه و امّا الشق الايمن فهو يحكي عن يمين العرش و هو اشرف من الشق الايسر فيجب تأخير الايسر عن الايمن فالرأس بازاء عالم الجبروت و الايمن بازاء عالم الملكوت و الايسر بازاء عالم الملك و لماكان الفم لاجل صعود الابخرة و الحرارة لايخلو في الغالب من الاوساخ و الكثافات و كذلك الانف لماينحدر منه من النخامة و غيرها من الاعراض و الغرايب كاليد التي يباشر بها الاشياء الجيدة و الردية لاتخلو من الوسخ و الكثافة، امر الشارع7 و ندب المكلفين الي غسل اليدين من الزندين في الوضوء لطهارة الغائط مرتين و لغيرها مرة و التمضمض و السواك و الاستنشاق و قراءة الادعية المأثورة ليبلغ الكمال في التصفية و ليتوجه الي اللّه سبحانه ببدن طاهر زكي فليستشعر

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 41 *»

المصلي ان اللّه سبحانه اذا كان اعتناؤه لتطهير البدن الظاهري للصلوة هذا المقدار فما ظنك باعتنائه تعالي لتطهير القلب فان به قوام الجسد و الاعتناء بتطهيره عن رذائل الاخلاق و مذامّ الصفات و المعاصي الكبيرة و الصغيرة و الغفلات الظاهرة و الباطنة اكثر و اعظم بل هذه الطهارة بيان و صفة و دليل لتلك الطهارة و من اراد معرفة كيفية تطهير القلب و تخليته عن الرذائل و تحليته بالفضائل فليرجع الي الرسالة التي كتبناها لبعض العلماء من الاذكياء في هذا الشأن و ذكرها هنا يوجب التطويل هذا مجمل القول في الطهارة و اسرارها و هي المقدمة الاولي للصلوة.

اما المقدمة الثانية: فهي ستر العورتين في الصلوة فلاتجوز عرياناً الاّ عند الضرورة فحينئذ يصلي قاعداً و يؤمي للركوع و السجود. و اما سرّه و حقيقته فاعلم ان اللّه سبحانه واحد في الذات و الصفات و الافعال و العبادة فالعابد يجب ان‏يري معبوده واحداً لايشاركه شي‏ء في المعبودية و لايكون كذلك الا و يري الاشياء مضمحلة باطلة فانية لا استقلال لها و لا تذوت و الا لوجد مستقلاً سواه فلايكون هو المعبود دون ماعداه و لماكان بين المدرك و جهة الادراك لابد من المناسبة وجب ان‏يجعل اللّه سبحانه في العبد قوة الهية بسيطة وحدانية يدرك الواحد المضمحل عنده سواه و الباطل عنده ماعداه ليصح له التوجه الكامل البالغ الي الواحد المغيب بظهوره كل ماعداه و الاّ لايمكنه ذلك و تلك القوة التي بها تقام مراسم العبودية هي العقل و هي الذي عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان و هي قوة الهية تدرك معاني الاشياء و اسرارها اي الامر الواحد الذي له الشئون المتكثرة و الاضافات المختلفة و هي الناظرة الي شجرة طوبي و سدرة المنتهي و بها تعبد اللّه سبحانه اذ لاتري هذه القوة اموراً متكثرة مختلفة ليجعل له تعالي الشريك و الوزير و لذا تري العبادة و الصلوة تدور مدار العقل فمن بلغ حد ظهور العقل و الرشد فهو المكلف العابد للّه و من لم‏يبلغ او طرء له الجنون و زال عقله فليس بمكلف و لايجوز له التكليف اذ ليس له ذلك النور الوحداني

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 42 *»

الذي به يوحد اللّه سبحانه و يعبده و يعرض عمن سواه و لكن اللّه سبحانه جعل لظهور اثار هذه القوة مراكب و هي النفس و الجسم و هما له بمنزلة المركب و يحمل اثقاله الي بلد لم‏يكن بالغه الاّ بشق الانفس و هما لدناءتهما و بعدهما عن المبدء لايدركان الاّ الامور المختلفة المتكثرة و لايميلان الا الي الشهوات المخالفة لارادة الحق سبحانه فيجب سترهما و اخفاء شهواتهما و الاعراض عما يقتضيان من اللذات الراجعة الي انفسهما في كل وقت سيما في اوقات الصلوات و الوقوف للمناجات بين يدي خالق السموات و باري‏ء المسموكات و يجب التوجه و الالتفات الي العبادة بنظر العقل فانه لايري سوي اللّه سبحانه و لايري مستقلاً غيره فتخلص عبادته عن شوب الرياء و غرض من اغراض الدنيا و هذا تأويل ان العصير العنبي و التمري لايطهران الاّ اذا ذهب ثلثاه و هما نصيبا الشيطان و محل بوله فان الانسان مثلث احد اضلاعه العقل و الثاني النفس و الثالث الجسم فلايؤمن و لايطهر الاّ اذا ذهب ثلثاه اي مقتضيات النفس و الجسد و شهواتهما و بقي مقتضي العقل وحده فانه لايحب الاّ الخير و لايميل الاّ اليه.

فالنفس و الجسد هما العورتان اللتان يجب سترهما و لايستعملان الاّ فيما امر اللّه سبحانه فالجسد هو مخرج الغائط للغلظة و الكثافة و كونه من فضول الهضم الاول بالاتفاق و النفس هو مخرج البول لرقة البول و لطافته و كونه من الهضم الثاني عند الاطباء و لذا يصب الماء لتطهير البول مرتين بخلاف غيره و لايجزي عنه الاّ الماء بخلاف الغائط فان الاحجار تجزي عن الماء بالشروط المعلومة الا ان الهيئة اختلفت في الرجال و النساء لان النساء لماكانت جهة النفس فيهن غالبة و مقتضاها عندهن اكثر من الرجال ظهر المخرج علي هيئة ورق الآس كهيئة الارواح في العالم الاول فان الروح جهة الربط بين العقل و النفس مثل ذلك الموضع و اما الرجال فلماكانت جهة العقل فيهم اعظم و مقتضاه عندهم اكثر و لهم الهيمنة علي النساء ظهر المخرج علي هيئة ظهور العقل و هو الالف القائم لبيان ان النفس في الرجال و هم المؤمنون كالكلب المعلّم او انها اطمأنت في طاعة العقل حتي تزيّت بزيّه و تلبست بلباسه قال الشاعر و نعم ما قال:

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 43 *»

رق الزجاج و رقت الخمر   فتشاكلا و تشابه الامر
فكأنما خمر و لا قدح   و كأنما قدح و لا خمر

فافهم و المؤمن رجل و الكافر انثي قال تعالي ان يدعون من دونه الاّ اناثاً و ان يدعون الاّ شيطاناً مريداً لعنه اللّه فافهم ان كنت تفهم و الاّ فاسلم تسلم.

و لماكانت جهة النفس في المرأة اكثر لماقلنا من انها خلقت من جزئين من النفس الامارة بالسوء فجهة المهية فيها اغلب و الظلمة فيها اغلظ كان كل جسدها عورة لان النفس قد جرت بظهورها في كل الجسد بخلاف الرجل فان جهة النفس فيه ضعيفة فصار ظهور النفس عند التجرد و التجسد في المخرجين خاصة فالمرأة كل بدنها عورة يجب سترها الاّ الوجه و ظهر القدمين و الكفين اما الوجه فلتوجهها به الي اللّه سبحانه و لتوجه اللّه اليها به لانه وجه القلب و القلب محل نظر اللّه فتأثير النفس فيه ضعيف اما الكفان لتقلبهما الي اللّه سبحانه بالتضرع و الابتهال و الخضوع و الخشوع و مدّهما للسؤال و اما القدمان لتسعي بهما الي طاعة اللّه سبحانه و تمشي بهما الي محل قربه و رضاه.

و اما الساتر فيجب اَلاّ يكون نجساً و لا مغصوباً. اما النجاسة فلماقلنا سابقاً من انها جهة الاعراض عنه سبحانه فتضاد حال الاقبال اليه فيجب رفعها و ازالتها و اما الغصب فلانه ظلم و الظلم غير جهة الحق سبحانه فلايصح ان‏يكون في الصلوة التي هي جهته سبحانه و يجب ايضاً اَلاّ يكون من جلد ما لايؤكل لحمه و لا من صوفه و لا من شعره و لا من وبره و لا ان‏يكون ملطوخاً بشي‏ء من روثه و بوله لان الحيوانات التي لاتؤكل لحومها انكرت ولاية اولياء اللّه و معاداة اعدائه و هذا الانكار ان كان في الظاهر و الباطن فهي نجسة كالكلب و الخنزير و ان كان الانكار في الباطن دون الظاهر فان كان الاقرار الظاهري قوياً بظهور اثاره بحيث غلب نوره العرضي علي ظلمته الذاتية فهذا يكون في الباطن نجساً حراماً يظهر ذلك اذا رد كل فرع الي اصله و يكون ظاهره طاهراً حلالاً و ذلك كما ورد في العصفور من انه عمري مع ان لحمه حلال و هو طاهر و ان كان الانكار في الباطن و الظاهر الا انه اصابه لطخ من فاضل طينة المقرين فهذا القسم حرام

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 44 *»

لحومها و لكنها طاهرة لمكان ذلك اللطخ فاذا عرفت هذا عرفت ان شيئاً من اجزائها و لحومها و فضلاتها لايجوز ان‏يكون مع المصلي لان الصلوة صرف التوجه الي اللّه سبحانه لخلوص الظاهر و الباطن عن شوب كل ماعداه سبحانه كما قال تعالي فاعبدوا اللّه مخلصين له الدين و الصلوة رأس العبادة و اصلها و ذروتها و سنامها فكيف يكون في حال الصلوة يصحب معه شيئاً يكرهه اللّه سبحانه و تعالي و قد عرفت ان ما لايؤكل لحمه ما اخلصت للّه سبحانه و تعالي العبودية و ما اذعنت له بالطاعة فصار باطنها كظاهرها كما قال تعالي ناكسوا رءوسهم عند ربهم.

و قد استثني من هذا القسم الخز و السنجاب لقوة اللطخ العرضي النوراني فيهما حتي تنورا فطهر جلدهما بذلك النور و ضعف ظهور ظلمة الادبار فيهما فصح للمصلي ان‏يلبسهما و ان كانا في الباطن ظلمة الادبار مستولية عليهما و سبيلهما سبيل التمر و العنب فان ابليس لعنه اللّه قد بال عليهما و استجن بوله في باطنهما يظهر نتنه و نجاسته اذا اصابتهما النار و اما قبلها فهما طاهران حلالان يؤكلان و ذلك لماذكرنا لك من غلبة حكم الظاهر علي حكم الباطن و يحتمل ان‏يكون الخز و السنجاب في الباطن مؤمنين و انكارهما في الظاهر الا ان حكم الباطن ما اضمحل بالكلية في حكم الظاهر كما اضمحل في كلب اصحاب الكهف. و اقسام الحيوانات في الحلية و الحرمة و الطهارة و النجاسة ليست منحصرة اصولها و عللها بما ذكرنا و انما هنا تفاصيل عجيبة و اسرار غريبة لايسعني الآن بيانها اذا ما كل مايعلم يقال فان من الناس من يحتمل و منهم من لايحتمل و من العلوم ما تحتمل و منها ما لاتحتمل نعم ما ذكرنا وجه مما لم‏نذكر فافهم.

و لايجوز للرجال لبس الحرير و الذهب في الصلوة خلاف المرأة فان ماعدا ما ذكرنا يجوز لها ان‏تلبس كيف شاءت و حقيقة الامر في ذلك ماذكرنا سابقاً من ان الرجل خلقه اللّه سبحانه من جزئين من العقل و حكم العقل عليهم مستول غالب و لماكان العقل هو اول مؤمن بالله و اول مقر له بملكة الربوبية و رقة العبودية كان اشد الاشياء و اعظمهم خضوعاً للّه سبحانه و ذلة بين يديه فكان مسكنه التراب و ذلك ابوتراب و لذلك كان طبيعته باردة يابسة و زحل

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 45 *»

الذي هو النجم الثاقب هو الكوكب المنسوب اليه و هو نحس علي اهل الدنيا يأمر بالزهد و الخضوع و الخشوع و الاعراض عن الدنيا و الاراضي و الحبوب و النباتات منسوبة اليه فاذا كان كذلك فالعقل لايطلب الا ما يناسبه من لباس الخضوع و الخشوع و الذلة و هو ما ينسج من نبات الارض بلاواسطة كالقطن و الكتان و امثالهما او ما يقوم مقامهما في الذلة و المسكنة و البرودة و اليبوسة كالجلود و الاصواف و الاوبار و الاشعار مما يؤكل لحمه من الحيوانات اذا كان ذكية و لاتكون ميتة لانها طيبة طاهرة خاضعة للّه سبحانه بسرّ العبودية ناظرة الي التراب حياءً و خوفاً من الجبار قهار البرية فليس في جلودها و اصوافها و اوبارها شي‏ء ينافي الاخلاص في العبودية فيلائم العقل و يناسبه.

و اما الحرير فانه مأخوذ من الابريسم و هو يكون من الدودة المعروفة و هي مما لايؤكل لحمه فيكون الابريسم في المعني و الحقيقة فضلة منها مع ان الابريسم و الحرير زينة اهل الدنيا فلايلائم العقل و الدودة قيل روي انها من الديدان التي كانت في بدن ايوب7 لماابتلاه اللّه سبحانه حين شك و بكي فقال هذا امر عظيم و خطب جسيم فاوحي اللّه تعالي اليه اتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت آدم بالبلاء فوهبت له بالتسليم له بامرة المؤمنين و انت تقول امر عظيم و خطب جسيم فواللّه لاذيقنك من عذابي او تتوب الي بالطاعة لاميرالمؤمنين فتكون تلك الديدان قد تكونت من ظلمة الادبار الجزئي الاضافي و الابريسم فضلة منها و لذا كان زينة الدنيا فلايصحب الحرير الكامل في الخضوع و الاقبال و المتمحض في الاخلاص المتوجه اليه تعالي بالغدو و الاصال كما هو شأن العقل في جميع الاحوال.

و اما الذهب فلانه و ان كان من المعادن و هي ادني من النبات الا انه لايلائم العقل في الطبيعة و الاقتضاء اما الطبيعة فلان الذهب حار رطب علي القول المختار و هي ضد طبيعة العقل البرودة و اليبوسة و اما الاقتضاء فلان مقتضي الذهب الزينة و التجمل و التفاخر و لذا كان في هذه

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 46 *»

الدنيا محبوب اعداء اللّه و معظماً عندهم كما اشير اليه في قوله تعالي حكاية عن فلان فلولا القي عليه اسورة من ذهب او جاء معه الملائكة مقترنين و مقتضي العقل الزهد و الاعراض عن زخارف الدنيا و زبرجها و لذا منع من تزخرف المساجد و المصاحف فلايجتمع المقتضيان ابداً فلايصح للرجل الغالب عليه حكم العقل و مقتضاه ان‏يلبس حال الصلوة الحرير و لباس الذهب الا اذا اضمحل الحرير في غيره مما يصح فيه الصلوة.

و اما المرأة فلماكان حكم النفس عليها غالباً و هي انما اعدت للزينة و التجمل و طبعها في هذا اللحاظ حار رطب و لذا كان كوكبها الزهرة ميالة الي اللهو و اللعب مادام استيلاء حكم النفس الامارة فيناسب كينونتها و يلائم طبيعتها لبس الحرير و الذهب فابيح لها ذلك.

و لماكان العقل هو النور الابيض و يستمد من حجاب اللؤلؤ عن يمين العرش الاعظم الاعلي فاللباس البيض هو اولي بمقامه و لذا استحب للمصلي ذلك.

فاذا عرفت ان النفس هي العورة كالجسد فاللباس الذي يستر هذه العورة هو لباس التقوي و بها تستر قبايح النفس و عيوبها يوم القيمة يوم يقوم الناس لرب العالمين فانها يوم يؤتي بالاعمال كهيئتها في الدنيا فيأتون بالزاني حال زنائه و باللاطي في تلك الحالة و بالسارق حين يمد يده الي السرقة و هكذا ساير الاحوال و الاوضاع فمن تلبس بلباس التقوي فعورته مصونة و عيوبه و سوءاته مغطاة مخفية و من ليس عليه ذلك اللباس فعنده الفضيحة الكبري و الشناعة العظمي نستجير باللّه من ذلك.

فلباس هذه الدنيا دليل و آية للباس التقوي فالمتوجه الي اللّه سبحانه و المقبل اليه كيف يواجهه تعالي بصلوته التي هي معراجه بعورة مكشوفة بادية و هي وجه الغير و علة الكدورة و اصل الاعراض و في تحقيق هذا اللباس لنا كلمات عجيبة ليس لي الان اقبال لذكرها فتركها اولي.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 47 *»

المقدمة الثالثة: في الاوقات و خصوصياتها لفعل الصلوة في الفقيه عن الحسن بن علي بن ابي‏طالب روحي لهما الفداء و8 انه قال جاء نفر من اليهود الي النبي6فسأله اعلمهم عن مسائل و كان مما سأله اخبرني عن اللّه عزوجل لاي شي‏ء فرض هذه الخمس صلوات في خمس اوقات علي امتك في ساعات الليل و النهار فقال النبي6 ان الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها فاذا دخلت فيها زالت الشمس فيسبح كل شي‏ء دون الارض بحمد ربي جل جلاله و هي الساعة التي يصلي علي فيها ربي جل جلاله ففرض اللّه علي و علي امتي فيها الصلوة و قال اقم الصلوة لدلوك الشمس الي غسق الليل و هي الساعة التي يؤتي فيها بجهنم يوم القيمة فما من عبد مؤمن يوافق تلك الساعة ان‏يكون ساجداً و راكعاً و قائماً الا حرم اللّه جسده علي النار و اما صلوة العصر فهي الساعة التي اكل آدم فيها من الشجرة فاخرجه اللّه عزوجل من الجنة فامر اللّه عزوجل ذريته بهذه الصلوة الي يوم القيمة و اختارها لامتي فهي من احب الصلوات الي اللّه عزوجل و اوصاني ان احفظها من بين الصلوات و اما صلوة المغرب فهي الساعة التي تاب اللّه عزوجل فيها علي آدم7 و كان مابين ما اكل من الشجرة و بين ما تاب اللّه عزوجل عليه ثلثمائة سنة من ايام الدنيا و في ايام الاخرة يوم كالف سنة ما بين العصر و العشاء و صلي آدم7 ثلث ركعات ركعة لخطيئته و ركعة لخطيئة حوا3 و ركعة لتوبته ففرض اللّه عزوجل هذه الثلث ركعات علي امتي و هي الساعة التي يستجاب فيها الدعاء فوعدني ربي عزوجل ان‏يستجيب لمن دعاه فيها و هي الصلوة التي امرني ربي بها في قوله تعالي فسبحان اللّه حين تمسون و حين تصبحون. و اما صلوة العشاء الاخرة فان للقبر ظلمة و يوم القيمة ظلمة امرني ربي عزوجل بهذه الصلوة لينوّر القبر و ليعطيني و امتي النور علي الصراط و ما من قدم مشت الي صلوة العتمة الا حرم اللّه عزوجل جسدها علي النار و هي الصلوة التي اختارها اللّه تقدس ذكره للمرسلين قبلي و اما صلوة الفجر فان الشمس اذا طلعت تطلع

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 48 *»

علي قرني الشيطان فامرني ربي عزوجل ان اصلي قبل طلوع الشمس صلوة الغداة و قبل ان‏يسجد لها الكافر لتسجد امتي للّه عزوجل و سرعتها احب الي اللّه عزوجل و هي الصلوة التي تشهدها ملئكة الليل و ملئكة النهار هـ .

اعلم ان الكلام علي المواقيت و اصل تكونها و منشأ حقيقتها طويل الا اني اشير اليها اشارة كافية حسب ما اشير اليه في هذا الحديث الشريف صلي اللّه علي قائله.

اعلم ان الظهر هو اول وقت خلقه اللّه سبحانه في العالم لم‏يسبقه وقت ابداً كما عن الرضا7 ان اللّه سبحانه لماخلق العالم كان طالع الدنيا السرطان و الكواكب كانت في اشرافها و شرف الشمس في التاسع عشر من برج الحمل فاذا كان الطالع السرطان كان الرابع الحمل فيكون الحمل هو وتد السماء اشرف الاوتاد الاربعة و شرف الشمس في الحمل و الشمس في شرفها فيكون الشمس في اول الانحراف عن دائرة نصف النهار و هو وقت فريضة الظهر و هو اول وقت المبدء و لذا سمي ظهراً لكون الشمس في غاية الظهور في اقطار العالم لانها اذاً لا شرقية و لا غربية نور علي نور و هو الوقت الذي يسبح للّه كل شي‏ء و تفتح ابواب الخير لفوران فوارة النور علي حدود المقادير في ذلك الوقت و ترد الافاضات علي قوابل الكائنات و لذا يستحب ان‏يقول العبد في ذلك الوقت سبحان اللّه لا اله الاّ اللّه الحمد للّه الذي لم‏يتخذ ولداً و لم‏يكن له شريك في الملك و لم‏يكن له ولي من الذلّ و لماكانت الصلوة اشرف العبادات و الوصلات الي اللّه تعالي و اعلي مهابط فيضه و منار قدرته لانها التوجه الكامل الي اللّه عزوجل بكل الكينونة وجبت في ذلك الوقت الذي هو منشأ الخيرات و ينبوع الافاضات و هي اول صلوة فرضت في الوجود و لذا كان الابتداء في القضاء من صلوة الظهر لمن جهل ترتيب فوات الصلوات منه.

و لما ان اللّه سبحانه نفذت مشيته و سبقت كلمته و اقتضت حكمته ان‏يقدم الليل علي النهار و يستولي الظلمات علي النور و يجعل للباطل دولة اتماماً للحجة عليهم و اكمالاً للنعمة علي المؤمنين وكل علي الشمس سبعين الف ملك

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 49 *»

يجذبونها اخذ بكل شعاع منها خمسة الاف من الملئكة فامرهم ان‏يميلوا بها نحو المغرب انفاذاً لمشيته و اعلاناً لكلمته فلمامالوا بها نحو المغرب ظهر الفتور و الضعف في ظهور نور الشمس و اشراقها و تلألؤها و لمعانها فخلق اللّه سبحانه الظن في ذلك الوقت كما انه خلق اليقين في وقت الظهر و هو وقت منشأ ظهور الظلمات و هو الوقت الذي خلق اللّه فيه المرأة معتصرة من الرجل و لذا سمي عصراً او لانه من الاعصار الذي فيه نار و هو يناسب الوجه الاول و هو خلق الظن و مبدء ظهور الظلمة و الوجهان متناسبان بل مؤدي الكل الي واحد فاوجب اللّه سبحانه الصلوة في هذا الوقت لتكون جابرة لكسر ما يقع في ذلك الوقت من الظلمات و مقوية لماظهر من الضعف و الفتور في حقايق الكائنات و لتكون وصلة في طلب الخيرات و رفع الظنون و الخيالات و الاهتداء الي سواء الصراط.

و لما ان اللّه سبحانه قضي غلبة الظلمة علي النور امر اللّه الملئكة الموكلين علي الشمس ان‏يجرّوها بكلاليب النور حتي واروها في الحجاب فغمسوها في عين حمئة فغلبت الظلمة و استولت علي النور مع بقاء حكم النور و عدم اضمحلاله بالمرة و هو يوم الايلاج و اول تقارن النور و الظلمة و تكافؤهما فخلق اللّه سبحانه بهذا التكافؤ و الاقتران الشك و هو وقت المغرب و يعرف بذهاب الحمرة المشرقية المنبي‏ء عن سقوط القرص بالكلية و لماكان مقام تساوي النور و الظلمة و غروب مبدء النور و ظهور مبدء الظلمة و عنده فساد الكائنات و وقوع الشك و الشبهات اوجب اللّه سبحانه الصلوة في ذلك الوقت لتكون مقوية لماانهدم من البنية و متمماً لمانقص من نضج الطبيعة.

فلماغربت الشمس بالكلية و نقص سلطانها عن وجه الارض و نزعت الملئكة عنها نورها و خرّت ساجدة تحت عرش ربها و منعت عن التصرف النوري في عالم الاكدار عند استيلاء الاغيار و ذلك عند ذهاب الحمرة المغربية و هو وقت العشاء و يوم الغشيان و هو قوله تعالي يغشي الليل النهار و هو مقام تراكم الظلمات و تصادم الشهوات و تلاطم امواج بحر الانيات و هو الوقت

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 50 *»

الذي خلق اللّه فيه الجهل فاوجب اللّه سبحانه هذا الوقت الذي هو اشد الاوقات علي المؤمن في الكون الثاني و اعلي الاوقات و اشرفها في الكون الاول فاوجب اللّه سبحانه الصلوة للحالتين في الكونين لتكون بنورها مذهبة لتلك الظلمات و بحرارة ذاتها محرقة و مفنية لتلك الكثرات ان في ذلك لايات لاولي الالباب.

ثم لماقضت الظلمة وطرها و عادت الطيور الي وكرها و انَ للقوابل السفلية ان‏تبطل و تضمحل لاستيلاء البرودة و ان‏تقل نضجها لضعف الحرارة قضي اللّه سبحانه اجابة لطلبات القابليات رفع تلك الظلمات لكونها من الشجرة الخبيثة المجتثة التي ليس لها ثبات و لا قرار فانشق عمود الفجر و عادت الملائكة الي الذكر و رجع الشفع الي الوتر و ظهر النور علي جبل الطور في الليل الديجور فاوجب اللّه سبحانه الصلوة في ذلك الوقت شكراً لانعمه و اظهاراً لكرمه و مننه و قطعاً لدابر الظلمة و هو قوله تعالي ان قرآن الفجر كان مشهوداً تشهده ملائكة الليل و النهار لان ذلك يوم الايلاج ايلاج النهار في الليل و في ذلك اليوم خلق اللّه الجوزهر في فلك القمر و ظهرت العقدتان و هما الجنتان المدهامتان.

فظهر لك من هذا البيان التام و الكلام الشامل العام ان هذه الاوقات الخمسة هي مبادي الوجود و الشارح لاحوال عالم الغيبة و الشهود و محل ظهور اللّه سبحانه في الخلق بكلتا يديه اليمني و اليسري و ان كان كلتا يديه يمين و لذا وجبت فيها الصلوة الخمس التي هي اقوي الوسائل و اعلي الاسباب الموصلة الي قدرة اللّه سبحانه و فيضه و قربه و لذا سمي صلوة لانها مشتقة اما من الوصلة او من الصلة اي العطية او من الصلوان و المعاني الثلثة كلها مطابقة لمدلول الصلوة كما سبق فراجع.

ثم ان الاوقات الخمسة كلّ منها دليل عالم من العوالم الخمسة التي بها تمّ الوجود كما ان كل يوم بليلته دليل تمام كلّ العوالم فالظهر دليل عالم الجبروت و آية ظهور المعاني و مبدء الخلق في الوجود المقيد و عالم العقل و سر النقل و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 51 *»

هو اول الزوال اي زوال شمس الوجود الي مغرب الحدود و القيود و العصر دليل عالم الارواح الوجه الاعلي المتصل بالعقل في كمال السعة و النورانية و الوجه الاسفل المتصل بالنفس عالم الكثرة في كمال الضيق فكان علي هيئة ورق الاس و العصر ايضاً كذلك لان الوجه المتصل بالظهر في كمال الحرارة و قوة النور و الوجه الاسفل المتصل بالمغرب في كمال البرودة و ضعف النور و المغرب دليل عالم النفس لغروب النور الوحداني الاجمالي فيها و بقاء النور الشخصي المدبر للمقامات الشخصية فلااضمحل النور بالكلية فيها و لا استولي كذلك بل هي كهيئة المغرب و عالمها بالاضافة الي العالم الاعلي و ان كان في عالمها كوقت الظهر فافهم و العشاء دليل عالم الطبيعة لانه مقام كسر الانوار و موت الاحياء و اضمحلال الاشباح كما في ما بين النفختين بالنسبة الي العالم الجسماني فلا حس و لا محسوس كما كان في وقت العشاء الاخرة قد سكنت الحواس و هدأت الاصوات و تراكمت الظلمة التي هي طبع الموت و استولت علي النور الذي هو طبع الحيوة و ماتت الاشياء بموت النوم او الحقيقي و لذا كان الموت غالباً في الليل دون النهار الا اذا كان المقتضي قوياً.

فان قلت لم كان وقت صلوة العشاء من ذهاب الحمرة المغربية الي نصف الليل بل كان ينبغي علي الوصف الذي ذكرت ان‏يكون من ذهاب الحمرة الي الصبح، قلت لان من ذهاب الحمرة تأخذ الظلمة في الاستيلاء و القوة و الشدة الي نصف الليل و بعد ذلك تميل قاعدة المخروط الظلماني عن سمت الرأس و تأخذ في الاضمحلال و الفناء شيئاً فشيئاً الي ان‏تفني و تعدم فكان وقت العشاء الي حد الاستيلاء لا غير.

فان قلت فعلي ما ذكرت وجب ان‏يكون وقت المغرب بين ذهاب الحمرتين المغربية و المشرقية مع ان وقت صلوة المغرب يمتد مقدار اداء صلوة العشاء من نصف الليل او مقدار اداء اربع ركعات من نصف الليل، قلت ذلك وقت الفضيلة حتي قال بعضهم بتعين الوقت في ذلك و ساعدته اخبار كثيرة و هو الاحوط الا ان المشهور الاول لكمال القرب بين العالمين و وقوع الموت بالمعني الباطني في عالم النفس ايضاً اذا كانت النفس امارة بالسوء و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 52 *»

معرضة عن ذكر الحق عزوجل فكان يجري ما يجري في الموت الاعظم في عالم الطبيعة الا ان عالم الطبيعة متأخر و عالم النفس متقدم كما حكم الشارع7في صلوتهما من الترتيب و التوزيع.

و الصبح دليل عالم المثال و اقترانه بالاجسام فانه اول وقت الظهور و الحيوة بعد الموت و البعث بعد النفخة.

و لماكانت هذه العوالم هي اصول العوالم و مبادي الموجودات و في كل عالم يعبد اللّه سبحانه و تعالي فيه و العبادات كلها مطوية في الصلوة جعل الشارع7 في الاوقات الخمسة الصلوة بياناً و شرحاً لعبادة كل عالم بحسبه فافهم و نزيدك ان‏شاء اللّه تعالي فيما بعد من هذا الكلام شيئاً يسيراً عند عدد الركعات فترقب.

اما معرفة الزوال فقد روي عن ابي عبداللّه7 انه قال تزول الشمس في النصف من حزيران علي نصف قدم و في النصف من تموز علي قدم و نصف و في النصف من آب علي قدمين و نصف و في النصف من ايلول علي ثلثة اقدام و نصف و في النصف من تشرين الاول علي خمسة و نصف و في النصف من تشرين الاخر علي سبعة و نصف و في النصف من كانون الاول علي تسعة و نصف و في النصف من كانون الاخر علي سبعة و نصف و في النصف من شباط علي خمسة و نصف و في النصف من آذار علي ثلثة و نصف و في النصف من نيسان علي قدمين و نصف و في النصف من ايار علي قدم و نصف و في النصف من حزيران علي نصف قدم هـ . و هذا التحديد يكون في بلاد يكون العرض اكثر من الميل الكلي و اما البلاد التي عرضها يساوي الميل او اقل منه لايجري عليها ما ذكره اذ في الاول ينعدم الظل في النصف من حزيران و هو اول السرطان و هو مقام غاية بعد الشمس عن معدل النهار و في الثاني ينعدم الظل يومين يوم قبل النصف من حزيران و يوم بعده و في النصف من حزيران قد يكون اقل من نصف قدم و قد يكون اكثر علي حسب الدرجات. ثم ان هذا التحديد لايجري ايضاً في البلاد التي عرضها اكثر من الميل الاعظم و انما هي في اطراف العراق التي بعدها اقل و التفاوت منه الي تمام

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 53 *»

الميل اقل كما في عراق العرب و قد نقل المجلسي عن البهائي رحمه اللّه انه قال اني جربت هذا التحديد في النجف الاشرف و وجدته تقريبياً و ذكر المجلسي انه في اصفهان ايضاً تقريبي هـ . و الظاهر ان التقريبي يكفي في هذا المقام لبيان الامام7 و سكوته عن التفصيل الاّ المواضع التي يكون التفاوت فاحشاً بيناً يعرفه الاغلب فان المدار في امثال هذه المقامات العرف سيما مع بيانه7 و اهماله التفصيل لانهم قالوا:ان رسول اللّه6 امر باشياء و نهي عن اشياء و سكت عن اشياء و ليس سكوته عنها جهلاً فاسكتوا عما سكت اللّه و ابهموا ما ابهمه اللّه.

و قال الصادق7 تبيان زوال الشمس ان‏تأخذ عوداً طوله ذراع و اربع اصابع فتجعل اربع اصابع في الارض فاذا نقص الظل حتي يبلغ غايته ثم زاد فقد زالت الشمس و تفتح ابواب السماء و تهبّ الرياح و تقضي الحوايج العظام هـ . و بطريق اخر انك اذا عرفت قبلة البلد و عرفت مقدار قوس انحرافه عن القطب اما الجنوبي او الشمالي الي المشرق او المغرب تنحرف بقدر تلك القوس الي تلك الجهة و تجعل لكل درجة اصبعاً فاذا كانت قوس الانحراف اثني‏عشر درجة كما في الكوفة و بغداد تقريباً مثلاً و انحرافهما من الجنوب الي المغرب فتنحرف شبراً عن القبلة من موضع سجودك الي موضع قدمك و تنظر الي الشمس فاذا كانت علي الايمن فقد زالت الشمس و وجبت الصلوة هـ . و هذه القاعدة تعين الزوال لمن عرف القبلة و تعين القبلة لمن عرف الزوال و ان لم‏يعرفهما ينظر الي الجدي حال ارتفاعه او حال انخفاضه بالليل فيقابله بحيث يحاذيه اي يجعله بين العينين ثم يرسم خطاً بازائه في الارض او يضع علامة اخري ثم يستدبر عنه و يقابل العلامة فانه يقابل نقطة الجنوب ثم بقدر قوس الانحراف ينحرف عنه يميناً او شمالاً فذلك سمت القبلة ثم ينظر علي تلك العلامة الشمس في النهار فاذا كانت علي الحاجب الايمن فهو وقت الزوال و هذا لا اشكال فيه فان العلماء ذكروا قسي الانحرافات و عيّنوها و ضبطوها فمن عرف طول البلد و عرضه يمكنه استخراج قوس الانحراف

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 54 *»

بقياس طول البلد و عرضه الي طول مكة و عرضها و كيفية الاستخراج مذكورة في كتب علماء الهيئة و ربما اشرنا هنا في مبحث القبلة و ربما لم‏نشر لان المطلوب من وضع هذا الكتاب ثبت ما لم‏يكتبه غيري و اما الذي كتبوه و رسموه فلا فائدة اذن في ثبته لان الوقت اضيق من ذلك الاّ ان‏يكون من باب التصحيح او الجرح او امثالهما.

المقدمة الرابعة: في القبلة و اسرارها اعلم ان القبلة هي وجه العبد الي اللّه تعالي اي جهة توجهه اليه تعالي اي جهة يتوجه بها الي اللّه سبحانه لماعلم بالضرورة ان ذات الحق سبحانه و تعالي لايتوجه اليها من حيث نفسها لاحتراق الاشياء لديها بل لدي ظهور نور عظمتها كما احترقت بنواسرائيل و خرّ موسي لماتجلي لهم نور بقدر سمّ الابرة من نور رجل من الكروبيين الذين هم ادني العبيد بالنسبة اليه تعالي و هو نور رجل من شيعة آل محمد:كما في البصائر عن الصادق7 فلايتوجه اليه سبحانه بذاته و انما التوجه اليه بنور قدسه و تجلي كلمته و ظهور صنعه و اثار قدرته و اشباح عظمته و العبد له حالتان لايخلو منهما احديهما حالة الفناء و الاضمحلال عند سطوع اشعة انوار الجلال و الجمال فلايجد نفسه ابداً و انما يشاهد ربه بنفسه التي هي وجه ربه له به قال اميرالمؤمنين7 بل تجلي لها بها فلا كلام عن هذا المقام لانه ليس مقصودنا هنا و ثانيهما حالة الفرق و مشاهدة النفس فانه حينئذ يجد نفسه و يجد (يحمد خ‏ل) ربه فيعبده و لايشرك به شيئاً فيجب حينئذ ان‏يكون له رابطة فيض من مبدئه اليه و ان كانت في الصورة الاولي هذه الرابطة موجودة الا انها غير منظور فيها و لا ملتفت اليها فيلتفت اليها من غير الالتفات اليها كما قال مولينا الحسين7 حتي ارجع اليك منها كما دخلت اليك منها مصون السرّ عن النظر اليها و مرفوع الهمة عن الاعتماد عليها انك علي كل شي‏ء قدير. و تلك الرابطة و الواسطة هي وجه مبدئه اليه يصل الفيض بها اليه حيث لايقدر علي التلقي منه تعالي بلاواسطة لكمال دناءته و كمال عزته و منعته و تلك الواسطة

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 55 *»

لاتكون الا مبدء وجوده لبطلان الطفرة فذلك الوجه هو القبلة التي بها يتوجه العبد الي اللّه تعالي.

و قد ثبت بالادلة القطعية ان محمداً و آله: هم مبدء الوجود و قدخلقهم اللّه سبحانه قبل ان‏يخلق الخلق بمائة الف دهر كل دهر مائة الف سنة و كل سنة مائة الف شهر و كل شهر مائة الف جمعة و كل جمعة مائة الف يوم و كل يوم مائة الف ساعة و كل ساعة كالف سنة مما تعدون و استغفر اللّه عن التحديد بالقليل ثم خلق الخلق من فاضل نورهم و شعاعهم كما قال النبي6 ما معناه ان اللّه خلق العرش و الكرسي من نوري فنوري واللّه اشرف من العرش و الكرسي و خلق الملئكة من نور علي7 فنور علي7واللّه اشرف من الملئكة و خلق السموات السبع و الارضين السبع من نور فاطمة3فنورها واللّه اشرف من السموات و الارضين و خلق الشمس و القمر من نور الحسن7 فنور الحسن واللّه اشرف من الشمس و القمر و خلق الجنة و الحور العين من نور الحسين7 فنور الحسين واللّه اشرف من الجنة و الحور العين هـ . فاذا تدبرت وجدت ان هذه المذكورات كل الوجود او مباديه التي وجدت باقي الاكوان و تكونت باقتران بعضها ببعض فاذا كان كذلك فهم مهابط فيض اللّه و معادن حكمته و ينابيع قدرته ارادة الرب في مقادير اموره تهبط اليهم و يصدر من بيوتهم الصادر لمافصّل من احكام العباد فهم قبلة الافاق و باب اللّه للخلايق علي الاطلاق فلايتوجه متوجه الي اللّه تعالي الا بهم و في الزيارة من اراد اللّه بدء بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم و قالوا: نحن وجه اللّه الذي به يتوجه اليه الاولياء و هم المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان فكانوا: قبلة اهل كل عالم بحسبه الي ان ظهروا في العالم الجسماني بالهياكل البشرية.

و لماكانت الصلوة هي جهة توجه العبد الي اللّه تعالي بكل كينونته و منها الآلات الجسمانية فوجب ان‏يكون وجه الاجسام و قبلتها مبدأها منها فوجب التوجه اليه تعالي في الصلوة بذلك المبدء و لماكانت اجسامهم

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 56 *»

المطهرة المنورة: هي مبدء الاجسام و العناصر و الاسطقسات وجب ان‏تتعين للقبلة لكنها ما تعينت لوجهين:

احدهما لو امر الناس بان‏يتخذوهم:قبلة كانوا يعبدونهم و يتخذونهم ارباباً من دون اللّه كما عبدوهم و اتخذوهم من دون ذلك فكان جعلهم القبلة اعانة لاهل الباطل في باطلهم فكانوا سبب اضلال الخلايق بعد ما جاءوا لهدايتهم و كان فيه توهم الناس انهم يريدون ان‏يعبدوا من دون اللّه فجعلوا انفسهم قبلة و كانوا يتمسكون به في تكذيبهم: و كيف كانوا يرضون بذلك مع انه6لماامر الخلق بطاعة علي7 و الايتمار لاوامره و الانتهاء عن معصيته ارتدوا علي اعقابهم كفاراً حائدين عن الحق فكيف اذا جعلهم قبلة لهم لماكانوا يرضون به و لاتثبت للاسلام كلمة ابداً.

و ثانيهما انهم: لماظهروا بالهياكل البشرية جرت عليهم مقتضياتها من الاكل و الشرب و الجماع و النقل عن مكان الي مكان اخر فما كانوا يستقرون في مكان معين حتي يتوجه اليهم الخلق في ذلك المكان و عند الاستقرار و اللبث في المكان الواحد لم‏تنتشر كلمة الاسلام و التوحيد و لم‏تثبت للدين دعامة كما هو المعلوم مع ما في الاستقرار في المكان الواحد دائماً خروج عن مقتضي البشرية فكان في ذلك توهيم و تلبيس علي الناس و لو كانوا في امكنة شتي لم‏يتمكن الخلق من التوجه اليهم حيث كانوا اذ ليست لهم تلك البصيرة ليشاهدوهم عياناً اين كانوا و اعطاء هذه البصيرة بكشف الغطاء خلاف ما جري عليه نظام الخلق و تدبير العالم فلم‏يبق الا ان‏يكون جسم من المبادي من سنخ اجسامهم: في الارض و قد قالوا: ان طينتنا خلقت من عشر قبضات خمسة من الجنة و خمسة من الارض فاما الخمسة التي من الارض هي بيت المقدس و ارض مكة و المدينة و الكوفة و حاير الحسين7 و كل من هذه الاراضي صالحة لان‏تكون قبلة لكونها وجهاً من وجوههم: الا ان الحاير

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 57 *»

اشرفها ثم الكوفة ثم المدينة ثم مكة ثم بيت المقدس فادناها بيت المقدس و اعلاها حاير المقدس علي ساكنه الاف التحية و الشرف فالحاير و الكوفة و المدينة لم‏تقتض المصلحة ان‏تكون قبلة لوجوه كثيرة منها ما ذكرنا في عدم تعين ابدانهم المقدسة لاشتراك المحذور فان تلك الاماكن كانت منسوبة اليهم من حيث هم و لذا قال الصادق7لماقيل له ان ارض كربلا مع كونها اشرف من ارض مكة و اعلي منها لم ما صارت قبلة و مقصداً للحجاج و العباد و صارت ارض مكة كذلك مع انها ادني منها قال7 كان علي7 يقول لولا ان رسول اللّه6 امر بمسح ظاهر القدم كان مسح باطن القدم اولي و هذا الجواب كما تري اشارة الي ان كربلا كانت اولي بان‏تكون قبلة و مقصداً للحجاج لان اللّه سبحانه خلقها قبل خلق الخلق باربعة و عشرين الف عام و انها لم‏تزل طيبة طاهرة مقدسة و هي اعلي طبقات الجنة لم‏يسكنها الا الصديقون الاّ ان الحكم الالهية و المصالح الربانية اقتضت ان‏تكون القبلة ارض مكة.

و حقيقة الامر في ذلك ان ارض كربلا بمنزلة القلب و ارض الكوفة بمنزلة الصدر في الانسان و ارض المدينة بمنزلة الدماغ و ارض مكة بمنزلة الوجه و ظهور القلب انما كان بالوجه لانه دليله و آيته و لذا لايعرف الشخص و القلب الاّ بالوجه و لايتوجه الي القلب الاّ بالوجه فهو ظاهر القلب و التوجه اليه هو التوجه الي القلب و كذلك مكة ظاهر كربلا و وجهها و دليلها فالتوجه الي مكة هو التوجه الي كربلاء اذ لايؤتي الي القلب الاّ من جهة الوجه فلاتؤتي كربلا لاقامة اداء المناسك و قيام مراسم العبودية الاّ من جهة ارض مكة فالاتيان الي مكة هو الاتيان الي كربلا فكانت كربلا هي القبلة لانها اشرف القبضات الاّ ان ظهورها بمكة و لذا كانت مكة ام القري لان الارض انما دحيت من تحتها لانها حامل ظهور الاصل الذي هو كربلاء لانها اول بقعة خلقها اللّه سبحانه قبل خلق العالم و لما ان مكة حكت مثالها و ظهورها فكانت الارض في مقام الظهور و التفصيل و بروز الاجمال الي التفصيل انما دحيت من مكة

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 58 *»

فكانت مكة هي القبلة و المطاف مادامت الدنيا موجودة و بعد خراب الدنيا و قيام القيمة و ذهاب القشور و فناء الظواهر و رجوع العالم من عالم القشر الي عالم اللبّ كان المقصود و المطاف هو ارض كربلاء لدلالة الاخبار علي انها اشرف طبقات الجنان التي فيها محمد و آله صلوات اللّه عليهم و اهل الجنة كلّ جمعة يأتون لزيارة الرب عندهم: لان من زارهم كان كمن زار اللّه كما ان الخلق الآن يأتون لزيارة الرب الي مكة فافهم.

ثم ان كربلاء هي ذكر الحسين7 و الكوفة هي ذكر مولينا علي7 و نسبته و المدينة هي ذكر النبي6 و نسبته و مكة هي ذكر اللّه و نسبته فكان كربلاء و اخواتها نسبتها الي مكة كنسبة قرآن كلام اللّه اليهم: فانهم و ان كانوا افضل من القرآن لانهم الذين حملوا القرآن و اظهروه في هذا العالم الاّ ان في القرآن ذكر اللّه اعظم فكان القرآن يحكي عن اللّه مع انه منهم و اليهم:مثلاً اذا قلت انا قال اللّه عزوجل كذا و كذا و قال النبي6 كذا و كذا و قال اميرالمؤمنين7 كذا و كذا و قلت انا كذا و كذا فهذه الاقوال الاربعة كلها منسوبة الي و متقومة بي و صادرة عني الاّ انك حين التفاتك الي قول الامام7 ملتفت اليه ذاهل عني فكان تري صفاته كلها عند الالتفات الي قوله الذي انا حكيت لك لا عند ذاتي و لا عند قولي و كذا حين التفاتك الي قول النبي6 و قول اللّه عز ذكره فتري ذكرهما عند قولهما الذين حكيتهما عنهما لا غير فتجري كل صفة عند ذكر موصوفها و هكذا الكلام في الاراضي المذكورة فكانت ارض مكة ذكر اللّه الذي حكاه الحسين7 بمقامه في ارض كربلاء فلنقبض العنان فللحيطان اذان فما اسعدك لو وفقت لفهم ما ذكرنا من السرّ الحق و الكبريت الاحمر مع انا نقول لو جعلت تلك الاراضي قبلة ما اطاعت الناس لماذكرنا من معاداة صاحبها و الحالّ فيها فان بين الحالّ و المحل مناسبة لاتخفي.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 59 *»

و اما بيت المقدس لكونه ضعيفاً في القوة و الشدة في النورانية لم‏تصلح لاستمرار القبلة فكان قبلة قبل البعثة و قبل نضج الكينونة لما فيه من رشح طينتهم: فصلح لان تكون قبلة لهم و اما بعد نضج البدن و صفاء القلب و قوة المعرفة وجب نسخ كونها قبلة و جعل الكعبة قبلة مستقرة الي فناء الدنيا و بعد ذلك و حصول النضج التام و النور العام و الادراك الكامل و العقل الشامل يستقر الامر علي الاصل الواقعي الاولي و يرجع العود كالبدء و يظهر قوله تعالي يوم يكشف عن ساق و يدعون الي السجود فلايستطيعون خاشعة ابصارهم و ذلك الساق ساق علي بن ابي‏طالب اميرالمؤمنين7روحي له الفداء كما دلت عليه الروايات و شهد بصحته العقل فرجعت القبلة الي اصلها و حقيقتها لما ذهبت الاغيار و صفت المدارك عن الاكدار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار و نزيدك ان‏شاء اللّه تعالي عن هذا المرام في الحج.

و لايجوز استدبار القبلة اختياراً لماذكرنا و اما حال الاضطرار فيبطل حكم الظاهر و يغلب حكم الباطن فيصلي كيف ما تمكن اينما تولوا فثَمَّ وجه اللّه فافهم و اتقن.

فاذا عرفت ان القبلة الجسمانية وجه من وجوه آل محمد: فلايصح الصلوة الي الفرع اذا لم‏يكن التوجه الي الاصل لانهم القبلة الواقعية و السبل الحقيقية فالعبد اذا لم‏يتوجه بهم الي اللّه فلاينفعه التوجه الي القبلة الظاهرية و لهذا نقل المخالف و المؤالف عن النبي6انه قال قال اللّه تعالي لو ان عبداً عبدني حتي يصير كالشنّ البالي و حج الف حجة و اعتمر الف عمرة و غزا الف غزوة و قتل بين الركن و المقام مظلوماً شهيداً ثم يأتيني غير موالٍ لعلي بن ابي‏طالب7 ما نالته رحمتي و اكببته علي منخريه في نار جهنم هـ . فانظر ماذا تري ثبتك اللّه و ايانا بالقول الثابت.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 60 *»

المقدمة الخامسة: في المكان و اسرارها اعلم ان المصلي حقيقة هو العقل لان مقامه مقام العبادة و هو اول واقف في مقام اياك نعبد و اياك نستعين لانه اول مقام الصحو و ما قبله مقام السكر و الفناء و الزوال و فقدان النفس و وجدان الرب و دخوله المدينة علي حين غفلة من اهلها فالمصلي هو العقل و لذا تري المجنون و الصبي و النائم و السكران و المغمي عليه لايصلون فمنهم من لايمكنهم و منهم من لايكلفون و ان قدروا علي تحصيل الصورة لان الاصل الذي عليه مدار الصلوة و ساير التكاليف مفقود فيهم و هو المكلف بالاصالة حين قال له الحق سبحانه اقبل و ادبر و غيره انما كان تكليفه بالتبع و العرض و العقل مكانه و محله القلب الذي هو عرش الرحمن و به يقول الشخص انا و ظهور العقل الذي في القلب في الدماغ و لماكانت الصلوة هي التوجه الي اللّه سبحانه بالكينونة فيكون المسجد و محل الصلوة و العبادة هو القلب فيجب ان‏يكون طاهراً عن لوث الكفر و اضمار ما لايحبه اللّه تعالي من الحسد و العجب و الكبر و حب الرياسة و امثال ذلك مما مقره الركن الايسر من القلب فانها كلها نجاسات تبطل بها الصلوة لانها معراج المؤمن فلايعرج القلب مع ما عليه من ظلمات الكفر او الفسق او مطلق ما لايحبه اللّه سبحانه و لايرضاه.

و لما ان الصورة الانسانية في الهيكل البشري في الجسم الظاهري انما ظهرت علي هيئة العقل و كينونته لان شكله الاستقامة و الخضوع و التذلل و الفناء في البقاء و النعيم في الشقاء و العز في الذل و امثالها (امثالهما خ‏ل) مما حكته الصورة الانسانية الظاهرية، فالامكنة الظاهرية مما يستقر عليه البدن الظاهري الحامل للصورة الحاكية للعقل و صورته و صفته و هيئته يجب ان‏تكون طاهرة عن النجاسات و صافية عن درن الظلمات.

و لماوجب ان‏تكون الصلوة و ساير العبادات صادرة عن قلب خالص مؤمن متق علي بصيرة تامة و معرفة كاملة عامة في اللّه سبحانه و صفاته و اسمائه و معرفة انبيائه و اوليائه و معاداة اعدائه و منكريه و الايمان بكل ما جاءت به انبياؤه و اتت به رسله: و لايصح صدورها عن قلب كافر غير بصير و غير مؤمن بالله سبحانه و تعالي و اوليائه و معاداة اعدائه

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 61 *»

فيجب ان‏تكون الصلوة و ساير العبادات عن قلب مخلص طاهر مؤمن في العالم الاول عن بصيرة حقيقية و معرفة كاملة في ولاء آل اللّه و لاتصح اذا كانت عن قلب كافر منافق في العالم الاول و لكنه اصابه لطخ من سنخ قلوب اولياء اللّه المقتضي للايمان و حسن الاخلاق العرضي الغير الذاتي كالصورة الانسانية التي لغير المؤمن فانها ليست له و انما هي غصب اغتصبها الكافر لحصول مَاربه و مقاصده من التعيش و التلذذ في هذه الدنيا و اغواء ساير الخلق كما حكي عنهم سبحانه تعالي و لامنينهم و لآمرنهم الاية فما عندهم من النور و الخير و الصلاح و السداد و فعل اعمال البر كل ذلك من مقتضيات لباس التقوي التي هي مختصة بالمؤمنين قد اغتصبها الكافرون فاعمال هؤلاء عمل علي المكان المغصوب لاينفعهم و انما يضرهم و نفعه يرجع الي صاحب اللطخ و اصله اذا رجع كل فرع الي اصله كمن زرع في الارض المغصوبة و اتجر بالمال المغصوب و ما عند المؤمن من سوء الخلق و سوء الافعال و الاعمال فانما هو من لطخ اصاب المؤمن حين اتيانه الي هذه الدنيا فهو من ظلم المنافقين و الكافرين و اعداء الائمة الطاهرين الا لعنة اللّه علي الظالمين.

و علي ما شرحت لك و فصلت لك ظهرت حقيقة الامر في الايمان المستقر و المستودع و الكفر المستقر و المستودع و لابد ان‏يزول المستودع و يرجع الامر الي المستقر من الطرفين و لذا تجد الرجل مؤمناً صالحاً في كل اوقات عمره بحيث ظن الناس انه من اهل الجنة ثم يختم له بالسوء  فيموت علي ولاية اعداء اللّه و معاداة اولياء اللّه فيدخل جهنم و بئس المصير اعاذنا اللّه من ذلك و تجد الرجل كافراً او فاسقاً طول عمره حتي ظن الناس انه من اهل النار فيختم له بالخير و السعادة و يموت علي ولاية اولياء اللّه و معاداة اعدائه فيكون مصيره الي الجنة و هي خير مستقراً و احسن مقيلاً و هذا هو مضمون الحديث الوارد عن النبي6 فنور المؤمن عند الكافر غصب و عليه مقر افعاله الحسنة و ظلمة المنافق عند المؤمن ظلم و عليها مقر افعاله الخبيثة.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 62 *»

اعلم ان الاجماع قد حصل علي ان الصلوة في الارض المغصوبة و المكان المغصوب فاسدة باطلة و اما في غير الغصب مما ورد النهي عن ذلك فعلي القول بان الامر بالشي‏ء يقتضي النهي عن ضده العام و ان اجتماع الامر و النهي في الشي‏ء الواحد جائز علي اعتبارين يقتضي صحة الصلوة عليه مثل الصلوة في المسجد قبل ازالة النجاسة عنه اذا كان المسجد نجساً و وقت الصلوة متسعاً لصحة الاجتماع علي القول الاصح و عدم اقتضاء الامر النهي للضد الخاص قطعاً و علي القول بعدم الجواز لايجوز فالفريقان اتفقا في المنع عن الصلوة في المكان المغصوب و اختلفوا في غيره و السرّ في ذلك ما اشرنا اليه لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد من ان الغصب في الحقيقة شي‏ء لا اصل له لذاته و انما هو لغيره و الي غيره و اما غيره كالصلوة في المسجد قبل ازالة النجاسة فالصلوة قد وقعت علي المكان اللايق بها و غاية ما في الباب ان المصلي ترك امراً اخر مما ليس جزءاً للصلوة و لا شرطاً و ذلك يورث كدورة اخري في الشخص لا للصلوة و قد يمحيها نور الصلوة اذا اراد اللّه و شاء التفضل عليه و قد لايمحيها لانه خارج لا دخل له فيها بوجه بخلاف الغصب و ان كانت قاعدة الاجتماع في الامر و النهي و عدم اقتضاء الامر النهي بالوجه الذي ذكرنا تقتضي جواز الصلوة الا انك اذا نظرت الي حقيقة الامر و باطنه وجدت عدم الجواز هنا فان القلب اذا كان مغصوباً يرجع الي اصله فلاينفع الشخص الحامل ابداً بوجه من الوجوه الا بالامور العرضية الدنياوية و ذلك لايكون مؤسس حكم و لا مؤصل اصل و كذلك الحكم اذا كان نجساً و اما اذا كان الشخص طائعاً و فاعلاً الخير في مقام و عاصياً فاعلاً الشر في مقام اخر فان اعمال هذا الشخص لاترد عليه و لاتحكم بالبطلان لان الشر لايحبط الخير و لايبطله لقوة الخير و اجتثاث الشر و الاحباط ليس من مذهبنا.

فاذا عرفت ان المصلي و العابد هو العقل وحده و محله و مكانه القلب و ساير القوي آلات و مراكب للعقل فيكون المسجد في الحقيقة هو القلب لانه محل العبادة و منه تنشأ الي غيره بالعرض و لماكان الرجال فيهم جهة العقل

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 63 *»

اقوي و اكثر و قلبهم اوسع و اشرف و لماكان القلب هو الشي‏ء و هو المعبر عنه بانا فكان الرجال هم المساجد و هم البيوت التي يعبد اللّه فيها و يذكر فيها اسمه و قد قال عزوجل اشارة الي هذا المعني في بيوت اذن اللّه ان‏ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الاصال رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه علي قراءة المبني للمجهول في يسبح فيكون الرجال هم البيوت التي اذن اللّه ان‏ترفع لان الرجل هو محل العقل لا سواه كما ان النساء محل النفس لا سواهن و مرادي بالمحل في المقامين محل الغالب حتي يكون المغلوب المضمحل في حكم العدم كما يقال ان فلاناً صفراوي المزاج و ذلك معلوم فاذا كان الرجال هم المساجد فلا شك ان كل من غلب عليه حكم الرجولية و يكون اشرف اي يكون مخلصاً في الطاعة للّه تعالي يكون هذا المعني فيهم اظهر و لماكان آل محمد صلي اللّه عليهم هم المخلصين في توحيد اللّه و التامين في محبته و المولعين في طاعته فيكونون سلام اللّه عليهم هم المساجد و هم اشرفها و اليهم يرجع قوله تعالي في التأويل و ان المساجد للّه فلاتدعوا مع اللّه احداً و هم الذين كانوا للّه بحيث قطعوا عن انفسهم و فنت ارادتهم و مشيتهم: في ارادة اللّه و مشيته ثم بعدهم الانبياء: مساجد اللّه تعالي يعبد اللّه عزوجل فيها لان قلوبهم هي محل عبادة العقل و جنوده من الملائكة الصافين المسبحين المهللين المقدسين المستغفرين ثم بعدهم المؤمنون و الاتقياء و الصلحاء مساجد للّه عزوجل.

و لماكان العالم الاسفل حكاية للعالم الاعلي كما قال مولينا الرضا7قدعلم اولوا الالباب ان ما هنالك لايعلم الاّ بما هيهنا فحكي كل ذرة من ذرات العالم السفلي ظهوراً من ظهورات العالم العلوي فصار شرفها علي مقدار حكاية ذلك الظهور فان كانت الحكاية عن الاعلي في العالم الاول العلوي كان الحاكي اشرف المقامات في العالم الثاني السفلي و ان كانت عن الاسفل كان اسفل فالمساجد الثلثة و توابعها لماكانت منسوبة الي محمد و آله6

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 64 *»

كانت اشرف المساجد و اعلاها و اقربها الي اللّه عزوجل و ادناها و هي المسجد الحرام و مسجد النبي6 و مسجد كوفة.

فالاول منسوب اليهم من حيث باطنهم و سرّهم الذي هم فيه آيات اللّه و كلماته و مقاماته و علاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان فكان المسجد لهذه الجهة منسوباً الي اللّه عزوجل بهم لكن في مقام الاسم الفاعل و الاسم عند ظهور الذات مضمحل كما اذا قلت يا قائم لاتتوجه الاّ الي الذات و لاتلتفت الي الصفة و لا الي جهتها و من هذه الجهة كانت الصلوة فيه تعادل الف الف صلوة كما عن النبي6 علي ما رواه في الفقيه قال رسول اللّه6 الصلوة في مسجدي كالف صلوة في غيره الاّ المسجد الحرام فان الصلوة في المسجد الحرام تعدل الف صلوة في مسجدي هـ . و ذلك لان تلك النسبة في مقام الذات و الفؤاد و هي جامعة لجميع المراتب الوجودية من العشر قبضات المذكورة التي لوحظت في نفسها لنسبة بعضها مع بعض و ظهور العوالم و المقامات الحاصلة بالقرانات فكان الحاصل بعد اللحاظ مائة ثم ملاحظة هذه المائة في الاطوار العشرة المتنزلة المترتبة و هي الفؤاد و العقل المرتفع و العقل المستوي و العقل المنخفض و الروح و النفس و الطبيعة و المادة و المثال و الجسم فكان الحاصل الفاً فاذا لوحظ قران هذا الالف بعضه مع بعض و نسبته كان الحاصل الف الف و هذه المراتب كلها متوجهة الي اللّه و مستغرقة لنسبة المسجد الحرام فكان لكل مقام ثواب فيبلغ ادني الثواب هذا المبلغ و يضاعف اللّه لمن يشاء من فضله و كرمه و قد ورد ايضاً ان الصلوة في المسجد الحرام تعدل مائة الف صلوة و هنا ملاحظة كليات المقامات و هي بعد التفصيل و التشخيص تبلغ الف الف.

و الثاني اي مسجد النبي6 منسوب الي مقام النبوة المطلقة الخاصة بالحقيقة المحمدية6 و النبوة في مقام العقل الرسول الي كافة الخلق بالاقبال و الادبار و هو اول مقام النهاية تحت مقام الفؤاد الذي هو عالم اللانهاية فيكون بينهما هذه النسبة فان الالف الف في المقام

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 65 *»

الاعلي الف في المقام الاسفل لسعة تلك الدائرة و ضيق الاخري مع وقوعها بحذاء الاولي فافهم و لهذا ورد ان الصلوة في مسجد النبي6 تعدل الف صلوة كما ذكرنا و ورد ايضاً انها تعدل عشرة الاف صلوة لان مراتب عالم اللانهاية و مقامات الفؤاد منتفية في ذلك العالم فينقص.

و الثالث اي مسجد الكوفة منسوب الي مقام الولاية المطلقة التفصيلية و هي مقام النفس الظاهرة بالتدبير و الولاية في البدن و العالم بامر اللّه تعالي و اذنه و حكمه و مشيته و ارادته و قدرته و تقديره و قضائه و امضائه فتكون الصلوة فيها تعدل الف صلوة لكونها انزل من مقام العقل برتبة واحدة و العشرات اذا تنزلت برتبة كانت احاداً و رواية الالف في مسجد النبي6محمولة علي كليات المقامات التي تفصيلها يبلغ عشرة الاف انما كان التنزل من الالف الف الي عشرة الاف مع كون الرتبة نازلة بمرتبة واحدة في المسجد الحرام بالنسبة الي مسجد النبي6 و القاعدة ان‏يكون في مسجد النبي6 مائة الف اذا كانت المسجد الحرام الف الف و كان النزول في الاخيرين بمرتبة واحدة نزول عشرة الاف الي الالف لان في مقام الفؤاد و محل نسبة المسجد الحرام مقامين احدهما الوجه الاعلي من الفؤاد و هو في ذلك المقام آية و دليل للتوحيد و النسبة في هذا المقام و ثانيهما مقام الفؤاد اي الحقيقة و الوجود و اقترانه بالمهية ثم مقام العقل فيكون التنزل هنا في مقامين فكان الالف الف عشرة الاف بخلاف العقل و النفس فان بينهما برزخاً لايبغيان و البرزخ لايترتب عليه حكم مستقل فكان نزول العشرة الي الواحد و قولي لايترتب عليه حكم اي في هذا المقام و هذا اللحاظ و الا فالاحكام المترتبة عليه كثيرة ليس الان موضع ذكرها و تفصيلها.

و اما مسجد السهلة فهو وجه من وجوه مسجد الكوفة و ان كان وجهه الاعظم كنسبة الدماغ الي الصدر فان فيه القوي المنشعبة عن النفس في الصدر كالمتخيلة و المتوهمة و المتفكرة و امثالها و كلها وجوه النفس و تفاصيل آلاتها و كذلك الحكم هنا ايضاً و لذا ورد ان تحته صخرة خضراء فيها صورة وجه كل

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 66 *»

نبي خلقه اللّه عزوجل و من تحته اخذت طينة كل نبي و هو موضع الراكب فقيل له و ما الراكب قال7 الخضر هـ . و الخضر وجه من الخضر الاعظم الاول الذي موضعه مسجد الكوفة الحامل للنور الاخضر فافهم فان بالبيان يطول الكلام و قوله الراكب اشارة الي ما ذكرنا فان النور الاخضر بذاته ليس راكباً للمواد الجسمية و انما ركوبه بآلاته و قواه و مشاعره و تفاصيل ظهوراته التي محلها الدماغ و تحته صورة الوجه الانساني الذي به يعرف الشخص لا بغيره من الاعضاء و الجوارح و هو قوله7 و تحته صخرة خضراء فيها صورة كل نبي فان الانبياء: تفاصيل ظهورات الولي المطلق فظهرت خاصية المتمكن في المكان لما بينهما من المناسبة الذاتية و المرابطة الحقيقية.

و لماكان المسجد هو محل السجود و حقيقة السجود الخضوع و الخشوع و الذلة و المسكنة للّه سبحانه كان الحاير المقدس علي ساكنه الاف التحية و الشرف من اعظم المساجد و اشرفها لان الحسين روحي له الفداء و7 وقع هناك جديلاً صريعاً ساجداً خاضعاً خاشعاً للّه سبحانه فادياً نفسه و اهله و ولده و عياله و اخوانه و اصحابه و امواله كلها في محبة اللّه تعالي و طلب رضاه و اظهار الخضوع و الذلة و المسكنة له تعالي حتي صار خضوع كل خاضع بفاضل خضوعه و خشوع كل خاشع بفاضل خشوعه و لم‏يكن له مراد سوي محبة اللّه سبحانه و حفظ نظام حكمته فكان مقتله الشريف مسجداً عظيماً خضع و سجد للّه تعالي فيه و لذا قارنه اللّه سبحانه بالمساجد الثلثة و نسبها الي نفسه و اختارها و شرّفها علي جميع المساجد علي وجه الارض و السماء.

و جعل للمسافر خياراً في القصر و الاتمام في هذه المواضع المقدسة المشرفة لعظم الانوار الالهية النازلة في هذه الاماكن المشرفة فتزيد الصلوة فيها نوراً و بهاءً و شرفاً و سناءً فاذا اكملها المصلي كان اعظم في نورانيتها و اكمل في شرافتها و ارفع لدرجاته بها فاحب اللّه سبحانه ان لايحرم المصلي المؤمن باللّه الكافر بالجبت و الطاغوت من تلك الفيوضات العظيمة و الانوار الجسيمة

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 67 *»

التي بها ينال اشرف الدرجات و اسني الكرامات و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و لذا ورد عن مولينا الصادق7ان من مكنون علم اللّه اتمام الصلوة للمسافر في هذه المواضع الاربعة و ما زاد شرف هذه المساجد الا لعظم شرف المساجد الحقيقية الاولية التي هذه المساجد رشحة من رشحات امطارها و لمعة من لمعات انوارها (اسرارها خ‏ل) و لو كان لي قلب مجتمع و اقبال و فراغ بال لبيّنت لك في هذه المقامات اموراً عجيبة و ذكرت لك تفصيل الامر في سرّ ان المسجد الحرام مع كونه اسفل و ادني من مسجد النبي6 و هو من مسجد الكوفة و هو من الحاير المقدس يكون ثواب الصلوة فيه اكثر و اصل شرافة هذه المواضع و التفاضل الحاصل لبعضها علي بعض و ان اشرت الي كل ذلك و ربما ازيدك ان‏شاء اللّه في مبحث الحج.

و اما المسجد الاقصي اي البيت المقدس فهو يحكي ظهور الانبياء:و خضوع عقلهم بجنوده في قلبهم للّه تعالي. و المسجد الاعظم الجامع في كل بلدة يحكي ظهور عدل من العدول الذين لهم: في كل خلف ينفون عن دينهم تحريف الغالين و انتحال المبطلين و هم الذين قال7 هم حجتي عليكم و انا حجة اللّه علي الخلق كما عن الحجة7 و هؤلاء هم المسجد الاعظم في كل بلد و هم المرجع لاهل ذلك البلد و مسجد المحلة و السوق اشارة الي ساير الشيعة من الخواص ممن لم‏يبلغ مبلغ اولئك الاشخاص فافهم.

المقدمة السادسة: ما يسجد عليه اعلم ان السجود لايجوز الاّ علي الارض او ما نبت منها غير مأكول و لا ملبوس لان السجود علي ما يأتي ان‏شاء اللّه تعالي خضوع و خشوع و ذلة للّه تعالي بوضع جبهته التي هي اشرف مواضعه الظاهرة علي اذلّ الاشياء و اخضعها و ليس الا التراب لانه طبع الموت و الفناء و الاضمحلال و الذلة و المسكنة و الفقر و الفاقة و كذلك مانبت منها اذا لم‏يبلغ

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 68 *»

النضج التام و الاعتدال العام الذي يصل الي حد يليق للاكل و اللباس و لماروي هشام بن الحكم قال قلت لابي عبداللّه7 اخبرني عما يجوز السجود عليه و عما لايجوز قال7 السجود لايجوز الاّ علي الارض او علي ما انبتت الارض الا ما اكل و لبس فقلت له جعلت فداك ماالعلة في ذلك قال7لان السجود خضوع للّه عزوجل فلاينبغي ان‏يكون علي ما يؤكل و يلبس لان ابناء الدنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون و الساجد في سجوده في عبادة اللّه عزوجل فلاينبغي ان‏يضع جبهته في سجوده علي معبود ابناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها و السجود علي الارض افضل لانه ابلغ في التواضع و الخضوع للّه عزوجل هـ .

و السجود علي التربة المقدسة الشريفة الحسينية علي ساكنها الاف الثناء و التحية افضل من الكل و اشرف كما قال7 السجود علي طين قبر الحسين7 ينور الي الارضين السابعة و من كان معه سبحة من طين قبر الحسين7كتب مسبحاً و ان لم‏يسبح هـ . لانها تربة الخضوع و الخشوع و الاستكانة للّه سبحانه و قد خضعت و ذلت و اقرت للّه تعالي بالعبودية و الرقية قبل ان‏يخلق اللّه الخلق باربعة و عشرين الف سنة مع انها طيبة طاهرة مصفاة عن جميع الاكدار و هي المراد من قوله تعالي و في الارض قطع متجاورات و هي القطع الطاهرة المجاورة الغير المتخلل بين تلك القطعات قطعات ملعونة و اراض خبيثة او غبار خارجي خرج من الاراضي الممسوخة و السبخة كيف لا و قد اشرق عليها نور الشمس الكبري و خرّ عليها اعظم اركان العرش الاعظم الاعلي و تجلي عليها نور قد كان النور المتجلي علي الطور جزءاً من مائة الف الف الف الف الف جزء من رأس الشعير من ذلك النور الواضح الاجلي و قد روي في الكروبيين انهم قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم اللّه خلف العرش لو قسم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم و لماسأل موسي ربه ما سأل امر رجلاً منهم فتجلي له بقدر سمّ الابرة فدكّ به الجبل و خرّ موسي صعقاً هـ .

فاذا كان مقدار سمّ الابرة من نور شيعة الحسين7 قد دكّ به الجبل و تخلل النور في كل جزء من اجزائه و صفّاه عن جميع الكدورات ثم

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 69 *»

جعله اربع قطع قطعة منها وقعت في البحر و كان غذاء للحيوانات البحرية و قطعة منها ساخت في الارض و كانت غذاء للجن و ساير الحشرات و قطعة منها طارت في الهواء و كانت غذاء للحيوانات البرية و هي الهباء المبثوث و قطعة منها بقيت علي الارض كما عن اميرالمؤمنين7 فما ظنك بمايقع عليه اصل نور الحسين7 الظاهر بالخضوع لماوقع من جواده صلوات اللّه عليه فتزلزلت الارض و خرّت الملائكة و تخلل النور في كل اجزاء الارض فطهرها طهارة لم‏يوجد مثلها في الدنيا فلم‏يبق عليها وسخ حتي تكون بذلك مضرة لشي‏ء من الاشياء بوجه من الوجوه فكانت تلك التربة المطهرة من هذه الجهة شفاء من كل داء و سقم علي جهة العموم في كل نوع من انواع الآلام و الاسقام انظر الي الاكسير فانه ارض تطهر بانواع المعالجات فاذا طهرت كانت شفاء من كل مرض و ذهاباً لكل هم و غم و تصفي ساير المعادن و الفلزات عن الكدورات كما جرب و اين طهارة الاكسير و صفاؤه من طهارة ارض كربلا و صفائها و اين نورانية جبل طور سيناء من نورانية ارض كربلاء فان هذا شي‏ء لايقاس و لا يدرك التفاضل بالحواس بل الاكسير عند تلك الارض الطيبة مكدر و طور سيناء عند هذه الارض المباركة ظلمانية.

فان قلت فعلي هذا يجب ان‏يكون السجود علي تربة النجف الاشرف و المدينة المنورة افضل و تكون شفاء من كل داء و يجوز اكلهما كما في تربة الحسين7 مع انه ليس كذلك، قلت انهما8 لم‏يظهرا بما ظهر به الحسين7 لمصالح فلم‏يظهر نورهما علي تربتهما كما ظهر نور الحسين7و عمّ ظهوره الا تري ان نور التجلي قد تجلي علي النبي6في جبل فاران فلم‏ينقطع الجبل و لم‏يندك كما اندك جبل الطور و ليس ذلك لان النور الواقع علي الطور اعظم كلا و حاشا بل النسبة كما ذكرنا و انما التجلي لم‏يكن علي الجبل بل علي الواقف عليه في العرش فافهم و لذا كانت التربة الحسينية مسجداً للخلق كلهم و شفاء لهم من كل داء دون غيرها في الثاني و الافضلية في الاول.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 70 *»

و اما المعادن فلماكان اصلها و مادتها الكبريت و هو من احجار جهنم فلاتصلح لان تكون مسجداً مع ان الفلزات و غيرها كلها من اصل تركيبها و تكوينها ارادت ان‏تكون ذهباً كما هو المقرر في محله فعاقها عائق عن ذلك كشدة البرودة و اليبوسة في الالماس و الحرارة في الياقوت و البرودة و الرطوبة في اللؤلؤ و هكذا و الذهب معبود اهل الدنيا فلايجوز السجود علي معبود ابناء الدنيا كما تلونا عليك من الحديث و اما الزجاج فقد ورد ان مادته الرمل و الملح و هما ممسوخان و هكذا البلور ايضاً و شرح حقيقة هذه الاحوال لايناسب هذا المقام فليطلب في غيره في مظانه و هذه مجمل اسرار مقدمات الصلوة و عللها ذكرتها مع قلب مغشوش مضطرب و لا قوة الاّ باللّه.

و اما كيفية الصلوة و حدودها و اسرارها و عللها: فانا نذكر حديثاً جامعاً لاسرارها و احوالها و نبين ما عسي ان‏يخفي من المعاني لغموض مأخذ هذا الحديث الشريف و نبين ايضاً بعض الوجوه التي لم‏يذكر في هذا الحديث و ذكر في غيره ليتم تمام اسرارها باتمام الحديث الشريف.

ذكر الشيخ الفقيه محمد بن علي بن بابويه باسناده عن ابن ابي‏عمير و محمد بن سنان عن الصباح المزني و سدير الصيرفي و محمد بن النعمان و مؤمن الطاق و عمر بن اذينة عن ابي عبداللّه7 انهم حضروه فقال7 يا عمر بن اذينة ما تري هذه الناصبة في اذانهم و صلوتهم فقلت جعلت فداك انهم يقولون ان ابي بن كعب الانصاري رآه في النوم فقال7 كذبوا واللّه ان دين اللّه تبارك و تعالي اعزّ من ان‏يري في النوم.

و قال ابو عبداللّه7 ان اللّه العزيز الجبار عرج بنبيه6 سمواته السبع اما اوليهن فبارك عليه صلوات اللّه عليه و آله و الثانية علّمه فيها فرضه و الثالثة انزل اللّه العزيز عليه محملاً من نور فيه اربعون نوعاً من انواع النور كانت محدقة حول العرش عرشه تبارك و تعالي تغشي ابصار الناظرين اما واحد منها فاصفر فمن اجل ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 71 *»

اصفرت الصفرة و واحد منها احمر فمن اجل ذلك احمرت الحمرة و واحد منها ابيض فمن اجل ذلك ابيض البياض و الباقي علي عدد ساير ما خلق اللّه من الالوان في ذلك المحمل حلق و سلاسل من فضة فجلس فيه ثم عرج به الي السماء الدنيا فنفرت الملئكة الي اطراف السماء ثم خرّت سجداً فقالت سبوح قدوس ربنا و رب الملائكة و الروح ما اشبه هذا النور بنور ربنا فقال جبرئيل اللّه اكبر اللّه اكبر.

اقول اعلم ان هذا الحديث الشريف صلي اللّه علي قائله يتضمن علي اسرار شريفة دقيقة من اسرار المعراج و غيره و لو تصدينا لشرح جميعها او بعضها لطال بنا الكلام فلنقتصر علي ما يتعلق بالصلوة و اسرارها و اعلم انه يستفاد من هذا الحديث و من غيره من الاحاديث الكثيرة ان الصلوة و ساير العبادات انما شرعت ليلة المعراج مع انه كان بعد البعثة بسنتين او سبع علي الخلاف مع ان الامة اتفقت علي ان النبي6 في اول البعثة كان يصلي بهذه الصلوة و كان يصلي معه علي7 و خديجة و بعض الاخبار ايضاً ان آدم7امر بالصلوة و الوضوء في الاوقات الخمسة لزوال الشامة السوداء عنه كما سبق فراجع و وجه الجمع بين المقامين في كمال الصعوبة و يحتاج بيانه الي ذكر مقدمات و شرح احوال الا اني اشير اشارة ما للمؤمن الممتحن.

و هي انه قد ثبت بالادلة القطعية ان محمداً6 علة لوجود الكائنات و المكونات و ما سواه و اوصياؤه انما خلقوا من شعاع نوره و فاضل ظهوره6 فحيث كان كذلك فله الهيمنة الكبري و الولاية العظمي و الاحاطة علي الكل فحين مايصعد في مقامه6 الي جناب مبدئه و يتوجه الي جناب باريه يشاهد الاشياء كلاً في مقامات وجوده و امكنة حدوده و يطلع عليها حين ما خلقه اللّه تعالي في البدء الاصلي الكوني الي ان‏يمرّ عن مقاماتها و يصعد عن رتبتها الي مقام لايطأه ملك مقرب و لا نبي مرسل ففرض اللّه عليه الصلوة قبل ان‏يخلق اللّه الخلق بمائة الف دهر في ليلة المعراج ففرض علي آدم7 حين خلقه و انزله الي الارض

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 72 *»

اياها و هكذا علي الانبياء من بعد آدم الي زمان بعثته المباركة الشريفة فلا منافاة بين الاخبار الا ان معرفتها حظ اولي الافئدة من المؤمنين الممتحنين و لماكان الامام7 في هذا المقام بصدد بيان الاذان و الاقامة فلا بأس بالاشارة الي مراده7 و ذكر وجه آخر اقرب الي الافهام.

اعلم ان علة المعراج هي اقامة الصلوة اي الاتصال بقربه تعالي و بمناجاته و ذكره او نفسه الظاهرة في المخلوقين لا عين ذاته فان ذلك محال و بالايدي لاتنال و لماكان الوصال في مقام الذات فلابد من اسقاط الاضافات و لماكان اسقاط الاضافات انما هو من تأييده و مدده كما في قوله7 جذب الاحدية لصفة التوحيد انزل اللّه تعالي عليه نوراً كما وصف7 ذا الوان مختلفة و طبايع متفاوتة و محملاً ذا حلق و سلاسل علي مقتضي مقام الكثرة فصعد عن مقام العناصر اي الجسد بما فيه من القوي الي السماء الدنيا سماء ذاتها و صفتها فالاولي سماء السابعة و هي فلك زحل فلك العقل و الثانية فلك القمر و هي السماء الاولي فلك الحيوة التي مقرها القلب اللحم الصنوبري و لماكانت الملئكة قد خلقوا من شعاع نوره6 و الشعاع لايتجاوز المنير فلماتجلي لهم ذلك النور الاعظم و الضياء الاقوم ظنّت الملئكة ان ذلك هو نور الذات جل و علا اذ لايدركون نوراً و مقاماً اعظم من ذلك و هو قوله7حكاية عنهم مااشبه هذا النور بنور ربنا جل و علا فابان7عن عبوديته و انه ليس بالذي توهمته الملئكة فقال بلسانه و هو جبرئيل اللّه اكبر اللّه اكبر اي اللّه اكبر و اجل من ان‏يوصف بهذا النور و يعرف بهذا الظهور بل انما انا عبد مربوب حقير فقير و اللّه اكبر من ان‏ينسب اليه مثلي سبحانه و تعالي عن ذلك علواً كبيراً.

انما ذكر التكبير لان مقام الكبرياء دون مقام العظمة و الجلال و البهاء و ذلك اول المقامات الصعودية و انما كرّر التكبير لماذكرنا من ارادة الذات و الصفات في السماء الاولي و السابعة و الفلك الرابع اي السماء الرابعة هي الاصل يستمدّ من ذات العرش و يمدّ السماء السابعة و يستمدّ من صفة العرش و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 73 *»

يمدّ فلك الاول و هو السماء الاولي و يستمدّ من ذات الكرسي و يمدّ السماء السادسة و من صفته يمدّ السماء الثانية و يستمدّ من ذات الطبيعة و يمدّ السماء الخامسة و يستمدّ من صفة الطبيعة الكلية و يمدّ السماء الثالثة و السماء الرابعة هي محل البيت المعمور كما يأتي ان‏شاء اللّه و هي القطب و الاصل و باقي السبعة فروع لها و تفاصيلها فلماابان6 للملائكة عبوديته و ان اللّه تعالي اكبر من ان‏يوصف بالرؤية او بانوار المخلوقين و صفات المحدثين اطمأنت الملئكة و سكنت و عرفت انه نور المخلوقين فاراد الامام7 بيان احوالهم بعد ذلك.

فقال7 فسكت الملئكة و فتحت ابواب السماء و اجتمعت الملئكة ثم جاءت فسلمت علي النبي6 افواجاً ثم قالت يا محمد كيف اخوك قال بخير قالت فان ادركته فاقرأه منا السلام فقال النبي6 اتعرفونه فقالوا كيف لانعرفه و قد اخذ اللّه عزوجل ميثاقك و ميثاقه منا و انا لنصلي عليك و عليه ثم زاده اربعين نوعاً من انواع النور لايشبه شي‏ء منه ذلك النور الاول و زاده في محمله حلقاً و سلاسل ثم عرج به الي السماء الثانية فلماقرب من باب السماء تنافرت الملئكة الي اطراف السماء و خرّت سجداً و قالت سبوح قدوس رب الملئكة و الروح ما اشبه هذا النور بنور ربنا فقال جبرئيل اشهد ان لا اله الاّ اللّه اشهد ان لا اله الاّ اللّه فاجتمعت الملائكة و فتحت ابواب السماء و قالت يا جبرئيل من هذا الذي معك فقال هذا محمد6 قالوا و قد بعث قال نعم قال رسول اللّه6 فخرجوا الي شبه المعانيق فسلموا علي فقالوا اقرأ اخاك السلام فقلت هل تعرفونه قالوا نعم كيف لانعرفه و قد اخذ اللّه ميثاقك و ميثاقه و ميثاق شيعته الي يوم القيمة علينا و انا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم خمساً يعنون وقت كل صلوة.

اقول الكلام في بيان هذه الكلمات كما تقدم و انما كان هذا المقام مقام الشهادة بالتوحيد دون ساير الاذكار لان السماء الثانية سماء الفكر و هي فلك

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 74 *»

الكاتب عطارد و عنده الصور و ترتيب التصورات في القضايا و في هذا المقام يتصورون الشريك بدعوي كاذبة لكونه مقام التعدد و الكثرة و تزاحم الصور المتكثرة و مقام الحجب عن الوحدة فيجوز تعدد الالهة تعالي اللّه عن ذلك فأتي بهذه العبارة في هذا المقام مكنسة لغبار الاوهام و لو حصل الصعود عن هذا المقام اي مقام الصور لم‏يبق مجال لتصور الشريك و هذا الحكم جار في مقابل هذه السماء اي السادسة فانها فلك المشتري و محل العلم و مأوي الحكم اي الكرسي القاضي القاعد علي كرسي الحكم في الامور المختلفة و الاهواء المتشتتة و باقي الكلمات ظاهرة ان‏شاء اللّه تعالي.

قال7 قال رسول اللّه6 ثم زادني ربي عزوجل اربعين نوعاً من انواع النور لاتشبه الانوار الاُوَل و زادني حلقاً و سلاسل ثم عرج بي الي السماء الثالثة فنفرت الملئكة الي اطراف السماء و خرّت سجداً و قالت سبوح قدوس رب الملئكة و الروح ما هذا النور الذي يشبه نور ربنا فقال جبرئيل اشهد ان محمداً رسول اللّه اشهد ان محمداً رسول اللّه6 فاجتمعت الملئكة و فتحت ابواب السماء فقالت مرحباً بالاول مرحباً بالاخر مرحباً بالحاشر مرحباً بالناشر محمد خاتم النبيين و علي خير الوصيين صلي اللّه عليهما فقال رسول اللّه6 فسلّموا علي و سألوني عن علي اخي فقلت هو في الارض خليفتي او تعرفونه فقالوا نعم و كيف لانعرفه و قد نحج البيت المعمور في كل سنة مرة و عليه رقّ ابيض فيه اسم محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الائمة: و شيعتهم الي يوم القيمة و انا لنبارك علي رءوسهم بايدينا.

اقول انما خص اسمه الشريف بالذكر لان السماء الثالثة مقر الزهرة و هي كوكبه6كما فصلنا في رسالتنا في اثبات النبوة الخاصة بدليل العقل فاطلبها و التكرار كما ذكرنا و اما ساير المطالب فلايتعلق بها غرضنا.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 75 *»

قال6 ثم زادني عزوجل اربعين نوعاً من انواع النور لاتشبه شيئاً من تلك الانوار الاُول و زادني حلقاً و سلاسل ثم عرج بي الي السماء الرابعة فلم‏تقل الملئكة شيئاً و سمعت دوياً كأنه في الصدور و اجتمعت الملئكة و فتحت السماء و خرجت الي معانيق فقال جبرئيل حي علي الصلوة حي علي الصلوة حي علي الفلاح حي علي الفلاح فقالت الملئكة صوتين مقرونين بمحمد6 تقوم الصلوة و بعلي7 الفلاح فقال جبرئيل قد قامت الصلوة قد قامت الصلوة فقالت الملئكة هي لشيعته اقاموها الي يوم القيمة ثم اجتمعت الملئكة فقالوا للنبي6اين تركت اخاك و كيف هو فقال لهم اتعرفونه فقالوا نعم نعرفه و شيعته و هو نور حول عرش اللّه و ان في البيت المعمور لرقاً من نور فيه كتاب من نور فيه اسم محمد و علي و الحسن و الحسين و الائمة: و شيعتهم لايزيد فيهم رجل و لاينقص منهم رجل انه لميثاق الذي اخذ علينا و انه ليقرء علينا في كل يوم جمعة.

اقول و لماكانت الملائكة في السماء الرابعة اشد ادراكاً و اعظم معرفة باللّه سبحانه و اسمائه و صفاته ما ظنت في نور محمد6كما ظنت اولئك الملئكة لقصورهم بالنسبة الي اهل البيت المعمور. فان قلت ان العالي اذا اشرق نوره علي السافل فلابد للسافل من ذلك التوهم لانه فوق مقامه و ادراكه فيظن ان هذا هو الذي لايحاط به علماً كما قالت الملئكة لمارأوا انوارهم سلام اللّه عليهم في عالم الانوار فظنوا كلهم ان هذا هو نور اللّه عزوجل قد تجلي لهم فقالوا لا اله الاّ اللّه لتعلم الملئكة انهم: عباد مربوبون فكيف صار في هذا المقام توهمت ملئكة السموات الثلث بخلاف الرابعة، قلت اذا كان الاشراق في مرتبة ذات العالي بطل السافل و احترق و اذا كان في مرتبة ذات السافل من حيث العالي ظن السافل انه العالي و ان كان الاشراق في مقام المعني اي عقل السافل فالواقفون مقام الاجمال لايتوهمون ذلك لان لهم نظراً اعلي يرون به تعالي العالي عن ذلك و اما الواقفون في مقام الصورة و الكثرة و الاختلاف

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 76 *»

و يشرق عليهم ظهور من عالم الوحدة و الاجمال يسري فيهم ذلك التوهم لانهم لايرون مقام الخلق حينئذ الاّ مقام الكثرة و الاختلاف فاذا ظهرت لهم الوحدة و ان كانت شمولية انبساطية يتوهمون ان ذلك هو الرب عزوجل و لماكان النبي6 قاصداً مقام الصلوة و هو مقام العقل مقام الاجمال مقام الوحدة بالاضافة اشرق نوره6 علي الملئكة حسب مقامها لا مقامه علي ذلك الطور فلم‏يثبت له الا الملئكة الواقفون مقام الاجمال و هو اهل السماء الرابعة لانها مقرّ الشمس و هي (هو خ‏ل) ابن العرش الذي هو ظهور العقل فافهم.

انما قال جبرئيل الذي هو لسانه6 في هذا المقام حي علي الصلوة حي علي الصلوة الي قد قامت الصلوة لان ذلك مبدء مقام الصلوة لماذكرنا من ان الشمس وجه العقل فالاعلام للصلوة انما يكون اوله و مبدؤه هناك و انما ذكر في هذه السماء الفصول الثلثة بالتكرار لان في الشمس ثلثة وجوه ذاتية و ثلثة وصفية كما تقدم ان الشمس تستمدّ من ذات العقل و صفته و من ذات النفس و صفتها و من ذات الطبيعة و صفتها و نسب الصلوة الي النبي6 و الفلاح الي الولي7 حيث قالوا بمحمد تقوم الصلوة و بعلي الفلاح لان الصلوة في مقام العقل و هو6 ظاهر بمقتضي مقامه من رتبة الاجمال فالفلاح حينئذ بعلي7 لان العبد لايفلح بعد الايمان بالنبي6 الا بعد الايمان بعلي7 و ان صلي و صام و اتي بجميع الفرايض و النوافل و ذلك ظاهر ان‏شاء اللّه تعالي. ثم لمااقترن الايمان بالنبي بالايمان بالوصي8 ثم ركن الدين و قد قامت الصلوة ثم لمااثبت حكم النبوة و الولاية توجه الي اللّه سبحانه و انه الاصل لاسواه ثم قال اللّه اكبر اللّه اكبر ثم اشار الي فناء الكل و اضمحلاله و اثبات التوحيد و انه لايقصر النظر الاّ اليه و لايعتمد الاّ عليه اذ ليس ماسواه شي‏ء و لا ماعداه موجود فقال لا اله الاّ اللّه.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 77 *»

و اعلم ان ما ذكره الامام7 و ان كان علي الظاهر بيان علة الاقامة و حدها دون الاذان مع انه7 بصدد بيان الاذان و يشهد عليه قوله7ما تقول هذه الناصبة في اذانهم و صلوتهم ولكنه7 اشار الي الاذان و علته و سره ايضاً لمن القي السمع و هو شهيد لان كل سماء لها ظاهر و باطن و روح و جسم فالاذان مقام الظاهر و اعلام الجسد و الجسم للتوجه الي الصلوة و لذا يستحب جهر الصوت فيه و اداؤه بالتأني لاسماع الظواهر لغلظتها و قلة انتباهها و لذا كان التكبير هناك اربع مرات و الاقامة لاسماع البواطن و اعلام اهل عالم الغيب من الروح و النفس للتوجه الي الصلوة و لذا يستحب فيه الادراج و الاسراع و عدم التوقف لرقة البواطن و سرعة انتباهها و توجهها لذوي النفوس المطمئنة فمقام اجسام الافلاك مقام الاذان و ارواحها مقام الاقامة و العرش محل الصلوة و العبادة لانها لاتكون الاّ بعد خرق الحجب و ابطال ماسوي المعبود جل و علا حتي لايري نوراً سوي نوره و لايشاهد ظهوراً غير ظهوره و ترك قد قامت الصلوة في الاذان لانه بعد ليس مقام الصلوة و زادوا التكبير فيه حرصاً للاسماع و كون الظاهر معجوناً من اربع طبايع الظاهرة باحكامها و زادوا التهليل في الاذان في اخره لماذكرنا من وقوع الكثرة في انفسها و في روابطها و قراناتها و اما الاقامة فهي و ان كانت مشتملة علي الروابط و القرانات الا انها ضعيفة يكتفي بها لتهليل واحد.

فحيث بلغ بنا الكلام الي هذا المقام فلابأس بالاشارة الي تفسير الاذان و الاقامة علي ما رواه الصدوق في التوحيد باسناده عن زيد بن الحسن قال حدثنا موسي بن جعفر عن ابيه جعفر بن محمد عن ابيه محمد بن علي عن ابيه علي بن الحسين عن ابيه الحسين بن علي:قال كنا جلوساً في المسجد و صعد المؤذن المنارة فقال اللّه اكبر اللّه اكبر فبكي اميرالمؤمنين7و بكينا ببكائه فلمافرغ المؤذن قال7 اتدرون ما يقول المؤذن قلنا اللّه و رسوله و وليه اعلم فقال لو تعلمون ما يقول لضحكتم قليلاً و لبكيتم كثيراً فلقوله اللّه اكبر معان كثيرة منها ان قول المؤذن اللّه اكبر يقع علي قدمته و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 78 *»

ازليته و ابديته و علمه و قدرته و حلمه و كرمه و جوده و عطائه و كبريائه فاذا قال المؤذن اللّه اكبر فانه يقول اللّه الذي له الخلق و الامر و بمشيته كان الخلق و منه كل شي‏ء للخلق و اليه يرجع الخلق و هو الاول قبل كل شي‏ء لم‏يزل و الاخر بعد كل شي‏ء لايزال و الظاهر فوق كل شي‏ء لايدرك و الباطن دون كل شي‏ء لايحدّ فهو الباقي و كل شي‏ء دونه فاني و المعني الثاني اللّه اكبر اي العليم الخبير علم ما كان و ما يكون قبل ان‏يكون و الثالث اللّه الكبر اي القادر علي كل شي‏ء يقدر علي ما يشاء القوي بقدرته المقتدر علي خلقه القوي لذاته قدرته قائمة علي الاشياء كلها اذا قضي امراً فانما يقول له كن فيكون و الرابع اللّه اكبر علي معني حلمه و كرمه فحلم كأنه لايعلم و يصفح كأنه لايري و يستر كأنه لايعصي لايعجل بالعقوبة كرماً و صفحاً و حلماً و الوجه الاخر في معني اللّه اكبر اي الجواد جزيل العطاء كريم الفعال و الوجه الاخر اللّه اكبر فيه نفي كيفية كأنه يقول اللّه اجل من ان‏يدرك الواصفون قدر صفته الذي هو موصوف به و انما يصفه الواصفون علي قدرهم لا علي قدر عظمته و جلاله تعالي اللّه عن ان‏يدرك الواصفون صفته علواً كبيراً و الوجه الاخر اللّه اكبر كأنه يقول اللّه اعلي و اجل و هو الغني عن عباده لا حاجة به الي اعمال خلقه. و اما قوله اشهد ان لا اله الاّ اللّه فاعلام بان الشهادة لاتجوز الاّ بمعرفة من القلب كأنه يقول اَعلم ان لا معبود الاّ اللّه و ان كل معبود باطل سوي اللّه عزوجل و اقر بلساني بما في قلبي من العلم بانه لا اله الاّ اللّه و اشهد ان لا ملجأ من اللّه الاّ اليه و لا منجا من شر كل ذي شر و فتنة كل ذي فتنة الاّ باللّه و في المرة الثانية اشهد ان لا اله الاّ اللّه معناه اشهد ان لا هادي الاّ اللّه و لا دليل لي الاّ اللّه و اشهد اللّه باني اشهد ان لا اله الاّ اللّه و اشهد سكان السموات و سكان الارضين و ما فيهن من الملائكة و الناس اجمعين و ما فيهن من الجبال و الاشجار و الدواب و الوحوش و كل رطب و يابس باني اشهد ان لا خالق الاّ اللّه و لا رازق و لا معبود و لا ضار و لا نافع و لا قابض و لا باسط و لا معطي و لا مانع و لا دافع و لا ناصح و لا كافي و لا شافي و لا مقدم و لا مؤخر الا اللّه له الخلق و الامر و بيده الخير كله تبارك اللّه رب العالمين. و اما قوله

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 79 *»

واشهد ان محمداً رسول اللّه يقول اشهد اللّه اني اشهد ان لا اله الا هو و ان محمداً عبده و رسوله و نبيه و صفيه و نجيه ارسله الي كافة الناس اجمعين بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون و اشهد من في السموات و الارضين من النبيين و المرسلين و الملئكة و الناس اجمعين اني اشهد ان محمداً سيد الاولين و الاخرين و في المرة الثانية اشهد ان محمداً رسول اللّه يقول اشهد ان لا حاجة لاحد الي احد الاّ الي اللّه الواحد القهار مفتقرة اليه سبحانه و انه لغني عن عباده و الخلايق اجمعين و انه ارسل محمداً الي الناس بشيراً و نذيراً و داعياً الي اللّه باذنه و سراجاً منيراً فمن انكره و جحده و لم‏يؤمن به ادخله اللّه عزوجل في نار جهنم خالداً مخلداً لاينفك عنها ابداً. و اما قوله حي علي الصلوة اي هلموا الي خير اعمالكم و دعوة ربكم و سارعوا الي مغفرة من ربكم و اطفاء ناركم التي اوقدتموها علي ظهوركم و فكاك رقابكم التي رهنتموها بذنوبكم ليكفر اللّه عنكم سيئاتكم و يغفر لكم ذنوبكم و يبدل سيئاتكم حسنات فانه ملك كريم ذوالفضل العظيم و قد اذن لنا معاشر المسلمين بالدخول في خدمته و التقديم الي بين يديه و في المرة الثانية حي علي الصلوة اي قوموا الي مناجاة ربكم و عرض حاجاتكم علي ربكم و توسلوا اليه بكلامه و تشفعوا به و اكثروا الذكر و القنوت و الركوع و السجود و الخضوع و الخشوع و ارفعوا اليه حوايجكم فقد اذن لنا في ذلك. و اما قوله حي علي الفلاح فانه يقول اقبلوا الي بقاء لا فناء معه و نجاة لا هلاك معها و تعالوا الي حيوة لا موت معها و الي نعيم لا نفاد له و الي ملك لا زوال عنه و الي سرور لا حزن معه و الي انس لا وحشة معه و الي نور لا ظلمة معه و الي سعة لا ضيق معها و الي بهجة لا انقطاع لها و الي غني لا ذلة معه و الي صحة لا سقم معها و الي عز لا ذل معه و الي قوة لا ضعف معها و الي كرامة يا لها من كرامة و عجلوا الي سرور الدنيا و العقبي و نجاة الاخرة و الاولي و في المرة الثانية حي علي الفلاح فانه يقول سابقوا الي ما دعوتكم اليه و الي جزيل الكرامة و عظيم المنة و سني النعمة و الفوز العظيم و نعيم الابد في جوار محمد6 في مقعد صدق عند مليك مقتدر

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 80 *»

. و اما قوله اللّه اكبر اللّه اكبر فانه يقول اللّه اعلي و اجل من ان‏يعلم احد من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد اجابه و اطاعه و اطاع امره و عرفه و عبده و اشتغل به و بذكره و احبه و انس به و اطمأن اليه و وثق به و خافه و رجاه و اشتاق اليه و وافقه في حكمه و قضائه و رضي به و في المرة الثانية اللّه اكبر فانه يقول اللّه اكبر و اعلي و اجل من ان‏يعلم احد مبلغ كرامته لاوليائه و عقوبته لاعدائه و مبلغ عفوه و غفرانه و نعمته لمن اجابه و اجاب رسوله و مبلغ عذابه و نكاله و هوانه لمن انكره و جحده. و اما قوله لا اله الاّ اللّه معناه للّه الحجة البالغة عليهم بالرسول و الرسالة و البيان و الدعوة و هو اجل من ان‏يكون لاحد عليه حجة فمن اجابه فله النور و الكرامة و من انكره فان اللّه غني عن العالمين و هو اسرع الحاسبين و معني قد قامت الصلوة في الاقامة اي حان وقت الزيارة و المناجاة و قضاء الحوائج و درك المني و الوصول الي اللّه عزوجل و الي كرامته و غفرانه و عفوه و رضوانه انتهي. انما ترك الراوي لهذا الحديث ذكر حي علي خير العمل للتقية و قد روي في خبر اخر ان مولينا الصادق7 سئل عن معني حي علي خير العمل فقال خير العمل الولاية و في خبر آخر خير العمل برّ فاطمة و ولدها عليها و عليهم السلام هـ .

فظهر لك مما بينا و فصلنا ان الاذان انما هو اعلام في عالم الشهادة علي الولاية و اقامة حدودها التي حدّدها اللّه تعالي و هي الصلوة و الاقامة اعلام في عالم الغيب علي الولاية و سرّ و اجمال لمااشتمل عليها الصلوة بحدودها بل هي عبارة اخري لنداء المنادي في العالم الاول الست بربكم و محمد نبيكم و علي و الائمة من ولده و فاطمة الصديقة اولياءكم و الصلوة ايضاً تلك النداء و اجابة المنادي فافهم فلنرجع الي ما كنا فيه من ذكر الحديث.

قال7 حكاية عن النبي6 فسجدت للّه شكراً فقال يا محمد ارفع رأسك فرفعت رأسي فاذاً اطناب السماء قد خرقت و الحجب

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 81 *»

قد رفعت ثم قال لي طأطي‏ء رأسك و انظر ما تري فطأطأت رأسي فنظرت الي بيتكم هذا و حرمكم هذا فاذا هو مثل حرم ذلك البيت يتقابل لو القيت شيئاً من يدي لم‏يقع الاّ عليه فقال لي يا محمد6 هذا الحرم و انت الحرام و لكل مثل مثال ثم قال لي ربي عزوجل يا محمد6 مد يدك فيتلقاك ما يسيل من ساق العرش الايمن فنزل الماء فتلقيت باليمين فمن اجل ذلك صار اول الوضوء باليمني ثم قال لي يا محمد6 خذ هذا الماء فاغسل به وجهك و علّمه غسل الوجه فانك تريد ان‏تنظر الي عظمتي و انت طاهر ثم اغسل ذراعيك اليمين و اليسار و علّمه ذلك فانك تريد ان‏تتلقي بيدك كلامي و امسح بفضل ما في يديك من الماء رأسك و رجليك الي كعبيك و علّمه المسح برأسه و رجليه و قال اني اريد ان‏امسح رأسك و ابارك عليك فاما المسح علي رجليك فاني اريد ان اوطئك موطأ لم‏يطأه احد قبلك و لايطأه احد غيرك فهذا علة الوضوء و الاذان. اقول قد سبق الكلام عن علة الوضوء مفصلاً مشروحاً فراجع.

قال7 ثم قال تعالي استقبل الحجر الاسود و هو بحيالي و كبرني بعدد حجبي فمن اجل ذلك صار التكبير سبعاً لان الحجب سبعة و افتتح القراءة عند انقطاع الحجب فمن اجل ذلك صار الافتتاح سنة و الحجب متطابقة ثلثاً بعدد النور الذي انزل علي محمد6 ثلث مرات فلذلك كان الافتتاح ثلث مرات فمن اجل ذلك كان التكبير سبعاً و الافتتاح ثلث مرات.

اقول اعلم ان الامام7 لم‏يصرح بذكر النية لبيان انها ليست امراً جسمانياً ملفوظاً حتي يأمره6 بالتلفظ به و لا امراً محدوداً تصورياً حتي يأمره بتصورها و اخطارها بالبال بل انما هي قصد بسيط صرف التوجه الي اللّه عزوجل بسرّ العبودية و هي قد تحصل عند الامر باستقباله الحجر و في حديث اخر قال يا محمد ادن من صاد و توضأ لصلوة الظهر فالنية لاتفارق الفعل ابداً الا اذا لم‏يكن ذلك الفعل عن شعور و هي سارية

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 82 *»

في الفعل من البداية الي النهاية الا ان الفاعل حين الفعل مرة دائم اللحاظ لذلك الداعي و السبب فيكون الفعل بذلك حياً تام التأثير و مرة ربما يلتفت الي الغير لا بقصد الاعراض بل لدواعي الاغراض (الاعراض خ‏ل) و الشهوات كامثالنا في صلوتنا و ساير عباداتنا لعدم التفاتنا دائماً الي الوجه الذي له امرنا بالفعل فيكون الفعل حينئذ حياً لكنه غير تام التأثير كالنائم فانه حي لكنه مطروح لايؤثر شيئاً و النية هي عقد العزيمة علي العبودية و الانقياد و التسليم و الخضوع و الخشوع و الذلة و الفقر و المسكنة و امثالها من احوال الامكان المستودعة في سرّ الانسان.

و انما خصّ الحجر الاسود بالاستقبال لانه اشرف مواضع البيت نسبته الي البيت كنسبة الفصّ الي الخاتم و الحجر الاسود و هو القلب سواده لعلة الادبار و قوله انا و الا فهو نوراني كما يأتي ان‏شاء اللّه تعالي في مبحث الحج و توجه العبد الي اللّه انما هو بقلبه لا غير قال تعالي انا عند المنكسرة قلوبهم اي بذلة العبودية و الاعتراف بالفقر و المسكنة و الفاقة و اما المتكبر المعرض عن الحق سبحانه لمانسوا اللّه فنسيهم.

و التكبير هو الاعتراف بان لا مستقل الا هو و لا موجود في الحقيقة سواه فمع هذا الاعتقاد و النظر يحرم عليك كل ما يشغلك عن ربك فانما هو صنمك فكل ما ذكر الشارع6 من المنافيات و مبطلات الصلوة من الحدث و الكلام بغير القرآن و ذكر اللّه و الانحراف عن القبلة و الفعل الكثير و القهقهة و البكاء لامور الدنيا و الشك و امثالها مما هو مذكور في الكتب الفقهية كلها شواغل عن اللّه و عن ذكره و هي منافية للولاية التي اصلها و مبناها و مقتضاها و مادتها ابتغاء وجه اللّه و عدم نسيانه في حال من الحالات و المصلي حين الصلوة صفة الولي في كل الاوقات و ذكر كل واحد من المنافيات و بيان كونه شاغلاً مما يطول به الكلام و الاشارة الاجمالية كافية لاهلها ان‏شاء اللّه.

و لذا سمي التكبير بعد النية اي مساوقاً لها بتكبيرة الاحرام و الواجب الركن هو واحد لجريان الحكم الاجمالي في كل المقامات ولكن لماكانت الحجب سبعة و هي حجاب اللؤلؤ و حجاب الذهب و حجاب الزمرد و حجاب الياقوت و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 83 *»

حجاب العقيق و حجاب الزبرجد و حجاب الالماس و لابد من خرق هذه الحجب السبعة فالانسب و الاليق ان‏يكبّر لخرق كل حجاب ليكون ابلغ في التوجه و مشاهدة ظهور الكبرياء لنفي الاغيار و تصفية الاكدار ان ذلك لذكري لاولي الابصار و لماكان هذه الحجب السبعة تجمعها باجمعها ثلثة مقامات و عوالم عالم الجبروت و عالم الملكوت و عالم الملك صارت الادعية ادعية الافتتاح ثلثة و قد سأل هشام بن الحكم اباالحسن موسي بن جعفر8 عن علة التكبيرات السبع قال7 يا هشام ان اللّه تبارك و تعالي خلق السموات سبعاً الارضين سبعاً و الحجب سبعاً فلمااسري بالنبي6 و كان من ربه كقاب قوسين او ادني رفع له حجاب من حجبه فكبّر رسول اللّه6و جعل يقول الكلمات التي تقال و جعل في الافتتاح فلمارفع له الثاني كبّر فلم‏يزل كذلك حتي بلغ سبع حجب و كبّر سبع تكبيرات الحديث.

و قد روي للتكبيرات السبع وجه اخر و علة اخري عن ابي‏جعفر7قال خرج رسول اللّه6 الي الصلوة و قد كان الحسين بن علي8 ابطأ عن الكلام حتي تخوّفوا ان لايتكلم و ان‏يكون به خرس فخرج رسول اللّه6حامله علي عنقه و صفّ الناس خلفه فاقامه رسول اللّه6 علي يمينه فافتتح رسول اللّه6 الصلوة فكبر الحسين7 حتي كبر رسول اللّه6سبع تكبيرات و كبّر الحسين7 فجرت السنة بذلك قال زرارة فقلت لابي جعفر8 فكيف نصنع قال تكبر سبعاً و تسبح سبعاً و تحمد اللّه و تثني عليه ثم تقرأ. فان كان المصلي قد جعل التكبيرة الاولي هي تكبيرة الاحرام فتكون الحجب مقامات فوق العقل و هي المفعول به و المفعول المطلق و المصدر و المراتب الاربع للفعل من النقطة و الالف و الحروف و الكلمة و هذه حجب لابد ان‏ترفع و تخرق ليحصل للمصلي مقام الوصول و يكون حينئذ لسان اللّه حتي يقرأ.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 84 *»

و لذا قال7 فلمافرغ من التكبير و الافتتاح قال اللّه عزوجل الآن وصلت فسمّ باسمي فقال6 بسم اللّه الرحمن الرحيم فمن اجل ذلك جعل بسم اللّه الرحمن الرحيم في اول السورة ثم قال له احمد لي فقال الحمد لله رب العالمين و قال النبي6 في نفسه شكراً فقال اللّه تعالي يا محمد اقطعت حمدي فسمّ باسمي، فمن اجل ذلك جعل في الحمد الرحمن الرحيم مرتين فلمابلغ و لاالضالين قال النبي6 الحمد للّه رب العالمين شكراً فقال العزيز الجبار اقطعت ذكري فسمّ باسمي فمن اجل ذلك جعل بسم اللّه الرحمن الرحيم بعد الحمد في استقبال السورة الاخري فقال له اقرء قل هو اللّه احد كما انزلت فانها نسبتي و نعتي.

اقول فلمافرغ6 من التكبير بالتحريم علي نفسه التوجه الي غير جنابه الاقدس و الافتتاح اي افتتاح باب الوصال برفع الحجب المانعة و الغواشي الحائلة و الاعراض الواردة و الانيات المتراكمة الي ان وصل مقاماً كان بينهما حجاب يتلألأ بخفق و هو الحجاب بالنسبة الي مقام التوحيد و الاّ بالنسبة الي مقام الاسماء و الصفات و رتبة الواحدية فهو وصال لا حجاب و من هذه الجهة قال عزوجل الآن وصلت الي فسمّ باسمي فهو6 اذ ذاك لسان اللّه سبحانه حيث يتكلم بذلك اللسان او المتكلم اي الاسم لان فاتحة الكتاب هي كتاب اللّه قد امر بقراءتها في مفتتح الصلوة فهو لايخلو من الحالتين او انها كلام اللّه في مقام الابرار و كلام الحبيب مع المحبوب في مقام المقربين كما هو المستفاد من ظاهر الحديث المبارك و الوجوه الثلثة كلها متحققة في المقامات الثلثة فافهم.

و لماكان ذلك المقام مقام الاسماء امره سبحانه بالابتداء بالاسم فقال فسمّ باسمي فقال7 و صلي اللّه عليه و آله بسم اللّه الرحمن الرحيم و لماكان الاسم ليس مقام الذات و انما هو مقام الظهور بالاثر و لم‏يكن في ذلك المقام غير الحقيقة المحمدية6 صاحب الولاية المطلقة فيكون هو6 حامل ذلك الظهور و مهبط ذلك النور

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 85 *»

فتكون الباء في البسملة اشارة الي سر الولي و السين الي صدره و الميم الي جسمه و هو قوله7 في تفسيرها الباء بهاء اللّه و السين سناء اللّه و الميم ملك اللّه هـ . فاذا لم‏يكن في ذلك المقام غيره6فيكون هو بهاء اللّه اي النور الانور في المقام الاعلي و هو سناء اللّه اي النور المقتبس من البهاء في المقام الاوسط و هو ملك اللّه اي تملكه اي قدرته او ملكه اي خلقه و حدثه في المقام الاسفل فبقي هو6 ظاهراً في المقام الاعلي و ظهر مولينا و سيدنا علي بن ابي‏طالب في المقام الثاني اي الصدر و النفس او محل الابتداع و مرتبة الظهورات التفصيلية بالاسماء المتقابلة فهو7الظاهر بالولاية و التدبير و التصرف و ان كانت الولاية للّه الحق و لرسوله قال تعالي انما وليكم اللّه و رسوله و الذين امنوا و مولاتنا و سيدتنا الزهراء سلام اللّه عليها هي الظاهرة في المقام الثالث و لذا كانت حاملة للانوار و مظهرة للاثار و المدة بين السين و الميم اشارة الي الالف المبسوطة التي هي مقام الولاية الظاهرة من السين المنقطعة الي احدي عشرة قطعة فصار الجميع اربعة عشر و تم باتمامها الاسم فهم الاسم لاسويهم الا من باب الاخذ عنهم و الاقتداء بهم صلي اللّه عليهم و هو قول مولينا الصادق7 نحن الاسماء الحسني التي امركم اللّه ان‏تدعوه بها فهم الاسماء في مقام الفرق و التفصيل و هم الاسم في مقام الجمع و الاجمال.

و لماكان هناك مقام الوحدة افرد الاسم بما جمع الكل و في زيارة اميرالمؤمنين7المروي عن الصادق7 السلام علي اسم اللّه الرضي و نور وجهه المضي‏ء فهم الاسماء لاسويهم و ماعداهم اسماء لهم و شئون لاطوارهم فعلي هذا فان شئت سميت البسملة الاسم الاعظم فعلت و ان شئت جعلتها اقرب الي الاسم الاعظم من سواد العين الي بياضها فعلت و صدقت كما عن الرضا7 فعلي الاول تكون البسملة عبارة عنهم: و هم البسملة في الكتاب التكويني المصدرة فيه و تلك البسملة غيب في هذه البسملة اللفظية في الكتاب التدويني و اصل لها و تلاحظها فيها من دون مشاهدة الثانية و ملاحظتها كما اذا توجهت الي نفس المقابل في

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 86 *»

المراة من دون التفات اليها اصلاً و علي الثاني تجعل الثانية محلاً لظهور الاولي و حاكية لها و هي اقرب من سواد العين الي بياضها لان ذلك قرب الملاصقة و هنا قرب المداخلة لا كدخول شي‏ء في شي‏ء فافهم.

و اللّه اسم للذات المستجمعة لجميع الصفات الكمالية من صفات القدس و الاضافة و الخلق و هذه الذات هي المعتبرة في المشتقات عند اشتقاق الاسماء و ليست رتبة الاحدية و انما هي رتبة الواحدية و قد شرحنا حقيقة هذا المطلب في كثير في مباحثاتنا و رسائلنا و اجوبتنا للمسائل علي كمال التفصيل و قال مولانا الصادق7 علي ما رواه في التوحيد في تفسير اللّه الالف الاء اللّه علي خلقه من النعيم بولايتنا و اللام الزام خلقه ولايتنا و الهاء هوان لمن خالف ولايتنا هـ . و الالاء جمع مضاف يفيد العموم و الخلق مصدر مضاف يفيد العموم ايضاً فانظر ماذا تري فان البيان يرتاب الجاهلون و يسلك سبيل الانكار الملحدون فاخفاؤه في الصدور خير من ابرازه في السطور.

و الرحمن هي الرحمة العامة الواسعة الشاملة لجميع الموجودات مما ظهرت علي العرش فاعطي الرحمن بها كل ذي حق حقه و ساق بها الي كل مخلوق رزقه و الرحمن اسم للذات المستجمعة لجميع الصفات الكمالية من صفات الاضافة و الخلق دون القدس فيكون انزل من الاسم اللّه بمرتبة واحدة فالرحمة الواسعة هي اللواء المحيط بكل ذرات الوجود و حقايق الاشياء من الغيب و الشهود و هي مقام الربوبية اذ مربوب المقترنة بالاشياء المربوبة و هي التي هي كنه العبودية كما في مصباح الشريعة العبودية جوهرة كنهها الربوبية هـ . و تعالي اللّه سبحانه عن الاقتران و الاتصال علواً كبيراً و هي الوصف الذي رجع الاشياء منه اليه كما في قول اميرالمؤمنين7 في الخطبة اليتيمية رجع من الوصف الي الوصف و هي الملك الذي دامت الاشياء فيه كما في قوله7فيها و دام الملك في الملك و هي المخلوق الذي انتهت الاشياء اليه كما في قوله7 فيها و انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و هي ظاهرة في كل ذرات الوجود في الاشقياء و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 87 *»

السعداء و اهل الجنة و اهل النار و ظهورها في الاشياء في جميع مراتبها بحسبها حتي في عالم الالفاظ الا تري ظهور الاسم الاعظم العلي الذي هو اول الاسماء و ظاهر اللّه كما في معاني الاخبار عن مولينا الرضا7 ان اول ما اختار اللّه لنفسه العلي العظيم لانه علا علي كل شي‏ء فاسمه العلي و معناه اللّه و هذا الاسم المبارك حامل لتك الرحمة و به ظهرت فكانت الاشياء تحكيها بحاملها. الحاصل ان هذا الاسم المقدس يظهر في سر كل اسم من الحق و الباطل ظهور سرّ الايجاد و اسم الموجد في كل شي‏ء شريف و كثيف.

و القاعدة في ذلك اذا اردت استخراج اسم العلي من كل اسم فاحسب عدد ذلك الاسم فضاعفه ستّ مرات ثم زد واحداً علي الحاصل و اضرب الحاصل بعد الزيادة في العشرة و اجمع الحاصل ثم اطرحه عشرين عشرين فاضرب الباقي في احد عشر يستنطق اسم علي و السر كله في ضربه في احدعشر الذي هو عدد الاسم الاعظم هو فبذلك ظهر سر السريان و اما فيما عدا ذلك العدد فخارج عن الاستقامة الحقيقية فافهم فاني في ذكر هذه الكلمات و اداء هذه الاشارات كما قال الشاعر و نعم ماقال و قد اجاد في المقال:

تعرضت في قولي بليلي و تارة   بهند فلا ليلي عنيت و لا هندا

و لايمكنني ان‏اصرح ما افهم فان ذلك غير مأذون فيه قال مولينا الصادق7ماكل ما يعلم يقال و لاكل ما يقال حان وقته و لاكل ما حان وقته حضر اهله.

و الرحيم هو الظاهر بالرحمة المكتوبة الخاصة بالمؤمنين الذين هم المقصودون في اصل الخليقة اي ظهروا بما هو المقصود بالذات في اصل الايجاد بحقيقة الانوجاد فعلي هذا فبهم يدور الفلك و لاجلهم قرنت الاسباب مسبباتها و لهم انزلت السماء بركاتها و منهم نشرت الامدادات و الافاضات الي كل الخلق و بهم سكنت السواكن و تحركت المتحركات و هؤلاء هم شيعة آل محمد: اذ لولاهم لماامطرت السماء و ما اخرجت الارض نباتها و لولا الشيعة لم‏يبق لهم سلام اللّه عليهم نظر الي هذه الارض فساخت اذن باهلها الا تري في الامم الماضية بالنسبة الي انبيائهم و شاهد ما ذكرنا من الاحاديث

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 88 *»

لايستقصي و لايحصي و هو ايضاً معلوم بالضرورة و الوجدان لمن راجع وجدانه فلانطول الكلام بذكر ما هو واضح ظاهر قال تعالي اشارة الي الرحمتين و رحمتي وسعت كل شي‏ء فسأكتبها للذين يؤمنون الآية.

و لماكانت البسملة هي مقام الاسماء و هي مقدمة في الوجود و التحقق علي كل الاشياء من الذوات و الصفات و الافعال لانها علل و مبادي لمتعلقاتها من الاثار كما ورد في الادعية الكثيرة باسمك الذي خلقت كذا و كذا و قولي الاسماء علل ليس علي اجماله بل لتحقيق الحق في المسألة لابد من ذكر تفصيل تركنا ذكره لئلانخرج عما نحن فيه و ان كان ذلك التفصيل نافعاً و قد ذكرناه في كثير من مباحثاتنا و لماكانت الاسماء في الوجود متقدمة تقدمت البسملة في الذكر فاُمر6 ان‏يقول بسم اللّه الرحمن الرحيم و قدشرحت البسملة في رسالة منفردة شرحاً مبسوطاً و ان كانت الرسالة ما تمت الي الآن و اقتصرت هنا بذكر اشياء لم‏اذكرها في تلك الرسالة.

و لماكان الاسم لابد له من التعلق بالاثر و هو الثناء علي المؤثر بما عنده من الجميل و الكمالات الاختيارية فان الاثر يدل علي ما منه بدي‏ء و هو الفعل و صفاته و الكل اختياري فالاثر هو نفس الثناء و حقيقة الصفة الكمالية و اللسان المثني علي المؤثر في كل مقام بطور من الاطوار و لماكانت البسملة اذا عددت حروفها كانت تسعة عشر و اذا استنطقتها كان في النطق واحد و هو حرف الالف اي الهمزة و هي لماتحركت و انبسطت كان عنها الباء و هي لماتكررت و انبسطت كانت عنها الدال و سرّ هذا التكرير بالاجمال هو ان فعل الفاعل هو الاصل الواحد لماتعلق بالاثر اي باحداثه و ايجاده بالله سبحانه و تعالي حدث امران هما مدلولا الباء فعل و مفعول مطلق اي المصدر و هما لماانبسطا و تحركا اي نظر كل منهما الي صاحبه بالامداد و الاستمداد حدثت اربعة امور بها تمام كون الشي‏ء من حيث هو و هي مدلول الدال فالدال عن الباء و هي عن الالف و هو عن النقطة و ما ذكرنا احد الوجوه في معني هذا التكرير و الانبساط و ان كان مرجع الكل الي هذا الوجه فبالدال تمّ الاثر و ظهر معلناً بالثناء علي المؤثر.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 89 *»

ثم ان الاثر له مقامان مقام اجمال و هو في الحل و العقد الاولين و هو محل انمحاق الاثر من حيث هو و غلبة ظهور حكم المؤثر عليه لا غلبة اضمحلال و فناء بالكلية بل مع ذكر له في الجملة و لذا كانت الرطوبة التي هي دليل السريان و السعة و النفوذ و الاحاطة اربعة اجزاء و اليبوسة الارضية التي هي دليل الانجماد و عدم السريان و النفوذ و الاحاطة جزءً واحداً في الحل و العقد الاولين. و مقام تفصيل و هو في الحل و العقد الثانيين و هو محل غلبة حكم الاثر علي المؤثر لا غلبة اضمحلال و استهلاك و لذا كانت اليبوسة هنا غالبة و حكم الانجماد و عدم السعة و الاحاطة ظاهراً و لماكان الاثر لابد له من هذين المقامين حتي يتمّ و يكون بذلك مختاراً جامعاً مملكاً و حقيقة الاثر مؤلفة من اربعة اجزاء و اشياء كما في قوله عزوجل و من كلّ شي‏ء خلقنا زوجين و كل زوج فردان فالزوجان اربعة و هي مدلول الدال و معناها وجب تكرير الدال لاستنطاق الحاء.

و لماكان الاثر له وجهان وجه الي مؤثره و وجه الي نفسه و في كل وجه لابد له من السباحة في خمسة ابحر اما في الوجه الاول يسبح في ابحر التوحيد الخمسة اي بحر الباطن و بحر الباطن من حيث هو باطن و بحر الظاهر و بحر الظاهر من حيث هو ظاهر و بحر الظهور و في الوجه الثاني يسبح في بحر الطبايع الاربع و البحر الخامس هو البحر المحيط الحاوي الجامع لهذه الابحر فيكون كل من هذه الاربعة خليج و طتنج من ذلك البحر الاعظم المحيط و هو عبارة عن الطبيعة الخامسة البسيطة المتحققة اي الظاهرة بعد مزج هذه الطبايع الاربع و اقتران بعضها و لماكان يمتنع النظر الي الوجهين بنظر واحد و التفات غير متعدد يمتنع ايضاً السباحة في هذه الابحر كذلك فهو دائماً سابح في خمسة فعند النظر في الاعلي في ابحر اللاهوت و عند النظر الي السفلي في ابحر الناسوت و هذا شأن الكامل في المقامين و اما الناقص ففي بحر واحد اما الاعلي او الاسفل و ان كانت فيه الابحر الاخر فحينئذ وجب ان‏يتكرر الاثر بمقاميه الاجمالي و التفصيلي خمس مرات و ان كان عند سباحته في الابحر الاول لايجد نفسه في وجدانه اما في وجوده فهو جامع للمقامات الثمانية و اما عند

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 90 *»

السباحة في الابحر الاخر فهو يشاهد نفسه بمراتبه الثمانية فيها و الحاصل بعد التكرير هو مدلول الميم عند استنطاقها فيتمّ الاثر حينئذ جامع المقامات و حاوي المراتب معلناً بثناء خالقه و باريه بصفاته الجميلة و اسمائه الحسنة في كلّ مرتبة و مقام فالدال هي الاخر لانها هي الاول و الحاء هي الاول لانها هي الاخر و الميم في الوسط لان لها نسبة الي الاول الذي هو الاخر و الي الاخر الذي هو الاول فالدال كانت طائفة حول جلال القدرة ثمانين الف سنة الي ان وصل الي جلال العظمة فظهرت الحاء و خلقت و وجدت فكانت الحاء تطوف حول جلال القدرة فتقدمت في الظهور و الدال تطوف حول جلال العظمة فتأخرت و الميم في الوسط لانها بالنسبة الي الطرفين يكون الحاصل منها ثمانين و هي المدة بين الجلالين فظهر الحمد و نطق و اضاء نوره و اشرق ثم عرّف بلام التعريف لبيان ان الاثر الاول و المجعول الاول هو الذي القي اللّه تعالي فيه مثاله فاظهر عنه افعاله فصار بتعريف اللّه سبحانه معرّفاً بحيث ما جهله احد فكان بذلك وجه اللّه الذي لا تعطيل له في كل مكان فاينما تولوا فثمّ وجه اللّه.

فاعرف الآن معني قوله7 ثم قال تعالي احمد لي اي بعد البسملة فانها في مقام الاسم و الحمد في مقام الاثر الذي هو متعلق الاسم لان العبادة اي الصلوة في مقام الفرق دون الجمع فقال6 الحمد للّه رب العالمين فالحمد هو الثناء باللسان علي قصد التعظيم علي الجميل الاختياري سواء كان في مقابلة النعمة ام لا فالثناء هو المصدر و هو المفعول المطلق و اللسان هو عند غلبة حكم المؤثر علي الاثر في الحل و العقد الاولين ان قلنا بان المثني و الحامد هو اللّه سبحانه، او نفس الاثرية ان قلنا ان الحامد هو العبد علي قصد التعظيم و ذلك عند ملاحظة كونه اثراً فحينئذ يكون خاضعاً للمؤثر و هو معظم لديه دائماً فلايقصد في ذلك المقام غيره سواء كان في مقابلة النعمة ام لا لان الحمد في مقام المفعول المطلق الناظر الي ربه باسمائه و صفاته و هو الاكمل و الي نفسه و ملاحظة نعمة اللّه تعالي فيها المستلزم لمزيد

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 91 *»

الشكر.و لماكان الحمد اصله الدال المكررة و هي اصلها الالف كما ذكرنا فاذا ظهر الاصل الاول مع الفروع كان احمد و هو اسم الاثر و المجعول الاول الذي به تحقق الحمد الذي هو الثناء علي اللّه فان الثناء عليه تعالي في الامكان بالاثر و الحدوث فاول الاثار و اشرفها و اعظم الانوار و انورها هو اللائق للتسمية بالحمد فعلي هذا يكون احمد اسمه في العالم الاعلي المعبر عنه بالسماء و اذا تكررت الميم لظهور المراتب و المقامات باجمعها فيه كان محمد6هو اسمه في العالم الاسفل المعبر عنه بالارض و لماكان الحمد هو الثناء علي اللّه تعالي مطلقاً سواء كان في مقابلة النعمة ام لا فيكون متعلق الحمد هو الاسم الاعظم اللّه لانه هو الجامع لصفات القدس و الاضافة و الخلق ففي مقام القدس لايعتبر في متعلقه الافاضة و النعمة كاعتبارها في متعلق صفات الخلق و لماكان محمد6 اضمحلت مشيته في مشية اللّه بل لا مشية له تعالي سوي مشيته و لا مشية له6سوي مشية اللّه تعالي كما قال تعالي و ما تشاءون الاّ ان‏يشاء اللّه جعل الحمد للّه مقترناً بلام الملكية و الاختصاص فهو6 مع اوصيائه الصديقين: الذين للّه سبحانه في وجودهم و وجدانهم. و اما ساير الخلايق فليسوا كذلك لانهم و ان كانوا للّه في وجودهم و حقايقهم و ذواتهم و صفاتهم و كينوناتهم الاّ انهم لايجدون و لايستشعرون بذلك دائماً و الاّ لماعصوا و لو كان بترك الاولي فلايصدق للاختصاص التام بكل وجه الاّ محمد و آله صلوات اللّه عليهم و لذا قال الحمد للّه فالحمد مادته الشكل المربع و صورته و هيئته الشكل المثلث فعند الاجتماع هو السبعة و لذا اشتملت علي سبع آيات و هو السبع المثاني ليكون اربعة عشر و عند الضرب و ملاحظة كلّ النسب يكون اثني‏عشر و هم الاصول التي تدور عليها الفصول.

و لما كان الاثر لايقوم و لايتحقق الاّ بالمؤثر و حالة العبادة وجدان الاثر و التوجه به الي المؤثر بحيث يكون ظهور المؤثر اقوي و اغلب علي ظهور الاثر و لماكان في مقام الاثر لايظهر المؤثر بذاته و انما ظهوره باسمائه و صفاته و لذا

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 92 *»

بعد الحمد لماقال رسول اللّه6شكراً لماشاهد من عظم آلائه و نعمائه عليه و شاهد الاثر قال له تعالي اقطعت حمدي فسمّ باسمي توجه اليه تعالي باسمه فقال رب العالمين جمع العالم لبيان تعدد انواعه و مراتبه و اختلفت الاخبار في تعدادها ففي بعضها العوالم ثلثة و في بعضها اربعة و كذا خمسة و ستة و سبعة و ثمانية و تسعة و عشرة و عشرون و ثلثون و اربعون و خمسون و ستون و سبعون و ثمانون و تسعون و مائة و الف و الف الف و الذي عددنا من العوالم تسعة و ثلثون و تسعمائة الف و تسعمائة و ثمانون عالماً و ليس هنا مقام شرحها و بيان احوالها.

و الربوبية علي اوجه ثلثة اولها هي الربوبية اذ لا مربوب و هي ربوبية الذات البحت رتبة الاحدية المحضة و ثانيها الربوبية اذ مربوب ذكراً و اذ لا مربوب عيناً و كوناً و هي مقام الواحدية مبدأ الاسماء و الصفات الفعلية و هي النبوة التي هي باطن الولاية و ثالثها الربوبية اذ مربوب ذكراً و عيناً و هي مقام الرحمانية و تفاصيل الاسماء المتقابلة المختلفة و هي مقام الولاية التي هي باطن النبوة الظاهرة فالنبوة الظاهرة مثالها الشمس و هي مستمدة من الكرسي الذي هو مثال الولاية المطلقة التفصيلية و هو مستمد من العرش الذي هو مثال النبوة الحقيقية الاجمالية فافهم ضرب المثل و انما ذكر الربوبية بعد ذكر الالوهية لكونها تفاصيل الالوهية.

ثم اشار الي تفاصيل الربوبية الثالثة بدواً و عوداً بقوله الرحمن الرحيم فالرحمن اشارة الي الرحمة الواسعة العامة المطلقة التي بها يعطي الرحمن كل ذي حق حقه و يسوق الي كل مخلوق رزقه و هي رتبة الربوبية اذ مربوب ذكراً و عيناً فلها وجهان و جهتان حسب المتعلق احديهما الفضل و هو رحمة الرحيم فاشار اليها به كما سبق في البسملة و الثانية رحمة العدل و قد اشار اليها بقوله تعالي مالك يوم الدين و يوم الدين يوم الجزاء يوم ترتب المسببات علي اسبابها و المقتضيات علي مقتضياتها و ردّ الفروع الي اصولها و ذلك عند ما استوي الرحمن علي العرش الا ان الظهور العام و البروز التام بهذا المعني عند وصول

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 93 *»

الخلق في صعودهم الي عالم الذر الاول او الثاني او الثالث المعبر عنه بالعود و القيمة الصغري و الكبري و لتفصيل هذه الكلمات مقام اخر.

و لماكان العبادة في مقام الفرق و الفصل و التمييز لا في مقام الجمع اي التوجه في الحق سبحانه باسمائه و الاعراض عن نفسه و ذاته بالكلية اذن يرتفع الشعور الغيري و الادراك الظاهري و يأتي مقام اطفاء السراج فقد طلع الصبح و لذا عطف الكلام عن مقام الربوبية المطلقة و ذكر الاسماء و شاهد نفسه مضمحلاً عند ربه و مقهوراً تحت هيمنة سلطانه فابتدأ بالرب عزوجل و خاطبه لماشاهده بعين سرّه و حقيقته من نور عظمته فقال اياك نعبد و اياك نستعين و من هنا الي تمام السورة ذكر متعلقات الاسماء المتقدمة لان كل اسم له متعلق يختص به فالعبادة خاصة له تعالي بازاء الاسم اللّه القاهر بهيمنته و جبروته كل ماسواه و هو الاسم الخاص بالنور الابيض يدعو اللّه سبحانه بذلك الاسم الاعظم الاجل الاكرم فيفني عنده كل ماسواه فيقف خاضعاً ذليلاً بين يديه معترفاً بانه اللّه فيحصر العبادة له اذ لا غيره قال في الدعاء لايري نور الاّ نورك و لايسمع صوت الاّ صوتك فاذا وجد نفسه انها الفانية الباطلة الفقيرة المحتاجة وجّه به ربّه انه المستقل الثابت منه الجود و الكرم و الفيض فيقصد بابه و يتوجه اليه بسرّ ذلة عبوديته و يستمد منه بفقره و فاقته فيقول اياك نستعين فيحصر الاستعانة منه تعالي لا من سواه لانه مثله في الفقر و الفاقة فكيف يطلب محتاج محتاجاً و اني يرغب معدم الي معدم و لماكان هو سبحانه رب العالمين فوجب منه الاستعانة.

ثم لماكان التوجه اليه تعالي و سلوك السبيل الموصل اليه هو مبدء كل خير و اصل كل فيض طلب من اللّه اولاً ان‏يهديه الي ذلك فقال اهدنا الصراط المستقيم اي دُلَّنا و ارشدنا بمددك و عونك التكويني و التشريعي الي الصراط المستقيم الغير المايل عن الحق و عن النهج القويم في الطريقين اي طريق النزول و الصعود و قطع مسافة القوسين قوس الادبار و قول الاقبال.

و لماكان الصراط المستقيم هو متعلق اسم الرحمن لاشتماله علي صراط الجنة و النار و الخير و الشر كما قال عز من قائل فمن يرد اللّه ان‏يهديه يشرح

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 94 *»

 صدره للاسلام و من يرد ان‏يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصّعّد في السماء كذلك يجعل اللّه الرجس علي الذين لايؤمنون و هذا صراط ربك مستقيماً و لماكان الصراط المستقيم هذا حاله و المطلوب هو الصراط المستقيم الذي قال عزوجل و ان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله و هو متعلق اسم الرحيم صاحب الرحمة المكتوبة كما سبق قال صراط الذين انعمت عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و هو صراط علي و اولاده الطاهرين عليه و عليهم سلام اللّه اجمعين كما يشهد عليه فواتح السور بعد حذف المكرر فيستنطق صراط علي حق نمسكه و هي الحروف النورانية و ماسواها كلها ظلمانية.

ثم اشار الي متعلق الوجه الاسفل للرحمن اي مالك يوم الدين فقال غير المغضوب عليهم و لا الضالين فالاولون هم الرؤساء المتبوعون الائمة الذين يدعون الي النار و الاخرون هم التابعون القائلون و ما اضلنا الاّ المجرمون فما لنا من شافعين و لا صديق حميم اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا و رأوا العذاب و تقطعت بهم الاسباب و لو اردنا الاشارة الي باطن هذه السورة و تأويلها لادّي الي تطويل المقال و ذكر ما لايجوز اظهاره و يجب كتمانه صوناً عن الجهال من اصحاب القيل و القال و ما ذكرنا كفاية لمن اعرض عن المراء و الجدال.

و لما بلغ النبي6 باتمام هذه السورة المباركة مقام الجامعية المطلقة الجامعة لمقامات الربوبية او ظهور الاسماء الالهية الكلية و ظهور المقامات البرزخية و اطوار العبودية لان نفسه الشريفة المقدسة عبارة اخري لسورة الحمد و هو الحمد التكويني و هذه السورة شرح صفته و بيان رسمه فاعطاه اللّه سبحانه بذلك ما لم‏يعطه احداً من العالمين بحث طأطأ كل شريف لشرفه و بخع كل متكبر لطاعته و خضع كل جبار لفضله و ذل كل شي‏ء له فنظر الي هذه النعمة العظيمة و المنقبة الجسيمة و عرف ان اللّه سبحانه هو الذي اعطاه و هداه فقال بعد تمام السورة الحمد للّه رب العالمين او قال هذه الكلمة الحاقاً بالاخر للاول و تبييناً ان الاول هو عين الاخر

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 95 *»

و لماكان هذا النظر و اللحاظ انمانشأ من مشاهدة نفسه و ان كان علي جهة الخضوع و الذلة و مقام العبادة مقام تساوي النظرين بل الغلب للنظر الي جانب المبدء و استمداده منه قال تعالي له عند ذلك اقطعت ذكري فسمّ باسمي فقال6 ايضاً بعد ذلك بسم اللّه الرحمن الرحيم.

ثم امره تعالي بان‏يتوجه الي التوحيد الشهودي دون الحقيقي المانع المنافي للعبادة لان النظر كلما قوي اليه تعالي قوي النور في العبد لان النظر الي جانبه الاقدس نظر الي الحرارة و النظر الي النفس و فقرها و فاقتها نظر الي البرودة و اين البرودة من الحرارة فقال عزوجل اقرء قل هو اللّه احد كما انزلت فانها نسبتي و نعتي فقرأ قل هو اللّه احد قل فعل امر نتج من كن و هو السر الوجودي و النور الالهي و الخطاب الشفاهي الذي هو مادة الحادث المجعول الاول اولاً و بالذات و ساير الخلايق ثانياً و بالعرض و هو قول الهي و خطاب يشتمل علي بيان معرفة الحق سبحانه و الوصف الحالي الكوني الحامل لظهوره فاول مرتبة الوصف توصيفه بالهوية اي الذات المتأصلة القائمة بذاتها المستغنية عما عداها ثم توصيف الهوية بالالوهية صاحب الهيمنة الظاهرة بصفات القدس و صفات الاضافة و الخلق ثم توصيف الالوهية اي الذات بالاحدية المحضة الصرفة التي ليس فيها شوب كثرة و لو فرضاً و وهماً و اعتباراً انعدم فيها ذكر الكثرة فضلاً عن وجودها و هي الوجه الاعلي من الالوهية.

و لماكانت القراءة في ليلة المعراج كان من الاعلي الي الاسفل لا العكس لانه شأن الصاعدين و هو6 الصاعد الواصل فيقطع المسافات النازلة علي ترتيب الاقدم فالاقدم فبقُلْ وجد كينونته و ذاته اي مادة وجوده فنظر الي الوجه الاعلي منها فشاهد الهوية الالهية بالمشاهدة الرسمية ثم نزل الي مقام ظهور الالوهية ثم منها الي مقام الاحدية ثم نظر الي حقايق الامكان و شاهد مع فقرها دعويها الربوبية فتوجه اليه سبحانه فنزّهه عن الصفات الامكانية باثبات و نفي اما الاثبات ففي قوله اللّه الصمد هذه الالوهية هي الظاهرة بصفة الواحدية فهو الصمد المصمت لا مدخل فيه للاوهام و العقول و الاحلام و لا شي‏ء مما

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 96 *»

خلقه جل و علا فهو المتعالي عن ان‏تصل اليه الادراك كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و اذا لم‏تنله المدارك فغيرها بالطريق الاولي و لايخرج منه شي‏ء لتغير حالته و تزول ابديته فاذن هو المستغني عن كل ماعداه و كل ماعداه محتاج و مفتقر اليه فغناه الذاتي يستلزم استجماعه لجميع الكمالات و بيان هذه الخصوصيات و الاشارات مما يطول فالاقتصار علي الاشارة باخصر العبارة اولي و اما النفي ففي قوله لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد و ذلك تفصيل للصمدية لان الصمد هو السيد المطاع المصمود اليه الخلايق كلهم اجمعون.

و في التوحيد عن وهب بن وهب القرشي قال سمعت الصادق7يقول قدم وفد من اهل فلسطين علي الباقر7 فسألوه عن مسائل فاجابهم ثم سألوه عن تفسير الصمد فقال7تفسيره فيه، الصمد خمسة احرف فالـالف دليل علي انيته و هو قوله عزوجل شهد اللّه انه لا اله الاّ هو و ذلك تنبيه و اشارة الي الغائب عن درك الحواس و اللام دليل علي الهيته بانه هو اللّه و الالف و اللام مدغمان لايظهران علي اللسان و لايقعان في السمع و يظهران في الكتابة دليلان علي ان الهيته بلطفه خافية لايدرك بالحواس و لايقع في لسان واصف و لا اذن سامع لان تفسير الاله هو الذي اله الخلق عن ادراك مائيته و كيفيته بحس او بوهم لا بل هو مبدع الاوهام و خالق الحواس و انما يظهر ذلك عند الكتابة دليل علي ان اللّه سبحانه اظهر ربوبيته في ابداع الخلق و تركيب ارواحهم اللطيفة في اجسادهم الكثيفة فاذا نظر عبد الي نفسه لم‏ير روحه كما ان لام الصمد لم‏يتبين و لم‏يدخل في حاسة من الحواس الخمس فاذا نظر الي الكتابة ظهر له ما خفي فمتي تفكر العبد في مائيته الباري و كيفيته اليه و تحير و لم‏يحط فكرته بشي‏ء يتصور له لانه عزوجل خالق الصور فاذا نظر الي خلقه ثبت له انه عزوجل خالقهم و مركّب ارواحهم في اجسادهم و اما الصاد فدليل علي انه عزوجل صادق و قوله صدق و كلامه صدق و دعا عباده الي اتباع الصدق بالصدق و وعد بالصدق دار الصدق و اما الميم فدليل علي ملكه و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 97 *»

انه الملك الحق لم‏يزل و لايزال و لايزول ملكه و اما الدال فدليل علي دوام ملكه و انه عزوجل دائم تعالي عن الكون و الزوال هو اللّه عزوجل مكون الكائنات الذي كان بتكوينه كل كائن ثم قال7لو وجدت لعلمي الذي اتاني اللّه حملة لنشرت التوحيد و الدين و الاسلام و الايمان و الشرايع من الصمد و كيف لي بذلك و لم‏يجد جدي اميرالمؤمنين7 حملة لعلمه حتي كان يتنفس الصعداء و يقول علي المنبر سلوني قبل ان‏تفقدوني فان بين الجوانح مني علماً جماً هاه هاه الا لااجد من يحمله الا و اني عليكم من اللّه الحجة البالغة فلاتتولوا قوماً غضب اللّه عليهم قد يئسوا من الاخرة كما يئس الكفار من اصحاب القبور ثم قال الباقر7 الحمد للّه الذي منّ علينا و وفّقنا لعبادته الاحد الصمد الذي لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد و جنّبنا عن عبادة الاوثان حمداً سرمداً و شكراً واصباً و قوله عزوجل لم‏يلد و لم‏يولد يقول لم‏يلد عزوجل فيكون له ولد يرثه في ملكه و لم‏يولد فيكون له والد يشركه في ربوبيته و ملكه و لم‏يكن له كفواً احد فيعاونه في سلطانه.

و في العلل عن مولينا الرضا7 فان قال قائل فلم بدي‏ء بالحمد في كل قراءة دون ساير السور قيل لانه ليس شي‏ء من القرآن و الكلام جمع فيه من جوامع الخير و الحكمة ما جمع في سورة الحمد و ذلك ان قوله الحمد للّه انما هو اداء لما اوجب اللّه علي خلقه من الشكر و شكر لما وفق عبده للخير رب العالمين تمجيد له و تحميد و اقرار بانه هو الخالق المالك لا غير الرحمن الرحيم استعطاف و ذكر لربه و نعمائه علي جميع خلقه مالك يوم الدين اقرار له بالبعث و الحساب و المجازاة و ايجاب له ملك الاخرة كما اوجب له ملك الدنيا اياك نعبد رغبةً و تقرباً الي اللّه عزوجل و اخلاصاً بالعمل له دون غيره و اياك نستعين استزادة من توفيقه و عبادته و استدامة لما انعم اللّه عليه و نصره اهدنا الصراط المستقيم استرشاداً لادبه و معتصماً بحبله و استزادة في المغفرة لربه و لعظمته علي اوليائه و رغبة في مثل ذلك النعم غير المغضوب عليهم استعاذة من ان‏يكون من المعاندين الكافرين المستخفين بامره و نهيه و لا الضالين اعتصاماً من ان‏يكون

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 98 *»

من الذين ضلوا عن سبيله من غير معرفة و هم يحسبون انهم يحسنون صنعاً فقد اجتمع فيه من جوامع الخير و الحكمة في امر الاخرة و الدنيا ما لايجمعه شي‏ء من الاشياء الحديث.

و لان الحمد فاتحة و جامع لجميع ما في القرآن كله بجميع اسراره كما قال اميرالمؤمنين7 كل ما في القرآن في الحمد و كل ما في الحمد في البسملة و كل ما في البسملة في الباء و كل ما في الباء في النقطة و انا النقطة تحت الباء هـ . فقراءة الحمد مع ايجازه و اختصاره و اشتماله علي البسملة و الباء و النقطة قراءة جميع الكتب المنزلة السماوية و السور الالهية فانظر ماذا تري و قد ورد ان قل هو اللّه احد ثلث القرآن لان القرآن جامع لبيان احوال الحق سبحانه و صفاته و توحيده و بيان احوال الخلق و صفاتهم و حقايقهم و ذواتهم و بيان النسبة بين اسمائه تعالي عند اقترانها بالخلق و كيفية سلوك الحق مع الخلق و الاشارة الي الاول في الحمد من الاول الي قوله تعالي مالك يوم الدين و الي الثاني فيه من قوله اهدنا الصراط المستقيم الي الاخر و الي الثالث فيه اياك نعبد و اياك نستعين و لذا قيل ان في الحمد ثلثة مقامات مقام حق لا خلق فيه و مقام خلق لا حق فيه و مقام حق و خلق و جميع العلوم و الاحوال المفصلة في القرآن و في ساير الكتب المنزلة ترجع الي هذه المقامات الثلثة فصار الحمد اجمال ما فصّل في كل القرآن و قل هو اللّه احد لما كان فيها محض بيان التوحيد الذي هو مقام الحق الذي لا خلق فيه كانت بمنزلة ثلث القرآن فاذا كررها ثلث مرات فقد ختم القرآن كله اذ كل مرة تصير بازاء ظهور من ظهورات التوحيد في عالم من العوالم الثلثة التي عليها بني الوجود المقيد كله عالم الجبروت و عالم الملكوت و عالم الملك و الحاصل ان السورة ايها كانت تفصيل اجمال الحمد و انما وجبت السورة في الصلوة بعد الحمد لوجوب ظهور التفصيل بعد الاجمال و قران المفصل بالمجمل الا تري اقتران العرش بالكرسي و الكرسي بالعرش الاّ ان سورة التوحيد لاشتمالها علي اشرف المراتب و اسني المقامات التي هي التوحيد كانت افضل و لاينبغي للمصلي تركها و ان كانت السور الاخر

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 99 *»

تؤدي مؤداها لكن لا بصراحتها و ظهورها في الخلق كصراحة ساير السور و ظهورها في الخلق فافهم و انما وجبت قراءة القرآن في الصلوة حالة القيام لبيان ان العبد القائم بخدمة مولاه لا علم له الاّ ما علمه اللّه و لايعرف شيئاً الاّ ما عرّفه اللّه و اذكروه كما هديكم لعلكم تفلحون و لبيان ان اللّه سبحانه هو المتجلي لخلقه بخلقه فالخلق لسانه و علي اللّه بيانه فحين ما يقرء القرآن هو لسان اللّه و حين التكبير و الركوع و السجود، اثبات عبوديته و مقام خضوعه و ذلّته كما يأتي ان‏شاء اللّه.

اما الجهر و الاخفات و علتهما فاعلم ان الصلوة في النهار اخفاتية لانها بازاء عالم الانوار فهناك مقام اندكاك الانية و خشعت الاصوات للرحمن فلاتسمع الا همساً فصلوة الظهر لاهل عالم الجبروت عالم العقول و العقل مقهور تحت جلال العظمة و مضمحل عند سطوع اشعة انوار الجلال و القدرة فشأنه الاخفات. و صلوة العصر لاهل عالم الارواح اصحاب الرقايق و هؤلاء و ان كان عندهم كثرة الاّ انها لقربها الي عالم العقول متلاشية فجري عليها حكم اهل ذلك العالم فكانت اخفاتية. و اما صلوة المغرب فلاهل عالم النفوس في الوجه الاعلي لظهور الكثرة في النفس و قربها من الروح القريب من العقل المقتضي للوحدة فظهر هناك وقت المغرب الممتزج نوره بظلمة الكثرة و حجاب الانية فوجب الجهر في الصلوة و القراءة لبعد اهل ذلك العالم عن المبدء و تمكن الظلمة فيهم فكانوا لايسمعون و لايلتفتون الاّ بجلي البيان و واضح الاداء كما ذكرنا في الاذان. و اما صلوة العشاء فلاهل عالم الطبيعة المبتلين بظلمة الكسر و ظلمة الموت و ظلمة جوهر الهباء ظلمات متراكمة بعضها علي بعض فلايتوجهون بذاتهم و كينونتهم الي اللّه سبحانه و لايطلبون قربه و رضاه الاّ بمنبّه عظيم صوته بالغ حجته واضح محجته يظهر النور في ذلك الليل الديجور فوجب الجهر البتة.

و اما صلوة الصبح فلاهل عالم الصوغ الثاني بعد الكسر في الطبيعة و مقام ظهور الانوار العقلية و الاسرار الحقية (الخفية خ‏ل) في العالم الجسماني في البدن الانساني فهو بين ظلمة الاجسام و نور ظهور الارواح و لماكان

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 100 *»

نور الظهور في الزيادة و يتعقبه النور باذهاب ظلمة الديجور كان له حكم النهار و لماكان في مقام اول ظهور النور و اول مقام اقتران الارواح بالاجسام و الاجساد ليست المراتب و القوي و المشاعر ناضجة نضج التام لتكون متمحضة في التوجه الي اللّه سبحانه ليأتي الاخفات فوجب الجهر فللصبح حكم البرزخية و لذا سئل مولينا الباقر7 عن الساعة التي ليست من النهار و لا من الليل قال7 هي الساعة بين الطلوعين و هي من ساعات الجنة.

و في علل ابن شاذان عن الرضا7 فان قيل فلم جعل الجهر في بعض الصلوات و لايجهر في بعض قيل لان الصلوة التي يجهر فيها انما هي صلوات في اوقات مظلمة توجب ان‏يجهر فيها لان يمرّ المارّ فيعلم ان هيهنا جماعة فاذا اراد ان‏يصلي صلي لانه ان اتي جماعة يصلي فيها سمع و علم ذلك من جهة السماع و الصلوتان اللتان لايجهر فيهما فانما هي صلوة تكون في النهار في اوقات مضيئة فهي تعلم من جهة الرؤيا فلايحتاج فيها الي السماع الحديث. و ما ذكره7 هو معني ما ذكرته لك حرفاً بحرف فتفطن. فصلوة الظهر عندا مبدء الوجود قال تعالي في حديث المعراج يا محمد6 ادن من صاد و توضأ لصلوة الظهر و صلوة العصر عند ذكر المهية و نسبة ربها بالوجود و صلوة المغرب عند اقتران الوجود بالمهية اول الظلمة و صلوة العشاء عند تمام الاقتران و استيلاء حكم المهية و الحدود و ترتب احكامها عليه في نسبة الشهوات و الافعال و الميولات اليه و صلوة الصبح عند وجدان نفسه انه عبد مربوب للّه عزوجل و ذلك بعد قتل سيدالشهداء سيد شباب اهل الجنة7 و روحي له الفداء فافهم راشداً و اشرب صافياً.

قال7 قال تعالي ثم طأطي‏ء يدك و اجعلها علي ركبتيك فانظر الي عرشي قال رسول اللّه6 فنظرت الي عظمة ربي ذهبت لها نفسي و غشي علي فالهمت ان قلت سبحان ربي العظيم و بحمده لعظيم ما رأيت فلما قلت ذلك تجلي الغشي عني حتي قلتها سبعاً الهم ذلك فرجعت الي نفسي كما

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 101 *»

كانت فمن اجل ذلك صار في الركوع سبحان ربي العظيم و بحمده فقال ارفع رأسك فرفعت رأسي فنظرت الي شي‏ء ذهب منه عقلي فاستقبلت الارض بوجهي و يدي فالهمت ان قلت سبحان ربي الاعلي و بحمده لعلوّ ما رأيت فقلتها سبعاً فرجعت الي نفسي كلما قلت واحدة منها تجلي عني الغشي فقعدت فصار السجود فيه سبحان ربي الاعلي و بحمده و صارت القعدة بين السجدتين استراحة من الغشي فالهمني ربي عزوجل و طالبتني نفسي ان‏ارفع رأسي فرفعت و نظرت الي ذلك العلو فغشي علي فخررت لوجهي و استقبلت الارض بوجهي و يدي و قلت سبحان ربي الاعلي و بحمده فقلتها سبعاً ثم رفعت رأسي فقعدت قبل القيام لاثنّي النظر في العلو فمن اجل ذلك صارت سجدتين و ركعة و من اجل ذلك صار القعود قبل القيام قعدة خفيفة.

اقول بعد ما فرغ7 من الانتصاب و القيام و قراءة كلام الملك العلام و القيام بخدمته في اوامره و نواهيه امره اللّه سبحانه بالخضوع التام و الخشوع العام و فقدان نفسه و الرجوع الي ربه و التذلل بين يديه و الاذعان بانه في جميع طاعته و عبادته و خدمته مقهور ذليل بين يديه لايملك لنفسه نفعاً و لا ضراً و لا موتاً و لا حيوةً و لا نشوراً فمال الي الانحطاط و افناء نفسه عند سطوع ظهور ربه فالركوع حالة متوسطة بين الفناء المطلق المناسب لحال السجود و الشعور المطلق المناسب لحال القيام و لذا كان الركوع اشرف و اعلي من القيام كالسجود منه لان المناط في الصلوة اظهار الخضوع و الخشوع و ابراز العبودية المحضة لقيام الالوهية فما تمحض في الخضوع كان اقرب الي اللّه تعالي لانه سبحانه عند المنكسرة قلوبهم.

فاذا جعلنا الصلوة شرحاً لظاهر الوجود يكون التكبيرة مقام الاجسام مقام ظهور الكبرياء و القيام مقام النفوس الظاهرة بالكثرات و الشئون و اظهار الخضوع و الخشوع و سريان نور العظمة في جميع اطوار الكاف و النون و الركوع مقام العقول و عالم الجبروت و رتبة الجلال و اضمحلال الكثرات و رجوع الامر الي حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما و الي عابد و معبود و بطلان استقلال كل ما سوي اللّه و السجود مقام

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 102 *»

الفؤاد و باب المراد و رتبة الاتحاد و الاضمحلال عن شهود نفسه و وجدان حقيقته و ذاته و سرّه و هو اقرب الاحوال الي اللّه تعالي. و اذا جعلنا الصلوة مفتتحها مقام العقل لما ذكرنا من ان العاقل هو المصلي لاسواه فتكون تكبيرة الافتتاح اشارة الي مقام العقل المنخفض و القيام اشارة الي مقام العقل المستوي و الركوع اشارة الي مقام العقل المرتفع و السجود اشارة الي مقام الحقيقة و النور و مرتبة المشاهدة و السرور و ذلك لايكون الاّ بفناء السريرة.

و ان جعلنا الصلوة شرحاً لباطن الوجود فتكون تكبيرة الاحرام اشارة الي توحيد العبادة لان المصلي بها يحرّم علي نفسه الالتفات و النظر الي غير جهة المعبود الواحد الحق لان العبادة هي التوجه و الانقطاع الي جهة المعبود لا غير و القيام اشارة الي توحيد الافعال و ارجاع المبادي كلها الي مبدأ واحد فان الحمد و السورة هما كلام اللّه التدويني و هو علي طبق الكلام التكويني حرفاً بحرف.

انظر الي نسبة الكلام الي المتكلم في التدوين و الصفات و اعتبر و قس عليها حال نسبة الكلام الي المتكلم في التكوين، لايسمع فيه صوت الاّ صوتك و لايري فيه نور الاّ نورك و الركوع اشارة الي توحيد الصفات بوجدان ذات واحدة جميع ماعداها صفاتها و اسماؤها و لايري الغير ابداً لان الاثر يكون منشأ اشتقاق اسم المؤثر مطلقاً فالناظر الي الاثر ناظر الي الاسم و هذه الاسماء هي اسماء الافعال لا اسماء الذات و الي هذا المعني اشار الشاعر بقوله:

لو اقسم المرء بالرحمن خالقه   بان كلّ الوري لا شي‏ء ما حنثا
ان كان شي‏ء فغير اللّه خالقه   اللّه اكبر من ان‏يخلق العبثا

و السجود اشارة الي توحيد الذات و عدم مشاهدة الصفات كما قال مولينا اميرالمؤمنين7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة علي انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف علي انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث.

في مصباح الشريعة عن مولينا جعفر بن محمد الصادق7 في باب الركوع لايركع عبد للّه تعالي ركوعاً علي الحقيقة الاّ زيّنه اللّه بنور بهائه و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 103 *»

اظلّه في ظلال كبريائه و كساه كسوة اصفيائه و الركوع اول و السجود ثان فمن اتي بمعني الاول صلح للثاني و في الركوع ادب و في السجود قرب و من لايحسن الادب لايصلح للقرب فاركع ركوع خاشع للّه بقلبه و متذلل وَجِل تحت سلطانه خافض له بجوارحه خفض خائف حزن علي ما يفوته من فائدة الراكعين و حكي ان ربيع بن خثيم كان يسهر بالليل الي الفجر في ركعة واحدة فاذا اصبح تزفر و قال سبق المخلصون و قطع بنا و استوف ركوعك باستواء ظهرك و انحط عن همتك في القيام بخدمته الاّ بعونه و فِرَّ بالقلب من وساوس الشيطان و خدايعه و مكايده فان اللّه يرفع عباده بقدر تواضعهم له و يهديهم الي اصول التواضع و الخشوع و الخضوع بقدر اطلاع العظمة علي سرائرهم الحديث.

فاذا ظهر نور العظمة في القلب خضع و اذا خضع و خشع بظاهره و باطنه و سرّه و علانيته كان نظره الي نور العظمة اكثر و اوفر و اعلي و لذا قال6فنظرت حالة الركوع الي عظمة ربي بعد ما امره اللّه سبحانه بالنظر الي العرش فالعرش هو تلك العظمة قال6فذهبت لها نفسي و غشي علي و هذا الغشي عن مشاهدة احوال الخلق و كينوناتهم و جهات تلقياتهم الفيض عن اللّه سبحانه و النظر الي الاسم الاعظم الاعظم الاعظم الذي تحترق معه الاسماء و تسقط عنده الصفات و الاضافات و لذا الهم6 ان قال سبحان ربي العظيم و بحمده فان التسبيح مقام التنزيه و فيه ذكر الغير فان النفي فرع الاثبات و اما التسبيح في السجود فليس كما في الركوع و انما هناك كما قال7كشف سبحات الجلال من غير اشارة و بينهما فرق واضح ليس الآن موضع ذكره و بيانه لادائه الي التطويل المُملّ.

و اسم العظيم هو اعظم الاسماء بعد العلي كما قال مولينا الرضا7علي ما رواه في معاني الاخبار ان اللّه سبحانه اول ما اختار لنفسه العلي العظيم فالعلي العظيم اسمان مقرونان اختارهما اللّه سبحانه قبل خلق الخلق و الاسماء و الصفات الا ان الاول اول و الثاني ثان و لماكان الركوع ثاني السجود و تاليه و السجود اوله جعل الاعلي في السجود و العظيم في الركوع فالتسبيح في مقام العظمة تنزيه مع

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 104 *»

الاشارة و هو مقام الواحدية و مقام ظهور الالوهية و في مقام العلو في السجود تنزيه من غير اشارة و هو مقام الاحدية و ظهور الوجه الاعلي من الهوية.

و انما قاله سبع اي ذكر الركوع سبع مرات لظهور ذلك التسبيح في سبعة هياكل تثني بتثنية الركوع في كل صلوة فيتم بذلك الاربعة عشر يد اللّه و وجه اللّه و اسما الجواد و الوهاب هذا في الوجه الباطني المراد في الحقيقة اما الوجه الظاهري فلظهور نور التسبيح في سبع مراتب الشي‏ء الحاصلة من اجتماع شكلي المثلث و المربع فيه كما شرحناه في كثير من مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل و انما لم‏تجب السبعة لضعف كينونة الخلق عن ملاحظة السبعة علي التفصيل و سريان نور التسبيح فيها بل اكتفي بالمرة الواحدة للملاحظة الاجمالية فافهم و اتقن.

و لماكان الركوع هو الخضوع لاجل ما رأي المصلي في قيامه انه قائم بنفسه فيركع بجميع اعضائه و يخفض بجميع جوارحه لازالة ذلك فجازاه اللّه سبحانه بان‏يظهر له ان اللّه هو الذي قوّاه و اقام نشأته فقال ارفع رأسك لبيان ان الخضوع للّه و الانكسار له يعقبه الارتفاع كما ان القيام بالامر يعقبه الخضوع و الانكسار و لذا قال6 فرفعت رأسي فنظرت الي شي‏ء ذهب منه عقلي لبيان ان الخضوع و الخشوع للّه عزوجل يوجب الارتفاع الي الدرجات العالية و المقامات المتعالية و مشاهدة انوار الجمال الموصلة الي مقام الوصال الناشئة عن كمال المحبة المقتضية لفناء المحب عن نفسه في مشاهدة المحبوب و لذا وقع6 و خرّ علي الارض و قال6 فاستقبلت الارض بوجهي و يدي الارض هي الموت و طبعها البرودة و اليبوسة و خاصيتها العدم و لذا كان اسم اللّه المربي للارض المميت و انما استقبل بها بوجهه و يده اما الوجه فلانه محل معروفيته و مقام جريان الاحكام عليه و اما اليد فمقام قدرته و تأثيراته و اثاره و شئونات اثاره و جميع احوال الشي‏ء تدور علي الاصلين و هما الوجه و اليد و معني استقباله بهما الي الارض ميله6اياهما الي العدم اي الفناء و الاضمحلال لانه مقام ظهور الوصال و سطوع نور العالي الظاهر بالجلال و الجمال و ذلك مقام

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 105 *»

السجود فالسجود مقام المحبين و الركوع مقام المتقين العابدين و القيام مقام العالمين العاملين و التكبير مقام الزاهدين السالكين و قد اشار اللّه سبحانه الي السجود بعد الركوع اي رفع الرأس منه بقوله عزوجل في الحديث القدسي حديث الاسرار كلما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية فافهم ان كنت تفهم و الاّ فاسلم تسلم.

قال مولينا الصادق7 في مصباح الشريعة ما خسر واللّه من اتي بحقيقة السجود و لو كان في العمر مرة واحدة و ما افلح من خلا بربه في مثل ذلك الحال شبيهاً بمخادع نفسه غافل لاه عما اعدّ اللّه للساجدين من البشر العاجل و راحة الاجل و لا بعد عن اللّه ابداً من احسن تقربه في السجود و لا قرب اليه من اساء ادبه و ضيّع حرمته بتعلق قلبه بسواه في حال سجوده فاسجد سجود متواضع له ذليل عالم انه خلق من تراب تطأه الخلق و انه ركب من نطفة يستقذرها كل احد و قد جعل اللّه معني السجود سبب التقرب اليه بالقلب و السرّ و الروح فمن قرب منه بعد عن غيره الا تري في الظاهر انه لايستوي حال السجود الاّ بالتواري عن جميع الاشياء و الاحتجاب عن كل ما تراه العيون كذلك امر الباطن فمن كان قلبه متعلقاً في صلوته بشي‏ء دون اللّه فهو قريب من ذلك الشي‏ء بعيد عن حقيقة ما اراده اللّه منه في صلوته قال اللّه عزوجل ماجعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه و قال رسول اللّه6 قال اللّه تعالي لااطلع علي قلب عبد فاعلم فيه حب الاخلاص لطاعة وجهي و ابتغاء مرضاتي الاّ توليت تقويمه و سياسته و من اشتغل في صلوته بغيري فهو من المستهزئين بنفسه مكتوب اسمه في ديوان الخاسرين الحديث.

و لماكان السجود هو الخضوع و الاضمحلال بكله و كليات المراتب انما هي سبعة فوجب ان‏يضع الاعضاء السبعة علي الارض و لماكان بكل خضوع و فناء يظهر نور من انوار التوحيد و كان التوحيد الاعلي قد ظهر في سبعة هياكل و تكررت في عالمي الغيب و الشهادة و الظهور و المظهر الي ان صار الوجه اربعة عشر وجب تكرار السجود. اما ذكر التسبيح فلما مر لما نظر الي ربه الاعلي

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 106 *»

جعل نفسه اسفل او بالعكس و السجود اشارة الي مقام محمد6لكونه اخضع الخلق للّه عزوجل و لذا كان هو الملقب بالحبيب و ينصرف اليه عند الاطلاق و ذلك حين طوافه علي جلال القدرة فكان هو الذكر الاعلي و الركوع اشارة الي مقام اميرالمؤمنين7 حين طوافه حول جلال العظمة فكان هو الذكر العظيم قال تعالي و هو العلي العظيم فصار العلي اسماً لاميرالمؤمنين7 حين طوافه حول جلال القدرة فافهم. و القيام اشارة الي مقام الحسن7 لكونه تالي الركوع و التكبير اشارة الي مقام الحسين7 اذ به ظهر التوحيد و الكبرياء و حرمة النظر الي ماسوي اللّه و النية الجامعة الحاوية من حيث الحواية و الجامعية اشارة الي مقام فاطمة3 او قل ان النية اشارة الي مقام النبي6 و التكبير اشارة الي مقام فاطمة3 و القيام اشارة الي مقام مولينا اميرالمؤمنين7 لانه القائم علي كل نفس بما كسبت و هو لسان اللّه الناطق بالكلام التكويني و التدويني علي جميع الانام و الركوع اشارة الي مقام سيدنا الحسن7 و السجود اشارة الي مقام مولينا الحسين7و لكل وجه مناسبة لايخفي علي المتأمل الفطن.

قيل لمااحترق عالم الخلق في نظر الساجد من اجل الدعاوي التي كانت من اول الصلوة الي حين السجود و منه يرتفع الحجب و الاستار و يحرق سبحات وجهه سبحانه و هو عالم الانوار ما ادركه البصر من عالم الخلق و الاثار فحينئذ يستغرق المصلي العارف في نور اللّه تعالي و يتقلب فيه حيث يشاء فيرفع رأسه من السجود اشارة الي ان المحترق منه هو الدعوي و وصل الي عالم الانوار الذي ليس فيه دعوي اصلاً فيستغفر من الدعوي و يتوب الي ربه الاعلي برجوعه الي عالم النور و الضياء. اما الطمأنينه فالمراد بها الثبات لتحقيق ما تجلي به في المقامات السابقة عليها او الملابسة لها من الانوار المختصة بكل مقام من المقامات فاذا شرع و اتي بقدر ما اطلق عليه الاسم فقد فاته علم كثير و من ثبت فاستقر بالاطمينان يتمكن من ان‏يناله شأن من الشأن هـ .

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 107 *»

قال7 ثم قمت فقال تعالي يا محمد6 اقرء الحمد فقرأتها مثل ما قرأتها اولاً ثم قال لي اقرأ انا انزلناه في ليلة القدر فانها نسبتك و نسبة اهل بيتك الي يوم القيمة ثم ركعت فقلت في الركوع و السجود مثل ما قلت اولاً و ذهبت ان اقوم فقال يا محمد6 اذكر ما انعمت عليك و سمّ باسمي فالهمني اللّه ان قلت بسم اللّه و بالله لا اله الاّ اللّه و الاسماء الحسني كلها للّه فقال لي يا محمد صلّ عليك و علي اهل بيتك فقلت صلي اللّه علي و علي اهل بيتي و قد فعل.

اعلم ان العالم عالمان عالم البدو و عالم العود و هما و ان كانا واحداً لان البدو هو العود كالعكس و يشير اليه قوله تعالي كما بدءكم تعودون علي ما تقرر عندنا ان المشبه في القرآن عين المشبه به و ما مصدرية فيكون الكلام بدؤكم عودكم الاّ ان العود لما كان صعوداً بعد النزول و وصولاً بعد الذهول و هما متطابقان في الظهور و الصفات و الشئونات و لذا كانت الصلوة ركعتين فالاولي تشير الي ظهور العظمة علي مواقع الخضوع و الخشوع في العالم الاول البدوي و الثانية تشير الي ظهورها في العالم العودي و كلاهما متطابقان بل متحدان و لذا كان6 لما احياه اللّه تعالي من ظلمة العدم الامكاني الي عالم الوجود الكوني قام بخدمة المعبود ثم ركع مفنياً عن نفسه الشهود ثم سجد مستغرقاً في بحر الاسماء او مفنياً نفسه عند مشاهدة تجلي الاسم الاعظم ثم رفع رأسه اثباتاً لمقام الاسماء القاهرة جميع الاشياء و مستغفراً عن ذنب مشاهدتها لان فيها ذكر الاغيار و ذلك مستلزم للاكدار فسجد ثانياً لتلافي ما فات و ادراك مقام المحبة التي وعده اللّه سبحانه للتوابين حيث قال ان اللّه يحب التوابين و يحب المتطهرين فاستغرق في بحر توحيد الذات معرضاً عن جميع الاسماء و الصفات التي هي السبحات فدخل في لجّة بحر الاحدية و طمطام يمّ الوحدانية و ذلك عند نفخة الجذب الذي هي نفخة الصعق فتجذب الروح الامري و النور الفعلي الالهي الي مبدئها و بارئها و منشئها و مكونها لا باشارة و لا كيف و لا باتصال و لا انفصال فهو دائم التلذذ باللقاء

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 108 *»

الناسي لكل ماسواه فيبقي السوي ميتاً لا حراك له فلا حس و لا محسوس فتبطل الحركات و تندكّ الانيات فلم‏يبق الاّ وجه اللّه باري‏ء النسمات كل شي‏ء هالك الاّ وجهه فهو الموت الاعظم لكل العالم ثم نفخ في الصور نفخة اخري و هي نفخة الدفع.

و ذلك عند توجه النور الي عالم الغيور و رفع الرأس من السجدة الثانية اشارة الي ذلك فاذا هم قيام ينظرون و اليه الاشارة بقوله6ثم قمت اي للقيامة الكبري فقال تعالي لي يا محمد اقرأ الحمد كما قرأتها و ذلك لحكم التطابق و التوافق في العالمين و هو قوله تعالي كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل و اتوا به متشابهاً الا ان العالم الثاني لماكان مقام الكمال الذي اكتسبه الكامل الاول المطلق في المبدء كان يجري فيه سرّ قوله تعالي يا ابن آدم اطعني اجعلك مثلي اقول للشي‏ء كن فيكون و انت تقول للشي‏ء كن فيكون انا حي لا اموت اجعلك حياً لاتموت الحديث.

فامره اللّه تعالي ان‏يقرأ انا انزلناه في ليلة القدر لانها نسبة محمد و آله صلي اللّه عليه و عليهم فقال6 بسم اللّه الرحمن الرحيم انا انزلناه اي انا انزلنا القرآن بمعناه العام الشامل للصامت و الناطق متلبساً باسم اللّه اي الاسم الاعظم اي التجلي الاعظم الاعلي كما في دعاء ليلة المبعث المدلول عليه بلفظ الجلالة الجامع لجميع التجليات و الظهورات الخاصة و العامة في مقام التفصيل في رتبة المعارف هو هذا القرآن و في سلسلة الحقايق امام كافة اهل الاكوان و الاعيان فباقتضاء ذلك الاسم الجامع و طلب اسمي الرحمن الظاهر بالولاية الكبري و السلطنة العظمي و الرياسة العليا و اعطاء كل ذي حق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه و الرحيم المرتِّب لنعيم الجنة و حورها و قصورها لاهلها من المؤمنين في ليلة القدر اي انا انزلنا علياً7 لان «ه» في العالم التفصيلي علي7عند الاشباع و قد اشار اليه بقوله تعالي و انه في امّ الكتاب لدينا لعلي حكيم هذا بلا اشباع و اما مع الاشباع ففي قوله تعالي و هو العلي العظيم فان علياً7 هو سماء عالم الولاية و فاطمة ارضها و ساير الائمة:نباتها و اشجارها و رسول اللّه6 عرشها و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 109 *»

سقفها فلولا ان السماء تنزل ماءها و اشعتها علي وجه الارض ما نبت شي‏ء و كذلك لولا ان علياً7 انزله اللّه تعالي في فاطمة الصديقة3 ما ظهرت الائمة: في عالم الوجود التفصيلي و تزويجهما صلي اللّه عليهما آيته و دليله جوزهر القمر الفلك الحاصل من تقاطع الشمس الذي هو علي7 مع القمر الذي هي فاطمة3و من هذا التقاطع ظهرت العقدتان تدلان علي الحسن و الحسين8 سيدي شباب اهل الجنة.

و ليلة القدر هي فاطمة3 اما انها ليلة فلانها الباردة الرطبة التي هي طبع الانثي و لان الزوجة مسكن للزوج كالليل قال تعالي و جعل الليل سكناً و الشمس و القمر حسباناً، خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها و لان الزوجة لباس للزوج كالليل قال تعالي و جعلنا الليل لباساً و النهار معاشاً و لان الزوجة لماكانت محل الصور و الحدود و الهيئات و هي تستلزم الكثرة المستلزمة للظلمة الاضافية و اما القدر فلكونها ذات قدر عظيم عند اللّه عزوجل حتي ان اللّه تعالي فطمها و فطم محبيها و محبي محبيها الي سبعة عن النار و لكونها محل التقدير اي تحديد الائمة: و تصويرهم في رحمها كما قال عزوجل فيها يفرق كل امر حكيم و هي في الظاهر احدي ليالي شهر رمضان المبارك تقدّر فيها الاجال و الارزاق.

و ما ادريك ما ليلة القدر ذكر هذه العبارة اعظاماً لشأنها و تفخيماً لمكانها و اثباتاً لعظم قدرها و قرب منزلتها عند اللّه تعالي و الخطاب من قبيل اياك اعني و اسمعي يا جارة و الاّ فرسول اللّه6 هو اعلم بها و منزلتها من كل احد من المخلوقين ليلة القدر خير من الف شهر كرر الليلة ثلث مرات اشارة الي ظهورها صلوات اللّه عليها في الايام الثلثة الدنيا و الرجعة و القيمة و الف شهر هي مراتب الوجود و قد شرحته في ساير رسائلنا و اجوبتنا و مباحثاتنا و ذكره هنا موجب للتطويل و الف شهر ثمانون سنة و هي تمام دولة بني‏امية.

تنزل الملئكة و الروح فيها الملئكة هم الائمة: لان الملئكة هم العبيد كما يقال ان فلان سيي‏ء الملئكة و فلاناً حسن الملئكة اي سيي‏ء الصنع بعبيده و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 110 *»

هم سلام اللّه عليهم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون او ان الملئكة مشتقة من الالوكة بمعني الرسالة و هم سلام اللّه عليهم وسايط الفيض بين اللّه عزوجل و بين عبيده و الروح هو اميرالمؤمنين7 قال7 انا الروح من امر ربي و هم الذين قد نزلوا في فاطمة3 من الغيب الاول نزول الاحاد في التسعة و ذلك واضح ظاهر ان‏شاء اللّه تعالي، باذن ربهم من كل امر سلام اي من كل امر من تعلقات الامر الفعلي في قوله تعالي انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون او من قرانات الامر المفعولي الذي علي هيئة الامر الفعلي بل هو عينها في قوله تعالي و كان امر اللّه مفعولاً. هي اي هذه الليلة المباركة من زمان غيبة النبي6 اي غروب شمس النبوة تمتد حتي مطلع الفجر فجر طلوع القائم7 او الحسين.

فلما اتمّ السورة ظهر تأويل قوله تعالي عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فثبت لهم الاستقلال و التذوت فاراد6 بيان عبوديتهم و اضمحلالهم و عدم استقلالهم و انهم ليسوا باشياء الاّ باللّه جل جلاله و هم الاذلاء بين يديه فركع انمحاقاً لمشيته و اعداماً لارادته ليظهر قوله تعالي و مارميت اذ رميت ولكن اللّه رمي و قوله تعالي و ماتشاءون الاّ ان‏يشاء اللّه ثم سبّح اللّه تعالي و قدسه و نزهه لان‏يكون مستقلاً و متذوتاً سواه اظهاراً لقوله تعالي و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم و كذلك نجزي الظالمين ثم رفعه اللّه تعالي برفعته و جعله محلاً لمشيته و لساناً لارادته و حاكماً علي بريته و هو قوله تعالي في الحديث القدسي حديث الاسرار كلما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً فازداد خضوعاً و انكساراً و تذوتاً الي ان‏اقترن بالتراب و عفّر جبينه و خدّيه و ناصيته لرب الارباب و مالك الرقاب و هو سجوده6 تحت العرش يوم القيمة فسبح ربه الاعلي عن مقارنة الاشياء باستغراقه في بحر الصفات و الاسماء فرفعه اللّه سبحانه و جعله اسمه الاعظم الاجل الاعلي الاعلي الاعلي المكنون المخزون الذي يحبه و يرضاه ثم وضع له

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 111 *»

حلماً فازداد خضوعاً و ذلّةً فخرّ مغشياً عليه و سكن التراب و امات نفسه في كل باب فرفعه اللّه سبحانه و ناداه يا محمد6 ارفع رأسك سل تعط و اشفع تشفع فرفع6 رأسه امتثالاً لامر ربه فاقامه اللّه سبحانه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار فليس بعد ذلك مقام للقيام و لذا قال6 ذهبت ان اقوم اثباتاً لقوله7 خلق ساكن لايدرك بالسكون.

فلمااعطاه اللّه سبحانه هذه النعمة الجليلة و المنقبة العظيمة و المرتبة الرفيعة بحيث لايلحقها لاحق و لايطمع في ادراكها طامع ذكّره اللّه تعالي نعمته بان جعله في مقام الصحو بعد السكر و البقاء بعد الفناء فامره ان‏يسمي باسمه تعالي لانه اول مقام من مقامات الفرق و يتشهد بالشهادتين لانهما بعد ظهور الاسماء و هو علة وجوب التشهد و هو حالة بقاء العبد ببقاء اللّه و رؤية ان الامر بيده اللّه و الملك للّه الواحد القهار قال الصادق7 في مصباح الشريعة التشهد ثناء علي اللّه فكن عبداً له في السرّ خاضعاً له في الفعل كما انك عبد له بالقول و الدعوي و صل صدق لسانك بصفاء صدق سرك فانه خلقك عبداً و امرك ان‏تعبده بقلبك و لسانك و جوارحك و ان تحقق عبوديتك له بربوبيته لك و تعلم ان نواصي الخلق بيده فليس لهم نفس و لا لحظة الاّ بقدرته و مشيته و هم عاجزون عن اتيان اقل شي‏ء في مملكته الاّ باذنه و ارادته قال عزوجل و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان اللّه و تعالي عما يشركون فكن للّه عبداً ذاكراً بالقول و الدعوي و صل صدق لسانك بصفاء سرك فانه خلقك فعزّ و جلّ ان‏يكون ارادة و مشية لاحد الاّ بسابق ارادته و مشيته و استعمل العبودية و الرضا بحكمه و بالعبادة في اداء اوامره و قد امرك بالصلوة علي نبيه6فاوصل صلوته بصلوته و طاعته بطاعته و شهادته بشهادته و انظر ان لايفوتك بركات معرفة حرمته فتحرم عن فائدة صلوته و امره بالاستغفار و الشفاعة فيك ان اتيت بالواجب في الامر و النهي و السنن و الاداب و تعلم جليل مرتبته عند اللّه.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 112 *»

قال7 ثم التفتّ فاذا انا بصفوف من الملئكة و النبيين و المرسلين فقال لي يا محمد سلّم فقلت السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته فقال يا محمد اني انا السلام و التحية و الرحمة و البركات انت و ذريتك ثم امرني ربي العزيز الجبار ان التفت يساراً و اول سورة سمعتها بعد قل هل اللّه احد، انا انزلناه في ليلة القدر فمن اجل ذلك كان السلام مرة تجاه القبلة و من اجل ذلك صار التسبيح في الركوع و السجود شكراً و قوله سمع اللّه لمن حمده لان النبي6قال سمعت ضجة الملئكة فقلت سمع اللّه لمن حمده بالتسبيح و التهليل فمن اجل ذلك جعلت الركعتان الاولتان كلما حدث فيهما حدث كان علي صاحبها و اعادتها و هي الفرض الاولي و هي اول ما فرضت عند الزوال يعني صلوة الظهر انتهي.

اقول لمافرغ من التشهد بعد ذكر الاسماء و اكمل السفر الثالث الذي هو السفر من الحق الي الخلق القي اللّه سبحانه في هويته مثاله فاظهر عنه (عنها خ‏ل) افعاله و سلّم اليه امر الخلق و ملّكه شفاعة الرزق و اعطاه الوسيلة و هي المنبر المعروف الذي له الف مرقاة من كل مرقاة الي مرقاة عدو الفرس الف سنة او خمس‏مائة الف سنة يصعد عليه رسول اللّه6 و يقعد اعلاه فيسلّم اللّه سبحانه اليه مفاتيح الجنة و النار و لواء الحمد فالتسليم يومئذ اي تسليم كل ذرة من الذرات حقها من النعيم و الاليم في الجنة و النار عليه6فيدخل الجنة من يشاء و يعطيه اي مرتبة يشاء و يدخل النار من يشاء فاليه مسلّم (سلّم خ‏ل) امر الخلايق و لذا قال عزوجل خطاباً له6السلام عليك ايها النبي و رحمة اللّه و بركاته اي تسليم ما اعد اللّه سبحانه للمتقين في عليين علي تفاوت مراتبهم و درجاتهم و مقاماتهم و ما اعدّ للكافرين من الحميم و العذاب الاليم في السجين علي تفاوت مراتبهم و دركاتهم و مقاماتهم و تسليم كل ملك الامر الموكل عليه و كل شجرة في الجنة و في النار ما تقتضيه من الثمار الطيبة و الخبيثة و غيرها من ساير الاحوال كل ذلك عليك لانك الولي المطلق و الحاكم الحق هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب، ما اتيكم

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 113 *»

الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا فهو6 ولي الاعطاء و المنع بامر من اللّه عزوجل.

فلماشرفه اللّه سبحانه بهذه الشرافة الكاملة اراد6 ان‏يشرك معه في هذه المرتبة الكاملة و المنقبة العظيمة اهل بيته الطيبين الطاهرين حيث انهم اصحاب الولاية الظاهرة و عندهم الاحكام الاقترانية الخاصة فقال6السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين اي هذا التسليم المذكور الذي هو ولاية اللّه سبحانه الظاهرة في المخلوقين علينا و هو نفسه المقدسة مقترنة بهم صلي اللّه عليه و عليهم و عباد اللّه الصالحين هم الائمة الطاهرون:لان ولاية النبي6 انما ظهرت فيهم و هم اصحاب الحشر و النشر و ان اليهم اياب هذا الخلق ثم ان عليهم حسابهم كما قال مولينا الباقر7 او ان «نا» هو علي اميرالمؤمنين7 فانا قد ذكرنا في الجزء الثاني من شرح الخطبة الطتنجية ان ضمير المتكلم وحده موضوع لرسول اللّه6 و هو مؤلف من حروفه الخاصة به6 و ضمير المتكلم معه غيره موضوع لعلي7 و هو الاسم الخاص به مؤلف من الحروف الخاصة به7 و العباد الصالحون هم باقي الائمة: و لذا قال رسول اللّه6 اعطيت لواء الحمد و علي حاملها و اعطيت الجنة و النار و علي قسيمهما و اعطيت الحوض و علي ساقيه.

فلماطلب رسول اللّه6 ذلك من اللّه عزوجل فاجاب سبحانه دعوته و اعطاه مضمون طلبته و شرّكهم في الامر معه6فقال عزوجل بلسانه السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته اي تسليم كل ذي حق حقه اياه عليكم يا اهل بيت النبوة و موضع الرسالة و مختلف الملئكة لانكم مهابط وحيي و مخازن علمي و مواقع امري و نهيي و محال مشيتي و مواضع ارادتي و رحمة اللّه و بركاته اي نشر الرحمة و ايصالها الي كافة الموجودات من اهل الجنة و النار و اعطاء كل ذي حق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه منوط و موقوف عليكم فحينئذ صعدوا علي منبر الوسيلة و وقف كل احد منهم صلي اللّه عليهم علي

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 114 *»

المرقاة المناسبة لمقامه و مرتبته و وقف مولينا اميرالمؤمنين7بمرقاة انزل من موقف النبي6 فاتاه الرضوان خازن الجنان و سلّم رسول اللّه6 مفاتيحها فامره6 ان‏يسلمها علياً7 و اتاه مالك خازن نيران بمفاتيحها فامره6 ان‏يسلمها الي علي و اتي بلواء الحمد له6 فامر علياً7ان‏يحملها.

ثم ان الخلق اهل المحشر كلهم اجمعين من الانبياء و المرسلين و الملئكة المقربين و ساير الخلق من الجن و الانس اجمعين وقوف عن يمين المنبر و يسارها و صحايف اعمالهم بيمينهم او بشمالهم و هم قعود كهيئة المتشهد ينظرون صحايفهم فيقول علي7 الحامل لللواء كلمة واحدة و كل الخلق ينظر صحايفهم و كل احد منهم يري انه7 يقرأ صحيفته لا غير علي اختلاف الصحايف و الاعمال و تباينها و تضادها و هو قوله تعالي و تري كل امة جاثية كل امة تدعي الي كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون لان الاعمال كل يوم تعرض علي الامام7 فالمتشهد حين قعوده يستشعر انه في معرض الحساب جاثٍ بين يدي ولي الحساب فيقول اشهد ان لا اله ا÷ اللّه وحده لا شريك له و اشهد ان محمداً عبده و رسوله اللهم صل علي محمد و آل محمد ثم يلتفت الي التسليم و يطلب من صاحب الامر و الحكم النجاة و الدخول الي دار السلام و به تمام الامر.

و لماكانت الركعتان بيان حكم البدو و العود و هما الاصلان اللذان بهما قامت الكائنات و سكنت السواكن و تحركت المتحركات صارت الركعتان هما الاصلان و لابد ان‏تؤديا بكمال الشرايط و الاركان فاذا وقع فيهما شك او سهو فلابد من اعادتهما و لذا كانت الركعتان فريضتان من اللّه عزوجل و فرضت الصلوة مثني مثني الا ان رسول اللّه6 زاد في كل من الظهر و العصر (و العشاء ظ) ركعتين لبيان قيام القائم7 و الرجعة و اما في المغرب زاد ركعة واحدة لبيان اتحاد الامرين في الحقيقة و لان صلوة المغرب منسوبة

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 115 *»

الي فاطمة3 كانتساب الظهر برسول اللّه6 و انتساب العصر باميرالمؤمنين7 و العشاء بالحسن7 و الصبح بالحسين7 و كان للذكر مثل حظ الانثيين فزيد لها ركعة واحدة و مازاد في الصبح لان صلوة الصبح تشهدها ملائكة الليل و ملئكة النهار فتكتب اربعاً فلو زاد لزاد علي ساير الصلوات و لم‏يجز ذلك و هو قوله تعالي ان قرآن الفجر كان مشهوداً اي تشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار.

ثم اعلم ان ما فرض علي رسول اللّه6ليلة المعراج خمسون صلوة كما رواه في الفقيه عن الصادق7 في قوله عزوجل ان الصلوة كانت علي المؤمنين كتاباً موقوتاً قال مفروضاً و قال7 ان رسول اللّه6 لمااسري به امره ربه بخمسين صلوة فمرّ علي النبيين نبي نبي لايسألونه شيئاً حتي انتهي الي موسي بن عمران فقال باي شي‏ء امرك ربك فقال بخمسين صلوة فقال سل ربك التخفيف فان امتك لاتطيق ذلك فسأل ربه فحطّ عنه عشراً ثم مرّ بالنبيين نبي نبي لايسألونه عن شي‏ء حتي مر بموسي بن عمران7 فقال باي شي‏ء امرك ربك فقال باربعين صلوة فقال سل ربك التخفيف فان امتك لاتطيق علي ذلك فسأل ربه فحطّ عنه عشراً ثم مرّ بالنبيين نبي نبي لايسألونه عن شي‏ء حتي مرّ بموسي7 فقال باي شي‏ء امرك ربك فقال بثلثين صلوة فقال سل ربك التخفيف فان امتك لاتطيق ذلك فسأل ربه عزوجل فحطّ عنه عشراً ثم مرّ بالنبيين نبي نبي لايسألونه عن شي‏ء حتي مرّ بموسي بن عمران فقال باي شي‏ء امرك ربك فقال بعشرين صلوة فقال سل ربك التخفيف فان امتك لاتطيق ذلك فسأل ربه عزوجل فحط عنه عشراً ثم مر بالنبيين نبي نبي لايسألونه عن شي‏ء حتي مرّ بموسي بن عمران فقال باي شي‏ء امرك ربك فقال بعشرين صلوة فقال اسأل ربك التخفيف فان امتك لاتطيق ذلك فسأل ربه عزوجل فحط عنه عشراً ثم مر بالنبيين نبي نبي لايسألونه عن شي‏ء حتي مرّ بموسي فقال باي شي‏ء امرك ربك فقال6بعشر صلوات فقال سل ربك التخفيف فان امتك لاتطيق ذلك فاني جئت الي بني‏اسرائيل بما افترض اللّه عزوجل عليهم فلم‏يأخذوا به و لم‏يقروا عليه فسأل النبي6 ربه عزوجل فخفف عنه فجعلها خمساً ثم مرّ بالنبيين

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 116 *»

نبي نبي لايسألونه عن شي‏ء حتي مرّ بموسي فقال باي شي‏ء امرك ربك فقال بخمس صلوات فقال سل ربك التخفيف عن امتك فان امتك لاتطيق ذلك فقال اني لاستحيي ان اعود الي ربي فجاء رسول اللّه6 بخمس صلوات و قال رسول اللّه6 جزي اللّه موسي بن عمران عن امتي خيراً و قال الصادق7 جزي اللّه موسي عنا خيراً و روي عن زيد بن علي بن الحسين8 انه قال سألت ابي سيد العابدين7 فقلت له يا ابه اخبرني عن جدنا رسول اللّه6 لماعرج به الي السماء و امره ربه عزوجل بخمسين صلوة كيف لم‏يسأله التخفيف عن امته حتي قال له موسي7 ارجع الي ربك فاسأله التخفيف فان امتك لاتطيق ذلك فقال يا بني ان رسول اللّه6 لايقترح علي ربه عزوجل و لايراجعه في شي‏ء يأمره به فلماسأله موسي ذلك و صار شفيعاً لامته اليه لم‏يجز له ردّ شفاعة اخيه موسي فرجع الي ربه عزوجل فسأله التخفيف الي ان ردّها الي خمس صلوات قال فقلت له يا ابه فلم لم‏يرجع الي ربه عزوجل و لم‏يسأله التخفيف عن خمس صلوات و قد سأله موسي ان‏يرجع الي ربه عزوجل و يسأله التخفيف فقال يا بني اراد6 ان‏يحصل لامته التخفيف مع اجر خمسين صلوة لقول اللّه عزوجل من جاء بالحسنة فله عشر امثالها الا تري انه6 لماهبط الي الارض نزل عليه جبرائيل فقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام و يقول لك انها خمس بخمسين مايبدّل القول لدي و ما انا بظلام للعبيد قال فقلت له يا ابه اليس اللّه تعالي ذكره لايوصف بمكان فقال بلي تعالي اللّه عن ذلك علواً كبيراً قلت فما معني قول موسي لرسول اللّه6 ارجع الي ربك فقال معناه معني قول ابرهيم اني ذاهب الي ربي سيهدين و معني قول موسي7 و عجلت اليك رب لترضي و معني قوله عزوجل ففرّوا الي اللّه يعني حجّوا الي بيت اللّه يا بني ان الكعبة بيت اللّه فمن حج الي بيت اللّه فقد قصد الي اللّه و المساجد بيوت اللّه فمن سعي اليها فقد سعي الي اللّه و قصد اليه و المصلي مادام في صلوته فهو

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 117 *»

واقف بين يدي اللّه عزوجل و ان للّه تبارك و تعالي بقاعاً في سماواته فمن عرج به الي بقعة منها فقد عرج به اليه الا تسمع اللّه عزوجل يقول تعرج الملئكة و الروح اليه و يقول عزوجل في قصة عيسي بن مريم بل رفعه اللّه اليه و يقول عزوجل اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه هـ . و انما خصّ موسي بن عمران7 للسؤال عن التخفيف دون ساير الانبياء لان امته7 اشد الامم عناداً و لجاجاً و اعراضاً عن الحق اذا اتي لهم بشي‏ء يثقل عليهم.

و اعلم ان ما ذكرنا من اسرار الصلوة و عللها و مايتعلق لها كل ذلك بدليل الحكمة الاّ ما قلّ في بعض الاحوال و قد روي الفضل بن شاذان رحمه اللّه عن مولينا الرضا7 علل الطهارة و الصلوة و ما يتعلق بها بدليل الموعظة الحسنة الاّ ما قلّ في بعض الاحوال و انا احب ان‏اذكر الحديث بطوله ليكون كتابنا هذا جامعاً للمقامات عن الائمة البررة السادات عليهم الف الاف الصلوات و التحيات ليعلم كل اناس مشربهم و ينال كل احد مطلبهم فلنشرع في ذكر الحديث عن موضع الحاجة:

قال7 فان قيل فلم امروا بالصلوة قيل لان في الصلوة الاقرار بالربوبية و هو صلاح عام لان فيه خلع الانداد بالقيام بين يدي الجبار بالذلّ و الاستكانة و الخضوع و الاعتراف و الطلب في الاقالة من سالف الذنوب و وضع الجبهة علي الارض كل يوم و ليلة ليكون العبد ذاكراً للّه غير ناس له و يكون خاشعاً وجلاً متذللاً طالباً راغباً في الزيادة للدين و الدنيا مع ما فيه من الانزجار عن الفساد جداً و صار ذلك عليه في كل يوم و ليلة لئلا ينسي العبد مدبره و خالقه فيبطر و يطغي و ليكون في ذكر خالقه و القيام بين يدي ربه زاجراً له عن المعاصي و حاجزاً و مانعاً عن انواع الفساد.

فان قال قائل فلم امر بالوضوء و بدء به قيل لان‏يكون العبد طاهراً اذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته اياه مطيعاً له فيما امره نقياً من الادناس و النجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل و طرد النعاس و تزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبار عند مناجاته اياه مطيعاً له فان قال قائل فلم وجب ذلك علي

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 118 *»

الوجه و اليدين و الرأس و الرجلين قيل لان العبد اذا قام بين يدي الجبار قائماً ينكشف عن جوارحه و يظهر ما وجب فيه الوضوء و ذلك بانه يستقل بوجهه و يسجد و يخضع و بيده يسأل و يرغب و يرهب و يتبتل و برأسه يستقبل في ركوعه و سجوده و برجليه يقوم و يقعد فان قيل فلم وجب الغَسل علي الوجه و اليدين و المسح علي الرأس و الرجلين و لم‏يجعله غسلاً كله و لا مسحاً كله قيل لعلل شتي منها ان العبادة العظمي انما هي الركوع و السجود و انما يكون الركوع و السجود بالوجه و اليدين لا بالرأس و الرجلين و منها ان الخلق لايطيقون في كل وقت غسل الرأس و الرجلين و يشتد عليهم ذلك في البرد و السفر و المرض و اوقات من الليل و النهار و غسل الوجه و اليدين اخفّ من غسل الرأس و الرجلين و انما وضعت الفرايض علي قدر اقل الناس طاقة من اهل الصحة ثم عمّ فيها القوي و الضعيف و منها ان الرأس و الرجلين ليس هما كل وقت باديان و ظاهران كالوجه و اليدين لموضع العمامة و الخفّين و غير ذلك.

فان قال قائل فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة و من النوم دون ساير الاشياء قيل لان الطرفين هما طريق النجاسة و ليس للانسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه الا منها فامروا بالطهارة عند ما تصيبهم تلك النجاسة من انفسهم و اما النوم فان النائم اذا غلبه النوم يفتح كل شي‏ء منه و استرخي فكان اغلب الاشياء كله فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء بهذه العلة فان قال قائل فلم لايؤمروا بالغسل من هذه النجاسات كما امروا بالغسل من الجنابة قيل لان هذا شي‏ء دائم غير ممكن للخلق الاغتسال منه كلما يصيب ذلك و لايكلف اللّه نفساً الاّ وسعها و الجنابة ليست هي امراً دائماً انما هي شهوة يصيبها اذا اراد و يمكنه تعجيلها و تأخيرها للايام الثلثة و الاقل و الاكثر و ليس ذانك هكذا فان قال قائل فلم امروا بالغسل من الجنابة و لم‏يؤمروا بالغسل من الخلاء و هو انجس من الجنابة و اقذر قيل من اجل ان الجنابة من نفس الانسان و هو شي‏ء يخرج من جميع جسده و الخلاء ليس هو من نفس الانسان انما هو غذاء يدخل من باب و يخرج من باب فان قال قائل فلم صار الاستنجاء بالماء فرضاً

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 119 *»

قيل لانه لايجوز للعبد ان‏يقوم بين يدي الجبار و شي‏ء من ثيابه و جسده نجس.

فان قال قائل اخبرني عن الاذان لماامروا به قيل لعلل كثيرة منها ان‏يكون تذكرة للساهي و تنبيهاً للغافل و تعريفاً لمن جهل الوقت و اشتغل عنه و داعياً الي عبادة الخالق مرغباً فيها مقراً له بالتوحيد مجاهراً بالايمان معلناً بالاسلام مؤذناً لمن يتساهي و انما يقال مؤذناً لانه المؤذن بالصلوة فان قيل فلم بدء بالتكبير قبل التسبيح و التهليل و التحميد قيل لانه اراد ان‏يبدء بذكره و اسمه لان اسم اللّه في التكبير في اول الحرف و في التسبيح و التهليل و التحميد في اخر الحرف فبدء بالحرف الذي اسم اللّه في اوله لا في اخره فان قيل فلم جعل مثني مثني قيل لان‏يكون مكرراً في اذان المستمعين مؤكداً عليهم ان سهي احد عن الاول لم‏يسه عن الثاني و لان الصلوة ركعتان ركعتان فلذلك جعل الاذان مثني مثني فان قال قائل فلم جعل التكبير في اول الاذان اربعاً قيل لان الاذان انما يبدء غفلة و ليس قبله كلام ينبّه المستمع له فجعل الاولتين تنبيهاً للمستمعين لما بعده في الاذان فان قيل فلم جعل بعد التكبير الشهادتين قيل لان اول الايمان انما هو التوحيد و الاقرار للّه بالوحدانية و الثاني الاقرار للرسول بالرسالة لان طاعتهما و معرفتهما مقرونتان و لان اصل الايمان انما هو الشهادة فجعلت شهادتين كما جعل في ساير الحقوق شهادتين فاذا اقرّ للّه بالوحدانية و اقرّ للرسول بالرسالة فقد اقرّ بجملة الايمان لان اصل الايمان انما هو الاقرار باللّه و رسوله فان قيل فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء الي الصلوة قيل لان الاذان انما وضع لموضع الصلوة و انما هو نداء للصلوة فجعل النداء للصلوة في وسط الاذان فقدّم قبلها اربعاً التكبيرتين و الشهادتين و اخّر بعدها اربعاً يدعو الي الفلاح حثّاً علي البرّ و الصلوة ثم دعا الي خير العمل مرغباً فيها و في عملها و ادائها ثم نادي بالتكبير و التهليل ليتمّ بهذه اربعاً كما اتمّ قبلها اربعاً و ليختم كلامه بذكر اللّه كما فتحه بذكر اللّه تعالي فان قيل فلم جعل في اخرها التهليل و لم‏يجعل اخرها التكبير كما جعل في اولها التكبير قيل لان التهليل اسم اللّه في اخر الحرف منه فاحب اللّه ان‏يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه فان قيل فلم

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 120 *»

لم‏يجعل بدل التهليل التسبيح و التحميد اسم اللّه في اخر الحرف من هذين الحرفين قيل لان التهليل اقرار له بالتوحيد و خلع الانداد من دون اللّه و هو اول الايمان و اعظم من التسبيح و التحميد.

فان قيل فلم بدء في الاستفتاح و الركوع و السجود و القيام و القعود بالتكبير قيل للعلة التي ذكرناها في الاذان فان قيل فلم جعل الدعاء في الركعة الاولي قبل القراءة و لم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة قيل لانه احب ان‏يفتح قيامه لربه و عبادته بالتحميد و التقديس و الرغبة و الرهبة و يختمه بمثل ذلك ليكون في القيام عند القنوت بعض الطول فاحري ان‏يدرك المدرك للركوع فلايفوته الركعتان في الجماعة فان قيل فلم امروا بالقراءة في الصلوة قيل لئلا يكون القرآن مهجوراً مضيعاً بل يكون محفوظاً مدروساً فلايضمحل و لايجهل فان قال قائل فلم بدء بالحمد في كل قراءة دون ساير السور قيل لانه ليس شي‏ء من القرآن و الكلام جمع فيه من جوامع الخير و الحكمة ما جمع في سورة الحمد و ذلك ان قوله الحمد للّه انما هو اداء ـ الي قوله7 ـ فقد اجتمع فيه من جوامع الخير و الحكمة في امر الاخرة و الدنيا ما لايجمعه شي‏ء من الاشياء. اقول و قد ذكرنا الحمد فيما قبل فراجع فلنرجع الي الحديث.

فان قيل فلم جعل التسبيح في الركوع و السجود قيل لعلل منها ان‏يكون العبد مع خضوعه و تعبده و تورعه و استكانته و تذلله و تواضعه و تقربه الي ربه مقدساً له ممجداً مسبحاً معظماً شاكراً لخالقه و رازقه (و لايستعمل التسبيح و التهليل و ليشغل قلبه و ذهنه بذكر اللّه)[1] و لم‏يذهب به الفكر و الاماني الي غير اللّه فان قيل فلم جعل اصل الصلوة ركعتين ركعتين و لم زيد علي بعضها ركعة و علي بعضها ركعتان و لم‏يزد علي بعضها شي‏ء قيل لان اصل الصلوة انما هي ركعة واحدة لان اصل العدد واحد فاذا نقصت من واحد فليس هي صلوة فعلم اللّه ان العباد لايؤدون تلك الركعة الواحدة التي لا صلوة اقل منها بكمالها و تمامها و الاقبال عليها فقرن اليها ركعة اخري ليتم بالثانية ما نقص من الاولي ففرض اللّه اصل الصلوة ركعتين ثم علم رسول اللّه6 ان العباد لايؤدون هاتين الركعتين

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 121 *»

بتمام ما امروا به و بكمالها فضمّ الي الظهر و العصر و العشاء الاخرة ركعتين ليكون فيها تمام الركعتين الاوليين ثم علم ان صلوة المغرب يكون شغل الناس في وقتها اكثر لانصراف الناس الي الافطار و الاكل و الوضوء و التهيئة للمبيت فزاد فيها ركعة واحدة ليكون اخف عليهم و لان‏تصير ركعات الصلوة في اليوم و الليلة فرداً ثم ترك الغداة علي حالها لان الاشتغال في وقتها اكثر و المبادرة الي الحوائج فيها اعم و لان القلوب فيها اخلي من الفكر لقلة معاملات الناس بالليل و قلة الاخذ و العطاء و الانسان فيها اقبل علي صلوته منه في غيره من الصلوات لان الفكر اقل لعدم العمل من الليل.

فان قيل فلم جعل في الاستفتاح سبع تكبيرات قيل لان الفرض منها واحدة و سايرها سنة و انما جعل ذلك لان التكبير في الصلوة في الركعة الاولي التي هي الاصل كله سبع تكبيرات تكبيرة الافتتاح و تكبيرة الركوع و تكبيرتي السجود و تكبيرة ايضاً للركوع و تكبيرتين للسجود فاذا كبّر الانسان في اول صلوته سبع تكبيرات فقد علم اجزاء التكبير كله فان سهي في شي‏ء منها او تركها لم‏يدخل عليه نقص في صلوته (كما قال ابوجعفر و ابوعبداللّه8 من كبّر اول صلوته سبع تكبيرات اجزأه و يجزي تكبيرة واحدة ثم و ان لم‏يكبر في شي‏ء من صلوته اجزأه عنه ذلك و انما عني بذلك اذا تركها ساهياً او ناسياً اقول قد وهم الفصل فان التكبيرة الواحدة واجبة تبطل الصلوة بتركها عمداً و سهواً رجعنا الي كلام الفصل)([2]) فان قيل فلم جعل ركعة و سجدتين قيل ان الركوع من فعل القيام و السجود من فعل القعود و صلوة القاعد علي النصف من صلوة القائم فضوعف السجدة ليستوي بالركوع فلايكون بينهما تفاوت لان الصلوة انما هي ركوع و سجود فان قيل فلم جعل التشهد بعد الركعتين قيل لانه كما قدم قبل الركوع و السجود من الاذان و الدعاء و القراءة فكذلك ايضاً اخّر بعدها التشهد و التحميد فان قيل فلم جعل التسليم تحليل الصلوة و لم‏يجعل بدلها التكبير و التسبيح او الضرب الاخر قيل لانه لماكان الدخول في الصلوة تحريم الكلام للمخلوقين و التوجه الي الخالق فان تحليلها كلام المخلوقين و الانتقال

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 122 *»

عنها و انما بدء بالمخلوقين في الكلام اولاً في التسليم فان قيل فلم جعل القراءة في الركعتين الاوليين و التسبيح في الاخيرتين قيل للفرق بين ما فرضه اللّه عزوجل من عنده و ما فرضه من عند رسوله فان قيل فلم جعلت الجماعة قيل لئلايكون الاخلاص و التوحيد و الاسلام و العبادة للّه الاّ ظاهراً مكشوفاً مشهوراً لان في اظهاره حجة علي اهل المشرق و المغرب للّه وحده و لايكون المنافق المستخف مؤدياً لمااقر به بظهر (بظاهر خ‏ل) الاسلام و المراقبة و لان‏تكون شهادات الناس بالاسلام من بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع ما فيه من المساعدة علي البر و التقوي و الزجر عن كثير من معاصي اللّه فان‏قيل فلم جعل الجهر في بعض الصلوات و لايجهر في بعض. اقول قد ذكرنا علة الجهر و الاخفات عن هذا الحديث فيما تقدم فلانذكرها هنا رجعنا الي ذكر الحديث.

فان قيل فلم جعل الصلوة في هذه الاوقات و لم‏تقدم و لم‏تؤخر قيل لان الاوقات المشهورة المعلومة التي تعمّ اهل الارض فيعرفها الجاهل و العالم اربعة غروب الشمس مشهور معرفتها فوجب عندها المغرب و سقوط الشفق مشهور فوجب عنده العشاء و طلوع الفجر مشهور فوجب عنده الغداة و زوال الشمس و انفاء([3]) الفي‏ء مشهور معلوم فوجب عنده الظهر و لم‏يكن للعصر وقت مشهور مثل هذه الاوقات الاربعة فجعل وقتها الفراغ من الصلوة التي قبلها الي ان‏يصير الظل من كل شي‏ء اربعة اضعافه. و علة اخري ان اللّه عزوجل احب ان‏يبدأ في كل عمل اولاً بطاعته و عبادته فامروا اول النهار ان‏يبدءوا بعبادته ثم ينشروا فيما احبوا من مؤنة دنياهم فاوجب صلوة الفجر عليهم فاذا كان نصف النهار و تركوا ما كانوا فيه من الشغل و هو وقت يضع الناس فيه ثيابهم و يستريحون و يشتغلون بطاعتهم و قيلولتهم فامرهم ان‏يبدءوا بذكره و عبادته فاوجب عليهم الظهر ثم يتفرغوا لمااحبوا فاذا قضوا ظهرهم و ارادوا الانتشار في العمل لآخر النهار بدءوا ايضاً بعبادته ثم صاروا الي ما احبوا من ذلك فاوجب عليهم العصر ثم ينشرون فيما شاءوا من مؤنة دنياهم فاذا جاء الليل وضعوا زينتهم و عادوا الي اوطانهم بدءوا اولاً بعبادة ربهم ثم

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 123 *»

يتفرغون لمااحبوا من ذلك فاذا جاء وقت النوم و فرغوا مما كانوا به مشتغلين احب ان‏يبدءوا اولاً بعبادته و طاعته ثم يصيرون الي ماشاءوا ان‏يصيروا من ذلك فيكونون قد بدءوا في كل وقت عمل بطاعته و عبادته فاوجب عليهم العتمة فاذا فعلوا ذلك لم‏ينسوه و لم‏يغفلوا عنه و لم‏تقس قلوبهم و لاتقل رغبتهم.

فان قال قائل فلم لم‏يكن اذاً للعصر وقت مشهور مثل تلك الاوقات اوجبها بين الظهر و المغرب و لم‏يوجبها بين العتمة و الغداة و بين الغداة و الظهر قيل لانه ليس وقت علي الناس اخف و لا ايسر و لا احري ان‏يعمّ فيه الضعيف و القوي بهذه الصلوة من هذا الوقت و ذلك لان الناس عامتهم يشتغلون في اول النهار بالتجارات و المعاملات و الذهاب في الحوائج و اقامة الاسواق فاراد ان لايشغلهم عن طلب معاشهم و مصلحة دنياهم و ليس يقدر الخلق كلهم علي قيام الليل و لايشتغلون به و لاينتبهون لوقته لو كان واجباً و لايمكنهم ذلك فخفّف اللّه عنهم و لم‏يجعلها في اشدّ الاوقات عليهم كما قال اللّه عزوجل يريد اللّه بكم اليسر و لايريد بكم العسر.

فان قال قائل فلم يرفع اليدين في التكبير قيل لان رفع اليدين ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع فاحب اللّه ان‏يكون في وقت ذكره متبتلاً متضرعاً مبتهلاً و لان في وقت رفع اليدين احضار النية و اقبال القلب علي ما قال و قصد لان الفرض من الذكر انما هو الاستفتاح و كل سنة انما تؤدي علي جهة الفرض فلما ان كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين احب ان‏يؤدي السنة علي جهة ما يؤدي الفرض.

فان قال قائل فلم جعل صلوة السنة اربعاً و ثلثين ركعة قيل لان الفريضة سبعة عشر ركعة فجعلت السنة مثلي الفريضة اكمالاً للفريضة فان قال قائل فلم جعل صلوة السنة في اوقات مختلفة و لم‏تجعل في وقت واحد قيل لان افضل الاوقات ثلثة عند زوال الشمس و بعد الغروب و بالاسحار فاحب ان‏يصلّوا في هذه الاوقات الثلثة لانه اذا فرضت السنة في اوقات شتي كان اداؤها ايسر و اخف من ان‏يجتمع كله في وقت واحد.

فان قال قائل فلم صارت صلوة الجمعة اذا كان مع الامام ركعتين و اذا كان بغير امام ركعتين و ركعتين قيل لعلل شتي منها ان الناس يتخطون الي

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 124 *»

الجمعة من بُعد فاحب اللّه ان‏يخفف عنهم لموضع النصب الذي صاروا اليه و منها ان الامام يحسبهم الي الخطبة و هم منتظرون الي الصلوة مع الامام اتم و اكمل لعلمه و فقهه و فضله و عدله و منها ان الجمعة عيد و صلوة العيد ركعتان و لم‏تقصر لمكان الخطبتين. فان قال قائل فلم جعلت الخطبة قيل لان الجمعة مشهد عام فاراد ان‏يكون للامير سبب الي موعظتهم و ترغيبهم في الطاعة و ترهيبهم من المعصية و توقيفهم علي ما اراد من مصلحة دينهم و دنياهم و يخبرهم بما ورد عليهم من الاحوال التي لهم فيها المضرة و المنفعة (و لايكون الصابر في الصلوة متفضلاً و ليس بفاعل غيره من يؤم الناس في غير يوم الجمعة).([4]) فان قيل فلم جعلت خطبتين قيل لان‏تكون واحدة للثناء و التحميد و التقديس للّه عزوجل و الاخري للحوائج و الاعذار و الانذار و الدعاء و لمايريد ان‏يعلّمهم من امره و نهيه ما فيه الصلاح و الفساد. فان قيل فلم جعلت الخطبة في يوم الجمعة في اول الصلوة و جعلت في العيدين بعد الصلوة قيل لان الجمعة امر دائم و يكون في الشهور و السنة كثير و اذا كثر ذلك علي الناس ملّوا و تركوا و لم‏يقيموا عليه و تفرقوا عنه فجعلت قبل الصلوة ليحتبسوا علي الصلوة و لايتفرقوا و لايذهبوا و اما العيدين فانما هو في السنة مرتين و هو اعظم من الجمعة و الزحام فيه اكثر و الناس فيه ارغب و ان‏تفرقوا بعض الناس بقي عامتهم و ليس هو بكثير فيملّوا و يستخفوا به. فان قيل فلم وجبت الجمعة علي من يكون علي رأس فرسخين لا اكثر من ذلك قيل ان ما يقصر فيه الصلوة بريدان ذاهباً و جائياً و البريد اربعة فراسخ فوجب الجمعة علي من هو علي نصف البريد الذي يجب فيه التقصير و ذلك انه يجي‏ء في فرسخين و يذهب فرسخين و ذلك اربعة فراسخ و هو نصف طريق المسافر فان قيل فلم زيد في صلوة السنة يوم الجمعة اربع ركعات قيل تعظيماً لذلك اليوم و تفرقة بين ساير الايام.

فان قيل فلم قصرت الصلوة في السفر قيل لان الصلوة المفروضة اولاً انما هي عشر ركعات و السبع انما زيدت فيها بعد فخفف اللّه عزوجل تلك الزيادة

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 125 *»

لموضع السفر و تعبه و نصبه و لاشتغاله بامر نفسه و ضعفه و اقامته لئلايشتغل عما لابد له من معيشته رحمة من اللّه و تعطفاً عليه الا صلوة المغرب فانها لم‏تقصر لانها صلوة مقصورة في الاصل. فان قيل فلم وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا اقل من ذلك و لا اكثر قيل لان ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الاثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم. فان قيل فلم وجب التقصير في مسيرة يوم قيل لانه لو لم‏يجب في مسيرة يوم لماوجب في مسيرة الف سنة و ذلك ان كل يوم يكون بعد هذا اليوم فانما هو نظير هذا اليوم فلو لم‏يجب في اليوم لماوجب في نظيره اذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما. فان قيل قد يختلف المسير و ذلك ان سير البقر انما هو اربعة فراسخ و سير الفرس عشرين فرسخاً فلم جعلت انت مسيرة يوم ثمانية فراسخ قيل لان ثمانية فراسخ هو سير للجمال و القوافل و هو الغالب علي السير و هو اعظم السير الذي يسيره الجمالون و المكارون.

فان قيل فلم ترك في السفر تطوع النهار و لم‏يترك تطوع الليل قيل كل صلوة لايقصر فيها لايقصر في تطوعها و ذلك ان المغرب لايقصر فيها فلايقصر فيما بعدها من التطوع و كذلك الغداة لايقصر فيما قبلها من التطوع فان قيل فما بال العتمة مقصورة و ليس تترك ركعتيها قيل ان تلك الركعتين ليس هي من الخمسين و انما هي زيادة في الخمسين تطوعاً ليتمّ بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع فان قيل فلم وجب علي المسافر و المريض ان‏يصليا صلوة الليل في اول الليل قيل لاشتغاله و ضعفه ليحرز صلوته فيشرع للمريض في وقت راحته و يشتغل المسافر باشتغاله و ارتحاله و سفره.

فان قال قائل فلم امروا بالصلوة علي الميت قيل ليشفعوا له و يدعوا له بالمغفرة لانه لم‏يكن في وقت من الاوقات احوج الي الشفاعة فيه و طلب الدعاء و الاستغفار من تلك الساعة. فان قال قائل فلم جعلت خمس تكبيرات مفروضة دون ان‏تصير اربعاً و ستاً قيل انما الخمس اخذت من الخمس صلوات في اليوم و الليلة و ذلك لانه ليس في الصلوة تكبيرة مفروضة الا تكبيرة الافتتاح فجمعت التكبيرات المفروضات في اليوم و الليلة فجعلت صلوة علي الميت. فان قيل فلم لم‏يكن فيها ركوع و لا سجود قيل لانه

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 126 *»

لم‏يكن يريد بهذه الصلوة التذلل و الخضوع و انما اريد بها الشفاعة لهذا العبد الذي تخلي مما تخلف و احتاج الي ما قدّم.

فان قيل فلم امر بغسل الميت قيل لانه اذا مات كان الغالب عليه النجاسة و الافة و الاذي فاحب ان‏يكون طاهراً اذا باشر اهل الطهارة من الملئكة الذين يلونه و يماسونه فيما بينهم نظيفاً موجهاً به الي اللّه عزوجل فقد روي عن بعض الائمة: انه قال ليس من ميت يموت الا خرجت منه الجنابة فلذلك وجب الغسل فان قيل فلم امر ان‏يكفن الميت قيل لانه يلقي ربه طاهر الجسد و لئلاتبدو عورته لمن يحمله او يدفنه و لئلايظهر للناس علي بعض حاله و قبح منظره و لئلايقسو القلب من كثرة النظر الي مثل ذلك للعاهة و الفساد لان‏يكون اطيب لنفس الاحياء و لئلايبغضه حميم فيلقي ذكره و مودته فلايحفظه فيما خلف و اوصاه و امره واجب. فان قيل فلم امر بدفنه قيل لئلايظهر الناس علي فساد جسده و قبح منظره و تغيير ريحه و لايتأذي به الاحياء و بريحه و لم‏يدخل عليهم من الافة و الدنس و الفساد و ليكون مستوراً عن الاولياء و الاعداء فلايشمت عدو و لايحزن ولي صديق. فان قيل فلم امر من يغسله بالغسل قيل لعلة الطهارة مما اصابه من نضج الميت لان الميت اذا خرج منه الروح بقي منه اكثر آفته و لئلايلهج الناس به و بمماسته اذ قد غلبت النجاسة و الافة عليه. فان قيل فلم لايجب الغسل علي من مس شيئاً من الاموات من غير الانسان كالطير و البهايم و السباع و غير ذلك قيل لان هذه الاشياء كلها ملتبسة ريشاً و صوفاً و شعراً و وبراً و هذا كله زكي لايموت و انما يماس منه الشي‏ء الذي هو زكي من الحي و الميت الذي قد البسه و علاه.

فان قيل فلم جوز الصلوة علي الميت بغير وضوء قيل لانه ليس فيها ركوع و لا سجود و انما هي دعاء و مسألة و قد يجوز ان‏تدعو اللّه و تسأله علي اي حال كنت و انما يجب الوضوء في الصلوة التي فيها ركوع و سجود. فان قيل فلم لاجوزتم الصلوة عليه قبل المغرب و بعد الفجر قيل ان هذه الصلوة انما تجب في وقت الحضور و العلة و ليست هي موقتة كساير الصلوات فانما هي صلوة تجب في وقت حدوث الحدث ليس للانسان فيه اختيار و انما هو حق يؤدي و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 127 *»

جايز ان‏تؤدي الحقوق في اي وقت كان اذا لم‏يكن الحق موقتاً.

فان قيل فلم جعلت للكسوف صلوة قيل انه آية من آيات اللّه لرحمة ظهرت ام لعذاب فاحب النبي6 ان‏يفزع امته لخالقها و راحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها و يقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا الي اللّه. فان قيل فلم جعلت عشر ركعات فجمعت قيل ان الصلوة التي نزلت من السماء اولاً في اليوم و الليلة انما هي عشر ركعات فجمعت تلك الركعات هيهنا و انما جعل فيها سجود لانه لايكون صلوة فيها ركوع الاّ و فيها سجود و لان‏يختموا ايضاً صلوتهم بالخشوع و الخضوع و انما جعلت اربع سجدات لان كل صلوة نقص سجودها من اربع سجدات لاتكون صلوة لان اقل الفرض من السجود في الصلوة لايكون الاّ علي اربع سجدات فان قيل فلم لم‏يجعل بدل الركوع سجود قيل لان الصلوة قائماً افضل من الصلوة قاعداً لان القائم يري الكسوف و الانجلاء و الساجد لايري فان قيل فلم غيّرت عن اصل الصلوة التي افترضها اللّه قيل لانها صلوة لعلة تغير امر من الامور و هو الكسوف فلماتغيرت العلة تغير المعلول.

فان قيل فلم جعل يوم الفطر العيد قيل لان‏يكون للمسلمين مجمعاً يجتمعون فيه و يبرزون للّه و يحمدونه علي ما منّ عليهم فيكون يوم اجتماع و يوم فطر و يوم زكوة و يوم رغبة و يوم تضرع و لانه اول يوم من السنة يحل فيه الاكل و الشرب لان اول شهور السنة عند اهل الحق شهر رمضان فاحب اللّه عزوجل ان‏يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه و يقدسونه فان قيل فلم جعل التكبير فيها اكثر منه في غيرها من الصلوات قيل لان التكبير انما هو تعظيم للّه و تحميد علي ما هدي و عافي كما قال اللّه لتكبروا اللّه علي ما هديكم و لعلكم تشكرون فان قيل فلم جعل اثنتاعشرة تكبيرة فيها قيل لانه يكون في كل ركعتين اثنتاعشرة تكبيرة فلذلك جعل فيها اثنتاعشرة تكبيرة. فان قيل فلم جعل في الاولي سبع و في الثانية خمس و لم‏يسّو بينهما قيل لان السنة في صلوة الفريضة ان تستفتح بسبع تكبيرات و جعل في

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 128 *»

الثانية خمس تكبيرات لان التحريم في اليوم و الليلة خمس تكبيرات و ليكون التكبير في الركعتين جميعاً وتراً وتراً الحديث. و قد ذكرناه بطوله لما فيه من الاسرار و ان كانت مغطاة بغطاء الظواهر و القشور فلو اردنا كشفها و بيان المراد منها لطال علينا الكلام و ان كان لايخلو من المنافع الجليلة و المطالب العظيمة الاّ اني من جهة عدم اقبال القلب و توزع الخاطر و ضعف الدماغ و البنية لايمكنني اظهار ما في البال الا ان ما ذكرته كفاية لاولي الدراية و الحمدللّه.

و اما الزكوة و اسرارها بمختصر المقال: فاعلم ان اللّه سبحانه لماكلف محمداً و آله الصلوة في العالم الاول فاقاموها بكمال الخضوع و الخشوع و الذلة بين يدي الجبار حتي سلّم اليهم مفاتيح الجنة و النار و اعطاهم لواء الحمد و ملّكهم الدنيا و الاخرة و فوض اليهم امر كل شي‏ء و اقامهم مقامه في الاداء و الاعطاء حين قال في اخر الصلوة السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته جعل العالم ملكهم و مالهم و جعل في اموالهم حقاً معلوماً للسائل و المحروم و لذا فرض عليهم الزكوة بعد الصلوة فاموالهم هي ما قسم اللّه لهم من فيضه (فضله خ‏ل) و خيره فمن اموالهم ما شيّأهم بمشيته و من اموالهم ما امكنهم بقدرته و من اموالهم ما اوجدهم بفضله و رحمته و من اموالهم ما الهمهم من معرفته و من اموالهم ما علّمهم من اسرار خليقته و من اموالهم ما اشهدهم من بديع صنعه و من اموالهم ما اقدرهم عليه من مقتضيات فمن اموالهم عالم الفؤاد و باب المراد و مقام الاتحاد اعلاه عين التوحيد و اسفله بحر الصاد و هو المداد للامداد و القوام للاستمداد و هو مقام المحبة في ظاهره المشتق منها الحب الظاهر بالحنطة عند النزول الي عالم التفصيل و الاختلاف و مقام سكر المعرفة في باطنه المشتق منها الزبيب و العنب المستخرج منها المسكر فهو حرام و نجس في الدنيا لمكان الخلط و المزج مع الهوي و اصول اهل الدنيا و هو الشراب الطهور في الاخرة اذا خلص عن مزج الاغيار المستلزم للاكدار و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 129 *»

الجلوس علي سرير الانس مع المحبوب عند قطع النظر عن المحبة التي هي حجاب بين المحب و المحبوب كما قال الصادق عليه آلاف التحية و الثناء ان المحبة حجاب بين المحب و المحبوب ففي هذا العالم الذي هو من اموالهم مقامان مقام المعرفة و هو منبت العنب و مقام المحبة و هو مقام مزرع الحب و الحنطة ففي المقام الاول توحيد و تنزيه و تجريد و في المقام الثاني اسم و صفة و رسم و شهود. و من اموالهم عالم الجبروت و حجاب اللاهوت و عالم التراب محل الخضوع و الخشوع و التذلل لمالك الرقاب و رب الارباب و فيه منبت الشعير و مزرعة اكل الزهاد و العباد و قوت خالصي العباد و اصله بارد يابس يستمد منه فلك زحل و ماء الشعير بارد رطب يستمد منه فلك القمر في الجوزهر و من اموالهم عالم الرقايق و مصدر تمايز الذوات و الحقايق و هو عالم الارواح و مقام ورق الآس و منبت شجرة طوبي و سدرة المنتهي و مأوي المؤمنين و هي النخل اول شجرة نزلت من الجنة و خلقت من فاضل طينة آدم الاول في الوجود المقيد و نخالته.

و من اموالهم عالم النفوس و الاشباح و عالم الكثرة و مقام الولاية الظاهرة في الاطوار الكونية و هي نعمة اللّه علي الابرار و نقمته علي الفجار و صاحب الولاية اذلة علي المؤمنين اعزة علي الكافرين و مثاله في العالم السفلي الابل الظاهر بالشكل المهيب و الطور العجيب و الوضع الغريب المشتمل علي بدايع الصنعة و له مقام في الهيبة بحيث من يراه يهابه و لذا يؤتي بجهنم يوم القيمة علي هيئة بعير هائج و هو الظاهر ايضاً بالذل و الخضوع بحيث يقوده اضعف الناس بل اضعف الخلق و ينيخه و يحمل عليه و يستخدمه و هو ايضاً الظاهر بالخدمة و المنافع الجليلة العظيمة بحيث ينتفع الخلق من لحمه و من حليبه و من نسله و من وبره و من ظهره حيث يحمل الاحمال الثقيلة الي بلد لم‏تكونوا بالغيه الاّ بشق الانفس و هو ايضاً الظاهر بالصبر علي الجوع و الاذي و العطش و اكل الخشن و الشوك بما لايمكن لاحد من افراد الحيوانات و هو قوله تعالي افلاينظرون الي الابل كيف خلقت و هو في الباطن اشارة الي اميرالمؤمنين7 و في التأويل الي النفس الكلية و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 130 *»

مآلهما الي واحد.

و من اموالهم عوامل الذات و الصفات و الاعمال و الحارث لارض القابليات الزارع فيها الزروع و النبات في الوجوديات و التكوينيات و التشريعيات الظاهر في المقامات السفلية و العوالم النزولية بالبقر و من اموالهم اصول المنافع و اركانها في العوالم المذللة المسخرة لبني آدم في الباطن و الظاهر تتقوم باصولها و بواطنها و تتسربل و تتردي و تأزر بقشورها و فروعها و هو قوله تعالي و من اصوافها و اوبارها و اشعارها اثاثاً لكم و متاعاً الي حين و الغنم مظهر تلك الاصول و مصدر تلك الفروع.

و من اموالهم احكام النبوة الاصلية الاولية الظاهرة في مقام الاجمال و الواقفة مقام الوحدة و البساطة السابحة في ابحر الجلال و الجمال و يدخل فيها البشري و الفال الحسن و التأييد و التسديد و الذهب مظهر ذلك الاصل و وصف تلك الحقيقة بالرسم و من اموالهم احكام الامامة الاولية و الثانوية الظاهرة في مقام التفصيل المعطية لكل ذي حق حقه و السائقة الي كل مخلوق رزقه و يدخل فيها علم الكشف و علم الاحاطة و ذكاء المؤمن و الفراسة و الكرسي ظهور تلك الرتبة و وصفها و هو الظاهر في القمر الظاهر في الفضة.

و هذه هي اصول الاموال الوجودية و التكوينية و التشريعية و كلياتها فاذا بلغت حد النصاب و هو الاربعون و هو اتمام ميقات موسي و اتمام تخمير طينة آدم بيد اللّه سبحانه يخرج منه واحداً فان فاضل الشي‏ء و اثره واحد بالنسبة الي الاصل و المؤثر فانت اذا تتبعت وجدت القدر المخرج من الزكوة ربع العشر في الاغلب الاّ في الغلات فان فيها العشر او نصفه و ان اختلفت مقادير النصاب لحكم و مصالح تخفي اكثرها علينا و يطول الكلام بذكر بعض ما عرفنا منها لادائه الي ذكر مقدمات و بسط كلمات و لايسعني الان ذلك فالذهب حده عشرون ديناراً يخرج منها النصف و هو ربع العشر و الفضة حد نصابها مأتي درهم يخرج منها خمسة دراهم و هو ربع العشر و الغنم اول نصابها اربعون يخرج منها شاة و هو ربع العشر و البقر كمال استقرار النصاب فيها ايضاً الاربعون الاّ ان اول نصابها ثلثون فيكون فيه ثلث العشر لان البقر دليل مقام القابليات و هي تتم في ثلثين و تكمل في اربعين و اللّه سبحانه اعلم و الابل في كل خمسة

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 131 *»

شاة الظاهر ان كل خمسة منها يعادل اربعين شاة فتكون فيها ايضاً ربع العشر و اما الغلات فلماكانت الحاجة اليها اكثر و نضجها اقل فهي اكثر فروعي فيها العشر القبضات التي هي اصول الاربعين و لايشق ذلك علي المكلفين.

و الحاصل انهم: بعد ما ملّكهم اللّه سبحانه هذه الاموال بعد اكمالهم الصلوة زكّوا اموالهم فمن زكوة اموالهم ما صبغوا من الصورة في الانشاء و من زكوة اموالهم ما ترجموا للقابلات من المقبولات و من زكوة اموالهم ما اعدوا من التكوينيات و من زكوة اموالهم ما كلفوا من التشريعيات و من زكوة اموالهم ما اوردوا و اصدروا و من زكوة اموالهم ما قبلوا و رفعوا و ما ردوا و ابطلوا و ما منعوا و احدثوا و ما احيوا و ما اماتوا و ما رزقوا و ما حرموا و ما اصحوا و امرضوا باذن اللّه سبحانه و كذلك جميع ما يتعلق بالنظام فانهم يؤدون الي كل محتاج ما يحتاج اليه من اموالهم مما وجب عليهم فيها او استحب او ابيح و المستحقون كلياتهم ثمانية اصناف و هم العلماء و العاملون بطاعة اللّه و المنتصبون لمصالح المؤمنين و اصحاب البرازخ و اللطخ الذين جعلوا انساً للمؤمنين ليأنسوا بلغتهم و يستقروا بصورتهم و خصيص شيعتهم المستشهدون في سبيلهم و فقهاء شيعتهم من اهل القضاء و الفتوي و المحبون المتكلون علي حبهم و اهل الزهد و الورع المستعدون للرحيل عن دار الغرور و ما نقص عنهم من جهة الاستحقاق انفقوا عليهم من جهة الفضل لانهم: قد التزموا بتتميم ما اعوزّ رعيتهم.

قال بعض العلماء و اما الزكوة فهي تكون علي السالك و منه لان فيه اصنافاً من العوالم فاهل السمع العلماء و اهل البصر الحكماء و اهل الشم السالكون و اهل الذوق المكاشفون و اهل اللمس الخلاصة في عالم الغيب و الحس المشترك الفلاسفة اهل العلوم العلوية و السفلية و الخيال اهل الاستعداد و السذاجة القابلين للطايف و الذاكرة اهل النبوة و الحافظة اهل الولاية المفكرة اهل الاستغراق في الحقايق و بحار فنون الملك و المصورة اهل المطالب علي اختلاف تقرباتها و العقل اهل الرسالة و التدبير و السياسة للخلق فعلي السالك اخراج الزكوة من ربعه الي اهل

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 132 *»

الاستحقاق عنده و يأخذ ما عندهم من المعاملة التي استحق بها الزكوة منهم عليه فزكوته من العين شغلها بالاعتبار و عليها تحقيق الاعتبار من غير هوي و من السمع اعداده للوعي و عليه الاصغاء للحكم الربانية و المعارف الالهية و من الشم تصفيته من غير الملايمات و عليه ان‏يملأ جوفه بما حمل اليه من اللطف الرباني و العطر الروحاني و من الذوق حفظ الشافي و لفظ المنافي و عليه التحفظ و المراعاة لهما و من اللمس الانبعاث في الطف الحركات لاشرف المطلوبات و عليه سرعة الانفعال و من الحس المشترك اعداده لموارد الحواس و عليه صحة الملاقاة و من الخيال تجريده و صقله و حضوره و عليه قبول ما يرد عليه من الحس المشترك يقظة و نوماً و من الحافظة اتساعها للقبول و حسن الترصيف و عليها النصرة في ساير المسالك بسرعة الاستحضار و من الذاكرة دوام الذكر و لطف التذكر و عليها ان لايخلّ اللسان في البيان و من المفكرة حسن التصور و استنزال صور الجمال الالهي في حلل البهاء الروحاني و عليها الاستغراق بالعلوم من تيّار الفكر و احضاره الي ساحل الذكر و من النفس احكام النقل بما وجب من العقل رضاه و عليه الامتثال في الاقبال علي اللّه تعالي و الادبار عماسواه و اذا تدبرت هذا المقال عرفت ان حقوق المال قداندرجت تحت هذا المقال هـ . تدبرت هذا المقال عرفت ان حقوق المال قداندرجت تحت هذا الحال هـ .

في مصباح الشريعة قال مولينا الصادق7 علي كل جزء من اجزائك زكوة واجبة للّه بل علي كل منبت شعر بل علي كل لحظة من لحظاتك فزكوة العين النظر بالعبرة و الغضّ عن الشهوات و ما يضاهيها و زكوة الاذن استماع العلم و الحكمة و القرآن و فوايد الدين من الموعظة و النصيحة و ما فيه نجاتك بالاعراض عما هو ضده من الكذب و الغيبة و اشباهها و زكوة اللسان النصح للمسلمين و التيقظ للغافلين و كثرة التسبيح و الذكر و غيره و زكوة اليد البذل و السخاء بما انعم اللّه به عليك و تحريكها بكتب العلوم و منافع ينتفع بها المسلمون في طاعة اللّه و القبض عن الشرور و زكوة الرجل السعي في حقوق اللّه من زيارة الصالحين و مجالس الذكر و اصلاح الناس و صلة الرحم و الجهاد

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 133 *»

و ما فيه  من صلاح قلبك و سلامة دينك هذا ما يحتمل القلوب فهمه و النفوس استعماله و ما لايحتمل عليه الا عباده المخلصون اكثر من ان‏يحصي و هم اربابه و هو شعارهم دون غيرهم صدق ولي اللّه و ابن رسوله صلي اللّه عليه و علي جده و جدته و ابائه و ابنائه.

و في العلل عن محمد بن سنان عن ابي‏الحسن الرضا7 كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله ان علة الزكوة من اجل قوت الفقراء و تحصين اموال الاغنياء لان اللّه تبارك و تعالي كلّف اهل الصحة بالقيام بشأن اهل الزمانة و البلوي كما قال عزوجل لتبلونّ في اموالكم و انفسكم في اموالكم اخراج الزكوة و في انفسكم توطين النفس علي الصبر مع ما في ذلك من اداء شكر نعم اللّه و الطمع في الزيادة مع ما فيه من الزيادة و الرأفة و الرحمة لاجل الضعيف و العطف علي اهل المسكنة و الحثّ لهم علي المساواة و تقوية الفقراء و المعونة لهم علي امر الدين و موعظة لاهل الغني و عبرة لهم ليستدلوا بها علي فقر الاخرة بهم و ما لهم من الحثّ في ذلك علي الشكر للّه تبارك و تعالي لماخوّلهم و اعطاهم من الدعاء و التضرع و الخوف ان‏يصيروا مثلهم في امور كثيرة في اداء الزكوة و الصدقات و صلة الارحام و اصطناع المعروف. و فيه ايضاً عن القاسم عن ابي عبداللّه7 قال قلت له جعلت فداك اخبرني عن الزكوة كيف صارت من كل الف خمسة و عشرين درهماً لم‏تكن اقل منها او اكثر قال7 ان اللّه عزوجل خلق الخلق كلهم فعلم صغيرهم و كبيرهم و علم غنيهم و فقيرهم فجعل من كل الف انسان خمسة و عشرين فقيراً و مسكيناً فلو علم ان ذلك لايسعهم لزادهم لانه خالقهم و هو اعلم بهم.

 

و اما الخمس و اسراره بمختصر الكلام: فاعلم ان الخمس سهم جعله اللّه سبحانه لنفسه و لخاصته في الاموال التي بيد الناس و ليس ذلك السهم من مال الناس و لايملكونه و ذلك احسن و اصفي ما في الاموال حتي ان اللّه سبحانه خصّ نفسه المقدسة به تشريفاً و تكريماً و تعظيماً له و حتي لايتوهم انه مثل

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 134 *»

الزكوة فانها اوساخ ما في ايدي الناس و حاشا ربنا الكريم ان‏يجعل لخاصة اوليائه تلك الاوساخ و لذا حرّم عليهم الزكوة فالزكوة شي‏ء يملكه الناس و الخمس لايملكونه و لذا قيل له الخمس و ما قيل للزكوة العشر او ربع العشر او نصف العشر او ثلث العشر فالخمس ذات الهية اصلية و الزكوة صفة لطخية عرضية و يجب علي العبد التزكي و التطهر عنها و لذا ربما يراد من الزكوة في الباطن البراءة من الاعداء كما يراد من الصلوة ولاية الاحباء فهما جناحان يطير بهما المؤمن الي فضاء القدس و محالّ الانس و اما الخمس فهو صفوة الشي‏ء و خالصه لان اللّه سبحانه خصّ به نفسه و لايكون ذلك الاّ الاشرف و الاصفي و الاحسن من كل شي‏ء لان ماله سبحانه اطيب من كل ما لغيره.

و حقيقة الامر في ذلك علي جهة الاجمال ان محمدا و آله صلي اللّه عليه و عليهم لماصلّوا الصلوة التي كلفهم اللّه سبحانه و تعالي اياها في العالم الاول التي هي نتيجة اقبالهم و ادبارهم الذي هو عين اقبالهم الذي هو عين ادبارهم خلق اللّه سبحانه الخلق بهم باتمام صلوتهم في الاوقات الخمسة فكملت بها العوالم و هي و ان كانت كثيرة لاتحصي و لاتتناهي الاّ ان كلياتها التي تترتب عليها الاحكام و الاثار و تظهر فيها المشاعر و المدارك خمسة عالم الفؤاد و باب المراد و عالم العقل و عالم النفس و عالم المثال و عالم الجسم و في هذه العوالم الخمسة تظهر المشاعر و المدارك المتمايزة الخاصة بمدركاتها و اثارها و كل ماسويها مماتظهر المشاعر فيها ترجع اليها و اما عالم الطبيعة و عالم المادة فهما عالم الموت و الكسر لاتتميز فيهما المشاعر و المدارك و الاثار و اما عالم الارواح فله حكم البرزخية المحضة بحيث لاتكاد تتميز مداركه و اثاره فهو ملحق بالعقل في الوجه الاعلي و النفس في الوجه الاسفل و اما عالم المثال فهو و ان كان له حكم البرزخية الا ان اثاره ظاهرة و احكامه متمايزة لغلظته و ترتب الحكم عليه و بالجملة فاصول العوالم الكونية الوجودية المتأصلة هذه الخمسة لا غير و الاربعة من هذه العوالم تختص بالخلق في معرفة الاحوال الخلقية و اوضاعها و حدودها و قراناتها و احكامها و اطوارها و علوياتها و سفلياتها و مجرداتها و مادياتها و بسايطها و مركباتها و ما

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 135 *»

اشبهها من ساير احوالها و اوضاعها و اما عالم الفؤاد فقد جعله اللّه سبحانه في العبد ليتوجه به اليه سبحانه و يصفوه بما وصف نفسه لهم فيه فهو عين اللّه سبحانه في خلقه اعارهم اياها ليروه بها كما قال الشاعر:

اعارته طرفاً رآها به   فكان البصير بها طرفها

قال7 اعرفوا اللّه باللّه فهناك و ما هناك يختص باللّه سبحانه و بما ينسب اليه تعالي من اسمائه و صفاته و افعاله و الوسايط التي بينه و بين عبيده و بالجملة ذلك العالم للّه و لخاصته ليس لاحد فيه نصيب و ذلك لان عالم الفؤاد له وجهان:

احدهما الاعلي و فيه ثلث مراتب الاولي مرتبة التوحيد و مقام التجريد و مظهر الاحدية مقام لا اسم و لا رسم و لا عبارة و لا اشارة كما قال اميرالمؤمنين7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة و قال الصادق7 في العبد العين علمه باللّه و الباء بونه عن الخلق و الدال دنوه من الخالق بلا كيف و لا اشارة و هذا السدس من الخمس للّه تعالي خاص به لايذكر معه غيره الثانية مرتبة الاسم الاعظم الجامع الكلي المحيط المهيمن علي كل الاسماء و الصفات و الاضافات و هو مقام الهوية و الاسم الاعظم الاجل الاعلي الاعلي الاعلي هو و هذا السدس الثاني من الخمس لرسوله6 لانه محل ذلك الاسم و مفتاح ذلك الطلسم و هو قوله7 في الخطبة اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و ذلك مقام النبوة المطلقة لا من حيث هي هي او من حيث هي هي لكن لا علي ما تعرفه العوام بل الخواص الثالثة مرتبة الاسماء و الصفات و الاضافات و القرانات اي مقام الربوبية اذ مربوب و هذا السدس الثالث من الخمس لذي القربي و هم علي و اولاده و زوجته الصديقة عليهم الاف التحية و الثناء و السلام قال مولينا الصادق7

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 136 *»

نحن الاسماء الحسني التي امركم اللّه ان‏تدعوه بها و هذه الثلثة للوجه الاعلي من الفؤاد.

و اما الثاني الذي هو الوجه الاسفل منه فيه ثلث مراتب ايضاً الاولي ظهور الفعل اي هيئة ظهوره و هي التي في المفعول للاستدلال علي الفعل و بها يقع تأكيداً للفعل في قولك ضربت ضرباً اي ضربت ضربت و هذا السدس الرابع من الخمس لليتامي فان الفعل هو اليتيم الذي لا كفو له و لا نظير و لا اب و لا ام له غير نفسه قال الصادق7 خلق اللّه المشية بنفسها فهذا السدس لها اي لمعرفة ظهورها في الوصف و الخطاب الشفاهي و الثانية ظهور الاثر اي المفعول المطلق الذي هو المصدر في نفسه من غير ملاحظة شي‏ء سوي نفسه مما تقدم عليه او تأخر عنه و هذا السدس الخامس للمسكين الفقير من السادة المتولدين من الاسماء المتولدة من الاسم الاعظم الكلي و هو فقير بل محض الفقر الي مبدئه اذ لايجد لنفسه تحققاً و لا تذوتاً في آن من الانات و حال من الحالات و لا وجود له الاّ بذلك السهم من الخمس و الثالثة ظهور صلوح الاثر للتعلق بالمتعلقات لايظهر المفعول المطلق في المفعول‏به قبل تحقق المفعول‏به و هو قبل ان‏يكون يكون بعد وقوع كن و هو الواو المستتر في كن الظاهر في يكون و هو السدس الاخر و هو سهم ابن السبيل من تلك الذرية الطيبة اي المتولدة من الاسماء و هو قبل صلوح التعلق كان نوراً ذائباً في عين الاستغناء و لماسافر للاقبال الادباري الي مقام التعلق انجمد بالاضافة فافتقر فاذا بلغ الي مسكنه و موطنه يزول هذا الانجماد و يأتي الذوبان و هذه الاسهم الستة التي هي الخمس في قوله تعالي و اعلموا ان ما غنمتم من شي‏ء فان للّه خمسه و للرسول و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن السبيل هي للّه تعالي و خاصته و خالصته و الظاهر انه في الصلوات هي صلوة الظهر و هي الصلوة الوسطي علي اكثر الروايات لان وقتها وسط الوجود و قطبه فمن ملك هذه المراتب فيجب عليه اداء الخمس اي يجعل ذلك المشعر للّه

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 137 *»

تعالي و لاوليائه اي ينظر مرة الي التوحيد المحض و الاخري الي الاسم الاعظم الكلي و الاخري الي الاسماء و الصفات و الرابعة الي صدور الفعل من الحق سبحانه و الي مشيته و ارادته و ان الاشياء لاتقوم الاّ بها و الخامسة الي محل المشية و متعلق الفعل و السادسة الي تعلق ذلك المحل ليكون حالاً فمن عمل بما قلنا و ذكرنا فقد ادّي خمس المال و الاّ فقد خرج عن حد الايمان لانه سبحانه شرط الايمان في الاية الشريفة باخراج الخمس علي الحدود المعينة فافهم ان كنت تفهم و الاّ فاسلم تسلم.

و اما الصيام و اسراره: فعن النبي6 انه قال اصل الاسلام الصلوة و فرعه الزكوة و ذروته الصيام و سنامه الجهاد. و عنه6 زكوة الابدان الصيام و قال6 الصوم يسوّد وجه الشيطان. و جاء نفر من اليهود الي رسول اللّه6فسأله اعلمهم لاي شي‏ء فرض اللّه الصوم علي امتك بالنهار ثلثين يوماً فقال6 ان آدم لمااكل من الشجرة بقي في بطنه ثلثين يوماً ففرض اللّه علي ذريته ثلثين يوماً الجوع و العطش و الذي يأكلونه بالليل بفضل من اللّه و كذلك كان علي آدم ففرض اللّه علي امتي ثم تلا6 قوله تعالي كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم. و فيما كتب مولينا الرضا7 الي محمد بن سنان علة الصوم لعرفان مسّ الجوع و العطش و ليكون ذليلاً مسكيناً و يكون دليلاً له علي شدايد الاخرة مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات و ليعلم شدة منع ذلك من اهل الفقر و المسكنة و في مصباح الشريعة قال الصادق7قال رسول اللّه6 الصوم جُنّة اي ستر من افات الدنيا و حجاب عن عذاب الاخرة فاذا صمت فانو بصومك كف النفس عن الشهوات و قطع الهمة من خطوات الشيطان و انزل نفسك منزلة المرضي لاتشتهي طعاماً و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 138 *»

لا شراباً متوقعاً في كل لحظة شفاءك من مرض الذنوب و طهر باطنك من كل كدر و غفلة و ظلمة و يقطعك عن معني الاخلاص لوجه اللّه قال رسول اللّه6قال اللّه تعالي الصوم لي و انا اجزي به فالصوم يميت مراد النفس و شهوة الطبع و فيه صفاء القلب و طهارة الجوارح و عمارة الظاهر و الباطن و الشكر علي النعم و الاحسان الي الفقراء و زيادة التضرع و الخشوع و البكاء و حبل الالتجاء الي اللّه و سبب انكسار الهمة و تخفيف الحساب و تضعيف الحسنات و فيه من الفوايد ما لايحصي و كفي بما ذكرنا لمن عقل و وفق هـ .

فان شيخنا و استادنا اطال اللّه بقاه و جعلني من كل مكروه فداه ان اللّه سبحانه كتب علي المكلفين الصيام ليجوعوا فتخفّ اجسادهم و ليعطشوا فتنشف اجسادهم فاذا نشفت و خفّت ذهب عنها الكسل المانع من العبادة و كثرة النوم التي تدع الرجل فقيراً يوم القيمة لقلة حسناته لانه يمنعه من التهجد في الليل و يقلل الرزق فيكثر همته بتحصيل المعاش و اذا صام و جاع قويت روحه لان الجوع ادام الروح و ذهبت الامراض من بدنه لان اكثر الامراض من الشبع فلذا كانت المعدة بيت الداء و ورد صوموا تصحوا و اذا عطش جفّت الرطوبات التي هي علة النسيان و البلادة و قلة الفهم و علة كثير من الامراض فاذا صام و جاع و عطش زاد فهمه و حفظه و ذهبت الرياح و ساير الامراض من جسده و ذهب عنه الكسل في العبادة و خفّ جسده لفعل الطاعات و انكسرت نفسه عن الشهوات و الخصال الذميمة كالحسد و الغضب و الشهوة و التكبر و البغي و العدوان و طول الامل و نسيان الموت و الاخرة بل يكون دائماً ذاكراً للموت و الحساب و الجنة و النار و الدار الاخرة متجافياً عن دار الغرور و ما فيها مما ليس للّه و للدار الاخرة و كل ذلك و امثاله نتيجة العطش و الجوع و لاجل ما اشرنا اليه لوّحوا: لمن يفهم الاشارة من طي الكلام فقالوا ما معناه ان الشياطين تقيّد و تغلّ في شهر رمضان و ليس ذلك الاّ عن المؤمنين الذين يجوعون و يعطشون تقرباً الي اللّه سبحانه بصيامهم و اما غير هؤلاء فلاتقيّد عنهم انا ارسلنا الشياطين علي الكافرين تؤزّهم ازّاً اي تزعجهم

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 139 *»

ازعاجاً انتهي كلامه اطال اللّه بقاءه و اعلي اللّه مقامه و رفع اعلامه و يؤيد ما ذكره سلمه اللّه تعالي ما ورد عن احدهم: ان الشيطان يجري في ابن آدم مجري الدم في العروق فسُدّوا مجاريه بالجوع و العطش و قول النبي6للصائم فرحتان حين يفطر و حين يلقي ربه عزوجل و الذي نفس محمد6بيده لخلوف فم الصائم عند اللّه اطيب من ريح المسك هـ . و ذلك لعدم وجود الشيطان الموجب للنتن و الكدورة.

اعلم ان الصلوة لماكانت هي الخضوع و الخشوع و التذلل و الاقبال الي اللّه سبحانه بالذات و الكينونة ترتب عليها امساك النفس عن كل ما يرجع الي النفس من الدواعي و الشهوات و الاّ لم‏يتحقق الاقبال التام فهذا الامساك هو اعظم فروع الصلوة و لماكان هذا التنزه و الاجتناب و الاعراض عن المفطرات اي مما يلتذّ به النفس او يتقوي به في مقام المبدء اي مقام المفعول المطلق و المصدر اذ ذلك هو الذي لم‏يشبه شيئاً من القيودات و الحدودات التي في المفعول‏به و ان كان صالحاً لذلك و لماكانت شمس الافاضة انما قطعت دائرة عالم الوجود بعد سيرها في اثني‏عشر مرتبة و هي الفؤاد و العقل و النفس الظاهرة في عشرة حواس ظاهرية و باطنية و كان العالم الاسفل دليلاً علي العالم الاعلي قسمت الافلاك علي اثني‏عشر قسمة كل قسمة تحكي مرتبة من المراتب و صار مقدار قطع الشمس في كل مرتبة من هذه المراتب المصطلح عليها بالبروج شهراً تاماً فتمّت السنة في اثني‏عشر شهراً دليلاً علي اتمام السنة الكاملة الاولية الالهية علي تلك الشهور التي هي الحقايق كما قال عزوجل ان عدة الشهور عند اللّه اثناعشر شهراً في كتاب اللّه يوم خلق اللّه السموات و الارض في الباطن و التأويل او هي الافلاك التسعة و المواليد الثلثة فالشهور الزمانية حكايات لتلك الذوات الالهية فتكون اصول الاشهر ثلثة و هي بازاء الفؤاد و العقل و النفس و باقي المراتب ظهورات هذه الثلثة الظاهرة في النفس و شئوناتها و اطوارها و الاشهر التسعة بمنزلة المقدمات و هذه الثلثة بمنزلة النتايج و تلك بمنزلة الافلاك التسعة التي هي اسباب و مقدمات

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 140 *»

لتكوين المواليد و نشوها فتكون تلك الثلثة اشرف الاشهر و افضلها و احسنها و ليس في الشهور اشرف و لا افضل من الاشهر الثلثة التي هي شهر رمضان و شعبان و رجب المرجب المعظم فيكون شهر رمضان شهر المبدء و دليل الفؤاد لكونه اشرف الثلثة و احسنها و افضلها و اعلاها فوجب الصوم و الامساك فيه لانه مقام المبدء الغير المقترن بالحدود و التعينات المقتضية للشهوات و الارادات و اللذات و لذا ورد ان رمضان اسم اللّه فلاتقولوا رمضان بل قولوا شهر رمضان فاذا كان هو شهر اللّه كان في التوجه الي اللّه كفّ و امساك عن السوي و الاّ لم‏يحصل التوجه الي اللّه.

و في هذا الشهر يظهر عظمة اللّه سبحانه و سلطانه و قدرته فكان وقوف الخلايق في البدو في عالم الذر انما هو في هذا الشهر و عودهم اليه تعالي يوم القيمة انما يكون في هذا الشهر ففيه قوله تعالي و الملك يومئذ للّه مع ان في كل الازمان يكون الملك له سبحانه لكن الازمنة الباقية لماكانت مقام القشور و الاعراض و ظهور الكدورات ما ظهرت عظمة اللّه سبحانه و قهاريته و استهلاك الاشياء و اضمحلالها لعامة الناس و انما يظهر تلك يوم القيمة و معني نسبة شهر رمضان الي اللّه تعالي ظهور سلطانه تعالي في ذلك الشهر و الظهور التام انما يكون في ذلك اليوم في الدار الاخرة فيكون ذلك شهر رمضان قطعاً و لذا اشتق من الرمضاء لاشتداد الحرارة في ذلك اليوم و ضمّ بعضهم ببعض و عرقهم كما هو المعروف و في ذلك اليوم يحصل الامساك التام عن المفطرات و الشهوات الراجعة الي النفس و البدن و هذا الشهر في الدنيا مثال ذلك و حكايته ان لم‏نقل عينه فيجب تذكر الاخرة و العمل للّه تعالي و التوجه الي جناب قدسه.

و لماكان عالم الذر و يوم القيمة في يوم واحد و شهر واحد و في ذلك اليوم قدّرت الاجال و الارزاق و الفقر و الغني و العزّ و الذلّ و الموت و الحيوة و امثال ذلك و هو في الثلث الاخير من ذلك اليوم لانهم وجدوا و صلحوا فكلّفوا فقدّرت لهم المقادير علي حسب قبولهم و اذعانهم و انكارهم و اعراضهم و في يوم القيمة ايضاً تقدر لهم منازلهم و يعطي كل ذي حق حقه ايضاً في الثلث الاخير لانهم

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 141 *»

يحشرون فيعرضون علي ولي الحساب و يحاسبون فيدخلون منازلهم في الجنة بمراتبها و النار بمراتبها اعاذنا اللّه من النار بفضله و ادخلنا الجنة برحمته فمن هذه الجهة كانت ليلة القدر في الثلث الاخير من شهر رمضان و انما كانت في الليل لانها مقام الكثرة و نفي الوحدة و هي ليلة حقيقية و اما يوم القيامة و يوم عالم الذر فهو انما هو لعظم اشراق نور الجبار ذوالعظمة و القدس بحيث محق الظلمات.

و اما شهر شعبان فهو شهر محمد6 كما دلّت الروايات اي يظهر فيه اثار ظهوراته6 و علامات اشراقات نوره و ذلك الظهور و السلطان و العظمة و الامتنان و الاستيلاء و الهيمنة انما هو في الرجعة اي رجوع محمد6 مع اهل بيته الطيبين الطاهرين فانك في ذلك الوقت تعرف سلطان محمد6و استيلاء و اجراء حكمه و نفاذ امره في كل ذرة من الذرات الوجودية في جميع العوالم التكوينية و التشريعية و الذاتية و العرضية و الحقيقية و المجازية و ذلك المقام مقام ظهور العقل الكلي و هو و ان كان مقام صوم لتنزه ذلك العالم ايضاً عن الحدود و الصور الشخصية المقتضية للشهوات و الدواعي الا ان فيه صلوح التعلق القريب بالمتعلق و لذا استحب صومه مؤكداً كما قال اميرالمؤمنين7 ما تركت صوم شعبان منذ سمعت منادي رسول اللّه6.

و اما شهر رجب فهو شهر القائم من آل محمد عليه و عليهم السلام و قدفسّر شهر رجب به7 و وجه الاختصاص به مع اشتراك كلهم سلام اللّه عليهم في ذلك لقيامه بالامر و اظهاره للحق ظاهراً مكشوفاً فيكون القيام و استيلاء امره7 اي ظهور النفس الكلية الظاهرة بالامر و التدبير و التصرف انما هو في شهر رجب فتكون الشهور كلها تنتهي هذه الشهور الثلثة و هي الايام الثلثة في قوله تعالي و ذكّرهم بايام اللّه اي يوم قيام القائم7 و يوم الرجعة و يوم القيمة اي اليوم القمري([5]) فانه شهر من يوم العرش و يوم الشمس سنة و يوم زحل

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 142 *»

ثلثون سنة و يوم الكرسي اربعة و عشرون الف سنة و يوم العرش اربعة و عشرون ساعة فافهم. فالاشهر تنتهي الي هذه الشهور و شهر رجب الذي هو مظهر قيام القائم7 ينتهي الي شعبان اي الرجعة و هو ينتهي الي شهر رمضان فهو نهاية النهاية و غاية الغاية و هو عند شرب اهل الجنة قبل دخولهم فيها من شراب الكافور ليلة العيد و اول دخولهم الجنة و مكثهم في مقام الكثيب الاحمر و مقام الرفرف الاخضر و مقام ارض الزعفران و مقام الاعراف الي وصولهم مقام الرضوان تنقضي اثني‏عشرة ساعة لتوقفهم في كل مقام ثلث ساعات الي مرتبة الرضوان فعند وصولهم اليه اول يوم العيد و ذلك يوم لا ليلة له و نور لا ظلمة فيه و ايقاظ لا حلم فيه و انما هو نور موجود و ظل ممدود فانتهت الشهور الي شهر رمضان و هو الي ليلة العيد و هي الي يوم العيد و ذلك اليوم هو المدار و هو النقطة للدوائر الوجودية كلها و المقامات باسرها و هو غاية الغايات و نهاية النهايات فافهم و لاتكثر المقال فان العلم نقطة كثّرها الجهال.

و اما صوم ثلثين يوماً فلان المبدء مظهره الثلثون الا تري ان الالف مايمسكها في الظهور الاّ اللام كما في حرف التعريف و حرف النفي و الثلثون هي مقام القابليات فظهور المبدء فيها عبارة عن الاعراض و الامساك عن مقتضاها و شهواتها و ذلك الاعراض التام و الامساك العام هو عبارة عن الصيام و لذا ورد عن النبي6 كما في الحديث المتقدم ان آدم لمااكل من الشجرة بقي في بطنه ثلثين يوماً لان كدورة الاعراض بترك الاولي سرت في كل اطوار القابليات فوجب الامساك و مقابلة ارض القابليات باشراق شمس العناية الازلية الالهية لتحرق حرارة المبدء تلك الكثافات و تطهرها عن كل الرذايل و الدناءات و لاجل ذلك استحب الغسل في اول يوم من شهر رمضان في الماء الجاري و ان‏يصب علي رأسه ثلثين كفاً من الماء لئلاتؤثر فيه الحرارة حرارة الصوم و حرارة ظهور المبدء و يستحب الوقاع في اول الليلة منه

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 143 *»

لاخراج الحرارة و تسكينها لئلاتتهيج الصفراء و تحترق السوداء و تتولد منها الامراض المهلكة فافهم. و لنذكر في هذا المقام تتمة الحديث المروي عن الرضا7الذي رواه الفضل بن شاذان و قد ذكرنا ما يتعلق بالصلوة في مبحثها و نذكر هنا ما يتعلق بالصيام.

قال ابن شاذان عنه7 فان قيل فلم امروا بالصوم قيل لكي يعرفوا الم الجوع و العطش و يستدلوا علي فقراء الاخرة و ليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً علي ما اصابه من الجوع و العطش فيستوجب الثواب مع ما فيه من الامساك عن الشهوات و ليكون ذلك واعظاً لهم في العاجل و رائضاً لهم علي اداء ما كلفهم و دليلاً في الاجل و ليعرفوا شدة مبلغ ذلك علي اهل الفقر و المسكنة في الدنيا فيؤدوا اليهم ما افترض اللّه لهم في اموالهم فان قيل فلم جعل الصوم في شهر رمضان خاصة دون ساير الشهور قيل لان شهر رمضان هو الشهر الذي انزل اللّه فيه القرآن و فيه فرّق اللّه بين اهل الحق و الباطل كما قال اللّه تعالي شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدي للناس و بينات من الهدي و الفرقان و فيه نبّي‏ء محمد6 و فيه ليلة القدر التي خير من الف شهر و فيها يفرق كل امر حكيم و هو رأس السنة و يقدّر فيه ما يكون في السنة من خير او شر او مضرة او منفعة او رزق او اجل و لذلك سميت ليلة القدر. فان قيل فلم امروا بصوم شهر رمضان لا اقل من ذلك و لا اكثر قيل لان قوة العباد الذي يعمّ فيها القوي و الضعيف و انما اوجب اللّه الفرايض علي اغلب الاشياء و اعم القوم ثم رخص لاهل الضعف و رغب اهل القوة في الفضل و لو كانوا يصلحون علي اقل من ذلك لنقصهم و لو احتاجوا الي اكثر من ذلك لزادهم.

فان قيل فلم اذا حاضت المرأة لاتصوم و لاتصلي قيل لانها في حدّ نجاسة فاحب ان لاتتعبد الا طاهرة و لانه لا صوم لمن لا صلوة له. فان قيل فلم صارت تقضي الصيام لا الصلوة قيل لعلل شتي فمنها ان الصيام لايمنعها من خدمة نفسها و خدمة زوجها و اصلاح بيتها و القيام بامورها و الاشتغال بمرمة معيشتها و الصلوة تمنعها من ذلك كله لان الصلوة تكون في اليوم و الليلة مراراً فلاتقوي علي ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 144 *»

و الصوم ليس كذلك و منها ان الصلوة فيها عناء و تعب و اشتغال للاركان و ليس في الصوم شي‏ء من ذلك و انما هو ترك الطعوم و الشراب و ليس فيه اشتغال الاركان و منها انه ليس من وقت يجي‏ء الا و يحدث عليها فيه صلوة جديدة في يومها و ليلتها و ليس الصوم كذلك. فان قيل فلم اذا مرض الرجل او سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره او لم‏يفق من مرضه حتي يدخل عليه شهر رمضان اخر وجب عليه الفداء للاول و سقط القضاء و اذا فاق بينهما و اقام و لم‏يقضه وجب عليه القضاء و الفداء قيل لان ذلك الصوم انما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر فاما الذي لم‏يفق فانه لمامرّت عليه السنة كلها و قد غلب اللّه عليه فلم‏يجعل له السبيل الي ادائه سقط عنه و كذلك كل ما غلب اللّه عليه مثل المغمي عليه الذي يغمي عليه كل يوم و ليلة فلايجب عليه قضاء الصلوة كما قال الصادق7 كل ما غلب اللّه علي العبد فهو اعذر له لانه دخل الشهر و هو مريض فلم‏يجب عليه الصوم في شهره و لا في سنته للمرض الذي كان فيه و وجب الفداء عليه لانه بمنزلة من وجب عليه الصوم فلم يستطع اداءه فوجب عليه الفداء كما قال اللّه تعالي فصيام شهرين متتابعين فمن لم‏يستطع فاطعام ستين مسكيناً و كما قال ففدية من صيام او صدقة او نسك فاقام الصدقة مقام الصيام اذا عسر عليه.

فان قيل فان لم‏يستطع اذ ذاك فهو الان يستطيع قيل لانه لمادخل عليه شهر رمضان اخر وجب عليه الفداء للماضي لانه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفارة فلم‏يستطعه فوجب عليه الفداء و اذا وجب عليه الفداء المسقط للصوم فالصوم ساقط و الفداء لازم فان افاق فيما بينهما و لم‏يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه و الصوم لاستطاعته. فان قيل فلم جعل صوم السنة قيل ليكمل به صوم الفرض. فان قيل فلم جعلت في كل شهر ثلثة ايام في كل عشر يوماً قيل لان اللّه تعالي يقول من جاء بالحسنة فله عشر امثالها فمن صام في كل عشرة ايام يوماً واحداً فكأنما صام الدهر كله كما قال سلمان الفارسي; صوم ثلثة ايام في الشهر تعدل صوم الدهر فمن وجد شيئاً غير الدهر فليصمه. فان قيل فلم جعل اول خميس في العشر الاول و اخر خميس في العشر الاخر و اربعاء في العشر

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 145 *»

الاوسط قيل اما الخميس فانه قال الصادق7 يعرض كل خميس اعمال العباد علي اللّه تعالي فاحب ان‏يعرض عمل العبد علي اللّه و هو صائم فان قيل فلم جعل اخر خميس قيل لانه اذا عرض عمل العبد ثلثة ايام و العبد صائم فانه اشرف و افضل من ان‏يعرض عمله يومين و هو صائم و انما جعل الاربعاء في العشر الاوسط لان الصادق7 قد اخبر ان اللّه عزوجل خلق النار في ذلك اليوم و فيه اهلك اللّه القرون الاولي و هو يوم نحس مستمر فاحب ان‏يدفع العبد عن نفسه نحس ذلك اليوم بصومه. فان قيل فلم اوجب في الكفارة علي من لم‏يجد تحرير رقبة الصيام دون الحج و الصلوة و غيرهما من الانواع قيل لان الصلوة و الحج و ساير الفرايض مانعة للانسان من التقلب في امر دنياه و مصلحة معيشته مع تلك العلل التي ذكرناها في الحايض التي تقضي الصوم و لاتقضي الصلوة فان قيل فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين دون ان‏يجب عليه شهر واحد او ثلثة اشهر قيل لان الفرض الذي فرضه اللّه علي الخلق فهو شهر واحد فضوعف هذا الشهر في الكفارة تأكيداً و تغليظاً عليه. فان قيل فلم جعلت متتابعين قيل لئلايهون عليه الاداء فيستخف به لانه اذا قضي منفرداً هان عليه القضاء او استخف بالايمان الحديث.

اما الحج و اسراره: فاذكر فيه ما ورد عن الائمة الاطهار: في هذا الباب و نعرض عن استخراج ما فيها من الكنوز و الانوار لعدم اقبال القلب و سعة الوقت و تحمل الناس روي الصدوق; في الفقيه عن النبي6سميت الكعبة كعبة لانها وسط الدنيا و قد روي انها سميت كعبة لانها مربعة و صارت مربعة لانها بحذاء البيت المعمور و هو مربع و صار البيت المعمور مربعاً لانه بحذاء العرش و هو مربع و صار العرش مربعاً لان الكلمات التي بني عليها الاسلام اربع و هي سبحان اللّه و الحمدللّه و لا اله الاّ اللّه و اللّه اكبر و سمي بيت اللّه الحرام لانه حرام علي المشركين ان‏يدخلوه و سمي البيت العتيق لانه اعتق من الغرق و روي انه سمي العتيق لانه بيت عتيق

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 146 *»

من الناس و لم‏يملكه احد و وضع البيت في وسط الارض لانه الموضع الذي من تحته دحيت الارض و ليكون الفرض لاهل المشرق و المغرب في ذلك سواء و انما يقبّل الحجر الاسود و يستلم ليؤدي الي اللّه عزوجل العهد الذي اخذ عليهم في الميثاق و انما وضع اللّه عزوجل الحجر الاسود في الركن الذي هو فيه و لم‏يضعه في غيره لانه تبارك و تعالي حين اخذ الميثاق اخذه في ذلك المكان و جرت السنة بالتكبير و استقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفاء لانه لمانظر آدم7 من الصفاء و قد وضع الحجر في الركن كبّر اللّه عزوجل لمااخذ الميثاق له بالربوبية و لمحمد6 بالنبوة و لعلي7 بالوصية اصطكت فرايص الملئكة و اول من اسرع الي الاقرار بذلك علي الخلايق الملك الذي هو الحجر و لذلك اختاره اللّه عزوجل و القمه الميثاق و هو يجي‏ء يوم القيمة و له لسان ناطق و عين ناظرة يشهد لكل من وافي الي ذلك المكان و حفظ الميثاق و انما اخرج الحجر من الجنة ليذكر آدم ما نسي من العهد و الميثاق.

و صار الحرم مقدار ما هو لم‏يكن اقل و لا اكثر لان اللّه تبارك و تعالي اهبط علي آدم ياقوتة حمراء فوضعها في موضع البيت و كان يطوف بها آدم7 و كان ضوؤها يبلغ موضع الاعلام فعملت الاعلام علي ضوئها فجعله اللّه عزوجل حرماً و انما يستلم الحجر لان مواثيق الخلايق فيه و كان اشد بياضاً من اللبن فاسودّ من خطايا بني‏آدم و لولا ما مسّه من ارجاس الجاهلية ما مسّه ذو عاهة الاّ بري‏ء و سمي الحطيم حطيماً لان الناس يحطم بعضهم بعضاً هنالك و صار الناس يستلمون الحجر و الركن اليماني و لايستلمون الركنين الاخرين لان الحجر و الركن اليماني عن يمين العرش و انما امر اللّه عزوجل ان‏يستلم ما عن يمين عرشه و انما صار مقام ابراهيم7 عن يساره لان لابراهيم7 مقاماً في القيمة و لمحمد6 مقاماً فمقام محمد6 و آله عن يمين عرش ربنا و مقام ابراهيم7 عن يسار عرشه فمقام ابراهيم7 في مقامه يوم القيمة و عرش ربنا تبارك و تعالي مقبل

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 147 *»

غير مدبر و صار الركن الشامي متحركاً في الشتاء و الصيف و الليل و النهار لان الريح مسجونة تحته و انما صار البيت مرتفعاً يصعد اليه بالدرج لانه لماهدم الحجاج الكعبة فرّق الناس ترابها فلماارادوا ان‏يبنوها خرجت اليهم حية فمنعت الناس البناء فاتي الحجاج فاخبر فسأل علي بن الحسين عن ذلك فقال7 مر الناس ان لايبقي احد منهم اخذ شيئاً الاّ ردّه فلماارتفعت حيطانه امر بالتراب فالقي في جوفه فلذلك صار البيت مرتفعاً يصعد اليه بالدرج.

و صار الناس يطوفون حول الحِجْر و لايطوفون فيه لان ام اسمعيل دفنت في الحجر ففيه قبرها فطيف لكي لايوطي‏ء قبرها و روي ان فيه قبور الانبياء: و ما في الحجر شي‏ء من البيت و لا قلامة ظفر و سميت بكة لان الناس يبكّ بعضهم بعضاً بالايدي فيها و روي انها سميت بكة لبكاء الناس حولها و فيها و بكة هو موضع البيت و القرية مكة و انما لايستحب الهدي الي الكعبة لانه يصير الي الحجبة دون المساكين و الكعبة لاتشرب و لاتأكل و ما جعل هدياً لها فهو لزوارها و روي انه ينادي علي الحجر الا من انقطعت به النفقة فليحضر فيدفع اليه و انما هدمت قريش الكعبة لان السيل كان يأتيهم من اعلي مكة فيدخلها فانصدعت.

و سئل الصادق7 عن قول اللّه عزوجل سواء العاكف فيه و الباد فقال7لم‏يكن ينبغي ان‏يوضع علي دور مكة ابواب لان للحجاج ان‏ينزلوا معهم في دورهم في ساحة الدار حتي يقضوا مناسكهم و ان اول من جعل لدور مكة ابواباً معاوية و يكره المقام بمكة لان رسول اللّه6 خرج عنها و المقيم بها يقسو قلبه حتي يأتي فيها ما يأتي في غيرها و لم‏يعذب ماء زمزم لانها بغت علي المياه فاجري اللّه عليها عيناً من صبر و انما صار ماء زمزم يعذب في وقت دون وقت لانه يجري اليها عين من تحت الحجر فاذا غلبت ماء العين عذب ماء زمزم و انما سمي الصفا صفا لان المصطفي آدم7 هبط عليه فقطع للجبل اسم من اسم آدم لقوله عزوجل ان اللّه اصطفي آدم و نوحاً و هبطت حوا علي المروة و سميت مروة لان المرأة هبطت عليه فقطع للجبل من اسم المرأة و حرم

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 148 *»

المسجد لعلة الكعبة و حرم الحرم لعلة المسجد و وجب الاحرام لعلة الحرم و ان اللّه تعالي جعل الكعبة قبلة لاهل المسجد و جعل المسجد قبلة لاهل الحرم و جعل الحرم قبلة لاهل الدنيا و انما جعلت التلبية لان اللّه عزوجل لماقال لابراهيم7 و اذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً فنادي فاجيب من كلّ فجّ يلبّون.

و في رواية ابي‏الحسن الاسدي رضي اللّه عنه عن سهل بن زياد عن جعفر بن عثمن الدارمي عن سليمان بن جعفر قال سألت اباالحسن7 عن التلبية و علتها فقال7 ان الناس اذا احرموا ناداهم اللّه عزوجل عبادي و امائي لاحرمنكم النار كما احرمتم لي فقولهم لبيك اللهم لبيك اجابة للّه عزوجل علي ندائهم و انما جعل السعي بين الصفا و المروة لان الشيطان تراءي لابراهيم7 في الوادي فسعي و هو منازل الشيطان و انما صار المسعي احب البقاع الي اللّه عزوجل لانه يذلّ فيه كل جبار و انما سمي يوم التروية تروية لانه لم‏يكن بعرفات ماء و كانوا يستقون من مكة من الماء ريّهم و كان يقول بعضهم لبعض ترويتم ترويتم فسمي يوم التروية لذلك و سميت عرفة عرفة لان جبرئيل قال لابراهيم7 هناك اعترف بذنبك و اعرفا مناسكك فلذلك سميت عرفة و سمي المشعر مزدلفة لان جبرئيل7 قال لابراهيم7بعرفات ازدلف الي المشعر الحرام فسميت المزدلفة لذلك و سميت مزدلفة جمعاً لانه يجمع فيها بين المغرب و العشاء باذان واحد و اقامتين و سمي مني مني لان جبرئيل اتي ابراهيم فقال له تمنّ يا ابراهيم فكانت تسمي مني فسماها اللّه مني و روي انها سميت مني لان ابراهيم7تمني هناك ان‏يجعل مكان ابنه كبشاً يذبحه فدية له و سمي الخيف خيفاً لانه مرتفع عن الوادي و كل ما ارتفع عن الوادي سمي خيفاً و انما صيّر الموقف بالمشعر و لم‏يصير بالحرم لان الكعبة بيت اللّه و الحرم حجابه و المشعر بابه فلماقصده الزائرون اوقفهم بالباب يتضرعون حتي اذن لهم بالدخول ثم وقفهم بالحجاب الثاني و هو مزدلفة فلمانظر الي طول تضرعهم امرهم بتقرب قربانهم فلماقرّبوا قربانهم و قضوا تفثهم و تطهروا من الذنوب التي كانت

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 149 *»

حجاباً لهم دونه امرهم بالزيارة علي طهارة.

و انما كره الصيام في ايام التشريق لان القوم زوار اللّه عزوجل فهم في ضيافته و لاينبغي للضيف ان‏يصوم عند من زاره و اضافه و روي انها ايام اكل و شرب و بعال و مثل التعلق باستار الكعبة مثل الرجل يكون بينه و بين الرجل جناية فيتعلق بثوبه و يستحذي له رجاء ان‏يهب له جرمه و انما صار الحاج لايكتب عليه ذنب اربعة اشهر من يوم يحلق رأسه لان اللّه عزوجل اباح للمشركين الاشهر الحرم الاربعة الاشهر اذ يقول فسيحوا في الارض اربعة اشهر و انما يكره الاحتباء في المسجد الحرام تعظيماً للكعبة و انما سمي الحج الاكبر لانها سنة كانت حج فيها المسلمون و المشركون و لم‏يحج المشركون بعد ذلك السنة و انما صار التكبير بمني في دبر خمس‏عشر صلوة و في الامصار في دبر عشر صلوات لانه اذا نفر الناس في النفر الاول امسك اهل الامصار عن التكبير و كبّر اهل مني ماداموا في مني الي النفر الاخير.

و انما صار في الناس من يحج حجة و فيهم من يحج اكثر و منهم من لايحج لان ابراهيم7 لمانادي هلمّ الي الحج اسمع من في اصلاب الرجال و ارحام النساء الي يوم القيمة فلبّي الناس في اصلاب الرجال و ارحام النساء لبيك داعي اللّه لبيك داعي اللّه فمن لبي عشراً حج عشراً و من لبي خمساً حج خمساً و من لبي اكثر فبعدد ذلك و من لبي واحدة حج واحدة و من لم‏يلب لم‏يحج و سمي الابطح ابطحاً لان آدم7 امر ان‏ينبطح في بطحاء جمع فانبطح حتي انفجر الصبح و انما امر اللّه تعالي آدم بالاعتراف ليكون سنة في ولده و اذن رسول اللّه6 للعباس ان‏يبيت بمكة ليالي مني من اجل سقاية الحاج و انما احرم رسول اللّه6 من الشجرة لانه لمااسري به الي السماء و كان بالموضع الذي بحذاء الشجرة نودي يا محمد قال لبيك قال الم‏اجدك يتيماً فآويت و وجدتك ضالاً فهديت فقال النبي6 الحمد و النعمة و الملك لك لا شريك لك فلذلك احرم من الشجرة دون المواضع كلها.

و اما تقليد البدن فليعرف انها بدنة و يعرفها صاحبها بنعله الذي يقلدها به و الاشعار انما امر به ليحرم ظهرها علي صاحبها من حيث

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 150 *»

اشعرها و لايستطيع الشيطان ان‏يتسنمها و انما امر برمي الجمار لان ابليس اللعين كان يتراءي لابراهيم7 في موضع الجمار فرجمه ابراهيم فجرت بذلك السنة و روي ان اول من رمي الجمار آدم7 ثم ابراهيم7 و قال رسول اللّه9 انما جعل اللّه هدي هذا الاضحي ليشبع مساكينهم من اللحم فاطعموهم و العلة التي تجزي البقرة عن خمسة نفر لان الذين امرهم السامري بعبادة العجل كانوا خمسة انفس و هم الذين ذبحوا البقرة التي امر اللّه تبارك و تعالي بذبحها و هم اذينونة و اخوه ميذونة و ابن اخيه و ابنته و امرأته و انما يجزي الجذع من المعز لان الجذع من الضأن يلقح و الجذع من المعز لايلقح و انما يجوز للرجل ان‏يدفع الاضحية الي من يسلخها بجلدها لان اللّه عزوجل قال فكلوا منها و اطعموا و الجلد لايؤكل و لايطعم و لايجوز ذلك في الهدي و لم‏يبت اميرالمؤمنين7 بمكة بعد ان هاجر منها حتي قبض لانه كان يكره ان‏يبيت بارض قد هاجر منها.

و اعلم ان لي في اسرار الحج و افعاله و مقاماته كلمات عجيبة مأخوذة من كلمات اهل بيت النبوة: قد ذكرت بعضاً منها في اثناء المباحثات و طويت اكثرها صوناً لاصحاب الجهالات و لو اردت ذكر جملة منها في هذه الوريقات لطال الكلام لادائه الي تمهيد مقدمات (مقامات خ‏ل) و بسط مقالات و فيما ذكرت كفاية لمن نظر و اعتبر و استبصر واللّه الهادي الي سواء السبيل و الحمدللّه رب العالمين و صلي اللّه علي النبي محمد و آله الطاهرين.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة الثالثة: ما الحكمة في غيبة امام زماننا7 و عجل اللّه فرجه مع ان في ظهوره7 رفع الفساد و استلزام قطعية الاحكام الواقعية الالهية و غيبته تستلزم العمل بالظن و الشك و عدم الاطمينان بصحة العمل.

اقول: اعلم ان اللّه سبحانه خلق الخلق علي الحق و ابي الاّ ان‏يظهر حكمه و يعلن امره و يبيّن حجته و يعرّف الخلق اسرار حكمته كما قال عزوجل و ماكان اللّه ليضل قوماً بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و قال عزوجل و علي

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 151 *»

 اللّه قصد السبيل و قال عزوجل لاتحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه و قرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه فلذلك بعث سبحانه رسلاً و حججاً مبشرين و منذرين و اختار لنفسه خلفاء راشدين و هداة مهتدين اذ تلقي الفيض و الامر و النهي منه سبحانه بلاواسطة ممتنع علي اليقين و ذلك لئلايكون للناس علي اللّه حجة و ليعرفوا موصولهم و مفصولهم و يكونوا علي بصيرة في امر معبودهم و كيفية التوجه اليه تعالي بصافي سريرتهم و خالص طويتهم ولكنه سبحانه حكم ايضاً علي نفسه حكماً حتماً ان لايجبر احداً و لايلجأه الي التكليف و الايمان ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة كما قال عزوجل لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فهذان الاصلان لايتخلفان و لايختلفان ابداً.

فاذا بعث اللّه سبحانه الداعي بالحق الي الحق علي الامم فرعيته لايخلون عن حالات ثلثة احديها انهم يطيعونه اجمعين بصافي طويتهم و خالص سريرتهم و لايخالفونه ابداً و الثانية انهم يعصونه و يخالفونه اجمعين و لايطيعونه ابداً في حال من الاحوال و الثالثة ان بعضهم يطيعونه و الاخرون يعصونه و يخالفونه و هذا القسم علي قسمين اما ان‏يكون المطيعون اغلب و اكثر ام العاصون و المطيعون ايضاً علي قسمين اما انهم يطيعونه في كل ما امر و نهي ام لا بل يطيعونه في البعض و يعصونه في البعض الاخر و المعصية لاتخلوا عن حالتين اما ان‏تكون لغلبة شهوة النفس لا لانه يراها حسنة و اما ان‏تكون للعناد و الجحود و مشاهدة كونها حسنة فهذه حالات كل واحدة منها تكون منشأ تأسيس حكم وجودي و تشريعي.

اما في الحالة الاولي فيجب علي الداعي الخليفة من اللّه سبحانه ان‏يظهر لرعيته و يبين لهم احكام شريعته الواقعية الاولية التي اختار اللّه سبحانه لبريته بمقتضي كينونتهم الصافية المقتضية للعبودية المحضة فيوردهم الي محض الحق و صريح الحكم بغير اختلاف و لا تعدد و لا تناقض و لا تشابه و لا تغير و لا نسخ و لا نفي و لا اثبات و يربي الرعايا و يبلغهم الي غاية الكمالات و منتهي الدرجات من تصفية بواطنهم و تعليمهم العلوم الالهية الغيبية الحقيقية من معرفة

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 152 *»

سرّ الخليقة و باطن الحقيقة و بواطن مقامات التوحيد و مراتب التفريد و التجريد.

اما في الحالة الثانية فيجب ان‏يهلكهم اللّه سبحانه و يبطل النظام لانه لابد للامام7 ان‏يكون له شيعة يقول بقوله و يعمل بعمله ليكون ذلك موضع نظره و توجهه الي العالم و لماكان ذلك لايقوم لكونه مدنياً بالطبع الاّ بساير الخلق من السموات و الارض و الجبال و البحار و ساير اصناف الكائنات من الاشخاص و الافراد و الانواع و الاجناس فلذلك الواحد المؤمن يقيم اللّه سبحانه الوجود و ينزل المطر من السماء و ينبت النبات و يدير الافلاك فاذا لم‏يكن احد يتبع الامام7 فيعود الي مركزه و يعبد ربه و يعرض عن غيره فيفسد الحركات و يبطل السموات كما ان القلب المعنوي اذا اعرض عن هذا البدن الجسمي الحسي يبطل و يفسد فيموت و لايعرض عن البدن الاّ اذا فسد البدن و ليس له محلاً للظهور و الامام7 قلب العالم كما دلّ عليه العقل و النقل و لذا لمااراد اللّه سبحانه خراب هذه الدنيا و اتيان يوم القيمة يأمر محمداً و آله6 ان‏يرفعوا الي السماء و يقطعوا التفاتهم و نظرهم عن اهل الارض و السماء فتنفطر السموات و تموت الكائنات.

اما في الحالة الثالثة ففي الحالة الاولي منها اي يكون المطيعون اكثر و اغلب من العاصين يجب علي الامام7 ان‏يظهر لرعيته المطيعين و لايعبؤ بالعاصين لكونهم شرذمة قليلين بل عليه ان‏يدعوهم الي الحق و يتمم حجته عليهم فان اطاعوا فهو المطلوب و الاّ طهّر وجه الارض عن لوث خبثهم ان كانوا كما قال تعالي حكاية عن نوح و لايلدوا الاّ فاجراً كفاراً و الاّ فان كان في اصلابهم النطف الطيبة الطاهرة فيدعهم اذلة صاغرين و يبين للمؤمنين الاحكام القطعية الواقعية الاولية علي القطع و اليقين و لايتركهم سدي مهملين كما يفعله الامام7 و عجل اللّه فرجه عند قيامه و اوان استيلاء سلطانه.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 153 *»

و اما في الحالة الثانية من الثالثة كما في هذا الزمان و الزمان المتقدم و المتأخر كما اخبر اللّه سبحانه عنهم و قال ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الاّ كالانعام بل هم اضل و قال عزوجل و لقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن و الانس لهم قلوب لايفقهون بها الاية و قال عزوجل و قليل من عبادي الشكور و قال و ماامن معه الاّ قليل و امثالها من الايات الواردة في ذمّ الكثرة و مدح القلة و هو المحسوس المشاهد فانا نجد اهل الحق المتمسكين به بالنسبة الي اهل الباطل المتمسكين به كالشعرة البيضاء في البقرة السوداء بل ربما اقل و قد قال مولينا الباقر7 الناس كلهم بهايم الا المؤمن و المؤمن قليل و المؤمن قليل و المؤمن قليل و في رواية اخري المؤمنة اعز من المؤمن و المؤمن اعز من الكبريت الاحمر و هل رأي احدكم الكبريت الاحمر فاذا كثر اهل الباطل و غلب عليه فلاشك انه يبذل كل جهده في ابطال الحق و اهله و اطفاء نور اللّه و محو كلمة اللّه فاذا ظهر الامام7 في مثل هذه الحالة لايخلو اما ان‏يظهر بالقوة و البطش الشديد و القهر و الغلبة او يظهر بالسكوت و الامهال و الاهمال ففي الصورة الاولي يلزم قبيحان احدهما الالجاء و الاكراه المنفيان في الدين بحكم العقل و النقل فان الامام اذا ظهر و قهر كل من يخالفه فلاشك ان المخالفين لايقدرون حينئذ علي المخالفة خوفاً علي انفسهم من القتل و الهلاك فيتبعون و قلوبهم كارهة فاذا بقي هؤلاء علي هذه الحالة الي ان‏يدركهم الاجل و يقطع بهم الامل فاين يسكنون في الاخرة هل في الجنة ام النار و الاول قبيح لان الجنة دار طيبة طاهرة مصفاة عن جميع الكدورات و الشبهات فلاتكون مسكناً للارجاس الانجاس المعاندين للّه و لرسوله و الثاني ايضاً كذلك لانه لم‏يظهر منهم شي‏ء يؤدي الي النار فيكون لهم حجة علي اللّه سبحانه و هو سبحانه لايعامل الخلق بعلمه و الاّ لماجاز بعث الرسل و انزال الكتب لانه تعالي عالم (ظ) بالمطيع و العاصي من غير التكليف الظاهري و هذا في الحكمة قبيح و الديانة به باطلة فاسدة

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 154 *»

و الثاني ان النطف قد اختلطت فصارت من النطف الخبيثة في اصلاب المؤمنين و من النطف الطيبة في اصلاب الكافرين و المنافقين كما قال عزوجل يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي و هذا ظاهر معلوم فاذا قتل الكفار باجمعهم فقد قطع الفيض عن تلك النطف الطيبة و الذوات الطاهرة فكانت لها حجة علي اللّه و اذا ابقي المؤمنون فقد يحصل منهم الكفار و يعود المحظور و اذا قتل المؤمن الذي في صلبه الكافر لم‏يجز و لاتزر وازرة وزر اخري.

و في الصورة الثانية اي ظهور الامام7 بالسكوت و الاهمال و المداراة لايخلو اما ان‏يكون بعده امام يقوم مقامه و يجري حكمه و امره ام لا بل الامر قدانتهي اليه و لاتقتضي الحكمة الالهية و المصالح الربانية وجود امام غيره فعلي الاول يجب ان‏يظهر بلا غلبة و قهر و يظهر الحق مهما يمكنه بالمداراة و اعلان كلمة الحق باي وجه يمكن بحيث لايلزم الالجاء الي ان‏يقتل روحي له الفداء و هنا تفصيل شريف في كيفية ظهور الائمة: واحداً بعد واحد الي ان قتلوا و سرّ قتل بعضهم بالسيف و بعضهم بالسمّ و قد اشرت الي شي‏ء من ذلك في رسالتنا اسرار الشهادة فمن اراد حقيقة الامر فليرجع هناك.

و علي الثاني كما في هذا الزمان فان الادلة القطعية من العقلية و النقلية قددلّت علي ان اولياء محمد6 يجب ان‏يكون اثني‏عشر لايزيدون علي ذلك و لاينقصون و هذا حكم قد كتب اللّه سبحانه بقلم الصنع و الاختراع و الابتداع علي الواح حقايق الكائنات و ذوات الموجودات قد ذكرنا الدليل علي ذلك فيما كتبنا من الدليل العقلي علي اثبات النبوة الخاصة المحمدية6 و الولاية الخاصة العلوية و الذرية الطيبة الطاهرة و امامنا صلي اللّه عليه و علي ابائه الطاهرين هو تمام الاثني‏عشر فبه يقوم الوجود و يعبد المعبود و يظهر الركوع و السجود فلو ظهر كما ظهر اباؤه الطاهرون سلام اللّه عليهم لقتل كما قتلوا اذ لايجوز ان‏يظهر بالغلبة و القهر لئلايلزم الالجاء و قطع الفيض فاذا ظهر بغير ذلك لهموا بقتله كما هموا و الاحاديث و التواريخ

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 155 *»

مشحونة بذلك فاذا منع عن نفسه القتل بان‏يرفع التأثير عن السيف و السمّ و ساير الالات و المعالجات التي بها يكون القتل لاختلف الناس فيه فهم بين قائل بانه رب كما قالوا في جده اميرالمؤمنين7 و ابائه الطاهرين مع عدم منعهم القتل عن انفسهم بل بمجرد الظهور و اظهار خوارق العادات فما ظنك فيه لو ظهر و منع عن نفسه القتل فيكون الخطب اعظم و الداعي اقوي و بين قائل بانه ساحر كما قالوا في جده و ابائه و بين قائل بامامته مع الكراهة اذ لم‏يقدر علي رده بكل حيلة و دفعه بكل وجه و بين متحير واقف لتشابه الامور و وقوع الاختلاف فكان بذلك سبب ضلال الخلق بعد ان اتي لهدايتهم.

فان قلت ان هذه الاختلافات قدوقعت في ابائه: فلم‏تمنعهم الظهور باشخاصهم الشريفة قلت لكنهم: لماقتلوا ارتفعت عنهم شبهة الربوبية اذ لو كانوا ارباباً لدفعوا عن انفسهم القتل و رضوا لانفسهم البقاء فعلم بذلك ان تلك الافعال و خوارق العادات انما هي بامر قادر حكيم كان يجريها في ايديهم لا انهم يستقلون بذلك و الاّ لدفعوا عن انفسهم الموت و القتل و كذلك شبهة السحر بتكرر ظهور الائمة: و بياناتهم و اخلاقهم و عاداتهم يظهر بطلانها و مجمل القول ان كل واحد منهم صلي اللّه عليهم كان يظهر علي مقتضي كينونة ذلك الزمان و اشخاصه فاذا حصلت شبهة و واهمة في الخلق علي مقتضي ذلك الظهور فيرفعها الامام اللاحق7 مثلاً قام النبي6 بالسيف اذ لولا ذلك لماعلت كلمة الاسلام و لمابلغت النبوة الي جميع الانام و لكن كان في قيامه6 بالسيف و القهر و الغلبة توهم الالجاء و غيره مع انه7 سنّ الجزية و قبل الفدية رفعاً لهذه الواهمة و لكنها ماارتفعت امر وصيه اميرالمؤمنين7 بالسكوت و عدم القيام لتخرج ضغاين الصدور فلو كان النبي6 مستمراً ماظهرت خباثة الامة و كانوا موسومين بالامة المرحومة و لو كان اميرالمؤمنين7 يعمل كعمله8 عاد المحذور الاول فسكت فاصلح

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 156 *»

بسكوته تلك الثلمة التي وقعت بحربه6.

ثم لمارأي7 ان الناس بطول المدة انكبوا علي النفاق و استحكمت علائق الشقاق و الدين كاد ان‏يندرس و الاسلام انَ ان‏ينطمس قام بالامر و السيف فقتل الناكثين و القاسطين و المارقين فصار في رعيته ما صار في امة ابن عمه8 فلو كان7 دائماً مستمراً علي تلك الحالة كانت رعيته في الباطن كفاراً و في الظاهر مسلمين كما قال الصادق7 ان عسكر اميرالمؤمنين7 كان يوم صفين خمسين الفاً و لم‏يكن فيهم خمسون يعرفون حقه و حق امامته هـ . فبعد ما قتل7 امر وصيه و ولده الحسن7 بالكفّ عن القتال فخرجت ضغاين الصدور و اظهر ما كان مكنوناً في مستجنات الضمير ثم بصلح الحسن7 دخلت الشبهة شبهة حقية المخالفين في قلوب المخالف و المؤالف و لم‏يبق مؤمن الا و قد شك امر7 وصيه و اخاه الحسين7 بالقتال و توطين النفس للشهادة فلو ان الحسن7 كان باقياً علي الدوام و لم‏يكن بعده الا قيام القيامة لم‏تزل الخلق علي تلك الحالة فلم‏يتبين للناس الغي من الهدي و البصيرة من العمي و ذلك خلاف ما اجري اللّه سبحانه عادته عليه من اعلان امره و ابلاغ حجته و اعلاء كلمته فقام الحسين7 فقتل و ظهرت العلامات و برزت الايات و تبين للخلق انهم الحق و اهله و ان اعداءهم الباطل و اهله و تبين لهم عذر الحسن7 للصلح فتنورت القلوب المطيعة و شرحت الصدور المنيرة و عرفوا حقية آل‏محمد: فجحدها الاكثرون و ثبت عليها الاقلون.

و لكن من جهة غلبة سلطان الظلم و الجور لم‏يعرف الخلق عبادة ربهم و الخضوع بين يديه و امتثال اوامره و اول ما يجب للخلق كمال الخضوع و الانقياد و الاعتراف بالذنب و المداومة علي العمل و لماكان اظهار هذا المعني بطريق الامر و البيان الواضح لم‏يمكن لاستيلاء الظلمة الفسقة امر وصيه و ولده علي بن الحسين8 باظهار العبادة و الخضوع و الخشوع و المناجاة و التوجه و الانقياد و البكاء من جهة خوفه تعالي و محبته و الشوق اليه

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 157 *»

و الي لقاء حضرته فعلّم7 الناس بذلك حقيقة العبودية و التوجه لدي جناب الربوبية. و لماكان محض الخضوع و الخشوع لايكفي بل لابد من العمل و الطاعة علي وفق محبة اللّه سبحانه ظهر الصادقان8 بذلك فاظهرا للخلق طريقة العبادة و الطاعة و كيفيات الاعمال من الفرايض و المستحبات فلماانتشر نورهما و علت كلمتهما و ثبت علومهما امر مولينا الكاظم7بالكفّ عن الكلام و تحمل محنة السجن لتبين الذين انتفعوا بعلمهما عن غيرهم فتفرقت الناووسية و الفطحية و الاسماعيلية و الخطابية و غيرهم و كذلك اندرست الاصول التي كتبوها في عصر الباقر و الصادق8 لمصالح عظيمة لايسعني الان بيان شرذمة منها.

ثم من جهة اختفاء سيدنا الكاظم7 اجتمعت عنده اموال كثيرة و لم‏يتمكن من انفاقها علي شيعته فجعلها في يد اناس ليظهر منهم ما لم‏يظهر منهم لو لم‏تكن تلك الاموال في ايديهم كعلي بن ابي‏حمزة البطائني و عثمان بن عيسي الرواسي و امثالهما من الكلاب الممطورة امر وصيه و ولده علي بن موسي8 ان‏يطالب منهم تلك الاموال حتي يظهر باطنهم و يعلم خبث سريرتهم.

الحاصل كلّ واحد من الامام اللاحق يصلح و يزيل ما كان يحدث في الرعية باعتبار ظهور الامام السابق علي الوجه الاكمل المقتضي للظهور في ذلك الزمان الي ان انتهي الامر الي امام زماننا روحي له الفداء و عجل اللّه فرجه و ليس بعده امام حتي يزيل الشبهات التي حصلت من جهة ظهوره و لايرتفع تلك الواهمة و الشبهة الا برفع العلة و كل هذه الاختلافات انما حصلت لاجل منع الامام7 القتل و الموت عن نفسه الشريفة فلاتزول الا برفع المنع و هو يستلزم القتل و الموت و ليس بعده من يقوم مقامه فيختلّ النظام و يفسد العالم و يهلك الخلق قبل النضج و الاعتدال و يمنع الفيض عن النفوس الكاملة المستعدة للكمال و لاتقوم الحجة علي الناقصين اذا قالوا و احتجوا لو كنا في الدنيا و لنا امام يهدينا لكنا نعبد اللّه و نوحده فلم‏يبق الا ان‏يقتل7 او يخفي نفسه الشريفة عنهم و لاشك ان بقتله تبطل السموات و الارض و تندكّ الجبال و تغور

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 158 *»

المياه و بحياته و خفائه7 تبقي الدنيا و يبقي الخلايق و يعتدل نضج كينونتهم الي ان‏تثمر اما ثمرة طيبة او حنظلة مُرة فهنالك يقوم فيعطي كل ذي حق حقه و يسوق الي كل مخلوق رزقه فافهم و هذا هو سرّ الغيبة و الحكمة فيها.

و وجه اخر نقول ان الاصل الثانوي قد اقتضي غيبة جميع اهل الحق خصوصاً آل محمد: و ذلك لامور استحكمت في العالم الاول عالم الذر لان اللّه سبحانه جعل للحق دولة و للباطل دولة في الدنيا و لماكان الباطل مجتثاً زائلاً و الحق اصيلاً ثابتاً قدّم دولة الباطل و اهله علي الحق و اهله فقال تعالي الحمدللّه الذي خلق السموات و الارض و جعل الظلمات و النور فتقدمت الظلمة علي النور و الليل علي النهار و النطفة و العلقة و المضغة علي الصورة الانسانية و حالة الصبي علي البلوغ و هكذا في المراتب كلها فاذا كانت هذه الايام و الازمان لدولة الظالمين فلابد لاهل الحق من الخفاء و الاختفاء و الغيبة ولكن اللّه سبحانه لماابي الا ان‏يقيم الحجة علي الخلق من المؤمن و الكافر يظهر اهل الحق بقدر الضرورة اللازمة التي يبقي بها اسم الاسلام و الايمان علي الوجه الظاهر المعروف المتعارف اتماماً للحجة علي الكافرين و اكمالاً للنعمة علي المؤمنين فاذا حصل هذا المدعا اخفاهم اللّه عن اعين الظالمين مادام دولة الفاسقين تنزيهاً لهم عن ملاقاة تلك الفسقة و معاشرة اولئك الظلمة كما قال الشاعر:

للّه تحت قباب العرش طائفة   اخفاهم عن عيون الناس اجلالاً

فغيبة الامام7 لاتحتاج الي دليل و انما المحتاج الي الدليل ظهور باقي الائمة: و قد اشرت الي شي‏ء من ذلك فراجع تفهم و قد سألني بعض الناس عن الدليل علي حياة الامام7 و بقائه فان البدن العنصري لايتحمل هذا الدوام عادة قلت له انا لانحتاج الي الدليل علي بقاء القائم7 و حياته فان الامام7 خلق من مادة الحيوة و عين الحيوان و ليس عنده ما يقتضي التفكيك و التفريق من الاعراض و الغرايب

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 159 *»

مثل اجسام المؤمنين في الجنة فبدن الامام7 في هذه الدنيا مثل ابدان الخلق في الجنة بل العكس فلايحتاج حياته7 الي اقامة الدليل اذا انت لابد لك من السؤال عن الدليل فاسأل عن موت ساير الائمة: كيف ماتوا مع انه ليس عندهم ما يقتضي الموت فسكت و اذعن لماسمع الحق و كذلك امر الغيبة و هنا وجوه اخر من دليل الحكمة و سرّ الخليقة في علة الغيبة طويت ذكرها خوفاً من التطويل و صوناً لها عن اصحاب القال و القيل.

و اما ما ذكرت من ان في ظهوره7 رفع الفساد و قطعية الاحكام فغلط باطل لان في ظهوره7 في هذه الصورة اي غلبة المخالفين العاصين علي المطيعين المؤمنين عين الفساد لاستلزامه قتله المستلزم لفساد العالم و خرابه و دثوره او لوقوع الخلق في شبهة الربوبية و السحر و وقوعهم في الالجاء و لم‏يكن لها رافع الاّ ازالة العلة التي صارت سبباً لها و هي منع القتل عن نفسه و رفعه لايكون الاّ بالتمكين من قتله و فيه الفساد الاعظم الاكبر و رفع الفساد انما يكون اذا كان مطاعاً نافذ الحكم و هو خلاف المفروض بل الفساد المترتب علي وجوده و ظهوره من تهجم المخالفين عليه لقتله و قتل شيعته و انصاره و اعوانه اعظم مما اذا كان غايباً فانهم حينئذ لايلتفتون الي الشيعة و الضعفة كما قال الحسين7 لاصحابه ليلة عاشورا ان القوم ما يريدون غيري و انتم في حلّ من بيعتي فتفرقوا فانهم اذا اصبحوا و وجدوني لايلتفتون اليكم و لايتعاقبونكم و هو كما قال روحي له الفداء و نجده عياناً فان المخالفين انما يخافون من استيلاء الرئيس و اخذ الرياسة عنهم فاذا اختفي الرئيس و هم امنون من خروجه عليهم فلايتعرضون و لايلتفتون الي التبعة و اما الفساد الواقع في الدين و في الشريعة التي بيد شيعته7 فاذا اراد ان‏يزيله و يدفعه و رأي الصلاح في ذلك ازاله و دفعه و لايمنعه الغيبة عن ذلك لانه اذا غاب عن الخلق فالخلق غير غائبين عنه كما قال7 في توقيعه للمفيد; انا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لاصطلمتكم اللأوا و احاطت بكم الاعداء الحديث فهو7 المانع

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 160 *»

لرعيته و شيعته التابعين له ما رأي صلاحهم في ذلك من المضار و المفاسد بل لايوقعهم الاّ فيما يصلحهم.

و اما قطعية الاحكام و ظنيتها فلاتتعلق بظهوره7 و غيبته فانه اذا اراد ان‏يوصل الرعية الي مقام القطع و اليقين اوصله و لاتضره الغيبة بل مبني امر القطع و الظن سرّ اخر نذكره ان‏شاء اللّه في المسألة الرابعة فمن طلب الحق و الصدق بخلوص النية و صافي الطوية و حسن السريرة اوصله اليه و ان لم‏ير شخصه و من لم‏يكن صادقاً في الطلب او طالباً للحق لاينفعه و ان شاهده7و خاطبه مشافهة و في الدعاء ما ضرّني غيبتي و لا نفعهم حضورهم قال7 ما من عبد احبنا و زاد في حبنا و اخلص في معرفتنا و سئل مسألة الا و نفثنا في روعه جواباً لتلك المسألة و قال اللّه سبحانه و تعالي الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.

الحاصل ان الامام7 ناظر عليك و شاهد و انت بمرأي منه و مسمع فما وجدك اهلاً له اعطاك من الاحكام الوجودية و التشريعية و ما هو علي الغيب بضنين و رؤيتك ليست شرطاً في تدبيره لك كما ان اللّه سبحانه يدبرك و يفيض عليك من خزائنه من جوده و كرمه و انت لاتراه و الملائكة يدبرونك بامر اللّه و حكمه و مشيته و انت لاتراهم و الجن يتصرف فيك ما تشاء و انت لاتراهم و الامام7 وجه اللّه و بابه و عينه و جنبه و الملائكة خدامه و الجن في حيطة تصرفه و تملكه يعطي ما يشاء بما يشاء و يمنع ما يشاء بما يشاء كما يشاء لمن يشاء واللّه سبحانه ملّكه خزائن رحمته و اعطاه مقاليد حكمته فخيّره بالمنّ و العطاء فقال سبحانه و تعالي هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب ثم امر الخلق بان‏يقبلوا منه ما يعطيهم و لايعترضوا عليه فقال عز من قائل ما اتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا فمن طلبه وجده و من اعرض عنه لم‏يخرج عن حيطة تصرفه و حكمه.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 161 *»

قال المسألة الرابعة: ما الحكمة في انسداد باب العلم مع ان وجوب اللطف علي الحكيم الفياض يقتضي انفتاحه لتكون العباد عملهم علي القطع و اليقين لا علي الظن و التخمين.

اقول: اعلم ان اللّه سبحانه و تعالي خلق الخلق في العالم الاول بعد ما عرض عليهم التكليف بالاقرار له بالربوبية و لمحمد و آله6 بالطاعة خلقهم علي هيكلين هيكل التوحيد و هو هيئة الايمان و الطاعة و التقوي و الخير و النور و الجامع لها الصورة الانسانية طينة عليين و ذلك بمقتضي اقرارهم و اجابتهم بالاخلاص و الخضوع و هيكل النفاق و الشرك و هو هيئة الكفر و المعصية و اضداد ما ذكر و ما لم‏يذكر و الجامع لها الصورة الشيطانية الابليسية ثم جعل للطائفة الاولي اعمالاً و احكاماً يترقون بها الي المقامات العالية و الدرجات المتعالية و يصلون بها غاية ما خلقوا لاجله و جعل للطائفة الثانية اضداد ما للاولي بحقيقة ما هم اهله و هذه الاحكام هي الاحكام الواقعية الاولية التي لاتتغير و لاتتبدل لانها علي مقتضي الكينونة و المساوقة للخليقة فلاتفارق مادامت الذات موجودة.

ثم بعد ما قضي اللّه سبحانه نزول الخلق الي هذه الدنيا فانزلهم اليها حصل بين الطائفتين قران و اقتران و مزج و امتزاج و خلط و اختلاط فحصل لصاحب هيكل التوحيد الذاتي الذي به يوحد اللّه تعالي و يحب الخير و اهله و يبغض الشر و الباطل و اهله هيكل النفاق العرضي الذي به يعصي اللّه سبحانه و يتجرأ عليه و يخالفه و يميل الي الباطل و يوافقه الاّ المعصومون الباقون علي الهيكل الاول و لم‏يتلوثوا بالهيكل الثاني العرضي و حصل لصاحب هيكل الكفر الذاتي الذي به يعاند اللّه سبحانه و يشرك معه غيره و يبغض الخير و اهله و يكره الحق و اهله و يحب الفساد و الباطل و الشر و اهله هيكل التوحيد العرضي الذي به يفعل بعض افعال الخير كصلة الرحم و الرحم علي الفقراء و المساكين الاّ المنافقون الذين مااطاعوا اللّه طرفة عين و هم ليس عندهم الهيكل الثاني العرضي فبعد هذا المزج و الاختلاط لم‏يمكن اجراء تلك الاحكام الصرفة لان الموضوعات التي هي مواقع الاحكام ما بقيت علي

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 162 *»

صرافتها و اختلطت بغير جنسها و سنخها و قد قال سبحانه و تعالي ان اللّه لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و لماكانت تلك الهياكل العرضية غير ثابتة لعرضيتها و دوام تجددها و عدم استقرارها و استمرارها فتختلف احكامها و اعمالها.

فثبت لك ان الاحكام علي قسمين احكام اولية واقعية لكل شي‏ء عند اللّه سبحانه علي طبق الكينونات الحقة الاولية و احكام ثانوية واقعية علي طبق الكينونات الثانوية فمادام حكم الخلط و اللطخ و المزج باقياً كانت الاحكام مختلفة و لم‏يتعين العمل بالاحكام الاولية في الكل الا في بعض المواضع عند ضعف العرضيات في المواد المخصوصة الا انه يجب حفظ تلك الاحكام في الفرقة الناجية اي يكون واحد منهم يقول به و يعمل عليه لئلايبطل النظام و يدور الفلك علي الدوام و ان كان ذلك القائل نادراً شاذاً غير معروف و لا مشهور قال النبي6 لاتزال طائفة من امتي علي الحق حتي تقوم الساعة و لايلزم ظهور تلك الاحكام في واحد بل يكفي في الكل.

فاذا فهمت هذا القدر من الكلام فاعلم ان الذي يقول بان باب العلم مسدود ما الذي اراد بالعلم فان كان مراده سدّ باب العلم بالاحكام الواقعية الاولية فهو صحيح و لكن زمان انسداده كان الوقت الذي خرج ابونا آدم7من الجنة و قتل قابيل هابيل و تلك الباب ماانفتحت ابداً الي زماننا و لذا تري نسخ الشرايع و محوها و الاحكام المتبدلة المتغيرة في كل شريعة مع ان الحكم الاولي الواقعي لايتغير و لايتبدل و لايزيد و لاينقص و لايطرأ عليه حكم النسخ فاذا اخبر نبي من الانبياء امته بحكم من الاحكام كانت الامة يقطعون و يجزمون ان هذا هو حكم اللّه في حقهم و لكنهم ما كانوا قاطعين بانه هو الحكم الذي لايتغير و لايتبدل و لايختلف لجواز ناسخ و ماحٍ له نعم قد يحصل لهم الظن بذلك و قد لايحصل لهم ذلك ايضاً و ماكانوا متعبدين الا بما يأتيهم من الحكم الخاص بهم و ان كان مختلفاً لان الموضوعات مشوبة بالمزج و هي دائمة التغير فالاحكام تابعة لها في ذلك كالمصلي حال الصحة يصلي قائماً و في حال المرض جالساً و مضطجعاً و ايماءً و الحاضر يصلي اربعاً و المسافر

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 163 *»

اثنين و هكذا و بالجملة العلم بتعين الحكم الواقعي الالهي في غير الضروريات لايتيسر لكل احد و ذلك باب مسدود لايفتحها الاّ القائم المنتظر عجل اللّه فرجه لانه روحي له الفداء لايخرج الاّ بعد ان‏تصفوا الهياكل عن شوب المزج و الخلط و اللطخ فيجري عليه الحكم الواقعي الاولي و اما قبل ظهوره فلا و كذلك نبينا6 قد اتي و ظهر بالاحكام الثانوية و جعل الاحكام الاولية عند خلفائه و نوابه يظهرون منها ما يشاءون و يخفون منها ما يشاءون حسب ما يعلّمهم النبي6 بتعليم اللّه سبحانه.

و ان اراد بالعلم المسدود بابه العلم بالاحكام الواقعية الثانوية المختلفة المعبر عنها بالاحكام الظاهرية فهو باطل فاسد فان اللّه سبحانه و تعالي اجل و اعظم من ان‏يخلق الخلق لغايات عظيمة و كلّفهم للبلوغ الي تلك الغايات و الوصول الي تلك السعادات و يجعل لهم حججاً بالغة و حكاماً قوية ثم يخفي عليهم تكاليفهم و اعمالهم و يبهم عليهم امور دينهم و دنياهم و لايبين لهم ما يتقون و يجعلهم سدي عمياناً في عمائهم يترددون و يجعل لهم ادلة ظنية ما يعلمون ان هذا هل هو الدين ام لا و هل هذا هو المنجي في المعاد ام لا فاين اذن حجته البالغة و اين حكمته العامة الشاملة و اين رحمته الواسعة و المكتوبة ما هكذا ربنا و لا هكذا حججنا و خلفاؤنا و هو سبحانه يقول و علي اللّه قصد السبيل. ان علينا جمعه و قرءانه فاذا قرأناه فاتبع قرءانه ثم ان علينا بيانه و لماكان الخلق جهالاً ناقصين لايعرفون ما ينفعهم عما يضرهم و ما يصلحهم عما يفسدهم عند الخلط و المزج جعل اللّه سبحانه لهم اطباء ماهرين شاهدين عليهم يوردونهم ما هو صلاح معاشهم و معادهم و لماكانت الطبايع مختلفة و الغرايز متفاوتة و حكم اللطخ ليس علي نهج واحد فيجعلون الاختلاف في الاحكام نظراً الي ما هو الاصلح للنظام كما قال مولينا الصادق7 راعيكم الذي استرعاه اللّه امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء جمع بينها لتسلم و ان شاء فرق بينها لتسلم و لذا تريهم: في مسألة واحدة يجيبون باجوبة مختلفة لاشخاص مختلفة بل لشخص واحد ايضاً كما في الحديث المشهور سؤال علي

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 164 *»

بن يقطين عن مولينا الكاظم7 عن الوضوء فاجابه بالامر علي ما تصنعه العامة ثم بعد ذلك نهاه عن ذلك و امره بان‏يتوضأ كما هو المعروف عند الشيعة و القصة مشهورة و كل ذلك نظراً الي ما هو الصلاح لاختلاف الاوضاع و الموضوعات و هذا الذي ذكرنا لا اشكال فيه و لا احد يخالفه عند حضور الامام7 و انما الاشكال في غيبته7 اما مطلقاً كما هو في هذا الزمان او عن الذين لم‏يحضروا كزمان ائمتنا سلام اللّه عليهم بالنسبة الي اقصي بلاد الصين و الفرنج و امثالهما.

فنقول قد دلت الادلة العقلية و النقلية كما ذكرناها مشروحة في الجزء الثاني من شرح الخطبة الطتنجية ان الامام7 هو وجه اللّه الذي لا تعطيل له في كل مكان و هو عين اللّه الناظرة و كل الخلق مما دخل عالم الكون و الوجود عنده7 كالدرهم بين يدي احدكم لانهم الاشهاد و الاعضاد و الحفظة و الروّاد و بهم ملأ اللّه السموات و الارض حتي ظهر ان لا اله الاّ اللّه فالعالم الفقيه المستوضح اذا كان صادقاً في محبتهم اي عادلاً طالباً لرضاء اللّه سبحانه معرضاً عن هواه اذا نظر في احاديثهم اي الاحاديث المنسوبة اليهم:فلاشك انهم: يرونه و يعرفون مراده فان كان ما نسب اليهم ليس منهم فوجب عليهم ان‏يردوه و يردعوه لانه من رعيتهم و عليهم رعايته و حمايته و الحماية و الرعاية لاتستلزم المشاهدة و الرؤية و هم: قادرون علي ذلك بانحاء كثيرة باظهار حديث اخر او آية من القرآن او اجماع او شهرة او دليل عقل معارض لذلك مؤيد باخبار اخر او الهام في القلب او ضرب مثال او بيان حال او تلويح او اشارة او عموم او خصوص او غير ذلك من الانحاء و الامور التي يجدها الفقيه اذا راجع في الفقه عند الاستنباط و قد دلت الاخبار المتكثرة المتظافرة المتواردة ان الارض لاتخلو من حجة كيما ان زاد المؤمنون ردهم و ان نقصوا اتمه لهم و لاريب ان الجمع المحلي باللام يفيد العموم الافرادي لا الجمعي كما اذا قلت اكرم العلماء فان المراد به كل فرد فرد لا مجموع العلماء.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 165 *»

فاذا ثبت هذا بالتلويح و الاشارة فالمستوضح المستنبط حين طلب الحق منهم و وجد خبراً و حديثاً منهم: فلايخلو ان ذلك الحديث منهم ام لا بل موضوع عليهم و علي الاول هل هو من الحكم المراد من رعيتهم و شيعتهم ام جري ذلك منهم: مجري التقية و علي كل التقادير فالمناسب الموافق لمصلحة العالم الناظر و جميع من يأخذ منه هل هو ذلك ام لا اذ قديكون ذلك الخبر منهم و من احكامهم و لكن الناظر ليست مصلحته العمل بذلك الحكم لماقلنا من سرّ الخلط و اللطخ في ذلك الوقت و قدتكون المصلحة لغيره ان‏يعمل عليه و قدتكون المصلحة له لكن في غير ذلك الوقت كنسبة الطبيب مع المرضي و تبدل معالجاته و تغيرها و اختلافها بحسب تبدل مزاج المرضي و تغيره كما هو المعروف المشاهد و قد قال مولينا الرضا7قد علم اولواالالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الاّ بما هيهنا فالامراض الجسمانية دليل الامراض الروحانية و المعالجات دليل تلك المعالجات و الاطباء دليل اولئك الاطباء حرفاً بحرف فاذا كان كذلك فاذ لم‏يكن ذلك الخبر مناسباً لحال ذلك الفقيه يظهرون له القراين الحالية و المقالية و المرجحات علي ترك العمل بذلك الخبر و الاعراض عنه فيردعونه عن ذلك الحكم.

و ان كان هو المراد منه علي ما يفهم يسكتون عنه فسكوتهم دليل علي تقريرهم اذ لايتصور جهلهم: بذلك الفقيه و ذلك النظر و الفهم و ذلك الحديث لما اقمنا عليه من البراهين القطعية من العقلية و النقلية و لايتصور القول بعدم اقتدارهم علي المنع و الردع اذ لاشك انهم: اقدر من الملئكة و كل الخلق في اصلاح رعاياهم و هم لايشعرون باحداث القراين من اظهار كتاب او اصل او قول قائل او الهام او غير ذلك مما اشرنا الي شي‏ء من ذلك و لايتصور ايضاً اغراؤهم: رعاياهم و ضعفاء شيعتهم علي الباطل لانهم اتوا لهداية الخلق لا لاضلالهم اين اذن قوله7 انا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لاصطلمتكم اللأوا و احاطت بكم الاعداء فلم‏يبق الاّ القول بانهم:

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 166 *»

اقروه علي ذلك و هو التقرير الذي اجمع العلماء علي حجيته و ليس للتقرير معني غير ذلك و لا احد شرط في التقرير كون المقرَّر له مشاهداً للمقرِّر و لا فرق بين مجلس الامام و اقصي بلاد الفرنج لان العالم كله بيت له7 و جميع الوجود مجلسه القريب و البعيد عنده علي حدّ سواء انظر الي الشمس فانها في السماء الرابعة و تشرق علي الارض و السماء فاذا قربت اليها جسماً كثيفاً اشرقت عليه و اذا بعدت عنها في الارض السابعة من غير حجاب اشرقت عليه و لايتفاوت للشمس علي الظاهر في القرب و البعد فافهم ضرب المثل فما لايجد الفقيه محيصاً عنه هو الحكم الواقعي الثانوي له قطعاً يقيناً و لايقطع علي انه هو الحكم الاولي قد يكون و قد لايكون فاين الظن بالحكم الظاهري و اين العلم بالحكم الواقعي الاولي.

و تخصيص المجتهد بالاستيضاح مع اشتراك المكلفين كلهم في ذلك لاجل انهم يحكون المثال و صالحون لان يكونوا السنة للامام7 بخلاف غيرهم و ان كان نورهم يشرق علي الكل علي حد سواء مثال ذلك الشمس فانها تشرق علي جميع الاجسام الكثيفة باشراق واحد الا ان المرايا و البلور و ساير الاجسام الصيقلية تحكي مثال الشمس بخلاف الاحجار الغاسقة و الاجسام الكدرة و هذا بعينه مثال المجتهد العالم مع المقلد الجاهل فافهم فاذا سمعت الفقهاء يقولون نحن نعمل بالظن فيريدون به الظن بالحكم الاولي و اذا سمعتهم يقولون نحن نعمل بالعلم و القطع فمرادهم به العلم بالحكم الثانوي الظاهري فمن يقول غير ما ذكرنا فقد اخطأ الصواب. و قولهم ان بعد غيبة الامام7 انسدّ باب العلم فغلط واضح لماذكرنا و بيّنا و هنا تفاصيل عجيبة و مقامات غريبة لولا خوف التطويل لاجلت القلم في هذا الميدان الاّ ان فيما ذكرنا كفاية لمن له قلب او القي السمع و هو شهيد.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة الخامسة: ما التوفيق و الجمع بين قوله تعالي و ان ليس للانسان الاّ ما سعي و ان سعيه سوف يري و قوله تعالي لا رادّ لقضائه

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 167 *»

 و لا معقب لحكمه و الحديث النبوي6 اذا جاء القدر عمي البصر.

اقول: اعلم ان اللّه سبحانه حكم حكماً باتاً حتماً و قضي قضاء لازماً ان لايجبر العباد و ان‏يجريهم في كل شئوناتهم و احوالهم و ذواتهم و صفاتهم و افعالهم و اعمالهم علي مقتضي ميولاتهم و شهواتهم الذاتية و العرضية و اللازمة و المفارقة و يحفظ لهم اختياراتهم و شهواتهم و يرتب علي تلك الشهوات مقتضياتها من السعادة و الشقاوة و الخير و الشر و النعيم و الاليم و امثالها من الثمرات و النتايج و لولا ذلك لجبرهم و بذلك ظلمهم و ما ربك بظلام للعبيد فعلي ما ذكرنا تكون للّه مشيتين و ارادتين مشية حتم و هي ما ذكرنا من فعله المتعلق بايجاد الكينونات الوجودية و الشرعية علي مقتضي القوابل الناشئة من الاختيار و مشية عزم و محبة و هي محبته سبحانه الخير و النعيم لعباده و ان‏يفعلوا الطاعات ليستحقوا بها معالي الدرجات.

فربما شاء بمشية عزم و محبة فيأمر بالفعل لذلك و لايشاء بمشية حتم و هي الجارية في الاشياء علي مقتضياتها و ذلك اذا مال العبد باختياره الي خلاف ما يحب اللّه سبحانه محبة اولية لانه اذاً مال الي جهة المخالفة فاذا اراد اللّه سبحانه ان‏يمنعه و يصرفه الي ما يريد فعل و لكنه حينئذ مجبر فلايكون العبد حينئذ مختاراً فلا ثواب له و لا عقاب عليه بل العقاب اقرب اليه من الثواب كما قال اميرالمؤمنين7 لكان المحسن اولي بالاساءة من المسي‏ء و لكان المسي‏ء اولي بالاحسان من المحسن فاذا ثبت انه تعالي يحب ان‏يجري العبد علي اختياره و مال العبد الي مخالفة رضاه خلاّه و خذله و امدّه من جهة الخذلان لعدم استغناء الممكن عن المدد و هو قوله تعالي كلاً نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظوراً فحينئذ لاتقع الطاعة الموافقة لرضاه سبحانه فما شاء وقوع تلك الطاعة بمشية حتم و شاءه بمشية عزم و لو لم‏يشأ عدم وقوع الطاعة بان‏يمنع المدد من الوصول اليه لانعدم العبد او يجبره الي الطاعة لظلمه و هو قوله تعالي و لو شئنا لاتينا كل نفس هديها و لكن حقّ القول مني

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 168 *»

لاملأنّ جهنم من الجنة و الناس اجمعين و الي هذا المعني يشير قول الامام7 ان للّه مشيتين و ارادتين ارادة حتم و ارادة عزم يأمر و لم‏يشأ و ينهي و هو يشاء نهي آدم عن اكل الشجرة و شاء ان‏يأكلها و لو لم‏يشأ لماغلبت مشية آدم مشية اللّه و امر ابليس بالسجود لآدم و شاء الا يسجد و لو لم‏يشأ لماغلبت مشية ابليس مشية اللّه.

فاذا فهمت هذا تبين لك ان لا رادّ لقضائه و لا معقب لحكمه لانه سبحانه قضي و حكم ان لايعطي احداً شيئاً من الخير و الشر و النفع و الضر الاّ بقدر سعيه و ميله و شهوته و ان ليس للانسان الاّ ما سعي و ان سعيه سوف يري ثم يجزيه الجزاء الاوفي و لا رادّ لهذا الحكم و لا معقب لهذا القضاء لان ردّ هذا الحكم يستلزم الجبر المستلزم للظلم و هو سبحانه و تعالي اكرم من ذلك فلايرده و اما غيره سبحانه فلايقدر علي تغيير ما اصّل و اهدام ما شيّد و اسّس و اما الحديث النبوي6 فبيانه في قوله تعالي في الحديث القدسي ان من عبادي من لايصلحه الاّ الفقر فلو اغنيته لفسد عليه دينه و ان من عبادي من لايصلحه الاّ الغناء فلو افقرته لفسد عليه دينه و ان من عبادي من لايصلحه الاّ الصحة فلو امرضته لفسد عليه دينه و ان من عبادي من لايصلحه الاّ المرض فقدّر اللّه سبحانه عليه ذلك و هذا بعض معني الحديث.

فاذا كان العبد بسوء اختياره عمل اعمالاً لايصلحه الاّ المرض فقدّر اللّه سبحانه عليه ذلك بعمله فيحول سبحانه بينه و بين الادوية و العقاقير التي تنفعه و يعمي بصره عنها و يواقع الاشياء التي تضره كل ذلك بسعيه انظر اذا كان الرجل مريضاً فالطبيب ما يعطيه ما يشتهي و لو بذل المريض كل مجهوده الاّ اذا طاب و هكذا الحكم في الطبيب الحقيقي سبحانه و تعالي كل ذلك اصلاحاً للخلق و ايصالاً الي كل احد ما سعي و اراءته سعيه و الاّ فهو سبحانه و تعالي غني عن الخلق فكيف يمنع فيضه عن بعض دون بعض و يعطي بعضاً دون بعض و ذلك واضح ظاهر ان‏شاء اللّه تعالي و هو قوله7 لو كشف لكم الغطاء لما اخترتم الاّ الواقع و قال تعالي بل طبع اللّه عليها بكفرهم و قال تعالي يهديهم ربهم بايمانهم.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 169 *»

قال سلمه اللّه تعالي المسألة السادسة: في مصباح الشريعة عن الصادق7 تعلق القلب بالموجود شرك و بالمفقود كفر ما معناه.

اقول: مختصر الجواب عن معني هذا الحديث الشريف انه يجب ان‏يعتقد ان اللّه سبحانه و تعالي لاتدركه الحواس و الخواطر و الافهام و العقول و الاوهام كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم قال اميرالمؤمنين7 في الخطبة اليتيمية ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له و ان قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و عمي القلب عن الفهم و الفهم عن الادراك و الادراك عن الاستنباط و هجم له الفحص الي العجز و البلاغ علي الفقد و الجهد علي اليأس الطريق مسدود و الطلب مردود الحديث. فاذا كان كذلك فليس هو سبحانه بموجود عند الخلق و في مشاعرهم و حواسهم و لاتجده المشاعر و لاتحدّه فمن تعلق قلبه بشي‏ء موجود عنده مدرك في ذهنه و فهمه او شي‏ء من قواه و مشاعره و توهم ان ذلك هو المعبود جل و علا فقد اشرك لانه سبحانه لاتجده الحواس بالادراك و لايعرف بالقياس فقد جعل ما تعلق ادراكه عليه رباً معه سبحانه و هو الشرك فليس هو سبحانه بموجود عند الخلق و لكنه سبحانه ليس بمفقود ليكون معدوماً تعالي اللّه عن ذلك علواً كبيراً فاذا تعلق القلب بالمفقود المعدوم فهو كفر و زندقة فهو سبحانه ليس بمفقود و لكنه ليس بموجود حسب ماتدركه العقول و الافهام و الخواطر و الاحلام فهو الموجود و المفقود.

فانت حين التوجه توجه اليه سبحانه لا بنظر التحديد و التشخيص ليكون وجوده مقابلاً لفقدانه و فقدانه مقابلاً لوجوده و وجدانه فتتوجه اليه بالوجه الذي جعله فيك و هو نفسك بلا كيف كما تتوجه الي الكاتب عند النظر الي الكتابة و الي البنّاء حين النظر الي البناء و الي المقابل حين نظرك الي المراة و الي الشمس حين نظرك الي الشعاع و هو قوله7 مارأيت شيئاً الاّ و رأيت اللّه معه او قبله لان المؤثر اظهر من الاثر من نفس الاثر لانه انما تحقق بفاضل ظهوره و سنا اشراقات نوره

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 170 *»

في الدعاء لايري فيه نور الاّ نورك و لايسمع فيه صوت الاّ صوتك فهو في عين خفائه ظاهر و في عين ظهوره مخفي فهو الموجود بجهة مفقوديته و المعلوم بجهة مجهوليته و لايدري كيف هو الاّ هو سبحانه و تعالي سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين فلايوصف سبحانه بوجدان و لا فقدان و لا نفي و لا ايجاب و لا سلب و لا اثبات قال الشاعر بالفارسية و نعم ما قال و قد اجاد في المقال في هذا المنوال:

در هويت نيست نه نفي و نه اثبات و نه سلب  

 

  زانكه از اين‏ها همه آن بي‏گمان بالاستي

قال سلمه اللّه تعالي المسألة السابعة: ما الدنيا الملعونة المذمومة و ما الدنيا المحمودة.

اقول: اعلم ان اللّه سبحانه قد انزل الخلق من العالم الاعلي الي العالم الاسفل لتنفذ مشيته تعالي فيهم و في ايجادهم علي اكمل ما ينبغي و احسن ما يقتضيه النظام ثم لمااستوفوا حظّهم من هذا النزول و حصل المطلوب المقصود للنزول امرهم بالصعود الي مقامهم الاصلي و الرجوع الي مسكنهم الواقعي فصارت الخلايق خصوصاً الانسان الذي هو الاشرف يمرّ من منزل الي منزل و يصعد من مقام الي مقام الي مقام اعلي ليصلوا الي الاماكن الحقيقة التي قدّرها اللّه سبحانه لهم اما الي الجنة او النار فعالم التراب منزل و البخار منزل اخر و السحاب اخر و المطر و الارض و النبات و غذاء الاب و المعدة و الكيموس و العروق و النطفة و صلب الاب و رحم المرأة فالنطفة و العلقة و المضغة و العظام و اكتساء اللحم و انشاء الخلق الاخر و الجنين و بطن الام و هذا العالم اي الدنيا، كل هذه منازل.

و لماكان الشخص في غير العالم الجسماني الدنياوي كان فاقد الشعور و الادراك و التمييز لم‏يظهر ركونه و قصد مقامه في تلك المنازل بالشعور النفساني و ان كان بالشعور الجسداني و اما اذا جاء في هذه الدنيا و ادرك الرشد

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 171 *»

و التميز فان اتخذ هذا العالم منزلاً من منازله يريد قطعه و الانتقال اليه و هو نظره الي موطنه الحقيقي و مسكنه الواقعي و هو هنا مشغول بتحصيل الزاد لسفره و تعمير بيته و منزله و يسكن في الدنيا مسكن الراحل عنها القادم اليها للرحيل كما قال7 في الدعاء اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتي و عند الموت كربتي فدنيا هذا الشخص تسمي دنيا بلاغ لانها بلاغ الي الاخرة و دار رضاه سبحانه و هي التي هي مزرعة الاخرة و الموصلة اليها باحسن الوصول و لاينافي هذا النظر جمع المال من الحلال و لبس اللباس الفاخرة و الماكل الطيبة و بنيان القصور العالية اذا كانت كلها من الحلال ثم هو غير راكن اليها و لا قلبه متعلق بها كمن صادف في اثناء سفره و منازله بيتاً عالية يسكن فيها و يرتحل بعد يوم عنها و كذلك الاكل و اللباس في اثناء الطريق و يكون وجودها و عدمها علي السواء بمعني انها اذا وجدت حمد اللّه و شكره و صرفه فيما امره اللّه به و اذا فقدت حمد اللّه و شكره و لاينكسر قلبه و لاينزجر خاطره و لايتعلق قلبه بشي‏ء من ذلك و هو قوله تعالي لاتأسوا علي ما فاتكم و لاتفرحوا بما اتاكم و قول الصادق7 ليس الزهد ترك الحلال و لاتضييع المال بل هو ان لاتكون بما عندك اوثق منك بما عند اللّه و مجمل القول ان‏يسلك في الدنيا و جميع احوالها مسلك المسافر في المنازل قبل الوصول الي منزله الاصلي و مسكنه و هذا هو البيان الجامع الذي جمع جميع التفاصيل في هذا الباب.

و اما الذي ركن الي الدنيا و نظر اليها نظر من لايتوقع الرحيل عنها يلتذّ بلذائذها و يشكو و يتأذي عند شدائدها همّه الدنيا و همته ادراك شهواتها و الاغترار بزخرفها و زبرجها فدنيا هذا الشخص هي الدنيا الملعونة المذمومة قال تعالي انما الحيوة الدنيا لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الاموال و الاولاد الاية و هذا كمن جعل المنزل مسكناً و السفر موطناً و دليل هذا انه اذا اقبل عليه الدنيا فرح و استبشر و اذا ادبرت عنه ضاق صدره و تكدر فالذي عنده هذه الخصلة فهو اهل الدنيا الملعونة و لايلزم ان‏يكون صاحب اموال كثيرة و اسباب عظيمة بل و ان كان صاحب درهم واحد اذا ضاق صدره و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 172 *»

تغير حاله عند فقدانه و استبشر عند وجدانه و هو قوله تعالي و من الناس من يعبد اللّه علي حرف فان اصابه خير اطمأن به و ان اصابته فتنة انقلب علي وجهه خسر الدنيا و الاخرة ذلك هو الخسران المبين فعلي هذا قديكون الرجل فقيراً و هو من اهل الدنيا الملعونة و قد يكون غنياً ذا ثروة عظيمة و هو من اهل الدنيا المحمودة دنيا بلاغ و هو قوله تعالي و لئن‏شكرتم لازيدنكم و قوله تعالي اليس اللّه باعلم بالشاكرين فالاعتبار بالقصد و النية و العمل تابع.

فمن الناس من ترك الدنيا للدنيا و هو الذي خسر الدنيا و الاخرة و من الناس من طلب الدنيا للاخرة و هو قوله تعالي من كان يريد ثواب الدنيا فعند اللّه ثواب الدنيا و الاخرة و منهم من طلب الدنيا للدنيا و هو قوله تعالي من كان يريد الحيوة الدنيا و زينتها نوفّ اليهم اعمالهم و هم فيها لايبخسون اولئك الذين ليس لهم في الاخرة الاّ النار و حبط ما صنعوا فيها و باطل ما كانوا يعملون و قوله تعالي من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموماً مدحوراً و منهم من طلب الاخرة للدنيا و هو قوله تعالي و منهم من يلوون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب و ما هو من الكتاب و يقولون علي اللّه الكذب و هم يعلمون و هؤلاء كلهم هم الضالون المضلون.

فاعرف مقادير الناس و مقاصدهم و لايغرنّك اعراضهم عن شهوات الدنيا و زينتها و تتوهم انهم اهل الخير و لايمتعك ثروة الرجل و دولته و اساسه ان لاتظنّ([6]) به الميل الي الدنيا و تتوهم انه من اهل الباطل من اهل الدنيا فاعرفهم بالعلامة التي ذكرتها لكم عند اقبال الدنيا و ادبارها فصاحب الحالة في المقامين هو من اهل الخير و مختلف الحالة فيهما اي المسرور عند الاقبال و المحزون عند الادبار و هو من اهل الدنيا و اما العكس فهو للابدال المتقين نظراً الي ان زينة الدنيا لاهل الباطل و اليه ينظر قوله تعالي فيما اوحي الي عبده موسي علي نبينا و آله و عليه السلام يا موسي اذا اقبل عليك الفقر قل مرحباً بشعار الصالحين و اذا اقبل عليك الغنا فقل ذنب عجلت عقوبته و في الحديث كل ما يشغلك عن فعل مستحب

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 173 *»

فهو الدنيا انتهي اي يكون الشاغل محض شهوة النفس لا امر مستحب فافهم فقد جمعت لك بمختصر المقال جميع الاحوال و ليس الان موضع البسط و التفصيل فاكتفينا بالاجمال اللّهم اخرج حب الدنيا من قلبي بمحمد و آله.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة الثامنة: في قوله تعالي كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال اني بري‏ء منك اني اخاف اللّه رب العالمين كيف يكون الكفر العارضي المجتث اشد من الكفر الاصلي الذاتي.

اقول: اعلم ان حقيقة كل شي‏ء مركب من الوجود و المهية و لا حقيقة للشي‏ء من حيث هو سواهما و لايقوم الحادث الاّ بجزئين متضادين يؤلف منهما و لايمكن فرض بساطة حادث من الحوادث و الاّ لكان قديماً و الوجود جهة الميل الي الخير و النور و المهية جهة الميل الي الشر و القبيح فان مال احدهما الي مقتضاه مال الاخر بضد ذلك الاقتضاء فان غلب احدهما علي الاخر تبعه الاخر بالعرض فداعي الخير جزء ذات الشخص كداعي الشر فالكافر حين كفر كان كفره حين كفر ذاتياً لا عرضياً كالسرير فان ذاته مركب من الخشب و الهيئة فاذا كسر و صنع صنماً تغيرت تلك الهيئة فصارت ذاته الثانية مؤلفة من الخشب و الهيئة الصنمية فالسعادة و الشقاوة جزءان لمهية الشي‏ء في الخلق الثاني و اما الكفر العرضي فبان‏يكون الشخص في حد ذاته و خلقته في عالم الذر قد قبل النور و الهداية و الايمان ثم بعد ذلك لمااماته اللّه تعالي و رجعه الي طين الطبيعة صار له لطخ و خلط مع الكفار فاظهر الكفر لما فيه من ذلك اللطخ و الفساد فلماخلص عن تلك الغرائب و تصفي عن تلك الاعراض اظهر الايمان الاصلي و كذلك الحكم في الكفر و الايمان فالايمان قد يكون مستقراً و قد يكون مستودعاً كالكفر فالانسان في هذه الاية ان كان هو ابوجهل كما في بعض التفاسير في وقعة بدر هو الكفر الاصلي لانه لعنه اللّه مااظهر الايمان بوجه ابداً و ان كان هو ذلك الراهب المسمي ببرصيصا فكذلك ايضاً لكنه عنده الايمان

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 174 *»

العرضي المستودع فصار الشيطان سبباً لاظهار ما كان كما كان و ليس للشيطان تسلط علي اعظم من ذلك كما حكي اللّه سبحانه عنه و قال الشيطان لماقضي الامر ان اللّه وعدكم وعد الحق و وعدتكم فاخلفتكم و ما كان لي عليكم من سلطان الاّ ان دعوتكم فاستجبتم لي فلاتلوموني و لوموا انفسكم ما انا بمصرخكم و ما انتم بمصرخي اني كفرت بما اشركتمون من قبل الاية فليس الشيطان علة للكفر بل انما هو داع اليه فاجابه و لو شاء ان لايجيب لما فعل.

و اما قوله اني بري‏ء منك فهو الاشارة الي قوله تعالي اذ تبرء الذين اتبعوا من الذين اتبعوا و رأوا العذاب و تقطعت بهم الاسباب لان الداعين الي الباطل كانوا يوعدون التابعين بالنصر و الظفر في الدنيا و الاخرة فلمااتاهم ما يوعدون من العذاب و الهلاك طلب التابعون النجاة و النصر من المتبوعين تبرؤا منهم اذ لايقدرون علي حيلة و لايهتدون سبيلاً فتبرأ كل واحد منهم عن صاحبه و هو قوله تعالي الاخلاء يومئذ عدو الاّ المتقين لان الايتلاف و المحبة و الوفاء و النصر و الظفر انما يكون اذا كان الشخص متعلقاً بغصن الشجرة الطيبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء و هو قوله تعالي و اعتصموا بحبل اللّه جميعاً و لاتفرقوا و اما اذا كان متعلقاً بغصن الشجرة الخبيثة المجتثة من فوق الارض فلاتستقر فيقع المتشبث بها في الهلاك و الدثور فلا نجاة و لا ظفر بالمراد فيكون ذلك سبباً للعداوة و الشحناء و البغضاء فيتبرء كل منهم عن الاخر كلما دخلت امة لعنت اختها اما المتبوعون فهم و ان كانوا عالمين في اول الامر انهم لايقدرون علي شي‏ء فهم المتبرؤن في الباطن و لكنهم لماانقطعت حيلتهم اظهروا التبري و لكونهم فقد نالوا مرادهم من التابعين في اضلالهم و اغوائهم و ادخالهم النار و اما التابعون فلمايجدون مما حلّ بمتبوعيهم من الدثور و الهلاك و العذاب و ذلك واضح ظاهر.

و اما قوله اني اخاف اللّه رب العالمين فعلي ظاهره لان الخبيث وعد ذلك الراهب بان‏ينجيه من تلك المهلكة اذا سجد له فلماسجد له و كفر و حلّ ساحته العذاب و الهلاك فقال ما اقدر علي تخليصك و ما يمكنني مقاومة ما قدّر اللّه تعالي لك من العذاب و النكال في الدنيا و الاخرة

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 175 *»

فلو رمت لهلكت و اخاف من ذلك فلاانال بذلك حظّي من الخلود الدائم في الدنيا لاغواء عباد اللّه و خوفه من اللّه تعالي مما يحلّ به ما يقطعه عن الدنيا لا انه يخاف من نكال الاخرة و هو و ان كان يخاف لكنه اثر لذة الدنيا علي تلك البليات نعوذباللّه منها لعنه اللّه فما اصبره علي النار و كذلك الحكم و المعني لو كان المراد اباجهل الملعون فان مقصوده لعنه اللّه في الكل واحد و لايريد الاّ الدنيا.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة التاسعة: لو بطلت صلوة الطواف للجهل باحكامها و لم‏يتفطن حتي رجع الي محله و مكانه فهل يجب عليه الرجوع الي مكة و الصلوة خلف المقام او يقضي حيثما ذكر.

اقول: روي ان بابويه في الفقيه في الصحيح عن جميل بن دراج عن احدهما8 ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام ابراهيم7 بمنزلة الناسي هـ . و لا فرق بين ان‏يتركهما عمداً جاهلاً او يفسد جهلاً فان الفاسدة هي الجارية مجري المتروكة قطعاً و اما الناسي ففرضه الرجوع الي مكة و الصلوة عند المقام لان ذلك هو مقتضي الامتثال لقوله تعالي و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلي و الامر حقيقة في الوجوب و لما في صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما8 عن رجل طاف طواف الفريضة و لم‏يصل الركعتين حتي طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء و لم‏يصل الركعتين حتي ذكر و هو بالابطح فصلي اربعاً قال7 يرجع فيصلي عند المقام اربعاً و عن احمد بن عمر الحلال قال سألت ابالحسن7 عن رجل نسي ان‏يصلي ركعتي طواف الفريضة فلم‏يذكر حتي اتي الي مني قال يرجع الي مقام ابراهيم7 فيصليهما و عن ابن مسكان في حديث اخر ان كان جاوز ميقات اهل ارضه فليرجع و ليصلهما فان اللّه تعالي يقول و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلي و هذه الاخبار كما تري صريحة في المراد و موافقة لكتاب اللّه سبحانه فوجب اتباعها و القول علي مقتضاها. و اما اذا

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 176 *»

لم‏يتمكن و شق له الرجوع فليصلهما حيث يذكرهما يدل علي ذلك ما رواه ابوبصير قال سألت اباعبداللّه7 عن رجل نسي ان‏يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام و قد قال تعالي و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلي حتي ارتحل فقال7 ان كان ارتحل فاني لااشق عليه و لاامره ان‏يرجع و لكن يصلي حيث يذكره و عن معوية بن عمار قال قلت لابي عبداللّه7 رجل نسي الركعتين خلف مقام ابراهيم فلم‏يذكر حتي ارتحل من مكة قال7يصليهما حيث ذكر و ان ذكرهما و هو بالبلد فلايبرح حتي يقضيهما و عن هشام بن المثني قال نسيت ركعتي الطواف خلف مقام ابراهيم حتي انتهيت الي مني فرجعت الي مكة فصليتهما فذكرنا ذلك لابي‏عبد اللّه7 فقال افلاصلي حيث ما ذكر هـ . و هذه الاخبار كما تري صريحة الدلالة في عدم وجوب العود الي المقام و الصلوة فيه فيحمل علي ما اذا شق عليه و لم‏يتمكن من الرجوع كما يشير اليه قوله7 في الحديث المتقدم لااشق عليه و لاامره بالرجوع و ذلك ظاهر ان‏شاء اللّه تعالي.

قال في المدارك و شرط الشهيد; في الدروس في الصلوة في غير المقام تعذر العود اليه و اوجب العود الي الحرم عند تعذر العود الي المقام و جعل صلوتهما حيث شاء من البقاع انما هو مع تعذر العود الي الحرم و لم‏نقف علي مستنده. اقول الظاهر ان مستنده ان تعين الصلوة في المقام و وجوبهما قدثبت بنص الكتاب و السنة كما اشرنا اليه سابقاً فلايعدل عنه الاّ لعذر يمنع الوصول الي ذلك المكان فاذا تعذر ذلك يتعين اقرب المواضع اليه فالاقرب و الاّ لم‏يحصل القطع ببراءة الذمة قطعاً و يؤيده قوله7 اذا امرتكم بامر فأتوا منه ما استطعتم و قوله7 لايسقط الميسور بالمعسور و قوله تعالي و اتقوا اللّه حق تقاته و قوله تعالي و اتقوا اللّه ما استطعتم فاذا لم‏يتمكن من الوصول الي ذلك المكان فيتعين اقرب المواضع اليه كالمسجد ثم الحرم ثم في غيره من البقاع و قاعدة اصالة البراءة لاتجري في هذا المقام و المستفاد من الاخبار السالفة و غيرها غايته الاذن في غير المقام و لعل ذلك عند التعذر بل هو الظاهر

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 177 *»

في قوله7 و لااشق فلايحصل حينئذ القطع بالبراءة الا علي هذه الصورة.

و نقل عن الشيخ في المبسوط انه اوجب الاستنابة في صلوة الركعتين اذا شق الرجوع و رواه في التهذيب عن عبداللّه بن مسكان قال حدثني من سأله عن الرجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتي خرج فقال يوكل قال في المدارك و هذه الرواية ضعيفة بالقطع و الارسال و من رجالها محمد بن سنان و هو ضعيف اقول اما محمد بن سنان فالاصح انه ثقة عدل جليل‏الشأن عظيم المنزلة كما ذكرنا في كثير من مباحثاتنا و اما القطع و الارسال فلايضران لكونه مؤيداً و منجبراً بالخبر الصحيح المروي في الفقيه عن عمر بن يزيد عن ابي‏عبد اللّه7 ان كان قدمضي قليلاً فليرجع و ليصلهما او يأمر بعض الناس فليصليهما عنه و لكن الظاهر من الخبرين التخيير لا الترتيب كما ذهب اليه الشيخ الاّ بمعونة ما ذكرناه مستنداً للشهيد;.

الحاصل من تصفح اخبار هذا الباب بنظر الاعتبار وجد ان من لم‏يشق عليه الرجوع ليصلهما عند المقام و من شق عليه ذلك فليصلهما حيث ذكر و لايظهر منها الترتيب الذي ذكره الشهيد و الشيخ الاّ ان الاحوط و الاولي مراعاة الترتيب كما ذكره الشهيد و الاستنابة عند عدم التمكن من الرجوع و الصلوة حيث ذكر و حيث شاء عند عدم التمكن من الرجوع و الصلوة حيث ذكر و حيث شاء عند عدم التمكن من الاستنابة كما ذكره الشيخ; و بذلك افتي شيخنا و مولينا و سندنا و استادنا الشيخ احمد بن المقدس الشيخ زين الدين الاحسائي و لاشك ان هذا هو الاحوط و به يحصل القطع ببراءة الذمة و اما كونه هو المتعين فلي فيه تأمل و اللّه العالم بحقايق احكامه.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة العاشرة: في الشخص كان اول بلوغه ذاهلاً عن انه يجب عليه اخذ مسائله اما بطريق التقليد او الاجتهاد و ان الناس صنفان مجتهد و مقلد و كان يعمل الاعمال حسب مايسمع من الناس الي بلوغه اثنين و عشرين سنة فسمع بعد ذلك ان العمل يجب ان‏يكون

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 178 *»

بطريق الاجتهاد او التقليد و لكنه كان ذاهلاً و غافلاً عن انحصار الامر في ذلك الي بلوغه الي ستة و عشرين سنة ثم بعد ذلك لقي المجتهد و عرف الانحصار و اخذ منه كتاب فتواه و بني علي تقليده و عزم علي انه اذا احتاج الي مسألة من المسائل ينظر في كتابه و يعمل عليه و في هذه الصورة هل يجب عليه قضاء الاعمال التي اوقعها قبل التقليد ام لا و علي الاول يقضي كم سنة من سني عمره لانه الان قدبلغ الي اربعين سنة ثم هل يكفي اخذ الكتاب معه و النظر اليه مهما احتاج ام يجب عليه حفظ المسائل كلها لتصح عبادته و ساير اعماله ام لا.

اقول: قال شيخنا و مولينا و استادنا اطال اللّه بقاه و جعلني في كل مكروه و محذور فداه ان الرجل اذا عمل برهة من الزمان غير مقلد للفقيه فان كان علم بوجوب التقليد علي غير المجتهد في جميع تكاليفه العملية فاعماله باطلة ان خالفت المعروف من المذهب بلا خلاف و ان وافقت فكذلك علي الاصح الاحوط و ان لم‏يعلم و اوقعها مخالفة لظاهر الشرع فهي باطلة و عليه الاعادة و ان كانت موافقة لظاهر الشرع فالمشهور ان عليه الاعادة و الذي يظهر لي و يقوي في نفسي انها مجزية لانه هو المعروف من اثار اهل العصمة:فانهم قداثنوا علي من اصاب و ان لم‏يأخذ ذلك عن اجتهاد او تقليد فان الرجل يأتيهم: و يقول فعلت كذا فان وافق قالوا احسنت و اقروه و لم‏يأمروه بالاعادة و قدانزل اللّه في البراء بن معرور ان اللّه يحب التوابين و يحب المتطهرين لمااستنجي بالماء و قال6 لعمار ـ حين اراد التيمم و لم‏يعلم كيفية التيمم و تمعك ـ تمعكت كما تتمعك الدابة و اعادة صلوة المسي‏ء في صلوته و ان وقوع ذلك في زمن الائمة: كثير و لم‏يأمروا احداً بالاعادة او القضاء و لم‏ينقل عن احد منهم ذلك انتهي كلامه رفع اللّه اعلامه.

و هذه المسألة و ان اختلف فيها العلماء و صارت معركة للاراء الا ان ما ذكره اطال اللّه بقاه هو المختار المنصور و تفصيل المقال في هذه الاحوال يؤدي الي الاطناب و لايسعني الان بيانه فاقتصرت بالاشارة و علي هذا في المثال

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 179 *»

المفروض يجب علي الرجل قضاء الصلوة و الصيام و ساير الاعمال مما بين البلوغ الي حدود ستة و عشرين ان لم‏توافق ما هو المعروف المشهور من المذهب في الفرقة المحقة لانه الي حدود اثنين و عشرين و ان تنبه لكنه لم‏يتنبه الي انحصار الامر و اللّه سبحانه لايؤاخذ الاّ بعد البيان و علي اللّه قصد السبيل ثم ان علينا بيانه فيكون حكمه حكم من لم‏يسمع و اما الذي سمع و علم الانحصار و علم فقره و حاجته في المسائل الي غيره و مع ذلك تكاهل فهو كالمعاند فعليه القضاء وافق ام خالف لانه قداتي البيت من غير بابه و عمل العمل و هو غير موقن بصحته و غير عالم بانه ممتثل اذ لم‏يأخذ عمن يعتقد انه يجب الاخذ عنه فلايدري حين يفعل ان ما يفعل صحيح ام فاسد حق ام باطل فهو حين العمل غير معتقد ببراءة الذمة و الامتثال فتقع اعماله كلها باطلة بخلاف الغافل المحض فانه حين العمل مطمئن القلب ساكن الخاطر عالم بانه ممتثل امر اللّه و عامل بقول اللّه فان كان موافقاً تم ركنا عمله فصح و ان كان مخالفاً انهدم احد ركنيه لان صحة العمل منوطة بموافقة مراد الشارع و طمأنينة القلب انه من اللّه سبحانه و انه عامل بقوله و ماشٍ بحكمه.

فمن نظر في الاخبار و جاس خلال تلك الديار وجد ان طمأنينة القلب و سكون الخاطر في الاعمال و العبادات من اعظم المهمات و عناية الشارع عليه اكثر و اشد من غيرها كما في حديث المشق و يغره و ليس لي الان اقبال تفصيل هذه الاحوال فاذا بطل احد الركنين لايقوم العمل وحده فيفسد لعدم حصول القابلية فانه له مادة و صورة مادته امر اللّه و صورته قبوله بسكون القلب و اطمينان الخاطر فعند فقدان احدهما يفقد الشي‏ء فافهم.

و قولكم و هل يكفي اخذ الكتاب جوابه انه يكفي ذلك لان المراد معرفة المسائل مهما احتاج اليها غير المسائل الضرورية التي لابد منها في كيفية صورة العمل و اما غيرها من المسائل التي ترد احياناً فلايجب استحضارها جميعاً لان الملة الحنفية([7]) السهلة السمحاء تأبي عن ذلك و كذا قوله تعالي يريد اللّه بكم اليسر و لايريد بكم العسر و ماجعل عليكم في الدين من حرج مع ان سيرة

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 180 *»

المسلمين جرت علي خلاف ذلك و لااظن احداً من المجتهدين قد استحضر جميع المسائل كلها في خاطره فضلاً عن المقلدين فضلاً عن اهل هذا الزمان لغلبة تفرق حواسهم و كثرة شئوناتهم و تكليف ذلك عليهم لاشك انه عسر شديد و حرج بعيد.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة الحادية عشرة: في الرجل اذا قلد المجتهد في حيوته فبعد موته هل يجب عليه العدول عنه الي الحي و ان كان الميت اعلم و افضل ام يبقي علي تقليده حتي يجد الاعلم فيعدل او يستمر ابداً و لايجوز له العدول و ان وجد الاعلم بينوا توجروا ادامكم اللّه و اعزكم و ابقاكم.

اقول: العلماء قداختلفوا في هذه المسألة فهم بين مانع لتقليد الميت مطلقاً بدواً و استمراراً و بين ناف بدواً و موجب استمراراً الي ان‏يجد الاعلم فيوجب العدول اليه و بين موجب للاستمرار مطلقاً و ان وجد الاعلم و غير ذلك من الاراء المختلفة و الاقوال المتشتتة و الذي انا عليه و ادين اللّه به ما عليه جمع كثير من العلماء و جم غفير من الفقهاء هو القول الاول بالمنع من تقليده مطلقاً و وجوب العدول الي الحي سواء كان الحي اعلم ام لا و العلماء قدادعوا عليه الاجماع حتي قال بعضهم ان حرمة تقليد الميت كان مما يتفرد به الشيعة عن مخالفيهم و لايزالون يعرفون بذلك و جواز تقليد الميت كان من متفردات مذهب العامة و كانوا يعرفون به و لولا في ذلك الا تفرد العامة به و اتفاقهم عليه و عدم ورود نص قاطع و تحقق اجماع من الفرقة المحقة بالجواز لكان كافياً و مستقلاً في المنع من تقليد الميت مطلقاً لان الرشد في خلافهم مع ورود الاخبار المصرحة بالمنع و ان العلم يموت بموت حامليه كما في البحار عن روضة الواعظين قال النبي6 ان اللّه تعالي لاينتزع العلم انتزاعاً و لكن ينتزعه بموت العلماء و فيه ايضاً عن تفسير الامام قال ابومحمد الحسن العسكري7 حدثني ابي عن جدي عن ابيه عن رسول اللّه6 ان اللّه لايقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس و لكن يقبضه بقبض

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 181 *»

العلماء فاذا لم‏ينزل عالم الي عالم يصرف عنه طلاب حطام الدنيا الحديث. و فيه و في الكافي في حديث كميل عن اميرالمؤمنين7 الي ان قال7 كذلك يموت العلم بموت حامليه الحديث.

و لاشك ان التقليد خلاف الاصل و لذا اوجب الحلبيون الاجتهاد عيناً و لم‏يرخصوا لاحد التقليد و علي فرض ثبوت التقليد و كون وجوب الاجتهاد كفائياً وجب الوقوف فيما خالف الاصل علي حدّ ما دلّ عليه الدليل القاطع و لايطرد في جميع الاحوال و كل الافراد كما هو الظاهر المعلوم و ما دلّ عليه الدليل و غاية ما ثبت به و استفيد منه هو ثبوت تقليد الاحياء و ماسوي ذلك فلم‏يقع عليه دليل لا من اجماع لبداهة الخلاف و كون المشهور علي المنع و لا من نص من كتاب او سنة يخصص الاصل الاول او يعمم الاصل الثاني في كل افراده بل المستفاد منه المنع كما سمعت الاشارة اليها و لا من عقل مقطوع به و ما ذكروا من حصول الظن بقول الميت و الظن عند فقدان العلم حجة و ان الميت كان يجوز الرجوع اليه حال حياته فكذا بعد موته بحكم الاستصحاب باطل للمنع من حجية الظن مطلقاً الاّ ما قام عليه الدليل القاطع و هو الظن الحاصل من الكتاب و السنة و اقوال اهل اللغة و امثالها و اما ماعداه فلايجوز التعويل عليه و الركون اليه لان الظن لايغني من الحق شيئاً و ليس هنا موضع اجراء الاستصحاب لتغير الموضوع المستدعي لتغير الحكم يقيناً.

و القول بانه يستلزم العسر و الحرج المنفيين في الشرع ممنوع لانه بعد موت المجتهد يحضر عند الاخر و يعرض عليه عمله الذي كان يعمله سابقاً فما يوافق رأيه يقره عليه و ما يخالفه ينبهه عليه و ليست المخالفة اكثر من الموافقة ليصعب عليه التعلم و اذا لم‏يتمكن من الحضور يأخذ من الواسطة الثقة او من كتابه فاذا لم‏يتمكن من الحي بنفسه او بواسطته او بكتابه فليرجع الي الاحتياط ان‏تمكن منه لقوله7 عليك بالحائطة من دينك و ان اشتغال الذمة يستدعي البراءة اليقينية و ان لم‏يتمكن من الاحتياط يعمل بما هو المشهور بين الفقهاء في المسألة لقوله7 خذ ما اشتهر بين اصحابك و اترك الشاذ النادر فالمجمع عليه لاريب فيه و العبرة بعموم اللفظ لا

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 182 *»

بخصوص المورد و المحل و حكم المقلد عند فقد المجتهد مثل حكم المجتهد عند فقد ظهور الامام7 و ان لم‏تكن المسألة مشهورة بل كانت خلافية فان كان يمكنه التأخير و ليس موضع الحاجة وجب لقوله7 فارجه حتي تلقي امامك و ان لم‏يمكنه التأخير فان كان من باب المعاملات يرجع الي الصلح و التراضي وجوباً و الاّ فعليه من باب التسليم وسعك.([8])

ثم انك ان اتقنت ما ذكرنا سابقاً في سرّ الغيبة و لزوم حاجة الناس للعمل بالظن و انسداد باب العلم عرفت ان المجتهد ليس الاّ لسان الامام7و مراة تحكي الامام7 و ان الاحكام تابعة لصفات المكلفين بل هي صفات المكلفين و احوالهم و تختلف بحسب الاوقات و الازمان و الاماكن و القرانات و الاوضاع و خلط الكفار بالمؤمنين و المنافقين بالمسلمين و استيلاء سلطان الجور و غلبته و عدم الاستيلاء و عدم الغلبة و الامام7 هو الناظر العالم بهذه الصفات و هذه الاحوال فيجري رعاياه و غنمه علي حكم تلك الاقتضاءات و هي تختلف و قد قال تعالي ان اللّه لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و هذا هو علة اختلاف المجتهدين و تشتت ارائهم و تبدلها و تغيرها و هو7يجري تلك الاحكام علي الرعايا بالسنة المجتهدين من اهل الاستيضاح و البيان فاذا مات المجتهد انقطع ذلك اللسان فلايصلح لان‏يكون محلاً لظهور الامام7 فتبطل حكايته و اخباره فلابد من العدول اليه و الاصغاء لحكم الامام7 بلسانه و هو الفقيه الحي و علي هذا استقر الوجود و اتسق النظام فان الاحكام كلها تكوينية كانت ام تشريعية من اللّه سبحانه الحي القيوم الدائم فلاتصح ان‏تكون الوسائط بينه و بين عباده فيما يؤدي اليه امواتاً فان الميت يضاد الحي و جهته تخالف جهته و سيره يخالف سيره فاني مع ذلك الاتفاق.

الا تري ان الامام7 اذا مات لو لم‏تكن مكانه امام اخر يحفظ حكم اللّه و وحيه لساخت الارض و بطلت الاحكام و هلكت الخلايق فلو جاز ان‏يكون الميت واسطة يجب ان لايخرب العالم اذا مات الامام7 و ليس

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 183 *»

المجتهد فيما فيه اليه الوساطة باقوي من الامام7 حتي ان ما دخل و ظهر في الوجود بمقتضي وساطة الامام ينهدم و يفني و يعدم بخروجه عن الدنيا و يحتاج الي مثله حي حافظ و لايبطل ما كان المجتهد فيه واسطة ان هي الا قسمة ضيزي بل لاينطبق القول بتقليد الميت الا علي مذهب العامة المنكرين للوسائط الاحياء و اما علي مذهب الشيعة فلا اذ لو يبقي ما اتي به المجتهد محفوظاً بعد موته لكان محفوظية ما اتي به النبي6 من الاحكام الوجودية و الشرعية بالطريق الاولي فلما ذا تسيخ الارض باهلها و تبطل الحركات و السكنات و تضمحل العلوم و الموضوعات فضلاً عن الاحكام و الشرعيات اذا لم‏يكن امام و وصي يقوم مقامه و يحل محله و حكم اللّه سبحانه في الجميع واحد و حكم المجتهد بالنسبة الي الامام مثل حكم الامام بالنسبة الي اللّه سبحانه قال7 شيعتنا اخذون بحجزتنا و نحن اخذون بحجزة ربنا و الحجزة النور قال7 انا لاشد اتصالاً باللّه من شعاع الشمس بالشمس فافهم و اتقن فاذن فالقول بتقليد الميت ساقط من رأسه سواء كان ابتداء او استمراراً و يجب العدول عنه سواء وجد الاعلم ام لم‏يوجد.

و لايقال ان العدول عن الاعلم الي غيره يستلزم تفضيله عليه و اللّه سبحانه ما رضي بالتساوي حيث يقول قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون، لانا نقول ان المجتهد اذا مات انقطع علمه الذي يصل الينا لانه كان حاملاً حاكياً لا اصلاً مؤسساً فبعد موته لم‏يصح ان‏يكون لساناً فلايصح الرجوع اليه لان الرجوع اليه من حيث كونه حاكياً لا من حيث هو هو فلا دلالة للاية علي المراد اصلاً فافهم و كأني بك تستهزي‏ء بي ان هذه كلمات لم‏يذكرها احد من العلماء و انا اقول كما قال المتنبي:

و هب اني اقول الصبح ليل   ايعمي الناظرون عن الضياء

قال سلمه اللّه تعالي المسألة الثانية عشرة: ما تقولون في رجل لم‏يتمكن من اقامة الادلة العقلية و النقلية لاثبات العقايد الخمسة و لكنه غير معاند للكلام

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 184 *»

الحق و لا منكر لضروري من ضروريات الدين و لو ان اخر يذكر الدليل يعرفه و يقر به لكنه لايبذل جهده ليكون راسخاً في نفسه و متمكناً من ادائه حيث شاء فلو انه يبذل جهده و يستفرغ وسعه لوصل الي حد الرسوخ في النفس و الاطمينان و تمكن من اقامة الدليل لنفسه و لغيره هل هذا الشخص في الظاهر نجس ام طاهر و هل الدليل الاقناعي كاف في معرفة الاعتقادات ام لابد من دليل يفحم الخصم.

اقول: المناط في المعارف و العقايد القطع و اليقين و اطمينان القلب بحيث يكون ثلج الفؤاد مطمئن القلب فيما يعتقده و يدين به و لم‏يكن في ذلك مستنداً الي تقليد و الي قول احد و لايلزم اقامة الادلة المفصلة بحيث يفحم الخصم و يلزمه مثلاً اذا سألته عن اللّه سبحانه يقول اومن به و اعتقد عليه و ان سألت عن الدليل يقول هكذا قطعت و علمت و لايقول ان فلاناً مثلاً هكذا قال و هذا المقدار يكفي في صحة اسلامه و ايمانه فان كثيراً من الناس عارفون بالمسائل و قاطعون بها و لايشكون فيها كما لايشكون في وجود الشمس في رابعة النهار و لكنهم اذا سئلوا عن الدليل عجزوا عن ذلك و كذا بالعكس و الي الفريقين اشار مولينا الصادق7 كما في الكافي ما معناه ان من الناس من لايمر بالف و لا واو الا و تجده خطيباً مصقعاً و هو في قلبه اشد ظلمة من الليل الدامس و من الناس من لايقدر علي التعبير عما في قلبه بلسانه و في قلبه سراج يزهر هـ . و ليس شرط الايمان و الاسلام الزام الغير و الا لايكاد يوجد مؤمن و لا مسلم الاّ نادراً قليلاً و اللّه سبحانه يقول عليكم انفسكم لايضركم من ضلّ اذا اهتديتم.

فقولكم لايتمكن من اقامة الادلة فان كان مطلقاً و ان كان دليلاً اقناعياً يطمئن به نفسه و يقطع به فيكون في عقايده شاكاً او ظاناً و اذا سألته عن ذلك يقول لاادري او يقوي في نفسي و لم‏اقطع به مما يعم به البلوي و لايثبت الاسلام بدونه و هذا لاشك انه كافر نجس في ظاهر الاسلام ان كان مما يتعلق بالتوحيد و النبوة و المعاد او ضال خارج عن الفرقة الناجية المحقة ان كان مما

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 185 *»

يتعلق بالامامة و الولاية و العدل لان اللّه سبحانه لايعبد بالظن لان الظن لايغني من الحق شيئاً و هو سبحانه يقول فاعلم انه لا اله الاّ هو فان العابد بالظن لايستحق شيئاً من الخير لانه ليس بثقة من ربه و لا نبيه فلمن يعمل و علي قول من يتكل و علي اي شي‏ء يعتمد فتقع اعماله كلها مجتثة فوق الارض مالها من قرار فيجب علي اللّه سبحانه في الحكمة ان‏يجعل ادلة التوحيد و النبوة و المعاد واضحة ظاهرة جلية بحيث لايكون لاحد العذر في تركها لعدم البيان فان قوام امور المعاش و المعاد كلها مبنية علي تلك المعرفة فالذي لايقطع بها مع اقامة البرهان و ايضاح السبيل فهو حينئذ مقصر غير معذور و القول بمعذورية الظانّ في العقايد بعد تمام بذل جهده و استفراغ وسعه فاسد فان اللّه تعالي يقول الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و هي محكمة مقيدة بالتأكيدات الكثيرة و هو سبحانه لايخلف الميعاد و قال عزوجل و علي اللّه قصد السبيل و منها جائر و قال تعالي ثم ان علينا بيانه و الحاصل ان اللّه سبحانه حجته بالغة لم‏يدع لاحد العذر في معرفته و عبادته ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة.

و اما الاكتفاء بالظن في الفرعيات فهو ايضاً راجع الي القطع لان العامل يعلم قطعاً ان اللّه سبحانه راض عنه بذلك و اذا لم‏يفعله قدفعل حراماً مخالفاً لمحبة اللّه سبحانه و ارادته و اما اذا لم‏يعلم ذلك بل هو شاك او ظان فيه و لايدري هل فعله هذا يخالف محبته تعالي او يوافقها ليكون مثبتاً للظن بظن اخر او بشك فهذا مما اجمع المسلمون بل المليّون بل العقلاء كلهم اجمعون علي فساده فظهر لك ان الدين لايبتني علي الظن و التخمين و كذا غيره من الامور فاذا لم‏يحصل المكلف ذلك فهو خارج عن الدين و كافر بما اتي به سيد المرسلين و يجب الاجتناب عنه علي اليقين.

و اما اذا كان عدم تمكنه من اقامة الدليل بالاضافة الي الغير او الادلة التفصيلية فقد ذكرنا لك انه مسلم موحد و عدم بذل الجهد ان كان لاجل الرسوخ في نفسه و الاطمينان عند قلبه مضر في دينه و اسلامه ان كان في المسائل الضرورية مثل معرفة اللّه و انه لايدرك و انه كامل ليس بناقص و انه

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 186 *»

واحد ليس بمتكثر و امثال ذلك و اما اذا كان في المسائل النظرية التي دقّ مأخذها و اختلف فيها الاراء و تصادمت عندها الاقوال مثل حدوث المشية و قدمها و مثل كيفية تعلق علم اللّه سبحانه بالمعلومات و غيرها من هذا الباب فلايضر في اسلامه و دينه اذا اخطأ فيها او توقف عندها و لم‏يعرفها مع معرفته ان اللّه سبحانه كامل مطلق و واحد مطلق لا كثرة فيه بوجه من الوجوه.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة الثالثة عشرة: هل يجوز ان‏يصلي الاعرف الاعلم في العقايد و الاصول خلف من هو دونه فيها و ان كان اعلم بالمسائل الفقهية الفرعية ام لا.

اقول: لولا ظهور الاجماع و عدم العثور و الوقوف علي قائل لكان القول بالمنع و عدم الجواز متجهاً لقوله7 لاتصل خلف من انت اعرف منه و قوله7 من امّ في قومه و فيهم من هو اعلم منه لم‏يزل امرهم الي سفال و امثالهما من الاحاديث و الاخبار و الاعتبارات العقلية الاّ انا حيث لم‏نجد قائلاً بالمنع مع قوله7 لاتزال طائفة من امتي علي الحق حتي يقوم الساعة مع ورود الاخبار الدالة علي المنع من غير معارض لها سوي العمومات قلنا بالجواز مع الكراهة جمعاً بين الادلة و الاحتياط لايخفي.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة الرابعة عشرة: هل الاذكار و الادعية بقول مطلق افضل ام قراءة القرآن و تلاوته و هل تأذن لنا قراءة الادعية الموجودة في كتب الشيعة او تخصص الاذن ببعض الكتب دون بعض.

اقول: الاخبار في هذا الباب علي الظاهر متعارضة فقد روي تفضيل الدعاء علي القرآن كما رواه احمد بن فهد في عدة الداعي قال قال الباقر7لبريد بن معاوية و قد سأله كثرة القرآن افضل ام كثرة الدعاء فقال7 كثرة الدعاء افضل ثم قرأ قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم قال و عن النبي6افضل العبادة الدعاء و اذا اذن اللّه عبداً في الدعاء فتح له

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 187 *»

ابواب الرحمة انه لن‏يهلك مع الدعاء احد. في الكافي عن ابي‏جعفر7 في حديث قال افضل العبادة الدعاء و فيه عن سدير قال قلت لابي‏جعفر7 اي العبادة افضل فقال ما من شي‏ء افضل عند اللّه من ان‏يسأل و يطلب مما عنده الحديث و فيه عن ابي‏عبد اللّه7 عن اميرالمؤمنين7 احب الاعمال الي اللّه عزوجل في الارض الدعاء و امثالها من الاحاديث الدالة علي تفضيل الدعاء علي القرآن بالعموم و الخصوص كثيرة.

و قد روي ما يدل علي تفضيل القرآن علي الدعاء و علي كل عمل و عبادة كما رواه ابن فهد في عدة الداعي عن النبي6 قال قال اللّه تبارك و تعالي من شغل بقراءة القرآن عن دعائي و مسألتي اعطيته افضل ثواب الشاكرين و في الكافي بالاسناد عن الزهري قال قلت لعلي بن الحسين8اي الاعمال افضل قال الحالّ المرتحل قلت و ما الحالّ المرتحل قال فتح القرآن و ختمه كلما جاء باوله ارتحل في اخره و قال قال رسول اللّه6 من اعطاه اللّه القرآن فرأي ان رجلاً اعطي افضل مما اعطي فقد صغّر عظيماً و عظّم صغيراً و في مجمع البيان عن النبي6 قال افضل العبادة قراءة القرآن و عن الحسن العسكري7 عن ابائه: في حديث قال ان فاتحة الكتاب اشرف ما في كنوز العرش الي ان قال الا فمن قرأها معتقداً لموالاة محمد و آله الطيبين منقاداً لامرهما بظاهرها و باطنها اعطاه اللّه بكل حرف منها حسنة كل واحدة منها افضل له من الدنيا و ما فيها من اصناف خيراتها و اموالها و من استمع الي قاري‏ء كان له قدر ما للقاري‏ء فليستكثر احدكم من هذا الخير انتهي و امثالها من الاحاديث الدالة علي فضيلة القرآن علي الدعاء و علي كل شي‏ء كثيرة.

و العلماء قد جمعوا بين هذه الاخبار بان الدعاء ان كان قدصدر عن قلب طاهر تقي نقي خاضع خاشع مع كمال التوجه و الاقبال و الالتفات الي جهة ذي الجلال و استشعار فقره و فاقته و اضمحلاله و مشاهدة عظمة اللّه سبحانه و جلاله و كبريائه و استغنائه و ان لا قاضي لحاجته غيره و لا مستقل سواه و لاتذوت و

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 188 *»

تحقق لشي‏ء من الاشياء دونه فلاشك ان هذا اعظم و افضل من كل عمل و من قراءة القرآن فان فيه ذكر القصص و الاحكام و الوعد و الوعيد و ساير القرانات و الاحوال و الاوضاع الوجودية الكونية و التشريعية و لاريب ان المتمحض في التوجه الي جناب الحق سبحانه و الاستمداد منه خاصة اعظم و اشد من الالتفات الي الغير و ان كان به كالحضور في خدمة الملك الاعظم من السير في مملكته و قراءة طومار امره و نهيه باذنه و بامره و ان كان الدعاء بغير تلك الحالة من خلوص التوجه و الاقبال فلاشك ان الاشتغال بقراءة القرآن افضل و اعظم لانه حينئذ ذكر اللّه و نوره و فيه احكامه و علومه فالذي يقابل النور يستنير هذا الوجه هو المشهور المعروف عندهم بل لاتكاد تجد غيره و هنا وجوه اعلي و ادق و اشرف اخفاؤها في الصدر احسن من ابرازها في السطور.

ثم ان مقتضي الحديث المشهور المتكرر المتردد في الكتب المعمول عند الاصحاب: من بلغه ثواب فعمل التماس ذلك الثواب كان له ذلك و ان لم‏يكن كما بلغه و بمعناه احاديث اخر بعضها صحيحة جواز العمل بما في كتب الشيعة من الاعمال الفقهية([9]) الطرق ضعيفة و لذا تراهم يتسامحون في ادلة السنن و المستحبات الا ان الاخذ من الكتب المعتبرة مثل كتب المجلسي; و مصباح المتهجد للشيخ الطوسي و الاقبال و ساير كتب الادعية لابن طاوس; هو الاولي و الاحسن و اما في غير الادعية و الاوراد و ساير المستحبات من الاعمال الواجبة او المحرمة فلايجوز التعويل علي كتاب من كتب الاموات بوجه من الوجوه لان تقليد الميت حرمته قد دلّ عليها العقل و النقل كما ذكرنا شرذمة منه من ان ذلك هو اجماع الفرقة المحقة و القول بالجواز بحال من الاحوال قول مستحدث قدحصل من الخلط و اللطخ مع المخالفين و لا حول و لا قوة الاّ باللّه العلي العظيم.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 189 *»

قال سلمه اللّه تعالي المسألة الخامسة عشرة: هل يجوز للرجل ان‏يلبس المسح العربي في حال السعي بين الصفا و المروة ام لا و علي الثاني هل سعيه صحيح ام لا.

اقول: لايحل المحرم الاّ بعد التقصير و هو بعد السعي فاذن لايجوز له فعل ما كان حراماً عليه بعد الاحرام و المسح في زماننا هذا في اطراف العراق يطلق علي شيئين احدهما الخفّ الخاص بالنساء و ثانيهما الجورب المصوغ من الجلد و هو خاص بالرجال بحسب الاغلب المتداول و كيف كان فلبس الخفّ و الجورب حرام علي الرجال اختياراً حال الاحرام و قدوقع عليه التصريح في عدة اخبار فلو لبسه اختياراً لايبطل سعيه و عليه الفدية بدم شاة و لو لبس الخفّ او الجورب اضطراراً فالاقرب الاولي ان‏يشق ظاهر القدم لرواية ابي‏بصير عن ابي‏عبد اللّه7 في رجل هلك نعلاه و لم‏يقدر علي نعلين قال له ان‏يلبس الخفين اذا اضطر الي ذلك و ليشق عن ظهر القدم و رواية محمد بن مسلم عن ابي‏جعفر7 في المحرم يلبس الخفّ اذا لم‏يكن له نعل قال نعم لكن يشق ظهر القدم و هاتان الروايتان تقيدان الخبر الوارد علي الرخصة عند الاضطرار و ان كان في سندها ضعف اذ لا دليل علي بطلانهما من كتاب و لا من سنة و لا اجماع و لا دليل عقل مع انهما مؤسستان و التأسيس خير من التأكيد و اولي به كما حقق في محله و اما الفدية في حال الاضطرار فالظاهر انه لاتجب و يستفاد من التذكرة الاجماع عليه حيث قال و اذا لم‏يجد النعلين لبس الخفين باجماع العلماء ثم قال([10]) و اذا لم‏يجد لبس الخفّ للضرورة لم‏يكن عليه فدية عند علمائنا و به قال عطا و عكرمه و الثوري و الشافعي و اسحق لاصالة البراءة الي ان‏يثبت الاشتغال.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة السادسة عشرة: لو ان الرجل بذل جهده و جعل همّه لتحصيل مبلغ معين من الفلوس لاجل التوسعة علي نفسه او عياله فهل يعدّ هذا الرجل من اهل الدنيا الملعونة ام لا.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 190 *»

اقول: التوسعة علي العيال امر مرغوب شرعاً و عرفاً فلايكون من اهل الدنيا المعلونة الا ان‏يكون مراده العجب و البطر و نسيان الاخرة فهو حينئذ من اهل الدنيا المذمومة الملعونة كما ذكرنا سابقاً فراجع.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة السابعة عشرة: و بيّن لنا الطريقة الصحيحة المجربة في الاستخارة بالسبحة و كذلك بالقرآن و ان ايهما افضل و ارجح.

اقول: الطريقة المروية كلها صحيحة و من اخذ بواحدة منها فقد اخذ بحظ وافر الاّ ان عملنا في الاستخارة بالسبحة ما روي عن القائم عجل اللّه فرجه يقرأ الفاتحة عشراً و اقله ثلثاً و ادون منه واحدة و القدر عشراً و هذا الدعاء اللهم اني استخيرك لعلمك بعواقب الامور و استشيرك لحسن ظني بك في المأمول و المحذور اللهم ان كان هذا الامر الفلاني قد نيطت بالبركة اعجازه و بواديه و حفّت بالكرامة ايامه و لياليه فخر لي اللّهم فيه خيرة ترد شموسه ذلولاً و تقعض ايامه سروراً اللهم اما امر فائتمر و اما نهي فانتهي اللهم اني استخيرك خيرة في عافية ثم يقبض علي قطعة من السبحة و يضمر حاجته فان كان عدد تلك القطعة زوجاً فهو افعل و ان كان فرداً فهو لاتفعل انتهي و قراءة هذا الدعاء و السور من المكملات و يجزيك الصلوة علي محمد و آل محمد ثلث مرات و القبض علي السبحة.

و اما الاستخارة بالقرآن فقد روي لها طرق مختلفة منها ما رواه صاحب كتاب الشفا في اخبار آل المصطفي عن كتاب الغايات لجعفر القمي صاحب كتاب العروس و المكارم عن ابي علي اليسع و عبداللّه القمي قال قلت لابي‏عبداللّه7 اني اريد الشي‏ء فاستخير اللّه فيه فلايفي و لي فيه الرأي افعله او ادعه فقال7 انظر اذا قمت الي الصلوة فان الشيطان ابعد ما يكون من الانسان اذا قام الي الصلوة اي شي‏ء يقع في قلبك فخذ به و افتح المصحف فانظر الي اول ما تري فيه فخذ به ان‏شاء اللّه تعالي و مثله روي الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب عن احمد بن الحسن بن فضال عن ابيه عن

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 191 *»

الحسن بن الجهم عن اليسع القمي و فيه عن السراير نقلاً من كتاب ابي‏القاسم بن قولويه قال روي بعض اصحابنا قال كنت عند علي بن الحسين8 فكان اذا صلي الفجر لم‏يتكلم حتي تطلع الشمس فجاءه يوم ولد فيه زيد فبشروه به بعد صلوة الفجر قال فالتفت الي اصحابه و قال اي شي‏ء ترون ان اسمي هذا المولود قال فقال كل رجل منهم سمه كذا سمه كذا قال فقال يا غلام علي بالمصحف قال فجاءوا بالمصحف فوضعه علي حجره قال ثم فتحه فنظر الي اول حرف في الورقة و اذا فيه و فضّل اللّه المجاهدين علي القاعدين اجراً عظيماً قال ثم طبقه ثم فتحه ثانياً فنظر فاذا في اول الورقة ان اللّه اشتري من المؤمنين انفسهم و اموالهم الاية قال هو و اللّه زيد فسمي زيداً.

و فيه عن البحار للفاضل المجلسي قال وجدت بخط جد شيخنا البهائي الشيخ شمس الدين محمد بن علي بن الحسن الجباعي قدس اللّه روحه نقلاً عن خط الشيخ الشهيد نور اللّه ضريحه نقلاً من خط محمد بن احمد بن الحسين بن علي بن زياد قال اخبرنا الشيخ الاوحد محمد بن الحسن الطوسي اجازة عن الحسين بن عبيداللّه عن ابي‏محمد هرون بن موسي التلعكبري عن محمد بن همام بن سهيل عن محمد بن جعفر المؤدب عن احمد بن خالد البرقي عن عثمان بن عيسي عن سيف عن المفضل بن عمر قال بينما نحن عند ابي‏عبد اللّه7 اذ تذاكرنا امّ‏الكتاب فقال رجل من القوم جعلني اللّه فداك انا ربما هممنا بالحاجة فنتناول المصحف فنتفكر في الحاجة التي نريدها ثم نفتح في اول الورقة([11]) فنستدل به علي حاجتنا فقال ابوعبد اللّه7 و تحسنون و اللّه ماتحسنون قلت جعلت فداك و كيف نصنع قال اذا كان لاحدكم حاجة و همّ بها فليصلّ صلوة جعفر و ليدع بدعائها فاذا فرغ من ذلك فليأخذ المصحف ثم ينوي فرج آل محمد صلي اللّه عليهم بدواً و عوداً ثم يقول اللّهم ان كان في قضائك و قدرك ان‏تفرج عن وليك و حجتك في خلقك في عامنا هذا او في شهرنا هذا فاخرج لنا آية من كتابك نستدل بها علي ذلك ثم يعدّ سبع ورقات و يعدّ عشرة اسطر من خلف الورقة السابعة و ينظر ما يأتيه في الاحد عشر من السطور فانه يبين لك حاجتك ثم تعيد

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 192 *»

الفعل ثانياً لنفسك.

و عن البحار انه قال روي مرسلاً عن الصادق7 قال ما لاحدكم اذا ضاق بالارض ذرعاً ان‏يتناول المصحف بيده عارفاً علي امر يقتضيه من عند اللّه ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثلثاً و الاخلاص ثلثاً و آية الكرسي ثلثاً و عنده مفاتح الغيب ثلثاً و القدر ثلثاً و الجحد ثلثاً و المعوذتين ثلثاً و يتوجه بالقرآن قاعداً فيقول اللهم اتوجه اليك بالقرآن العظيم من فاتحته الي خاتمته و فيه اسمك الاكبر و كلماتك التامات يا سامع كل صوت و يا جامع كل فوت و يا باري‏ء النفوس بعد الموت يا من لاتغشاه الظلمات و لاتشتبه عليه الاصوات اسألك ان‏تخير لي بما اشكل علي به فانك عالم بكل معلوم غير معلم بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمدالباقر و جعفرالصادق و موسي‏الكاظم و علي‏الرضا و محمدالجواد و علي‏الهادي و الحسن‏العسكري و الخلف الحجة من آل‏محمد: ثم تفتح المصحف و تعد الجلالات التي في الصفحة اليمني ثم تعد بعددها اوراقاً ثم تعد بعددها اسطراً من الصفحة اليسري ثم تنظر اخر سطر تجده كالوحي فيما تريد ان‏شاء اللّه. و هذه الطرق كلها تتخير العمل علي كل منها بحسب سعتك و اهتمامك بالحاجة و عدمها و يجزيك الصلوة علي محمد و آله و فتح المصحف و الاخذ بما في اوله من ايات البشارة و الانذار و اما الارجح و الافضل فلاشك ان القران هو الاولي و الافضل لمن يعرفه و يعرف اسراره و بواطنها و لطائفه و اشاراته و الا فعليك بالسبحة فانها مفتاح باب الخير و سرّ من اسرار آل‏محمد:.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة الثامنة عشرة: و هل يجب العمل بحكم الاستخارة اذا كان امراً او يحرم العمل اذا كان نهياً ام لا و هل يجب في الاستخارة ان‏يقصد محض رضاء اللّه سبحانه و طاعته و محبته او يجوز فيما يتعلق باصلاح احواله.

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 193 *»

اقول: لايجب العمل بحكم الاستخارة و لايحرم تركه نعم يصيبه ضرر كما وقع كثيراً من اصحاب الائمة: و لم‏يصر سبب قدح في وثاقتهم و طعن في جلالتهم مع اصالة البراءة و اجماع الفرقة المحقة و اما القصد فاعلم ان الافعال التي تريد ان‏تفعلها لاتخلو اما ان‏تكون راجحة باصل الشرع او مرجوحة فان كانت مرجوحة فلا استخارة لان اللّه سبحانه اختار لك تركها حين نهاك عنها تحريمياً كان ام تنزيهياً و ان كانت راجحة فان كان الرجحان رجحاناً وجوبياً الزامياً فلا استخارة ايضاً لانه لايسع لاحد تركه الاّ في الواجبات المخيرة التي اليك التعيين فحينئذ لك ان‏تستخير منه سبحانه و تجعل اليه خيرة التعيين و ان كان الرجحان رجحاناً ندبياً فان كان منحصراً و لايعارضه مانع شرعي اخر فلااستخارة ايضاً لان تركه مرجوح و قد اخبرك اللّه سبحانه بذلك فلا معني لتكرار المسألة و ان كانت جهات الرجحان كثيرة و لاتعرف ايها اقرب الي صلاحك مقروناً برضاء اللّه سبحانه و يحصل بذلك التحير و التردد فتستخير اللّه سبحانه قاصداً اصلاح حالك و نفسك مقروناً برضاه سبحانه و محبته العزمية اذ كل ما يخالف رضاه و محبته تعالي يجب الاعراض عنه و كذلك القول في المباحات الظاهرة فافهم راشداً.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة التاسعة عشرة: ان‏تمنّ علينا بتعليم ذكر خاص مجرب لجميع الحوائج لجميع الاشخاص و يكون له حكم برء الساعة.

اقول: لااعلم ذكراً احسن و لا اخص و لا اجمع للحوائج كلها و لا اقرب الي اللّه تعالي من الصلوة علي محمد و آل محمد فعليك بمواظبتها في كل يوم مائة مرة و في يوم الجمعة الف مرة فانك تشاهد من خواصها و تأثيراتها اموراً عظيمةً يقصر اللسان عن بيانها و ادائها فاذا كان لك حاجة الي اللّه سبحانه فابدء بالصلوة علي محمد و آل محمد: بعدد اسمك عارفاً بحقهم موقناً بعظيم منزلتهم عند اللّه تعالي و ان ليس للّه تعالي باب اليه من خلقه و لا باب منه الي خلقه بجميع المعاني كلها سويهم ثم تذكر حاجتك ثم تصلي بذلك العدد

 

«* جواهر الحکم جلد 14 صفحه 194 *»

عوداً ليكون البدو و الختم بهم تصديقاً لقوله7 في الزيارة بكم فتح اللّه و بكم يختم فان اللّه تعالي يقضي حاجتك ان‏شاء البتة لان لهم عند اللّه مقاماً عظيماً و جاهاً منيعاً.

قال سلمه اللّه تعالي المسألة العشرون: ان‏تذكر لنا كيفية السلوك الي اللّه تعالي في الاعمال و الاقوال و الاحوال و كيفية تهذيب الاخلاق و لو كان علي جهة التلويح و الاشارة و ان اكمل الاعمال المستحبة اي شي‏ء و ان اي ذكر افضل الاذكار كلها.

اقول: اما بيان كيفية السلوك و تهذيب الاخلاق فقد ذكرته في الرسالة التي كتبناها للاخ الاعز الصادق الموافق العالم الموفق الملاعبدالرزاق و ما ذكرت فيها كفاية للطالب السالك و لا بيان اعظم من ذلك فعليك بتحصيلها و مطالعتها و ظني ان نسختها موجودة عندكم و اما افضل الاعمال المستحبة كلها فليس شي‏ء الاّ زيارة مولينا و سيدنا ابي عبداللّه الحسين روحي له الفداء و7 و زيارة جده و ابيه و امه و اخيه و بنيه و البكاء علي عظيم رزيته و جليل مصيبته و اما افضل الاذكار فقد ذكرنا انه الصلوة علي محمد و آل محمد عليه و عليهم السلام و من تتبع الاخبار و جاس خلال تلك الديار وجد ما ذكرنا صحواً بلاغبار.

و صلي اللّه علي محمد و آله الاطهار

([1]) ما بين الهلالين لايكون في متن الحديث علي ماروي في عيون اخبار الرضا7 و العبارة مبهمة.

([2]) ما بين الهلالين لايكون في متن الحديث علي ما روي في عيون اخبار الرضا7 و العبارة مبهمة.

([3]) انتفاء ظ.

([4]) ما بين الهلالين لايكون في متن الحديث علي ما روي في عيون اخبار الرضا7 و العبارة مبهمة.

([5]) يوم القمر ظ.

([6]) كذا في النسخة.

([7]) الحنيفية ظ.

([8]) كذا في النسخة.

([9]) كذا في النسخة . . . و ان كانت ظ.

([10]) فاذا لبس السراويل او الخف للضرورة الخ . . . كذا في التذكرة.

([11]) الوقت كذا في البحار.