رسالة فی جواب سائل ( الحجة الدامغة )
من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج
سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 583 *»
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعین
الحمدلله رب العالمين و الصلوة و السلام علي خير خلقه و مظهر لطفه محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم و مبغضيهم و منکري فضائلهم اجمعين.
اما بعد فيقول العبد الجاني و الاسير الفاني المقيد بوثايق الآمال و الاماني کاظم بن قاسم الحسيني الرشتي ان هذه کلمات ذات تبيين امليتها جواباً لمسائل اتتني من بعض الاخوان الذي لميتبين له بعد الحق المبين و لميميز بين الغث و السمين [و خل] اراد بذلک الاستبصار بتهذيب البيان الوافي و الاسترشاد بتحرير القواعد من الکلام الکافي ليصل الي منتهي المطالب و نهاية المآرب من الورود علي شرايع اليقين و الخروج عن لواقح الفتن مما يرد علي القلب من الظن و التخمين. و قد اتتني مسائله وفقه الله و سدده في وقت تراکم الاشغال و تزاحم موجبات الاختلال و تبلبل البال و عروض الامراض المانعة من استقامة الحال و حصول الجواذب من کل جانب و انا في هذه الحالة کما قال الشاعر:
کم بجنبي للصبابة واد کل آن حمامه نواح
ولکن لايسع ترک الجواب لمکان الاسترشاد و الاستبصار ولکني آت بما هو الميسور لانه [اذ خل] لايسقط بالمعسور و الي الله سبحانه ترجع الامور.
قال سلمه الله تعالي: يا سيدي اشکل علي امور لانعرفها بينها لي ان کنت من اهله انشاءالله لکن بلسان المتعارف و لسان القوم لا بلسان يثني الاشکال بل باوضح بيان و دلائل من الکتاب و السنة لايحتاج الي مبين آخر و لايجر الکلام الي کلام آخر توجر انشاءالله.
اقول: قوله سلمه الله ان کنت من اهله، دليل لما ذکرنا من عدم تبيين الامر له و عدم وضوحه لديه فيجب اننبين له. فاقول: اما انا فلست باهل لانيتوجه الي بالمسائل و لا انيطلب مني البراهين و الدلائل و لست من فرسان هذا الميدان و
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 584 *»
لا من سباق هذا الرهان ما انا و ما خطري ولکني حيث قابلت شمس هداية انوار آلمحمد الاطهار عليهم سلام الله في آناء الليل و [اطراف خل] النهار و انقطعت اليهم و اعرضت عن کل ماسواهم و نصبت هدايتهم: بين عيني و جعلت القرآن امامي و صحاح احاديث آل الله [آلمحمد خل] و حسان الادلة من آيات الله محيطة ملتفة بي استشرقت بحمدالله من تلک الانوار و جست خلال تلک الديار فسقط الي من الاسرار ما تضيء بها القلوب و تشرح بها الصدور و يحل بها کل مشکل و توضح [يوضح خل] بها کل معضل [معقل خل] و قد قالوا: ما من احد [عبد خل] احبنا و زاد في حبنا و اخلص في معرفتنا و سئل عن مسألة الا و نفثنا في روعه جواباً لتلک المسألة و قال تعالي الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا. فان قلت:
و کل يدعي وصلاً بليلي و ليلي لاتقر لهم بذاکا
قلت:
اذا انبجست دموع من [في خل] خدود تبين من بکي ممن تباکي
و لاريب ان للحق دلالات و علامات يصل اليها الطالب الراغب. لقد قال اميرالمؤمنين7 اين يتاه بکم و فيکم عترة نبيکم اين تذهبون و رايات الحق منصوبة و اعلام الهداية واضحة الخطبة. و لاشک و لاريب ان العلماء الاعلام يکتفون في اثبات حقية مطلب اذا اقترن بدليل عقلي و لايسألون عن غيره و لايتوقفون عن قبوله او دليل نقلي اذا کان قطعياً في المطالب التي تتعلق بغير المعلومات من الاحکام الفرعية التوقيفية سواء کانت شرعية او وضعية علي معانيها و مراتبها و اقسامها. فاذا کان المطلب مقترناً بدليل عقلي و نقلي من محکمات الکتاب و السنة دون متشابهاتهما فلا ريب ان ذلک اولي بالقبول و احري بالاذعان و التصديق. فاذا کان الدليل العقلي المحض يکفي في اثبات الحق فالدليل العقلي المقترن بالنقلي المعتضد بالشواهد و الآيات و الامثال و
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 585 *»
العلامات اولي أفمن يهدي الي الحق احق انيتبع امّن لايهدّي الا انيهدي فما لکم کيف تحکمون.
و نحن بحمدالله لاندعي امراً و لا مطلباً الا و نأتي بالدليلين بواضح البيان و لايح البرهان. فمن هذه الجهة لو سألتني لوجدتني اهلاً للسؤال و ما اخطأت حقيقة الحال. فاني انقل عن آلمحمد المفضان مما وصل الي من بعض فواضل جودهم و کرمهم فعنهم اقول و اليهم استند و بهم اعتمد و علي الله اتوکل و منهم استرشد و من الله التوفيق و التسديد [السداد خل] في المبدأ و المعاد،
اليکم و الا لاتشد الرکائب و منکم و الا لاتنال الرغائب
و فيکم و الا فالحديث مخلق و عنکم و الا فالمحدث کاذب
و قوله سلمه الله تعالي: لکن بلسان المتعارف و لسان القوم، ما ادري اي عرف يريد؟ و اي قوم يسأل؟ فان کان العرف العام المشترک بين کل الناس فهذا ليس الا البديهيات و المعلومات و المسائل العاميات. و بهذا العرف لايعرف ازيد من البديهيات و الضروريات. و اما العلماء و الخواص فمتعارفهم مختلف و السنتهم متفاوتة و لکل اصطلاح و لکل قوم لسان لايشبه لسان الآخر. الا تري ان لسان اهل النحو لايشبه لسان اهل الصرف و لسانهما لايشبه لسان اهل المنطق. فاذا تکلم المنطقي عن عرفه و لسانه لايفهمه النحوي. و اذا تکلم المنجم بعرفه و لسانه لايعرفه المنطقي و لا الهندسي. و اذا تکلم الحکيم بعرفه و لسانه لايعرفه الفقيه. و اذا تکلم الفقيه بعرفه و لسانه لايفهمه [لايعرفه خل] الحکيم و هکذا کل طائفة متعارف عندهم لسان و لهم عرف يتکلمون به لايفهمه غيرهم الا من بيانهم و ارشاداتهم و هداياتهم. فلولا انيبين اهل کل لسان مراده لايعرفه اهل لسان الآخر و يتکلم مع کل احد بلسانه.
فقوله سلمه الله تعالي: بلسان المتعارف و لسان القوم، قول غريب و کلام عجيب لان العرف متفاوت و الالسنة مختلفة. و هو قوله تعالي و من آياته خلق السموات و الارض و اختلاف السنتکم و الوانکم. و الاختلاف عام لانه مصدر مضاف کما انه يشمل اللغات يشمل الاصطلاحات.
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 586 *»
فالالسنة مختلفة و العرف متفاوت و الکلام بما يفهمه کل عرف و کل لسان في الزايد من البديهيات ما جرت عليه عادة الله و عادة آل الله صلي الله عليهم. الا تري القرآن مع ان الله سبحانه قال کتاب احکمت آياته ثم فصلت من لدن حکيم خبير و مع هذا کله، تري ما عليه الناس من الاختلاف و التناقض في کل آية آية و کلمة کلمة حتي آل الامر الي انهم قالوا ان القرآن ظني الدلالة؛ يعني محکماته. و اما المتشابهات فلاتدل علي معني محصل، و کذلک الاحاديث تري ما عليه الناس من الاختلاف في فهمها.
و لست ادري ان الله و اولياءه تکلموا بلسان القوم ام لميتکلموا؟ و من القوم هل الائمة [الامة خل] ام غيرهم؟ فان کان غيرهم فلايخاطبونهم و ان کانوا هم و الائمة قد تکلموا بلسانهم فلم هذا الاختلاف و کلهم عربيون؟! فهل الله و رسوله9 و اولياؤه: قصروا في الاداء بالمتعارف و بلسان القوم ام القوم قصروا في التفهم و التبين؟ فان قلت بالاول کفرت، مع ان الله سبحانه و تعالي قال و ما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه. و ان قلت بالثاني فالتقصير ليس من المبين بل من السامع حيث لميتفهم و لميتوجه. و قد قال الشاعر:
و من حضر السماع بغير قلب و لميطرب([1]) فلايلم المغني
فالذي يجب علي العالم انيأتي بالکلام علي القواعد المقررة و القوانين المضبوطة المتلقاة من اهل العلم: فان عرف السامع بالتوجه و الاقبال لفهم المراد و الاصغاء مع الانصاف لادراک المقصود فقد فاز بالنصيب من المعلي و الرقيب و الا فلايلوم الا نفسه و لايعاتب الا شخصه. و قد قال الشاعر و نعم ما قال:
علي نحت القوافي من مواقعها و ما علي اذا لميفهم([2]) البقر
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 587 *»
فانت اذا سمعت الخطاب و عرفت المراد علي الوجه الصواب فهنيئاً لک علي ما اعطيت من نعمة الفهم و الادراک و ان لمتعرف [لمتفهم خل] المراد و انت من اهل الانصاف اسأل ثانياً و ثالثاً و رابعاً و خامساً بعين الانصاف متجنباً عن جادة الجور و الاعتساف حتي تنال المراد من فهم المراد. و لاتستنکف من الطلب و السؤال فان الله تعالي يقول فاسئلوا اهل الذکر ان کنتم لاتعلمون و يجب السؤال الي انيحصل العلم. لقد قال الشاعر:
اطلب و لاتضجرن عن مطلب فآفة المطلوب انتضجرا
الا تري الحبل و ترداده في الحجر الصم لقد اثرا
و قد قال مولانا الصادق7 ان الرزق مقسوم مضمون قد قسمه عادل بينکم و سيفي و ان العلم مکنون مخزون قد امرتم بطلبه فاطلبوه. و الناس في التفهم لهم مراتب: فمنهم من يفهم الکلام بادني اشارة. و منهم من يحتاج الي صريح العبارة. و منهم من يحتاج الي التکرار مرة ثانية. و منهم من يحتاج اليه ثالثة و رابعة علي حسب تفاوت الناس في العقول. کما شرح مولانا الصادق7 ذلک مما يطول الکلام بذکره.
و قوله سلمه الله تعالي: لا بلسان يثني الاشکال، جوابه ان المتکلم يتکلم بصريح المقال بما لايعتريه الاشکال، ولکن اذا اعتراه الاشکال من جهة السامع و عدم تفطنه بالمراد فيثني الاشکال و يثلث. فليسأل حتي يزول کما جرت عليه الخطابات الالهية و الکلمات المعصومية علي قائلها الاف الف سلام و تحية.
و قوله سلمه الله تعالي: بل باوضح بيان، مثل کلامه السابق. فانه لا کل بيان واضح عند المتکلم هو الواضح عند المخاطب [السامع خل] فان المطالب مختلفة و التعبيرات متفاوتة و ليس کل ما لاتعرفه من قصور في فهمک او فتور في ذهنک، بل لان من المطالب ما لايعرف الا بدليل الحکمة و انت تريد انتعرفه بدليل المجادلة فلنتدرکه ابداً. و منها ما لايدرک الا بدليل المجادلة و انت تريد انتدرکه بدليل الحکمة و الموعظة الحسنة فلن تدرکه ابداً. و منها ما لا کيف له و
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 588 *»
انت تريد انتعرفه بالکيف. و منها ما هو خارج عن مدرک الظاهر و لايدرک الا بالسر و الباطن و انت تريد انتعرفه بلسان الظاهر فلنتعرفه ابداً. و منها ما لا صورة له و انت تريد انتعرفه بالصورة فلنتعرفه ابداً. و منها ما يتوقف علي ذکر مقدمات کثيرة و انت تريد انتدرکه بغير تلک المقدمات فلنتدرکه ابداً. و العبارة قد تکون غير مأنوسة عندک او انها ناقصة و امثال ذلک من الامور المانعة عن ادراک المطلوب.
فکيف يکون مع ذلک اوضح بيان، مع هذه الموانع و الامور! فالذي علي العالم هو انيبين المقصود علي ما هو عليه من القواعد و القوانين المقررة لادراک ذلک الشيء. فالذي يطلبه من تلک القوانين و القواعد يفهمها و الامر عنده واضح کالشمس في رابعة النهار. و الذي لايراعيها فيبقي لديه الاشکال و يکثر عليه الداء العضال فلاينجو و لايخلص منه الا انيأتي من بابه و يسأله عن اصحابه و يراعي قواعاده. فانت اذا اردت انتبصر بالسمع او تسمع بالعين او تشم بالفم او تذوق بالانف لنتحصل ابداً و هو قوله تعالي و أتوا البيوت من ابوابها. و انا انشاءالله تعالي مبين لک ما سألت باوضح بيان يمکن في المقام بالادلة الساطعة و البراهين اللامعة من الکتاب و السنة. و اسأل الله التوفيق في فهمها و دفع العوارض عنک في ادراکها انه ذو الفضل العظيم و المن الجسيم.
قال سلمه الله تعالي: منها ان من الضروريات ديناً و مذهباً ان نبينا9 افضل الانبياء بل افضل البرية بل اشرف الممکنات، و من بديهيات الکتاب و السنة انه9 و امته مأمورون بمتابعة ملة ابراهيم. ما المراد بملة ابراهيم التي امرنا بمتابعتها هل المراد بها الاصول او الفروع او المجموع؟ و علي کل التقدير [علي التقادير خل] کيف التوفيق بين القول بکون شريعة نبينا9 و ملته ناسخة لجميع الشرايع و الملل السابقة و بين کونه9 مأموراً بوجوب متابعة ملة ابراهيم؟
فان قلت: المراد بها الاصول خاصة، قلت: فما وجه الاختصاص؟ مع ان
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 589 *»
الاصول بالنسبة الي الکل علي نسق واحد لايتفاوت في الشرايع لان المراد منها بالنسبة الي الشرايع هو التوحيد. و ان قلت: ان المراد بها الشرائع خاصة لان بعض الآداب و السنن من شريعة ابراهيم7 باق في شريعة نبينا9، قلت: الامر بالنسبة الي الشرايع السابقة الاخر کذلک فما وجه التخصيص؟ و ان قلت: المراد المجموع من حيث المجموع، قلت: يعود الکلام کما زبر. و ان اغمضنا عن جميع ما ذکر فکيف التوفيق بين القول بالافضلية و کونه9 مأموراً بمتابعة ملة ابراهيم7؟ و هل وجوب متابعة ملة ابراهيم7 الا کون ابراهيم اماماً عليه9 و هو مناف للافضلية؟
اقول: لاشک و لاريب ان نبينا9 افضل الانبياء: بل اشرف الممکنات و الموجودات، و الممکنات کلها من اشراقات نور وجوده و اشعة غيبه و شهوده و لولاه لما کان کون و لا وجد عين و هذا من المعلومات. و قد دلت عليه الادلة القطعية من العقلية و النقلية و اطبقت عليه الامامية و اتفقت معهم الاشاعرة. و اما المعتزلة و القاضي ابوبکر و عبدالله الحلبي و غيرهم ذهبوا الي ان الملائکه افضل و اشرف من الانبياء و من نبينا9 و ذکروا لهم ادلة و حججاً. و قد ذکر المجلسي (ره) في البحار في مجلد احوال الانسان حججهم و براهينهم علي التفصيل. فامة محمد9 طائفة منهم غير مقرين بافضليته9 و اشرفيته علي جميع الممکنات.
فقوله سلمه الله: من الضروريات ديناً و مذهباً، فيه غموض. اما مذهب الامامية فکما ذکرت من انهم يفضلونه9 بحقيقة ما هو اهله علي جميع الموجودات و الممکنات و الضرورة هنا قائمة. و اما ضرورة الدين فان اراد به ما يرادف المذهب فلا بأس. و ان اراد به دين الاسلام کما هو مقتضي مقابلته مع المذهب فالضرورة لاتتحقق الا باعتراف جميع المقرين بمحمد9 من جميع الفرق و المذاهب و اهل کل فرقة عالمهم
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 590 *»
و جاهلهم و رجالهم و نساءهم دنيهم و شريفهم، فاذا تخلفت طائفة منهم لاتتحقق به الضرورة کما هو مقتضي مؤدي لفظ الضرورة.
فالمعتزلة هم فرقة من فرق الاسلام بل هم و الاشاعرة فرقة واحدة من فرق الثلاثة و السبعين و هم قد خالفوا في افضلية نبينا9 علي جميع الموجودات لانهم فضلوا الملائکة عليه، فکيف يمکن دعوي الضرورة؟ الا انتخرج المعتزلة من الاسلام و هو خرق للاجماع المرکب. فان من قال بکفر المخالفين حکم علي الجميع اشعرياً کان ام معتزلياً. و من قال باسلامهم فقد حکم علي الجميع کذلک. و لا احد من المسلمين قال بکفر المعتزلة دون الاشاعرة. فاذا [فان خل] دعوي الضرورة و الحالة [الحال خل] هذه غفلة بينة واضحة. ولکن الحق ما ذکرت من ان نبينا9 افضل الانبياء فيکون افضل الموجودات کلها لان الانبياء افضل من سواهم. و قد قال رسولالله9 مخاطباً ليهودي يا يهودي لاينبغي ان اصغر ما عظمه الله من قدري ان الله تعالي اوحي الي يا محمد فضلک علي الانبياء کفضلي و انا رب العزة علي کل الخلق.
و قوله سلمه الله تعالي: و من بديهيات الکتاب و السنة انه9 و امته مأمورون بمتابعة ملة ابراهيم، فيه غفلة ظاهرة. لان ظاهر کلامه کما هو صريح ما بعده ان هذه التبعية مختصة بابراهيم دون غيره من الانبياء: و الامر ليس کذلک فان الآيات الواردة في هذا الباب علي ثلاثة وجوه:
الاول: ما يدل علي لازوم تبعية نبينا9 لجميع الانبياء کما قال تعالي في سورة الانعام و تلک حجتنا آتيناها ابراهيم علي قومه الي ان قال تعالي و وهبنا له اسحق و يعقوب کلاً هدينا و نوحاً هدينا من قبل و من ذريته داود و سليمان و ايوب و يوسف و موسي و هرون و کذلک نجزي المحسنين و زکريا و يحيي و عيسي و الياس کل من الصالحين و اسمعيل و اليسع و يونس و لوطاً و کلاً فضلنا علي العالمين و من آبائهم و ذرياتهم و اخوانهم و اجتبيناهم و هديناهم الي صراط مستقيم ذلک هدي الله الي ان قال اولئک الذين هدي الله فبهديهم اقتده و الاقتداء في الظاهر هو المتابعة بل اعظم و اشد فيها. ففي هذه
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 591 *»
الآية امر الله سبحانه نبيه9 انيقتدي بهدي جميع الانبياء و يتبعهم. و قال ايضاً في سورة آلعمران قل آمنا بالله و ما انزل علينا و ما انزل علي ابراهيم و اسمعيل و اسحق و يعقوب و الاسباط و ما اوتي موسي و عيسي و النبيون من ربهم و هذه الآية ظاهرة في التبعية لباقي الانبياء: فان الايمان بالنبي ظاهر في متابعته.
الثاني: ما يدل علي لزوم تبعية نبينا9 ملة ابراهيم و الآيات الدالة علي هذا المعني کثيرة منها قوله تعالي ان ابرهيم کان امة قانتاً لله حنيفاً الي قوله تعالي ثم اوحينا اليک ان اتبع ملة ابرهيم حنيفاً و ما کان من المشرکين. و منها قوله تعالي قل صدق الله فاتبعوا ملة ابرهيم حنيفاً و ما کان من المشرکين. و منها قوله تعالي و قالوا کونوا هوداً او نصاري تهتدوا قل بل ملة ابرهيم حنيفاً. و منها قوله تعالي و من احسن ديناًً ممن اسلم وجهه لله و هو محسن و اتبع ملة ابرهيم حنيفاً. و منها قوله تعالي قل انني هداني ربي الي صراط مستقيم ديناً قيماً ملة ابراهيم حنيفاً و ماکان من المشرکين. و منها قوله تعالي قد کانت لکم اسوة حسنة في ابرهيم و الذين معه الي ان قال لقد کان لکم فيهم اسوة حسنة لمن کان يرجو الله و اليوم الآخر.
الثالث: ما يدل علي ان ما اوحي الله الي سائر الانبياء هو الذي اوحي الي نبينا9 و الآيات کثيرة منها قوله تعالي شرع لکم من الدين ما وصي به نوحاً و الذي اوحينا اليک و ما وصينا به ابرهيم و موسي و عيسي ان اقيموا الدين. و منها قوله تعالي ما يقال لک الا ما قد قيل للرسل من قبلک. فحصر الامر اي امر ما اوحي الي النبي فيما قيل للرسل من قبله و الجمع المحلي باللام يفيد العموم فيکون کل ما قيل للنبي9 من قبل الله و من قبل المخلوق هو عين ما قيل لجميع الرسل و الانبياء من قبله9. و منها ظاهر قوله تعالي ما کان علي النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل و کان امر الله قدراً مقدوراً. و منها قوله تعالي انا اوحينا اليک کما اوحينا الي نوح و النبيين من بعده و اوحينا الي ابرهيم و اسمعيل و اسحق و
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 592 *»
يعقوب و الاسباط و عيسي و ايوب و يونس و هرون و سليمان و آتينا داود زبوراً و رسلاً قد قصصناهم عليک من قبل و رسلاً لمنقصصهم عليک و کلم الله موسي تکليماً. و منها قوله تعالي يريد الله ليبين لکم و يهديکم سنن الذين من قبلکم. و منها قوله تعالي قل ما کنت بدعاً من الرسل. و قوله تعالي لميکن الذين کفروا من اهل الکتاب و المشرکين منفکين حتي تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفاً مطهرة فيها کتب قيمة. و امثالها من الآيات فانها کلها ظاهرة الدلالة واضحة المقالة ان ما [المقالة بان کلما خل] اوحي الله الي سائر الانبياء هو الذي اوحاه الي نبينا9.
فاذا عرفت هذه الوجوه الثلاثة من الآيات عرفت انه و ان اندفع بهذا احد اشکالات جنابک و هو انحصار تبعيته9 و امته بملة ابراهيم7 کما توهمه جنابک السامي لکنه قد اتسعت دائرة الاشکال بالنسبة الي تبعيته9 لجميع الانبياء و اقتدائه بهم بعين ما ذکرته في ملة ابراهيم7 حرفاً بحرف لانه9 لاريب في افضليته من جميع الانبياء بدليل خاتميته و ثبوت ان کل خاتم هو الفاتح، فکيف يجوز تبعية من هو الافضل للمفضول؟ و هذا شيء يأباه العقل و النقل کما ذکر جنابک في ابراهيم خاصة.
ثم في الوجه الثالث يرد اشکال آخر قد ذهل جنابک عنه، حيث ان التابع غير المتبوع فاذا کان الموحي الي الانبياء هو الذي اوحي الي نبينا9 فاين التبعية و الفرعية؟ ثم انه کيف يصح هذا مع ان شريعته9 ناسخة لجميع الشرايع فکيف يکون عين تلک الشرايع؟ و ما هذا الا مناقضة ظاهرة. ثم يرد هنا اشکال آخر من آيات اخر و هو قوله تعالي و ما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله. فاذا کان الرسول هو المطاع فکيف يکون مطيعاً؟ ضرورة ان التابع مطيع للمتبوع. و اختصاص الطاعة بالذي ارسل اليه اي الرعية لتکون المطاعية اضافيه خلاف الاصل. لان الاصل حمل الکلام علي حقيقته. و حيث لميذکر متعلق الطاعة يجب انيکون عاماً في کل شيء اذ لميذکر ان الرسول مطاع في مقام دون مقام حتي يکون
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 593 *»
مطيعاً في مقام و مطاعاً في مقام. و قوله تعالي ما کنت بدعاً من الرسل و ما ادري ما يفعل بي و لا بکم ان اتبع الا ما يوحي الي. فاذا کان النبي9 لايتبع الا الموحي اليه من شريعته فکيف يتبع ملة غيره من ابراهيم7 و سائر الانبياء:؟
فان قلت: علي ظاهر الآية الاولي ان الرسول لايکون الا مطاعاً و انت عممت هذ المطاعية و جعلتها حقيقية، يلزم ان لاتکون الشرايع ستة [سنته خل] و انيکون کل نبي صاحب شريعة جديدة. ضرورة ان غير صاحب الشريعة يکون مطيعاً لصاحب الشريعة و تابعاً لملته و شريعته.
قلت: لايلزم ذلک فان الرسول مبعوث من الله سبحانه ولکنه سبحانه امره انيعمل علي موجب تلک الشريعة و ليس معني ذلک ان صاحب الشريعة مبعوث عليه و لا انه تابع له، بل النبي مبعوث من الله سبحانه ولکن عمله علي مقتضي تلک الشريعة التي اتي بها صاحبها لا انه تابع له و مطيع لامره، بل انما هو تابع وحي الله الذي اوحاه اليه من العمل علي مقتضي تلک الشريعة علي حسب مقتضيات موضوعات و کينونات الرابعة [الرعية خل]؛ مثاله ان السلطان يبعث حاکماً الي بلدة او قرية و يعطيه قانوناً يأمره انيعمل عليه مع الرعية. ثم يبعث حکاماً الي بلاد اخر من قبله و يأمرهم انيعملوا علي ذلک القانون الذي من عند ذلک الحاکم. فاولئک الحکام کلهم منصوبون عن السلطان و الطريقة طريقته [طريقة السلطان خل، طريقة واحدة خل] و ان کان حملة ذلک الحاکم. فهم المطاعون و لايطيعون الا السلطان. و کذلک اولوا الشرايع هم حملة ذلک القانون و سائر الانبياء بمنزلة الحکام فالانبياء و الرسل لايکونون الا متبوعين. و هو قوله تعالي انا انزلنا التورية فيها هدي و نور يحکم بها النبيون الذين اسلموا. و بالجملة، لايکون النبي من حيث انه نبي الا متبوعاً مطاعاً و لايصح انيکون تابعاً مطيعاً و هذا الذي ذکرناه هو تقرير الاشکال الذي اورده جنابک.
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 594 *»
اما الجواب فهو کلمة واحدة اقرره لک و ابينه فاصغ اليه بسمع الانصاف و انظر بعين البصيرة و تجنب عن جادة الجور و الاعتساف لتري الامر ظاهراً واضحاً و الحکم لامعاً لايحاً فنقول: ان التبعية لها معنيان و لها اطلاقان:
احدهما تبعية يکون التابع مقهوراً مغلوباً محکوماً عليه و المتبوع قاهراً غالباً حاکماً له علي التابع الرسالة و الحکومة. و هذه الرياسة قد تکون رياسة علّية بانيکون التابع شعاعاً للمتبوع و قد تکون قطبية کرياسة القلب و متبوعيته للاعضاء و الجوارح و هذا المعني هو الظاهر من العرف في الجملة بحسب ظاهر النظر.
و ثانيهما تبعية يکون التابع ظاهراً بعد المتبوع لا انيکون مقهوراً مغلوباً لديه [له خل] بل العبارة الحقيقية في التابع بهذا المعني انتقول انه الثاني السالک سبيل الاول و هذا المعني هو الظاهر من اهل اللغة. قال في القاموس: تبعه کفرح تبعاً و تباعة: مشي خلفه و مر به فمضي معه. فالتابع بهذا المعني لايکون ادني من متبوعه فان الذي اتي به المتقدم لما جاء المتأخر سلک ذلک المسلک و مشي علي ذلک المنهج و لايلزم انيکون السالک لمسلک الاول ادني من الاول او يکون الاول الذي سلک مسلکاً اقوي من الثاني کما يقال: ان فلان الفقيه انما اتبع طريقة المجتهدين او المجتهد الفلاني في کيفية الاستنباط باتباعه في مسلکهم و اقتدائه به او بهم في هذا المنهج، لايلزم انيکون يقلدهم او يقلدوه او لايخالفهم و لايخالفوه بل المقصود في هذه التبعية انه يسلک ذلک المسلک و يمشي علي ذلک المنوال و لايخالف طريقتهم و لايترک سنتهم ولکنه يعمل بما ادي اليه نظره و يحکم بما ذهب اليه فکره [ذکره خل] من مقتضي الطريقة التي سلکها من طريقتهم و السنة التي اقتدي بها من سنتهم.
و بالجملة، کل من سبق الي طريقة و قاعدة و قانون فاذا جاء الآخر و اخذ تلک الطريقة و سلک ذلک المسلک و مشي علي ذلک المنهج، يقال انه اتبعها و ان لميعمل الا بقوله و لميتبع الا ما ادي اليه فهمه و نظره و هذا معلوم ظاهر. و قد دل علي ذلک بصريح الدلالة قوله تعالي قل ما کنت بدعاً من الرسل يعني طريقتي ليست
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 595 *»
مخالفة لطريقتهم و سنتي ليست منافية لسنتهم بل انا علي سنن الانبياء و مسلکهم فيما سلکوا به من دعواهم النبوة و ارشادهم الخلق الي التوحيد و التفريد و سلب الانداد و نفي الاضداد لله سبحانه و انيکون معصوماً مطهراً منزهاً مسدداً و ان لايقول الا عن الله و لايتبع الا وحي الله و لايتقول علي الله و انيکون جميع اوامره و نواهيه و رخصه و عزائمه بامر من الله بانزال ملک مسدد و روح مؤيد و انيکون له وصي منصوب عن الله معصوم مطهر بتطهير الله واع ما حمله رسولالله9 من احکام الشريعة و اطوار الملة. فهذه هي الطريقة التي عليها جميع الانبياء و المرسلين و هذه سنتهم و هي ملتهم و الاعتقاد بهذه الامور اعتقاد رعيتهم.
فلما سبقت الانبياء: في الظهور في القوس الصعودي و کان رسولالله9 آخرهم و خاتمهم و اتي بعدهم اقتص اثرهم و سلک مسلکهم و اقتدي بهداهم من الاتيان بهذه الامور التي لاتثبت النبوة الا بها و لاتظهر الا بسلوکها. و لذا ان الجاثليق الذي اتي من الروم مع مائة نفس من العلماء و الاساقفة و وصل الي المدينة و کان قد توفي رسولالله9 و سأل عن وصيه القائم مقامه ارشدوه الي ابيبکر فلما ادخل [ان دخل خل] عليه و سأله انک خليفة رسولالله9؟ قال نعم. ثم قال هل اوصی اليک رسولالله9 امر امته؟ قال لا بل اجتمع علي المسلمون و اختاروني عليهم خليفة و مضي رسولالله9 و لمينصب خليفة. فقال له الجاثليق قد تناقض کلامک. مرة تقول انا خليفة رسولالله9 و مرة تقول ان النبي9 مااستخلف بل اختارني قومي و رضوا بي خليفة فانت اذا خليفة قومک لا خليفة النبي9. ثم التفت الجاثليق الي اصحابه اولئک الاساقفة و قال لهم: ان هذا الرجل لميکن نبياً لانه لميقتص اثر الانبياء و لميقتد بهداهم و لميسلک سبيلهم فانا قرأنا في الکتب السماوية انه لايموت نبي الا و يجعل له وصياً بعد موته و لميدع رعاياه سدي مهملين و هذا لما لميجعل لشريعته حاملاً ولميعين له وصياً عالماً علمنا انه ليس علي سنن
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 596 *»
الانبياء بل کان رجلاً حکيماً فساس الناس بتسخيره و سخرهم بتدبيره.
و بالجملة، النبوة لها قوانين و قواعد و کليات يجب انيجري عليها جميع الانبياء فاذا خالفوا شيئاً منها عرفنا انه ليس بنبي لا ان کل واحد منهم من اولي الشرائع يتبع الآخر في خصوصيات الشريعة و جزئيات الاحکام التي للامة کما يقال: ان المجتهد لايکون مجتهداً الا اذا عرف النحو و الصرف و اللغة و المنطق و المعاني و البيان علي الخلاف و علم الکلام و علم تفسير آيات الاحکام و علم الرجال و علم متون الفقه لتحصيل الاجماع و معرفة الشهرة و علم الاصول و انيکون له القوة القدسية و استنباط الاحکام من الکتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل، فاذا جمع هذه الخصال و سلک هذه الطريقة و اقتص هذا الاثر فهو المجتهد و کل من يأتي فيما بعد ليجب انيسلک هذه الطريقة و يقتدي بهذه الهداية و يقتص هذا الاثر. و ليس ذلک تقليداً لهم في جزئيات الاحکام بل يخالفهم بل ربما يخالف مشهورهم اذا دل الدليل المعتبر عندهم. فان لميسلک هذا المسلک و لميقتد بهذه الطريقة فليس بمجتهد بل يجب هجره و عدم الاعتناء به.
و کذلک النبوة لها علامات و دلالات فکل نبي لابد انيتبعها و يقتص اثر الانبياء منها [فيها خل] و يسلک مسلکها و يهتدي بهداها. فالله سبحانه امر نبيه9 ان اتبع تلک الطريقة و اقتص ذلک الاثر و يقتدي بتلک الهداية حتي ان الذين آمنوا بالرسل و اعتقدوا بالکتب، يعلمون ان الذي انت عليه هو الذي کانت الانبياء: عليه من علامات النبوة و اسباب الهداية حتي يعلموا انک لاتقول الا عن الله و ان شريعتک ناسخة لتلک الشرايع و ان دعوتک امة النبي الذي قبلک بنسخ شريعته و العدول عن ملته دعوة عن حق الي حق و عدول عن حق الي حق. و لذا قال الله تعالي قل ما کنت بدعاً من الرسل الي ان قال ان اتبع الا ما يوحي الي. فقد بين الله سبحانه ان النبي9 علي طريقة
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 597 *»
الانبياء الماضين و علي سيرتهم و مسلکهم و لايتبع الا ما يوحي اليه. و کان مما يوحي اليه ان شريعته ناسخة لتلک الشرايع و ملته نافية لتلک الملل. فمتابعته لهم في الکليات التي بنيت عليها الشريعة الالهية. و لذا قال سبحانه و تعالي تفصيلاً لذلک المجمل و شرحاً لذلک المبهم شرع لکم من الدين ما وصي به نوحاًَ الي ان قال ان اقيموا الدين.
فبين سبحانه ان ما وصي به نوحاً و الذي اوحي الي رسولالله9 و ما وصي به ابراهيم و موسي و عيسي هو اقامة الدين عن الله رب العالمين. و دين کل نبي عن الله ما نطقت به شريعته و حکمت به ملته و يزيد ما ذکرنا توضيحاً و تصريحاً قوله تعالي قد کانت لکم اسوة حسنة في ابرهيم و الذين معه اذ قالوا لقومهم انا برءؤا منکم و مما تبعدون من دون الله کفرنا بکم و بدا بيننا و بينکم العداوة و البغضاء ابداً حتي تؤمنوا بالله وحده الا قول ابرهيم لابيه لاستغفرن لک و ما املک لک من الله من شيء ربنا عليک توکلنا و اليک انبنا و اليک المصير ربنا لاتجعلنا فتنة للذين کفروا و اغفرلنا ربنا انک انت العزيز الحکيم. فلما ذکر سبحانه طريقة ابراهيم و قومه و سيرتهم ثم امر سبحانه بتأسيهم ثم کرر القول بالتأسي تأکيداً و شرحاً لما يتأسي به فقال سبحانه لقد کان لکم فيهم اسوة حسنة لمن کان يرجو الله و اليوم الآخر. و قال ايضاً سبحانه تبييناً لطريقة الانبياء و تحقيقاً لما اتفقوا عليه و الطريقة التي يجب انيسلکوها بقوله تعالي قل يا اهل الکتاب تعالوا الي کلمة سواء بيننا و بينکم الا نعبد الا الله و لانشرک به شيئاً و لايتخذ بعضنا بعضاً ارباباً من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون.
و بالجملة، فالطريقة التي يجب انيتبعها الانبياء: و نبينا9 في طريقة النبوة هي التي ذکرنا من التوحيد و نفي الشرک و العصمة و الطهارة في النبي و نصب الوصي عن الله سبحانه و اتباع وحي الله و العمل بما يوحي اليه مما يقتضي احوال المکلفين بالنسبة الي زمان کل نبي طابق غيره او خالف اتفق او اختلف. و هذه هي السنة التي قد خلت من قبل و لنتجد لسنة الله تبديلاً و هي السنة المتبعة و الطريقة
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 598 *»
المعتدلة فاذا خلا نبي من شيء من هذه الخصال في هذه الطريقة تبطل نبوته و لاتثبت حجته.
و قوله سلمه الله تعالي ما المراد بملة ابراهيم، جوابه ما ذکرناه من انها هي السنة التي يجب انيکون عليها جميع الانبياء من اثبات التوحيد لله سبحانه و تعالي و نفي الاضداد و الانداد و عدم اتباع الهوي و الوقوف علي ما يوحي اليه الله و نصب الوصي المعصوم الطيب الطاهر عن الله و عدم التقول علي الله و اظهار المعجزات من الله. و هي التي اشارت اليها الآية الشريفة کما ذکرنا قبل من قوله تعالي قد کانت لکم اسوة حسنة في ابرهيم الي قوله تعالي و اغفرلنا ربنا انک انت العزيز الحکيم. و محصلها التوحيد و التبري عن کل معبود سوي الله سبحانه و التجنب عن کل من لايدين بدين الله و الاعراض عن کل ما لاينسب الي الله و التوکل و الاعتصام بالله و التوجه الي الله. و هذه و نحوها المستفاد من الآيات الشريفة هي ملة ابراهيم و هي ملة جميع الانبياء.
و قولکم هل المراد به الاصول او الفروع او المجموع؟ جوابه ما ذکرناه من انها صفات و علامات و دلالات يجب انيکون الانبياء عليها حتي تثبت بها نبوتهم و تکمل بها حجتهم و تکون الرعية علي بصيرة من امرهم. و مع هذا کله کل نبي يعمل علي شريعته المختصة به و لايتبع غيره لان الرسول لايکون الا مطاعاً. و اما الاختصاص بابراهيم7 فسنبين وجهه عن قريب انشاءالله تعالي.
و قوله سلمه الله تعالي و علي التقادير کيف التوفيق؟ الي آخر جوابه ان لا منافاة بين کون شريعته ناسخة لجميع الشرايع و بين کونه9 مأموراً بمتابعة ملة ابراهيم. لان المراد بملة ابراهيم هي ملة سائر الانبياء: بلا فرق و هي کليات صفات يجب انيکون الانبياء: عليها و هي شرايط النبوة و دلالات الرسالة کما مثلنا لک بالمجتهدين. فان المجتهد اذا لميتبع طريقة المجتهدين و لميسلک مسلکهم و لميقتد بهديهم من نحو
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 599 *»
الاستنباط و معرفة جهات الاستدلال لايکون مجتهداً و لايصح تقليده و العمل بقوله. و اتباعه لطريقة المجتهدين لايلزم انيکون مقلداً لهم فيما قالوا و تابعاً لهم فيما ذهبوا. فالمجتهد مع انه لايجوز له الا اتباع طريقة المجتهدين و السلوک لمسلکهم و الاقتداء بهم و اقتصاص اثرهم لايجوز له تقليدهم و متابعتهم في جزئيات ما يقولون او کليات ما يذهبون. فمن اتباع طريقتهم ان لايقلدهم و من اتباع سنتهم ان لايأخذ عنهم الا بدليل قاطع و برهان ساطع. فعند قيام الدليل لايقال انه آخذ عنهم و مقلد لهم و متبع لقولهم.
و کذلک الانبياء لان المجتهدين آيات و علامات للانبياء. اما بلغک عن النبي9 انه قال علماء امتي کانبياء بني اسرائيل فملة ابراهيم کملة سائر الانبياء هي الطريقة و السنة التي تتحقق بها النبوة. و من ملته [ملة ابراهيم خل] ان لايکون نبي تابعاً لنبي آخر و لايکون رسول مطيعاً لرسول آخر. و قد افصح عن رفع الاشکال کلام الله الملک المتعال خطاباً لنبيه محمد المفضال عليه و آله سلام الله بالغدو و الاصال قل ما کنت بدعاً من الرسل و ماادري ما يفعل بي و لا بکم ان اتبع الا ما يوحي الي.
و لما بين سبحانه انه9 ليس ببدع من الرسل بل هو علي طريقتهم و منهاجهم و علي سبيلهم و منارهم و انه يقتفي آثارهم و يقتدي بهم. قال سبحانه قل يا محمد ان اتبع الا ما يوحي الي. فتبين من هذا البيان التام ان من کونه ليس ببدع من الرسل و من کونه علي طريقتهم ان لايتبع احداً من الرسل سوي ما اوحي اليه. فمن متابعته لملة ابراهيم و غيره من الانبياء: انيکون9 متبعاً و مطاعاً و غير متبع الا لما يوحي اليه. و ما اوحي اليه انيکون شريعته9 ناسخة لجميع الشرايع و الملل. و ذلک ظاهر معلوم و انما کررت العبارة و رددت للتفهيم و التوضيح.
و قوله سلمه الله تعالي فما وجه الاختصاص؟ جوابه ان لا اختصاص بابراهيم7 کما بينا لک و تلونا عليک الآيات الدالة علي وجوب متابعته9 و اقتدائه بسنن الانبياء الذين قبله کما قال تعالي يريد الله ليبين لکم و يهديکم سنن الذين من قبلکم. فبما ذکرنا تبين ان قوله سلمه الله
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 600 *»
تعالي: في اول المسألة و من بديهيات الکتاب و السنة ان نبينا9 و امته مأمورون بمتابعة ملة ابراهيم بديهي البطلان کما ان قوله الاول: من الضروريات ديناً و مذهباً الي آخر، ضروري الفساد کما بيناه و اوضحناه. فما اسرع ما تحصل لهؤلاء الجماعة الضرورة و البداهة و ليس الا لعدم اعطائهم التأمل حقه و عدم التدبر في الکتاب و السنة. فاذا کانت الآيات صريحة الدلالة علي عدم حصر الاقتداء بملة ابراهيم بل لزوم اتباعه و اقتدائه بهدي اسحاق و يعقوب و نوح و داود و سليمان و ايوب و يوسف و موسي و هرون و زکريا و يحيي و عيسي و الياس و اسماعيل و اليسع و يونس و آباء هؤلاء الانبياء و ذرياتهم و اخوانهم اذا کانوا انبياء او معصومين و قد اثبت جميع الانبياء من الاولين و الآخرين. فکيف يختص جناب مولانا سلمه الله تعالي بوجوب متابعته9 لملة ابراهيم دون غيره؟ ثم يدعي في ذلک البداهة ثم ينسبها الي الکتاب و السنة مع ان الآية الدالة علي لزوم الاقتداء بالانبياء هي في سورة الانعام و هي من السور المشهورة التي يتعاطي قراءتها الخواص و العوام في اکثر المهام أفلايتدبرون القرآن ام علي قلوب اقفالها و بالجملة، هذا الکلام ساقط من اصله.
و اما وجه تخصيص ابراهيم و ذکر متابعته منفردة في بعض الآيات فمن جهة ان ابراهيم7 کان مقبولاً عند جميع الطوائف من کفرة اهل الکتاب و الکفار الذين ليسوا باهل کتاب لان ابراهيم ابو العرب و ابو العجم و ابو بنياسرائيل و من هذه الجهة کان له مزية قبول عندهم و کانوا يقبلون و يصغون الي من کان علي طريقته و سنته. و ذلک معلوم و مذکور في اکثر التفاسير کتفسير الصافي و کنز الدقايق و مجمع البيان و غيرها و کثرة الاشغال [الاشتغال خل] تمنعني عن ذکر ما ذکروا و نشر ما بينوا و مما ذکرنا ظهر لک الجواب عن جميع وجوه الترديدات التي ذکرت و عن قولک.
و ان اغمضنا عن جميع ما ذکر فکيف التوفيق بين القول بالافضلية و کونه9 مأموراً بمتابعة ملة ابراهيم؟ و هل وجوب متابعة ملة ابراهيم الا کون
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 601 *»
ابراهيم اماماً عليه9؟ و هو مناف للافضلية لانا بينا لک سابقاً ان التبعية لها معنيان و اطلاقان. و هذا الذي فرعت عليه هو معناها بالمعني الاول و المقصود هنا المعني الثاني. و ذلک لاينافي الافضلية و کون شريعته ناسخة کما ذکرنا في المجتهدين حرفاً بحرف. و الدليل علي ان المراد ما ذکرناه ما رواه العياشي في تفسيره عن ابيجعفر الباقر7 عن النبي9 في حديث طويل يقول فيه9 و قد ذکر ابراهيم: دينه ديني و ديني دينه و سنته سنتي و سنتي سنته و فضلي فضله و انا افضل منه. و هذا صريح في ان المراد بهذه التبعية سلوکه مسلکه و مسلک الانبياء لا انه يتبعه في الاحکام و مسائل الحلال و الحرام حتي يکون مغلوباً مقهوراً عليه بل هو علي ملة ابراهيم فيما ينبغي انيکون الانبياء و الاولياء و السعداء و الصديقين و الشهداء عليه.
کما قال ابو جعفر الباقر7 علي ما في کنز الدقايق عن جابر الجعفي انه7 قال ما من احد في هذه الامة يدين بدين ابراهيم غيرنا و غير شيعتنا و سائر الناس منها براء. مع ان شريعتنا بالضرورة من الدين ناسخة لشريعة عيسي التي هي ناسخة لشريعة موسي التي هي ناسخة لشريعة ابراهيم7 فکيف يکونون: و شيعتهم علي ملة ابراهيم لولا المعني الذي ذکرناه من انهم علي السنة و الطريقة التي عليها ابراهيم و سائر الانبياء من مقتضيات النبوة و ما ينبغي انيکون عليه الرعية من الحق و التمسک به و الباطل و التجنب عنه، لا علي معني التبعية التي عليها الرعية بالنسبة الي انبيائهم کما ذکرناه مکرراً مردداً باوضح بيان و اکمل تبيان. فان اشکل عليک بعد هذا البيان الواضح و البرهان اللائح من الکتاب المنير و العقل المستنير و السنة التي الي کل خير و حق تشير فاسأل الله انيصلح وجدانک و انا کما قال المتنبي:
و هب اني اقول الصبح ليل أيعمي الناظرون عن الضياء
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 602 *»
قال سلمه الله تعالي منها ان من المسلمات ان الائمة الماضين ليس مماتهم کمماتنا بل هم احياء عند ربهم، الموت و الحيوة فيهم و لهم: سواء. فهل تلک الحيوة في البرزخ؟ ام في عالم الدنيا؟ ام في عالم آخر لانعرفه؟ و علي التقادير فهي الابدان الدنيوية البشرية؟ ام في الابدان المثالية؟ ام في غيرهما؟ هات الجواب مع البرهان ان کنت من الصادقين و مع الصادقين: و کن مع الصادقين.
اقول: قوله: ان من المسلمات ان الائمة الماضين ليس مماتهم کمماتنا بل هم احياء عند ربهم، ما ادري ما الذي اراد من انهم: احياء عند ربهم بعد الممات و لسنا نحن کذلک. فان کان مراده بالضمير المتکلم المجرور في قوله کمماتنا، المستضعفين الذين قلوبهم ميتة في دار الدنيا قالوا من غير تحقيق و اظهروا اعتقاداً لا عن بصيرة و تدقيق و هم اهل الجهل و عدم الشعور و الادراک لايعقلون ما يقولون و لايهتدون سبيلاً و لايجدون برهاناً و لا دليلاً فصحيح. فان المستضعفين اذا ماتوا يلهي عنهم و لايسأل عنهم في القبر بل هم ميتون لاينشر لهم ديوان الا اذا بعثوا يوم القيامة. فاذا بعثوا فهم من الخمسة الذين يؤجج الله لهم ناراً يوم القيامة اسمها الفلق. و ما ادريک ما الفلق يحس لهيبها و وهجها مسيرة الف سنة فيؤمرون بانيدخلوا تلک النار. فان دخلوها کانت عليهم برداً و سلاماً و ذلک علامة الطاعة. و ان لميدخلوها دخلوا النار في العذاب و النکال لانه علامة المعصية. و هؤلاء الخمسة الذين يجدد لهم التکليف هم المستضعفون و الاطفال و المجانين الذين استوعب ايام تکليفهم بالجنون و الذين لميسمعوا صيت الاسلام و الذين ماتوا في زمان الفترة. و هؤلاء الخمسة اذا ماتوا يلهي عنهم و يؤخر ثوابهم و عذابهم و ليس لهم برزخ و هم المرجون لامر الله.
و الدليل علي ما ذکرناه من ان المستضعف من الخمسة الذين يلهي عنهم في القبر و لايسأل و هو من ضعفاء العقول کالبله و الصبيان، ما رواه في معالم الزلفي عن ابيجعفر7 انه قال لايسأل في القبر الا من محض الايمان محضاً او محض الکفر محضاً قلت له فسائر
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 603 *»
الناس؟ فقال يلهي عنهم. و فيه عن ابيعبدالله7 قال انما يسأل في القبر من محض الايمان محضاً و محض الکفر محضاً و ما سوي ذلک يلهي عنهم و امثال ذلک من الروايات کثيرة. و فيه في الکافي عن زرارة قال سألت اباجعفر7 عن المستضعف فقال هو الذي لايهتدي حيلة الي الکفر فيکفر و لايهتدي سبيلاً الي الايمان و لايستطيع انيؤمن و لايستطيع انيکفر فهم الصبيان و من کان من الرجال و النساء علي عقول الصبيان. و فيه عن ابيجعفر7 قال المستضعفون الذين لايستطيعون حيلة و لايهتدون سبيلاً الذين لايستطيعون حيلة الي الايمان و لايکفرون و هم اشباه عقول الصبيان من الرجال و النساء. و فيه عن زرارة قال سألت اباجعفر7 عن المستضعف الي ان قال و الصبيان و من کان من الرجال و النساء علي عقول الصبيان و الروايات في هذا المعني کثيرة.
و اما ان المستضعفين الذين وصفناهم من الذين يلهي عنهم و انه يؤجج لهم ناراً يؤمرون بالدخول فيها فيدل عليه ما رواه في الکافي بالاسناد عن زرارة عن ابيجعفر7 الي ان قال7 انه اذا کان يوم القيامة جمع الله عزوجل الاطفال و الذي مات من الناس في الفترة و الشيخ الکبير الذي ادرک النبي9 و هو لايعقل و الاصم و الابکم الذي لايعقل و المجنون و الابله الذي لايعقل کل واحد منهم يحتج الله عليه فيبعث الله ملکاً من الملائکة فيقول لهم ان ربکم يأمرکم انتثبوا فيها فمن دخلها کانت عليه برداً و سلاماً و ادخل الجنة و من تخلف عنها ادخل النار. و بهذا المعني روايات کثيرة.
و اما ان تلک النار اسمها الفلق فيدل عليه ما رواه السيد الجليل في معالم الزلفي بالاسناد عن عبدالله بن سلام مولي رسولالله9 انه قال سألت رسولالله9 و قلت له اخبرني أيعذب الله خلقاً بلا حجة؟ فقال معاذ الله. قلت فأولاد المشرکين في الجنة ام في النار؟ فقال الله تعالي
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 604 *»
اولي بهم الي ان قال فيأمر الله عزوجل ناراً يقال لها الفلق اشد شيء في جهنم عذاباً فتخرج من مکانها سوداء مظلمة بالسلاسل و الاغلال فيأمرها الله عزوجل انتنفخ في وجوه الخلائق نفخة فتنفخ فمن شدة نفخها تنقطع السماء و تنطمس النجوم و تجمد البحار و تزول الجبال و تظلم الابصار و تضع الحوامل حملها و يشيب الولدان من هولها ثم يأمر الله تبارک و تعالي اطفال المشرکين انيلقوا انفسهم في تلک النار. فمن سبق له في علم الله عزوجل انيکون سعيداً القي نفسه فيها فکانت عليه برداً و سلاماً کما کانت علي ابراهيم. و من سبق في علم الله انيکون شقياً امتنع فيأمر الله النار فتلتقطه لترکه امر الله و امتناعه فيکون تبعاً لآبائه في جهنم الحديث. و فيه باسناده عن زرارة عن ابيجعفر7 قال اذا کان يوم القيامة احتج الله علي سبعة: الطفل الذي مات بين النبيين و الشيخ الکبير الذي ادرک النبي9 و هو لايعقل و الابله و المجنون الذي لايعقل و الاصم و الابکم. قال فيبعث الله عزوجل اليهم رسولاً فيؤجج لهم ناراً فيقول ربکم يأمرکم انتثبوا فيها فمن وثب فيها کانت عليه برداً و سلاماً و من عصي سبق الي النار.
و هذه المسألة و ان کانت معروفة في المذهب مشهورة بين العلماء و ماکان يحتاج الي تطويل الکلام بذکر هذه الاحاديث لکن لقلة اطلاع هؤلاء الجماعة علي الاخبار و سرعة مبادرتهم الي الانکار ذکرنا بعض الروايات لئلايطول لهم لسان في التشنيع و البهتان و يتبين لهم ان ما ذکرناه و نذکره من الصادقين:.
و بالجملة، ان کان مراده من قوله: ان ممات الائمة ليس کمماتنا، يريد بضمير المتکلم هؤلاء الخمسة او السبعة فهو کما ذکر. فان هؤلاء بعد الموت ليس لهم شعور و لا ادراک و لايحسون بسؤال و لا جواب. و اما غير هؤلاء من المؤمنين و الکفار من ماحضي الايمان و ماحضي الکفر فان ارواحهم اذا فارقت الدنيا اما الي جنة الدنيا متنعمون شاعرون مدرکون، و قد نص عليه سبحانه في کتابه و لاتحسبن الذين قتلوا الآية. و هذه الآية لا اختصاص لها
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 605 *»
بالائمة بل انما هي لکل من قتل في سبيل الله من الامام و الرعية بل مطلق الشيعة سواء قتل شهيداً او مات حتف انفه. و قد قال7 کما في روضة الکافي بطريق صحيح عن ابيبصير ليث المرادي البختري قال قلت: جعلت فداک الراد علي هذا الامر فهو کالراد عليکم؟ فقال يا ابامحمد من رد عليک في هذا الامر فهو کالراد علي رسولالله9 و علي الله يا ابامحمد ان الميت علي هذا الامر شهيد. قلت و ان مات علي فراشه؟ قال اي والله.
فالمؤمن اذا کان ماحض الايمان حي بعد موته لا اختصاص له بالنبي و الائمة و قد تکاثرت الاخبار و استفاضت بل تواترت في ان المؤمن اذا ادخل القبر اتاه رومان فتان القبور و املي عليه اعماله فتخرج [فيخرج ظ] ثم يأتيه النکير و المنکر علي الصورة المهولة ثم يخرجان فتأتي الملائکة بايديهم اطباق النور للنثار عليه. ثم يأتون بهودج من نور فيجعلون روح المؤمن في القالب المثالي في ذلک الهودج و يحملونه الي الجنة فهم فيها متنعمون و في کل جمعة او في کل عيد او في کل شهر يأتون وادي السلام ثم يزورون اهلهم، او الي نار الدنيا بعکس ما ذکرنا من احوال اهل جنة الدنيا. و قد عقد في کتاب معالم الزلفي باباً في ان الاموات يزورون اهاليهم و اورد احاديث کثيرة لايسعني الآن ذکرها لما بي من کثرة الاشغال [الاشتغال خل] و الاعراض.
فعلي هذا فکيف يمکن انيقال في ان الائمة مماتهم ليس کمماتنا؟ بل هم احياء عند ربهم يرزقون. و هذا الکلام صريح في ان الحيوة ليست لغيرهم کأنه ماسمع قوله تعالي و لاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون بضميمة قوله تعالي الذين آمنوا بالله و رسله اولئک هم الصديقون و الشهداء و قوله7 في الحديث ان کل مؤمن شهيد و ان مات حتف انفه ليعم جميع المؤمنين و کأنه لميسمع قوله تعالي جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه کان وعده مأتياً لايسمعون فيها لغواً الا سلاماً و لهم رزقهم فيها بکرة و عشياً. و کأنه لميعلم ان جنة الآخرة ليس فيها بکرة و عشياً بل هي ظل ممدود. و کأنه لميتطرق
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 606 *»
سمعه قوله تعالي و من دونهما جنتان مدهامتان الي آخر الآيات. و کأنه لميسمع ما ورد في اخبار الرجعة ان الجنتين المدهامتين تظهران في الکوفة و ماوراءها الي ماشاءالله. و کأنه لميسمع الاحاديث المتواترة معني في [في معني خل] تنعم المؤمن بعد الموت في البرزخ و تألم الکافر في النار. و کأنه لميسمع ما طرق الاسماع و ملأ الاصقاع ان القبر اما روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النيران.
و بالجملة، فهذه المقابلة التي ذکرها من ممات الائمة: مع ممات غيرهم من ان الائمة سلام الله عليهم احياء دون من سواهم، قول عجيب و کلام غريب ممن له ادني معرفة باسلوب الشريعة و ادني روية في منهج المذهب و الملة. و قد قال مولانا الصادق7 انه اذا مر علي قبر مؤمن حمل حنطة يعلم کم فيه من حبة.
و بالجملة، مقتضي المذهب و الدين و ما تواترت به الاخبار عن الائمة الميامين: و ما دلت عليه آيات القرآن المبين ماسوي الطوائف الخمس و السبع التي تقدمت کلهم احياء بعد موتهم الا ان منهم من يتنعم في الجنة و منهم من يتألم في النار. و لايلزم من ذلک تساويهم مع الائمة: لانهم احياء فلو کان غيرهم احياء لتساووا. فان هذا الکلام يجري بعينه في الحيوة الدنيوية فان الامام7 حي في الدنيا و سائر الناس کذلک و کذلک في الآخرة فان الائمة: احياء هناک و اهل الجنة احياء و قد قال تعالي و ان الدار الآخرة لهي الحيوان لوکانوا يعلمون. و بالجملة، فهذا کلام مختل النظام منحل الزمام.
ثم الاعجب و الاغرب من کلامه الاول قوله ثانياً: هل تلک الحيوة في البرزخ ام في عالم الدنيا ام في عالم آخر لانعرفه، لان الضرورة و البداهة قاضيتان بان الموت الدنيوي عبارة عن مفارقة الروح من البدن فاذا فارقت الروح البدن کانت في عالم البرزخ لا الآخرة و لا الدنيا لان الطفرة في الوجود باطلة و الدنيا و الآخرة مختلفتان متباينتان. فلابد من برزخ جامع و الائمة: في مقام ظاهريتهم يظهرون مع الخلق علي حسب مراتبهم. فاذا فارقت
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 607 *»
ارواحهم ابدانهم الدنيوية کانت في الابدان المثالية کساير الناس و حياتهم حياة برزخية. نعم لو ارادوا انيظهروا لاجل المعجزة و خرق العادة في الدنيا بالابدان الدنيوية لفعلوا کما فعل رسولالله9 مراراً کثيرة و قد ظهر لابيبکر و وبخه بغصبه للخلافة کما في الکافي باسناده عن ابيجعفر الثاني7 ان اميرالمؤمنين7 لقي ابابکر و قال له: اما تعلم ان رسولالله9 امرک انتسلم عليّ بامرة المؤمنين و انتتبعني. فجعل يشکک عليه. فقال: اجعل بيني و بينک حکماً. فقال7: ترضي برسولالله9؟ فقال: و من لي به؟ فاخذ بيده حتي ادخله مسجد قبا فاذا رسولالله9 قاعد في المحراب. فقال له رسولالله9 الم آمرک انتسلم لعلي و تتبعه؟ قال: بلي. قال: فاعتزل و سلّم اليه و اتبعه تسلم. قال: نعم الي آخر. و الاحاديث في هذا المعني من ظهوره9 لابيبکر و غيره و کذا ظهور اميرالمؤمنين و الحسن و الحسين و باقي الائمة: لاهل هذه الدنيا عند ظهور المعجزات و خوارق العادات و کذا ظهور الانبياء من آدم و نوح و ابراهيم و غيرهم من حياتهم بعد الموت کثيرة جداً. و الذي وقفت عليه من الاخبار في هذا المعني اربعين حديثاً قال جامع تلک الاحاديث: ان الروايات بهذا المعني کثيرة. و لولا کثرة الاشغال [الاشتغال خل] و بلبال البال لذکرت بعض الاحاديث ليظهر لک الحق الصراح. ولکن هذا الظهور بالبدن الدنياوي قليل ليس بدائم و انما يکون في بعض الاحوال لاجل المعجزة و خرق العادة.
و اما حياتهم سلام الله عليهم مستقرة ثابتة في البرزخ في جزائر بحر الاخضر من ذلک البحر. و قد روي السيد الجليل و المولي النبيل في کتاب معالم الزلفي بالاسناد عن داود بن کثير الرقي قال: کنا في منزل ابيعبدالله7 و نحن نتذاکر فضائل الانبياء: فقال7 مجيباً لنا والله ماخلق الله نبياً الا و محمد افضل منه. ثم خلع خاتمه و وضعه علي الارض و تکلم بشيء فانصدعت الارض و انفجرت بقدرة الله عزوجل فاذا نحن ببحر عجاج
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 608 *»
في وسطه سفينة خضراء من زبرجدة خضراء و في وسطها قبة من درة بيضاء حولها دار خضراء مکتوب عليها لا اله الا الله محمد رسولالله9 عليّ اميرالمؤمنين وليالله بشر القائم فانه يقاتل الاعداء و يغيث المؤمنين و ينصره عزوجل بالملائکة عدد نجوم السماء. ثم تکلم صلوات الله عليه بکلام فثار ماء البحر و ارتفع مع [من خل] السفينة فقال ادخلوها. فدخلنا القبة التي في السفينة. فاذا فيها اربعة کراسي من الوان الجواهر. فجلس هو7 علي احدها و اجلسني علي واحد و اجلس موسي و اسماعيل کل واحد منهما علي کرسي. ثم قال للسفينة سيري بقدرة الله. فسارت في بحر عجاج بين جبال الدر و اليواقيت. ثم ادخل يده في البحر فاخرج دراً و ياقوتاً و قال يا داود ان کنت تريد الدنيا فخذ حاجتک. فقلت يا مولاي لا حاجة لي في الدنيا و رمي به في البحر. فغمس يديه في البحر و اخرج مسکاً و عنبراً فشمه و شممني و شم موسي7 و اسماعيل ثم رمي به في البحر و سارت السفينة حتي انتهينا الي جزيرة عظيمة فيما بين ذلک البحر فاذا فيها قباب من الدر الابيض مفروشة بالسندس و الاستبرق عليها ستور الارجوان محفوفة بالملائکة. فلما نظروا الينا اقبلوا مذعنين له7 بالطاعة مقرين له بالولاية. فقلت يا مولاي لمن هذه القباب؟ فقال7 للائمة من ذرية محمد صلوات الله عليه فکلما قبض امام صار الي هذا الموضع الي الوقت المعلوم الذي ذکره الله. قال7 قوموا بنا حتي نسلم علي اميرالمؤمنين7 فقمنا و قام و وقفنا باب احدي القباب و هي اجلها و اعظمها و سلمنا علي اميرالمؤمنين7 و هو قاعد فيها. ثم عدل الي قبة اخري و عدلنا معه و سلم علي الحسن بن علي8ثم عدل7 و عدلنا معه الي قبة بازائها فسلمنا علي الحسين بن علي8 ثم الي علي بن الحسين8 ثم علي محمد بن علي8 کل واحد منهم في قبة مزينة مزخرفة. ثم عدل الي بيته في الجزيرة و عدلنا معه و اذا فيها قبة عظيمة من درة بيضاء مزينة بفنون
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 609 *»
الفروش و الستور و اذا فيها سرير من ذهب مرصعاً بانواع الجواهر. فقلت يا مولاي لمن هذه القبة؟ فقال للقائم منا اهلالبيت صاحب الزمان عليه و علي آبائه السلام. ثم اومي بيده و تکلم بشيء فاذا نحن بالمدينة في منزل ابيعبدالله جعفر بن محمد الصادق7 فاخرج خاتمه و ختم الارض بين يديه فلمار فيها صدعاً و لا فرجة. ثم قال السيد رحمه الله راوي الحديث قلت: قد تقدم ان الانبياء و الائمة: يصعد بهم الملائکة الي السماء و هذا الحديث لاينافي ما تقدم انتهي.
و بالجملة، فانهم: بعد مفارقة ارواحهم من اجسادهم مقرهم و مستقرهم في عالم البرزخ سماؤه و ارضه و شرقه و غربه. اما ظهورهم في هذه الدنيا او صعودهم الي جنة الآخرة في بعض الاحوال من [في خل] بعض الاطوار يطول الکلام بذکر مواقعها و محالها.
ثم اعلم انا قد بينا في کثير من مباحثاتنا و رسائلنا و اجوبتنا للمسائل ان الاشياء کلها لها شعور و ادراک علي حسب حالها من القوة و الضعف و قد برهنا عليه براهين قطعية من العقلية و النقلية من محکمات الکتاب و محکمات السنة و فقرات الزيارات و الادعية بما لو اردنا بيانه لطال بنا الکلام و انا في شغل عنها. فعلي هذا فالبدن بدون الروح له شعور جمادي جسماني علي حسبه و اذا تعلقت الروح فيعظم الشعور و الادراک و تظهر الحرکات و السکنات و تفعل الافعال و تدرک الحقايق و النکات. فاذا فارقت الروح البدن ينتفي ذلک الشعور و الادراک و فهم تلک الحقايق و النکات. و يبقي البدن العاري عن الروح بشعوره الخاص به و ادراکه المختص. و لذا تؤخذ الروح الي جنة الدنيا او الي نارها و يبقي الجسد في القبر فيفتح له باب اما في الجنة او في النار. و لو کان البدن ليس له شعور فاي فائدة في فتح باب الجنة ليدخل عليه الروح و الريحان و فتح باب النيران ليدخل عليه العذاب و الهوان. فان الذي لا شعور له لايحسن انيفعل معه الافعال. و الخلق متفاوتون في قوة ادراک الجسد عند مفارقة الروح فمنهم قوي و منهم ضعيف.
و اما الامام عليه السلام فشعور بدنه
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 610 *»
الشريف و ادراکه و قوة حياته مثل حيوة ابداننا و شعورها و قوة حرکاتها اذا تعلقت بها الروح بل اعظم، لان الله سبحانه خلق اجسادهم من الماء و قال تعالي و جعلنا من الماء کل شيء حي المتنظر الي قوله تعالي هو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً مع ان الله سبحانه ذکر في کل موضع يذکر فيه خلقة الانسان و خلقة البشر انه خلقه من تراب کما قال سبحانه و من آياته ان خلقکم من تراب ثم اذا انتم بشر تنتشرون و قال تعالي خلق الانسان من صلصال کالفخار و امثالهما من الآيات کثيرة.
و اما هذا البشر فقد خلقه الله من الماء و لذا کان ابا تراب و ليس لهذه الآية مصداق من کل العالم سوي اميرالمؤمنين7 لانه نسيب رسولالله [لانه نسب نبي الله9 خل] و صهره و قد بين سبحانه ان هذا البشر انما خلقه من ماء ثم ذکر ان من الماء کل شيء حي. فبين سبحانه ان حقيقة هذا البشر بجميع مراتبه انما خلق من عين الحيوان و عين الحيوة فاذا تعلقت الروح باجسادهم کانت حيوة فوق حيوة و نوراً علي نور. فاذا فارقت الروح اجسادهم تبقي حيوة الجسم و ادراکه و شعوره. اما سمعت ان رأس الحسين7 کان يقرأ القرآن و هو علي رمح و قبض بيده الشريفة لمنع الجمال حتي قطعها و تکلم الحلقوم الشريف بلا رأس و سلم الرأس الشريف علي علي بن الحسين7 لما امتنع يزيد لعنه الله انيسلمه اليه حتي يسلم عليه، و ان اميرالمؤمنين7 عند تغسيله کان يقلب بدنه الشريف من غير حاجة الي التقليب کفعل رسولالله9 و ان رسولالله9 اوصي الي اميرالمؤمنين7 انه بعد ما يغسله و يحنطه و يکفنه يقعده علي سريره و يسأل منه ما يشاء فانه يعلمه صلي الله عليهما و آلهما فقال اميرالمؤمنين7 علمني رسولالله9 في ذلک المقام الف باب من العلم ينفتح من کل باب الف باب و هکذا اطوار اجسادهم و اظهارهم الافعال المنبئة عن کمال الشعور و الادراک کثيرة جداً. و هذا الادراک و الشعور لاينافي الموت. فان الله سبحانه صرح في خطابه لنبيه9 بقوله
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 611 *»
تعالي انک ميت و انهم ميتون. ثم ان غسل الميت لايکون الا بعد الموت. و تلک العلوم انما علمها رسولالله9 بعد الموت. و ان الحسين7 لما دعا اصحابه و هم مجزرون کالاضاحي علي الارض و سماهم واحداً واحداً باسمائهم و تلک الجثث الزواکي تتحرک و تتموج، کل ذلک بعد الموت.
فتبين مما ذکرنا ان الموت حيثما يطلق في کلام الله و کلمات آل الله و اطلاقات کلمات الناس يراد به مفارقة الارواح من الاجساد. و ما اظهر من آثار الحيوة من تلک الاجسام و الاجساد فانما هي حيوة جسمانية جسدانية بدنية لا دخل لها بتعلق الروح. فان کان مراد جنابک ان الائمة الماضين ليس مماتهم کمماتنا بل هم احياء عند ربهم، هذا المعني هو الصواب و الصحيح فان ابداننا اذا فارقتها ارواحنا لمتحس و لمتدرک و لمتشعر شيئاً. و اما ابدانهم و اجسادهم المطهرة عند مفارقة الروح اياها في کمال الشعور و الادراک و الحيوة و الحرکة و کل جزء جزء منهم سلام الله عليهم اذا تفککت بالسيف کان له ادراک و شعور يتکلم اذا شاء و يفعل اذا اراد و تلک کرامة من الله و موهبة اکرمهم الله بها بحقيقة ما هم اهله دون ما سواهم.
فهذا هو الجواب الصواب عن کل ما ذکرت، قد اوضحت لک بالبرهان و البيان فخذ الجواب مع البرهان عن الصادقين: لتعلم اني بحمد الله من الصادقين و الفضل لله و المنة له امتثلت امر الله في قوله تعالي و کونوا مع الصادقين فانا مع الصادقين و انقل عن الصادقين فلا محالة اکون من الصادقين. و اما غيري المخالف لي فليس مع الله فليس من الصادقين. نسأل الله العصمة و الصواب و الاتکال عليه في المبدأ و المآب.
قال سلمه الله تعالي: منها انه تواتر من کلماتکم المنسوبة اليکم ان نبينا و الائمة: لهم مدخل في خلق الخلق، فما المراد من ذلک؟ هل لهم شرکة في خلق الخلق؟ ام هم مستقلون فيه؟ ام امر الخلق بعد خلقهم مفوض اليهم؟
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 612 *»
ام خلقوا الخلق باذن الله؟ نعوذ بالله من جميع ذلک، ام المراد وراء تلک الاحتمالات مما هو غير معقول لنا؟ بين من سر الحق انشاءالله.
اقول: ادلة التوحيد من العقل و النقل منعت انيکون لله شريک في ذاته و في صفاته و في افعاله و في عبادته و انيکون سبحانه متعدداً مختلفاً و انيکون خلقه عنه معزولاً و مستغنياً بانترتفع حاجة الخلق عنه سبحانه في حال من الاحوال و في طور من الاطوار. فحينئذ فلايصح انيکون لله شريک في احداث شيء من مخلوقاته و انيکون الاله متعدداً حتي يکون کل امام الهاً من دون الله مستقل في الاحداث و الايجاد، او يکون الامام اميرالمؤمنين7 وحده مستقلاً في هذه الاحوال و الافعال لتکثر اجزائه و تعدد جهاته و شؤونه و اطواره و لسائر ما يقتضي الحدوث و ينافي القدم.
او يکون الله سبحانه قد فوض امر الخلق الي احد بحيث يکون ذلک فاعلاً بدون الله و ان کان باذنه و امره کالعبد اذا امره المولي بانيفعل شيئاً فهو حين الفعل معزول عن المولي [الولي خل] و خارج عن يده و احاطته و استيلائه. و بهذا المعني لايمکن انيکون في الامکان. فان الممکن لو استغني عن الله و اعتزل عنه سبحانه في حالة واحدة يجوز انيستغني و يعتزل في کل الاحوال و هذا محال. فالتفويض بهذا المعني باطل. و قد اجتمعت الامامية علي بطلان التفويض في الافعال الاختيارية، فما ظنک في ايجاد الحوادث الکونية؟! و ذلک قد اجمع علي بطلانه المسلمون بل المليون کافة و عامة فمن قال بمدخلية احد في خلق العالم لاحداث الموجودات مدخلية تشريک او استقلال او تفويض او اذن يرجع الي التفويض فهو کافر و القول به کفر و زندقة و هو قوله تعالي الله الذي خلقکم ثم رزقکم ثم يميتکم ثم يحييکم هل من شرکائکم من يفعل من ذلکم من شيء سبحانه و تعالي عما يشرکون. ولکن الله سبحانه حيث کان يجل عن مباشرة الاشياء بذاته حتي ان المولي المجلسي رحمه الله جعل الفعل بالمباشرة مستحيلاً عليه سبحانه بمعني انه لا قدرة له عليه لانه قال: المقدورات
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 613 *»
ثلاثة: قسم يقدر عليه الله و الخلق و قسم يقدر عليه الله دون الخلق و قسم يقدر عليه الخلق دون الله و جعل رحمه الله هذا القسم هو الفعل بالمباشرة.
و بالجملة ان الله سبحانه و تعالي قادر علي ما يشاء بما يشاء کما يشاء لکنه سبحانه جعل العالم عالم الاسباب فيجري الاشياء باسبابها حتي انه قد خرق الاسماع و ملأ الاصقاع ان الله سبحانه ابي ان يجري الاشياء الا بالاسباب کما خلق النبات بالمطر و الارض و البذر و خلق الانسان من النطفة و العلقة و المضغة و سائر الاطوار و اقام بنية الانسان بالقلب و الروح و حفظ تدبيرها بالقلب و الروح فلولاهما لمتنتظم البنية و لمتتم الخلقة. و حفظ وجود الانسان بالرزق الذي هو الشراب و الطعام فلولاهما لمتتحفظ هذه البنية بهذه الخلقة و الفطرة. و جعل ظهور الانسان و خلقته في عالم الاجسام بالاب و الام فلولاهما لميکن الولد الا نادراً کآدم و عيسي. و ان کان الله سبحانه قادراً انيخلق هذه الاشياء و يوجدها بدون تلک الاسباب. و کذلک جعل الملائکة مدبرات و مقدرات و مقسمات و حافظات و معقبات و خلاقات و قد بعث ملکين خلاقين يقتحمان رحم المرأة من فمها و يقولان يا رب کيف نخلقه ذکراً ام انثي؟ فيأتيهم النداء بما يريد الله سبحانه. ثم يقولان کيف نخلقه سعيداً او شقياً؟ فيأتيهم النداء بما يريد الله سبحانه. مع ان الله سبحانه قادر انيخلق الولد من غير الرحم او انه يخلقه فيها من غير الملک.
و کذلک الله سبحانه جعل الشمس سبباً لاحداث النهار و ايجاده و ان کان قادراً انيوجده بدونها. و کذلک جعل النار سبباً للنضج و الماء سبباً للدفع و الهواء سبباً للهضم و التراب سبباً للامساک مع انه قادر علي احداث هذه الاشياء بدون هذه الاسباب. و کذلک جعل سبحانه عزرائيل سبباً للموت و ميکائيل سبباً للرزق و اسرافيل سبباً للحيوة و جبرئيل سبباً للخلق مع انه سبحانه قادر انيوجد هذه المسببات من دون تلک الاسباب. و بالجملة، انکار وجود الاسباب في ايجاد الاشياء و خلقها انکار للضروري و مصادمة للبديهي.
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 614 *»
فاذا تحققت هذه الاسباب و ثبتت مدخليتها في خلق الخلق و اطواره فنقول: و لاقوة الا بالله فما المراد من هذه المدخلية؟ هل لتلک الاشياء اي الاسباب الموجبة لوجود المسببات شراکة مع الله؟ او هي مستقلة دون الله؟ او ان الله سبحانه فوض اليها الامر؟ او امر آخر؟ و هذه الوجوه المذکورة کلها مستحيلة و المدخلية ثابتة.
فان قلت: ان عزرائيل حين يقبض الارواح يقبضها بشراکة من الله، او باستقلال دون الله، او بتفويض الامر اليه، فهذه الوجوه الثلاثة قد دلت الضرورة علي بطلانها و ابي المذهب اثباتها. و ان قلت: لميفعل عزرائيل و لمتجر الاشياء بالاسباب، فقد کذبت القرآن و ابطلت الوجدان. فبالضرورة تکون هذه المدخلية بامر آخر وراء تلک الاحتمالات عرفته او لمتعرف و لا محيص لک عن اثباتها و لا مناص عن حصولها. فاذا کانت مدخلية هذه الاسباب ما استلزمت شراکة و لا الاستقلال و لا التفويض، فلتکن مدخلية الائمة سلام الله عليهم في العالم من هذا القبيل [و ظ] لاتستلزم استقلالاً و لا شراکة و لا تفويضاً. فکيف تجوز مدخلية غيرهم من دون استلزام شيء من هذه الوجوه و تعرفه و تعقله، و لاتعرف مدخلية الائمة: الا بهذه الوجوه الباطلة و لاتعقل غيرها. و هل هي الا مجازفة و مکابرة؟!
و بالجملة، ان الله سبحانه لما جعل العالم عالم الاسباب و اجري الاشياء باسبابها خلق محمداً و آله سلام الله عليه و عليهم و جعلهم السبب الاعظم لوجود هذا العالم. و ما اراک تستنکف سببية غيرهم و اراک تستنکف سببيتهم:. و اذا اخبروک انه ورد في الحديث: ان الله سبحانه و تعالي اقام الاراضي السبعة علي قرن ثور تحت الارض، تقبل و تعظم الله في اظهار قدرته علي جعل قوام الاراضي السبعة بقرن ثور، و اذا اخبروک: ان قوام الارض باحد الائمة او بکلهم و لو خلت الارض منهم لساخت باهلها، تنکر و تستغرب و تستوحش. و اذا اخبروک: بان ذنب البقرة بقرة بنياسرائيل احيت ذلک الميت المقتول تقبل و تمجد الله و تعظمه حيث جعل في ذنب البقرة قدرة احيي بها الميت و تسبح الله و تقول سبحان الله العظيم. و اذا اخبروک بان الله سبحانه اظهر
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 615 *»
في اميرالمؤمنين7 و اولاده الطاهرين بعد رسولالله الصادق الامين عليه و عليهم سلام الله ابد الابدين و دهر الداهرين آثار قدرته و اقام بهم الارض بعظمته تستوحش و تستغرب و تنکر و تقول ان ذلک لايکون. و اذا اخبروک بان عيسي علي نبينا و آله و عليه السلام خلق الطير و احيي الموتي تنسبط لقبوله و تنشرح لتصديقه و تبسط شرحه و بيانه و تذکر اصله و برهانه. و اذا اخبروک بان اميرالمؤمنين و الائمة: فعلوا ذلک تنقبض و تنکر و تستوحش. و اذا اخبروک بان عيسي7 روح الله و کلمته تقبل و تسلم و تمدحه: به. و اذا اخبروک بان اميرالمؤمنين7 نفس الله تنکره و تستغرب منه و تستوحش حتي يؤول الامر في الانکار و الاستيحاش الي ان حکّوا هذه الفقرة من الزيارة التي تلقاها جميع علماء الشيعة من اهل الظاهر و الباطن بالقبول و لمينکرها احد من علماء المعقول و المنقول. و اذا قرئ و تلي عليک الحديث الوارد عن اميرالمؤمنين7 في النفس الملکوتية اصلها العقل عنه وعت و منه نشأت و عليه دلت و شابهته اذا کملت فهي ذات الله العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لميشق ابداً و من جهلها ضل و غوي تقبل و تصدق، و قد اطلق ذات الله علي ما اطلق عليه شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي و هي النفس التي اصلها العقل متفرعة عليه. و اذا سمعت ان نفس الله اطلقت علي اميرالمؤمنين: الذي للعقل و النفس هو السبب في وجودهما تنکر و تشمئز نفسک. و اذا اخبروک بان ميکائيل يقسم الارزاق و اسرافيل بيده الحيوة التي في کل الموجودات و عزرائيل منه الممات و جبرائيل به الخلق. و من جنوده الملکان الخلاقان المذکوران سابقاً. و ان الخلق و الموت و الرزق و الحيوة السارية في کل الموجودات کلها من هؤلاء الاربعة باعوانهم من الملائکة تصدق و تعظم الله سبحانه و تبجله في اجراء القدرة الظاهرة بهذه الاسباب.
و اذا اخبروک بما اصطلح عليه الاطباء من اطلاقهم علي الکبد قاسم الارزاق تقبل و تصغي اليه
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 616 *»
بسمع الرضا. و اذا اخبروک بان الامام او احد الائمة: تجري من ايديهم هذه الافعال تشمئز نفسک و يضيق صدرک و يتکدر خاطرک تکاد تميز من الغيظ و تقول: انه تفويض او اشتراک او استقلال او غير هذه الوجوه ليست بمعقولة، و تسلم هذه الامور و تعقلها من غير لزوم شيء منها في الملائکة. و اذا اخبروک بان الله سبحانه خلق العرش و جعل له ثلاثمائة الف رکن و ستون الف رکن و جعل لکل عند کل رکن ثلاثمائة الف و ستون الف ملک لو ان اصغرهم امر ببلع السموات و الارضين السبع کانت في لهواته کالخردلة الصغيرة بالنسبة الي البرية الواسعة، فامرهم بحمل العرش فعجزوا عنه. ثم خلق سبحانه عند کل رکن ضعف ما کان سابقاً فامرهم بحمله فعجزوا ثم خلق سبحانه عند کل رکن عشرة اضعاف ما کان سابقاً فامرهم بحمله فعجزوا ثم قال لهم سبحانه تنحوا عن العرش. فامر رابعة من الملائکة بانيحملوه و جعل فيهم من القدرة و القوة انيحملوا ما عجز عنه کل هذه الملائکة بسر اسم الاعظم و اذا اخبروک بهذا الحديث تنبسط لقبوله و تنشرح لتصديقه و تظهر عظمة الله سبحانه في الملائکة الاربعة. و اذا اخبروک بان اميرالمؤمنين7 و اولاده الطاهرين هم الذين يقيمون العرش و يحملونه و يجرون آثاره تشمئز نفسک و يعتريک الداء العضال و من هذا القبيل کثير.
و لست ادري لماذا هذا الانکار و التعدي في حق الائمة الاطهار: و انزالهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها القادر المختار. فاذا سئلوا عن ذلک يموهون علي العوام و يلبسون علي الطغام بان سببية ما ذکر قد دل عليه الدليل بخلاف الائمة: فانه لميدل علي ذلک دليل. و الدليل علي ان ما يذکرون من عدم الدليل تمويه و تلبيس ان مدخلية الحادث في خلق الخلق ان کانت توجب تلک الوجوه المذکورة من الاستقلال او الشراکة او التفويض، فلا ريب انها قد دلت الادلة القطعية من العقلية و النقلية علي بطلانها و استحالتها فلايعارضها الادلة السمعية فوجب انکارها کما تنکر انيکون لله سبحانه يد او عين او جنب من الجوارح و تحمل ما
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 617 *»
دل علي هذه الامور علي وجوه اخر و لااراک تنکر مدخلية هذه الاسباب و العلل و المعدات الا انتختار مذهب الاشاعرة. و ان لمتوجب مدخلية السبب في فعل الحق سبحانه من خلقه [سبحانه خل] لخلق هذه الامور و الوجوه الفاسدة بل انما منعهم عن القبول عدم الدليل. فلماذا لايطلبون الدليل علي ثبوت مدخليتهم: و يحکمون ببطلان القول به و بکفر القائل به. فان الذي لميتحقق له دليل علي مطلب من المطالب و ليس مما يحکم العقل ببطلانه يتوقف و لايطعن علي القائل به و لايحکم بکفره و فسقه و لايجوز سوء القول فيه اذ ليس لمن لايعلم حجة علي من يعلم. و جناب السائل کان الوجه له انيسأل عن الدليل، لا ان مدخليتهم: علي اي وجه اما بالشراکة او بالاستقلال او بالتفويض او بوجه آخر غير معقول. و يا لله العجب انهم يثبتون القياس بالطريق الاولي في جزئيات الاحکام الشرعية الفرعية التي لا سبيل للعقل فيها و لايثبتون في هذا المقام الذي طريق العقل اليه واضح السبيل.
فاذا دل الدليل القطعي و اجماع الفرقة المحقة ان الائمة: اشرف و افضل من الملائکة بل الملائکة انما خلقوا من فاضل نور اميرالمؤمنين7 کما في الحديث المروي في البحار و العوالم و المنتخب للشيخ فخرالدين الطريحي و کتب المجلسي رحمه الله اغلبها من الفارسية و العربية و حديث ابنمسعود و غيرهم. و لما کانت الطفرة في الوجود باطلة بالضرورة فالفيض الواصل الي الاسفل لايمکن الا بواسطة الاعلي کما ان الفيض الواصل الي الشعاع لايصل اليه الا بعد ما يصل الي الشمس في وساطته و مدخليته لايصال المدد الي الشعاع. فالشمس شريک مع الله او مستقلة دون الله او مفوض اليها الامر؟! المتعلم ان النهار قد خلقه الله لکنه سبحانه انما خلقه بالشمس و جعلها علة لوجوده و ان کان سبحانه قادراً انيخلقه بدون الشمس. فاذا کان للسافل مدخلية في احداث شيء و ايجاده فمدخلية العالي بالطريق الاولي و هذا ظاهر معلوم.
ثم نقول ان ما يجري بايدي الملائکة و بسائر الاسباب خير او شر؟ حق او باطل؟
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 618 *»
فان قلت انه شر کفرت. و ان قلت خير فيکون حقاً. و قد قال مولانا علي بن محمد الهادي العسکري8ان ذکر الخير کنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و اشهد ان الحق لکم و معکم و فيکم و انتم اهله و معدنه و مأواه و منتهاه. فاي دليل تطلب اصرح مما ذکره7 في الزيارة الجامعة؟ و قد قال7 في زيارة آليس الي ان قال7 و من تقديره منائح العطاء بکم انفاذه محتوماً مقروناً فما شیء منا الا و انتم له السبب و اليه السبيل الي ان قال7 فلا مذهب عنکم يا اعين الله الناظرة الزيارة.
و بالجملة، هم: محال مشية الله و السبب الاعظم في ايجاد کل ما خلق الله. و مدخليتهم في خلق العالم مدخلية تسبيب لا المشارکة و لا الاستقلال و لا التفويض، بل الله سبحانه هو الفاعل و هو الخالق و الرازق وحده ولکنه سبحانه اجري فعله تعالي بما يشاء من خلقه کما يشاء لما يشاء و هو القادر علي نفي الاسباب. لکنه سبحانه اجري عادته علي اجراء فعله بالاسباب لحکم و مصالح کثيرة و قال اميرالمؤمنين7 علي ما في الکافي ان الله سبحانه لو اراد انيعرف نفسه خلقه بدوننا لفعل ولکنه سبحانه جعلنا ابوابه و سبله نقلت معني الحديث. فمدخلية التسبيب لايلزم منه محذور عقلاً و لا نقلاً و لا وجداناً ولکنک اعلم ان سببيتهم لوجود العالم ليست من حيث ظهورهم في العالم الجسماني في مقام و للبسنا عليهم ما يلبسون بل هم في مقام ذاتهم و رتبة حقيقتهم في مقام انوارهم کما في احاديث خلق انوارهم:. و اما في مقام الجسد الدنيوي وساطتهم صلي الله عليهم وساطة تشريع، و في حقيقة ذواتهم وساطتهم وساطة تکوين و مدخليتهم مدخلية تسبيب. فافهم ان کنت تفهم و الا فاسلم تسلم.
فان کنت ذا فهم تشاهد ما قلنا و ان لميکن فهم فتأخذه عنا
و ما هو الا ما ذکرناه فاعتمد عليه و کن في الحال فيه کما کنا
«* جواهر الحكم جلد 14 صفحه 619 *»
و لقد بسطنا القول في ذلک في عدة من کتبنا و مصنفاتنا و ما ذکرناه هو موضع السؤال عن کيفية مدخليتهم سلام الله عليهم و معناها. و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم و منکري فضائلهم اجمعين الي يوم الدين. و قد فرغ من املائها منشيها کاظم بن قاسم الحسيني الرشتي في عصر يوم الخميس من شهر صفر المظفر سنة 1258 حامداً مصلياً مستغفراً.
[1]– فلم یطرب خل
[2]– لمیفهم خل