14-08 جواهر الحکم المجلد الرابع عشر ـ رسالة في جواب سائل ـ مقابله

 

 

 

رسالة فی جواب سائل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 517 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين و الصلوة و السلام علي خير خلقه و مظهر لطفه محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي مبغضيهم و منکري فضائلهم اجمعين ابد الآبدين.

اما بعد فان العبد الجاني و الاسير الفاني کاظم بن قاسم الحسيني الرشتي يقدم العذر الي ذلک الجناب المستطاب المرجع لاولي الافئدة و اولي الالباب من تأخير رسم الجواب و عدم البسط في المقال و شرح حقايق الاحوال و ذکر خفايا المطالب و الاسرار بجوامع الاستدلال لما انا عليه من توارد الاعراض و الامراض و توفر الاشغال و مقاساة الشدايد و الاهوال و مکابدة ما يطرأ من الجهال و مدافعة معارضات اهل الضلال و کثرة ما اشاهد من اهل النفاق و دواعي تبلبل البال و توفر موجبات اختلال الاحوال فاني قد ابتليت بوقت قد مد الجور باعه و اسفر الظلم قناعه و دعا الغي اتباعه فلبوه من کل جانب و اوان و اجابوه باللسان و الجنان فالمستکن في القلب من الاحوال العجيبة و المعاني الغريبة کيف يتأتي بيانه و الحال هذه و المستجن في الصدر من لطايف الصور و الحقايق کيف يمکن ابرازه لمن هذا اوانه و زمانه. و قد احببت ان‌تأتيني هذه المسائل في غير هذه الحالة لاؤدي بعض حقها من التحقيق و اوصل السالک سبيل المعارف و الحقايق سواء الطريق ولکني آت الآن بما هو الميسور المقدور و ما اتمکن من رسمها في السفر مع تبلبل البال بمعاناة الحل و الارتحال و اکتفي بالاشارة و الوح بصريح العبارة اعتماداً علي ذلک الفهم العالي و الادراک السامي و جعلت سؤاله ايده الله و ابقاه متنا و جوابي کالشرح له ليطابق کل جواب بسؤاله.

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 518 *»

قال سلمه الله تعالي: المسألة الاولي: هل يصدر من الواحد اکثر من واحد ام لا؟

اقول: اما في الامکان فلايمکن لان الواحد الحقيقي في عالم الامکان ممتنع الوجود لان الحادث له جهتان احداهما الدلالة علي مبدئه و الثانية ظهور کينونة نفسه بابداء شؤوناته المختلفة مما ينزه مبدؤه عنها؛ مثلاً الجسم له مقامان: احدهما مقام انه اثر مخلوق فيدل علي خالقه و مؤثره. و ثانيهما مقام ان له حيز و صورة و حدود و اجزاء و قرانات و ترکيبات. و لاشک انه بهذه الجهة حجاب من مبدئه ينزه خالقه و صانعه عن تلک الصفات و الاقتضاءات. و هکذا الکلام في النفس و الروح و العقل و غيرها مما يوجد في الامکان المتحقق بکن فيکون و متعدد الجهات مرکب مختلف. فالحادث محال ان‌يکون بسيطاً واحداً من جميع الجهات و لذا قالوا: ان کل ممکن زوج ترکيبي. و حيث لا وحدة في الامکان وجب ان‌يقال: اطلاق الواحد علي الممکن اضافي نسبي و الا فلا واحد الا الله سبحانه. فوجب تقييد الواحد الامکاني بالواحد من حيث الوحدة.

فنقول: ان الواحد من حيث الوحدة لايصح ان‌يصدر منه الا الواحد. کذلک لما علم بالضرورة ان بين الصادر و المصدر يجب ان‌يکون مناسبة تصحح صدور ذلک الصادر عنه لا غير و الا لصح صدور کل شيء من کل شيء و هو في البطلان بمکان. الا تري ان الحار من حيث هو کذلک لايصدر منه البارد و الرطب من حيث هو کذلک لايصدر منه اليابس و الحمرة من حيث هي کذلک لاتصدر منه البياض کالبياض و الحمرة من حيث هي لاتصدر منها الحمرة کالحمرة و هکذا. فلابد من جهة خاصة في المصدر بها يصح صدور ذلک الصادر منه و هو معلوم واضح لمن انصف و تدبر، و هو اجماع من جميع العقلاء من الحکماء و غيرهم حيث قالوا: الواحد لايصدر منه الا الواحد.

الا ان خلافهم في ان المناسبة مع ذات المصدر او فعله و به امتاز المحق من المبطل فحينئذ لايمکن ان‌يتعلق جعله من حيث مناسبته لمجعول خاص بتلک الجهة و الحيثية بغير ذلک المجعول. فان ذلک الغير اما ان‌يکون مساوياً مع ذلک المجعول من جميع الجهات ارتفعت الاثنينية. و

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 519 *»

ان کان مغايراً جاء التناقض و اجتماع الضدين فيکون حين يصدر الاسود من حيث هو منه يصدر منه اللاسود و تجويز ذلک مکابرة للضروري و مصادمة للبديهي. و يلزم من ذلک جواز صد ور کل شيء و لايقول به عاقل. فاذن لايمکن ان‌يصدر من الواحد من حيث هو کذلک اکثر من واحد من حيث هو کذلک. فالکاتب من حيث هو کاتب لايصدر عنه القيام و القائم من حيث هو کذلک لايصدر عنه القعود و هکذا في جميع الافعال و الاحوال. و اليه الاشارة في قوله تعالي لمن يعقل ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه و القلب هو الفاعل و ان کان بواسطة الجوارح. هذا حال الممکن الحادث المخلوق.

و لما کان حقيقة الممکن هي الفقر و الاحتياج و صفاته و جهاته صفات الفقر و الاحتياج، و حقيقة الواجب هي الغني و الاستقلال و صفاته صفات الغني و الاستقلال وجب ان لايوصف کل منهما بما يوصف به الآخر فيجب نفي صفات الممکن و احواله و صفاته الذاتية. فالممکن و صفاته بجميع شؤوناته و اطواره و مقتضياته صفات سلبية للواجب سواء کانت صفات کمال او نقص و هو قوله تعالي سبحان ربک رب العزة عما يصفون و قول مولانا الرضا7 کل ما في المخلوق يمتنع في خالقه.

فاذا امتنع شيء في الامکان من ظهور آثار القدرة لايجب ان‌تمنع في الواجب لما ذکرنا من ان الممکن و احواله فقر و الا لزم مساواة الفقير مع الغني بالذات؛ بل ما يتعلق باظهار القدرة مما لايستلزم نقص وجب ان‌يکون واجباً في الواجب لعموم قدرته و سعة رحمته. و لذا تصفه بانه قريب من حيث بعده و بعيد من حيث قربه، عال من حيث دنوه دان من حيث علوه، ظاهر في عين خفائه و خفي في عين ظهوره بلا اختلاف جهة و لا حيث مع انه في الممکن ممتنع. فاذا جاز ذلک وجب ان‌يکون ما امتنع في الممکن من صدور اکثر من واحد من الواحد، وجب ان‌يمتنع ذلک في الواجب و الا لساواه. و قد نص علي ما ذکرنا مولانا الصادق7 في دعاء کل يوم من شهر رمضان في قوله7 لايشغله علم شيء عن علم شيء و لا خلق شيء عن خلق شيء. فاذا لم‌يشغله خلق شيء عن خلق شيء فحين صدور شيء عنه يجب

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 520 *»

ان‌يصح صدور غيره عنه و الا لشغله خلق شيء عن خلق شيء. فاذا طابق العقل و النقل و الوجدان يجب التصديق له و التسليم و الاذعان. فاذن يجب ان‌يکون الله سبحانه قادراً علي ذلک اي ان‌يصدر عنه سبحانه اکثر من واحد و هو المطلق. و هذا کلام جري علي ظاهر المقال من دليل المجادلة بالتي هي احسن الذي هو اضعف جهات الاستدلال.

و اما اذا نظر الي ما هو المعروف في الفطرة الاولي عند اهل البصيرة الالهية و ما جري علي السنة العلماء فهذا الکلام ساقط من اصله لان الذات من حيث هي لايباشر الخلق و لايتصل به و لايقترن به و لاتجتمع معه فلا نسبة و لا اقتران و لا انفصال و لا اتصال و لا تباين و لا تساوي و لا عموم و لا خصوص انقطعت عنده سبحانه النسب و الاضافات و عدمت عنده جهات القرانات. و هو سبحانه احدي الذات و ذلک معلوم بضرورة الاسلام و الايمان. و الفاعل من حيث هو فاعل لايکون الا بالفعل لان المشتق لايصدق الا بالمبدأ و هو الفرع لاتفاقهم علي ان الاشتقاق اقتطاع فرع من اصل. فوجب ان‌يکون الاسم الفاعل متأخراً عن الفعل و الفاعل الموجد المصدر لايکون الا متعلقاً و مشتقاً و هو لايکون الا متأخراً و قد اجمع علي ذلک اهل المنقول من اهل العربية و اللفظ لايخالف المعني و الاسم علي طبق الحقيقة فلنقطع الکلام و قد اشبعنا الکلام في هذا المقام في عدة مواضع من رسائلنا و مصنفاتنا و اجوبتنا للمسائل. و قد جعلنا هذه المسألة من الضروريات بالادلة القطعية من العقلية و النقلية و الآن ليس لي اقبال شرحها و تحقيقها مع انه يؤدي الي تطويل المقال و يخرجنا عما نحن فيه.

و بالجملة قولهم: ان الواحد لايصدر منه اکثر من واحد، ان کان مرادهم انه لايمکن ان‌يصدر من الواحد الذي هو الله سبحانه اکثر من واحد فغلط واضح فانه سبحانه لايقاس بخلقه. و ما دل علي امتناع شيء في الامکان لايدل علي امتناعه في القديم؛ بل کلما يمتنع في الامکان يجب اثباته في القديم الا ان‌يستلزم نقص في اثباته في القدم؛ مثل الکثرة و العدم و اللاشيئية و امثالها فان کلها نقص في حقه تعالي. فقولهم: ان الکثرة في عين الوحدة، و

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 521 *»

الوحدة في عين الکثرة، و الجمع بين الوجود و العدم و الشيئية و اللاشيئية يمتنع في الامکان فيجب اثباته في القديم، ساقط من اصله لما بينا ان الکثرة و العدم نقص و اثباته عليه سبحانه محال من هذه الجهة، و الا فاي مجال للعقل في ادراک ما يستحقه سبحانه من الصفات و الکمالات. و ما يثبته العقل کله يرجع الي الکمال و النقص و قد قال اميرالمؤمنين7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الآلات الي نظائرها فالادوات و الآلات الامکانية کيف تصل الي القديم الحق سبحانه و تعالي؟ و قد قال مولانا الصادق7 ان کلما ميزتموه باوهامکم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلکم مردود اليکم. و قد قامت ضرورة الدين علي ان الذات الحق سبحانه لاتدرک و البراهين العقلية لاتصل اليه و ذلک معلوم واضح لمن جانب التقليد.

و ان کان مرادهم ان مع امکان صدور الاکثر من واحد منه تعالي ما صدر منه سبحانه الا الواحد فهو صحيح لا لامتناع ذلک عليه سبحانه؛ بل لان صنعه سبحانه و ايجاده لما کان يجب ان‌يکون علي احسن ما يمکن و اشرف، و الطفرة في الوجود باطلة، و قاعدة امکان الاشرف متجهة فوجب ان‌يکون اول ما صدر عنه سبحانه واحداً لانه اشرف من الکثرة، و البساطة اشرف من الترکيب فلايمکن في الحکمة العدول منه الي غير الاشرف، لانه ترک الاولي و لايجوز علي الله سبحانه لانه سبحانه عاقب انبياءه بترک الاولي و هو سبحانه لايفعل ما يعيب عليه غيره، و هو سبحانه يقول اتأمرون الناس بالبر و تنسون انفسکم.

فاول ما صدر في الجعل الاول يجب ان‌يکون واحداً ولکن الواحد الحقيقي کما ذکرنا سابقاً غير موجود في عالم الامکان، فذلک الواحد المجعول اولاً ليس بواحد حقيقي لايمکن فرض الکثرة فيه بحال من الاحوال. فهو بالنسبة الي کل ما عداه واحد ولکنه في نفسه متکثر و بالنسبة الي ما عداه بسيط. و ان کان في نفسه مرکباً و هذا هو حکم الواحد الذي في مبدأ الاعداد فانه متکثر قد غلبت عليه جهة الوحدة. نعم وحدته بالنسبة الي باقي الاعداد و الا فلا واحد الا الله سبحانه. و علي ما ذکرنا فابن امرک فانه القول الفصل و المذهب الجزل. فلو

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 522 *»

شافهنا جنابک لاوضحنا لک الامر الا ان الاشارة الي المراد. و قد فصلنا هذه المسألة و شرحناها کمال الشرح و اجبنا عن جميع ما يرد عليها في کتابنا اللوامع الحسينية.

قال سلمه الله تعالي: ما اول صادر عن الله جل جلاله؟

اقول: لما قضت الضرورة بان الطفرة في الوجود باطلة و ان ما قرب من مبدئه کان اشرف مما بعد عنه وجب ان‌ينظر الي اشرف الموجودات و افضلها فان وجد فذاک اول الصادر. فنقول: انه قد قام الاجماع من المسلمين و من الفرقة المحقة ان محمداً9 اشرف الموجودات و افضلها و لم‌يخلق الله سبحانه خلقاً افضل و لا اشرف و لا اکرم منه. و کل ما خلق الله سبحانه من خلقه و ان عظم مقامه و جل شأنه دون مقامه و مرتبته. فلا فخر قبل فخره و لا شرف قبل شرفه و لا سؤدد قبل سؤدده و هو سيد الموجودات و اشرف الکائنات و خيرة الله في جميع البريات بجميع المقامات. و لا شک في ذلک و لا ارتياب عند کافة اهل الاسلام.

و عند الفرقة المحقة يشارک النبي9 اميرالمؤمنين و اولاده الطيبون: في تلک المزايا و الشرف و هو هم سلام الله عليهم مساوون في الحقيقة و الذات و ان کان النبي9 له الفضل من باب التشکيک لا غير ذلک. و قد نص الله سبحانه ان اميرالمؤمنين7 نفس النبي9 في آية المباهلة و نص ايضاً سبحانه و تعالي ان الولد جزء لوالده في قوله تعالي و جعلوا له من عباده جزءاً و قوله تعالي ذرية بعضها من بعض و من تبعيضيته [تبعيضية ظ] و الجزء من سنخ الکل و الجزء و الکل حقيقة واحدة.

و ما عند القوم من ان الجزء مقدم علي الکل تصديق ذلک يستلزم بطلان ما اجمع المسلمون و الفرقة الناجية علي اثباته و هو عدم تقدم آل‌محمد سلام الله عليهم جدهم9 في الوجود و تأخرهم عنه ايضاً لايجوز بنص القرآن حيث جعل الولد جزءاً لولده [لوالده ظ] فلم‌يبق الا انهم: في الوجود مساوقون لوجوده9 و هو قوله

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 523 *»

7 کلنا محمد اولنا محمد آخرنا محمد اوسطنا محمد و اليه الاشارة في الزيارة اشهد ان ارواحکم و نورکم و طينتکم واحدة. و في الاحاديث الکثيرة الدالة علي ان محمداً و علياً صلي الله عليهما و آلهما کانا نوراً واحداً في الاصلاب الطاهرة و الارحام المطهرة الي ان افترقا في صلب عبدالله و ابوطالب و امثالها مما يدل صريحاً علي انهم: حقيقة واحدة ظهرت باربعة‌عشر.

فالحقيقة واحدة و الحدود مختلفة کاختلاف حدود الانسان الا ان حقيقة الانسان ظهرت بحدود مختلفة في افراد غير متناهية و تلک الحقيقة ظهرت بحدود مختلفة في افراد متناهية و هي اربعة‌عشر. و هذه الاربعة‌عشر لهم حقيقة واحدة قد تعلق بها جعل واحد کحقيقة الانسان فانها حقيقة واحدة تعلق بها جعل واحد و افرادها حصص من تلک الحقيقة و التفاوت بين الافراد من حيث الحدود و العوارض الخارجية. و اما هي فحقيقة واحدة تصدق علي الافراد علي المتواطي کما قالوا.

فاذا ثبت و وضح بالضرورة ان محمداً و آله المعصومين سلام الله عليهم هم افضل الخلق و اشرفهم و اعلاهم فلايخلو اما انهم هم الصادر الاول من حيث الحقيقة و الذات و المجعول الاول و المخلوق الاول و اول ما تعلق به الجعل و الايجاد و الصدور اولاً؛ بل الصادر الاول و المجعول الاول غيرهم و هم في اواسط الوجود و اواخره، او اول اضافي. فان کان الاول ثبت المطلب و حصل المقصود و ذلک ما کنا نبغي. و ان کان الثاني جاءت الطفرة و بطلت قاعدة الامکان الاشرف و کان ما بعد المبدأ انور و اشرف مما قرب عنه و ما قرب الي المبدأ اخس مما بعد عنه.

و الفاعل ما کان عالماً بالاشرف حتي يوجده اولاً؟ او کان عالماً فرجح مرجوحاً و فضل مفضولاً و اتي بخلاف الحکمة و ترک الاولي في الاحداث و الايجاد و جعل الاصل فرعاً و الفرع اصلاً و قدم ما حقه التأخير و اخر ما حقه التقديم؟ او ان الخلق حقيقة واحدة فلاتکون کاملة و لاتکون [يکون ظ] الفاعل کاملاً لان الکامل اذا لم‌يکن له جمال و نور لم‌يکن کاملاً. و لما ان الفاعل انما يعرف کماله بفعله، و نقص الفعل دليل علي ضعف الفاعل و قلة نوره،

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 524 *»

او علي بخل الفاعل و حرصه علي جميع ما عنده، او مانع يمنعه عن الاتيان بما هو الاکمل الانور الاتم. و الکل باطل لايلتزم به من کان له ادني روية و شعور و ادراک. و حيث بطل الثاني ثبت الاول و هو المقصود. فکان محمد و آله صلي الله عليهم هم حقيقة واحدة هي الصادر الاول.

فان قلت: ان الشرافة قد تکون من جهة سبقه في الوجود و قد يکون من جهة الرتبة الجامعة و لعلهم : شرافتهم من جهة الاولي دون الثانية.

قلت: الرتبة‌ الجامعة‌ انما تتحقق عند تنزل الحقيقة الاولي العليا الي مراتبها و مقاماتها بحکم الاقبال و الادبار فهي واحدة في المبدأ الاول و متکثرة في الکون الثاني. و ذلک لاينافي کونه اولاً؛ بل لايکون الشيء ذا مراتب الا بتنزله من المرتبة الاولي الي کينونات قد حصلت بالتنزل بلحوق الحدود و الاعراض و الاضافات کالحبة المزروعة المتنزلة الي مراتبها في اطوار الشجرة و الاغصان الي ان‌ترجع الي ما کانت اولاً فلا فرق في المقامين. و کل شريف يجب ان‌يکون اولاً و ان کان آخراً و کل آخر هو شريف يجب ان‌يکون اولاً و کل خاتم هو الفاتح کما ان کل فاتح هو الخاتم. فهم سلام الله عليهم مبدأ الوجود و مصدر الغيب و الشهود.

فان قلت: انک ذکرت في المسألة الاولي ان مبدأ الخلق و الصادر الاول يجب ان‌يکون واحداً فلو کان الصادر الاول هم اهل‌البيت: ناقض کلامک قلت: لاتناقض اصلاً لانا بينا ان الواحد الحقيقي الذي لا شوب للکثرة فيها لايمکن في عالم الامکان و الحدوث. و لذا قالوا کل ممکن زوج ترکيبي. فالواحد الاول الذي هو المجعول الاول حقيقة واحدة الهية اولية و الکثرات شؤون ذلک الواحد. اما سمعت الله يقول خلقکم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً کثيراً و نساء و قال تعالي ما خلقکم و لا بعثکم الا کنفس واحدة و قال تعالي و ما امرنا الا واحدة کلمح بالبصر و قال تعالي ما تري في خلق الرحمن من تفاوت. فالمبدأ الاول حقيقة واحدة و لما کان تلک الحقيقة انما وجدت بکن فيکون فمن حرکة الامر [الذي ظ] هو الاسم الفاعل تحدث الحرارة و

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 525 *»

من سکون المجعول و کونه متعلق الامر و الفعل تحدث البرودة و من نسبة الفعل الي المفعول تحدث الرطوبة مع الحرارة لانها وجه الفاعل و من نسبة المفعول الي الفاعل تحدث البرودة مع اليبوسة فحصلت الطبايع الاربع و قارنت بالوجوه الثلاثة للشيء الحاصلة من اصل الترکيب و هي الجزءان مع الهيئة الترکيبية و المجموع سبعة و هذه السبعة ثنيت بالاجمال و التفصيل و الغيب و الشهادة فکانت اربعة‌عشر و هي السبع المثاني. و هذه الوجوه في المبدأ اجمالية غير ظاهرة قد غلبت عليها جهة الوحدة کما تقول رجل صفراوي او سوداوي علي انه لايخلو من ساير الطبايع و انما سميته بالطبيعة الغالبة. و کذلک القول في الحقيقة المحمدية فانها واحدة لا تعدد فيها کالواحد الذي في مبدأ الاعداد. فاذا نظرت اليها من جهة مبدئها و من جهة انها هي المبدأ کانت واحدة، و هي من نفسها و تفاصيل احوالها کانت متعددة. ألا تري ان الواحد بالنسبة الي غيره واحد و بالنسبة الي نفسه جميع الکثرات انما تتولد منه. فانک اذا نظرت الي نفسها وجدته ثلاثة من حيث الجهة العليا و السفلي و الجامعة بينهما الرتبة الجامعة. و الثلاثة اذا نظرت الي نفسها و نسبت بعضها ببعض و ضربتها في نفسها ظهرت تسعة فاذا اضفت اليها الواحد الاول وجه المبدأ کانت عشرة و اذا لاحظت نسبة بعضها ببعض و ضربتها في نفسها کانت مائة و اذا کعبت العشرة کانت الفاً و هکذا. فجميع الکثرات انما تولدت من الواحد بما کان مذکوراً فيه بالذکر الاجمالي. فهو واحد في الظهور و متکثر في البطون کما هو شأن الامکان.

فالحقيقة المحمدية9 لامکانها لابد ان‌تکون متکثرة ولکن لکمالها و شرافتها يجب ان‌يکون في اشرف مقامات الکثرة من اقرب الکثرات الي الواحد. و لما کانت السبعة هي العدد الکامل و کمالها في تثنيتها کما برهن في محله و حقق في موضعه وجب ان‌ لاتزيد کثرة تلک الحقيقة الوحدانية الاولية الالهية و تعددها عن اربعة‌عشر بحکم مستقر و امر مقدر.

فظهر لک کمال الظهور ان الحقيقة المحمدية9 اول الصادر و هي واحدة في الحقيقة و اربعه‌عشر في الظهور. و الروات (الروايات

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 526 *»

ظ) الکثيرة البالغة حد الاستفاضة بل حد التواتر مشاهدة [شاهدة ظ] عليه و قد طرق سمعک احاديث خلق انوارهم و انها کانت قبل الخلق، و رواية جابر بن عبدالله الانصاري عن النبي9 انه قال اول ما خلق الله نور نبيک يا جابر و رواية عباس بن عبدالمطلب و رواية ابن‌مسعود و غيرها من الروايات التي کادت تبلغ حد التواتر. و في الزيارة الجامعة فبلغ الله بکم اشرف محل المکرمين و اعلي منازل المقربين و ارفع درجات المرسلين حيث لايلحقه لاحق و لايفوقه فائق و لايسبقه سابق و لايطمع في ادراکه طامع و غيرها من الروايات. و لاينبغي ان‌يشک في انهم هم الصادر الاول مؤمن موحد يؤمن بالله و رسله و خلفائه. فان الضرورة قاضية بذلک و العقل و النقل متفقان بما هنالک.

ثم اعلم انه قد اختلفت الروايات في الصادر الاول ففي بعضها انه العقل کما في قوله7 اول ما خلق الله العقل و في بعضها انه عقل محمد9 و في بعضها انه روحه9 و في بعضها انه الماء و في بعضها انه الهواء و في بعضها انه النار و في بعضها انه المشية و في بعضها انه الاختراع و الابداع و في بعضها انه النور و في بعضها انه نور محمد9 و في بعضها انه النفوس المقدسة المطهرة. و هذه الروايات مشهورة معروفة قد وقع نظر جنابک عليها فلايحتاج الي ذکرها و تکرارها ليکون کناقل التمر الي هجر. و هذه الاختلافات مرجعها شيء وا حد و الاختلاف انما هو في التعبير کقول الشاعر:

و ما الوجه الا واحد غير انه          اذا تعدد [انت عددت ظ] المرايا تعددا

و اما ما ورد انه العقل فالمراد به عقل محمد9 فلا اسبق منه فيکون العقل عقله کما قال9 اول ما خلق الله عقلي الا ان هذه الاولية اضافية لا حقيقية و هي بالنسبة الي ساير الموجودات المقيدة و الحقايق المجردة و الروحانيات المستعدة کما نص عليه مولانا الصادق7

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 527 *»

علي ما رواه في الکافي ان العقل اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش. فالعرش هو الحقيقة المحمدية و ارکانه اربعة و هي مراتب الحقيقة المقدسة من العقل و الروح و النفس و الجسم. و العقل و الروح الجانب الايمن منها و النفس و الجسم الجانب الايسر و العقل الايمن الاعلي و الروح الايمن الاسفل و النفس الايسر الاعلي و الجسم الايسر الاسفل.

و حيث ان عقله9 اصل للعقول و روحه اصل للارواح و نفسه اصل للنفوس و جميع ما عداها تابعة لها فکان العقل اول المخلوقات المجعولات المقيدة الظاهرة و ان کانت قبله مراتب لکنها اسباب الوجود العقل کما تقول اول ما کتبته الالف مع ان الحرکة حرکة اليد و القلم و الدواة و اللوح قبلها. و اما ما ورد انه الروح فالمراد به العقل لان الروح برزخ بين العقل و النفس فيجري عليه حکم کل واحد منهما. و اما ما ورد انه الماء فهو الماء الذي به حيوة کل شيء. و قد علمت ذلک المذهب علي ان حيوة الاشياء و وجودها و تحققها و ثبوتها بالحقيقة المحمدية9‌ بحيث لو لم‌يکن نظرها اليها ساخت الارض باهلها اي ساخت ارض الامکان و الاکوان و الاعيان لانها المقصود في الايجاد و ماسواها انما خلقت لها کما يفصح عنه قوله تعالي في الباطن و اصطنعتک لنفسي و قوله تعالي في الحديث القدسي لولاک لماخلقت الافلاک و الروايات الدالة علي ان الارض لو خلت عن الحجة لساخت باهلها و تلک الحقيقة هي المقصود للذات في خلق الذوات و الصفات و ماسواها فروع و توابع، و هل يبقي الفرع بدون الاصل و التابع بدون المتبوع؟ فهي الماء الذي منه کل شيء حي. و لو کان المراد به الماء الذي هو احد العناصر ينتقض بالعنصر الآخر فانه حي و ليس وجوده به لان حيوة کل شيء بحسبه. و لو کان المراد لاجل انه احد ارکان وجود الشيء و عممنا العناصر بالروحاني و الجسماني ليشمل العوالم المجردة و الافلاک البسيطة، فلا فائدة في الاختصاص بالماء بل کل من هذه العناصر يفيد هذه الافادة فلا معني لتخصيصه به.

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 528 *»

و اما ما ورد من انه هو الهواء فالمراد بالهواء في استعمالات اهل‌البيت: في امثال هذه المقامات الشيء الموجود الغايب من غير نوع الاجسام من عالم الغيب. فالنفس المجردة و الروح البسيطة يطلق عليها الهواء کما في قول مولانا الحسن7 ان الروح متعلق بالريح و الريح متعلق بالهواء و يطلق علي الغيب المطلق کما في قوله7 ما معناه کان الحق ظاهراً في عماء فوقه هواء و تحته هواء و في قول اميرالمؤمنين7 ان قلت الهواء صفة فالهواء من صنعه.

فبالجملة فبتتبع اخبار اهل العصمة: مع التدبر التام يظهر لک هذا المعني من موارد استعمالاتهم: و حينئذ فالمراد بالهواء هو الغيب. و لاشک ان الموجودات کلما قرب الي المبدأ کان ابعد عن الاوهام و الاحلام فکان غيباً. و لما کانت الحقيقة المحمدية9 اقرب الاشياء من الذوات و الصفات و ساير الکينونات الي الله سبحانه کان لن‌يصل الي مقامها طامحات العقول و الافهام و هو الملک في قول علي بن الحسين في الصحيفة و استعلي ملکک علواً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لن‌يبلغ ادني ما استأثرت من ذلک اقصي نعت الناعتين. و الملک حادث مخلوق فاما ان‌يکون المراد به الحقيقة کان غيباً يصح اطلاق الهواء عليه. و ان کان ادني منه فالحقيقة المقدسة اولي بان‌تکون غيباً لانه اعلي من هذا الملک الموصوف بما ذکره7 و لذا قال اميرالمؤمنين7 ظاهري ولاية و باطني غايب لايدرک و اشار ايضاً اليه في بعض الفقرات من الخطبة الشقشقية لمن يعقل و يسمع و هي قوله7 ينحدر عني السيل و لايرقي الي الطير. و تلک الحقيقة هي المراد بالهواء الذي هو اول ما خلق الله.

و اما ما ورد من انه النار فالمراد به نار المشية کما في قوله تعالي يکاد زيتها يضيء و لو لم‌تمسسه نار اي نار المشية. و لما کانت تلک الحقيقة المقدسة هي الزناد القادح بتلک النار کانت المشية وجهاً من وجوهها و الاولية اضافية، او ان المراد بالمشية الفعل الذي به ايجاد الاشياء و

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 529 *»

هي يد الله الباسطة. فالمراد بها تلک الحقيقة ايضاً لانها يد الله الباسطة و عينه الناظرة و جنبه القوي و صراطه السوي.

و اما ما ورد من انه النور فالحقيقة المقدسة هي النور المطلق و الضياء الازهر و النور الذي اشرق به الوجود فامتاز الغيب من الشهود و تبين الموجود من المفقود و هم مثل نور الله الذي ضربه الله سبحانه في الکتاب العزيز الله نور السموات و الارض مثل نوره کمشکوة فيها مصباح.

و اما ما ورد من انه هو الاختراع و الابتداع، فان الاختراع و الابتداع من اسامي الارادة کما في قوله [قول ظ] مولانا الرضا7 الاختراع و الابداعد و الارادة معناها واحد و اسماؤها ثلاثة. و الارادة اما هي المشية کما في احد اطلاقاتها او بحکم المشية کما ذکرنا فراجع.

و اما ما ورد من انه نور محمد9 فهو الاصل و الاضافة بيانية و نور محمد9 نور علي اميرالمؤمنين و نوره نور الائمة الطاهرين. فالنور واحد و الحقيقة غير متعددة فالاحاديث [کذا] و الروايات.

و اما ما ورد من انه النفوس المقدسة المطهرة فهم سلام الله عليهم تلک النفوس المقدسة المطهرة التي طهرهم الله تطهيراً علي الحقيقة فطهارتهم و طهارة غيرهم علي التبعية فالاحاديث و الروايات غير مختلفة المراد و انما الاختلاف في التعبيرات لحکم خفية و اسرار دقيقة غيبية يضيق الصدر باظهارها و لايضيق بکتمانها. و هذا مختصر المقال في جواب هذا السؤال و لولا الکسالة و الملال و قلة الاقبال لاريتک من عجايب المقال في شرح هذه الاحوال ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر ولکن الامور مرهونة باوقاتها.

قال سلمه الله تعالي: هل تفني الارواح بعد مفارقتها للابدان ام لا؟

اقول: جواب هذه المسألة يحتاج الي معرفة الفناء و الروح. اما الفناء فاعلم انه يطلق علي امور: الاول الدثور و الاضمحلال و التغيير و الاحتياج. الثاني انحلال الترکيب و ذهاب الهيئة الاعتدالية المورثة لتحقق

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 530 *»

المزاج الموجب لفقد الحواس و الشعور و الادراک. الثالث العدم و الخروج عن عالم الکون الي عالم الامکان و هو العدم الامکاني. الرابع العدم المحض و هو الهلاک ايضاً يطلق علي هذه المعاني و لايحتاج هذه الاستعمالات الي شاهد من کلماتهم لانها في الظهور بحيث لايحتاج الي الدليل.

و اما الروح فله اطلاقات کثيرة في استعمالات اهل‌البيت: و اطلاقاتهم، لکنا نعرض عن تلک الاطلاقات و نتکلم في الروح الذي هو محل السؤال اي المقارنة للبدن و المفارقة عنها. فنقول: حيث ان الطفرة باطلة بالضرورة و امکان الاشرف و تکوينه مما لابد منه الحکيم الکامل العالم الغير المحتاج القوي القادر الغير المعارض و قد نص الله سبحانه عليه بقوله الحق و ان من شيء الا عندنا و ما ننزله الا بقدر معلوم و قد افرد الشيء و جمع الخزائن لبيان ان الشيء الواحد يتنزل من عالم اعلي الي عالم اسفل کما هو مدلول النزول. و لا ريب ان النزول لايکون الا من العالي الي السافل و لاريب ان العالي اشرف عن (من ظ) السافل.

فاذا عرفت ذلک فاعلم ان حقيقتک التي بها انت المضاف اليها کل شيء الدالة بالاضافة علي انها غير المضافات لضرورة المغايرة بين المضاف و المضاف‌اليه فتقول: روحي و نفسي و جسمي و عقلي و کوني و مکاني و زماني و غيرها من النسب و الاضافات و تلک الحقيقة هي الاسم الذي بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسد و باللون غير مصبوغ بريء عن الامکنة و الحدود مبعد عنه الاقطار محجوب عنه حس کل متوهم مستتر غير مستور کما قال مولانا الصادق7 علي ما رواه ثقة الاسلام في الکافي و غيره في غيره و لما کانت الادوات انما تحد انفسها و الالات انما تشير الي نظائرها و اراد الله سبحانه ان‌يريد بها [ان‌يريها ظ] قدرته و آثار صنعه و يعلمها اسماءه و صفاته فامرها بالادبار و و التنزل الي العوالم و المراتب و المقامات فعند نزولها الي کل مرتبة المعبر عنها بالخزينة اتصفت بصفاتها و لبست لباسها و تحلت بحليتها ليتعدد بذلک انحاء علومها في اطوارها و مراتبها ليظهر بها جلال الله و جماله و عظمته. و لما رأيناها قد تنزلت الي عالم الاجسام و

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 531 *»

تحلت بحلية الجسم علمنا قطعاً انها قد مرت بعوالم اعلي منها و نزلت من الاعلي الي الاسفل الي ان وصلت الي العالم الجسماني المحدود بالعوارض.

فاول ما تنزلت اليه عالم العقول و سيأتي لک ذکر العقل و حقيقته. ثم تنزلت الي عالم الارواح مقام الرقائق و ورق الآس ثم تنزلت الي عالم النفوس و تشخصت و تمايزت و استحقت للتکليف من الله سبحانه تعالي فکلفها فقبلت او انکرت فجري عليها حکم القبول و الانکار علي نهج الاستقرار و الاستيداع. ثم لما اقتضت الحکمه انزالها الي هذه الدار مقام الاجسام محل النقش و الارتسام لمصالح کثيرة، ذکر منها الامام7 علي ما رواه الصدوق في علل الشرايع.

و لما کان عالم الاجسام في کمال التدنس و الکثافة و عالم النفوس المعبر عنها بالارواح في بعض الاطلاقات في کمال التجرد و الشرافة، فالاتصال [فللاتصال ظ] بين هذين العالمين لابد من وجود عالم برزخ بينهما لاتکون في الکثافة مثل الاجسام و لا في الرقة و اللطافة مثل النفوس و هو المسمي بعالم المثال و عالم الاظلة في بعض الاطلاقات. فالنفس المعبر عنها بالروح قد تعلقت بالمثال و تحلت بحلية عالمه و لبست لباسه ثم تعلقت بالجسم و لما اراد الله سبحانه تعالي اماتة الشخص لمصالح کثيرة و مقتضيات عظيمة لايسعنا الآن ذکرها لادائه الي التطويل، فاول ما ينزع عنه لباس الجسم و بقيت النفس لابسة حلية المثال مستقرة في عالمه و موجودة فيه. نعم انتزعت عن البدن الجسماني فالبدن اضمحل و دثر و ذهبت الصورة الترکيبية و لم‌يقدر ان‌يحفظ الصورة النوعية. ففني الجسم و بقيت الروح في عالمه فهي اما منعمة او معذبة او ملهي عنها الي تفصيل ربما نذکره فيما بعد. فان اريد بالفناء المعني الاول اي الدثور و الاضمحلال و الاحتياج و التغيير من حال الي حال فهذا المعني ثابت للروح قبل مفارقتها للبدن و بعد مفارقتها عنه. اذ لا شک ان کل ممکن حادث محتاج فقير يمده الله سبحانه بمدده آناً فآناً فهو لايزال في تغيير و استبدال. انظر الي السراج و اعتبر حاله و زواله و فناءه و احتياجه الي المدد آناً فآناً و انحفاظ صوته النوعية تفهم ما اقول.

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 532 *»

و ان اريد بالفناء انحلال الترکيب و اختلال المزاج و فقد الشعور و الادراک فهذا المعني لايحصل للروح بعد مفارقتها عن البدن فان روح المؤمن اذا کان ممن محض الايمان محضاً في حظيرة القدس جنة الدنيا تتنعم فيها و تأتي کل يوم او يومين او ثلاثة ايام او يوم الجمعة او يوم العيد او کل سنة علي حسب منازلهم و فضائلهم الي وادي السلام و تبقي هناک من طلوع الفجر الي ان‌يصير ظل کل شيء مثله ثم ينادي بها جبرئيل فيرجع بها الي الجنة و ينزلها منزلها التي اعد الله سبحانه له و يأتيها رزقها کل غداة و عشي. و اليه الاشارة في صريح قوله تعالي و لاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله الآية. و قوله تعالي جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه کان وعده مأتياً لايسمعون فيها لغواً الا سلاماً و لهم رزقهم فيها بکرة و عشياً. و لاشک ان في الجنة الاخرة ليس بکرة و لا عشياً و انما هي ظل ممدود و نور موجود.

و ان کانت الروح ممن محض الکفر محضاً فيؤتي بها في بئر بلهوت بوادي برهوت في ارض حضرموت و لم‌تزل تتعذب فيها و هکذا الحال في اهل الجنة و النار الي ظهور دولة آل‌محمد الاطهار: بالعشي و الابکار. فترد الارواح التي في جنة الدنيا و نار الدنيا الي ابدانها و اجسادها و ترجع الي ان‌تموت او تقتل و تذوق اهل النار العذاب الادني في الدنيا باجسامهم و اجسادهم. و تستمر بهم الحال علي هذا المنوال الي ان‌ينفخ في الصور فاذا نفخ في الصور فصعق من في السموات و الارض اي سماء المقبولات و ارض القابليات. و تموت الارواح و الاشباح و النفوس و العقول و کل شيء سوي وجه الله بمعني اضمحلال الترکيب و تفرق الاجزاء و ذهاب الصورة النوعية.

و تکون حال الارواح و باقي المجردات بين النفختين کحال الاجسام و الاجساد في هذه الدنيا عند مفارقة الارواح عنها حرفاً بحرف لان نسبة الاجزاء الروحانية و العقلانية و الجسمانية من حيث الترکيب و الجزئية واحدة في کل بحسبه. ففناء الارواح بمعني الثاني انما تکون بين النفختين لا غير الا ارواح المستضعفين فانها ماحيّت حتي تموت بل اذا مات المستضعف تبقي

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 533 *»

روحه ميتة عديمة الحس و الشعور الي ان‌ينفخ في الصور النفخة الثانية نفخة الدفع.

و ان اريد بالفناء المعني الثالث فلايصح کالرابع بالطريق الاولي لقوله7 ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء و انما تنتقلون من دار الي دار و ذلک هو مقتضي الحکمة الالهية و کينونة الايجاد و الموجودات الغيبية و الشهودية و تفصيل المقال في هذا [هذه ظ] الاحوال يؤدي الي تطويل المقال و فيما ذکرنا کفاية لاولي الدراية.

قال سلمه الله تعالي: ما ارض الجنة و النار و سماؤها؟

اقول: ان الله سبحانه يبدل الارض غير الارض فارض الجنة طيبة طاهرة تقية نقية زکية کالفضة الصافية حصاؤها اللؤلؤ و المرجان و نباتها الزعفران و ارضها مشرقة انور من الشمس المضيئة الآن و هي متسعة؛ يعني تتسع هذه الارض بعد تبديلها و تصفيتها بما لايدخل تحت القياس و لايحيط بها حواس الناس. و قد روي ان من ادي زکوة ماله يخلق الله سبحانه تعالي له جواداً فيقول له ارکب هذا الجواد و ارکض في ارض الجنة سنة فما بلغ جوادک فهو لک و انه ليقطع في اقل من طرفة عين بقدر الدنيا سبع مراتب الحديث. و هذا جزاء اداء الزکوة فقط فما ظنک باقامة الصلوة التي هي اعظم و اعظم و اعظم لانها خير موضوع و هذا هو العطية الاولي. فاذا صارت الجمعة و زار محمد [محمداً ظ] و آله فان زيارتهم سلام الله عليهم زيارة الرب کما ان طاعتهم طاعة الرب و محبتهم محبة الرب و هکذا. فيضاعف الله سبحانه تعالي عند الزيارة في کل جمعة ضعف ما عنده سابقاً و هکذا شأنه في کل جمعة. و الضعف اما زيادة في المثل او زيادة بالضرب. و علي التقديرين فانظر ماذا تري، و الامر اعظم و اعظم و اعظم في السعة. و هي الارض الدنياوية التي کانت مطوية فتتسع في الجنة الا ان سعة جنة الدنيا اکثر من الدنيا اذا کانت مستقيمة کسعتها في الرجعة بسبعين الف مرة و سعة جنة الاخرة اکثر من سعة جنة الدنيا بسبعين الف الف مرة. و هذا کلام تقريبي و استغفر الله من التحديد بالقليل.

و قولي: ان الارض تبدل کما في الآية

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 534 *»

الشريفة، ليس تبديلاً حقيقياً بحيث تکون الثانية غير الاولي بل هي هذه الارض لکنها علي حالة وقت کان طالع الدنيا سرطان و الکواکب في اشرافها و الخلق کلهم علي الخط الاعتدالي في خط الاستواء. و لما تحرکت الافلاک علي خلاف التوالي و حصلت الآفاق المايلة و عصي آدم ربه بمعني ترک الاولي و نسي العهد الذي اخذ عنه في العالم الاول من قوله تعالي و لقد عهدنا الي آدم من قبل فنسي و لم‌نجد له عزماً و نسي بمعني ترک کما في قوله تعالي نسوا الله فنسيهم لا بمعني النسيان الذي هو بمعني السهو، و هو المراد بترک الاولي و اخراج آدم في [من ظ] الجنة. فلما خرج منها قال:

تغيرت البلاد و من عليها     و وجه الارض مغبر قبيح

فالتغيير لايکون الا بثبوت الاصل و تبدل الاعراض. فقوله تعالي يوم تبدل الارض غير الارض يعني تبدل الارض المشوبة و تتصفي عن تلک الکدورات الحاصلة من معاصي اولاد آدم و ساير العصاة المردة عن الابالسة و الاجنة و تبقي صافية طيبة طاهرة، لا ان هذه الارض ارض اخري. کيف؟ و اهل الجنة هم اهل الدنيا و المکان لابد ان‌يکون مناسباً للمتمکن فافهم. فالجنة و النار هما موجودتان الآن علي ما هما عليه في محلهما و مکانهما.

و اما ارض النار فمقابلات [فمقابلة ظ] ما ذکرنا في ارض الجنة حرفاً بحرف بلا زيادة و لا نقيصة و هي ارض سوداء غابراء عفنة جائفة نعوذ بالله منها. و اما سماء الجنة فهي ما يظهر بعد ما تبدل السموات و تتصفي عن لوازم مقتضيات جهات الانيات و صعود ابخرة السيئات من اراضي الانيات و وصولها الي ظواهر تلک السموات و احداث الکسوف و الخسوف و ساير التغيرات و حرکاتها بالتسخير و الغير المتعارف، و حرکات بعض الدوائر علي غير اقطابها کحرة [کحرکة ظ] مائل القمر و تدوير عطارد و غيرهما.

و بالجملة لحقت السموات من عرضيات الارض ابخرة مکفهرة متصاعدات و صارت سبباً لاختلاف تأثيرها و عدم صفاء مقتضياتها. و اذا تصفت و تنقت عن تلک الکدورات رجعت الي اصلها و صفائها و سعتها و کينونتها الاصلية من کونها صفوة الماء اي البحر الحاصل من ذوبان

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 535 *»

الياقوتة الحمراء من خشية الله سبحانه. فاذا ظهر صفاؤها ظهرت سعتها فصار يعطي الجنة لکل مؤمن في الجنة بقدر الدنيا بسمواتها و ارضها سبع مرات. و ذلک اول العطاء و يزداد في کل جمعة عند زيارة‌ الرب بالضعف فانظر ماذا تري.

ان قلت: ان السؤال وقع عن حقيقة السماء و الارض و ما ذکرته وصف رسمي لا بيان حدي و الرسم لايشکف عن الواقع و لايفتح منه باب و لاينال به المراد و ضرب بينهما الف حجاب. قلت: ان هذا الجواب من قبيل قوله تعالي يسئلونک عن الاهلة قل هي مواقيت للناس.

و ان ابيت الا شرح الحال فاعلم بمختصر المقال ان الله سبحانه خلق ياقوتة غلظها سبع سموات و سبع ارضين لا السموات الظاهرة الآن بل السموات الاصلية التي ترجع اليها الاکوان في العود و هي التي کانت في البدو. ثم نظر سبحانه الي تلک الياقوتة بنظر الهيبة فذابت و ماعت خشية لله و استعشاراً لعظمته و استحقاراً لنفسه و انيته کانت ماء رجراجاً و بحراً مواجاً فتلاطمت الامواج و ضربت بعضها بعضاً الي ان تصفت و امتاز الصافي من غيره. فصعدت ابخرة و هي صفو الماء و سلالته و لطيف سره و لبه حاملة لنار الهيبة التي بها ذابت الياقوتة لان العالي انما يظهر في الوجه الاعلي. فلما صعدت تلک الابخرة صفت و تلطفت و رقت و انضمت الي مبدئها فقلت رطوبتها و ظهرت يبوسة مقام مبدئها. فحملت تلک الحرارة العظيمة التي هي وجه باريها فانقلب البخار دخاناً و هو قوله تعالي ثم استوي الي السماء و هي دخان و الماء ناراً. فمن الدخان الموصوف المذکور لا الدخان المظلم المکفهر المغبر. خلق الله سبحانه سماء الجنة لانها اشرف المراتب و المقامات و الطفرة في الوجود باطلة و الصعود يجب ان‌يکون الي ما نزل منه.

فوجب ان‌يکون اول ما تعلق الجعل و الابداع من السموات العالية سماء الجنة علي ما هو عليه. فانبسطت السموات و استدارت و تحققت و تکونت فمادتها صفو ذلک الماء و البحر الحاصل من خشية الله سبحانه و هيبته و عظمته و صورتها کرامة الله و صفة فضله المحيط لراهبين

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 536 *»

هيبته و خائفين مقامه کما قال تعالي و لمن خاف مقام ربه جنتان و هي صورة الاستدارة و هيئة الاحاطة و ظهرت فيها اسماء الله و صفاته و مظهرها الکواکب من الشمس و القمر المرکوزة فيها و الکواکب حملة تلک الهيبة التي بها ذابت الياقوتة و هي الشعلات النارية المستجنة في صفو تلک الابخرة. فلما سفلت خفيت و لما ارتفعت ظهرت کما هو شأن کل عال بالنسبة الي سافله.

و الزبد الصافي الباقي من زبد ذلک البحر لا الذي يذهب بل الذي يوقد في نار العناية بالمشية الکلية ابتغاء حليته التي هي هيکل او متاع للاستمداد بتلک الامدادات الالهية. و ذلک الزبد انضج و اصفي و اعدال ما يکون او يمکن ان‌يکون من الاجسام الباقية بعد صعود الابخرة التي بها مبدأ نشو السموات الاولية. فامتدت من ذلک الزبد الارض العليا و عليها جبل قاف و هي مطاف الاشباح القدسية و مأوي النفوس الطاهرة الغيبية الالهية الجسمانية. و تلک الارض و السماء هي ارض و سماء الجنة ليست مائلة و اقطابها ليست مختلفة و حرکاتها علي اقطابها متساوية و کلها تدور دورة متسعة غير مختلفة. و لاتحتاج الي قاسر و لا مسخر بل تتبع ارادة الله بشهوة انفسها و ميل ارادتها، و تأثير المنطقة و القطب واحد و مقتضي دوائر الکبار و الصغار و غير مختلف. و مشرق هذه الارض و السماء يسمي جابلقا و مغربها يسمي جابلصا و سماؤها تسمي هورقليا و هي لغة سريانية معناها ملک آخر و هو الذي قال تعالي يوم تبدل الارض غير الارض و السموات و هي تطهيرها بعد تلطخها بکثافات الاعراض و موجبات الامراض. و تلک الاعراض و الروابط حيث ان آخر تصفياتها يوم القيامة و هناک يرجع کل فرع الي اصله و تبقي هذه الارض مدداً لاهلها يوم القيامة لان مدد کل شيء من سنخه و لذا ورد: ان هذه الارض تکون نقية يأکلها اهل المحشر الي ان‌يفرغوا من الحساب. فاذا فرغوا من الحساب تنقطع تلک الروابط و النسب العرضية فيکون غذاؤهم اما من الجنة او من النار، و هو قوله تعالي کلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربک و ماکان عطاء ربک محظوراً.

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 537 *»

و ان اردت زيادة بيان في الکشف عن حقيقة سماء الجنة و ارضها فاعلم ان الله سبحانه اخذ قبسة من شعاع نور الحسين7‌ عند ما خلقه و امتحنه و استنطقه و وجده کما احب و اراد في الخلق الاول و القديم الاول فاصطفاه و اختاره و طهره و اجتباه قبل خلق العالم بمائة الف دهر. ثم خلق سبحانه من تلک القبسة و الشعاع الياقوتة الحمراء علي ما وصفتها لک سابقاً فخلق منها سماء الجنة و ارضها.

اما ارض النار و سماؤها نستجير بالله منها، فاعلم ان الله سبحانه خلق بحراً منتناً اسوداً [اسود ظ] و اجراه من حرارة نار الغضب و هو المسمي بالطمطام. ثم تحرک هذا البحر بقوة الظلمة من شمال الکلمة و تصادمت اجزاؤها و انعقدت فصارت حقيقة مظلمة سوداء مدلهمة و هي المعبر عنها بسجين و هي ارض جهنم و سماؤها. و ليس لها سماء الا المراتب السافلة التي تتراکم فيها انواع العذاب. فقطب جهنم سماؤها و ذلک القطب يدور علي اصلين خبيثين مجتثين هما مبدأ الشرور و القبايح في مقابلة القطبين القطب الجنوبي و الشمالي و قطبي النار ظلمتان هما اصل جهنم و نيرانها و سلالها [سلاسلها ظ] و اغلالها و هما ظلمة ابي الدواهي و ابي الشرور. و الارض کما وصفناها من ظلمتها و نتنها و شدة حرارتها محيطة بهم في ظلمات متراکمة و غواسق مدلهمة لايرون ضياء و لاينظرون الي نور صم بکم عمي مشوه الخلقة مغير الفطرة ما اسوأ ما لهم و ما اصبرهم علي النار! نسأل الله النجاة منها بالنبي و آله الاخيار. هذا مقدار ما يمکن من بيان هذه الحقايق و کشف استار تلک الدقايق و لايسعنا الکلام ازيد مما ذکرنا اذ ما کل ما يعلم يقال و لا کل ما يقال حان وقته و الي الله المشتکي خذ ما القينا اليک و الله خليفتي عليک.

قال سلمه الله تعالي: ما محل الجنة و النار الآن و يوم القيامة و ما وقود النار الآن؟

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 538 *»

اقول: اما محل جنة الدنيا الآن فمن وراء جبل قاف من جانب المغرب الي ما شاء الله. و اما محل نار الدنيا فمحلها في حضرموت و هي واد باليمن و في تلک الوادي واد سوداء غبراء يقال لها برهوت و في برهوت بئر تصعد منها لايزال دخان اسود اغبر منتن يقال لها بلهوت و عيون بقر و هي تمتد الي جبال الشام الي جبل اسمه کمد و هذا الجبل ليس من ارض الشام لانها الارض المقدسة و هو واقع علي ظاهرية الشام کالارض السبخة و الماء المالح في الاراضي الطيبة کارض النجف الاشرف و ارض کربلاء علي ساکنيهما آلاف التحية و الثناء.

و جنة الدنيا اصلها وادي السلام ارض کربلاء بحدود الحرم ففي ارض الطف قطب الجنة و لذا کانت مسکن الحسين7 لان الجنة بارضها و سمائها انما خلقت من نور الحسين7 فافهم ضرب المثل و في ارض النجف تفاصيل اصولها و لذا تأوي الارواح الي وادي السلام کل جمعة. و الظاهر انها تأتي لزيارة الرب هناک ليزدادون [ليزدادوا ظ] في النعيم المقيم ثم تمتد من وادي السلام الي ماوراء جبل قاف من ناحية المغرب الي ما شاء الله.

و اما جنة الآخرة فهي في باطن کربلاء و وادي السلام الي جهة المغرب من جابلصا و جابلقا. و نسبة جنة الآخرة الي جنة الدنيا [نسبة جنتها ظ] الي هذه الدنيا اذ ما تري في خلق الرحمن من تفاوت. و هکذا نسبة ‌نار الآخرة الي نار الدنيا نسبة نارها الي الدنيا حرفاً بحرف. و ها انا اضرب لک مثلاً تعرف به حقيقة الامر و لايخفي عليه بعد ذلک شيء من احوال الآخرة و هو ان الجنين في بطن الام لا شک انه في عالم الاجسام و لايستريبه عاقل. فاذا نضجت طينته و استوت قابليته خرج من بطن الام الي هذه الدنيا فيري سعتها و احاطتها ما لايقاس بما في البطن. و هکذا نسبة هذه الدنيا الي الآخرة اي الي البرزخ الذي فيه جنة الدنيا و نارها فانها بطن الام بالنسبة اليها. و کذلک نسبة جنة الدنيا و نارها بالنسبة الي جنة الآخرة و نارها فان الموت ولادة کما ان الولادة موت, و الکل انتقال من عالم الي عالم. و حيث کان الانتقالات في قوس الصعود کان المنتقل‌اليه اوسع و اعظم من المنتقل‌عنه

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 539 *»

کما کان الامر في النزول بالعکس. و لما کان الصعود عود الي ما نزل منه کان العالم المنتقل‌اليه عين المتنزل‌منه و هکذا. فالجنة و النار في محلهما و نحن ننتقل اليه و الخلق ينتقلون اليهما بولادتهم عن بطن الام التي هي الدنيا, ثم عن بطن الام الاخري التي هي البرزخ. فالجنة و النار الاصليين اللتين هما في الآخرة هما المسکن المألوف و الموطن المعروف. فافهم راشداً و اشرب عيناً عذباً صافياً.

و اما وقود النار الآن هو کما قال سبحانه وقودها الناس و الحجارة فان العصاة من اهل النار الآن في النار و لايحسون بها لما هم عليه من سکر الاغترار بهذه الدنيا و احوالها و زخارفها و شهواتها. اما سمعت الله سبحانه يقول الذين يأکلون اموال اليتامي ظلماً انما يأکلون في بطونهم ناراً و يقول سبحانه يصلونها يوم الدين و ما هم عنها بغائبين و يقول ايضا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين و هکذا امثالها من الآيات فان الامام7 قد ذکر ان في القرآن نحواً من ثلاثين آية تدل علي ان اهل النار في النار الآن. و ذلک لا شک فيه و لا ريب يعتريه و ذلک مقتضي حکمة الله سبحانه و تعالي ان‌يصنع کل احد بما هو عليه من سعادة و شقاوة و ما يستحق باعمالهم و احوالهم و اقوالهم الناس مجزيون باعمالهم ان خيراً فخيراً و ان شراً فشراً ولکن الناس اکثرهم لايشعرون. لهم قلوب لايعقلون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم آذان لايسمعون بها اولئک کالانعام بل هم اضل اولئک هم الغافلون. فافهم.

قال سلمه الله تعالي: هل نور القمر من نور الشمس کما تقوله الحکماء ام له نور علي حدة؟

اقول: قال مولانا الباقر7 ان الله سبحانه تعالي خلق الشمس من سبع طبقات طبقة من النار و طبقة من صفو الماء و جعل سبحانه طبقة من هذه و طبقة من اخري حتي اذا کانت الطبقة الاولي الظاهرة المرئية جعلها من نور النار و لذا کانت الشمس حارة مشرقة مضيئة و کذلک القمر خلقه کذلک الا انه

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 540 *»

 تعالي جعل الطبقة الاولي الظاهرة من صفاء الماء و لذا کان ظاهر القمر بارداً يؤثر البرودة و الرطوبة في العالم نقلت معني الحديث. فکانت الشمس ظاهرة بالحرارة و اليبوسة التي من شأنها الاشراق و الانارة لانها حلية الفاعل و صفته و ظهور اثره و کان القمر ظاهراً بالبرودة و الرطوبة التي هي حلية القابل و صفته و ظهور اثره و حقيقتهما واحدة و طبقات وجودهما غير مختلفة الا ان ظاهرهما مختلف ليکونا مثالاً و مثلاً للذين خلقت السموات و الارض و ساير الموجودات لهما. و لما کانت البرودة و الرطوبة ليس فيهما انارة و اضاءة بقي القمر يستمد النور من الشمس و يأخذ عنه و هو قوله تعالي جعل الشمس ضياء و القمر نوراً و الضوء و النور اذا اجتمعا افترقا فيکون المراد بالضياء هنا المنير و بالنور الشعاع و اذا افترقا اجتمعا فيطلق احدهما علي الاخر کقوله تعالي الله نور السموات و الارض و قول اميرالمؤمنين7 انا من محمد کالضوء من الضوء. و اطلق الضوء علي النور في الحديث کما اطلق النور علي الضوء في القرآن. و حيث کانت الشمس مثالاً للنبوة و القمر مثالاً للامامة و الولي يستمد من النبي وجب ان‌يکون القمر يستمد من الشمس و لاينافي کونهما حقيقة واحدة کما ان النبي و الولي کذلک الا ان الفرق کما بينا.

قال سلمه الله تعالي: هل الاسم عين المسمي ام غيره؟

اقول: لاريب ان الاسم دليل المسمي و علامته و آيته و الآية صفة ذي‌الآية و حقيقة الدلالة دلالة الاثر و لايعقل ان‌يکون الاسم عين المسمي الا باعتبار ظهور الشيء بنفسه لنفسه او لعلته فانه في هذا المقام من جهة اسم و من جهة مسمي. و اما في دلالة الاثر علي المؤثر و السافل علي العالي کيف يکون الاسم عين المسمي؟! و الا للزم ان‌يکون الاثر عين المؤثر و هو في البطلان بمکان و قد قال مولانا الرضا7 ان الله خلق اسماء لنفسه ليدعوه بها خلقه فاول ما اختار لنفسه العلي العظيم فاذا کان الاسم مخلوقاً دليلاً علي الله تعالي فکيف يعقل ان‌يکون هو الله؟! و قد قال الصادق7 في حديث هشام يا هشام

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 541 *»

 الخبز اسم للمأکول و الماء اسم للمشروب و الثوب اسم للملبوس و الاسم غير المسمي يا هشام ان لله تسعة و تسعين اسماً فلو کان الاسم عين المسمي لکان کل اسم اله. و قال ايضاً7 فمن عبد الاسم دون المسمي فقد کفر و لم‌يعبد شيئاً و من عبد الاسم و المسمي معاً فقد اشرک و من عبد المسمي دون الاسم فذاک التوحيد. و في رواية اخري و من عبد المسمي بايقاع الاسماء عليه فذاک التوحيد. و في زيارة اميرالمؤمنين7 السلام علي اسم الله الرضي و وجهه المضيء. و عن الصادق7 علي ما في الکافي نحن الاسماء الحسني التي امرکم الله ان تدعوه بها.

و بالجملة لاينبغي الشک في ان الاسم غير المسمي لان الاسم ما انبأ عن المسمي و الخلق کلهم آثار دالة علي الله سبحانه تعالي و الکل اسماؤه و الامام7 هو الاسم الاعظم و النبي9 هو الاسم الاعظم الاعظم الاعظم و الذکر الاعلي الاعلي الاعلي. و هذا معلوم واضح ولکن الاشکال في محل نزاع القوم و المراد من هذا النزاع فان کان المراد من الاسم الاثر الدال علي المؤثر فاي عاقل ينازع في ان الاثر عين المؤثر الا علي مذهب وحدة الوجود الذين لايروون هناک اثراً و لا مؤثراً بل حقيقة واحدة سارية في الحدود کالبحر في امواجه. و ان کان [المراد ظ] بالاسم المفاهيم الذهنية و الصور المنتزعة من اللفظ الحاصلة في الذهن فهناک و ان کان لهم نزاع في ان الشيء [الاشياء ظ] بحقايقها معراة عن الحدود الخارجية تدخل في الذهن او باشباحها ولکن اطلاق الاسم لاينصرف الي هذا المفهوم الذهني و لايقع اطلاق الاسم عليه. و ان کان المراد من الاسم الاعيان الثابتة من حيث ظهور الوجود فيها و کون کل واحد منها مظهر مقام من المقامات الالهية و هذه قد وقع الخلاف في انها هل هي عين الذات و الاعيان مستجنة في غيب [غيبها ظ] کما هو مذهب کافة الصوفية و من يحذو حذوهم کما قال شاعرهم:

فلولاه و لولانا       لماکان الذي کانا

و انا عينه فاعلم      اذا ما قيل انسانا

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 542 *»

الي ان قال:

فاعطيناه ما يبدو    بنا فينا و اعطانا

و کنا فيه اکواناً      و ازماناً و اعياناً

الابيات. و قال آخر الاعيان الثابتة مستجنة في غيب الذات استجنان الشجرة في النواة. و قال آخر الاعيان الثابتة مستجنة في غيب الذات و مندرجة فيها اندراج اللوازم في الملزومات. و قال هذا الآخر في موضع آخر ان هذه الاعيان ليست اموراً خارجة عن ذات الحق بل هي ذاتيات و انيات للحق و انيات الحق لايقبل الجعل و التغيير و التبديل و الزيادة و النقصان. و قال في موضع آخر و الاعيان الثابتة عينه الغير المجعولة و هکذا من ساير اقوالهم ام لا؛ بل الاعيان امور حادثة و اذکار امکانية محلها وجه الاسفل من المشية و بها ظهور الاسماء الالهية و اصل نزاعهم انما يکون من هذا المقام. فان الاشاعرة و الصوفية عندهم ان تلک الاعيان عين الذات. و عند اهل‌البيت: و اتباعهم من الامامية کالاثني‌‌عشرية و من يتبعهم من ساير الفرق ان هذه الاعيان حادثة مخلوقة هي منشأ الاسماء و الصفات ولکن فيه ايضاً تکلف. لان ذلک العين الثابت ليس هو الاسم و انما الاسم ظهور الحق فيه. فالمغفرة ليست اسماً و انما الاسم ظهور الحق بالغفران الذي اشتق منه الاسم الغافر. و بالجملة المسألة في تحرير محل نزاعهم غير منقحة و لو اردنا تحقيقها و تفصيلها يطول بنا المقال و ليس لنا ذلک الاقبال لاسيما في السفر لمعاناة الحل و الارتحال و ساير دواعي الاختلال و اقتصرنا علي الکلام علي موضع السؤال.

قال سلمه الله تعالي: کيف تزيد صدقة الرحم العمر و لکل اجل کتاب؟

اقول: لاشک ان ان لکل اجل کتاب و لا منافاة في ذلک فان هذه الزيادة ايضاً في الکتاب فان في اللوح المحفوظ مکتوب فيه جميع ما يجري علي الشيء في الحادث بجميع صفاته و اسبابه و احواله و متمماته و مکملاته و شرايطه و علله و معداته و جميع ما له و منه و عليه و به و فيه و لديه و هکذا ساير اطواره من

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 543 *»

الاحوال التدريجية و جهات التدريج و تحقق الاشياء شيئاً بعد شيء، کل ذلک في کتاب من قبل ان‌تراها لعلمه السابق و اللاحق و المساوق، و حيث علم سبحانه انه يصل رحمه بالصدقة عليها باختياره و ارادته و شهوته طاعة لله کتب له ذلک فان فعل و زاد فهو في کتاب و ان لم‌يفعل و لم‌يزد فهو في کتاب. فان هذا الکتاب له اوراق و کل ورقة موضع اثبات نوع من الحقايق ففي احداها مکتوب فيها اشياء لاتزيد و لاتنقص و لاتتغير و لاتتبدل بل لايمکن التغيير و التبديل. و هي ثبت الامور التي وقعت فان ما وقع لايمکن ان لايقع.

و في الثانية منها مکتوب فيها اشياء لاتزيد و لاتنقص و لاتتغير و لاتتبدل ولکنه يمکن في حقه ذلک امکاناً و لايوجد کوناً مثل سعادة الابالسة و شقاوة الانبياء و عدم تحقق القيامة للمکافاة و الجزاء و عدم ظهور الامام القائم للانتقام من الاعداء و هذه و ما ضاهاها مکتوب في هذه الورقة و لايقع عليها المحو و الاثبات ابداً في الحکمة و ان کان يمکن في ذلک في القدرة.

و في الثالثة منها مکتوب الاشياء التي تمت شرايطها و وقعت اسبابها علي مسبباتها و عللها علي معلولاتها و مضي التقدير فيها و حتم الامر عليها لکن في بقائه يجري عليها المحو و الاثبات. و هذه الاقسام الثلاثة کلها من المحتومات الا ان في الاولي لايمکن المحو و في الثانية لايقع و في الثالثة يقع.

و في الرابعة منها مکتوب فيها الاشياء المشروطات و الحوادث المقدرات و ان الشيء الفلاني سبب للآخر او شرط له و علة له فاذا وقع الشرط علي المشروط يقع کذا من الآثار و هذه غير محتومة. و کل ما وقع الشرط علي المشروط يحتم و کل ما لم‌يقع فلا، و الانبياء: يخبرون بالذي حتم. و اما عما في الورقة الرابعة فلايخبرون الا اذا علموا ان اسباب وجودها و شرايطها قد تمت و لا مانع لها في الغيب و الشهادة وحده. و هذا القسم ربما يتخلف اخبارهم کما اخبر النبي9 عن موت ذلک الحطاب و قصته معلومة.

و هناک ورقة خامسة جامعة لهذه الاوراق کلها و تلک لايعلمها الا الله و الائمة: يزدادون من تلک الورقة و اليها الاشارة بقوله تعالي ثم قضي اجلاً و اجل مسمي عنده فالاجل المقضي ما في الورقة الثالثة و المسمي ما

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 544 *»

في الورقة الخامسة. و هذه الاحوال التي تجري من الخيرات التي تزيد و تنقص بعد حتم غيرها کل ذلک في ذلک الکتاب. و الي ما ذکرنا من التفصيل الاشارة بقوله تعالي لکل اجل کتاب.

قال سلمه الله تعالي: ما حقيقة العقل حتي يتبين اقباله و ادباره؟

اقول: العقل نور الهي بدأ من الاختراع الاول جوهر مجردة [مجرد ظ] عن المادة الملکوتية و الجسمانية و الشبحية البرزخية و عن المدة المقدارية المثالية و المدة الزمانية اول نور مشرق من صبح الازل و آدم الثالث و اول ولد تولد من آدم الثاني الذي هو الوجود المقيد اعني الماء النازل من سحاب المشية الذي به کل شيء حي. و من حوائه ارض الجرز ارض القابلية اي الماهية الاولي. و هو اول غصن اخذ من شجرة الخلد. و هو القلم في قوله تعالي ن و القلم و ما يسطرون. و هو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش. و هو النور الابيض الذي منه البياض و هو روح القدس و هو الملک المسدد للانبياء و هو العمود من النور الذي يري الامام7 احوال الخلايق. و هو النفس الرحماني الثاني و هو عبد من عباد الله قائم في طاعة الله صورته هيکل التوحيد و صفته الرضا و التسليم و مقامه الرکوع و طبيعته البرودة و اليبوسة في ظاهر ذاته و البرودة و الرطوبة في ظاهر فعله و الحرارة و اليبوسة في اصل ذاته؛ و الحرارة و الرطوبة في مقام قراناته و اتصالاته في اقباله و ادباره و ادراکه المعاني الکلية المجردة عن الصور النفسية و المثالية و الجسمية.

و دليله الموعظة الحسنة و سبيله اليقين و طريقته التقوي و علم الطريقة و صفته الاستقامة و مکانه کل الممکن المکون الموجود بالوجود الکوني و وقته الدهر و هو الوقت الثابت المستمر الذي يجمع المختلفات الزمانية و يفرق مجتمعاتها. و لونه البياض في صفته و السواد في ظاهر ذاته و الحمرة في باطن حقيقته و الصفرة في مبدأ ادباره و مقبل علي الله عزوجل و منقطع عن کل ماسواه قاصر نظره اليه. فانما خلقه الله سبحانه قبل الاکوان و اوجده قبل اطوار الاعيان. قال له سبحانه اقبل اي الي الخلق لاظهار

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 545 *»

نعمة الله و اعلان کلمته و اثبات شواهد قدرته. فاظهر الله سبحانه باقباله الذي هو ادباره عنه حقايق الاکوان و مستجنات غيوب الاعيان. ففي کل مرتبة نازلة اظهر قشره و استتر في لبه الي ان ظهرت القشور المتراکمة فخفي اللب المقصود بالحقيقة.

ثم امره سبحانه بالاقبال فکان اقباله بحسب الاسباب الظاهرية و الباطنية بظهور الاسباب عند بلوغ الولدان الحلم. فهناک اول ظهوره و مقام کمال الولد فيکلف ليکون سبباً لکمال الظهور و مستشرقاً بشوارق النور فهو في اول ظهوره عقل للملکة اي للاستعداد و التهيؤ القريب الي کمال الظهور. فاذا قوي في العلم و العمل کان اقدم للفعل ان‌يکون جميع مدارکه و احواله حاضرة لديه و هو ناظر الي جميع الاحوال السفلية و مطلع علي مراتب الوجودات المقيدة. و اذا قوي ايضاً بالعلم و العمل کان عقلاً مستفاداً فيعود الي بدئه و يحصل له الاتصال بعالم لا نهاية فيقف حينئذ علي باب فوارة النور فلا غاية لادراکاته و لا نهاية لظهوراته. و هذا هو العقل الکلي في العالم الاکبر. و ما في الاشخاص الانسانية شأن من شؤونات ذلک العقل الکلي و قبسة من انواره، و هذا الذي في الانسان هو مدار التکليف و السعادة و الشقاوة و الثواب و العقاب.

و لما کان کل شيء مرکباً من النور و الظلمة و هما متعادلان متعاکسان في الفعل کان للعقل ايضاً ضد و هو ماهيته لکنها ضعيفة مغاوية لتراکم الانوار فيه لکونه من الخلق الاول ولکن العبد اذا انهمک في المعاصي و اعرض عن الله عزوجل و بارزه بالعصيان و الطغيان يضعف ذلک النور و يخفي. فبقدره تقوي تلک الظلمة و تظهر الي ان‌يذهب النور بالکلية و لم‌يبق له اثر و تأثير الا بقدر ما يمسک الوجود و تکثر الظلمة و تقوي الي ان‌يذهب النور بالکلية و يکون لها التأثير و الاثر. فخيفي الوجه الاعلي من العقل الذي هو النور الذي به عبد الرحمن و اکتسب الجنان و تطهر [تظهر ظ,] النکرا و الشيطنة فيبقي للشخص حينئذ ادراک و تميز و يدرک الکليات و يفهم الدقايق و يقع عليه التکليف لکنه لايميل الي الخير و لايحبه و لايقبل علي الله سبحانه و لا علي اوليائه. و انما هو يبغضهم. و هو قوله7 انه ما عبد به الرحمن و الکتسب به الجنان. قيل و الذي في معاوية؟ قال

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 546 *»

7 تلک النکري و الشيطنة و ليست بعقل لکنها شبيهة للعقل. و ذلک هو ما ذکرنا لک من تعاکس الضدين اللذين ترکب منهما الشيخء فضد النور الکلي ظلمة کلية فافهم.

و قد يطلق العقل ماسوي الخارج من الحواس الباطنية کما اذا قالوا المقبول في مقابلة المحسوس.

قال سلمه الله تعالي: ما الفرق بين القضاء و القدر و الامضاء و المشية و الارادة؟

اقول: هذه الاسماء کلها للفعل من حيث تعلقاته في مراتب الشيء الي ان‌يکمل فان الشيء لايوجد في الکوني الا بمادة و صورة نوعية و شخصية و قران تلک الصورة بالمادة لتمامه و اظهاره مشروح العلل مبين الاسباب. و لما کان الشيء بجميع ارکانه حادثاً و الحادث لايوجد الا بفعل المحدث وجب اولاً ان‌يتعلق الجعل بهذه المراتب لتمامه. و الفعل المتعلق بکل مرتبة منها لاسم خاص غير الاسم الفعل من حيث تعلقه بمرتبة اخري. و ان کان کل واحد منها يطلق علي الآخر اذا انفرد بالذکر. فالفعل المتعلق بمادة الشيء المعبر عنها بالکون يسمي مشية و اليه الاشارة بقول مولانا7 في حديث يونس أتدري ما المشية؟ قال لا. قال7 هي الذکر الاول. و لا ريب ان الشيء مبدأ ذکره و اوله وجود المادة و قبل ان‌توجد مادته لا ذکر له و لا تحقق.

و المشية علي قسمين: امکانية و کونية. فالمشية الکونية هي التي ذکرناها و الامکانية سابقة عليها و هي المتعلقة بامکان الاشياء و ذکرها و صلاحيتها لتعلق الفعل اليه. مثاله حرکتک من حيث هي‌هي قبل تعلقها بمتعلق خاص من الاحوال النفسانية الغيبية و الجوارحية الشهودية تجدها صالحة للتعلق بکل ما يمکن ان‌يصدر عنک و يذکر کله علي التفصيل بوجه الوحدة فيها و لم‌يبق الا ذاتک و الذي يمتنع صدوره عنک، و کل ما سوي هذين مذکورين في نفس تلک الحرکة کمذکورية الاعداد کلها في الواحدة و هذه هي المسماة بالمشية الامکانية. و ما ذکرناه اولاً يسمي بالمشية الکونية. الامکانية تسمي ايضاً بالکلمة التي انزجر لها العمق

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 547 *»

الاکبر و عالم الامر و العلم السابق و الولاية المطلقة و الاسم الذي مستقر في ظله فلايخرج منه الي غيره و امثالها من الاسماء.

و الفعل المتعلق بالصورة النوعية الکلية فذلک يسمي بالارادة و هي قد اشار اليه مولانا الرضا7 في حديث يونس قال أو تدري ما الارادة؟ قال لا. قال هي العزيمة علي ما يشاء. و العزم هو الثبات و التثبت و التحقق. و ثبات المادة و تحققها لاتکون الا بلحوق الصورة عليها و ان کانت نوعية اجمالية.

و الفعل المتعلق بمقادير الصورة الشخصية و الهندسة الايجادية من مدة الفناء و البقاء و الآجال و الارزاق و ساير ما يتعلق بها من زمان و مکان و کم و کيف و جهة و مرتبة و ساير الحدود و الاوضاع يسمي بالقدر و هو قوله7 القدر هو الهندسه و وضع الحدود.

و الفعل المتعلق بالزام هذه الحدود و الصور المادة الثانية و جعلها بهذا الاقتران شيئاً واحداً يستحق اسماً واحداً تام الترکيب و الحدود يسمي بالقضاء و هو الترکيب. فبالقضاء يتم الشیء فاذا قضی فلا بداء فی تکوين الشیء فان الشیء قد تم و کمل بالقضاء. فالقدر يوجد و يحصل حدود الشيء و اجزاؤه [اجزائه ظ] و القضاء يرکبه و يتممه و هو قوله تعالي الذي خلقک فسويٰک فعدلک في اي صورة ما شاء رکبک اي خلق مادتک بالمشية و سوّاک اي هياک للتصوير و التخطيط و التحديد بالارادة فعدلک يعني عدل حدودک و اجزاءک علي حسب کينونتک بالقدر و في اي صورة ما شاء رکبک مما تقتضي کينونة ذاتک بالقضاء. ففي القضاء اتمام و عقد ثان و بالقدر حل ثاني [ثان ظ] و بالارادة عقد اول و بالمشية حل اول و حلين مع عقدين لابد منهما فحلله و اعقده.

و الامضاء هو الفعل المتعلق باظهار الشيء مشروح العلل مبين الاسباب تام الخلقة کامل الصنعة. فهذه الخمسة اربعة منها ارکان الشيء و الخامس اظهاره. فالامضاء انما يقع يوم السبت و القضاء يوم الجمعة و اول اقتران القدر بالقضاء يوم الخميس و تمام التقدير يوم الاربعاء و ظهور الارادة في القدر يوم الثلثاء و تمام تحقق الارادة يوم الاثنين و ظهور المشية الذکر الاول يوم الاحد. فافهم و اغتنم و اشکر الله. و من هذا البيان التام ظهر لک ان القدر مقدم علي القضاء و هو المعروف عن ائمتنا:

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 548 *»

کما قال مولانا الکاظم7 بعلمه کانت المشية و بمشيته کانت الارادة و بالارادة کان القدر و بالقدر کان القضاء الحديث. و الروايات بهذا المعني کثيرة بل لاتجد غيرها مما يدل علي غير ما تدل عليه. فلاتغتر اذن بقول من يزعم ان القضاء مقدم علي القدر و ان القضاء حکم اجمالي و القدر تفاصيل ذلک الحکم، و ان کل ذلک خرص و تخمين لايقوم به البرهان.

قال سلمه الله تعالي: معرفة الله تعالي فطرية ام کسبية؟

اقول: ان الممکن الحادث حيث لاتمکنه معرفة الحق سبحانه لان القديم [لاينزل ظ] عن قدمه و الحادث لايصعد الي رتبة الازل و المعرفة بغير ذلک محال. و الله سبحانه انما خلق الخلق لمعرفته کما قال عز ذکره کنت کنزاً مخفياً فاحببت ان‌اعرف فخلقت الخلق لکي اعرف. فوجب علي الله سبحانه ان‌يعرف نفسه خلقه بتعريفه لهم نفسه و بدون لم‌يعرف احد ربه و هو قوله7 في الدعاء بک عرفتک و انت دللتني عليک و دعوتني اليک و لولا انت لم‌ادر ما انت. و قوله7 اعرفوا الله بالله و قوله7 ان الله اجل ان‌يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به. و اذا وجب علي الله سبحانه ان‌يعرفهم نفسه وجب ان‌يکون تعريفه اياهم اجلي و اوضح مما يمکن ان‌يکون من التعريف.

و لما کان التعريف علي قسمين: حالي و مقالي، اجلاهما الحالي و اخفاهما المقالي و اکملهما الجمع بينهما، ففعل سبحانه و تعالي و له الحمد و الشکر و عرفهم نفسه اياهم بالتعريف الحالي بان خلق صفة معرفته و ما يريد من الخلق من اوامره و نواهيه و علومه و اسراره بحيث اذا نظر الناظر اليها يعرفها من غير معلم بل يکون صفة معرفته واضحة ظاهرة جلية بحيث لايخفي علي احد من المخلوقين. و لما کان الوصف بالتعريف الحالي کلما قرب الي من وصف له و عرف له اکمل و اوضح و اتم للحجة و اکمل لايضاح الحجة و ادخل لاتمام النعمة، وجب عليه سبحانه ان‌يجعل صفة معرفته بالبيان الحالي قريبة اليهم مرفوعة الحامل بينهما و بينهم لاتمام الحجة بينهما و اکمال النعمة. و لما انه لا شيء اقرب الي الشيء من نفسه

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 549 *»

اليه جعل سبحانه و له الشکر و الحمد حقايق الاشياء بياناً حالياً و وصفاً الهياً وصف نفسه لهم بهم. و خلقهم علي هيئة و فطرة کينونة اذا نظروا اليها و تأملوا فيها تبين لهم صفات الحق سبحانه من توحيده لارکانه و اسمائه و صفاته و خلفائه و جميع ما تناط معرفته تعالي به. فکل شيء من انس و جن صفة معرفته تعالي و هيکل توحيده. و لذا قال7 من عرف نفسه فقد عرف ربه و قال9 اعرفکم بنفسه اعرفکم بربه. و ذلک التوصيف و التعريف هي فطرة الله التي فطر الناس عليها و صبغة الله التي صبغهم بها و من احسن من الله [صبغة ظ]. ثم حملوا. ثم دلهم سبحانه عليه في کتابه بقوله الحق و في انفسکم أفلاتبصرون. و قال عزوجل سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق. و قال ايضاً و يضرب الله الامثال للناس و مايعلقها الا العالمون. و قال سبحانه و کأين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون. و قال تعالي أو لم‌ينظروا في ملکوت السموات و الارض و ان عسي ان‌ يکون قد اقترب اجلهم. و قال تعالي قل انظروا ماذا في السموات و الارض و امثالها من الآيات الناصات علي ان صفة معرفته سبحانه تعالي و اودعها في حقيقة کل شيء. و حيث ان الخلق لما نزلوا الي هذه الدنيا و اشتغلوا عن الله بهوي انفسهم و نسوا الله انسيٰهم انفسهم و عموا عن رشدهم و جهلوا ما عندهم و طلبوا ما عندهم من غيرهم, بعث الله سبحانه انبياء مذکرين باقين علي الاشهاد الاول لما اشهدهم علي انفسهم و بقوا يذکرون الخلق ما نسوا و يعلمونهم ما جهلوا و يأمرونهم بالرجوع الي انفسهم حتي يجدوا ما عندهم و يعرفوا بذلک ربهم.

فمن قال ان معرفة الله فطرية و اراد هذا المعني بان کينونة الاشياء مجبولة مفطورة علي معرفته سبحانه فقد صدق و اصاب. و من قال انها کسبية ان اراد تلک المعرفة و ان کان الخلق مفطور عليها لکنها يحتاج [تحتاج ظ] الي تدبر و نظر و تفکر في نفسه و ما فيها من عجايب الخلقة من قول اميرالمؤمنين7:

دواؤک فيک و ما تشعر

و داؤک منک و ما تبصر

أتزعم انک جرم صغير

و فيک انطوي العالم الاکبر

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 550 *»

و انت الکتاب المبين الذي

باحرفه يظهر المضمر

و قال ايضاَ علي ما في الغرر و الدرر الصورة الانسانية هي اکبر حجة [الله ظ] علي خلقه و هي الکتاب الذي کتبه بيده و هي الهيکل الذي بناه بحکمته و هي مجمع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و امثالهما من الروايات فقد اصاب و نطق بالصواب. و هو السر في الاتيان بالسين الاستقبالية في قوله تعالي سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق مع ان تلک الآيات موجودة متحققة ثابتة لما ذکرنا لک سابقاً.

و اما الاراءة فتتوقف علي نظر المکلفين و تدبرهم و تفکرهم و تذکرهم ما عرفوا سابقاً مما جبلت عليه کينونتهم حتي ينکشف لکم الحجاب و تنفتح عليهم الباب لظهور ذلک الجناب. و هذا النظر ليس له طريق خاص لايمکن ان يتعداه الي غيره، بل يحصل بالتفکر في نفسه و في العالم و التدبر في ملکوت السموات و الارض و المذاکرة مع ابناء نوعه و مزاولة الکتب و ممارستها و مشاهدة الشيء الواحد في الاشياء بجهاتها و اطوارها. فهذه و امثالها اسباب لفتح باب معرفة نفسه و کشف الغطاء التي بينه و بين معرفة ربه حتي يصدق عليه قوله تعالي فکشفنا عنک غطاءک فبصرک اليوم حديد.

و ان اراد بان معرفة الله کسبية ان تلک المعرفة لم‌تکن حاصلة له قبل ذلک الکسب و انما حصلت بالکسب و النظر، فباطل اذ لاينفع مسموع اذا لم‌يکن مطبوعاً فيکذبه الادلة العقلية و النقلية و الشواهد الوجدانية و مقتضيات الحکمة. فعلي هذا البيان التام تبين لک انه يصح ان تقول ان معرفة الله فطرية و انها کسبية و انها فطرية و کسبية و الکل صحيح علي الوجه الذي ذکرناه و الصورة التي فصلناها فافهم. و لاتکثر المقال فان العلم نقطة کثرها الجهال.

قال سلمه الله تعالي هل يجب اعادة فواضل المکلف ام لا؟

اقول: لايجب ذلک کما قال المحقق الطوسي(ره) في التجريد: لايجب اعادة فواضل المکلف و الا لم‌يکن فرق بين الدنيا و الآخرة لان الدنيا انما کانت

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 551 *»

لظهور هذه الفواضل و لذا تري انها تعتور عليه بلا حصول تغيير في ذاته. و بيانه ان الله سبحانه تعالي خلق بدن الانسان من عناصر [العناصر ظ] الاربعة و هذه العناصر لاتتم به [بها ظ] الخلقة و لاتکمل به [بها ظ] الصنعة الا ان تکون بينها اقتران و اجتماع علي وزن مقدر و کيل مستقر يحصل به المزاج و تحفظ به الصورة النوعية. فعلي هذا يختلف ميزانها بحسب الکم و ان اعتدل بحسب الکيف علي الاصح عندنا. فعناصر [فالعناصر ظ] الاربعة علي الهيئة الاعتدالية التي بها يحصل المزاج و يقوم بها الجسم و يصون عن التهافت و الاضمحلال و تنحفظ بها کينونته و تسلم بها سريرته و طويته, هي المسماة بالعناصر الغريزية. فحرارتها حرارة [غريزية ظ] و رطوبتها رطوبة غريزية و برودتها غريزية و يبوستها يبوسة غريزية و الاخيرتان و ان انکرهما الاطباء الا انه علي النهج الذي ذکرنا لاينکرونه. و انکاره في انکارهم علي النهج الذي هم يقولون عندنا کلام و مناقشة.

و بالجملة فالعناصر التي بها قوام البدن و حفظ صورة النوعية هي المسماة بالغرايز و بها يتحقق الجسم و باختلال بعض منها ذاتاً و صفة او مقداراً يختل او ينعدم. فما تقوم به البدن و الجسم هي تلک العناصر الاصلية الالهية الغريزية و بها يکون البدن في کمال الاعتدال و قوة المزاج و الصحة و العافية و جودة الترکيب و تناسب الاعضاء و حسن الشمايل و امثالها من امثالها الحقيقية.

و لما جعل الله سبحانه تعالي هذه الدار دار الابتلاء و الامتحان و الفتن و جعل المکلف مختاراً و ميسرا في اجراء مقتضياته و ميولاته و شهواته کان المکلف بحسب عدم اعتداله و عدم مراعاته لحال الستة الضرورية التي بها تقوم المزاج و اعتداله کان تغلب علي کل عنصر من تلک العناصر ما يخرجه عن الوزن المقدر اما بزيادة من ذلک العنصر کيفاً و مقداراً او بنقصان منه بزيادة ما يضاده من غيره. و هذه الزيادة تسمي بالغرايب و هي الفواضل و هي التي وجودها يوجب الامراض و الاسقام و تشويه فالاختلال بالاعضاء و عدم تناسبها و ساير احوالها. فوجود هذه الفواضل و الغرايب مضر بمقتضي تلک الغرايز. و لذا تري الطبيب عند غلبة الصفراء الحاصلة بزيادة عنصر النار علي القدر الذي يقوم به البدن بسقيه المبردات

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 552 *»

مقدار ما تنقص تلک الحرارة الغريبة الزائدة و يرجع البدن الي اعتدال. و عند غلبة السوداء الحاصلة بزيادة التراب عن القدر الموزون المقدر بقوام البدن بسقيه المرطبات؛ فيرجع الي الاعتدال و الصحة، و کذلک عند غلبة البلغم و الدم.

و الحاصل وجود هذه الغرايب و الفواضل مضرة للبدن و مخرجة اياه عما هو عليه من الاقتضاءات و الشؤونات الحقيقية الاصلية. فلو امکن الانسان بطبيب حاذق و معالجات حقيقية ان تدفع تلک الغرايب عن نفسه و لاتعود اليه لفعل و کان محموداً ولکن حيث ان الدنيا ليست بدار استقامة و لا بدار المقامة و الستة الضرورية للبدن ما تجري علي جهة الاستقامة و الاعتدال، کان دفع هذه الغرايب بالمرة شيء‌ عزيز الوصال بعيد المنال الا بالنسبة الي اهل الجزيرة الخضراء و التسعة و الثلاثون عالماً التي هي وراء جبل قاف اذا ما عرتهم العوارض و لا اعتورت عليهم الغرايب لاعتدال طبايعهم و استقامتهم و توجههم الي الملأ الاعلي الموجب لصفاء المزاج.

و تلک الغرايب بل الفواضل هي علة الفساد و الابادة و الفناء و الاضمحلال. فاذا انتقلت الابدان و الاجساد الي الدار الاخرة التي هي الحيوان فلاموجب لوجود تلک الاعراض التي هي علة الفساد و الفناء. فاعادتها نقص غرض الحکيم فانه سبحانه اعادها للحيوة و الدوام الابدي کما قال عزوجل و ان الدار الاخرة لهي الحيوان. و هذه الغرايب و الفواضل موجب و سبب للابادة و الموت. و هو سبحانه جعل العالم عالم الاسباب و يجري افعاله بها. فاذا وجدت اسباب الفناء في دار البقاء لزم التضاد و هو محال علي الله سبحانه، مع ان هذه الغرايب التي هي الفواضل لا دخل لها في کينونة البدن و لا هي من عرضياته اللازمة و انما هي اعراض توجب الفساد و الله سبحانه قبيح عليه ان يعيدها في دار البقاء و الصلاح. و هو معلوم بالضرورة عند کل عاقل فضلاً عن العالم فضلاً عن الکامل.

فقولکم: هل تجب اعادة فواضل المکلف ام لا؟ جوابه انه لايجوز و الا لکان للقبيح و ناقضاً لغرض الايجاد و لم‌يصح قوله تعالي کما بدأکم تعودون و التوالي کلها باطلة و الملازمة ظاهرة. و لما کانت هذه الغرايب هي العناصر الحاصلة عن زيادة القدر الموزون و تحفظ البدن سماها

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 553 *»

شيخنا العلامة اعلي الله مقامه بالجسد الثاني و سماها تلک الغرايز التي هي قوام البدن بالجسد الاول، و قال: ان الجسد الثاني لايعود. يرجع عناصر الي اصله فلاتعود و يريد منه الغرايب. فان الحرارة الغريبية ترجع الي عناصرها کالتراب و الماء و الهواء. وهي ليست من البدن و لا له و لا اليه و انما هي کالثوب تنزعه ثم لاتلبسه ابداً و هذا مذهب جميع اهل الاسلام بل جميع اهل الملل و الاديان.

تنبيه: اعلم ان الجسد قد يطلق علي الجسم التعليمي و المراد به الصورة. فان الصورة العارضة للجسم الاصلي الذي هو الجسد الاول قد تختلف مع بقاء الجسد. فان اهل الدنيا يرجعون و يعودون في الآخرة علي صور شتي غير صورتهم الدنياوية. فقبيح الصورة اذا واظب علي قراءة سورة يوسف يحشر يوم القيامة علي صورة يوسف. و کذلک اذا واظب علي قراءة سورة يس يخرج من قبره و يتلألأ کالبدر في ليلة تمامه و هکذا من ساير الاحوال الطيبة التي هي بغيرها في الدنيا و کذلک بالعکس. فان حسن الصورة يرجع يوم القيامة قبيح الصورة و هو قوله تعالي و نحشره يوم القيمة اعمي قال رب لم حشرتني اعمي و قد کنت بصيراً قال کذلک اتتک آياتنا من قبل فنسيتها و کذلک اليوم تنسي. و المتکبر يحشر يوم القيامة کصورة الذر و له ضرس کجبل احد، و امثالها من الصورة المختلفة التي اخبر عنها اهل‌البيت:. فالصورة تختلف و اصل المادة التي هي العناصر الغريزية موجودة تظهر بصور اعمالها ان خيراً فحسن الصورة في الصورة الانسانية و ان شراً فعلي اقبح صورة من الصور الشيطانية البهيمية و هو قوله عزوجل و جاءت سکرة الموت بالحق ذلک ما کنت منه تحيد فافهم و ثبت ثبتک الله.

قال سلمه الله تعالي ما معني قوله7 لک يا الهي وحدانية العدد؟

اقول: يريد بذلک7 تنزيه الحق سبحانه عن وحدة العدد لان وحدة العدد وحدة في مبدأ الاعداد و فيه ذکر جميع الاعداد و ما من العدد الا و يذکر فيه بالنسبة؛ مثلاً ان الواحد نصف الاثنين و ثلث الثلاثة و ربع الاربعة و

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 554 *»

هکذا الي آخر مراتب الاعداد الغير المتناهية و آخر مقاماتها بدواً و عوداً. و هذه الوحدة ليست بحقيقية و انما فيها ذکر الکثرات التي هي الاعيان الثابتة. و الکثرة في الوحدة شأن الامکان و انما هي وحدة مشوبة بالکثرة. و اما وحدة الحق سبحانه فلا شوب للکثرة فيها بحال من الاحوال و طور من الاطوار.

و لما کان الامکان ملک الله سبحانه و الملک خلق و اثر لايجري عليه ما هو اجراه و لايتصف به ما هو انشاه قول مولانا سيد الساجدين لک يا الهي وحدانية العدد و اللام للتمليک و الاختصاص يعني ان وحدانية العدد ملکک و خلقک فلايوصف بها. لان الاثر فقر و المؤثر غني فلايوصف صفته الفقر بالغني بالذات. فلايتوهمن متوهم ان وحدة العدد من صفاته سبحانه تعالي لانها من ملکه فلايوصف المالک الجاعل الخالق به. يوصف به المملوک المجعول المخلوق. و هذا رد علي القائلين باثبات الاعيان الثابتة في الازل فانها لاتکون الا في مقام الوحدة العددية؛ بل کل وحدة فيها ذکر الکثرة عددية و ان اختلف الاصطلاح بجعل الوحدة اقساماً متعددة مثل الوحدة الحقيقية و الوحدة الانبساطية و الوحدة الجنسية و الوحدة النوعية و الوحدة الشخصية و الوحدة العددية.

و التحقيق ان الوحدة حقية و هي وحدة ذات الله و وحدة حقيقية و هي الوحدة الفعلية من قوله تعالي و ما امرنا الا واحدة و وحدة عددية وهي وحدة فيها ذکر الغير و هي علي اقسام: انبساطية و هي التي لا ثاني لها في جميع الاکوان. و جنسية و هي التي لا ثاني لها بالنسبة الي افرادها و له ثان بالنسبة الي جنسها. و نوعية وهي کالجنسية الا انها احد افرادها و الحکم واحدة في اصل الوحدة و شخصية و هي وحدة فرد من نوع و وحدة نوع من جنس و وحدة جنس من منبسط فان کل مرتبة منها فرد لاعلاها. فالشخص فرد للنوع و النوع فرد للجنس و الجنس فرد للحقيقة الجامعة المبسوطة علي جميع اطوار الوجودية بلا کيف و لا اشارة. فالوحدة الشخصية تشملها جميعاً بهذه الاعتبار و عددية و هي الظاهرة المعروفة بين الناس من العوام و الخواص من الوحدة الظاهرة بالواحد الذي هو مبدأ الاعداد المتلو بالاثنين المتلو بالثلاثة المتلوة بالاربعة و هکذا الي ما لا نهاية.

و اما عند

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 555 *»

الخصيصين فکل ماسوي الوحدة الحقيقية وحدة عددية علي الوجه الذي ذکرنا. و لذا قال7 لک يا الهي وحدانية العدد و خص الوحدة العددية بالذکر دون باقيها مع تنزهه سبحانه عن الجميع. و اما الواحد [الوحدة ظ] الحقيقية و ان کان الحق سبحانه منزه عنها في ذاته لکنها هي من صفات افعاله بخلاف الوحدة العددية باقسامها فانها من صفات مفعولاته فافهم.

قال سلمه الله تعالي ما معني قوله عليه السلام في دعاء [الدعاء ظ] المشهور بدعاء کميل فغرني بما اهوي و اسعده علي ذلک القضاء؟

اقول: اما قوله7 فغرني بما اهوي ظاهر. و اما توهم انه ينافي العصمة فتوهم لانه من قبيل حسنات الابرار سيئات المقربين و من قبيل قول الشاعر:

لقد قلت مااذنبت قالت مجيبة      وجودک ذنب لايقاس به ذنب

و اما معني الفقرة الثانية فقد بينا سابقاً و اشرنا الي انه لايکون شيء في عالم الامکان الا بمشية و ارادة و قدر و قضاء و امضاء، لکن هذه الافعال لاتوجب الالجاء في الذات و الفعل و انما يتيسر لما خلق من اجرائه علي جهة الاختيار و اثبات ميولاته علي نحو شهواته. فهو سبحانه تعالي يقضي ما يعلم انه بشهوته و ميله و اختياره الحسن او السيئ يرتکب ذلک الشيء فالقضاء الخاص حافظ و ماعدا لا ملجأ و جابر و قاسر و لذا قال7 و اسعدني علي ذلک القضاء و لم‌يقل و الجأني الي ذلک القضاء. فالمساعدة من الله بحفظ الشيء و حفظ اعماله و افعاله فيما يشاء و يريد بما يشاء و يريد حاصله و لولاها لبطلت الاشياء و فسدت الغرايز و اضمحلت الطبايع و ذهبت الميولات و عدمت الصفات و الذوات، او جاء الالجاء و الاضطرار اللذان ينزه عنهما خالق الارضين و السموات. و هو قوله عز من قائل کلاً نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربک و ما کان عطاء ربک محظوراً. فمساعدة القضاء لاتنافي شيئاً من قواعد الاسلام و المذهب و هو ظاهر ان‌شاء‌الله تعالي.

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 556 *»

قال سلمه الله تعالي: ما الجمع بين الاخبار الواردة في شأن الائمة: اذ في بعضها انهم يزدادون في کل ليلة جمعة و في بعضها لولا انا نزداد لنفد ما عندنا و في بعضها انهم اذا شاؤوا علموا علموا و في بعضها انهم يعلمون علم ما کان و ما يکون؟

اقول: اما ما ورد من انهم يزدادون في کل ليلة جمعة فالمراد به الامور التي ما کانت موجودة في عالم الکون بوجه من الوجوه و وجدت و تمت. فاحکام الاسبوع انما تتم في ليلة الجمعة و تأتيهم الملائکة و يخبرهم بجميع الاشياء‌ التي نزلت من عالم الغيب العدم الامکاني الي عالم الوجود فيما يتعلق بذلک الاسبوع کلها يخبرونهم: بها و بها يزدادون في کل ليلة جمعة و کل ما يتعلق باحوال السنة من الآجال و الارزاق و الفقر و الغني و ساير الذوات و الصفات و الجواهر و الاعراض مما تنزل من عالم الغيب الذي ذکرناه الي خزانة الوجود و الشهود تنزل الملائکة و الروح في ليلة القدر و يخبر بها امام العصر.

و اما ما يتعلق بکل آن‌فآن من الامور التي توجد في يوم الشأن من الحوادث و الوجودات و الفيوضات التي يوجدها الله سبحانه تعالي و ينزلها من فوارة القدر بامر مستقر فيأتيهم سلام الله عليهم العلم بها في کل آ‌ن. و بهذا البيان التام اجمع بين الروايات التي وردت في ان العلم الحقيقي الذي يحسبونه: علماً هو ما يتجدد عندهم في کل آن‌فان لان فيض الله لاينقطع و فوارة الحدوث و الايجاد دائمة الفوران و يد الله سبحانه ماغلت کما هو [ما ظ] توهمته اليهود من امة موسي و في امة محمد9 مقابلون لتلک الفوارة فيأتيهم في کل آ‌ن بجميع مراتبهم علي حسب مقام ذلک العلم و المعلومات. فمنها نکت في القلوب. و منها نقر في الآذان. و منها صوت کوقع السلسلة في الطست و امثالها من وجوه علمهم المتجدد في کل آن.

انظر کتاب الکافي فيما رواه ثقة الاسلام عن ابي‌بصير من قوله7 يا با محمد ان عندنا الجفر و الجامعة و عندنا مصحف فاطمة و عندنا علم ما کان و ما يکون و کل ذلک يقول ابوبصير انه لعلم و يقول7 علم و ليس بذاک. الي ان قال ابوبصير فاي شيء العلم اذن؟ قال ما يحدث

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 557 *»

 شيئاً فشيئاً و آنا‌ًفآناً نقلت معني بعض الحديث و الحديث کله عندکم موجود. و بين الروايات التي وردت انهم: يزدادون في کل ليلة جمعة و الروايات التي وردت انهم: يزدادون في کل ليلة القدر و القرآن صريح بذلک بان احکام جميع السنة في ليلة القدر و احکام جميع الاسبوع في ليلة الجمعة و احکام جميع الليل و النهار بين الطلوعين في کل يوم و احکام الجزئيات الموجودات آناً‌فآناً و انما کررتها و رددتها للتفهيم.

و اما ما ورد من قولهم: لولا انا نزداد لنفد ما عندنا فليس المراد به خصوص العلم بل کل شيء فان الحادث المخلوق الممکن فقير مضطر ضعيف لايملک لنفسه نفعاً و لا ضراً و لا حيوة و لا موتاً و لا نشوراً و هو المحتاج الي المدد آناًفآناً، محتاج الي فيض جديد فلولا ذلک المدد لفني و اضمحل. هذا حکم کل ممکن حادث فانه لايقوم الا بمدد جديد مثاله السراج فانه اذا انقطع عنها الدهن لنفد ما عنده و احترق. و کذلک بدن الانسان لولا ما يأتيه من مدد جديد لضعف الي ان نفد ما عنده و مات. الا تري انه اذا ما اکل يومين کيف تنحل قواه و تضعف الي ان‌يموت و هلک؟

و لما کان الامام7 هو الممکن الفقير بل هو افقر الخلق الي الله لانه فقره اليه سبحانه من وجهين و فقر غيره من وجه واحد. لانهم يستمدون عنه سبحانه بما ينحفظ به وجودهم و يستمدون عنه سبحانه لامداد غيرهم. و غيرهم يستمدون لحفظ وجودهم. و لذا خصهم الله بالذکر و قال يا ايها الناس انتم الفقراء الي الله و فصل الضمير يفيد الحصر، و هم الناس بالاصالة و شيعتهم بالتبعية. و قد قال الله تعالي ام يحسدون الناس علي ما آتيهم الله من فضله قال الباقر7 نحن الناس المحسودون. و بالجملة هم الناس في مقام المدح و في مقام الذم ظلالهم و عکوسهم فاذا تمحضوا في الفقر لاحتاجوا الي مدد جديد و لم‌يزدادوا بالحظ الاولي لنفد ما عندهم کما هو شأن الامکان. و انما قالوا ذلک: لبيان فقرهم و حاجتهم الي الله لئلايتوهم فيه الغلو و لايقال فيهم الاستقلال يا اهل الکتاب لاتغلوا في دينکم و لاتقولوا علي الله الا الحق انما المسيح عيسي بن

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 558 *»

 مريم رسول الله و کلمته القاها الي مريم و روح منه و قال تعالي و لما ضرب ابن مريم مثلاً فافهم ضرب المثل و تعيها اذن واعية.

و اما ما ورد من انهم: اذا شاؤوا ان يعلموا علموا فذلک هو الذي لم‌يوجد في الکون اصلاً و لم‌يدخل في العين رأساً و لم‌يتعلق به الجعل في عالم الکون بل انما هو غيب في الامکان. فذلک الذي اذا شاؤوا و ارادوا من الله سبحانه ان‌يعلمهم فعل لان لهم: عنده الجاه الوجيه و الشأن الکبير و الامر الخطير لايردهم اذ سألوه و لايحينهم [لايخيبهم ظ] عن بلوغ ما املوه لانه ما(کذا) يحبهم و يحبونه. فاذا شاؤوا ان‌يعلمهم الله مما کان في الغيب عنده في اطوار الامکان مما لم‌يوجد في الوجود يعلمهم الله سبحانه تعالي. و لايحيطون بشيء من علمه يعني من علم الغيب الا بما شاء مما شاووا ان‌يعلمهم اياه. لانهم المجتبون و المرتضون الذين يعلمهم الله الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الا من ارتضي من رسول. و قال تعالي و ما کان الله ليطلعکم علي الغيب ولکن الله يجتبي من رسله من يشاء فاذا شاووا ان‌يعلموا علموا بتعليم الله من الامور الغيبية التي لم‌تدخل في الکون.

و اما ما ورد من انهم: يعلمون علم ما کان و ما هو کائن فذلک کل ما دخل في الوجود مما تعلق به الجعل فان الموجودات بدلالة العقل و النقل اشعة انوارهم و عکوسات آثارهم لانهم هم الصادر الاول فکل مخلوق تحتهم. و لا شک ان العالي يحيط بالسافل. فکل ما دخل في خزينة من خزائن الاکوان من قوله تعالي و ان من شيء الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم سواء کان نزل من الخزانة العليا الي الخزانة السفلي؛ بل و لايتنزل فيما بعد علي حسب تمام القابليات في الثانية فهو بالنسبة الي الخزينة العليا کان و بالنسبة الي الخزينة السفلي تکون. فما کان و ما يکون مما جري عليه قلم الاختراع فعندهم: علمه و هذا ليس بغيب و انما هو مشهود عندهم. لان عالم الکون باجمعه بيت قد خلقه الله سبحانه لهم فهم صاحبو البيت و اهل البيت ادري بالذي فيه. کيف و ان الله سبحانه ذکر في القرآن انه لا رطب و لا يابس الا في کتاب مبين و

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 559 *»

ما فرطنا في الکتاب من شيء و تفصيل کل شيء و کل شيء احصيناه کتاباً و علم الکتاب کله عندهم علي ما نص عليه مولانا الصادق7 و قال تعالي و کل شيء احصيناه في امام مبين و کل منهم الامام المبين صلي الله عليهم، الا ان يخرج من مذهب الاثني‌عشرية خارج و يقول بقول اهل السنة و الجماعة ان الامام هو القرآن. فاذا قال ذلک لايفيده شيء ايضاً مما يروم انکاره. لان علم القرآن عندهم باتفاق من جميع المسلمين. فعندهم علم ما کان و ما هو کائن ابد الابد و دهر السرمد مما دخل في عالم الکون و لبس حلة العين و جري عليه قلم الاختراع و سطر في لوح الابتداع.

فمخلص المقال في الجمع بين هذه الاخبار هو الذي ذکرنا لک. فلاتسمع بعد هذا الي اغاليط المنکرين لفضل آل‌محمد سلام الله عليهم و شبهات المشبهين و عبارات المموهين. و جميع الاخبار و الاحاديث ترجع لو فرضنا بظاهرها ما ينافي ما ذکرناه الي ما ذکرناه. و لو کان لي مجال و للقلب سعة و اقبال لبسطت المقال في هذه الاحوال و ذکرت الاقوال و ادلتها و اشرت الي ضعف الاستدلال، ولکن فيما ذکرنا کفاية. و قد ذکرت في شرح الخطبة الشريفة الطتنجية عند قول اميرالمؤمنين7 و علمت ما کان و ما يکون و ما کان في الذر الاول مع آدم الاول الي قوله7 کل ذلک علم احاطة لا علم اخبار ما يشفي العليل و يبرد الغليل. فاطلبه ان اردت الزيادة و الا ففيما ذکرنا کفاية.

قال سلمه الله تعالي: هل اميرالمؤمنين7 مساو للنبي9 في الفضل ام النبي افضل؟

اقول: قد اجمع المسلمون ان النبي9 افضل من اميرالمؤمنين7 و قد قال اميرالمؤمنين انا عبد من عبيد محمد9. و لو تمسک متوهم بالتساوي بقوله تعالي و انفسنا و انفسکم يريده ما عند اهل‌ النحو ان النفس يقع تأکيداً و التأکيد من التوابع و التابع لايساوي المتبوع. و ما ورد في الاخبار کما اشرنا سابقاً في ذکر الصادر الاول من انهم

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 560 *»

واحد و حقيقة واحدة، فالمراد انهم في رتبة واحدة في سلسلة العرض و اختلفت مراتبهم بحسب مقامهم. الا تري ان الانسان شخص واحد و اجزاؤه و اعضاؤه من حقيقة واحدة يعني ليس بين اجزائه تفاوت کتفاوت المنير مع الشعاع و المؤثر مع الاثر، ولکنه بين الاجزاء تفاوت بين کالتفاوت الحاصل من القلب و الصدر و بين الصدر و الدماغ و بين الدماغ و الکبد و امثالها من الاعضاء الرئيسة و المرؤسة.

فالحقيقة المحمدية شيء واحد و شخص واحد کما تقول زيد شخص واحد. فرسول‌الله9 قلبه و اميرالمؤمنين7 صدره و الائمة الطاهرون دماغه و فاطمة الزهراء3 الجسد الجامع فيها يفرق کل امر حکيم و هم متساوون بهذا المعني و لکل منهم فضل. فرسول‌الله9 افضل من اميرالمؤمنين7 بثمانين الف درجة کما في حديث جابر اول ما خلق نور نبيک يا جابر کان يطوف حول جلال القدرة ثمانين الف سنة و لما بلغ الي جلال العظمة خلق فيه نور علي7. و قد يشار الي ما ذکرنا بقول النبي9 کنا نوراً واحداً في الاصلاب و لما انتقلنا الي صلب عبدالمطلب قيل لنصف کن محمداً و للنصف الآخر کن علياً و لايجوز العکس بان‌يقال لنصف کن علياً و للنصف الآخر کن محمداً کما کان العرش و الکرسي حقيقة واحدة في البحر الحاصل من ذوبان ياقوتة حمراء. فقيل لنصف کن عرشاً و للنصف الآخر کن کرسياً و لا عکس. و بذلک کان العرش افضل من الکرسي و رسول‌الله9 افضل من اميرالمؤمنين7.

و بالجملة‌، لايحتاج في هذا المقام الي تطويل الکلام و تجسم الاستدلال بالنقض و الابرام لانه شيء معلوم عند کافة المسلمين و الفرقة المحقة. و لا اعتبار بقول الغلاة الخارجين عن الحدود التي حددها الله لهم. و قد قامت بافضلية النبي9 ضرورة الاسلام. و معني تساويهم انه ليس بينهما ترتب علية و معلولية ‌و منيرية و شعاعية و مؤثرية و اثرية. فافهم.

و اعلم ان ما ذکرنا من التفاوت و عدم التساوي انما هو بالنسبة الي مقامهم و رتبتهم الذاتية. و اما بالنسبة الي الخلق و ما يتعلق باحوال الرعية اي المخلوقين

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 561 *»

کافة فهما في ذلک سواء. و کذلک الائمة: سواء فيما يتعلق باحوال جميع خلق العالم. و انما التفاوت بين بعضهم مع بعض في الرتبة الذاتية. فافهم.

قال سلمه الله تعالي: هل القائم عجل‌ الله ‌فرجه و سهل مخرجه افضل من الحسن و الحسين او هما افضل منه؟

اقول: قول رسول‌الله9 المتفق‌عليه بين الفريقين ان الحسن و الحسين8سيدا شباب اهل الجنة. و ما دل بالدليل القطعي من العقلي و النقلي ان ليس في الجنة شيخ و لا شاب يدل علي انهما افضل من في الجنة. فاذا کانا افضل من في الجنة يکونا افضل الخلق طراً لان اهل النار لا فضل منهم. و لما کان مؤدي هذا الخبر عموم الفضل الشامل لجميع الخلق استثني رسول‌الله9 اباهما و قال و ابوهما خير منهما و لما قال ابوهما انا عبد من عبيد محمد علمنا ان محمداً9 سيد الخلق ثم اميرالمؤمنين7 بعد سيد الخلق ثم الحسنان: بعدهما. و في دعاء العديلة ما يدل علي ان الحسن افضل من الحسين8لقوله فيه ثم من بعده سيد اولاده الحسن بن علي ثم اخوه السبط التابع لمرضاة الله الحسين. و في کلام الحسين7 في کربلا يعزي اخته زينب الطاهرة الي ان قال7 جدي خير مني و ابي خير مني و اخي خير مني و لکل مؤمن برسول‌الله اسوة الحديث.

و اما مولانا و سيدنا القائم عجل الله فرجه و روحي له الفداء فلا شک عندي انه افضل التسعة لقول النبي9 تاسعهم قائمهم افضلهم و في رواية اخري تاسعهم قائمهم اعلمهم افضلهم و هذا يدل علي افضلية من التسعة المعصومين: لا علي الحسن و الحسين بشيء من الدلالات الثلاث. و توقف شيخنا البهائي بارجاع ضمير قائمهم الي آل‌محمد: فيقال تاسع آل‌محمد: فکلام باطل غير واقع. و ان قال ان المراد تاسع تسعة و قائمهم يرجع الي آل‌محمد فهذا

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 562 *»

تفکيک للضمير و هو عيب عند اهل اللسان. و بالجملة فالتوقف ليس في محله لان المراد بتاسعهم تاسع تسعة هو قائمهم لان اميرالمؤمنين7 قام بالسيف. و اما التسعة الباقية فلم‌يقم احد منهم بالسيف الا قائمهم فيکون افضلهم لان الله سبحانه يقول فضل الله المجاهدين باموالهم و انفسهم علي القاعدين درجة و کلاً وعد الله الحسني. و المجاهدين هم رسول‌الله9 و اميرالمؤمنين و الحسن و الحسين و القائم: و القاعدون هم الائمة الثمانية الذين وعدهم الله الحسني.

قال سلمه الله تعالي: هل يجوز تسمية القائم7 باسمه الشريف ام لا؟

اقول: المستفاد من الاخبار الکثيرة المروية في الکتب المعتبرة مثل اکمال الدين و غيبة الطوسي و البحار و العوالم عدم جواز التسمية و هو الاحوط بل الاقرب. و احتمال انه مخصوص بزمان الغيبة الصغري لاستحسانات و استبعادات مستنبطة من قوله7 ان دللتهم علي الاسم اذاعوه و ان عرفوا المکان دلوا عليه مدفوع باخبار کثيرة بتقيد عدم التسمية و تحديده الي ظهوره عجل‌الله‌فرجه کما في الاکمال عن اميرالمؤمنين7 الي ان قال اما اسمه الشريف فلان حبيبي و خليلي عهد الي ان لا احدث به باسمه حتي يبعثه الله عزوجل الحديث. و فيه عن الکاظم7 انه قال عند ذکر القائم7 تخفي علي الناس ولادته و لايحل لهم تسميته حتي يظهره الله عزوجل فيملأ به الارض قسطاً و عدلاً کما ملئت ظلماً و جورا.ً و في المعالم عن توحيد الصدوق عن ابي‌الحسن الثالث انه قال في القائم7 لايحل ذکره باسمه حتي يخرج فيملأ الارض قسطاً و عدلاً کما ملئت ظلماً و جوراً. و فيه باسناده قال خرج في توقيعات صاحب الزمان7 ملعون ملعون من سماني في محفل من الناس. و فيه عنه7 من سماني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله. و فيه عن ابي‌عبدالله7 قال صاحب هذا

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 563 *»

 الامر رجل لايسميه باسمه الا الکافر. و هذه الروايات کغيرها صريحة الدلالة علي حرمة التسميه باسمه الشريف مطلقاً.

و اما [ما ظ] ورد في بعض الادعية و حديث اللوح الاخضر و امثاله فمحمول علي انها لبيان انها اصل الاسم و انه لايجوز @؟ ان‌يسميه بينه و بين نفسه و اما في ملأ من الناس و مجمع منهم فلايجوز کما قال7 من سماني في جماعة من الناس فعليه لعنة الله فاحذر کل الحذر ان‌تسميه باسمه الشريف. و بالجملة ان ما ذکرناه هو الاحوط في الدين و ان کان الاختصاص بالغيبة الصغري يحتمل والله هو العالم.

قال سلمه الله تعالي: فاطمة3 افضل من اولي‌العزم و هم نوح و ابراهيم و موسي و عيسي ام هم افضل منها؟

اقول: لا شک و لا ريب ان فاطمة3 بعد ابيها و بعلها و بنيها افضل من کل المخلوقين من الانبياء و المرسلين و اولي‌العزم منهم اجمعين و الملائکة المقربين و الشهداء و الصديقين و کل الخلق اجمعين. و الفرقة المحقة الا من شذ منهم متفقون علي افضليتها. کيف؟ و انها من الحقيقة المحمدية التي هي افضل الخلق. و قد قال الصادق7 في تفسير قوله تعالي کلّا و القمر و اليل اذ ادبر و الصبح اذا اسفر انها لاحدي الکبر نذيراً للبشر، ان الضمير المؤنث يرجع الي الزهراء3 و انها لاحد الائمة الذين هم الکبر. و حديث عباس بن عبدالمطلب ان الله سبحانه تعالي خلق نور محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين قبل الخلق و قبل ان‌يخلق آدم و نوح ثم فتق نور محمد9 و خلق منه العرش و الکرسي. ثم فتق نور اميرالمؤمنين7 و خلق منه الملائکة. ثم فتق نور فاطمة3 و خلق منه السموات السبع و الارضين السبع. ثم فتق نور الحسن7 و خلق منه الشمس و القمر و الکواکب. ثم فتق نور الحسين7 و خلق منه الجنة و الحور العين.

و الاحاديث بهذا المعني کثيرة و لعمري ان هذا لايحتاج الي بيان و لا استدلال. و لقد کتبت في هذا المعني في جواب مسألة جناب الحاج

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 564 *»

مکي البحراني في اثبات افضلية الزهراء3 من جميع الانبياء خصوصاً اولي‌العزم بآيات من القرآن صريحة الدلالة واضحة المقالة بحيث لا مجال لاحد فيها الانکار و المناقشة. و انما کتبتها لاجل انها [انه ظ] اراد مني الاستدلال بالقرآن و الا فکونها افضل من اولي‌العزم علي مضمون الروايات اوضح من الشمس و ابين من الامس. و ان اردت التفصيل و زيادة الاستدلال فاطلب تلک الرسالة فان ما فيها کفاية.

قال سلمه الله تعالي: و هل وقع في القرآن زيادة و تحريف؟ ام زيادة بلا تحريف؟ ام لم‌يقع في القرآن شيء اصلاً؟

اقول: قد اجمع المسلمون مع دلالة العقل الصريح انه ماوقعت في القرآن زيادة لان القرآن معجزة في الله لو اجتمعت الانس و الجن علي ان‌يأتوا بمثله لايأتون بمثله و لو کان بعضهم لبعض ظهيراً فالزيادة ان کانت مثل القرآن فقد سمعت ان الله سبحانه نفي عنه قدرة الانس و الجن و ان لم‌تکن مثله لايخفي علي احد مع ان الامر ليس کذلک. فالزيادة ماوقعت باجماع من السلمين.

و اما التحريف بمعني النقصان؛ اي نقصان ما کان في فضائل اهل‌البيت: و مثالب اعدائهم و مدح اوليائهم و احبائهم فلا شک انه قد وقع. لان رسول‌الله9 قال کلما کان في الامم الماضية يکون في هذه الامة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة و لو انهم لو سلکوا جحر ضب لسلکتموه. و الله سبحانه تعالي اخبر في القرآن بان الامم الماضية قد حرفوا کتبهم و حرفوا الکلم عن مواضعه وجب ان‌يکون في القرآن کذلک. اما التحريف في الزيادة فمحال ان‌يقع فلم‌يبق الا انه تحريف بالنقصان. و الاحاديث الدالة علي التحريف و النقصان کثيرة. و قد ذکر بعض العلماء و الظاهر انه السيد نعمة‌الله الجزايري انه وقف علي الفي حديث يدل علي التحريف في القرآن. فاذا لم‌يثبت الحکم بالفي حديث فباي شيء يثبت؟! و رد هذه الاخبار اعتماداً علي بعض الاستحسانات و الاستبعادات و ظواهر بعض الآيات الغير الدالة علي مقصودهم جرأة عظيمة

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 565 *»

علي الله و علي اولياء الله.

و ما تمسکوا في دفع التحريف بقوله تعالي نحن نزلنا الذکر و انا له لحافظون تمسک بما هو اوهن من بيت العنکبوت و انه لمن اوهن البيوت، فان الذکر المنزل و القرآن المرسل محفوظ عند صاحبه المقرون به الغير مختلف احدهما عن الآخر کتاب‌الله و اهل‌بيت نبي‌الله و هو محفوظ عند الامام7. و تحريف القرآن کتحريف باقي احکام الشريعة التي وقعت. اما سمعت قول الامام سيدالساجدين7 في دعاء الصحيفة اللهم ان هذا المقام لخلفائک و امنائک و مواضع اصفيائک قد ابتزوها الي ان قال7 يرون حکمک مبدلاً و کتابک منبوذاً و شريعتک محرفة عن جهات اشراعک و سنن نبيک صلي الله عليه و آله و سلم متروکة فکما ان الشريعة حرفت و السنة ترکت و الاحکام تبدلت فليکن آيات القرآن نقصت و لا امتناع في ذلک عند استيلاء سلطان الباطل و غلبة الجور و فساد الخلق بالاعراض عن الامام7. فکما ان الامام الغائب عجل الله فرجه روحي له الفداء عليه و علي آبائه السلام يرفع تلک التحريفات و يدفع تلک التمويهات و يکشف عن صريح الحق و يمحي دولة الباطل يظهر القرآن علي ما انزله الله و الشرع علي ما اشرعه الله و الدين علي ما يرضي الله. فالايمان ببعض و الانکار لبعض مما يسخطه الله و هو قوله تعالي أفتؤمنون ببعض الکتاب و تکفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلک منکم الا خزي في الحيوة الدنيا.

و ما قالوا من انه علي القول بالتحريف يلزم عدم حجية القرآن لاحتمال التحريف في کل آية آية، قول زور و توهم فاسد و خيال کاسد. فان التحريف ليس بالزيادة حتي يلزم ما قالوا و انما هو بالنقيصة. و احتمال ارتباط الموجود بما سقط فينتفي المقصود باطل بالاصل، مع ان القرآن في کل مقام تام. فلو کانت آية باعتبار ارتباطها بالتي سقطت تخرج عن الحجية و لم‌يظهر منه الحکم المراد من الله لوجب علي الامام المسدد الذي شأنه تأييد اهل الاستيضاح و تسديدهم ان يبينها و ينص عليها کما قال اميرالمؤمنين7 و ان خفتم الا تقسطوا في اليتامي فانکحوا ما طاب لکم من النساء الآية انه سقط من بين قوله تعالي و ان خفتم الا تقسطوا في اليتامي و قوله فانکحوا اکثر من

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 566 *»

 ثلث القرآن. و حيث لم‌يبينوا و لم‌يدلوا علمنا ان تلک الآيات باقية علي الحجية. و قد نص علي ما قلنا اميرالمؤمنين7 علي ما رواه في الاحتجاج في الجواب عن سؤال طلحة.

و بالجملة، لاينبغي التشکيک في نقصان القرآن و لاينبغي الاصغاء الي تلک الاستبعادات التي منها ان القرآن کان معروفاً بينهم معلوماً لديهم و الصحابة کيف يرضون فتبصر ما علموا انه من الله لان معلومية جميع آيات القرآن عندهم ليست باعظم و لا باعرف من امر غديرخم و نصب اميرالمؤمنين7 في ملأ يزيدون علي سبعين الفاً فقد انکروا و قالوا ان رسول الله9 لم‌يتخلف احداً و تمسکوا باجماع الامة في اثبات خلافة ائمتهم. و کذلک معلومية القرآن بجميع آياته ليست باعظم و لا هي باعرف [من ظ] الصلوة المفروضة التي کان يصليها رسول‌الله9 في مدة ثلاث و عشرين سنة کل يوم بمحضر من الخلق عامتهم خمس مرات فانهم قد اختلفوا فيها اي اختلاف في هيأتها و شرايطها و آدابها. فان امکن في هذا الامر الظاهر المعروف الذي لايمکن ان‌يکون شيء اظهر منه ففي القرآن الذي کان في زمن النبي9 متفرقة غير مجتمعة و کل واحد من الصحابة عنده شيء من القرآن لا کله و ما اجتمعت آيات القرآن کلها الا بعد وفاة النبي9 جمعه اميرالمؤمنين7 اولاً و اتي به اليهم و لم‌يقبلوا و قالوا لا حاجة لنا اليک و لا الي قرآنک. ثم نادي مناديهم بان کل من عنده شيء من القرآن يأتي به مع شاهدين عادلين انها من القرآن. فلو کان هذا الذي عندنا هو القرآن الذي اتي به اميرالمؤمنين7 فلماذا لم‌يقبلوا؟ و لماذا قال اميرالمؤمنين7 لن‌تروه و لن‌يظهر هذا القرآن الا بعد ظهور الحادي‌عشر من ولدي. و لو کان القرآن بجميع آياته معلوم عند الصحابة فلماذا احتاجوا الي شاهدين؟ و هذه الرواية و ان لم‌يکن مسلمة عند العامة فهي معلومة عند الشيعة و لايشکون ان‌ اميرالمؤمنين7 اتي اليهم بالقرآن و لم‌يقبلوا. و الاجماعات التي يدعونها کلها غير کاشفة عن قول المعصوم7 فلا

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 567 *»

حجية فيها. و کيف يعقل اجماع الفرقة مع وجود ما يقرب من الفي حديث عن اهل‌العصمة و الطهارة بخلافه. و يشبه هذا الاجماع لو فرض وقوعه بالاجماع الذي اجمعوا علي خلافة الاول و صرف الامر عن اميرالمؤمنين7. و بالجملة هذه المسألة معلومة معروفة واضحة لمن له ادني اطلاع باصول المذهب و الدين و ادني تتبع في اخبار الائمة الطاهرين من آل طه و يس سلام الله عليهم اجمعين.

اعلم انا قد ذکرنا سابقاً ان الزيادة ما وقعت، و مرادنا منها زيادة آية او کلام متسق منتظم. نعم قد وقع بعض الزيادات بالنسبة الي بعض الحروف مثل ابدال حرف بحرف او تقديم و تأخير تقديم آية و تأخير آية اخري. و الي هذا الذي اشرنا اليه يشير کلام مولانا الباقر7 لولا ان القرآن زيد و نقص ماخفي امرنا علي ذي حجي. و مراده7 زيادة بعض الحروف و تقديم بعض الآيات علي بعض. فان الآية التي قدموها فقد زيدوا في محل الذي لم‌يکن لها و نقصوها عن المحل الذي جعله الله لها. اما نقيصة بعض الحروف و ابداله بآخر في قوله تعالي کنتم خير امة اخرجت للناس قال الصادق7 کيف يکونون خير امة و قد قتلوا اميرالمؤمنين و الحسن و الحسين: بل انما هي خير ائمة. و کذلک قوله تعالي ان تکون امة هي اربي من امة کان نزولها هي ائمة هي اربي من ائمة. و کذلک قوله تعالي جعلناکم امة وسطاً کيف تکون الامة امة وسطاً ليشاهدون [ليشاهدوا ظ] اعمال الخلايق و انما کانت ائمة وسطاً لانهم قطب الوجود و نقطة دائرة الغيب و الشهود و عرش المعبود.

و کذلک قوله تعالي لقد تاب الله علي النبي و المهاجرين و الانصار کيف يتوب علي النبي و ليس عليه ذنب سيما عند اقترانه بالمهاجرين و الانصار و الا فربما يؤل [يؤول ظ] له ذنب کما في قوله تعالي ليغفر لک الله ما تقدم من ذنبک و ما تأخر فکانت الآية لقد تاب الله بالنبي علي المهاجرين و الانصار کما نص عليه الامام الصادق. و کذا قوله تعالي له معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من امر الله فقد قال الامام7 کيف يمکنهم ان‌يحفظوه من امر الله فان امر الله اذا جاء

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 568 *»

لايرد بل الآية کانت يحفظونه بامر الله و غيرها من امثالها. فان هذه تغييرات من نقصان حرف و ابدالها بحرف مما لايوجب خلل في نظم القرآن. و قد بينها لنا ائمتنا: فنقف علي حد ما بينوا.

و اما التقديم و التأخير فکما في قوله تعالي أفمن کان علي بينة من ربه و يتلوه شاهد منه و من قبله کتاب موسي اماماً و رحمة فقد کانت الآية هکذا أفمن کان علي بينة من ربه و يتلوه شاهد منه اماماً و رحمة و من قبله کتاب موسي. فالذي علي بينة9 و تاليه الشاهد له الذي هو اميرالمؤمنين7 و هو اماماً و رحمة و کتاب موسي الذي هو التوراة کان فيه بيان احوال النبي9 و الولي. فلما اراد القوم التمويه علي الناس لصرف قوله تعالي و کل شيء احصيناه في امام مبين و صرف الحديث الذي ورد من مات و لم‌يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية عن اميرالمؤمنين7 و اولاده الطيبين و ان المراد بالامام هو القرآن قدموا هذه الفقرة و اخروا الفقرة الاخري لتمکنهم من ذلک التأويل الباطل. فلولا هذا التقديم و التأخير کان لايلتبس امرهم:. و کذلک في قوله تعالي و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تکلمهم ان الناس کانوا بآياتنا لايوقنون و يوم نحشر من کل امة فوجاً ممن يکذب بآياتنا فهم يوزعون حتي اذا جاؤا قال أکذبتم بآياتي و لم‌تحيطوا بها علماً امّاذا کنتم تعملون و وقع القول عليهم بما ظلموا فهم لاينطقون. فقدموا قوله تعالي و اذا وقع القول عليهم فالتبس الامر علي العوام فلو انهم جعلوه في محله و هو بعد قوله تعالي و وقع القول عليهم بما ظلموا فهم لاينطقون و اذا وقع القول عليهم اخرجنا الآية کانت الآيات المذکورة صريحة في رجعتهم و ظهور دولتهم: و رجعة المنافقين للنکال و العذاب للاجماع علي ان دابة الارض قبل يوم القيامة و هذا الحشر الذي قبل خروج دابة الارض ليس هو يوم القيامة فلم‌يبق الا القول بالرجعة فما کان خفي امرهم علي ذي حجي من المؤمنين. و بالجملة، اذا سمعت زيادة في القرآن بعد الاجماع علي عدم الزيادة فاصرفه الي ما ذکرنا فانه باب ينفتح منه الف باب. فافهم وفقک الله للصواب.

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 569 *»

قال سلمه الله تعالي: ولد الزنا مؤمن ام کافر و علي الثاني فهل هو نجس ام طاهر؟

اقول: ولد الزنا حکمه حکم ساير الخلق مکلف مختار فاذا کلفه الله سبحانه و قبل التکليف و امن بالله سبحانه و صدق نبيه9 و اقر بخلفائه الائمة الاثني‌عشر: يجب ان‌يحکم عليه بالاسلام و الا يجب القول اما بعدم تکليفه او بتکليف ما لايطاق و الله سبحانه يقول و لاتقولوا لمن القي اليکم السلام لست مؤمناً فقبول ولد الزنا الايمان و مع ذلک الحکم بکفره ينافي القواعد الاسلامية و العقلية. فيجب القول باسلامه و ايمانه اذا اتي بشرايط الايمان و الاسلام. فاذا حکمنا بايمانه وجب الحکم بطهارته من غير اشکال و لا ريب.

و اما ما ذهب اليه ابن‌ادريس فتوهم منه من جهة بعض الروايات المشعرة بنجاسة ولد الزنا. و لم‌يتفطن ان الرواية اذا کان مخالفاً لاصول المذهب و الادلة العقلية و الروايات المحکمة يجب العدول عنها و تأويلها بما يوافق المذهب. و هو من لايري العمل باخبار الاحاد و لا اجماع في المقام ان لم‌ندع الاجماع علي ايمانه و طهارته. و لم‌يتفطن ان المراد من ولد الزنا شخص خاص و اتباعه و هم الرجس النجس الکفرة الفجرة. نعم ابن الزنا اذا کفر يجري عليه حکم الکفر و ان امن يجري عليه حکم الاسلام الا انه لايدخل الجنان الاصلية و انما يدخل جنان الحظاير و هي بالنسبة الي الجنان الاصلية نسبة شعاع الشمس الي الشمس فکل ما في الجنان الاصلية توجد في الحظاير الا انها اقوي من الحظاير بسبعين درجة.

و السر في ذلک ان ولد الزنا حيث انعقدت نطفته علي خلاف محبة الله فبدنه و ما يتعلق به من المشاعر و القوي ظلماني فاذا امن و عمل صالحاً يخرجه الله سبحانه من الظلمات الي النور فيحصل له النور التشريعي خاصة دون النور التکويني. و اما غيره اذا کان مؤمناً عاملاً عالماً من اولاد الحلال فله نوران نور تکويني لانعقاد نطفة [نطفته ظ] علي محبة الله سبحانه و نور تشريعي اکتسبه من الاعمال الصالحة. فلو ان الله سبحانه جعلهما في مکان واحد فقد ساوي بين ذي النورين و ذي نور واحد و هو لايجوز علي

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 570 *»

الحکيم، مع انه سبحانه جعل العالم عالم الاسباب فيوجد المسبب عند وجود سببه فلابد ان‌يکون لاولاد الزنا محل و موضع في الجنة ادني و انزل من محل غيره من اولاد الحلال.

و ربما يتوهم متوهم ان ابن الزنا ليس له تقصير و انما التقصير من ابويه، فتوهم فاسد لان التقصير و ان کان من ابويه لکنه صار سبباً للبدن المظلم المکدر کما ان الابوين اذا اتيا بقاذورة او بجيفة منتنة جعلوها عندک فانک لاتخليها [ظ] عندک في مکان شريف نظيف حيث انها ليس لها تقصير بل انما ترميها في المحل اللايق بها و کذلک ولد الزنا. نعم لو عذبه الله سبحانه و ان اطاع و ادخله جهنم مع اسلامه و ايمانه اتجه هذا القول ولکنه سبحانه يجازيه بعمله بفضله و کرمه و يجعله في درجة [الدرجة ظ] اللايقة به کتفاوت درجات اهل الجنة و لکل درجات مما عملوا و ما ربک بغافل عما تعملون.

و القول بان ابن الزنا لايوفق للخير و لايوفق للايمان حتي يدخل الجنة و حظايرها قول باطل لدلالة بعض الروايات علي حسن حال بعض اولاد الزنا، و نص الامام اميرالمؤمنين7 علي انه من شيعته کما في رواية جندب المروية عن اميرالمؤمنين7 و هي طويلة اعرضنا عن ذکرها.

و بالجملة فاصول المذهب و الادلة العقلية و عموم الروايات و عموم التکليف و قوله تعالي و لاتقولوا لمن القي اليکم السلام لست مؤمناً و بعض الروايات الخاصة في ولد الزنا و حسن حاله کلها صريحة الدلالة واضحة المقالة علي حسن حاله اذا امن و صحة ايمانه و اسلامه اذا اسلم. و اما الروايات الدالة علي انه لايبغض اميرالمؤمنين7 الا ولد الزنا فلايدل علي ما ذکروه. لان المبغض ولد الزنا لا کل ولد الزنا مبغض و ذلک واضح معلوم ان‌شاءالله.

قال سلمه الله تعالي: هل يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة؟

اقول: لايجوز ذلک فان الامام7 لايخل بالواجب و لايمنع المحتاج عن حاجته لان الحاجة اذا تحقق انها ماسة فکيف يعقل من الامام7 الذي هو ممهد و مبعوث لرفع الحاجة عن اهلها في الدين ان لايرفعها، فاذا

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 571 *»

فعل ذلک فقد خالف ما بعث له فيلزم من ذلک ان النبي9 لايعرف الانتقاد حيث اختار للخلق من لايقوم بحوائجهم و لايهديهم الي سبيل الحق الذي لابد لهم منه، او ان الله اخطأ في الاختيار و ان صدر ذلک من النبي المختار.

و بالجملة اذا تحققت الحاجة فلايجوز التأخير ولکن الکلام في الحاجة. فان کل من سأل عن مسألة لايلزم ان‌يکون محتاجاً اليها و ان توهم انه محتاج اليها فتأخير البيان عن وقت السؤال و الکلام يجوز و اما عن وقت الحاجة فلايجوز اصلاً و هذا ظاهر واضح.

قال: هل يجوز تقليد الميت ام لا؟

اقول: العلماء قد اختلفوا في هذه المسألة فهم بين مانع لتقليد الميت مطلقاً بدواً و استمراراً و بين ناف بدواً و موجب استمراراً الي ان‌يجد الاعلم فيوجب العدول اليه و بين موجب للاستمرار مطلقاً و ان وجد الاعلم و بين مجوز لتقليده مطلقاً و لو کان بدواً، و الذي انا عليه و ادين الله به ما عليه جمع کثير من العلماء و جم غفير من الفقهاء هو القول الاول بالمنع من تقليده مطلقاً و وجوب العدول الي الحي سواء کان الحي اعلم ام لا. و العلماء قد ادعوا عليه الاجماع حتي قال بعضهم ان حرمة تقليد الميت کان مما يتفرد به الشيعة عن مخالفيهم و لايزالون يعرفون بذلک. و جواز تقليد الميت کان من متفردات مذهب العامة و کانوا يعرفون به فلولا [الظاهر انه سقط من هنا شيء] ذلک الا تفرد العامة و اتفاقهم عليه و عدم ورود نص قاطع و تحقق اجماع من الفرقة المحقة بالجواز لکان کافياً و مستقلاً في المنع من تقليد الميت مطلقاً لان الرشد في خلافهم، مع ورود الاخبار المصرحة بالمنع لان العلم يموت بموت حامليه کما في البحار عن روضة الواعظين قال النبي9 ان الله تعالي لاينتزع العلم انتزاعاً ولکنه ينتزعه بموت العلماء. و فيه ايضاً عن تفسير الامام7 قال ابومحمد الحسن العسکري7

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 572 *»

حدثني ابي عن جدي عن ابيه عن رسول‌الله9 ان الله لاينتزع العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس لکنه يقبضه بقبض العلماء فاذا لم‌ينزل عالم الي عالم يصرف عنه طلاب حطام الدنيا الحديث. و فيه و في الکافي في حديث کميل عن اميرالمؤمنين7 الي ان قال کذلک يموت العلم بموت حامليه الحديث.

و لاشک ان التقليد خلاف الاصل و لذا اوجب الحلبيون الاجتهاد عيناً و لم‌يرخصوا لاحد التقليد. و علي فرض ثبوت التقليد و کون وجوب الاجتهاد کفائياً وجب الوقوف فيما خالف الاصل علي حد ما دل عليه الدليل القاطع و لايطرد في جميع الاحوال کما هو الظاهر المعلوم. و ما دل عليه الدليل فغاية ما ثبت به و استفيد منه هو ثبوت تقليد الاحياء و ماسوي ذلک فلم‌يصح عليه دليل من الاجماع لبداهة الخلاف و کون المشهور علي المنع و لا من نص من کتاب او سنة يخصص الاصل الاول او يعمم الاصل الثاني في کل افراده، بل المستفاد منه المنع کما سمعت الاشارة اليها و لا من عقل مقطوع به.

و ما ذکروا من حصول الظن بقول الميت و الظن عند قصد ان العلم حجة و ان الميت کان يجوز الرجوع اليه حال حياته فکذا بعد موته بحکم الاستصحاب باطل للمنع من حجية الظن مطلقاً الا ما قام عليه الدليل القاطع و هو الظن الحاصل من الکتاب و السنة و اقوال اهل اللغة و امثالها. و اما ما عداه فلايجوز التعويل عليه و الرکون اليه لان الظن لايغني من الحق شيئاً و ليس هنا موضع اجراء الاستصحاب لتغير الموضوع المستدعي لتغير الحکم يقيناً. و القول بانه يستلزم العسر و الحرج المنفيين بالشرع ممنوع لانه بعد موت المجتهد يحضر عند الآخر و يعرض عليه عمله الذي کان يعمله سابقاً. فما يوافق رأيه يقره عليه و ما يخالفه ينبهه عليه و ليست المخالفة اکثر من الموافقة ليصعب عليه التعلم.

و اذا لم‌يتمکن من الحضور يأخذ من الواسطة الثقة او من کتابه فاذا لم‌يتمکن من الحي بنفسه او بواسطة او بکتابه فليرجع الي الاحتياط ان تمکن منه لقوله7 عليک بالحايطة في دينک و ان اشتغال الذمة تستدعي البراءة اليقينية و ان لم‌يتمکن من الاحتياط يعمل بها هو المشهور بين الفقهاء في

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 573 *»

المسألة لقوله7 خذ ما اشتهر بين اصحابک و اترک الشاذ النادر فان المجمع‌عليه لاريب فيه. و العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد و المحل. و حکم المقلد عند فقد المجتهد مثل حکم المجتهد عند فقد ظهور الامام7 لقوله7 هم حجتي عليکم و انا حجة الله. و ان لم‌تکن المسألة مشهورة بل کانت خلافية فان کان يمکنه التأخير و ليس موضع الحاجة وجب التأخير و الارجاع لقوله7 فارجه حتي تلقي امامک. و ان لم‌يمکنه التأخير فان کان من باب المعاملات يرجع الي الصلح و التراضي وجوباً و الا فعليه التخيير و الاخذ بايهما شاء و اراد من باب التسليم لقوله7 ما معناه بايهما اخذت من باب التسليم وسعک.

و ان اردت ان‌تعرف الحقيقة فالسر في ذلک فاعلم انا بينا في رسالتنا في التسديد ان المجتهد ليس الا لبيان الامام7 و مرآة تحکي حکم الامام7 و ان الاحکام تابعة لصفات المکلفين بل هي من صفات المکلفين و تختلف بحسب الاوقات و الازمان و الاماکن و القرانات و الاوضاع و خلط الکفار بالمؤمنين و المنافقين بالمسلمين و استيلاء سلطان الجور و غلبته و عدم الغلبة او ضعفها و الامام7 هو عين الله الناظرة الشاهدة لهذه الصفات و هذه الاحوال فيجري رعاياه و غنمه علي حکم تلک الاقتضاءات و هي مختلف. و قد قال تعالي ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم. و هذا هو علة اختلاف المجتهدين و تشتت آرائهم و تبدلها و تغيرها.

فهو7 يجري تلک الاحکام علي الرعايا بالسنة المجتهدين من اهل الاستيضاح و البيان. فاذا مات المجتهد انقطع ذلک اللسان و لايصلح لان ‌يکون محلاً لظهور الامام7 فتبطل حکايته و يفسد اخباره فلابد من العدول عنه و الاصغاء لحکم الامام بلسانه و هو الفقيه الحي الثقة الامين. و علي هذا استقر الوجود و اتسق النظام فان الاحکام کلها تکوينية کانت ام تشريعية من الله الحي القيوم و لاتصح ان‌تکون الوسايط بينه و بين عباده فيما يؤدي اليهم امواتاً فان الميت يضاد الحي و جهته تخالف جهته و سيره يخالف سيره الا تري ان الامام7 اذا مات و لو

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 574 *»

لم‌يکن مکانه امام آخر يحفظ حکم الله و وحيه لساخت الارض و بطلت الاحکام و هلکت الخلايق.

فلو جاز ان‌يکون الميت واسطة يجب ان لايخرب العالم اذا مات الامام7 و لم‌يکن من يقوم مقامه، و ليس المجتهد فيما فيه اليه الوساطة باقوي من الامام7 حتي ان ما دخل و ظهر في الوجود بمقتضي وساطة الامام7 ينهدم و يفني و يعدم بخروجه عن الدنيا و يحتاج الي مثله حي حافظ و لايبطل ما کان فيه المجتهد واسطة ان هي الا قسمة ضيزي. و لعمري ان القول بتقليد الميت لاينطبق الا علي مذهب العامة المنکرين للوسايط الاحياء. و اما علي مذهب الشيعة فلا اذ لو يبقي ما اتي به المجتهد محفوظاً بعد موته لکان محفوظية ما اتي به النبي9 من الاحکام الوجودية و الشرعية اولي فلماذا تسيخ الارض باهلها و تبطل الحرکات و السکنات و تضمحل العلوم و الموضوعات فضلاً عن الاحکام و الشرعيات؟! و حکم الله سبحانه واحد في الجميع و حکم المجتهد بالنسبة الي الامام مثل حکم الامام بالنسبة الي الله سبحانه. قال7 شيعتنا آخذون بحجزتنا و نحن آخذون بحجزة ربنا و الحجزة النور و قال7 انا لاشد اتصالا بالله من شعاع الشمس بالشمس و ان شيعتنا لاشد اتصالاً بنا من شعاع الشمس بالشمس فافهم و اتقن. فاذن فالقول بتقليد الميت ساقط من اصله سواء کان ابتداء او استمراراً و يجب العدول عنه سواء وجد الاعلم ام لم‌يوجد.

و لايقال ان العدول عن الاعلم الي غيره يستلزم تفضيله عليه و الله سبحانه مارضي بالتساوي. لانا نقول ان المجتهد اذا مات انقطع علمه الذي يصل الينا لانه کان حاملاً حاکياً لا اصلاً مؤسساً فبعد موته لم‌يبق له علم اصلاً فلايقال له عالم علي الحقيقة فضلاً عن ان‌يکون اعلم. فلايصح ان‌يکون لساناً فلايصح الرجوع اليه لان الرجوع اليه من حيث کونه حاکياً لا من حيث هو هو. فلا دلالة لآية عدم الاستواء علي المراد اصلاً. و کأنک تستهزئ بي و تقول ان هذه کلمات لم‌يذکرها احد من العلماء و انا اقول کما قال المتنبي:

و هب اني اقول الصبح ليل     ايعمي الناظرون عن الضياء

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 575 *»

قال سلمه الله تعالي: ما يفعل باطفال المشرکين يوم القيامة؟

اقول: هؤلاء تؤجج لهم نار يوم القيامة اسمها الفلق قل اعوذ برب الفلق تصل حرارتها و وهجها الي مسيرة ‌الف سنة يؤمر بخمس طوائف: منهم الاطفال و منهم المجانين الذين استوعبت ايام تکليفهم کلها بالجنون. و منهم المستضعفون. و منهم الذين ماسمعوا صيت الاسلام. و منهم الذين ماتوا في الفترة اي بين عيسي و محمد9 و هؤلاء الطوائف الخمس تؤجج لهم نار و يؤمرون بالدخول فان دخلوا مسلمين مطيعين لامر الله و رسوله9 کانت عليهم برداً و سلاماً فيخرجون منها و يدخلون الجنة بغير حساب. و هذا لااشکال فيه.

و انما الاشکال في اطفال المؤمنين و الذي اذهب اليه و اعتقده انهم ايضاً تؤجج لهم نار و يؤمرون بالدخول فيها فان دخلوها مسلمين دخلوا الجنة و ان ابوا يسبق بهم الي النار و هو قوله تعالي و ان منکم الا واردها فان النار قد تاججت في عالم الذر اولاً فمن دخلها کان من اهل الجنة و من ابي کان من اهل جهنم. و المستضعفون و باقي الاقسام الذين لم‌يتبين بواطنهم في الدنيا يظهرها يوم القيامة بتاجيج النار.

و الروايات مطلقة غير مقيدة باطفال الکفار. نعم قد روي الکليني (ره) في الکافي و في حديث آخر اما اطفال المؤمنين فيلحقون بآبائهم و اولاد المشرکين يلحقون بآبائهم و هو قوله تعالي بايمان الحقنا بهم ذريتهم هـ و هذا خلاف المتفق‌ عليهم بينهم ان اطفال الکفار يکلفون کما ذکرنا، فيحمل الحديث علي الاب الحقيقي لا الولادتي کما قال تعالي في ابن نوح يا نوح انه ليس من اهلک انه عمل غير صالح. فاهل الخير و الحق کلهم من اولاد النبي9 و الولي کما قال صلي الله عليه و آله انا و علي ابوا هذه الامة و اهل الشر و الباطل کلهم من اولاد ابي‌الدواهي و ابي‌الشرور فيلحقون بآبائهم. و اذا تأملت في الآية وجدت صدق ما ذکرنا فانه سبحانه قال و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم الآية. فان شرط الالحاق تبعيتهم آباءهم بالايمان. فاذا کلفوا و آمنوا في القيامة يلحقهم الله سبحانه بدرجة فضلاً و کرماً و ان لم‌يعملوا عمل آبائهم. و لذا قال تعالي و

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 576 *»

ماالتناهم من عملهم من شيء و ما في بعض الروايات من ان اطفال المؤمنين يدفعون الي فاطمة3 لتربيهم او الي ابراهيم7 و سارة فمحمول علي الاطفال الذين علم الله منهم الصدق و الخير و انهم من اهل الايمان اذا کلفوا فينبتهم الله نباتاً حسناً و يکفلهم مولاتنا الزهراء و ابراهيم و سارة. و لاينافي ذلک تکليفهم في القيامة علي الوجه المذکور للتميز و التشخيص.

و بالجملة، فالکافر قد يکون في صلب المؤمن کما ان المؤمن قد يکون في صلب الکافر. فالعلة المقتضية للسؤال عن اطفال الکفار بان‌تؤجج لهم النار هي العلة في اطفال المؤمنين لوجود الخلط اذ لم‌يقم دليل علي ان کل من يموت من اطفال المؤمنين لا غير، و مدعي ذلک مکابر مباهت. فالاطفال بقول مطلق تؤجج لهم نار لتميز الاخيار من الاشرار. روي ثقة الاسلام في الکافي عن زرارة عن ابي‌جعفر7 قال سألته هل سئل رسول‌الله9 عن الاطفال؟ فقال قد سئل. فقال الله اعلم بما کانوا عاملين. ثم قال يا زرارة هل تدري قول الله الله اعلم بما کانوا عاملين؟ قلت لا. قال لله فيهم المشية انه اذا کان يوم‌ القيامة جمع الله عزوجل الاطفال و الذي مات من الناس في الفترة و الشيخ الکبير الذي ادرک النبي9 و هو لايعقل و الابکم و الاصم الذي لايعقل و المجنون و الابله الذي لايعقل و کل واحد يحتج عليه الله عزوجل فيبعث الله اليهم ملکاً من الملائکة فيؤجج لهم ناراً ثم يبعث اليهم ملکاً فيقول لهم ان ربکم يأمرکم ان‌تثبوا فيها فمن دخلها کانت عليه برداً و سلاماً و ادخل الجنة و من تخلف عنها دخل النار انتهي. و بهذا المعني روايات کثيرة. فابن علي ما ذکرنا امرک و کن من الشاکرين.

قال سلمه الله تعالي هل يجوز الجمع بين الفاطميتين ام لا؟

اقول: الذي يظهر من قواعد المذهب و طريقة الفرقة المحقة ان الجمع بينهما يجوز. و قد کان الجواز مذهب جميع اصحابنا المتقدمين من معاصري

 

«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 577 *»

الائمه: الي زمان الشيخ الحر و استقر عملهم کافة علي العمل بعموم قوله تعالي و احل لکم ماوراء ذلکم فاذا استقر عملهم عليه و لا معارض سوي رواية رواها الشيخ في التهذيب بسند ضعيف و رواها الشيخ الصدوق في العدل بطريق صحيح، و هاتان الروايتان قد اعرض عنهما الاصحاب و راويهما ايضاً فيکون ذلک دليل عدم حجيتهما و دليل ضعفهما، لاسيما عند القدماء من اصحابنا الذين لايرون العمل بهذا الاصطلاح؛ بل يصح عندهم ما استقر عليه العمل. و ما اعرض عنه الاصحاب ضعيف جداً و ان کان صحيحاً بحسب الاصطلاح. فالاعتماد علي رواية اعرض عنها الاصحاب کافة و تخصيص کتاب الله بها جرأة عظيمة و جسارة جسيمة.

و ما قيل ان ذلک ايضاً مذهب الصدوق فکلام شعري لان الصدوق لو عمل بهذه الرواية و علم انه يمکن بها تأسيس الحکم الشرعي و تخصيص کتاب بها لاوردها في الفقيه الذي جعله ما فيه حجة بينه و بين الله دون ساير کتبه. فکيف يهمل ذکرها في الکتاب المذکور و يعمل فيه علي العموم؟ و يذکرها في علل الشرايع الذي لم‌يلتزم به ذلک الالتزام. و هذا اقوي قرينة علي انه لايري العمل بها.

و بالجملة، فلا حجية في الخبر المذکور بعد اعراض الاصحاب عنه و قد اردت ان‌ابسط القول في هذا المقام و اذکر ما يترتب عليه من النقض و الابرام و اکتب عبارات المجوزين و اخرج الغث من السمين و ابين فساد توهمهم، ولکني في واسع العذر من کثرة الاشغال و ضعف الحال و تبلبل البال و فيما ذکرنا کفاية لاولي الدراية.

و ما تمکنت من رسم هذه العجالة الا في طريق سفرنا الي زيارة مولانا اميرالمؤمنين عليه الصلوة و السلام في بعض المنازل و صرت بحيث ان السفر لي راحة و الحضر مشقة. و الله المستعان و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم و الصلوة و السلام علي محمد و آله الطاهرين الطيبين.