15-02 جواهر الحکم المجلد الخامس عشر ـ مواعظ شهر رمضان سنه 1257 (المحاضرات) ـ چاپ

المحاضرات

 

 

افاضها

 

العالم الرباني و الحكيم الصمداني

الحاج السيد محمد كاظم الحسيني الرشتي

اعلي الله مقامه

 

في

شهر رمضان 1257

 

 

 

المواعظ النهارية

 

 

 

  قال الله تعالي:

اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمينَ

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 111 *»

 (اليوم الاول)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

هذه الاية الشريفة الآن مدة ثمانية سنوات تكلّمنا في تفسيرها في الوجه الثاني الذي يتعلّق بباطنها من الوجوه الغيرالمتناهية الي ان بلَغ الكلام في تفسير قوله و من دخله كان امنا فقلنا ان المراد من هذا البيت هو بيت‏الشرف و بيت‏السؤدد و بيت‏العلم و بيت‏المعرفة و بيت‏الكمال و بيت‏الجلال و بيت‏الرفعة و بيت‏المجد و بيت‏العزّة و بيت‏القدس و بيت‏الرحمة و بيت‏الهيمنة و بيت‏الاستعلاء و الرفع، اذن اللّه ان‏ترفع؛ و بيت‏الجمع و بيت‏الشمول و البيت‏المعمور الذي جري جميع ما اراد الله تعالي من خلقه في جميع العوالم من جميع الاحوال و الافعال و الاكوار و الادوار و هو بيت‏العلم و هو بيت‏الله  ماوسعني ارضي و لاسمائي و انّمايسعني قلب عبدي المؤمن قالوا «اذا تعذّرت الحقيقة فاقرب المجازات متعيّن» و لا شكّ انّ بعد تعذّر الحقيقة في ان‏يكون هذا القلب حاوياً لها يكون هذا القلب حاوياً لجميع الافعال الخلقيّة و الصفات الربوبيّة من الاسماء و الصفات الامكانية الحادثة مطلقاً فيكون هذا القلب بيتاً و محلاً للصفات الالهية و الاسماء الربّانية فيكون هذا البيت اشرف البيوت اذ هو محل معرفة اللّه فلابدّ ان‏يكون هذا البيت اوسع البيوت و احسنها و اشرفها و اكملها. و لا شكّ انّ عليّاً7 قلب لرسول اللّه9 و بيت لعلمه و لاشكّ انّ عليّاً اميرالمؤمنين هو الذي وضع ببكّة مباركاً فيه ايات بيّنات.

فلمّا كان هو7 بيت الطهارة و القدس و مأوي النظافة و الانس نقول ان الداخل في هذا البيت لايجوز ان‏يكون نجساً لاظاهراً و لاباطناً سواء كان نجاسته مسرية ام لا و سواء كان حصول

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 112 *»

النجاسة من الجنابة او من الحيض او من الحدث الاصغر او من غيرها. فانّه اذا كان كذلك لايجوز له الدخول فيه ابداً لانّ الدخول له شرايط فاذا تحقّقت حصل الدخول و اذا تحقّق الدخول كان امناً.

فاذا علمت ما اشرنا اليه فاعلم ان للانسان جسم و روح و له غيب و شهادة و لا ريب انّ احكام الغيب و احكام الشهادة متطابقة لكون وحدة امراللّه و ما امرنا الاّ واحدة فلما لم‏يجز الدخول الاّ لمن كان ظاهر جسده طاهراً كذلك لايجوز الدخول الاّ لمن يكون باطن جسده يعني روحه طاهراً فلمّا كانت الروح طاهرة من الارجاس و الاخباث و مطهّرة من الانجاس حصل شرط الدخول. فالداخل يري سرّ المقام ثمّ حقيقة الركن و حقيقة حطيم و يري سر المنبر و يري حقيقة معني امانتي ادّيتها و ميثاقي وافيت بادابه الخ و هذا الداخل الذي طهر باطنه يشاهد سرّ الكل اي سرّ تفاصيل اوضاع البيت و احوالها كلها فهو اذاً آمن من جميع الاهوال و الشدايد مطلقاً. و لا ريب انّ ابن‏زبير دخل مكّة و قُتل في البيت فليس المراد بالدخول هذا المعني الظاهري بل له شرايط كما سنذكرها لك و نتلوها عليك ان‏شاءاللّه تعالي.

ثمّ اعلم ان من لم‏يأت بالشرايط الباطنة و الظاهرة معاً لم‏يدخله ابداً لانّ هناك ملائكة غلاظ شداد يمنعونه عن الدخول. فمن راعي الشرايط و وافي بها دخله ظاهراً و باطناً و الداخل الحقيقي الواقعي الحاضر قلبه يري انّ رسول اللّه9 و الائمّة الطاهرين: و الانبياء كلّهم هناك خاضعين خاشعين ذليلين منقادين ساجدين فيخشع حينئذ قلبه فكيف يجتري بعدم الخضوع مع مشاهدة حقيقة الجلال و كيف يجسر في مخالفته مع تلك الحال لانّه يري الامام7. ورد انّ موسي7 لمّاسأل ما سأل تجلّي له ربّه بقدر سمّ الابرة مات بنواسرائيل و اندكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً و قدكان النور من رجل من شيعته7 فما ظنّك بنور الامام7 نفسه. و لا شك انّ نور جسد الامام7 و حضور روحه7  في البيت اعلي و اعلي لكن هيهنا اجسام لا ارواح لها فلايرون ما اراهم اللّه و لايسمعون و لايعقلون اموات غير احياء فهم لايشعرون. نعم ظنّوا شيئاً ولكن الظن لايغني من الحق شيئاً فانّ الايمان ليس

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 113 *»

بالظن و التخمين و انّما هو بالقطع و اليقين و لايكون الايمان و اليقين الاّ بالعمل. قال7 يقين المرء يري في عمله.

و الحاصل هذا البيت بيت‏اللّه الذي قال ماوسعني ارضي و لا سمائي و انّمايسعني قلب عبدي المؤمن فهذا البيت لايدخله الاّ من كان ذاروح طيبة طاهرة و اما دخول البيت من غير دخول الروح فليس الدخول دخولاً لانّ هناك ملائكة غلاظ شداد يمنعونه عن الدخول فالداخل له اداب و شرايط فمن دخل بادابها و شرايطها يعرف البيت و صاحبه و مقاماته ولكن الداخلين قليلون و المؤمن قليل و المؤمن قليل و انّما نجري احكام الايمان علي هؤلاء المؤمنين لاجل الايمان الظاهري والاّ فهم ليسوا بمؤمنين في الحقيقة و اليه الاشارة بقوله تعالي و اذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كأنّهم خشب مسنّدة يحسبون كلّ صيحة عليهم هم العدوّ فاحذرهم قاتلهم اللّه انّي يؤفكون فهؤلاء همج رعاع و هم البهائم قال الباقر7 الناس كلّهم بهائم الاّ المؤمن و المؤمن قليل و المؤمن قليل و قال7  المؤمنة اعزّ من المؤمن و المؤمن اعزّ من الكبريت الاحمر و هل وجد احدكم الكبريت الاحمر و هؤلاء هم الذين قال الله فيهم لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اذان لايسمعون بها و لهم اعين لايبصرون بها اولئك كالانعام بل هم اضلّ اولئك هم الغافلون فليس لهم قلب مخلوق يعني لايلتفتون الي ما يريد اللّه تعالي منهم من المعارف و الاعمال و الدليل علي انّهم لا يلتفتون الي تكاليفهم المرادة منهم هو هذه الابداعات منهم و دقايقهم المرعية لديهم في الامور الدنيوية فلو كانوا هؤلاء متوجهين مقبلين الي ربّهم ناظرين الي صانعهم و بارئهم بصفاء سريرتهم و حسن طويّتهم و كينونتهم لكانوا واصلين داخلين و لكان لهم نور اشرق من نور الشمس فلما لم‏يكونوا داخلين ليس لهم نور و لا لهم ظهور كانهم الحجارة او اشدّ قسوة. و لا ريب انّ الامام7 نور اي منير و لا ريب انّ الشيعة نوره7 اي اشعته و لا ريب انّ كل جزء من اجزاء نور الشمس له نورانية كنور الشمس لانّ الشيعة يحكي امامه7  و نور الشيعة به يندكّ الجبل و يذوب ما في الارض.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 114 *»

الا سمعت انّ نور رجل من شيعته 7 لماظهر و تجلّي علي الجبل خرّ موسي صعقا و مات بنواسرائيل و اندك الجبل ثمّ احترقوا. فاذا كان نور الامام7 و ظهوره كذلك فما ظنّك بالامام7 بنفسه.

و الداخل له علامات شاهدة علي انه داخل يقين المرء يري في عمله و الداخل الذي يكون امنا من جميع الاهوال و الشدائد مطلقاً في الدنيا و البرزخ و الاخرة له صفات و علامات يعرف بها فنذكرها فيمابعد ليعرف الداخل من غير الداخل من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر.

من جملة صفاته انّه لايلتفت الي غيره7 لمايدخل حضرته و يري نفسه بحضرته و من جملتها انه ينزل عليه الملائكة انّ الذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة و يستقبلونه فيدخلونه بالحرم الشريف فيشاهد ما يشاهد من الجلال و الجمال و العظمة و الكبرياء و الالاء و لهذا لماوصل الي الباب يقف عندها و يشهد الشهادتين و يكبّر مأة مرّة علي النحو المأثور لانّ هذا المقام يقتضي هذا لا غير لعظمته و رفعته و مجده لانّه بيت جمَع جميع الخيرات كلها فادخلوا الباب سجّداً و قولوا حطّة نغفر لكم خطاياكم و سنزيد المحسنين.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين


«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 115 *»

 (اليوم الثاني)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

قلنا انّ هذا البيت المبارك قد انحصر الامان فيه فمن‏دخله كان امناً والاّ فلا و قلنا انّ هذا البيت المراد به بيت‏الشرف و بيت‏الفخر و بيت‏السودد و بيت‏العلم و بيت‏الكرم و هو بيت‏المكرّم المعظّم و هو اوّل بيت وضع للناس للذي ببكّة و هو هذا البيت الذي من دخله كان امناً و هذا البيت هو ولاية علي7 و معرفته و هو بيت‏الامان من جميع الحدثان و هو مأمن من كل مكروه و محذور و هو البيت الذي هو القبلة الآن لكل احد من الخلق اجمعين لا يؤمن من عذاب اللّه الواصب الاّ من دخله.

فلمّانظرنا الي علّة الامان رأينا امان كل احد هو اميرالمؤمنين7 لان من اقرّ به7 فقد اقرّ بالنبوّة و الربوبيّة بخلاف من اقرّ بالنبوّة او الربوبيّة وحدها كما انّ كثيراً من الناس امنوا باللّه و بالرسول و لم يؤمنوا بعلي7 فلم‏يك ينفعهم ايمانهم ابداً لانّ الاقرار بالنبوّة بل الاقرار بالانبياء: هو مقدمة للاقرار بالولي. الا تري قوله تعالي يا ايّها الرسول بلّغ ما انزل اليك في علي فان لم‏تفعل فمابلّغت رسالته مع انّه9 كان يبلّغ الناس مدة ثلث و عشرين سنة لانّ المراد ببعثة نبيّنا9 هو تبليغ ولايته7 و تبليغ الاحكام القرانية لانّها وصف قالي و بيان نقلي لعلي7 قال7 كل ما في القران في الباء و كل ما فيها في النقطة و انا النقطة تحت الباء هـ. و هو 7 الهداية المشاراليها في قوله تعالي و انّي لغفّار لمن تاب و امن و عمل صالحاً ثم اهتدي يعني ثمّ اهتدي الي ولاية علي7 لانّه7 هو المقصود من الايمان لانّ من اقرّ به اقرّ

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 116 *»

بالرسول و من اقرّ بالرسول اقرّ باللّه من غير عكس. و يؤيّد هذا قوله9  كما رواه اخطب خوارزم عنه9قال قال لمّا اسري بي الي السماء قال لي تعالي‏شأنه لو انّ عبداً عبدني حتي يصير كالشّن البالي ثم يحج مأة الف حجة و يعتمر مأة الف عمرة و يشبع مأة الف جائع و يروّي مأة الف عطشان و يكسي مأة الف عريان و يعتق مأة الف نسمة و يجاهد مع رسول اللّه مأة الف غزوة ثمّ قتل بين الركن و المقام مظلوماً شهيداً و يأتيني بغير ولاية ابن عمّك علي‏بن‏ابي‏طالب لاكببته علي نار جهنم نقله الفريقان.

فاذا كان الايمان منوطاً بولاية علي7 و الاقرار له7  كان جميع الانبياء: مقدّمة له7 فلايكون المؤمن مؤمناً الاّ بالتسليم له و الاقرار به7 و كذلك لا يُغْفَر احد و لا تنفع توبة الاّ به7 و اليه ناظر قوله تعالي و لو انّهم اذ ظلموا انفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه و استغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه توّاباً رحيماً لانّ الخطاب في جاءوك لعلي7 بقرينة و استغفر لهم الرسول والاّ لكان الانسب ان يقول لاستغفرت. فالمراد هو انّ الظالم العاصي اذا جاءك يا علي و استغفر اللّه و استغفر له الرسول يغفر و يثاب عليه والاّ فلا، كما يؤيّد ذلك ما هو في اية اخري حيث يقول استغفرت لهم ام لم‏تستغفر لهم لن‏يغفر اللّه لهم فلمّا كان مناط الايمان هو الاقرار لعلي7 قال فان لم‏تفعل فمابلّغت رسالته.

فلمّا كان كذلك علمنا انّ هذا هو الدين و هو الايمان و هو الاسلام و علمنا انّ الداخلين في ولايته قليلون لانّ الدخول له شرايط و اداب اعظمها و اصلها بل كلها الاقرار لعلي7 بظاهر جسده و باطن روحه لانّ الايمان الكامل هو الاقرار باللسان و العمل بالاركان و الاعتقاد بالجنان فلا كلّ من امن لساناً امن قلباً كما انّ كل من دخل المسجدالحرام بجسده دخل بقلبه و انّه مأمون من الشدائد و الاهوال و سائر المكاره لانّا نقطع و نجزم بان جميع الداخلين في بيت‏الحرام ليسوا بامنين من المكاره الدنيوية و الاخروية بل كثير منهم في نار جهنم خالدون و في السقر معذّبون و في البرزخ و اهوال القبر و الضحضاح متألّمون و الضحضاح هو اهون العذاب و قوله تعالي و من دخله كان امناً مطلق غير مقيد. و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 117 *»

لا ريب ان المطلق حجة في افراد الحقيقة كلها فيفيد العموم يعني انّ من دخل كان مأموناً من كل شي‏ء من المكاره و الاهوال لانّ حذف المتعلق دليل علي عموم المتعلق والاّ لكان ذكره لازماً علي الحكيم يعني امنا من كل اهوال الدنيا و اهوال البرزخ و اهوال الاخرة.

فاذا علمت هذا نقول انّه علي ظاهر الاية ترد ايرادات منها انّه قد ورد عذاب البرزخ للشيعة مع انّ الشيعة دخل بيت الولاية و عذاب المحشر كذلك و هكذا في الدنيا كما تري تعرضه الالام و الاسقام ثمّ الهموم و الملمّات و النوازل و الزلازل و المكاره و غيرها من انواع البلايا و المحن حتي انّ ائمّتنا: ابتلوا ببلايا و كُرب كالقتل و السبي و النهب فقتلوا و سمّوا و سبّوا و نهبوا و سلبوا و تأذوا و ابتلوا و كذا شيعتهم من الانبياء: و غيرهم من الرعيّة المخلصين كسلمان و اشباهه مع انّ هؤلاء نخبة الوجود و سرّ الغيب و الشهود و هم: دخلوا هذا البيت قطعاً فلولاهم داخلون لم يكن لاحد الدخول قط لانّه اذاً تكليف بمالايطاق. فاذا كان الامر كذلك يجب بيان التوفيق بين قوله تعالي و من دخله كان امناً من جميع المكاره و بين هذه الالام و الشدائد الواردة علي هؤلاء الكرام:.

فنقول لهذا الايراد جوابان احدهما قريب الي الافهام و الاخر بعيد عنها في‏الجملة. فامّا الاوّل فلمّا كان في العالم الاوّل عالم الذر عرض عليهم التكليف اوّلُ من قبل التكليف و اجاب داعي ربّه اوّلاً قبل جميع الموجودات هو محمّد9 كما يؤيّد ذلك ما رواه محمّد بن جرير الطبري الي ان قال سئل النبي9 لم بُعثت اخر الانبياء و انت اشرفهم قال9 لانّي اجبت داعي ربّي اوّلاً قبل كل الموجودات  فاوّل من سبق في هذا الميدان هو رسول اللّه9  ثمّ عرض التكليف علي علي7 فقَبِلَ هو كما قبِل محمّد9 ثمّ عرض علي الحسن ثمّ عرض علي الحسين ثمّ عرض علي القائم ثمّ عرض علي الائمّة الثمانية: ثمّ عرض علي فاطمة 3 قبِل كل واحد منهم علي الترتيب فسبقوا هم: في الاجابة قبل جميع الذرات الوجودية من الغيبية و الشهودية و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 118 *»

كان ايمان نبيّنا9 و اقراره بجميع ظاهره و باطنه و سرّه و علانيته و غيبه و شهوده بشعره و بشره و مخّه و عصبه و عروقه و اوردته و جواهره و اعراضه و صفاته و ذاته و فعله و اضافاته و نِسَبه و كمّه و كيفه و زمانه و مكانه و جهته و رتبته و حركاته و سكناته و لحظاته و خطراته و لمحاته و بجميع ما له و منه و به و عنه و فيه و عليه و لديه و عنده و معه و كذلك اقرار علي و اولاده الاحدعشر و فاطمة الصديقة: حرفاً بحرف.

فلمّا اقرّوا هم: و ظهرت منهم انوار مشرقة مضيئة استضاء العالم بنورهم و استشرق بحيث لم يبق هناك مُدْلَهِمٌّ غاسق ابداً انكر الاوّل حسداً و عناداً و بغضاً و عتوّاً انكاره في الاحاطة و الشمول كاقرار رسول اللّه9 يعني انكر بظاهره و باطنه و سرّه و علانيته و ذاته و فعله و مجرّده و مادّيه و اعراضه و جواهره و كمّه و كيفه و جهته و رتبته و وجوده و مهيّته الخ ثمّ تلاه الثاني في الانكار حرفاً بحرف ثم الثالث كالثاني ثم الرابع ثم بنواميّة ثم بنوالعباس و قال المنافقون بعد ما رأوا اطاعة ائمّتنا و عبادتهم و خضوعهم و خشوعهم لربّهم قالوا يا ربنا لو اعطيتنا دولة و خصصتنا بسلطنة كما جعلت لهم: لنطيعك و نعبدك مثلهم يعني قالوا ربّنا حيث انّك شرّفتهم و سلّطتهم و كرّمتهم و قوّيتهم و اعطيتهم من الكمالات و الفضائل و جعلت لهم الشوكة و السلطنة و التصرف و التدبير و رزقتهم الصولة و القدرة اطاعوك و فعلوا مافعلوا و عملوا ماعملوا من الصالحات و الخيرات و المبرّات ثمّ باشروا اوامرك و نواهيك فلو جعلتها اي لو جعلت هذه السلطنة و القدرة و القوّة لنا لكنّا مثلهم فيما صدر عنهم من الاعمال بعينه كما هو في قضيّة ابليس و ايوب النبي7 حرفاً بحرف. فاجاب اللّه سبحانه دعوتهم و اعطاهم باموالهم و رزقهم مسئولهم فجعلهم سلاطين اقوياء ثمّ قدّم سلطنتهم علي سلطنة الحق ليعلم الناس بعدهم بانّهم كانوا كاذبين في دعويهم بالنسبة الي اطاعة اللّه مع قدرتهم و تمكّنهم عليها حتي لا يكون للناس علي اللّه حجّة يعني لما كان اللّه سبحانه لايجعل لاحد حجّة الاّ و يقطعها، جعل لهم الدولة و المكنة في برهة من الايام ولكنه تعالي لم يجعل للكافرين علي

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 119 *»

المؤمنين سبيلاً و انّما جعل الدولة للمنافقين بعد ما اخذ من الاكابر و المؤمنين من الانبياء و المرسلين التزهّد و التورّع من هذه الدنيا و الاعراض عن حطامها و لذّاتها و ما فيها من المطاعم و المئاكل كما اشار اليه7 في دعاء الندبة حيث قال الحمدللّه علي ما جري به قضاؤك في اوليائك الذين استخلصتهم لنفسك و دينك اذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له و لا اضمحلال بعد ان شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية و زخرفها و زبرجها فشرطوا لك ذلك و علمت منهم الوفاء به فقبلتهم و قرّبتهم و قدّمت لهم الذكر العلي و الثناء الجلي و اهبطت عليهم ملائكتك و اكرمتهم و رفدتهم بعلمك و جعلتهم الذرايع اليك و الوسيلة الي رضوانك الدعاء.

فبناء علي هذا تراهم: يتحمّلون في هذه الدار الكربات و البلايا و المكروهات و الاذيات كلها لاجل العهد الاوّل في العالم الاوّل فلمّا كان الامر كذلك تراهم مغلوبين مغمورين مستورين مخفيين لان الظلم شأنه دائماً اطفاء النور و اما شأن المؤمن الصبر و التحمّل قال تعالي يا ايّها الذين امنوا اصبروا و صابروا و رابطوا لعلّكم تفلحون و قال فاصفح عنهم و شاورهم في الامر فهذه البلايا و المحن ارادوها هم: للعهد الذي كان في العالم الاوّل كما مرّ فيكون هذه البلايا راحة لهم و هي دائميّة حتي يظهر امر اللّه لا يتوهّم انّ هذا الامر حتم عليهم: من اللّه لانّهم لمّا ارادوا ازاحة الظلمة الحادثة بانكار المنافقين قبلوا تحمّل هذه الاذيات كلّها ليكون شيعتهم في راحة في الدنيا و الاخرة والاّ فليس شي‏ء محتوماً عليهم : كما انّ اهل الجنّة كذلك. الا رأيت المكتوب الذي وقع علي قربوس سرج فرس الحسين7 يوم الطّفّ و قد كان مما فيه يا حسين ما حتمنا لك هذا الامر و انّما كان هذا راحة للناس و اظهاراً لما في بواطن المنافقين و حَسْماً لحجتهم فلمّا كان الامر كذلك اختاروا هم: ما اختار اللّه تعالي لهم من الشهادة و السّبي و النهب و السلب و غيرها من الشدائد الدنيوية من غير حصول عدم رضاء منهم: ابداً و لذا كانوا هم بشاشين مستبشرين فرحين علي ما اتاهم اللّه من فضله فلما كان

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 120 *»

العوالم متطابقة وقع في عالم الاجسام ما وقع في عالم الارواح من العهد و الميثاق كما ذكرنا ولكن لمّا كان الناس صنفين صنف هم الذين ما نسوا العهد الاوّل بل بقوا علي علمهم و صنف هم الناسون ذاك و ذلك حيث تنزّلوا في قوس الادبار الي هذا العالم قال تعالي لهؤلاء الناسين اللاهين عن العهد القديم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون و من العهد المنسي هو فقر المؤمنين في هذه الدار و اما المنافقون فلهم المال و الثروة لما قلنا من تقديم دولتهم في الدنيا كي تقطع حجتهم الباطلة ليميز الخبيث من الطّيّب فيكون مالهم و ثروتهم و مهلتهم وبالاً لهم انّما نملي لهم ليزدادوا اثماً و لهم عذاب مُهين. و لولا ان يكون الناس امّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة و معارج عليها يظهرون فلمّا تقدّمت دولتهم صار اهل الحق حقيرين ذليلين مغلوبين مقهورين متشتّتين في اطراف الارض فقراء مساكين.

و امّا سليمان بن داود و اشباهه من حيث ماله و مكنته و سلطنته و جبروته و قهّاريته فكان تسلّطه و استيلاؤه لاجل انّ الحق لما اراد ان يختفي بالمرّة و كاد ان تنمحي الكلمة كلمة الحق لاستيلاء الباطل و غلبة الجور اظهره اللّه تعالي لاعلاء الكلمة و حفظها و بقائها في‏الجملة لانّ العالم لا يدور الاّ علي الحق فلولاه لانعدم العالم بالمرّة فلمّا كان الانعدام خلاف الحكمة المتينة و كانت عادة اللّه هي انّه لمّا غلب الجور و اشتدّ الظلم و اختفي الحق و ظهرت البدع يبعث اللّه تعالي واحداً من كرام عباده ثمّ يؤيّده بالقدرة و السلطنة و الشوكة لاعلاء الكلمة و اظهارها ولو كان بالقتل و الجهاد ثمّ يخفي ذلك المُعلي و يغيب لحصول المطلوب الذي هو الاعلاء دون وجود من يعلِي الكلمة و ذلك لما علمت بان الدولة الان للظالمين ان هذه عادة اللّه في الابلاغ كيف لا و انّه تعالي حتم علي نفسه اَلاّ يلجئ احداً علي شي‏ء و هو تعالي مع ذلك اراد اظهار كلمة الحق فلايكون ذلك الاّ كما ذكرنا.

ثمّ لمّا كان المؤمنون احبّوا الفقر و الفاقة و رضوا بالشدائد و المحن كالعلاجات للمرضي الا تري انّهم يرضون بالكي و الفصد و الحجامة و امثالها

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 121 *»

في محلّها و ان كان لها وَجَع مُولم الا ان ذلك الوجع و التأثير بالنسبة الي تلك المقامات و المراتب و الدرجات من قرب الحق و الاستيناس بالمحبوب مستهلك معدوم.

لا يقال انّ بعضاً من المؤمنين في دارالدنيا يميلون الي الدنيا و هم غير متمكّنين منها فلوكان الامر كما قلت بانّهم كانوا تركوها باختيارهم في ذلك العالم فكيف يطلبونها ثانياً ثمّ انّهم اذا كانوا مختارين فلِماذا لا يعطون ما يطلبون لانّا نقول اوّلاً هؤلاء نسوا العهد لضعفهم و اعراضهم و بُعدهم عن مبدء الحق و لهذا يقولون ذلك بظاهر السنتهم و هم في قلوبهم لا يرضون بها ابداً فهؤلاء حكمهم حكم المريض اذا امره الطبيب بشرب الادوية المُرّة و العقاقير المهوّعة حيث انّك تري انّ المريض لا يرضي بظاهر لسانه و لا يشتهيه و ان كان راضياً بها في قلبه و لذا لا يستجيب دعوته طبيبه الذي يعالجه ضرورة ان في ما يشتهيه ظاهر لسانه هلاك نفسه فالمقتضي لتشريب الادوية اياه لسان حال المريض و سؤال كينونته فانه راض بذلك العلاج كيف ما كان شاعراً مختاراً و الدليل علي رضاء المريض و ارادته هو انه لما يبرء هو بعد ان يعتدل مزاجه يدعو للطبيب و يسترحمه و يحمده و يثنيه و هو راض غاية الرضاء من علاجه قال7 لو كشف الغطاء لما اخترتم الا الواقع يعني اخترتم ما وقع لكم و قبلتم ما هو حاصل لديكم و رضيتم بما عندكم. نعم الناس قسمان: قسم لم ينسوا العهد القديم علي ما ارادوا من الاحكام الواردة عليهم و قسم هم الناسون ذلك فلاجل هذاالنسيان بعث الانبياء و العلماء الذاكرون فعلّمهم اداب ذلك العهد و احكامه و شرايعه ليوصلهم بها الي الدرجات العاليات و ينبّههم بتلك المراتب و المقامات التي نزلوا منها و غفلوا في قوس الادبار.

ثم اعلم ان الله تعالي اوجب علي نفسه ان لايعمل بعلمه والاّ لكان يدخل الجنة اهل الجنة و مثله النار اهلها قبل نزولهم الي هذه الدنيا و انّما اقتضت حكمته المتينة و تعلقت ارادته الماضية بان يجزيهم حسب ما يظهر من اعمالهم الحسنة المقبولة و اعمالهم القبيحة المردودة كي لا يبقي لمحتج حجة علي الحكيم تعالي و لا ريب في كثرة المنافقين و خدعهم فلولم‏يختبروا في هذه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 122 *»

الدار باعمالهم بعد ما هداهم اللّه النجدين لكانوا يحتجون في القيمة فكانوا يقولون يا ربّنا قلنا ما قال اهل الجنّة و فعلنا ما هم فعلوه فلماذا ياالهنا تجزيهم بجنّتك و تحشرنا الي نارك و هوانك؟ فعند ذلك لا يجوز له تعالي ان يدخلهم النار و لا ان يدخلهم الجنّة. فلمّا اراد اللّه قطع حججهم و حجج العالمين كلّفهم بما كلّفهم كما كلّفهم عليه و هم نازلون الي هذه الدنيا الدنية ثم جعل لهم القدرة و الاستطاعة حتي تزيّلوا و امتازوا كي يعرفوا هم انفسهم و يعرفهم من سواهم قطعاً لما يأتون من حجة كاذبة ذلك تقدير العزيز العليم.

و بالجملة انّ البلايا و المحن للانبياء و المؤمنين و الابرار تُحَفٌ  من اللّه اليهم انعمهم بها و هم يعلمون حكمتها و سرّها و يرون حقيقتها و هم مستبشرون بما يرد عليهم من البلايا و المحن فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به. و اما الباقون من المكلّفين المؤمنين المستضعفين الذين نسوا ما ذكروا به من العهد فهم كالاطفال و المرضي فاولئك لما طابوا من المرض و كبروا و هم راشدون يحمدون اللّه علي ما انعم عليهم من الفقر و الشدة و المحنة و المكروه في هذه الدنيا و يعرفون انّ ما ادّخر لهم ربّهم في الاخرة مما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر غاية العناية و الكرم فيشكرون اللّه لذلك و هم مستبشرون قال7 الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا و اهل البرزخ  نيام اذا بعثوا انتبهوا و هم نيام اذا اكلوا من كبد الثور انتبهوا و هم نيام اذا اكلوا من كبد الحوت انتبهوا و هم نيام اذا شربوا من عين الكافور انتبهوا و هم نيام اذا شربوا من عين سلسبيل الذي مزاجه زنجبيل انتبهوا و هم نيام اذا دخلوا كثيب الاحمر انتبهوا و هم نيام اذا دخلوا الرفرف الاخضر انتبهوا و هم نيام اذا دخلوا ارض الزعفران انتبهوا و هم نيام اذا دخلوا عالم الاعراف انتبهوا و هم نيام اذا دخلوا عالم الرضوان انتبهوا فهم لا يأخذهم نوم و لا سنة فهم هنالك عالمون بالغون موجودون ابدالابدين خلقتم للبقاء لا للفناء.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 123 *»

 (اليوم الثالث)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

ورد انّ رجلاً اتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله فقال انّي احبّ اللّه تعالي قال صلّي اللّه عليه و اله فاستعد للبلاء ثمّ قال يا رسول‏الله انّي احبّك قال9 فاستعد للفقر ثمّ قال انّي احبّ عليّاً7 قال9 فاستعد لكثرة الاعداء. فعلي مفاد هذا الحديث كيف يكون المؤمن امناً مع وجود الفقر و البلايا و المحن و كثرة العدو.

قال بعض العلماء في تفسير ذلك و بيانه انّ الداخلين مأمونون في الاخرة و اما في الدنيا فلا لعروض العوارض و البلايا عليهم. قلنا في جواب القائل انّ هذا ما قطع العلم بضرس قاطع وجه ذلك هو انّ هذه المحن و الالام انّما جعلت للمؤمنين بعد ما حسد الحاسدون و قالوا يا ربنا انك حيث جعلت للمؤمنين دولة و قدرة علي ما شاءوا كيفما شاءوا يعبدونك و يقبِلون اليك فلولا ذلك لم يكونوا عابدين بحال من الاحوال كما قال الشيطان في قصّة ايّوب7 و ابتلائه مدة سبع سنين بتلك البلية العظمي و العطية الكبري. و اراد هو تعالي ابطال حجتهم و نقض قولهم اتحف سبحانه عباده المؤمنين بهذه التحف و البلايا بعد ما اخذ منهم العهد بالزهد ماداموا في هذه الدار الملعونة الفانية الزائلة و هم يعلمون انّه تعالي جعل الدولة لاهل الباطل في هذه الدنيا الدنية الخسيسة الملعونة في ايام قلائل فصبروا علي ذلك و هم قادرون علي دفعها عن انفسهم لكنّهم امتثلوا ما اراده اللّه تعالي.

هذه البلايا من الامان يهديها اللّه للمؤمن حتي يكره الدنيا و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 124 *»

يحب الاخرة حتي ينقله اليها باختياره قال تعالي ما تردّدت في شي‏ء انا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت و اكره مساءته الخبر لانّ الموت مااحبّه الاّ محمّد و آله: و اما الباقون حتي الانبياء: فكانوا يكرهونه كما في قصّة موسي و ابراهيم لكنّهم كانوا يريدون البقاء لاجل العبودية و الاخلاص للّه تعالي فلم يتمنَّ الموت الاّ هم: و لذا ورد انّ وقت المباهلة يقول الكافر للمؤمن ان كنت حقاً تمنَّ الموت فالمؤمن هو الذي يتمنّي الموت فتمنّوا الموت ان كنتم صادقين و الحاصل انّ المؤمن لا يكون مؤمناً الاّ اذا دخل البيت خاضعاً خاشعاً و انّه لكبيرة الاّ علي الخاشعين الذين يظنون انّهم ملاقوا ربّهم و انهم اليه يحشرون. فادخلوا الباب سجّداً و قولوا حطّة نغفر لكم خطاياكم و سنزيد المحسنين لانّ دخول البيت من دون بابه محال لانّ الباب ظاهر البيت و مظهره و هو القرية الظاهرة للسير الي القري المباركة لكن بني‏اسرائيل دخلوا الباب فقالوا حطة سمقاسا يعني حنطة حمراء بادغام النون في الطاء كما يقال اَتَّ في انت الا قليل منهم دخلوا كما امروا فَاَمِنُوا بعد ما امنوا من الاهوال في الاحوال كلها.

و العلة في باب الحطة التي بناها موسي7 لبني‏اسرائيل هي انه ما بعث نبي الاّ و بشّر بنبيّنا محمّد بن عبداللّه9 و بوصيّه الذي هو باب اللّه الاعظم بعد النبي المكرّم المعظم صلّي اللّه عليه و اله فلما بشّر بني‏اسرائيل موسي نبيّهم اقرّوا به ظاهراً اختبرهم موسي بوحي من اللّه سبحانه بباب حطة كما اختبر موسي الاول نبيّنا9 بباب حطته علي لانّ معرفته تحطّ الذنوب و تأكل السيّئات كما تأكل النار الحطب.

قل لمن والي علي المرتضي   لا تخافنّ عظيم السيّئات
حبّه الاكسير لو ذُرَّ علي   سيّئات الخلق صارت حسنات

فالبلايا هدايا لاهل الايمان و من الهدايا الفقر كما كان في عصر ابراهيم الخليل7 كلّ من امن يفتقر فقراً لا حدّ له و ان كان هو قبل ايمانه من اهل الالوف و اللكوك فلمّا رأت امّته7 كذلك شكوا اليه من ذلك فدعا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 125 *»

ابراهيم7 ربّه ان يجعل في المؤمنين ايضاً من اهل المكنة و الدول لئلا يضطربوا في امر معاشهم فالغني هذا انّما هو بطلب النبي ثانياً والاّ فعلي مقتضي العهد في الذر هو الفقر و الزهد لا غير و انّما جعل سبحانه الدولة و الثروة للكفار و المنافقين لا لانّهم يستحقون ذلك و انّما هو استدراج منه تعالي لهم انّما نملي لهم ليزدادوا اثماً و لهم عذاب مهين.

فهذه البلايا الواردة علي المؤمنين تارة لاجل اللطخ مع الكفار و الاشرار و اخري لما وقع في عالم الذر اي عالم الست حين ما خلق الخلق فقال لهم الست بربّكم و محمّد نبيّكم و علي و اولاده الاحد عشر المعصومون و فاطمة الصديقة اولياءكم و ائمّتكم قبِل من اقبل و انكر من انكر فمن امن و قبل جعل ارواحهم في علييّن باطن الكرسي و من انكر و كفر جعل ارواحهم في سجين كتاب الفجار في الثري و المقبلون المؤمنون منهم السابقون السابقون اولئك هم المقرّبون و منهم التابعون لاولئك السابقين هم اصحاب اليمين و المنكرون الكافرون ايضاً منهم المتبوعون الذين سبقوا في الانكار قبل كل احد فهم الائمّة الذين يدعون الي النار و منهم التابعون لهم و من اهل عالم الذر المتوقّفون الذين لم يعرفوا الحق من الباطل المسمّون بالمستضعفين. و الي الاقسام الخمسة المذكورة نص اللّه سبحانه في كتابه العزيز و السابقون الاوّلون من المهاجرين و الانصار و الذين اتبعوهم باحسان رضي اللّه عنهم و رضوا عنه و اعدّ لهم جنّات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابداً ذلك الفوز العظيم. و ممن حولكم من الاعراب منافقون و من اهل المدينة مردوا علي النفاق الي قوله و اخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً و اخر سيّئاً. و قال و اخرون مرجون لامر اللّه امّا يعذّبهم و اما يتوب عليهم.

فامّا السابقون فهم الائمّة الطاهرون المتقون المصطفون عليهم سلام‏اللّه مادام الناس سائرون الي درجات القرب واصلون و اما الذين اتبعوهم باحسان هم الانبياء: ثمّ الرعيّة الذين خلقوا من شعاع الانبياء : و اما السابق في الانكار فهم اوّل الاشرار و رئيس الكفار الذي لايسمّي لانه عار علي الاخيار ثمّ

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 126 *»

الماردين عليه من الناكثين و المارقين و القاسطين الضالين و اما المتوقّفون فهم المرجون عسي اللّه ان يتوب عليهم انّ اللّه غفور رحيم و هؤلاء المنكرون منهم من انكر الرب و منهم من اقرّ به تعالي لكنّه انكر الرسول و منهم من اقرّ بالرسول لكنّه انكر الولي و في الحقيقة لا يكون مردّ الانكار الاّ الولي كما قال9 يا علي ما اختلفوا في اللّه و لا في و انّما الاختلاف فيك يا علي قال تعالي  عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلاّ سيعلمون ثمّ كلاّ سيعلمون و هو النبأ العظيم للّه الرب الكريم.

و بيان ذلك انّ الانكار كله راجع الي انكار علي7 لانّ اللّه تعالي لمّا دعاهم الي توحيده و نبوّة نبيّه و ولاية علي7 فقال الست بربّكم فقالوا بلي فاما المؤمن فهو الذي اجاب بقلبه و لسانه مسلّماً مصدّقاً طائعاً و اما الكافر فقد قال بلسانه بلي و اضمر انه اذا اقتصر علي هذا الاقرار فهو لانّه لاضير فيه لانّه خالقنا و رازقنا دعانا الي طاعته و ان تجاوز منه الي طاعة غيره لم نجب دعوته لانّا اولي من غيرنا ثمّ قال لهم و محمّد نبيّكم فاجاب المؤمن بقلبه و لسانه كما مرّ فازداد ايماناً بتسليمه و سكت الكافر و قال في نفسه تجاوز بنا الي غيره لكن هذا الغير لم يجعل له ولاية علينا و انّما هو داع الي خالقنا فان اقتصر عليه اجبنا والاّ انكرنا. ثم قال تعالي لهم  و علي وليّكم اجاب المؤمن بلي و ازداد ايماناً علي ايمان و نوراً علي نور و انكر الكافر و قال الكافرون كيف نرضي ان يكون علينا ولي و هو بشر مثلنا فوقع الاختلاف في علي7 و لذا قال9 ما اختلفوا في اللّه و لا في و انّما الاختلاف فيك يا علي و مما يدلّ علي اختلافهم ما انزل اللّه الي نبيّه9و لايزالون مختلفين الاّ من رحم ربك و لذلك خلقهم و هؤلاء المنكرون بقوا في سجّين مدّة سبعين الف سنة و المراد بالسنة الرتبة.

فلمّا اراد اللّه سبحانه ان يأتي باولئك المؤمنين في هذه الدنيا خلق اوّلاً تحت العرش بحراً اسمه بحر الصاد ثمّ خلق ماء اسمه المزن و المزن هو الماء الذي كان العرش عليه و الكل واحد ثم خلق شجرة تحت ذلك البحر اسمها شجرة المزن فجعل ارواح المؤمنين في ذلك البحر ثم قطر ذاك البحر علي تلك الشجرة قطرات كل

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 127 *»

قطرة كان محلاً لروح مؤمن من المؤمنين لا يقع قطرة منها علي مأكول من المأكولات و لا علي خضرة من الخضروات و البقولات ثمّ يأكل ذلك المأكول او الخضرة مؤمن او كافر الاّ و يخرج من صلبه مؤمن صالح و خلق شجرة في سجّين فوق بحر الطمطام اسمها شجرة الزقوم طلعها كأنّه رؤس الشياطين و تلك الشجرة فوق البحر ثمّ صعد من ذلك البحر بخار علي تلك الشجرة ثم ارتفع منها متصاعداً الي وجه الارض الي ان وقع علي المأكولات و الخضروات التي علي وجه الارض ما اكل منها مؤمن او كافر الاّ و قد خرج من صلبه كافر طالح منكر لاهل‏البيت: و فضائلهم.

ثمّ اعلم انّ بالتقاء القطرة  و البخار الواقعين علي مأكول علي وجه الارض حصل لطخ باعتبار المجاورة و المقارنة و لاجل ذلك تري يخرج من صلب الكافر المؤمن و من المؤمن الكافر يخرج الحي من الميّت و يخرج الميّت من الحي فهنالك تري صفات هؤلاء في هؤلاء و صفات هؤلاء في هؤلاء من حسن الاداب و قبحها حصل هذا باللطخ دون الخلط لما فصّلنا في محلّه بانّ الخلط انّما هو في امتزاج نفس الطينة بخلاف اللطخ فانّه انّما حصل في الصورة.

و لا يخفي انّ ما يحصل بالمجاورة و المقارنة بين القطرة و البخار شيئان احدهما اللطخ نفسه و ثانيهما اثار اللطخ فامّا اثاره حيث كان نبيّنا9 رؤفاً عطوفاً بالمؤمنين جعل تلك الاثار و العقوبات علي نفسه بل نسبها الي نفسه و قد اخبر به سبحانه في كلامه ليغفر لك اللّه ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر قال الباقر7 اي ذنوب شيعة علي7 فهو9 اشتري امّته بتحمل المشاق و الاذيات علي نفسه و علي عياله و ذراريه الطاهرين و الطاهرات و رضي9 بقتلهم عدواناً و سبيهم و نهبهم و سائر انواع البلايا الواردة عليه و علي ذرّيته من اراذل اهل الدنيا الدنيّة لعنهم اللّه تعالي اجمعين.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 129 *»

 (اليوم الرابع)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

قال تعالي و من دخله كان امناً يعني من دخل هذا البيت بيت الولاية و بيت العلم و بيت الشرف و المعرفة و بيت التوحيد و بيت النور و الكمال و بيت المعرفة و الجمال و بيت الحسن و العزّ و السودد و بيت الفخر و المجد و البهاء و بيت الضياء و الجلال و بيت المعمور و هذا البيت اعظم البيوت و اشرفها و لا حدّ لرفعته و مقامه كما قال تعالي في بيوت اذن اللّه ان ترفع و لم‏يقيد الرفعة بشي‏ء اذ الاطلاق دليل علي الكمال المطلق و هذا البيت هو نعمة اللّه التي قال فيها و ان تعدّوا نعمة اللّه لا تحصوها و هو الذي قال في النهج ينحدر عنّي السيل و لا يرقي الي الطير اي طير العقول و الادراكات و القوي و المشاعر كلّها لانّ هذا البيت هو البئر المعطّلة و القصر المشيد الذي قال فيه شعراً:

بئر معطّلة و قصر مشرفٌ   مَثَلٌ لاِل محمّد مستطرفٌ
فالقصر مجدهم الذي لا يرتقي   و البئر علمهم الذي لا ينزف

فلا حدّ لهذا البيت اذ هو فيض اللّه و نعمته و نعمة اللّه لا تحصي و لو صارت الاشجار اقلاماً و الجنّ و الانس كتّاباً و الابحر مداداً و اليه ناظر قوله تعالي قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربّي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربّي و لو جئنا بمثله مدداً و قال تعالي و لو انّ ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات اللّه لانّهم كلمات اللّه التامّات التي لا يجاوزهن برّ و لا فاجر و هم الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر. و المراد بالارض في الاية ارض القابليات و المراد بالشجر افراد الموجودات و المراد بالابحر السبعة

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 130 *»

المراتب السبعة للكائنات من العقل و الروح و النفس و الطبيعة و المادّة و المثال و الجسم و هذا البيت هو الملك الذي استعلي علوّاً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لا يبلغ ادني ما استأثر به من ذلك اقصي نعت الناعتين لانّ الناس في هذا المقام لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم اعين لا يبصرون بها و لهم اذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضلّ لا بل كالنبات لا بل كالجماد لا بل كالعرض لا بل لا شي‏ء الهي من كانت حقايقه دعاوي فكيف لايكون دعاويه دعاوي ضرورة انّ الشعاع عند المنير دعوي محض و باطل صرف كل شي‏ء هالك الاّ وجه اللّه.

فان قلت هذه المراتب و المقامات كيف كانت لهم: دون غيرهم و انّ فيض اللّه واحد و عطاؤه تعالي في كل شي‏ء سواه من دون تخصيص و لا ترجيح قلنا ان الاختلاف انّما نشأ من الاختيار و منشأ الاختيار هو وجود مبدء ميلين متضادين الحاصل من الخلق و الانخلاق لانّ اللّه تعالي لم يخلق فرداً قائماً بذاته دون نفسه للذي اراد من الدلالة عليه قاله الرضا 7 اذ كل ممكن زوج تركيبي فلما حصل الاختلاف في قوابل الاشياء و ماهياتها حصلت السلسلة العرضية لانّها عبارة عن حقيقة واحدة اختلافها انّما هو باعتبار الصور و الحدود لاجل ميولات الاشياء و شهواتها فلما ثبت مبدء الاختيار و منشأه في الممكن علي قول مطلق و ثبت تكليفه تعالي و دعوته اياهم الي ما اراد منهم من التكاليف من الاوامر و النواهي و المعرفة و الاقبال و قال لهم الست بربّكم فاوّل من سبق بالاجابة المجعول الاوّل الحقيقة المحمّدية فلما كان اللّه تعالي كاملاً خلقه كاملاً و الكمال انّما يكون اذا كان له نور و جمال اي يكون له اثر والاّ لم يكن كاملاً فلما كان للمجعول الاول نور و اثر تحقق المعلول فحصلت السلسلة الطولية.

و الحقيقة المحمّدية لها اطلاقان مرّة نطلقها و نريد منها حقيقة كلية واحدة تشَعَّبت بالاربعة عشر: و مرّة نطلقها فنريد منها النور الصادر من تلك الحقيقة المقدسة الذي هو المفعول المطلق الذي هو مادة الاشياء و الاثر متصل بمؤثره

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 131 *»

كاتصال نور الشمس بها من حيث انّه دليله و ايته قال 7 نحن اخذون بحجزة ربّنا و قال7  انّ شيعتنا اشدّ اتصالاً بنا من اتصال نور الشمس بها. فاذا ثبت الاختيار ثبت ان الاختلاف راجع الي ميولات الاشياء و شهواتها مع صلوحها بضد ما اختاروه كائناً من كان فلا ترجيح له تعالي من غير مرجّح بل المرجّح انّما هو في انفس الاشياء باعتبار الاختيار الذي ذاتهم مفطورة به.

فاذا علمت ذلك فاعلم ان الاختلاف علي قسمين اختلاف باعتبار الصورة دون المادة هذا كما في السلسلة العرضية و اختلاف هو باعتبار المادة كما في السلسلة الطولية كما اشرنا اليه و الذي اختلافه بالمادة كالحقيقة المحمّدية و حقيقة الانبياء و الانسان من الرعايا الي اخر السلسلة الثمانية كما ستقف عليه فيما بعد ان‏شاءاللّه تعالي و لا ريب ان الحقيقة المحمّدية علة للموجودات و سبب للكائنات لولاها لما كانت و ذلك بالعقل اللايح و النقل الساطع اما العقل كما ذكرنا آنفاً انّ اثر الكامل كامل و الكامل هو الذي كان ذااثر و نور والاّ لزم نقصان الفاعل تعالي و تقدس و اما النقل فكثير منه قوله7 كما في الزيارة لمولينا صاحب الامر7 المعروفة بزيارة آل‏يس و من تقديره منائح العطاء بكم انفاذه محتوماً مقروناً فما شي‏ء منا الاّ و انتم له السبب و اليه السبيل و كما في قوله9 لعمّه عبّاس في تفسير قوله تعالي اولئك مع النبيّين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقاً قال9 اما النبيّون فانا و اما الصديقون فابن عمّي علي بن ابي‏طالب7 و اما الشهداء الحسين و اما الصالحون ففاطمة و سائر الائمة و اما حسن اولئك رفيقاً فهو القائم عجّل اللّه فرجه ثمّ قال انّ اللّه فتق نوري فخلق منه العرش و الكرسي و نوري واللّه اعظم من العرش و الكرسي ثم فتق نور علي7 فخلق منه الملائكة و نوره اعظم من الملائكة ثم فتق نور فاطمة فخلق منه السموات السبع و الارضين السبع و نورها واللّه اعظم منها ثم فتق نور الحسن فخلق منه الشمس و القمر و النجوم كلها و نوره واللّه اعظم منها ثم فتق نور ابني الحسين7 فخلق منه الجنّة و حورالعين. انظر الي العالم و انحصاره بهذه المذكورات اذ انّها مخلوقة من انوارهم: فتحقّق انّهم: علّة للعالم

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 132 *»

و سبب للخلق كالنور للمنير كيف لا و هم محل مشيّة اللّه التي خلقت الاشياء بها. قال7 كما في الزيارة المطلقة للحسين7 ارادة الربّ في مقادير اموره تهبط اليكم ثمّ يصدر من بيوتكم الصادر عمّا فصّل من احكام العباد و الامور و الاحكام جمع مضاف يفيد العموم اي جميع الاحكام سواء كان من التكوينيات او من التشريعيات.

ثمّ اعلم انّ التقديرات في جميع ذرّات الكائنات و حقايق الموجودات من الذوات و الصفات كلها بالملائكة و الملائكة كلهم اجمعون مأمورون بامرالولي المطلق7 اذ الملائكة من نوره7 من الملائكة ملائكة المدبّرات ثم المسخّرات ثم المعقّبات ثم الحافظات ثم الذاريات ثم المرسلات ثم الخلاّقين ثم الحاملين للارضين و السموات و هكذا و كونهم بامر الولي في التقديرات لا يستلزم الاستقلال لانّ الولي يأمر الملائكة باللّه تعالي من دون شركة و لا تفويض و لا وكالة و لا عزلة كالشمس في الاشراق و الماء للانبات و الوالدين لتوليد الاولاد و القلب لتربية البدن و قوامه و امثال ذلك من الاسباب فلا استقلال في الامكان و لا شراكة و لا وكالة و لا انّ اللّه استعان به بل الخالق هو اللّه وحده لا شريك له هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون لكنّه بالاسباب. الا سمعت ذَنَب بقرة بني‏اسرائيل لما ضرب علي المقتول حيي و ان الشيطان يتصرف في ابن ادم و يجري فيه مجري الدم في العروق و انّ الملائكة هم الاسباب و حملة الفيوضات و البركات و اما ائمتنا: فهم السبب الاعظم و هم سبب الاسباب و علة العلل فنقول انّ كل ما يفعله الملك من التدبيرات و التسخيرات و التقديرات لا شك انه خير ان ذكر الخير كنتم اوّله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه و انه حق اشهد انّ الحق فيكم و منكم و اليكم  و انّهم: محل فعل اللّه فمع هذا كله فمن قال انّ غير اللّه فاعل او خالق او رازق او محيي او مميت فهو مشرك و من قال انّ الائمّة: هم المستقلون في افعالهم و تصرفاتهم فهو كافر كفر الجاهلية الاولي و من قال انّ الائمّة: ليسوا باسباب و وسائط للفيوضات الالهية كافر كفر

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 133 *»

الجاهلية الاولي كيف و انّ اللّه قد اخبر بلسان حججه ابي اللّه ان يجري الاشياء الاّ باسبابها و انّه تعالي لا يقترن بالحادث و لا يتعلق به ضرورة انّه سبحانه لا تختلف حالاته و ذلك عندالعقلاء كافة فيكون التصرفات و التدبيرات المتعلقة الي الخلق بالاسباب و الوسايط.

و الحاصل كان كلامنا في الاختيار في انّ الاختلاف نشأ به الاّ ان بعضاً من الاشياء قوي الاختيار في اظهار اثر الميلين المتضادين كالانسان و الاخر ضعيف الاختيار كالجماد لكن يظهر اختياره بالمعين كما تري الرجل ان القي الحجر نحو العلو كان معيناً في اصعاده لا قاسراً ضرورة انّ القسر جعل الفاعل في الشي‏ء ما لم يتمكن منه في رتبة وجوده. الا تري انّ المريض و الراكب مثلاً مختاران لكن الاختيار فيهما ضعيف يظهر بالمعين كالحجر المرمي الي العلو فعليه يصدق علي الراكب انّه مختار يعني ان شاء فعل و ان شاء ترك فكذلك المريض الذي اخذ الرجل بيده لتَمَشّيه و فعل الشي‏ء و تركه بالاختيار الاثري دون الاختيار الذاتي ضرورة ان الاختيار نوعان كما ستعلم في محله مفصلاً ان شاء اللّه تعالي.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 135 *»

 (اليوم الخامس)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

كان بلوغ كلامنا الي قوله تعالي و من دخله كان امناً فقلنا كيف يعقل الامان في هذا المقام مع هذه الالام و الاسقام فذكرنا انّ اللّه سبحانه لمّا جعل الارواح ارواح المؤمنين في عليين في بحر المزن و اراد انْ يوجد اولئك شاء ان تتقطّر من ذلك البحر علي شجرة المزن الواقعة علي ساحل البحر قطرات ثم نزلت تلك القطرات من الشجرة من سماء الي سماء الي ان وقعت علي الارض علي البقولات و الاثمار و سائر المأكولات لم يأكل المأكولات احد شيئاً الاّ و خرج من صلبه مؤمن سواء كان الاكل مؤمنا او كافرا هذا حكم القطرة الحاملة لروح المؤمن المقبل. و اما البخار الحامل لروح الكافر المعرض فجعله اللّه في الطمطام فلمّا اراد اللّه ان يوجد روح الكافر و المنافق امر البخار بالصعود الي الاراضي الي ان وقع علي شجرة الزقوم ثم منها علي وجه الارض فيقع علي البقولات و المأكولات فما يأكل منها مؤمن او كافر الاّ و خرج من صلبه كافر معرض عن الحق و الي الحكمين اشار تعالي بقوله يخرج الحي من الميّت و يخرج الميّت من الحي فان ارواح المؤمنين و الاخيار غيب مستكن في القطرة النازلة كما انّ ارواح الكفار و المشركين غيب مستتر في البخار الصاعد هذان القسمان انما كان الحسن و القبح منهما ذاتيان اي باعتبار الاجابة الذرّية في عالم الذرّ.

و هناك قسم اخر من الخلق حصل لهم الحسن و القبح لا باعتبار الذات و انّما هو باعتبار المجاورة عند تلاقي القطرة و البخار حيث وقعا علي المأكول و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 136 *»

ذلك عند نزول القطرة من عليين بحر الصاد و صعود البخار من الطمطام فلما تلاقيا اثّر كل واحد في الاخر علي حسب الغلبة اي غلبة احدهما علي الاخر. فاذا رأيت المؤمن كريه المنظر معوجّ‏الصورة سَيِّي‏ء الخلق ثم تري الكافر حسن الصورة حسن الخلق اَميناً وفيّاً صادقاً فاعلم انّ كل واحد من الاخلاق و الصفات انما حصل باعتبار المجاورة عند التلاقي علي ما علي الارض من المأكولات فان غلَب صفة المؤمن علي صفة الكافر صار الكافر حسن الخلق و الاداب و ان غلب صفة الكافر علي صفة المؤمن صار المؤمن سيّي‏ء الخلق و الاداب فهذه الصفات في هؤلاء و هؤلاء عرضية حصلت باعتبار اللطخ بالمجاورة في هذه الدار فلمّا خرج كل واحد من المؤمن و الكافر من هذه الدار ثم انتقل المؤمن الي دائرته دائرة العقل و النور و انتقل الكافر الي دائرته دائرة الجهل و الظلمة فلا يميل المؤمن الي المعصية ابداً كما لا يميل الكافر الي الطاعة ابداً بل يظهر من كلّ واحد منهما ماكان مقتضي نوعه و سنخه و هذه الاثار اللطخية قد تكون باعتبار المتشابهات الصورية و قد تكون باعتبار الافعال المتشابهة و نحوها.

و لقد ذكر سبحانه في كتابه متشابهات ليتمكن بها الاخباث الارجاس من التشبث بها حتي يظهروا ما في بواطنهم و ضمائرهم من النفاق و الكفر و الشقاق دون المحبّة و الوفاق كما عبر سبحانه عن عدّة خزنة جهنم بتسعة عشر في قوله و ما ادريك ما سقر لا تبقي و لا تذر لوّاحة للبشر عليها تسعة عشر فلمّا سمع المنافقون انّ سَدَنَة سِجْنِ اله محمد9تسعة عشر قال واحد من اولئك الضالين و هو ابو الاسوَد بن كندة و هو رجل قوي يا جماعة سبعة عشر من السَّدَنة علي و الاثنان الباقيان عليكم ثم اخذوا بالضحك و الصفق و الاستهزاء علي محمّد9 و ابرزوا ما في صدورهم من الضغائن و النفاق مما القي الشيطان فيها فتنة للذين كفروا فلما اظهر اولئك المنافقون ما في انفسهم من الغل و الكبر و النفاق نسخ ذلك الحكم المتشابه الملقي في قلوبهم بايحاء الشيطان لاوليائه فقال تعالي و ما جعلنا اصحاب النار الاّ ملائكة و ما جعلنا عدّتهم الاّ فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين اوتوا الكتاب و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 137 *»

 المؤمنون و ليقول الذين في قلوبهم مرض ماذا اراداللّه بهذا مثلاً كذلك يضلّ اللّه من يشاء و يهدي من يشاء و ما يعلم جنود ربّك الاّ هو فعبّر سبحانه بتسعة عشر حتي يقدروا علي اظهار بواطنهم و ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حي عن بيّنة.

و من الايات الدالّة علي المقام التي هي متشابهة الظاهر قوله تعالي انّما وليّكم اللّه و رسوله و الذين امنوا الذين يقيمون الصلوة و يؤتون الزكوة و هم راكعون. نقل ان فخر الرازي صرفها الي ابي‏بكر بوجوه خمسة و ذلك مسطور في زبرهم و دفاترهم ثم من الايات المتشابهة لاهل الخلاف اية غديرخم و روايته حين قال9 فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اذ المولي علي ما ضبطوه له خمسة عشر معني منها المحبّ و الجار و ابن العم الي غير ذلك ثم فسرت في اخري و هي قوله النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم لانّ الولاية في هذه الاية لايجوز فيها من المعاني الخمسة عشر الاّ الاولي بالتصرف فلما ثبت الاولوية له9 ثبت لنفسه علي7 لاية انفسنا ضرورة ان ما ثبت له9 ثبت لنفسه الاّ ما استثني كالنبوة و الخواص الخاصّة له9 و اما البواقي من الصفات و الكمالات فداخل تحت عموم انفسنا.

و الحاصل كان الكلام في هذا المقام في اللطخ فنقول انّ اللطخ و اثره في المؤمنين من المعاصي و السّيئات باعتبار ظااهر جسدهم و اما قلوبهم فهي مخلوقة من فاضل طينة ائمّتهم المعصومين: و لذلك تراهم لايرضون بالمعاصي و انما هم كارهون لذلك اشد كراهة عند صدورها عنهم و فعلها منهم الهي ما عصيتك حين عصيتك و انا جاحد بربوبيتك.

و اما الخلط فذلك علة لحصول اللطخ في الاخيار و الاشرار و المراد بما به حصل الاختيار القبضتان قبضة اليمين و قبضة الشمال. قبض قبضة بيمينه فقال للجنة و لا ابالي و قبض قبضة بشماله فقال للنار و لا ابالي و كلتا يديه يمين بخلاف اللطخ لانه عرضي لا ذاتي فلذا قلنا انّ المعصية من الشيعة عرضية لا اصلية و هذا هو معني قول الاعرابيين الاول و الثاني حيث يقولون في الرجعة عندما يصلبهما الصاحب7 علي الشجرة اليابسة و اثباته عليهما المعاصي الصادرة من العصاة

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 138 *»

كلهم يقولان نحن فعلناها ضرورة انهما اصل للمعاصي و السيّئات و اما العصاة فهم اياديهما كما ان اهل الطاعة ايادي لاَِئمّتهم:.

ثمّ اعلم انّ المعاصي التي هي آثار اللطخ لا تبقي اثارها الي الاخرة ضرورة انّ منشأها الدنيا فترجع اليها و لو يؤاخذ اللّه الناس بما كسبُوا لم يبق علي ظهر الارض من دابّة و قد ورد ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله لمّا اُسْرِي به الي ربه ليلة المعراج قال تعالي مخاطباً لنبيّه محمّد9 ان تبدوا شيئاً او تخفوه يحاسبكم به اللّه بل لم يبعث نبي قط الاّ و كلّفه ربّه بمضمونها فاما الانبياء الذين سلفوا لمّا كلّفوا عليه لم يقبلوه بل اعتذروا فقالوا امّتنا ضعفاء لا يقدرون علي ذلك فاخذهم اللّه بذلك و الزمهم به و حاسبهم بما ابدوا في ضمائرهم من الخطورات و الخيالات و التوهّمات بخلاف نبيّنا محمّد9 لانّه لمّا كان حبيب اللّه لم يعتذر بل قَبِلَه كمال القبول و الاذعان فلما قبلها رفع الله حكمها عن امّته كرامة له و لقد انزل الله قرانا في ذلك حيث قال امن الرسول بما انزل اليه من ربّه  فلمّا قال تعالي في نبيّه ذلك قال النبي9 قيمومة عن امته و المؤمنون كل امن باللّه و ملائكته و كتبه و رسله فلمّا امن النبي9 كذلك اوحي اللّه اليه انْ يا محمّد سَلْ تُعْطَ فاشفع تُشَفَّع فَسَأَل ربَّه فقال ربّنا لا تؤاخذنا بما نسينا او اخطأنا قال تعالي لك ذلك و لامّتك بخلاف الامم السابقة لانهم كانوا مأخوذون بنياتهم و خطوراتهم و سهواتهم و نسياناتهم بخلاف هذه الامة المرحومة حيث رفع عنهم التسعة الخطاء و النسيان و مااكرهوا عليه و مالايطيقون و مالايعلمون و مااضطرّوا اليه و الحسد و الطيرة و التفكر في الوسوسة في الخلق ما لم‏ينطق بشفة، اي رفع لوازمها بخلاف الامم الماضية الذين كانت اصارهم شديدة.

ثمّ قال9 و لا تحمل علينا اصراً كما حملته علي الذين من قبلنا لانّ الامم السابقة كان عليهم اصار منها قرض العضو الذي اصابه البول و منها حمل قربانهم باكتافهم و ان كان القربان بعيراً الي محل الذبح المعلوم و ان كان المكلف سلطاناً عظيماً و رجلاً جليلاً و منها وجب عليهم ان يصلّوا في مواضع مخصوصة و اماكن معلومة و منها انّهم اذا اطاعوا ربّهم كتب في ديوانهم واحد لا عشرة و منها

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 139 *»

اذا عصي واحد منهم معصية في ليلة كتبت علي باب داره في صبيحتها بانّ فلان بن فلان فعل المعصية الفلانية و منها لم يكن توبتهم مقبولة في مدة ستين سنة او سبعين مع انّهم كانوا في المدة باكين و هم بارزون الي الصحاري و الجبال و قد كانوا عراة حفاة يتزهّدون عن الدنيا غير راغبين اليها و لا مايلين الي الوقاع بل من الدنيا و زخرفها و نعيمها معرضون بخلاف هذه الامّة المرحومة لانّهم قد رفع اللّه عنهم اثار الذنوب الحاصلة باللطخ و الخطاء و النسيان بل يغفر لهم عصيان سبعين سنة او اكثر بتوجّهٍ واحد و اقبال واحد و كذلك هذه الامّة الشريفة لايؤاخذون بمعاصيهم مادام نبيّهم فيهم او خليفته ما كان اللّه ليعذّبهم و انت فيهم ثمّ انه من بركة سيّدنا محمّد بن عبدالله لا تكتب الخطورات بالمرّة و لا السيّئات و المعاصي الاّ بعد سبع ساعات كل ذلك تكريماً لجنابه المستطاب ثم لهم ان يصلّوا اينما يريدون.

ثم قال9 و لا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به قال تعالي هذه سنّتي في الامم كلهم لا يكلّف اللّه نفساً الاّ وسعها ثمّ قال و اعف عنّا و اغفر لنا و ارحمنا انت مولينا غفر سبحانه لامّته سيّئاتهم لقوله تعالي ليغفر لك اللّه ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر يعني لامّة الاجابة من شيعة علي7 كما هو المروي عن الباقر7 و المراد بالغفران انّه يؤل امر هؤلاء العصاة من الشيعة الي النعيم المقيم ثمّ قال فانصرنا علي القوم الكافرين و الكافرين جمع محلّي باللام يفيد العموم يعني جميع الكافرين و لا شكّ انّهم ما نصروا علي الكافرين الي الان فلابدّ من وقوع النصر في الرجعة و لابدّ من تلك النصرة التامّة الكاملة حتي يظهر علي الدين كلّه ولو كره المشركون حتي تحل الحيوانات والاّ لهلك اذا لم تكن محلّلة اللحوم و هو صلي اللّه عليه و اله لا يرد دعاؤه و انّما هو9 مستجاب الدعوة.

فلمّا استجاب اللّه دعاء نبيّه قال له يا احمد اَخْبِر اُمّتَك بانّي اليت علي نفسي من عمل مثقال ذرّة خيراً يره و من عمل مثقال ذرّة شراً يره فلابدّ للعصاة من العقوبة فلما كانت عصيانهم باللطخ الدنياوي كانت عقوبتهم في الدنيا ايضاً بعد ان غفر لهم ربّهم في الاخرة ثم قال تعالي له يا احمد بشّر عبادي في الدنيا ان يستعدّوا للفقر و الفاقة و ان يصبروا علي الشدائد و المحن و البلايا من

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 140 *»

القتل و الضرب و الشتم و السبي و النهب و انواع المصائب و الرزايا. فلمّا سمع النبي9ذلك رقّ و بكي فقال يا ربّ اجعل هذه الشدايد كلها علينا فانّا صابرون علي ذلك رأفة منه صلي اللّه عليه و اله و رحمة فانزل اللّه قرانا و قال و لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتّم بالمؤمنين رؤف رحيم.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 141 *»

 (اليوم السابع)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

قلنا انّ مقتضي اللطخ المعاصي في الذين امنوا و المحامد في الذين كفروا و قلنا انّ هناك شيئان لطخ و اثاره التي هي المعاصي و السيّئات في اصحاب الايمان و قلنا انّ النبي9 رفع عن امّته ما يترتّب علي المعاصي و جعله علي نفسه الشريفة فعدّ المعاصي عصيانه و تحمّلها في الدنيا و الاخرة.

و اما علّة ورود المصائب و الشدائد الواردة علي المؤمنين في الدنيا مع انّه9 جعل علي نفسه كلّها هي انّ المؤمنين ضعفاء لايُقبلون الي اللّه تعالي تمام الاقبال اذا رأوا انفسهم اغنياء بلي  انّ الانسان ليطغي ان رءاه استغني ثمّ هذا الوارد عليهم لم يكن تمام الشدائد التي هم استحقوها باعتبار اللطخ و انّما هذا لطف خاصّ من اللّه تعالي لهم و اما تلك العقوبات فلولا رفع بجعلها النبي9 لنفسه لكان الناس في شدة عمياء فلمّا رفع النبي9 عن امّته العقوبات الواردة عليهم مطلقاً  بقي حكم نفس اللطخ و ذلك لا يفني و لا يرفع الاّ بعد ورود البلايا و المحن و الشدائد من الفقر و الفاقة و سائر المكاره فالبلايا نعمة من اللّه تعالي و هدية يهدي بها عبده المؤمن اذ انّه ليطغي لو استغني. و وجه كون المكاره هدية منه تعالي هو انّ المؤمن الثابت الشاكر بها يتنبه و يزيد زيادة تنبيه و يتوجّه و يقبل زيادة اقبال الي باري‏ء السموات و النسمات و التوجه اليه تعالي و الاقبال الي وجهه هو اصل الخيرات و اُسّ الانوار اذا كان عارفاً باللّه تعالي فبالتوجه اليه ينقص اللطخ و يذهب شيئاً فشيئاً لكن هنا مسألة يجب علينا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 142 *»

بيانها.

فنقول و الذي فلق الحبّة و برء النسمة لولا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر و ما اخذ اللّه علي العلماء اَلاّ يغاروا علي كظّة ظالم و لاسغب مظلوم لالقيت حبلها علي غاربها و لسقيت اخرها بكأس اوّلها و لاََلفيتم دنياكم هذه ازهد عندي من عفطة عنز لكن لمّا امرنا فيما رزقنا اللّه باظهاره من العلوم و الكمالات نبرزها للناس بعد ما بيّنه اللّه تعالي و انبياؤه كي لا يشملنا لعن اللاعنين كما قال تعالي في كتابه المبين  انّ الذين يكتمون ما انزلنا من البيّنات و الهدي من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون. قال الباقر7 نحن اللاعنون فكل ما نقول ليس بسرّ اذ السرّ هو الذي لا يدخل تحت قاعدة و لا يكون له قانون يعرف بها و كل شي‏ء يقبل البيان ليس ذاك بسرّ ايّها الانسان و اولئك الذين يعترضون علينا انا نذيع الاسرار ليس كما يزعمون مع انّهم قاطعون بانه غير واردٍ الاّ انّهم يريدون اجتراء الناس. عليهم ما يقولون و لنا ما نقول مما قاله ال الرسول و تلك المسألة الواجب علينا بيانها انما نريد ذكرها لزيادة الراغبين و ليزيد بشارة المستبشرين ليكون لهم عزّاً و فخراً يوم الدين علي جميع الادميين بل علي الخلق اجمعين و ليزداد توجههم لفاطر السموات و الارضين و تلك المسألة مسألة يجب التديّن بها و العمل لها.

و هي ان الدين المتين يدور علي شيئين علم و عمل و هما كالروح و الجسد لا ينفك احدهما عن الاخر لكن لكل واحد منهما افة و اسباب لفساده و اسباب لاصلاحه و تداركه. فامّا افة العمل تندفع و تغفر بالتدارك به في هذه الدار او بشفاعة الشافعين من الانبياء و المرسلين فلا يوجب التخليد ابد الابدين و امّا العلم فلا يتدارك اذا اَخَلَّ به و افسده و ان يشفع له الشافعون اجمعون و انما المماطل المقصّر فيه مخلد في النار ابد الابدين و دهر الداهرين مادامت القدرة للّه ربّ العالمين و ذلك بحيث لا ينفعه استغفار النبي9 و هو اشرف المخلوقين استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر اللّه لهم و المراد بالاخلال في العلم المعرفة باللّه تعالي سبحانه و بالرسول الكريم و بعلي الامام العظيم و بيوم الدين و ما يتعلق بالتوحيد و المعاد من الاعتقادات

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 143 *»

الحقة الصحيحة الالهية التي اتي بها ائمتنا الاطهار:و الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا و لما اختلف الذين امنوا.

فنقول انّ طريق العلم و المعرفة واضح كيف لا و هو تعالي انما خلق الخلق للمعرفة و العلم و اليه نصّ في تنزيله و ما خلقت الجن و الانس الاّ ليعبدون و العبادة ملزومة بالمعرفة كما في القدسي كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فاذا كان غاية الايجاد المعرفة و العمل وجب علي‏اللّه البيان اي في الحكمة و اللطف لانّه تعالي لم يجب عليه شي‏ء فعرّفهم نفسه و عرّفهم احكام عبادته.

فان قلت انّا نري انّ الاقوال مختلفة و المذاهب متشتتة و الاراء متفرقة غير مجتمعة علي شي‏ء بل ينفي كل واحد الاخر بناء علي هذا كيف تحصل البصيرة في الدين و المعرفة الي المأمور المطلوب علي اليقين و انّما لا يحصل بهذا الاختلاف و الاضطراب الاّ الظن و التخمين فانسدّ باب العلم و الايقان و خفي طريق المعرفة و الايمان، قلت كيف يتصوّر الظن و الحيرة مع وجوده تعالي شأنه في الامر المنسوب اليه من الهداية للذين جاهدوا فيه تعالي و طلبوا من طريقه الذي جعل لهم اليس هو سبحانه عاتب الانبياء و ذمّهم لاجل ترك الاولي فكيف يرتكبه هو تعالي اتأمرون الناس بالبرّ و تنسون انفسكم مع انّه تعالي قادر علي ذلك و ليس رادّاً لحكمه و لا مانعاً لامره و لا سادّاً لمشيته و ارادته انّ ربّي قادر علي ما يشاء و هو عالم كريم لطيف بعباده و خلقه فعليه تعالي الهداية و الارشاد من معرفة المبدء و احكام المعاد اين يتاه بكم و فيكم عترة نبيّكم اين تذهبون و رايات الحق منصوبة و اعلام الهداية واضحة و هو الميزان المستقيم و القسطاس القويم و زنوا به و لا تبخسوا الناس اشياءهم فتكونوا مطففين الذين اذا اكتالوا علي الناس يسستوفون و اذا كالوهم او وزنوهم يخسرون ذلك هو الخسران المبين فتعالوا الي كلمة سواء بيننا و بينكم و هي الميزان الراجح لكنهم عنه غافلون و عن معرفته جاهلون و هم لشهوات انفسهم عنه معرضون كلا سيعرفون ثم كلاّ سيعرفون انه لاََمر مبين لمن طَلَبه و يستبين مع انّهم يقرّون بعدالته و علمه و كماله و شرفه و معتقدون برفعة مقامه و مرتبته و عالمون

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 144 *»

بشجاعته و سخاوته.

رحم اللّه هشام بن الحكم و رفعه اللّه في فراديس الجنان و حشره مع ساداته اهل الشرف و الايمان عليهم سلام اللّه الرحمن الي ان قال بحضور الامام ابي‏عبداللّه7 للشامي يا هذا اَرَبُّك اَنْظَرُ لخلقه ام خلقه لانفسهم فقال الشامي بل ربّي انظر لخلقه قال و فعل بنظره لهم ماذا قال اقام لهم حجة و دليلاً كيلا يتشتّتوا او يختلفوا يتألّفهم و يقيم اودهم و يخبرهم بفرض ربّهم قال فمن هو قال رسول اللّه9 قال هشام فبعد رسول اللّه9 قال الكتاب و السنة قال هشام فهل ينفعنا اليوم الكتاب و السنة في رفع الاختلاف عنا قال الشامي نعم قال فلما اختلفت انا و انت و سرتَ الينا من الشام في مخالفتنا اياّك قال فسكت الشامي فقال ابوعبداللّه7 للشامي مالك لا تتكلّم قال الشامي ان قلت لم نختلف كذبت و ان قلت ان الكتاب و السنة يرفعان عنا الاختلاف ابطلت لانّهمايحتملان الوجوه و ان قلت قد اختلفنا و كل واحد منّا يدّعي الحق فلم ينفعنا اذاً الكتاب و السنّة الاّ انّ لي هذه الحجة فقال ابوعبداللّه7 سله تجده مليّاً فقال الشامي يا هذا مَنْ انظر للخلق اربهم او انفسهم فقال هشام ربّهم انظر لهم منهم لانفسهم فقال الشامي فهل اقام لهم من يجمع لهم كلمتهم و يقيم اَوَدَهم و يخبرهم بحقهم من باطلهم فقال هشام في وقت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله او الساعة؟ قال الشامي في وقت رسول اللّه رسول اللّه و الساعة مَنْ؟ فقال هشام هذا القاعد الذي تُشَدّ اليه الرحال و يخبرنا باخبار السماء والارض وراثة عن جدّه. الي اخر الحديث و هو طويل اخذنا منه موضع الحاجة و قد وسّع ابوعبداللّه7 في هذا الحديث لهشام و عظّمه و قال ناصرنا بقلبه و لسانه و يده.

فاذا عرفت انّ الميزان الرافع للاختلاف هو الامام7 من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية و امّا في غيبته فنوابه لانّه هو المبيّن الهادي للناس و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و ايّاماً امنين و القري الظاهرة هم الرجال العارفون باحكامهم الرّاوون

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 145 *»

احاديثهم و اخبارهم فروعاً و اصولاً و ان كان الامام7 غائباً لكن يربي هو7 نوّابه من وراء حجاب ما ضرّني غيبتي و لا نفعهم حضورهم.

و لقائل ان يقول انّي تفحّصت الملل و الاديان رأيت انّهم مختلفون فكيف يكون حجّة اللّه بالغة مع وجود هذا الاختلاف العظيم ضرورة ان كل امة اخذ بشطر من القران من متشابهه و يستدل به علي ما هو عليه من الطريقة و العمل قلنا انّ اللّه سبحانه قال الر كتاب احكمت اياته ثمّ فصّلت من لدن حكيم خبير فقل للّه الحجة البالغة و هو الذي يشد اليه الرحال و هو الميزان للرجال انا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء و احاطت بكم الاعداء. لنا مع كل ولي اذن سامعة قال7 في الجامعة كلاماً مااحسنه و مااجمعه و بيّنتم دعوته و اقمتم حدوده و سننتم سنّته و نشرتم شرايع احكامه دعوته مصدر مضاف يفيد العموم و كذلك حدوده يعني بيّنتم جميع دعوته و جميع حدوده و كذلك الشرايع و الاحكام يعني فصّلتم جميع الشرايع و جميع الاحكام فعلي هذا لم يبق حكم الاّ ارشدونا اليه و لم يترك امر و لا نهي الاّ بيّنوا لنا والاّ فلا تكليف و لا حساب و لا حجة و لا عقاب و ليس كذلك كما عرفت انفاً و لان التسديد لحجة اللّه ثابتة و التأييد من عين اللّه نازلة و ان كان هو 7 غائباً عنا ولكنّا نحن لسنا عنه بغائبين بل نحن منه بمرأي و مسمع كما في تعقيب الظهر ما رواه في المصباح ما ضرّني غيبتي و لا نفعهم حضورهم فلا حيرة بعد البيان من اللّه المنّان بل امره ابين من الشمس في رابعة النهار.

و نحن نقول ان كان اللّه سبحانه موجوداً و اراد من الخلق ما كلّفهم عليه لايخلو اِمّا انّه تعالي قادر علي ان يوصلهم ما يريد منهم من الاحكام و الشرايع ام لا. فان كان قادراً علي ذلك لايخلو امّا انّه عالم بهم انّهم اناس جاهلون عاجزون ام لا و علي فرض انّه تعالي عالم بهم بضعفهم يوصلهم ما اراد منهم ام لا فعلي عدم الايصال مع العلم و القدرة نقول هل الايصال اولي ام لا فعلي فرض انّ الايصال اولي و لم يفعله تعالي كان تاركاً للاولي و يلزم ان يكون مُلاماً بقوله سبحانه اتأمرون الناس بالبرّ و تنسون انفسكم. فان اراد من الخلق ما اراد من الاوامر و النواهي و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 146 *»

الاحكام و لم يكن قادراً علي ايصاله ليس بالهٍ و ان كان قادراً ولكنّه ليس بعالم علي كيفية الايصال فلم يكن الهاً ايضاً و مثله اذا كان عالماً بخيلاً او تاركاً للاولي فلما كان بطلان العجز و الجهل و البخل و ترك الاولي بديهيّاً ثبت انّه الهادي الذي لا مانع لحكمه و لا سادّ لامره و انّه لقادر علي كل شي‏ء انّ علينا للهدي. و الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا. لا تحرك به لسانك لتعجل به انّ علينا جمعه و قرءانه فاذا قرأناه فاتّبع قرءانه انّ علينا بيانه. و علي اللّه قصد السبيل بالميزان و الدليل فانّه هو المولي الجليل نعم المولي هو و نعم الوكيل ولكن المدركين ذاك قليل انما خفي لشدة ظهوره و استتر لعظم نوره.

فاذا علمت ما زبرنا فاعلم انّ حكم اللّه تعالي واحد يختلف علي حسب اختلاف الموضوعات و هذا ليس بنسخ لان النسخ رفع الحكم بامر النبي9 و الرافع هو الامام الوصي المأمور بالنسخ و لذا قال نحن اوقعنا الخلاف بينكم لانّه هو المبيّن للاحكام و ما في القرءان من الحلال و الحرام لولاه7 لا يعرف النور من الظلام و لا ينفعنا القرءان التام ضرورة انّ الفِرَق به يستدلّون و انّ الاديان به يتمسّكون هذا و انّ القرءان سهل ممتنع فلولا القائم بالامر اليوم لكان الامر علينا صعب شديد ليس لنا عنه مَحيد و هو9 من ورائنا يمدّنا و يؤيّدنا الي ما فيه صلاحنا و رشدنا و هو المطاع المطلق لجميع الخلق اجمعين من الانبياء المرسلين و الرعية المرعيين لانه9 كالشمس للنجوم و النجوم هم الانبياء: و ان كان اللّه تعالي قال و ما ارسلنا من رسول الاّ ليطاع  الاّ انّهم: لمّا يظهر نبيّنا9 كما في الاخرة كلهم مبايعون له9فهو المطاع الفرد الكامل المطلق المقيد بالتوحيد و الوحدة فزمان الانبياء زمان الليل يمتاز النجوم كل واحد منها عن الاخرة و لها اثار و انوار و اما في النهار فلا ظهور لها و لا اثر لانّ النهار زمان نبينا9 و اما اذا ظهر هو9 فلا حكم لهم ابداً و من يقل منهم انّي اله مطاع من دونه فذلك نجزيه جهنم بل الانبياء ذلك اليوم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بامره يعملون اي بامر محمّد9 عاملون و الانبياء لهم الشفاعة لشيعة محمّد باذنه9 و ظهور سلطنته و وحدته و جلاله و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 147 *»

جبروته و كبريائه و عظمته و شوكته انما يكون في العود حينما نصب لهم منبرالوسيلة الذي له الف مرقاة من كل مرقاة الي اخري بعَدْو فرس الجواد الف سنة يقطع ذلك الجواد في كل طرفة عين بقدر الدنيا سبع مرات ورد انّه9علي المرقاة العليا و انّه قاعد عليها و الخلق كلّهم قيام تحت المنبر و علي7 واقف دونه بمرقاة و بيده لواء الحمد و الحسنان دون ابيهما في الثالثة ثم الائمة الثمانية في الرابعة ثم الصديقة في الخامسة و باقي المراقي خالية و الناس حينئذ وقوف تحت المنبر و انّهم باجمعهم ساكتون. اما الانبياء و المؤمنون كلّهم فمن جانب اليمين من المنبر انّهم اصحاب اليمين و اما الاعداء و المخالفون و جميع فرق الكفار فهم من جانب الايسر من المنبر هم اصحاب الشمال ففي ذلك اليوم يظهر معني قوله7 و ذلّ كلّ شي‏ء لكم. فخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الاّ همساً فهنالك يظهر معني قوله تعالي و من يقل منهم انّي اله من دونه الاية كما اشرنا.

و اما قوله تعالي خطاباً لنبيّه9 ليس لك من الامر شي‏ء و قوله ولو تقوّل علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فلاجل ان لا يتخيل الناس فيهم الاستقلال كما تري انهم: ما نالوا الي ما نالوا الاّ بالعبادة و الخضوع للّه تعالي فمع‏ذلك هم محفوظون بيداللّه القادرة القاهرة بحيث لو اراد اللّه سلب ما اعطاهم من المقام العظيم لوقع و اليه الاشارة في قوله تعالي ولو شئنا لنذهبنّ بالذي اوحينا اليك فمن توهّم في حقّهم: الاستقلال او التفويض او يقول هم مثل هذا الخلق و انّ الخلق ليسوا تحت احاطتهم و هيمنتهم فقد خرج عن هذه الفرقة الناجية الحقة بل خارج و هو رجيم فستذكرون ما اقول لكم و افوّض امري الي اللّه انّ اللّه قوي عزيز.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 149 *»

 (اليوم الثامن)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

كان الكلام في المقام ان اللطخ علة للمعاصي الظاهرة من المؤمنين الذين لم يرض قلبهم بها قطّ و انما صدر ما صدر عنهم من القبايح و الافعال الشنيعة باعتبار اللطخ و المجاورة لاولئك كما ذكرنا شطراً منه و الان نقول انّ هذه المعاصي منهم في الدنيا علي خلاف الاصل و الكينونة حيث انهم هم الشيعة خلقوا من انوار ائمّتهم: و لذا سمّوا شيعة و الشعاع انما خلق من المنير فعليه كان ظهور العصيان منهم محالاً اذ هم من انوارهم و فاضل طينتهم و انهم مرايا اشراقاتهم الحاكون عنهم. فلمّا ثبت انهم: معصومون عن الخطأ و الزلل محفوظون عن السيّئات و الخلل فكذلك هؤلاء الشيعة الاّ انّ عصمة الشيعة دون عصمتهم:  لانّ عصمة الائمة ذاتية: و عصمة الشيعة عرضية لما علمت انهم الفروع التابعون و التابع يعرب باعراب سابقه و متبوعه و يحكم بحكمه. اما في الجنّة فالشيعة متمحضون في الحكاية التابعية بخلافهم في هذه الدنيا فانهم فيها كالذهب المغشوش يصفّون شيئاً فشيئاً بورود البلايا و عروض المحن و الالام عليهم و المرض و الفقر و الفاقة و فقد الاحبّة و الاولاد و نحوها هذا انما هو حكم ضعفاء المؤمنين. و اما الاقوياء منهم فهم يتحمّلون المصائب و الواردات كلها ثم يصبرون علي النوازل و الملمّات عن غيرهم من الضعفاء فالمواساة انما هي هنا فافهم و اعمل.

و ذلك الي ان يتصفّوا من اللطخ فمن صفي من اللطخ و الكدورات في هذه الدار يحضره الائمّة الاطهار: عند وفاته و احتضاره ضرورة ان المؤمن نور لا يغيب

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 150 *»

عن منيره فيكون معه7 حيثما كان و يحضر معه7 جبرائيل و عزرائيل فيحتفّون بالمحتضر اما رسول اللّه9 فهو عن جانب رأسه و اما علي فهو عند رجليه و اما الائمة الباقون فيحتفّون عليه فيتقدّم رسول اللّه و صهره علي فيقول محمّد9 للمؤمن يا فلان انا رسولك و نبيّك الذي امنتَ بي انا اليوم انفعك ثم يوصي لعزرائيل و يقول له يا عزرائيل هذا من امّتي كن به ارأف من الامّ الرءوفة و الاب الرءوف ثم يتقدّم علي فيقول يا فلان انا الذي اقررت بولايتي فانا اليوم انفعك ثم يوصي علي7 لعزرائيل فيقول له يا عزرائيل هذا من شيعتي و اوليائي ارفق به رفق الام الشفيقة لولدها ثم يوصي له الائمّة واحداً بعد واحد فيبشّرونه بالخير و دفع المكاره بعد ذلك هذا هو البشري الذي يراه المؤمن في الدنيا قال تعالي انّ الذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملئكة الاّ تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون و البشارة منهم له علي حسب مقامه و مقتضي درجته من المعرفة و الكمال.

فلمّا وصّوا لعزرائيل يقول عزرائيل يا ساداتي انا اَبَرُّ له من والد عطوف و امّ شفيقة فعند ذلك يقومون فيصعدون و يقعدون في ظل قصر المؤمن فاذاً يكون المحتضر يحدّ نظره الي جانب سقف البيت الي جانب العلو تدمع عينه اليسري لان القلب في الايسر و الحرارة و الرطوبة انما هي في جانب القلب و لم‏يبق من الرطوبة الاّ في‏الجملة فيخرج الباقي اذاً فهنالك يقول له عزرائيل اتدري انّ هذا القصر المرئي في الجنة لك و هؤلاء ائمّتك مستظلّون بظله. فلما نظر المؤمن و هو يشتاق اليهم: ولكنّه في قلبه شي‏ء من حبّ الدنيا فعند ذلك تموّج بحر اللطف فتهبّ علي المحتضر ريح من رياح الجنة تسمّي بالمشوّقة فلمّا هبّت عليه يشتاق المحتضر الي الجنة ثم تهب عليه ريح اخري اسمها المنسية فينسي جميع احوال الدنيا و اوضاعها و اهلها و مالها و ما منها و فيها كلّها ثمّ تأتيه ريح مسخية فتسخيه ببذل روحه فيظهر عزرائيل علي صورة جميلة حسنة فيقول له المؤمن يا ملك الموت عجّل بي في قبض روحي فيقبضها علي اسهل ما يكون فيخرج روحه كاخراج الشعر من الدهن بل يجذبها كانجذاب الحديد للمغناطيس بل كانجذاب المحبّ

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 151 *»

للمحبوب.

هذا لمن كان ماحضاً ايمانه و خالصاً اذعانه بالائمّة المفضال عليهم سلام الله الملك المتعال فله البشري قال تعالي انّ الذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا قال ابوعبدالله7 اي استقاموا علي الائمّة واحداً بعد واحد تتنزّل عليهم الملائكة الاّ تخافوا و لا تحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون هذه البشارة عند الموت كما في تفسير علي بن ابراهيم ورد انّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله قال لملك الموت يا عزرائيل اجعل الم موت المؤمنين وقت ما تقبض روحهم علَي لانّهم لا يطيقونه لضعف بنيتهم و فتور كينونتهم هذا لمن لم يكن مضطرباً في ايمانه بل يكون مطمئناً غاية الاطمينان و الثبات فلمّا قبض المؤمن تكون روحه عند الموت جنيناً كيوم ولادته الدنيوية فتترقي روحه شيئاً فشيئاً في درجات الاخرة و مراتب الجنان الي ما شاءاللّه الي غيرالنهاية كما انّ الاخر المقابل يتسافل في دركات الهلاك.

و اعلم ان الترقي في كل شي‏ء من نوع ذلك الشي‏ء و سنخه فكل شي‏ء يكمل في رتبته لا يخرج منه الي سواه والاّ لم‏يكن ذلك الشي‏ء ذلك الشي‏ء فالترقي تدريجي آناً فاناً علي خلاف ما قالوا ان العقول كمالاته فعلية ليس لها حالة منتظرة فقالوا ان الكمالات التدريجية انما هي في دارالدنيا لاهلها و اما في المجردات الدهرية فلا لانّها لا زيادة لها و هذا القول باطل ضرورة انّ العقول و المجردات حادثة و الحادث ممكن و الممكن لا يستغني عن المدد بحال والاّ لانعدم او انقلب واجباً بل الممكن يستمد دائماً و العجب انّهم قالوا ان الشي‏ء مستغن في ذاته و مفتقر في جهة بقائه و حفظه و اما نحن فنقول ان الممكن ذاتاً و صفة محتاج فبعد خلقه في الافتقار كقبل خلقه فقبل ايجاده لم‏يكن ثم كان بايجاده تعالي فكذلك هو في خلق جديد و القول بان الشي‏ء مستغن في النصف الاول اي الوجود اي الذات و محتاج في النصف العرضي الذي هو حفظه كلام ظاهر البطلان كما علم مما سبق ان الحادث لا يستغني عن المدد بل هذا اشرف المخلوقات محمّد بن عبداللّه9 لازال يستزيد من ربّه تعالي قال 7 لو لم نُزَد لنفد ما عندنا.

و اما استزادته صلّي اللّه عليه و اله بصلواتنا فجماعة قالوا ان محمّداً

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 152 *»

و ال‏محمّد بلغوا في مقام الكمال الامكاني الي رتبة لم‏يكن فوقه مقام والاّ لاستلزم ان يكون اللّه ناقصاً عاجزاً كما قال ذلك الاخوند اليزدي المدعو بملاّاسمعيل العقدائي ما هذا لفظه «پيغمبر آخرالزمان9 كاسه قابليتش پر شد كه ديگر جاي ندارد كه استمداد كند» و هذا الكلام كما تري فالحق هو ما صرنا اليه من الترقي مطلقاً اي لكل ممكن في العوالم كلها والاّ لخرج الامكان عن كونه ممكناً الي ما ليس كذلك او ينعدم و هذا هو الذي يساعده العقل الصراح و النقل الصحاح و انه يوافق المذهب و الدين فالشي‏ء كائناً ما كان و بالغاً ما بلغ يترقي بالاسباب من العمل و العلم في الذات و الصفات و الجواهر و الاعراض و اما حفظه فدائماً يحتاج‏الي بدل مايتحلل كالسراج و هذا هو البقاء و الوجود كلاّ نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربّك و ما كان عطاء ربّك محظوراً فجميع الخلق في جميع المراتب و المقامات مترقٍ سواء كان في الذات و الحقيقة او الصفات و الاعراض.

ثم اعلم انّ مدد كل شي‏ء من سنخ ذلك الشي‏ء و نوعه يعني انّ مدد الجماد جمادي و النبات نباتي و هكذا علي اختلاف انواعها و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمرّ مرّ السحاب اذ الجبال محتاجة الي المدد اناً فاناً و اما كيفية استمدادها فكمدد الطفل في بطن الام اذ طور هذا الاستمداد غير طور الاستمداد الخارجي و الحاصل انّ الحادث لا يستغني عن المدد و مدده من سنخه كالولد في الرحم اذ الولد اذا كان ذكراً يكون ذكراً في الدنيا و ان كان انثي فانثي فكل نوع يترقي في الكمالات و المراتب والمقامات من نوع ما كان هو عليه فكذلك اذا مات حرفا بحرف لان الدنيا مزرعة الاخرة و انه ما تري في خلق الرحمن من تفاوت يعني في الترقيات.

فان قلت ان الترقي انما يحصل بالكسب و العمل فاذ ليس فليس و لا شك ان دار الاخرة دار الجزاء لا دار العمل قلت انّ دار الاخرة تكليفها و عملها علي حسبها و العمل و الكسب عبارة عن جهة القبول و الاستمداد فكلما تكون جهة القبول و الماهية موجودة كان الترقيات موجودة و انت عليم بان الماهية التي هي جهة الاكتساب لاتعدم ابداً

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 153 *»

ضرورة ان عدمها يستلزم عدم الشي‏ء لانّا قد برهنا بالادلة العقلية و النقلية بان الشي‏ء مركب من الوجود و الماهية فليطلب من مظانّه فالاستزادة و الاستمداد الحاصلة انما هي في الذات و الصفات و الاطوار و الاحوال كلها من دون تخصيص و من المعلوم عند اهل اللّه انّ الكمالات الامكانيه كلها تدريجية لا دفعية والاّ فينقلب واجباً لانّه تعالي كمالاته فعلية حاضرة من غير حالة منتظرة و الممكن بخلافه فمن ذهب الي استغناء الممكن في الذات او يقول به له بحال من الاحوال فقد اثبت ذلك له في جميع الاحوال و هو باطل محال فلما بطل هذا علي سبيل الاطلاق ثبت بطلان قول من ذهب الي استغناء محمّد بن عبداللّه صلي اللّه عليه و اله حيث قال انه9 لا يترقي بدعائنا و صلواتنا و لا بغير ذلك من الامدادات الالهية لانّ كلّ ما يتصور في الامكان من الكمالات فقد حصل فيه عند ايجاده والاّ لزم نقصه المستلزم لنقص الصانع تعالي فالتالي باطل و المقدم مثله.

و اما نحن فنقول ان الكلام هذا منحلّ الزمام و انه منهدم الاركان لدي اهل المعاني و البيان لان الضرورة قاضية ناهضة علي حدوثه9 بل المسلمون قاطبة قائلون بذلك من غير نكير و لا ريب في ان الحادث اذا لم يستمد يفني و يعدم كما انك لولم تتغذّ تموت فكذلك الارواح و المجردات ضرورة ان كل شي‏ء يفتقر الي بدل ما يتحلل الذي كناية عن الاستمداد سواء فيه الارواح و الاجساد بناء علي هذه المقدمة الصريحة الضرورية نقول ان محمّداً و اله9 يستزيدون بدعائنا لهم و صلواتنا عليهم و ارفع درجته و قرّب وسيلته اللهم صلّ علي محمّد و ال‏محمّد.

مسألة يجب لنا التنبيه عليها و هي ان العلماء قد اختلفوا فقالوا ان الترقي هل هو له9 لنفسه او له باعتبار انواره و فروعه بمعني ان دعاءنا يوجب الترقي لنا لا له و الحق الذي يساعده العقل السليم و الاعتبار المستقيم انه له لا لنا لما قلنا انّ‏الحادث في نفسه محتاج الي مدد هو فاقده والاّ لزم الاستغناء المحال في حق الحادث الذي من شأنه الاستمداد لازال و قد عرفت حكمه و ايضاً قد تبيّن من هذا الحكم بطلان قول من ذهب الي احتياج الشي‏ء في البقاء

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 154 *»

دون الايجاد في الوجود لان الوجود قد حصل بالايجاد فافتقاره الي المدد ثانياً و ثالثاً و هكذا تحصيل للحاصل و ذلك كما تري نعم انّما الافتقار الي المدد لاجل الحفظ و البقاء.

فمما كرّرنا و رددنا ثبت لمن صَفَت بنيته و حسنت طويّته انّ الامكان بقول مطلق محتاج الي المدد والاّ يكون واجباً و ثبت بطلان قول من ذكر بانّ الشي‏ء انّما يفتقر الي المدد في فعله و حفظه دون ذاته لانّ ابقاء الشي‏ء خارج عن نفس ماهيته التي في ذاته واجب فلمّا بطل الاستقلال في حق الممكن في جميع الاحوال جاء الاستمداد و الاستزادة في الحقيقة و الافعال ثم ثبت انّ الحكم ثابت للمجعول الاول و غيره من دون فرق في المقام اذ الامكان معني واحد بلاكلام و الشي‏ء كائناً ماكان لازال يسير الي اللّه بلانهاية كما يؤيّد ماقلنا قوله تعالي في القدسي حيث قال كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبّتي غاية و لا نهاية. و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمرّ مرّ السحاب و قال تعالي كلمة طيّبة اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كلّ حين باذن ربّها فكلّما كان التوجه و الاقبال اكثر يشرق شمس صبح الازل اكثر و لا شك في الائمّة: بانّ توجّههم الي اللّه تعالي اكثر من المخلوقات كلها فلا احد اكثر توجّهاً منهم و لا اخضع قط. اَلا سمعت قول مولينا الحسين7 حيث يقول الهي من كانت محاسنه مساوي فكيف لا يكون مساويه مساوي الهي من كانت حقايقه دعاوي فكيف لا تكون دعاويه دعاوي و قال علي بن الحسين7 انا اقل الاقلين و اذل الاذلين بل من الذرة او دونها حتي قال تعالي لنبيّه ليس لك من الامر شي‏ء فهم: لازال مفتقرين عاجزين ذليلين في جميع مراتبهم فلا يملكون لانفسهم نفعاً و لا ضرّاً و لا موتاً و لا حيوة و لا نشوراً ولكن لمّا عبدوا اللّه تعالي بكلّهم و خضعوا له بجميع مراتبهم اعطاهم اللّه نفسه بكله اتاكم اللّه مالم يؤت احداً من العالمين.

تنبيه: و ليعلم انّهم: من اعظم فضائلهم و اشرف مقاماتهم الجمع بين المقامين المتضادين احدهما العبودية ضرورة انهم : قد وصلوا في هذا المقام الي محل طمع فيهم كل احد حتي قتلوهم و نهبوهم و سبوهم و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 155 *»

عاملوا معهم ما لا يعامل احد من عرض الناس مع غيره و ثانيهما مقام الولاية و التصرف و الهيمنة و القهارية و الجبروت لانّهم: في هذا المقام وصلوا الي محل جعلهم الناس ارباباً من دون اللّه فالناس في حقهم: بين افراط و تفريط.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 157 *»

 (اليوم التاسع)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

انّ الكلام كان في ترقي الخلق فنقول انّ الموجودات باسرها تترقّي متعالين في الدرجات او متسافلين في الدركات كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها. و لدينا مزيد لاهل علييّن.

هيهنا مسألة اختلف القوم فيها اختلافاً بيّنا و ذكروا من الطرفين ادلّة و براهين و تلك المسألة هي هذه انّ الاشياء بانفسها تترقّي مطلقاً ام في الابقاء و الحفظ دون الوجود ثم انّ الائمّة: يترقّون و هم اشرف الامكان بحيث لا يتصوّر اشرف منهم ام لا.

فنقول انّه قد اختلفت العلماء الاعلام في النفي و الاثبات بالنقض و الابرام فامّا المثبتون القائلون برفع الدرجات لهم:بصلواتنا و دعواتنا فقالوا انّ صلواتنا و دعواتنا عليهم: تعبّدٌ صرف قلنا ان الدعاء لهم: لايخلو امّا انّ له معني ام لا فعلي الاوّل يستجاب ام لا فان قلت بانّه لايستجاب قلت هذا خلاف وعده تعالي حيث قال ادعوني استجب لكم فيجب ان يستزيد الائمّة: فان قلت انّك قد قلت انّهم: كاملون علي نحو لايقال لو كان كذا لكان احسن فكيف تعقل الزيادة اذاً في حقهم: قلنا انّ ما قلنا فيهم من الكمال بالنسبة الي غيرهم الذي تحت رتبتهم و مقامهم و اما بالنسبة الي الواجب تعالي فدائماً يحتاجون اليه تعالي و يستمدون منه كما قال السيّد السجّاد7 في الصحيفة المعروفة منه7اللّهمّ انّي اخلصت بانقطاعي اليك و اقبلت بكلّي عليك و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 158 *»

 صرفت وجهي عمّن يحتاج الي رفدك و قلبت مسألتي عمّن لم‏يستغن عن فضلك و رأيت انّ طلب المحتاج الي المحتاج سَفَه من رأيه و ضلّة من عقله فكم قد رأيت يا الهي من اناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا و راموا الثروة من سواك فافتقروا و حاولوا الارتفاع فاتّضعوا فصحّ بمعاينة امثالهم حازم وفقه اعتباره و ارشده الي طريق صوابه اختياره فانت يا مولاي دون كلّ مسئول موضع مسألتي و دون كل مطلوب اليه ولي حاجتي الدعاء.

فهم: فقراء الي اللّه قال عزّ من قائل يا ايّها الناس انتم الفقراء الي اللّه و اللّه هو الغني  قال7 نحن الناس و فقرهم الي اللّه سبحانه اكثر من فقر غيرهم اليه تعالي لانّهم: لهم فقر بالنسبة الي استمدادهم من ربّهم لانفسهم و فقر لامدادهم لنا و لا ريب في فقرهم الي اللّه تعالي كما هو وارد في الادعية المرويّة عنهم و المناجاة المأثورة منهم كلّها علي الحقيقة دون ان يكون هضماً لانفسهم بل من حيث العبودية و الخضوع منها قوله7 و كم من موبقة حلُمْتَ عن مقابلتها بنقمتك و كم من جريرة تكرّمت عن كشفها بكرمك الهي ان طال في عصيانك عمري و عظم في الصحف ذنبي فما انا مؤمّل غير غفرانك و لا انا براج غير رضوانك الهي افكّر في عفوك فتهون علي خطيئتي ثم اذكر العظيم من اخذك فتعظم علي بليّتي اه اه ان انا قرأت في الصحف سيّئة انا ناسيها و انت محصيها فتقول خذوه فياله من مأخوذ لاتنجيه عشيرته و لا تنفعه قبيلته اه من نار تنضج الاكباد و الكلي اه من نار نزّاعة للشوي اه من غمرة من لهبات لظي الدعاء.

و اما النافون فقد قالوا انّ الاثر لا يؤثّر في المؤثّر كما انّ النور لا يؤثّر في المنير كيف و انّهم الكاملون والاّ يلزم نقص الحق تعالي فالزيادة راجعة الينا لا اليهم لقوله7 و جعل صلواتنا عليكم طيباً لخلقنا و طهارة لانفسنا و تزكية لنا و كفّارة لذنوبنا الزيارة.

و اما نحن فنقول انّ ائمّتنا: ممكنون حادثون محتاجون الي المدد اناً فاناً لانّ الحادث لن يستغني عن المدد بحال من الاحوال فعلي هذا كان ائمّتنا: يزيدون في انفسهم و بدعائنا و صلواتنا. نعم لا يزيدون في ذواتهم و انما يزيدون في افعالهم و انوارهم اي يزيدون في شوكتهم و سلطانهم و نحن

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 159 *»

تلك الشوكة و السلطنة و هذا معني قوله7 و جعل صلواتنا عليكم و ما خصّنا به من ولايتكم طيباً لخلقنا و طهارة لانفسنا و تزكية لنا و كفّارة لذنوبنا.

و اعلم انه لا يجوز لنا ان ندعو لانفسنا بل ندعو لهم: لانّا منهم كالنور من المنير و النور عدم عند المنير و اما نبيّنا9فقد ورد انّه يدعو لنفسه اوّلاً ثمّ يدعو لرعيته لانّهم انّما بقاؤهم بوجوده9 ورد ان نبيّنا9 ذات يوم من الايام قال هذه ساعة يستجاب فيها الدعاء و كان عنده جماعة من الصحابة دعا كلّ واحد منهم علي مقتضي مقامه و اهْوائِه المختلفة و ميولاته الغيرالعديدة من امور دنياه و حوائجه الباطلة الزائلة قال النبي9 عند ذلك لو كان اُوَيْس حاضراً ليدعو فلما راوه الصحابه فقالوا له يا اُوَيْس ما كنت تسأل عن حاجتك في تلك الساعة قال كنت اسأل اللهم اَبْقِ لنا هذا النبي الي اخر الدهر فلو بقي كذلك كان يرقّي كينونات الخلق الي اعلي المقامات و اسني الدرجات لكن حيث كان الناس يعتقدون بربوبيّتهم ان بقوا مدي الدهر مع هذا تري الناس قالوا في حقهم : بالربوبيّة مع ارتحالهم من هذه الدار الي دار الاخرة فلمّا لم تقتض المصلحة لبقائهم ابدالابدين ارتحلوا من هذه الدار الي اخري.

و بالجملة كان الكلام في انّ الزيادة حاصلة لجميع الخلق مطلقاً نزولاً و صعوداً و وصل الكلام الي انّ دعاءنا بالنسبة اليهم: هل يؤثّر فيهم : في زيادتهم في ذاتهم ام لا فالحق انّه لا يزيدون في ذاتهم: لانّ الاثر لا يجوز ان يكون واسطة للمؤثر كما انّ الشعاع ليس واسطة للمنير والاّ للزم الطفرة الباطلة نعم صلواتنا و دعاؤنا انما يزيد في سلطانهم و ولايتهم و شوكتهم و ليست شوكتهم الاّ رعيّتهم يعني صلواتنا و دعواتنا عليهم طلب اصلاح انفسنا حتي نكون مستشرقاً بولايتهم بحيث يظهر فينا ما ظهر فيهم : كما قال في الحديث القدسي اطعني اجعلك مثلي انا اقول للشي‏ء كن فيكون و انت تقول للشي‏ء كن فيكون فلا يزدادون بدعائنا لعدم تأثير الاثر في المؤثّر و ان كانوا هم: يزدادون في ذواتهم و ترقياتهم في توجّهاتهم و اقبالاتهم الي ربّهم لكنّا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 160 *»

نحن لا ندرك زياداتهم : و ترقياتهم كما لا ندرك ساحل البحر العظيم اذا وقفنا بالساحل منه ثمّ لا ندرك الزيادة منه كلّما ازداد فالصلوة لزيادة نور رعيّتهم كما انه اذا كان هناك بيت زجاجي يظهر فيه نور الشمس اكثر مما لم‏يكن كذلك و كذلك يزيد في نوره و اشراقه اذا كان البيت من البلّورة و لا ريب ان ظهور النور في البلّورة اكثر مما يظهر في الحجارة و لا ريب انّ العالم كله بيتهم: اعطاهم اللّه اياه و جعل لهم سلطاناً علي العالم كله بل العالم انما هو سلطانهم و شوكتهم حتي ان النار هي دار غضبهم و دار قهاريتهم و لذا ورد انّه7 يقول للنار خذي هذا و ذري هذا و ورد ان قوله تعالي القيا في جهنم كل كفار عنيد خطاب لمحمد و علي8.

و ايضاً كلّ ما ندرك منهم: في ترقّياتهم مما نري في عالم الرجعة و البرزخ و القيمة مع تلك الجلالة العظيمة و السلطنة الكبري لانّ هذا الترقي انّما هو باعتبارنا نحن لا باعتبارهم هم: لانّهم هم في الدنيا و في الرجعة و في القيمة لايزيدون زيادة نحن ندركها بل الترقي فيما نريهم عليه من المراتب و المقامات في منبر الوسيلة و في درجات الجنان الي ما شاء اللّه كل ذلك باعتبار الترقي الحاصل لنا كما ان العين اذا كانت ارمد لا تدرك الشمس كما هي مع كونها موجودة ثمّ تدركها شيئاً فشيئاً كلّما تصح العين و تحدّ في ادراكها و الشمس هي هي في جميع الاحوال قبلها و بعدها و هي علي حالة واحدة فما نحن في المثال الاّ كعين ارمد و الشمس حرفاً بحرف في معرفتهم: باعتبار ترقياتهم الظاهرة لنا في العوالم و المقامات فائمّتنا : في الاخرة هم الذين رأيتهم في الدنيا لكن هناك اذا رأيتهم رأيت ثم نعيماً و ملكاً كبيراً يقال لك كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد.

و هذا لا ينافي ما قلنا من زياداتهم الذاتية بالنسبة الي فقرهم الذاتي الي اللّه تعالي كما قلنا انّهم هم الناس الفقراء الي اللّه في قوله يا ايّها الناس انتم الفقراء الي اللّه و اللّه هو الغني و ضمير الفصل و الخبر المعرف باللام يفيدان الحصر فهم يزدادون اناً فاناً مع ذلك قال علي7 لو كشف الغطاء لما ازددت يقيناً لانّه7 بالنسبة الي الحادثات التي هي من نوره لا يزيد و له علم بهم علم احاطة لا علم اخبار و اما

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 161 *»

بالنسبة الي فيضه تعالي و امداده تعالي ايّاهم بهم منهم فشجرة طيّبة ثابتة تؤتي اكلها كل حين باذن ربّها من غير نفاد و لا زوال لكنّا نحن لا ندركهم لانّهم القصر المشيد و الجبل الشاهق الشامخ الذي ينحدر عنهم السيل و لا يرقي اليهم الطير طير الاوهام و الادراكات و المشاعر و القوي كلها و الدليل علي ماقلنا من عدم ادراكنا ايّاهم: في ترقياتهم الذاتية الحقيقية ما قال مولينا السجاد في صحيفته و استعلي ملكك علواً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لا يبلغ ادني ما استأثرت به من ذلك اقصي نعت الناعتين ضلّت فيك الصفات و تفسّخت دونك النعوت و حارت في كبريائك لطائف الاوهام و لا شك انّ ملكه تعالي هذا حادث فلا يبلغ هذا الملك منتهي نعت جميع الواصفين حتي النبي المرسل و الملك المقرب و المؤمن الممتحن.

قال المجلسي رحمه‏الله في عدم معرفة الامام7 كما هي فان قلت انّ عليّاً يقتل في كل ليلةٍ خمسمأة رجل و حدّدت شجاعته بهذا ما عرفته و انّما عرفت مالكاً و ان قلت انه هو قالع باب خيبر ما عرفته و انّما عرفت رستم مثلاً و ان عرفت انه7 يجيب عن كل مسألة مسألة فقد عرفت العلامة مثلاً او واحداً من شيعتهم و محبّيهم الصادقين الذين قال7 و ما من عبد احبّنا و زاد في حبّنا و اخلص في معرفتنا و سئل مسألة الاّ و نفثنا في روعه جواباً لتلك المسألة و هو اي المجلسي رحمه‏الله فتح هذا الباب في معرفة علي7 بانّ من عرفه كذا و كذا و كذا لم‏يعرفه و انّما عرف دونه و اما نحن فنقول بان العالي له جهة جامعة مع السافل و له جهة يمتاز بها عن السافل كالانسان مثلاً له جهة جامعة مع الجماد يشاركه فيها و يمتاز عنه في اخري و هي النامية النباتية ثم له جهة جامعة مع النبات يشاركه فيها و يمتاز في اخري و هي النفس الحساسة الحيوانية الفلكية ثم له جهة جامعة مع الحيوانات كلها ولكنه يمتاز فيها بالناطقة القدسية فاذا علمت ذلك فاعلم انّ عليّاً7 و اولاده له جهة جامعة مع الموجودات كلها و له جهة يمتاز بها عنها.

فاذا تمهّدت هذه المقدّمة المتقنة المحكمة الشريفة الكلية التي لا يأتيها باطل قط فنقول انّ الكمالات المتفرقة الموجودة

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 162 *»

في الاشياء كلها ثابتة للامام7 موجودة تحت سلطانه و قدرته ثم له7 جهة يمتاز بها عنها و تلك الجهة فوق ادراك المدركين اذ هي عطاء اللّه الذي اتاه دون العالمين و خصّصه به دون الثقلين كيف لا و هو عين اللّه و نفسه و سرّ اللّه و يده و لسانه و جنبه و علمه مثلاً اذا قلت ان الارض يحفظها الثور الذي هي علي قرنه تقبل و اذا نسبت الحفظ الي علي7 تستبعد مع انّك لولم تستبعد حفظ الارض كلّها بيده او بقدرته لم‏تعرفه به كما هو و انّما عرفت الثور و مثله اذا نسبت حفظ السموات و الارض بل العرش و ما خلقه اللّه اليه ما عرفته و انّما عرفت ملكاً من الملائكة الذي جعل العالم علي رأسه و امسكه بيديه من الطرفين كما هو المروي و اذا قلت انه7 عالم بالعالم كلّه علم احاطة كعلم الرجل بالقصعة الي بين يديه او قلت انّ العالم لديه7 كالدرهمة في كفّ احد من الناس ما عرفته7 و انّما عرفت عزرائيل و هكذا فلايعرف الامام7 كما هو لاحد كيف يعرفه من هو من نوره مخلوق و هو7 ملك اللّه الذي سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لا يبلغ ادني مقاماً من مقاماته اقصي نعت الناعتين لانّه لايعرفه7 الاّ اللّه و محمّد9 و قد مضي الخبر.

و ايضاً نقول انّ هذه الكمالات المنتشرة في افراد الممكنات كلّها من الافلاك و الاملاك و الجنّ و الانس و سائر الذرات و الكائنات لاتخلو من انّها حاصلة لهم: او لمن دونهم او لمن فوقهم و لا رابع. فان قيل انّ تلك الكمالات لمن فوقهم قلنا انّهم: لم‏يسبقهم سابق بالنقل و الضرورة و ان قيل انّها لمن دونهم قلنا اذاً لم‏يكن لقوله7 و لايبلغ ادني ما استأثرت به من ذلك اقصي نعت الناعتين معني لانّهم من الناعتين اذ كل من هو دون شي‏ء يكون ذلك العالي محيطاً به فيكون عالماً بالسافل فلمّا بطل الاثنان من الاقسام الثلثة ثبت الثالث و هو كونهم: جامعاً لجميع هذه الكمالات كما قال7 ان ذكر الخير كنتم اوّله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه و الحاصل الحادث كله يترقي سواء كان نوراً او منيراً فامّا النور فهو امّة الاجابة و هؤلاء هم الذين لم‏يكفروا بالايمان اي بعلي7 قال تعالي و من يكفر بالايمان فقط حبط عمله  و دعوة النبي لم‏يجبه احد الاّ هؤلاء الفرقة المحقة الذين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 163 *»

امنوا باللّه و رسوله و باميرالمؤمنين7 ثم باوالي من والوا و اعادي من عادوا الذين لا يشفعون الاّ لمن ارتضي من رسول و نحن ان شاءاللّه نفصّل معرفة اوالي من والوا الذي هو من شرايط الايمان و اركان التوحيد فانّ تعريفه واجب علينا فنبيّنه مشروحاً مفصلاً من شاء فليكفر و من شاء فليؤمن انّا اعتدنا للظالمين ناراً و قد احاطت عليهم النار سرادقها.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 165 *»

 (اليوم العاشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

كان الكلام في بيان اللطخ بانّه اِمّا ان يزول و يضمحل في الدنيا باعتبار الشدائد و المحن و الالام الدنيوية من الجوع و نقص من الاموال و الاولاد و الانفس و الثمرات و امثال ذلك من البلايا الواردة علي العبد المؤمن بحيث تذهب تلك الالام باثر اللطخ فلايبقي للاخرة شي‏ء منه فلما صفت كينونته و طهرت بنيته و حقيقته و مراتبه يحضره عند موته الائمّة: فيئول امره الي هذا الامر الذي هو خير عظيم و يأتية بعد موته في قبره رومان فتّان القبور و قبل الملكين و الملكان هما اسودان ازرقان رأساهما في السماء السابعة و رجلاهما في الارض السابعة السفلي يخرج من فيهما نار و صوتهما كالرعد لهما شعور سود عيناهما كالمشعلة بيد كل واحد منهما عمود من النار فيسألانه ما يسألان و هذان الملكان لكل احد من المخلوقين الاّ لمن مات بحضرة الائمّة: و هو علي ولايتهم مات مقرّاً لفضائلهم معرضاً عن اعدائهم عاملاً بقولهم عالماً بما اعطاهم اللّه و كرّمهم و شرّفهم به و هذا الحكم جار في الروضات المقدسات كلّها الاّ انّ في مشهد الحسين7 الي اربع فراسخ و في غيره في الصحن خاصة. و امّا الملك النقّال فهو لمن كان خارجاً من المذهب هذا.

و اعلم انّ الائمّة: خلقوا من عشر طين خمسة منها من الدنيا من بيت‏المقدس و مكّة و مدينة و الكوفة و كربلا و شيعتهم المؤمنون منهم فاذا ماتوا في اي بلد يكون ينقل الي محل تربته من الاماكن الشريفة و هذا معني قوله7 كل مؤمن يدخل الكوفة حيّاً و ميّتاً و اما الاول و الثاني فلم‏يكونا في

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 166 *»

المحل الذي دُفِنا فيه قال7 كلاماً مااحسنه انّكما لتنبشان و لتخرجان من قبريْكما الذَين لم تدفنا فيهما و اما اخراجهما من ذلك الموضع المعروف فلئلا ينكر احد من الخلق بانّهما ليساهما ان اخرجا من غير ذلك الموضع والاّ ففي الحقيقة فليسا هناك قط. و بالجملة انّ الميّت لا يدفن الاّ في المحل الذي اخذ ترابه من ذلك المحل.

بيان ذلك انّ نطفتي الرجل و المرأة نقيضتان في الطبيعة لانّ طبع نطفة الرجل حارّ يابس طبع النار و نطفة المرأة بارد رطب طبع الماء فلاتجتمعان و لا تعقدان الاّ بعاقد له جهتان كالتراب لانّه ببرودته يناسب نطفة المرأة و بيبوسته يناسب نطفة الرجل و ذلك التراب في النسبة بقدر ربع النطفتين كما يعلم في علم المكتوم و التراب هو القاضي يحكم بينهما بالتراضي فان زيد التراب علي الربع يكون المولود احمق بليد الفهم كما يكون صاحب الجربزة ان قل عن الربع و هذه التربة يأخذها الملك من الارض و هذا الملك الاخذ واحد من جنود عزرائيل فلما يأمره تعالي يقبضها منها. ورد انه شكتِ الارض الي اللّه تعالي فقالت يا ربّ انا عبد من عبادك تنقص مني لغيري و لا تسأل انت عمّا تفعل الاّ انّي انا عبدك و انت ارحم الراحمين و اكرم الاكرمين فلمّا لم‏ترض الارض علي الاخذ منها وعد اللّه تعالي ان يعيد التراب المأخوذ منها اليها و لن يخلف اللّه وعده و قال منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة اخري.

هيهنا مسألة و هي انا نري عياناً انّ كثيراً من الاموات ينقلون الي المشاهد المقدسة من بلاد بعيدة كيف يتصوّر ان يكون ترابهم مأخوذاً منها و كذلك كثير من الناس نريهم يموتون في ولايات بعيدة من ولاياتهم فكيف يتصوّر انّ تربتهم مأخوذة من ذلك المحلّ و الجواب علي الوجه الصواب انّ نقل التراب علي انحاء شتّي فمرّة بتصفيق الرياح و تارة بنقل المأكولات من الفواكه و الاغذية و الادوية و امثال ذلك فيأكله ابواه فيخرج الي محله بعد موته امّا بالوصيّة و ذلك اشرف لانّه دخيل لهم: مستجير بهم متمسّك بعروتهم او بنقل النقّال و هم سبعون الف ملك شأنهم النقل ينقلون كل شي‏ء الي محلّه و الشيعة

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 167 *»

علي العموم مرجعهم اليهم لانّهم من فاضل نورهم و النور مع منيره ابداً والاّ لم‏يكن النور نوراً و لا المنير منيراً. ورد انّ المؤمن يدخل الكوفة حيّاً و ميّتاً فلا يستغربه مستغرب من الرجوع اليها اذ الكائن حيثما كان كيفما كان يكون في الكوفة لانّها وسيعة لا حدّ لها علي ما ورد و هو انّ لاميرالمؤمنين7 قبّة تظهر في الرجعة لها اربعة اركان ركن في الكوفة و ركن في الحجاز و ركن في البحرين و ركن في اليمن و اما قبّة الحسين7 فاكبر من تلك القبّة لانّه ورد انّ قبّته7 من ياقوتة حمراء في اطرافها تسعون الف قبّة خضراء سعة كل واحد من القباب التسعين‏الف اكبر من قبّة اميرالمؤمنين7 بعشر مرّات و الحاصل كل من يستجير بهم: كان له امان من كل خوف و ان كان ذنبه كذنب اهل العالم كله. قيل ان العرب اذا استجيروا باطناب خيامهم فاجاروه و انت يا مولاي سيّد العرب و العجم.

هذه الاجارة و الامان و الرجوع و العفو و الصفح لمن هو ثابت في الولاية الي ان يموت و لا يكثر في المعصية لانّ اكثارها يخرج الرجل عن الولاية بالكتاب و السنة اما الكتاب فقد قال تعالي ثمّ كان عاقبة الذين اساءوا السوءي ان كذّبوا بايات اللّه فيكذّب الائمّة: ثمّ يختم له بالشقاوة العياذ باللّه و لا تنفع له حسنة و ينكر فضائلهم و اما السنّة فورد انّ لكل مؤمن اربعون جنّة بكلّ معصية تهتك جنّة من الجُنَن الاربعين الي ان تتمّ الجنن فيستره الملائكة باجنحتهم الي ان يتبذّخ في المعصية فيأخذ في عداوتنا اهل‏البيت: و بغض شيعتهم هو بغضهم: و منكر الفضائل و منكر الحقايق سيّان فالواجب للمؤمن الخالص الاقرار بفضائلهم: بجميعها اجمالاً و تفصيلاً بجميع مايري و يسمع يدرك او لم‏يدرك الاّ اذا كان فيها اثبات الربوبية لهم او الشراكة لهم مع اللّه او الوكالة او التفويض اليهم في الخلق و الرزق و الموت و الحيوة او اثبات شرافة الامام7 علي النبي9 بانّه7  اشرف منه9 فانّه لو ادّعي احد من الناس واحداً من المذكورات المنهيّة فاحْثُ الترابَ في فيه فانّه ضلّ و غوي و كذب و افتري لانّه خرج عن المذهب و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 168 *»

الاسلام و دخل في الكفر التمام و اما ماسوي ذلك فقل ما تشاء فانّك مأمور بذلك كما قال 7 نزّلونا عن الرّبوبيّة و قولوا فينا ما شئتم و لن تبلغوا.

و بالجملة علامة الايمان و التشيّع و علامة انّه ممن لاينقله الملك من المشاهد المشرّفة الي خارجها هي الاقرار بهم و بما ورد عنهم و التسليم لما صدر عنهم كما انّه نصّ منهم في دعاء المعروف بالاعتقادات نقله ابن طاوس في مهج الدعوات و غيره في غيره عن مولانا الكاظم7 الي ان قال و انّ عليّاً اميرالمؤمنين و سيّد الوصييّن و وارث علم النبييّن و قاتل المشركين و امام المتّقين و مجاهد الناكثين و القاسطين و المارقين امامي و حجّتي و عروتي و صراطي و دليلي و محَجَّتي و مَنْ لا اَثِقُ بالاعمال و ان زكت و لا اراها منجية لي و ان صلحت الاّ بولايته و الايتمام به و الاقرار بفضائله و القبول من حملتها و التسليم لرواتها الدعاء و قال9 كما في خطبة يوم الغدير و الجمعة انّ لعلي بن ابي‏طالب7 فضائل لايمكن ان احصيها في مجلس واحد اَلا من اتاكم بشي‏ء منها فصدّقوه فيجب لنا تصديقه9 بفضائله و اما انكارها فقد اخبر عن ذلك في كتابه العزيز انّهم لا يكذّبونك ولكن الظالمين بايات اللّه يجحدون و لا شكّ انهم: ايات اللّه الباهرة و دلائله الظاهرة فانكار فضائلهم يستلزم احد امور ثلاث احدها كذب النبي صلّي‏اللّه عليه و اله فيما اخبر به عنه و ثانيها عجز الرب القادر علي كل شي‏ء و ثالثها انّهم: ليس لهم قابلية لهذه الفضائل و الكمالات فكل واحد من الثلثة ينادي باعلي صوت لمنكره بالكفر مع انّ اللّه تعالي اتاهم مالم‏يؤت احداً من الخلق اتاكم اللّه مالم يؤت احداً من العالمين طأطأ كلّ شريف لشرفكم و بخع كلّ متكبّر لطاعتكم و خضع كلّ جبّار لفضلكم و ذلّ كلّ شي‏ء لكم فلو فرض فارض التساوي لاحد من الخلق معهم في شي‏ء من الاشياء من الفضل و الكمال لما كان لقوله7 و ذلّ كلّ شي‏ء لكم معني اصلاً ولكن الناس لايتحملون فضائل علي اميرالمؤمنين7 و ولايته لانّها كبيرة عليهم قال تعالي و استعينوا بالصبر و الصلوة و انّها لكبيرة الاّ علي الخاشعين الذين يظنون انّهم ملاقوا ربّهم و انّهم اليه يحشرون قال7 الصبر

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 169 *»

رسول اللّه9 و الصلوة ولايتي قال و انّها لكبيرة و لم‏يقل و انّهما لانّ رسول اللّه اقرّ به المسلمون اجمع و اما علي7 فقد اختلفوا فيه كلاّ سيعلمون بعد حين ثمّ لا ريب في انّ الاقرار بانّهم: اشرف الخلق و احسنهم هذا من ضروريات المذهب فثبت لهم: ما ثبت للخلق و مالم‏يثبت لما قلنا انفاً بانّ الامام له جميع ما للخلق من الكمال و الزيادة.

لا يقال انّ هذه الصفات و الفضائل التي تنسبونها الي الامام7 و تثبتونها له7 هذه صفات اللّه تعالي لانّا نقول من لم‏يفرّق بين صفات الخلق و صفات الخالق فليس بمسلم قال7 توحيده تمييزه و قال7 و كنهه تفريق بينه و بين‏خلقه و غيوره تحديد لما سواه و قال 7 كلّ ما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و قال7 الطريق مسدود و الطلب مردود ثمّ انا قد اثبتنا بالبراهين القطعية من العقليّة و النقليّة انّ صفات اللّه عين ذاته و ذاته لايدرك و لايحاط و اثبتنا انّ كل ما ندركه فهو صفة فعله تعالي او صفة صفة فعله و هكذا و لا ريب في انّ هذا ثابت بضرورة المذهب و الايمان فانكاره يوجب الخسران.

و بالجملة كان الكلام في المستجير بذمّتهم: فنقول انّ اللائذ بهم: و المستجير بذمّتهم يطَهَّر عن المعاصي ولو كان اتياً بمعصية الثقلين لانّ مثاله حينئذ كالنجس المرمي في البحر العظيم لانّه يطهّر لامحالة الاّ انّ الخوف كل الخوف في الادمان بها اذ ادمانها يوجب الخلود بعد ان يخرجه من الولاية و بعد ان يأخذ العاصي في بغضهم و انكار فضلهم فيخلّد ابدالابدين ثمّ كان عاقبة الذين اساءوا السوءي ان كذّبوا بايات اللّه كما سبق نستجير باللّه من هؤلاء المنكرين يدّعون انّهم من محبّيهم: ثمّ بعد ذلك يشمئزّون اذا سمعوا فضيلة من فضائلهم و هل هذا الاّ طغياناً و كفراً مبيناً مع انّ شرط المحبّة الاستبشار و الفرح اذا سمع شيئاً من كمالات المحبوب7 و يحلفون باللّه انّهم لمنكم و ماهم منكم ولكنّهم قوم يفرقون لويجدون ملجأ او مغارات او مدّخلا لولّوا اليه و هم يجمحون.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 171 *»

 (اليوم الحادي‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

كان الكلام في بيان اللطخ الي ان بلغ الي ما بلغ بقدر الوسع و الامكان ولكن الان نريد ان نفصّل المطلب بعون اللّه تعالي فنقول انّ اللطخ علي ثلثة اقسام قسم حصل للجسم الدنياوي و قسم حصل في الجسم البرزخي و قسم حصل في الجسم الاخروي و هذه الاقسام باسرها انّما حصلت من نزول القطرة من المزن و صعود البخار كما مرّ لانّ اللطخ قد يكون لايؤثر الاّ في ظاهر الجسم و قد يكون مؤثراً بتغوّصه في الجسم المثالي و قد ينفذ في الجسم الاخروي.

و العلامة في معرفة الثلاثة من انواع اللطخ هي انّ صاحب اللطخ الدنياوي لايظهر منه سيّئة الاّ قليل و هو مع‏ذلك يريد يقطع روحه بعد التوبة و الانابة و البكاء و هؤلاء قليلاًمّا يعصون اللّه ربّهم فهؤلاء يزول عنه اللطخ بالالام الدنيويّة و شدائدها و محنها و فقرها و امراضها و نقصها في الاموال و الاولاد فيصفون بها في الدنيا فليس لهم بعد ذلك عذاب لا في البرزخ و لا في الاخرة.

و اما اللطخ البرزخي فعلامته انّ صاحبه يعصي كثيراً لكنّه يتوب و لازال هو متنبّه لاسيّما بعد الارتكاب قال تعالي انّ الذين اتقوا اذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فاذا هم مبصرون و هؤلاء يطهّرون في البرزخ بانواع العذاب علي حسب معاصيهم و سيّئاتهم في ايّام معدودات. ورد انّ هؤلاء العصاة في البرزخ يصبّون عليهم في الشتاء الثلج و المياه الباردة و تهبّ عليهم الاهوية الباردة فيعذّبون بما اعدّ اللّه لهم في الزمهرير و اما في الصيف فيأتي بهم الملائكة الي برهوت فيصبّون عليهم النار و هؤلاء البرزخيون في عين البقر و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 172 *»

هو بئر اسمة بَلَهوت في وادي بَرَهوت و اعلم ان التنقل من عذاب الي عذاب نوع من التخفيف بخلاف عذاب ال فرعون حيث اخبر تعالي عن ذلك النار يعرضون عليها غدوّاً و عشيّاً فعذابهم من نوع واحد.

و امّا اللطخ الذي حصل للجسم الاخروي فعلامته انّ صاحبه يتوغّل في المعاصي و السيّئات و يرتكب القبايح و المنهيات من غير تنبّه و انابة و لامبالات بل يعصون اللّه ربّهم و هم عازمون علي اخري فهؤلاء لايطهّرهم الالام الدنيويّة و لا الشدائد البرزخيّة و لا يتنبّهون الاّ بعد الموت و هؤلاء العصاة ايضاً من الشيعة يطهّرهم شفاعة الشافعين و المراد بالشفاعة تتميم الناقص و دفع الفساد فيعذّبون في الاخرة و العذاب هو الشفاعة و اوّل هذا العذاب دخول الرجل في ارض المحشر و سعتها ثلثمائة الف فرسخ في ثلثمائة الف فرسخ و فيها جميع الخلايق من الاولين و الاخرين فيعرقون من شدّة انضمام بعضهم ببعض و اتصالهم ثمّ يعذّبون في المواقف الخمسين خمسين الف سنة ان لم‏يصفوا عن اللطخ من تلك الاهوال في تلك الحال و الارض يومئذ كالصفر المذاب و الشمس تظهر بوجهها علي الجماجم و الرؤس و يؤتي بجهنّم علي صورة بعير مخشوش مخزوم بخزام و يجرّونها سبعون الفاً من الملائكة الغلاظ الشداد الذين لايعصون اللّه فيما امرهم به فيحيط البعير بعنقه اهل المحشر و انّ جهنّم لمحيطة بالكافرين فيعرقون الناس من شدّة الحرارة بعضهم يغرقون في عرقهم الي عنقهم و اخرون الي صدرهم و اخرون الي وسطهم و اخرون الي ركابهم فلمّا يشتدّ عليهم العذاب يقولون يا ربّنا اِمّا الي النار او الي الجنّة لانّ عذاب اللّه شديد.

فلابدّ للرجل حينئذ من سبب قوي للاستخلاص من هذه المواقف المهولة الشديدة فَلْتنافسوا في معالي الدرجات فان لم‏يحصل التصفية و الاستخلاص بايراد الشدائد و انزال الملمّات و ايقاع الاهوال في تلك الارض التي تذوب منها الجبال فيوقفونه علي المواقف التي علي الصراط الذي ادقّ من الشعر و احدّ من السيف و ان كان للطائع اوسع ممابين السماء و الارض فان لم‏يحصل تصفية كاملة ينظرون في

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 173 *»

معصيته فان كانت اقلّ من وقوفه في جهنّم من مدة حُقب و الحقب ثمانون سنة يغفر له فيدخل الجنّة والاّ اي و ان كانت سيّئاته اكثر من الحقب يدخل في نار حظيرة من الحظائر فيبقي فيها مدة يناسب تطهيره من المعصية و حرارة نار جهنم و قد ورد انّها لاتقاس بنار الدنيا اذ نار الدنيا هي من نار جهنم بعد ما غسلوها بماء الكوثر سبع مّرات لا بهذه المياه لانّها لاتؤثّر فيها فلما غسلوها و جعلوها علي جبال الدنيا احرقتها و نزلت الي ان لحقت من تحت الارضين الي جهنّم و هذه النيران التي في الصلابيخ (كذا) كلها و ذلك انّما حصلت من مجاورة تلك النار حتي جعلها جبرائيل علي الجبال بعد غسلها سبع مرّات.

و الحاصل هؤلاء الذين في الحظائر في تلك المدّة ينسون اسم نبيّهم محمّد بن عبداللّه9 فلمّا يقرب اوان الخروج يتذكّرون باسم نبيّهم9 فيقولون يا ربّنا انّا نسألك بمحمّد و ال‏محمّد ان تخلّصنا من هذه النار اوحي اللّه الي جبرائيل ان ينزل الي جهنّم و يخرج عباده يقول جبرئيل اَنّي العلم بمكانتهم في اي واد من جهنّم فلمّا اخرجهم جبرائيل و هم كالفحمة السوداء و يغسلون في عين الحيوان فعند ذلك يخاطبهم ربّهم و يقول يا عبادي كم من مدّة دعوتموني و لولا دعوتموني بمن دعوتموني باسمه لاطلت وقوفكم فيها لكنّي انا اليت علي نفسي بان لا اردّ سؤال من سألني باسمه لانّه حبيبي و انا لااخلف وعدي ثمّ يدخلون الجنّة و يتنعّمون فيها ابدالابدين و دهرالداهرين من غير انقطاع و لا زوال و هم في ظلّ ممدود و ماء مسكوب و فاكهة كثيرة لا مقطوعة و لا ممنوعة هؤلاء ان كان عليهم من حق الناس شيئاً يعطي لذوي حقوقهم مايرضون به و كذلك الذين معصيتهم حصلت من لطخ برازخهم فانّ الشيعة لايخلّد في النار الاصلية ابداً و انّما كان عذابهم في نار الحظاير ذلك اذا لم يوجد لهم شفيع من الانبياء و الاولياء و المؤمنين والاّ فليس معذّباً قطّ كما هو المنقول سئل الامام جعفر بن محمّد الصادق7 ما حال شيعتكم يوم‏القيمة فقال واللّه لايدخل النار منهم الف و لا مأئة و لا عشرة و لا واحدة فقيل و لم يا ابن رسول اللّه فقال7 لانّ استحقاق النار اما لِحَقٍّ لنا او للّه تعالي او للغير فان كان لنا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 174 *»

 عفونا عنهم و ان كان للّه شفعنا لهم عنداللّه و شفاعتنا لاتردّ و ان كان للغير فعوّضناه و ارضيناه هذا بيان احكام اللطخ.

و اما بيان صفة الداخلين في هذا البيت الذي قلنا هو بيت العلم و بيت الشرف و بيت الكرم و بيت محمّد و بيت علي و بيت فاطمة فصفة الداخلين منوطة بشرايط و اداب فمن اتّصف بها و اتي اتياناً بها يكون امناً بل يكون من الداخلين والاّ فلا ثمّ نذكر في ضمن هذا البحث معرفة الكفر و اركانه و مراتبه و درجاته و علامات الكفر و صفاته التي بها يمتاز عن غيره ثمّ بيان معرفة الشرك بانّه هو اي شي‏ء هو و ما اركانه و ما مراتبه و درجاته و ما صفاته و علاماته التي يمتاز بها عن غيره. ثمّ بيان معرفة الاسلام بانّه هو اي شي‏ء هو ثمّ ما اركانه و ما مراتبه و درجاته و علاماته التي بها تعرف حقيقة الاسلام عما عداه ثمّ معرفة الايمان و اركانه و مراتبه و علاماته و صفاته ثمّ معرفة الاستضعاف في مراتبها الاربعة المذكورة من الاركان و العلامات و الدرجات و حقيقة الاستضعاف ثمّ معرفة النفاق بانّه هو اي شي‏ء هو ثمّ معرفة اركانه و درجاته و مراتبه و علاماته ثمّ معرفة الناصبي و اركان النصب و درجاته و مراتبه و علاماته و معرفة المخالفين فلمّا ذكرنا هذه الاقسام كما ذكرنا و اردنا نذكر علامة الداخلين و شرائط الدخول و نذكر في طي بحث معرفة الداخلين ذكر معرفة الصانع و معرفة المصنوع و ذكر عرفان كيفية السلوك اي سلوك الصانع مع المصنوع و سلوك المصنوع مع الصانع و معرفة هذه الاربعة هي معرفة جميع المراتب و العلوم فلمّا احتجنا في معرفة صفات الداخلين الي ذكر معرفة الكفر و الشرك و الاسلام ثم الايمان و الاستضعاف و النفاق و النصب و معرفة المخالف فنذكرها مفصّلاً مشروحاً حتي يعرف الداخلون من غير الداخلين.

ايقاظ:  قال شيخنا اعلي‏اللّه‏مقامه انّي رأيت في المنام بان القيمة قد قامت لايدخل الجنّة احد الاّ لاجل الحسين7 و لا يدخل النار الاّ له7 و رأيت انّه لا عمل الاّ هو7 (كذا) ورد انّ صفوف اهل المحشر الف الف في الف الف يشفع الحسين7 لتسعمائة الف و تسعة و تسعين الفاً و اما الانبياء و الاولياء و الحجج و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 175 *»

الصالحون كلّهم فيشفعون لصفّ واحد و الحسين7 معهم.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

 

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 177 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

كان كلامنا في وصف الداخلين، بعد ما عرفنا البيت و عرفنا معني الامان فالان اردنا بيان كيفية الدخول فنقول انّه موقوف علي معرفة الصانع و معرفة المصنوع ثمّ معرفة كيفية سلوك الصانع مع المصنوع و معرفة كيفية سلوك المصنوع مع الصانع.

فامّا معرفة الصانع فهي علي قسمين احدهما علي وجه الكمال الذي قاله مولانا علي بن الحسين7 كما في خبر جابر المعرفة اثبات التوحيد اوّلاً ثمّ معرفة المعاني ثانياً ثمّ معرفة الابواب ثالثاً ثمّ معرفة الامامة رابعاً ثمّ معرفة الاركان خامساً ثمّ معرفة النقباء سادساً ثمّ معرفة النجباء سابعاً يعني انّ المعرفة لايتحقق الاّ بهذه الحدود السبعة و هذا القسم لايدركه الاّ اوحدي الناس فلو حكمنا في المعرفة بهذا القسم و حصرنا الامر به لخرج كثير من الناس من الاسلام.

و ثانيهما هو المعرفة الاجمالية الاغنائية و هي عبارة عن المعرفة باللّه و بمحمّد رسول اللّه9 و بعلي اميرالمؤمنين7بانّه خليفة اللّه مطلقا و بالمعاد ثمّ بما جاء به النبي9 من الاحكام و الشرايع. و المراد بهذه المعرفة الاجمالية هو الاعتقاد الجازم الثابت الذي لايزول بتشكيك مشكّك سواء كان معه برهان ام لا لانّ البرهان لايتمّ المطلب كما ذكر في الاسفار براهين للتوحيد و هي قريبة من عشرة ثم ابطلها نعم اثباته بالبرهان ليس الاّ لرجل جامع كامل بصير مطّلع بالامور و الاحوال

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 178 *»

و الحاصل الذي هو المناط في هذه المعرفة الثبات و الاعتقاد كما قال شيخنا اعلي‏اللّه مقامه انّي كنت في سفر من اسفاري حتي رأيت عبداً اسود في السفينة فقلت له يا فلان عرفت ربّك قال العبد نعم قلت من اين تقول قال العبد قلبي يقول قال رحمه الله كّلما كرّرت عليه السؤال من اين تقول و من اين لك هذا قال من قلبي و بالجملة انّ المعتبر هو الاعتقاد الثابت الجازم لاغير. فهذا القدر من الايمان الاجمالي كاف. و امّا الكفر فنريد نبيّن معناه ليُعلم الكافر من المؤمن فتقدّم الكفر في البيان علي الايمان و الاسلام و الاقسام قد ذكرناها سابقاً اذ القوس قوس الصعود و انت عليم بانّ الاخسّ في الصعود مقدّم علي الاشرف.

فنقول انّ الكفر في القران جاء علي معان اربعة كفر جحود و طغيان و كفر بغي و عدوان و كفر نعمة و احسان و كفر طاعة للرحمن. فامّا القسم الاوّل فقد اخبر به تعالي في كتابه بقوله و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم ظلماً و علوّاً و قال يعرفون نعمة اللّه ثمّ ينكرونها فهؤلاء المنكرون يعرفون الحق حقاً لكنّهم ينكرونه عناداً و عتوّاً فهؤلاء هم الانجاس و شراؤهم و مبايعتهم و مناكحتهم باطل حرام بل و اموالهم في‏ء للمسلمين اذا لم‏يكن لهم وارث من المسلمين و هؤلاء عياله و اولاده عبيد و اماء للمسلمين ان كان عياله من نوعه و لايجوز غسله و لا دفنه و لا كفنه اذا مات بل يرمي حتي يأكله الكلاب و السباع اذ لا حرمة له و لا كرامة. و امّا كفر الجحود فانّه يتحقق باحد امرين احدهما انكار الضروري من الضروريات الدينية كترك الصلوة و انكارها و ثانيهما بانكار حق من الامور الثابتة في الشريعة فيكون انكاره عناداً وان لم‏يكن ذلك الحق الذي انكره من ضروريات الدين.

و اما كفر البغي و الطغيان فاليه الاشارة في قوله تلك الرسل فضّلنا بعضهم علي بعض منهم من كلّم اللّه و رفع بعضهم درجات و اتينا عيسي بن مريم البيّنات و ايّدناه بروح القدس ولو شاء اللّه ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 179 *»

جاءتهم البيّنات ولكن اختلفوا فمنهم من امن و منهم من كفر ولو شاء اللّه ما اقتتلوا و قال تعالي و ان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احديهما علي الاخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفي‏ء الي امر اللّه فان فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل الاية ورد انّه جاء رجل في حرب جمل الي اميرالمؤمنين7 فقال يا علي هؤلاء يصومون و يصلّون و يحجّون و يزكّون و يخمّسون و يصدّقون كيف يجوز حربهم قال7 عند ذلك في جوابه تلك الرسل فضّلنا بعضهم علي بعض الاية.

و اما كفر النعمة و الاحسان فقال تعالي لئن شكرتم لازيدنّكم و لئن كفرتم انّ عذابي لشديد و اصرح من هذا قوله تعالي و تلك قرية امنة مطمئنّة فكفرت بانعم اللّه.

و امّا كفر الطاعة للرحمن فكما في الاية التي نفسّرها الي ان قال و من كفر فانّ اللّه غني عن العالمين.

و هناك كفر بالباطل قال تعالي و من يكفر بالطاغوت و الكفر في اللغة بمعني الستر سواء كان الستر عن الحق ام لا. قال تعالي يعجب الزّراع ليغيظ بهم الكفار لانّه يستر الحب تحت الارض.

و الحاصل الذي يرد الاحكام عليه مما ذكرنا هو الذي ينكر ضرورياً من ضروريات الاسلام و الضروري عبارة عمّا لايجهله امة محمّد صلّي اللّه عليه و اله من صغيرهم و كبيرهم و عالمهم و جاهلهم و رجالهم و نسائهم و عوامهم و خواصّهم و اهل رساتيقهم و بلدانهم كالصلوة في انّها من النبي محمّد صلّي اللّه عليه و اله. و اما ضروري المذهب فهو ايضاً كالضروري عند اهل الاسلام الاّ انّ منكره فيه خلاف هل انّه يخرج من الدين بالمرّة او انّه يخرج من المذهب الي الاسلام فيكون بانكاره ضرورياً من ضروريات المذهب مخالفاً من اهل السنة فلكلٍ دليل فمن قال بانّه كافر قال نجس مخلّد في نار جهنّم و من قال بانّه مسلم قال بطهارته. و هناك قسم من الضروري عند العلماء خاصّة، كلّهم او يكون المخالف شاذاً نادراً او يكون ضرورياً عند العلماء و الخواصّ و بعض من المقلّدين من العوام الذين يراودون مع العلماء دون اهل البوادي و اهل الجبال و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 180 *»

سكنة الجزائر من البحار هذا القسم من الضروري له حكم خاص غير حكم الضروري العامّ من الاسلام و المذهب.

و اعلم ان المخالف للضرورة مكابر مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و من يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدي و يتّبع غيرسبيل المؤمنين يعني الائمّة الطاهرين نولّه ما تولّي و نصله جهنّم الاية فكلّ ما علم حقيّته من الدين ضرورية، انكاره كفر و المراد به ضروري الدين الذي هو الاسلام لقوله تعالي انّ الدين عنداللّه الاسلام و قولي ضروري الدين تعليق الحكم علي الوصف فيكون مشعراً علي علّية مأخذ اشتقاقه و مأخذ اشتقاقه هو ما علم في الشريعة ضرورته لامطلقاً فلايشمل الضروري الثابت من الشريعة الذي نحن في صدد اثبات كفر منكره الضروري الذي ليس من الشريعة كضرورة انّ السماء فوقنا و الارض تحتنا و النار محرقة و الشمس مضيئة لانّه خارج عمّا نحن فيه و ان كان انكار كل حق كفر كما يشعر الي هذا قوله7 من قال للحصاة نواة و للنواة حصاة فهو مشرك.

و من جملة ضروريات الاسلام الصلوة و الصوم و كلمة التوحيد لا اله الاّ اللّه بمعني انّه تعالي واحد لا شريك له و من ضروري الاسلام ايضاً بل عند جميع علماء الحلّ و العقد انّ الكتابة لا عبرة بها و انّه لا عبرة بالقرطاس و هذا خرق الاسماع و ملأ الاصقاع لاسيّما اذا كان صاحب الكتاب يكون منكراً لذلك الكتاب المنسوب اليه و لايخفي في انّ اللوازم ليست معتبرة فلايؤخذ بها ابداً في امثال هذه المقامات والاّ لزم انّ القائل بانّ اللّه كلي منحصر في الفرد يكون معتقداً بانّ اللّه مركب و كذلك الاشاعرة القائلون بانّ كلّ شي‏ء من اللّه يلزمهم الجبر و الظلم ولكن ان سألتهم انّه تعالي ظالم يقولون ليس بظالم و كذلك القائل بالاشتراك يلزمه التركيب في ذاته تعالي و التكثر. هذه تفاصيل معني الكفر في الاقسام الاربعة المذكورة و اما الناس فلمّا لم‏يعرفوا معني الكفر علي التفصيل صاروا في احكامهم يخبطون خبط عشواء فلمّا كانوا كذلك اوجبنا علي انفسنا بيان ذلك ليعلم كل اناس مشربهم.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 181 *»

 (اليوم الثالث‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

قد ذكرنا سابقاً معني‏البيت و شرحنا شرحاً علي حسب‏الامكان و فصّلناه تفصيلاً ثمّ اردنا بيان معرفة الداخلين الذين اولئك من الاهوال مأمونون و من الشدائد محفوظون فلا كلّ من دخل كان امنا لانّ الذين ينفع استغفار النبي9 لهم هم الذين دخلوا البيت هذا بالشرايط و الاداب التي نذكرها فيما بعد والاّ لاينفع استغفاره9 قال تعالي استغفر لهم او لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفراللّه لهم.

فنقول محض الاقرار بالربوبيّة و الاقرار بالرسالة ثمّ بالولاية للامام7 لايكفي في استيهال الدخول في هذا البيت المكرّم المعظّم و انّما يتوقف الدخول بمعرفة امور اربعة احدها معرفة الصانع و ثانيها معرفة المصنوع و ثالثها معرفة سلوك الصانع مع المصنوع و رابعها معرفة سلوك المصنوع مع الصانع و امّا معرفة الصانع فهي تفصيلها ان اردنا شرحه يطول بناالكلام فنخرج به عمّا نحن بصدده من المقام مع انّه ليس شيئاً مهمّاً من المرام و كذلك معرفة سلوك المصنوع فامّا اجماله فنقول انّ العارف بسلوك الصانع يعرف عدله و حكمته و لطفه و عطوفته و يعرف انّه لايظلم و لايترك الاولي و لايفعل القبيح الي غير ذلك من نوع معاملاته و هذا هو علم اصول الفقه من الاوامر و النواهي و الاستحبابات و غيرها و امّا كيفية معرفة سلوك المصنوع فهو العمل علي مقتضي ماورد من الشرايع الفرعيّة التي سمّيناها بالفقه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 182 *»

فلمّا عرفت انّ البحث عن السلوكين سلوك الصانع و سلوك المصنوع مخرج عن المقصود هنا نقتصر الكلام في ذكر معرفة الصانع.

فنقول انّ من الشرايط في تحقّق الاسلام هو الاقرار بالربوبيّة و الرسالة و ولاية علي7 و المعاد و جميع ماجاء به النبي صلّي‏اللّه عليه واله لانّ الاسلام لا حقيقة له الاّ بهذا فعلي هذا كلّ من انكر من المسلمين شيئاً من ضروريات الاسلام يكفر كفر جحود فيجري عليه الاحكام المذكورة التي منها انّه نجس مخلّد في نار جهنّم و ان معاملته باطلة ثمّ مناكحته غيرصحيحة و ان لايغسّل و لايكفّن و لايدفن ثمّ يكون امواله فيئاً للمسلمين و انّه عبد من عبيد المسلمين و كذلك في الحكم من انكر شيئاً من المسائل المختلف فيها عتوّاً و استكباراً بشرط ثبوت تلك المسألة بانّها من اللّه او اتاها النبي9 اذ هذا الانكار تارة يكون معصية و اخري من باب العناد فالقسم الاوّل لايؤثّر من الاحكام المذكورة شيئاً بخلاف الثاني و امّا انكارالضروري فلاتعدّد فيه و لا تفصيل بل بمجرّد الانكار خرج من الدين و صار من اهل دارالبوار فيحشر مع الاشرار.

و المراد بالضروري هو ما علم ضرورة و بداهة عند الامّة من عالمهم و جاهلهم صغيرهم و كبيرهم نسائهم و رجالهم من اهل رساتيقهم او من جبالهم و بواديهم بمعني انّ كلاً منهم يعلم ذلك الشي‏ء بانّه مذهب النبي نبيّهم9 من غيرتأمّل و رويّة و لا دليل كضرورة الصلوة و الصوم و الزكوة و الخمس و غيرها من الضروريات فالمنكر للضروري يشاقق الرسول صلّي‏اللّه عليه واله و من يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدي و يتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّي و نصله جهنّم و ساءت مصيراً فالمنكر في‏الحقيقة ناقض لغرض اللّه تعالي لانّه خلقهم للمعرفة كنت كنزاً مخفيّاً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف فلمّا خلقهم بيّن لهم و عرّفهم ما اراد منهم فمن جملة بيانه تواطؤ الامّة و اتّفاقهم علي‏الشي‏ء و لاريب انّهم لايجتمعون علي شي‏ء و لايتّفقون في شي‏ء الاّ و يكون كاشفاً عن مذهب نبيّهم و رئيسهم9 فيكون المخالف لما اتّفقوا عليه و انكاره ردّاً علي النبي و هو الردّ علي‏اللّه فهو الكفر الصريح و هذا الكفر كفرالجحود لا الكفر علي

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 183 *»

الاقسام الثلثة المذكورة. فلمّا كان للكفر اقسام يجب علي المكلّف معرفته بجميع اقسامه حتي يعرف الكافر الذي يجري عليه الاحكام المذكورة من غيره لان مقتضي هذه الصورة الانسانيّة الاسلام هو الذي خلقكم فاحسن صوركم فلابدّ من معرفة الكفر و حدوده كيلا يخطي في‏الحكم. آه ثمّ آه اَري هذا الخلق في زماننا هذا يكفّرون كلّ من يريدون و لايحبّونه و كذا يجعلون من اهل الايمان كلّ من يريدونه و يحبّونه و انت خبير بمذهبك الذي اقوي المذاهب و اتقيها بانّ الامر ليس علي مشتهيات الناس بل الامر كلّه منوط بما قرّره الشارع.

والحاصل مناط تحقّق الكفر شيئان احدهما انكار الضروري و ثانيهما انكار حقّ من الشريعة عتوّاً و استكباراً بعد ما علم انّه حقّ ثابت من اللّه تعالي و الضروري علي اقسام : منها ضروري عند جميع الامّة من عالمهم و جاهلهم حتّي عند اهل الجبال و البوادي و الدهاقين و الرساتيق و اهل‏القري كما ذكرنا و منها هو ضروري عند العلماء و الخواصّ و بعض من العوامّ الذين يخالطون مع العلماء او يخالطون مع من يخالط العلماء و منها انّه ضروري عند العلماء و الخواصّ فقط و منها انّه ضروري عند العلماء اجمع دون الخواصّ و منها انّه ضروري عند العلماء فقط الاّ انّ المخالف شاذّ نادر كل واحد من هذه الاقسام المذكورة له حكم خاصّ به فيجب علي المتديّن بهذا الدين معرفة الاقسام لئلاّ يضلّ عند الحكم فيضلّ الناس كثيراً

و امّا الذي لم‏يعرف الضروري من غيره فلايدخل في الكفر من حيث انّه انكر الضروري و انّما يدخل في زمرة الكفار من حيث انّه انكر الحقّ و المراد بهذا الحق الذي انكره هو انّ النبي9 لمّا بلّغ مابلّغ اثبت لهم حقّيته بالمعجزات و خوارق العادات فلم‏يبق لهم حجّة في ابطال معجزته فهم مع هذا لو انكروه9 فقد كفروا به9.

لايقال انّ النبي محمّداً9 متي بيّن لهم و كيف اظهر لهم الحقّ كي‏يكون منكره كافراً بل اتي بمجملات من كليات احكامه و شرعه لانّا نقول انّ‏الرسول شأنه الايضاح و التبيين بماانزل اللّه من الاوامر و النواهي فانّه هو مقتضي الرسالة فلولم‏يوضح لم‏يكن الرسول رسولاً مع انّ بين الرسول و المرسل اليهم تضايف يعني لايكون الرسول رسولاً الاّ و ان

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 184 *»

‏يكون مبلّغاً موضحاً كالشمس في رابعة النهار فلم‏يكونوا هؤلاء المنكرون مستخلصين عن حكم الكفر ابداً قال تعالي لم‏يكن الذين كفروا من اهل‏الكتاب و المشركين منفكّين حتّي تأتيهم البيّنة رسول من اللّه. و ما علي‏الرسول الاّ البلاغ. و بلّغ ماانزل اليك من ربّك الاية فان لم‏يكن9 مبلّغاً كان مقصّراً و هذا كما تري نقص في اختياره تعالي من مثله رسولاً مقصّراً حاشا اللّه عن ذلك ثمّ حاشا رسوله9 عنه.

فلمّا ثبت انّ نبيّنا9 بعثه اللّه نبيّاً علي كافّة الخلق اجمعين من انسان و جنّ و ملك و حيوان و نبات و جماد ثمّ الاعراض و اعراض الاعراض و هكذا كما في‏المروي لرفع الحمّي قال7 يا امّ ملدم ان كنتِ امنتِ باللّه فلا تأكلي اللحم و لا تشربي الدم و لا تفوري من الفم و انتقلي الي من يزعم انّ مع اللّه الهاً اخر فانّي اشهد ان لا اله الاّ اللّه وحده لاشريك له و اشهد انّ محمّداً عبده و رسوله و في رواية عبداللّه بن شدّاد الي ان قال7 لمّا دخل علي عبداللّه و هو محموم قال مخاطباً للحمي يا كبّاسة و هو اسم من اسماء الحمي كامّ ملدم قال يا كبّاسة ام يأمركِ اميرالمؤمنين ان لاتقربي الاّ مشركاً او مذنباً فما بال هذا الرجل فانهزم الحمي من خطابه7 نقلته بالمعني و بالجملة انه9 مبعوث علي الكافّة قال تعالي تبارك الذي نزّل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيرا و المراد بهذا هو العالمين الذي اللّه ربّهم في قوله الحمد للّه ربّ العالمين.

لايقال انّ المراد بالعالم الثقلان لانّا نقول علي مقتضي اللغة ان العالم هو كل مايعلم به الصانع و لاشكّ انّ الامكان كلّه دليل علي اللّه سبحانه فلمّا كان العالم اسم الجنس و انّه قد يطلق علي القليل و الكثير و علي بعض دون بعض اتي اللّه سبحانه بالجمع فقال عالمين فلمّا كان يحتمل ان يتوهّم متوهّم انّ عالمين لايفيد الافراد استغراقاً اذ اقلّ افراد الجمع ثلثة فصاعداً من دون شمول و تعيين تامّ عامّ بحيث لايشذّ منه فرد من الافراد عرّفه الحكيم تعالي بالالف و اللام الاستغراقي دفعاً للتوهّم و اثباتاً للشمول.

و امّا نساء العالمين في مريم فهو خارج بالدليل من هذا الاصل الذي ذكرنا علي حسب اللغة و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 185 *»

القاعدة كما قلنا انّ الامر للوجوب و امّا كونه للاستحباب و مجيئه للندب فانّه يتعيّن بالقرائن هذا الجواب لدفع هذا الايراد قشري و امّا الجواب الحقيقي الواقعي فهو انّا نقول انّ خطابات القران كلّها اوّلا لال‏محمّد: كما عرفت منّا سابقاً من انّ القران نزل اثلاثاً او ارباعاً او نصفه في ال‏محمّد و النصف الاخر في اعدائهم فعليه يكون المراد من مريم مريم‏الاولي العليا و المراد ببني‏اسرائيل بني‏اسرائيل الامّة هذه و هم بنو علي7 حيث ورد في الزيارة انّ عليّاً7 هو اسرائيل‏الامّة قال7السلام علي اسرائيل الامّة و باب الرحمة فبنوعلي شيعته فيكون معني قوله و اصطفيك علي نساء العالمين علي عمومه من غير استثناء.

و الدليل الواضح الصريح علي تبليغه9 لجميع الخلق من جميع الامكان قول مولينا علي بن محمّد الهادي8 في الزيارة الجامعة الكبيرة حيث قال فبلغ اللّه بكم اشرف محلّ المكرّمين و اعلي منازل المقرّبين و ارفع درجات المرسلين حيث لايلحقه لاحق و لايفوقه فائق و لايسبقه سابق و لايطمع في ادراكه طامع حتّي لايبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا صديق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبّار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بين ذلك شهيد الاّ عرّفهم جلالة امركم و عظم خطركم و كبر شأنكم و تمام نوركم و صدق مقاعدكم و ثبات مقامكم و شرف محلّكم و منزلتكم عنده و كرامتكم عليه و خاصّتكم لديه و قرب منزلتكم منه هذه مقامات عشرة عرّفهم اللّه تعالي و بلّغهم و علّمهم لكنّي انا كنت اقول في بيان تعريفه لهم هذه المقامات انّ هذا التعريف انّما كان في عالم الذرّ و لم‏يسأل احد معني كيف يكون هناك جاهل او دني او غيرذلك لانّ الذرّ كلّهم كانوا عالمين.

ثمّ لو سلّمناه لكنّا نريد التبليغ و البيان في هذاالعالم اذ التكليف عامّ في جميع العوالم من الذرّ الاوّل عالم العقول و الذرّ الثاني عالم الارواح و الذرّ الثالث عالم‏النفوس و الذرّ الرابع عالم الطبايع و الذرّ الخامس عالم المواد و الذرّ السادس عالم المثال و الاشباح و الذرّ السابع عالم الاجسام و العلّة في ذلك مني شيئان استراحتي و سهولة الامر علي و لانّ الناس طبيعتهم

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 186 *»

غيرناضجة ثمّ لم‏تتّصف بالاعتدال البالغ الذي يعرفون الجواب الحقيقي اذ كانوا يسمعون نعم حيث الان صفتِ الامزجة و ترقّت الكينونات و حصلت لهم اقبال في الجملة قلنا انّ المراد بتعريف النبي9 و تبليغه للعالمين في هذاالعالم اي في عالم الاجسام الذرّ السابع انّه هو9 ظهر لكل احد من احاد الناس فقال له انّي رسول‏الله عليك.

و امّا كيفيّة التبليغ فهي صعبة علي افهام الناس ولكن هناك رواية و هي انّ مولينا الصادق7 قال له رجل من الصحابة المؤمنين يا سيّدي كيف بلغ النبي9 جميع العالم من جميع الاقاليم قال7 انّه صلّي‏اللّه عليه و اله لمّا اراد التبليغ امرالجبال و التلال و الاراضي بان تخفض لديه فلمّا انخفضت صار العالم بين يديه فبلّغ الامّة ما امره اللّه نقلته بالمعني هذه كلمة في الجواب مااعلاها و اسناها و احسنها و ابهاها هنيئاً لمن عرف من الامّة لكن الناس حين التبليغ جعلوا اصابعهم في اذانهم قال تعالي حكاية عن نوح انّي كلّما دعوتهم لتغفر لهم يا ربّ جعلوا اصابعهم في اذانهم و استغشوا ثيابهم و اصرّوا و استكبروا استكباراً فهؤلاء لم‏يريدوا الاصغاء الي جنابه9 كي‏يعرفوا الامر علي ماينبغي كما ورد ان‏الحسين بن علي7 لمّا كان وحيداً في كربلا قام يدعوهم الي الايمان و يرشدهم الي الحقّ امر القوم المنافقين رئيسهم بالصياح و الاصوات و ان‏يضربوا بايديهم علي افواههم مهلهلين كي‏لايسمعوا قول الحسين7 هكذا دأب المنكرين و شأنهم و هكذا شأن المعاندين من اهل الجحود و الطغيان الذين ماامنوا بالرحمن في آنٍ من الاوان و بالجملة انّه7 لازال يبلغ لكنّه مشروط بالاصغاء و القبول من ال‏الرسول

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 187 *»

 (اليوم الرابع‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

كان كلامنا في كيفيّة تبليغ النبي صلّي‏اللّه عليه واله لجميع الخلق تكاليفهم و شرايعهم و ادابهم بيان ذلك يحتاج الي تمهيد مقدّمة و هي انّ كلّ عالٍ و كلّ شريف لابدّ و ان‏يكون سابقاً في‏الوجود علي الموجودات التي دونه و ذلك لبطلان الطفرة قال7 انّ اللّه خلق الارواح قبل الاجسام كما انّ العقول قبل الارواح و الارواح قبل النفوس و النفوس قبل الطبايع و هي قبل المواد و هي قبل الاشباح و هي قبل الاجسام. اذا عرفت ذلك فاعلم انّ الاجسام منها لطيف و منها كثيف و منها متوسط فلطيف الاجسام مقدّم في‏الوجود علي كثيفها من الاجسام العرضيّة المختلفة للطفرة.

ثمّ مقدّمة اخري و هي انّ النهار مقدّم علي الليل ام الليل مقدّم علي النهار فعلي مقتضي الطفرة و القران يكون النهار مقدّماً علي الليل و علي مقتضي مفاهيم العرف و الحسابات الشرعيّة يكون الليل مقدّماً علي‏النهار كما يقال انّ ليلة الجمعة مقدّمة عليها و انّ ليلة السبت عليه و ليلة الاحد كذلك و تقول ليلة اوّل شهر رمضان. سأل فضل بن سهل الرضا7 عن تقدّم النهار علي‏الليل و تقدّم الليل علي النهار و هو رجل عالم لاسيّما في‏النجوم قال7 يافضل اتريد من‏القران اجيبك او من الحساب قال فضل منهما قال7 اما القران فقد قال اللّه تعالي و لاالليل سابق‏النهار و انّه سبحانه و تعالي لما خلق العالم كان طالع الدنيا سرطان و قد كانت الكواكب في اشرافها فكان الحمل في شرفه و هو في التاسع‏عشر من درجات الحمل فيكون الحمل في وسط السماء و السرطان في الافق فتكون اذاً

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 188 *»

اوّل الظهر فكان حينئذ اوّل ايجاد الدنيا و لذا قلنا في مَنْ نسي عدد الصلوات الفائتة من الظهر و هو الصلوة الوسطي عند الحقير كما هو صريح الاخبار و في بعض منها مادلّ علي انّ الصلوة الوسطي هي صلوة العصر و في اخري منها ان الصلوة الوسطي هي صلوة المغرب كما عليه شيخنا العلاّمة اعلي‏اللّه مقامه لانّها بين الرباعيّة و الثنائيّة و في بعض الاخبار انّها هي صلوة العشاء فلذا يصوم الغد من نسي العشاء فالصلوة الوسطي مختفية بين الصلوات كاختفاء ليلة القدر و الاسم الاعظم و مثلهما الساعة التي في يوم الجمعة يستجاب فيها الدعاء و انّما صارت الصلوة الوسطي مختفية لاجل حفظها كي‏يكون المكلف لم‏يزل واقفاً بين‏الخوف و الرجاء.

ففي ذلك اليوم اوقف رسول‏اللّه9 الخلايق كلّهم في محشر واحد في اعلي الاجسام لطافةً و صفاءً علي احسن مايكون و هي كارض الجنّة و ارض الرجعة و ارض البرزخ هذا لاهل عليّين و اقبح مايكون لاهل سجّين قبل اللطخ ثمّ جعل ارواحهم في المزن و في الطمطام كما تقدّم شرحه و بيانه انه9 اوقفهم علي خطّ الاستواء علي جبل قاف فقال انّي رسول اللّه اليكم جميعاً و قرأ القرءان عليهم من اوّله الي اخره فلمّا قرأه عليهم اطّلعوا علي النوافل و الفرايض و العقايد و الشرايع و الاحكام و عرفوا الدقايق القرءانيّة و الحقايق الفرقانيّة الالهيّة و ساير الاداب و السنن و الاسرار.

فان قلت بناءً علي هذا ما كلف هذا الجسم المتغيّر المختلف لطخاً و انّما كلّف ذلك الجسم اللطيف قلت هذا الجسم المتغيّر هو ذاك مع زيادة التغيّر و العوارض فلمّا تحرّكت الافلاك بعد ماكان نهاراً و السرطان علي الافق جاء الليل فتقدّم علي‏النهار فحصلت الافاق المائلة و وجدت الاقاليم السبعة المختلفة فلمّا تقدّم الليل ثبت ماقلنا من القوس الصعودي فافهم ثمّ لمّا جاء الليل و ظهرت الظلمة في العالم اختفت تلك الاجسام اللطيفة الصافية في طي الاعراض و الغرائب و الاختلافات الواردة عليهم من سوء ميولاتهم و شهوات انفسهم فلمّا اختلفوا و جاء حكم العرض نسوا ماذكروا به احتاجوا الي المنبّه الذي يوقظهم من رقدتهم فجاءهم النبي9 تفضّلاً و امتناناً

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 189 *»

للتذكرة و التنبيه حيث علّمهم9 في ذلك العالم كما سمعت ما اسلفنا آنفاً ولقد علمتم النشأة الاولي فلولا تذكّرون. واللّه اخرجكم من بطون امّهاتكم لاتعلمون شيئاً. فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و لاريب انّ مفهوم الشرط حجة يعني لاتسألوا ان علمتم.

فلمّا جاء النبي9 توقّف تنبيهه علي شرط و هو البلوغ و البلوغ في اقاليمنا هذه المعروفة خمسة عشر سنة للرجال و تسع سنين للنساء و امّا الولايات البعيدة كينكي‏دنيا و امثالها فلايكلّفون الاّ بعد بلوغهم و البلوغ له مقامات يتفاوت في كل ولاية علي حسب حالها و مقام اهلها مثلاً قديكون مضي من عمر الرجل مأة سنة و انّه ليس ببالغ او اقلّ منها او اكثر الا تري انّ الانبياء مكلّفون من حين الولادة لانّهم بالغون راشدون كاملون غيرناسين للعهد الاوّل في العالم الاوّل اَوماسَمِعت انّ عيسي‏بن‏مريم قال في‏المهد انّي عبداللّه اتاني الكتاب و جعلني نبيّاً.

فان قلت علي‏هذا ماتقول في نبيّنا محمّد صلّي‏اللّه عليه واله اذ هو انّما بعث بعد اربعين سنة قلت لئلايقول قائل ان كان كاملاً في‏العمر كان احسن لانّه لاريب انّ كمال العقل و تمام الرشد و النشاط في الاربعين كما قالوا انّ الاوّل اكبر من علي7 فهو اعلم بالسياسة هذا في‏الظاهر كان بعث في الاربعين و امّا في‏الحقيقة فقد قال كنت نبيّاً و ادم بين الماء و الطين.

ثمّ اعلم انّ المميز ايضاً مكلّف بالتكاليف و مخاطب بالخطابات القرءانية و انّ عباداتها شرعيّة مشروعة لانّ شرط التكليف الشعور و هو حاصل و امّا سرّالتكليف فليميزاللّه الخبيث من الطيب فلمّا كانت عبادات المميز مشروعة قلنا اذا صلّي المميّز ثمّ تبيّن بعد الصلوة انّه بلغ لايستأنف العمل مع بقاء الوقت ولكنّ اللّه رفع عقوبة المميّز ان عصي و لم‏يعمل و امّا معاملات الصبي المميّز فليست بمشروعة لاجل عدم تدرّبهم في‏الامور و قلّة تجربتهم فجعل ذلك علي الاولياء.

والحاصل كان الكلام انّه9 بلّغ التكليف لجميع الخلق في ذلك اليوم و هو التكليف حقيقة و هو عبارة عن التكليف الذي امر النبي9 الارض بالانخفاض حتّي صارت نسبته9 علي الخلق علي حدّ سواء فعرّفهم اجمع و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 190 *»

امّا هذا التكليف الثانوي فلاجل التنبيه و هو الحجّة العرضيّة بحيث لولا هي لكان الاولي كافية و يؤيّد ماقلنا من الشرط الاخر و هو البلوغ لتحمل الاحكام تدريجاً شيئاً فشيئاً لانّه اوّل مابلّغ قال قولوا لا اله الاّ اللّه تفلحوا ثمّ قال لهم صلّوا و صوموا ثمّ قال لهم زكّوا و حجّوا و هكذا حتّي انّه9 اخّر امرالولاية التي هي الركن الاعظم من الشريعة بل الولاية هي الاصل بل انّها هي اصل الاصول كلّها اذ ماتَنَبّي نبي الاّ لاجل اظهارها اي اظهار الولاية للامّة. الا تري انّ اللّه خاطب نبيّه في قوله حيث انزله يوم‏الغدير ياايّها النبي بلّغ ماانزل اليك من ربّك فان لم‏تفعل فما بلّغت رسالته مع انّه9 كان يبلّغ قبل ذلك اليوم مدّة اثنين و عشرين سنة.

والحالصل هو9 بلّغ بنفسه الشريف ما بلّغ ثمّ اوصي لاوصيائه الطيبين المعصومين: و امرهم ان‏يبلّغوا الاحكام في كل اوان علي مقتضي ذلك الان فلذا لمّا ظهر الامام7 سيحرّم ماكان حلالاً و يحلّل ماكان حراماً و الان كذلك لانّ في كل وقت بلوغ و البلوغ يتفاوت في‏الاشخاص لكنّه علي حدّ خاص كالكر من الماء الا سمعت انّ في‏الاخرة تكليف خاصّ لطوائف خمسة، الاول الاطفال ثمّ المجانين ثمّ المستضعفون ثمّ الذين لم‏يصل اليهم صيت الاسلام قطّ ثمّ اصحاب الفترة الذين كانوا بين نبيّنا محمّد9 و عيسي‏بن‏مريم7 اذ كان اوصياؤه مستورين مغمورين خائفين مختفين عن‏المخالفين فكان الزمان خالياً عن الحق ظاهراً.

والحاصل انّ‏المبلّغ شأنه التبليغ الاّ انّه مشروط بقابلية المحل و هي البلوغ و الكمال للتحمل كما انّ في قصة يوزاسف و بلوهر معلوم حيث بعث اللّه ليوزاسف بلوهر الحكيم فعلّمه من الدين كما احبّ اللّه لوجود القابل و من المعلوم انّ ابايوزاسف كان رجلاً اميراً و سلطاناً عنوداً مع المسلمين في غاية العناد بحيث لويعلم احداً انّه مسلم لاحرقه في‏الحين و كان هذا السلطان يأمر ابنه بالملاهي و اللعب ثمّ نهاه عن معاشرة الناس من ارباب الاديان مع هذا المنع الشديد لمّا كانت كينونة يوزاسف صافية و طبيعته ناضجة بَعَثَ اللّه له معلّماً

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 191 *»

هادياً فارشده في دار السلطان من دون مشقّة فاستبصر يا فلان استبصاراً علي كمال ماينبغي هذا قول فصل في هذا الامر اي امرالتبليغ فخذه و كن من الشاكرين.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 193 *»

 (اليوم الخامس‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

قد ذكرنا في خلال تفسيرالاية انّ الكفر يتحقّق باحدالامرين احدهما بانكارالضروري اي ضروري الاسلام و قد فسّرنا الضروري فلانعيد و امّا انكار ضروري المذهب فهو محقّق لاخراج المنكر عن‏المذهب الي مذهب الاسلام و ملّة السنّة و الجماعة و امّا انكار ما عليه اتّفاق العلماء و الخواصّ و بعض العوام المخالطين للعلماء الذي كاد ان‏يكون ذلك الاتّفاق ضروريّاً فانكار مثل هذا الاتّفاق كاد ان‏يكون كفراً و امّا انكار علماء المسلمين فهو فسق من دون ريب و مين الاّ ان‏يعلم انّ قول الامام7 داخل في اقوالهم.

فقلنا انّ‏الضرورة قد قامت علي انّ اللّه واحد لاشريك له فمن خالف علماء المسلمين في هذا فقد كفر كفر الجاهليّة الاولي و امّا كيفيّة التوحيد و معني الوحدة فهي ليست من الضروريات البديهيّة و انّما هي من النظريّات و هي مع ذلك فيها اختلاف كثير فلايكفر من انكر معني من المعاني من التوحيد مع انّ‏المنكر قائل بوحدته تعالي لانّ انكاره علي المعني الذي هو عند غيره لا علي الاجمال الذي هو ضروري بينهم بانّه تعالي واحد لاشريك له و من المسائل الضروريّة بين المسلمين قاطبةً هو انّ اللّه سبحانه كامل مطلقاً فيكون تعالي شأنه قادراً عالماً قديماً حيّاً سميعاً بصيراً مريداً مدركاً متكلّماً غنيّاً صمداً واحداً الي غير ذلك من الصفات الكاملة فيكون مخالف هذا الاتّفاق كافراً كفر الجاهليّة الاولي.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 194 *»

و امّا الحنابلة القائلون بالجسميّة للّه تعالي فقد قال الشيخ في كتبه انّهم فرقتان منهم من اعتقد انّه تعالي جسم محدود محسوس مجسوس كاجسامنا هذه لاشك في كفره ثمّ لاريب في خروجه عن ربقة المسلمين و دخوله في زمرة الكفّار المخلّدين و منهم من اعتقد انّه تعالي جسم لا انّه محدود كاجسامنا بل انّما يعبّر عنه بالجسم فهو مسلم قطعاً و لايؤخذ الرجل باللوازم كما انّ الاشاعرة الغير الشاعرة ذهبوا الي انّ اللّه سبحانه يُري في‏الاخرة بهذا العين الجسماني من غير كيف و لاريب انّ الرؤية تستلزم الجسميّة مع انّهم لم‏يقولوا بجسميته ان سألتهم و لايقولون فلايلزم من قولهم انّ اللّه جسم ان‏يكون جسماً فلايلزم شي‏ء يوجب الكفر و الخروج عن الاسلام و استدلّ هؤلاء في اثبات المدعي بقول الصادق7 كما في الكافي لما قيل له7 انّ هشام‏بن‏الحكم يقول انّ اللّه تعالي جسم و انّ هشام بن سالم‏الجواليقي يقول انّ اللّه تعالي صورة قال7 دَعْ عنك حيرة الحيران و استعذ باللّه من الشيطان فليس القول علي ماقاله الهشامان و لم‏يقل7 في حقّهما انّهما كفرا بهذا القول و لا ردّهما و قيل ان صدور هذا القول عنهما قبل استبصارهما.

و من الضروريات عند المسلمين بطلان اعتقاد التفويض الي العباد في الايجاد و التكوين يعني في الخلق و الرزق و الموت و الحيوة لانّه لا فاعل الاّ اللّه و لا صانع الاّ هو و امّا تفويض الافعال الاختياريّة الي العبد ففيه خلاف و انت عليم بماذهبنا من انّ كل شي‏ء لايوجد الاّ بسرّ الامر بين الامرين سواء كان ذاتاً ام فعلاً جوهراً كان او عرضاً والتفويض الباطل هو الذي يلزم منه الاعتزال كتفويض الموكّل للوكيل او المولي لعبده في شراء شي‏ء من الاشياء ضرورة انّ الموكّل و المولي معزول حينئذ و لذا قلنا انّه اذا انهزم العبد و لم‏يشتر شيئاً ليس للمولي سلطان عليه بوجه من الوجوه فهذا التفويض بهذا المعني باطل بالادلّة القطعيّة من‏العقليّة و النقليّة و المذهب الذي هو اصل الادلّة اذ الشي‏ء اذا استقل و استغني في آنٍ فقد استغني في الانات كلّها كما اذا لم‏يحتج في حال من الحالات لم‏يحتج ابداً فمن قال انّ اللّه تعالي خلق الائمّة: ففوّض اليهم امره من امر

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 195 *»

الايجاد و الخلق او من امر الشرع علي المعني الذي قلنا للتفويض فقد خرج عن طريقة المسلمين و من قال انّهم: مستقلّون في افعالهم و تدبيراتهم فكذلك لانّ الحادث محال ان‏يكون مستغنياً عن‏المدد ثمّ محال ان‏يكون قديماً بوجه من الوجوه فمن قال بقدمهم: فقد اعرض عن دين المسلمين بالقطع و اليقين فهو حينئذ من الكافرين المخلّدين من دون شكّ و مين.

فان قلت انّه7 قال و مفوّض في ذلك كلّه اليكم و ذلك صريح في اثبات‏التفويض قلت قال مفوّض انا، لا انّ اللّه سبحانه فوّض امره اليهم: اذ المفوّض اذا كان خلقاً فهو محبوب بخلاف ما اذا كان هو تعالي فانّ التفويض كائناً ما كان باطل فلهذا قال‏الصادق7 من قال نحن الخالقون باذن اللّه فقد كفر.

و امّا الايات الدالّة علي التفويض و كذا الروايات فلاتخلو من تطابقها مع المذهب و عدمه فما لايطابق المذهب يجب لنا ان‏نأوّلها الي‏مايطابق المذهب ضرورة انّ احاديثهم منها مطلق و منها مقيّد و منها محكم و منها متشابه و منها عامّ و منها خاصّ كالقرءان منه ايات محكمات هنّ امّ‏الكتاب و اخر متشابهات فيجب للعالم البصير ردّ المتشابة الي المحكم ان كان قادراً متمكّناً عليه والاّ فيقف عند حكم المحكم لانّه7 يقول لاينقض اليقين الاّ بيقين مثله الا تري انّه ورد في القرءان يداللّه و جنب‏اللّه و عين‏اللّه و نحن اوّلنا اليد الي القدرة دون الجارحة ضرورة انّه خلاف المذهب فلهذا نقول انّ العالم و غيره لابدّ ان‏يكون لديه قاعدة مضبوطة يأوي اليها حتّي يكون مطمئنّاً غيرمضطرب في امره والاّ لم‏يحصل له استيضاح قطّ بل يكون كلّ آن في دين من دون استقرار في شي‏ء من الاشياء و لا في حكم من الاحكام كالحشوية الذين يعملون بجميع الاخبار المتعارضة و هم لايفقهون.

و امّا قوله7 انّ اللّه خلقنا من نور ذاته و فوّض الينا امور عباده و قوله انّ الينا اياب هذا الخلق ثمّ انّ علينا حسابهم و قوله7اليكم التفويض و قوله تعالي قل يتوفّيكم ملك الموت الذي وكّل بكم و غيرها من الايات و الاخبار الدالّة علي التفويض ظاهرها، فنحن نأولها الي معني لاينافي المذهب

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 196 *»

و بالجملة انّ المعتقد بالتفويض بهذا المعني كافر كفر الجاهليّة الاولي لمخالفته الضرورة التي يستلزم انكارها و ردّها غشّ النبي9 بمعني انّ شرعه الشريف لم‏يكن مطابقاً للواقع مع انّه9اجلّ من ذلك فلاتفويض في شريعته ابداً قال تعالي هو الذي خلقكم ثمّ رزقكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شي‏ء سبحانه و تعالي عمّا يشركون.

ثمّ نقول انّه لاشكّ في انّ الضروريات من هذا الدين المتين لمّا كانت ثابتة بطل مايخالفها و من الضروريات انّ المعبود تعالي هوالمتوجّه اليه في العبادة لاسواه كما اشبعنا الكلام في ذلك في توحيد العبادة من التوحيدات الاربعة بناءً علي هذا لايصغي الي قول من ذهب من الصوفيّة الي انّ السالك لمّا ترقّي من هذه المقامات الظاهريّة يستغني عن الشريعة الظاهرة و كذا قولهم في‏العبادة تصوّر صورة المرشد امام وجهه و قلبه اذ المذهب منعقد علي انّ المعبود هواللّه وحده لاشريك له فلايتوجّه الاّ اليه تعالي فنحن ندعوه تعالي بجميع اسمائه التي ذكرها الامام في الادعيّة و الروايات منها جوشن الكبير لانّه تعالي هو المقصود في جميع اسمائه فلانقصد سواه و لانروم الاّ ايّاه و ان كنّا حقّقنا في اصولنا انّ الموضوع له للاسماء غيرالمراد لكن الكلام الان في‏المراد دون الموضوع له فلايجوز التوجّه الي غيراللّه ابداً و ان لم‏نصل نحن الي ذاته تعالي و لكنّا لن‏نجد في الارادة و القصد الاّ هو تعالي ففي مقام العمل لانري الاّ اللّه و لا نتوجّه الاّ اليه و امّا في مقام العلم فنقول هذه الاسماء الفاظ حادثة موضوعة للمظاهر الفعليّة حيث نقول نحن اصحاب الامكان لاندرك الذات القديمة بوجه من الوجوه ولكنّا في الاقبال و التوجّه اليه لانقصد الاّ ايّاه انّي وجّهت وجهي للذي فطر السموات و الارض فلو كان الحق هوالذي قاله الصوفية في ترّهاتهم للزم غشّ النبي الامين9 في‏الدين و هذا كما تري لايصحّ بوجه.

و اما قولهم نحن وجه اللّه و قوله7 في‏الزيارة الجامعة الكبيرة من اراد اللّه بدء بكم و من وحّده قبل عنكم و من قصده توجّه بكم و امثالها فليس معناها انّ العابد يتوجّه اليهم: و كذلك في ايّاك نعبد لايقصد الي الولي7 بل انّه كفر و زندقة. نحن

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 197 *»

ماقلنا بذلك و لا دوّنا و لا قال شيخنا اعلي‏اللّه مقامه فمن نسب الينا من هذه الزخاريف شيئاً فقد ضلّ و غوي و كذب و افتري فعليه لعنة اللّه و لعنة اللاعنين قال الباقر7 نحن اللاعنون. نعم لاضير في قولنا انّا لانصل الي ذاته و لاندركها لانّا مع ذلك لانقصد الاّ الذات البحتة البسيطة التي لاتدركه الابصار و لاتتوهّمه البصائر و لاحوته المشاعر مطلقاً فلمّا ماوصلنا الي ذاته تعالي رجعت الالفاظ و التعابير من حيث الموضوع له الي الحادث لا من حيث المراد ألا سمعتَ انّا نقول انا لانقصد في‏العمل الاّ اللّه وحده ولكن لوسألت بانّك يا قاصد تدرك الذات اقول في الجواب لا. ثمّ اقول مع‏ذلك ليس لي مراد دون اللّه الواحد المحيط القهّار فلايجوز التمسّك بالمتشابهات اللفظيّة مع ترك البراهين المحكمة المتقنة الثابتة بالضرورة و المذهب فلايجوز الاعراض عنها نعم لاينقض اليقين الاّ بيقين مثله فاذ ليس فليس.

نعم هناك ايات و روايات دالّة بظاهرها علي التفويض و مثلها افعال العباد والملائكة الخلاّقين اللذين يقتحمان رحم‏المرأة و الملائكة المدبّرات و المقسّمات والحافظات والذاريات والمعقّبات و مثلها قوله تعالي قل يتوفّيكم ملك الموت الذي وكّل بكم الي غيرها محمولة علي المذهب و الطريقة من دون لزوم التنافي و العزلة الباطلة عقلاً و نقلاً و لاشكّ انّ العالم عالم الاسباب قال7 ابي اللّه ان‏يجري الاشياء الاّ باسبابها هذا حكم لا خفاء فيه فلايحتاج الي بيّنة و برهان اذ هو من الامور المحسوسة الا تري انّ اللّه يدبّر الاشياء من النباتات و غيرها بالماء و الشمس بحيث لولاها لم‏يوجد شي‏ء و كذلك الولد يوجده اللّه بالوالدين ثمّ انّه تعالي يُشبع الناس و يروّيهم بالماء و الخبز مثلاً و هكذا فلاحصر له حتي اعدّه اذ العالم كلّه ليس الاّ علي هذا النسق من دون مخالفة في ان من الانات و لا في شي‏ء من الاشياء لا في غيبيّاتها و لا في شهوديّاتها.

ولكن اعلم انّ تلك الاسباب انّما تكون مؤثّرة بامر بين‏الامرين من دون جبر و لا تفويض فمن نسب الينا بانّا قائلون بانّ الائمّة: مفوّضون في‏الخلق و الرزق و الموت و الحيوة او احد غيرهم: او في غير الاربعة من التشريعيّات حتّي في الافعال الاختياريّة فقد

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 198 *»

كذب و افتري اَلا مَن نسب شيئاً من هذه الامور الينا فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين.

و من الضروريّات عند المسلمين انّ محمّداً9 اشرف الاربعه‏عشر: و امّا اشرف الخلق كلّهم ففيه خلاف عند اهل السنّة و الجماعة لانّ بعضهم يقولون انّ الملائكة اشرف من الانبياء: ولكنّ الحق انّه9 اشرف الخلق مطلقاً هذا ضروري عند الفرقة المحقّة الاثني‏عشريّة لا دونهم.

و من الضروريّات انّ عليّاً7 ليس اشرف من محمّد9 فمن قال ذلك فقد كفر كفرالجاهليّة الاولي.

و من الضروريات انّه تعالي عالم بالاشياء كلّها بعلمه الذاتي قبل الاشياء و بعد الاشياء و حين الاشياء عالم بها بكليّاتها و جزئيّاتها مجرّدها و مادّيها عاليها و دانيها بسائطها و مركّباتها غيبها و شهودها اصولها و فروعها فمن انكر علمه تعالي في حال من الاحوال او تقوّل بشي‏ء يخالف ماقلنا من ضرورة المسلمين فقد كفر و ضلّ عن الطريق لانّه لايجوز غيرذلك بحال من الاحوال فمن تفوّه بغير هذا فانّه مغضوب للّه القهّار المتعال ثمّ عليه اللعن والخسران في‏المبدء و المئال اذ هو قد تكلّم بالباطل المحال نعم انّ للعلم اطلاقات كما سيتلي عليك فيما بعد ان‏شاءاللّه تعالي.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 199 *»

 (اليوم السادس‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

بعد ماذكرنا انّ الكفر تحقّقه بشيئين احدهما انكار الضروري و ثانيهما انكار ماتبيّن و علم ثبوته و حقّيته في‏الدين الي ان بلغ الكلام الي مسألة العلم و قلنا انّ من المعلوم عند المسلمين كافّة ضرورة انّ اللّه عالم بذاته بالاشياء قبل وجودها و بعد الاشياء و حين الاشياء فعلمه تعالي بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها بلاكيفيّة و لا نسبة و لا اضافة و لا ربط و لا اتّصال و لا انفصال اذ علمه تعالي لايحتاج الي معلوم لانّ علمه ذاته و ذاته علمه فكذلك قدرته تعالي و حيوته فكون علمه تعالي عين ذاته هذا ضروري المذهب.

ثمّ من الضروري انّ علمه تعالي بعد ماكان لا كيف له و لا رتبة و لا نسبة و لا جهة و لا حصول و لا حضور و لا انكشاف و لا من مقولة الكيف و لا الانفعال لانّهم قالوا لو كان علمه تعالي من مقولة الحصول يلزم ان‏يكون علمه حاصلاً بالتصوّر فيكون حضورياً اوردوا علي القائلين بالحضوري ايراداً مااجابه احد الي الان و هو انّه علي فرض كونه حضورياً يلزم احد الامرين احدهما قدم الاشياء و ثانيهما جهله تعالي قبل الايجاد لو كان حادثاً اذ لم‏يكن قبله حاضراً لديه و لكنّا قلنا لا فرق بين الحضور و الحصول اذ الحاصل لديك حاضر عندك فالحضور والحصول واحد معني و اعلم انّ العلماء قالوا انّ الايراد المذكور غير منحلّ الي الان و هو كذلك اذ مسألة العلم من اغمض المسائل و اصعبها.

و امّا قولهم من مقولة الاضافة او من مقولة الكيف او الكم فهذا ايضاً باطل لانّ الاضافة و الكيف و الكمّ و الفعل و الانفعال كلّها من الاعراض فكيف يكون ذاته تعالي عرضاً ثمّ انّه يلزم ايضاً ان‏

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 200 *»

يكون هناك شي‏ء منسوب اليه يكون ذلك اعلي من الذات لانّ الذات هو العلم و العلم هو الاضافة فلابدّ من مضاف‏اليه فتدبّر و انت عليم بانّ الذات لاينتسب الي شي‏ء قطّ والاّ لكان حادثاً.

فلمّا عرفت بطلان هذه الاقوال اجمالاً فاعلم انّه تعالي علمه ذاته من دون تعدّد و لاتكثّر و لااختلاف لا في‏المفهوم و لا في‏المصداق و لا في‏الخارج و لا في‏الذهن و لا في‏الفرض و لا في‏الاعتبار و لاريب في صعوبة هذه المسألة و لذا تري انّ كلّ واحد من‏العلماء الفحول و حكماء المعقول كتبوا كتاباً في حلّ هذه المسألة و تقريبها و تسهيلها لكنّهم لم‏يزيدوا في الامر الاّ بُعداً و الحق هو الذي قلنا من كون العلم عين الذات من دون وهم مغايرة و لا كثرة بوجه من الوجوه و انّه عالم بالاشياء بذاته قبل وجودها و بعد وجودها و حين وجودها لايعزب عن علمه مثقال ذرّة في السموات و لا في الارض فهو هو وحده لاشريك له قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون فهو سبحانه يعلم بلاكيف و لا ارتباط قال بعض الاعلام في هذاالمقام انّ من ادّعي معرفة ذاته و اكتناهه فاحث التراب في فيه فانّه ضلّ و غوي و كذب و افتري ثمّ قال هذا العالم في ذلك الكتاب بُعَيد هذا القول كلمةٌ يتبيّن بها كيفيّة تعلق علم اللّه الازلي بالاشياء مع هذا انّه قال انّ العلم عين ذاته تعالي ياعجبا من هذا الاختلاف ليس هذا الاّ لغموض المسألة والحاصل انّه لاريب في ضرورة علمه تغالي بالاشياء و لاريب انّ علمه هو ذاته و لاريب انّه تعالي يعلم كل شي‏ء قبل وجوده و بعد وجوده بلاكيف و لا اشارة لايعلم علمه الذي هو ذاته احد لانبي مرسل و لا ملك مقرّب و لا مؤمن ممتحن و اما ماتكلّمنا من علمه تعالي فهو تعبير من الكمال المطلق حيث رأينا انّ‏العلم كمال هذا.

ولكن نحن لمّا تتبّعنا الاخبار و نظرنا الي كلمات ائمّتنا الاطهار رأينا انّ‏العلم اطلق علي غير الذات القديمة من الاشياء الحادثة المخلوقة منها قوله7 في دعاء سحر شهر رمضان حيث قال اللهمّ انّي اسألك من علمك بانفذه و كل علمك نافذ لانّ العلم الذاتي لم‏يتّصف بالنافذ و الانفذ و لا بالنفوذ ايضاً لانّه صفة الحدوث و قوله7 و كان عليماً قبل

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 201 *»

 ايجاد العلم و العلّة و قوله تعالي  علمها عند ربّي في كتاب لايضلّ ربّي و لاينسي و قوله تعالي قد علمنا ماتنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ و قوله تعالي وليعلمنّ اللّه الذين جاهدوا و ليعلمنّ الصادقين و قوله7 في‏الزيارة الجامعة و خزنة لعلمه و عيبة علمه و قوله7 كما في الكافي والعيون و غيرهما انّ للّه علمين علم علّمه ملائكته و رسله و علم استأثرة في الغيب عنده الي غيرذلك من الروايات.

و لاريب انّ ذاته تعالي ليس في كتاب و لا هو في اللوح المحفوظ لانّ الكتاب و اللوح حادثان و كذلك العيبة و الخزينة اذ هما حادثان كاللوح و الكتاب و اما قوله وليعلمنّ اللّه فبتأويل الولي اي وليعلمنّ ولي اللّه اذ لايكون للّه سبحانه حالة منتظرة بالادلّة القطعيّة من العقليّة و النقليّة و ضرورة المذهب و ضرورة الدين و انّما نسبه لنفسه تشريفاً و تكريماً كما قال تعالي و طهّر بيتي للطائفين والعاكفين الاية و كما قال و نفخت فيه من روحي  و كما قال فلمّا اسفونا انتقمنا و قال و مارميت اذ رميت ولكنّ اللّه رمي لانّه تعالي خلق اولياء فجعل اسفهم اسفه و حزنهم حزنه كما ذكرنا سابقاً نسب فعلهم: الي نفسه و نسب فعله تعالي اليهم اذ لا جهة لهم : الاّ جهته تعالي و لهذا صار فعلهم فعله و امرهم امره و هذا معلوم لمن تتبّع الاثار و تفحّص خلال تلك الديار لانّه يجد ما قلنا اوضح من الشمس في نصف‏النهار فنقول انّ الموجودات كلّها علم‏اللّه تعالي و لهذا لمّا قال شيخنا اعلي اللّه مقامه انّ العلم علي قسمين علم قديم هو ذاته تعالي و علم حادث هو الواح الموجودات كالقلم و اللوح و انفس الخلايق و جميع ذرّات الكائنات من العلويّات و السفليّات من المجرّدات و المادّيات و البسائط و المركبّات و من الملائكة و الانبياء و الاولياء، فلمّا رأي هذه العبارة اهل‏الحسد والعناد تمسّك بها فصاح فقال انّ الشيخ يقول انّ علم‏اللّه تعالي بعض منه حادث و بعض منه قديم يعني انّه تعالي قبل حدوث ذلك العلم كان جاهلاً ثم علم و مارأوا قوله علم قديم هو ذاته لانّ الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 202 *»

و من‏الضروريّات مسألة المعراج في‏الجملة لانّ بعضها ضروري و بعضها ليس بضروري امّا الضروري فهو الاعتقاد بنفس وقوع المعراج هذا ضروري عند المسلمين و امّا انّه9 عرج بجسمه فهذا ضروري عند الفرقة الاثني‏عشريّة لانّ اهل السنّة اختلفوا هل هو عرج بجسمه ام رأي في‏المنام ام المعراج حالة بين اليقظة والمنام كما ذكر في‏الكشّاف عن عايشة حيث قالت مافقدنا جسد النبي9 تلك الليلة و عن معوية ايضاً مثلها فكون المعراج من حيث الكيفية مختلف فيه بناءً علي هذا كان المنكر للمعراج مطلقاً كافراً و امّا انكار المعراج الجسماني فهل يحكم علي المنكر بالخروج عن‏المذهب ام يحكم بالكفر خلاف. فامّا نحن فقد فصّلناه تفصيلاً اذ المسألة لاتخلو من انّها قد تتبيّن تارة بالدليل والبرهان ثمّ اخري يتبيّن خلافه بالبيّنة والبرهان ايضاً فيعدل عن‏الاوّل الي الثاني اي ينكر ما عرفه اوّلاً هذا لايقال في حقّه انّه كافر و انّما هو خارج عن المذهب و دخل في مذهب اخر و هو مذهب الاسلام و من انّه يتبيّن حقّية المذهب بالبيّنة و البرهان ثمّ عدل عنه الي غيره ظلماً و عتوّاً، عناداً و استكباراً، هذا كافر مردود نجس مخلّد في نار جهنّم ابدالابدين ان‏لم‏يرجع.

و بالجملة ما هو ضروري من المعراج عند اهل المذهب الاثني‏عشريّة صعوده و عروجه بجسمه حتّي بثيابه و نعله و لمّا وصل الي فوق العرش و اراد ان‏ينزع نعله قال تعالي يامحمّد لاتخلع نعليك حتّي يتشرّف عرشي بهما و لاريب انّه لم‏يصعد عرياناً و هو9 عند صعوده صعد من جميع الجهات و مرّ علي كلّ شي‏ء من‏الموجودات عند ايجاد ذلك الشي‏ء حتّي انّه9 مرّ علي ايجاد آدم و هو بين الماء و الطين بمعني انّه9 رجع قهقري في الزمان و المكان الي الزمان الماضي ثمّ مرّ في تلك الليلة بجميع مايكون و ماسيكون الي يوم القيمة بل انّه9 عرج الي العوالم اللانهاية من مراتب اهل الجنّة و مقاماتها و كذا مراتب دركات اهل النار بمعني انّه صلّي‏اللّه عليه‏واله

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 203 *»

ملأ جميع العوالم.فلمّا ثبت عروجه بجسمه الشريف نقول انّ الفرقة قد اختلفوا في كيفيّة صورة الجسم الذي عرج به الي مقامات الانس و مراتب الموجودات فقيل انّه عرج باحسن صورة و قيل انّه عرج بصور مختلفة في كل عالم بصورة ذلك العالم علي حسب اختلاف العوالم ففيها خلاف فان قلت انّه 7 قال في الدعاء و عرجت بروحه الي سمائك و هذا يدلّ بظاهره علي المعراج الروحاني قلت مفهوم اللقب لم‏يكن حجة عند الاصوليّين ثمّ انّ المعروف عند اهل العلم هو انّ اثبات الشي‏ء لاينفي ماعداه. اذا عرفت هذا نقول انّ مسألة المعراج من اصعب المسائل و اغمضها و اعمقها و هي و ان كانت في الجملة ضروريّة الاّ انّها نظري في كيفيّتها و فيها مسائل لاتنحل مثل لزوم الخرق و الالتيام لانّ العروج بالجسم مع صحّة الخرق و الالتيام هذا من المحالات و لاجل هذا انكر من انكر انّه عرج بجسمه لبطلان الخرق في الفلك ولكن العالم كلّ العالم هو ان يثبت بطلان الخرق و الالتيام ثمّ يثبت انّه9 عرج بجسمه الشريف لانّ هذا الرجل الذي يثبت امثال هذه المسائل الغامضة هو الداء العضال و محنة الرجال، كما انّه ورد انّ النبي9 عرج بعد البعثة بسنة او بسنتين او بسبع سنين علي اختلاف الروايات و ورد انّه قد شُرِّعت شريعته9 بل الشرايع كلّها في تلك الليلة و هذه من العويصات ثمّ ورد انّ الصلوات كانت خمسين انّما صارت خمسة بشفاعة موسي7 ثمّ ورد انّ الاذان و الاقامة قد شرّعا في تلك الليلة و ورد انّ فصوله شرّع كل فصلٍ فصل منه في ليلة المعراج الي ان وصل الي‏السماء الرابعة و قد ورد بانّه صلّي هو9 مع الانبياء في بيت المقدّس و صلّي مع الملائكة في بيت المعمور و صلّي في العرش ثمّ ورد بانّه9صلّي في تلك الليلة صلوة الظهر و انّ هذا من العويصات.

فان قلت ماتقول في قول جناب الشيخ اعلي‏اللّه مقامه في جوابه عن مسألة المعراج حيث قال انّه9 لمّا صعد القي عند كلّ رتبة من العناصر ذلك العنصر فهذا يدلّ بظاهره انّه صعد بروحه دون جسمه قلت ليس كذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 204 *»

لانّه اعلي‏اللّه مقامه من الاكابر و الاجلاّ و انّه القرية الظاهرة و انّه الملجأ و المفزع و انّه الركن للمؤمنين اذ مثل وجود هذا الملجأ لازم في كلّ عصر و زمان لانّه رحمه الله لايسأل عن مسألة الاّ و يجيب لانّه محلّل مشكلات العلوم و مبيّن غامضات الرسوم و هو اعلي‏اللّه مقامه كان عالماً باطوار المطالب و انحاء المقاصد و جميع انواع درجات الايمان و الكمالات الدينيّة من الاصوليّة و الفروعيّة و هو رحمه‏اللّه كان يعرف الناس مراتبهم و درجاتهم بنورالتوسّم لانّه كان صاحب التفرّس و الفراسة اتّقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللّه فلمّا كان عارفاً بمراتب الناس قوّةً و ضعفاً اجاب كلّ واحد من السائلين علي حسب مقامه من القوّة والضعف في العلم الا تري انّه رحمه‏اللّه له اجوبة المسائل في المعراج كلّ جواب خرج علي حسب شأن السائل و وقوفه فاجاب هذا دون جوابٍ هو لاخر فصدور الاجوبة المختلفة دليل علي قوّة باعه و حسن نظره و معرفته بالاشخاص و مقاماتهم و وقوفهم في مراتب العلم و لاريب في انّ اللّه كامل لايجعل ملجأ الاّ و هو عارف باطوار الكائنات من المتحرّكات و الساكنات و ما ارسلنا من رسول الاّ بلسان قومه.

فلمّا كان المرحوم قويّاً في العلم بصيراً بالناس و احوالهم و علومهم قال في جواب هذا السائل عن مسألة المعراج ماهذا لفظه : انّ الصورة البشريّة عند ارادة صعوده يجوز فيها احتمالان في‏الواقع هما سواء و في الظاهر الاوّل ابعد عن‏القول و الاخر اقرب. فالاوّل انّ الصاعد كلّما صعد القي منه عند كلّ رتبة منها مُثُلاً اذا اراد تجاوز كرة الهواء القي ما فيه من الهواء فيها و اذا اراد تجاوز النار القي ما فيه منها فيها و اذا رجع اخذ ما له من كرة النار فاذا وصل الي الهواء اخذ ما له من‏الهواء لايقال علي‏هذا انّ هذا قول بعروج الروح خاصّة لانّه اذا القي ما فيه عند كل رتبة لم‏يصل الاّ الروح لانّا نقول انّا لوقلنا بذلك فالمراد بها اعراض ذلك لانّ ذوات ذلك لو القاها بطلت بنيته و بنيته باقية لاتنفكّ و انّما مرادنا انّ الجسم بالنسبة الي عالم‏الكون والاّ فهو علي ما هو عليه من‏التجسّد و التخطيط انتهي.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 205 *»

فنقول اعلم ايّها الطالب انّ المعراج حقيقة ليس لاجل تكميل نفس النبي بنفسه و انّما هو لتكميل الناقصين من الموجودات اجمعين لانّك خبير انّ هذا العالم كلّه من‏الدرّة الي الذرّة مخلوق من فاضل نوره9 و اشراق ظهوره والشي‏ء لايكمل بنوره و انّما هو يكمّل نوره و الاثر لايزيد في المؤثّر شيئاً الاّ عند نوره و في نوره فلمّا كان العروج لتكميل الناس وجب ان‏يكون في صعوده كلّما وصل الي رتبة من المراتب يظهر بصورة تلك الرتبة من باب و للبسنا عليهم مايلبسون فلمّا علمت هذا نقول انّ هؤلاء البهائم بل هم اضلّ و هؤلاء طغام الناس بل هم اذلّ لمّا رأوا هذه العبارة التي ذكرت قرأوا قوله رحمه‏اللّه مُثلاً بالضم مَثلاً بالفتح و ذلك لاجل الاكنّة التي علي قلوبهم فلذا قالوا ماقالوا من الاكاذيب و الاباطيل ثمّ نسبوا افتراءات علي ذلك الجناب المستطاب التي تكاد السموات يتفطّرن و تنشق الارض و تخرّ الجبال هدّاً لانّه ورد انّ الافتراء يزلزل العرش والسموات و يزعزع الارض و الجبال.

فبيان قوله رحمه‏اللّه مُثُلاً هو انّه يقول انّ الصاعد كلّما صعد من مقام الي مقام القي مقتضيات ذلك المقام العرضيّة و تجاوز منه الي غيره والاّ لم‏يتحقّق الصعود من ذلك المقام الي مقام اخر و تلك المقتضيات العرضيّة البرانيّة مثالها المجاور بالنار اذ هو مادام مجاوراً لها كان منفتح المسامات محمّر اللون و ذلك لاجل الحرارة فلمّا تجاوز من مجاورتها الي الماء مثلاً اي الي محل بارد يلقي هذه العوارض الحاصلة من‏الحرارة من احمرار الوجه  و انفتاح المسامات و انتفاخ الجوارح و الاعضاء ثمّ يكتسب من مجاورة المكان البارد و البياض و انسداد المسامات و انهزال الجوارح فالمراد بالالقاء القاء المُثل بالضم هو الاعراض دون الجواهر و الذوات كما هو صريح قوله رحمه‏اللّه حيث قال لايقال انّ هذا قول بعروج الروح خاصّة لانّا نقول ان المراد بها اعراض ذلك لانّ ذوات ذلك لو القاها بطلت بنيته و بنيته باقية الي ان قال فهو علي ماهو عليه من التجسّد و التخطيط.

فانت تري ياايّها الطالب صراحة هذا الكلام علي انّ الصاعد هو الجسم بتخطيطاته و عناصره و اركانه والاّ يلزم انعدام الشي‏ء و فناؤه بالمرّة.

واعلم انّهم انّما نسبوا هذا الاعتقاد السخيف الي ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 206 *»

الجناب المستطاب ثمّ منعوا الناس من التردّد عندنا و عند من له نظر في هذه المسائل كيلايظهر كذبهم لكن غفلوا عن الامر و لم‏يعلموا انّ هناك عصا موسي يلقف مايأفكون.

والحاصل اعتقاده رحمه‏اللّه في‏المعراج هو اعتقاد ما عليه الفرقة المحقّة بانّه9 عرج بجسمه الي‏العوالم و المقامات التي عرج و ماوصل الي ماوصل الاّ بجسمه حتّي بنعله الشريف و ثيابه و نحن ايضاً علي هذا الاعتقاد فمن نسب اليه رحمه‏اللّه غيرذلك كذّاب مفتري الا لعنة اللّه علي القوم الكاذبين.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 207 *»

 (اليوم السابع‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

كنّا في بيان كيفية دخول البيت فقلنا انّ الدخول لايكون الاّ بالمعرفة و المعرفة لاتكون الاّ ببيان معرفة حقيقة الكفر و الاسلام و قلنا انّ الكفر يتحقق بانكار ماعلم في الاسلام ضرورة ثمّ عددت الضروريّات الي ان بلغ الكلام في انّ المعراج في‏الجملة من ضرورة المسلمين و امّا انّه جسماني ففيه خلاف بين المسلمين ذهب قوم الي انّه روحاني ثمّ اخرون الي انه9 صعد في النوم و اخرون انّه كان في حالة بين النوم و اليقظة و ذكروا رواية عن عايشة و معويّة انّ تلك الليلة كان جسد النبي9 عندنا اي في البيت نائماً علي فراشه فكون المعراج جسمانيّاً هذا من ضرورة الايمان و المذهب و انّا ذكرنا الكلام هذا الي ان وصَل الي معتقد شيخنا اعلي اللّه مقامه و انار اللّه برهانه ثمّ شيّد اركانه و هو انّه9 صعد بجسمه حتّي بثوبه و نعله و صعد الي السموات و اطوارها و اركانها و اكنافها و الي العرش و جهاتها ثمّ صعد الكرسي و الكواكب كلّها و سائر المخلوقات.

و قد ذكر اعلي‏اللّه مقامه جواب مزخرفات هؤلاء الجهّال في عبارة جنابه في اجوبة الشيخ احمد بن سالم طوق القطيفي في معني القي في كلّ رتبة ما فيها من العناصر و بيّنا نحن انّ هؤلاء الضعفاء حيث قرأوا قوله رحمه الله  مُثُلاً بالضم مَثَلاً بالفتح قالوا ماقالوا من الافتراءات و نحن ذكرنا سابقاً انّ معني المثل هو الاعراض الحاصلة من قران كلّ شي‏ء معه في كل عالم من العوالم و مثّلنا بمجاورة الرجل مع النار و احمرار وجهه و فتح مساماته مادام مجاوراً مع النار ثم بمجاورته مع الثلج البارد في المَثْلَجَه بعد انتقاله من

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 208 *»

مكان الحار اليه و بياض لونه و سد مساماته اذ الحرارة و البرودة الحاصلتان من النار و الثلج كلتاهما عرضيتان تلقي بعد ما اعرض عنهما الرجل و لاريب في انّهما ليستا جزء لحقيقة الرجل بوجه من الوجوه فكذلك القاؤه9 مُثُله عند صعوده مع انه رحمه الله ذكر بعد ذلك عبارة ناصّة علي العروج الجسماني لكن اصحاب الغرض يتّبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة.

فان قلت اذا كان المراد بالمُثُل الاعراض لم‏يكن لهذا التعبير ثمرة بوجه من الوجوه لانّه امر بديهي الاّ انّه مزالّ الاقدام و سبب لاضلال كثير من الانام ، قلنا انّ هذا الكلام فيه فوايد كثيرة لمن عرف المشرب لانّه مأخوذ من علم الضمّ و الاستنتاج و هو علم شريف ذكر هناك انّ الاشياء كثافتها و صغرها و كبرها و زيادتها و نقصانها هل هي من جهة ازدياد المادّة ام من حيث ازدياد الصورة المتراكمة المقترنة بعضها ببعض ثمّ مذكور فيه انّ الكثافات ليست من جهة المادّة و انّما هي من جهة الصورة و العرض الا تري انّ الماء الساكن الغير المتحرّك تنطبع فيه الصورة بخلاف ما اذا حركته لانّه يختلف حكمه باعتبار عروض الحركة و قرانها مع الماء. و اعلم انّ هناك اشياء احكامها من حيث الذات و اشياء احكامها من حيث القرانات فما وجد بالقِران يذهب ذاك باِلقاء القِران مع انّ الشي‏ء هو هو قبل القِران و بعد القِران و حين القِران من دون تعدّد و لا تغيّر.

فلمّا عرفت ما مهّدنا و ذكرنا علمت انّ مراد المرحوم المغفور اشارة الي هذا المعني و الحاصل عروجه9 لم‏يكن الاّ بهذا الجسم و هذا امر سهل اجماله في‏الجملة و انّما الاشكال كلّ الاشكال في مسألة المعراج و هي كثيرة منها تشريع الصلوات كلّها في تلك الليلة مع انّه9 كان يصلّي قبلها فعليه هل الصلوة التي كانت من قبل نسخت ثمّ شرّعت غيرها ام هي هي ثمّ مامعني صلوة الظهر في الليل ثمّ قولنا انّ الخرق في الافلاك ثابت مع انّه9 عرج بجسمه و هذا كما تري تناقض الاّ انّه ممكن عقلاً و هو تعالي قادر عليه و انّ الافلاك اثر منه9 و نور و الاثر عدم عند المؤثّر ثم انّهم احالوا الخرق للزوم الفساد في عالم الكون

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 209 *»

السفلي و نحن لمّا قلنا انّ جسده الشريف لمّا خرق الفلك كان ذلك الجسد اصلح من جزء الفلك في التأثير في الاشياء السفليّة و هذا ممّا لا ريب فيه فهو9 لمّا عرج وقف في عروجه علي كل شي‏ء حين وجوده فوقف علي ادم و نوح و ساير الانبياء حين وجودهم بسير قهقري و وقف علي العقل الكلّي ثمّ علي النفس الكليّة ثمّ علي الزمان المستقبل و ماظهر فيه من الكائنات الي ماشاءاللّه.

فان قلت كيف يتعقّل هذا السير الطويل في الزمان القليل قلت انّه9 اسرع من كلّ سريع الا تري انّه ورد انّه9 اذ كان عارجاً و وصل الي مكان من السموات فسأل عن جبرئيل ياجبرئيل هل صار الزوال اي وصل الشمس الي الدائرة ام لا؟ قال جبرئيل لا و نعم قال9 لماذا ياجبرئيل قلت لا ثمّ قلت نعم من دون فصل؟ قال جبرئيل يا سيّدي انّك حين ماسألتني عن الزوال نظرت الي الشمس فاذا هي قريبة من الحلقة و الدلوك بها فلمّا قلت لا و تمّمت كلمتي هذه رأيت انّها واصلة اليها مع انّها قطعت خمسمأة سنة و انت ياايّها الفطن خبير بان قول جبرئيل لا و نعم اسرع من لسان غيره حيث انه ملك من الذوات النوريّة لا مانع له ثمّ انت خبير برجوعك الي مذهبك بانّ الشمس من نور نور نور محمّد9ثمّ انت خبير بما ورد في ختم علي7 القرءان كلّه حينما اراد الركوب فانّه كان يشرع الي الختم وقت الذي جعل رجله في الركاب و يتمّ الختمة بعد مااستقرّ علي متن جواده و استوائه7 عليه. سألني واحد متعجّباً عن ذلك قلت في جوابه يافلان لاتستعجب من ذلك و لا تستغرب اذ انّي اذكر لك اغرب من هذا قال و ماذا قلت انّه ورد انّ مولينا الكاظم7 لمّا اراد ان يركب فهو من ابتداء ركوبه الي استوائه علي متن جواده كان يختم الكتب الاربعة السماويّة التي هي الزبور و التورية و الانجيل و القرءان كلّها.

و من المسائل الضروريّة مسألة المعاد و حشر الارواح الي الاجساد و اعلم انّ المعاد انّما يكون للجزاء و هذا القدر ضروري عند الملّيين و امّا انّه جسماني فضروري عند المسلمين فانكار هذا القدر من الضروري كفر صراح

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 210 *»

فمن قال هذا الجسم لايعاد كفر كفر الجاهليّة الاولي فعليه اللعنة من اللّه العلي الاعلي.

و بيان ذلك انا نقول انّ الروح بعد مفارقة البدن يردّ الي البدن المثالي في القبر عند سؤال رومان فتّان القبور ثم المنكر والنكير كما تقدّم بعض بيانه و هو لايخلو امّا انّه ماحض الايمان محضاً او ماحض الكفر محضاً فان كان مؤمناً خالصاً يكون روحه مع قالب المثال الذي هو في هذا البدن الدنياوي الان في جنّة البرزخ تتنعّم و ان كان من الكافر المحض كان قالبه المثالي و روحه في جهنّم البرزخ تعذّب و تتألّم الي نفخ الصور نفخ الجذب الذي يسمّي بنفخ الصعق ايضاً فلمّا نفخ نفخة الصعق صعق من في‏السموات و الارض الاّ من شاء اللّه ربّك و من شاء اللّه تعالي لايكون الاّ هم: لانّهم لايهلكون قال تعالي كلّ شي‏ء هالك الاّ وجهه قال7 نحن وجه اللّه فعند ذلك النفخ يبقون الناس في حفرهم و امكنتهم علي ما هم عليه اربعمأة سنة لا حسّ و لا محسوس لا حركة و لا متحرّك.

و امّا خصوص هذا العدد فلاجل انّ العناصر اربعة ثمّ بملاحظتها في القبضات العشر يكون اربعين هذا في الدنيا و امّا في‏البرزخ فلمّا كان رتبته رتبة التفصيل صار كل واحد من الاربعين عشرة فيكون الحاصل اربعمأة و ذلك لسعة ذلك العالم و كبره.

فان قلت انّ البدن المثالي الذي ذكرته هل هو من هذا العنصر ام من العنصر الاخر في هذا البدن ام لا ، قلت انّ ذلك البدن المثالي قالبه ليس من هذا العنصر و انّما كان الطف و اصفي من عنصر البدن و هو الان في هذا البدن و هذا هو الذي تشاهده في الرؤيا و تراه انّه يزور مكّة و المدينة مثلاً و تراه هو انت مع انّ جسمك المشهود المرئي هذا انّما هو في فراشك نائم. ورد انّه لمّا انكرت طائفة هذا البدن المثالي سلّط اللّه تعالي عليهم هذا النوم ليكون اية لوجوده و هذا البدن المثالي موجود بين الروح و الجسم فكان عنصره بين‏بين يعني لايكون في‏اللطافة كالروح و لا في‏الكثافة كالجسم فلذا سمّي مثالاً لانّه يناسب الطرفين و هذا العالم وجوده ممّا لاريب فيه عقلاً و نقلاً لانّا قد برهنا بالبرهان الواضح و البيان اللايح بانّ بين العالَمَيْنِ المتباينين لابدّ من وجود برزخي يناسب الطرفين والعلّة في ذلك هو انّ الطفرة

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 211 *»

في الوجود كانت باطلة و انّه تعالي كان حكيماً و انّ مدد الجسم انّما يأتي بواسطة الروح فلولا هناك واسطة كما قلنا لم‏يصل الفيض من الروح الي البدن لتقدّس الروح و تجرّدها و تدنّس الجسم و تكثّفها لانّه مادّي. فلمّا كان كذلك وجب وجود عالم ثالث بينهما فلا تصغ الي قول من ذهب الي عدميّته فمن قال انّه لم‏يثبت بالعقل و انّما هو ثابت بالشرع ثم قال نعم انّ اهل المكاشفة لما اخبروا عنه بما رأوه قلنا بوجوده ذكره البهائي في اربعينه فلا تقل انّ هذا البدن المثالي هو قالب خارج عن هذا البدن المحسوس المرئي لانّا نقول ان كان هذا جائزاً في البدن البرزخي بان يكون قالباً خارجاً عن هذا الجسم يتنعّم في البرزخ و يتألّم هناك، يجوز ان يكون في المعاد ان يحشر جسم غير هذا الجسم و انت تري انّه لايجوز ذلك عقلاً و لا نقلاً و لا ضرورةً لانّ المكلّف الطائع العاصي انّما هو بهذا البدن لا بذاك القالب الخارجي فما ذنب ذلك فتنبّه راشداً مهديّاً.

و الحاصل هذا البدن البرزخي من عالم اخر بين هذا الجسم و بين الروح كما قلنا فلايدركه البصر الجسماني في هذه الدنيا و انّما يراه في‏الاخرة اذ يحدّ البصر هناك حيث يقول و لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد نعم يراه الخيال في هذه الدنيا الا تري انّك الان في‏الحضرة الشريفة تصلّي جماعة و هو موجود هناك. لايقال انّ هذا خيال و وهم لانّا نقول بل انّه موجود واقع يدركه الخيال في محلّه لا انّه شي‏ء لا اصل له. فلمّا علمت انّ هذا موجود في عالمه فاعلم انّ القول بتجسّم الاعمال قول مانقّحوه و ماعرفوه و لذا تري اقوال العلماء مضطربة في بيانه و اراءهم متزعزعة في فهمه منهم من قال كيف يتجسّم العرض و منهم من قال انّه يلزم القول بالتجسّم القول بقلب الماهيّة الي ماهيّة اخري و هو باطل عقلاً و منهم من تحيّر و وقف و منهم من اخذه تقليداً.

فنقول و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه انّ الاعمال لا شك انّها حادثة فهي ممكنة و لا شك انّ كلّ ممكن زوج تركيبي من المادّة و الصورة كما برهن في محله فالعمل بهذا المعني شي‏ء كعامله الاّ انّه متقوّم بالعامل فكما كان للعامل مادّة هو امر اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 212 *»

التكويني في قوله كن و له صورة هي قبوله و انفعاله في قوله فيكون فكذلك العمل له مادّة و له صورة مثلاً انّ الصلوة مادّتها صلّ و صورتها و قابليّتها عمل العامل و نحن قد ذكرنا في دروسنا و مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل بانّ الجسم مركب من المادّة و الصورة و قلنا انّ كلّ ما هو مركّب منهما فهو جسم فعلي هذا كان الاعمال اجساماً و انت تراها بحسّك بانّك تصلّي في الحضرة فلاتنكر حسّك كلّ ما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم قال تعالي و ما امرنا الاّ واحده و ما خلقكم و لا بعثكم الاّ كنفس واحدة و نحن قد ذكرنا مراراً و كراراً بانّ كلّ شي‏ء جوهر باعتبار و عرض باعتبار بناء عليه ان شئت قل انّ الاعمال اعراض حيث تقوّمت بالعامل  و ان شئت قل انّها جواهر متأصّلة في انفسها بالنسبة الي اعراضها كما انّك انت جوهر بالنسبة الي فعلك و عرض بالنسبة الي الحقيقة المحمّديّة9 لانّك لاتحقّق لك الاّ بها فعلي هذا كان الاعمال اجساماً. و بالجملة الكلام انّما كان في القالب المثالي قلنا انّه موجود بين العالمين المتباينين و قلنا انّه لابدّ منه لبطلان الطفرة الا تري الماء بين الهواء اللطيف و الارض الكثيف يناسبهما من حيث لطافته و كثافته و قلنا انّه لمّا نفخ في الصور نفخة الصعق يموت الاشياء كلّها لا حسّ و لا محسوس فعند ذلك ينادي اللّه سبحانه فيقول اين الجبّارون اين المتكبّرون الذين اكلوا رزقي و عبدوا غيري فلا احد يجيب النداء و انّما المجيب حينئذ هو اللّه تعالي بلسان نفسه الملك اليوم للّه الواحد القهّار قال الصادق7 في تفسيرها نحن السائلون و نحن المجيبون.

و لايظنّ ظانّ انّه تعدم الاشياء عند النفخ او يتوهّم انّه يلزم التعطيل ضرورةً انّا علمنا انّه تعالي قال بلسان لسانه خلقتم للبقاء لا للفناء و نعلم انّ للاشياء وجودين اي حالتين حالة التأليف و التركيب و حالة التفكيك و علمنا انّ كلّ واحد من الحالتين موجود كما انّ السكنجبين حين كونه سكنجبيناً له حالة و مزاج و تأثير غيرالحالة التي جعلته في القرع و الانبيق و عزلت الحلاوة من الحموضة مع انّه موجود في حالة التركيب و انّه موجود في حالة التفكيك و اما كسره تعالي

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 213 *»

هذه الاشياء بين النفختين فهذا سئل عن حكيم هل ربّك حكيم قال نعم قال السائل فلِما خلقهم ثم كسرهم ؟ قال الحكيم انّما كسرهم ليصيغهم صوغاً لايحتمل الكسر ابداً فيكون الكسر من حكمته.

ثمّ بعد تمام مدّة اربعمأة سنة ينزل من بحر المزن ماء رائحته رائحة المني يعني انه تعالي امطر اللّه من بحر تحت العرش اسمه صاد رائحته كرائحة المني حتّي يكون الارض كلّها بحراً واحداً فيتموّج علي وجه الارض حتّي تجتمع اجزاء كل جسد في قبره فتنبت اللحوم في قدر اربعين يوماً ثمّ يبعث اللّه عزّ و جلّ اسرافيل فيأمره بالنفخ فينفخ في الصور نفخة النشور ثمّ بعد ذلك يدخل الروح في الجسد فاذاهم قيام ينظرون انّ الميزان قد نصب و انّ الصراط قد امتدّ و انّ الملائكة صفوف و جي‏ء بالنبيين الي غير ذلك من احوال يوم‏القيمة.

و لاريب في انّ المفهوم من هذا البيان التامّ هو انّ المحشور في يوم النشور هو هذا الجسم الدنياوي المرئي المحسوس الملموس بعينه والاّ لزم الظلم بالنسبة اليه تعالي و لزم ان لايكون حكيماً لانّ العاصي و المطيع انّما عصي و اطاع بهذا البدن هذا اعتقادنا في‏المعاد و هو ضروري عند كافّة المسلمين امّا عند الملّيين فهو مطلق العود للجزاء في دار اخري و امّا عند المسلمين فبالجسم لانّ ضرورتهم قاضية بذلك و اما كبر الجسم و صغره و سمنه و هزاله و جميع بدل مايتحلّل الذي يخرج منه شي‏ء و يدخل شي‏ء هذه كلّها، فانّ اللّه ربّي قادر علي ردّها و ذلك لاينافي الضرورة بانّ المحشور هو الجسم.

ثمّ اعلم انّ العلماء اتّفقوا في انّ عود الجسم ثبوته انّما يكون بالنقل دون العقل و قالوا انّ الشرع لما حكم عليه قلنا به اذ ليس عندنا برهان عقلي علي عود الجسم و اما نحن و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه فبرهنا ببرهان جلي واضح عقلي و نقلي انّ ما دلّ علي عود الارواح هو بعينه دلّ علي عود الاجسام بعد ما اثبتنا الاختيار لجميع الذرّات الوجودية من الجواهر و الاعراض فمن اراده طلبه من مظانّه.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 215 *»

 (اليوم الثامن‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

كان الكلام في بيان كيفيّة دخول البيت و قد ذكرنا انّ الدخول متوقّف علي المعرفة و هي متوقّفة علي بيان الفرق بين الكفر و الاسلام و معرفة حدودهما و قلنا انّ الكفر يتحقّق بانكار ما علم من الدين ضرورة الي ان بلغ الكلام في ذكر الضروريات الي بيان المعاد الجسماني الذي هو من ضروريات المسلمين و قلنا انّ المراد بالمعاد هو عود الارواح الي الاجساد بعد ماتفكّكت الاجزاء و الجسم و الروح كلّ واحد من الاخر لانّ الجسم كما كان فيه اعراض خارجيّة و محلّ لامور غريبة كذلك الروح لانّها ايضاً فيها غريبة فلابدّ من تفكيكهالتطهّر عن الاوساخ المعنويّة لتكون صالحة للجنّة و الخلود فيها و العلّة في ذلك هي انّ الروح ممكن و كل ممكن زوج تركيبي كالجسم فتعرضها العوارض الخارجيّة فلابدّ من تصفيتها كتصفية الجسم و لانّ المراد بالروح هيهنا هو النفس التي لها مراتب سبعة من الامّارة بالسوء و الملهمة و اللوّامة و المطمئنّة و الراضية و المرضيّة و الكاملة قال يوسف الصديق انّ النفس لامّارة بالسوء الاّ ما رحم ربّي  و قال تعالي في اخر فالهمها فجورها و تقويها و قال في اخر لا اقسم بيوم القيمة و لا اقسم بالنفس اللوّامة و النفس اللوّامة هذه لونها اسود يميل الي الخضرة و فعلها اللوم في ترك الخيرات و فعل الشرور فلمّا رسخ المكلّف في فعل الطاعات و كثرة التوجّه و الاقبال الي اللّه الملك المتعال تطمئنّ هذه النفس فتكون مطمئنّة لونها حينئذ ازرق سماوي فتكون النفس عند ذلك راضية عن ربّه بما اعطاها فيكون الربّ راضياً عنها رضي اللّه عنهم و رضوا عنه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 216 *»

فتكون النفس راضية مرضيّة قال تعالي يا ايّتها النفس المطمئنّة ارجعي الي ربّك راضية مرضيّة فادخلي في عبادي و ادخلي جنّتي فتكون حينئذ نفساً كاملةً فعّالة في الوجود يا ابن ادم اطعني حتي اجعلك مثلي انا اقول للشي‏ء كن فيكون و انت تقول للشي‏ء كن فيكون و بالجملة كما كانت الصورة محلاً للعوارض و الغرائب الخارجة لابد من ازالتها كذلك المادة حيث انّها تزيد و تنقص تصح و تمرض تصلح و تفسد كالجسم كالصورة و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت.

ثمّ اعلم انّ الشي‏ء يتصور بصورة عمله ان خيراً فخير و ان شرّاً فشر ان حسناً فحسن و ان قبيحاً فقبيح و ذلك علي حسب مقامه من الحسن و القبح من صور البهائم و الحيوانات مثلاً انّ النمّام يحشر علي صورة عقرب و الحريص الموذي للغريب يحشر علي صورة الكلاب و هكذا فبعض علي صورة القرد و الاخر علي صورة الدبّ و الاخر علي صورة الحمار و الاخر علي صورة الفرس و الاخر علي صورة الخنزير و هكذا و كون الرجل بهذه الصورة هو الان موجود حقيقة يرونه اهل البصيرة علي تلك الصورة و هذا ليس بنسخ لانّ النسخ عبارة عن خروج روح الانسان ثمّ دخولها في قالب انسان اخر كما ان المسخ دخولها في قالب حيوان من الحيوانات بل انّما هو هو لكنّه علي الصورة القبيحة كالمسوخات و لاشكّ انّ المسوخات ليست بنسخ و الحاصل انّ العامل يحشر علي صورة عمله و هو الان علي هيئته التي يحشر في القيمة الاّ انّ تلك الصورة لا تراها العيون الضعيفة و انّما تراه العيون القويّة من العرفاء و المؤمنين و الاكابر الكاملين فهؤلاء الاكابر ابداً من الناس في تعب و اذيّة ماوراءها اذيّة و تلك الاذيّة اشدّ من اللعن و السبّ و التكفير لانّ هؤلاء الاكابر الاجلاّء يرون بواطن الناس و حقايقهم لانّها مكشوفة عندهم و هم مع ذلك يشاورونهم و يصدّرونهم في صدر مجالسهم و لازال يخالطهم و يأكل معهم و هم انتن من الجيفة التي في حرّ الشمس ضرورة انّ المعصية نتنها اشدّ من هذه الجيف قال7 لو ظهر نتن المعاصي لايجلس احد بجنب صاحبه فهؤلاء العظماء الاكابر

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 217 *»

يجلسون مع هؤلاء الاشرار و يعاملون معهم معاملة الابرار الاخيار و لذا تري انّ كثيراً من الاكابر الكمّلين مايظهرون انفسهم بين الخلق الاّ بعض منهم لارشاد الجهّال و هم مع ذلك عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون.

ثمّ نقول انّ اهل القيافة البالغين منهم درجة الكمال في ذلك العلم يميزون الناس حَسَنهم من قبيحهم و يعرفون الخلق بصورهم لانّ الظاهر عنوان الباطن كما انّه ورد انّ عبداً عصي سيّده و اراد السيّد قتله انهزم العبد الي مولينا الصادق7فقال له كيت و كيت قال7 يافلان ارجع الي سيّدك فقل انّ جعفر بن محمّد يقول لاتقتلني فلمّا خرج الي الطريق صادفه رجل عالم بالقيافة فقال له يافلان وجهك وجه المقتول ثمّ نظر الي يده فقال يدك يد المقتول ثمّ الي رجله و بطنه و صدره فقال كلّ جوارحك تشهد علي قتلك ثمّ قال ابوالقيافة اخرج لسانك فاذاً رأي امراً عظيماً فقال يافلان علي لسانك رسالة لو جعلتها علي الجبال لقدّت فان قلت انّ علم القيافة لا تأثير له مع وجود اللطخ قلت نعم ولكن الكامل يميّز الاصل من اللطخ كما انّ الطبيب الحاذق البالغ يعرف المرض باي طور كان المريض فان كان المريض جوعاناً يعرفه و كذا اذا كان شبعاناً متحرّكاً او ساكناً نائماً او يقظاناً و كذا يعرف اهل القيافة الاحكام المتعلّقة بالرجل كلّها بشهادة انّ الظاهر عنوان الباطن و امرالباطن لاهله ظاهر في الظاهر و اما فراسة المؤمن فهر غيرالقيافة لانّ المؤمن البالغ يري الناس العاصين علي صورة البهائم و ان كان هو علي صورة الايمان ظاهراً كما يقال انه يُستسقي به الغمام و هو في قلبه كافر شاكّ ملعون.

فان قلت انّا نري انّ الناس علي صورة الانسان كيف يعقل انّه علي صورة البهائم في الباطن قلت هذا امر ظاهر لمن انصف ثمّ دقّق النظر لانّا نعرف بعلم قطعي جازم بانّ الحيوان هو عبارة عمّا يكون ظهره الي الاعلي و رأسه الي الاسفل منكّس الرأس و لاشكّ ان العالصي ظهره الي الاعلي و رأسه الي الاسفل اي ناكس الرأس عند ربّه و لاريب في انّ كل عاص معرض عن ربّه مقبل الي نفسه و لاشكّ انّ هذا هو الحيوان.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 218 *»

و الحاصل كان الكلام في مسألة المعاد بانّه من ضرورة المسلمين و انّه عبارة عن عود الارواح الي الاجساد الاّ انّ بعض الجهّال اوردوا شبهة الاكل و المأكول فقالوا انّه لو فرض انّ واحداً اكل واحداً او اكل رجل غنماً و صار ذلك الغنم جزءاً للرجل لانّه صار بدلاً لمايتحلّل منه هذا لايخلو من حشر الاكل و المأكول معاً اي يحشر شخصان او واحد منهما فان كان المحشور الاثنان هذا بطلانه من ابده البديهيات حيث انّ احدهما صار جزء لاخر و ان كان المحشور احدهما لا غير لزم حشر بعض الاجسام فهؤلاء الموردون هذه الشبهة انكروا المعاد الجسماني رأساً.

قالت العلماء من الفرقة المحقّة رضوان اللّه علي المؤمنين منهم في جواب الايراد و هم غيرمنقّحين لذلك حيث قالوا انّ للانسان اجزاء اصليّة ثمّ اجزاء فضليّة و بعبارة اخري اجزاء غريزيّة و اجزاء غريبة فقالوا انّ المأكول هو الاجزاء الغريبة لا الغريزيّة و امّا نحن فنقول في هذا المطلب بعبارة مُحَبَّرة مذهّبة و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم انّ الانسان له جسم و روح او قل غيب و شهادة فاوّلاً نميّز المعنيين ثمّ نأتي بالحكم فنقول انّه لاشكّ في انّ الجسم تحقّقه انّما يكون بالعناصر الاربعة التي هي الاجزاء الغريزيّة علي الصحيح ضرورة انّ الاطبّاء ذهبوا الي انّ الاجزاء الغريزيّة عبارة عن الحرارة و الرطوبة فقط فهذا الجسم لايتحقّق الاّ بها لكن بتركيب خاصّ بحدّ معلوم مثلاً جزءان من الماء و جزء من النار و جزء من التراب و جزء من الهواء فلو فرض نقصان او زيادة من ذلك الحدّ الخاصّ لفسد الجسم مثلاً لو زادت رطوبته فانّه يمرض بمرض الفالج مثلاً فيفسد و كذا لو زادت حرارته فانّه تعرض حينئذ عليه امراض اُخر كالمحرقة و الشقاقلوس ولو زادت يبوسته يعرض عليه مرض علي مايناسبها من الامراض السوداوية كالماليخوليا و نحوه و بالجملة هذه العناصر هي الاجزاء الاصليّة و انّها لهي معتدلة لايختلف تأثيرها قطّ و كون مدار الجسم الصحيح الغير الفاسد انّما علي هذا و امّا الزيادة و النقيصة توجبان الفساد ثم انّ هذه العناصر الغريزيّة الحافظة لوجود الشي‏ء لما اظهرها اللّه في الدنيا جعلها بحيث يقبل الزيادة و النقيصة بخلاف العناصر

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 219 *»

الاخرويّة فانّها غيرقابلة للزيادة و النقيصة العرضيّة ضرورة انّ الاعتدال التام انّما هو في الاخرة كما بدءكم تعودون فلمّا حصلت الغرائب باعتبار الزيادة و النقيصة من العناصر الغريبة الفضليّة احتاج دفعها الي العلاج كما انّ المرض يدفعه المعالج بالعلاجات المناسبة من تشريب المنضجات و استعمال المسهلات ثمّ المعاجين و العقاقيرات فصحّة البدن حينئذ يتوقّف بازالة الغرائب. الا تري انّ المريض حين المرض وجهه قبيح و صورته كريحة فلمّا صحّ و برء عن مرضه يصفي لونه و يطيب مزاجه و تعتدل عناصره فيكون سميناً بعد ماكان مهزولاً و يكون قويّاً بعد ماكان ضعيفاً.

و لايخفي عليك انّ الغريزية لايتغيّر بتغيّر الغريبة و عروضها فهذه العناصر الاصليّة المعبّر عنها بالغريزية سمّاه شيخنا اعلي‏اللّه مقامه بالجسد الاوّل ثمّ بالجسد الهورقلياويّة و بالجسد الباقي و بالجسد المحشور ثم بالجسم الطبيعي و بالبدن الحقيقي و اما العناصر الغريبة التي هي موجبة للامراض و التغييرات المنافية للتخليد و البقاء الابدي فقد سمّاه رحمه الله بالجسد الثاني و الجسم التعليمي و الغريبي الفضلي و لامشاحّة و معني هورقليا هو ملك اخر و انّه كلام سرياني. فلمّا علمت هذا فاعلم انّ هذه الغرائب علّة للموت و انّها مقتضية للفناء و تفكيك الاجزاء فلمّا كان الموت انّما هو بوجود المقتضي فمادام ذلك المقتضي موجوداً يكون الموت حاصلاً فلو فرضت وجود هذه الغرائب في الاخرة لزم ان تكون الاخرة بعينها هي الدنيا من غير زيادة و لا نقصان فيجب ان يعرضهم الموت هناك كما عرضهم و حلّ بهم في الدنيا و انت خبير بانّ الاخرة غيرالدنيا و انت عليم بانّ المخلّدين في دار الرضوان صورهم علي احسن مايكون من البهاء و الضياء و الشوكة و الصفا و الشفافيّة بحيث يري مخّهم من وراء اللباس و اللحوم بناءً علي هذا تكون صورهم في المحشر غير صورهم في الدنيا جزماً الاّ ائمّتنا: لانّهم في الاخرة هم الذين كانوا في الدنيا حرفاً بحرف من دون زيادة و لا نقيصة بالنسبة الينا و ان كانوا في انفسهم يزيدون ولكنّا لاندرك زيادتهم: كما مثّلنا لكم سابقاً بالبحر الخِضَمّ الذي انت علي ساحله لانّك

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 220 *»

ماتري ساحله الاخَر حتي تدرك زيادته و انّه لازال في الزيادة.

فلمّا ثبت انّ في الاخرة لم‏يكن مقتضي للموت بوجه من الوجوه و ان المحشورين صورهم هنالك غير صورهم هيهنا في الدنيا لاقتضاء اعمالهم حسنة و قبيحة و الدنيا مزرعة للاخرة و لان التخليد لايكون الاّ ببدن معتدل ليكون ابدالابدين في احدي من الدارين دارالرضا و دارالسخط ، نقول علي هذا يحشر في الاخرة الاعمي بصيراً و البصير اعمي و قبيح الصورة وجيهاً كالعكس كما ورد عن ائمّتنا: انّ ابابصير الليث المرادي البختري الذي هو ممّن قال7 في حقّهم لولاهم لاندرست اثار النبوّة و انطمست  و قال ايضاً بهم يرزق اللّه العباد و بهم يدفع عن البلاد و بهم يكشف الضرّ و بهم يدفع الهمّ وبهم و بهم كذا و كذا. هذا ابوبصير من الاركان اتظنّ انت في حقه انّه يحشر حينما يحشر بالصورة التي كان في الدنيا اعمي حاشا و كلاّ و كذلك لقمان7 لانّه كان قبيح المنظر في الصورة الظاهريّة اسود في غاية السواد و انّما يحشر هو7 علي صورة الانبياء و امّا انّ البصير يحشر اعمي فلقوله تعالي  و من اعرض عن ذكري فانّ له معيشةً ضنكاً و نحشره يوم القيمة اعمي يقول ربّ لم حشرتني اعمي و قد كنت بصيراً قال كذلك اتتك اياتنا فنسيتها فكذلك اليوم تنسي و ورد انّ من واظب علي سورة يس يحشر علي احسن صورة يكون لانّها قلب القران و من عجايبها ان زبره مطابق لبيّناته فبهذا التعديل يعدّل قاريها فيظهر في سرّه و قلبه النور و الحيوة لانّه عند الاعتدال يشابه جوزهر فلك القمر فيكون نورانيّاً حيّاً بحيوة ابدية علي احسن مايكون فلمّا ظهر فيه النور يري ظاهره من باطنه و باطنه من ظاهره و ورد ايضاً من داوم علي سورة يوسف حشره اللّه يوم القيمة علي صورة يوسف من الحسن و الصفا و التلألؤ و الشعشعانيّة و ورد ايضاً في حق الذين ينشرون فضائل ال‏محمّد: و هم مسلّمون كلّ ما اتي اليهم من احاديثهم و هم قائلون في اوّل كل يوم من ايامهم ما قال ال‏محمّد قلنا و مادانوا دنّا انّهم يحشرون في الاخرة علي احسن ماينبغي من الجمال و الكمال علي رءوسهم تاج من تيجان الجنّة و كان لذلك التاج اركان اربعة سطع من كل ركن نور لايوصف

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 221 *»

يملأ بذلك النور المحشر كلّه و لهؤلاء الناشرين زينة فوق الوصف و البيان فكلّ من اخذ منهم في الدنيا حكماً و تلقّي منه مسألة و نوراً من انواره و علومه الساطعة يتعلّق بنور من الضياء الساطع من تاجه فبذلك يدخل الجنّة و بالجملة المنكر المعرض يحشر اعمي  و من اعرض عن ذكري فانّ له معيشةً ضنكاً و نحشره يوم‏القيمة اعمي.

ثمّ اعلم ان المحشور يحشر بماكان في قلبه من العمل و الاطمينان فاذا مات علي الاطمينان من قلبه في هذه الدنيا يكون اطمينانه بذراً للاخرة فانّه به يزيد شيئاً فشيئاً لوجود البذر و لولا هذا القدر لم‏يحصل له ترقي في الاخرة بل يكون مخلّداً في نار جهنّم ان كان من المنكرين او الشاكّين. والحاصل لما عرفت ان علّة الموت هي عدم الاعتدال في الاجزاء الاصليّة و ان علّة التخليد و البقاء الابدي السرمدي هي رفع الغرائب و القاؤها علمت انّ ائمّتنا لم‏يكن لهم عدم اعتدال في حال من الاحوال بوجه من الوجوه حيث ان الغرائب انّما هي حاصلة بالاعراض عن الحق و عدم امتثال اوامر الحق تعالي او الجهل بما هو سبب الاعتدال او انّهم خلقهم اللّه غير معتدلين من اوّل الايجاد و الكل باطل لايحتاج الي برهان ان كان له عينان الذي يقال بانّه انسان و الادلّة لاثبات كمالاتهم: و عدالة الصانع الحق و عبوديّتهم: كثيرة و كلّها نثبتها بضرورة الاسلام و الاديان بل بضرورة جميع العقلاء كافّة و بالجملة ماكنّا فيه و انّما كان الكلام في كونهم :معتدلي المزاج في‏الجملة فلايقال في حق النبي و الائمّة : انّهم يمرضون لعدم اعتدال بنيتهم و صفاء كينونتهم حتي يقال ان النبي9 كان محموماً و كل محموم متعفّن الاخلاط فهو9 متعفّن الاخلاط كيف يا قوم يتصوّر هذا في حقّ من كان عطر اهل الجنّة من مدفوعاته و برازه فكيف يكون مزاجه متعفّناً غيرمعتدل كما يقول به الاطباء اِنْ هذا الاّ لسوء فهمهم و اعوجاج عقيدتهم و سليقتهم و تكدّر ادراكهم و قلّة معرفتهم في صانعهم شفاهم اللّه من هذه العلّة المزمنة المهلكة اليس يدرون انّ عدم الاعتدال من الاعراض ؟ اليس يعرفون انّهم : ماغفلوا عن الحق بوجه من الوجوه ؟ اليس يعرفون انّ الخلق يهلكون كلّهم الاّ هم: ؟ اليس يعرفون انّهم من

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 222 *»

عين‏الحيوة ثمّ من عين الصحّة و الاعتدال ؟ اليس يعرفون انّ اعتدال الجنّة و الجنّة كلّها من فاضل نورالحسين7 ؟ فما ظنّهم بعد ذلك بمن هو اصل للجنّة ؟

والحاصل كان كلامنا في بيان الاجزاء الاصليّة و الاجزاء الفضليّة فقلنا انّ شيخنا رحمه الله سَمَّي الاجزاء الاصليّة الباقية بالجسد الاوّل و سَمَّي الاجزاء الغريبة الفضليّة بالجسد الثاني و الجسد التعليمي و الجسد التعليمي يعني انّ القوم سمّوا الغرايز بالاجزاء الاصليّة و سمّي هو رحمه الله ايّاها بالجسد الاوّل و القوم سمّوا الغرائب بالاجزاء الفضليّة و اما هو رحمه الله فقد سمّاها بالجسد الثاني و لا مشاحّة في الاصطلاح فكلّ من قال غير هذا الذي نحن نقول كما دريت في بيان تسمية الاجزاء و معناها فان كان عناداً لم‏يكن القائل عادلاً و ان كان من حيث العقيدة فليس بمسلم ضرورة انّك عرفت من بياناته المرددة المكرّرة انّ التفاوت انّما هو باعتبار التسمية و الاصطلاح ثمّ عرفت انّ المسلمين كلّهم متّفقون في انّ الاجزاء الابدانيّة قسمان اصليّة و فضليّة و قد سمعت ما نحن اخترنا في التعبير بانّ هذا جسد اوّل و هذا جسد ثان.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 223 *»

 (اليوم التاسع‏عشر)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

قد كان مسألتنا في بيان المعاد الجسماني الثابت بضرورة المسلمين كافّةً فقلنا انّ الشي‏ء هو المركّب من الروح و الجسد و قلنا انّ الجسم مركّب من العناصر الاربعة بهيئة تأليفيّة معتدلة بميزان خاصّ بحدّ معلوم لااقلّ من الحد و لا اكثر كالاكسير لانّ مادّته من هذه‏العناصر الاّ انّ تحقّقه و وجوده يحتاج الي تركيب خاصّ من معيار معيّن و هذا هو العلّة في جهل الناس به و قلنا انّ الشي‏ء الذي في الاخرة هو الذي في الدنيا والشي‏ء الذي في البرزخ هو الذي في الدنيا بعينه و كذلك انّ الرجل حال كونه جنيناً لانّه هو هو ثمّ حال كونه رضيعاً ثمّ فطيماً ثمّ مراهقاً ثمّ مميّزاً ثم بالغاً ثمّ رجلاً ثمّ كهلاً ثم شيخاً ثم هرماً فانه هو هو في الحالات و التنقّلات كلّها من دون ارتكاب مجاز بل هو هو حقيقةً فاذا اقرض رجل رجلاً في حال الصحّة ثمّ تمرض المديون، عليه ان يقضي من غير انكار بانّي لست ذلك الرجل المديون بملاحظة الاختلاف و التغيير في حاله بعروض المرض العارض عليه.

ثمّ اعلم انّ الشي‏ء اصله هو القلب الذي تفصّل الي الاعضاء و الجوارح كالبذر و الشجرة و غصونها و لقاحها لانّها هو و اصل الشي‏ء ثلث نقاط نقطة القلب و نقطة الصدر و نقطة الدماغ و نحن قد قلنا سابقاً بانّ الجسم مركب من العناصر الغريزيّة الاصليّة المعتدلة و قلنا انّ الجسم حصل له باعتبار اللطخ اعراض و غرائب خارجة بالنسبة الي الشي‏ء والاّ فتلك الاعراض ذاتيّة بالنسبة الي سنخه و اصله كالدهن و الفتيلة و السراج لانّ الدهن الزايد بالنسبة الي السراج فضل و غريب لا بالنسبة الي سراج اخر فاذا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 224 *»

زيد شي‏ء من الدهن يفسد السراج فكذلك اذا قلّ و مثل ذلك الجسد اذ هو مركب من العناصر بتأليفٍ معتدلٍ ان زاد فسد و ان نقص فسد. انّ ذلك تقديرالعزيزالعليم و قلنا انّ المادة محفوظة في جميع هذه الصور و الاعراض و قلنا انّ الاعراض حقيقة خارجة عنها و هي محل ظهور المادة حصولها انّما هو باعتبار القِرانات الخارجيّة.

و الآن نقول انّ الشي‏ء له روح و مثال و جسم و الروح كماقلنا هو الجسم الاوّل و المثال هو البرزخ الذي هو الجسم الثاني الاصلي والجسم الحاصل من العنصر العرضي الغريبي و انّما سمّيناه بالغريبي و العنصر الذي لايعود لانّه حصل بالقرانات و ذلك كالثوب للانسان تسميتنا هذا بالثوب كتسمية المتكلمين هذه العناصر بالكون و الفساد اي عالم الكون و الفساد في قبال انّ الافلاك لا فساد فيها و لا تغيير و لا اختلاف بخلاف العناصر لانّها متبدّلة مختلفة و بالجملة تسمية مرحوم الشيخ هذا الجسد الذي لايعود بالبدن العنصري بملاحظة انّ العناصر مختلفة الحالات و هي عالم الكون و الفساد و بملاحظة انّ هذا الجسد هو الجسم التعليمي العرضي الذي هو الحدود و الهيئات و الصور.

و بالجملة عبّر مولينا الشيخ رحمه الله عن الجسد الطبيعي الاصلي بالجسد الاوّل الهورقلياوي و عبّر عن الجسد الثاني التعليمي بالعنصر الذي لايعود و مراده بالعنصر هنا هو الهيأة و العرض و الحد اذ العنصر علي قسمين جوهري اصلي و غريبي عرضي كما قلنا في محلّه انّ الكمّ مثلاً منه جوهري و منه عرضي فالملحوظ في الحالات كلّها هو الجوهري و امّا المتغيّر المتبدّل فهو الكمّ العرضي و حصول هذه الاعراض انّما هو باعتبار القرانات في الخزائن و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزّله الاّ بقدر معلوم و لاشكّ في انّ الشي‏ء النازل في هذه‏العوالم السائر في هذه الاطوار كلّها ليس المقصود منها هذه الاطوار اذ هي منازل و حالات و انّما المقصود وطنه الذي نزل منه فالسموات و العناصر و بطن الامّ و صلب الاب و سائر الاطوار من النطفة و العلقة و المضغة و الجنينية والرضيعية والفطيمية والمراهقيّة و البلوغ والشيبوبة و الكمال و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 225 *»

الكهولة و الهرمية و نحوها كلّها اعراض و غرائب و كلّها مظاهر للشي‏ء كالمرءاة للصورة المنفصلة لانّها موجودة في الخارج الاّ انّها غير ظاهرة تظهر بالمرءاة و الاغذية للانسان كالمرءاة للصورة و كذلك التراب الذي في الظرف المغروس فيه الشجرة ليس جزءاً لها والاّ لقلّ التراب شيئاً فشيئاً بل لَتَمَّ التراب شيئاً فشيئاً و انت تري هذه البساتين الحادثة مدة خمسمأة سنة و ترابها علي حالتها الاولي من دون حصول نقيصة فلو كانت هذه الاتربة جزءاً للاشجار و النخيلات لكانت تنقص الاتربة نقصاناً بيّناً واضحاً فاذ ليس فليس و العلّة في هذا هي انّ الاغذية لمّا لم‏تكن جزءاً و لا هي بدلاً لمايتحلّل ضرورة انّ الامدادات انّما هي من المبدء دون الاسباب نفسها نعم انّما هي ظاهرة بها. الا تري هذا محيي‏الدين بن عربي لم‏يأكل مدة تسعة اشهر في رياضته و هو حي و كذلك الذين لايأكلون خمس سنين او اقلّ او اكثر من الذين يحبسون انفاسهم و اولئك طائفة معروفة في الهند ثمّ نحن نري اناساً انّ اكلهم اقلّ مايكون و هم اقوي الناس و اسمنهم و نري اناساً اخرين انّ اكلهم اكثر مايكون و هم اضعفهم بنية و اكثرهم هزالاً.

فاذا عرفت هذا فاعلم انّ المدد غيب في هذه الاشياء من الاغذية و المأكولات و كلّها كنون الوقاية لحفظ المدد و ايصاله الي المستمد فلمّا صار المدد امراً غيبياً في الغذاء اعلم انّ الغذاء كائناً ماكان لايكون جزءاً لشي‏ء اخر يعني انّ المأكول لايكون جزءاً للاكل والاّ لكان الحكيم تعالي عاجزاً فعلي هذا لايكون الغنم و لاالطير و لاالبقر و لاالبعير المأكولة جزءاً للانسان و لا جزءاً لاكله بوجه من الوجوه لانّها لم‏يكن بدلاً لمايتحلّل منه حيث علمت انّ المدد غيب في الشي‏ء المأكول اذ المبدء انّما هو من المبدء الاعلي و العلّة في هذا هي انّ اللّه خلق كلّ شي‏ء دائراً علي نفسه لانّه كامل حكيم فمقتضي الكمال و الحكمة هذا لاغيره فلذا قلنا انّ كلّ شي‏ء مستدير فاذا حقّقت ماقلنا بالامثلة عرفت بطلان شبهة الاكل و المأكول اذ الحيوانات المأكولة لم‏تكن جزءاً للشي‏ء و لا دونها ضرورة انّ المناسبة مفقودة بين الانسان و النبات و الحيوان فلمّا افتقدت المناسبة و لا هي جزء للانسان يحشر يوم القيمة علي احسن ما كان

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 226 *»

في الدنيا و اذا الوحوش حشرت  قال تعالي و ما من دابّة في الارض و لا طائر يطير بجناحيه الاّ امم امثالكم مافرّطنا في الكتاب من شي‏ء ثمّ الي ربّهم يحشرون  و قال تعالي و ان من امّة الاّ خلا فيها نذير  فكل شي‏ء يعود قل يحييها الذي انشأها اوّل مرّة و هو بكلّ خلق عليم قال تعالي ولقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم اوّل مرّة و تركتم ماخوّلناكم وراء ظهوركم و ما نري معكم شفعاءكم الذين زعمتم انّهم فيكم شركاء لقد تقطّع بينكم و ضلّ عنكم ماكنتم تزعمون والمراد بقوله و تركتم ماخوّلناكم وراء ظهوركم  هو الاعراض الخارجة اي الهيئات و الصور فهذه الحيوانات و النباتات كلّها تحشر يوم القيمة مع انّها صارت غذاء للاكل و هذه الاعراض انّما حصلت من القرانات فلمّا حصلت لها مقتضيات مادامت موجودة فلمّا بطلت الاجزاء و تفكّكت ذهبت الي مامنه بدأت يعني كل شي‏ء يرجع الي اصله و محلّه كما كان اوّل مرّة.

لايقال فعلي هذا يكون العائد هو النطفة لانّها هي التي اوّل مرّة لخلق الشي‏ء. لانّا نقول ان النطفة منزل من المنازل و سبب من اسباب الظهور للشي‏ء فالاعراض الخارجة كالصبغ من الحنا في اليد و كالثوب للانسان ليس جزءاً له فلايعود و هذه هي الاجزاء الفضليّة بعينها التي اتّفقت العلماء بوجودها فمن قال بغير هذا فليس بمسلم لانّ ماقلنا هو الذي ذهب اليه المسلمون قاطبة الاّ انّه بعبارة اخري كما علمت انفاً لايقال علي ما تقول انّ هذا البدن المرئي لايعاد لانّا نقول بانّا قلنا انّ هذا المرئي المحسوس هو البدن الاصلي الذي يعود بل قلنا ان الحيوانات تحشر كما ورد انّه ليقتصّنّ للجمّاء من القرناء ثمّ تصير الحيوانات بعد الفراغ من الحساب تراباً مع انّه تعالي قال و انّ الدار الاخرة لهي الحيوان مع هذه التأكيدات اللفظيّة في هذه الفقرة الشريفة من كون انّ حرف تأكيد و انّ خبره فيه لام تأكيد ثمّ هي ضمير فصل ثمّ انّ خبره معرّف باللام واعلم انّ هذاالاشكال بين الاية و الرواية رفعه يحتاج الي بحث اخر ليس هيهنا محلّ بيانه.

و بالجملة هذا البدن العنصري هو الاجزاء الفضلية و هذا هو الجسم التعليمي عند الحكماء و الجسم التعليمي هو هذه الحدود و الهيئات و لاشكّ في

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 227 *»

انّها اعراض لم‏تكن جزء حقيقة الشي‏ء بحيث يكون تقوّم الشي‏ء بها. الا تري انت انت في جميع حالاتك و حركاتك و سكناتك و تطوّراتك و تنقّلاتك و كبرك و صغرك و صحّتك و سقمك الي غير هذه من الحالات المتعاورة مع انّ الحالات تتّصف بالمجيي‏ء و الذهاب فلاتعود الحالات لا في الدنيا و لا في الاخرة لانّ هذه كلّها نقائص و فضائل و الدار الاخرة محلّ الكمالات الاصليّة الباقية كما ذكرنا سابقاً. و انّما سمّي الجسم التعليمي بالتعليمي لانّ هده الاعراض و الصفات و الحدود و الهيئات كلّها اعلام الرجل الي الجسم الطبيعي الحقيقي و امّا الحكماء فهم انّما سموا الجسم التعليمي به لاّن كلّ ما يتكلم فيه انما يتكلّم عن الصور و الهيئات كالرياضي الذي كان دأبهم فيه اَنْ يعلّمون صبيانهم في اوّل عمرهم ذلك ليتّسع خياله و بالجملة هذا الجسم التعليمي الذي هو الحدود و الهيئات العرضية بالنسبة الي الانسان كالحجر الموضوع بجنب الانسان و امّا هذه العرضيات بالنسبة الي عالمها فهي ذاتيّة له كما مثّلنا بالدهن و الفتيلة و السراج اذا الدهن لو زاد فسد السراج و ان نقص فكذلك مع انّ الدهن ذاتي كانت زيادته عرضيّة بالنسبة الي ذلك السراج لا بالنسبة الي ماعداه بناء علي هذا هو سبحانه يُعيد المأكولات كلّها الي اصولها و محالّها انّ ربّي علي كلّ شي‏ء قدير كما انّه تعالي امر ابراهيم7 بان اخذ من الطيور الاربعة و دقّها ثمّ جعل علي كلّ واحد من الجبال العشرة جزءاً منه ثم دعا كل واحد من الاربعة فرجعت الاجزاء المنتشرة علي الجبال فلحقت اجزاء كل واحد برأسه، الحمامة بالحمامة و الديك بالديك و الغراب بالغراب و الطاوس بالطاوس مع ان لحومها كانت مختلطة اختلاطاً لا امتياز فيها ولكنّ اللّه بكلّ شي‏ء عليم ثمّ قدير.

فاذا علمت هذا فاعلم انك انت كابراهيم7 ثمّ مأكولاتك من النباتات و الحيوانات من الاباعر و الثيران و الاغنام و لاالطيور ثمّ السموك التي كسرتها في الطبيعة و طبختها فيها ثم خلطت بعضها ببعض كلّها تخرج منك علي الوجه الذي كانت من قبل اي قبل الاكل.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 228 *»

تكرير و تأكيد: لمّاذكرنا سابقاً من بيان العود و سرّه بعبارات اوثق و بيانات احكم من الاوّل و هو انا قدقلنا من اسباب دخول البيت اعتقاد المعاد و حشر الارواح الي الاجساد علي وجه كان في‏الدنيا ولكنّه بصور مختلفة مثلاً كان الشي‏ء في الدنيا قبيحاً يرجع في الاخرة حسناً و بالعكس او كان في الدنيا هرماً يرجع في الاخرة شابّاً و كذلك اذا كان سقيماً يحشر صحيحاً و بالعكس في كلّها و ذلك لانّ الجسم مشتمل علي الاجزاء الغريزيّة الاصليّة و علي الاجزاء الغريبة العرضيّة التي يعبّر عنها بالتعليمي. فالقسم الاوّل الذي هو الجسم الاصلي هو الروح لقوله7 الروح جسم لطيف اُلْبِس قالباً كثيفاً و الجسم الثاني المثال و اما الجسم العنصري اي الاعراض و الحدود و الهيئات و الامراض و العيوب و النقايص و الزيادات و التبدّلات و التغيّرات كلّها خارجة عن حقيقة الشي‏ء و عن جسمه الاصلي المعتدل الذي باق ابدالابدين و محفوظ من فناء و دثور و انعدام فالذي قال شيخنا المرحوم انه يذهب و لايعود هذا هو الجسم التعليمي اي الجسد الثاني العرضي اذ العناصر عندنا كما قلنا مراراً قسمان جوهري و عرضي فالجوهري هي التي منها الاجزاء الاصليّة المعتدلة و العرضي هي التي ليست منه فلاتعود و انّما هي تعود لنفسها وحدها او انّها جزء لشي‏ء اخر فتلحق بذلك الشي‏ء ثمّ يعود في الاخرة.

تنبيه و ازالة : و اعلم انّ تعبير جناب الشيخ المرحوم عن الجسم التعليمي بالعنصر له وجه و ذلك حيث انّا نعلم انّ الشي‏ء ينسب الي حالته الغالبة و لاشكّ في انّ العلماء قالوا انّ عالم الكون و الفساد هو عالم العناصر ضرورة انّها لازال متغيّرة متبدّلة في مقابلة الافلاك التي لاتغيّر لها و لا اختلاف كالعناصر فهو اعلي‏اللّه مقامه حيث كان الجسد الهورقلياوي لا اختلاف فيه و لا تغيير و انّما التغيير في الحدود و الهيئات العرضيّة سمّاه اي الجسد الثاني من حيث الاختلاف بالعنصري يعني انّ كلّ ما كان من شأنه التغيّر و التبدّل فهو المعبّر عنه بالعنصر و لاريب في انّ الصورة متغيّرة لازالت هي موجودة. و المراد بالعنصر الاصلي هو الذي يكون سبباً لحفظ الكينونة و اما العنصر الذي علّة لظهور الشي‏ء فهو غريبي

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 229 *»

كالمني من الانسان و كذلك غيره من الخزائن العلوية و العنصريّة و الاصلاب و الارحام و اطوار الشي‏ء الي زمان هرمه و موته فانّها كلّها بالنسبة الي الجسم الاصلي كالمرءاة للصورة المنفصلة لانّها موجودة لكنّها غيرظاهرة و العلّة في انّ هذه الاشياء من الاسباب التي يستمدّ الشي‏ء منها كلّها عرضيّة غريبة لا فعل لها في اصل كينونة الشي‏ء هي ان كل شي‏ء لايستمدّ من غيره و لا غيره منه مثاله كما اذا زرعت شجرة في حبّ مطروس من التراب ثمّ تكبر الشجرة من دون حصول نقص في التراب فلو كان التراب جزءاً لها لكان يعدم بالمرة باغتذاء الشجرة منه شيئاً فشيئاً و ليس كذلك و كذلك اذا زرعت البطّيخة في قصعة فيها تراب فانّه لاينقص منه شي‏ء مع كثرة البطّيخات فلو كانت هذه الامدادات من هذه العناصر لم‏يبق للبساتين تراب اصلاً في هذه المدّة الطويلة مع انّ ترابها باقية علي حالتها الاولي و العلّة في هذا هي انّ الامدادات كلّها من المبدء الاعلي بناء علي هذا تكون الاغذية للانسان كالتراب للبستان من دون حصول نقصان. فمن عرف ماقلنا فقد عرف مسألة الاكل و المأكول باتمّ بيان.

فعلي ما اصّلنا لايكون الاغذية بدلاً لمايتحلّل و انّما هي حاملة لظهور المدد فلايكون جزءاً لبدن الانسان بل انّما هي كنون الوقاية و المرءاة تقريباً في كونها سبباً لظهور الصورة مع كونها موجودة ثمّ انّ المستمد لايخلو من كونه من اهل علّيين او من اهل سجّين فعلي اي تقدير يكون مدده منها فصارت الاغذية اسباباً للظهور كالماء للشجر حرفاً بحرف. فمن عرف ماذكرنا فقد حلّت له شبهة الاكل و المأكول لانّ الشي‏ء لايصير مدداً لشي‏ء اصلاً حتّي يوجب الشبهة و الاشكال كما علمت من الامثلة النافعة الالهيّة الافاقيّة. فلمّا كانت مع الاغذية اشياء عرضيّة و اسباباً للظهور لا دخل لها باصل الكينونة قلنا انّها كالحجر الموضوع بجنب الانسان فلو فرض انّ الشي‏ء يصير جزءاً لشي‏ء اخر يلزم عجز الحكيم سبحانه. بناء علي هذا الذي مهّدنا لايكون شي‏ء جزء لشي‏ء فلايرد اشكال نعم لمّا تنزّل الشي‏ء في القوس النزولي حصلت له هذه الاعراض و الغرائب من الحدود و الهيئات الخارجة الغريبة باعتبار القرانات الحاصلة في كل عالم لذلك الشي‏ء فهذه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 230 *»

الاجزاء العرضيّة بعد تفكيك اجزاء الشي‏ء يرجع كل واحد منها الي اصله فتبقي الاجزاء الاصليّة في القبر مستديرة كالبرادة من الذهب في دكّان الصايغ و المراد بالاستدارة كون كل جزء في محلّه.

فاذا علمت انّ اللّه خلق الاشياء لمعرفة نفسه و عرفت انّ الاشياء كلّها مختارة درّاكة و عرفت انّ كلّ شي‏ء نزل من العالم الاعلي من الجنّة او من ظلها الجحيم و علمت انّ اللّه حكيم و علمت انّه ليس هذه الدار دار الجزاء فاعلم انّ الاشياء كلّها محشورة عائدة في الاخرة قال تعالي و ما من دابّة في الارض و لا طائر يطير بجناحيه الاّ امم امثالكم مافرّطنا في الكتاب من شي‏ء ثم الي ربّهم يحشرون و قال تعالي و ان من امّة الاّ خلا فيها نذير فيكون لكل شي‏ء من الموجودات عقاب و عذاب كلّ علي حسب مقامه فالوحوش و الحيوانات كلّها تحشر ولكنّه ورد انّ الحيوانات بعد الحساب تصير تراباً مع انّه تعالي قال و انّ الدار الاخرة لهي الحيوان. و بالجملة هذه الاجزاء العرضيّة و الاعراض الخارجة كلّها من اللوازم الدنيويّة لانّا قد ذكرنا كراراً و مراراً بانّ هذه الهيئات و الحدود و الاطوار كلّها اسباب ظهور للشي‏ء ثمّ انّ هذه انّما هي محتاج اليها في هذه الدار و امّا بعد ذلك فلا و ذلك كالمربي للاطفال لانّه انّما يكون فيما كان الولد صغيراً فلمّا كبر يستغني عنه قال تعالي و لقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم اوّل مرّة و تركتم ماخوّلناكم وراء ظهوركم اي من الاعراض و الفضائل من الاجزاء و الهيئات و الصور و لاريب انّ الرجل في الدنيا غريب اذ انّه جاء من العالم الاعلي فكان وطنه هناك فلابدّ من طي المسافة اذا اراد الوصول الي وطنه بناء عليه كلّ‏ما عرضه من الاعراض و اللوازم الدنياويّة يبقي كلّها في الدنيا قل يحييها الذي انشأها اوّل مرّة  اي من العناصر المعتدلة الاصليّة التي ذكرنا انّها باقية و قلنا انّها هي حقيقة الجسم المحشور و انّها هي الجسم الطبيعي في لسان الحكيم و هو هذا الذي تراه في الدنيا ثمّ انّ هذه الاشجار المرئيّة هيهنا باسرها اشجار الجنّة و كذلك حيواناتها و جماداتها لانّها هي هي و هي غيرها باعتبار القاء كلّ شي‏ء

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 231 *»

عرضه في الادبار الحاصل بالقرانات الخارجة فافهم و لاتكن من الغافلين حيث انّا قد بيّنا هذه المسألة علي ما هو مذهب المسلمين.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 233 *»

 (اليوم العشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

ذكرنا انّ دخول البيت له شرايط و اداب اوّلها و اصلها و اسّها هو ان لاينكر ضرورة من ضروريات الاسلام و عددناها الي ان بلغ الكلام الي المعاد فبيّنا المعاد باحسن بيان مع صعوبة مسألته و رفعنا جميع الشكوك و الشبهات الواردة في تلك المسألة الغامضة و اطبقنا عبارات جناب الشيخ المرحوم مع الدين الحنيف بما هو مذهب المسلمين.

فان قلت ان مولينا الشيخ رحمه اللّه لِماذا عبّر عن الاعراض بالجسد قلت اعلم ايّها السائل الصادق انّ الجسم يطلق كثيراًما علي الاجرام اللطيفة الصافية الا تري انّه يقال للاجرام السماويّة جسم دون كونها جسداً هذا انّما هو في الغالب و هذا اذا اجتمعا افترقا كما في الزيارة و علي اجسادكم و علي اجسامكم من غير ترادف بين الجسم و الجسد. نعم يطلق كل واحد منهما بمعني الاخر و ذلك اذا افترقا و اما الجسد فقد يطلق علي الاجرام الكثيفة و علي الاعراض و نحن قد بيّنا انّ الجسم الاوّل هو الروح لقوله7 الروح جسم لطيف اُلْبِس قالباً كثيفاً و قلنا انّ المثال لمّا كان علي صورة الروح كان جسماً و لمّا كان المثال بعد الروح كان ثانياً منه كما انّ الروح هو الجسم الاوّل و اما الجسم العنصري فهو الجسد العرضي الذي لا حكم له و لا وزن و لا قيمة له و لايجري عليه احكام الطهارة و النجاسة و لا غيرها و الجسد العنصري معني حرفي حقيقة و قد ذكرنا انّه ليس بجسم و انّما هو هذه الصور و الهيئات الخارجة عن حقيقة الجسم و ذكرنا انّ المعاد جسماني بالعقل و النقل.

و امّا الذي ينكر عود الجسم فقد استدلّ بانّ المكلّف هو الروح و اما الجسم فهو لا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 234 *»

شعور له و لا تكليف و انّما هو كالثوب لظهور الروح و استدلّ ايضاً بشبهة الاكل و المأكول كما سبق بانّ المأكول هو الجسد و هو لايعود لانّه صار جزء بدن الاكل. و امّا نحن فبحمداللّه تعالي ابطلنا هذا القول و افسدنا عليهم ماكانوا هم عليه ثمّ برهنا بالمطلقات بياناً واضحاً جليّاً نحن متفرّدون بذلك البيان في عود الاجسام بالبرهان الذي اثبتنا به عود الارواح و ذلك البيان اختيار الاشياء حتّي الجسم و قلنا انّه مكلّف كالروح ولكن غيرنا لم‏يجد دليلاً عقليّاً لعود الجسم حتّي انّ رئيس القوم ابن سينا يقول انّ الدليل العقلي علي اعادة الجسم غيرمعقول فقال غيرنا انّه لولا الشرع علي اثبات المعاد الجسماني لم‏يكن لنا دليل علي عود الجسم عقلاً. نعم لمّا اخبر به الشارع قلنا به و امّا نحن و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم لمّا اثبتنا الاختيار للجسم و لكلّ شي‏ء و قلنا انّه مكلّف و قلنا انّه مطيع و عاص باختياره و لمّا كان كذلك و كان اللّه عادلاً ثم نظرنا و رأينا انّ المكافات ماكانت واقعة في دار الدنيا فلمّا كان الرب سبحانه عادلاً صادقاً قادراً عالماً قطعناً بانّ دارالجزاء و دارالمكافات لابدّ من وجودها و هي غير هذه الدار.

و بالجملة هؤلاء المنكرون للمعاد الجسماني و هؤلاء الذين ليس عندهم دليل عقلي علي عود الجسم لما عجزوا عن تعقّل اختيار الاشياء قالوا بعدم اعادة الجسم و قالوا انّه لا دليل عليه كما عليه المسلمون و نحن قلنا ان كان ربّنا حكيماً قادراً وجب ان يكون كاملاً و لاريب انّ الاختيار كمال و الاضطرار نقص يدل علي عجز الصانع هذا بالنسبة الي فعل الصانع و امّا بالنسبة الي سوء اختيار الاشياء شيئاً دون شي‏ء او اقتراف في المعصية فهذا راجع الي ميولات الاشياء باعتبار وجود الاختيار فيها و مثل هذا لاينقض مانحن عليه من الاختيار لانّه كمال و انّه اولي و هو تعالي لايعدل عن الاولي الي غيره قط فيكون الاختيار ثابتاً لجميع الذرات الوجوديّة الاّ انّه قد يكون ضعيفاً و قد يكون قويّاً و الاختيار الضعيف يحتاج في ظهور اثر اختياره الي معين كنطق الحصا بمعجزة النبي9 في كفّه.

و لايتوهّم احد انّ خرق العادة و المعجز انّما يتعلّق بالمحال

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 235 *»

لانّا قد برّهنا انّ المحال لايتعلّق عليه القدرة و انّ المحال ليس بموجود اصلاً و لاشك انّه تعالي خلق الخلق لغرض و فائدة هي غاية الايجاد و لاريب انّ ايجاده تعالي انّما هو لعرفان نفسه فعليه لولا كان للاشياء ادراك و شعور كان ايجادها عبثاً و لاشك انّ الشاعر المختار اولي من غيره و لا انّه تارك للاولي لانّه قبيح و القبح ظلم للقادر الكامل.

ثمّ نقول بالاشارة الاجماليّة انّ ممّا يدلّ علي وجود الاختيار من الايات و الروايات كثيرة كلّها ناصّة علي وجود الاختيار و ثبوته و هي كادت ان تبلغ حدّ التواتر فمن الايات قوله تعالي انّا عرضنا الامانة علي السموات و الارض و الجبال فابين ان يحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان الاية فلولا كان لها شعور و اختيار لكان العرض عبثاً و الاباء باطلاً و امّا الروايات فكقوله7 انّ اللّه عرض ولايتنا علي الجبال فاوّل جبل اقرّ بالولاية جبال ثلثة جبل الياقوت و جبل العقيق و جبل الفيروزج و انّه تعالي عرض ولايتنا علي الاراضي و المياه و الاشجار و الاحجار و سائر الموجودات فما امن منها صار طاهراً طيّباً حسن الصورة و الرائحة و ما لم‏يؤمن و لم‏يقرّ بولايتنا منها صار نجساً خبيثاً نتناً قبيحاً و من الايات قوله تعالي  و ان من شي‏ء الاّ يسبّح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم لانّ التسبيح فرع المعرفة و الشعور و الادراك و الاختيار ولكن بعض اشباه العلماء اوّل هذه الاية بتأويل بارد سخيف فقال انّ المراد بالتسبيح التسبيح الحالي دون المقالي و نحن قد قلنا في ردّه اَنْ لوكان المراد من التسبيح التسبيح الحالي الذي هو دلالة الاثر علي المؤثر هذا امر ظاهر و شي‏ء معروف يعرفه كل احد كما قالوا في بحث اقسام الدلالة انّ الدلالة العقليّة دلالة الاثر علي المؤثّر بناء علي هذا لا معني لقوله تعالي ولكن لاتفقهون تسبيحهم  فلمّا لم‏يكن مراده من التسبيح هذا التسبيح الحالي اتي بالقرينة فقال ولكن لاتفقهون تسبيحهم و من الايات الدالّة علي المدّعي قوله تعالي خطاباً لنار نمرود يا نار كوني برداً و سلاماً علي ابراهيم فلولا النار مختارة لكان خطابه تعالي و جعله ايّاها برداً جبراً و هو تعالي اجلّ و اعظم من ارتكاب الجبر و الظلم.

و لايتوهّم متوهّم انّ بعض الاشياء ليس له

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 236 *»

اختيار كالافلاك مثلاً في انقهارها للمحدّد المسخّر لها لانّ المحدّد يحرّكها من المشرق الي المغرب مع انّ حركتها الذاتيّة من المغرب الي المشرق لانّا نقول انّ الافلاك قبلت اطاعة فلك الافلاك باختيارها مع انّها متحرّكة بحركاتها الذاتيّة و لم‏يكن دليل علي نفي اختيار الاشياء و عدمه لا من العقل و لا من النقل.

فان قلت انّه ورد انّ اللّه تعالي لمّا اراد ان‏يخلق ادم امر جبرئيل بالنزول و الاخذ من التراب فلمّا نزل و اراد الاخذ لم تقبل الارض بالاخذ منها ثمّ انزل اللّه اسرافيل فمارضيت به ثمّ ميكائيل فلم‏ترض الي ان انزل اللّه عزرائيل فاخذ منها فهذا بظاهرها يدل علي انّ الارض كانت مجبورة فان كانت شاعرة لكانت راضية قلنا بل انّها دالّة علي شعور الارض و اختيارها اذ هي ميّزت بين القبض و عدمه و الاختيار ليس الاّ التمييز بين الفعل و الترك و قد عرّفنا الاختيار بانّه وجود مبدء ميلين متضادّين في الشي‏ء من الفعل و الترك و لاريب انّ هذا المعني قد حصل للارض حين الاخذ منها نعم كان اختيارها ضعيفاً فلاجل هذا امتنعت و الضعيف يحتاج في اظهار اثر اختياره الي معين كالمريض في حركته من مكان الي اخر فانّه يحتاج الي حامل يحمله اليه او قائد يقوده و مثل هذا لايقال انّه قسر او انّه مسلوب الاختيار لانّ مسلوب الاختيار هو الذي لا قدرة له في الفعل و لا في الترك اذ لا شعور له في التمييز بين الفعل و الترك لانّ القادر علي الفعل و الترك هو قوي الاختيار و الذي هو ضعيف اختياره يميز بين الجيّد و الردي الاّ انّه لا قدرة له علي اظهاره فعلاً و تركاً الا بمعين خارجي فلايكون في الموجودات من جواهرها و اعراضها شي‏ء لايكون مختاراً لانّ فقدان الاختيار في الاثار الالهيّة و الانوار العدليّة الرحمنيّة نقص فلايكون في الوجود مسلوب الاختيار ابداً و الذي ليس له اختيار مثاله تقريباً كالذي ليس له ذائقة لانّه لايميّز بين العسل و الحنظل و كالعنّين الذي لايدرك لذّة الجماع بوجه من الوجوه.

و الحاصل كلّ شي‏ء مختار من الدرّة الي الذرّة الا تري انّ الجنّة و مافيها من الجمادات و النباتات كلّها شاعرة ناطقة و متحركة باختيارها و هذا الاختيار اختيار امر اراه اللّه تعالي اثره في عالم الذر لانّه تعالي لمّا خلق علّيين ثمّ خلق جميع صور الخيرات

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 237 *»

كلّها جعلها في علّيين باطن الكرسي ثمّ خلق سجّين و خلق جميع صور الشرّ كلّها جعلها في سجّين ثمّ كشف للخلق باطن الكرسي و اراهم تلك الصور و الخيرات ثمّ قال لهم من اقرّ بهذه الصور و عمل علي مقتضاها فله دار كرامتي و دار نعمتي ثمّ اراهم الصور الخبيثة و الشرور فقال من عمل علي مقتضاها فعليه دار سخطي و غضبي.

تنبيه:  لايتوهّم احد من الناس انّ هناك شرّ يسبقه احد علي ابي‏الشرور كما انّه لم‏يكن احد يسبق في شي‏ء من الخير علي ابي‏الخيرات اذ كل ما فرضه الفارض من الخيرات و الشرور فقد حازه ابوالخيرات و ابوالشرور ان ذكر الخير كنتم اوّله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه. فكذلك في قباله ان ذكر الشر فهم اصله وفرعه و معدنه و مأويه و منتهاه. فمن هذه الجهة قلنا ليس لاحد ان يتصوّر شيئاً الاّ و هو موجود في الخارج اما في اصل الخيرات علّيين او في اصل الشر سجين و بالجملة انّ الاختيار امر ثابت لكل شي‏ء من المخلوقات اذ لاريب في انّ غيراللّه ممكن و كل ممكن زوج تركيبي و التركيب هو المحقّق للاختيار و مُؤصّله فكل شي‏ء لايقبل و لايفعل الاّ ما هو باختياره و اليه الاشارة بقوله7 لو كشف الغطاء لما اخترتم الاّ الواقع و لاريب في انّ العقل لايحكم بامتناع الاختيار فلايكون ممنوعاً فيكون جائزاً لعدم الواسطة نعم الذي لايجوز في العقل هو الذي يلزم من وجوده محال فاي محال يلزم في اثبات الاختيار غير اثبات الكمال و اثبات الكمال دالّ علي كمال الايمان.

فان قلت انّ الناس من العوام لايعرفون معني الجسدين و الجسمين من كلامكم مع انّ المعني علي ماذكرتم واحد بين المسلمين فلماذا عبّرتم بهذه العبارة لتكون سبباً لهذه الفتنة العظيمة بين الفرقة المحقّة قلت ان العوام ليسوا مناطاً لشي‏ء ابداً و انّما المناط العلماء. فعلي هذا لايتكلّم عالم قط و لايعبر بشي‏ء من التعبيرات و الاصطلاحات الخاصّة قط لانّ العوام لايعرفونه. اَلا سمعت انّهم قالوا في الاصطلاحات الخاصّة الاصوليّة تعبيرات لايعرفها العوام كتشكيك مبيّن العدم و كتشكيك المضر الاجمالي و كاستصحاب الشك الساري و نحوها

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 238 *»

و كذلك قولهم انّ الامر بالشي‏ء ينهي عن الضد العام فانّه لايعرفه العوام و بالجملة المناط كل المناط هو العالم لا العوام.

اذا عرفت ذلك فاعلم انّ تعبير جناب الشيخ رحمه‏اللّه بالجسمين و الجسدين بيان لواقع الشي‏ء و حقيقته و مثل هذا لابد للعالم به ان يبيّنه و يثبته بالبيّنة و البرهان و ان لم‏يعرفه عوام الناس كما لايعرفون الكتاب و السنّة.

علي نحتُ القوافي مِن مواقعها   و ما علي اذا لم يفهم البقر

و لايخفي عليك انّ لكلّ علم عالم خبير باصطلاحات ذلك العلم فاذا جهل احد شيئاً يجب ان يرجع الي صاحب العلم او من حضر عنده و تلمّذ لديه والاّ فلايجوز له التكلّم بوجه من الوجوه. كيف يجرح و يحكم من لم‏يعرف صفحة و لا سطراً من كلماتنا فمالكم كيف تحكمون مع انّ القوانين الشرعيّة قائمة بانّ الذي دخل في الاسلام لايجوز اخراجه من الاسلام الاّ بامرٍ بيّنٍ من ارتداد او انكار ضروري من ضروريات الاسلام و انّ الشريعة قاضية بالضرورة بانّه لا عبرة بالعبارة و القرطاس و انّما المناط في المقام الكلام.

لقد كان من دأب العلماء سابقاً انّهم لمّا رأوا عبارات مشكلة الظواهر مخالفة مع ما عليه اهل الشرع الظاهري كانوا يأوّلونها بتأويلات مقرّبة الي الشرع حتي يطابقونها مع الدين و الاسلام و كانوا يجعلون العبائر المغلقة مَطرَحاً بينهم و يتباحثون عنها مع كونها دالّة علي الكفر في ظاهرها كعبارة المجلسي رحمه الله في رسالته المسمّاة بوسيلة النجاة حيث قال انّ المقدورات ثلثة قسم مقدور للّه و مقدور للخلق و قسم مقدور للّه دون الخلق كايجاد الموجودات و قسم مقدور للخلق دون ان‏يكون مقدوراً للّه هذه الفقرة الاخيرة كما تري بظاهرها دالّة علي الكفر حتّي انّهم اوّلوها فقالوا انّ مراده رحمه الله منها ليس فاعلاً بالمباشرة كخلقه و مثله عبارة السيّد المرتضي رحمه الله حيث قال انّ اللّه تعالي ليس الهاً للجوهر الفرد و لا للاعراض و لاريب انّها بظاهرها كفر فلابدّ للمسلم تأويلها لما تري انّ عَلَم الهدي اجلّ مقاماً من ان يصدر عنه شي‏ء مناف لضرورة الاسلام.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 239 *»

و امّا الان في زماننا اري الناس يريدون ان‏يعرفوا الكتاب و السنّة و عبارة العلماء بافهامهم فان عرفوا شيئاً منها يصدّقونه و يصحّحونه والاّ اِمّا يأوّلونه ان كان من الكتاب و السنة او يردّونه و يكفّرون قائله من دون التفحّص و التجسّس و السؤال و لايطالعون كتب العلماء الماضين و لاينظرون كتب اللغة الظاهرة المعروفة المتداولة الحاضرة بين ايديهم كالصحاح و القاموس و مجمع البحرين كما وقع البحث بيننا و بينهم في سنة السادس و الاربعين و المأتين بعد الالف في دار السيّد ثابت المرحوم كليددار حضرة العباس7 في معرفة عبارات مرحوم الشيخ رحمه‏اللّه في المعاد و غيره حيث قال ان الجسد العنصري كالثوب المنزوع يذهب و لايعود قلت للقوم في ذلك المقعد و هم تقرب ثلثة الاف نفس و انا وحده قلت ياقوم فضلاً عن معرفة الاصطلاحات في الجسد نسألكم هل تعرفون انّ الجسد كم له من معني في اللغة الظاهرة المعروفة بين ايديكم ؟ قالوا لا. قلت فكيف يحكم من ليس له معرفة بمايجرحه و يبطله ؟ قالوا انّا نحن مانريد الاّ علي فهم العوام فلمّا رأيتهم هكذا قلت ياقوم ان كنتم تريدون هذا بسم اللّه فاخذت اللوح فكتبت فيه انّ هذه العبارة علي فهم العوام كفر كما انّ يداللّه مغلولة علي فهمهم كفر فهنالك جعلتهم عوامّ لكنّهم قوم لايشعرون.

ثمّ قاموا بعد ذلك المقعد ينفّرون العوام عني و لايعلمون انّه ليس لي حاجة الي الناس من اليوم الذي عرفت ربّي ثمّ نسبوا الينا اكاذيب من الاعتقادات الباطلة و امروا الناس ان لايراودونا و لايخالطونا و ذلك حتّي لايتبيّن كذبهم و فسادهم و جهلهم كما ظهر كذب اصحاب معويّة حيث كانوا يحاربون عليّاً7 معتقدين انّه7 لايغتسل عن الجنابة و لايصوم و لايصلّي و انّه7 شارب الخمور و فاعل الفجور فلمّا رأي احد من اصحاب معويّة انّه7 يصلّي تعجّب منه فسأل عن ذلك قالوا في جوابه ويلك يافلان انّ عليّاً7 يصلّي كلّ ليلة الف ركعة ثمّ بيّن تفصيل انواع عباداته7 له فلمّا تبيّن كذبهم عرف الناس الواقع لكن الناس ادركوا ما امّلوا من الرياسة لانّ مبني رياستهم علي الكذب. هذا الافتراء علينا قد تبيّن كذبه و بطلانه لمن اتي الينا و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 240 *»

جاءنا لكنّهم لمّا عرفوا هذا المعني منعوا الناس عن الحضور عندنا و هذا فكر صحيح و تدبير تامّ لما ارادوا.

فان قال قائل انّ في عبائركم كذا و كذا ممّا يخالف ظاهر الشرع ، قلنا يا ايّها القائل ليس في عبائرنا شي‏ء يخالف الشرع ظاهراً لو كان هذا في اوّل الامر لقلت هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين يا سبحان اللّه انّي اتمنّي ان يكون هناك رجل يأتيني بماينسبونه الينا هؤلاء القوم من اكاذيبهم و افتراءاتهم فيقول يافلان هذا الكلام لك ام لا و علي فرض كونه مني يسألني عن المراد منه و ثانياً ضرورة المسلمين و اتفاق العلماء اجمعين حاكمة بانّه لا حكم علي القرطاس و قالوا قاطبة لاعبرة بالقرطاس فياسبحان اللّه كيف الحيلة بعد ما اَنْ فسّرت مقصودي من كلامي. يقولون في قلبك غير ما في لسانك ناشدتكم اللّه هل هذا طريقة المسلمين و ديدن العلماء مع اتّفاق العلماء كافّة بانّ النص مقدّم علي الظاهر لانّ مايفهم من العبارة ظاهر و مايأتي به المتكلّم من مراده نصّ فان كان حكم الدين بان تقول بعد البيان في قلبك شي‏ء غير ما في لسانك و بيانك. قلت في قبالك يافلان انت في قلبك كافر فان كان مسموعاً فمسموع حرفاً بحرف ياسبحان‏اللّه هل الدين صار لعبة و هل الدين صار علي التشهّي او الدين علي ظاهر الحال و لسان المقال قال تعالي و لاتقولوا لمن القي اليكم السلام لست مؤمناً لاسيّما اذا كان مايقول مطابقاً لظاهر الشريعة.

و لايخفي عليك انّه كان جناب الشيخ رحمه‏اللّه كلّ ما اتي به مما هو عليه من مطالبه و معارفه و بياناته و اعتقاداته فهو علي ظاهر ادلّة الشرع فانّ ما عليه المسلمون هو الحق لانّ النبي9 ما غشّ علي الناس بحال.

و اعلم انّ جماعة من الناس ادّعوا الباطن و كذبوا في دعويهم و جماعة اخرون ادّعوا الباطن و هم في دعويهم صادقون لانّ الباطن من الحق المصدّق هو الذي يطابق الكتاب و السنّة و يطابق ظاهرالشرع و الضروريات و الباطن من الباطل هو الذي يخالف الشرع فالشرع هو الميزان للحق و الباطل و هذا لاشك فيه و لاريب يعتريه. فلذا كان شيخنا رحمه‏اللّه معزّزاً مكرّماً عند جميع العلماء الفحول من اهل المنقول و المعقول من علماء العرب و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 241 *»

العجم و ذلك حيث كان متمسّكاً بظاهر الشرع و مبرهناً مطالبه كلّها من الفروع و الاصول بالكتاب و السنّة و العقل و الاجماع و الضرورة و المذهب كما هو ديدنه و طريقته حتّي انّه رحمه‏اللّه اجازه العلماء الاعلام امّا السيّد المعظّم الجليل جناب السيد مهدي بحرالعلوم النجفي كتب في اجازة جناب الشيخ رحمه‏اللّه بانّك امرتني بالاجازة الي ان قال انّ المجاز اولي بالاستجازة من المجيز و قد مدح في الاجازة مدحاً ماابلغه و اما جناب السيّد علي الطباطبائي الكربلائي رحمه‏اللّه فكان صديقاً مع شيخنا رحمه‏اللّه و كان يوقّره و يعظّمه و يعدّه من العلماء الفحول الجامع للمعقول و المنقول و كان شيخنا رحمه‏اللّه عنده رحمه‏اللّه ثقة عظيم‏الشأن رفيع المنزلة و المقام.

حتّي انّ قوماً من اهل الطغيان و الشيطنة اخبروه فقالوا له يا سيّدنا انّ هذا الشيخ يقول انّي اري الصاحب المنتظر7فقال السيّد في الجواب يافلان لو قال هذا لاينافي في الشرع بشي‏ء ابداً فاعترض علي السيّد بانّه قد قامت الروايات بالمنع عن الرؤية قال السيّد المرحوم في جوابهم يا جماعة اليس هؤلاء الروات الذين اخبروكم بالمنع و انتم قابلون عنهم الاّ لاجل وثاقتهم ؟ قالوا نعم يا سيّدنا فقال السيّد رحمه الله اشهدوا بانّي انا الان اَري هذا الشيخ ثقة عدلاً احسن مايكون فمايروي لنا بانّه يري الصاحب7 كما اخبر اولئك الثقات بعدم الرؤية نقبل من هذا فلانكذّبه. ثمّ قال السيّد المرحوم انا كنت عالماً بكذبهم و افترائهم علي الشيخ ولكنّي اجبتهم بهذا الجواب لقطع حججهم.

ثمّ ذهبوا الي السيّد رحمه الله فاخبروا ايّاه بانّ الشيخ يقول ينزل علي الملك قال السيّد رحمه الله في الجواب هل يقول هو انّي رسول اللّه محمّد بن عبداللّه ؟ قالوا لا قال رحمه الله لاينافي الدين بشي‏ء لانّه تعالي يقول انّ الذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة و قال7 اجعلوا قلوبكم منبراً للملائكة ثمّ قالوا له انّه يقول انّ النار مختارة قال السيّد رحمه الله انّه يقول انّها مختارة كاختيار الانسان ؟ قالوا لا فقال السيّد رحمه الله فلاينافي مانحن عليه اذاً.

ثمّ رأوا كتاباً من جناب الشيخ رحمه‏اللّه فبعثوه الي جناب السيّد المرحوم فقالوا له خذ هذا الكتاب و طالعه ثم انظر ماذا تري من الاعتقادات الفاسدة المخالفة للمذهب فاخذ الكتاب فنظر اليه ليلاً فلمّا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 242 *»

حضرت الجماعة عند السيّد رحمه الله في الغد و سألوه عن الكتاب و مافيه من الاعتقادات قال السيّد المرحوم واللّه المدرك المهلك المنتقم ماعرفت منه شيئاً بمحمّد9 ماعرفت منه شيئاً بعلي7 ماعرفت منه شيئاً ثمّ حلف بالائمّة واحداً بعد واحد الي اخرهم: نقل هذا القول جناب السيّد حسن الخراساني المرحوم و هو ثقة عدل معروف فقال انّي قد كنت حاضراً في مجلس جناب السيّد الاستاد السيّد علي الطباطبائي رحمه الله فسمعته كلّه بمحضر مني.

فعليه لم‏يكن في زمانه رحمه الله كلام علي الشيخ رحمه‏اللّه بوجه من الوجوه ولكن بعده رحمه الله فخلف من بعده خلف ذرّية طلبوا الفتنة و الفساد في النواحي و البلاد فصاحوا فقالوا واشريعتاه واديناه الي ان اقاموا هذه الفتنة العظيمة في الدين بين الشيعة و المسلمين و امّا انا فاقول مخاطباً لارباب الديانات ياقوم اليس اخراج المسلم من الدين امر عظيم والناس يتخيّلون انّه هيّن و هو عنداللّه عظيم فافسدوا قلوب الناس و اوقعوا الفتنة بين الاباء و الابناء و بين الاخوة و الاخوات و بين الامّهات و البنات و بين الازواج و الذرّيات بحيث كلّ منهم قصد قتل الاخر و الحاصل انّ الناس في هذا الزمان في محنة شديدة من حيث انّ قلوبهم مضطربة و اراءهم فاسدة لايجلس احد في مجلس الاّ و يتكلّمون و يخوضون في غيبة المؤمنين و العلماء في الدين اراهم كانّهم جعلوا الدين ملعبة كلّما اراد منهم وهمهم و شهوتهم يتّبعون مايشتهون فيقولون مايتوهّمون فينسبون الينا من الاعتقادات الفاسدة حتّي قالوا انّا نقول انّ الائمّة: مفوّضون في الخلق و الرزق و الموت و الحيوة لا واللّه ماقلنا و لا كتبنا لانّ هذا كفر صريح و لايفعل احد منهم شيئاً مستقلاً لانّه تعالي هو الذي خلقكم ثمّ رزقكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شي‏ء سبحانه و تعالي عمّا يشركون والعجب انّهم يأولون كلام غيرنا و لايأولون كلامنا افتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض.

ثمّ قلنا انّ ضرورة الاسلام قد قامت بانّ  كلّ من قال انّ مرادي من كتابي ليس علي ما فهمت فقد نطق بالصدق لتقدّم النص علي الظاهر ان ذلك ثابت

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 243 *»

بضرورة المسلمين كما انّي لمّا فسرت عبارة المعاد قالوا مانريد من المعني الاّ مايعرفه العوامّ فكتبت انّ هذه العبارة علي مافهمه العوام كفر كما انّ يداللّه مغلولة كفر عندهم و لاشكّ في انّ هذا افتضاح لهم بل ماوراءها فضيحة عند العالم بالمطلب الواقف علي المراد لاسيّما الذي عرف المشرب و خصوصاً بعد البيان الواضح منّا في تقريراتنا و مباحثاتنا و كتبنا و رسائلنا و اجوبتنا للمسائل فكذبهم ظاهر عند طَلَبَة الحق الذين عندوا الباطل و رفضوه ثمّ اجتنبوا قول الزور فافتضاحهم في كذبهم هذا و تبيّن الامر في هذا انّما هو في الدنيا و اما في الاخرة فالامر اعظم و اعظم فاذاقهم اللّه الخزي في الحيوة الدنيا و لعذاب الاخرة اكبر لو كانوا يعلمون فارسلنا عليهم ريحاً صرصراً في ايّام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحيوة الدنيا و لعذاب الاخرة اخزي و هم لاينصرون.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 245 *»

 (اليوم الواحدوالعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

كان كلامنا في كيفيّة دخول البيت فقلنا انّ هذا البيت لايدخله كافر و انّما يدخل البيت المُسْلِم المُسَلِّم المؤمن و قد قلنا انّ المسلم هو الذي لاينكر شيئاً من ضروريات الدين لكن الان استولي الجهل علي الناس بحيث نحن قمنا نبيّن للناس ضروريات دينهم بانّها اي شي‏ء هي في هذه المدّة الماضية المتطاولة من زمان النبي9 و هي سنة 1257 ولكن لمّا امتزج الحق مع الباطل و النور مع الظلمة و العلم مع الجهل ثمّ غلب الباطل علي الحق ال الامر الي ما تري و العلّة في ذلك اهمال الناس و عدم اقبالهم الي الحق في جميع ما يريد اللّه صانعهم منهم من التكاليف و الاداب و السنن و معرفة الاصل الاصيل الذي به تقبل الطاعات و به يحصل علوّ الدرجات و الوصول الي اسني المراتب و الكمالات و العلّة في ذلك غلبة الشياطين و الابالسة و هؤلاء الشياطين الان همّهم اخراج هؤلاء الفرقة الناجية عن الولاية دون غيرهم من الفرق الباطلة كالمخالفين و اليهود و النصاري و المجوس و الزنادقة و سائر طوائف الضلال المضلّين اذ الشياطين فرغوا عن اولئك الفرق فلمّا كان همّ الشياطين فيكم وجب لكم ان تتجنّبوا من هؤلاء و لتحفظوا قلوبكم لتكونوا علي الولاية مستبصرين و علي الحق ناجين و علي النور مغمورين و علي الخير مشمولين. فلمّا كان الامر كذلك فلابدّ من ذكر عدد الشياطين و الابالسة حتّي تقوموا بالامر ناهضين كمال النهوض غير كسل و لا فشل و ان كنتُ بيّنتُ عددهم مكرّراً ولكنّي اذكره مرّة اخري لعلّه يتذكّر او يخشي.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 246 *»

فنقول ورد ان مولاتنا زينب3 في وقعة كربلا بعد قتل اخيها7 و نهب اموالهم و ماوقع عليهم قالت لعلي بن‏الحسين7 بعد تلك الحالة العظيمة التي حصلت له7 بحيث كاد ان تخرج روحه7 قالت له يا خليفة الماضين و يا ثمال الباقين مالي اراك تجود بنفسك مع انّي قد رَوَتْني امّ‏ايمن عن النبي9 انّ شهادة اخي7 فيها نجاة الخلق اجمعين. ثمّ قالت زينب هذه الرواية نقلتها لابي علي بن الي‏طالب7 في الليلة التي ارتحل من الدنيا فقلت له يااب هذه الرواية صحيحة ؟ قال نعم يازينب ثمّ زاد ابي علي الرواية شيئاً و هو قصّة غدير خم و نزول اية اليوم اكملت لكم دينكم و اية اليوم يئس الذين كفروا من دينكم الي اخرها. قال فلمّا سمع ابليس هذه القصّة و هذا الاكمال و اليأس صعد علي مرتفع فصاح صيحة عالية سمع صيحته جميع الابالسة و الشياطين فحضروا لديه فقالوا له انت رئيسنا ما الواقعة الحادثة و ماالخبر؟ قال ابليس انّ محمّداً فعل فعلاً اليوم ان تمّ له الامر فسد امرنا بالمرّة و بطل فكرنا و ما اردنا لانّ نور الولاية يدفع الظلمات لمن تمسّك به. المتمسّك به لايعصي الاّ قليلاً قالت الابالسة و الشياطين فماالحيلة حينئذ ؟ قال كبيرهم ابليس انّ الحيلة كلّها هي ان تجعلوا همّكم القاء الشكوك و الشبهات في قلوب الشيعة في علي7 لان القلب رئيس البدن اذا صحّ صحّ جميع الاعمال و اذا بطل بطل.

فهؤلاء الشياطين عددهم قد ورد عن الصادق7 انّ الانس عشر الجن يعني نوعه من نوعه لان نوع الانس في رتبة الاحاد و نوع الجن في رتبة العشرات علي مااعرف و الجن و الانس عشر الحيوانات البرّية و الانس و الجن و الحيوانات البريّة عشر الحيوانات البحريّة و المجموع عشر الطيور ثمّ المجموع عشر النباتات ثمّ المجموع عشر الجمادات ثمّ المجموع بالنسبة الي ملائكة السماء الاولي عشرها ثمّ المجموع عشر الملائكة الذين في السماء الثانية و هكذا الي الكرسي ثمّ المجموع بالنسبة الي سرادق من سرادقات العرش عشرها و للعرش سبعون الف سرادق هذا بيان

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 247 *»

لنوع الموجودات من الملائكة والاّ فلايعلم جنود ربّك الاّ هو و المراد بجنود الرب هيهنا هي الملائكة خاصّة بقرينة الاية السابقة فهؤلاء الشياطين همّهم في اغواء هؤلاء القليلين من الشيعة قال لاغوينّهم اجمعين الاّ عبادك منهم المخلصين اي المتمسّكين لولاية علي7 فاحذروا من الشيطان فانّه يخرجكم عن الولاية و هو لعنه اللّه يجري في ابن ادم مجري الدم في العروق فسدّوا مجاريه بالجوع والعطش لانّ الشيطان يأتي من كلّ جهة من الجهات المعنويّة و الفكريّة و الوهميّة و الخياليّة و القوّة العلميّة و استيلاء الشيطان ليس فيه خفاء لانّك تري ان اسباب الطاعات و اسباب العلوم من الانبياء و الاوصياء و العلماء و الوعاظ مع هؤلاء المنبهين تري الناس يعصون و لايبالون بالمعاصي و السيّئات و اما من طرف الشيطان ليس الاّ ايحاء قلبي منه و العلّة في ذلك هي انّ الدولة دولة النفس الامّارة و سلطان الباطل و المراد بسدّ المجري من الجريان و التصرف بالجوع و العطش هو انّ العالم عالم الاسباب قال7 ابي اللّه ان يجري الاشياء الاّ باسبابها  و هو تعالي لايباشر الخلق بنفسه بل انّما هو بالاسباب.

فلمّا علمت ذلك عرفت معني انّ الشيطان مغلول في شهر رمضان و انّه لايدخل المساجد و انّه لايدخل في المكان الذي هناك عالم من علماء ال‏محمّد: و انت تري انّ في شهر رمضان ظهور المعصية اكثر من غير شهر رمضان و تري ان ارتكاب القبايح و السيّئات فيه اشهر و كذا في المساجد و عند العالم و العلّة هو الذي قلنا من انّ اِغلال الشيطان انّما هو بالاسباب يعني بالجوع فلاتغفلوا عنه في انٍ لاسيّما في الجهات المعنويّة و معني السدّ الباطني هو عدم الالتفات الي غيراللّه سبحانه و عدم الالتفات الي الميولات النفسانيّة و الشهوات الباطلة و التوجه الي جهات الانيّة ثمّ اعلم ان غلبة الشيطان هو تصرّفه في الشخص كتصرّف اهل الفرنج في تصرّفهم بولاية الفرنج لانّه قد نقل انّهم تصرّفوا منها بقدر جلد ثور اوّلاً ثمّ بالتدبير تمكّنوا منها شيئاً فشيئاً كذلك الشيطان لانّه ان حصل له تصرّف‏مّا فقد تصرّف في جميع الباطن و الظاهر قال7 فلاترتابوا فتشكّوا و لا تشكّوا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 248 *»

 فتكفروا لانّ اوّل تصرّف الشيطان في الانسان في معرفة الرحمن بالريبة ثمّ بالشك ثمّ يوقعه في الكفر فلانجاة له اذاً ابداً الاّ من رحمه‏اللّه. ورد انّ الشيطان له امرأة اسمها طرطبّة انّها باضَتْ ثلثين بيضة فجعلت كل عشرة منها في جهة من الجهات الاربعة من المشرق و المغرب و الشمال ثمّ من كل عشرة ظهرت ابالسة ماشاءاللّه فسدّوا مجاري هؤلاء الشياطين و الابالسة بالجوع و العطش و ذلك معناه عدم الالتفات الي غير ال‏محمّد:. ورد انّ الجوع غذاء الروح و الحد الجامع للغذاء نسيان البطن في اوّل الامر ثمّ شيئاً فشيئاً تقلّله حتّي لاتأكل في عشرة ايّام الاّ مرّة نقل انّ محيي الدين لم‏يأكل شيئاً مدّة تسعة اشهر.

و بالجملة اعظكم بالتوجّه و الاقبال الي اللّه تعالي و الثبات في الولاية و معرفة الامام و الاقرار بماجاء فيهم و منهم و التسليم له فانّ العالم كلّه في صدد افسادكم دينكم و دنياكم ايّهاالصادقون.

فان قلت نحن لاندرك جهات مدخل الشيطان كي نجتنب عنها بعرفان الحيلة عن جهات مكائده قلت من عمل بما علم و كان مراده الاجتهاد عن الحق و الوصول اليه وجَب علي اللّه ان يهديه سبيله و يحفظه عمّا يضره من اقبل الي شبراً اقبلت اليه ذراعاً و بالجملة عليكم بتقليل الاكل مطلقاً فانّ التقليل يوجب تضعيف القوّة الحيوانيّة و تعديم القوّة البهيميّة كي‏تظهر القوّة الالهيّة.

و امّا الرياضات فهو نوعان : نوع لاهل الباطل فرياضتهم علي وجه هم يعتقدون بارائهم حقيّته لا غير فيلطفون بها ابدانهم بكثرة الرياضات حتّي يشابهون بكثرة مجاهداتهم الباطلة مع الابالسة و الشياطين فتظهر منهم خوارق العادات فيخبرون عن القلوب و بعض المغيبات و يمشون علي وجه الماء كما يمشون علي وجه الارض لكنّهم اذا حضر عندهم واحد من المؤمنين العارفين بطل مشيهم علي الماء و فسد امرهم و هؤلاء طوائف و لكلّ طائفة منهم مراتب. طائفة لهم استيناس و انس و تشابه مع شياطينهم الذين في الطبقة الاولي من الارض و هكذا الي تمام السبعة من طبقاتها و الطبقات مختلفة في اللطافة و الكثافة لانّ من شابه مع سكنة طبقة السابعة كان مكره و خدعه اكثر و الطف ممن له مشابهة مع سكنة طبقة السادسة

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 249 *»

من الشياطين و هكذا و نوع من الرياضة لاهل الحق يظهر منهم من الخوارق و العادات كما يظهر من اولئك حرفاً بحرف.

و الميزان في عرفان النوعين و تمييزهما هو الامام7 لانّه هو الميزان الراجح يؤيّدك و يسدّدك و يتصرف فيك في جميع الحالات لانّك الان قاعد بين يديه و ان كان هو غائب عنك ولكنّك انت لست بغائب منه7 فيتصرّف فيك حيثما يريد كيفما يشاء انّا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولاذلك لاصطلمتكم اللأواء و احاطت بكم الاعداء و لايستغرب من هذا احد منكم لانّ الجنّ و الشيطان و الملائكة يتصرّفون في الاشياء و لا احد يريهم فلولا حفظه7 و نظره و تصرّفه لاضمحلّ هذا الدين بالمرّة. الا تري انّه لايكتب في ردّ الشيعة كتاب الاّ و يكتب علي ردّه عشرة اِنْ هذا الاّ بتسديده7 و نظره و تصرّفه.

والحاصل كان كلامنا في كثرة الابالسة و الشياطين ثمّ شياطين الانس و غلبة النفس الامّارة فنقول انّ اشدّ الاوقات و اصعبها علي الناس الان مثاله تقريباً كالليل الدامس شديد الظلمة و انت علي قلّة جبل في شتاء باردٍ ابرد مايكون و ليس عندك نار بها تدفع البرد و لا لك لباس تعالج به عن القرس فانظر كيف حالك في ذلك الوقت. الان انت اشدّ صعوبةً من ذلك بمراتب لاتحصي اللّهمّ انّا نشكو اليك فقد نبيّنا و غيبة امامنا و شدّة الفتن بنا و قلّة عددنا و كثرة عدوّنا و تظاهر الزمان علينا فاذا كان الزمان و الدهر في افسادنا و جميع الخلق همّهم في اعدامنا وجب علينا النهوض بالجد و الاجتهاد و التوجّه الي ربّ العباد والعلّة في ذلك هي انّ الان في العالم ظهور غلبة ميولات النفس الامّارة لانّ الدولة حينئذ دولة الباطل و انّ العالم الكبير الان زمانه زمان بعد بلوغه الي تمام ثلثين سنة اذ العالم الكبير كالانسان في اطواره و احواله فمن زمان ادم الي اوان ظهور نبيّنا9 زمان طفوليته و لذا كان اهل العالم قليلي الادراك ضعيفي العمل و كان زمان نبيّنا9اوّل البلوغ للعالم الكبير فبظهوره9 ظهر العقل في العالم فصار الناس ارباب الشعور و الادراك ثمّ من زمانه9 الي زمان القائم7 بين خمسة عشر سنة الي ثلثين سنة و هذه المدّة فيها شدّة سلطان النفس الامّارة

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 250 *»

بالسوء و وقت ظهور اثار الانيّة و المهيّة و ظهور اثار شهوات نفوس البهيميّة لا يميل الاّ الي المعصية و لايطلب الاّ الفساد كما انّ زمان كمال العالم الكبير و هو زمان بلوغه الي اربعين سنة لايقتضي في ذلك الزمان الاّ الخيرات و لايريد الاّ الطاعات و التوجّهات و الافعال الموجبة للجنّة بانواعها. فلمّا كانت البرودة شديدة و الجهل غالب و الاعداء كثيرون و الناصر معدوم و سلطان الجور نافذ الامر و الحق مخفي و الامام غائب وجَب دفع هذه البرودات و التوجه الي خالق البريّات بالائمّة السادات فيجب الان تحصيل ثياب دافئ و مكان مانع عن البرد او حرارة نارٍ كي‏يتمكّن السالك الي اللّه من دفع الموانع عن الاقبال اليه تعالي و المراد باللباس لباس التقوي و المراد بالمكان المحفوظ عن البرد و الشدايد دارالعزلة و الاعتزال و المراد بالنار نار حرارة التوجّه الي الامام الذي اينما تولّوا فثمّ وجه‏اللّه لانّه هو الذي يُبطل هذه البرودات و يعدم هذه الكدورات فعليه اجعلوا همّكم في معرفته و اعزموا امركم في تحصيلها و وصولها و العمل بها في الثبات عليها فانّ معرفته7 نور لايطفأ و خير لايبلي. و اما الحفظ عن هذه المعاصي و السيّئات فامره سهل بالنسبة الي معرفة الامام7 و امّا معرفته7فهو امر عظيم فلمّا كان كذلك وجب حفظ القلوب من الشكوك و الشبهات.

فنقول انّ الشيطان اوّل مايريد التصرّف في القلب فيأتي جهة معرفة الامام7 يلقي في نفسه انّ هذه الخطب الواردة كخطبة البيان و خطبة الافتخار و الطتنجية و غيرها ليست الاّ الالفاظ و انّها لاشك في انّها ظنّية الصدور و الدلالة ثمّ يقول له كيف يتعقّل حضوره7 عند احتضار المحتضرين في انٍ واحد في هذه الاماكن المتعددة التي لا حصر لها حتّي يأوّل قوله7 ياحار همدان من‏يمت يرني بانّه يراه في‏القيمة او اثار الولاية لا نفس الولي7 مع انّ القيمة يوم الجمع يري كلّ احد احاد الناس اجمعين فلافخر اذاً له7 والحاصل ينكر شيئاً فشيئاً من فضائله الي ان يئول الامر في انكاره كلّ ما ليس مطابقاً بفهمه الضعيف و عقله القاصر ينكره حتّي يقول ماكان الامام7 الاّ كاحدنا نحن اذ قال7 نحن

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 251 *»

بشر مثلكم فعند ذلك يخرج من ضرورة الدين و يخلّد في النار ابدالابدين. فلمّا رأيت الناس في هذه الشدة العظيمة و لم‏يكن احد غيري يسدّ طرق الشيطان و يقعد في الثغور ليسدّ مجاريه تصدّيت اَنَا في اعلاء كلمة الحق و ابطال كلمة الباطل حتّي انّي حصرت امري بذكر الفضائل و الكمالات في فضل سادة البريات مع‏ذلك كيف يفعل بانٍ واحد مع الف مخرّب لانّه قيل اذا كان الباني الفاً و المخرّب واحداً ليغلب المخرّب علي الالف فكيف اذا كان الامر بالعكس كزماننا الان ولكنّي اقول و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه مااقول الاّ ماسأقول عند الميزان فاقول ياالهي قد بيّنتُ و شرحتُ و اوضحتُ و فصّلتُ و اكملتُ ليحيي من حي عن بيّنة و ليهلك من هلك عن بيّنة والحمد للّه الان قد زادت معرفة الناس و تقوّت مشاعرهم الاّ انّ النفس الامّارة بالسوء قويّة قوّة لا حدّ لها.

فاقول في دفع هذه البرودات و دحض هذه الاباطيل و رفع هذه الاضاليل كلمة واحدة و هي انّ العالم مخلوق للمعرفة و دائر بها لانّها هي العلّة الغائيّة في الايجاد كنت كنزاً مخفيّاً فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف و العلّة في ذلك هي انّ العبادات لافخر لها الا تري انّ الحمير و الاباعر و البغال يشتغلون و لايزيدون شيئاً ابداً و لا كمال و ان كان لها فخر و هو انّه اذا كان مقروناً بالمعرفة والاّ فلايكون العبادة الاّ شبكة للشيطان كما ورد انّ ابن عباس قال لعلي7 في حرب من الحروب انّي اري عسكرالمخالف انّهم بين راكع و ساجد و بين قائم و قاعد لهم دوي كدوي النحل و سمعت انّ فلاناً يقرأ القرءان امّن هو قانت اناء الليل ساجداً و قائماً يحذر الاخرة و يرجو رحمة ربّه و كانوا في عبادتهم واقفين قائمين من اوّل الليل الي اخره و كذلك في النهار بطوله فلمّا صار وقعة النهروان ضرب علي7 برمحه علي رأسه فقال يابن عباس امّن هو قانت اناء الليل ساجداً و قائماً يعني انّ هذا هو الذي كان متهجّداً في تلك الليلة و الان خارج علي الامام7. و بالجملة لولاالمعرفة لكان نقض غرض الحكيم تعالي لانّه خلق الخلق لاجلها لاغير كما ان بعضاً من المعاصي يلزم منه نقض غرض الحكيم كقتل

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 252 *»

النفس و شرب الخمر لانّه خلقه للعبادة و المعرفة تقتله ناقضاً غرض اللّه و اما الخمر فحيث انّها تحجب العقل عن ادراكه و عن التمكن من المعرفة و العمل و العبادة لما لاتكون الاّ بالادراك فكان شرب الخمر نقضاً لغرض الحكيم سبحانه.

و لاجل هذا ذكر علماؤنا انّ الصلوة واجبة بعد معرفة اللّه تعالي و انّ الواجبات تدور علي قسمين احدهما الاصول من العقائد و ثانيهما الفروع من العبادات و التكاليف الشرعيّة الفرعيّة و لاريب انّ الفرع لايكون فرعاً الاّ بالاصل كفرع الشجرة من اصلها فلولا الاصل تكون الشجرة شجرة خبيثة اجتثّت من فوق الارض مالها من قرار. فان قلت انّ مجرّد اجمال انّ له ربّ و انّ محمّداً رسول اللّه9 كافٍ في صحّة العمل قلت نعم كافٍ اذا لم‏يزل بتشكيك مشكّك و لايكون هو مثل ذلك العالم الكبير المعروف في هذه البلدة المكرّمة المشرّفة و لا اُحبّ الان اَنْ اُسَمّيه باسمه لانّه لمّا سأله سائل فقال له انّ اللّه قبل كلّ شي‏ء و بعد كلّ شي‏ء و ورد انّ الجنّة و النار ليس لهما غاية و لانهاية كيف يكون اللّه بعد كلّ شي‏ء حينئذ قال ذلك العالم في الجواب. انّه ما من عامّ الاّ و قد خصّ يعني انّ اللّه قبل كلّ شي‏ء و بعد كلّ شي‏ء الاّ الجنّة و النار و لايكون مثل ماقال عالم اخر لمّا سئل عن انّ الحسين7 لمّا سأل الناس حينما وصل الي كربلا فقال ما هذه الارض و باي اسم يسمّونها هل كان مايعلم الحسين7 حين السؤال عنه قال العالم في الجواب انّه7 لم‏يكن عالماً به والاّ لم‏يسأل احداً قلنا يامسكين اَلَيس اللّه يقول لموسي ماتلك بيمينك ياموسي قال هي عصاي اتوكّؤ عليها الاية و اليس سأل سبحانه عيسي فقال له ءانت قلت للناس اتّخذوني و امّي الهين من دون اللّه قال ان كنت قلته فقد علمته فالجواب الجواب. هؤلاء القوم خرج نور المعرفة عن قلوبهم بالمرّة لانّهم انكروا الغرض و ادبروا عن الغاية المطلوبة للّه سبحانه في ايجاد الموجودات فمن انكر الغرض الذي هو معرفة اللّه فقد انكر ضرورياً من ضروريات الدين بل انكر اصل الدين بل و اصل الضروريات بل انكر الضروريات كلّها.

و المراد بالمعرفة التي هي الغاية هو معرفة الامام7 اذ الاشياء سرّها و لبّها و اصلها هو معرفة الامام7.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 253 *»

قال7 كما في الكافي ذروة الامر و سنامه و باب الاشياء و رضي الرحمن الطاعة للامام7 و لاشكّ في انّ طاعة الامام7لايتمكّن احد منها الاّ بعد عرفانه7 و معرفة الامام هو الاصل و هو تمام المعارف و كلّ الخيرات المطلوبة. سئل الصادق7 عن افضل الاذكار قال انّ افضلها هو الصلوات علي محمّد و ال‏محمّد والعلّة في ذلك هي انّك لو صلّيت علي محمّد لقد اتيت بجميع الاذكار من التسبيح و التحميد و التمجيد و التقديس كذلك هيهنا في معرفة الامام7 لانّ جوامع المعرفة و كمال العلوم و تمام الخيرات والرسوم و نورالحقايق و سرّها هي معرفة الامام7 و هي الحكمة التي من اتاها فقد اوتي خيراً كثيراً و قد فسّرت الحكمة بمعرفة الامام ذكره علي بن ابرهيم في تفسيره و في‏الكافي ايضاً و لاشكّ في انّ الكبير اذا كبّر شيئاً يكون الكبر الموصوف علي حسب كبر الواصف فلمّا كان هو سبحانه اكبر من كلّ شي‏ء و كان كلّ شي‏ء عظيم عنده حقير و كلّ جليل لديه ذليل و هو تعالي مع‏ذلك اذا كان يعظّم شيئاً ثمّ يصفه بالكثرة والعظمة يعطي هذا الوصف بانّ الشي‏ء المكثّر المعظَّم اعظم مايكون و اكثر مايحدّ و هذا مما لاخفاء فيه فلمّا كان الامام7 اصل كلّ شي‏ء و كانت معرفته اصل المعارف بل كلّ المعارف صار الاقرار به7 هو الاقرار بالرسالة والربوبيّة لانّ معرفة الامام7 يستلزم معرفة النبي الذي هو عبد من عباداللّه فمن عرف الامام7 عرف الاصول والفروع كلّها من غير شكّ. فلمّا عرفت انّ الاصل كلّه هو معرفة الامام7 عرفت انّ من عرفه لايتصرّف الشيطان في قلبه لانّ كيد الشيطان كان ضعيفاً ولكن اللّه قال في نفس الامّارة بالسوء انّ كيدكنّ عظيم.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 255 *»

 (اليوم الثاني‏والعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

كان البيان في كيفيّة دخول البيت فذكرنا انّ من شرايط تحقّق الدخول الاسلام والايمان لانّ الكافر لايدخله ابداً و ذكرنا انّ الاسلام ثابت بالاقرار بضروريات الاسلام كما انّ الكفر حاصل بانكارها و قلنا انّ همّ الشيطان اخراج المؤمنين من الايمان انّما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير و الايمان اصله اطمينان القلب و هو لايكون الاّ بذكراللّه الا بذكراللّه تطمئنّ القلوب فحصول الايمان والاطمينان موقوف بذكراللّه و ذكراللّه موقوف بمعرفة اللّه والاّ ـ اي و ان لم‏يعرف اللّه العارف و هو يدّعي انّه يذكراللّه ـ فاعلم انّه ليس بذكر و انّما هو نسيان.

ثمّ قلنا انّ العلّة الغائيّة في ايجاد الكائنات المعرفة لاغير لقوله تعالي و ماخلقت الجنّ والانس الاّ ليعبدون و لقوله تعالي كما في القدسي كنت كنزاً مخفيّاً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فخلق الخلق للمعرفة معرفة نفسه و ارتكاب الناس بالمعاصي و اقترافهم فيها لاينافي ماقلنا من الغاية في الايجاد لانّ المعاصي علي حسب اعمال الناس لا علي حسب فعل الباري عزّ شأنه فلمّا كانت الغاية المعرفة وجب علي الناس ان‏يصرفوا همّهم في تحصيل‏المعرفة و تحصيلها من‏الضروريات لانّ العبادة لاتصحّ الاّ بالمعرفة.

لكن هيهنا كلام و دفع ايراد و هو انّ اللّه سبحانه جعل المناط في الاسلام و الايمان في دولة الباطل من يوم بعثة نبيّنا9الي ظهور الامام7 علي الاقارير اللسانيّة الظاهريّة اللفظيّة فمن اقرّ بالشهادتين و اعترف بهما كان مسلماً يجري عليه احكام الاسلام من الطهارة و صحّة معاملاته و كونه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 256 *»

محقون الدم و طهارة سؤره و جواز التزويج له من المسلمين و ان كان في قلبه كافراً هذا هو الذي معتبر من الحكم في الاسلام ظاهراً دون القلب و ذلك ممتدّ الي زمان الحجة7 فان ذلك اليوم لم‏تكن الاحكام جارية علي مقتضي اللسان وحده و لاريب في انّ من في الدنيا كلّما اقرّ بالتوحيد والنبوّة و ضروريات الاسلام يكون مسلماً طاهراً يعامل معه معاملة المسلمين و ان كان اسلامه لجلب المنافع الدنيويّة و امّا في الاخرة فلانجاة لهذا لانّه مخلّد في نار جهنّم ابدالابدين و دهرالداهرين لانّه غرّ نفسه ثم نافق معها فيكون عذابه اشدّ من غيره من فرق المخلّدين انّ المنافقين في الدرك الاسفل من النار و المخالفون لاشكّ انّهم في الحقيقة كفّار نجس خبيث.

فاذا علمت انت انّ الاقارير اللفظيّة والاسلام الظاهري لم‏يكن مراده تعالي و انّما مراده تعالي الاقرار بالقلب و الايمان بالسرّ لا باللسان وحده و علمت انّ اللّه سبحانه خلق الخلق للجنّة لا للنار فوجب تحصيل ماينفع في الاخرة من الاعتقادات الصحيحة والمعارف الحقّة الثابتة القارّة بالدليل و البرهان لا مجرّد القول لانّ القول انّما هو حكم الدنيا قال7 انّ قوماً امنوا بالسنتهم ليحقنوا به دماءهم فادركوا ماامّلوا لانّ الكفر والايمان مناطه الان باللسان كما اليه يشير قوله ولقد قالوا كلمة الكفر و قوله و كفروا بماقالوا فهذه الاقارير الظاهريّة اللسانيّة لاينتفع الرجل منها بشي‏ء في الاخرة ابداً و انّما الاقرار النافع بالمضامين الاربعة و هي الاقرار بلااله الاّاللّه و محمّد رسول‏اللّه والاقرار بعلي اميرالمؤمنين والاحد عشر من اولاده الطاهرين و فاطمة الصدّيقة و الاقرار باُوالي مَن والوا و اعادي من عادوا و اُجانب مَن جانبوا كما تقول في استيذان باب حرم الحسين7 والموالي لوليّكم والمعادي لعدوّكم قال مولينا الكاظم7 انّ للتوحيد اركان اربعة لااله الاّ اللّه محمّد رسول‏اللّه علي ولي‏الله والشيعة فمن انكر ركناً من الاركان الاربعة ليس له حظّ في الاخرة بوجه من الوجوه لانّ هذه الاربعة هو بيت النجاة و هو بيت المعمور بالعلم و المعرفة مبني علي اركان اربعة لو انهدم واحد منها انهدم البيت و عدم اصلاً من اساسه.

و لايخفي انّ الاقرار بالركن

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 257 *»

الرابع هو بعينه كالاقرار بالركن الاوّل الذي هو لااله الاّ اللّه و هو كالركن الثاني والثالث و كذلك لايكون لااله الاّ اللّه و لاينفع الاّ بالركن الرابع بل كلّ واحد منها لافائدة فيه الاّ بالثلثة الاخر ابواب اربعة لايصلح اوّلها الاّ باخرها و لايصلح اخرها الاّ باوّلها ضل اصحاب الثلثة و تاهوا تيهاً بعيداً و ضلّوا ضلالاً مبيناً.

فان قلت انّ من المعروف والمذهب و بياناتكم هو انّ التوجّه الي غيراللّه كفر و ضلالة فكيف التوفيق بينه و بين قولك الاقرار بالركن الرابع قلت نعم التوجّه الي غيره سبحانه حرام باطل الاّ من امره و بامره كما امركم في ائمّتكم: من اراداللّه بدء بكم و من وحّده قبل منكم و من قصده توجّه بكم فانّ معرفتهم: هي معرفة اللّه والتوجّه اليهم من حيث انّهم باب اللّه و انّهم الواسطة بيننا و بين اللّه و اللّه تعالي امرنا بطاعتهم والاخذ عنهم و الاقبال اليهم فهذا عين الاطاعة والاقبال الي اللّه تعالي و كذلك في اُوالي من والوا و اجانب من جانبوا لانّه تعالي امرنا بالموالاة لوليّهم:والتحرّز والبغض من معاديهم فاذا كان توجّهنا و التفاتنا بغيره من جهة امره و ارادته لاينافي التوجّه اليه تعالي بل هو عين التوجّه الي اللّه سبحانه.

فان قلت كلّ من انكر شيئاً ممّا جاء به النبي9 كفر فيكون المخالفون كفّاراً قلت ان كان كفره و جحده من حيث عناده مع اللّه تعالي او يحلّل ماحرّمه الله و يحرّم ما حلّله‏اللّه فهو كفر والاّ فلا و ان كان للميل النفساني والشهوة البهيميّة فلايكفر بتركه و انكاره في العمل و انّما عصي ربّه كما هو شأن العصاة مع‏هذا قائل بماتركه من الاعمال علماً جازماً بانّ ذلك الشي‏ء من اللّه و انّه حق ثابت اتي به رسول‏اللّه صلّي‏اللّه عليه واله.

هيهنا تفصيل و هو انّ بعضاً من الاشياء ان انكره منكر و جحده كفر ولو بشهوة نفسه كما اذا انكر الربوبيّة اي الشهادة بالربّ جلّ و علا او انكر الرسالة اي الشهادة به والاقرار له او انكر الامام7 او شيعته لانّ انكارها جمعاً او فرداً كفر في الحقيقة و امّا في الظاهر كما قلنا من الاقرار بالشهادتين اذ المقرّ لهما مسلم طاهر و انّ بعضاً من الاشياء لايلزم من انكاره كفر كالافاعيل من الطاعات والاوامر والنواهي لانّ من انكر شيئاً من العمل مع الاقرار بانّه حق ثابت من اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 258 *»

او انكره رأساً من دون عناد مع اللّه فليس بكافر و انّما هو عاص والحاصل انّ المقصود من الايجاد المعرفة لاغير والمعرفة انّما تكون للّه تعالي لانّه هو المقصود وحده في جميع الاحوال.

ولكن لمّا كان اللّه حكيماً و جعل العالم عالم الاسباب و خلق الخلق لغاية هي المعرفة و تحصيل‏المعرفة لمّا كان عسراً بل ممتنعاً من دون وجود واسطة و كذلك الاحكام الفرعيّة الشرعيّة وجب في الحكمة ان‏يجعل لنا واسطة تبليغ الاحكام و ايصال مرادات اللّه والاّ اي و ان‏لم‏يجعل واسطة بينه و بين عباده و قد كلّفهم بالتكاليف ثمّ انّ العباد لم‏يكن لهم التلقي والوصول من دون واسطة لزم الاهمال و الاهمال محال علي الربّ المتعال. فوجب وجود النبي المكرّم المعظّم صلّي‏اللّه عليه واله وسلّم فلمّا لم‏يكن وجود النبي9 دائميّاً في الدنيا لانّه ممكن و لمصالح اُخر لم‏يكن هنا محلّ ذكرها ثمّ انّه ارتحل من هذه الدار الي اُخري وجب ان‏يكون له9 حافظٌ يحفظ شريعته فيماكان هو حاملاً له و قائم مقامه في جميع ماله9 بالنسبة الي الخلق الاّ مااستثني فوجب وجود الامام7 و لمّا كان الامام7 اشرف الخلق بعد رسول‏اللّه9 و اكملهم يجب ان‏يكون له7 شعاع و نور والشعاع هو علي طبق منيره قال7 انّما سمّي الشيعة شيعة لانّهم خلقوا من فاضل شعاعنا.

بناءً علي ما زبرنا نقول انّ وجود الاركان الاربعة و الاقرار و الايمان لها واجب حتم و ان كان المقصود من المعرفة هو معرفة الواجب تعالي الاّ انّ الثلثة الاُخر وجوبها من باب وجوب مقدّمة الواجب لانّها عبارة عمّا لايتمّ الواجب الاّ بها و لاريب انّ معرفته سبحانه لاتحصل الاّ بمعرفة هذه المقدّمات الثلثة فلمّا كان الامام7 كالشمس و الشيعة كنورها بل هو7 شمس و هم نورها لايجوز لك ان تقول ان الشمس ليس لها نور لانّ الاقرار بالشمس لايتمّ الاّ اذا كان لها نور والاّ فليس الاقرار صحيحاً فيكون الاقرار الصحيح هو الاقرار بها مع النور والاّ اي و ان كان منكراً لنورها فقد انكر الشمس بالمرّة و هو حينئذ مثل الذي يقول انّ اللّه ليس بحكيم بل و انّه ليس

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 259 *»

بقادر كامل فيلزم من انكاره هذه انكار الربّ تعالي و هو تعالي اجلّ و اعلي من ان‏يكون عاجزاً و ناقصاً يخلق اماماً ناقصاً تعالي ربّي عن ذلك علوّاً كبيراً فلمّا كان الاقرار بالامام7 مستلزماً استلزاماً شرعيّاً ثابتاً بالدليل و البرهان والمذهب لايتمّ الاّ بالاقرار بنوره و شيعته كما انّ الاقرار بالربوبيّة من غير الاقرار بالرسالة كان باطلاً فاسداً كذلك وجب الاقرار بالشيعة كما وجب علي الشيعة ان‏لاينكر احداً ممّن اقرّ بالشهادتين و بعلي و اولاده: لانّ انكار الشيعة من حيث انّهم شيعة علي7 كفر و نحن قد اسلفنا سابقاً انّ انكار كلّ حق ثابت في الدين عناداً كفر و كذلك انكار ضروري من ضروريات الاسلام. و الشيعة لاشكّ انّه حقّ ثمّ انّه من نور امامه و شعاعه7 ضروري كما سيجي‏ء بيانه بُعَيد هذا فترقّب.

فان قلت ماتقول في الظلمة والظلّ ثمّ الكفر هل هي من الشمس ام لا قلت الظلّ انّما هو بالشمس لا منها قال7 والشرّ ليس اليك والخير في يديك و بالجملة من انكر الشيعة فقد انكر الامام7 و من انكر الامام7 فقد انكرالرسول9 و من انكر الرسول فقد انكر اللّه و من انكره تعالي كفر فمن انكر الشيعة كفر و من كفر تخلّد في نار سقر ابدالابد و دهر السرمد.

لايقال انّك اقررت سابقاً و بيّنت انّ اللوازم لايؤخذ بها ثمّ احكمت هذا احكاماً و اراك الان انّك تستدلّ في كفر منكري النور باستلزام لزوم كفر الواجب تعالي لانّا نقول ان هذا الحكم هنا حقيقة ليس من باب الاستلزام و انّما هو من باب التعبير والاّ فهو ثابت بالبرهان القطعي من العقل و النقل و الضرورة كما سنذكره ان‏شاءاللّه تعالي و بالجملة المقرّ بالنبي مقرّ بالامام7 ان عمل بقوله تعالي حيث قال ما اتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا و لاشك في انّ الامامة امر ثابت من اللّه بوساطة رسول اللّه صلّي‏اللّه عليه واله للمنصف فلمّا اقرّ بالامام7 يجب له ان يحبّ محبّه7و يبغض عدوّه قال7 الموالي لوليّكم والمعادي لعدوّكم فالاقرار بالشيعة لاجل الامام7 بمعني انّه كماله و نوره من المنجيات والاّ اي و ان كان منكراً

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 260 *»

لنوره7 كان في نار جهنّم خالداً و ذلك بضرورة المسلمين لانّا نعلم علماً قطعيّاً ضروريّاً بانّ كلّ من اقرّ بمحمّد9 و اسلم به ثمّ سلّم له حقيقة اقرّ بان يحبّ محبيه9 ثمّ يبغض معاديه9 و كون ذلك ضروريّاً لا كلام فيه و لا ريب يعتريه الاّانّه ثابت في الجملة.

فلمّا كان حبّ محبّي رسول‏اللّه9 ضروريّاً و بغض اعدائه كذلك نقول انّ الامام7 ثمّ شيعته7 من محبّيه بخلاف الجاحدين لانّهم خارجون عن كونهم داخلين في زمرة المحبّين فهم مخلّدون في نار جهنّم و ان كانوا مساوين معنا في دار الدنيا في الاحكام الظاهرة لطفاً من اللّه بنا و رحمة علينا والاّ لزم العسر و الحرج و الضيق في الدين ثمّ في المعاشرات و المعاملات فلولا هذا الاجتماع في الدين ظاهراً في جملة من الاحكام لاَُخِذ برقابنا لانّا قوم ضعفاء فنحن بلطف اللّه معهم في الحكم الدنياوي سواء فلذا نحكم بطهارة الجاحدين المخالفين الاّ انّه كطهارة ماء الاستنجاء و انت خبير بان الماء القليل ينجس بمجرّد الملاقات ولكنّ الشارع المقدّس لاجل رفع العسر والحرج جعلنا في الحكم سواء كيف و نحن لابدّ لنا من المعاشرة مع اولئك فرفع الحكم من اللّه سبحانه تسهيلٌ لنا و حفظ لرقابنا ثمّ صون لدمائنا و عيالنا و اموالنا ضرورة انّ الدولة الان دولة الباطل التي كانت سلطنتهم قائمة شايعة في الاطراف كلّها و هؤلاء الفرقة القليلة ليس لهم قوّة في مقابلة هذه السلطنة القاهرة الظالمة بل و كيف لايجتمعون اذاً علي حكم واحد و هم معدوم قليل في قبال اهل العالم كلّه قال تعالي و قليل من عبادي الشكور فهم مع‏ذلك مستضعفون الذين لايجدون لانفسهم حيلة و لايهتدون سبيلاً و لاريب انّا نخاف من السيف كيف لا و انّ امامنا مع تلك السلطنة الالهيّة خرج خائفاً يترقّب حتي استغاب في جزيرة الخضراء و وراء جبل قاف و امّا نحن فليس لنا الاّ الصبر حتّي يفرّج اللّه عنّا الا انّ نصراللّه قريب.

و بالجملة نحن في ظاهر الحكم سواء مع المخالفين الضالّين و امّا في الاخرة فهم في الاخرة والواقع في العدوة الدنيا و نحن في العدوة القُصوي و ذلك لاجل انّ ايمانهم صوري ادعائي غيرثابت كما اخبر به تعالي في كلامه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 261 *»

المجيد قالت الاعراب امنّا قل لم‏تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا و لمّا يدخل الايمان في قلوبكم الاية فلمّا لم‏يكونوا مؤمنين كانوا كفّاراً مخلّدين ابدالابدين كما في الكافي عن ابي‏حمزة الثمالي قال سمعت اباجعفر7 يقول انّ عليّاً7 باب فتحه اللّه فمن دخله كان مؤمناً و من خرج منه كان كافراً  و عن ابي‏عبداللّه7 في قول اللّه عزّ و جلّ بلي من كسب سيّئة و احاطت به خطيئته قال اذا جحد الولاية اي ولاية اميرالمؤمنين7 فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون و عن ابي‏الحسن 7 و من يعص اللّه و رسوله في ولاية علي7 فانّ له نار جهنّم خالدين فيها و في الصحيح عن ابي‏الحسن الرضا7 في قول اللّه عزّ و جلّ و من اضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدي من اللّه قال7 يعني من اتّخذ دينه رأيه بغير امام من ائمّة الهدي و في الصحيح عن الحسين بن نعيم قال سألت اباعبداللّه7 عن قول اللّه عزّ و جلّ فمنكم كافر و منكم مؤمن قال7 عرف اللّه ايمانهم بولايتنا و كفرهم بتركها يوم اخذ عليهم الميثاق و في الصحيح عن الصادق7 اما واللّه ماهلك من كان قبلكم و ما هلك من هلك حتّي يقوم قائمنا7 الاّ في ترك ولايتنا و جحود حقّنا.

و في روضة الكافي عن الثمالي عن الصادق7 ما من احد يدين بدين ابرهيم الاّ نحن و شيعتنا و سائرالناس من ذلك براء و في حديث اخر كما في الكشي قال7 نحن و شيعتنا علي الفطرة التي بعث‏اللّه منها محمّداً9 و سائر الناس منها براء و في كشف الغمّة قال7 لاتشكّوا في علي7 فانّ الشكّ في علي كفر يخرج من الايمان و يوجب الخلود في النار و في الروضة انّ الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول اللّه في ايّامه و في كمال‏الدين عنه9 من انكر منهم: فقد انكر نبوّتي المقرّ بهم مؤمن و المنكر لهم كافر من انكرهم فقد انكرني الامام عَلَم مابين اللّه عزّ و جلّ و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً و من انكره كان كافراً و من انكر واحداً منهم فقد انكرني و من انكرني فقد انكراللّه و في الامالي قال9 انّ الشكّ في علي كفر باللّه و في الامالي ايضاً قال9 الكفر بعلي كفرٌ باللّه والشرك به شرك

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 262 *»

 باللّه والشكّ فيه شك في اللّه تعالي و الالحاد فيه الحاد في الله تعالي و الانكار له انكار للّه تعالي والايمان به ايمان باللّه تعالي و الحاصل انّ الاخبار في هذاالباب اكثر من ان‏تحصي اشرت الي نوع ماورد عنهم في هذا المطلب و انّه كاف لمن سبق له العناية من اللّه تعالي.

و امّا محبّة المحبّين و مبغضة الاعداء و المخالفين فلاريب انّه من اركان الايمان كما هو في الادعية مأثور و لاشكّ في انّ انكار المؤمن الشيعي و بغضه لايمانه كفر كما انّ محبّة الكافر و الاقرار به كذلك كما في الامالي للصدوق رحمه‏اللّه‏ من احبّ كافراً فقد ابغض اللّه و من ابغض كافراً فقد احبّ اللّه ثمّ قال7 صديق عدوّ اللّه عدوّ اللّه و في مصالت القواصب لابن‏شهراشوب عن الصادق7 من احبّ كافراً فهو كافر و عنه 7 من جالس لنا عائباً او مدح لنا قالياً او واصل لنا قاطعاً او والي لنا عدوّاً فقد كفر باللّه الذي انزل السبع المثاني و القرءان العظيم و في معاني الاخبار عن الصادق7 قال ليس الناصب من نصب لنا اهل‏البيت لانّك لاتجد رجلاً يقول انا ابغض محمّداًوال‏محمّد: ولكنّ الناصب من نصب لكم و هو يعلم انّكم تتولّونا و تتبرءون من اعدائنا و في باب نوادرالعلل عن ابن‏سنان عنه7 مثله و في الروضة عن عبداللّه بن المغيرة قال قلت لابي‏الحسن انّ لي جارين احدهما ناصب والاخر زيدي و لابدّ من معاشرتهما فمن اعاشر فقال هما سيّان من كذّب باية من كتاب اللّه فقد نبذ الاسلام وراء ظهره و هو المكذّب بجميع القرءان والانبياء والمرسلين قال ثم قال7 انّ هذا نصب لك و هذا الزيدي نصب لنا و بالجملة انّ الحيلة والمخلص من هؤلاء الابالسة والشياطين هي المعرفة بما ذكرنا من الاركان الاربعة.

ثمّ اعلم انّ لهذا الكلام الذي تصدّينا بذكره سبب و منشأ نعني به الاركان الاربعة المذكورة في كونها اربعة و ذلك لماذا ثمّ لماذا ترتيبها علي هذا الوجه فالعلّة فيها انّما هي الاختبار والامتحان الم احسب الناس ان‏يتركوا ان‏يقولوا امنّا و هم لايفتنون ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ اللّه الذين صدقوا وليعلمنّ

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 263 *»

 الكاذبين ولاريب انّه تعالي لايحتاج الي خلقه و لايريد تعالي ان‏يباهي بكثرتهم في اسلامهم الصوري و اقرارهم الظاهري و انّما يريد منهم الثبات و الاطمينان واليقين فلمّا لم‏يكن ايمانهم ثابت جازم قال لهم الست بربّكم اقرّت طائفة و انكرت اخري فقال لهم قولوا لااله الاّ اللّه فقالوا لااله الاّ اللّه.

فهؤلاء المقرّون لمّا كان فيهم من كان اقراره علي ظاهر لسانه دون قلبه و انّه تعالي اراد ان‏يبيّن لهم بانّ ايمانهم انّما كان لاغراض دنيويّة و ميولات نفسانيّة و ليخرج اضغانهم حتّي اذا ادخلهم في نار الجحيم لايحتجّون علي اللّه سبحانه بانّا كنّا قائلين بمقالة اهل الجنّة و عاملين باعمالهم فهنالك يفحمون عليه تعالي حتّي لايكون للّه جواب اعتراضهم مع انّ حجّة اللّه بالغة و براهينه لامعة فلاجل ذلك عرض عليهم ثانياً اختياراً بالاقرار علي نبوّة الانبياء والرسل فقال لهم قولوا انّ الانبياء رسل اللّه فهنالك اقرّ بعض الموحّدين و انكر اخرون كالبراهمة و من حذا حذوهم لانّهم قالوا في الجواب انّ الذي ارسل الينا لايخلو من ان يأتي بشي‏ء تدركه عقولنا ام لا فان كانت مدركة له فلانحتاج حينئذ الي الرسول والاّ اي و ان‏لم‏يدرك عقولنا مااتي به الرسول كان تكليفاً بمالايطاق فيلزم علي التقديرين عبث في البعثة.

فلمّا كان في المقرّين بالانبياء منهم من كان اقراره صوريّاً و منهم من كان اقراره قلباً اختبرهم اللّه بنسخ الشرايع واحدة بعد واحدة و نصبها ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حي عن بيّنة فبذلك النسخ والنصب اقرّت طائفة و انكرت اخرون فقالوا انّ شريعتنا لم‏تنسخ و اولئك المقرّون حيث كان فيهم من هو ثابت في النسخ و الاقرار به و منهم لم‏يكن ثابتاً اختبرهم بمحمّد9 فاقرّ بعض و انكر اخرون و هكذا اختبرهم بعد النبي9 بخليفته ثمّ بعد الخليفة بشيعته كما سيأتي مشروحاً.

فلمّا علم سبحانه باحاطته و قيّوميّته بواطنهم التي كمنت فيها ضغاينهم استنطق اللّه سبحانه طبايعهم بعرض التكليف كرّةً بعد اخري و نوبة بعد اولي فلولا الاستنطاق والاستخراج و تبيين الامر لكان لهم علي اللّه حجّة فلو قال تعالي في الاخرة انّي انّما اخلدتكم في دار سخطي بعلمي اذ انّكم كفّار في بواطنكم كانوا يردّون علي اللّه بان ياربّنا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 264 *»

لم‏يكن من عادتك ان تعامل عبادك بعلمك والاّ لم‏يحتج الي ارسال الرسل ولكن لمّا كان اللّه حكيماً اختبرهم بالاقرارات الاربعة حتّي يميز الخبيث من الطيّب و يركم بعضه علي بعض ثمّ يجعله في جهنّم و ذلك ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حي عن بيّنة قال تعالي و ماكان اللّه ليذر المؤمنين علي ما انتم عليه حتّي يميز الخبيث من الطيّب الاية.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 265 *»

 (اليوم الثالث‏والعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

قد كنّا نعدّ الضروريّات فعددنا كثيراً منها و منها التي ثبتت بين المسلمين هو الاعتقاد بانّ للنبي9 حالتان احدهما الحالة الملكوتية التي منها برزت اثار الربوبيّة و خوارق العادات و سائر التصرّفات و ثانيهما الحالة البشريّة الظاهرة نحن بشر ملثلكم فهو9 في هذه الحالة مبلّغ الاحكام الشرعيّة و الاوامر و النواهي الالهيّة هاتان الحالتان اتّفقت بهما المسلمون اجمع و امّا الفرقة الاثني‏عشريّة فهم اثبتوا الحالتين لعلي7 حيث انّه7 نفس النبي لاية انفسنا ثمّ من حيث انّ الولد جزء الوالد اثبتوهما لكلّ واحد من الائمّة واحداً بعد واحد الاّ مااخرجه الدليل من النبوّة والخواصّ التي هي للنبي وحده ولكنّ الناس جهّال لايعلمون من العلم شيئاً ولهذا يخبطون خبط عشواء لانّهم لايفرّقون بين الحالتين و لايميّزون بين المقامين و لايجعلون كلّ شي‏ء في محلّه الا تري انّ المبيّن اختلّ عليه الامر و السامع كذلك فلهذا اضطرب المبيّنون و السامعون المتعلّمون الا فمن كسر احداً فعليه جبره فان لم‏يجبره فعليه ما علي المكسور من العقوبات والمثلات في الدنيا والاخرة فلمّا كان الجهل غالباً علي الناس في خبط الموضوعات و لايجعلون كلّ شي‏ء في محلّه اردتُ توضيح ذلك لئلا يضلّ احد عن الطريق فقلتُ انّ مقام ظاهريّتهم: الذي هو مقام قطبيّتهم قال ظاهري امامة فهم: في هذا المقام مبلّغون الاحكام الشرعيّة الفرعيّة و انّ مقام ملكوتيهم الغيبي الربوبي و باطني غيب منيع لايدرك فهم فيه واسطة عامّة فلهم الولاية المطلقة السارية في جميع

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 266 *»

الذرات من البسائط والمركّبات فلهم النفوذ في ذلك المقام في الكائنات كلّها و هذا التصرّف و الاحاطة لهذا المقام خاصّ دون مقام البشريّة الظاهرة.

فان قلت انّ الحسين7 ورد انّه خلّص الرجل في الصين من السبُع و هو في كربلا يوم عاشورا هذا من مقامه الملكوتي قلت لا ياشيخ ليس هذا من ذاك و انّما هو من الحالة البشريّة لانّ اعتقادنا و اعتقاد اهل‏الحق في حق امامهم في رتبتهم البشريّة هو انّه7 ببشريّته افضل من جميع الاكوان و اكمل من جميع الخلق من العلويّات و السفليّات من البسائط والمركّبات و ماسكن في الارضين و السموات ثمّ الجنّ و الانس و النبات و الجماد ثمّ الملأ الاعلي و ما هم في وراء جبل قاف و جزيرة الخضراء.

اجمل لك الامر فاقول انّ الامام7 افضل و اكمل من جميع ماسوي اللّه سبحانه فرداً فرداً بل مجموعاً من حيث المجموع في جميع صفاتهم و كمالاتهم من علومهم و اقدارهم و سخاوتهم و شجاعتهم و تصرّفاتهم في الاشياء هذا المدّعي مستغن عن البرهان ضرورة انّه من البديهيّات الاوّليّة لمن كان له ادني شعور و ادراك في الدين لانّه7 مطاع فلولا كذلك لايخلو من كونه7 اخسّ من رعيّته او مساوياً معهم فلوكان اخسّ و انزل من الرعيّة يلزم تقدّم المفضول علي الفاضل و يلزم ترجيح المرجوح علي الراجح و هو قبيح عند كافّة العقلاء و ان كان مساوياً معهم يلزم ترجيح احد المتساويين و ذلك ينافي حكمة الحكيم تعالي فلايكون هناك ترجيح المرجوح علي الراجح و لاتخصيص بلامخصّص فلوكان المفروض احد الامرين لزم خروجه تعالي عن حكمته و قدرته و اخراجه تعالي عن الحكمة اثبات العجز و الجهل له تعالي ، تعالي ربّنا عزّ و جلّ علوّاً كبيراً فلما انقضي القسمان الباطلان ثبت القسم الثالث الذي هو الحق و هو انّه لابدّ و ان‏يكون الامام7 اكمل الرعيّة و افضلهم في كمالاتهم و شرافاتهم كلّها كيف لايكون كذلك و هو حجة علي ماسوي‏الله اجمع و انّ ماسوي‏اللّه شاعر مكلّف و انّ الخلق كلّهم يستمدّون في امداداتهم منه7 فالكائنات في علومهم و اقدارهم و مالهم و منهم و فيهم و عنهم و عليهم و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 267 *»

لديهم و عندهم اليه راجعون و عنه7 يأخذون لانّه محلّ فيض اللّه و ارادته و قدسه ثمّ كيف لم‏يكن هو7 ببشريّته افضلهم و انّه مبعوث علي الخلق و نذير لهم قال تعالي تبارك الذي نزّل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً فلايكون نذيراً لهم الاّ اذا كان اكمل منهم ثمّ افضل لانّه تعالي عالم خبير ثمّ بصير بالامور و حكيم فهو اعلم حيث يجعل رسالته.

فان قلت انّ ماقلت ممّا لايتصوّر لانّ للامام الشهيد ابي‏عبداللّه الحسين7 مثلاً ان كان قوة اكثر من جميع رعيّته و مع‏ذلك لم‏يجاهد معهم و لم‏يقاتلهم يلزم التقصير في حقه7 والتقصير من الامور المخرجة عن العصمة والعدالة مع انّ في كربلا ماكان من رعيّته7 الاّ قليلاً بالنسبة الي جميع خلق العالم بل لاشي‏ء فعلي هذا انت اردت ان تمدحه 7ذممته اذ لزوم التقصير للامام7 اقبح كلّ شي‏ء ثمّ بعد ان كان اعلم الخلق فيكون عالماً بكلّ شي‏ء فحينئذ هل كان عالماً بقتله ام لا فان كان يعلم انّ هؤلاء المنافقين يقتلونه و مع‏ذلك جاء هو7 و القي بنفسه الشريف الي التهلكة فعليه يلزم انّه7 كان مخالفاً لكتاب اللّه عزّ و جلّ حيث قال تعالي ولاتلقوا بايديكم الي‏التهلكة و بالجملة يظهرمنه انّه7اِمّا لم‏يكن اقوي و اقدر و اشجع من رعيّته كلّهم او قصّر في الجهاد و خالف الكتاب او لم‏يكن عالماً بماوقع من القتل والنهب وا لسبي و كلّ ذلك كما تري.

قلنا ولاحول ولاقوّة الاّ باللّه امّا انّه لوكان7 اقوي من الرعيّة ثمّ لم‏يفعل لزم التقصير فجوابه انّ الامام7 لايفعل شيئاً الاّ بامر من اللّه عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فعليه كان مأموراً بالجهاد بل امراً الي الجهاد فلايكون المأمور من اللّه علي الجهاد ايقاع النفس بالتهلكة قال7 و سلّمتم له القضاء فهم: بامراللّه مسلّمون ثمّ بقضائه راضون فاذا كان الجهاد بامر من اللّه لم‏يكن منافياً هذا مع كونه7 اقوي الخلق و اقدرهم و ثانياً انّ السرّ في هذا هو انّه7 كان بصيراً ناظراً و عليماً مهيمناً مطّلعاً علي ما في الاصلاب الخبيثة من النطف الطيبة الطاهرة الي سبعين بطن او سبعين الف بطن او كرور فيدعهم حتّي يخرج من صلبهم تلك النطف الطاهرة هذا نوع مما

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 268 *»

لم‏يقتلهم و قد كان فيهم نوع اخر و هو7يعلم انّ زمراً منهم قد قدّراللّه لهم ان‏يقتلهم مختار الثقفي ثمّ يعلم 7 انّ فيهم قوماً يموتون بالصيحة قد قدّر اللّه لهم تقديراً و كان يعلم ايضاً انّ فيهم من يموت بحتف انفه بعد ما ان‏اخرج اللّه النطف الطيبة من اصلابهم و كان يعلم7 انّ فيهم من يقتلهم الصاحب عجّل اللّه فرجه كلّ ذلك بعد خروج النطف من اصلابهم فلمّا كان هو7 عالماً محيطاً بالاصلاب نظر7 الي اصلابهم الخالية من النطف الفارغة من المؤمنين فقتل الفارغين الاصلاب فقط دون من سواهم بتعليم من اللّه و امداده كماكان ذلك مكتوباً في صحيفته7 فلمّا لم‏يكن7 مأموراً بقتلهم لماقلنا قعَد عن الحرب فلم‏يقاتلهم فلما لم‏يقاتلهم و لم‏يتعرّض لهم قتلوه7 ظلماً و زوراً. ثمّ انّ هذه المقاتلة كلّها لاختبار الخلق و امتحانهم علي ماوقع العهد و الميثاق في عالم الذر.

و امّا كونه7 لم‏يكن عالماً بماوقع والاّ لزم القاء النفس الي التهلكة فجوابه انّه7 كان عالماً اسرّوا قولكم او اجهروا به انّه عليم بذات الصدور اذ هو7 خزنة علم اللّه و عيبة علمه ثمّ اقول اوليس يعلم الكتاب اي القرءان فاذا كان عالماً بالقرءان و كان القرءان فيه تفصيل كلّ شي‏ء و فيه تبيان كلّ شي‏ء ثمّ فيه ما في اللوح المحفوظ و لارطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين و كلّ شي‏ء احصيناه كتاباً و لاريب في انّ كلّ شي‏ء مبيّن في الكتاب المبين و انّ كلّ حكم مذكور فيه فيكون الامام العالم بالقرءان عالماً بكلّ‏شي‏ء فان‏قلت انه7 لايعلم القرءان كفرت كفرالجاهليّة الاولي بل انكرت العقل والنقل فلمّا كان عالماً بالقرءان كان عالماً بكلّ شي‏ء ممّا كان و مايكون و ماهوكائن فلمّا كان عالماً بالقرءان الذي فيه علم كلّ شي‏ء كان عالماً بوقعة كربلا ثمّ بانّه7 يقتل بامر من اللّه تعالي قال7 شاءاللّه ان‏يراني قتيلاً فلامنافاة بين قتله7 و بين ان‏يعلم كلّ شي‏ء لانّ ممّا كان يعلمه7 هو قتله فيها فلذا كان7 يخبر عن قتله كثيراً مع انّ وقعة كربلا كانت عهداً مأخوذاً في عالم الذرّ ثمّ الانبياء: كانوا عالمين بها الا سمعت انّ سفينة نوح7 لمّا بلغت في المحاذاة مع هذه الارض صارت مشرفة الي الغرق فسأَل اللّه عن ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 269 *»

اوحي‏اللّه اليه انْ يانوح انّك الان علي محاذات ارض يقتل فيها حسين بن بنت نبي اخرالزمان محمّد بن عبداللّه9 فلمّا سمع نوح ذلك بكي و تضرّع بالبكاء والعويل فدعا علي قاتليه7 و كذلك ابراهيم و موسي و عيسي و سائر الانبياء.

بناء علي هذا كيف لايعلم امره بل يعلم جميع احوال جميع الموجودات في العوالم كلّها بل في المقامات و الانات اَلا يعلم من سبق و هو المنير البصير فليس في ذلك استغراب و لا استنكاف لان الاصل يقتضي ان‏يكون كاملاً و لاشكّ انّ الاصل يقتضي مضافاً الي ماذكر ان‏يكون كماله7 علي اكمل مايكون و لاريب انّ العلم من الكمالات بل اشرفها و اعلاها فلمّا كان كذلك وجب ان‏يكون عالماً بجميع الموجودات حين وجودها لما قلنا انّ مقتضي مطلق الكمال ذلك لايقال انّ هذا الكمال الذي قيل في حق الامام7 من العلم و القدرة هذه كمالات ثابتة للّه تعالي فلايجوز لاحد من المخلوقين ان‏يتّصف بها بوجه من الوجوه لانّا نقول هذه ليست بصفات اللّه تعالي لانّه تعالي لايدرك بوجه من الوجوه و لاتدرك صفاته نعم لاتدركه الابصار فان قلت انّ هذه هي صفاته الذاتيّة و امّا اذا قلت انّها صفاته الفعليّة فهو7 صفة اللّه تعالي و اسمه و هو محلّ ارادته و مشيّته بل نقول انّ الامام7 لايوصف و لايعرف كما عن الرضا7 في الكافي و غيره حيث قال في وصف الامام7 حديثاً طويلاً فيه مناقب عظيمة و اوصاف جمّة اخذنا منه موضع الحاجة لضيق الوقت.

الي ان قال7 الامام واحد دهره لايدانيه احد و لايجادله عالم و لايوجد منه بدل و لا له مثل و لا له نظير مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له و لا اكتساب بل اختصاص من المتفضّل الوهّاب فمن ذاالذي يبلغ معرفة الامام او يمكنه اختياره هيهات هيهات ضلّت العقول و تاهت الحلوم و حارت الالباب و خسئت العيون و تصاغرت العظماء و تحيّرت الحكماء و تقاصرت الحلماء و حصرت الخطباء و جهلت الالبّاء و كلّت الشعراء و عجزت الادباء و عييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه او فضيلة من فضائله و اقرّت له بالعجز و التقصير و كيف يوصف او ينعت بكنهه او يفهم شي‏ء من امره او يوجد من يقوم مقامه و يغني غناه لا و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 270 *»

كيف و انّي و هو بحيث النجم من يد المتناولين و وصف الواصفين فاين الاختيار من هذا و اين العقول من هذا و اين يوجد مثل هذا يظنّون انّ هذا يوجد في غير ال‏الرسول محمّد9 كذّبتهم واللّه انفسهم و منّتهم الباطل فارتقوا مرتقاً صعباً دحضاً تزل عنه الي الحضيض اقدامهم راموا اقامة الامامة بعقول حائرة بائرة ناقصة و اراء مضلّة فلم‏يزدادوا منه الاّ بُعداً قاتلهم اللّه انّي يؤفكون لقد راموا صعباً و قالوا افكاً و ضلّوا ضلالاً بعيداً و وقعوا في الحيرة اذ تركوا الامام عن بصيرة و زيّن لهم الشيطان اعمالهم فصدّهم عن السبيل و كانوا مستبصرين الحديث.

و بالجملة انّ الامام7 خلقه اللّه عظيماً جليلاً فلِماذا تختاره بعقلك الناقص انّ الامام7 له كذا و كذا من الصفات و لِماذا ترضي بذلك و انت جعلت نفسك ذليلة خاضعة منقادة له7 او ليس انّ الامام7 اذا كان اكمل اولي. «اگر رنجي كشي رنج نگاري».

فان قلت تسليم الامامة من امام الي اخر دليل علي نقص الامام المسلّم له لانّه كان و لم‏يكن له هذا الكمال قلت ليس كما ذهبت لانّ المراد بالتسليم الاذن بالتصرّف في التصرّف في ما كان الامام المسلّم متصرّفاً فيه من الذرّات الوجوديّة والاذن دليل علي وجود هذا الكمال له الاّ انّه كان صامتاً اُمر بالتكلّم و النطق يعني التصرّف و بالجملة انّ الامام7 هو العالم بالَعالم بماكان و مايكون و ماهو كائن كلّيها و جزئيها عاليها و دانيها غيبيها و شهوديها.

فان قلت انّه ورد انّ الحسين7 كان يسأل الناس عن ارض مقدّسة كربلا و عن غيرها و غيره7 عن غيرها قلت اوّلاً سؤاله كسؤاله تعالي حيث قال ماتلك بيمينك ياموسي و كسؤاله تعالي عن عيسي بن مريم 7 ءانت قلت للناس اتّخذوني و امّي الهين و ثانياً نقول لاشكّ و لاريب انّ القرءان هو الاصل الثابت للاستشهاد و العمل فعلي هذا كلّ ماخالف القرءان باطل، فلما نظرنا الي القرءان رأينا اللّه تعالي قال و لارطب و لايابس الاّ في كتاب مبين و كلّ شي‏ء احصيناه كتاباً و كلّ شي‏ء احصيناه في امام مبين و  فيه تبيان كلّ شي‏ء  و فيه تفصيل كلّ شي‏ء ولاشكّ انّه7 عالم بالقرءان كلّه والقرءان فيه جمع ماهو موجود مخلوق في

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 271 *»

العالم في خزائنه في غيبه و شهوده. نقول انّه7 عالم بالقرءان والقرءان فيه علم كلّ شي‏ء فهو7 عالم بكلّ شي‏ء.

والعلّة في انّه عالم بكلّ شي‏ء هي انّه علّة كلّ شي‏ء يعني انّ كلّ شي‏ء من فاضل نوره خلقه‏اللّه تعالي من شعاعه7 و لاشك انّ المنير يعلم نوره و يحيط به و لاشكّ انّ جميع امدادات النور و الاثر من المنير لاغير و ثانياً لاشكّ في انّه7مبعوث علي الخلق كافّة و حجّة علي ماسوي‏اللّه كلّهم اجمعين اعراضهم و جواهرهم تبارك الذي نزّل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً علي التفصيل الذي سبق. قال الباقر7 انّ جماعة من الناس يدّعون انّ طاعتنا اهل‏البيت لازمة كطاعة رسول‏اللّه و يكسرون حجّتهم و يخصمون انفسهم و يقولون انّا لانعلم كلّ شي‏ء كيف يجعل‏اللّه احداً حجّة علي الخلق و يحجب عنه علمهم و مايحتاجون اليه. بناء علي هذا الحديث الشريف و غيره من الاخبار انّ ائمّتنا: يعلمون كلّ شي‏ء ممّاكان و مايكون و ماسيكون.

و اعلم انّ ماسيكون علي قسمين قسم دخل في الكون و هو في الخزائن ولكنّه ليس بظاهر و قسم لم‏يدخل في الكون و انّما هو في الامكان فائمّتنا: لايعلمون القسم الثاني بخلاف القسم الاوّل لانّ ما في‏الامكان متوقّف بباب البداء ولكنّهم مرّة يعلمون بلاواسطة و مرّة مع الواسطة و بعبارة اخري انّ علمهم: علي قسمين قسم يعرفونه بواسطة الملك كما انّك في ادراك الاجسام تحتاج الي العين او السمع او غيرذلك من الخمسة الظاهرة مع انّ المدرك هو القلب لكنّه بواسطة الحواسّ و قسم يعرفونه بلاواسطة ملك كتعقّلاتك و خيالاتك.

فان قلت انّ الاكمل ان‏يكون علومهم: بلاواسطة احد لانّ الاحتياج نقصٌ بالنسبة الي ايجاد الواجب.

قلت انّ الاشياء تحتاج الي الواسطة لتسافلها و تدنّسها و خساستها و عجزها لا انّ في المدرك نقصٌ و عجزٌ و كون علمهم: بالواسطة كايجاد الواجب تعالي بالاسباب حرفاً بحرف فهم: يعلمون كلّ مادخل في الكون و برز الي الوجود و امّا مالم‏يدخل في الكون فيوجد ذلك اذا ارادوه : و ذلك انّما يوجد عند ارادتهم لو شئنا شاءاللّه ، لايريداللّه الاّ مانريد ، ماتشاءون الاّ ان يشاءاللّه.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 272 *»

فان قلت انّ علمهم: ارادي لاحضوري و تريد هذا المعني الذي قلنا قل، فانّك اصبت. ثم نقول انّ الامام7 لم‏يكن يريد ان‏يكون جاهلاً اذ العلم كمال فهو7 لازال يريده و الجهل نقص فلم‏يرده ابداً.

والحاصل كان الكلام في انّ الامام7 له مقامان اي عالَمان عالم ملكوتي و عالم بشري فقلنا انّ له7 في الملكوتي الذي هو محل للظهورات الكليّة والارادات الالهيّة و الافاعيل الربّانيّة في ذلك المقام احاطة و هيمنة و تصرّف في العالم كلّه و انّ جميع العالم في قبضة تصرّفهم فهم: واسطة للفيوضات والامدادات كلّها و قد يعبّر عن هذا المقام باللاهوتي الغيبي و عالم بشري قلنا انّه7 في هذا المقام واسطة للاحكام الشرعيّة و مبلّغها لاغير لانّه7 لايتصرّف في هذا المقام فاذا علمت انّ له7 مقامين فهمتَ معني قوله7 امّا تفويض الاحكام و الشرائع الينا فنعم و امّا التفويض في الخلق والرزق فلا هذا انّما كان بعد ماسأله7 سائل عن معني التفويض لانّ نفيه7 راجع الي البشري لا الي الملكوتي لانّه7 هناك اي في الملكوت و قصبة الياقوت المعبّر عنه باللاهوت له التصرّف والتفويض المنفي بامر بين الامرين فهو 7 في هذا المقام للخلق والرزق اسباب كالملائكة الاّ انّه السبب الاعظم فهم: في هذاالمقام يتصرّفون في كلّ شي‏ء فبهم ملأت سماءك و ارضك لانّه قال انّه لافرق بينك و بينها هذا اشارة الي الرتبة الملكوتيّة الاّ انّهم عبادك و خلقك اشارة الي الرتبة البشريّة فهو7 في الملكوت جلال جمال‏اللّه و كمال قدرة اللّه ثمّ علم‏اللّه و حلم‏اللّه و نوراللّه و عين‏اللّه و صفة اللّه و اسم‏اللّه ودليل‏اللّه و اية اللّه و سلطان‏اللّه و محلّ ارادته و امره و نهيه فهو7 في هذا المقام جميع مضامين ما في دعاء سحر شهر رمضان فهو7 بهاءاللّه و عظمة اللّه و كلمة اللّه و قدرته‏المستطيلة و مشيّته‏النافذة و ملكه‏القديم و عزّته و سلطانه و رحمته و علمه‏النافذ و جبروته الدعاء. ثمّ اعلم انّ نسبة الملكوتي الي البشري نسبة الروح الي الجسد و لاريب في كون ظهور اثار الروح في الجسد فباللسان يظهر اثرالكلام ان اراد الكلام و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 273 *»

بالعين الرؤية ان ارادها و بالسمع السماع و هكذا.

و من الضروريّات انّ الامام7 يحضر عند كلّ ميّت و عند كلّ مولود و كذلك في مسائلة القبر سواء كان كافراً او مؤمناً منافقاً او مشركاً ظالماً ورد في حديث البساط انّ الحسن7 سأل اباه عليّاً7 عن شجرة يابسة كانت علي جبل قاف او وراءه من علّة يبسها قال علي7 يابني فاسألها تجبك فسألها7 عن علّة اليبس قالت الشجرة انّ اباك ياسيّدي كان يصلّي عندي كلّ يوم ركعتين والان مدّة ثلثة ايّام مضت لم‏يحضرني ابوك للصلوة فلهذا ذهبت نضارتي و عدمت خضارتي كما تري والمراد بالصلوة هو التوجّه بكلّه و اما كونها ركعتين فانّها اشارة الي التلقي و الايصال يتلقّي من الغيب ثمّ يوصله الي الشهادة و بالعكس هذا هو معني الركعتين فلمّا علمت حال الشجرة و نضارتها و يبسها و قد كانت ريّانة بحضوره7 لديها فاعلم انّ هذا الحكم ليس خاصّاً بالشجرة فقط و انّما هو عام لجميع الذرّات الوجوديّة من الكائنات الغيبيّة والشهوديّة لانّه 7 هو الماء الذي به حيوة العالم بلي و من الماء كلّ شي‏ء حي و هو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً فنضارة العالم به فلولاه لساخت الارض باهلها كالقلب للبدن الانساني و هذا المقام الملكوتي هو الذي من فاضله حقيقة الانبياء.

و لاتستغرب من حضوره7 عند كلّ شي‏ء لانّا قد برهنا انّ الامدادات الحادثة اناً فاناً بواسطته لانّه7 حامل الامدادات قال في الزيارة الحسينيّة 7 ارادة الربّ في مقادير اموره تهبط اليكم ثمّ يصدر من بيوتكم الصادر عمّا فصّل من احكام العباد فلولا كان حاضراً عند كلّ شي‏ء لايصال امداداته لفني ذلك الشي‏ء و انت تعلم ان الشي‏ء لايستغني من المدد ابداً كلاً نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربّك و ماكان عطاء ربّك محظوراً و عطاء اللّه هو الامام7 و هو رحمته تعالي افلاينظرون الي اثار رحمة اللّه كيف يحيي الارض بعد موتها قال تعالي انّا ارسلناك رحمةً للعالمين و المراد بهذه الارض ارض الامكان لا الارض المعروفة لانّه7 احيي ارض الامكان مطلقاً فلمّا كان هو7 له هذا المقام

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 274 *»

وجب ان‏يكون له القيّوميّة والاحاطة والعلم لانّه اوّل المجعولات و هو محلّ ارادة اللّه و اوّل المجعول سبق المجعولات في جميع كمالاتها. فاذا علمت ذلك فاعلم انّه 7 في هذا المقام حيّه و ميّته سواء قال7 انّ ميّتنا لم‏يمت و قتلانا لم‏يقتل بخلاف المقام البشري انّك ميّت و انّهم ميّتون و اما في الملكوتي و لاتقولوا لمن يقتل في سبيل‏اللّه اموات بل احياء عند ربّهم يرزقون.

بل نقول كلّ مؤمن شهيد مقتول في سبيل‏اللّه ولو مات بحتف انفه قال تعالي نصّاً علي ذلك الذين امنوا و عملوا الصالحات اولئك هم الصدّيقون والشهداء قال7 من مات في ولايتنا فقد مات شهيداًو في مختصرالبصائر للشيخ حسن‏بن سليمان الحلّي عن جابرعن ابي‏جعفر7 في قوله تعالي ولئن قتلتم في سبيل‏اللّه او متّم الاية فقال ياجابر اتدري ماسبيل‏اللّه قلت لاواللّه الاّ اذا سمعت منك فقال القتل في سبيل علي و ذرّيته فمن قتل في ولايته7 قتل في سبيل‏اللّه تعالي. فلمّا علمت ماقلنا اعتقد به و المراد بالاعتقاد هو الثابت الجازم الذي لايزول بتشكيك مشكّك قطّ.

و من ضروريّات الدين انّ الحسين7 شهيد مقتول و نسبة انّه7 لم‏يقتل الينا كذب و زور و افتراء محض لشهادة رسالتنا المسمّاة باسرارالشهادة و اختيار مجاورتي في هذه الارض الطيّبة لهذا السيّد الطاهر الشهيد فلولاذلك لكنت في صفحات العجم فان هناك احسن لعيشي بالنسبة الي الدنيا و بالنسبة الي جمعيّة الاسباب لتحصيل زادالاخرة فتحمّلي للزحمات كلّها في هذه الارض المقدّسة لادراك هذه‏السعادة التي هي المجاورة رزقني اللّه تعالي و جميع المؤمنين ثمّ ان امر الشهادة استحكم في عالم الذرّ ثمّ اخبر بهاالنبي9 و اميرالمؤمنين7 و نزلت فيها اية. و امّا قول بعض الجهّال انّه7 لم‏يقتل لقوله تعالي ماقتلوه و ماصلبوه ولكن شبّه لهم فباطل لانّ المراد بالتشبيه هو انّ مدفن عيسي معيّناً (كذا) فان قلت انّ الحسين7 وارث عيسي روح‏اللّه فلابدّ ان‏يكون لم‏يكن له قتل كما ماكان لعيسي قلت انّ الحسين7 وارث عيسي و وارث موسي و ابراهيم و نوح و وارث جميع الانبياء

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 275 *»

والاولياء بل و جميع الخلق و كنّا نحن الوارثين. انّا نحن نرث الارض و من عليها لانّه 7 محلّ فعله تعالي لانّه تعالي لم‏يكن وراثته في ذاته و انّما هي في فعله فاياب الخلق اليه7 في الرجوع كما انّ ظهورهم منه في الصدور بكم فتح اللّه و بكم يختم فان قلت انّ الامام7 يظهر عند كلّ شي‏ء من غير استثناء قلت اَجَل رغماً علي انافهم لانّه لا تمرض مريض الاّ بحضوره و لا برئ عنه احد الاّ بحضوره و لا سقطت ورقة الاّ بحضوره و لا نبت نبات الاّ بحضوره و لا صدر شي‏ء و لا وجد الاّ بحضوره لانّه باب المدد و عضد الخلق. ورد انّ رسول‏اللّه9 لما قال اللهمّ انصر الاسلام بعضد العُمَرين عُمَربن‏الخطاب و ابي‏جهل لانّ اسمه كان عمر نزلت الاية مااشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم و ماكنت متّخذ المضلّين عضداً مفهومه انّي اتّخذ الهادين عضداً والمراد بهذه السموات والارض سماء المقبولات و ارض القابليّات من غيرتخصيص فالذي يكون الاشياء بمرأي منه و مسمع هو الذي اشهده اللّه خلق السموات و خلق نفسه فلابدّ من حضوره عند كلّ شي‏ء لحدوثه به و لانّ المدد لايوصل الي الشي‏ء الاّ به 7 و الذات عن شئونها لاتغفل. هذه الرتبة و المقامات انّما حصلت له 7بالعبوديّة والخشوع و مااتاه اللّه تعالي لم‏يؤته احداً من العالمين قال 7 كما في الزيارة الجامعة الكبيرة اتاكم اللّه مالم يؤت احداً من العالمين فمن انكر مااعطاهم اللّه من الفضل والكمال و العلم و الجلال فقد انكر قدرة اللّه تعالي و اثبت عجزه تعالي عن الايجاد اي ايجاد ممكن كذلك و لايخفي انّ المنكر علينا لم‏يكن منكراً علينا و لا علي النبي و لا علي خليفته7 و انّما هو ينكر علي اللّه تعالي والانكار باللّه كفر و قد اخبر الحق سبحانه بذلك في كتابه حيث قال انّهم لايكذّبونك ولكن الظالمين بايات اللّه يجحدون.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 277 *»

 (اليوم الرابع‏والعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

مسألة عظيمة مهمّة اصغوها ثمّ احفظوها لتنفعكم بعد حين فنقول اعلم انّ‏العلوم و الاسرار و جميع الرسوم و الانوار كلّها عنداللّه تعالي فلمّا خلق ادم الثاني في القوس الصعودي علّمه تلك العلوم والانوار كلّها بواسطة ادم الاوّل و علّم ادم الاسماء كلّها والمراد بالاسماء جميع الذرات الكونيّة والموجودات الحادثة لانّ غيراللّه يعبّر عنه بالامكان و مرّة يعبّر عنه بالحدوث و مرّة بالعالم و مرّة يعبّر عنه بالاسماء. فامّا انّه اسماء لماقلنا قال7 الاسم ماانبأ عن المسمّي لانّه مشتق من الوسم بمعني العلامة فيكون المراد بتعليمه الاسماء تعليمه جميع الحقايق والذوات من الجواهر والاعراض والصفات من المجرّدات و المادّيات و غيرها و عدم تعيين الاسماء دليل علي انّ المراد بها اسم اللّه تعالي و الدليل علي انّ المراد بالاسماء هي الحقايق والذوات لا نفس الاسم المعروف عندالناس و ذلك بدليل قوله ثمّ عرضهم ضرورة انّ هم ضمير جمع‏العاقل مرجعه الاسماء باعتبار المسمّيات كما كنت افسّرها سابقاً و اما الان فانّه انّما يرجع الي الاسماء من دون تقدير و لا تأويل ثمّ هذه الاسماء هي الاسماء التي لم‏يتحملها الملائكة من دون واسطة ادم7 نعم انّما يعلمونها بتعليم ادم7 لاجميع الاسماء بل بعضها.

فلمّا علّمه‏اللّه تعالي هذه الاسماء و اعطاه هابيل امر تعالي ان يعلّمها ايّاه حيث كان قابلاً فعلّمه و جعله وصيّه و خليفته و خصّصه بمزايا من الالطاف و اظهار المرحمة والوداد فازداد حبّه يوماً فيوماً لابنه هابيل فلمّا رأي قابيل انّ هابيل محترم مكرّم عند ابيه ادم و انّه وصيّه و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 278 *»

خليفته حسَده و ابغضه فجاء عند ادم ابيه فقال له انا ابنك و هو ابنك فلِماذا كرّمته و فضّلته و خصّصته بمالم‏تخصّصني به قال بامر من اللّه تعالي قال بل انما كان هذا منك لا من اللّه تعالي لحسده و بخله قال له ادم7 اَنْ قرّبوا قرباناً فاتي قابيل حزمة من سنبلة حنطة ضعيفة خسيسة ثمّ اتي هاليل غنماً سميناً قد رعي في سواد و اكل في سواد و نام في سواد لانّه كان راعياً و كان قابيل زارعاً فقبل قربان هابيل و لم‏يتقبّل قربان قابيل فازداد حسد قابيل و غيظه علي هابيل الي ان قتله فلمّا قتله لم‏يقارب ادم7 لحواء3 مدّة خمسمأة عام حزناً علي هابيل الي ان اوحي‏اللّه اليه بالمقاربة فلمّا قاربها رزقه‏اللّه تعالي شيث هبة اللّه فلمّا كبر واستوي رشداً نظر اليه ادم7فاذا هو اهل للخلافة و تعليم العلوم و الاسرار و ايداع الرسوم و الانوار فعلّمها ايّاه و جعله وصيّه كما جعل هابيل من قبل. فلمّا علم منه قابيل ذلك جاء اليه فقال ياشيث انّك لو اظهرت ماعندك من العلوم و الاسرار ثمّ الاحكام و الانوار المودوعة عندك لاقتلنّك بسيفي الذي قتلت به اخاك هابيل فهااناذاك القاتل بالك بالك عن الابراز. فلمّا مات ادم7 و رزق اللّه تعالي لعبده شيث ابناً اسمه انُوش علّم شيث ماعنده من العلوم و الانوار فجعله وصيّاً له فلمّا ارتحل شيث و مات ثمّ مات قابيل جاءت اولاد قابيل الي اُنُوش بن شيث فقالوا له لاتظهر ياانوش علومك والاّ فنقتلك فخاف انوش و لم‏يظهر منها شيئاً فبذلك بقيت العلوم مخفيّة في الصدور و الضمائر يعلّم كلٌّ لوصيّه ثمّ الوصي الي من هو وصيّه و هكذا الي ان وصلت النوبة الي الوصي العاشر لادم7 و قد ورد انّ له7 اثني‏عشر وصياً بل لكلّ واحد من اولي‏الشرايع الستّ اثناعشر وصيّاً.

فالوصي العاشر لادم7 اسمه اُخنُوخ و هو ادريس النبي و هو هرمس الهرامسة انّما سمّي ادريس ادريساً لكثرة تدريسه و سمّي بهرمس الهرامسة لانّه كان حكيماً بالغاً فلمّا صار الزمان زمان خلافة ادريس النبي درّس الناس علوماً كثيراً من الحقايق و الاسرار ثمّ من الرياضي و غيرها فلمّا اشتهر امره و بلغ كماله الي اقطار الارض ثمّ اشتهر في المشارق و المغارب استولت الازارقة علي المؤمنين الي ان خفيت العلوم و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 279 *»

الاسرار بالمرّة الاّ انّها كانت مودوعة عند الاوصياء و الحملة غيرظاهرة ظهوراً عامّاً لجميع الخلق او اكثرهم الي زمان سليمان بن داود فلمّا كان سليمان سلطاناً مقتدراً عظيماً نافذ الحكم فاظهر سليمان7 ما اظهر من العلوم و الانوار من دون اكتراث من احد ثم بعد ذلك خفيت العلوم عند الاوصياء.

الي ان جاءت النوبة الي زمان اسكندر فيلقوس اسكندر الرومي هذا غير اسكندر ذي‏القرنين و كان وزيره ارسطاطاليس الحكيم فاراد اسكندر اظهار تلك العلوم و الاسرار من الصدور الي السطور ليكون نفعه عامّاً للناس اجمعين ثم امر المعلّم الاوّل ارسطو بكتب العلوم و الانوار علي الالواح و الدفاتر فلذا سمّي بالمعلّم الاوّل و قبل ذلك لم‏تكن العلوم مدوّنة مكتوبة لشدّة حرصهم علي الضبط والحفظ و لئلاّتقع الاسرار في ايدي الطغاة و الاشرار ثمّ السفهاء و الحمقاء فاوّل مَن دوّنها هو هذا ارسطاطاليس فلما كان اول التدوين كان التعبير صعباً علي المدوّن علي ماكان في الضمير علي كمال ماينبغي فعبّر هو مع‏ذلك في البدو بالسرياني ثمّ جاء مَن كان بعده فنقلوا الي العربي بالترجمة و لاشكّ في انّ النقل من لسان الي اخر يختلف فيه التعبير بحيث يختفي المقصود بل كثيراًمّا يوجد في اللغات ماليس له تعبير في الاخري فلاجل ذلك اختلّ المعني و فسد مااتي به الانبياء علي مااوحي اللّه اليهم كما ينبغي. الا تري في اللغة الفارسيّة «قسم بخور» اذا اردت اَن‏تعبّر عنه باللغة العربية كُلِ القسَم و هذا كما تري يعطي خلاف ماهو المقصود و مثله «شير» بالفارسي لانّه مشترك بين السبُع الاسد و بين الحليب بل انّه اذا لم‏يكن منقطاً كان سيراً في قبال «پياز» في الفارسي او في قبال «گرسنگي» في الفارسي و هكذا.

فلمّا كان الامر كذلك اضمحلّت العلوم و الاداب و اندرست الي ان صار العصر عصر عيسي7 فهو7 ابرز شطراً منها ولكنّه علّمها اوصياءه منهم شمعون الصفا فلمّا ضعفت اوصياء عيسي7 في ايّام الجاهليّة خفيت العلوم بالمرّة بحيث قالوا لم‏يكن لعيسي7 من خليفة و لا وصي فصارالزمان زمان الفترة فترة العلوم و الرسول و فترة الدين.

الي ان منّ اللّه علي العالمين بوجود خاتم النبيين9 فلمّا ظهر هو صلّي‏اللّه عليه واله و كان

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 280 *»

القوس قوس الصعود اظهر هو9 الشرايع و الفروع اوّلاً ثم جعل في طيّها تلك العلوم و الاسرار التي كانت عند الانبياء التي اضمحلّت و خفيت و انّما جعلها في طيّها حرصاً علي حفظها و لئلاّ يلزم فضح الحكمة فاستودع تلك العلوم و الاسرار ثمّ تلك الحقايق و الانوار في تعبيراته في الشرايع و الاحكام الظاهريّة فلهذا صار هو9 صاحب جوامع الكلم لايقال انّ شأن النبي الهاشمي انّما كان بيان الشرايع و الاحكام خاصّة دون الحقايق و الذوات و غيرها من العلوم حتّي اللغات لانّا نقول انّ شأن النبي الخاتم الفاتح الجامع تبليغ جميع العلوم و تعليم جميع الرسوم فلمّا علم اختلاف الناس بعده9 جعل تلك المطالب و الاسرار في طي بياناته و احكامه ليعلم كل اناس مشربهم قال9 رحم‏اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها و حفظها و بلّغها من لم‏يسمعها فربّ حامل فقه ليس بفقيه و ربّ حامل فقه الي من هو افقه منه.

ثمّ بعد زمانه9 و ارتحاله كانت العلوم مختفية الاّ انّ الامام الوصي7 اقتداءً برسول‏اللّه صلّي‏اللّه عليه واله جعل تلك العلوم و الانوار في طي كلماته فلم‏يبرزها ابرازاً واضحاً يعرفها كلّ احد و انّما جعلوا كلماتهم مشحونة بالعلوم الحقّة و هي واضحة ظاهرة لمن طلبها مَن طلب شيئاً و جدّ وجَد والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا و انّما لم‏يجعلوها واضحة ليعرفها كلّ احد لئلاّيلزم فضح الحكمة انّ اللّه يأمركم ان‏تؤدّوا الامانات الي اهلها و قال لاتؤتوا السفهاء اموالكم و بالجملة تلك الاسرار جعلوها في كلماتهم الا تري انّ كلماتهم: جارية في العلوم كلّها و يستدلّ منها الفرق كلّهم فانّها مشرب  لكلّ وارد من اهل العلوم الظاهرة و الباطنة فلمّا ظهر نبيّنا9 حصل للعالم رونق اخر و كمال اخر لم‏يكن قبل ذلك ولاريب انّ كلامه نور فاذا جاء النور بطل الظنّ ثمّ الشكّ والابهام لانّه لولا كان يفهم منه واحد من الناس لم‏يكن نوراً بل لابدّ ان‏يفهمه كلّ احد. ثمّ انّ شأن الامام7 انّما هو الارشاد والهداية دون التعمية والضلالة بناء علي هذا كان كلامهم: منهلاً لكل وارد بحيث كلّ من اراد منه شيئاً و طلبه حصل و وصل.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 281 *»

وبالجملة فلمّا ارتحل النبي صلي‏اللّه عليه واله قال المخالفون المنافقون الجاحدون حسبنا كتاب اللّه مع انّ الكتاب وحده كما تري لايكفي و انّما يكفي مع مبيّنه و حامله و شريكه و المبيّن الحامل الذي هو شريك القرءان هوالوصي7فلمّا اعرضوا عن مبيّن القرءان و شارحه كتاب اللّه الناطق اختفت العلوم المودوعة عنده فغلب الجهل الي ان اراد معوية اعدام هذا الدين و اظهار ماكان عليه اهل الجاهليّة من عبادة العجل و عبادة الاصنام لكنّه علي وجه اكمل يعني يعبدون الناس الاصنام والعجل الذي جاء علي صورة الانسان افحكم الجاهليّة يبغون فلاجل هذا امر الناس معوية الطاغية في جعل الاحاديث في مدح نفسه و ذمّ الخليفة الحق اميرالمؤمنين علي‏بن‏ابي‏طالب7 و قد زبر في الكتب انّهم كانوا يجعلون كلّ يوم سبعين الف حديث الي ان اشتدّت عداوته في علي 7 و اولاده: بحيث بني ان‏يقتل كلّ من سمّي باسم علي7 ثمّ اسم الابنين الطاهرين الحسنين8 حتّي اشتدّت ظلمة الكفر فاخذ المؤمنين بالتهمة و سمّاهم باسمه7 فقتلهم فلمّا فعل معوية هذا الفعل ذهب النور و جاءت الظلمة فامتلأ العالم بالجهل واليه الاشارة الكريمة السبحانيّة او كظلمات في بحر لجّي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم‏يكد يراها.

فلمّا رأي الحسين7 انّ هذه الطاغية اظهرت القبائح والظُلَم فامر بالمنادي في شوارع المدينة بالحج للناس كافّة فقال انّ بني‏هاشم و جميع اصحاب رسول‏اللّه9 ممّن سمع منه7 و حضر لديه ان‏يحجّوا في هذه السنة فلمّا فرغوا من مناسك الحج صعد سيّدنا الحسين7 المنبر فحمداللّه و اثني عليه ثمّ قال ايّهاالناس تعلمون انتم انّ هذه الطاغية معوية اخفي الامر بالمرّة ثمّ قرء7 عليهم الاحاديث التي ذكرها رسول‏اللّه9 و قرأها عليهم فقال لهم ايّها الناس اليس قال جدّي كذا و كذا في فضلنا ثمّ توجّه الي القوم واحداً واحداً فقال يافلان اليس قال جدّي كذا و كذا اَوَلا سمعت يافلان من جدّي كذا و كذا ثمّ ذكر في ذلك المجلس جميع ماصدر

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 282 *»

عنه9 من الفضائل في حق علي7 و اولاده بعنايةٍ من اللّه تعالي. فلمّا فرغ7 نزل من المنبر فذهب الي طريقه ولاشك انّ القدر غير كاف في اظهار العلوم و المراتب و لايتمّ الامر بهذا و لايستقرّ شي‏ء في الاذهان من امرالدين.

ثمّ لمّا رأي الحسين7 انّ بالبيعة مع معوية قد اضمحلّ الدين بالمرّة قدّم اسباب الشهادة علي التفصيل وسيلة الي اعلاء الكلمة لانّه بيان فِعلي يعرفه كلّ احد فلمّا استشهد انكسفت الشمس في العاشر من الشهر خلافاً للمنجّمين ثمّ انخسف القمر في الليلة الحادية عشرة خلافاً لهم ايضاً ثمّ ظهرت رياح صفراء ثمّ سوداء ثم نبع من الارض دمٌ عبيطٌ و قطر من السماء كذلك حتّي احمرّت الثياب البيض المشرّدة (كذا) علي السطوح و الحيطان. فلمّا رأي الناس الحال هكذا علموا انّ له مع اللّه من رابطة و اتّصال ثمّ علموا انّه له7 اي لوجوده مدخليّة في الكائنات فلمّا تذكّروا ذلك بردت القلوب عن معوية و اعرضت ثمّ اشمأزّت متنفّرةً طباعهم و رانَت حتّي علموا انّ الحق مع الحسين7 لكنّه لم‏يكن شي‏ء من الحق ظاهراً الي ان جاء ابومسلم الخراساني و قتل بني‏اميّة كثيراً منهم فضعفت بنو اميّة بعد ذلك شيئاً فشيئاً الي ان انقرضت دولتهم فصار بعد ذلك بين دولة بني‏اميّة و دولة بني‏العباس فترة و فرصة.

فقام الصادق7 مظهراً لِماكان عنده من العلوم و الاسرار الي مدّة مديدة و كان في مجلسه اربعمأة كاتب يكتب درسه فكتبوا اربعمأة مجلّد من احاديثهم فاذاً حصل للقلوب نور و للصدور شرح الي ان‏استولت دولة بني‏العباس فنظرت بنواالعباس فاذا قد رأوا تدبير بني‏اميّة في قتل ذرّية الرسول9 و قتل اصحابه ضعيفاً و رأوا انّ فيه زيادة افتضاح و خسران فهؤلاء فكّروا و قدّروا فقتلوا كيف قدّروا ثم نظروا الي الناس فوجدوهم محتاجين الي الامام7 في العلوم الفرعيّة الشرعيّة ثمّ نظروا انّهم يحتاجون الي علم الكلام في العقائد الظاهرة ثمّ رأوا انّ الناس محتاجون الي البواطن و الاسرار فحينئذ جاؤا مدبّرين فرقوا اباحنيفة و الشافعي و الحنبلي في العلوم الظاهرة من الطهارة و الصلوة الي

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 283 *»

الديات فجعلوهم السادات للراجعين اليهم في الفقه الظاهري كانوا بحيث كلّ من ذهب اليهم كان نافذ الامر مطاعاً بين الناس من اصغي اليهم كان عزيزاً مكرّماً بخلاف ما اذا ذهبوا الي جعفربن محمّدالصادق7.

ثمّ رقوا للعقائد الظاهرة هؤلاء المتكلّمين المتكلّفين كالكراميّة و الاشاعرة و الجبائيّين و الباقلاني و قاضي‏ابي‏بكر و الحسن‏البصري حتّي انّ اسمعيل بن ابي‏بشر الاشعري صعد المنبر فقال ايّها الناس كنت اقول انّ مشيّة اللّه حادثة و القرءان حادث و الترجيح بلامرجح باطل و انّ صفات‏اللّه عين ذاته و انّه تعالي خلق الكافر كافراً و اراد منه الايمان و بالعكس ولكن الان تبيّن لي خلافها فعدلت عنها فاقول انّ مشيّة اللّه قديمة و انّ الترجيح بلامرجّح جائز و انّ صفاته الذاتيّة غير ذاته و انّ القرءان قديم فلمّا نزل من المنبر صنّف في ذلك خمسين كتاباً فنشرها بين الناس بقوّة سيف السلطان حتّي علّم الصبيان في المكاتب.

و امّا في البواطن و الاسرار فارشدوا هؤلاء الصوفيّة الضالّة و عظّموهم ثمّ وقّروهم بل كلّما سمعوا منهم احد في الاطراف بعثوا اليه و اكرموه فهؤلاء الفرقة اتوا من اباطيلهم ما لاظهور لها عند الناس لخلطهم ايّاها بالحق اخذوا ضغثاً من الحق ثمّ ضغثاً من الباطل فمزجوا كلّ واحد بالاخر بحيث لم‏يكن يعرفه الناس و لا يميّزونه حتّي قال ذلك الصوفي لوشئت لاوقرت من تفسير الف الحمد للّه سبعين حملاً في قبال قول علي 7 انّي لوشئت لاوقرت من تفسير باء بسم‏اللّه الرحمن الرحيم سبعين حملاً فهؤلاء الصوفيّة ضررهم في الدين اشدّ من ضرر يزيد بن معوية عليه‏اللعنة.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 285 *»

 (اليوم الخامس‏والعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

كان الكلام في انّ بني‏العبّاس رقّوا الصوفيّة في علم البواطن و المتكلّمين في العقائد الظاهرة و المجتهدين والفقهاء لاحكام الشرعيّة من الطهارة الي الديات من العبادات و المعاملات و العقود و القضايا و الايقاعات حتّي يغووا الناس و حتّي يرجع الناس عن متابعة ال‏محمّد فدبّر بنوالعباس هذا التدبير فنفعهم تدبيرهم و اغواؤهم لانّه واقع في محلّه فنالوا ما نالوا من دنياهم و من اخماد ذكر ال‏محمّد: والاخذ منهم.

و لايخفي انّ اعراض هؤلاء المنافقين عن ال‏محمّد: ماكان لاجل تحصيل الدنيا وحده بل كان من جهة انكارهم في عالم الذرّ و الاشارة الي ذلك هي انّ اللّه لمّا خلق المعصومين الاربعة عشر سلام‏اللّه عليهم و اخذ منهم: العهد و الميثاق بقوله الست بربّكم الخ قالوا بلي بظاهرهم و باطنهم و سرّهم و علانيتهم و ارواحهم و اجسادهم بل ببشريتهم و شعورهم و جلودهم و عضلاتهم و اَوْردتهم و شرياناتهم و مخّهم و عظمهم و لحمهم و شحمهم و احشائهم و امعائهم بكلّهم اقرّوا و امنوا بالعهد والميثاق و بجميع ما اراد اللّه تعالي منهم فلمّا اقرّوا كذلك سطع من اقرارهم هذا نور ملأ العالم علي السواء فكان بهذا النور المتلألي‏ء الوقت وقت الظهر لظهور النور علي جميع الاشياء و احاطته بكلّ شي‏ء علي ما فصّل في محلّه.

فلمّا عرض التكليف علي الخلق من هؤلاء المقابلين فقال تعالي الست بربّكم و محمّد نبيّكم و علي و اولاده الطاهرون والصديقة ائمّتكم فاوّل من انكر هو الاوّل بكلّه كاقرار رسول‏اللّه صلّي‏اللّه عليه واله بكلّه حرفاً بحرف فانكر بظاهره و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 286 *»

باطنه و سرّه و علانيته و روحه و جسده الخ و قال في الجواب نَعَم و نعم جواب في المنفي يعني لستَ بربّنا و ليس محمّد نبيّنا و ليس علي و اولاده ائمّتنا و اولياءنا فلمّا انكر كذلك ظهر من انكاره ظلمة فوقعت علي ذلك النور و كدّرته فصار الوقت وقت العصر فخلق اللّه عزّ و جلّ في ذلك الوقت الظنّ فاوجب اللّه سبحانه لرفع هذه الظلمة صلوة العصر ليستعيذوا بها من شرّ تلك الظلمة و اثرها.

ثمّ عرض التكليف ثانياً فانكر الثاني المنكَر عدده مطابق لعدد اسمه رضي اللّه تعالي عنه و قد كان انكاره كانكار الاوّل الاّ انّ انكاره تفصيلي ظهرت من انكاره ظلمة شديدة اشدّ من ظلمة الاوّل فصار الوقت وقت المغرب وقتاً بين الليل و النهار فخلق اللّه تعالي الشكّ في ذلك الوقت فلذا يقال « بر شكّاك لعنت » والشكّ عبارة عن تعاور الصورتين المتعادلتين اللتين لاترجيح لاحديهما علي الاخري كما انّ الظنّ جهة الرجحان و الوهم جهة المرجوح فاوجب اللّه تعالي هنالك صلوة المغرب ليستعيذوا بها عن شر هذه‏الظلمة و اثرها.

ثمّ عرض عليهم التكليف ثالثاً فانكر الثالث و بنواميّة كلّهم فمن انكارهم تراكمت الظلمات و اضمحلّ النور بالمرّة فخلق اللّه من هذا الانكار الجهل المركّب فاوجب اللّه تعالي صلوة العشاء ليستعيذوا بها عن شرّ هذه الظلمة المدلهمّة و من شرّ اثرها و الاهتمام في صلوة العشاء اكثر من غيرها و لهذا وجب الصوم في غده علي من نسيها و تركها فالصلوة اعظم الاعمال في جلب النور و جذبه فلذا صارت عمود الدين و صارت خير موضوع فلمّا انكروا و ظهرت الظلمات المدلهمّات الدامسات غلب الجهل في العالم و خفي الحق بالمرّة و الي هذه الظلمات اشار في التنزيل بقوله او كظلمات في بحر لجّي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض قال7 كما في تفسير علي‏بن‏ابراهيم انّ البحر اللجّي هوالاوّل و يغشاه موج هو الثاني و من فوقه سحاب هو الثالث و ظلمات بعضها فوق بعض بني‏العبّاس فوق بني‏اميّة فهنالك صارت ظلمة بحيث اذا اخرج يده لم‏يكد يراها يعني اذا اخرج يداللّه لم‏يكد يراها احد مع انّها يداللّه الظاهرة اظهر من كلّ شي‏ء كما كان كذلك في زمان معوية عليه الهاوية.

فهؤلاء

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 287 *»

الضلاّل لمّا ارادوا صرف وجوه الناس من ال‏محمّد: ارشدوا الصوفيّة و المتكلّمين و الفقهاء والان طريقتهم هذه لاغير و كانوا في المخالفة بحيث كلّ ما قال علي7 كانوا يقولون بخلافه و لهذا صار من ادلّتنا في اصول الاحكام الشرعيّة العمل بخلاف القوم خذ ماخالف القوم فان الرشد في خلافهم و قال ابوحنيفة لوكان جعفربن محمد الصادق7 يغمض عينه او يفتح في السجدة لافعل انا عكس مافعله هذا انّما يكون من شدّة المخالفة والعناد و هؤلاء كانوا يعلمون انّهم علي الباطل و طريقهم علي الضلال كما انّ الرازي قال انّ النصاري قالوا انّ اللّه ثالث ثلثة كفروا و اما اصحابنا فقالوا انّ اللّه تاسع التسعة فلم‏يكفروا والعلّة في تمسّكهم بدينهم و طريقتهم مع كونهم عالمين بطلانه هي انّ الاسلاف والاباء والاجداد كلّهم حيث سلكوا هذاالطريق سلكناها انّا وجدنا اباءنا علي امّة و انّا علي اثارهم مقتدون يعني لايقدرون علي اظهار بطلان دين ابائهم و فساد طريقة اجدادهم من حيث عادة النفس و من جهة الدنيا و من سرّ اخري و هو قبولهم في عالم‏الذرّ.

و بالجملة لمّا فعلوا هذا الفعل من التدبير ضاق الامر علي اصحاب ائمّتنا: حيث لم‏يكن لاحد قدرة التكلّم مع الاخر لاسيّما في الاحاديث و الاسرار الي ان رموا كتبهم في الابار و بنوها في الحيطان و الابنية و دفنوها تحت الارض الي ان آل الامر في شدّة التقيّة بحيث ماكانوا يعرفون الامام7 بعد جعفربن محمّد الصادق7 و لذا ورد انّ المؤمن الطاق و جماعة من خواصّ الاصحاب تشاوروا فقالوا نحضر مجلس عبداللّه الافطح اخي موسي7 فنسأله عن اشياء من المسائل فان اجابنا كما اجاب ابوه7 جعفر فهو امام والاّ فلا فلمّا ذهبوا اليه و سألوا عنه رأوه انّه لايعرف شيئاً بل رأوه مدّعياً للباطل و قائلاً بالكذب فلمّا خرجوا من عنده كانوا متحيّرين متقائلين اين نذهب الي المرجئة ام الي القدريّة او الي الاشاعرة او الي الحروريّة فكانوا كذلك برهة من الزمان الي ان صار ذات يوم يمشون الاصحاب في طريق و معهم المؤمن الطاق فاذاً قد رأوا رجلاً من بعيد يشير اليهم بيده قال المؤمن

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 288 *»

الطاق تستّروا انفسكم عني ثم استغيبوا يااصحابي فانّ المشير من اصحاب المنصور الدوانيقي يريد قتلي ثمّ اوصي اليهم في ماله و عياله ثمّ ذهب الي الرجل فكان يمشي معه الي ان دخل الرجل داراً فاذاً قد خرج بعده غلام من الدار فقال يافلان ذاكراً باسمي الذي سمّتني امّي و هو لم‏يرني من قبل و لم‏يعرفني فتعجّبت من ذلك ثم قال يافلان ادخل فدخلت فاذاً قد رأيت شيخاً (كذا) منهمكاً في العبادة توجّه الي فقال الَي الَي لا الي المرجئة و لا الي القدريّة و لا الي الاشاعرة و لا الي الحروريّة قلت له ءانت امام قال لا اقول ذلك. قلت فهل عليك امام قال لا فاذا سمعت ذلك علمت انّه امام فقلت له ياسيّدي اخبر بذلك اصحابك و ابشّرهم به اشار7 بيده الي حلقومه و اراد منها انّ القوم يقتلونني ان اخبرتَ الاصحاب فانتشر بذلك خبري بما انا عليه من الشأن.

والحاصل كانت التقيّة شديدة بحيث لم‏يعرفوا امامهم فضلاً عن اخذ العلوم و الاداب ثمّ ادراك المعارف و الانوار ولكن حيث كان ائمّتنا: ظاهرين بالعبادة والزهد والاداب الحميدة والاخلاق المرضيّة كان يعرفهم من رءاهم من اهل زمانهم و انّهم موقنون بانّهم اهل الحق و معدن العلم و الايمان ثمّ التقوي و القدرة و الحلم هذا مأمون حيث اراد ان يشتبه الامر علي الناس في علي‏بن موسي‏الرضا7 و كان عالماً بانّ الامر و الحكومة و السلطنة و التصرف في الاموال و الدماء له7 فتفكّر المأمون في نفسه بانّ المصلحة هي ان اجعل علي بن موسي الرضا7 خليفة فاقول انّ امرالخلافة راجع اليك لانّك انت اهله و معدنه و مأويه فلمّا قبل مني ذلك فلامحالة يتصرّف في الاموال فعند ذلك اقول للناس هؤلاء انّ هذا و اجداده من اهالي الدنيا فليسوا بزهّاد و انّما كان زهّاداً معرضاً عن الدنيا حيث لم‏يتمكّن منها بل كان ممنوعاً عنها وامّا الان حيث حصل له هذا التمكّن و تيسّر له الامر فانّه يفعل اذاً مايفعل فلمّا تفكّر المأمون هذا الفكر الفاسد و قد كان الامام7 خبيراً بما اضمره امتنع عن ذلك فبامتناعه7 ظهر زهده و ورعه7 فاشتهر بذلك امره فنتج الامر بعكس مااضمره فصار تدبيره تدميراً فعند ذلك زاد حقد المأمون لم‏يجد لحقده ملجأ الاّ

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 289 *»

ان‏يسمّه فسمّه7.

و كذلك المتوكّل فانّه اتي بعلي النقي7 الي سامرة و اراد ان يحضره في مجلسه الذي يشرب فيه الخمر و يلعب ثم يأتي بالملاهي و المعاصي فامتنع الامام الهمام7 ذلك حيث كان عالماً بضميره بانّه يريد بذلك تشييع نسبة الفاحشة اليه7 حتّي يكون ذلك موجباً لادخال النقص في معدن الطهارة و الزهادة و ليكون سبباً في ادخال الشكّ في السلسلة النبويّة العلويّة فلمّا امتنع عن الحضور في مجلسه قال الملعون لوزيره فتح بن الخاقان ماالحيلة يافتح قال ابعث لاحضار اخيه فلمّا يحضر مجلسك قل انّ ابن‏الرضا فعل كذا و كذا و حيث كان الناس جهّالاً لايفرقون بين علي النقي و اخيه فاذاً يحصل مأمولك. فلمّا احضر اخاه قال له يااخي لاتحضر مجلس هذا الطاغي و لاتهتك ستر بيت النبوة قال اخوه لايمكنني منعه فقال7 اذاً لاتراه ورد انّه بقي بعد ذلك ثمانية عشر شهراً فمااتّفق له حضور مجلس المتوكّل هكذا يحفظون من ارادوا و بالجملة لم‏يحضر مجلس الطاغي الي ان قتل المتوكّل فطال خفاء الامر لشدّة التقيّة الي قريب ثلثمأة سنة او اربعمأة سنه تقريباً و قد كان الاصحاب مغمورين ذليلين محقّرين الي ان استقرب دولة ال‏بويه فهؤلاء ارشدوا علماء الشيعة فظهرت سلطنتهم بعلماء الشيعة ورد ان شيخنا المفيد و السيّد المرتضي و الشيخ الطوسي رحمهم‏اللّه‏ كانوا في اوائل الغيبة الكبري و انّ اولئك المعظّمين كانوا مسموعي‏الكلمة معروفين مشهورين نقل انّه حضر علي جنازة المفيد عليه الرحمة في سوق الاشنان ببغداد ثمانون الف نفس لتشييع الجنازة و هؤلاء كانوا من الموافقين دون المخالفين و هذا علم الهدي السيّد المرتضي رحمه‏الله كان له ثمانون الف مجلّد كتاباً من هذه العلوم التي ذكرناها من اولئك الفرق الثلثة لادونها.

مقدّمة نافعة: لمّا ظهر رسول‏اللّه صلّي‏اللّه عليه واله اكتفي من الناس الاقرار بالظاهر من ظاهر الشهادتين و الاعمال الظاهرة من الطهارة الي الديات والناس لم‏يحصّلوا من العلوم الاّ الظاهرة منها الي ان سهل الامر في الاحكام الظاهرة شيئاً فشيئاً الي ان صارت النوبة لعلي7 فانّه7 لم‏يكتف منهم

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 290 *»

بظاهر التنزيل و انّما اراد منهم التأويل فلمّا كلّفهم7بالتأويل تفرّق ما جمعهم من الناس رسول‏اللّه صلّي‏اللّه عليه واله فمضي الامر بعد ذلك من الظاهر والباطن بالمرّة لمّا اراداللّه سبحانه نضج هذا الظاهر الي ظهور مولينا القائم عجّل اللّه فرجه وجب ان‏يتصدّي لهذاالامر اناسٌ مطهّرون منزّهون زاهدون و انّما كان ذلك بارشاده تعالي و عونه و ارادته ليستأهل العالم لظهور الروح ضرورة انّ نسبة هذه الظواهر و القشور من الاحكام التنزيلية الظاهرة الي الاحكام التأويليّة الباطنة نسبة الجسد الي الروح فلمّا جاء ال‏بويه ثمّ ارشدوا هؤلاء العلماء الاكابر شكراللّه مساعيهم الجميلة من شيخنا المفيد والصدوق و السيّدالمرتضي و الشيخ الطوسي فهؤلاء الاجلاّء كان همّهم في تكميل الاحكام الظاهريّة ثمّ الاكتفاء بالاجمالات من العقايد الدينيّة من التوحيد و العدل و النبوّة و الامامة و المعاد فلمّا كان نبيّنا صلّي‏اللّه عليه واله حاملاً لظاهر الشريعة و الاحكام القشريّة ناسب ان‏يكون الذين يتصدّون تكميل ظاهر الشريعة اسماؤهم محمّد كمحمّدين الثلثة محمّدبن‏حسن الطوسي و محمّدبن‏نعمان المفيد و محمّدبن‏يعقوب الكليني. هؤلاء الاجلّة في الاوائل و امّا في الاواخر فكذلك كمحمّدامين‏الاسترابادي صاحب فوايدالمدنيّة و محمّدمحسن‏صاحب‏الوافي و محمّدباقرالمجلسي رحمة اللّه عليهم. و العلّة في هذا هي انّ لنبيّنا صلّي‏اللّه عليه واله اسمان اسم في الارض و اسم في السماء و امّا الارضي فمحمّد و اما السماوي فاحمد فهؤلاء الاكابر مظاهر اسمه الاسفل الارضي كانوا يربّون جسد الشريعة فلمّا كمل اصحاب الظاهر و رؤساء الاسم الارضي وجب ان‏يظهر اصحاب الاسم السماوي الذي يدعي باحمد من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر انّا اعتدنا للظالمين ناراً احاط بهم سرادقها و ان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب و ساءت مرتفقاً والعلّة فيما قلنا هي انّ كلّ واحد من العلماء مظهر لاسم خاصّ من اسماء نبيّنا محمّد بن‏عبداللّه9 فلمّا كمل ظاهر الشريعة بتكميل العلماء الظاهري و نضجت الطبايع و زادت ادراكاتهم فحصل للعالم رونق اخر فانّهم حيث تعمّقوا في نظم الشرايع و الاحكام و حدودها و رأوا انّ صاحب هذه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 291 *»

الشريعة كان حكيماً لايفعل عبثاً فطلبوا سرّ الشريعة و عللها و حكمها و لاريب في انّ الحسن والقبح عقليّان و لاريب انّ الشرع و العقل متطابقان فكلّ ما حكم به الشرع حكم به العقل سألوا عن حكمة اختلاف الاحكام و نظمها و حكمة الصفات الذاتيّة و سرّالنبوّة و سرّ المعراج سألوا عن اختلاف الاحكام و نظمها لم‏يجدوا مجيباً فلاجل ذلك وقعوا في شبهة ثمّ خرجوا من الدين و هم كثيرون و لاينبّئك مثل خبير.

فلمّا وجد اناس تفطّنوا بسرّ الاشياء و حقايقها و عرفوا انّ لها عللاً و اسراراً و لم‏يقنعوا بجواب انّك لاتفهم او انّك لست من المكلّفين بهذا او انّ الشرع تعبّدي او انّ الطريقة من السلف الي الخلف هذا لاغير ضرورة انّ الناس يطلبون العلم هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون مع انّه تعالي خلق الخلق ثمّ جعل لهم (العلم ظ) حفظاً لنظامهم و اطمينان نفوسهم و ازدياد خضوعهم و خشوعهم فلهذا صار طلب العلم واجباً علي كلّ مسلم و مسلمة قال صلّي‏اللّه عليه واله طلب العلم فريضة علي كلّ مسلم و مسلمة قال صلّي‏اللّه عليه واله طلب العلم فريضة علي كلّ مسلم الا و انّ اللّه يحبّ بغاة العلم و قال اميرالمؤمنين7 ايّهاالناس اعلموا انّ كمال الدين في طلب العلم و العمل به الا وان طلب العلم اوجب عليكم من طلب المال انّ المال مقسوم مضمون لكم قد قسّمه عادل بينكم و ضمنه فسيفي لكم و العلم مخزون عند اهله و قد امرتم بطلبه من اهله فاطلبوه و قال9 اطلبوا العلم ولو بالصين و لايخفي انّه9 لم‏يقل اي علم ذلك العلم المأمور به فلولا هذه العلل والشرايع حقاً لما برز الينا علل‏الشرايع الذي هو كتاب جمعه الصدوق عليه الرحمة و لاريب انّه ليس شي‏ء الاّ و فيه كتاب و سنّة بناء علي هذا لايقال انّ كلّ ما ورد من الشرايع و العلل و الاحكام والاّ فنسكت لانّا نقول انّه7 (قال ظ) كلّ شي‏ء له اصل في الكتاب و السنّة و فيه تبيان كلّ شي‏ء و فيه تفصيل كلّ شي‏ء و لاريب في انّ معرفة الشرايع و عللها و سرّها و حكمتها و لمّها تزيد في التوجّه و الاقبال ثمّ تزيد في الشوق والمحبّة في العبادة والاعمال.

فلمّا حصل للعالم نضج و اعتدال اخر وجب علي اللّه ان‏يرشد احداً من الناس ثمّ يؤدّبه بالعلوم الظاهرة

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 292 *»

والباطنة ثمّ يعرّفه الحقايق و الاسرار من سرّ النفوس و سرّالقيمة و سرّالرجعة و سرّالظاهر و سرالباطن و سرّالسموات والارضين و حقيقة الجنّة و النار و سرّاختلاف الاشياء و علّة الاختلاف و علّة الايتلاف و سببه و وجب علي اللّه تعالي ان‏يربّي احداً و يوقفه علي نقطة العلم ثمّ يعلّمه هذه الامور المشاراليها من معرفة المبدء و المعاد ثمّ يعرف انّ الجداول و السواقي كلّها من عين واحدة و انّما وجب بعث عالم كما وصفناه ليعلّم ذلك العالم الجامع الناس المستعدين قواعد يفتح من كلّ قاعدة منها الف قاعدة و ليعرّفهم الطريق الواضح و العَلَم اللايح حتّي لايضلّوا في بيداء الضلالة ابداً ثم يرشدهم الي النقطة التي تشعّبت منها هذه الفروع و الجهات كلّها و هذا العالم لابدّ و ان‏يكون حاوياً لجميع العلوم و حائزاً لجميع الرسوم يجيب عن كلّ مسألة مسألة و لايخيّب احداً ابداً و هذا العالم عليه ان‏يلقي الاصول التي تتفرّع منه الفروع علينا ان‏نلقي الاصول و عليكم ان تفرّعوا و لم‏يقل انّ المراد بهذه‏الاصول اي اصول فحيث لم‏يعيّنها تكون حاوية لجميع‏الاصول شاملة لجميع القواعد الكلّية من الاصوليّة و الفروعيّة. فلمّا كان العالِم مُؤدّباً بجميع الكمالات و العلوم و قلبه محلاّ للانوار و الرسوم يكون علم هذا العالم شفاء للناس و حافظاً للقوي و مؤهّلاً للطبايع و الكينونات لظهور النور فيها و اشراق شمس المعرفة و طلوعها حتّي يتنافسوا الي مَعالي الدرجات من معرفة مقامات ظهور صانع البريّات و هذا العالم هو البركة بين الناس و هذا العالم هوالذي قال تعالي في حقّه و علّمناه من لدنّا علماً و هذا هو الذي حجّة علي الخلق فلولاه لزم خروج الخلق من الدين و هذا هوالذي لايقول انّا طلبنا العلم ياالهي فماوجدناه ولئلاّ يقولوا لولا ارسلت الينا رسولاً فنتّبع اياتك و نكون من المؤمنين والمراد به هيهنا هو النائب المعبّر عنه بباب الامام و لهذا العالم صفات و علامات نذكرها ان‏شاءاللّه تعالي حتّي تعرفوه ثمّ تسلّموا له الامر فيما تحتاجون مما انتم تكلّفون به.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 295 *»

 (اليوم السادس‏والعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

فلمّا خفي الامر و تواري العلم و غلب الجهل بانكارهم و اعراضهم عن الامام7 و اقبالهم الي الصوفيّة و الفلاسفة و المتكلّمين و المجتهدين الاربعة العاملين بالرأي و الاستحسان والقياس لانّهم بعد النبي9 لمّا لم‏يقرّوا بالخليفة و الامام7 فاحتاجوا الي العلوم والقواعد فامّا الكتاب و الاحاديث النبويّة فمن غير المبيّن ماتفيد شيئاً لانّ العلوم لها حامل لا تحصل الاّ به فهؤلاء لمّا دوّنوا هذه القواعد الاصوليّة و عملوا بها اشتهرت بين الناس لاسيّما بعد خفاء الامر و غيبة الامام عجّل‏اللّه فرجه لانّ الناس كانوا محتاجين الي الاحكام و ظاهر الاحاديث والقرءان من دون المبيّن الامام غيركاف في المرام فلمّا احتاجت الشيعة بعد غيبة امامهم7 عملوا بتلك القواعد الممهّدة المدوّنة و قالوا انّها مأخوذة من ابي‏حنيفة و هو من تلامذة مولينا الصادق7 كما ذكره العلاّمة رحمه‏اللّه‏.

فلمّا اشتهرت مذاهب الصوفيّة و الفلاسفة ثمّ السنّة والجماعة و خفيت العلوم الحقّة مدّة اربعمأة سنة بعث اللّه ال‏بويه جزاهم اللّه عن الاسلام خير الجزاء ارشدوا هؤلاء الكبار من العلماء الخيار كالمفيد والسيّدالمرتضي و الطوسي رحمهم‏اللّه‏ في العلوم الظاهريّة من الاحكام الفقهيّة الفرعيّة و في بعض من اثبات الامامة و المعاد و امّا الاعتقادات فاكتفوا فيها علي الاجماليّات التي كانت عندهم ظهروا هؤلاء الاجلاّء الكرام بسيرة رسول‏اللّه صلّي‏اللّه عليه واله بالتكاليف الظاهريّة التي هي بالنسبة الي الاعتقادات و التكاليف الباطنيّة كالجسد الي الروح و اظهر اولئك المعظّمون

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 296 *»

المجلّلون بطلان القياس ثمّ الرأي و الاستحسان و لم‏يكن همّ هؤلاء رحمهم‏اللّه الاّ في الاحاديث المرويّة في الفروع ثمّ اصلاح التكليف الظاهري فقط و لم‏يكن احد منهم متصدّياً بغيرالفروع اصلاً فلم يتنبّه رجل منهم الي البواطن و الاسرار لعدم نضج الطباع و قابليّة العالم و امّا اجوبة السيّد المرتضي رحمه‏اللّه‏ عن المسائل الكلاميّة فكلّها من المطالب التي دوّنتها الفلاسفة لا دون ذلك و بالجملة كان همّ السابقين رضوان‏اللّه عليهم في نشر الظواهر كما كان معروفاً عندالناس و امّا الشكوك والشبهات التي كانت في العقائد و الاعتقادات التي وقعت في القلوب بالقاء الصوفيّة و الفلاسفة الشياطين الانسي ثمّ بالقاء الشياطين الغيبي من النفوس الامّارة و الاوهام الضعيفة فقد بقيت تلك الشبهات في القلوب هذه الشكوك و الشبهات ضررها في الدين ممّا لايحدّ و لايعدّ.

و لمّا كان لرسول‏اللّه9 اسمان محمّد و احمد9 وجب ان‏يكون له مظهران مظهر للاسم الارضي للفروع و الاحكام و مظهر للاصول و الاعتقادات اي مظهر للجسم و مظهر للروح فلمّا علمت كمال الجسد الظاهري بهؤلاء الاكابر من علماء الشيعة شكراللّه مساعيهم الجميلة احتاج هذا الجسد الي الروح التي هي الاعتقادات الحقّة بعد تزييل الشكوك والشبهات لانّ احتياج الناس بعد حصول هذه الشكوك الي شيئين احدهما تفصيل تلك الاجمالات و ثانيهما رفع الشكوك و الشبهات فلمّا تمّت خلقة الجسد و الظاهر و تنبَّه الناس الي الحقايق و الدقايق و سرّالشريعة و باطن الاحكام وجب علي اللّه ان‏يبيّن ذلك برجل من انفسهم من سنخهم.

فان قلت  كيف يتعقّل انّ الناس لم‏يكونوا قبل الحين ملتفتين الي هذه الحقايق والاسرار اَلَيسوا بمكلّفين اَلَيسوا ناظرين الي كتب الاخبار و ما ورد في التأويل والاسرار فكيف لم‏يلتفتوا. انّ هذا امر بعيد و شي‏ء غيرمعقول. قلت ياشيخ انت ماعندك خبر باحوال العلماء و ديدنهم اَلا تري انّ الملاّصدرا فحل الفحول يقول انّ الاحاديث ليست اموراً برهانيّة تسكن عندها النفوس و تميل اليها القلوب اَلَيس تسمع الاصوليين حيث يقولون انّ وظيفة الامام7 ليس الاّ

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 297 *»

بيان الاحكام الشرعيّة الفرعيّة التكليفيّة الظاهرة لاغير حتّي قالوا انّ بيان اللغات ليس من شأن الامام7 الي ان‏اختلفوا في ترجيح قول الامام7 مع قول اللغوي اذا وقع الاختلاف بينهم كما ذكروا معنوناً في الاصول انّ الباء في قوله تعالي وامسحوا برءوسكم للتبعيض ام لا قالوا ان سيبويه ذكر في كتابه في سبعة عشر موضعاً انّها ليست للتبعيض و قال محمدبن‏علي الباقر7 انّها للتبعيض فقدّم الاكثرون قول سيبويه و رجّح‏الاقلّون قول الباقر7 حتّي السيّد رحمه‏اللّه‏ في مفاتيح‏الاصول يقول ولايبعد ترجيح قول‏الامام7 ثم انّ ديدن العلماء في اخبار العقايد و الاصول الايمانيّة الردّ دون القبول حيث بنوا امرهم في اصول العقايد بانّها غيرراجعة الي النقل انّ ذلك غيرمنكور عندهم.

فلاتستبعد ممّا قلنا من انّ همّ العلماء في اصلاح الظاهر والفقه فقط و الحمدللّه المنّان الكريم حيث وفّق العلماء في تنقيح الفقه تنقيحاً كاملاً مااحسنه بحيث اذا تأمّل فيه ناظر قابل مدّة ستّة اشهر او سنة يحصل له قدرة الاستنباط و ردّ الفروع علي الاصول من دون تحصيل عند احد لانّ الفقه من كثرة تكرار نظر العلماء رضوان‏اللّه عليهم و ردّهم و بحثهم والفحص فيه لم‏يبق منه شي‏ء مخفي يحتاج الي استماع من احد نعم فهم عبائرهم يحتاج الي نحو و صرف و لغة في الجملة فالحمد للّه ثم‏الشكر له انّه ببركة العلماء الاعلام صار امرالفقه ظاهراً لايحاً بحيث لايحتاج احد ازيد من ذلك.

و امّا روح العلوم و اصلها و حقيقتها و سرّها فهي لمّا كانت مخفيّة غيرظاهرة و لم‏يكن احد من الناس يتصدّي بذكره مع احتياج الناس به بعد كمال النضج في طبايعهم و ظهور فطانتهم والتفاتهم الي ان للشريعة المطهّرة سرّ و حقيقة لانّها نازلة من حكيم عليم وجب علي‏اللّه ان‏يرشد شخصاً و يعلّمه تلك الانوار و الاسرار و العلوم ثمّ الاداب والحقايق و الرسوم واتّقوا اللّه و يعلّمكم اللّه فوجب عليه تعالي ان‏يؤدّبه باداب شرعية ظاهرة و باطنة ثمّ يعرّفه العلوم علي انحاء اختلافاتها و كثرة انواعها ثمّ يعلّمه سرّالاختلاف و ربط المختلفات بعضها ببعض و يعلّمه بواطن العلوم و حقايقها و ظواهرها ليكون نائباً عامّاً و دليلاً تامّا للامام7 في غيبته ليعطي كلّ ذي‏حقّ حقّه من جميع ما

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 298 *»

يحتاجون من العلوم التفصيليّة و جميع مايحتاج اليه الناس من العلوم في رفع هذه الشكوك و الشبهات و ازالة تلك الخيالات و التوهّمات الباطلة الفاسدة فلابدّ لهم من ميزان قويم و قسطاس مستقيم ليكون مرجعاً للاختلافات كلّها امّاالاختلافات في الفروع فهي مطلوبة لمابيّنا مراراً و امّا في الاعتقادات فليست بمطلوبة.

ثمّ اعلم انّ النبي9 اوّل مااتي به للناس من التكاليف كان هذا التكليف الظاهري و اكتفي منهم بهذا ثمّ اخذهم شيئاً فشيئاً الا تري انّ الايات النازلة في مكّة ليس فيها تهديد و لا توعيد و ذلك لاجل انّه كان في اوّل الامر اي امر ظهور الاسلام و امّا الايات التي نزلت في‏المدينة ففيها توعيد و تهديد و تغليظ و تشديد كما في الكافي: «ثمّ بعث اللّه محمّداً صلّي‏اللّه عليه واله و هو بمكّة عشر سنين فلم‏يمت بمكّة في تلك العشر سنين احد يشهد ان‏لااله الاّ اللّه و انّ محمّداً صلّي‏اللّه عليه واله رسول‏اللّه الاّ ادخله اللّه الجنّة باقراره و هو ايمان التصديق و لم‏يعذّب اللّه احداً ممن مات و هو متّبع لمحمّد صلّي‏اللّه عليه واله علي ذلك الاّ من اشرك بالرحمن و تصديق ذلك انّ‏اللّه عزّ و جلّ انزل عليه في سورة بني‏اسرائيل بمكة و قضي ربّك ان‏لاتعبدوا الاّ ايّاه و بالوالدين احساناً الي قوله تعالي انّه كان بعباده خبيراً بصيراً ، ادب و عظة و تعليم و نهي خفيف و لم‏يعد عليه و لم‏يتواعد علي اجتراح شي‏ء ممّا نهي عنه و انزل نهياً عن اشياء حذّر عليها و لم‏يغلّظ فيها و لم‏يتواعد عليها» ثمّ ذكر7 ايات دالّة علي ذلك ثم قال7 : «والايات و اشباههنّ ممّا نزل به بمكّة و لايدخل اللّه النار الاّ مشركاً فلمّا اذن اللّه لمحمّد صلّي‏اللّه عليه واله في الخروج من مكّة الي المدينة بني‏الاسلام علي خمس شهادة ان‏لااله الاّاللّه و انّ محمّداً صلّي‏اللّه عليه واله عبده و رسوله و اقام‏الصلوة و ايتاءالزكوة و حج‏البيت و صيام شهررمضان و انزل عليه‏الحدود و قسمة الفرائض و اخبره بالمعاصي التي اوجب اللّه عليها و بها النار لمن عمل بها» ثمّ ذكر7 ايات دالّة علي ذلك.

و بالجملة لمّا كانت الاقوال مختلفة و المذاهب متشتّتة والاخبار متنوّعة اخذ كلٌّ بشطر منها واستدلّ به علي مطلوبه فبذلك وقعت الحيرة بين الناس و اضطربت القلوب و تشوّشت الاراء و تحيّرت العقول و الافهام وجب ان‏يكون للناس ميزاناً واضحاً و مبيّناً عدلاً و حقّاً صرفاً لايحيف و لايميل ولاشكّ انّ الميزان الراجح العدل هوالامام7 و لاشكّ انّ في غيبته7 لابدّ و ان‏يكون للناس عَلَماً عالِماً مبيّناً مرجعاً لهم لانّ اهمالهم يستلزم الاغواء و هو لايجوز علي‏اللّه الحكيم القادر المتعال و لاريب انّ الكتاب لم‏يكن حجّة بنفسه الاّ بمبيّن رافع للخلاف الا تري انّ القرءان في الحين حاضراً بين ايدي المسلمين و هم مع‏ذلك مختلفون اختلافاً شديداً و انّما يحتاج الي حامل يبيّنه ثمّ يعلّم الناس احكامه كما هو وارد في الكافي الي ان قال ابوعبداللّه7 للشامي سل الهشام تجده مليّاً فقال الشامي ياهذا من اَنظر للخلق اَربّهم ام انفسهم فقال هشام ربّهم انظر لهم منهم لانفسهم فقال الشامي فهل اقام لهم من يجمع لهم كلمتهم و يقيم اَوَدَهم و يخبرهم بحقّهم من باطلهم فقال هشام في وقت رسول‏اللّه9 او الساعة قال الشامي في وقت رسول‏اللّه صلّي‏اللّه عليه واله رسول‏اللّه9 والساعة مَنْ فقال هشام هذا القاعد الذي يشدّ اليه الرحال و تفد دونه الرجال و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 299 *»

يخبرنا باخبار السماء وراثة عن ابٍ عن جدّ الي اخر الحديث ذكرنا موضع الحاجة.

ثمّ لايخفي انّ الاستدلال في اثبات الشي‏ء والبرهان لحقيّة الشي‏ء اوالغلبة علي الخصم ليس دليلاً علي انّ ذلك المستدل علي الحق والاّ لزم ان‏يكون جميع المختلفين حقاً و ليس كذلك لانّ الحق واحد و الدليل علي انّ الغلبة ليست دليلاً علي الحقّية هو انّ فخرالرازي الملقّب برئيس المشكّكين يقال انه كان يبرهن علي الحوض المالي انّه خال مع انّ‏الرجل يحسّ الماء بيده و يراه بعينه و ذلك لانّ وجوه الاستدلالات كثيرة منها المغالطات و الناس ضعفاء لايعرفون وجه الاستدلال.

و بالجملة فلمّا كثرت الاباطيل و ظهرت الاضاليل و استولت البدع والتأويلات الباطلة كتأويل ابن‏عربي كما قال لما التقي الختانان اي ختان العبوديّة و الربوبيّة يجب الغسل يعني الرياضة سنة كاملة فلمّا ظهرت البدع والشكوك و الشبهات احتجنا الي ميزان يكون يفصل بين الحق و الباطل ثمّ يشرح القرءان كاشفاً حجابه مبيّناً احكامه اتياً مرامه لايكون ذلك الاّ الامام7 ان كان حاضراً والاّ فنائبه العامّ و هذا النائب لازم في كلّ زمان الاّ انّ في بعض الازمنة يقتضي ظهوره و في الاخري عدمه كاوصياء عيسي 7 في زمان الفترة قال اميرالمؤمنين7 في خطبة له: اللّهمّ و انّي لاعلم انّ العلم لايأزر كلّه و لاينقطع مواده و انّك لاتخلي ارضك من حجة لك علي خلقك ظاهر ليس بالمطاع او خائف مغمور (كذا). لكن لمّا قويت المشاعر و الادراكات و نضجت الطبايع و كملت و تقطّعت في جزء هذا الزمان صلحت لازالة الشكوك و الاوهام الباطلة فوجب ظهور ذلك الميزان الذي مرجع الخلق كلّهم و ذلك الميزان فقد قال اللّه تعالي فلا و ربّك لايؤمنون حتّي يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لايجدوا في انفسهم حرجاً ممّا قضيت و يسلّموا تسليماً.

فلمّا كان هذا منصب الامام7 و هو غائب اختار واحداً من شيعته و لذلك النائب الذي هوالميزان و الكهف للناس و هوالملجأ للملهوف الذي غوث الضعفاء و المستضعفين صفات و علامات في علمه و عمله و خَلقه و خُلقه و طبيعته و لابدّ

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 300 *»

ان‏يكون هذا الميزان حكيماً و يكون هو فصل‏الخطاب لكلّ سؤال و جواب و لابدّ ان‏يكون عالماً بسرّ الخليقة و بسرّ الحقيقة و عالماً بسرّ الجنّة و النار ثمّ بسرّ المعاد و المعراج و عالماً بسرّ الميزان و الصراط و ان‏يكون عالماً بدقائق اسرار الاحكام الفرعيّة الشرعيّة و هذا الميزان الحق و النائب المصدّق علامة علمه ان‏يكون لايتكلّم بشي‏ء من العلوم مطلقاً الاّ و له برهان قاطع من العقل و له اية من الكتاب من محكماته ظاهر الدلالة واضح المقالة و من السنة من مشهوراتها المعروفة الصحيحة و له ان‏يسند مايبرهن عليه بلازم هذا المذهب ثمّ يأتي باية افاقيّة من العالم في اثبات مدّعاه حيث قال تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق و قال الرضا7 قد علم اولواالالباب انّ الاستدلال علي ماهنالك لايعلم الاّ بماهيهنا و انّ العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة.

و امّا غير هذا النائب العليم الحكيم من الحكماء والعلماء فكانوا يكتفون في كلّ مسألة في اثباتها بواحد من الادلّة بخلاف هذا العظيم الشأن الرفيع البنيان لانّ مقتضي الاحكام و الاتقان هو ان‏يأتي بالادلّة كلّها لانّ الشرع و العقل متطابقان و الافاق فهو ايضاً كتاب تكويني يطابق الكتاب التدويني اي القرءان فلمّا كان امراللّه تعالي واحداً و انّ كلّ واحد من الاشياء مصحّح للاخر و مصدّق له و ذلك حيث انّ صانعها واحد و امره واحد استشهد هذا العالم العليم بالعقل اوّلاً فلمّا كان في العقل نحو التباس باعتبار النفس و الجهل المركّب و سائر الالتباسات الاخر التي يعرض علي المستدلّ حين الاستدلال حتّي يغفل عن حقيقة الامر استدلّ بالكتاب ثانياً و لمّا كان الكتاب لفظاً و دلالة قد يقع فيها خفاء استدلّ بحديث وارد عنهم : ثالثاً و لمّا كان كثيراًمّا في الرواية دَسْتٌ و تغيير و خلاف لايطمئنّ به المستدلّ فاستدلّ ذلك العالم علي مدّعاه بالمذهب و جعله فرعاً من فروع اصل من اصول المذهب ثمّ لمّا كان الكتابان متطابقين اي كتابي التكوين والتدوين اتي لمدّعاه بمثال من العالم ليكون جامعاً مملّكاً.

ثمّ لابدّ و ان‏يكون جميع افعال ذلك العالم العظيم واعماله و علومه و ماله و منه و عنه و به و لديه كلّها منسوبة الي الامام7 كما قال 7 ماقال ال‏محمّد قلنا و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 301 *»

 ما دانوا دنّا يعني لايعرف هذا الرجل الذي هوالحق البالغ غير ال‏محمّد:في مطالبه كلّها لما قال7 كلّ‏مالم‏يخرج من هذا البيت فهو باطل فكل من استدلّ في دعواه بهذه الخمسة المذكورة فاعلم انّه نائب الامام و انّه هو الحق الذي لايحوم حول حكمه باطل والاّ يلزم علي‏اللّه ان‏يغري الناس علي الباطل تعالي ربّنا عن ذلك علوّاً كبيرا هذا علامته في العلم.

و امّا علامته في العمل فلابدّ ان‏يلاحظ جميع الشرايع بتمامها جزئيّاتها و كلّياتها و محرّماتها و مكروهاتها واجباتها و مستحبّاتها فلا يترك شيئاً من الراجح في عمله و لايأتي بمكروه الاّ لغاية مطلوبة و لمصلحة راجحة ثمّ يجب ان‏لايكون عنده قواعد مأخوذة من دون ما اخذه من الشريعة بل يكون قاعدته مستنبطة من الكتاب و السنّة يستنبط من تلك القاعدة شقوق الجزئيّات كلّها و شعب الاحكام باسرها و اليه الاشارة قوله تعالي و اوحي ربّك الي النحل ان‏اتّخذي من الجبال بيوتاً و من الشجر و ممايعرشون ثمّ كلي من كلّ الثمرات الاية ثمّ يجب ان‏لايحب طائفة من طوائف الناس ضرورة انّ حبّ الشي‏ء يعمي و يصمّ بحيث كلّما رأي لاولئك الذين يحبّهم يري حسناً فيحتجب بالعلم (كذا) عن العلم الموصل الي الحق.

و امّا اخلاقه و صفاته فكما روي في حديث همّام ورد انّه جاء الي علي7 و هو يخطب علي المنبر فقال له7صف لنا يااميرالمؤمنين صفة المؤمن كأنّنا ننظر اليه قال7 ياهمّام المؤمن هو الكيّس الفطن بشره في وجهه و حزنه في قلبه اوسع شي‏ء صدراً و اذلّ شي‏ء نفساً زاجر عن كلّ فان حاضٌّ علي كلّ حَسَن لا حقود و لا حسود و لا وثاب و لا سبّاب و لا عيّاب و لا مغتاب يكره الرفعة و يشنع السمعة طويل الغم بعيد الهم كثير الصمت وقور ذكور صبور شكور مغموم بفكره مسرور بفقره سهل الخليقة ليّن العريكة رصين الوفاء قليل الاذي لا متأفّك و لا متهتّك ان ضحك لم‏يخرق و ان غضب لم‏ينزق ضحكه تبسّم و استفهامه تعلّم و مراجعته تفهّم كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة لايبخل و لايعجل و لايضجر و لايبطر و لايحيف في حكمه و لايجور

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 302 *»

في علمه نفسه اصلب من الصلد و مكادحته احلي من الشهد لا جشع و لا هلع و لا عنف و لا صَلِف و لا متكلّف و لا متعمّق جميل المنازعة كريم المراجعة عدل ان غضب رفيق ان طلب لايتهوّر و لايتهتّك و لايتجبّر خالص الودّ وثيق العهد وفي العقد شفيق وصول حليم خمول قليل الفضول راض عن اللّه تعالي مخالف لهواه لايغلظ علي مَن دونه و لايخوض فيما لايعنيه ناصر للدين محام عن المؤمنين كهف للمسلمين لايخرق الثناء سمعه و لاينكي الطمع قلبه و لايصرف اللعب حكمه و لايطّلع الجاهل علمه قوّال عمّال عالم حازم لا بفحّاش و لا بطيّاش وصول في غير عنف بذول في غير سرف و لابختّال و لا بغدّار و لايقتفي اثراً و لايحيف بَشراً رفيق بالخلق ساع في الارض عون للضعيف غوث للملهوف لايهتك ستراً و لايكشف سرّاً كثير البلوي قليل الشكوي ان رأي خيراً ذكره و ان عاين شرّاً ستره يستر العيب و يحفظ الغيب و يقيل العثرة و يغفر الزلّة لايطّلع علي نصح فيذره و لايدع جِنح حيف فيصلحه امين رصين تقي نقي زكي رضي يقبل العذر و يجمل الذكر و يحسن بالناس الظن و يتّهم علي العيب نفسه يحبّ في اللّه بفقه و علم و يقطع في اللّه بحزم و عزم لايخرق به فرح و لايطيش به مَرَح مذكّر للعالم معلّم للجاهل لايتوقّع له بائقة و لايخاف له غائلة كلّ‏سعي اخلص عنده من سعيه و كلّ نفس اصلح عنده من نفسه عالم بعيبه شاغل بغمّه لايثق بغير ربّه غريب وحيد حزين يحبّ في اللّه و يجاهد في اللّه ليتّبع رضاه و لاينتقم لنفسه بنفسه و لايوالي في سخط ربّه مجالس لاهل الفقر مصادق لاهل الصدق موازر لاهل الحق عون للغريب ابٌ لليتيم بعل للارملة حفي باهل المسكنة مرجوّ لكلّ كريهة مأمول لكلّ شدّة هشّاش بشّاش لابعبّاس و لابجسّاس صليب كظّام بسّام دقيق النظر عظيم الحذر لايجهل و ان جهل عليه يحلم لايبخل و ان بخل عليه صبر عَقِل فاستحيي و قنع فاستغني حياؤه يعلو شهوته و ودّه يعلو حسده و عفوه يعلو حقده لاينطق بغير صواب و لايلبس الاّ الاقتصاد مشيه التواضع خاضع لربّه بطاعته راض عنه في كلّ حالاته نيّته خالصة اعماله ليس فيها غشّ و لا خديعة نظره عبرة و سكوته فكرة و كلامه حكمة مناصحاً متباذلاً متواخياً ناصح

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 303 *»

في السرّ و العلانية لايهجر اخاه و لايغتابه و لايمكر به و لايأسف علي مافاته و لايحزن علي ما اصابه و لايرجو مالايجوز له الرجاء و لايفشل في الشدّة و لايبطر في الرخاء يمزج الحلم بالعلم و العقل بالصبر تراه بعيداً كسله دائماً نشاطه قريباً امله قليلاً زلله متوقّعاً لاجله خاشعاً قلبه ذاكراً ربّه قانعة نفسه منفيّاً جهله سهلاً امره حزيناً لذنبه ميتة شهوته كظوماً غيظه صافياً خلقه امنا منه جاره ضعيفاً كبره قانعاً بالذي قُدِّر له متيناً صبره محكماً امره كثيراً ذكره يخالط الناس لِيعلَمَ و يصمت ليسلم و يسأل ليفهم و يتجر ليغنم لاينصت للخبر ليفجر به و لايتكلّم ليتجبر به علي من سواه نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة اتعب نفسه لاخرته فاراح الناس من نفسه ان بُغِي عليه صبَر حتّي يكون اللّه الذي ينتصر له بعده ممن تباعد منه بغض و نزاهة و دنّوه ممّن دنا منه لين و رحمة ليس تباعده تكبّراً و لا عظمة و لا دنوّه خديعة و لا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من اهل الخير فهو امام لمن بعده من اهل البرّ فقال فصاح همّام صيحة ثمّ وقع مغشيّاً عليه فقال اميرالمؤمنين7 اَما واللّه لقد كنت اخافها عليه و قال هكذا تصنع الموعظة البالغة باهلها فقال له قائل فمابالك يااميرالمؤمنين فقال انّ لكلٍّ اجلاً لن‏يعدوه و سبباً لايجاوزه فمهلاً لاتعد لمثلها فانّما نفث علي لسانك الشيطان.

ثمّ هذا العالم الذي ناب مناب الامام يجب ان‏يكون عريّاً عن العيوب كلّها فلايكون طويلاً كلّه و لا قصيراً كلّه و لا كوسجاً و لا اعرج و لا اعور و لا سميناً كلّه و لا مهزولا كله بل اذا كان قريباً الي الهزال احسن و لايكون مقوّس الظهر و لايكون اعمي لانّه شيعة الامام7 و نائبه فيكون علي سيرته لئلاّ تنفر عنه القلوب فلذا قال7 المؤمن قليل مع انّ العرب و العجم كلّهم مؤمنون ثمّ لابدّ و ان‏يكون هذا الرجل الالهي واحداً و لابدّ ان‏يكون عارياً في اصل الخلقة من العيوب اللطخيّة العرضيّة.

فان قلت انّه قد ورد انّ شعيب النبي7 كان اعمي فكيف كان شيعة لال‏محمّد و هو من المقرنين و هو اعمي قلت انّه7 لم‏يكن اعمي في اصل الخلقة و انّما عرض العمي لبكائه للّه تعالي فلمّا صار اعمي شفاه اللّه و ردّ اليه بصره ثمّ عمي ثانياً فابصره اللّه ثانياً ثمّ عمي ثالثاً فاوحي‏اللّه اليه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 304 *»

فقال له لماذا تبكي ياشعيب اَفقير انت فاغنيك ام عريان فاكسيك ام جوعان فاشبعك قال7 ابكي لحبّك ياربّي قال تعالي اذاً سَاُخدمك بكليمي فجاء موسي فخدمه مدّة احدي‏عشر سنة و قد كان راعياً لغنمه الي اخرالحديث.

و بالجملة الذي هو موصوف بهذه الصفات و العلامات المذكورة في علمه و عمله و احواله و اخلاقه و خُلقه و سجيّته لولا هذا كان حقّاً و اتي بالحق فعلي الاسلام السلام فلاينكر حقيّة هذا الموصوف الاّ المكابر المعاند للحق.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 305 *»

 (اليوم السابع‏والعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

قلنا انّ دخول البيت لابدّ له من معرفة الاركان الاربعة يعني الاقرار بلااله الاّ اللّه و محمّد رسول‏اللّه و علي ولي‏اللّه و اولاده الاحدعشر و فاطمة الصديقة اولياءاللّه و الاقرار باوالي من والوا و اعادي من عادوا يعني التولّي والتبرّي يعني الاقرار بالشيعة لانّه (اذ هو خ.ل) من اركان الايمان.

فان قلت كيف يكون فاطمة3 من الاولياء والمتصرّفين و كيف يكون انّها حجّة اللّه قلت نعم هي3 حجّة اللّه و هي من الاولياء فانّها هي نذير للخلق و وليّهم لقوله تعالي انّها لاحدي الكبر نذيراً للبشر نعم لم‏تكن مبعوثة علي الخلق لكنّها متصرّفة في الخلق و لولم‏يعلم‏الناس ذلك و لايرونها كما انّ‏الملائكة يدبّرون في الانسان و لايراهم الانسان بل نقول انّ العالم كلّه قائم بها3 و مستمدّ منها 3 لانّ مقام الائمّة: اجلّ و اعلي من هذا.

وبالجملة كان كلامنا في الشيعة فنقول كلّ من اقرّ بالامام7 لابدّ ان‏يقرّ بالشيعة له في‏الجملة لانّه7 كامل فلابدّ له من ظهور فيجب محبّة شيعته7 والشيعة هو التابع الذي معرَبٌ باعراب سابقه كما تقول زيد القائم بالرفع فلو قرأته بالجر فقلت زيدالقائم فقد جررتَه و كسرته فحينئذ لايكون تابعاً هذا اصل الشيعة لانّه قال خلق من فاضل شيعتنا و هو مشتقّ من المتابعة و الشيعة قليلون و لهم صفات و علامات مذكورة في الاثار.

منها ماورد انّه خرج اميرالمؤمنين علي‏بن ابي‏طالب7 ذات يوم الي الجبانة بالكوفة ليصلّي هناك فتبعه قوم فالتفت7اليهم فقال لهم من انتم قالوا نحن

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 306 *»

شيعتك يااميرالمؤمنين فقال لهم مالي لا اري فيكم سيماءالشيعة قالوا يااميرالمؤمنين و ماسيماءالشيعة قال7  هم صُفرالوجوه من السَهَر عمش العيون من البكاء ذبل الشفاه من الظماء خمص البطون من الصيام حَدَب الظهور من القيام و في اخري عمش عيونهم من البكاء خمص بطونهم من الطوي يبس شفاههم من الظماء مطويّة ظهورهم من السجود طيبة افواههم من الذكر و من لم‏يكن كذلك فليسوا منّي و انا منهم بري‏ء و في رواية قال اميرالمؤمنين7 اختبروا شيعتي بخصلتين فان كانتا فيهم فهم شيعتي محافظتهم علي اوقات الصلوات و مواساتهم مع اخوانهم المؤمنين بالمال فان لم‏يكونوا فَاعْزَب ثمّ اَعْزَب و للشيعة نور اشرق و اضوء من نور الشمس و القمر قال7 لاتتعجّبوا من نورالشمس والقمر بل تعجّبوا من نور شيعة علي7 لانّه لاهل السماء انور من نورالشمس والقمر لاهل الارض.

فان قلت انّا لانري نورهم قلت نورهم في الظهور كنور امامهم7 فمن لم‏يره فليس له نور عنده كما ورد انّ المخالفين المنافقين كانوا كلّما يَرَوْن عليّاً7 يقولون اي شي‏ء من علي7 اعجب محمّداً حتي زوّج بنته ايّاه عِظَمُ بطنه7 اَمْ دقّة ساقه اَمْ صفرة وجهه و امّا عند غيرهم فهو 7 انور من كلّ شي‏ء ثمّ انّ الشيعة لو ظهر بنوره يقتلونه الناس بساعته فهو مع انّه لم‏يظهر بالنورانيّة تري حال الناس في حقّه فكيف اذا كان غير هذا و ذلك انّ الشيعة يظهر في كلّ عالم بلباس ذلك العالم فالشيعة عظيم عنداللّه كبيرٌ عند ال‏اللّه مكرّم عند الاولياء لكنّهم لايعرفون قدرهم بل يطفئون الجاهلون المعاندون نورهم و بهاءهم مع انّ مقامهم عظيم محترم لكنّه لمّا جاء اللطخ اذهب ذلك البهاء و ازال ذلك الرونق و النشاط فاخرجهم عن الاحترام فالعاصي من الشيعة العوامّ له عقاب واحد و العاصي من الشيعة العالِم له عقابان عقابٌ لذنبه و عقاب لعلمه لانّ ذنب العالِم كقدر العالم فاذا كان العاصي من الشيعة من السادة فعقابه اعظم و اعظم لانّه هتك حرمة رسول‏اللّه9 ولكنّ العصيان لايخرج العاصي عن الايمان القلبي فهو كالجوهرة الملطخة بالقاذورات و قلبه

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 307 *»

طاهر لانّه من فاضل نور الامام7 فهو معصوم لايعرضه اللطخ لكنّه قال ليس الزاني مؤمناً حين يزني و لا السارق مؤمناً حين يسرق و هكذا فالشيعة الذي فيه اللطخ من المعاصي و السيّئات ليس له احترام و لا اعتبار له لانّه الذي اخرج نفسه من الاحترام فكيف يتوقّع من غيره ان‏يحترموه فلذا لايجوز غيبة المؤمن العاصي مادام هو يستر عليه و ينكر الخلاف و العصيان بخلاف ما اذا تجاهر بالفسق فانّ غيبته حينئذ حلال بل يجب ان‏يُحَدَّ عليه لانّه لا حرمة له و لا كرامة فمن ابغض العاصي من الشيعة لعصيانه جاز له و امّا بغضه له لاجل تشيّعه فانّه حرام بل المبغض اذاً كافر و الشيعة العالم اولي و اعلي و اكمل ممّن هو عامي و الشيعة العالم السيد اولي و اولي بل اعلي و اعلي ممّن دونه.

و بالضرورة انّ العالِم ولدٌ روحاني للامام7 حقيقة هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون فكلّ من لم‏يتلطّخ باوساخ الاعراض و الكدورات فهو التابع المعرب باعراب سابقه فلايقول الاّ بقول امامه7 و لايأخذ بعروة غيره7 و هذا الشيعة التابع الرادّ عليه كالرادّ علي اللّه و هو في حدّ الشرك باللّه و هذا هو الذي تابع في الحقيقة و انّه هو الذي يلاحظ في علمه اربعة و عشرين امراً و هي ملاحظة الموازين الاربعة الكتاب و السنّة و العقل و الافاق ثمّ يتّصف بصفات اربعة و هي ان لايكون عنوداً و لا لجوجاً و لايكون عنده قاعدة مأخوذة من غير اهل‏البيت: و لايحبّ طائفة دون طائفة لانّ حبّ الشي‏ء يعمي و يصمّ و يكون علي الفطرة المستقيمة ثم يلاحظ هذه الثمانية في كلّ واحد من الادلّة الثلاثة و هي دليل‏الحكمة و دليل‏الموعظة الحسنة و دليل‏المجادلة بالتي هي احسن فاذا ضربت الثلثة في الثمانية يكون الحاصل منه اربعة و عشرين.

فاذا عرفت هذا الشأن العلمي في الاستنباط لهذا العالم المنسوب الي ال‏محمّد: فاعلم انّ الرادّ عليه هو الرادّ علي رسول‏اللّه بل هو الرادّ علي اللّه سبحانه فهو في حدّ الشرك باللّه لانّه لم‏يردّ عليه و انّما يردّ علي اللّه و علّة ذلك انّ هذا العالم لايقول الاّ من كتاب اللّه و من سنّة رسول‏اللّه و من العقل القاطع اللامع و من الافاق الساطع و يطابق مايريده من المطالب مع المذهب فكيف

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 308 *»

لايكون ردّه و تكذيبه ردّ و تكذيب علي‏اللّه و هو تعالي يقول انّهم لايكذّبونك ولكنّ الظالمين بايات اللّه يجحدون هذا هو الذي قال7 انظروا الي رجل منكم ممّن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فارضوا به حكماً فانّي قد جعلته عليكم حاكماً و المراد بالحلال و الحرام يعني الاحكام الشرعيّة الفرعيّة لا ما لافايدة فيه و لايعنيه و امّا قوله احكامنا فالمراد به جميع الاحكام لانّ الجمع المضاف يفيد العموم و لاشكّ انّ احصاء جميع العلوم و الاحاطة بها ليس في وسع احد تحصيلها مادام العمر ولو كان عمره خمسمأة سنة و انّما المراد بها اخذ قواعد كليّة تكون تلك القواعد مأوي جميع جزئيّات المسائل قال تعالي و اوحي ربّك الي النحل ان‏اتّخذي من الجبال بيوتاً و من الشجر و ممّايعرشون ثمّ كلي من كلّ الثمرات فاسلكي سبل ربّك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس الاية قال7 نحن النحل و في رواية انّ المراد بالنحل المنتحل بالعلم و المراد بالجبال علم الظاهر و عالم الشهادة و المراد بالشجر علم‏الباطن و عالم‏الغيب و المراد بالبيوت هي القواعد الكليّة و امّا قوله ممّا يعرشون فالمراد به علم الروابط و البرازخ يعني اذا حصّلت قواعد كليّة تكون تلك القواعد مرجعاً لجميع الجزئيّات فقد عرفت احكامنا ثمّ كلي من كلّ الثمرات اي من كلّ الجزئيّات لانّك حينئذ تأتي بصغراه سهل الوصول فتضمّه الي تلك القاعدة الكليّة فتعرف من هذا نتيجة الامر مثلاً تقول هذه العصي مثلاً لااعلم انّها حرام و كلّ شي‏ء لااعلم انّه حرام فهو حلال فهذه حلال كيف و انّك جعل‏اللّه عندك قاعدة كليّة و هي قوله7 كلّ شي‏ء لك حلال حتّي تعلم انّه حرام بعينه و هكذا في الجزئيّات كلّها والمراد من قوله ثمّ اسلكي سبل ربّك ذللاً هو الامام7 كما في الزيارة قال7 انتم السبيل الاعظم يعني لابدّ و ان‏يكون في صورة الانقياد ثابتاً ثمّ تابعاً له7في جميع مايعرفه بل و يكون فهمه تابعاً لاحاديثهم لا انْ‏يجعل احاديثهم تابعةً لفهمه اذا لم‏يطابقه بمعني انّه حيث مايري المطابقة اي مطابقة الاخبار مع ماعرفه من القواعد يأول الاخبار حتّي يطابقها فلمّا كنت انتَ ايّها التابع المنقاد علي ما

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 309 *»

اشرنا من الصفات من اخذ القواعد الكليّة لاستنباط الجزئيّات و كنت متذلّلاً خاضعاً لهم: يخرج حينئذ من بطونك شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس من جميع العلوم و جميع الرسوم فيكون شفاء لداء القلب و امراض الصدر و الخيال و الوهم و الفكر لانّه يعدّل جميع المشاعر و القوي كلّها ثمّ يأهّلها للعلوم الالهيّة والمطالب الحقّة النورانيّة فهذا الشراب الحاصل من الثمرات كلّها دواء لجميع الامراض الجهليّة.

فاذا وجدتم عالماً هكذا فحينئذ في اي حكم له هل يجب عليكم ان‏تقتلوه ام ايّاه تنقادون و تتّبعونه كيف لا مع انّه عامل بالقواعد المقرّرة الفقهيّة الفرعيّة الشرعيّة و الاصول الممهّدة ثمّ يعرف موارد الاجماعات و الاستصحابات و اصل البراءة و اصل الاباحة و مجاريها ثمّ يعرف كيفية الاستنباط من مداركها و يعرف علم الرجال و اللغة و التفسير و يعرف النحو و الصرف و يعرف الكتاب و السنّة بل يعرف كلّ مايعرفونه العلماء و يعلم كلّ مايُعمِلونه في مقام الاستنباط ثمّ يعتقد بالاجماليّات من الاعتقادات من انّ اللّه واحد و انّه تعالي لاشريك له و انّه تعالي لم‏يفوّض الاربعة اي الخلق و الرزق و الموت و الحيوة لاحد من المخلوقين و انّه يقول انّ المعراج جسماني حتّي بثيابه و نعله و انّه يقول بعود هذا الجسم في القيمة ثمّ عنده من الفضل ماليس عندهم من العلوم و الكمالات و يأتي في اثبات كلّ ماليس عندهم من الكتاب و السنّة و المذهب و الافاق و العقل. انصفوني في هذا العالم الجامع هل يصلح ان‏يقال في حقّ مثله انّه خرج من الدين باتيان هذه الزيادات كيف و انّكم ترون العلوم قد انبسطت و الادراكات و الافهام قد توسّعت و زادت و ترقت اَلَيس العلوم قد تفصّلت تفصيلاً بحيث لم‏تكن تلك التفاصيل قبل الحين. هذا صنائع اهل الفرنج من الالبسة الفاخرة البديعة و الاوضاع و الافكار الجديدة والمخترعات الحسنة الحميدة من المأكولات و المعمولات و المسكونات و غيرها هل يسعك ايّها المنصف الذكي ان‏تحكم ببطلانها حيث لم‏تكن قبل الحين.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 310 *»

فان قلت انّكم قد قرّرتم من قبل في مسألة المعاد انّ هذا الجسد لايعود و ذلك كما تري مخالف لضرورة الاسلام و ما عليه كافّة المسلمين.

قلنا ياسبحان‏اللّه اَلَيس قامت الضرورة و الاجماع انّ النص مقدّم علي الظاهر و انّ القرطاس و الخط لاعبرة بهما و ان كان الخط خط المنسوب اليه الحكم ثمّ اَلَيس ان الفقهاء اجمعوا علي انّه لو اوصي رجل الي رجل و جعله وصيّاً لنفسه ثمّ كتب بخطّه بيده انّ فلاناً وصيّي من بعدي علي مخلّفاتي من دون شهود لايعتبر ذلك الخط بحال من الاحوال و كذلك في المرافعات كلّها فانّه لاعبرة بالخط و القرطاس ابداً و بالجملة «لاعبرة بالقرطاس» خرَق الاسماع و ملأ الاصقاع و مثله تقديم النص علي الظاهر اذ الظاهر لايعارض النص اجماعاً من الفقهاء و نحن قد نصصنا معني الجسد و معني العنصري منه و معني ما يعود و ما لايعود افبعد النص و البيان هل لكم من سلطان مع انّ ادلاء الحجة بالقاء مقود البرهان و مذود البيان انفذ من الحسام الباتر و السنان.

و امّا حكمنا علي الملاّصدرا و غيره فاولاً انّا نعلم اعتقادهم بتنصيصهم اي تنصيص اهل الفن منهم و ثانياً انّ كلامهم ليس فيه معارض حتّي يحتمل غيره بخلاف كلام المرحوم الشيخ رحمه‏اللّه‏ و مع‏ذلك كلّه لوحضر الملاّصدرا فينصّ علي مازبره بانّي ماقصدتُ من عبائري هذا اَقْبَلُ منه مع علمي باعتقاده بانّه دون لسانه اذ الاعتقاد امر قلبي لسنا نحن مكلّفين به مادام الامام7 غائباً و بالجملة اذا كان المؤمن يعمل بجميع القواعد المعمول‏بها و يراعي كل الضوابط المسلوك فيها من القواعد المقرّرة عند العلماء الاعلام ثمّ يكون عنده زوايد علي علم الاصول و الفقه مع اقراره بمجمل الاعتقادات التي عليه المسلمون و انّه مع‏ذلك يستدلّ في اثبات الزوايد بالادلّة الخمسة المذكورة اَنْصِفوني ايّها القوم هذا المؤمن الجامع احقّ ان‏يتّبع ان من لايهدّي الاّ ان‏يُهدي.

والعجب انّي لاََسمع انّهم يقولون لتمويه العوام و تدليس الطغام انّ طريقة الشيخ المرحوم مشكوك فيها بخلاف طريقة مَن دونه من العلماء فانّها هي المسلوك فيها قديماً و حديثاً و لاريب في انّ المقطوع المسلوك فيها احوط و اولي من الدخول في المشكوك فيها ثمّ يقولون انّ هذه طريقة السلامة دون ذاك، فاقول يامسكين اَليس طريق السلامة هو ماذهب اليه العلماء الاعلام رضوان‏اللّه عليهم من المفيد الي زماننا الذي هو زمن متأخر المتأخّرين اَليس هؤلاء الاكابر

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 311 *»

المرحومون كانوا يعملون بالكتاب و السنّة و العقل و هم يقولون لاعبرة بالقرطاس و يقولون بتقديم النصّ علي الظاهر و انّه تعالي يقول و لاتقولوا لمن القي اليكم السلام لستَ مؤمناً هل طريقتنا غير طريقة العلماء الاعلام من العمل بالكتاب و السنّة و العقل و هل نحن خالفنا شيئاً منها او قلنا بشي‏ء ليس لنا عليه دليل من النقل فاذا كان الامر علي مانقول أفنحن اذاً علي طريق السلامة ام هم افمن يهدي الي الحقّ احقّ ان‏يتّبع ام‏من لايهدّي الاّ ان‏يهدي فمالكم كيف تحكمون. افحكم الجاهليّة يبغون و من احسن من اللّه حكماً مع انّكم ترون منّي انّي منذ مدّة عشرين سنة في هذه البلدة الشريفة ادرّس واباحث و ارافع و ليس عندي غير طريقة العلماء من الفقه و الاصول و اُجري الاحكام الشرعيّة الالهيّة و الفتاوي المقرّرة المرعيّة والحمدللّه لم‏يَرَ احدٌ منّي شيئاً مايخالف الطريقة من مرافعاتي و فتاواي و امّا الخلاف منهم فعندي موجود و امّا هم فلو رأوا منّي خطاء جزئيّاً في مسألة من المسائل كانوا يجعلونني اِرْباً اِرْباً و عندي بحمداللّه من العلوم ماليس عندهم انّي بعون‏اللّه استدلّ بصحّة ما عندي من العلوم بالادلّة الخمسة المذكورة و بالجملة هذه هي طريقتنا التي هي طريقة العلماء الاعلام رضوان‏اللّه‏عليهم.

و امّا مخالفوا جناب الشيخ الرحوم فامرهم مردّد بين شيئين احدهما الكفر ان‏انكروا هذه الادلّة و القواعد الممهّدة من الكتاب و السنّة التي ذكرناها انّها حقّة بضرورة المسلمين فياويلهم. او الفسق ان‏لم‏ينكروا القواعد و جزئيّاتها و انّما يكون انكارهم علي المرحوم لاجل الدنيا و حبّ الرياسة و امّا اجماعهم علي بطلان طريقتنا فهذا حجّة المخالفين علي بطلان علي7 و شيعته في اثبات خلافة الاوّل و بالضرورة الاجماع في اثبات الرئيس باطل فلو كان الاجماع حجّة مطلقاً لكان للمخالفين حجّة علينا ضرورة انّ في صدر الاسلام لم‏يكن الاّ علي و اربعة انفس فان الباقين يومئذ كانوا علي الخلاف اذ الناس كلّهم اجمعوا علي خلافة الاوّل فان كان الاجماع حجّة بالمعني الذي توهّموا في بطلان طريقة الشيخ كان اجماع اهل الخلاف حجّة بالنسبة الي الشيعة فالجواب الجواب يعني انّ جوابكم في ابطال اجماعهم هنالك فهو جواب لنا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 312 *»

في ابطال قولكم هنا مع انّ الكثرة قد ذمّها اللّه سبحانه في كتابه في ثمانين موضعاً كما قال اكثرهم لايفقهون ، لايعلمون ، لايشعرون ، لايبصرون ، لايعقلون ، لايتدبرون ، لايتفكرون ، اكثرهم كافرون ، و انّ اكثركم فاسقون ، و اكثرهم منافقون ، و اكثرهم مشركون ، اكثرهم ظالمون ، و اكثرهم للحقّ كارهون ، و اكثرهم يجهلون ، و ما اكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين. و امّاالقلّة فهي محمودة ممدوحة كما قال تعالي و قليل من عبادي الشكور ، و قليل ماهم ، و مافعلوه الا قليل ، و ماشربوا منه الاّ قليلاً ، و ما اوتيتم من العلم الا قليلاً ، قليلاً ما يؤمنون ، و انّ هؤلاء لشرذمة قليلون ، و كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة. و الاجماع هو دليل معوية علي اثبات حقيّة مذهبه مع ابن‏عباس حيث قال ياابن‏عباس اتظنّ انّ عليّاً و هذه الاربعة يدخلون الجنّة فقط و هذا الخلق الكثير كلّهم في النار قال نعم الا تري انّ موسي لمّا خلّف هرون محلّه و ذهب الي الطور فلمّا رجع فاذاً قومه كلّهم راجعون من الدين الذي اوقفهم عليه الاّ الاربعة و الباقون كلّهم هالكون و هم في نار جهنّم خالدون فالاجماع بمعني الاكثر عدداً ليس بحجّة لاسيّما في اثبات الرئيس.

و امّا الاجماع الذي هو من ادلّة الفقه فالمناط هو الكاشف عن قول المعصوم لاالكثرة فقط قال الباقر7 الناس كلّهم بهائم الاّ المؤمن و المؤمن قليل و المؤمن قليل. فالبهائم لااعتناء بقولهم و لا باجماعهم لانّ غير المؤمن في النار و لقد ذرأنا لجهنّم كثيراً من الجنّ والانس لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم اذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضلّ اولئك هم الغافلون فهؤلاء البهائم انّي لااحزن من انكارهم و لاافرح بتصديقهم لانّهم لم‏يؤمنوا بالحسين7 بالنورانيّة فكيف بشيعته اُشهد اللّه و كفي به شهيداً انّي لااحتاج الي هذا الخلق الذين لم‏يعاملوا مع امامهم الحسين7 معاملة الرعيّة الا تري انّهم قائلون بالكمالات و الاحاطات بالنسبة الي الملائكة و الاجنّة و ارباب التسخير و التدبير ثمّ تريهم يدخلون بيت الامراء و السلاطين بل الوزراء و ارباب الدنيا و هم في محضرهم خاضعون بخلافهم في حضورهم بحضرة الحسين7 فانّهم يعاملون معه معاملة الموتي الذين هم لايشعرون مع انّهم يقولون بالسنتهم و لاتحسبنّ الذين قتلوا في سبيل‏اللّه امواتاً بل احياء عند ربّهم يرزقون ولكنّهم قوم لايشعرون حيث انّهم لايخضعون كما انّهم لارباب الدنانير والدراهم يعملون آه آه كيفَ و اَنّي اذكر مااعطاني ربّي

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 313 *»

من المراتب و المقامات ثمّ المعارف و الكمالات و لكنّي اقول اتماماً للحجّة حتّي لايقول احد ياربّ لولا ارسلت الينا رسولاً فنتّبع اياتك و نكون من المؤمنين و حتّي اقول في الرجعة عند شكاية النبي9 و الائمّة: من الخلق و اقول ياربّ انّي بيّنت و بلّغت و افصحت و اعربت و اوضحت و دلّلت و برهنت و فصّلت لكنّ الناس كالبهائم فاذا كان اعتقادنا و عملنا في فروعنا و اصولنا هو ماعليه الفرقة المحقّة ثمّ نأتي بشي‏ء من المطالب والمسائل التي لم‏تكن عندهم مع انّا مستدلّون عليها بالنقل و العقل و المذهب و الافاق و مع ذلك لم‏نكن علي الحق فمن ذاالذي يكون اذاً علي الحق فمالكم كيف تحكمون افحكم الجاهليّة يبغون و من احسن من اللّه حكماً.

و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 315 *»

 (اليوم الثامن‏والعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

كان كلامنا في كيفيّة دخول البيت و الدخول عبارة عن المعرفة التي تنحل بالمعارف السبعة في المراتب الاربعة بيان ذلك ان قال الصادق7 انّكم لن‏تؤمنوا حتّي تعرفوا و لن‏تعرفوا حتّي تصدّقوا و لن‏تصدّقوا حتّي تسلّموا ابواباً اربعة لايكون اوّلها الاّ باخرها و لايكون اخرها الاّ باوّلها ضلّ اصحاب الثلثة و تاهوا تيهاً بعيداً. و اعلم انّ الايمان هيهنا نفس الاسلام و قال علي‏بن‏الحسين7  في حديث جابر و هو طويل الي ان تلا 7 قوله تعالي فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا و ماكانوا باياتنا يجحدون و هي واللّه اياتنا و هذه احدها و هي والله ولايتنا ياجابر الي ان قال اَوَتدري مَا المعرفة المعرفة اثبات التوحيد اوّلاً ثمّ معرفة المعاني ثانياً ثمّ معرفة الابواب ثالثاً ثمّ معرفة الامام رابعاً ثمّ معرفة الاركان خامساً ثمّ معرفة النقباء سادساً ثمّ معرفة النجباء سابعاً و هو قوله تعالي قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربّي لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلمات ربّي ولو جئنا بمثله مدداً والمعرفة يعني حقيقة المعرفة هي هذه السبعة التي لايكون كلّ من السبعة الاّ بتلك الاربعة يعني الايمان و المعرفة و التصديق و التسليم و هذه السبعة يجمعها لااله الاّ اللّه محمّد رسول‏اللّه علي و اولاده اولياءاللّه اوالي من والوا و اعادي من عادوا لانّ بعد مرتبة الامامة ثلث مراتب هم الشيعة الاركان و النقباء و النجباء و لاشكّ انّها ليست رتبتها فوق رتبة الامام7 فيكون تحت رتبته7 و لايكون بعد رتبة الامام7 رتبة الا رتبة الشيعة و الرعيّة فالاقرار بالثلثة يستلزم الاقرار بالرابع كما مرّ مراراً.

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 316 *»

ثمّ بعد ما عرفت اركان المعرفة اجمالاً فاعلم انّه قد ورد حديث من العامّة و الخاصّة انّ النبي صلّي‏اللّه عليه واله قال يأتي في رأس كلّ مأة سنة مروّج للشريعة بعد مااندرست و خفيت و هذا الخبر مقبول معمول‏به عند الاصحاب حتّي انّهم عيّنوا رؤساء جميع المئات الاثنتي‏عشرة من الهجرة الي زماننا هذا فقالوا انّ في رأس مأة الاولي كان المروّج للشريعة الرضا7 ثمّ في الثانية محمّد بن يعقوب الكليني ثمّ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد رضي اللّه‏ عنه الي ان وصلت النوبة الي المأة المتأخّرة في المأة الاثنتي‏عشرة فقالوا انّ المروّج لها كان الاقاباقر المؤسّس البهبهاني او الشيخ حسين آل‏عصفور فعلي اي القولين لابدّ من مروّج لكنّ المروّج هو الذي يظهر ماكان مخفيّاً من الشريعة لا ما هو المعروف عند الناس والاّ يلزم ان‏يكون كلّ احد من الاصحاب مروّجاً و هو كما تري فبناء علي هذا لايكون للحديث مصداق اصلاً فالمروّج كأنّه نوع من المؤسّس مثلاً والاّ فهو من الشريعة المخفيّة علي الناس و لايلزم ان‏يكون المروّج مبسوط اليد و لا معروفاً مشهوراً و انّما يجب ان‏يكون هو مظهراً لماخفي علي الناس.

لايقال انّ المروّج لدين النبي9 هوالصادق7 حقيقة لانّا نقول انّ في زمانه7 كانت التقيّة شديدة بحيث لم‏يبرز امرالولاية في انّ عليّاً7 هوالخليفة بلافصل ام هو رابع الخلفاء و كذلك حدوث الارادة و نحوها فماظنّك اذاً بفضائله و اسراره7 و سائر البواطن و قد كانت التقيّة مستمرّة الي زمان مولينا الرضا7 فانه7 قد بيّن امرالخلافة بياناً ظاهراً باهراً واضحاً حتّي ورد انّ المأمون كان يجمع العلماء و يناظرهم و يباحثهم في اثبات خلافة علي7 بلافصل و اثبت7 حدوث المشيّة و الارادة و ابطل كثيراً من اقوال الفلاسفة و الصوفيّة و الملاحدة و ابرز شريعة جدّه9 ممّا كان مخفيّاً علي الامّة و روّج السنّة والطريقة بحيث امتاز اهل الحق من اهل الباطل امتيازاً بيّناً جليّاً.

ثمّ في رأس المأة الاخري جاء محمّد بن يعقوب الكليني رحمه اللّه‏ جمع مااندرس من الاحاديث المنثورة التي جعلوها في الابنية و التي دفنوها تحت الارض و التي تفرّقت و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 317 *»

انتشرت عند الناس في البلدان البعيدة نُقل انّه رحمه اللّه‏ كان له حمار متي يسمع انّ في البلدة الفلانيّة رجلاً عنده رواية يأمر بحماره فيركبه قاصداً الي ذلك الجانب لتحصيل تلك الرواية و تهذيبها و تنقيدها و هكذا كان ديدنه رحمه‏اللّه الي ان تمّ كتابه الكافي في مدّة خمسة وعشرين سنة و هو كتاب كفي مئونة الناس كلّهم فأخذوا اصولهم و فروعهم و ادابهم جميعاً من كتابه. «كل خوشه‏چين خرمن اويند».

ثمّ جاء من بعده رحمه اللّه‏ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد في رأس مأة اخري فروّج العلوم و الشرايع و اثبت مسألة الامامة و المعاد و العدل و سائر الاحكام و الاصول من المذهب و بيّن طريقة الاستنباط و اعرب عن نهج الاستدلال و الاحتجاج علي الناصبة و افصح عن كيفيّة نمط العمل بالعامّ و الخاصّ و المطلق و المقيّد و المجمل و المبيّن و النص و الظاهر و وجوه التعارض مابين ذلك كلّه و ساير طرق البرهان و الاستدلال من القواعد المهذبة و الاصول المتقنة و القوانين المحكمة المتينة كلّها فشرحها رحمه‏اللّه و اوضحها الي ان صارت النوبة في المتأخّرين الي الاقا و الشيخ حسين آل‏عصفور رحمهمااللّه‏ في طريقته في رأس المأة الاثنتي‏عشرة كما اشرت اليه.

فلمّا تمّت المئات‏الاثنتاعشرة التي هي تمام دورة القمر و كمال تلك الطريقة من اظهار ظاهر الشريعة و الاعتقادات الاجماليّة التي اتي‏بها النبي9 و كلّف الناس بها و اكتفي منهم بها و تمّ الاثناعشر من المروّجين كعدّة الاوصياء الاثني‏عشر من كل نبي من الانبياء الذين هم اولواالشرايع ثمّ تمّ بذلك مبدء الدور الاوّل للمروّجين جاء مبدء دور اخر طوره غير طوره و امره وراء امره نسبة هذا الدور الي الدور الاول في الكمال نسبة الروح الي الجسد فصار ذلك الذي بدا و ظهر علي رأس المأة الثالثة عشرة هوالمروّج لذلك الامر المختفي عن الناس و لابدّ ان يكون المروج واحداً فهنالك اُلبِس الشرعُ لباساً اخر علي احسن مايكون.

و حيث انّ كلّ حق من اللّه لابدّ ان‏يكون هذا الواقف علي رأس المأة المجدّد لاوّل الدورة الثانية ملقّباً بزين‏الدين اي مزيّن‏الدين لا مؤسّسه ثمّ لابدّ لهذا المروّج ان‏يخرج القبايح و يبطل الشكوك والشبهات و يوضح الامر

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 318 *»

كمال الايضاح بحيث يعرفه كل من طلبه كالشمس في رابعة النهار و هو الطريق المَهيَع العدل ثمّ لابدّ ان‏يكون هذا المروّج له قوّة ايمان و علم و معرفة حتّي دولة الامام7 و عصره عجّل‏اللّه فرجه وبجّل فلجه.

تعرّضت عن قولي بليلي و تارة   بهند فلا ليلي عنيت و لا هنداً

اقول انّ الاشارة هذه كالشرارة من النار في القلوب لينتفعوا بها يوماًمّا.

ثمّ اعلم انّ كل دورة من الشمس اثناعشر من دورة القمر يعني انّ كلّ نبي من اولي‏الشرائع له اثناعشر وصيّاً يعني انّ كلّ شريعة تكمل في هذه المدّة و ترسخ في الاذهان ثمّ بعدهاتأتي دورة اخري علي نحو اخر و هكذا و حيث كانت الشريعة دائمة مستمرّة الي نفخ الصور من دون نسخ وجب ان‏يظهر في كل دورة اثنتي‏عشرة مأة، مبدء كلّ دورة علي نحو اخر و طور وراء طور الدورة الاولي كلّ ذلك من شريعته9 و ذلك كولوج الروح في الجسد بعد تماميّة الجسد و كماله ثمّ شيئاً فشيئاً يترقّي الي تمام الاثنتي‏عشرة دورة و هكذا و لايخفي انّ الدورة الاتية مطلقاً بالنسبة الي الدورة الاولي حكمها في مقام و درجة بحيث لو اظهره مُظهر ذلك الحكم قبل ظهور الدورة الثانية و اهلها ينكره اهل الدورة الاولي فيقولون انّ هذا محال كما تري ذلك في الابريسم بعد ماكان شيئاً مجملاً قبل صيرورته شليلاً تراه ولكنّك لاتعقل انّه ينحلّ و يطول فلمّا جعلته في القِدر و جعلته شليلاً ثمّ يعمل فيه النسّاج ثم الخيّاط تري امراً اخر لم‏يمرّ بخيالك ابداً فاذا رأيت ثمّ رأيت نعيماً و ملكاً كبيراً و كذلك الجنين في بطن الامّ لانّ غذاءه من دم‏الحيض من السُرّة ثمّ بعد الخروج ينقلب للام لبناً خارجاً من الثدي يمصّه بفمه ثمّ ادا ارادت امّه ان‏تغذّيه بالخبز و نحوه تترجمه امّه بمضغها في فمها مع لعاب فيها ثمّ تغذّيه فلمّا كبر الطفل و تقوّي يتغذّي من الاطعمة اللذيذة الشهيّة الاّ اذا كان مريضاً فانّه لابدّ ان‏يعدّله الطبيب بتشريب المنضجات و المسهلات و العلاجات النافعة و امّا الجنين فلوتغذّي من غيرالحيض لايسعه فانّه يموت بل و لايجد غيرالدم و كذلك اذا لم‏يشرب الحليب

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 319 *»

بعد خروجه من البطن الي الدنيا و هكذا و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الاّ العالمون قال7 في قول‏اللّه عزّ و جلّ فلينظرالانسان الي طعامه قال قلت ماطعامه قال7 ينظر الي علمه عمّن يأخذه.

فلمّا عرفت المثال و علمت انّ العلم غذاء للانسان علمتَ بالتفكر درجات العلوم و ترقّيات الانسان كتفاوت الاطعمه و ترقيات الجسد لان العلوم غذاء للروح كما انّ الاغذية المعروفة للجسد حرفاً بحرف الا تري انّ الافهام كيف زادت و ترقّت في زماننا بحيث يعرف اهل هذا الزمان في سنة مالايعرفة اهل الزمان السابق في مدّة عمرهم و لاريب انّ اسباب الاستنباط من اللغات و الرجال و النحو و الصرف و سائر المقدّمات و القواعد الاصوليّة كثرت و وضحت بحيث لايحتاج المستنبط الاّ الي النظر و المطالعة من دون تعلّم من المعلّمين و ذلك اذا عرف اللفظ في الجملة و كان له سليقة مستقيمة كان غنيّاً في ذلك و لاريب انّ الاجتهاد الان في زماننا اسهل مايكون لانّ العلماء شكراللّه مساعيهم الجميلة دوّنوا و هذبوا و جعلوا جميع مايحتاج اليه الناس متقناً مهذباً متيناً حتّي انّهم فصلوا و ميزوا صحاح الاحاديث من ضعافها و حسانها من موثقها و غير ذلك و نقّحوا طريق الاستنباط و وجوهه و اسبابه تنقيحاً تاماً بلغ الي الغاية و وصل الي حدّ النهاية بحيث ان كان عنده كتاب واحد كالحدائق او شرح‏الكبير مثلاً لكفي قطعاً للجامعيّة والشمول. نعم يحتاج الي العدالة التي هو الاصل و المراد بالعدالة هنا هو الملكة الراسخة التي تمنعه عن الاقتحام في المعاصي و السيّئات و هذا امر صعب جدّاً. لايقال انّ كلّ مجتهد يجب ان‏يكون عادلاً ثقة لانّا نقول نحن نري الان انّ المجتهدين كثيرون و مع‏ذلك يخالفون ضرورة الاسلام كما اسلفنا فارجع فافهم فالملكة شرط عظيم للمجتهد و امّا حسن الظاهر و ان كان يكفي هو في اثبات العدالة ظاهراً الاّ انّه لايكفي في الاجتهاد بالنسبة الي الاتباع من حيث التقليد و جعله واسطة بينه و بين ربّه.

و بالجملة فلمّا كانت الاسباب سهل التناول يسر الوصول في زماننا لكلّ طالب اراده وجب الاجتهاد و الاستنباط للناس الاّ المستضعفين منهم فبناء علي سهولة الاسباب و الادوات و قرب تناولها و تداولها في زماننا يكون شهرة المتأخّرين اقدم و ارجح عند

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 320 *»

التعارض مع شهرة المتقدّمين هذا اذا كان البناء علي القول بالتعارض فالمتقدّمون و ان كانوا اقرب زماناً الي المعصوم او الي ادراكه او ادراك القرائن ولكنّهم لم‏يتمكّنوا من العلم كما نحن الان متمكّنون منه و ذلك انّهم قد وقعوا في شدّة التقيّة و ضعف الاسلام و قلّة اهل الايمان و التشيع و غلبة اهل الباطل و الخلاف و قوّة شوكتهم يومئذ عرف ذلك من تتبّع الاخبار و جاس خلال ديار الاخيار و احوال اولئك الابرار في الجملة و بالجملة فمناط التقليد الوثاقة والعدالة اي لابدّ و ان‏يكون صاحب المقام واجداً بل واقفاً علي النفس القدسيّة ثمّ يكون ورعاً ثمّ يكون في نفسه داع الي ترك المعاصي والمنهيّات ليكون مأموناً علي الدماء و الفروج واموال المسلمين ليكون نائباً للامام7 و قائماً مقامه حتّي لايقع في الحشر في مَعْرَض خطاب اللّه للخلق ءاللّه اذن لكم ام علي اللّه تفترون.

و بالجملة كان الكلام في المروّج فنقول لابدّ و ان‏يكون في زماننا الان مروّج كما هو صريح الحديث المعمول به و لانسخ له في العمل به مع انّه متّفق‏عليه بين الفرقة المحقّة و لانكير و لاشكّ انّه موجود و هوالمروّج المرفوع المنصوب من اللّه تعالي و هو غيرمجرور و غيرمنصرف و لامكسور و لامخفوض و انّما اعداؤه مخفوضون مجرورون مكسورون و هوالذي يصدّق بجميع مااتي‏به الاوّلون اصولاً و فروعاً فانظر الان في اقطار الارض و اكنافها و مناكبها هل تري من مروّج يحيي العلوم و يعلم بماجاء به‏النبي9 و يظهر جهات هذه الشريعة و وجوهها التي كانت مخفيّة علي الناس قبل ذلك و هذا لايقال انّه نسخ كما كان صلّي‏اللّه عليه واله مأموراً علي ان‏يصلّي مدة الي بيت‏المقدس ثمّ عدل منه الي مكّة ثمّ امر كلّ وصي من اوصيائه ان‏يبرزوا حكماً من احكامه في زمان من الازمنة علي ملاحظة مصالح الناس و المكلّفين كما انّ مولانا الصاحب عجّل اللّه‏ فرجه لمّايظهر يجدّدالدين و يُظهر احكاماً اُخر من هذه الشريعة التي كانت في زمن رسول‏اللّه9 مخفيّة.

لايقال لو كانت هذه الاحكام موجودة فما معني ظهورها و ابرازها ولولا كانت موجودة مامعني بيانها اذ ليس شي‏ء اصلاً حتّي يحتاج الي البيان لانّا نقول انّ رسول‏اللّه9 كان رسولاً علي تبليغ ولاية علي7 كما

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 321 *»

يُعلم من قوله تعالي يا ايّها الرسول بلّغ ماانزل اليك من ربّك فان لم‏تفعل فمابلّغت رسالته واللّه يعصمك من الناس فهو9 مع هذا الامر و العصمة عن شرّهم ماابرزها الاّ بعد ثلث و عشرين سنة في حجّة الوداع فالجواب الجواب و نحن قد بيّنا سابقاً انّ الامكان تدريجي يترقّي شيئاً فشيئاً و يعلوا امراً فامراً و هذا بديهي ولكنّ اكثر الناس لايعقلون بل و اذا نبّههم منبّه لايشعرون فاذا كان الناس اهل البصيرة والنظر و رأوا انّ اللّه حكيم يزيد الاشياء و يرقّيها شيئاً فشيئاً كما مثّلنا بالجنين و الابريسم نعم ولكنّه كما قال تعالي و كأيّن من اية في السموات و الارض يمرّون عليها و هم عنها معرضون نعم قال تعالي فيهم ولقد ذرأنا لجهنّم كثيراً من الجنّ والانس لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اذان لايسمعون بها و لهم اعين لايبصرون بها اولئك كالانعام بل هم اضلّ اولئك هم الغافلون فلولاهم محجوبين غافلين لشاهدوا ماقلنا.

وبالجملة في رأس كلّ مأة لابدّ من وجود مروّج كما ذكرت فامّا في هذه المأة فالحمدللّه ظهر ذاك الطود العظيم فاظهر ماكان مخفيّاً من الشرايع والاحكام و ابرز ماكان كساداً من العلوم و منبوذاً من الرسوم.

تعرّضت عن قولي بليلي و تارة   بهند فلا ليلي عنيت و لا هنداً

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 323 *»

اليوم التاسع‏والعشرون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

قلنا انّ من شرايط دخول البيت الايمان و قلنا انّ الايمان لايتحقّق الاّ باربعة اركان الركن الاوّل لااله الاّاللّه و الركن الثاني محمّد رسول‏اللّه9 و الركن الثالث علي ولي‏اللّه و الركن الرابع اوالي من والوا و اعادي من عادوا فامّا الاركان الثلثة الاول فهي معلومة ظاهرة لكلّ احد ولكنّ الركن الرابع هو الداء العضال و محنة الرجال و زلّة الابدال.

و هيهنا مسألتان احديهما علّة كون الاركان اربعة مع انّ المقصود هواللّه المعبود تعالي و انّ الايمان هو معرفة اللّه تعالي وحده لاشريك له و ثانيهما تعيين الركن الرابع بالعلامات و الصفات.

فامّا الاولي فنقول انّ علّة التكاليف الاربعة بالاركان الاربعة اختبار المؤمن الحقيقي من المنافق و لهذا لما عرض علي‏الخلق لااله الاّاللّه و كلّفهم به انكره كثير من الخلق و اعرضوا فصاروا كفّاراً رأساً والذين اقرّوا و امنوا بلااله‏الاّاللّه اراد اللّه تعالي ان‏يختبرهم بتكليف محمّد رسول‏اللّه9 فلما عرض عليهم التكليف هذا خرج كثير من الناس من ايمانهم الظاهري و اظهروا نفاقهم منهم البراهمة الذين انكروا الانبياء رأساً و العمدة في الاختبار اخراج ضغائن الصدور و ابراز نفاق القلوب فلمّا كان المقرّون بمحمّد صلّي‏اللّه عليه واله كثيرين اختبرهم بعلي7 بالايمان به لانّ الايمان باللّه لايتمّ الاّ بالايمان بمحمّد9 والايمان بمحمّد لايتمّ الاّ بالايمان بعلي7 فلمّا عرض عليهم هذا انكرته جماعة كثيرون فامّا الذين امنوا لابدّ من اختبارهم بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنّا و هم لايفتنون و لقد فتنّاالذين من قبلهم

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 324 *»

 فليعلمنّ اللّه الذين صدقوا و ليعلمنّ الكاذبين. ام حسبتم ان‏تتركوا و لمّا يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم و لم‏يتّخذوا من دون‏الله و لارسوله و لاالمؤمنين وليجة واللّه خبير بماتعملون. ام حسبتم ان‏تدخلوا الجنّة و لمايأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضرّاء و زلزلوا حتّي يقول الرسول و الذين امنوا معه متي نصراللّه الا انّ نصر اللّه قريب. ام حسبتم ان‏تدخلوا الجنّة و لمّايعلم اللّه الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين. ام حسب الذين في قلوبهم مرض ان لن‏يخرج اللّه اضغانهم ولو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم و لتعرفنّهم في لحن القول واللّه يعلم اعمالكم. ولنبلونّكم حتّي نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلو اخباركم. ماكان اللّه ليذر المؤمنين علي ماانتم عليه حتّي يميز الخبيث من الطيّب و ماكان اللّه‏ ليطلعكم علي الغيب و لكنّ اللّه‏ يجتبي من رسله من يشاء فامنوا باللّه‏ و رسله و ان تؤمنوا و تتقوا فلكم اجر عظيم.

فلمّا اختبرهم في ايمانهم بمحمّد9 بالايمان لعلي7 انكر منهم كثيرون فعرفنا انّهم لم‏يؤمنوا برسول‏اللّه والاّ لكانوا قبلوا منه قوله (تعالي خ ل) فيما اراد منهم من ولاية علي7 مااتيكم الرسول فخذوه فلمّا لم‏يؤمنوا بمحمّد9 عرفنا انّهم لم‏يؤمنوا باللّه تعالي لانّه تعالي قال مااتيكم الرسول الاية و امّاالذين ماتوا او قتلوا قبل عرض ولاية علي7 عليهم فهؤلاء ان كانوا معتقدين في قلوبهم اجمالاً بانّ كلّ ما جاء به النبي صلّي‏اللّه عليه واله و اتاهم به من التفصيل يقبلون و يعتقدون كانوا ناجين ثمّ في الجنّة خالدين والاّ فهم من اصحاب النار هم فيها خالدون كما انّ كثيراً من اهل البدر من اهل جهنّم نعم المؤمنون منهم بعلي اميرالمؤمنين7 فاولئك يدخلون دار الرضوان و يبقون فيها خالدين ابدالابدين كلّما جاءهم رسول بما لاتهوي انفسم فريقاً كذّبوا و فريقاً يقتلون وبالجملة بعد عرض التكليف لولاية علي7 لم‏يبق من هذا الخلق الكثير الاّ اربعة انفس فقط.

ولمّا زاد المؤمنون بعلي7 اختبرهم بتكليف اخر ماكان اللّه ليذرالمؤمنين علي ماانتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيّب الاية فلايقبل اللّه الايمان الظاهري حتّي يكلّف عباده بما يخرج به اضغانهم و كذلك لمّا خرج علي7 الي الاخرة اوصي الي الحسن7

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 325 *»

فكلّفهم الحسن 7 فبذلك انكر كثير منهم و آمن بعض قليلون ثمّ اختبرهم بالحسين7ثمّ بعلي‏بن الحسين7 ثمّ بمحمّدبن‏علي7 ثمّ بجعفربن محمّد7 ثمّ بموسي‏بن‏جعفر7 ثمّ بعلي‏بن‏موسي7 و هكذا الي اخرالائمّة: فبكلّ وصي من الاوصياء و تكليفه خرج جمّ غفير من الناس فكفروا و ارتدوا علي اعقابهم ظالمين من الكيسانيّة و الزيديّة و البتريّة و الجاروديّة و الناووسيّة و الفطحيّة و الاسماعيليّة و الواقفيّة و غيرهم فلمّا تمّ الاثناعشر المعصومون و كمل عدّتهم خرج من خرج و بقي من بقي من الامّة و هم اي البقية القليلة صفوة الصفوة و خيرة الخير و خلاصة الكبر و هم نخبة الوجود من الغيب والشهود.

فلمّا عرفت انّ اللّه‏ تعالي اختبر الموحّدين المقرّين بلااله الاّاللّه بالرسل الذين هم قائمون في الخلق مقام‏اللّه ثمّ الرسل اختبروا الناس باوصيائهم القائمين مقامهم و الاوصياء واحداً بعد واحد منهم اختبروا الناس من المؤمنين بهم و ذلك لاظهار البواطن و اضغان الصدور و عرفت انّه لما لم‏تكن المصلحة مقتضية لارتحال الامام الثاني‏عشر عجّل الله فرجه من هذه‏الدار الي دارالاخرة والاّ لزم خراب الدنيا و انعدام السفلي و العليا و علمت انّ المصلحة ليست في ظهوره7 ايضاً فغاب فاعلم انّه يجب عليه7 ان‏يجعل لنفسه نائباً في الخلق من شيعته لئلاّ يكون الناس مهملي الناصية و لئلاّ يقولوا لولاارسلت الينا رسولاً فنتّبع اياتك فاختبرهم بذلك النائب له لانّه ماكان اللّه ليذرالمؤمنين علي ماانتم عليه حتّي يميز الخبيث من الطيّب لانّ مدّعي الايمان كثيرون مع انّه7 قال المؤمن قليل المؤمن قليل و قال انّ الناس كلّهم بهائم و قال تعالي و قليل من عبادي الشكور فلمّا وجب اختبارهم بذلك النائب كلّفهم بمعرفته لانّ اركان المعرفة اربعة كما علمت مما ذكرنا سابقاً حتي يعلم المؤمن منهم من المنافق سنّة اللّه التي قد خلت من قبل فلن‏تجد لسنّة اللّه تبديلاً و لن تجد لسنّة اللّه‏ تحويلا.

فان قلت انّه هل يختبرون بعد ذلك بركن اخر اي الخامس و هكذا قلنا لايكون ذلك لانّ الشيعة مقام النور و هو مقام الاثر فلايكون انزل من مقام الاثر شي‏ء ولذا قلنا ان اركان الايمان اربعة فافهم

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 326 *»

فلمّا غاب الامام7 جعل له نوّاباً اربعة في الغيبة الصغري التي مدّتها سبعون سنة و قال للناس كل من يخالف عثمان بن سعيد او محمّد بن عثمان او الحسين‏بن‏روح او علي‏بن‏محمّدالسيمري خرج عن الدين و هؤلاء الاربعة كان كلّ واحد منهم بعد واحد في تلك المدّة و لهذا خرج جمّ غفير من الايمان الصوري بمخالفتهم للنواب المخصوصين المذكورين كالشلمغانيّة والحلاّجيّة و الخطّابيّة و البلالية و النميرية و ادّعوا انّ رؤساء هؤلاء هم النوّاب للامام7  دون الاربعة المنصوص عليهم فخرج في لعنهم توقيع منه7.

فلمّا تمّت مدة زمن الغيبة الصغري في عهد الاربعة من ابتداء الاوّل الي اخرهم الرابع غاب7 اثره مطلقاً بالغيبة الكبري و وقعت ممتدّة الي زمن الفرج و بيان الفلج و تثقيف الاود و العوج اختبر7 الناس بالنائب العامّ مدي الدهر و الاعوام ليكون الاختبار و الامتحان اعظم و اعظم و الفتنة صماء صيلم يسقط فيها كلّ بطانة و وليجة لاينجو من لجّتها الا من اختاره من خاصّة شيعته بحق السمات و صدق الصفات من غير انتحال و لادعوي بلاتكلف و لاعدوي لانّ النائب العام من غيرتخصيص احد و لاتعيين اَنسب الي الحكمة و اقرب من المصلحة بخلاف النائب الخاصّ و النواب الخاصة لانّ فيهم نوع الجاء و الزام يتراءي الا تري انّ كلّ من خالفهم خرج توقيع في لعنه فهم كانوا لايخالفون النواب الخاصة خوفاً من اللعن و الرجم و هو نوع من شبه الجاءٍما في‏الجملة فورد انّ الامام7 لما غاب ثانياً اي قطع الخبر و حسم الخبر و منع الغور و السبر سألوه عن النائب بعد الاربعة قال7 في جواب السائل للّه امرٌ هو بالغه فلمّا كان كذلك اشتدّ الامر و تفاقم الخطب و عظم الشأن فصار التبين و الامتياز بالصفات و الاثار و العلامات فقال7 في توقيعه المبارك فامّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانّهم حجّتي عليكم و انا حجّة اللّه.

و قال7 انظروا الي من روي حديثنا الي قوله فارضوا به حكماً فاني قد جعلته عليكم حاكماً لكن حجّة اللّه‏ علي الدّ الخصام و النائب في غيبة الامام7 نوعان خاصّ و عامّ و امّا النواب الخاصة فكالنحويين في النحو و الصرفيين في الصرف كابي الاسود الدؤلي و سيبويه و الخليل بن احمد والكسائي و ابن السكيت و غيرهم في اللغة و الكلم و الاعراب و الاشتقاق و التصاريف و اهل الصنايع والحِرَف كالصياغة و

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 327 *»

الخياطة و الصباغة و النجارة و التجارة و غيرها من لطائف صنايع الافرنج و الاطبّاء من اليهود و النصاري و المجوس و الزنادقه فكلّهم جميعاً من حيث ذلك الحق الذي عندهم و الكمال الذي صار اليهم نواب الامام7 بحيث ردّه ذلك من جهة علمه او ابطال عمله و اعدامه ردّ علي الامام7لاجل فاقة الخلق في دنياهم و معايشهم الي ذلك العلم و الكمال و حاجتهم الي تلك الحِرفة و الصناعة، و الحرف ايضاً علم لانّه بالبديهة من لم‏يعرف معرفة النجارة و اوضاعها و اصولها لم‏يعمل في نفسها و لايقدر علي فعله ابداً فالعلوم كلّها من الامام7 قال صلّي‏اللّه عليه واله ياابن‏عباس لن تجد حقّاً بيد احد الاّ بتعليمي و تعليم علي7 و قال7 ان ذكر الخير كنتم اوّله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و قال7 و اشهد انّ الحق معكم و فيكم و منكم و اليكم و انتم اهله و معدنه و قال7 انّ لنا اوعية من العلم نملؤها علماً لتنقل اليكم خذوها فصفّوها بيضاء نقيّة صافية فنكّبوا الاوعية فانّها اوعية سوء فلايتوهّم انّ هؤلاء المخالفين هم المرجع للناس لانّ مرجعيتهم لهذا الخلق من باب انّ الضرورات تبيح المحظورات و هذا انّما يكون كذلك في دولة الباطل و اما عند رجوع دولة الحق و نصابها فلايحتاج احد الي احد من هؤلاء قطّ و قولنا انّ ردّ هذه الصنائع من حيث علمها ردّ علي الامام7 معناه انّ الصنائع كلّها واجبة وجوباً كفائيّاً اتّفاقاً.

فاذا علمت ذلك فاعلم انّ الطب و النجوم و الفقه من هذا القبيل يعني حاملها من النواب الخاصّة ليس لهم التعدّي و التجاوز من علومهم الي غيرها لانّ كلّ واحد منهم قوله حجّة في علمه لا في اخر الاّ اذا علم الاخر و اتقنه قال7 انظروا الي رجل منكم يعرف شيئاً من قضايانا فارضوا به حكماً فانّي قد جعلته عليكم حاكماً هذا في رواية ابي‏خديجة و هو عامّ يشمل جميع من يعلم شيئاً من العلوم و الصناعات سواء كانت صياغة او خياطة او فقهاً او اصولاً او طبّاً او نجوماً او نحواً او صرفاً الي غيرذلك من العلوم.

لايقال  انّ هذه الرواية دليل التجزّي في الاجتهاد لانّا قلنا انّ التجزي غيرمعقول لانّ ادلّة الفقه و اصوله واحدة في جميع عنواناته من كتاب الطهارة الي كتاب الديات فعلي هذا من عرف استنباط كتاب الطهارة و احكام مسائلها و ردّ الفروع فيها علي الاصول منها يعرف الاستنباط في مسألة او مسائل كتاب النكاح ايضاً لاتحاد

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 328 *»

طريق الاستنباط و وجهه و باب علمه و اسبابه من القواعد الاصوليّة و قوانين المؤداة النظرية و الاستيضاحية ولو اريد بالمتجزّي هو الذي لم‏يكن عنده جميع مسائل الفقه و احكامه حاضرة لقلنا اذاً كلّ احد في‏الجملة متجزٍّ لانّه من المحال العلم بجميع فروع الفقه و الخبرة و الاطلاع بتمام شقوق هذا العلم و شعبه و شئونه و وجوهه كلها للرعية و الشيعة و ساير الخلق بحيث لايشذّ منها شي‏ء و لايفذّ و لايعزب عن علم ذلك من مثقال ذرة و بالجملة فهؤلاء الذين ذكرناهم كلّهم من تأويل مضمون رواية ابي‏خديجة نوّاب خاصّة للامام7 في خصوص فنون علومهم و صناعاتهم.

و امّا النائب العامّ فهو عالم جامع بجميع مايحتاج اليه الناس من العلوم و التكاليف و ليس هذا امراً صعباً مشكلاً و انّما هو رجل شيعي باق علي صرافة فطرته و تشيّعه من دون عروض لطخ عليه لانّه نور الامام7 و ظاهره و وجهه و هو علي الفطرة المستقيمة السليمة المعتدلة مظهر للامام 7 كالبلّورة في الاحراق و التأثير يعرف جميع الصنائع والحِرف و الكمالات و الخيرات و يعلم جميع العلوم التي بين يدي الناس و غيرها في اظهرهم بنور لطيفة ملكته المستعدة و اقتدار قواه و قابليته المعدّة فيجري عليه احكام الامام7 من التسليم و الانقطاع اليه و الانقياد له و التلقي و الاخذ عنه و القبول منه و هو الذي قال7 كما في الكافي انظروا الي رجل منكم ممّن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فارضوا به حكماً فانّي قد جعلته عليكم حاكماً الي ان قال الرادّ عليه كالرادّ علينا والرادّ علينا الرادّ علي اللّه و هو في حدّ الشرك باللّه و هذا النائب هوالذي يعرف جميع الاحكام و الشرائع كلّها لانّ قوله7 احكامنا جمع مضاف يفيد العموم بخلاف حديث ابي‏خديجة في ما سبق فانّه نصّ في خصوص معرفة بعض من قضاياهم فهذا العالم التامّ والنائب العامّ الذي برهانه و دليله في كلّ ما يدّعيه الامور الخمس المذكورة سابقاً و هي الكتاب و السنّة و العقل و المذهب و الافاق فيجب ان يؤخذ عنه و يسلّم له و اليه و لولا هذا علي الحق و الصدق فعلي اللّه سبحانه ان‏يفضحه والاّ لزم الاغراء بالباطل تعالي ربّي عن ذلك علوّاً كبيراً.

و صلي اللّه علي محمّد و اله الطاهرين

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 329 *»

 (اليوم الثلثون)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و اله الطّيّبين الطّاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

قال اللّه تعالي: «اِنَّ اَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدي لِلْعالَمينَ فيهِ اياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ اِبْراهيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ امِناً وَ لِلّهِ عَلَي النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ اِلَيْهِ سَبيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّهَ غَنِي عَنِ الْعالَمينَ»

كان كلامنا في بيان كيفيّة معرفة دخول هذا البيت بيت العلم والشرف و المعرفة و الكمال و قلنا انّ معرفة الاركان الاربعة شرط دخوله و الاركان هو الاقرار بالربّ تعالي و الاقرار بالنبي9 و الوصي و الشيعة. امّا الثلثة الاول فقد تبيّن امرها و ظهر في هذه المدّة المتمادية وامّا معرفة الشيعة فهي معلومة اجمالاً عند الناس بانّ له7 شيعة و نحن نريد معرفته تفصيلاً في‏الجملة لانّ معرفته من اركان التوحيد فمن انكره خرج عن الدين لانّ كلّ واحد من الاربعة في الاقرار و الانكار حكم لااله الاّ اللّه فمن انكر الشيعة انكر لااله الاّاللّه والمنكر كافر.

و لاريب انّ الشيعة امّا من الشعاع كما قال7 انّما سمّيت الشيعة شيعة لانّهم خلقوا من فاضل شعاعنا او من المشايعة بمعني المتابعة و الاوّل اولي بل كلاهما واحد لانّه لمّا ثبت انّ الشيعة نور الامام مخلوق من نوره 7 فلاشكّ انّ النور تابع للمنير لايتخلّف عنه ابداً في حال من الحالات و لاريب انّ الامام الناقص بلانور له دليل نقص علي‏اللّه تعالي فيجب محبّة من يحبّ الامام7 و لاريب انّ كلّ من احبّ احداً يحبّ محبّه والاّ فلا كما انّ معوية سمّوه خال المؤمنين لانّ اخته بنت ابي‏سفيان زوجة النبي9 و هي امّ‏المؤمنين فصار اخوها خال المؤمنين. فاذا عرفت ذلك فاعلم انّه لاشكّ و لاريب انّ بنت ابي‏سفيان ليست اعرف من عايشة بنت ابي‏بكر قطّ و لاشكّ انّ ابن‏ابي‏سفيان معوية ليس اعرف من محمّدبن‏ابي‏بكر قطعاً فلِماذا ماسمّوا محمّداً خال‏المؤمنين لانّ اخته امّ‏المؤمنين والعلّة في ذلك هي انّه كان محمّد محبّاً لعلي7 بخلاف معوية ولهذا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 330 *»

لم‏يسمّوا محمّداً بخال‏المؤمنين مع انّه اولي بهذا الاسم و اقرب كما عرفت.

و الشيعة علي قسمين قسم يعصي باعتبار عروض اللطخ عليه و قسم لايعصي و ماعرضه اللطخ بل انّما هو علي صرافته من الفطرة السليمة المستقيمة المعتدلة الالهيّة و هو باق علي نورانيّته و حرمته من غير تغيير الفطرة التي فطرها اللّه‏ و خلقها عليها و لاتبديل لخلق اللّه‏ الذي شاءه و انشأه. فامّا القسم‏الاوّل فانكاره متوقّف علي النيّة و القصد لانّه ان انكره منكر بقصد انّه عاص و بملاحظة انّه خالف الامام7 او يعزّره او يحدّ عليه من الحدود الشرعيّة فلايلزم من هذا عليه شي‏ء بل انّما هو من مقتضي دينه و ايمانه و ان انكره بملاحظة انّه من شيعة علي7 و انّه خلق من نوره في الفطرة و الاصل فهو كافر قطعاً بهذه النية و القصد و هو حينئذ ناصبي كما في معاني‏الاخبار عن الصادق7 قال ليس الناصب من نصب لنا اهل‏البيت لانّك لاتجد احداً يقول انا ابغض محمّداً و ال‏محمّد ولكنّ الناصب من نصَب لكم و هو يعلم انّكم تتولّونا و تتبرّءون من اعدائنا و في باب نوادرالعلل عن ابن‏سنان عنه7 مثله و في الروضة من الكافي عن عبداللّه بن المغيرة قال قلت لابي‏الحسن الاول7 انّ لي جارَين احدهما ناصب و الاخر زيدي و لابدّ من معاشرتهما فمن اعاشر فقال7 هما سيّان من كذّب باية من كتاب‏اللّه فقد نبذ الاسلام وراء ظهره و هوالمكذّب بجميع القرءان و الانبياء و المرسلين قال ثم قال7 انّ هذا نصب لك و هذا الزيدي نصب لنا و في نوادر علل‏الشرايع في الصحيح عن ابن‏فرقة قال قلت للصادق7 ماتقول في قتل الناصب فقال7 حلال الدم ولكن اتّقي عليك فان قدرت ان‏تقلب عليه حائطا او تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل قلت فماتري في ماله قال7 توّه ماقدرت عليه. و في مكاسب التهذيب عن‏الصادق7 قال مال الناصب و كلّ شي‏ء يملكه حلال الاّ امرأته فانّ نكاح اهل‏الشرك جايز و ذلك ان رسول اللّه‏9 قال لاتسبّوا اهل الشرك فانّ لكلّ قوم نكاحاً و لولا انّا نخاف عليكم ان‏يقتل رجل منكم برجل منهم و رجل منكم خير من مأة الف منهم لامرناكم بالقتل لهم و لكن ذلك الي الامام و في باب الخمس منه في الصحيح عن الصادق7 قال خذ من مال الناصب حيثما وجدته و ادفع الينا الخمس و عن ابي‏بصير عن‏الصادق7 ذبيحة الناصب لاتحلّ.

و عن ابي‏بصير قال سألت اباعبداللّه7 عن الرجل يشتري

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 331 *»

اللحم من السوق و عنده من يذبح و يبيع من اخوانه فيتعمّد الشراء من النصّاب فقال 7 اي شي‏ء تسئلني ان‏اقول مايأكل الاّ مثل الميتة و الدم و لحم‏الخنزير قلت سبحان‏اللّه مثل الميتة و الدم و لحم‏الخنزير فقال7 نعم و اعظم عنداللّه من ذلك ثم قال انّ هذا في قلبه علي المؤمنين مرض. و في‏الكافي في الصحيح عن محمّدبن مسلم عن احدهما8 قال ان كان جاحداً للحق فقل اللّهم املأ جوفه ناراً و قبره ناراً و سلّط عليه الحيّات و العقارب و من ذلك قوله7 فمن ردّ عليكم فهو في اسفل درك من الجحيم كما اشار تعالي بقوله انّ المنافقين في الدرك الاسفل من النار و في الامالي للصدوق رحمه اللّه‏ بسند قوي عن الصادق7 من احبّ كافراً فقد ابغض اللّه و من ابغض كافراً فقد احبّ اللّه ثمّ قال صديق عدوّاللّه عدوّاللّه و في مصالت القواضب في مثالب النواصب لابن‏شهراشوب رحمه اللّه‏ عن‏الصادق7 من احبّ كافراً فهو كافر و عنه7 من جالس لنا عائباً او مدح لنا قالياً او وصل لنا قاطعاً او والي لنا عدوّاً فقد كفر بالذي انزل السبع‏المثاني والقران‏العظيم. و في كتاب علل‏الشرايع في الصحيح و الكافي ايضاً في الحسن عن الصادق7 عن علي7 انّه قال ادني مايكون به العبد كافراً من زعم انّ شيئاً نهي‏اللّه عنه انّ اللّه امر به و نصبه ديناً يتولي عليه و زعم انّه يعبد الذي امره به و انّما يعبد الشيطان و في كتاب الزكوة من التهذيب في الصحيح عن عمربن‏يزيد قال سألته7 عن الصدقة علي النصّاب والزيديّة فقال7 لاتصدّق عليهم بشي‏ء و لاتسقهم من الماء و قال7 الزيديّة هم النصّاب و في‏الكافي عن ابي‏جعفر7 و امّا النصّاب من اهل القبلة فانّه يخدّ لهم خدّ الي النار الي ان قال ثم قيل لهم اينما كنتم تدعون من دون‏اللّه اين امامكم الذي اتّخذتموه دون الامام الذي جعله‏اللّه للناس اماماً. و بالجملة فالروايات في النصب كثيرة بانّ الناصبي هو الذي نصب لشيعتنا من حيث انّه من شيعتنا لا من جهة عصيانه.

و امّاالقسم الثاني من الشيعة فهو الذي انكاره انكار الامام7 من دون تقييد بالقصد و عدمه كما يدلّ عليه ما ورد عنه7 انّ الناصب من نصب لشيعتنا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 332 *»

 و انت كما تري لا تفصيل فيه بوجه، مثال هذين القسمين و نظيرهما هو انّ لفظ فرعون و هامان و الشيطان من القرءان ان كتبته لا بقصد القرءان فالاستخفاف به جائز من دون اشكال بل يوجب الاجر و الثواب و ان كتبته بقصد انّه من القرءان ثمّ استخفّ به واحد من الناس المكلّفين العياذ باللّه كان كافراً خارجاً عن الاسلام قطعاً و امّا المثال للقسم الاخر من الشيعة الذين انكارهم مطلقاً كفر فكما اذا كتبت قوله تعالي يا هامان ابن لي صرحاً لعلّي ابلغ الاسباب اسباب السموات و انّي لاظنّه كاذباً لانّه من غير قصد دالّ بنظمه علي انّه قرءان سواء قصدتَه انّه منه ام لم‏تقصد و كقوله تعالي يوسف اعرض عن هذا و استغفري لذنبك مثلاً لانّه بنظمه لايدلّ الاّ انّه قرءان.

مثال اخر و هو انّ التربة الحسينيّة صلّي‏اللّه علي ساكنيها نوعان احدهما تربة تأخذها من كلّ موضع من اربعة او خمسة فراسخ فانّ ذلك لايكون تربة الاّبالقصد فان لم‏تقصدها بنيّة التربة فلاحرمة لها فلهذا يصنعون منها كيزاناً و اباريق و سنابل و قصعاً و غير ذلك و يبنون عليها مستراحاً و يحفرون كنيفاً و امّا اذا اخذتها بنيّة التربة فيجب عليك حينئذ احترامها فانّ المستخفّ بها اذاً كافر فهذا القسم من التربة يحتاج في امتيازها الي مخصِّص و هو النيّة كما اشرت و امّا التي لايحتاج الي مخصّص خارجي و انّما مخصصها نفسها كتربة الحائر اذ لا مدخليّة فيها للقصد بوجه من الوجوه فمن اخذ من تربة الحائر المقدّس الحسيني7 ثمّ استخفّ بها كفر و خرج من الدين المبين قطعاً و هذا القسم من التربة مثال للشيعة الذي هو باقٍ علي الفطرة دالّ علي الامام ظاهراً و باطناً علماً و عملاً خَلْقاً و خُلْقاً فلايقول الاّ ماقالوا: و لايفعل الاّ مافعلوا: فاذا كان الامر كذلك يكون انكاره انكار الامام7 ضرورة انّه ليس عنده شي‏ء ابداً بل كلّ ما منه و له و به ثمّ عنه و عليه و فيه بل نفسها انّما هو من امامه7 و ذلك كصورة المرءاة بالنسبة الي الشاخص و بالجملة انّ الشيعة الذين هم علي الاستقامة الصرفة الاوّليّة الالهيّة غيرالمتغيّرة بوجه من الوجوه فانكار مثل هؤلاء من الشيعة و جحدهم انكار الامام7 بل

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 333 *»

انكار الرسول9 بل انكاره انكار الحقّ تعالي و هذا الشيعة الذي انكاره كفر له علامات و ايات في خَلقه و وجوده و له علامات في خُلقه و جوده و له علامات في علمه و عمله.

و امّا العلامة الواقعة في خَلقه فَاَن لايكون طويلاً شاهقاً و لا قصيراً لاصقاً عَرِيّاً عن الامراض و العوارض اللطخيّة والعيوب الجسدانيّة من العمي و العرج و الحول و الصمم و الخرس و ان يكون مستوي الخلقة متناسب الاعضاء بين السمن و الهزال بل اذا كان اقرب الي الهزال انسب ثمّ يكون في القوّة و النشاط علي احسن مايكون كما كان ذلك الجناب المستطاب شيخنا اعلي اللّه‏ مقامه و ذلك انّي قد رأيت منه من اعتدال مزاجه مالاخطر علي قلب بشر و هو انّه رحمه‏اللّه بعد ماكان قد مضي من عمره ثمانون سنة انكسر ذات يوم سنّه الشريف ثمّ بعدالحين نبت السنّ شيئاً فشيئاً حتّي ساوي مع اسنان اخر فصار مثل ماكان من قبل و لايتوهّم متوهّم انّ السنّ وقع ثمّ نبت اذ انه امر واقع لااستعجاب فيه بل انّما انكسر ثمّ اعتدل بالنَبت هذا و قد كان ذلك الجناب رحمه اللّه‏ في اخر عمره عدلاً مستقيماً منتصب القامة من دون تقوّس الظهر و لاتحدّبه ثمّ انّه رحمه‏اللّه‏ لم‏يكن فشلاً و لا كسلاً في جميع حالاته و اناته في ايّامه و لياليه بل كان طبعه الشريف كطبع الشبّان نشيطاً قويّاً مقبلاً في مااراداللّه منه من امرالدنيا والاخرة.

وامّا خُلقه اعلي‏اللّه درجته فلايحدّ و لايحصي لايحيط به الاّ من خلقه و احاط به و اجمال ذلك اشارة انّه رحمه اللّه‏ هو في الخلق مسلَّم عند المخالف و المؤالف و المحبّ و المبغض و الصديق و العدو من دون نكير من احد من احاد الناس و هو رحمه اللّه‏ لم‏يكن عجولاً و لا حقوداً و لا سبّاباً و لا عيّاباً و لا طعاناً و لا هتاراً و لا همازاً و لا فتاكاً و لا حسوداً و لا كنوداً و لا مغتاباً كان يكره الرفعة و يشنأ السمعة طويل الغم في امر اخرته بعيد الهمّ في امر دنياه كثير الصمت في التفكر في امراللّه و اياته الافاقيّة و الانفسيّة و كثير الحلم و قد كان رحمه اللّه‏ وقوراً صبوراً ذكوراً شكوراً و انّه مغموم بفكره مسرور بفقره سهل الخليقة ليّن العريكة ميمون النقبة ركين النصبة سليم الجنبة كما زبر في خبر همّام السابق فراجع و تعلّم تعلم فانّه تمام الوصف ( فانه انفع الاعمال و انجح الاحوال خ ل) و قد كان هو رحمه اللّه‏ جامعاً كلّ ماوصفه7 في ذلك الخبر من رءاه رحمه اللّه‏ فقد وجد فيه مااُخبره عنه.

وامّا لونه قدّس سرّه فمرّة يعلو بياضاً و اخري صفرة و اخري

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 334 *»

حمرة فامّا البياض فانّه لون الخائفين الناظرين الي الصدر في مقام العلم انّما يخشي‏اللّه من عباده العلماء و امّا الحمرة فهو لون المشتاقين الراجين الي‏اللّه الي فضله و كرمه تعالي و اما الصفرة فهو لون المحبّين ضرورة انّ حرارة المحبّة تحرق الرطوبات و تذبل حتّي تظهر الصفرة اثرها علي الوجه قال الصادق عليه السلام فاذا تحقّق العلم في الصدر خاف و اذا صحّ الخوف هرب و اذا هرب نجي و اذا اشرق نور اليقين في القلب شاهد الفضل و اذا تمكّن من رؤية الفضل رَجي و اذا وجد الرجا طلب و اذا وفّق للطلب وجد و اذا انجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبّة و استأنس في ظلال المحبوب و باشر اوامره و اجتنب نواهيه و اختارهما علي كلّ شي‏ء الحديث.

و امّا عمله فانّه كان‏يعمل بجميع ماورد في الشرع ثمّ لايفعل الاّ الراجح و لايشذّ عنه عملٌ الاّ فَعَله.

وامّا علمه فكان يأتي منه بمايحتاج اليه جميع الخلق من المكلفين من امّة سيّد المرسلين من جميع العلوم و فنونها حتّي تمكّن من ردّ المدلّسين المموّهين المشكّكين في هذا الدين المتين و لئلاّ يتطرّق شبهة من الملاحدة و الصوفيّة و الخارجين عن طريقة الاسلام في هذا المذهب المبين ضرورة انّ جهات طرق الشبهات و وجوهها كثيرة كما تري انّ بعضاً اوردوا الشبهة في هذا الدين من علم الجفر و اخرون اوردوا شبهة من علم الحروف و الهيئة و النجوم او غيرها من العلوم و لاريب انّ وجود مثل هذا العالم الدافع الجامع المحيط واجب وجوباً كفائيّاً اجماعاً من الفرقة المحقّة و هذا العالم هوالذي اخبر عنه7 حيث قال انّ لنا في كلّ خلف عدولاً ينفون عن ديننا تحريف الغالين و انتحال المبطلين. و اتيان العدول جمعاً دليل واضح علي انّ المراد منهم ليس الاّ الشيعة من الرعيّة لانّه لوكان المراد منهم الامام7 لكان يقول انّ لنا في كلّ خلف عدلاً بالافراد ضرورة انّ الامام7 في كلّ زمان لابدّ ان‏يكون واحداً لانّه اية اللّه و وجهه كما فصّلناه في محلّه.

و امّا هذا العالم الرباني و النور الصمداني فلايتكلّم في مسألة من المسائل اصوليّة او فروعيّة الاّ و يلاحظ اموراً خمسة الكتاب و السنّة و العقل و العالَم و المذهب يعني استدلاله في اثبات المسألة بالخمسة كلّها فانّه لم‏يكتف بواحدة منها كما هو شأن غيره من العلماء فلولا هذا

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 335 *»

الرجل البصيرالمحيط المحتاط الدقيق في العلم حقاً للزم الاغراء بالباطل و ذلك كما تري يوجب النقص في الصانع الكامل الخبير العالم القدير تعالي شأنه عن النقصان ثمّ لولا هو علي الصراط المستقيم و غيره علي الحق القويم فعلي الاسلام السلام فمالكم كيف تحكمون و الحاصل هذا العالم الرباني الذي سمعت وصفه من خلقه و خُلقه و علمه و عمله لايقول الاّ ماقاله كتاب اللّه و ماقاله ال‏اللّه ماقال ال‏محمّد قلنا و مادانوا دنّا ورد انّه يستحبّ لكل مؤمن شيعي ان‏يقول في صبيحة كلّ يوم ماقال ال‏محمّد قلنا و مادانوا دنّا فعلي‏هذا كلّ مااخبرك هذا العالم من العلوم و المسائل يجب الاذعان به و التسليم له و الاخذ منه لانّه ماقال الاّ ماقال اللّه‏ و رسوله9و الائمة الطاهرون و اولياءاللّه‏.

وامّا نسبة بعض العبائر الي جناب هذا العالم البدل النحرير كعبارة مسألة المعراج و عبارة مسألة المعاد و نحوها فانّا قد فصّلنا سابقاً و برهنّا بمالامزيد عليه و نشير الان ايضاً الي بطلان مااوردوا عليه رحمه‏اللّه‏.

فنقول انّ ضرورة المسلمين قد قامت علي تقديم النصّ علي الظاهر لانّ النصّ يفيد القطع و الظاهر يفيد الظنّ فاين التعارض بينهما اذاً كما انّ المرافعات كلّها تدور علي هذا النهج ثمّ انّ القرطاس و العبارة لاعبرة به اصلاً اتّفاقاً هذا مع انّ كلام ذلك العلاّمة الربّاني و الفريد الوحداني ليس مَنْهلا لكلّ وارد و لا مشرعاً لكلّ خائض فسبيل فهم كلامه رحمه اللّه‏ كسبيل فهم الاصطلاحات الخاصّة من سائر العلماء فمن اراده طلبه من مظانّه ولكنّ الناس لمّا رأوه عالماً متبحّراً ورعاً ثقة عدلاً تقواه علي كمال ماينبغي و عمله مطلقاً كذلك و ارادوا صرفَ وجوه الناس عنه حسداً و عتوّاً و بغياً و عدواً لم يرقبوا فيه الاًّ و لاذمة فلم‏يتمكّنوا من تفسيقه و نقض عدالته بوجه من‏الوجوه حيث انّ كلّ احد من الناس من عوامّهم و خواصّهم كانوا قد عرفوه قدس سره بانّه ازهد اهل زمانه و اعبدهم و و اعلمهم و اتقاهم ثمّ اعرفهم و احلمهم كفّروه و برّءوه من دينهم مع انّ ذلك المرحوم اعلي اللّه‏ مقامه مااتي ممّا اتي من الاعتقادات الاّ ما عليه الفرقة المحقة من اعتقاداتهم و اصولهم و فروعهم كما قامت عليه ضرورتهم من صحّة الكتاب و السنّة و العقل و المذهب فمن كان كذلك يجب القبول و الاخذ منه و التسليم له ياعجباً من قوم اذا قرأت عليهم كتابهم من قواعد متينة كقاعدة تقدّم النصّ علي الظاهر يقولون في الجواب نعم ولكنّه في قلبك شي‏ء

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 336 *»

غيرما في لسانك.

فاقول قلت لهم ياقوم نحن معكم لانخلو من احد امور ان كنتم انتم شاكّين في حقّي من ديني فانّي انا شاهد بماقاله المسلمون قاطبة ثمّ اُعلِن بمااعتقده الشيعة و المؤمنون جميعاً و ابرء انا و من معي ممّا نسبوا الي من الاباطيل و زخرف القول هؤلاء الجاهلون. فلمّا قلت لهم ذلك قالوا باطنك وراء ظاهر لسانك فقلت في جوابهم ماقال اللّه تعالي في كتابه و لاتقولوا لمن القي اليكم السلام لست مؤمناً ثمّ قلت لهم ثانياً ياقوم ماكان ديدن رسول‏اللّه و طريقته مع‏المسلمين الاّ بالاكتفاء بالظاهر مع علمه9 بباطن قلوبهم و ثالثاً انّ تكليف ظاهر الاسلام ليس الاّ علي اللسان دون الباطن و الجنان و هذا القدر ضروري اتفاقي بين جميع الامّة بل انّ نبيّنا9 كان يزيد للذين مردوا علي النفاق و يعلمهم به بالانعام و الاكرام بمالامزيد عليه و ذلك معروف من المذهب و مسطور في الكتب ثم انّ عمل الفرقة المحقّة ايضاً علي الظاهر ظاهر الاقرار فقلت لهم يامعشر العلماء اذا كنتم لاترضون مني بمفاد قوله و لاتقولوا لمن القي اليكم السلام لست مؤمناً و لاترضون في حقّي بماكان عليه عمل رسول‏اللّه9 و طريقته و لاتعملون بماعمل به جميع الفرقة المحقّة اجماعاً و لاتقبلون النصّ منّي علي ما انا عليه ممّا اخبره عن ضميري فماانتم معي اذاً في النسبة الاّ كرجل بالنسبة الي مولينا الصادق7 في قضيّته و هي انّ واحداً من الصحابة جاء عند رجل فقال له يافلان اذهب بنا الي جعفربن‏محمّد الصادق7 قال الرجل انّ جعفربن‏محمّد ضعيف الحديث مرّة يقول بقول القدريّة و تارة بقول المجبّرة و طوراً بقول الدهريّة و كرّة بمقالة الحروريّة و اخري بقول المجسّمة و المشبّهة و هكذا فليس له طريق واحد.

ورد انّ رجلاً اتي الي‏الصادق7 فقال له الصادق7 مَن انت يا ايّها الرجل قال انا رجل احضر مجلس العلماء و آخذ منهم العلم فقال7 اي شي‏ء عندك من الاخبار الان قال الرجل انّه قد اخبرني سفيان الثوري انّ جعفربن‏محمّد يقول انّ اللّه‏ تعالي قاعد علي‏العرش و قد فضل منه تعالي من كلّ جانب من العرش اربع اصابع ثمّ قال7 ياايّها الرجل اخبرني بغير هذا ممّا عندك قال اخبرني سفيان انّ جعفربن محمّد7 يقول انّ رسول‏اللّه9 رأي ربّه ليلة المعراج علي صورة اَمرد مجعّد قطط الشعر و رجلاه علي الخضرة ثمّ ذكر من هذا القبيل كثيراً من المفتريات و الاباطيل

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 337 *»

كما يذكر اعداؤهم الذين شأنهم هذا كثيراً من الاكاذيب بل يذكرون مايتحيّر منه العقول و تضطرب منه اراء الثُبَّت الفحول فلما سمع مولينا جعفربن‏محمّد7 هذه المكذوبات المتقوّلة عليه قال يافلان هل‏تعرف جعفربن‏محمّد اذا رأيته قال الرجل لا فقال7ويحك ياهذا اذا اخبرك جعفربن‏محمّد بانّي ماقلت كذا و كذا و يقول انا بري‏ء ممّا ينسب و يعزي الي و يكذب و يفتري علي ما كنت تصنع و ماذا تقول اذاً في حقّ جعفربن‏محمّد7 فقال الرجل فاذاً انكر عليه فاقول له انّي لااُقبل منك ماتقوله من التكذيب و الابراء فانّه قد اخبرني ثقة عدل و هو سفيان الثوري بما حدّثني عنه و هو اعدل منك و اوثق.

و بالجملة لمّا اظهرت و ابنت ماكنت معتقداً في ضميري من الاعتقادات الصحيحة التي عليها المذهب و الدين و لم‏يقبلوا منّي بل قالوا في جوابي انّ ما في قلبك غير ما بان من لسانك قلتُ في جوابهم هل اللّه تعالي عالم بالقلوب التي خلقها و ترضون حكم‏اللّه بيننا و بينكم فتعالوا نبتهل و يدعو كلّ واحد منّا و منكم علي اخر في مشهد الحسين7بحضرته او بحضرة علي اميرالمؤمنين في مشهده7 او في الخلأ او الملأ علي ماتريدون و كيفما تحبون ثمّ قلت لهم يا هؤلاء اعلموا انّه لايتّم الدعاء و لايختم الاّ و انّ واحداً منّا ميّت  لقول اللّه‏ عزوجل ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه‏ علي الكاذبين فلمّا قلت لهم كيت كيت اذا هم معرضون ثاني عطفهم الشامخين بأنفهم فأبوا و لم‏يقبلوا ابداً و ذلك لانّهم لن يتمنّوا الموت بماقدّمت ايديهم و اللّه عليم بالظالمين قال و ان كلّ لمّا جميع لدينا محضرون ثمّ انهم ازدادوا في الانكار علي تحصيل هذا العلم الشريف مع انّه واجب كفاية بالاتفاق و اجماعاً بل نقول انّ هذا العلم لايخلو امّا مستحبّ تحصيله فلايجوز لاحد ان‏يمنع عنه او واجب فحرام منعه محظور لانّ اللّه تعالي خلق الخلق للمعرفة كما في الحديث القدسي سأله تعالي داود النبي7 فقال ياربّ لِمَ خلقت الخلق قال تعالي يا داود كنت كنزاً مخفيّاً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف فمن منع عن تحصيل المعرفة و انكر علي تعلّم هذا العلم و الحكمة فقد نقض غرض الحكيم تعالي و حكمه واجبةً كانت المعرفة او مستحبّة.

فان قلت انّ الرادّين عليكم اجتهدوا فيكم فماوجدوكم الاّ علي الضلالة و البطلان فَاَفْتَوا بماعرفوا من جهدهم فهم علي هذا مصيبون في الحكم كما لو انّ رجلاً اجتهد في المقدّمات البديهيّة و بذل جُهدَه حتّي حصل له نتيجة انّ اللّه جسم فانّه حينئذ مصيب في النتيجة لانّه قد اتي بما هو طريق الاحتياج في

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 338 *»

الاجتهاد في معرفة ربّه بمالامزيد عليه فلولا هذا علي الحق فيما حصل له من النتيجة لكان التكليف بمالايطاق عليه و ذلك بديهي‏البطلان عند جميع الامّة و تمام ارباب الملّة فلمّا ثبت بطلان التكليف بمالايطاق و اتيان المكلف المجاهد بجميع مايحتاج الفحص اليه في تحصيل المسألة و استنباطها صحّ ماحصل له من النتيجة ضرورة انّه تفحّص علي قدر الوسع و الطاقة علي كمال بذله و فحصه و بحثه فلابدّ من الوصول الي مااريد منه.

قلت قال اللّه‏ تعالي والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا و لاريب انّ اللّه لايغري بالباطل و لايُهمِل الناس سُدي ثمّ لايظهر للناس بماهو خلاف ماعليه‏المذهب قطّ مع كمال البحث و الجهاد عن المطلوب والاّ لم‏يكن هو تعالي حكيماً بل لم‏يكن عالماً بعبده ممّا اراد بطلبه من وجهه او علم بالمطلوب ولكنّه عاجز عن الايصال و ذلك كلّه نقص في حق الكامل العالم القدير ثمّ نقول لوكان قول المجاهد صحيحاً في بحثه و فحصه و اجتهاده يلزم تكذيب الحق سبحانه لولم يهده الي سبيل المطلوب الواقعي الذي اراده من عبده المجاهد فبناء علي‏هذا دار الامر بين تصديق قوله تعالي حيث قال والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا و بين تصديق قول المجاهد و دعواه فاختر لنفسك مايحلو و لاريب في انّ نسبة الكذب و التقصير الي المجاهد المدعي اولي من نسبته اليه تعالي.

فان قلت انّ‏المجاهد جاهَد في الغاية و النهاية ثمّ حصَّل في عرفانه تعالي انّه جسم بالدليل و البرهان. قلت انّ المذهب في المسألة التي تنافيه ينادي باعلي صوته علي فسادها فمخالفة المسألة مع المذهب اقوي دليل علي بطلانها بل اوضح بيان علي عدم المجاهدة البالغة و بذل المجهود و الهمّة علي كمال ماينبغي فيها و اتمّ ما في ذلك. فمااَشبه قولك مع قول الرجل المخالف اذ قال في مسألة المسح في الوضوء بالغَسل او المسح انّه قد اختلف بين اللّه تعالي و بين ابي‏حنيفة.

والحاصل من جميع ماقلنا هو انّه لايخفي عليك حال مخالفي شيخنا العلاّمة اعلي‏اللّه مقامه فانّهم بين احد امرين الفسق او الكفر بيان ذلك هو انّ الانكار عليه رحمه اللّه‏ ان كان لاجل الدنيا و زينتها و هوي النفس الامارة بالسوء ظاهراً و هو معتقد في قلبه و لبّه بانّ مااتي‏به الشيخ المرحوم هو مااتي‏به الرسول و اخبر به زوج البتول8 بل

 

«* جواهر الحکم جلد 15 صفحه 339 *»

هو قول اللّه و دينه و حكمه و هو مع ذلك كلّه ينفي لغرض دنياوي لساناً فهذا فاسق جاير غيرعادل و ان كان انكاره و ردّه مااتي‏به الشيخ الجليل لاجل جهله بما عليه المسلمون و المؤمنون من ضروريّات الدين و بداهة صحّة جميع ما اتي به سيّدالمرسلين و اكّده الاوصياء المرضيّون الائمّة الطاهرون فقد كفر المنكر كفرالجاهليّة الاولي.

و صلّي‏اللّه علي محمّد و اله الطاهرين ثمّ شيعتهم التابعين ابدالابدين