15-01 جواهر الحکم المجلد الخامس عشر ـ دروس شهر رمضان سنه 1257 (المحاضرات) ـ چاپ

 

المحاضرات

 

 

افاضها

 

العالم الرباني و الحكيم الصمداني

الحاج السيد محمد كاظم الحسيني الرشتي

اعلي الله مقامه

 

في

شهر رمضان 1257

 

 

 

 

المواعظ الليلية

 

 

 

قال علي7:

الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ . . . . . . . . . . . . . . . .  . . .

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 5 *»

 (الليلة الثالثة)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

مقدّمة تجب معرفتها لمن اقرّ باللّه و برسوله و لمن اقرّ للرسول خليفة قائم مقامه و هي انّ كلام الخليفة بقول مطلق جامع لجميع المعاني و حاو لجميع ما اراد اللّه من الخلق بجميع اطواره في جميع العوالم في الدنيا و البرزخ و القيمة بل و في ترقّيات الخلق في الجنّة علي حسب مقاماتهم الي مالانهاية له ابدالابدين و دهرالداهرين من غير تحديد و تعيين لانّ النبي9 مبعوث علي جميع ماسوي اللّه من اعراضها و جواهرها كلها و الخليفة ايضاً قائم مقامه9 حجة علي الجميع يوصلهم الي ما اتي به النبي9 من الاحكام و الشرايع التدوينية و التكوينية مطلقاً و لا شك في انّ من العوالم المكلّفة الدنيا و احوالها و ما فيها و منها البرزخ و منها الاخرة و ترقّياتها فاذا صدر عنه7 كلام يجب ان يكون فيه جميع مايحتاج جميع الخلق في العوالم الثلثة من الدنيا و البرزخ و الاخرة من مبدء الوجود الي اخر نهايات الجنة و ترقياتها الي مالانهاية له لانّها لا تنقطع ابداً لانّ فيض اللّه متسرمد (ظ) بلازوال و رحمته كاملة تامّة فلا تنتهي قط. و بالجملة كل كلام صادر عنه7 فيه جميع احكام ماسوي اللّه من الدّرة و مافوقها و من الذرّة و ماتحتها قال7 اوتيت جوامع الكلم.

ثمّ انّ كلامه7 يترقّي آناً فاناً لمّا يسير من عالم الي عالم نسبة ترقيات كلامه7  نسبة الجنين في بطن امّه الي هذه الدنيا لانّه لما ولد يترقّي شيئاً فشيئاً كما تري الي ان يصير في الجنّة يري ظاهره من باطنه و باطنه من ظاهره فلا يكون حاجباً لما وراءه و لا يجهل شيئاً مما هو هناك نافذ الحكم عالماً بكل شي‏ء اراد اللّه سبحانه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 6 *»

مما لايخطر علي قلب بشر من الناس لكن الناس نيام لايشعرون قال7 الناس نيام اذا ماتوا انتبهوا و اهل البرزخ نيام اذا بعثوا انتبهوا و هم نيام اذا اكلوا من كبد الثور انتبهوا و هم نيام اذا اكلوا من كبد الحوت انتبهوا و هم نيام اذا شربوا من عين الكافر انتبهوا و هم نيام اذا شربوا من عين سلسبيل الذي مزاجه زنجبيل انتبهوا و هم نيام اذا دخلوا كثيب الاحمر انتبهوا و هم نيام اذا دخلوا رفرف الاخضر انتبهوا و هم نيام اذا دخلوا ارض الزعفران انتبهوا و هم نيام اذا دخلوا عالم الاعراف انتبهوا و هم نيام اذا دخلوا عالم الرضوان انتبهوا فهناك لا نوم و لا سنة نسبة علم كل عالم الي عالم اخر من العوالم المذكورة في الترقي نسبة البحر الي القطرة.

ترقيات كلامه7 و تطوّراته كترقّيات القران و اطواره بالصور المختلفة في العوالم المتعددة اذ القران كان نوراً ابيض ثم صار نوراً اصفر ثم صار نوراً اخضر ثم صار نوراً احمر ثم صار نوراً اخضر اعميق (كذا) ثم نوراً اخضر يميل الي السواد ثم في يوم القيمة يأتي علي صورة انسان فيمرّ علي صفوف الخلق من الانبياء و الانسان من الرعايا و الملائكة كل صنف من اهل الصفوف يراه في النورانية و الكمال و الحسن و الجمال احسن ما يكون من نوعه ناظرين الي القران متعجّبين عمّا هو عليه سائلين بعضهم عن بعض اي نبي من الانبياء هذا؟ و الاخر يقول اي ولي من الاولياء ؟ و الاخر اي ملك من الملائكة؟ و هكذا لان القران نزل من العالم الاعلي بل نزل بعلم اللّه فكذلك كلامه7.

فاذا ترقّيت في هذه العوالم المذكورة الي عالم الرضوان و عرفت هناك من هذا اللفظ اي كلمة الحمد للّه مثلا معني من المعاني اللانهاية هذا المعني المدرك لك في ذلك العالم الاقصي هو الذي يعرفه الانبياء بظاهريتهم من لفظ الحمدللّه من كلمة الحمدللّه في هذه الدنيا بل ما فهمت هناك بالنسبة الي ما فهم الانبياء: عدم لا شي‏ء. فاذا علمت الترقي في نفسك فاعلم انّ الانبياء:  هكذا اذ هم يترقّون ايضاً في العوالم المذكورة الي مقام رضوانهم فهم: كل ما يعرفون هناك في اعلي مقاماتهم هو بالنسبة الي ما قصد الامام7 من ذلك اللفظ بعينه في هذا العالم ليس بشي‏ء لانّ الكلام علي قدر

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 7 *»

عقل المتكلّم فكلما كان المتكلّم عالياً مقامه كاملاً عقله و فهمه كان كلامه ايضاً كذلك.

و الدليل علي هذا المدّعي قول مولينا الصادق7 حيث قال انّ حديثنا صعب مستصعب خشن مخشوش اجرد ذكوان مقنّع و في اخري قال7 انّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا مؤمن ممتحن و في اخري الاّ نبي مرسل او ملك مقرّب او مؤمن ممتحن. قال7 الصعب هو البعير الذي لا يركب ضدّ الذلول و المستصعب هو البعير الذي يخافه من يراه و يهاب منه لانّ من ليس هو من نور الامام7 يخاف طبعه من كلامه7 و لا يُقْبِل اليه حتي يفهم بل يقول لست انا مكلّفاً بهذا الحديث و انّما تكليفي فهم مسألة الحلال و الحرام لاغير. و اما من هو من سنخ نور امامه7 مخلوق من طينته اي من فاضله فهو لمّا رأي احاديث امامه7 حيي و استبشر يقبله و لولم يفهم لكن خواص شيعتهم يفهمون كلام امامهم اي الذين يتأدّبون بادابهم و ينهجون منهجهم و يسلكون مسلكهم قال7 كما في حديث كميل هجم بهم العلم علي حقايق الايمان و باشروا روح اليقين و استلانوا ما استوعره المترفون و انسوا بما استوحش منه الجاهلون و صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلّقة بالمحل الاعلي الحديث.

خَشِن: اي صعب مخشوش اي مُخَزّم لصاحبه؛ اجرد: يعني يفهم من كل كلمة من كلماتهم ما يفهم من كلامهم كله يعني ان كل كلمة من كلماتهم: تامّ الدلالة تام المراد و لذا قال الباقر7 لو شئت لاستخرجت جميع مايحتاج اليه الناس من الف لام الصمد فيفهم من بعض كلامهم7 ما يفهم من الكل كالالماس كلّما تكسره تراه مثلثاً و كالماء كلمّا ترمي فيه بشي‏ء تراه بصورة الدائرة و الامام7 ليس الاّ للّه فليس في كلامه قصور و اختلاف مثاله اي مثال ما قلنا من انّ في بعض كلامه جميع ما كان في كل كلامه «لا» من لا اله لانّ «لا» يدلّ علي التوحيد اذ حرف لا للنفي و النفي فرع الثبوت و بالجملة جميع كلامه من مطلقه و مقيّده و عامّه و خاصّه و مجمله و مبيّنه كلّ واحد منها يفهم ما

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 8 *»

يفهم من الكل لكن اولئك كالانعام لهم قلوب لا يفقهون بها مع انّ ماء الحيوة في الظلمات اي في ظلمات سواد الكلمات و الان يناديهم اسكندر الي الكيل و الاخذ منه يسمع بعض و لايسمع اخرون.

ذكوان: يعني انّ حديثهم ذكاء للمؤمن اذا نظر الي كلامهم: يزيد في فطانته و معرفته و له معني آخر و هو انّ حديثهم ذكوان اي طري دائماً و له معني آخر يعني انّ كلامهم كريم يظهر منه ما كان مستتراً من الاسرار و الرموز دائماً لانّ قلبهم: يقابل كلامهم: فيجري من فوارة قلبهم الذي هو خزينة العلوم الالهية الي كلامهم: و من كلامهم تجري تلك المعاني و الفيوضات الي ذهن الناظر. هذا الفيضان ديمومي من دون نفاد و لا زوال بحيث اذا اراد المؤمن ان يكتب من حديث واحد من احاديثهم: مجلّدات يتمكّن من ذلك و قال7  انّ كلامنا يفسّر بعضه بعضاً هذا الذي قلنا انّما هو حكم لمؤمن من هؤلاء المؤمنين من عرض الناس و اما الخواصّ من شيعتهم فهم يفهمون من كلمة واحدة بالالطاف الالهية و العنايات الربانية ما لا يجده غيرهم من جميع كلماتهم : لانّ الخاصّ من شيعتهم حي قابل حيّاً فيجد ما لا يجده سواه. انت الان حي قابلتَ  حياًّ تزيد ما شاءاللّه ولكن اكثرهم لا يشعرون.

قوله7 مقنّع: يعني عليه حجاب و الحجاب علي انواع اذ الحجاب هو القناع فمرّة يكون القناع قناع الظاهر و تارة قناع السرّ و اخري سرّ السرّ و مرّة سرّ مستسر او سرّ مقنّع بالسرّ و اخري قناعه سرّ لا يفيده الاّ سرّ و هكذا الي مالا نهاية له. فالمؤمن لازال يكشف قناعاً فيري وراء القناع معني جديداً طرياً لم يكن قبل ذلك فلذا قال7  انّ حديثنا صعب مستصعب لايحتمله الاّ نبي مرسل او ملك مقرّب او مؤمن ممتحن امتحن اللّه قلبه للايمان.

و اعلم انّ في الحديث اشكال بيّن علي ما مهّدنا من طريقتنا المستقيمة المأخوذة من الكتاب و السنة من انّ المؤمن الممتحن من شعاع الانبياء و الملك من شعاع المؤمن بواسطة كما فُصِّل في محله بناءً علي هذا يرد علينا اشكال و هو انّه كيف يكون يفهم الملك من معني الحديث ما يفهمه المؤمن و كيف يكون

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 9 *»

يفهم المؤمن من الحديث ما يفهمه النبي و هم في السلسلة الطولية كل واحد منهم اثر للاخر اذ الملك اثر للمؤمن و المؤمن اثر للنبي9 و شعاع منه.

فنقول في حلّه هل المفهوم من الحديث الواحد معني واحد او معان مختلفة متعددة كتعدد النبي و الملك و المؤمن في المرتبة او المراتب الثلثة انّما هو رتبة شي‏ء واحد فنقول انه ورد عن ابي‏عبداللّه7 قال ذكرت التقيّة يوماً عند علي بن الحسين8 فقال واللّه لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لكفّره او قتله و لقد اخا رسول اللّه صلي الله عليه و اله بينهما فما ظنكم بسائر الخلق انّ علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله الاّ صدور منيرة او قلوب سليمة او اخلاق حسنة انّ اللّه تعالي اخذ من شيعتنا الميثاق كما اخذ علي بني‏ادم الستُ بربّكم فمن وفي لنا وفي اللّه له بالجنّة و من ابغضنا و لم يؤدّ الينا حقّنا ففي النار خالداً مخلّداً. اما الاختصاص بالثلثة اي النبي المرسل و الملك المقرّب و المؤمن الممتحن فهو لاجل انحصار شرافة الاشياء في النبي و الملك ثم الانسان من الرعية لانّهم محلّ عناية اللّه من بين سائر الموجودات من الحيوانات و الجمادات و النباتات و الاجنّة لانّها فضول و قشور بخلاف الثلثة المشار اليها لانّهم اصول. فاماّ المؤمن فالمراد به مؤمن الانسان و المؤمن يعرف ظاهر كلامهم: و اما المؤمن الممتحن فهو يعرف باطن كلامهم:لانّه هو الذي رسخت حقيقة الايمان في قلبه بحيث لم يَحُمْ حوله اضطراب ولو خالفه الثقلان فهو كالجبل لا تحرّكه العواصف و لا تزيله القواصف و لا يخفي انّ للانسان الترقي شيئاً بعد شي‏ء بخلاف الملك فانّه لا يزيد بوجه من الوجوه فالملائكة المقسّمات لازال مقسّمات و الحافظات لازال حافظات و المدبّرات لازال مدبّرات و المعقّبات لازال معقّبات فلا يترقّون عمّا هم عليه ابداً و اما الملائكة المقرّبون منهم فهم الذين دائمون واقفون في مجلس الانس و الحضور و هم محل افاضة اللّه تعالي ثم هم يفيضون العلوم الي قلوب المؤمنين فهؤلاء الملائكة الذين هم ديمومي الحضور هم المقرّبون قرب المكانة لا قرب المكان. و اما الانبياء المرسلون فهم لمّا بلغوا مقام النبوة صار لهم زيادة نور

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 10 *»

علي لطيفة ذاتهم كالسراج لانّه متنوّر في نفسه و منوّر غيره بخلاف الغير المرسلين لانهم كالجمرة ينوّرون انفسهم فقط. و اما الذي لطيفة ذاته ناقصة منه فهذا كثير و هو جملة من الرعايا.

و المؤمن الممتحن من الرعايا ذوقلب طاهر نقي رسخ فيه الايمان حقيقة بحيث يقبل جميع ما يأتي من امامه7 ما لم يكن فيه انكار ضرورة و لا انكار اجماع من الشيعة الذي كان كاشفاً عن قول المعصوم او رضائه و لا انكار عقل قاطع يعرف الناس عدله فانّه راجع الي الضرورة ايضاً بهذا الاعتبار. و اما ما ينافي قول العلماء فهذا لم يكن دليلاً علي بطلان ما عليه المؤمن الممتحن اذا كان عند المؤمن علم فوق علم العلماء لانّ العلوم تزداد يوماً فيوماً كعلم النحو و المنطق و الاصول و نحوها كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبّتي غاية و لا نهاية و الايمان له درجات باعتبار درجات العلوم فلايجوز لصاحب درجتين من الايمان ان ينكر علي من هو صاحب اربع درجات و هكذا. فالمؤمنون البالغون كالجبل لاتحرّكهم العواصف عواصف النفس الامّارة بالسوء لانّ علم العلماء اثبت من الجبال الراسيات الثابتات كيف و علمهم من فاضل علم الامام7 و لذا نقول انّ الشي‏ء له حالتان حالة من حيث المعاني فمن هذه الجهة علمه علم آل‏محمّد: لا علمه هو فلا يحتمل علمه ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا مؤمن ممتحن كما سبق في حديث سلمان لانّه و ان كان سافلاً لكنّه حمل احكام العالي كلها علي قدر حكايته اياه الا تري انك حينما تقرء قوله تعالي انّي انا اللّه لا اله الاّ انا انت حاكٍ اذاً و اللّه سبحانه هو المتكلّم لكنّه بلسانك فانت حينئذ لسانه تعالي.

و قد ورد في سلمان انّه اوتي علم الاولين و الاخرين قيل يعني علم التورية و الانجيل قال7 لا بل علم محمّد و علي8 لانّ سلمان حكي علمهما 8 كالمراة للشاخص فعلمه علمهما8 لا يحتمل هذا العلم لاملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا مؤمن ممتحن و النبي صلّي‏اللّه عليه و اله هو الذي كان علمه بوحي من اللّه تعالي حيث قال و ما ينطق عن الهوي ان هو الاّ وحي يوحي و قال فيه9 انّك لعلي خلق عظيم و لا ريب في من وصفه تعالي

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 11 *»

بالعظمة كان عظيماً بحيث لم يكن وراءها عظمة. الا تري انّ الفقير اذا قال زيد كثيرالمال و وصفه بالتموّل لعله يقول له الف ريال و اما ملك التجار اذا اراد توصيف احد بذلك يقول فلان عنده كرّ او كرور و اما السلطان اذا اراد ذلك يقول فلان صاحب الخزينة او خزائن هذا اذا كان مثل هؤلاء السلاطين و اما اذا كان مثل سليمان النبي في القدرة و السلطنة او كذي القرنين فلاحدّ لتوصيفه فعليه ما ظنّك باللّه الذي خلق العوالم اللانهاية فانّه اذا وصف احداً بالكثرة او العظمة لم يكن لها حدّ قط اذا كان الوصف مطلقاً و العظمة حاصلة بالاقبال الي اللّه المتعال و الاعراض عما عداه بحيث لا يري نفسه بل كان قد اندكّ جبل انّيته و ماهيّته بالمرّة فلمّا كان كذلك يكون فعله فعل اللّه و اليه الاشارة في قوله تعالي مخاطباً لنبيّه9 و ما رميت اذ رميت ولكنّ اللّه رمي و ما صدر عن ذلك الطود العظيم اما قول او عمل فان كان قولاً فقد قال تعالي في حقه و ما ينطق عن الهوي ان هو الاّ وحي يوحي و قال عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فعلي هذا كلامه كله و ما يعمله باسره بوحي خاصّ من اللّه سبحانه.

فاذا تمهّدت هذه المقدمة الشريفة نقول قد اجمعت الشيعة علي انّ عليّاً7 نفس محمّد9 باية انفسنا فيكون ما ثبت لمحمّد9 ثبت لعلي7 و ما ثبت له7 ثابت لاولاده: ضرورة ان الولدجزء للوالد فما ثبت للكل ثابت للجزء. ثمّ نقول انّ القران قد اتي به رسول اللّه9 و كذلك الاحاديث القدسية و غيرها كلها و اما القران فقد قال تعالي و انّه اي القران لقول رسول كريم و ماعداه لااشكال فيه الاّ انّ الفرق بين الثلثة باعتبار النسبة كما تقول انّ المسجدالحرام بيت اللّه مَنْ صلّي فيها صلوة واحدة يكتب له بكل ركعة مأة الف ركعة و من صلّي في مسجدالنبي في المدينة صلوة يكتب له بكل ركعة عشرة الاف ركعة و من صلّي في مسجدالكوفه صلوة يكتب له بكل ركعة الف ركعة مع انّ ارض الكوفة اشرف من المدينة و المدينة اشرف من مكّة المعظّمة ولكن الفضيلة انّما هي باعتبار النسبة العرضيه لانّ الشرافة

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 12 *»

شرافتان عرضية باعتبار النسبة و ذاتية باعتبار اصل الكينونة في اول الايجاد في سبق الاجابة. فاذا عرفت ذلك فقد عرفت ان الثلثة منه صلّي‏اللّه عليه و اله الاّ ان القران منسوب الي اللّه لفظاً و معني و الحديث النبوي و الولوي منسوب اليهما8 لفظاً و معني و الحديث القدسي منسوب الي اللّه سبحانه معني لا لفظاً هذا قولهم في الفرق.

و اما نحن فنقول انّها كلها من اللّه في الحقيقة و كلّها كلام‏اللّه لانّهم: لا يفعلون و لا يقولون الاّ بامر من اللّه لما قلنا اذ كلها خرج من مصدر واحد و انّما التفاوت باعتبار النسبة و الاضافة كما قلنا قل اللّه خالق كل شي‏ء و انّه موجد كل شي‏ء مثال الثلثة كما تقول عند قراءة القران انّي انا اللّه لا اله الاّ انا فاعبدني و لا تشرك بي شيئاً و تقول قال رسول اللّه9من يتعمّد علي كذباً فليتبوّء مقعده في النار و تقول انت قلت انا كذا و كذا ثمّ اعلم انّه تعالي لما قال لنبيه9 ما ينطق عن الهوي ان هو الاّ وحي يوحي قال للرعية ولكم في رسول اللّه اسوة حسنة فافهم.

مسألة: قالوا كل ما فعله النبي9 ليس بواجب و انّما هو راجح الاّ اذا دلّ الدليل علي وجوبه و اما نحن فنقول ما فعله النبي9 فهو واجب فلنا متابعته لقوله تعالي عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و الامر للوجوب الاّ اذا دلّ الدليل علي العدم و الحاصل انّ النبي9 موصوف بالعظمة و لا يكون العظمة الاّ بالعبودية التي هي اصل للعظمة فكان هو9 لا يسبقه بالقول و لا بالوحي فيكون امره امر اللّه و نهيه نهي اللّه و فعله فعل اللّه حيث لا فرق بينه9 و بين اللّه تعالي الاّ انّه عبده و خلقه خَلَقه لنفسه بل خلق الائمة لنفسه لا لانفسهم كما قال مولينا الشيخ في هذا المقام كلاماً مااحسنه و احلاه و هو: «انّ اللّه خلق كل شي‏ء علي ما هو عليه والاّ لما كان هو ايّاه و اما هم: فخلقهم اللّه الاّ يكونوا لانفسهم و انّما خلقهم ان يكونوا له تعالي والاّ لما كانوا هم علي ماهم عليه فاذا كانوا هم: للّه تعالي كان فعلهم فعله و امرهم امره و نهيهم نهيه و معرفتهم معرفته و اَسَفهم اسفه» كما في الكافي عن ابي‏عبداللّه7في قول اللّه عزّ و جلّ فلمّا اسفونا انتقمنا منهم فقال انّ اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 13 *»

لا يأسف كأسفنا ولكنّه خلق لنفسه اولياء يأسفون و يرضون و هم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه و سخطهم سخطه لانّه جعلهم الدعاة اليه و الادلاّء عليه فلذا صاروا كذلك و لا تتوهّم انّ ما يصل الي اللّه سبحانه يصل ذلك الي خلقه لكنّه لم يقل هذا من ذلك بل قال من اهان لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة و دعاني اليها و قال من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و قال انّ الذين يبايعونك انّما يبايعون اللّه يداللّه فوق ايديهم فكل هذا و شبهه علي النهج الذي ذكرته لك و مثله الرضا و الغضب فلو كان اللّه سبحانه محلاً للاسف و الضجر اللذَيْنِ هما مخلوقان للّه لجاز لقائل ان يقول انّ اللّه يبيد يوماً لانّه اذا دخله الغضب و الضجر دخله التغيير و اذا دخله التغيير لم‏يؤمن عليه الابادة ثم لم يعرف المكوِّن من المكوَّن و لا القادر من المقدور عليه و لا الخالق من المخلوق تعالي اللّه عن هذا القول علوّاً كبيراً بل هو الخالق للاشياء لا لحاجة فاذا كان ايجاده لا لحاجة استحال الحدّ و الكيف فيه فافهم انتهي الحديث.

و قال في الكافي ايضاً عن ابي‏عبداللّه7 قال انّ اللّه خلقنا فاحسن خلقنا و صوّرنا فاحسن صورنا و جعلنا عينه في عباده و لسانه الناطق في خلقه و يده المبسوطة علي عباده بالرأفة و الرحمة و وجهه الذي يؤتي منه و بابه الذي يدلّ عليه و خزانه في سمائه و ارضه بنا اَثْمرتِ الاشجار و اينَعَتِ الثمار و جرت الانهار و بنا ينزل غيث السماء و نبت عُشب الارض و بعبادتنا عبد اللّه و لولا نحن ما عُبِد اللّه و فيه عنه7 في قول اللّه عزّ و جلّ و للّه الاسماء الحسني فادعوه بها قال نحن واللّه اسماء اللّه الحسني التي لا يقبل اللّه من العباد الاّ بمعرفتنا الي غير ذلك من الاخبار فاذا كانوا هم اسم اللّه تعالي و الادلاّء عليه و انّه تعالي خلق العرش و الكرسي و السموات و الشمس و القمر و النجوم و الكواكب كلّها و جبلات الخلايق باسرها بالاسم كما في الدعاء علي ما رواه في مهج الدعوات كما سيأتي فيما بعد ان‏شاءاللّه تعالي كانوا لا يدلّون هم: الاّ علي اللّه و ذلك جار في اقوالهم و افعالهم و اعمالهم و مالهم و اليهم و بهم و فيهم و عنهم و لديهم و عندهم حيث ليس لهم جهة غير جهته تعالي فيكون كلامهم كلام اللّه فعلي هذا لا فرق بين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 14 *»

القران و الحديث القدسي و الحديث النبوي لانّها من اللّه لا يسبقونه بالقول و هم بامره يعملون.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 15 *»

 (الليلة الرابعة)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

و اعلم انه7 اختلف صدور الكلام منه باعتبار انّه يعطي كل ذي‏حق حقه فلمّا كان الناس علي اصناف شتّي كلّ واقف علي ما هو عليه هذا من اصحاب القشر و الظاهر العوام و هذا اهل اللب و المعني و الحقيقة و هؤلاء اهل الفصاحة و البلاغة اجري الكلام علي حسب مقاماتهم و مراتبهم التي كانوا عليها و هذا هو معني الحكيم الذي يضع كلّ شي‏ء محلّه لانّه7 هو الذي يرجع الناس اليه عند الاختلاف و التشاجر و اليه نزلت الاية في الكتاب الكريم فلا و ربّك لايؤمنون حتّي يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في انفسهم حرجاً ممّا قضيت و يسلّموا تسليماً و الدليل علي انّ المخاطب فيها هو مولينا علي7 قوله تعالي قبل الاية حيث قال ولو انّهم اذ ظلموا انفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه و استغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه توّاباً رحيماً ضرورة انّ المخاطب في جاءوك غير الرسول بقرينة قوله و استغفر لهم الرسول فلو كان المخاطب فيها هو الرسول لكان المناسب ان يقول و استغفرتَ بدل و استغفر لهم الرسول و الاصل عدم كونها نازلة من باب الالتفات بل الاية هذه في علي تنزيلاً و تأويلاً كما في تفسير علي بن ابراهيم ره فعلي هذا يكون المراد من قوله فلا و ربّك الاية هو علي7 فيكون هو7 الميزان الرافع للخلاف الذي يجب التسليم له و الرجوع اليه و زنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير و احسن تأويلاً.

واعلم ان «ما» في قوله تعالي فيما شجر بينهم من ادوات العموم يعني جميع ما وقع فيه الخلاف و النزاع لجميع امة محمّد9 و امّة محمّد9 هم العالمون كلّهم ضرورة انه9 نذير للعالمين. ثمّ اعلم انّه لابدّ

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 16 *»

ان يكون هو7 حَكَماً في جميع ما يحتاجون اليه من العلوم و الاحكام و الامدادات التي يحتاج اليها الناس. ثمّ اعلم انّه لابدّ ان يكون هذا الحاكم عالماً بالمعلومات بعلم احاطة علي جميع الخلق و ما يحتاجون اليه حتّي يكون حجة اللّه بالغة و وجوب كون الامام7 كذلك ثابت من باب اللطف. ثمّ انّه لابدّ ان يكون الامام7 يتمكّن منه الخلق امّا بنفسه او باعواضه و اَبْداله و كلماته و بياناته ولكن الناس لم يدركوا الامر كما هو بل جعلوا بهواهم لانفسهم قواعد و قوانين يرجعون اليها عند الحاجة حتي قال من قال من اجلاّئهم و اكابرهم انّ الاحاديث ليست اموراً برهانية تميل اليها القلوب و تسكن عندها النفوس.

و الحاصل كلامنا كان في تفسير قوله الحمد للّه فلمّا فرغنا من ذكر المقدمة و قلنا انّ قوله7 قول اللّه و كلامه كلام اللّه عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بامره يعملون. و ما تشاءون الاّ ان يشاء اللّه اردنا تفسير قوله الحمد للّه فنقول انّه7 ابتدأ بالحمد نظراً الي قول النبي المكرّم المعظّم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كلّ امر ذي‏بال لم يبدء فيه بالحمد للّه فهو اجذم او ابتر قال العلماء الابتداء علي ثلثة اقسام حقيقي و اضافي و عرفي كل ذلك ليس بشي‏ء لماستعلم في محلّه. فامّا الذي نقوله نحن فهو انّ الاسم هو ما دلّ علي المسمّي كما قاله7 فلما كان ائمّتنا: ادلاء علي اللّه كانوا هم اسم اللّه قال7 نحن الاسماء الحسني و هذا الكلام كما تري يفيد الحصر لضمير الفصل و الخبر المعرّف باللام و اما الباقون من الخلق فهم اسم الاسم او اسم اسم الاسم و هكذا.

فلمّا كانوا هم: اسماء اللّه فاعلم انّ اسمه تعالي نوعان اسم تدويني و اسم تكويني و هم: في هذا المقام اسم اللّه التكويني الذي به خلق كل شي‏ء من خلق الماديات و المجرّدات و الغيبيات و الشهوديات كلها كما ذكر في مهج الدعوات في الدعاء اللهمّ انّي اسألك باسمك الذي اذا ذكرت به تزعزعت منه السموات و انشقت منه الارضون و تقطّعت منه السحاب و تصدّعت منه الجبال و جرت منه الرياح الي ان قال و بالاسم الذي وضع علي الجنّة فازلفت و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 17 *»

 علي الجحيم فسعّرت الي ان قال و علي الشمس فاشرقت و علي القمر فانار و اضاء الي ان قال و بالاسم القدوس القديم المتقدم المختار الجبّار المتكبّر الكبير المتعظّم العزيز المهيمن الملك المقتدر الحميد المجيد الصمد المتوحّد المتفرّد المتعال و بالاسم المخزون المكنون في علمه المحيط بعرشه الطاهر المطهّر المبارك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر الخالق الباري‏ء المصوّر الاوّل الاخر الظاهر الباطن الكائن قبل كلّ شي‏ء و المكوّن لكل شي‏ء و الكائن بعد فناء كل شي‏ء لم‏يزل و لايزال و لا يفني و لا يتغير نور علي نور الي ان قال و بالاسم الذي خلق به جبلات الخلق كلّهم.

فاذا عرفت معني الاسم و فعله و تأثيره فاعلم انّ من الاسماء اسم الجلالة معناه كما ذكره الصدوق في كتاب التوحيد عنه7 الي ان قال قلت له7 اللّه قال7 الالف الاء اللّه علي خلقه من النعيم بولايتنا و اللام الزام اللّه الخلق ولايتنا و الهاء هوان لمن خالف ولايتنا و في هذا المعني سرّ عجيب و امر غريب و شي‏ء لطيف لا يدركه الاّ الاقلّون النادرون الذين هم اقلّ من الكبريت الاحمر و الغراب الاعصم.

ثمّ اعلم انّ البسملة مركبة من الكلمات الاربعة الاسم و اللّه و الرحمن و الرحيم. فامّا الاسم فهو الرتبة الجامعة الشاملة للاسماء كلّها و اما الثلثة الاسماء الاخري بعده فهي تفصيله نسبة الاسم اليها نسبة المطلق الي المقيّد فتبصّر فانّ هذا الاسم هو الاسم المخزون المكنون الذي عنده تعالي كما فصّل حكمه في محلّه. ثمّ اعلم انّ الائمّة: هم اسم اللّه تعالي و هم الادلاّء عليه كالاسم اللفظي المركب من الالف و اللام ثمّ اللام و الهاء حرفاً بحرف يعني انّه كما اُلّفت هذه الحروف تأليفاً بحيث لا يدل بتأليفه الاّ علي اللّه سبحانه فكذلك حقيقتهم حقيقة اُلِّفت و خلقت بحيث لا تدلّ الاّ علي اللّه تعالي فهي اي الحقيقة اسم اللّه لا انّها اي الحقيقة المحمّدية هو اللّه حاشاه حاشاه بل انّما هي اسم اللّه في الزيارة السلام علي اسم اللّه الرضي.

ثمّ اعلم انّ البسملة حروفها تسعة عشر اذا استنطقتها كان المستنطق واحداً و الواحد هو علي صورة الالف فاذا كرّرت كانت باء و الباء اثنان و الاثنان

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 18 *»

لا يقوم به الاركان فلابدّ من التكرار فاذا كرّرت الباء كان دالاً و الدال تمام الاركان الاربعة التي هي اصل الشي‏ء و اذا كرّرنا الدال حصل الحاء فاذا جمعت بين الدال و الحاء كان حداً و الحد اثني عشر فاحفظوا حدود اللّه و من يتعدّ حدود اللّه فاولئك هم الكافرون الظالمون. ثمّ اذا كرّرت الحاء خمس مرات حصل منه الميم الجامعة للمراتب كلها قال9 خمرت طينة ادم اربعين صباحاً  فلما كانت الميم جامعة جُعلَت في الوسط و حيث كانت تفصيل الحاء اكثر من الدال جعلت علي اليمين و الدال علي اليسار فصار حمداً و الحمد تفصيل للبسملة كما اشرنا. و اذا اردت ظهور الحمد في عالم الاجسام كرّرت الميم مرّة ثانية فكان محمّد فالحمد اُتِي بالتفصيل المطوي في البسملة و التكوين علي طبق التدوين فاعرفه ان كنت من اهل العدل و الدين.

فلمّا كان الحمد تفصيل البسملة صارت البسملة مصدراً للحمد اشتق منها و الحمد مادّته شكل التربيع لانّ مخرج الحاء و الميم و الدال مخرج المربع ولكنّه في الصورة فمثلث لانّه مركب من ثلثة احرف و هي الحاء و الميم و الدال فالحمد بوحدته مبدء الاعداد المزدوجة و الاعداد المفردة ضرورة انا قد برهنا و قرّرنا بامتناع الواحد الحقيقي في عالم الامكان و انّما هو هذا حكم الوجوب تعالي فلا يكون الواحد في الحدوث موجوداً حقيقةً و انّما الامكان مركب من جهتين جهة الفاعل و جهة المفعول نفسه و لا شكّ انّ الاثنين لا يتحقق الاّ بالربط بينهما فيكون بملاحظة الربط مثلثا فاوّل مرتبة الممكن هو التثليث و هي الجزءان و الهيئة التأليفية فعليه يكون الثلثة اوّل الفرد كما انّ الاربعة اوّل الزوج اذ الاثنين مع ملاحظة الربط و الارتباط من الطرفين اربعة فالواحد ثلثة الاب و الام و الابن و هو اربعة بملاحظه الجد و هو سبعة ان لوحظ المبدءان مبدء الفرد و مبدء الزوج و هو اثناعشر بضرب الثلثة في الاربعة و هو اربعة عشر بضرب السبعة في نفسها و هو اثنان نبي و ولي فلمّا كان الحمد كلمة جامعة كما ذكرنا بانّه جمعتِ الكمالات العددية ايضاً فان قلت انه واحد صدقت و ان قلت انه اثنان صدقت و ان قلت انه ثلثة اصبت و ان قلت انه اربعة وصلت و ان قلت انه سبعة

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 19 *»

ادركت و ان قلت انه اثناعشر بلغت و ان قلت انه اربعة عشر حصلت هذه كلها علّمنا اللّه بالحمد9 فلمّا علمت ان الحمد تفصيل البسملة علمت ان كلما قلت الحمد للّه و ابتدأت به فقد ابتدأت بالبسملة و اذا ابتدأت بالبسملة فقد ابتدأت بالحمد للّه.

فلمّا ادركت ما اشرنا من بعض احكام الحمد فالتفت الي ما يتلي عليك مما اراد اللّه سبحانه من التحلّي لهذه الحقيقة المقدّسة الجامعة بحلية منه و اراد ان ينسبها الي نفسه و ان كان هو تعالي اظهر من كل شي‏ء لكنه من شدّة ظهوره خفي و من عظم نوره استتر فاتي بحرف التعريف اشارة الي انّه لا فرق بينه تعالي و بينها في التعرّف و التعريف اذ من عرفه فقد عرف اللّه و حرف التعريف الفٌ من حيث اتصالها باللام لانّها مظهر للالف و الالف مقامها الوحدة و الاستقلال و اللام اشارة الي الكثرة و هي للوقاية للالف فلمّا اراد اللّه سبحانه ان يعرّفه7 للعالمين قدّم الالف علي اللام حتي لايبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا صديق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبّار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بيين ذلك شهيد الاّ عرّفهم جلالة امركم و عظم خطركم و كبر شأنكم و صدق مقاعدكم و ثبات مقامكم و شرف محلّكم و منزلتكم عنده و كرامتكم عليه و خاصّتكم لديه و قرب منزلتكم منه و لذلك ذلّ كلّ شي‏ء لهم و خضع كلّ جبّار متكبّر لكبريائهم و طأطأ لهم كل شريف و كل متبختر لشرفهم فلما اذهب اللّه عنهم الرجس و القذر و الكثافات و طهّرهم عن الدنس و النجاسات قدّمهم علي كل شي‏ء و شرّفهم علي كل شي‏ء فجعلهم متبوعاً لكلّ شي‏ء و مقصوداً لكل شي‏ء. قولنا اذهب عنهم الرجس ليس انّه هناك رجس متحقق ثابت ثمّ اذهب به عنهم و انّما هذا كقولك انّ اللّه ليس بجسم و انه لا في جهة يعني انّ هذا لرفع الرجس المتوهّم الامكاني فهذاالقول مكنسة لغبار الاوهام الباطلة الضعيفة.

فلمّا عرّفهم اللّه تعالي بعد ما اذهب عنهم الرجس و بيّن انّهم ليس فيهم اختلاف خصّهم اللّه لنفسه فقال الحمد للّه يعني انّ هذه الحقيقة ليست لنفسها ضرورة انّهم: صُنِعُوا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 20 *»

للّه فلو خلقهم اللّه تعالي لانفسهم كان خلقهم علي خلاف ما هم عليه سلام اللّه عليهم ثمّ انّ الحمد هو بسم اللّه الرحمن الرحيم لانّ كل ما في الحمد في البسملة و الحمد هو الثناء باللسان علي الجميل الاختياري نعمة كان او غيرها يعني لسان اللّه بل نفسه نفس الثناء اي نفس اظهار كمالاته انا لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت علي نفسك فهو صلي اللّه عليه و اله حيث ليس له جهة انّية صارت كينونته9ثناء اللّه تعالي و اذا علمت انّه الحمد و انّه الثناء علمت انّ كلّ امر ذي‏بال بغير ذكرهم: فهو ابتر و اقطع لانّه بهم فتح اللّه و بهم يختم فهم مفتتح كل شي‏ء و مبدء كل شي‏ء.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 21 *»

 (الليلة السابعة)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

قال7 الحمد للّه و قد بيّنا انّ الحمد هو الحقيقة المحمديّة و انها واحدة باعتبار انها حقيقة واحدة و انها اثنان باعتبار النبوة و الولاية او باعتبار النبي و الولي لانّ النبي بمنزلة المادة و الولي بمنزلة الصورة و هما من اركان التوحيد كما قال الرضا7 الي ان قال بشرطها و شروطها و انا من شروطها و لا ريب انّ المشروط عدم عند عدم الشرط قال تعالي خطاباً لنبيّه انت المنذر و لكل قوم هاد و قال صلي اللّه عليه و اله انا المنذر و انت الهادي يا علي فعلي النبي الاراءة اراءة الطريق و علي الولي7 الايصال الي المطلوب و علي النبي اجمال البيان و علي الولي تفصيله و شرحه فهما8 اصلان لكل شي‏ء و مبدءاه فالحقيقة واحدة باعتبار و اثنان باعتبار و ثلثة باعتبار اي الاب و الام و الابن و اربعة باعتبار ملاحظة الجد معهم و سبعة باعتبار ملاحظة انّ الغير المكررة من اسمائهم سبعة محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و موسي و جعفر و اثنا عشر باعتبار ضرب الثلثة في الاربعة و اربعة عشر باعتبار تثنّي السبعة فيكون السبع المثاني فلذا وجبت سورة الحمد في كل صلوة مرّتين ليتمّ العدد.

فائدة: اعلم ان سورة الحمد كلها علي حدود اوّلها لانّ الكلمة الاولي منها محيطة بجميع مافيها ثم اعلم انّ اصل كل شي‏ء الوجود الاّ انّه لا يتمّ الا بالماهيّة و الصلوة لا تتمّ الاّ بالركعة الثانية.

و بيان ذلك هو انّ اللّه سبحانه لمّا كان المجهول الكنه و المجهول المطلق و المنقطع الوجداني و العقل لا يدرك الاّ ما كان محدوداً معيّناً في عالم الامكان وصف نفسه بوصفين حالي و مقالي و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 22 *»

الوصف الحالي هو حقيقة الاشياء و ذواتهم و هو اولي من المقالي و اقرب و هو تعالي لا يترك الاولي ثم ذلك الوصف الحالي الدال علي اللّه تعالي كالوصف القالي لا اله الاّ اللّه حرفاً بحرف ثمّ انّ هذا الوصف القالي كما انّ واسطة بيانه و ايصاله هو النبي و الولي8 كذلك الوصف الحالي الكينوني الذي هو حقيقة الاشياء و ذواتها اذ الكتابان متطابقان و ان القالي بيان و شرح للحالي فالنبي9صاحب الارادة و الولي هو صاحب اعطاء كل ذي حق حقه من النعيم و الجحيم و هو نعمة اللّه علي الابرار و نقمته علي الفجار و هو الفارق بين المؤمنين و الكفار ثم الاخيار و الاشرار من اهل الجنة و النار. و الحاصل انّ اللّه تعالي لمّا كان كاملاً يكون وصفه كذلك فمقتضي الكمال الجمع بين وصفي الحالي و القالي اي التعريف الموصوفي و الوصفي.

لا يظنّ ظانّ انّ قولنا التعريف الموصوفي المراد به هو انّ الموضوع له للقران هو حقيقة الشي‏ء و انّه هو المقصود منه لانّه لا يغني من الحق شيئاً و انّما المراد به انّ الذوات و الحقائق من الاشياء حيث لا تدرك وراء انفسها و لا تعرف غيرها انّما تحدّ الادوات انفسها. رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي نفسه و الجأه الطلب الي شكله لانّ الطريق مسدود و الطلب مردود لا يكون وصفهم الاّ لانفسهم كوصف النملة والاّ ففي الحقيقة انّ الحقيقة من الشي‏ء وصف للّه لا انّها موصوف نعم انما هي موصوف باعتبار الادراك الواقع عليها و اما باعتبار المراد و القصد فالموصوف هو اللّه تعالي و الوصف الحالي هو اية اللّه المذكورة في قوله سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انّه الحق و المادة في الشي‏ء اية النبي9 كما انّ الصورة له اية الولي 7 و لا شكّ انّ الولي ركن التوحيد كما ان النبي9 كذلك فهما اركان التوحيد و هو من شروطه كما سبق انفاً.

ثم انّه تعالي كما عرّف نفسه للخلق كذلك الولي عرف نفسه لهم ليعرفوه و انت قبل وجودك و حقيقتك ليس لك ذكر و لا يمكنك التوجه الي اللّه تعالي و الاقبال اليه سبحانه و اما حقيقتك اي ذاتك حيث كانت نوراً من صبح الازل الامام7 و النبي الذي له من اللّه السلام اذا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 23 *»

عرفتها و توجهت بها الي اللّه فقد تمكّنت من ذلك فمعرفة النبوة و الولاية موجودة في نفسك و تلك المعرفة هي نفسك و انها هي حقيقتك الجامعة و هي التي قال تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم الاية و الاتيان بالسين الاستقبالية انّما هو لاجل انّ الاية لا تعرف من اوّل الامر و انّما تكون المعرفة بعد النظر و التدبر فهي اشارة الي هذا و تلك الاية الافاقية هي التي قالها الصادق7 في قوله اَي ايةٍ اراها اللّه سبحانه في الافاق و انفس الخلائق غيرنا و هي التي قال مولينا اميرالمؤمنين7 اي اية اكبر منّي و هو 7 الايات كلها كما في قصّة فرعون و اريناه اياتنا كلها يعني عليّاً7 اذ هو7 الاسم الذي ملأ اركان كل شي‏ء و هو الذي قال تعالي و في انفسكم افلا تبصرون. من عرف نفسه فقد عرف ربّه لكن لمّا نسوااللّه فانساهم انفسهم.

تنبيهٌ: انكار الخلق معرفته تعالي لم يكن لاجل نسيانهم ربّهم و غفلتهم عن بارئهم و صانعهم جلّ و علا بما ظهر لهم بهم في انفسهم و ذواتهم بمايحتاجون من التوحيد و الرسالة و الولاية و احكام العبودية من الخضوع و الخشوع و سائر الاحكام و الاداب مفصّلاً مشروحاً ولكن الناس علي حدّ قول الشاعر «آنچه خود داشت ز بيگانه تمنّا مي‏كرد» و الدليل علي المدعي اي معرفة الخلق بجميع مايحتاجون اليه النقل الساطع و العقل اللائح. فاما العقل فنقول لا شك انّه تعالي كامل و مقتضي الكمال الايجاد علي نحو لايقال لوكان كذا لكان احسن اذ من المعلوم انّ كلما كان الصنع كاملاً يكون ادلّ علي كمال الصانع القدير و لا ريب انّ الجامعية و العلم اولي و اكمل و ارجح و لا مانع لذلك بوجه من الوجوه و اما النقل فمنه قوله 7 في الزيارة الجامعة الكبيرة فبلغ اللّه بكم اشرف محلّ المكرّمين و اعلي منازل المقرّبين و ارفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق و لا يفوقه فائق و لا يسبقه سابق و لا يطمع في ادراكه طامع حتي لا يبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا صديق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبّار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بين ذلك شهيد الاّ عرّفهم جلالة امركم و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 24 *»

عظم خطركم و كبر شأنكم و صدق مقاعدكم و ثبات مقامكم و شرف محلّكم و منزلتكم عنده و كرامتكم عليه و خاصّتكم لديه و قرب منزلتكم منه. فعرفتهم: في المقامات العشرة.

ثمّ انّ اسماءهم: مكتوبة علي كل شي‏ء موجودة في كل شي‏ء فاسمهم في العرش و الكرسي و السموات و الارضين و رؤس الجبال و في المياه و الانهار و البحار و غيرها بل ان اللّه كتب علي كل شي‏ء لا اله الاّ اللّه محمّد رسول اللّه علي ولي الله الاّ انّ في كل شي‏ء علي حسب ذلك الشي‏ء ولكن اكثر الناس عن لُبّ العرفان لغافلون مع انّه تعالي عرّفهم الاّ انّهم نسوا الذكر فجهلوه فاسألوه اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون و يؤيد ذلك ما انزل اللّه في كتابه المجيد و لقد منّ اللّه عليكم اذ بعث فيكم رسولاً فلولا كان ما اراده تعالي من العباد موجوداً فيهم محفوظاً عندهم مكتوباً في الواح مراتبهم و مشاعرهم لما كان للمنّة و الامتنان معني بل كان واجباً عليه تعالي ضرورة انّه تعالي خلقهم للمعرفة و العبودية فلولا ما شاء منهم فيهم موجوداً وجب عليه تعالي بيان تكليفهم علي ما به رشدهم و هدايتهم من الاوامر و النواهي دون ان يمنّ عليهم بذكره.

فعلم من هذا البيان انّ الاله المنّان جعل ما يريد من الانسان في حقيقته التي هي كتابه كما ينظر اليه صريح ما عن علي7:

اتزعم انّك جرم صغير   و فيك انطوي العالم الاكبر
و انت الكتاب المبين الذي   باحرفه يظهر المضمر

و اليه ناظر قوله ايضاً كما في الغرر و الدرر حيث قال  انّ الصورة الانسانية هي اكبر حجّة اللّه علي خلقه و هي الكتاب الذي كتبه بيمينه و هي الهيكل الذي بناه بحكمته و هي مجموع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي الشاهد علي كل غائب و هي الحجة علي كل جاحد و هي الصراط المستقيم الي كل خير و هي الصراط الممدود بين الجنة و النار هذه كلها باخبار النبي9 و انبائه9 لكن النبوة لابدّ لها من حامل فانظر الي السموات و الارض ماذا (كذا) ولكن اكثر الناس لغافلون.

ثمّ اعلم ان الانتفاع من هذا الكتاب

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 25 *»

التدويني انما هو بعد النظر و الانتفاع من الكتاب التكويني الحالي الذي من عرفه عرف الربّ تعالي و الحاصل انّ اللّه سبحانه عرّف للخلق ما اراد منهم من اعتقاداتهم و فروعهم و شرايعهم و احكامهم و بيّن لهم ما يتّقون و ذلك التعريف و البيان قسمان احدهما حالي و الاخر مقالي و الحالي وصفه تعالي نفسه لعبده بنفسه اذ الوصف كلما كان اقرب الي من وُصِفَ له كان اكمل و كل ما هو اكمل اولي و احسن و ترك الاولي يستلزم ارتكاب القبيح المستلزم للعجز اوّلاً و الجهل ثانياً و البخل ثالثاً و ترجيح المرجوح علي الراجح رابعاً و اللوازم كلها كما تري باطلة كيف و انه تعالي عاتب انبياءه و عاقبهم علي ترك الاولي فكيف هو تعالي يترك ما عاتب تاركه فانّ فعله يتوجه اليه تعالي ما انزله في الكتاب اتأمرون الناس بالبر و تنسون انفسكم و لا شك انّ الاقرب الي الشي‏ء من نفس الشي‏ء ليس الاّ نفسه فجعل سبحانه نفس الشي‏ء تعريفاً حالياً و كتاباً نفسياً و بياناً ذاتياً فلما كان الجمع بين الكتابين اولي قارن الحالي بالمقالي ذلك اتمام الصنع و اكمال الامر انّه من لدن قادر حكيم.

ثمّ اعلم انّ هذا الكتاب المستطاب الالهي من اوله الي اخره وصف الكينونة قال7 انّ القران نزل ارباعا ربع فينا و ربع في اعدائنا و ربع في القصص و ربع في الشرايع و الاحكام و في اخري انّه نزل اثلاثاً ثلث فينا اهل‏البيت: و ثلث في اعدائنا و ثلث في القصص و الاحكام و في اخري ان القران قد كنّي فيه تعالي عن اسمائنا بكل خير و كنّي فيه عن اسماء اعدائنا بكل باطل و شرّ يعني نصفه فينا و نصفه في اعدائنا و في اخري ان القران كله في اهل‏البيت: كما هو صريح قول علي7 كل ما في الكتب الماضية و الصحف المنزلة في القران و كل ما في القران في الحمد و كل ما في الحمد في البسملة و كل ما في البسملة في الباء و كل ما في الباء في النقطة و انا النقطة تحت الباء. و اما الاحكام التي في القران من الحدود و العقود و الصلوة و الزكوة فهذه شرح عبوديتهم و خضوعهم للّه سبحانه و اما الحمد فجامع جميع ما في البسملة التي جامعة فيها احكام القران و اسراره فمن اتي بالحمد فقد اتي بجميع ما في

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 26 *»

القران. ورد فيمن قال الحمد للّه كما هو اهله و مستحقة فقد اتي بجميع حمد الحامدين و اما ان البسملة و الحمدلة صارا مستحبين فلبيان انهما اسمان للائمّة: و هم: يحبّون ان يذكر اسماؤهم من كل شي‏ء فلا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق و هم:اسم اللّه تعالي كما سبق و يأتي فيما بعد ان شاءاللّه.

فائدة: انّهم: يحتاجون الي جبرئيل في عالم البشرية كما يحتاجون الي السمع و البصر لادراك القلب في عالم الاجسام و اما هم: في عالم الارواح و النورانية فلا يحتاجون الي جبرئيل كما ورد انّ النبي9 في ليلة المعراج لما اُسْري به و وصل الي بيت المعمور لم يبق معه9 من الملائكة الاّ من كان من سنخ ذلك العالم و هكذا في كل عالم الي ان وصل الي العرش و هو9 لابس ثيابه التي كان لابساً في الارض و هو9 متنعّل بنعلة الذي كان يمشي به الي المستراح. و الحاصل لهم: مقامان احدهما لطيف و الاخر كثيف و اللطيف يدرك الكثيف و ينفذ فيه كالجن الذي ينفذ في الاجسام بلطافته و اما العرض فلو اريد اظهاره في العالم فلابدّ من جوهر يكون مظهراً للعرض والاّ لم يظهر قط.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 27 *»

 (الليلة الثامنة)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

اقول انّه لا يخفي علي ذي حجي ان الالف من الحروف اكثر دورانا لكنّه7 خطب خطبة ليس فيها الف اولها حمدت حمد معترف حمداً الخ ما كنّا فيه الان ولكن الكلام الحين في تفسير الحمد للّه.

فنقول انها جملة اسميّة و الجملة جملتان اسمية و فعلية قالوا انّ الاسمية اشرف من الفعلية و نحن قلنا بل الفعلية اشرف لانّا نجد عياناً انّ الاسم يقع معمولاً للفعل من دون عكس و لا شك انّ العامل اشرف من المعمول فلااعتماد علي ما رأوا و انّما الاعتماد علي ما رووا لانّهم انّما يروون عن علي7 لانّهم اخذوا النحو من علي7 فما ادركوا ما تلقّوه منه فما رأوه ليس بحجة نعم اذا طابق الدليل فذاك حجة و كذلك الذي اتفقوا عليه من المسائل المنسوبة الي علي7 من دون معارض يعارضه من المذهب و الدين و الجملة الفعلية قد تكون علي تعبير «حمدت اللّه حمداً» و قد تكون علي تعبير «احمد اللّه حمداً كذا و كذا» و الكل له نكتة واقعية لانّه اذا تكلّم المتكلّم باذن من اللّه و وحيه فلا يكون الاختلاف في تعبيراته عبثاً والاّ يلزم العبث في فعل اللّه و هو محال لا يجوز بحال من الاحوال و ان اردنا تفصيل الوجوه و علّتها يطول بنا الكلام فنقتصر الكلام في معرفة الجملتين الاسمية و الفعلية.

فنقول ان القوم ذهبوا الي شرافة الجملة الاسمية اتفاقاً منهم لان الاسم هو الاصل و هو المشتق منه و به يتم الكلام دون الفعل اذ «ضرَب ضرَب» ليس بكلام بخلاف «زيد قائم» و اما نحن فنقول ان الفعل اشرف لانّه الاصل و هو المشتق منه للاسماء كلها. قال7 خلق اللّه المشيّة بنفسها ثمّ خلق الاشياء بالمشيّة و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 28 *»

المشيّة هو الامر الذي هو « كن » قال انّما امره اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون يعني امره قوله « كن » و هو ما انبأ عن المسمّي كما قاله علي7 فهو الامر الذي قام به السموات و الارض و من اياته ان تقوم السماء و الارض بامره اي سماء المقبولات و ارض القابليات كائنةً ما كانت و بالغةً ما بلغت فبالفعل خلق اللّه الكائنات و عنه صدرت الموجودات من المجردات و الماديات و الفعل هو الخلق الساكن الذي لا يدرك بالسكون اي لا بالمقابلة التي هي ضدّ الحركة لانّ الضدين به كُوِّنا و عنه صَدَرا و لا يجري عليه ما هو اجراه و السكون هنا كناية عن الاستقلال. و اما الاسم فهو اثر للفعل معمول له و متأثّر منه كما في قولك «ضربت ضرباً» و الاسم و ان كان يطلق في بعض الاطلاقات علي المنبي‏ء اذ كان مشتقاً من الوسم و هو العلامة و الدلالة علي المسمّي.

فائدة: و اعلم ان كل موجود فاعل و فعل و مفعول و المراد من الفاعل هو الذات المسمّي الدال الذي اشتق من المصدر المشتق من الفعل و المراد من الاشتقاق هو اقتطاع فرع من اصل يدور علي حروف اصوله الفروع و اما انه فعل فبملاحظة وساطته بين الفاعل و المفعول و اما انه مفعول فبملاحظة هويّته و انيّته و الفعل هو ما دلّ علي معني كائن في نفسه مقترن باحد الازمنة الثلثة و هو ما انبأ عن حركة المسمّي انما هو حركة يعني انه ليس بساكن لا يستمد بل هو لازال مستمدّ من ربّه و انه متصرّم منقطع فاشار بالحركة الي امرين احدهما الاستمداد و الاخر الانقطاع و التصرّم و الفناء و الزمان مطلق الوقت و هو لم يكن جزء لماهية الفعل و انّما هو امر خارج عن حقيقة الفعل لكن لما كان الفعل لا يوجد في الخارج و لا يتعلق بمتعلق الاّ في زمان من الازمنة الثلثة قال مقترناً بها و انّ الفعل لا كيف له كما انّ اللّه تعالي لا كيف له و هو المأثور فلما اراد اللّه تعالي ان لا يتوهّم في حق الفعل الاستقلال قال مقترنا بالزمان بلسانه علي7 لانّه تعالي هو الواضع كما حققناه في محله و النحاة انّما اخذوا تعريفهم منه7.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 29 *»

فائدة: كلّما كان فيه الاضمحلال اكثر في الامكان كان الكمال له اكثر بخلاف الاستقلال لانّه نقص للامكان و كمال للواجب و لذا قال الرضا7 الفعل خلق ساكن لا يدرك بالسكون  يعني لا يدرك بالاستقلال في احد المعاني فلمّا عرفت انّ الكمال في الحدوث الاضمحلال كالفعل دون الاستقلال كالاسم و علمت انّ الخضوع و العبودية هو الاصل في الامكان عرفت ان الفعل اشرف من الاسم لانه دالّ علي الاستقلال فالفعل هو الائمة: و الاسم هو الرعية لانّيتهم و المشتقات هم الانبياء: و الحرف هو المَلَك اذ هو جهة الربط  بين الاشياء و الربط لا تذوّت له الاّ تذوّتاً حرفياً. ثم اعلم انّ الفعل هو المجعول الاول الذي لا يلحقه لاحق و لا يسبقه سابق و لا يطمع في ادراكه طامع و هو اي الفعل النبوّة و الولاية و الفعل هو احداثه تعالي لا من شي‏ء لا غير لانّه سبحانه لايهمّ و لا يروّي و لا يفكّر فاذا اراد شيئاً يقول له كن فيكون من دون لفظ و لا كيف لفعله كما انه لا كيف للّه و هو الاسم الذي خلقه بالحروف غير متصوت و بالشخص غير مجسّد الي ان قال منفي عنه الامكنة و الحدود مبعّد عنه الاقطار  بل هذا الاسم‏اثر للفعل فكيف الفعل نفسه في انه لا حدّله ولا قطر.

قولناانّ الفعل مقترن بالزمان باعتبار المتعلق معناه ان الزمان ليس جزءً لازماً للفعل و لا انه صفة ذاتية له و انّما هو حاصل بالاقتران عند الاقتران في هذا العالم و القرينة في ذلك قولهم مقترناً باحد الازمنة الثلثة اي الحال و الماضي و الاستقبال و هذه الازمنة كلها باعتبار الافلاك و الاجسام عند القشريين و هي جزء مقوّم للشي عندنا. ثمّ انّ الزمان عندنا استمرار الشي‏ء و هو غير الشي‏ء فهو امر زايد علي الحقيقة نفسها و الفعل هو الحقيقة المحمّدية و هو الاصل لانّه امّا انه سبق الحقيقة او لحقها او هو هي فان قلت انه سَبَقها فقد خالفت ضرورة المسلمين لانّهم قالوا انّه صلّي‏اللّه عليه و اله اوّل خلق الله قال لا يسبقهم سابق الي ان قال و لا يطمع في ادراكهم طامع من ان الخلق طمعوا في الربوبية. فان قلت انه بعد الحقيقة فهو ثابت له اذاً بطريق الاولي و ان قلت انه هي و هي هو فقد اتيت بالمراد و شربت من بحر الصاد. ثمّ انّ اوّل ما صدر عن

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 30 *»

الفعل هو المفعول المطلق فلمّا تعيّن المفعول المطلق صار المفعول به و له و فيه و معه.

و اما انه اي الفعل اشرف من الاسم فلانه مشتق من الفعل فما هو في ظاهر اللفظ مشتق من الشي‏ء فهو مشتق في المعني منه ضرورة ثبوت المناسبة الذاتية بين اللفظ و المعني لما برهنا في محله بانّ الواضع للالفاظ هو الله تعالي و انه سبحانه حكيم و قلنا ان المناسبة الملحوظة بين اللفظ و المعني اولي من عدمها والاّ لزم النقص و ترك الاولي في الصنع و ذلك ينادي علي نقص الصانع تبارك و تعالي.

ثمّ انا قد قلنا مراراً انّ الاستدلال علي ما هنالك اي عالم المعني و الروح لا يعلم الاّ بما هيهنا اي عالم اللفظ و الجسد فعلي هذا كل شي‏ء تراه فرعاً في اللفظ فهو فرع في المعني و كل شي‏ء اصل في اللفظ فهو اصل في المعني الاّ ما خرج باعتبار اللطخ و العارض فاذا علمت ذلك اجريته في قولك «ضربت ضرباً» لانّ ضرب هو الفعل و التاء من ضربت هو الفاعل المشتق من الفعل و ضرباً هو المفعول الاول المطلق الذي بتعيّنه حَصَل المفعولات كلها فجميع مادون الفعل به كان و منه صدر كما قال7 ثم خلق الاشياء بالمشية كما انّ المنويّات كلها بالنيّة و الحاصل الفعل هو الامام و الاسم المشتق هو النبي و الحرف هو الملَك و الجوامد من الاسماء هي سائر الموجودات.

فان قلت علي ما ذكرت كان الانسب ان يقال فيهم: انّهم: هم الافعال الحسني دون الاسماء الحسني قلت الاسم له اطلاقات فمرّة نطلقه و نريد به ما دلّ علي المسمّي فعلي هذا يشمل الاسم الاسم و الفعل و الحرف ضرورة انّ كل واحد منها دال علي اللّه فيكون الكل اسماً و مرّة نطلقه و نريد به الاسم في قبال الفعل و الحرف هذا هو المراد هنا.

ثمّ انّ الحقيقة المحمّدية صلّي اللّه عليه و اله واحدة انقسمت علي قسمين و ذلك في التقسيم الاوّلي قسّمت الي نبي و ولي قال تعالي للنصف كن محمّداً و للاخر كن عليّاً كما في الخبر فصار احدهما مبدء الاجمال كلّه كالعرش للاجسام و الاخر مبدء التفصيل كلّه و هو اذاً محل الكثرة و الاختلاف كالكرسي و هو علي7 قال9 ما اختلفوا في اللّه و لا في و انّما الاختلاف

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 31 *»

 فيك يا علي و لاجل هذا تري الاختلافات في الفعل المضارع دون الماضي علي ما بيّنا في محله بانّ الماضي هو رسول اللّه9 و المضارع هو علي7 لانّه مع النبي9 ارتضعا من حقيقة واحدة و اما الافعال الستة الاخري الباقية التي غير الماضي فهي مشتقة من المضارع فاذا ثنّيتها كانت اثنتي عشر و التَثنّي انما هو باعتبار ملاحظة الغيب و الشهادة.

و من اللطائف و الاسرار هو ان اسم علي7 بصورته هذا اي بتقديم العين علي اللام ثم اللام علي الياء يقرء علي انواع اربعة عَلي حرف جرّ و عَلي فعل و عَلي اسم عَلَمي و عَلِي صفة مشبهة. فعلي كونه حرف جر يَعمل و لا يُعمل و علي كونه صيغة المبالغة يَعمل و يُعمل هذا انما هو في رتبه بابيّته و علي كونه عَلَما يُعمل و لا يَعمل هذا انما هو في رتبة بشريته قالت النحاة انّ الكلمة اما ان تَعمل و لاتُعمل او لاتَعمل و تُعمل او تَعمل و تُعمل او لاتَعمل و لاتُعمل  هذه الكلمة هي هذه الحقيقة المقدسة الجامعة لجميع المراتب و المقامات و هذا الاسم الشريف يجرّ كل اسم و يعمل فيه الاّ اسم احمد لفظاً و اسم عمر للعدل التقديري الفرضي.

و قولنا نسبة النبي الي الولي نسبة الماضي الي المضارع او نسبة العرش الي الكرسي لان الكثرات و التفاصيل انما هي في المضارع و الكرسي و سرّ ذلك هو انه شأن الولاية بخلاف العرش و لذا خوطب النبي كما في التنزيل ليس لك من الامر شي‏ء ثم قال في حقه9 ولو تقوّل علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين مع انه9 مطاع للانبياء اجمعين حيث قال تعالي  في حقه9 و حقهم: عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بامره يعملون اي الانبياء لا يسبقونه اي لا يسبقون محمّداً9 بالقول و هم اي الانبياء بامره اي بامر محمّد9 يعملون و ذلك لاجل انّهم: رعية محمّد9فمن يقل منهم  اي من الانبياء انّي اله  اي انّي مستقل في التلقي بدون النبي محمد9 فذلك نجزيه جهنم و لا استغراب في ذلك لانه7 قال من اصغي الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق من اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق من الشيطان فقد عبد الشيطان مع هذا كله فقد قال في حقه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 32 *»

صلي اللّه عليه و اله ليس لك من الامر شي‏ء فافهم.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 33 *»

 (الليلة التاسعة)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

قلنا ان الحمد عبارة عن الحقيقة المحمّدية و قلنا انّها واحدة في مقام و سبعة في مقام و اربعة عشر في مقام بيان ذلك هو انّ اللّه تعالي لمّا كان كاملاً يكون فعله كاملاً علي كمال ماينبغي لانّ الكامل لا يصدر منه الاّ الكامل والاّ لزم اما جبر او عجز او بخل او ارتكاب قبيح و اللوازم كلّها باطلة بالعقل القاطع و النقل الساطع فكذلك الملزومات فعلي هذا كان صنعه كاملاً ليدل كمال الصنع علي كمال الصانع و لا ريب ان الوحدة اشرف من الكثرة لانّه كمال فيجب ان يكون خلقه تعالي في اول مايتعلق به الجعل واحداً اذ الواحد لايصدر عنه الاّ الواحد هذا بالنسبة الي الامكان لا انه ليس بقادر علي اصدار اكثر من الواحد لانه كفر عندنا ضرورة انّ ربّنا لا يوصف بالعجز بل انه علي كل شي‏ء قدير.

و اما قولهم انّه لا يصدر عنه تعالي الاّ الواحد فله ملاحظتان احديهما انه لا يجوز صدور اكثر من الواحد منه تعالي ذلك ينافي قدرته تعالي الكاملة و لقد قال7 في دعاء شهر رمضان الي ان قال و لا يشغله علم شي‏ء عن علم شي‏ء و لا يشغله خلق شي‏ء عن خلق شي‏ء و لا حفظ شي‏ء عن حفظ شي‏ء و لا يساويه شي‏ء الدعاء فثبت صدور الكثرات عن بارئ النسمات و لمّا كان الامكان من شأنه الكثرة و كان المجعول الاول في غاية الشرافة و الكمال لابد ان يكون كثرته اشرف الكثرات و اكملها لانّ الضرورات تتقدّر بقدرها فما يقدّر من الكثرات في المجعول الاول لابد و ان يكون في المفردات الثلثة و في المزدوجات الاربعة لان الاقل في المزدوجات الاربعة كما انه ليس في المفردات اقل من الثلثة اذ اقل العدد

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 34 *»

الذي ينتهي اليه الاعداد المزدوجة الاربعة و اما الاثنان فهو ليس الاّ اربعة باعتبار النسبة الملحوظة من الطرفين و لاجل ذلك يقال للرجل زوج و للمرأة زوجة باعتبار ملاحظة النسبة بينهما لانّ كل واحد منهما مركب من ذات و نسبة.

فلمّا ثبت انّ الواحد الحقيقي ليس الاّ اللّه سبحانه ثبت انّ الواحد الامكاني ثلثة الاّ انه اي الواحد غلبت فيه جهة الوحدة كما يقال فلان صفراوي مثلاً مع انه مركب من الاخلاط الاربعة و كون الواحد ثلثة بملاحظة جهة الرب و جهة النفس و الجامع بينهما لانّه غيرهما كما انّ السكنجبين غير الحلاوة و الحموضة و انّما هو عبارة عن المجموع من حيث المجموع فعلي هذا مبدء الاعداد ثلثة لا واحد كما ذهب اليه فيثاغورس الحكيم و اما مَنْ عداه من العلماء فعلي انّ مبدء الاعداد اثنان لحدّهم الذي حدّدوه به و هو انّ العدد نصف مجموع حاشيتيه ولكن الحق هو الذي ذهبنا اليه من انه هو الثلثة فلمّا ثبت المبدءان و ثبت ان المجعول الاول كامل ثبت انّ الجمع بين المبدئين اكمل من عدمه فثبت ان تلك الحقيقة المقدسة الجامعة في مقام الكثرة سبعة و لمّا كان صنع الكامل لا يكون الاّ كاملاً و ثبت انّ الكمال لا يتحقق الاّ بالاجمال و التفصيل بالغيب و الشهادة ثنّينا السبعة فصارت اربعه‏عشر فيكون تلك الحقيقة المقدسة الاولية واحدة في مقام الكمال و سبعة في مقام الكثرة و الاجمال و هي اربعة عشر في مقام التفصيل.

تكرير مفيد: قال7 الحمد للّه و اعلم انّ لا كلّ من حضر سمع و لا كلّ من سمع وَعي و لا كلّ مَن وعي فهم و لا كل من فهم عرف المقصود و ايضاً ليس كل من فهم و عرف المقصود له قوة البيان و قدرة التفهيم اذ فهم المسألة شي‏ء و تفهيمها شي‏ء اخر ثم انّ كلّ ما نقول نحن ليس الاّ و له دليل من الكتاب و السنة فللناظر السامع طلب الدليل من مظانه و لا يخرج شي‏ء من كل شي‏ء الاّ و له اصل في الكتاب و السنة لانّ الاشياء كلها و الالفاظ باسرها و المقاصد بتمامها موجودة فيهما اذ فيهما تبيان كل شي‏ء.

معروف انّ السيّد شريف لمّا صنّف كبري في المنطق بَني اَنْ يدرّسه ابنه فلمّا درّسه و تمّ الكتاب قال السيد شريف لابنه يا بني اخرج الي السوق انظر الي ما يقوله الناس فلمّا خرج اليه و رجع الي ابيه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 35 *»

فقال لابيه يا ابتاه انّ الناس منهم مَنْ يبيع و منهم من يشتري و منهم من يقول كذا و كذا من القصص و الحكايات. فقال له ابوه بعد ما سمع مقالة ابنه يا بني ما عرفت انت من الكتاب حرفاً فدرّسه ثانياً. فلمّا فرغ من المرّة الثانية امره بالخروج الي الناس كالاوّل فلمّا ذهب و رجع الي ابيه قال مثل ما قال في الاولي فقال له ابوه يا بني انك ما عرفت من الكتاب شيئاً فردّه ثالثاً الي الدرس فلمّا تم الكتاب امره ابوه بالخروج و النظر فاذا هو يسمع منهم ما سمع و رجع الي ابيه فقال يا اب انّ الناس لا يتقوّلون الاّ في التصوّر و التصديق و القياسات و الاشكال و سائر المسائل المنطقية. فقال له ابوه اذاً يا بني قد عرفت الكتاب كبري. فاذا عرفت المثال علمت مقصودنا و ادركت مطلوبنا لانّا ما نذكر مما نذكره الاّ و له دليل في الخارج من الايات التدوينية القرانية و الايات التكوينية الخلقية.

فاذا تمهّدت هذه المقدمة نقول انّ مرادنا في اثبات النبوة الخاصة بانّ نبيّنا هو محمّد بن عبداللّه9 بالعقل وحده و هذه المسألة مناسبة لتفسير الحمد حيث انّ الحمد اشارة الي الحقيقة المحمّدية كما اشرنا اليه سابقاً فنقول و اعلم انّه لا شك و لا ريب انّ الكامل المطلق من جميع الجهات لا يكون كذلك الاّ باحداث اثر كامل دالّ علي كماله المطلق و غناه التام و ذلك انّا لمّا تتبعنا في العالم و نظرنا الي الافاق و الانفس وجدنا انّ كل صانع لايأتي بما يأتي من صنعه الاّ علي اكمل ماينبغي في حقه مالم يمنعه مانع من الامور الخارجية و لا ريب انّه تعالي كامل ذاته و صفاته و انّه لا مانع لاحداثه كاملاً اذ لا سادّ لقضائه و لا رادّ لامره فكيف يتصوّر المانع و هو تعالي قادر لا عجز فيه و كيف لا و هو كريم لا بخل له و كيف لا و هو عالم لا جهل فيه ثم كيف لا و هو لا يرتكب القبيح بحال من الاحوال اذ هو مستغن لم‏يزل و لايزال. فلمّا ثبت كمال الواجب تعالي بطل صدور الاثر الناقص عنه لانّ الاثر الناقص دليل علي نقص صانعه فلما بطل النقص ثبت الكمال اذ لا واسطة بينهما بحال و ايضاً انّه تعالي لمّا اراد خلق الخلق علي اكمل مايمكن من جميع الوجوه و كان قادراً عليه كيف و انّه امر ممكن و العقول السليمة متّفقة علي وقوع اثر كذلك وقع ما

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 36 *»

اراد كيف اراد لِما اراد فعلي هذا نقول لا ريب في ان المجعول الاوّل لابدّ و ان يكون كاملاّ علي كمال ماينبغي بحيث لا يقال في صنعه تعالي لو كان كذا لكان احسن والاّ لزم تقدّم الاخس علي الاشرف و ذلك قبيح في الحكمة علي اللّه المنيع المتعال.

لا يقال بناء علي ما اصّلت من عموم الدليل لابدّ و ان يكون جميع الخلق انبياء معصومين لانّه اولي و اكمل و هو تعالي قادر علي ذلك لانّا نقول انّه سبحانه لو خلق الناس كلّهم انبياء للزم النقص في خلقه تبارك و تعالي و نقصان الخلق دليل علي نقصان الخالق و قد علمت فساده مراراً اذ لو كان الخلق اجمعون هم الانبياء يلزم ان لايكون لهم رعيّة فاذا لم يكن لهم رعيّة لزم نقصهم و نقصهم يستلزم نقص الواجب تعالي كما اذا فرض انّه تعالي اوجد شيئاً لا نور لها فلمّا ثبت كمال الصنع ثبت و تحقق انّ لصنعه صنعاً و اثراً و لصنع صنعه صنعاً و اثراً و هكذا كما عرفت في السلسلة الثمانية الطولية و ستعرفه عن قريب ان‏شاءاللّه و بالجملة انّ الكامل لا يكون الكامل الاّ و ان يكون له نور و شعاع و الاّ يكون ناقصاً هذا بالنسبة الي الحكمة و اما بالنسبة الي القدرة فهو تعالي علي كل شي‏ء قدير و لهذا قلنا نحن نعلم كل شي‏ء في الحكمة و لا نعلم شيئاً باعتبار القدرة و اليه ناظر قوله تعالي ولو شئنا لنذهبنّ بالذي اوحينا اليك فلماّ ثبت انّ للاثر نوراً و شعاعاً ثبت فقر النور الي المنير ابدالابدين كالنور من السراج والاّ لكان النور سراجاً فلوكان النور سراجاً لزم نقصان السراج لانّك فرضته انّه لا نور له فنقصانه راجع الي نقصانه و التالي باطل و المقدم مثله.

ثمّ نقول لا يكون الخلق الاّ مختاراً لانّه اشرف من المضطر و هو تعالي قادر علي احداثه و الاختيار انما يتحقق بحصول مبدئين متضادّين من الخير و الشرّ و النور و الظلمة و الاقبال و الادبار و الملك و الشيطان حتي قال النبي صلي اللّه عليه و اله لكل نفس شيطان قيل حتي لك يا رسول اللّه قال نعم ولكنّه اسلم و في اخري اعانني الله عليه. ورد انّه9 قال لابنته فاطمة لايغرّنّكِ قول الناس انّكِ ابنة رسول اللّه واللّهِ لو عصيتِ لهويتِ فلمّا ثبت شرافة المجعول الاوّل مطلقاً ثبت شرافته

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 37 *»

مطلقاً في جميع المراتب و المقامات حتي في العدد و لا شك انّ كلّ ما قرب الي المبدء اشرف ممّا ليس كذلك و لا شكّ انّ اشرف الاعداد و اقربها الي المبدء الواحد و لا شكّ انّ الكثرة كلّما تكون الكثرة فيها اقلّ كان اشرف و اولي كما ان العشرة اشرف من الاثني‏عشر و الثمانية من العشرة و الستة من الثمانية و الاربعة من الستة ضرورة ان كلّ ما قرب الي الكامل يزيد في كماله فكلّ ما قرب الي الوحدة من الكثرات كان اشرف مما بَعُدَ.

فاذا تمهد هذا نقول لا شكّ انّ الواحد الحقيقي من جميع الجهات ليس الاّ اللّه سبحانه و اما الواحد الامكاني فهو ثلثة في الحقيقة جهة الي المبدء و جهة الي نفسه ثمّ الجامع بينهما و هذا هو اقلّ الكثرات و الثلثة هو مبدء الاعداد كما ذهب اليه فيثاغورس الحكيم و انّه لمن المدقّقين من حكماء الاوائل هذا في الاعداد المفردة و اما مبدء الاعداد المزدوجة فهو الاربعة حيث ان الاثنين لا يتمّ الاّ بالنسبة بينهما فيكون اربعة فاذا لوحظ جمع الثلثة و الاربعة يكون سبعة و ذلك اذ المجعول الاوّل مبدء للكمالات الفردية و الزوجية و جامع لما في الاعداد من الكمال و لمّا كان لكل شي‏ء غيب و شهادة ظاهر و باطن اجمال و تفصيل حيث قلنا ان الجامعية اشرف و اكمل وجب ان تظهر السبعة في العالمَيْن فيكون اربعة عشر و الحاصل هذه الحقيقة واحدة في مقام و سبعة في مقام و اربعة عشر في مقام.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 39 *»

 (الليلة الاحدي‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

قد ذكرنا البارحة انّ الحقيقة المحمّدية صلّي‏اللّه عليه‏واله واحدة و هو اوّل المجعولات و اصل المفعولات و ذكرنا انّها كاملة لقربها الي مبدئها و قلنا انّ الكامل لايصدر عنه الاّ كاملاً و قلنا انّ مقتضي الكمال ان تكون تلك الحقيقة المقدّسة واحدة في مقام و اثنان في مقام و انّها ثلثة و انّها اربعة و انّها سبعة و انّها اثناعشر و انّها اربعة عشر فلمّا ذكرنا هذا اردنا ان نبرهن انّ تلك الحقيقة خليفة اللّه و رسوله و حافظ سرّه و عيبة علمه و باب حكمته و انّه هو النبي الخاتم و انّه سيّد الانبياء و المرسلين و انّه اشرف الخلق اجمعين و انّ اسمه و اسم ابويه و اسم اولاده و اسم صهره و وصيه و عدد اوصيائه و كلّ مايتعلّق به كذا و كذا اثبت ذلك كلّه بالعقل الخالص الصريح من دون استناد الي نقل من الكتاب و السنة و لااعتماد علي قول احد من الناس.

فنقول انّه لمّا كانت تلك الحقيقة المقدّسة اوّل الحوادث و اصلها يجب ان يكون واحداً لانّه كمال و ذلك الكمال ثابت للمبدء المتعال فيكون اثره متّصفاً به لانهّ دليله و ايته ثمّ نقول انّه لمّا كان من شأن الخلق و الامكان الكثرة ظهرت تلك الحقيقة علي كثرة هي اشرف الكثرات لانّ الضرورات تتقدّر بقدرها فصار عددهم اشرف الاعداد و اشرف العدد العدد التام ثمّ الكامل لانّه قد قرّر في محله بانّ العدد علي اربعة اقسام تامّ و زائد و ناقص و كامل. فامّا العدد الناقص فليس لهم: و امّا الثلاثة الباقية التي هي التام كالستة و الزائد كاثني‏عشر الحاصل من تكرار الستة بملاحظة عالمي الغيب و الشهادة كما سيأتي و الكامل كالسبعة لانّها جامعة بين مبدئي الزوج و الفرد.

لا يقال انّ الاربعة عشر عدد ناقص فجمعت فيهم مراتب الاعداد كلّها و ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 40 *»

لكمال جامعيّتهم: لانّا نقول انّ الاربعة عشر في الحقيقة كمال فوق كمال لانّ السبعة الاخري تكرار للسبعة الاولي فلمّا كان الخلق الاوّل كاملاً سارياً في جميع الاطوار حتي في العدد ثمّ لما تمّت تلك الحقيقة الاولية العليا و تمّ قلبها و صدرها و دماغها و جسدها ظهرت منها انوار و برزت عنها اثار حيث اسلفنا انّ الكامل لابدّ له من اثر و نور والاّ لم‏يكن كاملاً فلمّا كملت و تمّت اشرقت من اخسّ مراتبها و اخر مقامها و هو رتبة الجسم بيان ذلك هو انّ ذلك الخلق المعظّم المكرّم هو رسول اللّه9 و اما صدره فهو علي7 و اما دماغه فهو الائمّة الاحد عشر من ولده و اما جسد ذلك الخلق الكامل فهو فاطمة3.

تنبيه: و اعلم انّ الاثار كلّها من الجسد الذي هو اخر المراتب لما برهنا انّ الاثر لايبرز الاّ من جهة اسفل الشي‏ء و اخر مرتبته بعد تماميّة ذلك الشي‏ء فلمّا ظهر نور تلك الحقيقة المقدّسة يجب ان يكون ملحوظاً في نورها امور ثلث حيث انّه رتبة ثانية من الخلق لا ان الخلق الاوّل اوّل لهذا الخلق الثاني حاشاه و انّما هو اول و هذا ثانٍ تعبيراً و تفهيماً كما ستعرفه عن قريب احدها يجب ان يعلم انّ هذا النور المتشعشع من تلك الحقيقة الاوّلية الذي هو علّة و منشأ لحقيقة اخري رتبة هذا النور و مقامه دون مقام الخلق الاوّل و ثانيها انّ الكثرات المضمحلّة المغمورة الفانية الغير الظاهرة في الخلق الاوّل تلك الكثرات ظاهرة في هذه الرتبة الثانية و ثالثها انّه اي هذا المقام الثاني هو منسوب الي اللّه تعالي و مقبل اليه سبحانه و انّه من امره و بامره ثمّ بيده تعالي و انّ مقام هذه الحقيقة الثانية التي عبّرنا عنها بالنور من الاوّل مقام العشرات من الاحاد اذ الاوّل رتبته رتبة الاحاد و لاريب في انّ اوّل رتبة الثانية هو العشرات كما انّ اخر رتبة الاحاد التسعة و التسعة حرفها حرف «ط» و هو اسم لسيّدتنا فاطمة الزهراء3 و التسعة اخر مرتبة الاحاد منها نشأت و عنها صدرت هذه الحقيقة الثانية كما برهن في محلّه و لعلّ نذكره فيما بعد ان شاء اللّه تعالي فلمّا كانت العشرة من شأنها الكثرة ولكن من حيث قربها الي المبدء يجب ان يكون كثرتها اقلّ ما يفرض في حقّها لانّ الضرورات تتقدّر بقدرها و لا ريب في انّ اقلّ مرتبة

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 41 *»

الكثرة في العشرة نسبة بعضها الي بعض يعني بضرب العشرة في العشرة فيكون حاصل الضرب منها في نفسها المأة هذا بيان مرتبة هذا الخلق و مقامه حيث كان في المرتبة الثانية.

و امّا بيان انّ الكثرات و الظلمات المضمحلّة في الخلق الاوّل تلك الكثرات انّما ظهرت في هذه المرتبة فهو ان الشي‏ء مركب من الوجود و المهيّة فامّا الوجود فهو جهة من ربّه من الشي‏ء و هو نور اللّه و هو الفؤاد و هو واحد لا كثرة فيه و اما المهيّة فهي منشأ الكثرات و اصل التفاصيل و الظلمات و هي عبارة عن الاركان الستة و هي حدود الشي‏ء و هي الكمّ و الكيف و الجهة و الرتبة و الزمان و المكان فلمّا لوحظ في كل واحد من الستة الطبايع الاربعة التي لابدّ لكل شي‏ء كما برهن في محلّه فصار الحاصل من ضرب الستة في الاربعة ملاحظة الاربعة في كل واحد من الستة اربعة و عشرين.

و امّا بيان انّ هذه الحقيقة التي هي منسوبة الي اللّه الي امره فصار كل مرتبة من مأة و اربعة و عشرين الفا لانّ الواحد عنده تعالي الف و اليه الاشارة بقوله تعالي و انّ يوماً عند ربّك كالف سنة مما تعدّون فصار عدد هذا الخلق الثاني مأة الف و اربعة و عشرون الفاً امّا المأة فلبيان مقام هذا الخلق مأة من المرتبة الثانية و اما الاربعة و العشرون فلبيان انّ هذا الخلق الثاني ظهرت الكثرات الفانية المضمحلّة في الخلق الاوّل فيهم و لبيان انّ مبدء الكثرات هو الستة الملحوظة فيها اي في كل واحد منها الطبايع الاربع و اما الالف فلاجل نسبة هذا الخلق الي اللّه سبحانه حيث انّهم انبياء اللّه و رسله الي خلقه و النبي لايكون نبيّاً الاّ ان يكون مطاعاً و ما ارسلنا من رسول الاّ ليطاع باذن اللّه ظهر فيه مطاعية اللّه تعالي لانّ المطاع هو اللّه وحده ولكن كل من توجه اليه تعالي و نظر الي فيضه و كرمه يجعله تعالي مطاعاً لماعداه.

فلمّا تمّت هذه الحقيقة الثانية و كملت برز منه نور ذلك النور منشأ لحقيقة اخري فلمّا كانت هذه الحقيقة حقيقة ثالثة بعيدة عن المبدء ظهرت فيها جهات الكثرات كلّها بحيث لا عدّ لها و لا حصر الاّ لبارئها و صانعها و لمن علّمه ايّاه ربّها فلمّا بعدت هذه الحقيقة الثالثة وجب ان لايدرك عددها و وجب

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 42 *»

ان يغلب عليها ظلمة الانيّة و وجب ان يظهر منها المعاصي و السيّئات بخلاف الحقيقة الثانية لانّها حيث كانت قريبة من المبدء و كان اوّل بدو ظهور الكثرة و اوّل نشو ظلمات المهيّة و حدودها ماصدر عنها الاّ ترك الاولي و اما الحقيقة الاولي المتشعبه باربعة عشر شعبة فتلك الحقيقة لمّا كانت واقعة في بحبوحة النور بل هم اصل النور و اصل الخير فلما كانت تلك الحقيقة المقدّسة عين النور و اصله لم‏يصدر عنهم ترك الاولي و لا مكروه من المكروهات بل المباحات.

ثمّ لمّا كانت هذه الحقايق الثلثة كل واحد منها قريباً من الاخري صار كل واحد منها علي صورة الحقيقة الاولي لانّ حقيقة الانبياء لمّا كانت حكاية عن الحقيقة المحمّدية و حقيقة الانسان من الرعايا لمّا كانت حكاية عن حقيقة الانبياء: صارت صورتهم علي صورة الانسان اذ صورة الانسان اشرف الصور و اكملها بخلاف المراتب الاخري من السلاسل الثمانية الطولية من حقيقة الجنّ و حقيقة الملك و حقيقة الحيوان و حقيقة النبات و حقيقة الجماد لبعد تلك الحقايق و المراتب عن الكمال الذي هو المبدء المتعال و لتمكّن الظلمة و استيلائها في تلك الحقايق البعيدة لغلبة شهواتها و انّياتها و ظهور خلاف الاستقامة فلمّا تمّت حقيقة الرعايا و كملت ظهر منها نور هو منشأ لحقيقة اخري و كذلك الحقيقة الرابعة لمّا تمت و كملت ظهر منها اثر ثمّ الحقيقة الخامسة بالنسبة الي السادسة و السادسة الي السابعة ثمّ هي الي الثامنة و بالجملة كلما بعدت الحقايق من السلسلة الطولية عن الحقيقة الاوّلية الاولي العليا ظهرت فيها جهات انّيات المهيّة و كثافات ظلمة الاعراض و برزت منها اثار جهة الادبار الي ان ال الامر في الادبار و الاعراض الي مقام لايري فيه نور ابداً كما ان الجمادات القاسقة لا نور فيها بوجه من الوجوه.

هذا الذي قلنا من المطالب في اثبات المراتب و اعدادها و نورانيتها و ظلمتها كلّها بدليل العقل المحض كما تري انّ العقل هو الحاكم بان كل ماكان اقرب الي المبدء كانت الكثرات فيه اقل كما فصّلنا اجمالاً من انّ البعيد بواسطة يكون متشعّباً بمأة الف و اربعة و عشرين الفاً و من انّ البعيد بواسطتين وجب ان لايكون له حصر في

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 43 *»

عدده لبعده عن المبدء و هكذا الي ان وصلت النوبة الي الجمادات التي ظهرت فيها جميع جهات الكثرات في الوانها و اعراضها و كمّها و كيفها و زمانها و مكانها و رتبتها و جهتها و اختلاف انواعها و اجناسها و اصنافها و اقسامها و اوضاعها و تشعّبها اكثر مما كان لما قبلها من الحقايق من النباتات و الحيوانات و الملك و الجن و الانس و الامام و النبي9 الا تري انّ المرءاة المقابلة للشاخص تنطبع فيها صورة واحدة ثم اذا قابلت تلك المرءاة بمرءاةٍ اخري تنطبع فيها صورتان و مرءاة ثمّ هكذا في الثالثة المتقابلة للثانية تظهر فيها ثلث صور و مرءاتان و هكذا في المرءاة الرابعة و الخامسة الي مالانهاية فافهم كيفية تكثّرات مراتب الموجودات الامكانية و تطوّرات نشأة الحدوث بامر من اللّه العزيز الحكيم.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 45 *»

 (الليلة الثانية‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

قلنا انّ الحقيقة المحمّدية كاملة لها اشعّة و انوار و لها شئون و اطوار و قلنا انّ السلسلة ظاهراً ثمانية و لكنّها في الحقيقة لا حصر لها فالثمانية و ماعداها بتمامها الي مالانهاية اطوار لتلك الحقيقة المقدّسة و هي واحدة قال تعالي يا احمد خلقلتك لاجلي و خلقت الاشياء لاجلك. و ماامرنا الاّ واحدة. فبهم ملأت سماءك و ارضك  يعني بنورهم و ظهورهم لابجسمهم في خطبة يوم الغدير ملأ الدهر قدسه ورد انّه تعالي لمّا خلق النبي محمّد بن عبداللّه عليه صلوات اللّه خرّ مغشيّاً عليه الف سنة فلمّا افاق من غشوته اوحي اللّه اليه فقال له يا احمد انت المراد و انت المريد و انت الحبيب و انت المحبوب اشارة الي انّ الخلق منحصر بذلك الخلق الشريف و هو9 لمّا كان كاملاً اذ هو الذي خَلَقه اللّه فعرف به اجمالاً بيان ذلك انّ اللّه تعالي قال في جواب داود النبي7 حيث سأله لِمَ خلقت الخلق قال تعالي كنت كنزاً مخفيّاً فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فحيث خلق محمّداً قبل العالمين جميعاً عرف به لكنّه معرفة اجمالية لاالتفصيلية ثم اراد ان يظهر تلك الكمالات المكنونة الغيبية في حقيقته قال له تعالي ادبر فادبر اذ المراتب من العقل الي الجسم ماحصلت الاّ بالادبار عن الحق الذي هو نفس الاقبال فلولا الادبار كانت الحقيقة فاقدة لاحكام الجسم و احواله و اوضاعه فلمّا تنزّلت في المراتب التي نعبّر عنها بالابحر العشرين و الحجب الاثني عشر من مراتب العقل و الروح و النفس و الطبيعة و المادة و المثال و الجسم و المشاعر فلمّا تنزّلت الحقيقة و وصلت الي التراب ماتت فيها مع انّها حصّلت مراتب و مقامات و حصلت لها البسة و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 46 *»

مراتب الباطن و باطن الباطن الي السبعة او اكثر و مراتب الظاهر و ظاهر الظاهر الي السبعة او اكثر فكلّما تنزّلت الي عالم غير الاوّل اختفي اثرها الذي كان قبل ذلك في المرتبة الاولي العليا و هكذا الاسفل فالاسفل الي ان مات في التراب و هذا الموت كما تري لابدّ ان يسبقه حيوة لبطلان الطفرة و لقوله تعالي و كيف تكفرون باللّه و كنتم امواتاً فاحياكم ثمّ انتم بشر تنتشرون و لا شكّ انّ الحيوة اشرف فهي مقدمة علي الموت فلمّا اراد هو سبحانه تعالي رجوعها الي ما منه بدئت و عودها الي بدوها خاطب اللّه اليه ان يا ايّها العقل اقبل فاخذ في الاقبال فاوّل ذلك الاقبال من مرتبة الجماد الي المعدن و النبات ثمّ الي الحيوان ثمّ الي الجنّ ثم الي الانسان كما انّ ادم ابالبشر7 قبله جنّ و قبل الجنّ حيوانات و قبلها نباتات و قبلها جمادات ورد انّ اسم نبي الجنّ يوسف بن يانان فلمّا اراد اللّه خلق هذا الادم جامعاً مملّكاً خلقه حقيقة كاملة صالحة لكلّ شي‏ء فقال لها ادبري الي جميع المراتب و المقامات فلمّا تمت المراتب و المقامات قال تعالي لها اقبلي فاقبلت و كان حينئذ الاخسّ مقدّماً علي الاشرف كما انّ في النزول كان الامر بالعكس فاخذ في الصعود من الجماد الي النبات ثمّ منه الي الحيوان ثمّ منه الي الانسان و هكذا الي الاعلي فالاعلي الي ان وصل الي المحل الذي نزل منه و نحن الان لسنا بصدد بيان كيفية النزول و الصعود و بيان المنازل و الاطوار و الشئون و الادوار لانّها بحث اخر.

و الحاصل لمّا كان العالم غلبت عليه البرودة و عدم النضج و الاعتدال الحاصل بالادبار عن المبدء المتعال احتيج الي واسطة من اولئك الاكابر من الانبياء الذين قلنا انّهم ثاني رتبة الحقيقة و قلنا انّهم يجب ان يكون عددهم مأة الف و اربعة و عشرون الفاً لما ذكرنا لكن هذه الواسطة يجب ان يكون من اواسطهم لا من اعاليهم و لا من اسافلهم اما من غير اعاليهم فلانّ بنية العالم كانت ضعيفة فلو ظهر احد من الاقوياء منهم لكان يحرق نوره ايّاهم فلم ينتفعوا منه و لا من اسافلهم لانّ شدّة البرودة تقتضي حرارة قويّة تدفعها فلذا امدّه الله تعالي باربعة و عشرين من الاسماء العظام ليكون متمكّناً من دفع البرودات و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 47 *»

الجهالات و اظهار الكمالات و العلوم و الاسرار و هذا الخلق الاول يجب ان يكون مخلوقاً من خمس و اربعين الحاصل من جمع الاحاد اي من الواحد الي التسعة و بعبارة اخري من جمع بيوتات المثلث و اضلاعه لانّ المثلث ابوالاشكال و اشرفها و كل شي‏ء مثلث و اما الدائرة فهي وجه من المثلث ثم انّ هذه الخمس و الاربعين يجب ان يستنطق منها احرف ثلثة حرف منها ما يدل علي انّه واحد و حرف منها ما يدل علي انّه مخلوق من العناصر الاربعة و حرف منها ما يدلّ علي انّه مخلوق من عشر قبضات و انّه مخمّرة طينته بيد اللّه اربعين صباحاً و ذلك بملاحظة الاربعة في العشرة فصار حرف الاوّل الالف و الثاني الدال و الثالث الميم فقدّمت الالف لانّها اوّل الاجمال و انّها هو حرف الوحدة ثم الدال لانّها اوّل التفصيل ثمّ الميم لانّها تفصيل التفصيل اذ الالف اصل للدال و الميم و هما تفصيلها فقيل ادم بالالف اللينية و لم‏يقل اَدم من غير الف اللينية اذ الالف المتحرّكة من اولادها و ان الالف اللينية من اصل الحروف و مادتها و انه 7 حيث كان مستمداً من الله و متوجهاً اليه تعالي كان الانسب الالف اللينية دون المتحرّكة.

ثم يجب ان يكون زوجته التي هي من سنخه التي تكون الفروع و النتايج كلها بنكاحه ايّاها من ضلع ذلك المثلث اذ الرجل خلقه اللّه من جزئين من العقل و جزء من النفس و المرأة خلقها الله تعالي من جزئين من النفس و جزء من العقل و ان ضلعاً واحداً من المثلث خمسة عشر يجب ان يكون اسمها حوّاء ثم هذا ادم و حواء بهما حصل هذه الفروع كلّها و منهما تشعّبت بل نقول كل اصل منه تتشعّب الفروع و كل اول منه تفرّع الاطوار و الشئون هو اسمه ادم و ذلك الاصل مسمّي بادم فنقول انّ الاصل الذي تشعّبت الفروع الطينية منه هو هذا ادم ابوالبشر المعروف و الذي تشعّبت منه العقول هو ادم العقلي و الذي تشعّب منه الحقايق هو ادم الافئدة و هو اصل لها و هكذا و لذا قال7 انا ادم الاول الاكبر الاعلي.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 49 *»

 (الليلة الرابعة‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

بعد ماذكرنا وجوب بعثة واحد من اواسط الانبياء دون اعاليهم و اكابرهم و دون ان‏يكون من اسافلهم و ذكرنا انّه لابدّ ان‏يكون من اوّل الخلق الانساني و ذكرنا انّه لابدّ ان يعطيه اللّه اربعة و عشرين اسماً من اسمائه تعالي لمئونة العالم لينتضجوا و ليصلح فسادهم فلمّا فرغنا عن هذا البيان اردنا ان نقول حيث اقتضت بنية العالم وجود ادم النبي اوّلا للاصلاح و الاهليّة و انّه لم‏يبق ابدالابدين و انّ الخلق لايكملون في زمانه لزيادة البرودة الحاصلة من الادبار عن اللّه سبحانه احتجنا الي بدله بعد رحلته من هذه الدار و خروجه الي دار القرار و هكذا الي ان تستأهل البنية و تتقوّي بتكرار هؤلاء الاكابر فلاجل ذلك صارت الشرايع ستّة و بيان الستّة يمرّ عليك فيما بعد في طي‏الكلام في انسب المقام و ان كان الامر بمعونة ما قال تعالي و ما امرنا الاّ واحدة  واضحاً الاّ انّ الاشارة الي الدليل يوجب النور.

فنقول الوحدة كمال في صنع الكامل دون الكثرة و قد عرفت بانّ كمال الصانع بكمال صنعه فوجب ان‏يكون صنعه واحداً و معني وحدة الصنع ان‏يكون امره في جميع خلقه متّسقاً منظّماً يعني ان‏يكون سلوكه و ايجاده بالنسبة الي جميع المخلوقات علي نهج واحد فماتري حينئذ في خلق‏الرحمن من تفاوت و معني انّ امره تعالي واحدة هو ان كلّ ما يقتضي ايجاد السموات و الارض يقتضي تلك الذرّة حرفاً بحرف و كلّما يقتضي الكل يقتضي البعض.

فاذا عرفت هذا نقول انّ اللّه جعل لهذا البدن اي لتحققه و تربيته و حصوله محلاّ مناسباً له و ذلك المحلّ هو الرحم من الام و لاريب انّ هذا الجسم

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 50 *»

من اوّل وقوع النطفة في الرحم الي اَوان بلوغه و صلاحيّته لولوج الروح انّما هو باطوار ستّة اذ النطفة لمّااستقرّت في الرحم يأتيها الملائكة المدبّرات فيدبرونها بالحرارة الغريزيّة التي هي يد للملائكة فيربّونها يوماً فيوماً الي تمام الاربعين حتّي يجعلونها اي تلك النطفة صالحة لاَِن يفاض عليها صورة اخري و هي صورة العلقة فلمّا استأهلت لصورة اخري و لبستها يذهب حينئذ حكم النطفة و جاء حكم العلقة ثمّ يربّيها الملائكة كالاوّل الاّ انّ هؤلاء الملائكة الذين كانوا يدبّرون النطفة غيرهؤلاء اذ المدبّرون للعلقة اقوي من المدبّرين للنطفة و هكذا الي ان استأهلت العلقة لافاضة صورة اخري و هي صورة المضغة فلمّا جاءت المضغة ذهبت العلقة و تغيّر حكمها لتغيّر الموضوع الي ان‏تكتسي العظام لحماً ثمّ ربّتها الطبيعة بقوّة الملائكة المدبّرات و اصل الطبيعة هي الحرارة الغريزيّة التي محلّها الدم الاصفر الذي في تجاويف القلب الصنوبري و ذلك الدم الاصفر محل الطبايع الاربع بما تقوّمت به من الاجزاء البخاريّة فانّها اي الاجزاء البخاريّة الحاملة للطبايع الاربع اربعة اقسام جزء ناري حارّ يابس و جزء هوائي حارّ رطب و جزءان مائيّان باردان رطبان و جزء ترابي بارد يابس فبحركة فلك القمر و طبعه ثمّ بمالحقته من طبايع الكواكب تلطّفت الاجزاء و تكلّست تكليساً صالحاً حتّي ساوت في اللطافة مع جوزهر فلك القمر فلمّا ساوته تعلّقت بها الروح الحيوانيّة المودوعة هناك من مجاورتها له و مشاركتها ايّاه في نوع التركيب و المقام و مساواتها له في النضج و الاعتدال المقتضي لتعلّق الحيوة الحيوانيّة الحسّية.

و بالجملة تدبير الملائكة بالطبيعة و بالملك ليس هذا هو نفس الطبيعة و لا نفس القوي و انّما الملائكة هم ذوات متأصّلة و انّهم حملة الفيوضات بين المشيّة و هذا الشي‏ء المستفيض فلايتوهّم متوهّم انّ الملائكة المدبّرات للنطفة هي بعينها الملائكة المدبّرات للعلقة و هكذا الي تمام الاطوار الستّة لانّ الملائكة ذوات ناقصة لاتقبل الكمال و لا ريب انّ الملائكة الذين جعلهم اللّه لتربية العلقة اقوي من الملائكة الذين هم لتربية النطفة بناء علي هذا يكون لكل

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 51 *»

طور ملك خاصّ بذلك الطور لاغير و هذه الروح الحيوانيّة هي المقصودة من هذه التطوّرات و لاريب انّ النطفة بنفسها وحدها لاتتمكّن من ظهور الروح و كيفية اتصال الروح و ولوجها في هذاالبدن بعد ما اكتست العظام لحماً و حصلت لها عروق و اعصاب و شريانات و اوردة مثل الجمرة المجعولة قريباً من الحطب كي‏يشتعل بتكليس النار ايّاه شيئاً فشيئاً فاذا عرفت ذلك علمت كيفية تعلّق الروح الحيوانية في هذاالبدن و هذا الروح هي المقصودة من هذه المقدّمات الخمسة بحيث لولا الروح لما كان للبدن فائدة و لا غاية فلمّا تمّت الخلقة و ولجت الروح يغذّيه اللّه تعالي ممّا اعدّه في الرحم من دم الحيض كما كان ذلك غذاءه من يوم النطفة فلاجل ذلك لاتحيض المرأة بعد ماحبلت.

ورد انّ رجلاً مات فجاء رجل فقصّ رأس الذي مات و قد وقعت في زمن المنصور الدوانيقي تحيّرت العلماء في حكم المسألة فالتجئوا الي ان‏جاءوا عند مولينا الصادق7 فطلبوا منه الحكم قال7 فاسألوها عن علمائكم قالوا انّا قد سألناهم انّهم لم‏يعرفوها قال7 حكمه انّ القاصّ عليه لاولياء المقتول مأة دينار تصرف كلّها للميّت فلمّا افتي الامام بها قالوا ياايّها الامام من اين له هذا الحكم قال7 ياقوم اليس اذا اسقط رجل نطفة اخر كان عليه لصاحب النطفة عشرون ديناراً ثمّ اليس اذا اسقط علقته عليه اربعون ديناراً اليس اذا اسقط مضغته عليه ستّون ديناراً اليس اذا اسقط عظامه عليه ثمانون اليس اذا اسقط العظام المكساة لحماً عليه مأة دينار كل ذلك حكم لمن لم‏تلجه الروح فهذا الميّت الذي قُصَّ رأسه حكمه حكم‏الجنين قبل الايلاج و اما قوله7 تصرف المأة للميّت لاللورثة فانّهم ليس لهم حق بوجه من الوجوه لاجل انّ الارث انّما ينتقل الي‏الورثة بعد خروج الروح لا مطلقاً فحيث لم‏يكن المقصوص رأسه حيّاً لم‏يكن للورثة فيها استحقاق و مايدلّ عليه تأييداً هو انّ الولد اذا خرج من بطن امّها حيّاً ولو في آنٍ‏مّا ثمّ مات فكان الارث من جهة الروح ولوجاً و خروجاً.

فاذا عرفت هذا البيان في معرفة تربية هذا البدن في الاطوار لولوج الروح الحيوانية التي هي المقصودة من تلك المقدّمات فاعلم انّ الروح

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 52 *»

الانسانيّة ايضاً يحتاج الي اطوار و مقدمات و اغذية كما احتاج البدن الي الاغذية في التربية و لاريب انّ الغذاء للروح الانساني ليس من هذا الاكل و الشرب الذي كان للبدن و انّما غذاؤه العلوم و الاعمال و لاريب انّ تربية البدن لايلاج الروح كان محتاجاً الي محل و هو الرحم كما زبرنا كذلك الروح الانساني يحتاج الي محل و ذلك المحل هو هذه الدنيا و هي بطن الام لظهور الروح الانسانيّة و كما انّ الروح الحيوانية كانت مسبوقة بتطوّرات خمسة كذلك الروح الانسانيّة لانّه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و كما انّ البذن كان محتاجاً الي مدبّر كذلك هذا البدن الانساني و هذا المدبّر هو النبي9 و ولوج الروح الانساني هوالمقصود لانّه ليس كلّ من علي صورة انسان هو انسان في‏الحقيقة كمااخبر عنه تعالي فقال ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشدّ قسوةً و المشبّه في الكتاب و السنّة عين المشبّه‏به كما برهنّا عليه غيرمرّة و ليس كلّ من علي صورة انسان هو انسان في الواقع لانّه قد يكون نباتاً قال7 نحن الناس و شيعتنا و باقي الناس غثاء و كذلك قال تعالي و اذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان‏يقولوا تسمع لقولهم كأنّهم خشب مسنّدة يحسبون كلّ صيحة عليهم هم العدوّ فاحذرهم قاتلهم اللّه انّي يؤفكون و قد تكون الصورة صورة انسان و هو في‏الواقع بهيمة من‏البهائم قال تعالي و لقد ذرأنا لجهنّم كثيراً من الجنّ و الانس لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم اذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضلّ اولئك هم‏الغافلون فلا كلّ من علي صورة الانسان انسان بل للانسان علامات و اداب و امارات في علمه و عمله و سلوكه و فهمه و هم قليلون قال7 الناس كلّهم بهائم الاّ المؤمن و المؤمن قليل و المؤمن قليل و في رواية المؤمنة اعزّ من المؤمن و المؤمن اعزّ من الكبريت الاحمر و هل رأي احد منكم الكبريت الاحمر قال تعالي و قليل ما هم. و قليل من عبادي الشكور.

و الحاصل ظهور الروح الانساني يحتاج الي مقدّمات و اطوار كالروح الحيواني فالروح الحيواني بمنزلة النطفة يدبّره المدبّرون و هم ادم و نوح و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 53 *»

ابراهيم و موسي و عيسي و محمّد9 فهؤلاء الخمسة كلّهم مقدّمات لايلاج الروح اي الشريعة السادسة و كلّهم لاستيهال الروح الحيواني لان يفاض عليهاالروح الانساني فيصير انساناً دون ان‏يكون حيواناً كما عن مولينا علي7 في معني الفلسفة في جواب اليهودي حيث قال من اعتدل طباعه صفي مزاجه و من صفي مزاجه قوي اثرالنفس فيه فقد دخل في باب الملكي الصوري و ليس له عن هذه‏الغاية مغيّر فصار موجوداً بماهو انسان دون ان‏يكون موجوداً بما هو حيوان و بالجملة صارت غاية الغايات و نهاية النهايات ولوج الروح الحيوانيّة القدسيّة اي الروح الانساني.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 55 *»

 (الليلة الخامسة‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

قلنا انّ الشرايع ستّة خمسة منها مقدّمات للسادسة بل للسابعة اذ الشي‏ء لايتمّ الاّ باطوار ستّة امّا في الانسان الكبير فالشرايع الستّة من آدم الي نبيّنا الخاتم محمّد بن عبداللّه9 و اما في الانسان الصغير فالنطفة و العلقة والمضغة والعظام ثمّ اكتساؤها لحماً ثمّ انشاء خلق اخر و هذه الستّة في الانسان الوسيط هي الماءالرقيق ذوالوجهين و الماء الابيض الغليظ و الماء الابيض الرقيق و الماء الاصفر و الماء الاحمر و الانفحة و هذه‏الستّة في‏الايّام يوم الاحد ثمّ الاثنين ثمّ الثلثاء ثمّ الاربعاء ثمّ الخميس ثمّ الجمعة و امّا يوم السبت فهو يوم الكمال و يوم ظهور الاثار فلمّا كانت الكينونات غيرناضجة من حيث برودة الادبار و القوس انّما كان قوس الصعود ظهر الاخسّ قبل الاشرف مع انّ الاصل للعالم هو الحقيقة المحمّديّة ثمّ الحقيقة العلويّة اذ هما اصلا كل اجمال و تفصيل اذ هما اصل الوجود من الغيب و الشهود بل و اصل كلّ شي‏ء.

والحقيقة المحمّديّة لها اطلاقان احدهما نطلقها فنريد منها الحقيقة الجامعة السارية الصادقة علي الكل اي علي الاربعه‏عشر قال7 اوّلنا محمّد و اخرنا محمّد و اوسطنا محمّد و كلّنا محمّد و ثانيهما نطلقها فنريد بها احد الاربعه‏عشر و كذلك الحقيقة الولويّة فانّه لها اطلاقان تارة نريد بها الحقيقة الثانية في‏الاثني‏عشر الصادقة علي‏الكل اذ كلّ واحد منهم ولي فتلك الحقيقة اي الولاية سارية في كلّهم كالحقيقة المحمّديّة و اخري نطلقها فنريد بها الاصل لاحدعشر: ولكن لمّا كان الخلق في قوس الادبار بعد ان ضعفت الكينونات و خرجت الحقائق عن النضج التامّ و الاعتدال العامّ القابل لها بحيث لم‏تتحمّل الفيوضات من المبدء الاوّل من غير واسطة والاّ

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 56 *»

لانعدمت الاتري في‏التجلّي الذي تجلّي سبحانه لموسي‏بن‏عمران7 مات بنواسرائيل من عدم الاعتدال و عدم القابليّة للنور الاعظم فلمّا لم‏يكن لهم تحمّل وجب وجود الواسطة كنون الوقاية الداخل في الافعال كي‏تحفظها عن الاشتباه و عن دخول الكسر فيها فكذلك هنا لانّه لمّا كان ذلك النيّرالاعظم صلّي‏اللّه عليه واله و سلّم في غاية التقدّس و التنزّه و الاشياء كانت في غاية الخساسة و التدنّس جاءت نون الوقاية لحفظ السافل عن الدثور و الانعدام ثمّ بهذا ينحفظ العالي عن المباشرة من دون واسطة فحكمه حكم المتعلّق اذاً كما قلنا انّ الاصل في عالم الاجسام هو العرش و الكرسي لانّهما بابان للفيوضات الاجماليّة و التفصيليّة لسائر الاجسام الواقعة بعدهما.

واعلم انّ العروش كثيرة منها العرش الجسماني و منها كما قال7 من زار الحسين7 بكربلا كمن زار اللّه في عرشه لانّ الحسين7 عرش‏اللّه و ان شئت قل ان هذه الارض التي هي مصرعه7 عرش اللّه لتجلّي تلك الحقيقة المقدّسة عليه فلمّا كانا8 هما اصلان للامدادات الجسمانيّة و كانت الجسمانيات السفليّة في غاية التدنّس و البعد بحيث لم‏يكن لها قابليّة الاستفاضة من دون واسطة جعل هو تعالي السموات السبع بين‏العرش و الكرسي و بين الكائنات السفليّة التي هي تحت فلك القمر واسطة كنون الوقاية ذلك حكمة من‏اللّه و رأفة لعباده.

فاذا عرفت ماقلنا من القاعدة الكلّية الشريفة السارية نقول انّ الشرايع ستّة كلّها مقدّمات للسابعة و تلك الشرايع نون الوقاية لظهور هذه الشريعة الباقية الغيرالفانية قال7  انّما خلقتم للبقاء لا للفناء و قال انّكم لاتموتون و انّما تنتقلون من دار الي دار و انّما صار حرف الوقاية النون دون حرف اخر من الحروف اذ هي نون «كن» و هي وحدتها فعليّة و كثرتها ذكريّة و حيث كان الفعل في‏الظاهر واحداً ناسبت وحدتها وحدة الفعل ثمّ ناسبت بكثرتها الذكريّة الظاهرة في‏المتعلّق بعد التعلّق به اختيرت النون دون غيرها من الحروف.

فان قلت انّ اللام هي ايضاً من حروف الكثرة فلماذا اخذوها للوقاية قلنا انّ اللام هي النون مع الالف في الكتابة و هي كثرتها فعليّة و وحدتها ذكريّة بعكس‏النون و ان كان

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 57 *»

حرف اللام حرف‏الوقاية ايضاً لكنّها للالف التي هي حرف من الحروف دون ان‏يكون وقاية للفعل لانّ الفعل وحدتها فعليّة يناسب ماكانت وحدتها كذلك فذلك لايكون الاّ النون ثمّ انّ الفعل كلمة انزجر لها العمق الاكبر و العمق الاكبر هو الامكان و الامكان هوالكثرة نفسها والحاصل النون كثرتها امكانيّة صلوحيّة كالصورة النوعيّة للصور الشخصيّة واللام كثرتها كونيّه تفصيليّة شخصيّة فافهم و اما قول النحاة بانّ النون للوقاية كما قالوا فهم لايفقهون سرّ تخصيصها بها و ان كانوا قالوا فيها وجوهات لكنّها غيرموجّهة و ذلك انّهم لم‏يحصّلوا ماحصّلوا من‏العلم من معدنه.

فلذا قال شيخنا اعلي‏اللّه مقامه و هو شيخ الكلام خذ ما رووا و دع ما رأوا اذ مايروونها رووها كما سمعوا و امّا مارأوا من‏المفاهيم و المعاني فكلّها من ميولات خيالاتهم و مشتهيات اوهامهم و هي غيرمطابقة للمرادات الالهيّة كما يظهر للمتتبّع فيها لانّ عجائب امورهم في العلوم و في تصرّفاتهم كثيرة غيرمحدودة فليس هيهنا محل ذكرها و ان كان الذكي الفطن يعرف اغاليطهم و خرابيطهم (كذا) من انحرافهم عن‏الحق اذ لو كانت علومهم مأخوذة من معدنها لماكانت تخالف اصلها حيث انّ العلوم كلّها صفة للحقيقة كما انّ القرءان كلّه في‏النقطة و النقطة هو مولينا علي7 حيث قال و اناالنقطة تحت الباء نعم كذلك قال تعالي والذين لايؤمنون بالاخرة جعلنا علي قلوبهم اكنّة ان‏يفقهوه و في اذانهم وقراً.

و بالجملة كان كلامنا في‏الشرايع الستّة في انّها مقدّمة و وقاية للشريعة السابعة لانّ شريعة نبيّنا محمّد9 اصل‏الشرايع و سرّها و لبّها نسبة شريعته9 الي تلك الشرايع نسبة الروح الي البدن فلولاالروح لا فايدة للبدن و هي شريعة لا نسخ لها ابداً قال7 انّما خلقتم للبقاء لا للفناء و هي اشرف الشرايع ظهرت في اخرالشرايع لما قلنا من انّ‏القوس قوس‏الصعود.

فان قلت علي‏هذا كان الموافق ان‏يظهر فاطمة3 اوّلاً ثمّ الائمّة الثمانية ثمّ القائم ثمّ الحسين ثمّ الحسن ثم علي ثمّ رسول‏اللّه9 يعني يظهر الانزل فالانزل الي اخرهم قلت كذلك الاّ اذا جاء المانع الذي يكون اقوي من المقتضي لانّا قد

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 58 *»

علمنا انّ شريعته9 لا نسخ لها و علمنا انّه مطاع و علمنا انّ الذي بعد الاوّل يكون تابعاً و علمنا انّ الاوصياء لايكونون اوصياء لمن هو اقدم منهم و لايضرّ تقديم النبي الذي هو الاصل في قولنا انّ القوس قوس الصعود لانّ مرادنا بالصعود بالنسبة الي‏النوع لابالنسبة الي الافراد الا تري انّ نوع الانس اشرف من الجنّ و انّه قد ظهر بعد الجنّ كادم 7 و امّا هذاالنوع اي نوع الانسان من الانبياء لابدّ ان‏يتقدّم افراده الاخس علي الاشرف فليس مشروطاً و لا مقصوداً و انّما المقصود تقديم نوع الاخس علي نوع الاشرف و ان كان من كمال المطابقة ملاحظة تقديم الافراد ايضاً الاّ انّه خولف هذا الكمال لاجل المصالح كما عرفت في نبيّنا محمّد بن عبداللّه صلّي‏اللّه عليه واله من كون المانع اقوي من المقتضي.

ثمّ انّا قد بيّنا مراراً انّ السلسلة علي ثلثة اقسام سلسلة صعوديّة  و سلسلة نزوليّة و سلسلة ظهوريّة فهذا الذي نحن بصدده كما اشرنا هي‏الثالثة يعني انّ نسبة ترتّب افراد النوع بعضها مع بعض ظهوريّة و امّا نفس النوع بالنسبة الي نوع اخر فصعوديّة و المراد بالصعوديّة تقدّم الاخس علي‏الاشرف اي السافل علي العالي كما انّ المراد بالنزوليّة تقدّم الاشرف العالي علي الاخس السافل.

و بالجملة هذه الشريعة لمّا كانت احسن الشرايع و اكملها ظهرت في اخرها قال تعالي اليوم اكملت لكم دينكم و هذه اشارة الي هذه النكتة الشريفة الخفيّة علي اغلب الناس بناءً علي هذا صارت الانبياء و شرايعهم واسطة لها و اليه ناظر تأويل قوله تعالي و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و ايّاماً امنين قال‏الباقر7 نحن القري المباركة و شيعتنا و حملة علومنا القري الظاهرة و لاريب انّ اوّل من كان من شيعتهم هم الانبياء و امّا نحن فشيعة الشيعة فلمّا كان بين الاصل و الفرع وسائط ستّة و هي الشرايع الستّة المذكورة و كان كلّ شريعة بعضاً منها بل كان كلّ منها يوماً و كان كلّ يوم عند ربّك كالف سنة ممّا تعدّون ظهر ذلك النور الاعظم9 في تمام اخر الالف السادس و اوّل ظهوره في ابتداء اوّل ظهور الالف السابع.

و هذا الظاهر لمّا كان اصلاً لكلّ شي‏ء و كان قطباً للوجود من

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 59 *»

الغيب و الشهود وجب ان‏يكون له اسمان اسم في السماء و اسم في‏الارض ليربّي بكل اسم مربّي ذلك الاسم سواء كان سماويّاً او ارضيّاً و هذان الاسمان كنايتان عن الموجودات كلها اذ السماء اشارة الي جهة المقبولات و القابليّات المجرّدة ام الماديّة المركبّة فكان اسمه في‏السماء احمد و في‏الارض محمّد9 و وجه‏التخصيص قد ذكرنا سابقاً فلانعيد و لمّا كان ظهوره في هذا العالم بالعبوديّة التي هي اصل الرسالة و ابوها و تلك العبوديّة للّه سبحانه وجب ان‏يكون اسم ابيه عَبداللّه و لمّا كانت المرأة مخلوقة من جزئين من النفس و كمال النفس الكاملة ان تكون امنة اي امنة من‏المعاصي و السيّئات كلّها بناءً علي‏هذا وجب ان‏يكون اسم امّه امنة و لمّا كان هو صلّي‏اللّه عليه واله اصلاً لكل شي‏ء من الموجودات و واسطة لكل الكائنات من الكليات و الجزئيّات مجرّداتها و مادّياتها غيبيّاتها و شهوديّاتها حتّي ابيه و امّه وجَب موت ابيه و امّه ليكون هو9يتيماً مستقلاً لايتّكل علي احد و لايتّبع احداً.

و لمّا كان هو9 اصل‏النبوّة و سرّ حملة الفيوضات باسرها و كان حامل النبوّة اي اعباء النبوّة العامّة التامّة الشاملة الكاملة الجامعة علي كاهله الشريف وجب ان‏يكون في‏الكاهل علامة منه و تلك العلامة هي المعروفة بخاتم النبوّة الذي كان نقشه في‏الحقيقة لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه و لمّا كان توجّهه9 دائماً الي‏اللّه ناظراً اليه بجهته الاعلي الاولي وجب ان‏يكون خاتم‏النبوّة علي كتفه الايمن لانّه الجهة الاقوي من جهتي الشي‏ء و ذلك الخاتم علامة النبوّة و ان كانت العلامات غيرمحصورة اذ النبوّة كانت ظاهرة من لسانه و يده و بيانه و تقريراته و احواله و اوضاعه و مشيه و قيامه و قعوده و ركوعه و سجوده و كلامه و من كلّ ما له و منه و به و عنه الاّ انّ خاتم‏النبوّة له شأن اخر و ثبات دون ما هو لسائر الجوارح و الاعضاء فافهم.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 61 *»

 (الليلة السادسة‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

انّا قد ذكرنا سابقاً انّ الشرايع الستّ لما كملت يجب ان‏يكون صاحب الشريعة السابعة هو هذا الكبير الاعظم و النور الاقدم الاقوم و وجب ان‏يكون ظهور هذه الشريعة بعد الالف السادس من ظهور ادم لانّ تمام الشي‏ء علي ما حقّقنا انه انّما يكون في ستّة ايّام و قلنا انّ كلّ يوم من ايّام الدهر كان في عالم الزمان الف سنة فاوّل ظهوره9 في اوّل الالف السابع.

و هذا الظاهر المعظم المكرّم يحب ان‏يكون له اسمان اسم لاهل الملكوت الاعلي و اسم لاهل الملك الادني و بعبارة اخري اسم عامّ و اسم خاصّ فالاسم العامّ هو كلّ خير بمعني انّ كلّ مسمّي بخير وجب ان‏يكون اسمه لهم: فيكون الصلوة اسمهم كما انّ عليّاً و محمّداً من اسمائهم و كما تقول انّهم يداللّه و جنب‏اللّه بمعني انّ اسمهم يداللّه و اسمهم جنب‏اللّه و اسمهم اذن‏اللّه و اسمهم قلب‏اللّه ثمّ روح‏اللّه و نفس‏اللّه و كلام‏اللّه و حجاب‏اللّه و دليل‏اللّه و نوراللّه و فيض‏اللّه و سرّاللّه و ستراللّه كما تقول انّه محمّد و علي و حسن و حسين و كما تقول اسمه عرش و كرسي و سماء و ارض و كوكب و زحل و مشتري و مريخ و شمس و زهرة و عطارد و قمر و كما انّهم اسمهم شجر و ثمر و جنّة و صلوة و زكوة و صوم و جهاد و مكّة و مني و زمزم و صفا و بلدالحرام و مسجدالحرام و ملك و كما انّ اسمهم : بحار و جبال و تلال و اسمهم ادم و نوح و ابراهيم و سليمان و ايّوب و داود و ذوالقرنين و خضر و الياس و موسي و عيسي و دانيال الي غيرذلك من اسمائهم من كلّ خير من‏الخيرات و النعم و كما انّ اسمهم نعمة اللّه و ان تعدّوا نعمة اللّه لاتحصوها.

واعلم انّ كل خير من‏الاسم او المسمّي فهو اسمهم: حينما

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 62 *»

خلقهم اللّه تعالي ولكنّ اللّه سبحانه اعار تلك الاسماء لمن دونهم ممّن حكي جهة من جهاتهم فهم: سبقوا كلّ احد في كلّ من الخيرات كلّها فلولم‏يكن اسم كلّ خير اسمهم لم‏يسبقوا هم ذلك الاسم و لا ذلك الشي‏ء الخير مع انّهم: حازوا الخيرات كلّها و سبقوا الكائنات فسبقوا كلّ شي‏ء لانّهم سبقوا في الوجود و اجابوا الداعي المعبود قبل كلّ مبروء و مذروء فيكون كلّ الخيرات بقضّها و قضيضها بهم تحقّقت و منهم برزت و من لديهم نشأت ثمّ تأصّلت ان ذكر الخير كنتم اوّله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه فلمّا كان اسمهم العامّ و رسمهم الشامل التمام ظاهراً في كلّ شي‏ء من البداية الي النهاية بكم فتح اللّه و بكم يختم ثبت انّهم ملأوا السموات و الارض و انّهم: وجه‏اللّه الذي فاينما تولّوا فثمّ وجه‏اللّه و ثبت انّهم: لا جهة لهم الاّ جهة اللّه اذ هم اية اللّه و دليله و باب‏اللّه و حجّته و حجاب‏اللّه و صراطه و كمال‏اللّه و نوره.

و قولي انّ كلّ مسمّي لخير يجب ان‏يكون اسمه لهم: مستند من وجوه اقرب الوجوه و اسهلها هو الذي انحطّت دونه الافهام و تحيّرت لديه الاحلام و عجزت عنده العقول و الاوهام و ذلك اثبات المناسبة الذاتيّة بين الاسم و المسمّي و هذا كان امراً ضروريّاً عند ائمّتنا: و عند اصحابهم معلوم ذلك لمن تتبّع الاخبار و جاس خلال تلك الديار فيري الامر بحيث لم‏يحتج في فهمه الي بيّنة و برهان ولكنّ الاصوليين من قلّة اطلاعهم و ضعف باعهم نسبوها الي عباد بن سليمان الصيمري مع انّ عباد واحد من القائلين بهذه‏المسألة و انّها ضروريّة عند الاصحاب في زمن الائمّة: بل عند المخالفين ايضاً منهم ورد انّه كان زنديق بمصر بلغه عن ابي‏عبداللّه7 اشياء فخرج الزنديق الي المدينة ليناظر الامام7 فلم‏يصادفه7 بها فقيل له انّ الصادق7 خارج الي مكّة قال هشام بن‏الحكم و نحن كنّا مع ابي‏عبداللّه7 فصادفنا الزنديق اذ نحن مع الصادق 7 في‏الطواف و قد كان اسم الزنديق عبدالملك و كنيته ابوعبداللّه فلمّا حضرنا الزنديق و قد رآنا في‏الطواف ضرب كتفه كتف ابي‏عبداللّه7 فتوجّه اليه ابوعبداللّه7 فقال له ما اسمك قال اسمي عبدالملك فقال7 و ما كنيتك قال

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 63 *»

كنيتي ابوعبداللّه فقال له ابوعبداللّه فمن هذا الملك الذي انت عبده اَمِنْ ملوك الارض ام من ملوك السماء ثمّ اخبرني عن ابنك انّه اَعَبْدُ اِلهِ السماء ام عَبْدُ اِلهِ الارض قل ماشئت تخصم قال هشام‏بن‏الحكم قلت للزنديق اَما تردّ عليه فقَبَّح قولي.الي اخره. انظر الي صراحة الحديث علي المدعي ثمّ التفت الي ان المخالف المخاصم لو وجد مذهباً ضعيفاً لتمسّك به لامحالة ولو بالنقل اذ الغريق يتشبّث بكلّ حشيش.

و من المخالفين القائلين بالمناسبة الذاتيّة هو عبداللّه الدَيصاني ورد انّه سأل هشام‏بن‏الحكم فقال له الك ربّ فقال بلي فقال اقادر هو قال نعم فقال يقدر الربّ ان‏يدخل الدنيا كلّها في‏البيضة لايكبّر البيضة و لاتصغر الدنيا قال هشام عَلَي بالنَظْرة الي ان سأل مولاه الصادق7 فاجاب عبداللّه الديصاني والحديث طويل الي ان قال جاء الديصاني الي الصادق7 فلمّا قعد لديه7 قال له يا جعفربن‏محمّد دُلّني علي معبودي قال له7 مااسمك فلمّا سمع الديصاني ذلك خرج من عنده7 و لم‏يخبره باسمه فقال له اصحابه لمَ لم‏تخبره باسمك قال لوكنت اقول له عبداللّه كان يردّ علي جعفربن‏محمّد فيقول من هذا الذي انت عبد له فقال اصحابه عُدْ اليه 7 فقل له دُلّني علي معبودي و لاتسأل عن‏اسمي فرجع اليه الحديث.

و انت عليم بانّه لا خفاء في دلالتها علي‏المدّعي لاسيّما قول اصحابه له عُدْ اليه فقل له دُلّني الخ اذ لولا هذا ظاهراً معروفاً عندهم لما صحّ سكوت عبداللّه و لا تقوّل قوله بهذا القول هاتان الروايتان ذكرهما الكليني في كتابه الكافي و غيره في غيره مع اعتضادهما بالادلّة العقليّة اذ لاريب في انّه تعالي هو الواضع و هو الحكيم و لاريب ان‏الوضع مع المناسبة اولي من دونها ثمّ انّه تعالي قادر لاعجز فيه عالم لاجهل له و انّه تعالي لم‏يكن لامره سادّ قطّ و لا لحكمه مانع ابداً فيفعل مايشاء و يحكم مايريد و لايترك الاولي واعلم انا قد افردنا لاثبات هذه المسألة الشريفة رسالة خاصّة و ذكرنا هناك الادلّة القطعيّة علي اثباتها من العقليّة و النقليّة فالمتتبّع في‏الاخبار و المتجسّس خلال

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 64 *»

تلك الديار يري الامر اوضح من النار في المنار بل انور من الشمس في رابعة النهار.

و من الادلّة في اثبات المسألة الشريفة العويصة هو انّه تعالي واضع الالفاظ و الاسماء مطلقاً حتّي الاعلام الشخصيّة لانّ امراللّه واحدة و ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و ما خلقكم و لا بعثكم الاّ كنفس واحدة. ولو كان من عند غيراللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فلا فرق اذاً بين الاعلام النوعيّة و الشخصيّة فلا معني لهذا الاختلاف و لا ثمرة له الاّ الخسران و لافائدة في هذا التقسيم بل انّما هي قسمة ضيزي اذ ورد انّ الاسماء تنزل من السماء و ورد في التنزيل من الربّ الجليل انّ الاعلام الشخصيّة واضعها هو اللّه تعالي قال تعالي و لم‏نجعل له من قبل سميّاً في تسمية يحيي‏بن‏زكريّا و اما قوله تعالي ان هي الاّ اسماء سمّيتموها انتم و اباؤكم ماانزل اللّه بها من سلطان و ذلك كما قالوا يعوق و يغوث و لات و عزّي و مناة الثالثة الاخري و غيرها فهذا توبيخ لهم لانّ التسمية من دون سلطانه تعالي ليس بشي‏ء فلايكون وضعهم وضعاً فعلي هذا لايكون الواضع الاّ اللّه وحده و علي هذا المشهور المنصور حيث قالوا بانّ اللّه هو الواضع الاّ انّهم اختلفوا في الاعلام الشخصيّة و انت عرفت ممّا ذكرنا اثبات كونها بوضع من‏اللّه تعالي بالاية و الرواية والعقل فلمّا كان الواضع هو اللّه تعالي نقول هل هو تعالي ارسل رسولاً الينا لتعليم اللغات ام انزل كتاباً فيه ذكر الاوضاع و الاسماء كالقاموس مثلاً ام بعث ملكاً كي‏يخبرنا به و لاريب بخبرتك انّ الثلثة لم‏تكن قطّ.

ثمّ اختلف الاصوليّون في كيفيّة وضعه تعالي بانّه تعالي هل علّم ادم الاسماء كلّها اوّلاً ثمّ علّم ادم7 ثانياً اولاده و هذا اضعف الاقوال في‏المسألة لانّا قد علمنا علماً بديهياً قطعيّاً بانّ اللغات و الاسماء في الازمنة و الايّام جميعها تتزايد و تنوجد علي مالم‏يكن قبل ذلك فهل هذه الزيادات في‏اللغات من باب خلق علم ضروري بمعني انّه يأتي الناس لغات عند فاقتهم يعني انّه سبحانه يخلق ذلك الاسم او الكلمة في ذلك الحين كما يعلّم هو سبحانه الصغيرالبكاء عند وقوعه علي الارض ام اللغات

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 65 *»

بالهام من اللّه في القلوب عند الحاجة اليها. نقول انّ هذا الخلاف لايضرّنا بشي‏ء ضرورة انّ الامر علي كلّ تقدير من التقديرات الثلثة لاينافي كونه تعالي واضعاً لها بل نقول هو المتعيّن ضرورة انّ الحادث لاينسب الاّ الي محدثه و الفرض ان المحدث تعالي واحد لا شريك له فيكون هو الواضع مطلقاً الاسماء تنزل من‏السماء.

فان قلت  كيف يكون المناسبة الذاتيّة ثابتة و نحن لاندركها ثمّ علي فرض الاثبات و الادراك يجب ان لايحتاج احد الي لغة من اللغات ثمّ يلزم من اثباتها ان لايكون للاسماء وضع اذ الوضع للنقيضين يدفع المناسبة.

قلنا امّا اوّلاً فانّا نعلم قطعاً و جزماً بانّ ادراك الشي‏ء غير اثبات الشي‏ء لانّا نثبت كثيراًمّا اشياء و لاندركها كما اثبتنا وجود الواجب ثمّ اثبتنا صفاته و برهنّا الامر بين‏الامرين و قرّرنا انّ للوضوء مناسبة واقعيّة مع الصلوة ولكنّا لاندركها و كما اثبتنا انّ الحسن و القبح عقليان و لاندركه و اثبتنا بانّ الشارع الحكيم تعالي لم‏يجعل هذه الاحكام والحدود عبثاً بل جعل لها مناسبات واقعيّة و حسناً واقعياً فاذا علمت المناسبة في شي‏ء فليكن هذا من ذاك و امّا انّ اثبات المناسبة مغنٍ عن الافتقار باللغة فلانّا قد اشرنا بانّ اثبات الشي‏ء غير فهمه و امّا ثالثاً انّ اثبات المناسبة مستلزم لقدم الوضع فباطل لانّا نقول انّ الالفاظ حادثة مؤلّفة من الحروف الهجائيّة فبناء علي هذا يحتاج الي الوضع قطعاً نعم لو قلنا انّ الالفاظ قديمة فذلك الحين لاتحتاج الي وضع ابداً.

و امّا رابعاً انّ الوضع للنقيضين يدفع المناسبة فهذا قول بارد و كلام لم‏يخرج من معدن التحقيق و لا من فكر صائب عميق و لا رأي مستقيم دقيق بل قائله ليس له في العلم ضرس قاطع و لا له في جهات الاشياء و اوضاعها تدرّب في‏الجملة، ضرورة انّ من البديهيّات الاوّلية هو انّ الامكان حادث باحداث اللّه سبحانه وحده لاشريك له و انت خبير بانّ الالفاظ من الحوادث ثم انت عليم بانّ الحادث لايوجد بسيطاً قطّ و انت عليم ايضاً ببديهتك بان كل شي‏ء من المجعولات انّما جعله صانعه مركّباً من العناصر الاربعة ثمّ عليم بانّ للشي‏ء جهات و اطوار و احوال و اوضاع و له عوالم لانهاية و لااقلّ ان كلّ ممكن زوج تركيبي و هذا القول ملأ الاصقاع و خرق الاسماع  فاذا ثبت هذا يكون الشي‏ء مناسباً بكلّ

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 66 *»

جهة شيئاً من النقيضين فلايلزم شي‏ء بحال من الاحوال كما انّ الشي‏ء الواحد حارّ باعتبار و بارد باعتبار و رطب باعتبار و يابس باعتبار و كلّ ذلك اعتبارات متأصّلة واقعيّة ذات اثار و احكام لمن له نظر و اسلام للّه الملك العلاّم فمن عرف هذا يفتح له الف الف باب من ابواب العلوم الغامضة من كليّاتها قال7 ذهب من ذهب الينا الي عيون صافية تجري بامراللّه لا نفاد لها.

فان قلت علي بيانكم هذا بانّ بين الاسم و المسمّي مناسبة ذاتيّة كما انّ بين اسم محمّد9 مناسبة ذاتيّة مع مسمّاه الشريف فما تقول بين اسم محمّدبن‏اشعث الملعون قاتل الحسين7 من المناسبة الذاتيّة مع انّ الحروف في الاسمين متّحد و هذا شي‏ء واضح لا خفاء فيه و لا حجاب.

قلت اعلم انّ الكتاب كتابان كتاب الابرار و كتاب الفجّار انّ كتاب‏الابرار لفي علّيّين و انّ كتاب‏الفجّار لفي سجّين والحروف الثمانية والعشرون ايضاً علي قسمين احدهما مكتوب في سجّين للكتاب السجّيني و ثانيهما مكتوب في علّيّين للكتاب العلّيّيني و كلا الحرفين في‏الصورة سواء كالماء و البول مشتبه عليك باعتبار الصورة كما في الانائين المشتبهين و ان كان الامر عنداللّه والراسخين في العلم معلوماً ولكن نحن علي ما كنّا فيه لانميّز بين الحروف الظلمانيّة و النورانيّة الاّ باعتبار المسمّي فان عرفنا المسمّي بانّه من اهل الخير والصلاح عرفنا انّ اسمه خير و نور و ان عرفنا عكسه فعكسه.

والحاصل كلامنا في اسمائهم: العامّ بمعني انّ كلّ اسم خير فهو اسمهم : اعاروه ذلك باعتبار الحكاية كما انّ الانبياء: اسماؤهم كانت من قبل ان‏يسمّوا بها للائمّة فاذا ماتوا ورثوها السلام علي وارث ادم صفوة اللّه الخ الا تري انّ في زيارة اميرالمؤمنين7 تقول و انت زائره7 السلام علي ادم صفوة اللّه السلام علي نوح نجي اللّه السلام علي ابراهيم خليل‏اللّه الخ فاذا كانت الاسماء المسلَّم عليهم اسماء للانبياء اقول اليس من سوءالادب انّ الزائر لمثل اميرالمؤمنين7 و هو بمحضره و انّه يريد زيارته فيعرض في تلك الحالة و يلتفت الي من دونه من شيعته فيخاطب الانبياء و يسلّم عليهم نعم ليس من الادب ان‏يلتفت الزائر الي

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 67 *»

غير المزور لاسيّما اذا كان مثل علي اميرالمؤمنين7فيكون المطلوب من فقرات الزيارة هو7 كيف لا و قد شرح ذلك في خبر اخر بقوله انا ادم الاوّل انا نوح الاوّل انا ابراهيم انا ذوالقرنين و هكذا فعلي هذا كانوا هم الوارثون كما قال تعالي نحن نرث الارض و من عليها.

و بالجملة كما كان اسمهم محمّد و علي و حسن و حسين الي غيرذلك من اسمائهم المعروفة كذلك اسمهم صلوة قال انا الصلوة لا انّ هذه الاركان المخصوصة هم: بل الصلوة اسمهم و المراد بالصلوة الولاية قال7 الصلوة عمود الدين اذا قبلت قبل ماسواها و ان ردّت ردّ ماسواها و لا ريب انّ الاحباط ليس من مذهبنا لقوله تعالي فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره و كيف يكون ذلك متصوّراً و ان الرب تعالي عادل فلو اريد بهذه الصلوة، الصلوة التي هي ذات الاركان المعروفة يلزم الجبر و الظلم علي‏اللّه تعالي و ذلك كيف يعقل في شأن العدل بانّه تعالي لايقبل الزكوة من المزكّي بعلّة كون صلوته اي الاركان المخصوصة مردودة و كذلك ردّ حجّه الصحيح و صومه المقبول و اعماله المرضيّة اذ ردّ هذه الاعمال بفساد الصلوة خلاف العدالة و خلاف العدل ظلم و هو تعالي عن ذلك علوّاً كبيراً.

بناء علي ماذكرنا لايكون المراد من‏الصلوة التي هي موجبة لصحّة الاعمال و قبولها و ردّها الاّ الولاية التي اذا فقدت عدمت الاعمال و حبطت قال تعالي و من يكفر بالايمان فقد حبط عمله و اولئك في‏الاخرة هم الخاسرون و المراد بالايمان هو علي7 و لذا تري زبرالايمان مطابقاً لبيّنات اسم علي كما انّ زبر الاسلام يطابق لبيّنات اسم محمّد و ذلك لانّ نسبة البيّنات الي الزبر نسبة الصفة الي الموصوف قال بالفارسي:

كردي چو حساب اسم اللّه تمام   بر گوي محمّد و علي گير مقام
از بيّنه اسم علي ايمان جوي   و از بيّنه اسم محمّد اسلام

فهو7 ايمان لايحبط عمل الاّ بالكفران به و قدمنا الي ماعملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً فالاقرار بالولاية من اصعب الاعمال و لذا قال تعالي و استعينوا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 68 *»

 بالصبر و الصلوة و انّها لكبيرة الاّ علي الخاشعين الذين يظنّنون انّهم ملاقوا ربّهم قال7الصبر رسول اللّه و الصلوة اقامة ولايتي فهو7 صلوة و صراط و ميزان لانّ الواقف عليه كالواقف علي ما هو احدّ من السيف فمنهم من يمرّ عليه كالبرق الخاطف و منهم من يمرّ عليه كالفرس الجواد و منهم من يمرّ عليه حبواً يأخذ منه النار شيئاً و يترك شيئاً حتّي يمرّ منه بهذه‏الحالة.

و امّا قوله تعالي و لاتقربوا الصلوة و انتم سكاري فالمراد منه انّكم لاتقربوا اليها و انتم غافلون عن‏اللّه تعالي بفضيلة محمّدبن‏عبداللّه9 و انتم متكبّرون في فضله غيرمصدّقين بمقامه و درجته.

والحاصل قال7 انّ‏اللّه خلقنا من طينة مخزونة تحت‏العرش ثمّ جعل من فروعنا كل خير و كنّي عن اسمائنا في‏القرءان بكل خير فنحن الصلوة و نحن الزكوة و نحن مكّة و مني و نحن زمزم و الصفا و نحن بيت‏الحرام و نحن مسجدالحرام و نحن الشهرالحرام الي غيرذلك مما في‏الخبر و هذا النوع من اسمائهم: هي اسماؤهم العامّة و امّا اسمهم الخاصّ فسأتلوه عليكم في‏الليلة الاتية بمحمّد و اله و شيعته.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 69 *»

 (الليلة السابعة‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

لمّا ذكرنا و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه انّ بين الاسم و المسمّي مناسبة ذاتيّة بالدليل الواضح و البيان اللائح و قلنا انّ كلّ مسمّي خير اسمهم: نقول انّ الاسم قسمان اسم عام و اسم خاص و كل واحد منهما لفظي و معنوي فامّا الاسم اللفظي العام فقد ذكرناه البارحة فقلنا انّ اسمهم محمّد و علي و اسمهم الجنّة و السموات و الكواكب و النجوم و الشمس و القمر ثمّ يداللّه و عين‏اللّه و جنب‏اللّه و اذن‏اللّه و جلال‏اللّه و جمال‏اللّه و ستراللّه و سرّاللّه و حجاب‏اللّه و امراللّه و كلمة اللّه و حكم‏اللّه و كمال‏اللّه و عرش‏اللّه ثم الصوم و الصلوة و الحج و الزكوة و غيرها لانّهم: مبدء الوجود و اصل الموجودات و اوّل المجعولات فجمع فيهم جميع الخيرات بل و منهم نشأت و عنهم برزت لانّهم اصل الخير و معدن الحق اشهد انّ الحقّ معكم و منكم و فيكم و اليكم فما يشذّ منهم: خير ابداً و لا سبقهم سابق فلوسُبِقوا:بشي‏ء من الكمالات لما كانوا سبقوا الخلق مع انّ كونهم اوّل خلق اللّه ضروري و الطفرة باطلة فحازوا جميع المحاسن و الخيرات كلّها من دون استثناء.

لايتوهمنّ متوهم في انّ هذه الزكوة هي هم: اذ هذا توهم باطل و انّما المراد بها انّه كما كان محمّد اسمه كانت الزكوة اسمه.

فاذا عرفت ذلك فقد عرفت انّه9 مسمّي كلّ خير و علمت انّ الاسماء المستعملة في غيرهم: عارية منهم:حتّي انّ ادم و نوح و ابراهيم و موسي و عيسي اسماؤهم: لانّ المراد من ادم علي مابيّنا سابقاً هو انّه كل اصل تشعّب منه فروع فهو ادم و انت خبير بانّ جميع الفروع في العالم ليست الاّ انّها متشعّبة منهم: فهم: اولي بهذا الاسم و هذا المعني فيهم اعظم و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 70 *»

اعظم و اما نوح فسمّي به لكثرة نوحه و خضوعه للّه و خشوعه له و لا ريب انّهم:في هذا المعني اعظم و اعظم و اما ابراهيم فانّه انّما سمّي به لانّه بَرَّ و هيمَ في معرفة اللّه سبحانه و انت تعلم بانّ هذا المعني في ائمّتنا: اكثر و اكثر لانّ معرفتهم: اكثر من ابراهيم فيكون هيامهم و برّهم اكثر و قد كان نبيّنا هو البرّ الرءوف العطوف قال تعالي و لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتّم بالمؤمنين رءوف رحيم.

و انّما سمّي موسي به لانّ «مو» هو الماء و «سي» هو الشجر و ذلك انّه حيث كان موسي في تابوت يمشي علي وجه النيل الي ان وصل الي اشجار هي قبال قصر فرعون فامر باخذه فحيث وجد في الماء و الشجر سمّي به و اما هذا الاسم بالنسبة الي نبيّنا محمّد صلّي‏اللّه عليه و اله فهو حقيقة لانّه9 هو الماء الذي به حيوة كلّ شي‏ء و انّه هو الشجرة المباركة شجرة المزن و شجرة طوبي التي اصلها في دار علي7 و فروعها في دور الجنّة ليس بيت الاّ و فيه غصن من تلك الشجرة و اما اعداؤهم فهم شجرة الزقّوم طعام الاثيم طلعها كأنّه رؤس الشياطين فهم عليهم السلام القري و القرية و المدينة اذ ورد عن سيّدنا الباقر7 نحن القري المباركة و شيعتنا القري الظاهرة للسير الي القري المباركة كما في تفسير قوله تعالي و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و ايّاماً امنين و قال9انا مدينة العلم و علي بابها و اعداؤهم القري الهالكة.

ثمّ من اسمائهم الشمس شمس الهداية و اما اعداؤهم فشمس الضلالة قال تعالي الشمس و القمر بحسبان  نزولها بعد قول النبي9 انّ الاوّل شمس هذه الامّة و الثاني قمرها و حسبان وادٍ من جهنّم و ان اردت من الشمس و القمر المعروفين اللذَينِ يسبحان في الفلك فالمراد بحسبان حينئذ الحساب قال تعالي و جعلنا الشمس و القمر ايتين لتعلموا عدد السنين و الحساب فتسمية الاوّل و الثاني بالشمس و القمر من باب تسمية الاعمي بالبصير و من باب تسمية الملدوغ بالسليم و من باب قولهم «برعكس نهند نام زنگي كافور». ورد انّ الشمس و القمر يؤخذ نورهما فيحشران علي صورة العجل فيدخلان جهنّم

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 71 *»

لانّهما عُبدا من دون‏اللّه و اما انّهما ليسا هذين المعروفين السابحين في الفلك و انّما هما الاوّل و الثاني لقول السجّاد7 كما في‏الصحيفة ايّها الخلق المطيع الدائب السريع المتردد في منازل التقدير المتصرف في فلك التدبير امنت بمن نوّر بك الظلم و اوضح بك البُهم و جعلك اية من ايات ملكه و علامة من علامات سلطانه. الي ان قال في كل ذلك انت له مطيع و الي ارادته سريع و لاريب انّ تعيّش الموجودات السفليّة و استمداداتها منهما فكيف يعقل دخولهما في نار جهنّم مع ماسمعت من الاطاعة و العبوديّة فيكون المراد بالشمس و القمر المخلّدين هما المشاراليهما انفاً لانّهما عُبِدا من دون‏اللّه قال7 من اصغي الي ناطق فقد عبده ان كان الناطق عن‏اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان.

و بالجملة كان كلامنا في الاسم العام لهم: فنقول كلّ مسمّي خير اسمه خير فكان حروف اسمه من علّيين و كل مسمّي شرّ اسمه شرّ و كان حروف اسمه من سجّين و قد يتشابه الاسمان اسم الخير و اسم الشرّ و ذلك في صورة الصورة كمحمّد لمحمّد بن عبداللّه9 و لمحمّد بن اشعث الملعون و قد اخبر تعالي عن ذلك حيث قال في سورة ابراهيم الم تر كيف ضرب اللّه مثلاً كلمة طيّبة كشجرة طيّبة اصلها ثابت و فرعها في السماء  و قال  و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثّت من فوق الارض مالها من قرار و قال تعالي انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً و مما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله كذلك يضرب اللّه الحق و الباطل فامّا الزبد فيذهب جفاءً و امّا ماينفع الناس فيمكث في الارض كذلك يضرب اللّه الامثال فهذه الاسماء الخبيثة صورة تشابه صورة الاسماء الطيّبة الاّ انّها من سجّين كلاّ انّ كتاب الفجّار لفي سجّين نعرفهابمسمّياتها فان كان المسمّي خيراً فالاسم خير و ان كان شرّاً فالاسم شرّ.

و بالجملة انّ الاسماء كلّها طيّباتها اسماء لهم اوّلاً ثمّ لمّا حكت الاشياء وجهاً من وجوههم من الكمالات التي هي لهم: استعير لهم اسم مناسب

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 72 *»

للحكاية فسمّوهم به من باب الحقيقة بعد الحقيقة لا من باب الحقيقة و المجاز و لا من باب النقل و الارتجال و لا من باب الاشتراك اللفظي لان الاصوليين قسّموا الالفاظ الي اقسام ستّة لم يكن الحقيقة بعد الحقيقة منها بل انّما هو من قسم اخر وايضاً انّ الاصوليين لم يصرّحوا بانّ الاقسام منحصرة في الستة لا غير بحيث يكون اكثر منها باطلاً نعم غاية ما في الباب انّهم لم يجدوا الاّ الستّة المعروفة عندهم و يؤيّد ماقلنا ما ذكره السيد في المفاتيح في بيان الوضع العام و الموضوع له الخاص حيث قال انّ هذا القسم ليس من الاقسام الستة المعروفة و انّما هو قسم اخر و لادليل علي منع هذا القسم و ايضاً لا دليل علي حصر الاقسام في الستّة انتهي كلامه.

و اما نحن فقد قلنا انّ هذا القسم باطل رأساً لانّا لمّا اثبتنا انّ الواضع هو اللّه و اثبتنا انّه تعالي حكيم قادر علي لحاظ كل فرد فرد عليحدة عند الوضع قلنا انّ هذا القسم انّما اثبتوه لتعليلهم بانّ الواضع لمّا لم‏يكن متمكّناً من ملاحظة كل فرد فرد لاحظ امراً كليّاً جامعاً لجميع الافراد ثمّ وضع اللفظ بازائة نعم انّ هذا انّما يصحّ اذا كان الواضع هو الخلق و امّا اذا كان الواضع هو اللّه و كان قادراً علي الملاحظة علي كمال ماينبغي فليأت به انّ ربّي علي كلّ شي‏ء قدير فلمّا ابطلنا هذا القسم اثبتنا محله الذي هم نفوه و هو هذا الذي سمّيناه بالحقيقة بعد الحقيقة و هو الوضع الخاص و الموضوع له العام و هناك قسمان اخران صحيحان هما الوضع الخاص و الموضوع له العام و الوضع الخاص و الموضوع له الخاص و اما هذا القسم الذي نفوه و نحن اثبتناه فهذا قد عرفناه بالكتاب و السنّة و فحوي كلماتهم: ثمّ بالعقل المستنير و بالافاق و اثبات الشي‏ء لاينفي ماعداه بمعني انّ اتيانهم دون هذا القسم لايدلّ علي بطلان هذا القسم كم ترك الاوّل للاخر.

و امّا قولنا انّ الحقيقة الثانية عارية اسمها و اطلاقها عليها حقيقة فلانّ علامة الحقيقة موجودة و هي عدم صحّة السلب مثاله النور فانّه اسم للمنير و للشعاع فاطلاقه علي كل واحد منهما حقيقة لعدم السلب الذي وجوده دليل علي المجاز فلايجوز لك ان تقول انّ الشعاع ليس بنور. مثال اخر نقول انّ اليد في قوله بل يداه مبسوطتان اسم للقدرة حقيقة حيث انّ اثبات الجارحة للّه تعالي

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 73 *»

باطل و اطلاقها علي الجارحة حقيقة لعدم صحّة السلب منها. مثال اخر نقول انّ الصلوة اسم للحقيقة المحمّديّة اوّلاً حقيقة ثمّ في الاركان المخصوصة من باب الحقيقة بعد الحقيقة فان قلت كيف يكون الصلوة اسمهم: مع انّه قد ورد عنهم: انّ الصلوة مايفتتح بالتكبير ثمّ يختتم بالتسليم قلت انّ هذا هو الذي نريد من معني الصلوة لانّهم: لولا تريهم كبيراً اكبر من كل شي‏ء بل اكبر من ان يوصف كيف تسلّم لهم فالتسليم موقوف علي معرفة انّهم اكبر من كل شي‏ء فاذا عرفتهم : كذلك فقد صلّيت و بالجملة جميع الاسماء اسم لهم ان ذكر الخير كنتم اوّله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه لايقال انّ الفرع المراد به هو الشعاع المنفصل لانّ المراد بالفرع هيهنا هو الفرع المتصل كالاغصان من الشجرة.

فان قلت بناء علي ما قلت انّ كلّ اسم اوّلاً اسمهم: فما تقول في قوله تعالي و لم نجعل له من قبل سميّاً يعني انّه ما وضع هذا الاسم لاحد قبل يحيي و هذا صريح بظاهره انّ يحيي لم‏يكن اسماً لهم:. قلنا انّ المراد بالسمي هو الذي يتّحد مع سميّه في الوجود و الحقيقة و لا ريب انّ يحيي من شعاعهم: فلم‏يكن في رتبتهم ليكون سميّاً معهم:لانّ الشعاع عدم عند المنير انعداماً صرفاً و ليساً بحتاً و الشعاع من المنير و انّ الاثر لايتّحد وجوده مع وجود مؤثّره بحال من الاحوال حتّي يقال انّه سمي له كما تقول انا عالم و تقول اللّه عالم و لاريب انّ علمك لم‏يكن علمه تعالي و لايقال ايضاً انّك سمي للّه سبحانه و كذلك الكريم المعطي في اللّه و فيك. فاذا عرفت ذلك هنا فاعلم انّ يحيي بالنسبة اليهم علامة لانّهم ادلاّء علي اللّه تعالي في كلّ حال و هم: اية اللّه في مقاماتهم كلّها فلمّا عرفنا انه7 لم‏يكن له سمي علمنا انّه تعالي ليس له سمي ايضاً فافهم و اغتنم.

ثمّ نقول انّ الضرورة من المسلمين قاضية بانّ اوّل خلق اللّه هو محمّد بن عبداللّه صلّي‏اللّه عليه و اله فاذا كان اوّل خلق اللّه لايشذّ منه خير و لا كمال في حال من الاحوال فلمّا حاز الخيرات و سبق الكمالات صار الخلق من اشعة نوره يا ايّها النبي انّا ارسلناك شاهداً و مبشّراً و نذيراً و داعياً الي اللّه باذنه و سراجاً منيراً فاذا لم‏يكن السراجية

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 74 *»

منحصرة فيه لما كان هذا فخراً له و لا كان امتناناً عليه فلمّا كان هو9 منيراً صار الخلق كلّهم نوره و شعاعه ولكنّه استثني من الخلق اناساً منهم نفسه9 و منهم ذرّية ذلك النفس ذرّية بعضها من بعض لانّ الولد جزء الوالد و الوالد كان نفس النبي9 فصار كلّهم سراجاً وهّاجاً فلمّا كان الامكان نوراً له9 يكون النور دالاًّ علي المنير لانّ الشعاع هو الاثر فيكون هو من فاضل انواره و اشراقات اثاره و من عكوسات كمالاته.

و الدليل علي كون محمّد بن عبداللّه9 اوّل الخلق من القرءان المجيد كثير منه قوله تعالي ما كان محمّد ابا احد من رجالكم ولكن رسول اللّه و خاتم النبيين لانّ الخاتم هو الفاتح والاّ لم‏يكن خاتماً حيث انّا ذكرنا انّ السلسلة سلسلة الصعود فلمّا كانت السلسلة صعودية لايكون الخاتم الاّ الفاتح اذ الصعود صعود من الاخسّ الي الاشرف الذي نزل منه كما بدءكم تعودون فلولم‏يكن هو9 خاتماً علي الحقيقة كان الخاتم غيره اعلي منه و الحاصل كل شي‏ء هو اسمهم فهذه الانوار من السراج مثلاً كلّها اسماء معنوية مسمّي للاسماء اللفظيّة و كلّ نور مبدء اشتقاق اسم للمنير يعني اسم النور اسم لفظي و نفس النور الذي هو المسمّي للاسم اللفظي هو اسم معنوي فلمّا عرفت انّ العالم باسره اسماؤهم قل فما احلي اسماءكم و الحاصل انّ الاسماء الطيبة كلّها للمنير و هي اسماء لفظيّة و هذه الانوار التي هي مسمّيات للاسماء هي اسماء معنويّة للمنير هذا اسمهم العام بكلا قسميه من اللفظي و المعنوي بقي لنا بيان اسمهم الخاص بقسميه سنبيّنه ان‏شاءاللّه.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 75 *»

 (الليلة الثامنة‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

سأل سائل قابل ما وجه تسمية عيسي بعيسي7 كما ذكرتم في موسي و ماعداه؟ فاجاب (روحي فداه):

انّا ماوقفنا عليه بنصّ خاصّ من المعصوم و ان كان في النفس شي‏ء لكن لانتكلّم مما علمنا من‏العلوم الاّ اذا وجدنا حديثاً منهم: عامّاً او خاصّاً و لقد سمعت عن مولينا الشيخ قال رأيت الرضا7 في المنام فقلت له يا سيّدي انّي اجد اشياء ظاهرة كالشمس في رابعة النهار و ما اري هناك حديثاً ظاهراً منكم اتكلّم بذلك الذي وجدته ام لا ؟ قال قال7 انّي لا احبّ ابرازه و التكلّم به الاّ بعد ورود النصوص بالعموم او الخصوص و كذلك نحن في وجه تسمية عيسي7.

و اما الاسم الخاص اللفظي فهو المصدر و المشتق و الصفة المشبّهة كالحمد و الحامد و الحميد و محمّد و قلنا انّ الالف اذا كرّرتها حصل الدال و اذا كرّرت الدال حصل الحاء و اذا كرّرت الحاء خمس مرّات حصل الميم فصار حمد ثمّ بزيادة ميم اخري في مقابلة عالم الشهادة صار محمّد و بزيادة الاصل اي الالف فصار احمد علي التفصيل الذي ذكرنا سابقاً. و لمّا كان مقامه مقام الجمع و الايتلاف صار يومه يوم الجمعة و المراد بجامعيته هي النبوّة و الولاية لانّه9 نبي و ولي و لمّا كان هو صاحب الجمع صارت حروف اسمه مربعاً اذ الحاء و الميم و الدال كلّ واحد منها له ربع و بعبارة اخري انّه9 حيث كان صاحب الشكل المربّع و كان بين الاسم و المسمّي مناسبة ذاتيّة وجب ان يكون اسمه مربّعاً اي اربعة احرف و يكون مادة اسمه حروفاً مربّعة امّا الدال فلمّا كان

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 76 *»

اوّل الشكل و مبدأه في‏الحروف ظهر في اخر اسمه الذي هو الاوّل في عالم الغيب فلمّا تكرّرت الدال كانت الحاء و تكرار الدال اشارة الي نزوله من عالم اللانهاية الي عالم النهاية ثمّ الحاء تكرّرت خمس مرات ظهرت الميم و هي اشارة الي اطوار نزوله في عالم النهاية من عالم العقل المرتفع الي العقل المستوي الي العقل المنخفض الي الروح الي النفس و لمّا كان الدال تكرار الباء و هي تكرار الالف الذي هو المبدء و كان هذا الاصل الاقدم و النور الاعظم هو مبدء الكل فمقتضي المناسبة الذاتيّة ان يأتوا بالالف الذي هو المبدء ثمّ يجعلوا في مبدء اسمه ليحكي كونه9 هو المبدء فسمّي احمد و هذا هو اسمه الشريف في الملكوت الاعلي لكون اهله اقرب الي المبدء من الملك الاسفل. و امّا اهل الاجسام و خاصّة اهل الارض فزيد لهم الميم لبيان نزوله من عالم الملكوت الي ذلك العالم بعد خمسة عوالم و هي تكرار الحاء في عالم النفس و عالم الطبيعة و عالم المواد و عالم المثال و عالم الجسم ثمّ شدّد الميم الثاني لبيان اتصال عالم الغيب و عالم الشهادة فالميم الاوّل لبيان عالم الشهادة كما انّ الثاني لبيان عالم الغيب فلمّا كان مقامه9 مقام المحبّة و المودّة و التأليف و الايتلاف صار كوكبه كوكب الزهرة لانّه كوكب المحبّة و الايتلاف هذا اسمه الخاص اللفظي.

و امّا اسمه المعنوي الخاصّ فلاابرزها لاحد من الناس ابداً.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 77 *»

 (الليلة العشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

لمّا ذكرنا انّ بين الاسم و المسمّي مناسبة ذاتيّة و قلنا انّ كلّ مسمّي خير فهو اسمهم: اردنا ان نقول انّه لمّا كان نبيّنا9 هو المتبوع في العوالم و انّ تربية العوالم بالاسماء و انّ العوالم باعتبار النوع عالمان وجب ان يكون له اسمان اسم لاهل الملكوت الاعلي و اسم لاهل الملك الاسفل يعني اسم لاهل السموات و اسم لاهل الارضين. فالاوّلون يدعونه باحمد و الاخرون بمحمّد9 و مادّة الاسمين واحدة و هي الحاء و الميم و الدال و التفاوت انّما هي في الملحقات و مادة اسمه الشريف التربيع و هو شكل الايتلاف و المحبّة و الاجتماع فلمّا كانت مادة اسمه التربيع وجب ان يكون نكاح النساء في حقّة9 ان لايكون له حدّ معيّن كما لغيره9 لما ذكرنا من شدّة الودّ و الحبّ و الايتلاف في مزاجه الشريف فلايكون له جهة منافرة فلمّا كان له الايتلاف و المحبّة و الاجتماع كان يومه يوم الجمعة و كوكبه الزهرة.

و لمّا كان هو صاحب شكل المربّع و كان بين الاسم و المسمّي مناسبة ذاتيّة وجب ان يكون اسمه الشريف رباعيّاً اي اربعة احرف كما كان مادة حروفه مربعّة و الدال لمّا كان اوّل الشكل و مبدأه في الحروف ظهر في اخر اسمه الذي هو اوّل في عالم الغيب فلمّا تكرّرت الدال كانت الحاء ثمّ تكرّرت الحاء خمس مرّات ظهرت الميم التي هي اشارة الي اطوار تنزّله من العقل المرتفع الي العقل المستوي الي العقل المنخفض الي الروح الي النفس و لمّا كان الدال تكرّر الالف بواسطة الباء الذي هو المبدء و كان هو9 مبدء الكل فمقتضي المناسبة الذاتيّة ان يأتوا بالالف الذي هو المبدء و انّما جعل في مبدء اسمه دلالة علي

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 78 *»

انّه9 هو المبدء فسمّي احمد و هذا اسمه الشريف في الملكوت الاعلي.

و اما اهل الملكوت الاسفل اي اهل عالم الاجسام و الارض فزيد لهم الميم لبيان نزوله9 من عالم الملكوت الي ذلك العالم بعد خمسة عوالم و هي تكرار الحاء في عالم النفس و عالم الطبيعة و عالم المواد و عالم المثال و عالم الاجسام و شدّ الميم الثاني لبيان اتصال عالم الغيب و عالم الشهادة فالميم الاوّل لبيان عالم الشهادة كما انّ الثاني لبيان عالم الغيب و انّما قدّم الميم الاوّل لعالم الشهادة اي لبيان حكم المناسبة لعالم الشهادة و اصل اسمه9 حم فالميم الاوّل ظهور الحاء و الحاء لظهور الدال.

و يجب ان‏يكون ابوه9 اسمه عبداللّه لانّ الاب يحكي جهة العقل كما انّ الامّ تحكي جهة النفس و العقل اوّل مقام العبادة و ينبوعها اذ العبادة في مقام الفرق و هو اوّل مقام الفرق و لمّاكان هو صلّي‏اللّه عليه‏واله في مقام الجسم و الجسمانيّات لم‏يخرج عن حكم العقل و مايقتضيه من احكام العبادة فماوصل ماوصل الاّ بالعبادة فكانت العبادة اصلاً له في بلوغه الي مقامات القرب وجب ان‏يكون ابوه الظاهري اسمه عبداللّه فلذا كان بيّنات عبد يوافق زبر محمّد9 و البيّنات فرع للزبر و الولد فرع لوالده من حيث الولادة.

ثمّ يجب ان يكون مبعثه9 بعد مضي اربعين سنة من ولادته لانّه مقام الكمال لاجتماع مراتب القابليّات و المقبولات و كمال نضج الطبيعة و اعتدال البنية لئلاّ يكون علي اللّه حجة مطلقاً.

و يجب ان يكون اليوم الذي بعثه اللّه9 يوم النيروز اوّل انتقال الشمس الي برج الحمل و هو اليوم الذي خلق اللّه الدنيا و العود كالبدء فيتّصل الاخر بالاوّل اذ الختم علي طبق الفتح و الان اوّل مقام ظهوره9 اوّل مقام نضج العالم و صفائه و اعتداله فانّ اوّل ظهوره9 استدار الزمان كهيأة يوم خلق اللّه السموات و الارض فانّ طالع الدنيا يوم خلقت السرطان و الشمس في شرفها في برج الحمل.

و لمّا كانت الامّ جهة ظهور النفس و هي سبعة اطوار و هي اكملها الكاملة ثمّ المرضيّة ثم الراضية ثمّ المطمئنّة و كل هذه النفوس مقام الرحمة و الامن فيجب ان يكون اسمها امنة يعني امنة من كل خطأ لكونها تابعة للعقل الذي هو عبداللّه و لمّا كان

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 79 *»

الاب الظاهري دليل العقل و كانت الامّ الظاهريّة دليل النفس و كان هذا النبي9 يجب ان يكون جامعاً لجميع الكمالات علي الاطلاق وجب ان يسمّي ابوه عبداللّه و امّه امنة.

و لمّا كان مقام العقل و النفس مقام القيود و رتبة الحدود وجب ان يبقي رسول اللّه9 يتيماً من غير اب و امّ حتي يكون متفرّداً في النشر و متوكّلاً علي اللّه و حامياً حول جلاله و ربوبيّته و طائفاً حوم فيضه و مدده و ناظراً اليه تعالي لا الي الاسباب و مفوّضاً امره الي ربّ الارباب و داعياً صانعه بلسان حاله الفقر فخري و به افتخر كما كان داعياً بلسان قاله.

ثمّ لمّا كان مقامه9 مقام الاجمال و البساطة و هو مقام النبوّة و هو المتصدي لامرها و الحامل لاعبائها و يجب ان يكون هذا المعني ظاهراً لكماله المطلق في ظاهر بشريته وجب ان يكون علي كتفه الايمن خاتم النبوّة لبيان انّه الحامل علي كاهله اعباء النبوّة و احكام الرسالة و ماسواه تابع له مطيع لامره و مقدّمة لظهوره.

و لمّا ذكرنا انّ الاربعة عشر واحد منهم قطب و واحد اخر جامع و حاوٍ و كان نسبته اليهم نسبة المحل الي الحالّ و المحلّ الظاهر منه الحالّ بتفاصيل احكامه يجب ان يكون الغالب عليه البرودة و الرطوبة و هي طبيعة الانثي و لمّا كانت هذه من حقيقته9 و زيادة الاعتناء في شأنها وجب ان‏يكون بنتاً لمحمّد9 لا ابناً و لمّا كانت هي اخر المبادي فيكون نسبة هؤلاء الاربعة عشر: في الكائنات نسبة الاحاد الي سائر المراتب من الاعداد و لذا قلنا انّها اخر المبادي و هي التسعة فانّها اخر الاحاد و جامعة لمراتب هذه المبادي و من جهة المناسبة بين الاسم و المسمّي وجب ان يكون اسمها الشريف استنطاق التسعة و هو الطاء و اذا ضمّ معها كمالاها الظهوري و الشعوري يظهر من كمالها الظهوري خسمة و اربعون و استنطاقها مَهْ ومن كمالها الشعوري واحد و ثمانون و استنطاقها فا و اذا جعلت الطاء قطباً و قُدّم الكمال الشعوري و اُخِّر الظهوري يكون فاطمة فبهذا ظهر اسمه الشريف حاكياً لمقامها و مرتبتها في التكوين.

و لمّا كان فاطمة3 شأن من

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 80 *»

شئون محمّد9 و مقامه الاجمال وجب ان يكون لها من علي7 ابنان اكبر منهما يحكي مقام جدّه ممّا حكته امّه الطاهرة و الاصغر منها يحكي مقام ابيه الطاهر7 وجب ان يكون النسل و الانوار المطهّرة و الاولاد الطاهرون من الاصغر لانّه صاحب مقام ابيه الظاهر بالولاية التفصيليّة و لمّا كان الولد فرع الوالد و بسطه و تكريره و كان الوالد مبدء اسمه اللام وجب ان يكون مبدء اسمهما السين لانّها تكرير اللام و انبساطها و لمّا كانا حاكيين مقام جدّهما9 من جانب الامّ التي هي فرع للاب و صفة له وجب ان‏يكون في اسمهما حرف هي صفة حرف اسم جدهما و لمّا كان اصل الاسم هناك الميم بيناتها نون و هي صفة الزبر وجب ان‏يكون فيهما مايدلّ علي ذلك و كان اصل اسم جدّهما حرفين فالميم ظهرت فيهما بالبيّنات لبيان ماذكرنا فالحاء يجب ان‏يجعل في اسمهما ليدل علي انّهما حقيقة واحدة فصارت مادّة اسمهما السين و الحاء و النون فالسين من حيث كونها قطباً هناك وجب ان يكون في الوسط و النون من حيث كونها فرعاً وجب ان يكون في الاخر و الحاء من حيث كونها اصلاً وجب ان يكون في الاوّل فكان الاسم حسن و لمّا كان الاصغر منهما هو صاحب التفصيل و الانوار مقام العشرة الباقية يجب ان تظهر فيه مايدلّ عليها زيدت الياء بعد السين لبيان انّ تلك العشرة الكاملة هو 7 و اولاده الطاهرون سلام‏اللّه عليهم اجمعين.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 81 *»

 (الليلة الثانية‏والعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

قد بيّنا ظهور النبي المطلق المكرّم9 باسمه و اسم ابيه و امّه و اسم زوجاته و بيّنا صفاته التي منها خاتم النبوّة الذي كان علي كتفه الشريف و ذكرنا وجه ظهور شرعه الشريف في الالف السادس و الان اردنا ان‏نقول انّ هذا النبي المكرّم المعظّم صلّي‏اللّه عليه واله لابدّ و ان‏يكون ظاهراً باللغة العربيّة لانّها اشرف اللغات و احسنها و احلاها و هي لغة تطابق الكينونة الانسانيّة التي هي احسن الصور فتكون لغته احسن اللغات.

و ذلك لانّه تعالي خلق كلّ ماخلق علي مقتضي كينونته و حالته كما انّ مقتضي حالة ادم7 هو انّه7 كان يتكلّم مع اولاده كل علي لغة تناسبه هذا انّما كان باعتبار المتعلّق و امّا اصل الكينونة الانسانيّة فتقتضي ان‏تكون لغتها عربيّة و هذه اللغة لغة اهل الجنّة و الجنّة كما تري يرجع فيها كلّ شي‏ء الي اصله فلمّا كانت لغة العرب اشرف اللغات و كان الانسان اشرف الخلق ناسَب ان‏يكون لغة الانسان عربيّة و انّها اصل اللغات فوجب ان‏يظهر هذا النبي‏المفخّم‏المكرّم9 علي اللغة العربيّة اذ هي لغة اهل‏الجنّة و امّا لغة اهل النار فمجوسيّة و لغة الزبانية منها تركية كما عن علي7 و ذلك لاعوجاج كينونتهم و تغيير فطرتهم عن الاستقامة والاعتدال و قد ورد انّ الانبياء كانوا في مناجاتهم مع‏اللّه تعالي بلغة العربي و اما مع رعيّتهم فبلغتهم و امّا سليمان بن داود فجمع بين لغات ثلثة اما مع ربّه في مناجاته فعربي و امّا مع عسكره فتركي و اما مع نُدَمائه فارسيّاً. و اعلم انّ لغة الفرس لغة المرأة اذ فيها الحلاوة المهيّجة للشهوة و مقرّبها لظهور النفس الامّارة في لغة الفارسي. فلمّا كان اصل اللغات و اشرفها لغة العرب ماتقوم

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 82 *»

الصلوة صحّة الاّ بالعربي و ليس للعرب الافتخار حينئذ علي العجم اذ الفطرة الانسانيّة عربيّة مطلقاً و العربيّة ليست محض اللسان و اللهجة خاصّة و انّما يكون العربيّة مؤلفة من خصال عشرة الايمان و المحبّة و المروّة و الفتوّة و الشجاعة و السخاوة و كَرَم النفس و كرم العرق و اللسان. فلمّا جاء اللطخ صار لسان الشيعة المؤمن لهؤلاء المخالفين كالعكس ولكنّه يرجع كلّ الي اصله عند الموت.

بيان ذلك اجمالاً هو انّ كلّ من كان الغالب عليه الصفة العربيّة يلحقه لسانه والاّ فيؤخذ منه ما هو عليه من لغة العرب فالمؤمن اذا مات ينقلب لسانه عربيّاً و ان كان عجميّاً بخلاف الكافر فانّه اذا مات ينقلب لسانه عجميّاً و ان كان في العربيّة في غاية الفصاحة و ذلك لما قلنا من حكم اللطخ في هذه‏الدنيا فلذلك تري هناك مؤمناً لسانه عجمي و تري كافراً قد بلغت لغته الغاية والنهاية. ورد انّ عجوزاً اتت الي علي7 فقالت له انّ ابني مات و قد كان لي مال عنده لاادري الان اين جعله فقام علي7 الي ان اتي قبره الذي دفن فيه فقال7 يافلان قم فقام و هو يقول شالا شالا رينا رينا يعني لبيك لبيك و قد كان رجلاً عربيّاً الاّ انّه قد انقلب لسانه بعد موته سأله عن ذلك الامام7 قال انّي لمّا قُبضتُ علي خلاف ولايتك انقلب لساني عجميّاً كما تري. فالمؤمن ينقلب لسانه عربيّاً بعد القبض و المنافق ينقلب عجميّاً كذلك و ان كان من افصح العرب قال7 شيعتنا العرب و عدوّنا العجم و معني ذلك كما ذكرنا من الصفات العشرة والمؤمن له صفات حميدة و هو عزيز شريف لايغلب و لاينقلب ابداً بحال من الاحوال لانّ اللّه معه في كلّ حين يحفظه في كنفه. ورد في زيارة الحسين 7 لاذليل و اللّه معزّك و لامغلوب واللّه ناصرك نعم المؤمنون محفوظون عزيزون الاّ انّ الدولة حيث كان للباطل امروا بالصبر قال تعالي ياايّها الذين امنوا اصبروا و صابروا و رابطوا واتقوا اللّه لعلّكم تفلحون. صابروا اي مروا بالصبر و رابطوا هذا خطاب للعلماء اي رابطوا قلوب الشيعة بذكرالمعارف والفضائل و معرفة الولاية و احفظوها عن الابالسة والشياطين واتّقوا اللّه اي من ايثار الفتنة.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 83 *»

واعلم انّ اللّه سبحانه جعل اختيار كلّ شي‏ء باختيار المؤمن الاّ ذلّة نفسه و افتضاحها فلايجوز للمؤمن ان‏يورّط نفسه في ورطة لايقدر ان‏يخلّصها منها لاسيّما اذا كانت الدولة للباطل لانّ المؤمن في ذلك الوقت يجب عليه السكوت و الصمت وكفّ النفس عن احوال الناس كلّها فلايتعرّض احداً من الناس بوجه من الوجوه اذ العارفون الكاملون البالغون شأنهم في دولة الباطل عدم التعرّض لهؤلاء الخلق المنكوس المعكوس قل للذين امنوا يغفروا للذين لايرجون ايّام اللّه ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون لانّ الناس لايطلبون الحق و لايريدونه مع انّهم يرون انّ الحق مع ائمّتنا: و يرون انّهم هم معدن العلم والسخاء و اصل الشرف والحياء و انّهم ليس فيهم من قبايح الصفات و الافعال و مع‏ذلك يميلون الي اعدائهم و مخالفيهم لايكون ذلك الاّ لعدم المناسبة بينهم و بين الحق. «شبيه الشي‏ء ينجذب اليه» او لايرون انّ الحسين7 بعد قتله انكسفت الشمس و انخسف القمر مع انّه لا كسوف في العاشر و انّما الكسوف في اخر الشهر بالاتّفاق و كذلك لاينخسف الاّ في الثالث عشر او الرابع عشر او الخامس عشر من الشهر لا قبل ذلك و لا بعد بالاتّفاق ثمّ او لايرون انّ السماء بكت دماً عبيطاً او لايرون انّ الارض قد فار منها الدم فلولا له7 رابطة مع العالم لماظهر كذلك والعجب انّه مع‏ذلك لم‏يؤمنوا به7 و انّما اقبلوا الي اعدائهم الاخباث الارجاس كأبن‏زياد و خالدبن‏وليد و كانوا يقولون انّه امام مع وجود علي7 و هذا الخبيث خالد كان يأمر بمل‏ء الحوض خمراً ثمّ يرمي بنفسه في الحوض فيشرب منه حتي يظهر النقصان من اطراف الحوض و كان هذا الملعون زانياً نُقِل كما زُبر انّه كان صلّي ذات يوم جماعة بالناس فاذا قد تَقَيّأ الخمر في محرابه الذي كان يصلّي فيه ثمّ حُكي من احواله الخبيثة زايداً علي ماذكر ان‏فجر ببنته في حجر ظئره.

ياسبحان اللّه كيف كان الناس يميلون الي مثل هذا و هم يجعلون الامام الذي دار عليه السموات والارض غريباً وحيداً. امّاالحسين7 لعلّك تقول قبل قتله7 كان الامر تلبّس عليهم فماعرفوه و لذا اجمعوا علي قتله و امّا بعد قتله7 و ظهور هذه الكرامات من كسوف الشمس و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 84 *»

خسوف القمر و نزول المطر و ظهور القراءة من رأسه الشريف و هو علي السنان و فوح رائحة المسك من ابدانهم المرميّة في ارض الطفّ و غيرها اليس هذه كلّها شواهد ظاهرات و ايات باهرات و دلالات واضحات علي مقام رتبة الامام 7 و درجته والعجب انّهم مع ذلك يتّبعون الخلفاء الانجاس الذين هم معدن الجهل و الطغيان و اصل الشر والعدوان لكنّهم مع تلك الحالة لم‏يذكروا في ائمّتنا: شيئاً من القبايح و لانسبوا اليهم عيباً من العيوب. هذا عبدالملك بن مروان ابوالبَخَر كان نتن فمه بحيث يموت الذباب لو حاذي فمه في طيرانه فلذا سُمِّي بابوالذباب كما كُنِّي بابي‏الحجر لبخله والعجب انّ هذا الموصوف المكنّي بابي‏الذباب و ابي‏الحجر سمّي بابي‏المؤمنين والعلّة كلّها مناسبة الناس معه و عدمها مع الامام الحق الذي معدن الخيرات و الكمالات.

فلاجل عدم المناسبة لما ال امرالخلافة الي مولينا اميرالمؤمنين7 بقي مدة خمس سنين لم‏يتمكّن من حج بيت اللّه مكّة المعظّمة و ذلك لاعوجاج الناس و نفاقهم و كان هو7 في المدة المزبورة مشغولاً بالحروب و الغزوات و تجهيز العساكر. و اما هذا معوية كانت مدّة دولته اربعين سنة عشرون سنة كان مستقلاً. ورد انّه لمّا كان مولينا الحسن7 جهّز بالعسكر و خرج الي معوية نهب امواله7 اصحابه الذين خرجوا معه ثم ضربوا علي فخذه ضربة منكرة الي ان رجع7 وحده الي ان صالح7 مع معوية فلمّا صالح قال له اصحابه7 يا مذلّ رقاب المسلمين انت اذللتنا حيث صالحت مع معوية مع انّهم نكثوا العهد و لم‏يرضوا بالجهاد. و هذا مسلم بن عقيل لمّا بايعوا معه في الكوفة وقت الصبح و هم ثمانية عشر الف نفس فلمّا دخل الليل لم‏يكن معه رحمه‏اللّه‏ الاّ معدود قليل هكذا حال الناس و ديدنهم في كل زمان فلن تجد لسنّة اللّه تبديلاً.

فمن عرف سرّالخليقة و عرف الناس لايغترّ بقولهم قطّ لانّ الناس كنّاس فمن اعتمد علي الناس لم‏يعرف شيئاً قطّ فاتّقوا اللّه في حفظ اعتباركم مادامت الدولة للظالمين. سيروا معهم كأنكم لستم بشي‏ء قال علي7 انّ العلماء من ال‏محمّد:هجم بهم العلم علي حقايق الامور و باشروا روح اليقين و استلانوا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 85 *»

ما استوعره المترفون و اَنِسوا بمااستوحش منه الجاهلون و صحبوا الدنيا بابدان ارواحهم معلّقة بالمحلّ الاعلي اولئك خلفاء اللّه في ارضه و قال7 شيعتنا خُرس صُمت في دولة الباطل فلايتعرّضون احداً نعم يظهرون بلسانهم ثمّ يسكتون هذا انّما هو لاتمام الحجّة و اكمال النعمة و لاعلاء كلمة الحق كما كان مولينا علي7 في مدّة خمس و عشرين سنة ديدنه هكذا فكان العالم اذا سألوه يجيبهم عن مسألتهم والاّ فهو ساكت عنهم بل انسه بترك العشرة معهم فاذا قال له الناس نحن نحبّك لاينكر عليهم بل يسلّم لهم بذلك و يصدّقهم علي مايقولون فيه مع انّه يعلم ثمّ يري انّهم يخالفون ربّهم و يرتكبون المعاصي و السيّئات و يفعلون القبايح و المحرّمات كيف هم يصدقون مع الرجل لا واللّه ليس الاّ كذب صرف.

و بالجملة المؤمن لايغتّر بقول الناس ابداً فلو قالوا لك انّا نحن انصارك انّا نحن معينك ثمّ مغيثك فاعلم انّهم يتقوّلون بذلك ولكنّهم قوم لايفقهون كما ورد انّ الصادق7 جاءه رجل من اصحابه فقال ياسيّدي ماتقوم انت بالامر ليس الان وقت القعود من الامر فلايسعك السكوت مع كثرة اعوانك قال7 كم يكون اعواني قال الرجل عشرون الف بل خمسون لا بل مأة الف لا بل نصف الدنيا قال7 يافلان ايخفّ لك ان‏تخرج الي يَنْبُع و هو موضع قريب الي المدينة ثمّ امر7 بان اَسرجوا حماره و بغله فامر الرجل بان يركب البغل و هو7 ركب حماره فلمّا خرجوا الي الصحراء فاذاً قد رأوا راعياً يرعي اغناماً قال7 يافلان لو وجدت لي ناصراً علي عدّة هذه الاغنام لخرجتُ عليهم و لقمت بالامر قال الراوي فلمّا عددت الاغنام فاذاً هي سبعة عشر. ورد انّ عليّاً7 مع فاطمة والابنين الطاهرين الحسنين8 كانوا ذات ايّام يدورون دورالمدينة و هي مدّة اربعين ليلة و كانوا يأخذون في المدّة عنهم العهد والميثاق علي المتابعة والمشايعة فلمّا صار صبح تلك الليلة كان الناس كأن لم‏يعاهدوا و قد كان مولينا اميرالمؤمنين7 خليفة لم‏يتمكن عن عزل شريح القاضي و العلّة في هذا هي انّ الشيعة و الناصر

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 86 *»

كانوا قليلين و امّا اللسان فلا اعتبار عليه بوجه من الوجوه.

فلذا قال شيخنا العلاّمة انار اللّه برهانه احملوا كلام ائمّتنا: علي حقايقة من غير حمله علي المجاز قال7 الناس كلّهم بهائم الاّ المؤمن و المؤمن قليل و المؤمن قليل و قال7 انّ المؤمنة اعزّ من المؤمن والمؤمن اعز من الكبريت الاحمر و هل رأي احدكم الكبريت الاحمر فلمّا كان كذلك فلااعتماد علي احد. نعم لا تكذّبهم ان يخبروك بانّا معك خالطوهم بالبرّانيّة و خالفوهم في الجوّانيّة مادامت الامرة صبيانيّة يعني الامير كان كالصبيان لا عقل له و لا رأي. و بالجملة الناس في زماننا الان و قبل زماننا كانوا يرون انّ الحق مع اهله و انّ الباطل اهل الجهل و النكراء و العناد مع ذلك كانوا يخالطون معهم كما ان اهل كوفة رأوا انّ الحجّاج يقتلهم و يأسرهم و يظلمهم مثل ما ورد انّ الحجّاج مرّة واحدة قتل من الناس مأة الف نفر صبراً فلمّا مات الحجّاج كان سبعون الف نفس في محبسه ثلثون الفاً كانوا من النسوان و اربعون الفاً من الرجال و كان المحبس غيرمسقّف لم‏يمنع عن الحرّ و لا عن البرد. ورد انّ كوفة هذه كان فيها اربعمأة عَلَم تحت كلّ عَلَم اربعة الاف فارس هذه لمّا اراد الحسين7 منهم مونساً للطريق اي طريق السفر حفظاً له و لعياله الي ان‏يصلوا الي‏المدينة لم‏يجبه7 احد مع انّه7 طلب منهم ذلك بل قالوا له ياحسين خذ عيالك و اخرج من الكوفة. و هذا سيّدنا عمر رضي‏اللّه تعالي عنه صعد المنبر فقال متعتان كانتا في زمن رسول‏اللّه9 حلالان و انا احرّمهما لم‏يقل احد لماذا تحرّم ماحلّله رسول‏اللّه  و امّا مولينا علي7 فلمّا اراد ان‏ينهاهم عن صلوة التراويح بالجماعة ضربهم بالدرة و هي سوط صغير صاحوا فقالوا وافضيحتاه واديناه واعمراه مع انّهم كانوا يدّعون التشيّع فهكذا شأن هذا الناس النسناس.

و بالجملة مادام الامام غائباً حرام ان‏يتعرّض احد في امر احد من هذا الخلق ورد انّه كان مع علي7 من العسكر في صفّين مأة الف و خمسين الف الاّ واحداً لم‏يبق بعده7 من هؤلاء العسكر لنصرة الحسن و لا الحسين8 احد لانّ الناس اهل الدنيا و ارباب الغرض و المرض فلا اعتناء

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 87 *»

بشأنهم ابداً فاتّقوا اللّه من الاعتراض و التعرّض و ايثار الفتنة لانّكم الان في الحرم لايجوز لكم شي‏ء من الذي حلال للمُحلّ فلايسوغ الاّ السكوت. ورد انّ علي بن الحسين7 قال ذات يوم لزيد يازيد قتل الانسان اعظم ام قتل الطير قال بل قتل الانسان قال7 فاذاً لاتتعرّضوا لاحد لانّكم الان في الحرم و الحاصل السكوت اولي للشيعة مادامت الدولة للظالمين.

امران هما مأمول الناس و هما عين مقصودي و هما قرّة عيني احدهما القتل يعني اُقْتَل و ثانيهما انصراف الناس عنّي و ذلك انّي قبل الحين كنت حافظاً من القرءان و الاحاديث و الادعية و الزيارة اغلبها و كان ما يمرّ علي يوم الاّ و يرد علَي خاطر جديد و اما الان فمن كثرة المعاشرة مع هذا الناس الكناس نسيتها بالمرّة فلولا انّه عهد مأخوذ علَي و انّه امر واجب لما كنت ابرز ابداً لانّي من حين كنت في الرحم نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة ربّاني ربّي من غير وجود احد معي الي ان كبرت و بلغت الي مابلغت. فلااحتاج الي الناس ابداً لانّ ربّي موجود معي يربّيني علي احسن مايكون وبالجملة انّي لااخاف من القتل لانّه غاية امالي ان‏اقتل في مشهد مولاي الحسين7 او في مشهد مولينا علي7 او بين‏الحرمين لكن ليس لي تلك السعادة. فاقول في ابرازي بين الناس لولا حضورالحاضر و قيام الحجّة بوجود الناصر و مااخَذَ اللّه علي العلماء الاّ يغارّوا علي كِظَّة ظالم و لا سغب مظلوم لاََلْقَيْتُ حَبْلَها علي غاربها و لَسَقَيْتُ اخرها بكأس اوّلها و لاََلْفيتم دنياكم هذه ازهد عندي من عفطة عَنْز والحاصل لولا كان البراز لازماً علي لابراز فضائل ال‏محمّد: لكنت اسدّ علي الباب لانّ المؤمن في دولة الباطل علي سيرة امامه غائب ليس بظاهر.

الا تري ان النقباء والنجباء غائبون مستورون محجوبون عن الناس غيرظاهرين بين هؤلاء الناس الكناس فلايزيدني كثرة حولي عزّة و لاتفرّقهم عنّي وحشة فليس العالم عالماً اذا اعتمد علي هذا الخلق فمن اعتمد عليهم ليس بعالم قطّ و لا انّه عرف شيئاً لانّهم مايتّبعون احداً الاّ بالمناسبة. «شبيه الشي‏ء ينجذب اليه». فاذ ليس فليس فلمّا رأيت هذاالخلق لايتّبعون امامهم اعلم انّهم

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 88 *»

ليس لهم مناسبة معه7 و لاريب في انّ النور لايدلّ علي غيرالمنير و لا عنده شي‏ء الاّ هو. و مجمل القول في معرفة الخلق هو انّهم لايخلو من انّهم كفار او لا فان كانوا كافرين جاحدين معرضين عن الحق لايتّبعونك قطعاً و يقيناً ماداموا معرضين و ان كانوا غيركفّار و لا هم يتّبعونك فهؤلاء غلب عليهم اللطخ بناء علي هذا لاينفع التعرّض لهم بوجه من الوجوه و امّا الذي من النور الي النور فهو لايحتاج الي التعرّض و انّما هو اذا رأي شيئاً حقاً يُلحّ في تحصيله من دون تعرّض و زحمة و امّا غيرهم فلاتعتمدوا عليهم و اتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون والفلاح انّما يكون بظهور الامام7  ام حسبتم ان‏تدخلوا الجنّة و لمّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء و الضرّاء و زلزلوا حتي يقول الرسول و الذين امنوا معه متي نصراللّه الا انّ نصرالله قريب و نصراللّه هو الصاحب عجّل‏اللّه فرجه.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 89 *»

 (الليلة الخامسة‏والعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

و الجملة جملة اسميّة انّما اتي بها دون الفعليّة ثمّ الجملة الفعليّة لها اقسام قسم هو فعل الماضي و الاخر المضارع نحو حمدت اللّه و احمد اللّه لانّ الحمد جملة مستقلّة غيرمتصرمة دالّة علي المراتب كلّها و هي مراتب المبادي والمشتقّات والفعل والفاعل و فيها جميع ما في‏العالم بل و في قوله الحمدللّه جميع ما في الخطبة ضرورة انّ ما في الخطبة ذكر التوحيد و معرفة اللّه و ذكرالايجاد و اوّل الموجود و ذكر ايجاد السموات و الارض و ذكر المبدء و المعاد و لاريب انّ المراتب والكثرات كلّها ثابتة باقية دائمة عنداللّه و هذا لايناسبه الاّ الجملة الاسميّة الثابتة المستقلّة بخلاف الفعليّة لانّها دائمة الحدوث و الاضمحلال و ذلك ينافي المقصود من الدلالة علي المراتب و المقامات لانّ الحمد مصدر دالّ علي الفعل ثمّ دالّ علي الفاعل ثمّ دالّ علي الذات الظاهرة ثمّ دالّ علي الذات البحتة دلالة رسم دلالة الفقير علي الغني كدلالة البِناء علي البنّاء فلمّا كانت الجملة الاسميّة فيها استقلال و ثبات دلّت علي المراتب و امّا الجملة الفعليّة فحيث كانت متصرمّة مضمحلّة فانية غيرثابتة لم‏يكن دالّة علي المراد و لذلك لم‏يقل حمدت اللّه و لا احمداللّه امّا انّه ماقال حمدت اللّه لاضمحلالها و اما ماقال احمداللّه فلانّه يدلّ علي الاضمحلال و الزيادة و هي التجدّد و التصرّم اناً فاناً لانّ الفعل المضارع يدلّ علي التجدّد والحدوث بخلاف الفعل الماضي لانّه يدلّ علي الدوام والثبوت.

فان قلت لمَ لم‏يقل حمداً للّه قلت لانّها جملة نكرة و النكرة تنافي الحكمة الالهيّة لاسيّما في مقام المبدء اوّل الموجودات لانّ اوّل الموجودات اعرف المعارف فلهذا عرّف

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 90 *»

الحمد بلام التعريف و لانّه لمّا كان مقامه مقام الكثرة التي نظرها الي الوحدة في السفر الثالث من الاسفار الاربعة التي هي السفر من الخلق الي الحق ثمّ الحق في الحق ثم من الحق الي الخلق الذي هو الشاهد في المقام ثمّ في الخلق بالحق لانّ الالف حرف الوحدة و التوحيد و هي حرف التوحيد علي الاصح و بالجملة فلمّا كانت الكثرات متعلّقة الي الواحد اُتي باللام اشارة لهذه الدقيقة.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 91 *»

 (الليلة السادسة‏والعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

قال تعالي سبحان ربّك ربّ العزّة عمّايصفون و سلام علي المرسلين و الحمدللّه ربّ العالمين و المراد بالحمد الحقيقة المحمّديّة نسب تعالي الحمد اليه من دون قيد و لاتعيين ليعمّ الجهات والاعتبارات كلّها حيث انّا نعلم انّ الاطلاق دليل علي انّه تعالي اراد العموم في كلّ جهة والاّ لَعَيَّنه فحيث لم‏يعيّنه علمنا انّ المتعلّق لم‏يكن مقيّداً بشي‏ء دون شي‏ء فعلي هذا لايكون له صلّي‏اللّه عليه واله جهة يخالف جهة اللّه ابداً فلمّا كان هو صلّي‏اللّه عليه واله مقبلاً بكلّه ناسياً جهة نفسه بالمرّة كانت جهته جهة اللّه وحدها فيكون بذلك اشرف الخلق و لايكون الاشرف اشرف من جميع الجهات الاّ ان‏يكون اوّل الموجودات و قد دلّ اجتماع المسلمين علي انّ اوّل الخلق و اشرفهم هو محمّدبن‏عبداللّه فلمّا كان كذلك علمنا انّ الذي للّه مطلقاً هو هو9 الذي اسمه الحمد و يؤيّد ماقلنا قوله تعالي و سلام علي المرسلين لانّه لايقال سلام الاّ في مقام الخطاء فلمّا لم‏يكن فيه جهة من جهات غيره تعالي ولو بالوهم افرده تعالي ايّاه9 بالذكر فقال الحمدللّه لانّه ليس له جهة غفلة و لا جهة فتور ابداً و مَن عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل والنهار لايفترون.

و قد بيّنا انّ هذه‏الحقيقة تشعّبت الي اربعه‏عشر شعبة اصلهم و اوّلهم و قطبهم و شرفهم و اوليهم و سيّدهم و فخرهم هو محمّدبن‏عبداللّه9 و قد بيّنا اسمه9 و اسم امّه و ابيه و بيّنا صفاته و مهرالنبوّة و عدد زوجاته و بيّنا انّ مادّة حروف اسمه مربّع و بيّنا صفاته ممّا له و به و عنه و فيه و عنده و لديه و معه و عليه.

والان اردنا ان نبيّن انّه صلّي‏اللّه عليه و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 92 *»

اله اقرب الاربعه‏عشر الي اللّه سبحانه ولاريب انّ القريب الي اللّه تعالي لابدّ و ان‏يكون فيه جهة الوحدة اظهر فلمّا قرب اليه تعالي ظهر فيه جهة الوحدة الاجماليّة و لاريب في انّ كلّ اجمال له من تفصيل والاّ لايعرف ذلك الاجمال كما انّ الاعداد المفصّلة من الاثنين و الثلثة فصاعداً لولاها ماعرفنا تشعّب الواحد و شئونه و اطواره و هذه انّما كانت للقدرة الظاهرة المختصّة في المخلوق و هي القدرة الاجماليّة التي هي اليد الاولي العليا اليمني و ساير الموجودات الاجماليّة ايادي لتلك اليد و قد يعبّر عنه بالملك الذي له الف الف رأس لكلّ رأس الف الف وجه ولكلّ وجه الف الف فم و لكلّ فم الف الف لسان و لكلّ لسان الف الف لغة يسبّح‏اللّه و يهلّله و يقدّسه و يمجّده و انّه لهو الملك الذي له الف الف يد و لكلّ يد الف الف ذراع و لكلّ ذراع الف الف كف و لكلّ كف الف الف اصبع و لكلّ اصبع الف الف عقد كلّ عقد سبب من الاسباب لمسبّباتها و هذه القدرة التي استطالت علي كلّ شي‏ء و القدرة قائمة باليد.

والمراد باليد هي الحركة لا نفس الجارحة و اليد التفصيليّة اي القدرة التفصيليّة هو الخلق الثاني و البشر الثاني فهما اليدان المبسوطتان في قوله بل يداه مبسوطتان فالقدرة الاجماليّة ظاهرة في المخلوق الاوّل والقدرة التفصيليّة ظاهرة في الخلق الثاني و هو مقام الباء من بسم اللّه الرحمن الرحيم التي ظهرت منها و هذا فرع من الاوّل مستمدّ منه و هذا ايته و هذا تاج رأسه و تابوت علمه و مفصّل اموره و دليله و ناشر علمه و فضائله و هو الاصل القديم للموجودات و الفرع الكريم منه9 و هذا سلطانه و برهانه و حكمه و علمه و هذا بشر ثانٍ و هذا هو فصل‏الخطاب و الاوّل هو الحكمة و الولاية الاجماليّة نفسه ربّ هب لي نفسي فالحكمة حقيقته و فصل‏الخطاب نفسه و لسانه فانّما يسّرناه بلسانك لتبشر به المتقين و تنذر به قوماً لُدّاً قال تعالي و اتينا داود الحكمة و فصل‏الخطاب فالحكمة حقيقة داود اي محمّد9 لانّه داوي جرحه بالودّ فصار حبيباً و فصل‏الخطاب نفسه هذا البشر الثاني و النور الشعشعاني هو الباء من بسم اللّه الرحمن الرحيم و هو ثان للالف تستدعي رابعاً و هو ثامناً و هو سته‏عشر و هكذا فاذا حصل اثنان

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 93 *»

حصلت اعداد غيرمتناهية.

و لمّا كان الخلق يدور علي الفعل والمفعول و كان المفعول علي قسمين قابل و مقبول فالفعل هو امره الذي قال و من اياته ان تقوم السماء و الارض بامره و ظهور هذا لايكون الاّ من الثاني لانّه مظهره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون احفظه ينفعك بعد حين فلمّا كان هناك امور ثلثة الفعل و المقبول و القابل و هذا في مقام التفصيل و حامل التفصيل ليس الاّ البشر الثاني وجَب ان‏يكون في اسمه حروف دالّة علي الثلثة احد الامور الثلثة الفعل الذي هو الامر الذي هو كن الذي كان به الكون الذي هو الخلق الذي هو جميع ماسواه تعالي من الدرّة الي الذرّة ثمّ لابدّ ان‏يكون خلق اللّه تعالي كاملاً والكمال يقتضي ان‏يكون في الشي‏ء مراتب عشرة التي نعبّر عنها بقبضات العشر و هي القلب و الصدر و العقل و العلم و الوهم و الوجود الثاني و الخيال و الفكر و الحيوة و الجسد ولكن لمّا تنزّل الشي‏ء في قوس الادبار و مات في التراب خفيت الكمالات و احتجبت و كمنت في الجماد و اراد تعالي اظهارها حتّي يكون العود كالبدو فادار اللّه عليه الافلاك و عمل فيه الملائكة المدبّرات و المقسّمات ثمّ عمل فيه الكواكب و النجوم حتّي تأهّلت تلك الحقيقة النازلة الجماديّة لظهور الروح الحيوانيّة فتلك الاسباب من الاملاك و الافلاك و الكواكب و النجوم لاستيهال الجماد لظهور الروح الحيواني كالنار بالنسبة الي العود الاخضر للاشتعال و ذلك بمجاورته للنار و تيبيسها شيئاً فشيئاً فالنار هي نار المشيّة حامل الولاية فلمّا كان مراتب القابليّات و مراتب الشي‏ء لاتتمّ الاّ بقبضات عشرة ظاهرة اثارها وجب ان‏يدور الشيي‏ء ثلث دورات دورة جماديّة و دورة معدنيّة و دوره نباتيّة ليستأهل لظهور الفيض المكنون فيه من الروح الحيوانيّة والثلثة في العشرة بالضرب ثلثون فلمّا تمّت الثلثون و ظهرت بتلك الاسباب المذكورة اتي بمراتب المقبولات العشرة التي هي الاصل و واعدنا موسي ثلثين ليلة و اتممناها بعشر الاية.

واعلم انّ الانسان خلق من عشر قبضات تسع من الافلاك التسع من كلّ فلك قبضة و قبضة من العناصر الاربعة كلّ قبضة لاتتمّ الاّ في اربعة ادوار دور عناصرها و دور معادنها و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 94 *»

دور نباتها و دور حيوانها و هذا جارٍ في القبضات كلّها بل و في كلّ جزء من اجزائه بل جار في الغيب كالشهادة اذ العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة و امّا اصل العناصر و اوّلهافهو طبيعة الحرارة التي هي اوّل ماخلق اللّه من الحركة الكونيّة و هي علّة العلل في الاشياء المتحرّكات ثمّ خلق اللّه تعالي طبيعة البرودة و اصلها من السكون الكوني الذي هو علّة العلل في الاشياء الساكنات هذا اوّل الزوجين ثمّ تحرّك الحارّ علي البارد فامتزجا فتولّد من الحرارة اليبوسة و تولّد من البرودة الرطوبة فكانت اربع طبايع منفردات التي يسمّونها بالبسايط والحاصل لما علمت انّ الخلق و جميع الموجودات يدور علي الفعل والمفعول و قد علمت انّ للمفعول جهتان جهة القابل و جهة المقبول و علمت انّ المقبولات عشرة والقابليّات ثلثون حصل لك مراتب ثلثة مرتبة الفعل الذي هو الامر و مرتبة القابليّات و مرتبة المقبولات.

فاذا علمت ذلك فاعلم انّ هذه المراتب مراتب تفصيليّة للشي‏ء لاتظهر و لاتوجد (الاّ ظ) بولاية تفصيليّة يعني انّ حامل هذه التفاصيل هو الولي المطلق الذي هو الباء اي التعيّن الثاني الكرسي اي اليد اليسري فلمّا كانت التفاصيل مرجعها الي مبدء التفصيل و اصل التفصيل وجب ان‏يكون في حروف اسمه الشريف ما دلّ عليها فلابدّ ان‏يؤتي بحرف يدلّ علي الامر كن و حرف يدلّ علي مراتب القابليّات و حرف يدلّ علي المقبولات فلمّا نظرنا في القرءان رأينا انّه تعالي قال انّما امره اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون و رأينا انّ كن سبعون عدداً فاستنطقنا السبعين عيناً (ع) فلمّا كانت مراتب القابليّات ثلثين استنطقنا الثلثين لاماً (ل) و لمّا كانت مراتب المقبولات عشرة استنطقناها فصارت ياءً (ي) فلمّا جمعنا الحروف الثلثة صار علي فالعين اشارة الي عالم الامر واللام اشارة الي عالم اللام (كذا) و الياء اشارة الي عالم الخلق الا له الخلق و الامر تبارك اللّه ربّ العالمين. هذه القابليّات و المقبولات و ان كانت موجودة في التعيّن الاوّل الخلق المجمل مقام الوحدة و البساطة الاّ انّها كانت هناك علي سبيل الاجمال دون التفصيل فلذا اتي في اسمه الشريف ميم التي هي مجموع القابليّات و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 95 *»

المقبولات فاجتمعت المراتب هناك و تفصّلت هنا.

فلمّا عرفت الاجمال في الادوار الثلثة في الجماد و المعدن و النبات فاعلم انّ المراد بالمعدن هوالذي لم‏تظهر اثارالعناصر كلّها فيه بل انّما ظهر واحد من الاربعة فاذا ظهر في تلك الحقيقة النازلة المخفيّة اثارها الحرارة و اليبوسة و غلب العنصر بتلك الاسباب من كرّالافلاك و تدبير المدبّرات و المقسّمات و اشعّة الكواكب حصل معدن الياقوت و اذا غلبت طبيعة البرودة والرطوبة بتلك الاسباب المذكورة حصل اللؤلؤ و اذا ظهرت طبيعة البرودة و اليبوسة بتلك الاسباب حصل معدن الالماس و هكذا جميع المعادن و بالجملة انّ المعدن عبارة عن ظهور طبيعة من الطبايع الاربعة.

و امّا النبات فالمراد به ماظهر منه جميع العناصر مفصّلاً لانّ بالحرارة يميل النبات الي العلو و بالبرودة واليبوسة حصل للنبات عروق ثابتة في الارض و بالحرارة والرطوبة يتغذّي و يبسط ثمّ يعرض و بالبرودة و الرطوبة يدفع الفضولات فلمّا حصل للشي‏ء النازل في قوس الاقبال والصعود هذه المراتب من المعدنيّة والنباتيّة بتدبيرالاملاك والافلاك و اشعّة الكواكب و ظهرت فيه العناصر مفصّلاً استأهلت لظهور الروح الحيواني في دورة اخري فلمّا اداراللّه تعالي عليه الافلاك و شابه الشي‏ء جوهر الفلك و شارك السبع الشداد تعلّق من الافلاك الروح الحيواني الي البخار الذي في العلقة الصفراء في تجاويف القلب فقام الشي‏ء حيواناً حسّاساً شاعراً درّاكاً.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 97 *»

 (الليلة السابعة‏والعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

قد بيّنا لكم انّ الحمد هو الحقيقة المحمّديّة و بينّا لكم انّ له9 اسمان احمد و محمّد و بيّنا لكم انّ كوكبه الزهرة و يومه الجمعة و زوجاته تسعة و قلنا علي كتفه مهر النبوّة ثمّ قلنا انّه لابدّ و ان‏يكون له وصي و وزير حامل للولاية المطلقة التفصيليّة و انّه مبدء كلّ كثرة و اختلاف و لمّا كانت الاحكام يجري علي الاشياء من حيث الصفة لا من حيث الوجود و لمّا كانت الكثرة مبدؤه الوحدة فالوحدة اب للكثرة و اصلها فتكون حامل الولاية الاجماليّة امّاً لحامل الولاية التفصيليّة لانّ لكل اجمال تفصيل و لكلّ عرش كرسي و لكلّ مادّة صورة فيكون صاحب الولاية يسري في الاشياء سَرَيان الماء في الاشجار و سريان الواحد في الاعداد هذا في العرضيّة القشريّة و امّا في السلسلة الطوليّة فيسري سريان ظهور المنير في المحال والمجالي والتعيّنات او نقول ان سريان الوجود في الموجودات مرّة كسريان ظهور المنير بنوره و مرّة سريان الوحدة في الكثرة و الواحد في الاعداد ففي الطوليّة سريان النور في محاله و مظاهره او قل سريان التجلّي في التعيّنات بظهوره لا بذاته بخلاف ما اذا كان في السلسلة العرضيّة لانّه يسري سريان الحقيقة الواحدة في اطوارها و شئونها كالشجرة في اغصانها و اوراقها و لقاحها.

فلمّا كان الاختلاف في حامل الولاية التفصيليّة اي الرتبة الثانية مقام الصفة لا مقام الوجود في مقام التفصيل دون الاجمال وجب نسبة الصنع و النور و الفعل و التأثير الي الرتبة الثانية اي التعيّن الثاني كما نسبت الاختلافات الي الكرسي و ان كانت من العرش اوّلاً الاّ انّها ظهرت في الكرسي كذلك الفعل و التأثير كما قال الامر

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 98 *»

 يومئذ للّه اي في القيمة مع انّ‏الامر في الدنيا و في الاخرة للّه تعالي لا لغيره يعني اسم‏اللّه تعالي يظهر في ذلك اليوم يعني انّ ذلك اليوم مظهر اسم‏اللّه تعالي نظيره كما في الدعاء اللّهمّ ارحمني اذا اشتدّت اليك فاقتي مع انّ الممكن لازال فقير ولكن المراد به من حيث الظهور لا من حيث الوجود الحقيقي لانّه حينئذ موجود فهذه النقطة الثانية التي هو التعيّن الثاني هي سارية في جميع الموجودات و انّها تفصيل هذه النقطة.

و امّا التعيّن الاوّل فهو لما قبل العَين اي لفظ كن يعني اول مَن قبل الامر هو التعيّن الاوّل و امّا قبل التعيّن الاوّل فليس الاّ مقام اللاتعيّن و هو ذات بحت بسيط فلمّا قبل التعيّن الاوّل العين ظهر اسم‏اللّه العلي العظيم هذا هو التعيّن الاوّل و اسم العلي جامع لجميع الاسماء و هو اوّل اسم اختاره تعالي لنفسه ياعلي ياعظيم ياغفور يارحيم انت الربّ العظيم الذي ليس كمثله شي‏ء هذا الاسم كان لتعيّن الاوّل اجمالاً ظهر هذا الاسم في الثاني كمال الظهور فالعلي هو العالي المرتفع علي كل مذروء و مبروء فلمّا ارتفع عن كلّ شي‏ء صار قيّوماً و لايكون قيّوماً الاّ ان‏يكون حيّاً و لايكون حيّاً الاّ ان‏يكون قادراً عالماً لانّه اجمع الاسماء و اعلاها فيكون جميع الاسماء من هذا الاسم الشريف لانّه اوّل الاسماء اوّل ما اختار لنفسه العلي العظيم.

فلمّا كان اوّل ظهور التعيّن الاوّل في مقام التعيّن الثاني و ظهرت الاسماء و الصفات في هذه الرتبة الثانية قال تعالي كهيعص لانّ اوّل سورة من منتصف اخر القرءان نزل مبدوّاً بالحروف المقطّعة التي بدؤها الكاف كما انّ النصف الاوّل من اوائل السور المبدوّة بالحروف المقطّعة الالف كما في الم و الم ، المص ، الر ، الر ، المر و امّا الكاف في اوّل نصف‏الاخر فاشارة الي كاف كن مقام الفعل لانّ النصف الاوّل من القرءان اشارة الي الحق والنصف الاخر اشارة الي الخلق و اوّل الخلق الفعل اي المشيّة التي هو كن و اوّل كن الكاف مقام الكثرة بالنسبة الي النصف الاوّل مقام الوحدة بالنسبة الي نون من كن و اصل الكاف الهاء و الهاء اشارة الي الميادين الخمسة المذكورة في الفوائد من مقام النقطة و الالف و الحروف و الكلمة و الدلالة حقّ و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما و كلّ مرتبة من

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 99 *»

التوحيدات الخمسة غيرالاخري فلمّا كانت العوالم اربعة اللاهوت و الجبروت و الملكوت و الملك و ظهر التوحيدات الخمسة في هذه العوالم الاربعة صارت عشرين لانّ في كل عالم من العوالم الاربعة خمس توحيدات كما هو مذكور في محلّه فمن اراده يطلب هنالك فالكاف اشارة الي مقام الخلق مقام الكثرة مقام التعيّن الثاني مقام اعطاء كلّ ذي‏حقّ حقّه فهذه العوالم الاربعة من اللاهوت و الجبروت و الملكوت و الناسوت كليّات العوالم فلمّا ظهرت التوحيدات الخمسة في العوالم الاربعة صار عشرين فلمّا استنطقناه صارت كافاً فاوّل تفصيلها بالتكرير هو الياء ثمّ حصل بالتكعيب اي ضرب الهاء في الياء التي تفصيلها صار خمسون فاستنطقنا الخمسين صار نوناً فلمّا اتّصلت الكاف بالنون صار كن و لاشكّ انّ الكاف عدداً عشرون و النون خمسون فاذا جمعنا صار سبعين و السبعون لمّا استنطقناه حصل العين ثمّ بملاحظة الكاف مع العين صار تسعين ثمّ استنطقنا التسعين صار صاداً فتم كهيعص و امّا ملاحظة الكاف مع العين فلتحصيل الصاد لانّا حيث اردنا جهة الوحدة فزدنا الكاف علي العين و اذا اردنا جهة الكثرة زدنا النون حرف الكثرة و لاشكّ انّ الكاف جهة الوحدة والنون جهة الكثرة فلمّا اردنا حصول البحر الوحداني من كن و هو المخلوق الاوّل من المشيّة و ان شئت قل انّ الصاد هو التعيّن الاوّل كأنّه قال كن فيكون لانّ كن هو ع و فيكون هو ص.

و بالجملة كلّما نريد الوحدة نأتي بحرف الوحدة و كلّما نريد الكثرة نأتي بحرفها و لاشكّ انّ الاشياء كلّها واحدة منها موجود من الوحدة و الكثرة ولكن بعض الاشياء الغالب فيه جهة الوحدة و بعضها الغالب فيه جهة الكثرة كما تقول انّه زيد صفراوي مع انّ الطبايع الاخر الثلث موجودة فيه ايضاً لانّ المراد بكونه صفراويّاً الجهة الغالبة فيه كذلك الاشياء في الوحدة و الكثرة كما قلنا في ضميرالمتكلّم وحده انا لانّ حكم الوحدة غالبة و حكم الكثرة مضمحلّة فلهذا اكتنفت النون بالهمزتين اوّلاً و اخراً لانّ هناك ظهور سلطان الوحدة و امّا في المتكلّم مع‏الغير فأتي بالحاء التي هي حرف الوحدة مكتنفة بالنونين اشارة الي

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 100 *»

انّ الوحدة مضمحلّة اذ هناك ظهور سلطان الكثرة كما قلنا في حرف التعريف اذا قدّمت الهمزة التي هي حرف الوحدة حرف التثبيت و التعريف و اذا قدّمت اللام التي هي حرف الكثرة فقيل لا صارت حرف نفي و حرف عدم لانّ الحكم للمقدّم من الحرفين فان كان حرف الوحدة مقدّماً فالحكم له و ان كان حرف الكثرة مقدّماً فالحكم له فلمّا زدنا مع اللام النون اجتمع الحرفان اللتان هما للكثرة جميعاً فصار النفي للتأبيد و اذا زيد مع اللام الميم صار لنفي المضارع و قلبه ماضياً و بالجملة كلّما ظهر سلطان حرف الوحدة و كان غالباً يكون الحرف حرف اثبات و كلّمااضمحلّ حرف الوحدة و غلب حرف الكثرة يكون الحكم حكم سلطان الكثرة فيكون الحرف حينئذ حرف نفي كما تري ذلك في «ال» و «لا».

و الحاصل لمّا كان مقام التعيّن الثاني اي النصف الثاني من القران مقام الابداع و الاختراع صار غالب اسمائه تعالي في سورة مريم الرحمن الذي يعطي كلّ ذي‏حقّ حقّه و الرحمة و ذكر رحمة ربّك  و قل ان كان للرحمن ولد الاية بخلاف التعيّن الاوّل ضرورة كون حكمة الاجمال و الوحدة و البساطة فلذا صار اسمه تعالي الظاهر في النصف الاوّل اسم اللّه و هذا التعيّن الاوّل هو الاسم الاعلي في السجود كما انّ التعيّن الثاني في مقام ذكر الركوع اي الرب العظيم و امّا الاسم الاعلي للتعيّن الاوّل فلانّ اشرف اعمال الصلوة و احوالها السجود لانّه مقام الفناء فناء المطلق مقام السكر مقام اندكاك الماهيّات مقام الموت فلذا يجعل اشرف الاعضاء و هو الجبهة علي انزل الموجودات و اخسّها الذي هو التراب و امّا في التعيّن الثاني الذي يقول فيه ربّي‏العظيم فليس رتبته رتبة الاضمحلال و مقام الفناء المطلق و انّما مقامه مقام ملاحظة الانيّة في‏الجملة و امّا مقام تكبيرة الاحرام فهو مقام عالم الملك عريض الكبرياء و امّا القيام فهو مقام القيام بالامر والخدمة له تعالي فلمّا قام بالخدمة خضع له فهوي للركوع فلمّا خضع رفعه اللّه تعالي عن الخضوع اي الركوع و خضع ثانياً فَاَعْدَمَ نفسَه و اَماتها شكراً له و خشوعاً و ذكره باسمه الاعلي والاسم الاعلي اشرف

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 101 *»

الاسماء و امّاالعظمة فهي بعد اسم الاعلي و ان كان هذا الاسم اي الظاهر بالعظمة كان للتعيّن الاوّل لكنّه لمّا لم‏تكن الكثرات الاّ في التعيّن الثاني اعطي الاوّل هذا الاسم للتعيّن الثاني فصارت العظمة اسماً للتعيّن الثاني.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 103 *»

 (الليلة الثامنة‏والعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال علي7 كما في النهج: «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقائِلُونَ وَ لا يُحْصي نِعَمَهُ الْعادُّونَ وَ لا يُؤَدّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ» الخطبة.

انّا قد بيّنا الولاية العامّة الاجماليّة و الولاية العامّة التفصيليّة و قلنا انّ الاجمال فيه جهة الوحدة غالبة فيكون هو اوّل، فيكون هو اشرف و قلنا انّ صاحب الولاية الاجماليّة من جهة اضمحلاله و فنائه بالنسبة الي مبدئه لما كان علي كمال ماينبغي بحيث لا انّية له و لا ماهيّة لم‏يظهر منه اثر ابداً قال تعالي ليس لك من الامر شي‏ء و قال تعالي  هنالك الولاية للّه الحقّ والحقّ صفة للّه و الصفة غيرالموصوف قال تعالي و يستنبئونك احقّ هو قل اي و ربّي انّه لحقّ و حيثما كان سبحانه تعالي لايباشر الاشياء و لايتولّي امرهم بذاته جعل لظهور ولايته تعالي محلاّ كان ذلك المحل هوالتعيّن.

و لمّا كان التعيّن الاوّل اقرب الاشياء الي المبدء و اقربها الوحدة و هو اشرف وجَب ان‏يكون مقامه مقام الوتر والفجر هوالحسين7  و ليال عشر هي الحسن والتسعة من ذرّية الحسين: والشفع هو علي7 لانّه له، من سنخه و حقيقته و انّما صار الحسين7 هوالفجر لانّه 7 به ظهر نور الحق قال تعالي انّ قرءان الفجر كان مشهوداً و امّا النهار فهو القائم عجّل‏اللّه فرجه و انّما عبّر عنهم بالليل لخفاء امرهم: و امّا النبي9 فهو وتر لانّه لااحد يعانيه و لا احد يدانيه و هو المثل الاعلي فكما انّه تعالي لاشبيه له و لانظير و لامثيل له كذلك هذا التعيّن الاوّل الاقدم و النور الاعظم صلّي‏اللّه عليه واله و سلّم بخلاف التعيّن الثاني لانّه له كفو و مثل نسبة الثاني الي الاوّل نسبة الكرسي الي العرش او قل نسبة المضارع الي الماضي لانّ الفعل الماضي واحد مبني لايدخله الاعراب و لايختلف باختلاف العوامل و امّا فعل المضارع فهو محلّ الاختلاف و محل دخول

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 104 *»

الاعراب و الكثرة و انّه مشتقّ منه للافعال الستّة الاخري و امّا اسم الفاعل و اسم المفعول فهما مشتقّان من المصدر لانّا قلنا انّ الفعل المطلق اي الفعل الماضي الثابت النافذ الذي ليس في مقابلة المضارع يشتقّ منه شيئان احدهما فعل من سنخه و الاخر مصدر من سنخ الاسم و المراد من الفعل هو المعني الذي كائن في نفسه لا الحدث مع الزمان ثمّ اشتقّ من الماضي صيغ ستّة اي افعال ستّة المضارع و الامر و النهي و الجحد و النفي و الاستفهام و اشتقّ من المصدر اسم‏الفاعل و اسم‏المفعول و الصفة المشبّهة و اسم‏الزمان و اسم‏الالة.

و امّا الماضي المطلق فنحن نعبّر عنه بالوجود المنبسط و هو الفعل الماضي يعني الثابت قال7 انّ الفعل خلق ساكن لايدرك بالسكون فرتبة الفعل المضارع من الفعل الماضي رتبة الباء من الالف و رتبة الباء رتبة الكثرة فلهذا تشعّبت الافعال من الامر و النهي و الجحد و النفي و الاستفهام من المضارع و اختلاف المضارع بهذه الافعال انّما هو بحسب التعلّقات و انّما سمّي المضارع مضارعاً لانّه اخوالماضي حيث ارتضعا من ثدي واحدٍ و حقيقةٍ واحدةٍ فتلك الحقيقة الواحدة قد قال اللّه تعالي للنصف منها كُن ماضياً و للنصف الاخر كُن مضارعاً لاالعكس كما قال تعالي للنصف كن عرشاً و للاخر كن كرسيّاً كما قال تعالي لتلك الجوهرة اي لنصفها كُن محمّداً و للاخر كُن عليّاً فهما في مقام الحقيقة واحدة و في مقام اَخَوان و في مقام ابناعمّ فهما8 اخَوان في مقام العرش و الكرسي لانّ احدهما اجمال و الاخر تفصيل مع انّ لكل واحد منهما وجود عليحدة معزول عن الاخر فليس احدهما الوجود والاخر الماهيّة كما قيل و العرش و الكرسي كلاهما من حقيقة واحدة و هي ذلك الدخان الذي صعد من تلك الياقوتة الحمراء التي نظر اليها سبحانه بنظر الهيبة فماعَت و ذابَت حتّي صعد منها دخان واحد و هما في الاخرة كالقلب و الصدر و كالعقل و النفس و امّا كونهما ابني‏عمّ فكالشمس و القمر لانّ الشمس ابن العرش من الكرسي و القمر ابن للكرسي

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 105 *»

و اعلم انّ الافراد كلّها قد انشعبت من حقيقة واحدة و اصل واحد فلامحالة تكون الافراد المنشعبة من الحقيقة الوحدانيّة اخوة كالعقل و النفس من الفؤاد لانّهما اخوان ابوهما و اصلهما الفؤاد.

ثمّ اعلم انّ الاصل لعالم الاجسام العرش و الكرسي ولكن لمّا لم‏يكن للموجودات السفليّة قابليّة تلقي الفيض من العرش و الكرسي بلاواسطة لتعاليهما و تدنّس السفليّات اُتِي بالافلاك السبعة وقايات لحفظ السفليّات عن الاحتراق و امّا الشمس فهو بيت المعمور و امّا القمر فهو صاحب التفصيل لتعلموا عدد السنين و الحساب لايقال انّ الفؤاد مقام الولاية لانّا نقول انّه ليس بولاية و لا نبوّة و انّما الفؤاد اسم بالحروف غيرمتصوت و بالشخص عيرمجسّد و باللون غيرمصبوغ مستور بغير حجاب بري‏ء عنه الامكنة والحدود مبعّد عنه الاقطار و النبّوة ليس فيها انّية و لاماهيّة و لاتعيّن بخلاف الولاية لانّها هي التي لها انّية و هو التصرف و هو التدبير و انّ النبوّة وساطة بلاملاحظة انّية و تعيّن و انّما هو حامل الفيض وحده و امّا التصرّف فهو للولي و بالجملة انّ النبوة بالنسبة الي الولاية نسبة الاب فهو9 اَبٌ لعلي7 كما في الرواية سأل الرضا7 رجل فقال له لماذا سمّي رسول‏اللّه9 بابي‏القاسم قال7 لانّ له9 كان ابن اسمه القاسم قال الراوي اَوَما تراني اهلاً للزيادة قال نعم لانّ رسول‏اللّه9 قال انا و علي اَبوا هذه الامّة و انّ عليّاً7 من الامّة و انّه7 قسيم الجنّة و النار فيكون هو9 اَباً لعلي7.

و بالجملة لمّا كان اللّه سبحانه لايباشر الاشياء بذاته و انّما يباشرها بالحَمَلة و المراد بالحَمَلة التعيّن فظهر الفعل و التأثير و الصنع في مقام التعيّن التفصيلي بخلاف التعيّن الاجمالي لانّه لايظهر في شي‏ء اذ لا انّية له كالهواء الذي لايظهر فيها نور الشمس للطافتها و عدم انّيتها و اضمحلالها كما في الخطبة التي خطبها يوم‏الجمعة و الغدير الي ان قال و اشهد انّ محمّداً عبده و رسوله استخلصه في القدم علي سائر الامم علي علم منه انفرد عن التشاكل و التماثل من ابناء الجنس و ائتمنه امراً و ناهياً عنه اقامه في سائر عالمه في الاداء مقامه اذ

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 106 *»

 كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثّله غوامض الظنون في الاسرار لااله الاّ هو الملك الجبّار قرن الاعتراف بنبوّته بالاعتراف بلاهوتيّته و اختصّه من تكرمته بمالم‏يلحقه فيه احد من بريّته الخطبة فلاانّية له9 كالزجاجة الصافية بخلاف المرءاة لانّها من حيث الزيبق الذي معها كان لها انّية فبذلك يجتمع معها النور فيظهر منها التأثير بل كانّها كوكب درّي يوقد من شجرة و لاريب انّ كلّما كان الشي‏ء كثافته اكثر يظهر فيه الفعل اكثر كالقَنْد الاحمر لانّه احلي من القند الابيض لزيادة كثافة الاحمر و كذلك الشكر و القند الابيض اذ الشكر احلي من القند لما مرّ و مثله العسل الاحمر بالنسبة الي العسل الابيض.

ثمّ اعلم انّ النبوّة نبوّتان و الولاية ولايتان ولاية ظاهرة و ولاية باطنة و كذلك النبوّة ظهوراً و بطوناً مثالهما العرش و الكرسي و الشمس و القمر فانّ العرش مثال للنبوّة الباطنة و الكرسي للولاية الباطنة و الشمس للنبوّة الظاهرة والقمر للولاية الظاهرة نسبة الكرسي الي العرش الاخوّة و نسبة الشمس و القمر نسبة ابني العمّ لانّ الشمس ولد للعرش من الكرسي لانّها تستمدّ من الكرسي و لذا لم‏يكن للشمس عرض لانّها لازال سيرها علي المنطقة اي منطقة البروج و القمر ولد الكرسي لكنّه يستمدّ نوره من الشمس و امّا التأثير و الفعل فللكرسي لانّيته بخلاف العرش فلذا صار اطلس لانّه مندكّ الماهيّة مضمحلّ الانّية فلم‏يكن محلاً للفعل والتأثير الاّ الكرسي لانّه مقام ظهور القدرة و التعيّن و لاريب انّ الذي لم‏يكن له ماهيّة و لاتعيّن اشرف من غيره لانّ الاضمحلال في الامكان هو الكمال و انّه لهو الاصل فيه.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين