16-02 شرح القصيدة – چاپ – الجزء الثانی

شرح القصيدة – چاپ – الجزء الثانی

 

 

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحكيم الصمداني

الحاج السيد محمد كاظم الحسيني الرشتي

اعلي الله مقامه

 

وصــل: لمّا ان الناظم ايّده اللّه و سدّده بيّن المراد من الستر و كشف الستر عن باطن الستر و رفع النقاب عن وجه الستر و الحجاب لان لكل ظاهر باطناً و لكل علانية سرّاً و لكل صورة معني و لكل جسم روحاً فالستر الظاهر المنقوش في النقش الاخضر المكتوب عليه لا اله الاّ اللّه محمّد رسول اللّه و خلفاؤه خلفاء اللّه و امناؤه امناء اللّه له باطن و باطنه رجال و جماعة من الابدال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و اقام الصلوة و ايتاء الزكوة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب و الابصار فوصفهم بصفات و سمّاهم باسماء منها ما اشار اليه سلّمه اللّه تعالي في البيت الاول الذي قبل هذا البيت و سمّاهم رواقاً بقوله هذا رواق مدينة العلم الذي الخ و منها ما اشار اليه بقوله ايّده اللّه و سدّده و وفّقه لمراضيه و جعل مستقبل حاله خيراً من ماضيه :

هذا كتاب من غدا بيمينه   يعطي الذي يرجو غداً و يؤمّل

اقـول: توضيح معني هذا البيت يحتاج الي بيان الكتاب في الظاهر و معني كونه بيمينه ثم الاشارة الي حقيقة الحقايق و سرّ اطوار الدقايق في هذا المقام فنقول ان الناظم ايّده اللّه اشار بقوله هذا الي قوله تعالي فاما من اوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه اني ظننت اني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنّة عالية قطوفها دانية

 

«* شرح القصيدة صفحه 206 *»

كلوا و اشربوا هنيئاً بما اسلفتم في الايام الخالية و اما من اوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم‏اوت كتابيه و لم‏ادر ما حسابيه ياليتها كانت القاضية مااغني عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلّوه ثم الجحيم صلّوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه و بيان هذه الايات في قوله تعالي و كل انسان الزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيمة كتاباً يلقيه منشوراً اقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيباً و بيان ذلك علي ما وصل الينا عن النبي9عن طريق اهل‏البيت عليهم السلام و التحية و الثناء ان الميّت اذا مات اول ما يوضع في قبره و يشرج عليه اللبن تأتي الروح و تحلّ فيه من منخره او من فيه الي حقويه فيقعد في قبره بعد ان‏يوسع له اللحد بمقدار قراره فاول ما يدخل عليه ملك يسمي رومان فتّان القبور فيقول له اكتب فيقول الميّت ما اكتب يقول اكتب اعمالك التي عملتها من اول بلوغك الي يوم وفاتك فيقول ما عندي قلم فيقول الملك اصبعك فيقول ما عندي قرطاس فيقول الملك قطعة من كفنك فيقول ما عندي مداد فيقول الملك ريقك فيقول ما اذكر ما عملت فيقول الملك انا اذكّرك ثم يأخذ قطعة من كفنه و يأخذ من ريقه و يكتب باصبعه ما يملي عليه الملك رومان من افعاله و اقواله و حركاته و سكناته و خطواته و لحظاته و لفظاته من اول بلوغه خمسه‏عشر سنة الي يوم وفاته فيجعلها في عنقه فتثقل عليه كجبل احد فان كانت مملوة حسنات فيسرّ بها كمال السرور فيكون اول سروره و ان كانت مملوة سيئات يحزن و هو اول عذابه و هذا هو الطائر الذي يلزم اللّه سبحانه في عنقه ثم يتركه الملك فيذهب ثم يأتي الملكان النكير و المنكر علي هيأة قد قدّمنا ذكرها لانهما عبدان اسودان رأساهما في السماء السابعة و رجلاهما في الارض السابعة يخطّان الارض خطّاً عليهما شعور سود و اعينهما زرق لهما بريق كالمشعل و اصواتهما كالرعد العاصف و يخرج من فيهما النار كالبرق الخاطف و بيد كل واحد منهما مرزبة من نار فيأتيان الي الميّت علي تلك الحالة المهولة و يسألانه عن ربه و عن نبيه و عن دينه و عن قبلته و عن امامه فان اجاب علي مقتضي الواقع الاعتقاد الصادق فيقولان له نم نومة العروس فيذهبان عنه ثم تأتي اليه افواج من ملائكة الرحمة و معهم هودج من نور فتخرج الروح من الجسد و يجعلونه في ذلك الهودج و

 

«* شرح القصيدة صفحه 207 *»

يذهبون بها الي الجنة جنة الدنيا من قوله تعالي جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مأتيّاً لايسمعون فيها لغواً الاّ سلاماً و لهم رزقهم فيها بكرةً و عشيّاً فهذا هي جنة الدنيا لان جنة الاخرة ليس فيها غدوّ و لا عشي و لا ليل و لا نهار و انما هي ظلّ ممدود و نور([1]) موجود و اما اذا كان الميت من الكفار فلايجيب ما سأله الملكان فيقول ماادري فيقولان له لا دريت فيضربانه بعمود من نار فيملؤ قبره ناراً و جوفه ناراً و ظاهره ناراً و باطنه ناراً و يصرخ صرخة مهولة منكرة يسمعها كل احد ماعدا الجن و الانس فيحجب اللّه سبحانه عنهما صوته لئلاتنتقض عليهم معيشتهم و تسمع صوته البهايم من الحيوانات و الحشرات و الطيور و امثالها من ساير الموجودات ثم تأتي في قبره ملائكة غلاظ شداد لايعصون اللّه ما امرهم و يفعلون مايؤمرون و يخرجون روحه من جسده و يسحبونها بسلاسل من حديد مكبوبة علي وجهها الي نار جهنم نارالدنيا من قوله تعالي النار يعرضون عليها غدوّاً و عشيّاً و يوم تقوم الساعة ادخلوا ال‏فرعون اشدّ العذاب و نار الاخرة ليس فيها غدوّ و لا عشي فيأتون بتلك الروح الخبيثة الي وادي برهوت من وادي حضرموت و فيها بئر اسمها بلهوت و تلك البئر مبدء نيران جهنم السبعة فيجعلونها فيها فهي في عذاب شديد و روح المؤمن في الجنة في نعيم مقيم الي يوم ينفخ في الصور فاذا نفخ في الصور مات كل من في الجنة و النار لان جنة الدنيا و نارها ليستا بدار الخلود و اليها الاشارة بقوله تعالي فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق خالدين فيها مادامت السموات و الارض الاّ ما شاء ربك انّ ربّك فعّال لما يريد و اما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات و الارض الاّ ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ  فهذه الجنة و النار هما المستثني خلودهما و اما دار الخلود فهي الاخرة و هو قوله تعالي و انّ الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يشعرون و اما العالي و المتوسط فهو البرزخ بينهما ففي البرزخ ظهور العالمين و فيه سماء و ارض و غدوّ و عشي و امثالها من احوال هذه الدنيا فاذا نفخ في الصور فصعق من في السموات و الارض الاّ ما شاء ربك و

 

«* شرح القصيدة صفحه 208 *»

هم حملة العرش فيبقي الخلق موتي([2]) لا حركة لهم فلا حسّ و لا محسوس و لا حركة و لا متحرك و لا ادراك و لا مدرك و الخلق مقهورون مضمحلون فاسدون فانون متفرقوا الاجزاء مختلّوا التركيب متفككوا التأليف كالبيت المنهدم و الاجل المتصرم فينادي اللّه سبحانه و تعالي اين المتكبرون اين المتجبّرون اين الذين اكلوا رزقي و عبدوا غيري لمن الملك اليوم فلا احد يجيب النداء و لايسمع الدعاء فيجيب اللّه سبحانه بنفسه([3]) فيقول للّه الواحد القهار فتبقي النسمات و الذوات([4]) علي هذه الحالة اربعمائة سنة فينفخ فيه اخري فاذا هم قيام ينظرون و اشرقت الارض بنور ربها و وضع الكتاب و جي‏ء بالنبيين و الشهداء و قضي بينهم بالحق و قيل الحمد للّه رب العالمين ثم يحشر الخلق يوم القيمة و عرصة القيمة ثلاثمائة الف فرسخ في مثلها و الخلق منضمون بعضهم الي بعض ثم ينصب منبر الوسيلة في وسط القيمة و لها الف مرقاة من مرقاة الي مرقاة عدو الفرس الجواد الف سنة و كل مرقاة من جوهرة او درة او ياقوتة او غيرها من اصناف الجواهر و الخلق كلهم وقوف و صفوف منهم عن يمين المنبر و منهم عن شمالها و كلّهم سكوت و هو قوله تعالي و خشعت الاصوات للرحمن فلاتسمع الاّ همساً ثم يصعد رضوان خازن الجنان و يذهب بمفاتيحها الي رسول اللّه9لانه هو الجالس علي المرقاة العليا و لا جالس سواه و لا قيّم علي الخلق غيره فيسلّم اليه مفاتيح الجنان ثم يصعد مالك خازن النيران و يأتي بمفاتيح النيران و يسلّمها الي رسول اللّه9فاليه مردّ امر الخلق في الجنة و النار ثم ان الكتاب الذي كتبه رومان فتان القبور و علّقه في اعناقهم يطير عن الاعناق ليتميّز اهل الخلاف من اهل الوفاق و التصفية البالغة لكل احد ليردّ كل فرع الي اصله فاذا تطايرت تلك الكتب فمن كان من اهل اليمين و اهل الخير يأتي كتابه من جهة وجهه و قدامه و يستقر بيده اليمني و هذه‏البشارة لاهل الاشارة و البشارة و من كان من اهل الشمال يأتي كتابه من وراء ظهره و يثقب صدره و يجعل يده في ذلك الثقب الي ظهره و يعطي الكتاب بشماله فيدعو ثبوراً و يصلي سعيراً و يدخل نار جهنم و يستقر في

 

«* شرح القصيدة صفحه 209 *»

الطبقة التي عيّنت له بحسب استعداده و مقامه بما ظهر من افعاله.

فاراد الناظم سلمه اللّه تعالي ان هذا الستر بمنزلة الكتاب الذي من اعطي بيمينه فيفوز بكل خير و نور و اذا جعلنا الستر هو الكتاب حقيقةً فله تأويل بعيد يحتاج الي رسم مقدمات و الان ليس لي ذلك الاقبال لضعف المزاج و قلة الابتهاج و في ما ذكرنا كفاية هذا ظاهر الكلام في هذا المقام.

و اما حقيقة الامر علي طبق ما ذكرنا في البيت الاول من ان الستر رجال الهيون و اناس ربانيون قد ملؤا علماً و الهموا خيراً قد تأدبوا باداب النبوة و الولاية و اهل النبوة و اهل الولاية و نهجوا منهجهم و سلكوا مسلكهم هجم بهم العلم علي حقيقة الايمان فاستلانوا من اسرار اهل الاسرار ما استوعرت علي غيرهم و انسوا بما استوحش منه المكذبون و اباه المسرفون و هؤلاء كل واحد منهم هم الكتاب الذي كتبه اللّه بيد الولاية و النبوة قد اجتمعت فيهم الاسرار و اشرقت عليهم الانوار و قلوبهم معلقة في عليين و انظارهم مقصورة الي مقامات المعرفة و اليقين و نفوسهم صاعدة الي مقام الانس و التمكين و افئدتهم منخلعة للقرب الي رب العالمين فهم في رياض القرب و المشاهدة يرتعون و شرايع المحبة و المصافات يردون و في اوكار الاذكار يأوون و هم من خشية ربهم مشفقون الذين اوضحت لهم المشارب و اوتيت لهم المـئارب و اعطيت الرغايب فبلغوا غاية المطالب و وردوا اصفي المشارب ملئت قلوبهم معرفةً و ايماناً و امتلئت صدورهم صدقاً و ايقاناً كل منهم كتاب واحد قد اجتمعت فيه كل مايريد اللّه من خلقه لانّ الخلق رعيتهم في مقام التعين فيجب ان‏يكون عندهم مايحتاجون اليه في امور دينهم و دنياهم و معاشهم و معادهم مما جري عليه قلم الارادة في لوح القدر و مستقر القضاء و حقيقة الامضاء من انحاء روابط الموجودات و اطوار المتممات و المكملات و احوال الخلق من العاليات و السافلات كل ذلك مجتمعة عندهم مكتوبة لديهم فهم مرشدوا الامم و معادن الكرم و اولياء النعم و رعاة البرية و هداة الخليقة و القري الظاهرة للسير الي القري المباركة و التعينات الجزئية التي هي سبيل الي التعينات الكلية و العلماء الذين ينفون عن الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين فهم

 

«* شرح القصيدة صفحه 210 *»

حفظة البلاد و ساسة العباد و حجج الحجة و ابواب الباب و الخليفة مجمع الانوار و مهبط الاسرار و اولياء الجبار بهم حفظ اللّه الدين و اوضح شريعة سيد المرسلين صلي الله عليه ابد الابدين اليهم انتهت الرياسة و بهم تمّت السياسة و هم الكتاب الجامع و النور اللامع و البدر الساطع و الامر الواقع و الكهف الحصين و الحرز المكين حملة علوم ال‏طه و يس نور المسترشدين و حجاب اللّه في الارضين و ورثة الانبياء و المرسلين و موضع اسم الذي صلح به امر الاولين و الاخرين البلد الامين و طور سينين و الرحمة الواسعة و النعمة السابغة و النقمة الدامغة صراط اللّه الواضح و النجم اللائح و الزناد القادح و النور اللائح و المتجر الرابح و انما كانوا كتباً و اختصّوا بهذا الاسم دون غيرهم مع انّا بينّا سابقاً ان كل فرد من افراد الموجودات جامع لكل شي‏ء لاسيّما افراد الانسان فانّ اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب7 قال :

و انت الكتاب المبين الذي   باحرفه يظهر المضمر

بعد قوله7 :

و تزعم انك جرم صغير   و فيك انطوي العالم الاكبر

و علي هذا فكل احد كتاب و كل فرد من افراد الانسان كتاب فما وجه مزية الاختصاص بهؤلاء الاطياب الانجاب و الوجه في ذلك ان الاشياء كلها و ان كان كتاباً الاّ ان حروفها مضمرة بل الفها غير معطوفة لم‏تظهر من القوة الي الفعل بعد ان كامنت و امكانها مابرز و جهاتها ماظهرت فهي كتاب لكن حروفها لاتنقرئ و اما هؤلاء الاطياب و الامناء الانجاب فقد برزت حروف ذواتهم و انعطفت الف سرّ كينونتهم فانعطفت بحروف عاليات و ذوات طيبات فتألف بكلمات طيبات فظهرت منها معان حقيقية من ظاهرية و باطنية و غيبية و شهودية و سماوية و ارضية و جمادية و نباتية و معدنية و حيوانية و انسانية قدسية و ملكوتية الهية و امرية فعلية و امرية مفعولية و صورة الهية و حقيقة ربانية فهذه كلمات تألّفت و ارتبطت و امتزجت و اختلطت فصارت بنفسها و قراناتها مبدء علوم كثيرة بل غيرمتناهية فمن هذه الجهة حيث ان معانيها برزت و حروفها تألّفت و كلماتها اقترنت و ارتبطت سماهم الناظم ايده اللّه بتوفيقه و وفّقه الي رضوانه كتاباً و هو كذلك

 

«* شرح القصيدة صفحه 211 *»

كل واحد منهم كتاب جامع بحقايق الرسوم و دقايق العلوم منه ايات محكمات هنّ امّ الكتاب و اخر متشابهات و فيه عموم و اطلاق و تقييد و تخصيص و اجمال و تبيين و ناسخ و منسوخ في ظاهر الحال و فيه عزائم و رخص و اوامر و نواهي و مرغّبات و زواجر بكل طور تبيان علم من العلوم و تعريف رسم من الرسوم بطور فيه بيان حقيقة الافلاك و سرّ السمك و السماك و هيئات النجوم و السموات و قراناتها بطور القوابل و المقبولات و هذا العلم مكتوب في الورقة العليا و هو الرأس و الدماغ و طور فيه سرّ معني علم الطبيعة و كيفية تكوّن الكاينات من العلويات و السفليات و علم([5]) الغرائب و الغرائز و مايتفرع عليها من الاحكام و هي في الورقة الثانية الوسطي و هي الكبد و طور فيه كيفية حركات النبات و احياء الارض الموات و سرّ النمو و الذبول و حدوث الامراض و الاعراض و علم حفظ الصحة و امثالها في الوجه الاخر من هذه الورقة و طور فيه العلم الالهي بالمعني الاعم و الاخص و علم الطريقة و الشريعة و علم اليقين و اختلاف مراتب الاشياء من عليين و سجين و حصر الموجودات في حق و باطل و نور و ظلمة و اختلاف اطوارها بحسبها و علم الظاهر و الباطن و ما يتعلق بهما في الورقة الاصلية و هي ورقة القلب و طور فيه علم الاسماء و الصفات و معرفة الذات التي تنتهي اليها النسب و الاضافات و مقامات المعرفة و مراتب المحبة و مراتب التوحيد و مقامات التفريد و التجريد بسبب الاضافات في الورقة الالهية ورقة الفؤاد من اسفله الي اعلاه و بالجملة فهو كتاب جامع للعلوم كلها لكن يحتاج الي مشاهدة نفسه و معرفتها و هو قوله تعالي و في انفسكم أفلاتبصرون. و في السماء رزقكم و ما توعدون فو ربّ السماء و الارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون.

تفصيل فيه تحقيق: اعلم ان هذا الكتاب يشتمل علي فصول: الفصل الاول لا اله الاّ اللّه و في هذا الفصل مباحث: المبحث الاول في كلمة لا و سرّ تقديم اللام علي الالف لتحقق النفي و سرّ تقديم الالف علي اللام لتحقق الاثبات البات. المبحث الثاني

 

«* شرح القصيدة صفحه 212 *»

في كلمة اله و سرّ اشتقاقها و حقيقة الاشتقاق و مبدء الاشتقاق و سرّ ان المشتق فرع للمبدء مع انه اصل الاصول و ايس الايسيّات و اسطقس الاسطقسات. المبحث الثالث في حروف الاستثناء و حقيقتها و نسبتها الي المستثني و المستثني منه. المبحث الرابع في لفظ الجلالة من الفها و لامها و هائها و نسبة كل منها الي الاخري و ان المراد من هذه الاحرف ما هو و ما الهاء التي لبّها و سرّها. المبحث الخامس في سرّ الاسم الاعظم و النور الاقوم([6]) و السرّ المعمي و الرمز المنمنم.

الفصل الثاني في مقامات النبوة المطلقة التي هي محمّد رسول اللّه9 و فيه مباحث: المبحث الاول في الاسم المقدس و حروفه التكوينية و كونها اربعة و سرّ الميم المدغمة. المبحث الثاني في النبوة المطلقة و سرّ اطلاقها و حقيقة سريانها. المبحث الثالث في حقيقة الرسالة المطلقة و انها هي الاصل في الاحداث و الايجاد و الاصدار و الايراد و ظهور معني قوله تعالي اللّه اعلم حيث يجعل رسالته و سرّ الهاء و معني افعل التفضيل. المبحث الرابع في العبودية و انها ما هي و ما مزاجها و ما طبيعتها و ما لونها و ما صفتها و انها مقدمة علي الرسالة كما في تشهّد الصلوة و اشهد ان محمّداً عبده و رسوله قدّم الاسم علي([7]) الرسم ثم الفرع الذي هو الاصل لكل كمال و لكل نور و جمال و لكل هيبة و جلال و لكل فضل و افضال و لكل تمام و كمال فهو الاصل القديم و الفرع الكريم. المبحث الخامس في ان ظهور التوحيد بلفظ الجلالة في لا اله الاّ اللّه عين ظهوره في لفظ الجلالة في محمّد رسول اللّه9 ام لا و ما الفرق بين الظهورين و ما التفاوت مع الاتحاد في البين.

الفصل الثالث في الولاية المطلقة و نسبتها بالنبوة المطلقة و فيه مباحث: المبحث الاول في الولاية من حيث هي. المبحث الثاني في ان الولاية للّه كما في قوله تعالي هنالك الولاية للّه الحق هو خير ثواباً و خير عقباً. المبحث الثالث في الولاية الظاهرة في الحضرة المحمّدية9و مقامها و مرتبتها([8]) في الوجود. المبحث الرابع في الولاية

 

«* شرح القصيدة صفحه 213 *»

الظاهرة في اوليائه و خلفائه الذين هم اجزاء النبي المطلق و من سنخ ذاته و حقيقة ماهيته و نسبة هذه الولاية الي ولايته9. المبحث الخامس في الولاية الظاهرة و الباطنة([9]) و الحقيقية و المجازية و الاصلية و الفرعية.

الفصل الرابع في كلمة كن و فيه مباحث: المبحث الاول في حرف الكاف و مقرّها و مبدئها و كينونتها و استدارتها و تغيير الاستدارة و اختصاصها دون الحروف بهذا المقام. المبحث الثاني في النون و علة اقترانها بالكاف و ظهور الاعيان الثابتة فيها و مقام العالم اذ معلوم و الربّ اذ مربوب و الخالق اذ مخلوق. المبحث الثالث في الامر بين الكاف و النون و انه هو الواو و هو العدد التامّ في نفسه و العدد الزايد بتثنيته و ان هذا العدد بالامرين في ذات كن قبل ان‏يتعلق. المبحث الرابع في تمام الكلمة و الوحدة الظاهرة فيها و المراتب الاربعة التي هي اجزاء ذاتها و كينونتها. المبحث الخامس في دلالة الكلمة و ظهورها في قلب المتكلم و تحقق المعاني المختلفة.

الفصل الخامس في تعلق الكلمة و فيه مباحث: المبحث الاول في تعلقها بالمادة المحضة و هي المسماة بالمشية. المبحث الثاني في تعلقها بالمادة من حيث هي هي من حيث صلاحيتها لقبول الصور و الهيئات و هي المسماة بالارادة. المبحث الثالث في تعلقها بالحدود و الهندسة الايجادية و الاوضاع و الجهات و الاجال و الارزاق و مقادير العلوم و مقادير الهيئات و الاشباح و مقادير الاشعة و اشعة الاشعة و هكذا الي انتهاء الوجودات و هي المسماة بالقدر. المبحث الرابع في تعلقها بالزام هذه الصور و الحدود و تلك المادة المعينة و تأليفها و تركيبها بها و حصول الحقيقة الجامعة و هي المسماة بالقضاء و هي قوله تعالي في اي صورة ما شاء ركّبك. المبحث الخامس في تعلقها باظهار الشي‏ء مشروح العلل مبيّن الاسباب ظاهر المراتب و هي المسماة بالامضاء و اما الاذن و الاجل و الكتاب فهي داخلة تحت القدر.

الفصل السادس في الاسماء و الصفات و فيه مباحث: المبحث الاول في اصل

 

«* شرح القصيدة صفحه 214 *»

حقيقة الاسم و تحققه من الفعل. المبحث الثاني في ان الاسم فرع للفعل و الفعل علة تحققه و تذوّته و ثبوته و هو العامل فيه و المغيّر لاخره الكاشف عن تغيير اوله لان حكم العود هو حكم البدء لقوله تعالي كما بدءكم تعودون. المبحث الثالث في الفرق بين الاسم و الصفة و انهما يجتمعان اذا افترقا و يفترقان اذا اجتمعا. المبحث الرابع في الاسماء الذاتية و الفعلية و الفرق بينهما مع كون الجميع متفرعة عن الفعل. المبحث الخامس في الفرق بين صفات القدس و صفات الاضافة و صفات الخلق و تقسيم الصفة او الاسم عند الافتراق بحسب المفهوم الي هذه الاقسام الثلثة.

الفصل السابع في متعلق الفعل و هو فيكون و فيه مباحث المبحث الاول في المصدر و انه محل الصدور و انه اول ما اشتق من الفعل و هو اول مجعول تعلق به الجعل الذي هو الفعل. المبحث الثاني في المفعول المطلق و وقوعه تأكيداً للفعل و اشتقاق الفعل التأكيدي منه و بهذا يجمع بين قول الكوفيين و البصريين فان الاولين قالوا باشتقاق المصدر من الفعل نظراً الي الوجه الاول و الاخرين قالوا باشتقاق الفعل من المصدر نظراً الي الوجه الثاني فان قولك قمت قياماً في قوة قولك قمت قمت فقمت الثاني مشتق من القيام و متفرع عليه و هذا الثاني شعاع الاول كصورتك في المرءاة بالنسبة اليك. المبحث الثالث في المفعول‏به و انه حدّ للمفعول المطلق و تعين له و لزوم تقديم المفعول‏به علي المفعول المطلق باطل عند اهل الاشراق من اهل الوفاق و اصحاب الاتفاق فان المفعول‏به مشتق من المفعول المطلق المشتق من المصدر المشتق من الفعل فكيف يعقل تقدم الفرع علي الاصل ضرورة ان الاشتقاق اقتطاع فرع من اصل. المبحث الرابع في نسبة المفعول‏به و المفعول‏له و المفعول‏معه و المفعول‏فيه و الحال و التمييز الي المفعول المطلق و ان هذه حدود كالعقل بالنسبة الي الفؤاد. المبحث الخامس في اصل الاشتقاق و اقسامه و مراتبه و ان الاشتقاق علي قسمين اشتقاق الشعاع من المنير و اشتقاق الفرع من الاصل و الاغصان و الفروع من الشجرة و اشتقاق التفصيل من الاجمال و ان القسم الثاني يدور علي خمسه‏عشر قسماً و كل قسم اصل من الاصول يعرفها اصحاب الوصول.

 

«* شرح القصيدة صفحه 215 *»

الفصل الثامن في اسمي الفاعل و المفعول و فيه مباحث المبحث الاول في حقيقة الفاعل و انه اي شي‏ء و ان مفهوم الفاعل مركب او بسيط. المبحث الثاني في اسم الفاعل و الفرق بينه و بين الفاعل و ان الفاعل ايضاً هو اسم الفاعل. المبحث الثالث في الذات المعتبرة في الفاعل و انها هل هي الذات البحت او الذات الظاهرة و الاول يوجب تغيير الذات بفعلها و اثرها و هو محال و الثاني هو المتجه ولكنّه يلزم الاشكال في معرفة الاتحاد و الاتفاق فانك اذا قلت زيد ضارب لاتعرف ذاتاً غير ما هو الظاهر بالضارب مع انها ليست بالذات البحت فكيف اوجب التغاير الاتحاد و التعدد الوحدة و لذا ورد عن اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب روحي له الفداء الجمع بلا تفرقة زندقة و التفرقة بلا جمع تعطيل و الجمع بينهما توحيد و قد قال ايضاً روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء من عرف الفصل من الوصل و الحركة من السكون فقد بلغ القرار في التوحيد و الي هذه الدقيقة اشار بعض اهل‏البيت عليهم التحية و الثناء في دعاء كل يوم من شهر رجب اللهم اني اسألك بمعاني جميع مايدعوك به ولاة امرك الي ان قال7 و بمقاماتك و علاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك الدعاء. المبحث الرابع في علامة الفاعل و اشتقاقه من المصدر و كون المشتق فرعاً من المبدء مع ان الفاعل هو الاصل في احداث المصدر و ان المصدر يعمل في اسم الفاعل و الفاعل ايضاً يعمل في المصدر و هذا من عجايب الامور فان المقدمات بديهية في الحقيقة و النتيجة ظاهرة البطلان و هو اصعب ما يرد علي الانسان. المبحث الخامس في تعلق الاسماء بالمتعلقات و حدوث المتعلق بالاسم و معني الادعية الواردة عن اهل‏البيت عليهم التحية و الثناء و باسمك الذي خلقت به العرش و باسمك الذي خلقت به الكرسي و باسمك الذي خلقت به السموات و الارض و باسمك الذي خلقت به الانس و الجن و باسمك الذي خلقت به جبلاّت الخلايق الدعاء و ان كل اثر يشتق منه اسم لمؤثره و ان اثار اللّه لا نهاية لها فاسماؤه لا نهاية لها و التعيين لذكر بعض الكليات و ان هذه الاسماء لها حقايق متأصّلة حتي تكون مصدرة لهذه الاثار و محققة لتلك الاطوار.

الفصل التاسع في الاسم الاعظم و فيه مباحث: المبحث الاول في الاسم «هو» و

 

«* شرح القصيدة صفحه 216 *»

هائه و واوه و الرابطة بينهما و كذلك التثنية و التثليث علي مراتب الاطوار لاتدخل تحت الاحصاء فضلاً عن الاستقصاء. المبحث الثاني فيما هو اقرب الي الاسم الاعظم من بياض العين الي سواده و هو بسم اللّه الرحمن الرحيم كلمة جامعة للاكوار و الادوار و الاطوار و الاوطار و هي اول ظهور المبدء و لذا صدر به كتاب اللّه التدويني علي طبق الكتاب التكويني و قد قال اميرالمؤمنين روحي له الفداء ان كل‏ما في القرءان في الحمد و كل‏ما في الحمد في البسملة و كل‏ما في البسملة في الباء و كل‏ما في الباء في النقطة الحديث فالبسملة هي الاسم الاعظم الجامع للاسماء كلها و لقد اردت ان‏اشرح هذه الكلمة المباركة علي حسب ما استفدته من سيّدي و مولاي الحسين بن اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب سيدالشهداء روحي و روح‏العالمين له الفداء في ليلة اسني من ليلة القدر و الذّ من ليلة الوصل فسألته عن معني كلام والده الطاهر عليهما الاف الثناء من الحي القادر فاجابني روحي له الفداء بكليات اشارات انطوت تحتها كنوز من الاسرار و شوارق من الانوار حتي فتحت لي بها الابواب و سبّبت لي الاسباب حتي ظهرت لي علوم الهية و اسرار ربانية يضيق عن سطرها قلم الاحصاء و اردت ان‏اذكر بعض ما اذن لنا بالبيان فجعلته في طي اسفار خمسة علي ما تحقق عندي من الاسفار فان الاربعة المشهورة هي التشريعية التي يقطعها السالك بقدم التوجه و الاقبال علي المطايا الموظفة في الشريعة الغراء و هنا سفر اخر تكويني فالاسفار علي وجه الاجمال خمسة و علي اول التفصيل ستة و الحاصل انا رتبنا تفسير هذه الكلمة الشريفة علي اسفار خمسة الاول في تمام الكلمة و الثاني في البسم([10]) و الثالث في لفظ الجلالة و الرابع في لفظ الرحمن و الخامس في الرحيم و في كل سفر منازل و لكل منزل اميال و قد كتبنا في الميل الثاني للمنزل الاول من منازل السفر الاول نحواً من ستة كراريس علي حجم الربع و ماساعدني التوفيق للاتمام فبقيت موقوفة الي الان نسأل اللّه حسن الخاتمة الكاشفة عن الفاتحة و بالجملة فاسرار هذه الكلمة الشريفة كثيرة و اطوارها خطيرة و ما قدّمها اللّه

 

«* شرح القصيدة صفحه 217 *»

سبحانه و لم‏يصدّر بها قرءانه الاّ لان امرها عظيم و خطرها جسيم و سلطانها عميم و صراطها قويم بحكم قاعدة امكان الاشرف و بطلان الطفرة. المبحث الثالث في الاسمين الاعلين([11]) الحي القيوم و معني الحي و اشتمال معناه علي جميع الكمالات الكونية فيكون جامعاً لجميع الاسماء و مهيمناً عليها و كذا القيّوم و سرّ القيومية و معني القيامات الاربعة و معني معية القيوم مع كل من قام به و خضع له بحقيقة الانفعال و هو قوله تعالي و هو معكم اينما كنتم مع حفظ قوله تعالي سبحان ربك ربّ العزّة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين. المبحث الرابع في ان الاسم الاعظم علي قسمين قسم لتأثيره شرايط و اداب لايظهر تأثيره الاّ بملاحظتها و لذا تجد هذه الاسماء العظام يستعملها جماعة يجدون التأثير بها سريعاً فورياً و تجد اخرين يستعملونها و لايجدون لها اثراً اصلاً و ذلك لفقدان الشرايط و الاسباب و المتممات و المكملات فربما يكون كل اسم بملاحظة تلك الشرايط اسم اعظم و قسم لايحتاج في ظهور خواصه و اثاره الي شرط غير نفسه و هو يؤثر دائماً علي كل حال. المبحث الخامس في ان الاسم الاعظم قسمين لفظي و معنوي و بيان اللفظي و انه من اين يتحقق و من اي شي‏ء يتركب و اما كيفية التركيب و ان كان في سرّ الكينونة ظاهرة معروفة ولكن في عالم الظهور لايظهر الاّ لاناس مخصوصين من المؤمنين و الكافرين و ليس شرط استعماله اسلام و لا ايمان الا تري الابليس فان عنده الاسم الاعظم فتنفعل له الاشياء و هو هو في كفره و طغيانه و عتوّه و عصيانه.

الفصل العاشر في الفؤاد و فيه مباحث: المبحث الاول في كيفية تكوّنه و تحققه و انه نور. المبحث الثاني في انه محل المحبة و المحبة لها مراتب اعلاها ما تكون حجاباً بين المحب و المحبوب و هذا المقام في اعلي مرتبة الفؤاد. المبحث الثالث في انه محل التوحيد و ان اعلي ما يصل اليه الشي‏ء هذا المقام كل علي حسبه و ان ظهور التجلي فيه. المبحث الرابع في ان الفؤاد يدرك الشي‏ء بلا حدود و اعراض بلا كيف و كمّ بلا جهة و

 

«* شرح القصيدة صفحه 218 *»

رتبة و بلا زمان و مكان و هو مدرك الاسم الذي اشار اليه مولينا و سيدنا الصادق عليه التحية و الثناء بقوله ان اللّه خلق اسماً بالحروف غيرمصوّت و باللفظ غيرمنطق و بالشخص غيرمجسّد و بالتشبيه غيرموصوف و باللون غيرمصبوغ بري‏ء عن الامكنة و الحدود مبعّد عنه الاقطار محجوب عنه حسّ كل متوهم مستتر غيرمستور الحديث علي المعني الذي ذكرناه قبل هذا لغيره و ان الفؤاد اعلي المشاعر و اقواها يدرك الغير المتناهي و الغير المحدود. المبحث الخامس في ان الفؤاد عنده دليل الحكمة و هو يعرف كل شي‏ء علي ما هو عليه في مقامه بلا رسم مقدمات و لا تمهيد قواعد و من هذه الجهة قلنا ان الفؤاد يدرك من الاسرار ما لم‏يدخل تحت قاعدة و ليس نتيجة من مقدمة و هذه الاسرار هي التي منعت شريعة الحكمة عن اظهارها لمن لم‏يفتح له هذا الباب و اليه الاشارة بقوله تعالي و لاتؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل اللّه لكم فيها قياماً فارزقوهم منها و اكسوهم و قولوا لهم قولاً معروفاً و ما ورد من النهي عن اهل‏البيت عليهم التحية و الثناء و غيرهم من العرفاء الكاملين و الكاشفين الواصلين يراد به هذا السرّ الذي لم‏يدخل تحت قاعدة و لم‏ينتج من مقدمة اذ الغيرالواصلين لهذا المقام ليس لهم قوة ادراكه و هي لهجة قد غابوا عنها و لم‏يكونوا من اهلها فلايدركونها فاما ان‏يبادروا الي الانكار و يسلكوا مسلك الاشرار او يقبلوا من غير ان‏يتعقّلوا معناها و يتخيلونها علي غير وجهها فيكفرون فانت ايها المتكلم بالاسرار فقد افسدتهم فكسّرتهم و اني لك جبر هذا الكسر و رفع هذا الفساد و اليه الاشارة بقول مولينا زين العابدين و سيد الساجدين لاتتكلم بما تسارع العقول الي انكاره و ان كان عندك اعتذاره و ليس كل‏ما تسمعه نكراً اوسعته عذراً فان المراد به ذلك النوع من الاسرار التي لم‏تدخل تحت كلي و لم‏تنته الي بديهي و اما ما سوي ذلك فيجوز ابرازه و اظهاره و ان كان من الغوامض الخفية اذا كان تحت قاعدة كلية والاّ وجب الكفّ عمّا لاتفهمه العوام و هذا من زخاريف الكلام الذي لايرضي به البهايم من الانعام. و الفؤاد له وجهان اعلي و اسفل فالتوحيد و الامور التي لا كيف لها و لا حدّ انما يدركها بالوجه الاعلي و حقايق الموجودات و الاشياء كما هي انما يدركها بالوجه الاسفل لان فيه ذكر الكثرات و بها يدرك ما يدرك من الذوات و الصفات.

 

«* شرح القصيدة صفحه 219 *»

الفصل الحادي عشر في القلب و فيه مباحث المبحث الاول في ان القلب هو اصل الانسان و انه هو المشار اليه بانا. المبحث الثاني في اركان القلب و انها هي الانوار الاربعة. المبحث الثالث في نسبة هذه الاركان بعضها مع بعض. المبحث الرابع في ظهور الافعال و الاثار الكلية لهذه الاركان من حيث نسبة بعضها لبعض.

الفصل الثاني عشر في الاركان اي اركان القلب و فيه مباحث المبحث الاول في الركن الايمن الاعلي و هو النور الابيض الذي منه ابيضّ البياض و منه ضوء النهار. المبحث الثاني في الركن الايمن الاسفل و هو النور الاصفر الذي منه اصفرت الصفرة و هو البراق. المبحث الثالث في الركن الايسر الاعلي و هو النور الاخضر الذي منه اخضرّت الخضرة. المبحث الرابع في الركن الاسفل الايسر و هو النور الاحمر الذي منه احمرّت الحمرة. المبحث الخامس في جامع الاركان الذي تحقق منه([12]) الانسان الذي علّم القرءان و البيان.

الفصل الثالث عشر في العرش و فيه مباحث: المبحث الاول في المعني الجامع للعرش الصادق علي جميع اطلاقاته. المبحث الثاني في اطلاقات العرش و انها كم هي. المبحث الثالث في سرّ الرحمن عند استوائه علي العرش. المبحث الرابع في سرّ الاستواء و كيفيته و سرّ المستوي و رسمه و صفته. المبحث الخامس في الرحمة الواسعة التي وسعت كل شي‏ء.

الفصل الرابع عشر في الكرسي و فيه مباحث المبحث الاول في حقيقة الكرسي الجامعة لاطلاقاته. المبحث الثاني في اطلاقات الكرسي. المبحث الثالث في منطقة الكرسي و نسبتها مع منطقة العرش. المبحث الرابع في تقسيم المنطقة الي اثني عشر قسماً و ثمانية و عشرين قسمة. المبحث الخامس في الكواكب الثابتة في الكرسي و نسبتها معه و هذا بحث غامض لايعلمه الاّ من اشهدهم اللّه خلق السموات و الارض و خلق انفسهم.

 

«* شرح القصيدة صفحه 220 *»

الفصل الخامس عشر في اللوح و القلم و فيه مباحث المبحث الاول في حقيقة القلم الجامعة لاطلاقاته. المبحث الثاني في حقيقة اللوح كذلك. المبحث الثالث في قدر القلم و انه الف الف ذراع و انه لابد ان‏يكون مشقوقاً و علة الشق و ان لايكتب الاّ به. المبحث الرابع في قدر اللوح و انه زمردة خضراء سبعين الف ذراع في مثله. المبحث الخامس في النسبة ما بين اللوح و القلم و انهما بابان من العلم فاللوح باب ظاهر و القلم باب باطن و هما يستمدان من النون قال تعالي ن و القلم و ما يسطرون النون بحر المزن و الصاد و هو الوجه الاسفل من الفؤاد و القلم اول غصن اخذ من شجرة الخلد و ما يسطرون هو([13]) اللوح المنقوش عليه ما كان و مايكون.

الفصل السادس عشر في العقل و فيه مباحث: المبحث الاول في معناه و حقيقته. المبحث الثاني في مقره و مسكنه. المبحث الثالث في صفاته و اسمائه و الوانه. المبحث الرابع في اقسامه من العقل المنخفض و المستوي و المرتفع. المبحث الخامس في دليله و مدركاته و باقي صفات كينونته.

الفصل السابع عشر في النفس و فيه مباحث: المبحث الاول في معناها و حقيقتها و كينونتها. المبحث الثاني في اطلاقاتها. المبحث الثالث في اقسامها من حيث ترقياتها و هي النفس الامّارة ثم الملهمة ثم اللوّامة ثم المطمئنة ثم الراضية ثم المرضية ثم الكاملة و هذه النفوس كلها مذكورة في القرءان بالتصريح الاولي في قوله تعالي و ماابرّئ نفسي انّ النفس لامّارة بالسوء الاّ ما رحم ربي و الثانية ففي قوله تعالي فالهمها فجورها و تقويها و الثالثة ففي قوله تعالي لا اقسم بيوم القيمة و لا اقسم بالنفس اللوّامة و الرابعة و الخامسه و السادسة و السابعة ففي قوله تعالي ياايتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي. المبحث الرابع في اقسامها من حيث الذات و هي كما قال اميرالمؤمنين عليه الاف التحية و الثناء في حديث الاعرابي لما قال يا اميرالمؤمنين عرّفني نفسي قال عليه التحية و الثناء و عن اي الانفس([14]) تسأل قال

 

«* شرح القصيدة صفحه 221 *»

الاعرابي و هل هي الاّ نفس واحدة قال عليه التحية و الثناء انما هي اربعة النامية النباتية و الحيوانية الحساسة و الناطقة القدسية و الملكوتية الالهية ثم اخذ7 في بيان هذه الانفس الي ان قال في النفس الملكوتية الالهية اصلها العقل عنه وعت و اليه([15]) دلّت و اشارت و شابهته اذا كملت فهي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لم‏يشق ابداً و من جهلها ضلّ و غوي. المبحث الخامس في قواها و مرايا مواقع اشعتها و هي القوي الدماغية الخيال و الفكر و الواهمة و العالمة و العاقلة و احوالها و صفاتها و اما الحس المشترك فهو البرزخ بين الغيب و الشهادة يدرك العوالم البرزخية و الاشباح المثالية.

الفصل الثامن عشر في الروح و فيه مباحث: المبحث الاول في حقيقة الروح الجامعة لجميع اطلاقاتها و قولهم ان الروح لاتدرك قول لا محصّل له بل الذي لايدرك هو اللّه سبحانه و المبادي العالية الواقعة في السلسلة الطولية و اما ما في نفس الشي‏ء و ذاته و مراتبه فكيف لايدرك و هل اقرب الي الشي‏ء من نفسه الي نفسه شي‏ء فاذا لم‏يعرف نفسه فاي شي‏ء يعرفه اذاً ما قال تعالي و في انفسكم افلاتبصرون او ما دلّ مفهوم قوله تعالي مااشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم و ما كنت متّخذ المضلّين عضداً علي ان اللّه سبحانه اتخذ الهادين عضداً و انصاراً و اشهدهم خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و قد دلّ علي هذا المفهوم منطوق الدعاء الوارد في كل يوم من شهر رجب اللهم اني اسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك الي ان قال روحي له الفداء لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك اعضاد و اشهاد و مناة و اذواد و حفظة و روّاد فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت الدعاء و الشاهد في قوله اعضاد و اشهاد فاذا اشهدهم اللّه خلق انفسهم فكيف يجهلون الروح الذي هو من جزء ذاتهم و لعمري ان هذا القول من اسخف الاقوال و اضعفها و الاية التي زعموا انها تصلح لان تكون شاهدة لهم فلا دلالة

 

«* شرح القصيدة صفحه 222 *»

فيها علي دعويهم اصلاً و قطعاً كما سنشير اليها ان‏شاءاللّه تعالي. المبحث الثاني في اطلاقات الروح و مواقع دلالاته([16]) فانه يطلق علي امور كثيرة لايسعني الان ذكرها لعدم الاقبال و تبلبل البال. المبحث الثالث في الروح من امر اللّه و الفرق بينه و بين روح‏القدس و الروح علي ملائكة الحجب و قوله تعالي يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي اشارة الي هذا الروح لانه ليس هو الروح الذي في الانسان لان اللّه سبحانه نصّ علي ان هذا الروح هو الذي يلقي الوحي بواسطة الملائكة الي الانبياء و هو منزل الملائكة علي([17]) الانبياء بل هو مرسل الانبياء و باعثهم باذن اللّه و امره و قد نصّ اللّه سبحانه علي ذلك بقوله تعالي يلقي الروح من امره علي من يشاء من عباده ذكرها في ايتين فهذا الروح حقيقة الهية و لطيفة ربّانية و هو من امر اللّه الذي قامت به السموات و الارض ان اللّه سبحانه ذكر في محكم كتابه و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره فالسموات و الارض و ما بينهما و ما تحتهما و ما فوقهما انما قامت بامراللّه و هو الامر المفعولي من قوله تعالي و كان امر اللّه مفعولاً لا الفعلي من قوله تعالي انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون فالروح من عالم الامر الذي هو فعال للوجود و عليه يدور الامر من الغيب و الشهود و هو المراد من قوله  تعالي قل الروح من امر ربي لا ما زعمه بعض الناس فان اليهود لما اتوا الي رسول اللّه9و سألوه عن المسائل الثلثة ارادوا جوابها علي ما في التورية و كان مكتوباً فيها هذه الصورة([18]) فانزل اللّه قرءاناً هكذا. المبحث الرابع في معني قوله تعالي و نفخت فيه من روحي و ان اللّه تعالي منزّه عن الروح و النفخ. المبحث الخامس في كيفية تعلق الروح بالبدن و هذا التعلق تعلق حلول و استجنان او تعلق شعاع بمحل كتعلق شعاع الشمس بالارض و حكم هذه الروح في قوسي الصعود و النزول.

الفصل التاسع عشر في الجسم و الجسد و فيه مباحث المبحث الاول في حقيقة الجسم من حيث هو هو. المبحث الثاني في حقيقة الجسم الملكوتي كما قال مولينا

 

«* شرح القصيدة صفحه 223 *»

الصادق7جسم لطيف البس قالباً كثيفاً. المبحث الثالث في الجسم المثالي من عالم هورقليا. المبحث الرابع في الجسم الطبيعي مبدء حقيقة الاجسام. المبحث الخامس في الجسم التعليمي اصل الاعراض.

الفصل العشرون في الجنة و النار و فيه مباحث: المبحث الاول في حقيقة الجنة و اصلها. المبحث الثاني في حقيقة النار و اصلها اعاذنا اللّه منها. المبحث الثالث في مبدء الجنة و اصل منشأها و انها اشراق من اي شي‏ء. المبحث الرابع في مبدء النار و اصلها و ان تكوّنها من اي شي‏ء. المبحث الخامس في طبقاتهما و اطوارهما و احوالهما و انهما موجودان الان و ان لكل منهما حظاير يدخلها طوائف مخصوصون.

الفصل الحادي و العشرون في الاخرة و مايتعلق بها قبل الجنة و النار و فيه مباحث المبحث الاول في القبر و ما يتعلق به من الضغطة و دخول رومان فتان القبور و دخول الملكين النكير و المنكر([19]) و انتقال الروح منه الي الجنة و النار الدنياويين. المبحث الثاني في نفخ الصور و ما يتعلق به من فناء الاجسام و الاشباح و الارواح و النفوس و العقول و ما يتعلق بذلك. المبحث الثالث في يوم النشر و كيفية الخروج و اتصال الارواح بالاجسام([20]) و نشرهم ليوم المعاد. المبحث الرابع في يوم الحشر و يوم‏القيمة و يوم يقوم الناس لرب العالمين و نصب منبر الوسيلة و بيان مراقيها و مسافة البعد بين كل مرقاة الي المرقاة و ذكر السلطان الجالس المهيمن علي الجميع و ظهور قوله تعالي و خشعت الاصوات للرحمن فلاتسمع الاّ همساً. المبحث الخامس يوم الجاثية و يوم الحساب و نصب الميزان علي الصراط و الصراط مسيرة ثلثة الاف سنة قوس منصوب علي متن جهنم احدّ من السيف و ادقّ من الشعر الف سنة صعود و الف سنة نزول و الف سنة حدال و فيه خمسون موقفاً يقف الخلايق في كل موقف الف سنة فكان يوم الحساب خمسين الف سنة دون يوم الحشر و النشر و القيمة و الجاثية و مدة هذه الايام فلايعلمها الا اللّه و من يعلّمه سبحانه من غامض علومه و سرّه المكنون المخزون من

 

«* شرح القصيدة صفحه 224 *»

انبيائه و اوليائه و خلفائه الراشدين المهديّين و العلماء الراسخين في العلم.

الفصل الثاني و العشرون في النور و الظلمة و فيه مباحث: المبحث الاول في حقيقة النور و اصل تحققه و انبعاثه من نور الحق. المبحث الثاني في مراتبه و احواله و تنزلاته الي اقصي مراتبه و غاياته. المبحث الثالث في الظلمة و حقيقتها و اصل تكوّنها و تحققها و سرّ دخول تاء التأنيث في الظلمة دون النور و سرّ قوله تعالي خلق الظلمات و النور اتي بالنور بصيغة المفرد و في الظلمة بصيغة الجمع. المحبث الرابع في القران بين النور و الظلمة و اتصالهما و امتزاجهما و اختلاطهما بحيث سري في كل جزء من النور جزء من الظلمة و هو قول مولينا اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء لو خلص الحق لم‏يخف علي ذي‏حجي لكنّه اخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فهنالك هلك من هلك و نجي من سبقت له من اللّه الحسني. المبحث الخامس في ان الاحكام علي قسمين قسم اولي و هي المسماة بالواقعية و هي التي لايجري عليها التغيير و التبديل و الزيادة و النقصان من جانب النور و من جانب الظلمة و قسم ثانوي و هي الاحكام التي يجري عليها الزيادة و النقصان و التغيير و التبديل و هي المسماة بالاحكام النفس الامرية و الاحكام الظاهرية في التكوين و التشريع اما في التشريع فكل ما يقع عليه النسخ و الاصل كاصالة الطهارة و اصالة الاباحة و ان الاصل في الامر هو الوجوب دون الندب و ان الحكم يمضي بشهادة الشهود و قد تكون زوراً في الواقع و الحكم يمضي فيه و ان الشهود في الزنا اربعة كالميل في المكحلة و اما اذا نقصت عن اربعة او لم‏تكن علي الوصف المذكور يحكم بكذبهم و يحدّون حدّ القاذف و قد يكونون صادقين في الواقع و قال سبحانه و تعالي و اذ لم‏يأتوا بالشهداء فاولئك عند اللّه هم الكاذبون و من اعظم هذا المعني اختلاف اراء المجتهدين و تناقضهم في الاقوال و الافعال و تجويز اتباع الكل مع كمال الاختلاف و هذا كله من باب الحكم الظاهري النفس الامري في التشريع و اما في التكوين فكتشابه حركة مايل القمر علي مركز العالم و حركة مدير عطارد و ساير خوارج المراكز علي مركز معدل المسير دون افلاكها و هو نقطة متوسطة بين مركز الخارج و مركز العالم و كوجود القلب في الجانب الايسر مع ان

 

«* شرح القصيدة صفحه 225 *»

مقتضي الطبيعة وجوده في الوسط و كفساد الثمار بعدم نموّ الاشجار و سقوط الاوراق و وقوع الخلاف بين اهل الوفاق و شيوع المكر و النفاق و الاغضاء عن مستجنات الضماير و عدم البحث بما في مستكنات السرائر و كذب القيافة و عدم صدق الخطوط علي البشرة الاّ احياناً فكل ذلك للّطخ اي لطخ اهل الظلمة بالنور و لطخ اهل النور بالظلمة و بين اللطخين جاء ما ذكرنا في البين.

الفصل الثالث و العشرون في عليين و سجين و فيه مباحث: المبحث الاول في حقيقة عليين و هو كتاب الابرار. المبحث الثاني في حقيقة سجين و هو كتاب الفجار. المبحث الثالث في النسبة بين الكتابين. المبحث الرابع في النطف النازلة من عليين و النطف الصاعدة من سجين. المبحث الخامس فيما يحصل به اللطخ بين النطفتين حتي يصير الكافر في صلب المؤمن و المؤمن في صلب الكافر الي ان‏يظهر معني قوله تعالي يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح و قوله تعالي يخرج الحي من الميّت و يخرج الميّت من الحي و حتي يظهر الجمع بين قوله تعالي الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات و الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات  مع قوله تعالي ضرب اللّه مثلاً للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم‏يغنيا عنهما من اللّه شيئاً و قيل ادخلا النار مع الداخلين و ضرب اللّه مثلاً للذين امنوا امرأة فرعون اذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة و نجّني من فرعون و عمله و نجّني من القوم الظالمين و من ذلك قوم كافرون يسلمون عند موتهم و قوم مؤمنون يكفرون عند موتهم و امثال ذلك من الامور التي ليست حقيقية فيزول عند رجوع كل شي‏ء الي اصله.

الفصل الرابع و العشرون في السموات و فيه مباحث: المبحث الاول في حقيقة السموات و اصل مبدئها و ابتدائها من المبدء الفيّاض. المبحث الثاني في سرّ كون السموات طبقات و انها سبعة بلا زيادة و نقيصة. المبحث الثالث في هيئات كل طبقة حتي تكون اربعة و عشرين. المبحث الرابع في ان اصل السماء و الفلك هو الخارج المركز و الباقي متممات و هو معني ما ورد عن النبي9عن طريق اهل‏البيت عليهم الاف التحية و الثناء من ان بين كل سماء الي الاخري خمسمائة عام يريد بها خمسة

 

«* شرح القصيدة صفحه 226 *»

مراتب المتممات لهذه السماء و المتممات للسماء الاخري و الخارج المركز فهذه خمسة مراتب و لمّا كانت الافلاك في الرتبة الثالثة من الموجودات الجسمانية كانت الخمسة هناك خمسمائة اما انها في الرتبة الثالثة فلان اولها المتولدات و ثانيها العناصر و ثالثها الافلاك و اما الفلكان الاعظمان فهما في الرتبة الرابعة فالعدد هناك الوف و في السموات مآت و في العناصر عشرات و في المتولدات احاد فافهم الدقيقة بسرّ الحقيقة و تعيها اذن واعية. المبحث الخامس في تداويرها و نسبة التدوير الي الخارج المركز و الحاجة الي التدوير و بيان ان التدوير لنفس الكوكب و الخارج المركز لاهل العالم.

الفصل الخامس و العشرون في الارضين و فيه مباحث: المبحث الاول في حقيقة الارضين و اصل بدؤ كينونتها و سرّ تحققها و تذوّتها. المبحث الثاني في الاقاليم السبعة و انها لم‏فصّلت بما فصّلت. المبحث الثالث في الاقليم الثامن و مقره و محله و فيه بيان القاف و انه جبل من زمردة خضراء و خضرة السماء منها. المبحث الرابع في طبقاتها و سكانها و صور سكانها و هيئاتهم و اشكالهم. المبحث الخامس في معني ان الارض محبوكة بالسماء و قول مولينا الرضا عليه الاف التحية و الثناء ان كل ارض محبوكة بسماء و ماتحتنا الاّ ارض واحدة.

الفصل السادس و العشرون في الجوهر و العرض و فيه مباحث: المبحث الاول في حقيقة الجوهر و معناه و انه هو الذي يقيم الغير و الغير يتقوّم به. المبحث الثاني في العرض و معناه و هو الذي يتقوم بالغير فيكون كل شي‏ء جوهراً باعتبار و عرضاً باعتبار. المبحث الثالث في تقسيم العرض الي الاقسام الاربعة القيام الصدوري و القيام الظهوري و القيام التحققي و العضدي و القيام العروضي و لعله تقدم منا ذكر لهذه الوجوه و شرحناها مفصّلة بما لا مزيد عليه عند الناس في تفسيرنا علي اية الكرسي عند قوله تعالي الحي القيّوم المبحث الرابع في ان المعروف عند القوم من العرض هو([21]) ما يقوم بالغير قيام عروض و ينحصر عندهم في تسع مقولات و اما عند العارفين بالاسرار و

 

«* شرح القصيدة صفحه 227 *»

كلمات اهل الحقايق و الانوار ان العرض ليس له حصر و الجواهر ليست مقولة واحدة بل كل شي‏ء يقوم به شي‏ء فمن حيث قيامه به عرض و من حيث انه مقوم له جوهر فالجوهر هو مقيم الشي‏ء بالنسبة الاقترانية و لايصحّ اطلاقه علي اللّه و اما ماسواه سبحانه في الامكان فيطلق عليه الجوهر و العرض كائناً ما كان و قد مدح الشاعر رسول الله9بقوله :

يا جوهراً قام الوجود به   و الناس بعدك كلهم عرض

و هذا ظاهر معلوم. المبحث الخامس في معرفة المقولات التسع التي هي قائمة بالجوهر قيام عروض و احوالها و صفاتها و اثارها و معني الحركة و السكون علي ما عند اهل التمكين و التلوين.

الفصل السابع و العشرون في الحروف و فيه مباحث: المبحث الاول في النقطة الاولية التي بها تألّفت الالف و تحقّقت و تذوّتت و تكوّنت و تعيّنت و هي السرّ المستسرّ و السرّ المقنّع بالسرّ و السرّ المجلّل بالسرّ و سرّ لايفيده الاّ سرّ. المبحث الثاني في الالف اللينية و هي التي تحققت الحروف من عطافاتها و هي مادة الحروف و اصلها و اسّها و اسطقسّها و هيولاها و سرّ سرّها و مبدء وجودها و تحققها و هذه الالف طولها الف الف قامة. المبحث الثالث في الالف المتحركة و هي اول ولد تولد من الالف اللينية و هي اقرب الحروف اليها و لذا ظهرت بصورتها و تحلّت باقرب الحلي اليها فان الفتحة مقام الواسطة كما ان الضمة مقام رفع الواسطة و مقام الانضمام الي رتبة الذات الظاهرة و حيث ان الالف اللينية مقام المادة صارت لا مخرج لها حتي يصح انعطافها و ظهورها بكل صورة و هيأة و الالف المتحركة طولها الف الف ذراع و الالف اللينية هي الاختراع الاول في الحروف. المبحث الرابع في الالف المبسوطة و هي الباء من بسم اللّه الرحمن الرحيم قال النبي9 ظهرت الموجودات من باء بسم اللّه الرحمن الرحيم و هي الابتداع الاول من الحروف. المبحث الخامس في الالف الراكدة و هي لا طول لها و مقامها مقام الانجماد و رتبتها رتبة الانعقاد و هي اصل الحروف.

الفصل الثامن و العشرون في قرانات الحروف و فيه مباحث: المبحث الاول في

 

«* شرح القصيدة صفحه 228 *»

البسط بحسب نسبها و اضافاتها باقسامها الستين من البسط العددي و البسط الحرفي و بسط التمازج و بسط التضارب و هكذا اقسامها الي ان ترتقي([22]) الي الستين. المبحث الثاني في التكسير باقسامه الثلاثة من الصغير و الوسيط و الكبير. المبحث الثالث في موازين الحروف و ضبط مقاديرها و نسبها و خلط بعضها ببعض حتي يحصل المزاج لتأليف مايريد العامل من كدورة و ابتهاج. المبحث الرابع في طبايعها و صفاتها و الوانها و قوتها و ضعفها و المصادقة منها و المباغضة و المخفيّة منها و الظاهرة و المتألفة منها و المتناكرة([23]) و النبي منها و الرعية و الخادمة منها و المخدومة و العلوية منها و السفلية و الروحانية منها و الجسمانية و النورانية منها و الظلمانية و المتواخية منها و المتعادية و الكاملة منها و الناقصة و غيرها من ساير صفاتها و احوالها و اثارها. المبحث الخامس في الجفر و انه اسم بقرة اتي بها جبرئيل7 حين كان رسول اللّه9 و اميرالمؤمنين عليه الاف التحية و الثناء علي جبل فاران فذبحها اميرالمؤمنين روحي فداه بامر رسول‏اللّه9 و سلخ جلدها فانسلخت و هي مدبوغة فامر رسول‏اللّه9 اميرالمؤمنين7 ان‏يجعلها ثمانية و عشرين جزء و كل جزء ثمانية و عشرين ورقة و كل ورقة صفحتين يمني و يسري و كل صفحة ثمانية و عشرين سطراً و كل سطر ثمانية و عشرين بيتاً و كل بيت جعل فيه اربعة احرف ففي البيت الاول من السطر الاول من الصفحة الاولي من الجزء الاول اربع الفات و في البيت الثاني ثلث الفات و باء و هكذا الي تمام السطور فيكون اخره ثلاث الفات و غين و هكذا الي اخر الاجزاء و اسرار هذه الحروف علي هذا النحو كثيرة و فوائدها خطيرة.

الفصل التاسع و العشرون في الاعداد و فيه مباحث: المبحث الاول في الواحد الذي ليس من الاعداد و هو الواحد الذي ليس فيه ذكر الكثرة بحال من الاحوال. المبحث الثاني في الواحد الذي ليس له ثانٍ و فيه ذكر للكثرات اجمالية لاجل الصلاحية و بذلك كان مادة و علة للاعداد و هي انما تركّبت من تكرار هذا الواحد و بتكراره كانت

 

«* شرح القصيدة صفحه 229 *»

الاعداد كلها و يتولد منها الي ما لا نهاية له فان الاثنين واحدان و الثلاثة ثلث وحدات و هكذا الي ما لا نهاية له من الاعداد. المبحث الثالث في الواحد الذي له ثانٍ و هو من الاعداد و مبدؤها و الذي يقول انه ليس من الاعداد توهم و غلط فان هذا الواحد له ثانٍ و ثالث و يعدّ معها و هو اول متعين من تلك الوحدة كنسبة الالف المتحركة مع الالف اللينية. المبحث الرابع في ان هذا الواحد اصله ثلثة غلبت عليه جهة الوحدة كصاحب الطبايع الاربع اذا غلبت عليه طبيعة منها يدعي بتلك الطبيعة فيقال انه صفراوي او دموي او بلغمي او سوداوي مع وجود غيرها فيه و الاثنان اربعة بعين ما ذكرنا في الواحد لان كل اثنين بينهما نسبة كل واحد مع الاخر بالضرورة فهنا شيئان و نسبتان فالمجموع اربعة ولكن النسبة غير ملحوظة قالوا اثنين. المبحث الخامس في ان الثلثة اول الفرد و اول العدد لانها تفصيل الواحد و الاربعة اول الزوج لانها تفصيل الاثنين ففي الحقيقة لايكون اول العدد الاّ ثلثة لانها اقل عدد يمكن وجوده في الامكان فالثلاثة مبدء الفرد فجميع الكمالات الفردية ترجع اليها و الاربعة مبدء الزوج لان جميع الكمالات الزوجية ترجع اليها فاذا ثنّيت الثلاثة يظهر منها العدد التام و اذا ثنّيت الاربعة يظهر منها العدد الناقص و اذا اجتمعت الثلثة مع الاربعة يظهر منه العدد الكامل و اذا ثنّي العدد التامّ يظهر منه العدد الزايد و اذا ثنّي العدد الكامل يظهر منه العدد الكامل في الكامل فهو اذن كمال الكمال فافهم و كن به ضنيناً ايها العالم العلم المفضال.

الفصل الثلثون في الاشكال و فيه مباحث: المبحث الاول في ان اشرف الاشكال و اعلاها و اسناها الشكل المستدير لفقدان الجهة فيه اذا كان حركته علي القطب لاتظهر من حركته جهة و لا جهة و لا حيث و لا كيف و اذا تحرك علي المحور تحصل من حركته دوائر متعددة مختلفة بالعظم و الصغر و هذا اول ظهور النقص في الشكل المستدير و مع هذا كله فهو اشرف الاشكال و ان كان بعض مقاماته اشرف من بعض كما قلنا في الفؤاد في الفصل المتعلق به. المبحث الثاني في ان الشكل المثلث ابوالاشكال و اصلها و اسّها و اسطقسها و هو شكل ادم الاكبر و لذا كان اسمه علي تمام وفق اضلاع المثلث فالمثلث له رتبة جامعة و قيومية واسعة و هو مبدء الاشكال و اجمعها و الشكل المستدير و ان

 

«* شرح القصيدة صفحه 230 *»

كان اشرف لكن المثلث اجمع و المستدير وجه واحد منه و نسبة المستدير الي المثلث نسبة الاحد الي اللّه لفظ الجلالة لان الاحد مقام الوحدة المطلقة و مقام اللّه مقام الالوهية الجامعة لجميع الاسماء و الصفات فكان الاحد يقع صفة له دون العكس كما ان اللّه يقع صفةً لـ«هو» فافهم. المبحث الثالث في ان الاشكال مقناطيس لارواحها المناسبة لتلك الاشكال و كل شكل ينجذب اليه ما يناسب مقامه و مرتبته و هذا في كل شي‏ء من التكوينيات و التشريعيات و العقليات و العاديات و فصلت هذا المطلب غاية التفصيل في موضعين احدهما في جواب السؤال عن ان الحروف قد اختلف علماؤها في طبايعها و ما اجتمعوا علي حرف الاّ علي الالف فانهم اجتمعوا علي انها علي طبيعة النار و اما ما سواها من الحروف فقد اختلفوا فيها اختلافاً فاحشاً حتي ان كل حرف اعتقدوا فيها الطبايع الاربع كالباء فان منهم من يعتقد انها هوائية و منهم من يعتقد انها ترابية و منهم من يعتقد انها نارية و منهم من يعتقد انها مائية و لا عجب في ذلك اذ قادهم الدليل عليه لكن العجب كل العجب في ان كلاًّ منهم يستعملها علي حسب معتقده فيؤثر ذلك التأثير و الواقع واحد فكيف تصح اصابة المختلفين علي شي‏ء واحد بالاثبات و النفي الواقع و هذا من عجايب الامور و غرايب الاحوال و قد بسطت الكلام في جواب هذه المسألة بما لا مزيد عليه و بيّنت ان مدار الحكم علي الصورة فلانعيده هنا لان مقصودنا الاشارة لا تحقيق الحقايق و ثانيهما في تحقيق هذه العبارة ان الاشكال مقناطيس لارواحها فانه كلام السيد اصف بن برخيا وصي نبي اللّه سليمان علي نبينا و7. المبحث الرابع في ان الشكل المثلث تأثيره الخراب و الفرقة و عدم الايتلاف و البينونة و الافتراق و الدثور و الوبال لانه مقام الوحدة مقام سلب الاضافات و الكثرة و مقام عدد التامّ لاسيّما اذا كان علي هيئة المثلث الهندسي و الشكل المربع تأثيره الالفة و المحبة و المودة و الايتلاف و الاجتماع و زيادة القوة و الهيبة عند الناس و الملوك و متي خاصم صاحبه في مناظرة او خصومة كانت الغلبة له. المبحث الخامس في ان الامر لو كان كما ذكروا فما معني كلام المنجّمين ان نظر التثليث نظر المحبة و نظر التربيع نظر العداوة و هذا شي‏ء معلوم عندهم صحيح وافقته التجربة و الجواب ان

 

«* شرح القصيدة صفحه 231 *»

التثليث هو التربيع و التربيع هو التثليث لان التثليث في عرف المنجمين هو ان‏يكون بين الكوكبين من السيارات ثلث البروج و لمّا كانت البروج اثني‏عشر يكون ثلثها اربعة و هي نظر التأليف و شكل المحبة و المودة و الايتلاف و عدم الافتراق و امثالها و لذا قالوا ان التثليث نظر المحبة لانه تربيع اما التربيع فحيث ان مرادهم ان‏تكون الفاصلة بين الكوكبين ربع الفلك و ربع البروج و حيث ان ربع الاثني‏عشر ثلاثة كان التربيع هو التثليث و هو نظر العداوة و الفرقة و البينونة و عدم الايتلاف و وقوع الاختلاف و امثالها مما في معناها و كذلك حكم كل شكل يجري علي حسب قابليته و يجذب علي حسب استعداده.

كقطر الماء في الاصداف درّ   و في بطن الافاعي صار سمّا

و ننزّل من القرءان ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً.  و ليزيدنّ الذين كفروا ما انزل اليك من ربك طغياناً و كفراً.

الفصل الحادي و الثلثون في علم الموسيقي و فيه مباحث المبحث الاول في حقيقة الموسيقي و سرّه و اصل مبدئه و منتهاه. المبحث الثاني في ان هذا العلم اي ظهور هذه النغمات علي النظم الطبيعي انما كان من الافلاك قد اظهرها فيثاغورث الحكيم بعد ان سمعها من حركات الافلاك. المبحث الثالث في ان هذا العلم مبني علي حدود ستة الاول السبب الخفيف و هو حركة و سكون. الثاني السبب الثقيل و هو حركتان. الثالث الوتد المجموع و هو حركتان و سكون. الرابع الوتد المفروق و هو حركتان بينهما سكون. الخامس الفاصلة الصغري و هي ثلث حركات و سكون. السادس الفاصلة الكبري و هي اربع حركات و سكون. المبحث الرابع في نسبة هذه الحدود الي الافلاك الستة ماعدا الشمس فسبب الخفيف نسبة القمر و الثقيل نسبة عطارد و الوتد المجموع نسبة الزهرة و الوتد المفروق نسبة المريخ و الفاصلة الصغري نسبة المشتري و الفاصلة الكبري نسبة زحل. المبحث الخامس في تفرع الاصوات و النغمات و الالحان المختلفة من المفرّحات و المكدّرات و المؤثّرات و المنوّمات و المسكرات و المضحكات و المبكيات  كلها من هذه الحدود الستة بجميع الاسباب و الاوتاد و

 

«* شرح القصيدة صفحه 232 *»

الفواصل و ملاحظة بعضها مع بعض.

الفصل الثاني و الثلثون في علم الصناعة و توليد المولود الفلسفي و فيه مباحث: المبحث الاول في اصل هذا العلم و سرّه و منشأه و مبدئه و منتهاه و انه اخت النبوة و عصمة المروة الناس يعلمون ظاهرها و يعلم مولينا اميرالمؤمنين7ظاهرها و باطنها و ان كل شي‏ء له فيه اصل او([24]) فرع. المبحث الثاني في الربع الاول و هو العمل المكتوم و الجوهر المخزون لايكتب في كتاب الاّ باشارات بعيدة لايدركها الاّ اولوا الافئدة و اولوا الالباب و قد قال صاحب جوهر الجواهر ان اقرب الاشارات ان‏يشار بالبعيد الي القريب و بالقريب الي البعيد. المبحث الثالث في الربع الثاني من صيرورته نطفة جماداً منحلاًّ الي ماء رقيق الذي هو نطفة المرأة و الماء الغليظ الذي هو نطفة الرجل و التزويج بينهما بالزوجات الاربع ثم بالجوار الستّ ثم بان‏يطوف بالبيت الحرام اسبوعاً الي ان‏يكون شيئاً واحداً  و ماءً جامداً. المبحث الرابع في الربع الثالث كما قال اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب7 و ما هو الاّ ماء جامد و هواء راكد و ارض سائلة و نار حائلة بان‏يستخرج اولاً الماء الابيض الرقيق ذوالوجهين ثم الماء الابيض الغليظ اشبه الاشياء بالزيبق ثم الماء الاصفر الشرقي ثم الماء الاحمر ثم مزج الماء الابيض الرقيق بالثفل الباقي و استخراج الصبغ الاحمر موسي تلك الامة ثم مزج الماء الابيض الغربي بالثفل الباقي و تقطيره مرات بعد تعفينه حتي يكون الثفل صافياً برّاقاً كبرادة الذهب بل اصفي منها و هنا تمام الربع الثالث. المبحث الخامس في الربع الرابع من العمل و به يتمّ العمل و هو مقام التركيب و سقي المركب تسع مرات حتي يخرج بكل سقي رهط من التسعة المفسدة و كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض و لايصلحون و اذا([25]) سقي المركب بالوزن المعين و المقدار المشخص المعلوم عند اهله بان‏تؤخذ من الماء الابيض المسماة عندهم بالفتاة الغربية و بيوشع بن نون اخري و بالقمر اخري جزءان و من الماء الاصفر و الاحمر ممتزجين و هو شي‏ء يشبه البرقا في كلام اميرالمؤمنين روحي له الفداء

 

«* شرح القصيدة صفحه 233 *»

و عليه الاف التحية و الثناء:

خذ الطيّار و الطلقا   و شيئاً يشبه البرقا
اذا مزّجته سحقا   ملكت الغرب و الشرقا

و الشي‏ء الذي يشبه البرقا هو الماء الاحمر المستخرج من بعد الماء الاصفر و الماء الاصفر المستخرج من الماء الابيض فيمزجان فيحصل شي‏ء يشبه البرقا و يؤخذ منه جزء واحد و يؤخذ من الانفحة جزء واحد و يؤخذ من الثفل الصافي بعد تطهيره بالابيض الغربي جزء واحد و هو الطلق في قول اميرالمؤمنين7المتقدم فيلقي الجميع في الالة العمياء و يجعل في التعفين علي القدر المعين عند اهل التمكين و هكذا يفعل و يكرر العمل ثلث مرات ففي الثالثة يطلع القمر البازغ من افق العمل و يطرح كل واحد([26]) علي عشرة فاذا تكرر العمل المذكور علي الوجه المسطور يزداد في العمل و الفعل التأثير([27]) فاذا اردت ان‏تبزغ الشمس و تظهر مشرقة بانوارها خذ جزء من الماء الرقيق الاول و اترك الماء الابيض الغربي لانه مادة القمر في فلكه الجوزهر و خذ جزء من شي‏ء يشبه البرقا و جزء من الانفحة و جزء من الصبغ الاحمر و اضف الي المركب الاول و اجعله في الالة العمياء الي اجل معلوم ثم افعل هكذا ستّ مرات لكمال التسع و ذلك معني قولهم ان واحداً سيغلب تسعاً من بنات البطارق فاذا بلغ السقي الي التسع تكرر العمل مرة اخري من غير سقي لكمال النضج و التعديل فهي الجبال العشرة في قوله تعالي حكاية عن ابرهيم الخليل علي نبينا و اله و7 ربّ ارني كيف تحيي الموتي اي موتي الجمادات كيف تحييها حتي تكون مؤثرة في مثلها و([28]) غيرها من جهتها فان الانسان اذا اكل منه حبة واحدة تترقي في فهمه و ذكائه و حدّته و معرفته بالامور و ذلك لان تلك الحبة تعدل الجسم الجمادي فيكون محلاً لتلك الاشراقات الالهية كما ان المرءاة كلما صفّيتها و عدّلتها يظهر النور فيها اكثر و اعظم و علة ذلك تصفية المرءاة و تعديلها و كذلك اذا صفت الاجسام و اعتدلت الطبايع تظهر جهات

 

«* شرح القصيدة صفحه 234 *»

النفس و العقل فيها اشد و اكثر و كذلك اذا القيت علي الاشجار تقوي الشجرة و تكمل و تأتي باعلي ما يمكن في حقّها من الثمرة و كذا اذا القي علي الاحجار يظهر باكمل ما يستعد من الجواهر كالياقوت و الالماس و اللؤلؤ و ساير الجواهر و اذا القيت علي الفلزات تنقلب ذهباً و هذه هي الحيوة الحقيقية صاحبة اللطيفة الزائدة تحيي ما يجاورها و تكمل ما يصاحبها و لما سأل ابرهيم7ذلك استعلاماً لاصل العمل و انه هو الخليل لانه قال له ان لي خليلاً لو سألني احياء الموتي لاجبته فسأل ابرهيم ذلك و قال سبحانه تبييناً و توضيحاً للامر و ان ابرهيم7انما سأل ذلك للتعلم لا للاستخبار و استفهام انه تعالي يقدر علي فعل ذلك ام لا قال سبحانه اولم‏تؤمن تقريراً ليقول بلي كما قال لعيسي ءانت قلت للناس اتخذوني و امّي الهين من دون اللّه حتي يقول سبحانك ليس لي ان‏اقول الخ و لذا قال ابرهيم7 اظهاراً لمراد الحق سبحانه بلي ولكن ليطمئن قلبي بالخلّة و العلم و لم‏يطلب ذلك للاطمينان و الثبات في الاعتقاد و حاشاه من ذلك لان اللّه سبحانه اراه ملكوت السموات و الارض ليكون من الموقنين و انما طلب الاطمينان و الثبات في العلم بكيفية احياء هذه الاموات فاجاب اللّه سبحانه دعوته فقال فخذ اربعة من الطير و هي الطاوس و الديك و الحمامة و الغراب فالطاوس هو الماء الاحمر المسمي عندهم بالفتي الشرقي الذي من شأنه الامتزاج لحصول مايشبه البرقا و الصبغ الاحمر الذي هو مادة الكبريت الاحمر و الديك هو الماء الاصفر الشرقي المستخرج بعد الابيض الغليظ و الحمامة هي الابيض اشبه الاشياء بالزيبق بل ذلك زيبقهم و هو الطيّار في قول اميرالمؤمنين7المتقدم خذ الطيّار و الطلقا و الغراب هو الثفل المطهر من ريشه و هو قولهم ازل ريش الغراب ليكون عقاباً و يطلق عليه تراب بيت المقدس كما([29]) يطلق علي الحمامة الطيار قبضة من ارض مصر كما يطلق علي الطاوس قبضة من ارض فارس و قال صريع الدلاء في قصيدته و اهل شيراز فلايمكنهم ان‏يلبسوا في فصل تموز الفراء فافهم الدقيقة بسرّ الحقيقة و تعيها اذن واعية ثم قال سبحانه فصرهن اليك

 

«* شرح القصيدة صفحه 235 *»

اي امزجهن و اخلطهن و هو الربع الاخر من العمل و هذا المزج و الخلط كما ذكرت لك علي النظم الطبيعي و هذا هو الاعتدال الحقيقي و انما قلنا في الابيض الغربي يؤخذ منه جزءان فان الجزئين منه يعادل جزءً واحداً من غيره فان الرطوبة يحتاج اليها اكثر ولكن بعد المزج يعادل تلك الاجزاء ثم بعد الخلط و المزج قال سبحانه و تعالي فاجعل علي كل جبل منهن جزءاً و المراد بهذه الجبال التساقي فان تسعة منها مع السقي و الخلط بالاجزاء و واحد منها يجعل في التعفين بلا خلط و لا سقي فاذا تمّت هذه التساقي حييت الطيور التي هي العناصر و ذهبت عنها الغرائب و الاعراض و الكثافات فحييت فهي فعالة فكل عنصر يفعل فعله من غير مزاحمة غيرها و لذا اذا القيت الاكسير علي الزيبق يعدّله و يجفّف رطوباته و يجعله ذهباً صافياً خالصاً فهنا كان الفعل لليبوسة دون الرطوبة فاذا القيته علي النحاس يعدّله و يرطّبه الي ان‏يجعله ذهباً صافياً خالصاً فهنا كان الفعل للرطوبة دون اليبوسة و هكذا في باقي الفلزات يعمل في الاضداد و يعدّله و يصلحه فحييت بذلك كل الطيور التي كانت ميتة و انما امر ابرهيم7بذبحها لبيان ان معصية ادم7 كانت سبباً لموت تلك العناصر و عدم حياتها الاّ بتدبير مدبر و تقدير مقدر و ذلك تقدير العزيز العليم و بالجملة فهذا الولد العزيز الكريم المسمي بعبد الكريم و عبد الواسع عند اصحاب هذا العلم و عبداللّه عند الحقير الذي يهزم الصفوف و لايكترث بالالوف تتمّ صنعته بعد تمام اربعة ارباع للحلّين و العقدين قال صاحب الشذور و حلّين مع عقدين لابد منهما و احلله و اعقده و امثال هذه الفصول لهذا الكتاب كثيرة ولو اردنا شرحها و بيانها لطال بنا الكلام و يخرجنا عما نحن فيه من المرام.

و لاتتوهم ان هذه الفصول علوم و معان مستفادة من الالفاظ و العبارات المدونة في هذه العلوم المتعارفة المتداولة بين الناس من اصحاب المجادلة و الموعظة الحسنة و الحكمة في الوجه الاسفل و انما هي حقايق و ذوات و اصول و فروع كونية و ذاتية مودعة في ذات الافاق و الانفس و المرشد الكامل و الستر و الحجاب الواصل انما هو جامع هذه الاصول و الفصول و مميزها و معربها و عارف كل فصل في مقامه و كل اصل في بابه بالمشاهدة العيانية و الملاحظة العرفانية و المعاينة الربانية فهو الكتاب المعرب

 

«* شرح القصيدة صفحه 236 *»

و ماعداه المعجم لان الذي لايقرء حروف نفسه و ذاته فلايعرف غيره([30]) و اذا لم‏يكمل ذاته فلايكمّل غيره و كمال الذات بالعلم و قد قال سبحانه يرفع اللّه الذين امنوا و الذين اوتواالعلم درجات و لايكون الباب باباً و لا الحجاب حجاباً الاّ بمعرفة ذاته و قراءة حروف نفسه و مشاهدة العوالم العلوية و السفلية و الغيبية و الشهودية في ذاته و يعرف اسم نبينا و وصفه و محله و موطنه و حكم الاولي و الثانوي في ذاته و كذلك خلفائه و اوليائه المضاهئين([31]) له المخلوقين من سنخ ذاته و كذلك الانبياء:و عددهم و عدد اوصيائهم و امنائهم و خلفائهم و كذلك مدة سلطانهم و شدة برهانهم و احكامهم عند وجود الرعية المطيعين المقبلين و الرعية المدبرين المخالفين و المزج و الخلط بين المقبلين و المدبرين و قلّتهم و كثرتهم و احكام كل منهم في صفاتهم و مقتضياتهم و حدودهم و احوالهم كل ذلك مكتوب في لوح الحقيقة و الكتاب الكوني الجامع المطابق للكتاب الشرعي الجامع المانع.

فالعارف الكامل هو الذي يقرء كتابه و يفتح بابه و يعرف مفصوله و موصوله و مايـئول اليه اموره فاذا عرف تلك الفصول و الابواب في ذاته و صفاته و فعله و غيبه و شهوده و اجزائه و اعضائه و قشوره و البابه و شعره و بشره و نوره و ظلمته و يمينه و يساره و كماله و نقصانه و اوامره و نواهيه فهو اذن الكتاب و فصل الخطاب و عالم الكتاب فاتحد الكتاب و المكتوب و المحب و المحبوب و الطالب و المطلوب و انما يقال له الكتاب لظهور كونه كتاباً والاّ فكل شي‏ء كتاب و انما سموا هؤلاء الاجلّة كتاباً لظهور تلك المعاني و الفصول و الفروع و الاصول فيه و لذا قال تعالي و الامر يومئذ للّه و الحكم يومئذ للّه مع ان الامر و الحكم للّه سبحانه دائماً و حيث ان في هذه الدنيا غشاوة علي الابصار فلم‏يظهر ان الامر للّه تعالي كمال الظهور و لذا انكرته الدهرية و الزنادقة و الثنوية و المانوية و اليهود و النصاري و المجوس بانكارهم النبي المبعوث و ساير الفرق بانكارهم خلفاءه و امناءه و العصاة بتركهم طاعتهم و الناظرين الي الاغيار بنظرهم اليها و

 

«* شرح القصيدة صفحه 237 *»

المحجوبين بالتعين اذا قصر نظرهم اليه و حجب التعين عن مشاهدة التجلي و كل هذه جهات الانكار في كل مقام بحسبه و اما يوم القيمة و يوم الطامّة و يوم الدخول في لجّة بحر الاحدية و السباحة في طمطام يمّ الوحدانية يرتفع الحجاب و ينفتح الباب و يظهر الجناب و لم‏يبق لشي‏ء ظهور و لا لشي‏ء امر الاّ للّه العزيز الوهاب فافهم بهذا معني كونهم الكتاب مع ان كل شي‏ء كتاب بصريح الخطاب ان في ذلك لذكري لاولي الالباب.

تحقيـق و تبييـن: كما ان باب المدينة له ظاهر و باطن باطنه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و لذا كان رحمة اللّه علي الابرار و نقمته علي الفجار و قال تعالي و ننزّل من القرءان ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً و قال تعالي فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فكذلك باب الباب و جناب الجناب و حجاب الحجاب الذي هو المرشد الكامل و الحجاب الواصل و الستر الفاصل رحمة([32]) لطائفة و نقمة للاخرين فمن جعلهم في يمينه اليمين جهة الخير و النور يعني اقتفي اثارهم و مشي علي منوالهم و تأدّب بادابهم فقد جعل الكتاب في يمينه فاذا جعل الكتاب في يمينه و هو باب لباب مدينة العلم كان الباب عن يمينه فاذا دخل الباب دخل المدينة فاذا دخل المدينة كان امناً عن كل نقص و زوال فحينئذ يعطي الذي يرجو غداً اي في الزمان الاتي لان الذي مضي فات و الرجاء انما هو للاتي من الاوقات و لايلزم ذلك ان‏يكون يوم القيمة بل في كل حالة و في كل ساعة و كل وقت لان من دخل المدينة من بابها فهو امن و ينافي الامن طلب شي‏ء لايصل اليه في الحقيقة فاذا كان هذا الكتاب الذي هو باب الولي الذي هو باب النبي عن يمين شخص فتشمله عواطف الكتاب فيعطي جميع مايريد و يؤمل في كل الحالات بخلاف ما اذا لم‏يجعل الكتاب عن يمينه و لم‏يكن ذاك بيمينه فهو مدبر لانه اتي البيت من ظهره و اللّه سبحانه قال ليس البرّ بان‏تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اتقي و أتوا البيوت من ابوابها و عدم البرّ شر و الشر اعراض عن المبدء و الاعراض عن المبدء يوجب حرمان ما يرجو و

 

«* شرح القصيدة صفحه 238 *»

يؤمل نستجير باللّه منه و هذا هو الذي جعل كتابه بشماله فالكتاب هو الذي ينال باقباله كل خير و يصل بادباره و جعله بشماله الي كل شر و هو قوله تعالي بصريحه و ظاهره و ليزيدنّ الذين كفروا ما انزل اليك من ربك طغياناً و كفراً و قال تعالي في موضع اخر و ننزّل من القرءان ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لمّا كان هذا الستر هو الكتاب و هو الباب و هو القري الظاهرة اشار الناظم ايده اللّه بتسديده و وفّقه بتوفيقه الي هذه الدقيقة بقوله سلمه اللّه تعالي من غدا بيمينه يعطي الذي يرجو غداً و يؤمل الي قوله تعالي و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و اياماً امنين فاذا جعلوا الكتاب عن يمينهم فهم سائرون امنون في الليالي و الايام و اذا جعلوا الكتاب عن شمالهم فهم كما اخبر اللّه سبحانه قالوا ربنا باعد بين اسفارنا و ظلموا انفسهم و جعلناهم احاديث و مزّقناهم كل ممزّق و هؤلاء اصحاب الشمال في سموم و حميم و ظلّ من يحموم لا بارد و لا كريم.

وصـل: و لمّا ذكر الناظم ايّده اللّه و سدّده و افاض عليه من رحمته الواسعة ماء مدده ذكر ان هؤلاء الابدال من افاخم الرجال الذين هم الستر و الحجاب هم المسمون بالكتاب اراد ان‏يبين دقيقة شريفة و لطيفة منيفة و دقيقة انيقة من السرّ الذي ظهر من قوله تعالي قد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم و قوله تعالي انما انا بشر مثلكم يوحي الي و قوله تعالي ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً و للبسنا عليهم ما يلبسون  فقال اثباتاً لتلك الحقيقة و تبياناً لتلك الدقيقة :

هذا الزبور و ذلك التورية و الـ   انجيل بل هذا القران المنزل

اقـول: من المعلوم الظاهر ان الادوات انما تحدّ انفسها و الالات انما تشير الي نظائرها فاذا كان كذلك فالكتب النازلة عن اللّه سبحانه علي كل نبي من الانبياء المرسلين يجب ان‏يكون علي لسان قومه يعني علي متفاهمهم بحيث اذا اقتضت المصلحة و صلحت الرعية و صفت عن كل دنس و دنيّة و خلصت عن جميع الشكوك و الريبة و نظرت بعين اللّه الي البريّة و ظهر لها سرّ دليل الحكمة و انكشفت لها الاسرار الالهية وصلت الي سرّ النقطة و صارت كما اخبر اللّه سبحانه في الاحاديث القدسية كنحو مازال

 

«* شرح القصيدة صفحه 239 *»

العبد يتقرب الي بالنوافل حتي احبّه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكت عني ابتدأته و قد يظهر سرّ هذا المعني في جميع الرعية و هذا مااظن ان‏يكون في هذه الدنيا عامة في جميع الرعية الاّ الخارجين عن نوع هذه الدنيا الدنية مثل اهل جابلسا و جابلقا و التسع و الثلثون عالماً التي هي وراء جبل قاف و اهل جبل قاف و امثالهم و اما اهل هذه الدنيا التي نزل اليها ادم7 فمن جهة كدورة المعصية التي خرجت بها ادم من الجنة و نودي هو و الذين معه اهبطوا منها جميعاً فهبط و اغبرّت افاق الدنيا بكدورة تلك المعصية الي ان قال ادم7 لمّا نظر اليها

تغيّرت البلاد و من عليها   و وجه الارض مغبرّ قبيح

ثم بقتل قابيل هابيل كثر ذلك([33]) الغبار و تواتر الدخان المثار بمعصية العزيز الجبار فلم‏تزل المعاصي متواترة و الكدورات متوالية الي ان تمرضت القلوب من تواتر الصدمات و ضاقت الصدور من تواتر الابالسة و الشياطين التي جذبت و جلبت اليها لكثرة المعاصي و السيئات و ضعف الدماغ و القوي الحالّة فيه عن مدافعة تلك الواردات من الامور المفظعات و الكبائر المكدرات و الصغاير المفجعات فلم‏تزل امراض القلوب متكاثرة و الام الصدور متوافرة و القوي ضعيفة و الاعضاء نحيفة و الاعداء غالبة و الاحباء خائفة فكيف يرجي الخلاص و يتحقق المناص و الامر دائماً في ازدياد و الكدورة متواردة ما لها من نفاد فيالها من امراض قد ازمنت و اعراض قد تمكنت و كدورات استقرت فما الحيلة لهذه القلوب المريضة و الصدور الضيقة و الاجنحة المكسورة و اني لها مع هذه الحالة الصعود الي مدارج القدس و العروج الي معارج الانس الاّ قليلاً من الناس ممن شملتهم العناية الالهية و حفّتهم([34]) العواطف الربانية و عمّتهم الالطاف السبحانية و اتتهم نفحة من نفحات الكرامة و جذبة من جذبات العناية فقربت لهم البعيد و سهلت عليهم العسير الشديد و الحقتهم بعباد اللّه

 

«* شرح القصيدة صفحه 240 *»

من اهل تلك العوالم الذين هم بالبدار اليه([35]) يسارعون و باب اللّه علي الدوام يطرقون و اياه في الليل و النهار يعبدون و هم من خشيته مشفقون الذين صفت لهم المشارب و بلغوا مواهب الرغائب و انجحت لهم المطالب و قضيت لهم المآرب و ملئت ضمائرهم من حبّ اللّه و روّوا من صافي شراب محبة اللّه فبه الي لذيذ مناجاته وصلوا و منه اعلي مقاصدهم حصّلوا فقد انقطعت اليه همتهم و انصرفت نحوه رغبتهم فاللّه لا غيره مرادهم و له لا لسواه سهرهم و سهادهم و لقاؤه قرة اعينهم و وصله مُني انفسهم و الي اللّه شوقهم و في محبته ولههم و الي هواه صبابتهم و رضاه بغيتهم و رؤيته حاجتهم و جواره طلبتهم و قربه غاية مسألتهم و في مناجاته روحهم و راحتهم و عنده دواء علّتهم و شفاء غلّتهم و برد لوعتهم و كشف كربتهم فهو سبحانه انيسهم في وحشتهم و صاحبهم في وحدتهم و مجيب دعوتهم و ولي عصمتهم و مغني فاقتهم و لايريدون سواه و لايطلبون ماعداه فاللّه نعيمهم و جنتهم و هو دنياهم و اخرتهم و حالهم كما قال الشاعر :

كانت لقلبي اهواء مشتتة   فاستجمعت مذ رأتك العين اهوائي
فصار يحسدني من كنت احسده   و صرت مولي الوري مذ([36]) صرت مولائي
تركت للناس دنياهم و دينهم   شغلاً بذكرك يا ديني و دنيائي

و كما قال الشاعر:

و ليتك تحلو و الحيوة مريرة   و ليتك ترضي و الانام غضاب
اذا صحّ منك الوُدّ يا غاية المني   فكل الذي فوق التراب تراب
فليت الذي بيني و بينك عامر   و بيني و بين العالمين خراب

فهؤلاء الانجاب الاطياب و العلماء من اولي الالباب وصلوا الي مقام انحطت دونه

 

«* شرح القصيدة صفحه 241 *»

المقامات فانكشفت لهم العوالم البرزخية حتي دخلوا الجنتين المدهامّتين و شربوا من العينين النضّاختين و اتصلوا بالابرار الاخيار المصطفين ثم صعدوا الي ان شربوا من عين الكافور و بلغوا مقام الغبطة و الحبور ثم صعدوا الي ان اكلوا من كبد الحوت ثم اكلوا من كبد الثور فاستأهلوا للبقاء ابد الابدين و تأهّلوا لاستمرار الافاضة([37]) بلا انقطاع دهر الداهرين ثم صعدوا و شربوا من عين السلسبيل التي مزاجها زنجبيل فنالوا بذلك الفضل الجليل و الكرم النبيل مقاماً لايزاحمهم  جبرئيل و لا ميكائيل ثم صعدوا الي ان وصلوا مقام الكثيب الاحمر فاستشرقوا و استناروا بالنور الازهر ثم صعدوا الي الرفرف الاخضر حضرة الحجاب الاكبر فشملتهم الانوار و ظهرت لهم خفيات الاسرار من صور الملأ الاعلي التي قال فيها اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله و اظهر عنها افعاله ثم صعدوا حتي دخلوا ارض الزعفران و ظهرت لهم انواع البيان من الذي قال سبحانه خلق الانسان علّمه البيان و ذلك من سرّ المعاني و البيان و يظهر ذلك من قوله تعالي كل يوم هو في شأن و قد قال النبي9شئون يبديها لايبتديها يعرفها من كان له قلب و عينان ثم صعدوا الي ان بلغوا مقام الاعراف فشملتهم الالطاف و نالوا بذلك صحبة الاشراف من قوله تعالي فادخلي في عبادي و قول اميرالمؤمنين روحي له الفداء خلق الانسان ذانفس ناطقة ان زكيها بالعلم و العمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها و اذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد و هؤلاء هم الاشراف ثم صعدوا الي ان شربوا من الشراب الطهور فطهروا عن الغيور و دخلوا في مقام الرضوان و سلبوا عنهم مقتضي الاكوان و الاعيان و سبحوا في لجة بحر الاحدية و طمطام يم الوحدانية و غرقوا بماء الرحمة و حرقوا بنار المحبة و صعدوا الي اعلي ذروة الشجرة و هي شجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن و صبغ للاكلين و الدهن هو الزيت الذي يكاد يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار و النار من الشجرة لقوله تعالي هو الذي جعل

 

«* شرح القصيدة صفحه 242 *»

لكم من الشجر الاخضر ناراً فماادري ما اقول و ما عسي ان اقول فالشجرة من النار و النار من الشجرة و الدهن من النار و النار من الدهن و الكل من الكل و البعض من البعض و البعض من الكل و الكل من البعض

مسألة الدور جرت بيني و بين من احب   لولا مشيبي ما جفا لولا جفاه لم‏اشب

فلنقبض العنان فللحيطان اذان و اني لي بالكلام في مثل هذا الزمان الذي كميت الجهل مخلوع العنان و مطي العقل معقول اللسان و المشتكي الي اللّه و من العجب انهم لايرضون بالسكوت و لايقنعون بالبيان لا لامر اللّه يعقلون و لا من اوليائه يقبلون حكمة بالغة فما تغن النذر و الحمد للّه علي كل حال في المبدء و المآل.

فهؤلاء الابرار الاخيار حملة الاسرار اذا القي عليهم الكتاب المنزل يجب ان‏يعرفوه بحقيقة الظاهر و ظاهر الظاهر و ظاهر ظاهر الظاهر و هكذا الي ان‏يرتقي الي السبعة او الي السبعين و بحقيقة الباطن و باطن الباطن و باطن باطن الباطن و باطن باطن باطن الباطن و هكذا الي ان‏يرتقي الي السبعة او السبعين و التأويل و تأويل التأويل و تأويل تأويل التأويل و تأويل تأويل تأويل التأويل و باطن التأويل و باطن باطن التأويل و باطن باطن باطن التأويل و هكذا الي السبعة او الي السبعين و يعرف هذه الوجوه في السلسلتين الطولية و العرضية و يعرفوه بلحن الخطاب و بلحن المقال و دليل التنبيه و دليل الخطاب و فحوي الخطاب و دلالة الاقتضاء و بالتحمل عن الغير و من باب اياك اعني و اسمعي يا جارة و بالمثال و بالسؤال و بالجواب و بعدم الجواب و بالسكوت([38]) و الاهمال و بنحو اداء المقال و بذكر الماضي و هو يريد الاستقبال و بذكر المستقبل و ارادة ماضي الاحوال و بذكر الجمع و ارادة المفرد و بذكر المفرد و ارادة الجمع و بذكر المؤنث و ارادة المذكر و بذكر المذكر و ارادة المؤنث و بذكر المطلق و ارادة المقيد و بذكر المقيد و ارادة المطلق و بذكر السافل و ارادة العالي و بذكر العالي و ارادة السافل و ذكر الكنايات و الاستعارات و التشبيهات و الطبايع و الغرايز و المزاجات و ذكر حروف الصفات و اكثار حروف الطبايع

 

«* شرح القصيدة صفحه 243 *»

في كلمة و تقليلها او عكس المراد منها كالماء فان حروفه نارية و معناها بارد رطب و بتأنيث لفظ و معناه مذكر كالشمس و بتذكير لفظ و معناه مؤنث كالقمر و الليل و باكثار حروف القلقلة و الاطباق و التفشي و الاستعلاء و الاستفلاء و الشفوي و حروف الوسط و حروف الحلق في كلمة و تقليلها في اخري و توسطها في اخري و كالحروف النورانية في وجود ظلماني و كالحروف الظلمانية في وجود النوراني و الحروف الليلية في وجود النهاري و النهارية في وجود الليلي و حروف نفي([39]) في مقام الاثبات و حروف اثبات([40]) في مقام النفي و حروف ظاهر في مقام الباطن و حروف باطن في وجود ظاهري و ترتيب نظم علي القواعد اللفظية الادبية علي مقتضي القواعد النحوية و الصرفية و اختلال([41]) ذلك التركيب و الاتيان بكلمات شاذة عند اهل لسان للاشارة الي غامض البيان و الاتيان بالفاظ توهم الزيادة حتي ينصوا انها زائدة و الاتيان بحروف محذوفة و الاتيان بعبارات يوجب عدم مطابقة الجواب للسؤال و الاتيان باجوبة يوهم اختلال الجواب مثل قوله تعالي قل من ربّ السموات السبع و ربّ العرش العظيم سيقولون للّه قل أفلاتتقون قل من بيده ملكوت كل شي‏ء و هو يجير و لا يجار عليه ان كنتم تعلمون سيقولون للّه قل فاني تسحرون مقتضي الجواب الصواب ان‏يقول سيقولون اللّه و في هذا التعبير و العدول عما يقتضي القول به ظاهراً اشارات مااعظمها و لطائف ماادقّها و اخفاها و تلويحات مااسناها و ابهاها ولكن اللسان كليل و القلب للبيان عليل و المطلب جليل و الطالب قليل و اللّه يقول الحق و هو يهدي السبيل فلنقتصر بما ذكرناه فانه قليل من كثير و نبذ يسير و كلام قصير فلنرجع الي المطلب و نقول: ان هؤلاء الابرار الاطهار حملة الاسرار و مهابط الانوار الذين جاسوا خلال تلك الديار و عرفوا الكتاب المنزل بتلك الاطوار في جميع الاكوار و الادوار فحصل لهم جميع معانيه في جميع اطوار الليل و النهار و قد عرفت منا بواضح البرهان و ساطع البيان ان الشي‏ء مايعرف الاّ حروف ذاته و لايقرء الاّ حروف نفسه و لايعلم الاّ ما في كينونته فلايعرف جميع مدلولات القرءان الاّ بعد ما فيه تلك المعاني

 

«* شرح القصيدة صفحه 244 *»

بذلك البيان قلنا ان الكتاب تكويني و تدويني و الكتاب التدويني هو القرءان و الكتاب التكويني انت ايها الانسان و هما متطابقان متوافقان مختلفان متحدان فنحو الكتابة مختلف و نحو البيان متحد كما اذا كان شي‏ء واحد قد كتب بخطوط مختلفة كالخط الكوفي و السرياني و اليوناني و القلم الريحاني و قلم اهل الهندسة و القلم الشجر و بلغات مختلفة كالعربية و التركية و الفارسية و الهندية و الزنجية و الحبشية و غيرها من اطوار اللغة و المعني واحد و الحكم متحد غير متعدد.

و ما الوجه الاّ واحد غير انه   اذا انت عددت المرايا تعددا

فحينئذ فافراد الانسان و ان كانت كتاباً الاّ ان النقباء و النجباء الابرار علي ماوصفتهم لك في هذه الاسطر كتاب عربي فصّلت اياته من لدن حكيم خبير و كل واحد منهم كتاب و كل واحد منهم قرءان كتب في نسخ متعددة فالقرءان الظاهر قديكون الف الف قرءان في بلدة واحدة و الكل علي نسخة واحدة الاّ ان هؤلاء كتاب ناطق و القرءان كتاب صامت فاذا كان كل منهم هو([42]) القرءان فبالطريق الاولي ان‏يكونوا هم التورية و الانجيل و الزبور اما الزبور الذي انزل علي داود7فليس كتاب فيه تأسيس شريعة مستقلة ناسخة لما قبلها و قانوناً و ناموساً بعدها و انما الكتاب التأسيسي هو التورية و الانجيل و صحف ابرهيم و صحف نوح و صحف ادم و قرءان محمد صلي الله عليه و اله و عليهم و اما باقي كتب الانبياء غير هذه الكتب فانما هو تفصيل مجمل و تبيين مبهم و ذكر قصة و اخبار عجيبة و مواعظ بليغة و نصايح في القلوب مؤثرة و اخبار عما مضي و عما يأتي و شرح مقال و تفصيل احوال و بيان مطلب و كشف معضل و امثال ذلك من الامور فالزبور من تلك الكتب و كلها مواعظ و نصايح و فيه اخبار عما يأتي كما في قوله تعالي و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض للّه يرثها عبادي الصالحون و ان كان يجوز ان‏يكون الزبور هنا فعول بمعني المفعول اي المزبور في اللوح المحفوظ من بعد الذكر اي من بعد محمّد9 و هو الذكر كما في قوله تعالي فارسلنا اليكم ذكراً رسولاً يتلو

 

«* شرح القصيدة صفحه 245 *»

عليكم اياته فاول ما كتب في اللوح بعد الشهادة باللّه هو محمّد9 و قد روي عن اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء  ان اللّه سبحانه اول ما خلق القلم ثم خلق اللوح ثم قال للقلم اكتب قال و ما اكتب قال اكتب لا اله الاّ اللّه محمّد رسول اللّه فلمّا سمع القلم اسم محمّد9 انشقّ من حلاوة اسمه الحديث فاول ما زبر في اللوح محمّد9 ثم ذكر السلاطين و الرؤساء الذين يملكون ارض الولاية و ارض الاكوان من اصحاب التعين الاول و هم العباد الصالحون لانهم اول التعين و اول التجلي و اول الاشراق و اما ماسواهم فكلهم تعين التعين و اشراق الاشراق و تجلي التجلي و ظهور الظهور فكلهم توابع و لواحق لنور صبح الازل و التعين الاول و الغيب الثاني و الازل الثاني.

و بالجملة فالكتب المنزلة فقد روي انها مائة و اربعة عشر او ثلاثة عشر كلها توابع للصحف و للكتب([43]) التي نزلت علي اولي الشرايع المؤسسة و هم ادم و نوح و ابرهيم و موسي و عيسي و محمّد صلي الله عليه و اله و عليهم و حيث بيّنا بالدليل القاطع ان الخاتم هو الفاتح و دلّ الدليل مع نصّ القرءان ان محمّداً9 هو خاتم النبيين فيكون هو فاتحهم فهو الاصل و الاسّ و الاسطقسّ و ماعداه توابع و لواحق و القرءان هو الكتاب المنزل عليه9فكما انه اصل([44]) للانبياء كذلك كتابه اصل لجميع الكتب المنزلة علي جميع الانبياء كافة فالتورية و الانجيل و صحف ابرهيم و صحف نوح و صحف ادم كلها فروع تفرعت من القرءان فالقرءان اصل لجميع الكتب و نسبة الفرع الي الاصل نسبة الواحد الي السبعين بل الي ما لا نهاية له فللّه درّ الناظم من مبين مااتقنه و من محقق مااعظمه و باق علي الفطرة المستقيمة و الطوية القويمة حيث بيّن ان الستر و الحجاب رجال لان([45]) الحجاب هو الواسطة بين الاعلي و الاسفل ثم وصفهم مرة بالرواق و مرة اخري بالكتاب ثم بين انك لاتتوهم انهم كتب من الكتب الجزئية و الصحف الغير الكلية بل انهم كتب سماوية و نواميس الهية قد ملأها اللّه علماً و حكمةً و نوراً و معرفةً بل هم الكتب السماوية الناطقة بل هم الزبور و التورية و الانجيل تكوينيون كما ان هذه الكتب

 

«* شرح القصيدة صفحه 246 *»

تدوينية تشريعية فكل واحد علي طبق الاخر ثم اخذ في الذكر تدريجاً و قدّم الزبور لانه تابع و فرع من الكتب المؤسسة ثم ترقي و نسبهم الي الكتب المؤسسة فذكر التورية و الانجيل فبالزبور اشار الي جميع الكتب الغير المؤسسة من الكتب السماوية و خصّها بالزبور للاشارة الي انها كتب مزبورة انزلها اللّه سبحانه علي انبيائه و هذا و ان كان يشمل الكتب المؤسسة الاّ انه سلمه اللّه و ابقاه و وفّقه لرضاه ذكرها تنويهاً بها و تعظيماً لها و فرقاً بين مؤسسها و غير مؤسسها و التورية و الانجيل لا اختصاص بهما بل ذكرهما اشارة الي باقي الكتب المؤسسة من صحف ابرهيم و صحف نوح و ادم:و الدليل علي ذلك ذكر القرءان بعده اذ لاتخلو تلك الكتب اما ان‏تكون اعلي من القرءان او تكون انزل او مساوياً اما الاعلي و المساوي فقد قام البرهان علي بطلانهما مع انه اجماع بين المسلمين و اما الانزل فلايعقل ان‏يكون الشي‏ء جامعاً للاعلي و فاقداً للانزل و ذلك لايتفوه به عاقل فضلاً عن العالم الفاضل فثبت بالبرهان ان مراده اشاد اللّه شأنه بالتورية و الانجيل جميع الكتب المؤسسة و بالزبور جميع الكتب التابعة الغير المؤسسة ثم ترقي اطال اللّه بقاه في رضاه و نظر الي البرهان السابق المسدد المؤيد بنور اللّه فقال ان ذلك الكتاب المذكور في البيت الذي قبله هو القرءان المنزل بعلم اللّه و قد قال سبحانه فان لم‏يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله و ان لا اله الا هو و المراد بهذا العلم هو العلم الذي علّمه نبيه لا العلم الذي استأثره في علم الغيب عنده و هذا العلم الذي علّمه نبيه9هو مما شاء تكوينه كما قال تعالي و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بما شاء اي شاء تكوينه لان الذي لم‏يكوّنه فهو الغيب الذي لايعلمه سواه قل لايعلم الغيب الاّ اللّه و اما الذي شاء كوّنه و عيّنه و قدّره و قضاه و امضاه من اطوار الموجودات و احوال الغيوب و الشهادات و المجملات و المفصّلات و المبهمات و المبينات و الارضين و السموات و العلويات و السفليات و المجردات و الماديات و الجلائل و المحقرات و غيرها من الاكوار و الادوار و الاطوار و الاوطار و ما يحدث بالليل و النهار من الاطوار الغيبية كل ذلك علي اكمل بيان و اكمل تفصيل قد اودعها في القرءان ثم ابان عن ذلك بقوله تعالي و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين و قال تعالي و كل شي‏ء احصيناه كتاباً و

 

«* شرح القصيدة صفحه 247 *»

قال تعالي و كل شي‏ء احصيناه في امام مبين و قال تعالي و فيه تفصيل كل شي‏ء و قال تعالي و فيه تبيان كل شي‏ء و امثالها من الايات الدالة علي ما ذكرنا و الشارحة لما بيّنا و المعلنة لما افصحنا و قد قال اميرالمؤمنين عليه التحية والثناء ان كل ما في العالم في القرءان و كل ما في القرءان في الحمد فاتحة الكتاب الخ.

فاذا عرفت هذا القدر من الكلام و ظهر لك هذا المقدار من المرام فاعلم ان الانسان هو نسخة جامعة لجميع ما في الامكان و الاكوان و الاعيان و قال اميرالمؤمنين7 كماتقدم:

و تزعم انك جرم صغير   و فيك انطوي العالم الاكبر

و قد تقدم الحديث المروي عنه7 الصورة الانسانية هي اكبر حجة اللّه علي خلقه و هي الكتاب الذي كتبه بيده و هي الهيكل الذي بناه بحكمته و هي مجمع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي الشاهد علي كل غائب و هي الحجة علي كل جاحد و هي الصراط المستقيم و هي الصراط الممدود بين الجنة و النار فاذا كان الانسان هو المختصر من اللوح المحفوظ و اللوح المحفوظ فيه كل ما كان و ما يكون و المراد من الاختصار ليس اختصار اسقاط و حذف بل اختصار انطواء و اندراج([46]) مثلاً في العالم الكبير العرش بتلك السعة و العظمة([47]) و الكرسي كذلك و اما في الانسان فالعرش قلبه و الكرسي صدره انظر التفاوت بينهما و الاختصار بهذا المعني والا فكل شي‏ء في العالم اي ما سوي اللّه فهو في الانسان موجود في كل بحسبه و الصدق حقيقة دون المجاز فالانسان جامع لكل ما في العالم و القرءان جامع لكل ما في العالم فاذن الانسان و القرءان كتابان مقرونان متفقان في عين الاختلاف و مختلفان في عين الاتفاق و في عين الاتحاد متغايران احدهما تكويني و الاخر تدويني و كل منهما منبئ عن صاحبه لايفترقان حتي يردا علي رسول اللّه9الحوض و هو الماء الذي به حيوة كل شي‏ء و هو الوجود عند سلب القيود و هو التعين الاول و الماء الاول و بحر المزن و الصاد و اول

 

«* شرح القصيدة صفحه 248 *»

المداد به قد قام الاستعداد و عنده تحقق الفؤاد و هو باب المراد و منه البدء و اليه المعاد فهناك مقام الجمع و مقام جمع الجمع و بعده مقام الفرق فاوله اتصال و اخره انفصال و اوسطه ادبار و اقبال فافهم و لاتكثر المقال فان العلم نقطة كثّرها الجهال فالقرءان المنزل علي نبيه المرسل قرءانان قرءان تكويني و هو افراد الانسان بالقوة و المؤمنون الكاملون و العارفون الواصلون و الاولياء المقربون و الخلفاء الراشدون باب الباب و الوجه و الحجاب هم الكتاب و فصل الخطاب او هم الكتب لانهم الحجب و هو الوساطة بالفعل فهم اي كل منهم القرءان المنزل علي النبي المرسل عليه و علي اله([48]) صلوات اللّه في الاخر و الاول.

تحقيق سماوي: اعلم ان القرءان ربما يطلق و يراد به هذا الكتاب الموجود بين الدفتين الذي تحدي به رسول اللّه9 العرب بل كل شي‏ء مما كان او يكون كما اخبر عنه في الذكر الحكيم و النبأ العظيم بقوله و اذ لم‏تفعلوا و لن‏تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة اتي بلن لنفي الابد و كذلك الفرقان ربما يطلق و يراد به هذا المعني كالكتاب و اذا اجتمعت الثلاثة اي القرءان و الفرقان و الكتاب يجب الفرق بينها فحينئذ يراد بالقرءان مقام الجمع و الاجمال في مدلولات هذا المقال و هو سرّ سار في كل هذه الاحوال بل في كل كلمة من الحروف و الاسماء و الافعال لان كل كلمة منه جامعة لكل ما فيه في المثال و قد قال مولينا و سيدنا الباقر المفضال عليه الاف التحية و الثناء من اللّه الملك المتعال لو شئت استخرجت جميع ما يحتاج اليه الخلق من الشرايع و العلوم من لفظ الصمد و هو كذلك و لا اختصاص له بالصمد بل كل كلمة بل كل لفظ منه متفرد لان مولينا الصادق عليه الاف التحية من اللّه الولي الخالق قال ان حديثنا صعب مستصعب اجرد كريم ذكوان مقنع و فسّر الاجرد بان كل كلمة منقطعة تامة المراد اذا كانت ملحوظة في نفسها من غير ملاحظة ارتباطها بالاخري فاذا كان هكذا([49]) حكم كلام المخلوق فكلام الخالق اجل و اعلي لاسيما اذا كان معجزاً مقروناً بالتحدي.

 

«* شرح القصيدة صفحه 249 *»

الهام غيبي: و لقد كنت قبل ذلك في حال سلوكي و سيري يتفق في بعض الصلوة اذا اردت قراءة القرءان من السور الطوال كسورة الاعراف و سورة يوسف و سورة بني‏اسرائيل و سورة القصص و امثالها و كان يأتيني الخاطر بان هذه السور مع اشتمالها علي جوامع مقامات([50]) الفرق من انحاء الحكايات و القصص و الامثال و الاحكام و المواعظ و امثالها مما يقتضيه مقام التعين و مقام الحدود المعبر عنها([51]) بمقام الفرق فكيف يجتمع ملاحظتها و قراءتها في الصلوة التي هي مقام‏الوصال و رتبة الاتصال و معراج المؤمن و الوصول الي الموطن و حصول الجمع بل ثبوت جمع الجمع و كنت اقتصر علي قراءة سورة التوحيد و امثالها مما يدلّ علي نوع من التفريد و التجريد و كنت اقتصر في الاذكار بلا اله الاّ اللّه و كنت متفكراً متحيراً و متأملاً في ان ظاهر الشريعة علي طبق باطنها و صورتها علي طبق معناها و ما رخصنا الشارع المقدس في قراءة هذه السور الطوال في الصلوة التي تـئول الي الاجمال و الي التوحيد و الوصال الاّ لانها ترجع الي الوحدة في المـئال.

فاتاني النداء من جانب قلبي الاعلي الذي هو وادي طور سيناء من شجرة نار المحبة و حرارة المودة التي توقد في الافئدة بان الكثرة مـئالها الي الوحدة و ان القصص مـئالها الي الوحدة و ان كانت في المجالي المتعددة اما سمعت اللّه سبحانه يقول ان في قصصهم عبرة لاولي الالباب و الاعتبار مشاهدة الواحد و ازالة الاغيار و هو واحد يري في مظاهر متعددة طوراً بالعظمة و طوراً بالجلال و طوراً بالجمال و طوراً بالعزة و طوراً بالمنعة و طوراً بالجذب و طوراً بالدفع و طوراً بالقهر و طوراً بالمنّ و طوراً بالاجمال و طوراً بالتفصيل و هو واحد يري في حقير و جليل و خطير و يسير.

فما الوجه الاّ واحد غير انه   اذا انت عدّدت المرايا تعددا

فياايها الغافل المبتلي بملاحظة الحدود و الذاهل عن مقامات الشهود المقيد بوثايق القيود الي‏مَ نظرك الي الاغيار و حتي‏مَ سقط عنك الاعتبار اما نظرت الي كلام

 

«* شرح القصيدة صفحه 250 *»

سيدالشهداء و الابرار في مناجاته مع العزيز الجبار أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدلّ عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصل اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً و خسرت صفقة عبد لم‏تجعل له من حبك نصيباً تعرّفت الي في كل شي‏ء حتي لااجهلك في شي‏ء فانت الظاهر لكل شي‏ء بكل شي‏ء.

فهنا صحي لي المعلوم و محي عني الموهوم و غلب لي السرّ بهتك الستر و شاهدت نور التوحيد و عالم التفريد و التجريد و مقامات القدس في جميع المجالي و المرايا و الحدود و ان كثرت و التعينات و ان غلبت فنور التوحيد اجلي و اظهر و التعينات و الكثرات مضمحلّة داثرة كما قال سيد الساجدين عليه الاف التحية و الثناء في الدعاء و ان كل معبود مما دون عرشك الي قرار ارضك السابعة السفلي باطل مضمحل ماعدا وجهك الكريم الدعاء فتبيّن لي سرّ القرءان في جملة([52]) الفرقان و بقيت اقرء في الصلوة من السور اطولها و من الايات افصلها و من القصص اكثرها كل ذلك لايشغلني عن مقتضي الصلوة و مبني كينونتها من العروج الي سرّ التوحيد و حقيقة التجريد و الحمد للّه الحميد([53]) المجيد.

و هذا الذي ذكرنا لك اعلي مقامات القرءان من البيان الذي علّم الانسان و علم القرءان عند مقابلته مع الفرقان و الوجه الثاني ان القرءان ما اجتمع فيه الفرقان و الايات المفصلة منضمة مقرونة كفاتحة الكتاب و كالبسملة و الباء و النقطة التي منها الابتداء و اليها الانتهاء و هو قول اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء ان كل ما في الكتب المنزلة في القرءان و كل ما في القرءان في الحمد و كل ما في الحمد في البسملة و كل ما في البسملة في الباء و كل ما في الباء في النقطة و انا النقطة تحت الباء  فالفاتحة بما اشتملت عليه من البسملة و الباء و النقطة قرءان و ماعداها فرقان و اليه الاشارة بقوله تعالي و لقد اتيناك سبعاً من المثاني و القرءان العظيم ففاتحة الكتاب سبعة تثني في كل

 

«* شرح القصيدة صفحه 251 *»

صلوة و القرءان العظيم عطف تفسير للسبع المثاني اذ لا جايز ان لايكون السبع المثاني من القرءان بعد([54]) فرض دلالة العطف علي المغايرة و لا جايز ان‏يكون من الفرقان فوجب ان‏يكون هو القرءان و القول بان السبع المثاني خارج عن القرءان و انما هي حقيقة متأصلة لايقول به الاكثرون فالقرءان اعلي مراتبه و مقاماته في هذا الوجه الثاني هو النقطة و ثاني مراتبه الباء و ثالث مراتبه البسملة و رابع مراتبه الفاتحة و خامس مراتبه اوائل السور من الحروف المقطعة و سادس مراتبه جوامع الايات المشتملة بجوامع العلوم مثل قوله تعالي يا ايها الانسان انك كادح الي ربك كدحاً فملاقيه و هو لعمري بيان رائق و خطاب فائق مشتمل علي جوامع العلوم و حقايق الرسوم فافهم راشداً و اشرب صافياً هنيئاً مريئاً.

و اما الفرقان فملاحظة الحدود و مشاهدة القيود و ظهور النور في اطوار التعينات و خلال النسب و الاضافات و احكام القرانات ففصّل الامر الجامع تفصيل الحدود و المشخصات و بذلك جاء الفرق و ظهر انا و انت في تلو الايات قال تعالي يا موسي اني انا اللّه رب العالمين و ان الق عصاك فلما رءاها تهتزّ كأنّها جانّ ولّي مدبراً و لم‏يعقّب يا موسي اقبل و لاتخف انك من الامنين و اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء الايات و جاء موسي و قال الحق اني انا اللّه و ظهرت العصا و انقلبت ثعباناً و جاء الخوف و انهزم موسي و لم‏يعقّب فاتاه الامان و ظهرت اليد البيضاء و شاركه اخوه و ارسلا الي فرعون و ملأه و اين هذه الامور في النقطة ثم في البسملة او في الفاتحة اين موسي و اين عصاه و اين السور المختلفة من انحاء التقلبات و اين الخوف و اين الامان و اين فرعون و اين هامان اين الكل من الكل و اين البعض من البعض و اين البعض من الكل و اين الكل من البعض و خشعت الاصوات للرحمن فلاتسمع الاّ همساً اولا يذكر الانسان انّا خلقناه من قبل و لم‏يك شيئاً.

و بالجملة فالاحوال([55]) التفصيلية في المقامات الظاهرة التي تولد منها القصص و

 

«* شرح القصيدة صفحه 252 *»

الحكايات و الامثال و الايات البينات و الدلائل الظاهرات و الحكم الواضحات و الانوار المضيئات كلها فرقان و هو الذي اوتي داود قال تعالي و اتيناه الحكمة و فصل الخطاب و هذا هو الفرقان من البيان الذي علّم الانسان و اعلم بما ذكرنا احكام الفرقان في جميع الاكوان و الاعيان و الازمان مما استجن في جبلات الانسان الحاوية([56]) لما في الامكان و الكون و المكان.

و اما الكتاب فهو السطور و الكلمات و الحروف و الايات و هو قوله تعالي كتاب مسطور في رقّ منشور و هو جامع التفاصيل في الحكم الاولي و حامل التغيير و التبديل في الحكم الثانوي فكل جامع مفصل كتاب و هذا غالب استعمالاته والاّ فقديطلق الكتاب و يراد به الجامع للاجمال لكنّه قليل الاستعمال و اما في الغالب فالكتاب انما هو لتفصيل([57]) الايات قال تعالي كتاب فصّلت اياته و اقرء لك اية من القرءان تفهم من ذلك البيان من غير تصريح باللسان و انما هو شي‏ء مخزون في الجنان و ليس للصدر اليه طريق و لا القوي الدماغية له رفيق و هو من مستجنات الفؤاد علي حسب الاستعداد قال تعالي و تري كل امة جاثية كل امة تدعي الي كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون.

ترشيح فيه توضيح: ربما يخطر ببعض الخواطر الجامدة و يتراءي لبعض الابصار المرمدة ان ما ذكره اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء ان كل ما في القرءان في الحمد اما في الامور الغيبية المعنوية فلايحيط بها علمنا و لايسعها ادراكنا و لا مجال لنا الاّ التسليم لان الحق معه يدور معه حيث ما دار و اما الحروف الملفوظة و النقوش المحسوسة فان القرءان فيه ثمانية و عشرين حرفاً و الموجود في الحمد بعد حذف المكرر و احد و عشرون اين السبعة الباقية و ما معني اشتمال الفاتحة علي كل ما في القرءان لانه ما يقول الاّ حقاً و لا ينطق الاّ صدقاً و باب مدينة العلم و الذكر العظيم و علي حكيم.

 

«* شرح القصيدة صفحه 253 *»

و بيان ذلك بالاشارة الاجمالية ان المراد بموجودية كل ما في القرءان فيها مذكوريتها فيه لا وجود الاعيان التفصيلية اذ لا فخر فيها و لا شرف و انما الفخر في الاجمال الجامع و البيان الواقع و النور الساطع و بيان هذا البيان ان الحروف الثمانية و العشرين علي اربعة اقسام قسم منها بازاء لا اله الاّ اللّه و هي سبعة احرف و قسم ثانٍ بازاء محمّد رسول اللّه و هي ايضاً سبعة و قسم ثالث منها بازاء الولي المطلق الباطن و الاولياء و الخلفاء و قسم رابع منها بازاء اعداء اللّه و اعداء الاولياء و لما كانت الاعداء يجب ان‏يترك و ينسي كما انهم نسوا اللّه فحيث انهم نسوا اللّه فنسيهم اللّه يعني تركهم و ذكرهم بالكناية و لم‏يذكرهم بالصراحة لان الكناية ابلغ من التصريح لان ذكر الاحباء يستلزم ذكر الاعداء فتلك السبعة مذكورة ولو بالكناية من غير تصريح و لذا قال تعالي غير المغضوب عليهم و لا الضالّين فافهم الدقيقة بسرّ الحقيقة و كذلك البسملة فانها من حيث اللفظ ثمانية عشر حرفاً فيستنطق منها اسم الحي و من حيث المكتوب تسعة عشر يستنطق منها الواحد الذي هو مبدء الاشياء و محققها و مذوّتها و هو القيّوم و هما الاسم الاعظم كما ورد عن اهل‏البيت عليهم الاف التحية و الثناء و هذا غير الاسم الاعظم الذي البسملة اقرب اليه من بياض العين الي سوادها و اذا حسبت الغير المكتوب من الملفوظ مع المكتوب يكون واحداً و عشرين و ذلك يطابق عدد الفاتحة و السبعة المنسية تذكر بالكناية التي هي ابلغ من التصريح و اما الباء فهي الالف المبسوطة مقام النفس الكلية و اللوح المحفوظ من الزمردة الخضراء المكتوب فيها ماكان و مايكون الي يوم القيمة و مابعدها الي ما لا نهاية له و اما النقطة فهي سرّ الاسرار و نور الانوار نعمة اللّه علي الابرار و نقمته علي الفجار قد تحركت فحصلت من حركتها الالف اللينية و انعطفت اي اللينية فكانت عنها الحروف الثمانية و العشرين و الالف اللينية ابوها و اصلها و اسّها و اسطقسّها و هيولاها.

تحقيق فيه تدقيق: اعلم ان علماء الاسرار مهابط الانوار عليهم من اللّه الكرامة و العناية مادام الليل و النهار قد ذكروا في وجه اشتمال الفاتحة علي جميع المعاني القرءانية و جميع المراتب الكونية و الامكانية ان الوجود يدور علي حق مطلق و خلق

 

«* شرح القصيدة صفحه 254 *»

مطلق و واسطة بينهما و رابطة بين الحق و الخلق فالحق المطلق هو الظاهر بالاسماء الخمسة في قوله تعالي الحمد للّه ربّ العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين و الرابطة قوله تعالي اياك نعبد و اياك نستعين و الخلق المطلق من قوله اهدنا الصراط المستقيم الي و لا الضالّين و هذا الكلام و ان كان صحيحاً في الجملة ولكن لايفتح منه الف باب فاذا اين الحمد و لم‏كرّرت الواسطة و لم انحصرت الاسماء في الخمسة و لم لم‏تزدد و لم‏تنقص و لنا في هذا المقام بحث شريف و كلام لطيف لا اقبال لي بذكره و لا توجه لي لنشره لضعف القوي و عدم نشاط الاعضاء و عدم استقرار القلب بما يرد عليه من الضراء و جهات الكثرة و دعوي الانية هل من معين فاطيل معه العويل و البكاء و هل من جزوع فاساعد جزعه اذا خلي هل قذيت عين فتسعدها عيني علي القذي و هل الي مأوي الراحة و السرور و مقام النور و الحبور و عرصة الغبطة و السرور و حظيرة القدس و مأوي الانس و الوطن المألوف و المسكن المعروف سبيل فتلقي آه آه قد بعدنا عن تلك الوادي و حرمنا استماع صوت المنادي و الوصول الي البيت المطهر للعاكف و البادي وبالجملة فلا بأس بالاشارة الي بعض ماورد علي قلبي من الواردات الغيبية و الالهامات السرمدية و لاتتعجب انت ايها الناظر من هذا الكلام و اشباهه فان اللّه تعالي يقول الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة الاّتخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا و في الاخرة و نحن الحمد للّه قد قلنا ربّنا اللّه و استقمنا علي ولاية اولياء اللّه بمشاهدة الانوار و مطالعة الاسرار في متعلقات الولاية الظاهرة في المكونات.

فنقول ان الحمد هو المتولد من البسملة لان المكتوب منها كما ذكرنا حروفها تسعة عشر و استنطاقها واحد و الواحد حرفه الالف و الالف تكرارها الباء و الباء اذا تكرّرت تولدت عنها الدال و هي تمام الاركان و شجرة تمّت لها الاغصان فصارت اصلاً في مقام الوجود و الظهور و موقعاً لذلك النجم المشرق بالنور و عند تكرار الدال تولدت عنها الحاء و تكرار الحاء خمس مرات تولدت منها الميم فالميم هو الرتبة الجامعة و تمام تخمير طينة ادم الاول بيد اللّه اربعين يوماً فلتلك الجامعية توسطت و صارت اصلاً

 

«* شرح القصيدة صفحه 255 *»

و الحاء حيث كان اقرب الحرفين الي الميم و اظهر لكونها مهبطاً للانوار تقدمت و الدال هي السرّ الخفي و النور المخفي تأخرت لان مقتضي هذا المقام مقام الظهور فالحمد اول حقيقة تولدت من الاسم في مقام التفسير الاجمالي فاقتضي ان‏يكون بعد البسملة و اذا نطقت بالاصل الواحد الذي هو الالف التي تولد منها الحمد و جعلتها في مبدء الحمد ظهر احمد فاحمد9 هو الجامع للاسماء الكلية و الجزئية و الاضافية و القدسية و الخلقية و هو مظهر الاسماء الحسني و مجلي الامثال العليا و مظهر الكبرياء و الالاء ثم ظهرت منه الاسماء فاول اسم من الاسماء الجامعة للصفات و الاسماء الثلاثة القدس و الاضافة و الخلق هو لفظ الجلالة فقدّم و جعل مبدء الاسماء فقال للّه انما اتي باللام لبيان الاختصاص في المظهرية الكبري ثم اول اسم ظهر من متعلقات اسم اللّه عند الخلق و الاحداث رب العالمين فلو لم‏يكن رب العالمين كيف يقدر علي احداث الخلائق اجمعين فوصف اللّه برب العالمين ثم رب العالمين لمّا اراد احداث الخلائق و ايجادهم اجمعين اظهر اسم الرحمن لان الايجاد يكون بالرحمة الواسعة التي وسعت كل شي‏ء و هذا الاسم به تمّ الوجود لمّا استوي به علي العرش و اعطي كل ذي‏حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه فقال الرحمن بعد رب العالمين لانه متفرع عليه و لمّا ان اللّه سبحانه انما خلق الخلق للنعم و الكرم و اظهار اسمي المنعم و المنتقم ذكر الرحيم لانه الظاهر بالرحمة الخاصة لاهل المحبة و المودة و هو قوله تعالي و رحمتي وسعت كل شي‏ء فساكتبها للذين يتقون و يؤتون الزكوة الاية ولو كانت الثانية هي الاولي لماصحّ هذا التعبير و لما اتجه كلام اللطيف الخبير و اذا كانت الرحمة اثنتين فقد دلّ البرهان علي ان الرحمن هو الظاهر بالرحمة الواسعة فلم‏يبق الاّ ان الرحيم هو الظاهر بالرحمة المكتوبة رحمة النعيم و الثواب لا مايعمهما كالرحمن و لمّا كان الثواب مقدماً علي العقاب قدّم الرحيم و جعله بعد الرحمن فانه اشرف فرديه لانه قبض باسم الرحيم طينة الطيبة و بالاسم المنتقم الطينة الخبيثة و كلاهما اسما اللّه([58]) و كلتا يديه يمين فوجب ان‏يكون

 

«* شرح القصيدة صفحه 256 *»

الرحيم بعد الرحمن و لمّا كان الانتقام ربما يوهم منه التشفّي و هو عليه سبحانه محال عدل عنه الي اسم مالك يوم‏الدين فاذا كان يوم الدين يوم الجزاء فادخالهم النار جزاء لمكافات اعمالهم من باب الحكم الوضعي فناسب ان‏يذكر في مقام المتعلق الاخر لاسم الرحمن مالك يوم الدين فتمّ بهذه الاسماء الوجودات الكونية من الدنيا و الاخرة اي الخلط و الصافي و ملتقي النقطتين و عود كل منهما الي مركزهما.

فلمّا تمّت الاسماء المذكورة و هي الخمسة([59]) التي هي كفّ الحكيم و النور القديم و مظهر اسم اللّه القويم ذكر اللّه سبحانه متعلقاتها و لمّا كانت العبادة جهة الاضمحلال و الفناء و الدثور و الوبار ظهر الحق سبحانه باضمحلال نفسه فخاطبه سبحانه دلالة لكمال ظهوره بقوله اياك نعبد فالعبادة للمعبود من حيث ظهوره بالالوهية فالعبادة متعلقة بلفظ الجلالة اللّه فابتدء عند ذكر متعلقات الاسماء بذكر الاسم الاعظم اللّه ثم لمّا كان الخلق الفقراء الي اللّه من كل الجهات و الفقير انما يتوجه بمن يتولّي تربيته و ذلك رب العالمين فوجب ان‏يكون الاستعانة بعد ذكر العبودية لان ذكر العبودية متعلق لما بعدها و انما ظهر الحق في التعبير بالخطاب لان الافتقار ايضاً مقام الاضمحلال و الدثور و الوبار فاقتضي ظهور المعين و المربي اكثر من ظهوره في نفسه فقال اياك نستعين فلمّا كان متعلق الرحمن الايصال الي المطلوب و اعطاء كل ذي حق حقه كان المناسب ذكر الهداية في متعلقه و لذا قال اهدنا الصراط المستقيم بعد اياك نستعين و لمّا كان الصراط المستقيم يستلزم وضع كل شي‏ء في موضعه فيقتضي وضع المؤمن في الجنة و وضع الكافر المنافق في النار كما قال سبحانه فمن يرد اللّه ان‏يهديه يشرح صدره للاسلام و من يرد ان‏يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعّد في السماء كذلك يجعل اللّه الرجس علي الذين لايؤمنون و هذا صراط ربك مستقيماً قد فصّلنا الايات لقوم يعقلون و الاهتداء بهذا الصراط لايجدي و لايفيد للطالب السائل الفقير الي اللّه ذكر سبحانه متعلق الرحيم فقال صراط الذين انعمت عليهم و لمّا كان

 

«* شرح القصيدة صفحه 257 *»

متعلق مالك يوم الدين المغضوب عليهم و الضالّون ذكر كناية بقوله تعالي غير المغضوب عليهم و لا الضالّين فهذه الفقرة متعلق مالك يوم الدين و انعمت عليهم متعلق الرحيم اهدنا الصراط المستقيم متعلق الرحمن اياك نستعين متعلق رب العالمين و اياك نعبد متعلق اللّه الظاهر بالالوهية و الحمد منشأ ظهور هذه الاسماء و متعلقاتها و هو الشكل المربع بمادته و الشكل المثلث بصورته و باجتماعهما ظهرت السبعة التي هي العدد الكامل و جميع الكمالات من الافراد و الازواج كلها تنتهي اليه لانها جامعة لمبدء الفرد و مبدء الزوج و بضرب الثلثة في الاربعة تظهر حدود بروج الاثني‏عشر التي هي حدود الولاية الظاهرة بالاطوار الكونية و بتثنية السبعة التي هي المادة و الصورة للحمد تمّت السموات و الارضون و القوابل و المقبولات و الظواهر و المستجنات و العلويات و السفليات كل ذلك لايخرج من حيطة الحمد و لذا كان لواء الحمد هي الولاية الظاهرة في كل الذرات و الكائنات و لها سبعون الف شقة كل شقة تسع الخلائق اجمعين و بالجملة فالحمد هو الاصل في العلل و المعلولات و هو اوائل جواهر العلل .

حكمة عرشية: اعلم ان التعين الاول لمّا كان هو الحضرة المحمدية و القرءان انزله اللّه عليه حين وجوده فالذي له لايتعدي الي غيره ثم لمّا انزل اللّه سبحانه الخلق ليريهم ايات قدرته و يعرّفهم اسماءه و صفاته و ادلّة حكمته انزل محمّداً9 في كل عالم انزل اليه الخلق ليكون لهم بشيراً و نذيراً لان نبوته مطلقة و ولايته مطلقة فهو ذوالرياستين و نور اللّه في المغربين و المشرقين و الواقف علي الطتنجين فاول ما نزل الخلق نزّلهم الي عالم الانوار فانزل محمّداً9 اليهم و انزل القرءان الي عالمهم فقرأ9عليهم القرءان و علّمهم البيان و القرءان اذ ذاك نور ابيض علي هيأة انسان كامل شخص واقف قائم بيده عصاء من نور و هكذا صفات اهل ذلك العالم كلهم قيام وقوف و في طاعة اللّه صفوف([60]) فعرفوا القرءان بما فيه من البيان علي حسب استعدادهم و مقتضي قوابلهم فلبّوا نداء اللّه و اجابوا داعي اللّه. ثم انزل اللّه سبحانه الخلق من ذلك العالم الي عالم

 

«* شرح القصيدة صفحه 258 *»

الارواح و نزّل محمّداً9 عليهم بشيراً و نذيراً فتلي عليهم القرءان و عرّفهم ما فيه من البيان فعرفوا منه علي مقتضي قوابلهم و استعداد مقامهم و تأهّل مرتبتهم و القرءان اذ ذاك نور اصفر منه اصفرّت الصفرة و حيث كان اهل هذا العالم تنزل من العالم الاول و حدود و تعينات لهم كان ما فهموه في هذا العالم قشراً لما فهموه اهل العالم الاول و ظاهر لهم فحصل للقرءان([61]) معنيان احدهما باطن و هو ما عند اهل العالم الاول و الثاني ظاهر و هو ما عند اهل هذا العالم.

ثم انزل اللّه سبحانه الخلق من هذا العالم الي عالم الاشباح عالم الذرّ الثاني و نزل رسول اللّه9 اليهم نذيراً و بشيراً فقرأ عليهم القرءان و عرّفهم ما فيه من البيان فعرفوه علي حسب مقامهم و استعدادهم و القرءان اذ ذاك نور اخضر منه اخضرّت الخضرة و لمّا كان اهل هذا العالم قشراً و ظاهراً بالنسبة الي من قبلهم فحصل للقرءان باطنان و ظاهر. ثم انزل اللّه سبحانه الخلق الي الكون الناري و نزل اليهم رسول اللّه9 بشيراً و نذيراً و نزل معه القرءان و تلي عليهم رسول اللّه9و عرّفهم ما فيه من البيان علي قدر استعدادهم و مبلغ علومهم و القرءان اذ ذاك نور احمر قانٍ تغشي نوره الابصار و لمّا كان اهل هذا العالم قشراً لمن قبلهم فقد حصل للقرءان ثلث بواطن و ظاهر.

ثم انزل اللّه سبحانه الخلق الي عالم الاظلّة و الذرّ الثالث و هو الكون المائي نزل رسول اللّه9 اليهم بشيراً و نذيراً و نزل معه القرءان و تلاه عليهم و عرّفهم ما فيه من البيان و القرءان اذ ذاك كمد اللون ابيض لكنّه يميل الي الزرقة و لمّا كان اهل هذا العالم ظواهر العالم الاول و قشورهم فحصل للقرءان اربعة بواطن و ظاهر ثم لمّا انزل اللّه سبحانه الخلق الي عالم الكون الترابي عالم الصور و المثال نزل محمّد9 اليهم بشيراً و نذيراً و نزل معه القرءان و القرءان اذ ذاك لونه اخضر يميل الي السواد و لمّا كان اهل هذا العالم قشوراً و ظواهر لما قبلهم فحصل للقرءان خمسة بواطن و ظاهر و لمّا انزل اللّه سبحانه الخلق الي عالم الاجسام مقام النقش و الارتسام محل الكثرة نزل اليهم

 

«* شرح القصيدة صفحه 259 *»

رسول‏اللّه9بشيراً و نذيراً و معه القرءان فقرأه عليهم و عرّفهم ما فيه من البيان و القرءان اذ ذاك اخضر شديد الزرقة و خضرة جبل قاف منها لان الخلق وقوف في مبدء ظهورهم علي ذلك الجبل و طالع الدنيا كان هو السرطان و الكواكب كانت في اشرافها فكانت الشمس في كبد السماء وقت الظهر اقامهم اللّه في ذلك المحشر علي السواء و لمّا كان هذا العالم قشراً لما قبله و ظاهراً له حصل للقرءان ستة بواطن و ظاهر و لمّا تحركت الافلاك و تقدّم الليل علي النهار و تحقّقت الاقاليم السبعة و حصل كمال البعد عن خط الاستواء و تغيّرت الخلايق و تبدّلت و اختلفت و ائتلفت و خفيت و ظهرت و قويت و ضعفت و مرضت و صحّت و ذبلت([62]) و سمنت و صغرت و كبرت علي خلاف مشتهياتها الصورية و ان كانت علي مشتهياتها الحقيقية فغلب عليهم حكم الاعراض و تمكّنت فيهم([63]) تلك الامراض فظهر القرءان بالفاظ و عبارات و حروف و كلمات و اوضاع و دلالات كما تري.

و لمّا لم‏يكن للخلق و هم في تلك الحالة قابلية تحمل ظهور النور الاقدس و الفيض المقدس لطف اللّه علي العالمين و خيرة اللّه في السموات و الارضين محمد رسول اللّه9لاضمحلال كينونتهم و فساد قابليتهم اذا ظهر كما ان النطفة ليس له قابلية تحمل ظهور الروح الاّ من وراء حجاب فيبقي9يوصل الي الخلق الوحيين من وراء الحجاب فظهر القرءان و تشعّبت و تفرّعت بصحف ادم و  صحف نوح و صحف ابرهيم و تورية موسي و انجيل عيسي علي مقتضي تلك الطبايع في اقتضاءات اللسان الي ان نار نور الحق و بان ظهوره و نضجت بنية العالم بقدر ما يتحمل ظهوره فظهر9بنزوله الي هذه الدنيا و نزل معه القرءان علي ماتري من الالفاظ و العبارات و الاشارات و التلويحات و لمّا كانت الاعراض قشوراً و ظواهر للاجسام حصل للقرءان سبعة بواطن و ظاهر و هذا الظاهر ينقسم الي قسمين قسم ينقطع اذا ظهرت الجنتان المدهامتان و قسم يبقي مدي الزمان و المكان و هذا القسم علي ثلثة اقسام احدها ما يفهمه اهل الارض من

 

«* شرح القصيدة صفحه 260 *»

سكان خط الاستواء و جبل قاف و ثانيها ما يعرفه سكان الهواء من اهل الطبايع المعتدلة الغالبة عليها الحياة و البعيدة عنها الموت و هو لبّ العناصر و وسطها و خير الامور اوسطها و ثالثها سكّان اهل السموات و هؤلاء علي قسمين قسم يعرفه اهل السموات السبع و قسم يعرفه اهل العرش و الكرسي و قد اشار الي هذه العلوم الثلاثة لاهل هذا المقام بقوله تعالي و من اصوافها و اوبارها و اشعارها اثاثاً لكم و متاعاً الي حين و هذه الاحوال الثلثة اطوار ظاهر الجلد الذي هو العلم الظاهر و هذه الظواهر لهذه الوجوه هي التي قال اللّه تعالي و اذا قرأت القرءان جعلنا بينك و بين الذين لايؤمنون بالاخرة حجاباً مستوراً و جعلنا علي قلوبهم اكنّة ان‏يفقهوه و في اذانهم وقراً و اذا ذكرت ربك في القرءان وحده ولّوا علي ادبارهم نفوراً  فلو كان المراد مطلق القرءان ولو علي ما ظهر لهؤلاء الخلق من اطوار اللغة المعروفة و الاحكام الادبية و الصفات النحوية و الصرفية و كان قلوبهم في اكنّة ولو من هذه الظواهر المتعارفة لما قامت عليهم الحجة اذا لم‏يعرفوها و كانت قلوبهم في اكنّة من معرفتها و لما عرفوا ان القرءان معجزة بل كانت لهم علي اللّه حجة حيث جعل قلوبهم في اكنة ان‏يفقهوه و في اذانهم وقراً و هذا محال علي اللّه سبحانه بل يجب ان‏يكون قلوبهم في اكنة مع انهم يعرفون ظواهر الادلة لايتجه الامر الاّ كما ذكرنا و لاتلتفت الي الامور الواهية التي يذكرها المفسرون بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير فان القرءان ليس مختصاً بوجه دون وجه و بقوم دون قوم و بحالة دون حالة و بوقت دون وقت و انما هو القرءان القديم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فاذا عرفت هذا البيان التام و حققت ما ذكرناه من التوجيه العام عرفت ان ما عند الخلق الان بحسب متعارفهم الموجود في زبرهم و دفاترهم ليس من معاني القرءان الباطنية و لا من الظاهرية بل انما هي قشور و ظواهر تزول عند ظهور دولة المهدي عجل اللّه فرجه و هم لايشعرون و يحسبون انهم علي شي‏ء.

تحقيق الهي: اذا رجعت الفروع الي اصولها و صعدت الاشياء الي مباديها يأتي القرءان يوم القيمة بصورة شخص جبروتي ملكوتي مُلكي نبوي ولوي مَلكي جامع الصور و الشؤن الكاملة الجميلة بحيث اذا مرّ بكل صفّ لايعرفونه لان عنده مزية عليهم

 

«* شرح القصيدة صفحه 261 *»

ظهرت تلك المزية لهم بغتةً اذ لم‏يشاهدوه في الدنيا علي تلك الصورة بحسب ما يظهر فيمرّ بصف الملائكة فتقول الملائكة اي ملك مقرّب كان هذا لم‏نعرفه سابقاً و اذا مرّ بصفّ الانبياء يقولون اي نبي مرسل لم‏نعرفه سابقاً من الانبياء و هؤلاء الانبياء غير نبينا محمد9 لانه ليس في صفّهم بل هو مطاع ثم امين جالس علي سرير السلطنة و الخلق جثاة بين يديه بكمال الخضوع و المسكنة و هو يعرف القرءان و لو ظهر بكل صورة لان الذات عن شؤنها لاتغفل و كذلك الانبياء و المؤمنون بسرّ الولاية يعرفونه و ان كان بسرّ النبوة و بظاهر البشرية ما ظهر للرعية لايعرفونه كيف لايعرفونه و هم منه و هو منهم و قلنا سابقاً ان الكاملين الواصلين هم كتاب اللّه المطابق للقرءان و الذي ورد في الحديث انهم لايعرفونه بحسب ما ظهر في الدنيا و تلك الصورة الظاهرة في الاخرة هي صورته الحقيقية لا الصورة الدنياوية فلايعرف حيث انه لم‏يظهر بالصورة الدنياوية فافهم.

ازاحة شك: لعلك تقول كيف يكون القرءان علي صورة انسان و هو في الدنيا علي ما رأيناه من حدود الالفاظ و الكلمات و هذه اعراض كيف يكون العرض جوهراً الجواب ان الالفاظ ليس من الاعراض لان لها مادة و هي الهواء و صورة و هي الحدود المشخصة لها عن غيرها و هكذا كل جسم فانه مركب من مادة و من صورة و بالتركب منهما كان حقيقة جوهرية نعم كانت الصورة الانسانية ظاهرة بهذه الصور و الحدود و هي غائبة فيها ثم تظهر منها اما رأيت النطفة و العلقة و المضغة و العظام ثم اكتساءه لحماً ثم الانشاء لخلق اخر و هو كان غيباً في النطفة و العلقة و الصورة الانسانية كانت غيباً ثم ظهرت علي حسب استعداد المادة لقبول تلك الصورة و كذلك الشجرة كانت غيباً في النواة ثم ظهرت منها و كذلك الدهن و الماست و الاقط و الجبن كانت غيباً في اللبن ثم ظهرت فاذا جاز ان‏تكون الصورة الانسانية غيباً في النبات و الورق و الثمر و الشجر و الطعام و في الذي في الفم و في الكيلوس و الكيموس و في العروق من الشريانات و الاوردة و في الاعضاء و الاجزاء الي ان كانت في المني ثم امتزج بمني المرأة فصارت غيباً في النطفة ثم في العلقة و المضغة و العظام و اكتساء اللحم ثم تظهر بعد التقلب في هذه الصور فبالحري ان‏تكون غيباً في حلية هذه الحدود و الاعراض و الالفاظ الي

 

«* شرح القصيدة صفحه 262 *»

ان‏يظهر بالصورة الاصلية الاولية الالهية كما كان بها في مبدء الوجود و نزل الي المراتب المذكورة من قوله تعالي و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزّله الاّ بقدر معلوم و لا ريب ان الطفرة في الوجود باطلة و الصورة الانسانية اشرف الصور فلايصح ان‏يظهر بهذه الصورة اخيراً الاّ و قد كان عليها سابقاً نعم كان غيباً قد ظهر و كان ظاهراً فاستتر.

ذكر حقيقة و كشف كربة: اعلم ان القرءان كان نوراً من انوار القدس تحت حجاب الواحدية بلا نهاية من الامد و لا غاية من العدد و هو قائم قويم و سرّ قديم من قول النبي9اللهم اني اسألك باسمك العظيم و ملكك القديم و كان هناك لم‏يزل و لايزال ثم اراد سبحانه انزاله الي الخلق مع التعين الاول  فظهر في العرش نوراً واحداً ففي سرّ مركز العرش كان نقطة علي حدّ قول الشاعر :

قد طاشت النقطة في الدائرة   و لم‏تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها   منها لها جارحة ناظرة
سمت علي الاشياء حتي لقد   فوّضت الدنيا مع الاخرة

و تلك النقطة كانت الفاً في العرش الالف اللينية ثم لمّا تنزّل بظهوره الي الكرسي ظهرت عند مركز الكرسي الفاً متحركة ثم في الكرسي عند ظهور النقطة باء بسيطة قد ظهرت الموجودات منها باطوارها ثم فيما بين الكرسي و السماء السابعة تنزلت الباء و تكثرت فكانت بسم اللّه الرحمن الرحيم و تلك قبة بسم اللّه الرحمن الرحيم قد دخل فيها النبي9 ليلة المعراج و رأي ان الماء الغير الآسن يجري من ميم البسم في احد الاركان و الركن الثاني مكتوب عليه اللّه و يجري اللبن الذي لم‏يتغير طعمه من الهاء في اللّه و الركن الثالث مكتوب عليه الرحمن و الخمر التي هي لذة للشاربين تجري من الميم في الرحمن و الركن الرابع مكتوب عليه الرحيم و العسل المصفي يجري من الميم في الرحيم و بالجملة قد تفصلت الباء بالبسملة في تلك القبة المشرفة ثم تفصلت البسملة في السماء الرابعة بفاتحة الكتاب و اصلها([64]) في فلك الشمس و كل فلك من الافلاك

 

«* شرح القصيدة صفحه 263 *»

السبعة له اية و لذا كانت سبع ايات ثم تنزلت الي الارض فكانت مفصلة كماتري فاول ذلك سورة البقرة الي اخر ما ذكرنا سابقاً عند شرح البيت الثالث فراجع تفهم و هكذا كيفية نزوله في كل عالم علي هذا النظم لان كل عالم له عرش و كرسي و افلاك سبعة كما في الاجسام اذ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.

فاذا عرفت كيفية نزول القرءان و انه نور غيبي و سرّ الهي و امر رباني وحداني قد تفصّل في كل عالم نزل علي مقتضي استعداد ذلك العالم الي ان تمّ انساناً كاملاً و نوراً شاملاً يظهر في الحدود و القيود ظهور الانسان في افراده و ظهور النور المشرق من الشمس في المرايا و الاماكن فمتي ما ظهر حدّ ظهر ذلك النور فيه و هو نور الشمس حقيقة و كذا اذا تحقق تعين و خصوصية ظهرت الانسانية فيه و هو انسان حقيقة نعم ظهور الانسانية متوقف علي تلك الحدود فالانسان انسان علي كل حال و القرءان قرءان كذلك و نور الشمس نور علي كل حال و الجسم الكثيف محل لظهوره و حامل لنوره لا تحقق لوجوده و مؤصّل لحقيقته فالنور المشرق واحد علي كل حال و ان تكثرت قوابل ظهوره و كذلك الانسان فانه واحد علي كل حال و ان تكثرت قوابل ظهوره و تعددت فهو انسان علي كل حال و هكذا القرءان فانه واحد و ان تعددت قوابل ظهوره و مهابط نوره فالقرءان النازل علي رسول اللّه9هو الذي عندنا و هذا القرءان الواحد هو المتعدد ولو فرض ان القرءان لم‏يوجد منه الاّ نسخة واحدة او وجدت نسخ تبلغ كروراً و كرور الكرور الي ما لا نهاية له كما هو الان لايتفاوت الحال فالظاهر في النسخة الواحدة هو الظاهر في هذه النسخ الكثيرة الغير المتناهية بلا تفاوت و لا نقصان لان عالم الغيب المتنزل الي عالم الشهادة لايظهر الاّ بمحل حامل مناسب للمشاعر السفلية لان العيون قد رمدت فلاتري الشي‏ء الاّ تحت الحجاب الاسود و لذا تري الجسم الطبيعي الذي هو الجسم حقيقة لايظهر و لايري الاّ بالجسم التعليمي الذي هو العرض فلايري الا بالجسم التعليمي و لايسمع الاّ بالجسم التعليمي و لايذوق الاّ بالجسم التعليمي و لايشمّ الاّ بالجسم التعليمي و لذا لايدرك الاّ الاعراض و لايسمع الاّ الاعراض و لايشمّ و لايذوق

 

«* شرح القصيدة صفحه 264 *»

الاّ الاعراض و قد جعلت الحكماء هذه المدركات لهذه القوي و المشاعر من الاعراض و لذا اختلفوا في العلم بعد اتفاقهم علي انه من العرض في انه من اي مقولة هل من مقولة الكيف او الانفعال او الاضافة او الفعل فاذا كان العلم هو العرض فالمعلوم هو العرض و المدرك و المشعر هو العرض لان اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء قال انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فاذا كان منتهي الادراك هو الاعراض فما عسي ان‏يحصل لهم العلم بالجواهر و الحقايق و الذوات الاّ من وراء الحجاب و هو ادراك ضعيف و مقام غير شريف.

و بالجملة فالقرءان ظهر بهذه الحدود من اعراض الكلمات و الالفاظ و النقوش و ظهور الجسم الطبيعي في التعليمي و ظهور الانسان في الافراد و ظهور ذي‏المقدمة في المقدمة سواء تعددت نسخ القرءان او اتحدت ظهر بالالفاظ و الاقوال في الهواء و في النقوش و الصور في الاجسام المناسبة لها كالحبر و الشنجرف و الذهب و اللاجورد و القطن و الابريسم و الالواح من خشب و الالواح من ذهب و الالواح من النحاس و الصفر بالكتابة او بالحفر و بالجملة كل ذلك قرءان علي كل هذه الاحوال حقيقة غيرمجاز مثل نور الشمس عند ظهوره في الاجسام كل بحسبه فالقرءان واحد في هذه الاحوال المتعددة و الحرمات الثابتة للقرءان مثل ان لايمسّه الجنب و يكره قراءته له و يحرم سور العزايم عليه و علي امثاله و عدم تجويز اهانته بحرق او غرق او تنجيس او توسيخ و غير ذلك كلها ثابتة لكل واحد من هذه النسخ من عهد رسول اللّه9الي يومنا هذا الي يوم القيمة و في يوم القيمة و بعدها حيث انه ظهر علي الصورة الانسانية يكون حكم الاولياء و الخلفاء فافهم هذا البيان المكرر بالفهم المسدد فقد صعب علي الاذهان ادراكه و شقّ عليها تصوره فقد اسمعتك من البيان ما لم‏تسمعه من غيري فخذه و كن من الشاكرين والحمد للّه رب العالمين و بذكر هذه الحقيقة انكشفت الكربة.

و اما الكربة فاعلم ان جماعة من العلماء نظروا و تأمّلوا و تدبّروا و تفكروا و بصروا و استبصروا و قالوا ان القرءان لايخلو اما ان يكون لفظاً او يكون نقشاً او كليهما مجتمعاً او متفرقاً فان كان لفظاً و اللفظ لايكون الاّ بالصوت و الصوت هو الهواء المعتمد علي مقطع

 

«* شرح القصيدة صفحه 265 *»

الفم فالهواء مادة تصاغ الحروف به ثم الكلمة تصاغ بالحرف الي ان‏تقع الدلالة كالكلمة و الحروف كلها مادتها الهواء و صورتها في الحروف تقطيع فم المتكلم و في الكلمات صور و حدود و هيئات يؤلّفها المتكلم و لاريب ان هذه الالفاظ و الكلمات ليست هي التي تلفظ بها رسول اللّه9فلايكون هو القرءان حقيقةً و انما هو شبيهه([65]) و علي هيئته و هيكله و لايصدق عليه القرءان علي الحقيقة بل يصح سلبه عنه و ان كان نقشاً فلاريب ان هذا النقش الذي الان ليس هو النقش الذي نقشه رسول اللّه9بل انما هو نقش ينقشه الشخص بالمادة التي عنده فليس ذلك بذلك النقش و انما هو كنقش صورة الانسان علي الحائط و لا شك ان صدق الانسان علي الصورة المنقوشة مجاز مع ان رسول اللّه9لم‏يكتب و لم‏ينقش الخط و ان كان الامران اي النقش و اللفظ فمع ما ورد علي كل واحد منهما يرد عليه انه يلزم ان لايصدق القرءان علي كل واحد من الامرين مع ان البديهة تنادي بفساده و من هذه الجهة اضطربوا اضطراباً شديداً و دخلت عليهم لذلك كربة عظيمة حيث ان الذي بايديهم ليس هو القرءان و لا ما انزله اللّه الملك المنّان فلم‏يعرفوا وجه الجواب و لم‏يسلكوا طريق الصواب فوقعوا فيما وقعوا من الاضطراب و قنعوا في هذا الباب بانّ هذا القرءان الموجود عندنا شبه الخطاب و انه ليس عين ما انزله ربّ الارباب و قالوا بانّ الحقيقة اذا تعذرت فاقرب المجازات متعين و حيث امتنع ذلك اللفظ و ذلك النقش و التمسك بما يشبههما من الامرين و جميع الاطلاقات الشرعية و العرفية و اللغوية واقعة عليهما و حيث اذا اطلق القرءان لايراد الاّ الذي بايدينا مما يشبهه مع تعدد نسخه و تكثرها فقنعوا من الماء بالسراب و من الشمس بالتراب و عن السماء بالسحاب و عن البحر بالحباب ذلك مبلغهم من العلم ان في ذلك لذكري لاولي الالباب و نحن بحمد اللّه قد فرّجنا الكربة و ازحنا الشبهة و نزّهنا اللّه سبحانه و تعالي عن خلاف الحكمة و جلّلناه عن ان‏يبعث الينا ما يقيم اودنا و يقوّم عوجنا و يكون علينا دليلاً مرشداً ثم يكون علينا شاهداً ثم يرفعه عنا و لايقدر ان‏يبقيه لدينا ثم يأمرنا

 

«* شرح القصيدة صفحه 266 *»

بالتمسك به مع ان الذي لدينا شبيهه و ما هو عندنا نظيره فهذا اما تدليس و تمويه او عدم قدرة علي الوجه الاكمل و الكل هو سبحانه منزه عنه فما ذكرنا لك من ان هذا القرءان هذا الموجود عندنا نقشاً و خطّاً حقيقةً لا مجازاً لا شبيهاً و لا نظيراً بل القرءان الموجود عندنا هو القرءان المنزل علي النبي المرسل9 بلا شك و لا شبهة و لا ريب و لا مين فاعرفه واحمد اللّه و اشكره علي ما انعم عليك و وفّقك لمعالي المعارف.

بيـان عرفانـي: اعلم اني اردت ان‏اضرب صفحاً عن ذكر هذا المطلب ولكني عدلت عن اعراضي و احب ان‏اذكره لعله يتنبه به من عرف حقيقة الامر من قول اميرالمؤمنين7انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و قول اللّه سبحانه و تعالي و ما منّا الاّ له مقام معلوم حكايةً عن لسان مخلوقاته و قول اللّه سبحانه و تعالي ولقد اوحينا اليك روحاً من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الايمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا و انك لتهدي الي صراط مستقيم بعد ما قال قبل هذه الاية و ما كان لبشر ان‏يكلّمه اللّه الاّ وحياً او من وراء حجاب او يرسل رسولاً  فبيّن ان الوحي كلام من اللّه مع البشر و هو الانسان و قال سبحانه فاستمسك بالذي اوحي اليك و بالجملة فالحقايق في تفسير الظاهر لايقال لها وحي و حيث انّ اللّه سبحانه قال ولقد اوحينا اليك روحاً من امرنا عرفنا ان هذا الروح هو الكتاب المسطور في رقّ منشور المذخور في البيت المعمور و ذلك بيت معمور بالوحدة و نفي الكثرة فان بيت الكثرة خراب و مـئالها الي التراب و لايسكنها الاّ المحجوبون بالحجاب علي المعني الاخر المعروف عند الاطياب من العلماء الانجاب عليهم رحمة اللّه من كل باب و الشاهد علي ان المراد من البيت المعمور هو البيت المملو من الفيض الاقدس قبل الفيض المقدس قوله تعالي ما كنت تدري ما الكتاب و لا الايمان اذ لايمكن خلوّه9عنه عند الصحو في حال من الاحوال فعلمنا ان القرءان مصاحب للنبي9 في التعين الاول و الازل الثاني و الغيب الثاني و الوجود المطلق و الحق المخلوق به و اذا كان القرءان معه مساوٍ لحقيقته او عين حقيقته كيف يطابق ذلك ما ذكرنا سابقاً من ان القرءان مطابق لكينونة الانسان من الرعية و قد ظهر تلك المعاني و البيان في حقيقة الابواب من نوع الانسان فكيف يجتمع التعين

 

«* شرح القصيدة صفحه 267 *»

الاول مع التعينات المتنزلة بوسائط عديدة مع ان القرءان واحد و ليس بمتعدد و قد اجمع عليه جميع اهل الاسلام فالقول بتعدد القرءان محال و ما ذكرنا يقتضي التعدد الجواب ان التعدد المحال هو التعدد الذي يقتضي الاختلاف و اما كثرة هي عين الوحدة و كثرة لاتنافي الوحدة ككثرة النسخ لاتنافي وحدة القرءان و كذلك هذا التعدد لاينافي الوحدة و ان لم‏يكن من نوع تعدد النسخ الاّ انه من نوع تعدد اقرب الي الوحدة من تعدد النسخ فان كل سافل لايري تعدداً في مبدئه و لايري الاّ واحداً في جميع الاطوار فالجماد يري ربّاً واحداً و نبياً واحداً و قرءاناً واحداً و النبات يري ربّاً واحداً و نبياً واحداً و قرءاناً واحداً و الحيوان من البهايم و الطيور يري ربّاً واحداً و نبياً واحداً و قرءاناً واحداً و الجن يري ربّاً واحداً و نبياً واحداً و قرءاناً واحداً و الانسان يري ربّاً واحداً و نبياً واحداً و قرءاناً واحداً و الانبياء يرون ربّاً واحداً و نبياً واحداً و قرءاناً واحداً و ذلك من حيث التابعية و كونهم رعية و انهم رعايا نبينا و اما من حيث انهم متبوعون و انبياء مطاعون فكتبهم متعددة و نبينا و من في طبقته و من سنخه يرون ربّاً واحداً و نبياً واحداً و قرءاناً واحداً مع ان هؤلاء كلهم في السلسلة الطولية و كل سفلي شعاع و اثر للعليا و لايجتمعان ابداً ولكن السافل حقيقة بعد حقيقة لاتجد اهل كل مرتبة الاّ امراً واحداً و قد تقدّم منّا بيان هذه المسألة مراراً عديدة فراجع تفهم و ربما يأتينا بيان فيما بعد.

وصــل: ثم ان الناظم لوفور معرفته و دقة نظره و استقامة فطرته لمّا بيّن اسماء و صفات هذه الاستار و الحجب المعنوية رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و اقام الصلوة و ايتاء الزكوة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب و الابصار فلمّا وصفهم مرة بالرواق و مرة بالكتاب و مرة بالتورية و الانجيل و الزبور و القرءان اراد ان‏يصفهم بصفة اخري و يسمهم بسمة عليا و يبين المراد من السرّ المعضل و الامر المشكل و الباطن المؤمّل من قوله تعالي انّ اية ملكه ان‏يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم و بقية مما ترك ال‏موسي و ال‏هرون تحمله الملئكة انّ في ذلك لاية لكم ان كنتم تعلمون فقال للّه درّه و عظّم برّه و تولّي امره:

هذا هو التابوت فيه سكينة   وافي علي ايدي الملائك يحمل

 

 

«* شرح القصيدة صفحه 268 *»

اقـول: التابوت هو قلب العارف الكامل و المرشد الواصل و الغيث الهاطل و المطر الوابل قد طهّره اللّه سبحانه و تولي تطهيره و اذهب عنه رجس الكثرات و مقتضي لوازم الانيات و ملاحظة الجهات المبعّدات عن نور الحق القديم و ظهور الصراط المستقيم و هي زجاجة صافية و قد اشار سبحانه الي هذا القلب المطهّر و الموضع المنوّر بقوله الحق كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار نور علي نور يهدي اللّه لنوره من يشاء فالمشكوة جسم هذا العارف الكامل طهّرته شمس اشراق العناية لمّا طلعت من افق المحبة فجفّفت رطوبات الميل الي السوي و زالت عنه الاغيار و انمحت مقتضيات الادبار فصار كوّةً حاملة للظهور و مظهراً جامعاً حاملاً للنور المصباح قلبه الشريف مضي‏ء بنور المعرفة و مستنير بسناء المحبة باركانه الاربعة و اكواره السبعة و ادواره الاربعه‏عشر و الزجاجة صدره لان القلب في الصدر و قوله تعالي فانها لاتعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور و هو من حيث صفائه و نورانيته و تتالي الانوار الالهية المشرقة عليه قد حمل السرّ الاعظم و النور الاقدم كأنه كوكب درّي يوقد ذلك المصباح و يظهر ذلك المصباح من الشجرة المباركة و هي التعين الاول و فيض الازل و المثل الاعلي الامثل و هي مباركة قد ظهرت اثار بركتها في الجلّ و القلّ في جميع الذرات من الاضعف و الاكمل بالمجمل و المفصل و هي الزيتونة لانها حملت من الانوار اعظمها و من الاسرار اقدمها و من الحقايق اتمّها و من الدقايق اكملها و من الظاهر افضلها كالزيت الظاهر عند مسّ النار باتمّ الانوار فليست بشرقية و لا غربية لانها التعين الاول و هو بري‏ء عن الجهات و الحدود فانها من تنزلاتها و تعينات اطوارها و تشخصات اثارها فلاتحدّها شرق و لا غرب و لا جنوب و لا شمال و لا يمين و لا يسار و لا خلف و لا قدام و لا وراء و لا امام و هي معدّلة المزاج و مهيّجة الابتهاج و مصلحة الاختلاج و الصاعد لمن تمسك بها باعلي المعراج و اليها اشار الشذوري بقوله:

و محمومة طبعاً عدلت مزاجها   الي ضدها لمّا علت زفراتها

 

 

«* شرح القصيدة صفحه 269 *»

بجنية انسية ملكية   هوائية نارية نفحاتها
جنوبية شرقية مغربية   شمالية كل الجهات جهاتها

فحيث اثبت لها كل الجهات نفي عنها كل الجهات و ذلك معلوم بلحن المقال و شهادة الاحوال فيكاد زيتها يعني قابلية هذه الشجرة من شدة صفائها و نورانيتها و انغمارها في التوحيد و التفريد و التجريد يظهر قبل تجلي المتجلي او يكاد زيت قابلية هذا القلب المطهر من شدة الصفاء و كمال التلألؤ و ادمان الاقبال و تفرّغ البال الي حضرة ذي‏الجلال يكاد يظهر في عالم الظهور و بروز افعال الربوبية قبل ان‏يمسّها نار التعين الاول و ان كان لايمكن الوجود و الظهور الاّ بمسّ تلك النار و ان كان يجوس خلال تلك الديار ثم انه نور علي نور اي نور في نفسه لشدة صفاء القابلية كالزجاجة التي يراد منها البلور الجامع لجوامع النور الحامل لمواقع الظهور الصافية الطيبة الطاهرة من الاغيار المصفاة عن الاكدار و النور الاخر هو الحاصل بمسّ النار اي نار الشجرة الحاملة للولاية المطلقة و اليه الاشارة بقول مولينا الصادق الامين جعفر بن محمّد ابن الميامين انّ حديثنا صعب مستصعب لايحتمله احد حتي الملك المقرب و النبي المرسل و المؤمن الممتحن قيل فمن يحتمله قال من شئنا فصاحب هذا القلب الشريف هو ممن شاءوا ان‏يودعوا فيه تلك الاسرار و يظهروا له ذلك النار ثم لمّا طهّر اللّه ذلك القلب و اودعه من اسرار الغيب و من المعارف العرية من الريب و جعلها طريقاً موصلاً للمريدين و سبيلاً مهيعاً للسالكين فالطالبون لايصلون الي هذا المرشد الكامل و الطريق الموصل و النور من فيض الازل و التعين الاول الاّ بعناية خاصة و هداية ناصة فلا كل من طلب وجد الاّ بعناية ربانية و لايشفعون الاّ لمن ارتضي و لذا قال تعالي في تتمة الاية يهدي اللّه لنوره من يشاء و ذلك الحجاب الواسطة بين الرعايا و الباب اي باب مدينة العلم هو نور اللّه و دليل ارادة اللّه الموصل الي الولي المطلق بسرّ مشية اللّه ثم ذكر سبحانه ان هذا الستر و الحجاب و ان كانوا ذوات مستقلة و حقايق متأصّلة لكنها امثال للاولياء و ادلاء عليهم و لذا قلنا انهم ابواب الباب و حجج الحجة و جناب الجنب و لذا قال سبحانه ويضرب اللّه الامثال للناس الناس هم الرعية من العوام و الامثال هم العلماء الاعلام الكاملون الواصلون بقطع

 

«* شرح القصيدة صفحه 270 *»

الاسفار الاربعة الي دار السلام و دار السلام هي باب مدينة العلم الذي من يدخلها من ذلك الباب فقد امن من كل ما يورث السقام من الظاهرية و الباطنية من الكفرة اللئام و هم الذين اشار اليهم اللّه في محكم الكلام و كذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الانس و الجن يوحي بعضهم الي بعض زخرف القول غروراً.

و بالجملة فالتابوت الذي ذكره الناظم ايّده اللّه بتوفيقه و سدّده بتسديده هو قلب هؤلاء([66]) الاعلام الذين هم ابواب الباب و الستر و الحجاب فان هذا الستر المرسول من حضرة السلطان الاعظم و الخاقان الاقدم تغمده اللّه برحمته الواسعة هو الستر للقبر الشريف و المحل المنيف و القبر هو محل الجسد المعظّم و النور المكرّم فالقبر حجاب و هو الباب و الستر حجاب للقبر و هو حجاب الحجاب و ستر الستر و له ظاهر و باطن و قد اشار الناظم الي الامرين ليبين المقامين و يظهر الخفاء من البين و يصفّي القلوب من([67]) الرين و يجلي العين عن الغين و يوضح الامر بلا مين فقال سدّده اللّه بتوفيقه هذا هو التابوت فيه سكينة.

اما التابوت فقد علمت انه البدن الطاهر الحاصل باعتدال الطبايع و هو الموجب لاعتدال الحرارة الغريزية الموجب لتصفية الصدر و انشراحه الموجب لصفاء القلب و ذكائه و صيرورته محلاً للانوار الاربعة و الاكوان الثلثة في الاطوار السبعة و الادوار الاثني‏عشر و الاطوار الاربعه‏عشر و هو قول اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء في تعريف الفلسفة لمّا قال له يهودي لو تعلّمت الفلسفة لكان لك شأن من الشأن فقال له اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء يا يهودي و ما تعني بالفلسفة أليس من اعتدل طباعه صفي مزاجه و من صفي مزاجه قوي اثر النفس فيه فقد دخل في الباب الملكي الصوري فليس له عن هذه الغاية مغيّر فقال اليهودي اللّه اكبر لقد نطقت بالفلسفة كلها في هذه الكلمات يا ابن ابي‏طالب فاذا حصل له قلب هكذا فقد تأهّل لان‏يكون تابوتاً فيه سكينة من ربه و بقية مما ترك ال‏موسي و ال‏هرون.

 

«* شرح القصيدة صفحه 271 *»

و اما السكينة فهي الثبات و الطمأنينة التي هي الاصل في كل خير و المبدء لكل حق و نور لان اللّه سبحانه و تعالي خلق قلب الانسان مرءاة صافية له وجهان و ربما يعبر عنهما في بعض الاخبار من اهل‏البيت عليهم الاف التحية و الثناء بالاذنين و القلب لايخلو عن ثلاثة حالات اما مستقر في الحالتين و اما متزلزل في البين و بيان ذلك ان الوجهين من القلب احدهما مقابل لعليين و الاخر مقابل لسجين و له نظر واحد فحين ما ينظر الي عليين لايمكن ان‏ينظر الي سجين و ان كان ناظراً الي سجين لايمكن ان‏ينظر الي عليين لان الواحد في الامكان لايصدر منه اكثر من واحد و لايمكن ان‏يكون لشخص واحد قلبان كما قال تعالي ماجعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه والاّ يلزم ان‏يكون الخالق اثنين و لايصحّ ان‏يقول احد انا بل يجب ان‏يقول نحن و الادلة القطعية من العقلية و النقلية و الوجدانية ناهضة بخلافه فاذا نظر بوجهه الاعلي الي عليين فلايخلو اما ان‏يكون ثابتاً في ذلك النظر و مستقراً فيه فينطبع في قلبه معان و صور عليينية كلها حق و نور و خير و علم و يقين و اذا لم‏يستقر في ذلك فهو كالمرءاة المتزلزلة المضطربة لم‏ينطبع فيها شي‏ء الاّ صور مختلطة متغيرة مضطربة مجتثة لاتفيد شيئاً([68]) اصلاً فلاتقع الصورة([69]) الحقة الاّ بعد الاستقرار حال المقابلة فاذا استقر ثبتت الصورة و انطبعت ولكن هذا المقدار من الاستقرار لايقال له طمأنينة و سكينة اذ قدتنطبع الصورة فيه من عليين بتمام نظره و استقراره حال النظر ثم ينظر بوجهه الاسفل الي سجين فتنطبع فيه صورة مناقضة للصورة الاولي فاول انطباعه قبل ان‏يميل القلب الي نحو التصديق بالصورة الثانية فمجرد حصول تلك الصورة الغير المعتقدة بعد حصول الصورة الاولي الجازمة تسمي الحالة الحاصلة بعد حصول الصورة الثانية وسوسة ثم اذا استقرت الثانية و مال القلب اليها ميلاًما تزعزع اليقين الحاصل بالصورة الاولي تحصل الريبة ثم اذا ازداد الميل الي الثانية و ارتفع اليقين من الاولي تسمي الثانية وهماً و الاولي ظنّاً و اذا ازداد ميل القلب الي الثانية بادامة النظر في الوجه الثاني الي ان‏تساوت النسبة في التحقق بين الصورة

 

«* شرح القصيدة صفحه 272 *»

الاولي و الثانية فهناك يحصل الشك و اذا ازداد الميل الي الثانية بثبوت النظر الثاني و استدامته الي ان قويت الثانية و ضعفت الاولي فكانت الثانية ظنّاً و انقلبت الاولي وهماً و اذا قويت الثانية و استمرت و قطع النظر عن الاولي ارتفعت الصورة الاولي بالمرة فصار ذلك العلم انقلب جهلاً مركباً اذا كان النظر مستمراً الي سجين و منقطعاً عن عليين فاذا لم‏يستقر في هذا و نظر مرة اخري الي عليين فتحصل تلك الاحوال المذكورة من الوسوسة و الريب و الشك و الوهم و الظن الي ان‏تذهب تلك الصورة و تأتي الصورة الاخري و لايزال ذلك الشخص الناظر في اضطراب و زيغ و فتن و تزلزل الي ان‏يستقر في احدي الحالتين و يحصل له الثبات و الطمأنينة في البين.

تحقيق فيه تنويـر: اعلم ان الطمأنينة و السكينة و الثبات في الحق لاتحصل الاّ بالتوجه الي اللّه و الاقبال عليه اما سمعت اللّه سبحانه يقول الا بذكر اللّه تطمئن القلوب فاذاً بالتوجه الي اللّه سبحانه و التفكر في الايات الافاقية و الانفسية و المواظبة علي تلاوة القرءان و العمل بالطاعات و الرياضات و المجاهدات و اخراج الابالسة و الشياطين بقوة تلك الاعمال تحصل الطمأنينة التامّة و بيان ذلك ان اللّه سبحانه خلق قلب الانسان و جعل له وجهين وجه اعلي و وجه اسفل و جعل العقل في جهة اليمين التي هي الوجه الاعلي و جعل الجهل في الجهة اليسري التي هي الوجه الاسفل و جعل لكل واحد منهما خمسة و سبعين جنداً و كل جند قبيل من الملائكة لايعلمون عددهم الاّ اللّه و جعل للجهل ايضاً خمسة و سبعين جنداً و كل جند قبيل من الشياطين لايعلم عددهم الاّ اللّه و لمّا كانت الشياطين اضداداً للملائكة كانت مقتضياتهم و شهواتهم و ميولاتهم ضداً لميولات الملائكة و شهواتهم و مقتضياتهم و لمّا كان العقل غذاؤه الطاعة و هو انما يتقوي بها و الجهل غذاؤه المعصية و هو انما يتقوي بها فاذا طلب العقل غذاءه بنوع مما([70]) يشتهيه من الطاعات مثل([71]) الصلوة امر الملك الموكّل بالصلوة الذي اسمه وصقائيل بان‏يأمر الجوارح التي هي خادمة لهذين السلطانين و لا خادم لهما غيرها و

 

«* شرح القصيدة صفحه 273 *»

لايسع ان‏يخدم الاثنين في حالة واحدة و اذا اراد الملك الموكل بالصلوة استخدام الجوارح لفعل الصلوة امر الجهل الشيطان الموكل بترك الصلوة ان‏يمنع الجوارح عن الاتيان بها و لاريب ان كل واحد منهما يطلب غذاءه و لايمتنع الاّ بان‏يغلب فتقوم الحرب علي ساقها بين العسكرين و يقع التغالب في البين و الانسان الذي له ادني فطنة يري هذا النزاع و المغالبة عند فعل خير او شر و الانسان هو صاحب العلم فان مال بشهوته الي جانب العقل و اتي بالصلوة قتل الملك ذلك الشيطان و جلس ملك اخر في محله و اذا اقتضي العقل بشهوته ان‏يفعل طاعة لانه غذاؤه امر الملك الموكل بتلك الطاعة و الجهل حيث كان ضداً له يأمر الشيطان الموكل بضد تلك الطاعة يمنع الجوارح ان‏تأتي بها فيقع ايضاً بينهما النزاع و القتال حتي يميل الشخص الي جهة مثلاً مال الي جهة العقل و فعل ذلك الفعل و قتل الشيطان الموكل بتركه و جلس ملك من الملائكة في مكانه و هكذا لكل عمل من الاعمال الصالحة يقتل شيطان لان الحسنات يذهبن السيئات و يزيد ملك من الملائكة الي ان‏تطمئن النفس بالطاعة و بقيت تعمل الطاعات بشهوتها و ارادتها فتضعف جنود الجهل و تتقوي جنود العقل الي ان‏تبيد جنود الجهل و تضمحل فاستقر سلطان العقل علي سرير السلطنة في العالم الانساني و البشر الثاني فتكون البلدة بلدة الاسلام و يذهب عنها الشرك و الكفر و الطغيان و في مبدء الامر يحصل له الاطمينان و السكينة بما في قلبه من ذكر اللّه سبحانه فيحصل له اتصال بملائكة سماء الدنيا و يختلفون في قلبه و لذا قال النبي9 اجعلوا قلوبكم منبراً للملائكة فحينئذ يستنير قلبه الصنوبري لانه مساوٍ لجوزهر فلك القمر و يزداد نوراً و يعتدل مزاجه و تقوي قواه الجسمانية في تحمل العلم و النور لا في قوة الجسم و ان كانت كذلك لو اراد فاذا استقرت في هذه الطمأنينة و الثبات و السكينة تتصل بملائكة الثلاثة الذين في فلك عطارد السماء الثانية و هم شمعون و سيمون و زيتون و الملائكة الذين في هذه السماء اكثر من جميع الملائكة و رئيسهم هؤلاء الثلاثة و العلوم التي في القوي الدماغية من المتخيلة و المتفكرة و الواهمة و الحافظة و العاقلة و مايتعلق بها و ماتتصرف فيه من العلوم الصورية علي اقسامها و انحائها كلها مخزونة في تلك القوي و

 

«* شرح القصيدة صفحه 274 *»

مفاتيحها بيد هؤلاء الثلاثة فاذا وصل السالك بالطمأنينة في هذا المنزل و اتصل بهؤلاء الملائكة سلّمت هؤلاء الرؤساء مفاتيح هذه القوي الي هذا الشخص فيحيط حينئذ بجميع العلوم الحاصلة من دليل المجادلة بانحائها و اقسامها من العشرين بارواحها و اجسادها و اطوارها فاذا استقر في هذا المقام بالعلم و العمل و حصل له الطمأنينة و السكينة فيترقي و يتصل به ملائكة السموات السبع ثم يتصل به ملائكة الكرسي و العرش و ملائكة السرادقات فيكون مختلف الملائكة و مهبط الانوار القدسية فيتصل به حملة العرش و يسلّموا اليه مفاتيح العلوم المودعة في خزائن القلب الاربعة النور الابيض و النور الاصفر و النور الاخضر و النور الاحمر فيحيط بجميع العلوم المتعلقة بخلق اللّه و يشاهد الايات كلها لكنّه يصدّق و يسلّم لا كالذي اراه اللّه اياته كلها فكذّب و ابي كما قال تعالي ولقد اريناه اياتنا كلها فكذّب و ابي ثم بالطمأنينة و السكينة يتصل بامر اللّه بسر اللّه و كلمة اللّه و وجه اللّه و عين اللّه و جنب اللّه و لسان اللّه و باب اللّه و مظاهر قدرة اللّه و اصحاب الفيض الاقدس و يكون حينئذ محل عناية اللّه فيسلّم اللّه اليه مفتاح الفؤاد الذي كان بيده سبحانه فيكون هذا السالك الذي عبّر الناظم ايده اللّه عن قلبه بالتابوت يكون قلبه تابوتاً لحكمة اللّه و وعاء لهذه العلوم و الرسوم التي هي وجهة لعناية اللّه و السكينة دليل علي اجتماعه بجميع العلوم و المعارف و علم المحبة و الوصل و الاتصال لان السكينة التامة هذه اثارها و هي التي انعم اللّه سبحانه بها نبيه و الصديقين من رعيته و اوليائه و خلفائه و قد قال تعالي هو الذي انزل سكينته علي رسوله و علي المؤمنين و الزمهم كلمة التقوي و كانوا احق بها و اهلها و المؤمنون هؤلاء الرجال الابدال الذين وصفتهم لك في خلال هذا المقال عند شرح هذه الاحوال و لذا قال سبحانه و تعالي والزمهم كلمة التقوي هي الاتقاء عن ملاحظة الاغيار و التوجه الي ما يوجب الاكدار فيكون حينئذ محلاً لنور الانوار و سرّ الاسرار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار.

فلمّا بلغوا مقام الاطمينان و استقرت السكينة في قلوبهم و ظهرت اثارها في صدورهم و قواهم و مشاعرهم ازالوا الاغيار و محوا الاكدار و كانوا احق بان‏يلزمهم اللّه سبحانه كلمة التقوي و هو لا اله الاّ اللّه و هو مقام عبدي اطعني اجعلك مثلي اقول للشي‏ء

 

«* شرح القصيدة صفحه 275 *»

كن فيكون و تقول للشي‏ء كن فيكون انا حي لا اموت اجعلك حيّاً لاتموت فالسكينة هي السبب في تلك المـئاثر و العلة في تلك المفاخر و لذا قال مولينا الصادق عليه الاف التحية من اللّه الملك الخالق ان حديثنا صعب مستصعب لايحتمله احد حتي الملك المقرب او النبي المرسل او المؤمن الممتحن قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال نحن  و في رواية من شئنا و في راوية اخري مدينة حصينة قيل و ما المدينة الحصينة قال7هو القلب المجتمع انتهي فالقلب المجتمع هو القلب الذي فيه سكينة و في رواية عن طريق اهل‏البيت:ان السكينة في التابوت ريح له وجه كوجه الانسان  اما انها ريح لانها مادة الحيوة و اصلها لان الهواء حارّ رطب و هو مزاج الهواء انما عبّر عنها بالريح و لم‏يعبّر بالهواء لانها دائم الحركة و دائم التوجه الي وجه المبدء و دائم الاستمداد و دائم الامداد و هو في عين الثبات و الطمأنينة دائم الحركة فمن زيادة الحركة تراه ساكناً فهي سكينة خاضعة ذليلة ثابتة مطمئنة حيّة بالذات و ثابتة بالصفات متحركة من جميع الجهات فحركتها الي اللّه اوجبت سكونها و طمأنينتها الا بذكر اللّه تطمئن القلوب و اما ان لها وجه كوجه الانسان لان اللّه خلق الانسان في احسن تقويم قال تعالي و صوّركم فاحسن صوركم و حسن الصورة([72]) بالتوجه الي اللّه و الاعراض عن ماعداه و هذا هو الظاهر في الصورة الانسانية لانها الهيكل الالهي و الكتاب الرباني كما انبأتك سابقاً مراراً عن اميرالمؤمنين7 و هذه السكينة بقية مما ترك ال‏موسي و ال‏هرون يراد في الباطن مظهر النبوة و الولاية فموسي هو النبي المطلق جامع النبوة المطلقة و هرون هو الولي المطلق حامل الولاية المطلقة و قد ورد في الحديث المتفق عليه في مخاطبة النبي9 عليّاً اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء يا علي انت منّي بمنزلة هرون من موسي الاّ انه لا نبي بعدي و قد نصّ الاديب الاريب الناظم اكرمه اللّه بتوفيقه في تخميسه لقصيدة الشيخ صالح التميمي و قال خطاباً لاميرالمؤمنين7 :

فيك خير الانام اوتي سؤلاً   مثل ما اوتي ابن عمران قبلا

 

 

«* شرح القصيدة صفحه 276 *»

يا اباشبّر و قد صحّ نقلاً   انت هرون و الكليم محلا

من نبي سمت به الانبياء

و قدورد في الحديث المتفق‏عليه و رواه احمد في مسنده انه لايذكر المؤمنون في اية الاّ و علي اوّلهم و قد قال تعالي هو الذي انزل سكينته علي رسوله و علي المؤمنين و علي اميرالمؤمنين اوّلهم و سيدهم في مقام الولاية الباطنية فالسكينة من اللّه نزلت اولاً علي النبي و الولي و من هو من سنخهما و المخلوق من طينتهما و المتعين بتعينهما و بقيتهما مودعة في ذلك التابوت الذي فيه اسرار الملك و الملكوت و هو ما ذكرنا من اولئك الرجال الابدال تحمله الملائكة يعني ذلك التابوت الملائكة تحمله و هو ما ذكرنا لك سابقاً و انفاً ان جميع مراتبه و مقاماته من ظاهر جسمه الي باطن قلبه محل افواج الملائكة و مختلفهم و هم يحفظونه من كل ما يكره اللّه و يحفظونه عن جميع البليات و الاذيات و يحفظونه عن مساوي الاخلاق السيئات و يفعلون له ما يشاء من الافعال و ينقادون له في السرّ و الاعلان و يفعلون له ما يشاء من غرائب الافعال و يظهرون له ما يريد من عجائب الاعمال([73]) و اللّه جعلهم تحت امره و نهيه و طوع ارادته لايخالفونه و يمتثلون احكامه لان اللّه احبه و اصطفاه و اختاره و اجتباه و جعل الملائكة معه حاملة لمراتب ذاته و صفاته و افعاله فيظهرون له الكرامات و خوارق العادات و عجائب المعجزات و ما ذلك علي اللّه بعزيز لانه سبحانه قال من اقبل الي شبراً اقبلت اليه ذراعاً و قال سبحانه الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملئكة الاّ تخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا و في الاخرة و هذا المعبّر عنه بالتابوت هو الذي اعتقد بالربوبية و اتي بمقتضاه ثم استقام اليها من نفي التزلزل و الاضطراب و سكون القلب و الطمأنينة في ظاهر ابدانهم و باطن عقايدهم لايعتريهم شك و لا شبهة و لا وسوسة و لا زيغ و لا فتنة و لا توجه الي الغير و لايعتاق عن السير فهو المستقيم في التوحيد و النبوة و الولاية و هذا هو الذي عنده السكينة و

 

«* شرح القصيدة صفحه 277 *»

بقية مما ترك ال‏موسي و ال‏هرون من علوم النبوة و الولاية و اسرار الربوبية و القيومية و الهيمنة و الاستيلاء و التعزز و التمنع فاذا صار هكذا اتته الملائكة و بشّروه بانهم احبّاؤه في الحيوة الدنيا و في الاخرة و الحبيب يطيع محبوبه ٭ ان المحب لمن احبّ مطيع ٭ فحمل الملائكة هذا التابوت كما يقال ان الملائكة حملة([74]) العرش و هم جبرائيل و ميكائيل و اسرافيل و عزرائيل و هذه الحاملية ليست حاملية اقامة و اثبات و هيهات و اني لهم ذلك بل العرش اثقل من ان‏يحمله شي‏ء من الملائكة لانه مستوي الرحمن استوي برحمانيته سبحانه عليه و اعطي كل ذي‏حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه و الملائكة من اهل الاستحقاق المعطون من جملة([75]) الارزاق كيف يحملونه حمل اقامة و لهم منه الامداد و الافاضة فمعني حملهم للعرش حمل اثاره الي المواد و القوابل بحسب الاستعداد فجبرائيل حامل اثار الخلق و الصنع و الاحداث و مايلزمها من الحركات و عزرائيل حامل اثار الموت الي المواد و القوابل المتأهلة بذلك و اسرافيل حامل اثار الحيوة كذلك و ميكائيل حامل اثار الرزق كذلك فهذه الاربعة الاركان اثارها سارية في الاكوان و الاعيان و هو قوله تعالي هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شي‏ء سبحانه و تعالي عما يشركون و كذلك الملائكة الحاملة للتابوت الذي فيه سكينة من ربه و هي الاطمينان و الثبات و الاستقرار و الاستقامة الحاصلة بذكر اللّه سبحانه و بقية مما ترك ال‏موسي و ال‏هرون من احكام النبوة و الولاية الظاهرة في جميع الذرات بحكم الاطلاق و الملائكة حملة تلك الاثار الظاهرة في قلب هذا المعبّر عنه بالتابوت و مايتعلق به من الاطوار الي انحاء الموجودات مما يشاء و يريد ذلك الستر و الحجاب فمن الملائكة من يحمل من اثار جسمه و منهم من يحمل من اثار مثاله البرزخ بين الروح و الجسم و منهم من يحمل من اثار نفسه بالمراتب الاربع النفس المطمئنة و النفس الراضية و النفس المرضية و النفس الكاملة و منهم من يحمل من اثار عقله في الاطوار الثلاثة و منهم من يحمل من اثار قلبه

 

«* شرح القصيدة صفحه 278 *»

و هذه المراتب لها اثار تحملها الملائكة و تظهرها و تبرزها الي الاعيان الخارجية من انواع الكرامات و خوارق العادات كما شاهدناها من جماعة من هؤلاء الاولياء الذين هم باب الباب و جناب الجناب.

ثم اعلم ان التابوت و ان كان مفرداً لكنّه في المعني جمع يراد بهم([76]) النقباء و النجباء و انما افرد لان جهات اختلافهم و تعددهم ضعيفة و انياتهم مضمحلة و كثراتهم زائلة لانهم من عند اللّه لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فهم جماعة في الصورة و شخص واحد في الحقيقة و اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة طابت و طهرت فيصحّ التعبير عنهم بالمفرد و بالجمع و المعني واحد اذ ليس الكلام فيهم من حيث اشخاصهم و هيئاتهم و صورهم و انما المقصود منهم من حيث انهم مهابط انوار القدس و مظاهر اطوار الانس ففي هذا المعني كلهم واحد و لذا عبّر الناظم عنهم بالمفرد بقوله الرواق و الكتاب و القرءان و التورية و الانجيل و الزبور و التابوت و نحن عبرنا عنهم بالجمع و هو عين المفرد كما ان المفرد عين الجمع و الانظار مختلفة و الاسرار واحدة.

نكتـة عرفانيـة: اعلم ان اللّه سبحانه قال كما اشار اليه الناظم ايده اللّه و سدّده و اسبل عليه جلابيب رحمته الواسعة و هو قوله تعالي انّ اية ملكه ان‏يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم و في وصف السكينة بانها من ربه اشعار و ايماء بان السكينة سكينتان سكينة من الرحمن و سكينة من الشيطان اما السكينة الرحمانية فقد شرحناها مفصلة و ان كانت الشيطانية تعرف بالمقابلة ولكن المدركون لذاك قليل فيجب([77]) ان‏نذكرها لتعمّ الفائدة و لحاجة اغلب الناس ممن يروم البواطن و الاسرار و الحقايق و الانوار اليه فلذا بيّنتها و ان كان يطول بذكرها زمام الكلام ولكن لا بأس اذا ترتبت عليها فوائد مهمة فنقول قد ذكرنا سابقاً ان القلب له وجهان وجه الي عليين و وجه الي سجين و الوجه الاول مقر العقل و جنوده و الوجه الثاني مقر الجهل و جنوده و الجوارح خادمة لهما علي التبادل و

 

«* شرح القصيدة صفحه 279 *»

التناوب و هي محل غذائهما و مورد استمدادهما و سبب استمرارهما و اضمحلالهما و قوتهما و ضعفهما فان استمر الشخص نظره الي الوجه الاول و انقطع عن الوجه الثاني حصلت بتوفيق اللّه الطمأنينة و السكينة التي هي من اللّه و هي التي انزلها اللّه علي رسوله9 و علي المؤمنين و ان نظر الي سجين يعني مال الي جانب الجهل لما وقع التغالب بين الجندين و المقاتلة بين العسكرين فيوقع تلك المعصية فيخرج الملك الحامل لضد تلك المعصية و يجلس مكانه شيطان من الشياطين ثم اذا طلب العقل غذاءه و الجهل عاكسه لاجل غذائه و مال الشخص الي جانب الجهل و اوقع تلك المعصية فيخرج الملك و يجلس مكانه شيطان و لايزال يفعل هكذا الي ان‏تضعف جنود العقل و تقوي جنود الجهل و كثرت المعاصي و تقوّت النفس الامارة بالسوء و ارتفعت اللوامة و اطمأنت و سكنت في المعاصي الي ان خرجت الملائكة باسرها و بقي العقل وحيداً فريداً مستضعفاً حقيراً خائفاً فخرج منها خائفاً يترقب و هو قوله تعالي فاخرجنا من كان فيها من المؤمنين فماوجدنا فيها غير بيت من المسلمين و هو بيت العقل فاذا خرج العقل يكون البلد بلد الكفر و يستقر الجهل علي سرير السلطنة و الدولة و المكنة و يستولي علي جميع الاعضاء و القوي و الجوارح و تستخدمه الالات و الادوات و الجوارح الجسمانية فيفعل ما يشاء من المعاصي و السيئات و يحكم ما يريد من قبايح الخطيئات.

ازالة وهـم: لعلك تعترض علي قولنا بان العقل اذا خرج و خلي البدن من([78]) العقل جاء الجنون و اذا جاء الجنون ينقطع التكليف و التمييز مع ما نجد في الكفار من التمييز و الشعور والادراك ما تحير عنده اولوا العقول و الالباب، و الجواب ان العقل عقلان عقل هو ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان و هو النور المحض و هو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش و عقل يراد به التمييز المطلق و الذي يميّز بين الحق و الباطل و الجيّد و الردي و الحسن و القبيح و النور و الظلمة و المعني و الصورة و يرتب

 

«* شرح القصيدة صفحه 280 *»

الامور و يكشف عن دقايق([79]) الاشياء و ظواهرها فالذي قلنا انه يخرج و هو خائف يترقب و هو النبي الباطن رأّسه اللّه و بعثه علي البدن العالم الصغير الحاوي للعالم الكبير ليرفع عنه الاختلاف و يوضح له جوامع الاسماء و الصفات و يكشف عن صريح التوحيد الشهودي المقرون بصحيح الاعتقادات بواضح البينات و هو نبي مبعوث و شخص مخصوص لاثبات الوفاق و اظهار الاتفاق و رفع الاختلاف و هذا هو الذي اذا ضاق به الخناق ينهزم و يهرب فان الفرار مما لايطاق من سنن الانبياء و المرسلين و الصلحاء و الصديقين و الذي يبقي لاجل التكليف و اقامة الحجة و ايضاح المحجة هو العقل بالمعني الثاني فلاينافي ان‏يكون الكفار و اصحاب النار ذاشعور و ادراك و روية ولكنهم في عمي من مشاهدة الاسرار و ملاحظة الانوار قلوبهم في اكنّة ان‏يفقهوا المعارف الالهية و الاسرار الربانية و القرءان الجامع لجوامع البيان لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم اذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضلّ اولئك هم الغافلون و ليس المراد انهم لايبصرون المحسوسات و لايسمعون الاصوات و لايفقهون الامور الدنيوية بلي و هم كاملون في كل تلك الجهات و انما عدم الادراك و التفقه و الاستماع لمعالي الامور و مراتب العرفان و هو قوله تعالي بل طبع اللّه علي قلوبهم و سمعهم و ابصارهم و قال تعالي بل طبع اللّه عليها بكفرهم و بالجملة فالتميز موجود و النور مفقود و لذا لمّا سئل اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء عن العقل قال هو ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان قيل و الذي في الكفار و الفجار قال7 تلك هي النكراء و الشيطنة و هي شبيهة بالعقل و ليست بعقل هـ فافهم ما القينا عليك من الوجه الجامع و البيان النافع.

رجع الي التحقيق بطور انيق: فنقول ان الجهل لمّا استولي علي سرير القلب و انقطع تردد الملائكة و اختلافهم و فرّوا و هربوا و انهزموا و لم‏يبق لهم اثر و لا من عندهم خبر امتلأ القلب و الصدر و القوي و الجوارح من الشياطين المردة فانسوه ذكر اللّه بالمرة

 

«* شرح القصيدة صفحه 281 *»

و جنّبوه الطاعات و ورّطوه في مهاوي السيئات فليس في ذلك الشخص جهة يذكر اللّه سبحانه فيه فانقلبت المساجد كنايس و هدّمت الصوامع و خربت الكعبة([80]) القلب و انهدم المسجد الحرام الصدر المنشرح و خرب البيت المعمور و حُشِي بانواع الفسق و الفجور و امتلأت بالشياطين و استقر وزير الجهل و هو الشيطان الرجيم عن جانب اليسري من القلب المنكوس للشخص المعكوس و الرجس المركوس اعاذنا اللّه منه و هو قوله تعالي و من يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين و انهم ليصدّونهم عن السبيل و يحسبون انهم مهتدون حتي اذا جاءنا قال ياليت بيني و بينك بعد المشرقين فبئس القرين فاذا تمكنت الشياطين في هذا القلب المنحوس فاول ما اتصل به شياطين الارض الاولي ثم شياطين الارض الثانية ارض الطبع ثم شياطين ارض العادات و هكذا الي تمام الاراضي السبعة و هؤلاء الشياطين علي اختلاف مراتبهم بحسب استعدادهم في طبقات الارض التي قد سكنوا فيها يعلّمون هذا الشخص من السحر و الشعبدة و المخاريق و الحيل و سرعة الحركات ماتظهر بها خوارق العادات و يوهم المعجزات و الكرامات من علم السيميا و الريميا و الليميا و الهيميا و يساعدونه علي هذه الافعال القبيحة و الاعمال الشنيعة و الاطوار الباطلة و الاوطار المجتثة الزائلة ثم يبالغ هذا الشخص بزيادة الاتصال بالشياطين الذين هم تحت الارض السابعة السفلي لتلطيف ظاهره و باطنه بالرياضات الصعبة المستصعبة من انحاء الجلسات كجلسات الجوكية و هي عندهم اربعة و ثمانون جِلْسة لجميع ما يريدون من الاخبارات بالمغيبات و الاطلاع علي ما في الضمائر و ما يستقبل من الحوادث قالوا و العمدة فيها التي لابد منها خمسة جِلَسات بعد ان‏يجوع نفسه جوعاً مفرطاً فيشتغل حينئذ في مواضع الخلوات بحيث لايراه احد و في بدء الامر بالمجاهدة تنهدّ القوة و يضعف البدن قالوا فلا نبالي بذلك من شي‏ء لان اول زمان المجاهدة الصيف([81]) و الشتاء و في اخرها كالخريف و الربيع.

 

«* شرح القصيدة صفحه 282 *»

الجلسة الاولي لتقوية الكليتين([82]) و تنقية الظاهر و الباطن و هضم الطعام و جذب البرودة الساكنة في الاعصاب و المفاصل و هي ان‏يجلس متربعاً ثم يطوي رجله اليمني مع الساق علي فخذه الايسر و رجله اليسري علي فخذه الايمن و يجهد بالرفق و المداومة حتي يقدر علي ذلك و يصير عادة له من غير كلفة و هي المشكلة في البداية و اذا قدر علي ذلك قدر علي الجميع بالقدر و التدريج ثم يقوّم ظهره و يضع يديه منتصباً عضده متكئاً علي ركبتيه و ينظر الي السرّة دائماً و لايتحرك و لايلتفت حتي‏يظن كأنه شجرة نابتة علي الارض و يذكر و يقول هذه الكلمة دائماً بالقلب لا باللسان «الك» معناها اللّه عزوجل و هي مذكورة في كل جلسة فاذا وصل الي هذا المقام يحصل له ثلث خصال قلة الطعام و قلة الكلام و قلة النوم.

الجلسة الثانية ان‏يجلس كما ذكرنا اولاً و يجعل يده اليمني علي قفاه الي الكتف الايسر و كذلك اليسري علي الايمن و يدير رأسه في الجهات الاربعة من غير ان‏يحوّل وجهه ذاكراً بقلبه الكلمة المتقدمة و اذا اراد ان‏يسكن وضع يديه علي ركبتيه و يقوّم عضديه متكئاً عليهما و لايغفل عن ذكر القلب ابداً عسي اللّه ان‏يحصل له غيبه فان كان ذاكراً حاضراً شاهد من عالم الغيب اشياء تشوّقه الي زيادة العمل فان وصل الي هذا المقام حصل له اشياء في ظاهره بعد مشاهدة الغيب في باطنه و هي انقطاع عرق الجذام و البرص و الناسور و الباسور و الدق فهذه العلل التي لا دواء لها عند الحكماء و الاطباء فمن عمل هذا العمل ممن به شي‏ء من هذه العلل و يدوم بذلك تزول عنه و هو مشهور قالوا انه مجرب.

الجلسة الثالثة و هي ان‏يجلس كما ذكرنا في الاول و يدخل يديه بين الساق و الفخذ الي المرفق ثم يطلع يديه بقوة اليدين حتي يبقي معلقاً و لاينسي الذكر الذي تقدم فاذا حصل له هذا المقام قلّت عنه مادة الماء و التراب و كثرت فيه مادة النار و الهواء و هذا المقام المتوسط بين الملك و الانسان.

 

«* شرح القصيدة صفحه 283 *»

الجلسة الرابعة هي ان‏يجلس كما ذكرنا في الثالثة و يضع يديه علي قفاه شابكاً لاصابعه و لايترك الذكر المتقدم فاذا حصل له هذا المقام زال عنه الخوف و الجزع من الجن و الانس حتي لو انطبقت السموات علي الارض لم‏يخف و هذه مرتبة عظيمة عندهم.

الجلسة الخامسة و هي ان‏يجلس علي رجليه و يضع اولاً يديه علي الارض منصوبتين و يضع المفصل الذي بين ابهام الرجل و اصابعه رجله اليمني علي مرفقه اليمني و رجله اليسري كذلك علي مرفقه اليسري و يبقي معلّقاً علي قوة اليدين و لايترك الذكر المتقدم ذكره خاصةً في هذه الحالة فاذا حصل له هذا المقام و رسخ فيه و بالغ بحيث لايبات الليل في هذه الحالة يحصل له الطيران و يصير من جملة الارواح و بمثل هذه الاعمال الشاقة و الرياضات الصعبة يلطّفون البدن و يجفّفونه و يخفّفونه حتي يحصل لهم الاتصال بالشياطين الذين تحت الارض السابعة السفلي و فوقها و كلما يواظبون علي هذه الاعمال يكون اتصال الشياطين بهم اكثر و ازيد فكذلك كلما بالغوا في المعاصي التي ليس فيها حظّ للبدن كالزنا و اللواط و شرب الخمر و امثال ذلك بل المعاصي التي تميت القلب و تقسيه و تزداد الكفر و الشرك كالاستهانة بالقرءان و تنجيسه والعياذ باللّه و الاستخفاف به و الاستخفاف بالكعبة و كتابة القرءان بالاشياء النجسة كالدم و العذرات والعياذ باللّه و امثال ذلك لقد شاهدنا جماعة كانوا يفعلون ذلك لزيادة اتصال الشياطين بهم حتي يظهروا خوارق العادات و يموّهوا علي الناس انهم من سادة البريات و قد قال سبحانه في الذكر الحكيم و النبأ العظيم قل هل انبّئكم علي من تنزّل الشياطين تنزّل علي كل افّاك اثيم يلقون السمع و اكثرهم كاذبون و الشعراء يتّبعهم الغاوون الم‏تر انهم في كل واد يهيمون و الشعراء هؤلاء الافاكون و هم الذين يتبعهم الغاون لا الذي ينظم الكلام و يُحسنه باحسن النظام مع انهم لايتبعهم احد فالافّاكون الاثمون الذين يرتكبون كبائر الاثم و الفواحش من نوع ما ذكرناه هم الشعراء و هم منازل الشياطين و مأوي الابالسة الملحدين فالشياطين يفعلون لهؤلاء الملحدين الضالّين المضلّين من نوع ما يفعله الملائكة للعارفين الكاملين و المرشدين الواصلين

 

«* شرح القصيدة صفحه 284 *»

فيصعدون بهم الي جهة العلو لا الي الحد الذي يحرقهم الشهاب الثاقب اذا صعدوا لاستراق السمع و يمشون بهم علي وجه الماء فلايغرقون و لاتبتلّ اقدامهم لان الشياطين تحملهم و تخفيهم عن ابصار الناس باحاطتهم به و ترميهم من اعلي ذروة قلة الجبل فلايتأذون لان الشياطين ينزلون بهم و يدخلون النار فلايحترقون لان الشياطين تحيط بهم و قد اخبرني من اثق به و هو المعروف المشهور ان الغلاة الذين يرون الاستقلال لمولانا اميرالمؤمنين روحي له الفداء علي محمّد و عليه الاف التحية و الثناء و يرون انه اللّه الذي لا اله الاّ هو و امثال ذلك من الاعتقادات الباطلة الفاسدة اذا وُلد لهم ولد يرمونه من اعلي الجبل الي الارض فلايموت و لايصيبه جرح و لا اذية فيشتد بذلك اعتقادهم و يموّهون و يلبّسون علي غيرهم و تدخل الحيرة علي جماعة من الاخيار من فعلهم و لم‏يدروا انهم اذا القوه من ذروة الجبل تلقّته الابالسة و الشياطين و يضعونه علي الارض بلا مضرة تبين و هكذا ساير ما يفعلونه مما يموّهون به علي الناس كاخبارهم بما في الضمائر و اطلاعهم علي بعض ما في السرائر و اظهارهم للناس مخفيات([83]) الامور و اخراجهم مجنيات([84]) الكنوز و اشباعهم خلقاً كثيراً من رغيف واحد و دخولهم في النار و خروجهم من غير احتراق شي‏ء من اجسادهم و ثيابهم و هكذا جميع ما كانوا يفعلون اهل الحق باستمداد الملائكة يفعلون هؤلاء الارجاس الانجاس باستمداد الشياطين و انّ الشياطين ليوحون الي اوليائهم ليجادلوكم فيكثرون التصانيف و يأتون باشياء مموهة من الزخاريف و يبسطون في الكلام و يبالغون في النقض و الابرام و يأتون باشياء غريبة من المعاني مما يوحي اليهم من الشياطين من الصور المكتوبة و النقوش المرسومة في كتاب الفجار في سجين و يصورونها بعبارات محيرة تقرب الي القواعد المقررة لتلبيس الناس و تمويه الذي في صدره الوسواس الخناس انما يدعو حزبه ليكونوا من اصحاب السعير مثال هؤلاء و اهل الحق من اهل الباطن كالماء الصافي و البول الصافي فان في كل منهما تنطبع الصورة الاّ ان احدهما من عليين و الاخر من سجين فهؤلاء استمر

 

«* شرح القصيدة صفحه 285 *»

نظرهم في الوجه الثاني من وجهي القلب و اقتصروا في ملاحظة هذا الوجه فحصلت لهم فطرة ثانية مستقرة ثابتة بحيث لايلتفتون الي غيرها و ان كانت هي مجتثة زائلة في اصلها كما قال تعالي مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثّت من فوق الارض ما لها من قرار الاّ ان هذا الاجتثاث في اصل الشجرة من حيث هي الاّ ان نظرهم عليها ثابت و مشاهدتهم لها مستقرة فحصلت لهم في باطنهم الطمأنينة و السكينة و هذه هي السكينة التي ليست من اللّه و لم‏ينزلها اللّه علي اوليائه و لم‏يرضها لهم فاولئك هم الكفرة الفجرة و هذا انما تحصل لهم اذا لم‏ينظروا الي الفطرة الاولي الالهية اما اذا نظروا اليها بعد استقرارهم علي الثانية علي الوجه الذي ذكرنا جاءهم معني قوله تعالي و من يرد ان‏يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعّد في السماء لتعوّده بالثانية و عدم التمكن من النزوع عنها و ملاحظة الاولي و منافاتها مع الثانية فهم دائماً في ضيق و حرج و شدة و محنة في القلب اذ يأتيهم بالفطرة الاولي ما يقطعون بحقيته و الفطرة الثانية المغيرة تناقضها فلايقدرون الانفكاك عنها و الخروج منها فهم في شدة و عذاب و محنة و عقاب هذا في الدنيا و عذاب الاخرة اشد و اخزي و هو معني قوله تعالي و من اعرض عن ذكري فانّ له معشيةً ضنكاً مع ما نجد من الكفار مثل الافرنج و الروس في سلطنة و دولة و عيشة رغدة اما في قلوبهم عند النظر الي الفطرة الاولي في ضيق و حرج و اللّه سبحانه و تعالي اصدق القائلين و المخبرين.

فاما المؤمنون الكاملون و العارفون المرضيون و الحجب الصالحون فهؤلاء ليست لهم فطرتان بل بقوا علي الفطرة الاولي العليا و لم‏يتمكن منهم الشيطان حتي يأمرهم فيغيّروها كما وعد في قوله تعالي و لامرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه و فطرتهم واحدة و طريقتهم واحدة لان امر ربهم واحد ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرّتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير فهم رضوان اللّه عليهم في راحة و في جنة لايرون فيها نصباً و لا تعباً و اما اولئك المخذولون و عن نور الحق محجوبون الذين قد ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون اذ لم‏ينظروا الي الفطرة العليا الاولي فهم في ثبات و طمأنينة و سكينة و راحة ولكن هذه الراحة متاع الحيوة الدنيا

 

«* شرح القصيدة صفحه 286 *»

و هم في الاخرة هم الخاسرون تلفح وجوههم النار و هم فيها كالحون قل متاع الدنيا قليل فهم تابوت فيه سكينة ولكن هذه السكينة ليست من اللّه و لا الي اللّه و لا باللّه و لاتشملها عناية اللّه و لا تعمّها كرامة اللّه و لاينظر اليهم اللّه و لايزكّيهم و لهم عذاب اليم.

تنبيه فيه تحذيـر: يا اخي يا قرة عيني الحذر الحذر مهلاً مهلاً لايغرّنّك هؤلاء الخداعون و لايلبّسنّ الامر عليك اولئك الملحدون و لاتغترّ بمن تجد منه خوارق العادات و لا ما يشبه الكرامات و لا ما يوهم المعجزات لان هؤلاء اعداء الدين يريدون اضمحلاله بهذه الافعال المتشابهة و الاعمال المموهة بل اطلب الميزان ليدلّك بصريح البيان الي مقام العيان و يميّز بين الحق و الباطل و يفرّق بين الثابت و الزائل و اللّه سبحانه و تعالي في القرءان قال و اقيموا الوزن بالقسط و لاتخسروا الميزان  و الارض وضعها للانام فيها فاكهة و النخل ذات الاكمام و الحبّ ذوالعصف و الريحان فبأي الاء ربكما تكذّبان و قال سبحانه و زنوا بالقسطاس المستقيم و لاتبخسوا الناس اشياءهم و لاتعثوا في الارض مفسدين بقيت اللّه خير لكم ان كنتم مؤمنين فتمسك بالميزان و اطلب بقية اللّه فانه هو الميزان و ليس لي الان اقبال علي ازيد من ذلك من البيان لعل فيما بعد نجد مقاماً مناسباً لتمام البيان[85] ان ساعد القدر بامر مستقر و وافق القضاء بحكم الامضاء و حصل لي نشاط في الحال و يرفع عني تبلبل البال و تدفع عني الامراض المانعة من استقامة الحال و تنطفي عني نوائر الاشغال التي احرقت كبدي و اوهنت خلدي و اذهبت جلدي حتي اقوم عن ساق النشاط و اظهر من الاسرار ما يكاد سنابرقه يذهب بالابصار فهيهات هيهات رفع هذه الموانع عني و انا في تمني رفعها كما قال الشاعر:

الا ليت الشباب لنا يعود   فاخبره بما فعل المشيب

الاّ ان رجاءنا باللّه عظيم لانه سبحانه علي كل شي‏ء قدير و بالاجابة لمن دعاه جدير و ما ذلك عليه بعزيز.

عود في التحقيق بطرز رشيق: اعلم ان ما ذكرنا هو حال اصحاب السكينتين

 

«* شرح القصيدة صفحه 287 *»

السكينة التي هي من عند اللّه و السكينة التي هي من عند الشيطان و هما السكينة الرحمانية و السكينة الشيطانية و اما اصحاب التلوين فهم الذين لم‏يستقروا في حال و لم‏يستقروا في جهة بل يميلون مرة الي جانب العقل و اخري الي جانب الجهل مرة يقوّون الشيطان و اخري يسلكون سبيل الرحمن يتعارض نظراهما و لاينصبغون بصبغ الاّ و قدنزعوه عنهم و انصبغوا بصبغ اخر لايلبسون لباساً الاّ و قدخلعوه و لبسوا لباساً اخر ضد الاول فهم بتعارض الانظار لم‏يزالوا واقفين و لم‏يحصل لهم الترقي و لايصلون الي مقام اليقين و لايتصلون باولياء الشياطين و هم دائموا الحركة ولكنهم وقوف يقدّمون رجلاً و يؤخرون اخري كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً هؤلاء ان كان قلبهم قداستقر بالحق الاّ ان اعمالهم المعاكسة لمّا استقرت عليه قلوبهم اقعدتهم و علقت بهم ثاء الثقيل من الاعمال الغير اللائقة و الافعال المنافية و اتصلت بهم ميم المركز و ظهرت هاء الهبوط فهم في مقام الاعتقاد راقون اعلي الدرجات و في مقام العمل هابطون الي اسفل الدركات و هؤلاء هم الذين خلطوا عملاً صالحاً و اخر سيئاً عسي اللّه ان‏يتوب عليهم و عسي موجبة لان العلم يغلب علي العمل و الروح غالب علي الجسم فعند ردّ الفروع الي الاصول تصفو الجوارح  من مقتضياتها من دواعي النزول و يلحقون بابائهم الذين هم الاصول و هو قوله تعالي والذين امنوا و اتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذرياتهم و ماالتناهم من عملهم من شي‏ء و لولا سلاسل الاعمال و قيود الشهوات و الميولات و لوازم الانّيات و الماهيات التي اقعدتهم و قيّدتهم و منعتهم عن الصعود الي معالي الدرجات ولو وافق عملهم علمهم او طابقت شهوتهم معتقداتهم لكان هؤلاء ايضاً من اصحاب التمكين و اصحاب السكينة ولكن ريش الغراب قعد بهم عن اللحوق بمقام العقاب و الوصول الي رتبة الاحباب ولكن مآلهم الي النجاة و عاقبتهم الي الحيوة فنسأل اللّه حسن الخاتمة الكاشفة عن الفاتحة و ان كان قلوبهم غيرمستقرة و صدورهم غيرمنشرحة مااستمر نظرهم الي شي‏ء ما استقر عقيدتهم الي وجه بل مرايا قلوبهم و حقايقهم مضطربة متمايلة لاينتقش فيها شي‏ء و لاينطبع فيها امر و المنطبع ليس له حقيقة و لا اصل و يحسبون انهم علي شي‏ء الا انهم هم الكاذبون و هؤلاء متزلزلون

 

«* شرح القصيدة صفحه 288 *»

مضطربون همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم‏يستضيـئوا بنور العلم و لم‏يلجـأوا الي ركن وثيق فهؤلاء المقصرة([86]) الذين مااطمأنت نفوسهم و لا استقرت مرايا حقايقهم و قلوبهم فلو استقرت لادركت و ابصرت و انتقشت صور الحقايق فيها فادركت و استشعرت لكنها مالت و ما ثبتت فهم في دركات الهلاك نازلون و عن درجات النجاة مائلون اذ لم‏يثبتوا علي شي‏ء لا حق و لا باطل و عندهم ما يحصل به الاطمينان و التمكين و ان كان قلوبهم قاسية في اصل الفطرة كالاحجار الغاسقة التي لو استقرت و قابلت اشراق الشمس او ما يقابله لم‏يثبت فيها شي‏ء لانجماد حقيقتهم و خمود نار طويتهم لايستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلاً و هؤلاء هم المستضعفون الذين لا اعتبار بتصديقهم و لا بتكذيبهم و لايفيد نظرهم و لاينفع بصرهم و لايؤثر استمرارهم و لا استقرارهم فهؤلاء بعدُ لم‏تنضج طبايعهم و لم‏تعرف سرائرهم و لم‏يعلم ما هم عليه في اكوارهم و ادوارهم و اطوارهم و اوطارهم و هم المرجون لامر اللّه اما يعذّبهم و اما يتوب عليهم فهؤلاء مراتب اهل التلوين في اصل الفطرة.

تقسيـم: اصحاب التمكين و هم اصحاب السكينة علي قسمين تابع و متبوع فهم اربعة و اصحاب التلوين منهم خلطوا عملاً صالحاً و اخر سيئاً و منهم المقصرة المترددة في طغيانهم يعمهون و منهم المستضعفون الذين لايستطيعون حيلة و لايهتدون سبيلاً و قداخبر اللّه سبحانه عنهم في سورة التوبة قال عزّ من قائل السابقون الاولون من المهاجرين و الانصار و الذين اتبعوهم باحسان رضي اللّه عنهم و رضوا عنه و اعدّ لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابداً ذلك الفوز العظيم و ممن حولكم من الاعراب منافقون و من اهل المدينة مردوا علي النفاق لاتعلمهم نحن نعلمهم سنعذّبهم مرّتين ثم يردّون الي عذاب عظيم  و اخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً و اخر سيئاً عسي اللّه ان‏يتوب عليهم انّ اللّه غفور رحيم الي ان قال سبحانه و تعالي و اخرون مرجون لامر اللّه اما يعذّبهم و اما يتوب عليهم واللّه عليم حكيم اما السابقون الاولون من المهاجرين و

 

«* شرح القصيدة صفحه 289 *»

الانصار هم الحضرة المحمّدية صلّي اللّه عليها و من كان من سنخها و من حقيقتها هم السابقون الذين سبقوا الي كل خير و كل نور و هم في مقام التعين الاول كل ما سويهم تحت رتبتهم و هم سبقوا اولاً قبل كل سابق و هم اول المجالي و اول المظاهر و اليهم تنتهي النسب و الاضافات و عنهم يرتجي كل الخيرات هم الاولون بلا اخر و لا غاية و هم السابقون بلا نهاية و هم المهاجرون الذين خرجوا من بيت انّياتهم و ماهياتهم و سلبوا تعيناتهم و هاجروا الي ربهم بلا كيف و لا اشارة و لا جهة و لا عبارة فساروا فطاروا و داروا و شربوا و سكروا و وصلوا و اتصلوا فلا فرق بينهم و بين حبيبهم و هو قوله تعالي و من يخرج من بيته مهاجراً الي اللّه و رسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره علي اللّه و الموت هو الفناء و ذلك الفناء هو البقاء و هو السكر و ذلك السكر هو الصحو و هو المحو الذي هو الصحو و بالجملة هم الذين هجروا هجرة تامة ثم في سفرهم الرابع نصروا اللّه و نصروا امر اللّه و دين اللّه و عباد اللّه بان هدوهم الي اللّه و دعوهم الي اللّه و اخرجوهم من الظلمات الي النور و طهّروا بيت اللّه و اظهروا امر اللّه كما في الدعاء و بهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت.

و اما الذين اتبعوهم باحسان هم هؤلاء البررة الكرام الذين اشار اليهم الناظم سلمه اللّه تعالي و ايده بتقويه و اخذه بهويه الي رضاه في الابيات المصدرة بهذا و هذا و هم ابواب الباب و جنب الجناب و الذين فصّلت ذكرهم في هذه الاوراق هم الذين اتبعوهم باحسان و هم قسما اهل التمكين اهل الطمأنينة و السكينة الالهية من المتبوعين و التابعين و هم الذين رضي اللّه عنهم و رضوا عنه الي اخر ما اعدّ لهم من الثواب و اما الذين حولكم من الاعراب الذين هم اشدّ كفراً و نفاقاً و اجدر الاّيعلموا حدود ما انزل اللّه و انما قال «حولكم» لانهم دخلوا البيوت من ظهورها و هؤلاء حولكم لانهم غمسوا في بحر الطغيان و سلكوا مسلك اهل البغضاء و الشنـئان و كل ذلك من اقتضاء([87]) الماهيات و دواعي الانّيات و هي حول الوجود و المستمدة منه في الغيبة و الشهود و

 

«* شرح القصيدة صفحه 290 *»

الذين مردوا علي النفاق فالنفاق هو المراد بهم المنافقون الاولون المعرضون المدبرون عن نور الحق و هم الذين قال تعالي المنافقون في الدرك الاسفل من النار انما سماهم نفاقاً للمبالغة كما يقال زيدٌ عدلٌ و الذين مردوا علي النفاق هم اهل الشقاق الذين ذكرتهم و فصّلتهم و بيّنت احوالهم و ابنت اقوالهم و احوالهم سابقاً و انفاً و هم التابعون و الاولون هم المتبوعون و هم اهل السكينة و التمكين ولكنها من الابالسة و الشياطين كما ان الاولين سكينتهم من عند اللّه رب العالمين.

ثم اشار سبحانه و تعالي الي اهل التلوين فابتدء بالاولين منهم و قال سبحانه و اخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً و اخر سيئاً و هم اصحاب التلوين الذين ذكرنا ان قلوبهم مستقرة و بواطنهم ثابتة علي الحق الاّ ان اعمالهم المنافية اقعدت بهم عن الترقي الي تلك الدرجات و قال اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء في الدعاء الذي ترجمه بالعربية من دعاء الخضر و فيه اللهم عظم بلائي و افرط بي سوء حالي و قصرت بي اعمالي و قعدت بي اغلالي و حبسني عن نفعي بعد امالي و خدعتني الدنيا بغرورها و نفسي بخيانتها و مطالي يا سيدي و هؤلاء و ان كانوا من اهل التمكين لكن منعتهم ثاء الثقيل عن الوصول الي مسكنهم و البلوغ الي مأمنهم فهم في الطريق اخذهم قطّاع الطريق و يوشك ان‏توصلهم العناية الالهية الي خير غاية و اليهم ايضاً يمكن الاشارة في قوله تعالي و من يخرج من بيته مهاجراً الي اللّه و رسوله ثم يدركه الموت فقد وقع اجره علي اللّه و هؤلاء ايضاً قدخرجوا من بيت انسهم و مأوي نفوسهم هائمين و الي جناب الحق طالبين و الي حضرته مشتاقين و قد منعهم ابليس اللعين و ساعدته الشهوات و الميولات التي هي من اقتضاء الماهيات و تلقّتهم الشياطين فاعتراهم داء دفين.

لعلك تعترض و تقول العارفون باللّه كيف يعصون لان الذي عرف شيئاً اما احبه غاية المحبة او اعرض عنه و ابغضه و اما ماعدا ذلك فلايتعقل بل و لايتخيل، و الجواب ان العارفين باللّه علي قسمين منهم اصحاء في الباطن و في الظاهر ابدانهم نشيطة للعبادات و قلوبهم معلقة ببارئ السموات و سامك المسموكات و حرارة المحبة في

 

«* شرح القصيدة صفحه 291 *»

قلوبهم كامنة و اثارها و لهبها في الجوارح ظاهرة جفّفت رطوبات مزاجهم و اخرجت المواد الفاسدة من كينوناتهم فاعتدلت طباعهم و صفي مزاجهم و رجح ميزانهم فاتبعت تلك القلوب الجوارح و الاعضاء و بقيت تعبد اللّه و تدعوه في السرّاء و الضرّاء لايفتر عن العبادة و لايتعب في الطاعة مستحضرون الحق سبحانه في كل حال و يشاهدونه بلا انقطاع و لا زوال و اوردوا انفسهم موارد الفناء و الاضمحلال و هم يسبّحون بحمده بالغدوّ و الاصال و هم الذين عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون و هؤلاء هم الاصحاء من العارفين الكاملين الامناء و من العارفين مرضي و هم اناس ظهرت المعرفة في قلوبهم و سرائرهم و امتلأت بها افئدتهم و حقايقهم ولكن نفوسهم قد بقيت فيها بقايا من اثار الجهل و بقايا ظلمات من اثاره فتلك الظلمة و ان كانت قلّت و ضعفت و خرجت النفس من كونها امارة بالسوء ولكنها سرت فيها سريان المواد الفاسدة في جوارح الانسان و اورثت امراضاً مزمنة في ذلك البنيان فهو حي لكنّه مريض و مرضه في نفسه و في مشاعره و قواه و كينونته فاذا اقترف معصية و دعت النفس اليها عرف الشخص لما فيه من النور في القلب ان هذه معصية و هي خلاف محبة اللّه ولكن النفس لما بها من ثقل الامراض المزمنة فيها ما تتمكن من النهوض و الهرب([88]) منها فتقارف المعصية والعياذ باللّه و هي كارهة لها غير محبة اياها فاذا اقترفتها و ارتكبتها تحسّ بالمها و تندم و تستغيث كالمريض الذي لم‏يقدر علي النهوض و الحركة و تأتيه افعي و هو يعلم انها تلدغ لكن لايمكنها النهوض و الهرب([89]) منها و هي مطروحة الي ان‏تأتي و تلدغه ثم يصيح المريض و ينادي و يستغيث و هذا مثال ذلك بعينه فافهم ضرب المثل و لذا قال تعالي خلطوا عملاً صالحاً و اخر سيئاً عسي اللّه ان‏يتوب عليهم قال مولينا الصادق عليه الاف التحية و الثناء من الملك الخالق انّ عسي في هذه الاية موجبة يعني يجب علي اللّه علي حسب وعده و تفضله ان‏يتوب عليهم و هو سبحانه ارحم‏الراحمين و اكرم‏الاكرمين غفارالذنوب ستارالعيوب يا نور النور

 

«* شرح القصيدة صفحه 292 *»

و يا مدبّر الامور اَفِض علينا من نورك و انظر الينا بعين عنايتك و لاتجعلنا ملقي بين يدي عدوّك يا غفار يا ستار.

و اما القسم الثاني من اصحاب التلوين فهم المقصرة فقد ادخلهم اللّه سبحانه مع التابعين من اهل السكينة في التوبيخ و العذاب و هو قوله تعالي و من اهل المدينة مردوا علي النفاق و قوله تعالي سنعذّبهم مرّتين لانهم الضالّون المضلّون فمرة لضلالة انفسهم و مرة لاضلالهم غيرهم و هو قوله تعالي و ليحملنّ اثقالهم و اثقالاً مع اثقالهم و ليسئلنّ يوم القيمة عما كانوا يعملون و لاينافي قوله تعالي و لاتزر وازرة وزر اخري لان ذلك ايضاً من اوزارهم لانهم قالوا للذين امنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم و هم اتبعوا سبيلهم تلك خطايا بدعتهم التي ابتدعوها لانهم قالوا كما اخبر اللّه سبحانه و قال الذين كفروا للذين امنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ثم قال سبحانه و ما هم بحاملين من خطاياهم من شي‏ء انهم لكاذبون و ليحملنّ اثقالهم و اثقالاً مع اثقالهم اما الذي مايحملونه من خطاياهم فهو خطيئة المتابعة و هي التي يستغيثون منها يوم القيمة و يقولون انّا اطعنا سادتنا و كبراءنا فاضلّونا السبيلا ربنا اتهم ضعفين من العذاب و العنهم لعناً كبيراً و قال تعالي لكل ضعف ولكن لاتبصرون فبالجملة هم يحملون اثقال البدعة و اثقال حملهم اياهم تلك الخطيئة و الحاصل قوله تعالي سنعذّبهم مرّتين يريد به النوعين لا مرتين بالعدد فانّ لهم عذاباً من اللّه مرات و مرات و مرات لايقضي عليهم فيموتوا و لايخفّف عنهم من عذابها و هم فيها مبلسون ملعونون ناكسوا رءوسهم و هم يصطرخون فيها و قوله سبحانه و تعالي لاتعلمهم نحن نعلمهم فالمراد  من هذا العلم العلم الذي يظهر اثاره فان العلم علي قسمين علم بشي‏ء يتفرع عليه جميع اثاره و هذا هو العلم التام كما اذا علم الحاكم بالبينة او بعلمه من نفسه بثبوت حق علي اخر يحكم بما علم و يأخذ الحق من الذي عليه و كذا اذا علم بوجوب حدّ علي شخص فانه يحدّه و اذا علم بارتداد مرتد يجري عليه حكمه من قسمي الارتداد و هكذا كل من علم شيئاً يجري مقتضي علمه ولكن هنا علم اخر حكم اللّه سبحانه علي عدم اجراء مقتضاه عليه كما ادّب نبيه9 و قال و لاتكن للخائنين خصيماً و قال ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك فاعف

 

«* شرح القصيدة صفحه 293 *»

عنهم و اصفح و شاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل علي اللّه و امثالها من الايات التي ادّب بها نبيه9 في السلوك مع منافقي قومه فهو9 يعلمهم و يطلع عليهم ولكن لايجري عليهم مقتضيات ما يعلم منهم بل كان يكتفي منهم بمجرد اظهار الكلمتين و اما قلوبهم فلايسألهم عنها و ان كانت مملوة غيظاً و حنقاً وقد قال9اني امرت ان‏اقاتل الناس حتي يقولوا لا اله الاّ اللّه محمّد رسول‏اللّه9 و لم‏يرد منهم ازيد من القول شيئاً و قال زين‏العابدين و سيدالساجدين عليه الاف التحية و الثناء من اللّه رب العالمين في دعاء السحر في شهر رمضان اللهم ان قوماً امنوا بالسنتهم ليحقنوا دماءهم فادركوا ما امّلوا و انّا امنّا بالسنتنا و قلوبنا فادركنا ما امّلنا و ثبّت رجاءك في صدورنا الدعاء فكان رسول‏اللّه9 يعلم لكن مايجري مقتضي علمه عليهم فحيث انه سكت عنهم كأنه لم‏يعلمهم و قد اشار سيدالساجدين في ذلك الدعاء الي هذا النوع بقوله روحي له الفداء فبحلمك امهلتني و بسترك سترتني حتي كأنك اغفلتني و من عقوبات المعاصي جنّبتني الدعاء.

فان قلت فعلي هذا فاللّه سبحانه و تعالي مااجري مقتضي علمه عليهم فكيف نسب العلم الي نفسه و نفي عن نبيه9 و الحالة واحدة، قلت هذا الكلام من اللّه سبحانه و هذا البيان و الاعلام لنبيه9 من اجراء مقتضي علمه و لايلزم اجراء ذلك المقتضي في جميع الحالات لحكم و مصالح يضيق لذكرها الاحصاء فضلاً عن الاستقصاء فكيف لايعلمهم رسول الله9و هو عالم بجميع القرءان تفسيره و تأويله و ظاهره و باطنه واللّه سبحانه و تعالي يقول و فيه تفصيل كل شي‏ء  و فيه تبيان كل شي‏ء و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين و كل شي‏ء احصيناه كتاباً و كل شي‏ء احصيناه في امام مبين اذا كان كل شي‏ء في الكتاب و رسول اللّه9عنده علم الكتاب فاي شي‏ء يشذّ عنه لا واللّه لايشذّ عنه شي‏ء و هو المحيط بعلم ما كان و مايكون مما دخل في خزانة من الخزائن الغيبية فان اللّه سبحانه و تعالي ذكر في محكم كتابه فقال عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول و هو9المرتضي من الرسل و هو الرسول المرتضي و قال تعالي و ما كان اللّه ليطلعكم علي الغيب ولكنّ اللّه يجتبي من

 

«* شرح القصيدة صفحه 294 *»

رسله من يشاء و هو الرسول المجتبي و اي مانع للّه سبحانه ان‏يعلم نبيه9 علم كل شي‏ء اوجده و جعله في خزائن الغيب و الشهادة من قوله تعالي و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزّله الاّ بقدر معلوم هل لضعف في قدرة اللّه او لقصور في قابلية رسول‏اللّه9 و عدم تحمله لما في الامكان او ان اللّه سبحانه بخل عليه هذا الكمال او هو لم‏يطلب من اللّه ذلك او ما كان يعلم ان طلب العلم كمال و العلم بالشي‏ء خير من الجهل به او ما كان يطلب من اللّه كل خير و نور اما كان يعلم ان العلم خير و نور اما كان كل حادث مظهر اسم من اسماء اللّه دالاًّ علي نوع من قدرته سبحانه و جلاله و جماله أليس رسول اللّه9 مظهراً لجميع الاسماء و الصفات الالهية و هل يوجد اسم ماجمعه و لا حمله و لا كان مظهره9أليس سبحانه قال سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم أليست الايات جمع مضاف يفيد العموم الاستغراقي اما اري اللّه سبحانه جميع هذه الايات نبيه9 و قد اري فرعون اياته كلها كما قال تعالي و لقد اريناه اياتنا كلها فكذّب و ابي اما كان رسول اللّه9صعد في المعراج و سار في جميع الخزائن و وقف علي جميع الذرات في جميع الحالات من مبدئها الي منتهاها و وقف علي كل شي‏ء حين خلق اللّه سبحانه اياه اما كان نبياً علي العالمين أليس العالمون هم الذين كان اللّه سبحانه ربهم في قوله تعالي الحمد للّه رب العالمين و كذلك قال تعالي تبارك الذي نزّل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً  أليس النذير يعلم المنذرله و النبي يعلم من ارسل اليه و ان كان لم‏يعلمه كيف يكون نبياً و كيف يؤمر مع‏ذلك ان‏يبلّغ و كيف يأمره اللّه سبحانه بالتبليغ و هو يقول ياايها الرسول بلّغ ما انزل اليك من ربك فكيف يبلّغ من لم‏يعرفه.

ان قالوا ان التبليغ و التكليف فرع الشعور و العقل و الادراك و هي مفقودة في غير الانس و الجن و الحيوانات فقد بيّنّا قبل ذلك ان كل شي‏ء له ادراك و شعور و اقمنا عليه براهين قطعية و ذكرنا ايات كثيرة كالروايات و الادعية و ذكرنا دعاء ام‏ملدم المشهور ان النبي9 علّمه اميرالمؤمنين للحمّي و ام‏ملدم اسم من اسمائها ياام‏ملدم ان كنت امنتِ باللّه فلاتأكلي اللحم و لاتشربي الدم و لاتفوري من الفم و انتقلي الي من يزعم ان مع اللّه الهة اخري فاني اشهد ان لا اله الاّ اللّه و اشهد ان محمّداً عبده و رسوله  فاذا كان هذا حال

 

«* شرح القصيدة صفحه 295 *»

الحمي التي عندهم عرض من الاعراض فما ظنك بغيرها من ساير الاعراض و الجواهر و العلويات و السفليات و هل‏ينكر هذه الامور الضرورية و الاشياء التي قامت علي اكثرها ضرورة الاسلام و اجتمع عليه المسلمون فتبّاً لهم و سحقاً ما لهم كيف يحكمون أفلايبصرون ام علي اللّه يفترون واللّه سبحانه يقول و قوله الحق قل فللّه الحجة البالغة و اي حجة اعظم من رسول اللّه9 و اي نقص اعظم من الجهل و اي كمال اشرف من العلم به يعرف اللّه و به يعبد و به يعظم و به يكبر و به ينزه و به يقدس و العلم معرفة اثار قدرته و اثار قدرته ظاهرة في مصنوعاته فمن العجب كيف يكون التعين الاول و النور الازل غيرمحيط بباقي التعينات و مهابط الفيوضات و مجالي التجليات لانها به تحققت و بظهوره تذوتت و بنوره تشيّئت و من نوره تكوّنت و بوجهه و الي وجهه اقبلت و بظلّ عكوسات اثاره ادبرت و بفاضل ظهوره ظهرت قالت اليهود يد اللّه مغلولة غلّت ايديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء فمن انكر علمه9بالاشياء المكونة الموجودة دقيقها و جليلها و خطيرها و حقيرها و عسيرها و يسيرها و ظاهرها و باطنها و سرّها و علانيتها و شاهدها و غائبها و كيل الماء في البحار و قدر الهواء و النار و وزن الارض و السموات و عدد قطرات الامطار و عدد الرمال في البراري و القفار و عدد الاشجار و الاحجار و عدد كل ما يحويه الليل و النهار و عدد النجوم و الكواكب و عدد المشارق و المغارب و عدد الملائكة المسبحات و عدد الملائكة المقدرات و عدد الملائكة المقسمات و عدد الملائكة المعقبات و عدد الملائكة الحافظات و عدد الملائكة الحاملات و عدد الملائكة الجاريات و عدد النجوم في الكرسي و عدد اشبار([90]) العرش و السرادقات و عدد ما حويه اللوح من ذرات الكائنات و عدد ما جري القلم بانحاء الافاضات فقد اخطأ خطأً فاحشاً كيف و هذه الاشياء تحققت بالولاية التي هو9بنفسه7 حاملها واللّه من ورائه محيط و قدقال البوصيري و اجاد و افاد بقوله في القصيدة الميمية المشهورة:

 

«* شرح القصيدة صفحه 296 *»

و ان من جودك الدنيا و ضرّتها   و من علومك علم اللوح و القلم

فاذا كانت الدنيا و الاخرة من بعض جوده و نواله و علم اللوح و القلم من بعض علمه فما عسي ان‏يقول قائل او يتكلم متكلم و ما عسي ان‏ينفيه و يثبته فاني للقطرة و الحكم علي البحر المحيط التيّار المغطمط المتلاطم و هي قطرة حقيرة ضعيفة و اين الثريا من يد المتناول ثم اجمل في المقال و ابان عن حقيقة الحال بقوله:

دع ما ادعته النصاري في نبيهم   و احكم بما شئت مدحاً فيه و احتكم

ثم اشار سبحانه و تعالي الي القسم الثالث من اهل التلوين فقال عز من قائل والمرجون لامر اللّه اما يعذّبهم و اما يتوب عليهم و هؤلاء المرجون هم الذين اخبرتك بهم من اناس مانضجت حقايقهم و لاتحققت سرائرهم فكان يقول([91]) شيخنا اعلي‏اللّه مقامه ان قلوبهم ماخلقت بعد و مراده اشاد اللّه شأنه و عظّم برهانه ان اجمالهم ماتفصّل و ابهامهم ماتبيّن لان كينونتهم مريضة و افئدتهم غيرصحيحة و معني ذلك ان نطفتهم ماصارت علقة و علقتهم ماصارت مضغة و عظامهم ما كسي لحماً و هؤلاء مؤخر امرهم و الحكم بايمانهم و كفرهم الي ان‏يتبين امرهم و يظهر شأنهم و يثبت ايمانهم او طغيانهم ليجري عليهم ما قدّر لهم علي مقتضي علمه سبحانه في بدء شأنهم في الغيب و هو سبحانه بكل شي‏ء عليم و علي كل شي‏ء قدير و هذا الذي ذكرناه و اجملناه و فصّلناه هو حكم صاحب التمكين اي السكينة و التلوين علي حسب الظاهر و في الظاهر التلوين مقدم علي التمكين و التمكين هو الاصل و عليه المدار.

و اما عند اهل الحقايق و الاسرار و العارفين الكاملين من اهل الانوار فالتمكين هو الذي ذكرنا لك من قطع العارف الكامل و المرشد الواصل الاسفار الاربعة و بعد ذلك تمكن و ثبت و قددخل في الباب الملكي و ليس له عن هذه الغاية مغيّر كما قاله اميرالمؤمنين7 ولكن الممكن لايقف و ليس له حدّ الوقوف و لا له علي مقام عكوف و هو دائماً يحتاج الي المدد الجديد و دائماً يفتقر الي الافاضة الجديدة و يتحرك بالحركة

 

«* شرح القصيدة صفحه 297 *»

الجوهرية فلا سكون لتلك الحركة و لا وقوف لذلك السير و هو دائم الاستمداد و الواقف بباب المدد علي حسب الاستعداد فاين الوقوف و اين التمكين و لذا قلنا ان الامكان ليس فيه جامد و هو بما هو عليه مشتق لا جمود و لا خمود لا في الذوات و لا في الصفات و لا في الحقايق و لا في الجهات و لا في النسب و الاضافات و لا في الحدود و التعينات و لا في المعاني و الالفاظ و العبارات و لا في الاوضاع و الموضوعات و ما سمعته من اهل النحو ان اللفظ اما جامد او مشتق فذلك([92]) علي ظاهر الكلمات من حيث تقسيم الموجودات الي وجود و تعينات فاذا لاحظ التعين من حيث هو جاء الجامد و ظهر الماء الراكد و هو في حال ركوده جار و في حال جموده مشتق ذائب فهو في حال ركوده جار و في حال جموده ذائب سار و في وحدته متكثر و في كثرته متوحد و الي هذا المعني اشار رأس الجالوت اعلم علماء اليهود و سأل مولانا الرضا عليه الاف التحية و الثناء و قال يا رئيس المسلمين ما الواحد المتكثر و ما المتكثر المتوحد و ما الجار المنجمد و ما الناقص الزايد فاجاب7 و قال ياابن ابيه اي شي‏ء تقول و ممن تقول و لمن تقول و بمن تقول بينا انت انت صرنا نحن نحن و هذا جواب موجز الخ فكل شي‏ء زايد و حين([93]) الزيادة ناقص اذ يأتيه مدد و يذهب عنه ماكان اولاً الاتري الانسان اذا مااكل يومين كيف يضعف و ينحل جسمه فلولا انه يذهب منه ماكان كذلك انظر الي السراج كيف يأتي اليه شي‏ء و يذهب منه شي‏ء فهو يزيد دائماً بالدهن المكلس و ينقص دائماً بما عنده من الذاهب و كذلك هو جار منجمد هو شي‏ء واحد تشير اليه باشارة تميزه عن ما عداه و هو جارٍ يمرّ مرّ السحاب و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمرّ مرّ السحاب فالامكان لايقف علي حدّ فلايحصل له التمكين و مقام يتمكن به و هو دائم في التلوين و تجدد الحالات و تغير في الصفات تأتي اليه اشياء و تذهب عنه اشياء و كل آن ينصبغ بصبغ من صبغة اللّه و من احسن صبغة من اللّه و هو معني قول اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء من الرب الاعلي في جواب

 

«* شرح القصيدة صفحه 298 *»

الجاثليق([94]) لمّا سأله عن الشي‏ء و نصف الشي‏ء قال7 اما الشي‏ء كافر مثلك و اما نصف الشي‏ء فمؤمن مثلي فافهم الكلام و علي من يفهمه السلام.

تجلّي سبحانـي: هذا الذي ذكرنا هو حال عامة الموجودات من اهل التمكين و التلوين و هنا مقام خاص باهل السلوك من اولياء اللّه و سلاّك سبيل اللّه و السائرين الي مقامات اللّه و السالكون اذا صعدوا عن ظاهر ما عليه الناس من اهل الجمود و الخمود و اصحاب القيود و الواقفين في مقام الخصوص مع التفكر و التدبر و السلوك المقرر تظهر له حالات و صور و حقايق يظن انها مقام الوصول و لم‏يزل ينتقل بالصعود من عالم الي عالم و من مقام الي مقام يتلون بلون ذلك المقام و ينصبغ بصبغه فتظهر له حالات متجددة متغيرة متلونة و لم‏يزل في هذه الاحوال و الدرجات الي ان‏يقف في المقام الاعلي و يصل الي الموطن المعروف و المسكن المألوف فيتمكن في الوقوف و تذهب عنه تلك الحالات المتجددة المتغيرة الظاهرة له في سيره و سفره لانه مقدمات فجاءت النتيجة و تلك صور و ظهرت الحقيقة و تلك معاني تبينت منها الدقيقة فهو مستقر متمكن واقف و باسرار الحقايق عارف و من بحر المعارف غارف و بتلك الصفات الذاهبة غيرمقارف و للاسرار الالهية واصف و باطوار الملك و الملكوت مطلع واقف و هذا هو صاحب التمكين بوصوله و السالك صاحب التلوين لانه في اثناء سيره و الاول اذا طرقت سمعه مظاهر تلك المعالم و الاطلال لايتزلزل و لايضطرب و لايحصل معه وجد و ليس هو من التواجد بل هو واصل من اهل التمكين و الوجود و هي في تلك المعالم و الاطلال متفيئ بفي‏ء تلك الظلال متّكئ علي ارائك الوصال و جالس علي سرير الاقبال و هو كالجبل لاتحركه العواصف و لاتزيله القواصف و اما الثاني اذا سمع شيئاً مما يشعر([95]) بظهور تلك المقامات التي هو متشوق اليها و ساير اليها سالك سبيلها مترقب الوصول اليها يهتزّ و يضطرب و يميل و يميس و يخفق قلبه و يضطرب لبّه و تتحرك اعضاؤه و جوارحه شوقاً الي تلك المنازل و توقاً الي تلك المراحل اذ هي منازل

 

«* شرح القصيدة صفحه 299 *»

المحبة و مراحل المودة و منتهي مني المشتاقين و غاية مراد المريدين و منتهي همم القاصدين فتحنّ اليها حنين الطير الي وكره و حيث انه ليس من اهل الوصال و بينه و بينها منازل و مراحل و لذا تجده يتحرك حركات من غير شعور و لا روية اذ غاية نظره الي المحبوب و هو يريد الوصول اليه و لايتمكن منه فيضطرب اضطراباً و يحترق اكتــئاباً اذ لايسمع من المحبوب جواباً و لا خطاباً فهو يصيح و يشهق و قلبه يخفق و فمه من شدة حرارة الحب الظاهرة في الاعضاء يزبد و هو من رحيق الحبّ مسكر و هذه حالته الي ان‏يرجع الي نفسه و يحلّ في رمسه و يعدل عن مقام انسه فيستشعر مقامه و يعرف مرامه و يعلم انه في السلوك و المنزل قريب و المحب غيربعيد و قد قال سيدالساجدين في دعاء السحر و ان الراحل اليك قريب المسافة و انك لاتحتجب عن خلقك الاّ ان‏تحجبهم الامال دونك فان الامال هي طرق الوصول باسباب القبول و الابواب للدخول علي كل مرجوّ و مأمول واللّه سبحانه ولي الهداية في البداية و النهاية.

حقيقـة دقيقـة: هذا الذي ذكرناه من حكم التلوين و التمكين هو ما عند العارفين المتوسطين اصحاب التواجد و الوجد و الوجود المرتبط بالاثنين و هو كما ذكروا و الحق كما سطروا ولكن هنا دقيقة انيقة و هي ان الواصل اذا وصل فعند وصوله لايحيط بجميع التجليات و ان كان هو ذاهلاً عن التجلي و المتجلي و المتجلي‏له من حيث هو كذلك و انما نظره علي نور موجود و ظلّ ممدود و ماء مسكوب من غير الالتفات الي النور و الظلّ و الماء و هو قول اميرالمؤمنين في السؤال عن الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة محو الموهوم و صحو المعلوم و هتك الستر لغلبة السرّ الحديث فلايزال يتجلي له الجبار طوراً بعد طور فيتجلي له بحكم المحو و الصحو الي ما لا نهاية له و لا غاية لهذا السير و لا لهذا التجلي و هو قوله تعالي في الحديث القدسي كلما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية.

وصــل: و لمّا بيّن الناظم اجزل اللّه احسانه و اكرامه من رحمته الواسعة بعض صفات الاستار الباطنية و هم الرجال و هم البيوت و هم الاستار و هم الحجب و هم الكتب اشار الي وصف اخر اعظم و تعريف اقوم فقال غشّيه اللّه برحمته:

 

«* شرح القصيدة صفحه 300 *»

هذا الغشاء به تغشّت سدرة   للمنتهي و غداً عليها يُسدل

اقـول: هذا البيت ظاهره لا غبار عليه و لا خفاء فيه و نحن شرطنا ان‏نذكر ما لم‏يذكروه و نسطر ما لم‏يسطروه لان المذكور مذكور فلا فائدة في صرف الهمة في ذكره ثانياً اذ ليس قصدنا اكثار الكلام و اظهار الفضل بل مرادنا بثّ الحقايق و اظهار الدقايق و الاسرار التي انعم اللّه سبحانه علي عبده الفقير الحقير الغير المستحق لان الناس حصل في طبيعتهم نضج و اعتدال بحيث اذا انصفوا و لم‏يعاندوا و لم‏يجحدوا[96] يعرفون حق[97] المراد و يفهمون علي قدر ما عندهم من الاستعداد و لايضيع عندهم شي‏ء من المراد و ان كان اكثر الناس اهل الفساد و اغلبهم اهل العناد لايصغون الي كلام و لايلتفتون الي المقصد و المرام معرضين عن نور الحق ناكبين عن جادة الصدق ولكن حيث ان فيهم ولو قليل من يعرف هذه المقامات و يوشك له الوصول الي تلك الدرجات احببت ان‏اودع تلك الحقايق و الاسرار في طي هذه الاسطر و الاوراق لاولئك القليلين و من يأتي بعدهم من الاخرين و اري اعلام الموت خافقة و الوية المنايا مرفرفة و اخاف ان‏يدركني الموت قبل ان‏اظهر ما استودع في قلبي من العلوم و الاسرار التي اُذن لي بالبيان و امرت بالاظهار و الاعلان فيجب ان‏اكتبها اغتناماً للفرصة قبل الموت و الفوت نسأل اللّه حسن الخاتمة الكاشفة عن الفاتحة.

فنقول قوله سلّمه اللّه تعالي هذا الغشاء فالمراد به هذا الستر المرسول الي القبر المكرّم المعظّم المفخم و القبر ستر للجسد الشريف و العنصر اللطيف و هذا اشارة لاهل البشارة من ان هذا الستر هو ستر الستر و الحجاب هو حجاب الحجاب فالغشاء هم الرجال الموصوفون المذكورون سابقاً من انهم النقباء و النجباء و الصديقون الشهداء و السدرة المنتهي شجرة في اعلي الجنة و هو منتهي ما تصل اليه الاوهام و الافكار و التخيلات و التعقلات من عالم الصور انما كانت هذه السدرة لانها متوسطة بين عالم الوحدة و عالم الكثرة فالرأس المتعلق بعالم الوحدة ضيق لقربه الي الوحدة و الذي

 

«* شرح القصيدة صفحه 301 *»

متعلق بالكثرة متسع لظهور الكثرة و خفاء الوحدة و قديطلق عليها ورق الاس مكتوب علي اوراق هذه السدرة لا اله الاّ اللّه محمّد رسول اللّه و خلفاؤه اولياء اللّه علي نحو المكتوب في الهامش([98]) و هذه السدرة لها مقامان مقام في السلسلة العرضية و مقام في السلسلة الطولية اما مقامها في السلسلة العرضية فهي ما بين العقل و النفس و هذه الرتبة تسمي الروح و الرقيقة و ورق الاس و السدرة([99]) اما الروح فمن حيث ان طبيعته طبيعة الهواء فان العقل نور ابيض و البياض طبعه البارد الرطب و قداجمع الطبيعيون علي ان كل بارد رطب لونه البياض و العقل لمّا تنزّل من عالمه و قشوره و ظواهره حصلت الحرارة من جهة الحركة الكونية و الرطوبة الحاصلة من الميل الي الاسفل باقية فصارت طبيعة هذه الرتبة حارة رطبة و هي طبيعة الهواء و لمّا كان الريح هو الهواء المتحرك و هذه الحقيقة دائمة الحركة لانها دائماً تأخذ الفيض و المدد بالوجه الاعلي و تفيض الي النفس بالوجه الاسفل و هي متحركة دائماً فناسبت([100]) ان‏تسمي الريح ولكن قلبت الياء واواً لبيان ان الواو هي الستة التي خلق اللّه سبحانه الكون فيها و هي العدد التامّ و هي مقام الواحدية مقام الاجمال و الوحدة ولكنها منشأ لظهور الكثرات التفصيلية و حيث([101]) ان مراتب الواو انما تفصلت في النفس لان كلما فيها من اطوار الكثرات و شئون الانيات كلها تنتهي الي الواو و من هذه الجهة اقترنت الواو في الهاء في هو لكنها تأخرت عن الهاء بخلاف الواحد فان الواو اقترنت بالاحد فظهر الواحد لكنها تقدمت و في هذا التقدم و التأخر اسرار كثيرة و مراتب عديدة من زبر الواو و بيناتها و تثنيتها و ان الواو هي الامر بين الكاف و النون و هي المساوقة للوجود و هي اصل التعين و بها ظهر التعين الاول و بها برز نور الازل و بها ظهر القديم الاول و بها برز كل مجمل و مفصل فلو كان لي مجال و للقلب اقبال لشرحت لك معاني هذه الكلمات و فصّلت اجمال هذه العبارات ولكني اكتفيت بالاشارة و لوّحت بصريح العبارة و مع هذا الاجمال قد طال الكلام فكيف اذا

 

«* شرح القصيدة صفحه 302 *»

فصّلت الامور و اودعتها في الالواح و السطور.

و بالجملة لمّا كانت هذه الرتبة هي مظهر الواو علي اكمل تفاصيلها في النفس و ان الواو ايضاً كورق السدرة و ورق الاس فيها اجمال و تفصيل و لذا كانت نصف قوس و باقي القوس مجتمعة في رأسها فاذا انتشر ذلك المجتمع كانت الواو دائرة تامة بظهور باطنها فان باطنها احد و هو استنطاق زبرها و بيّناتها فافهم و لهذه العلة جعلت الواو بدلاً عن الياء فقيل روح و هذا معني قول سيدنا الصادق عليه الاف التحية و الثناء من الملك الخالق ان الروح مشتقة من الريح فافهم و لاتكثر المقال فانّ العلم نقطة كثّرها الجهال و بالجملة لنوع هذا السرّ المذكور اطلق الروح علي الكينونة الالهية الاولية من نور التعين الاول كما في خطاب اللّه سبحانه لادم يا ادم روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي و قال ايضاً ياادم بروحي نطقت و بضعف([102]) كينونتك تكلّفت ما ليس لك به علم و قال تعالي و نفخت فيه من روحي و كل هذه المقامات مشتقة من الريح بنقصان حرف و هي الياء و زيادة حرف و هي الواو و اين الياء من اظهار هذه المقامات و الواو هي سرّ الامر بين الكاف و النون لان كن اصلها تكون حذفت التاء الدالة علي المضارعة و حذفت الواو لالتقاء الساكنين و هي و ان كانت محذوفة في ظاهر لفظ كن ولكنها مقدرة في باطنها.

و اياك و اسم العامرية انني   اغار([103]) عليها من فم المتكلم

و اما الرقيقة فهي المتوسطة بين العظم و اللحم كذلك لمّا كانت هذه المرتبة متوسطة بين عالم النفوس و العقول و بين عالم التفصيل و الاجمال و بين عالم النكرة و المعرفة و هي الباء في البسملة و هي ليست مستقيمة كالالف و لا مبسوطة كالباء و لا منحرفة كالجيم و انما هو الف مايل الي الانبساط و هو البرزخ المتوسط بين المستقيم و المنبسط فالمستقيم هو الالف و المنبسط هو الباء و لذا اختصت باء البسملة بهذه الصورة دون غيرها من الباءات و كذا سميت هذه الرتبة رقيقة فهي تأخذ من عالم العقول الاجمالات و تترجمها و تفصّلها و تفيض الي النفس فهي البرزخ و كل برزخ مترجم

 

«* شرح القصيدة صفحه 303 *»

للامرين المختلفين بما لولاه لما امكن القبول و اما ورق الاس فقد روي ذلك عن سيدنا ابي‏عبداللّه الصادق عليه الاف التحية و الثناء من الله الملك الخالق في حديث طويل و انما سميت السدرة لانها علي شكل المخروط لما ذكرنا سابقاً من ان رأسه متصل بالعقل الذي فيه الوحدة الاجمالية و قاعدتها متصلة بالنفس التي هي رتبة الكثرات التفصيلية و لمّا كان بين المتصلين لابد من المناسبة وجب ان‏يكون المتصل بالعقل نقطة و المتصل بالنفس وسيعة منبسطة فلامحالة يحدث هذا الشكل و هو الذي رسمناه لك في الحاشية اذ لو كانت الوحدة العقلية اقتضي شكل المستدير ولو كان كثرة في مبدء التفصيل اقتضي ان‏يكون مثلثاً و مربعاً فالحالة المتوسطة لايقتضي الاّ الصورة التي ذكرناها و هي شكل ورق الاس عند اهل الاختصاص و اما السدرة فبعين ما ذكرناه في ورق الاس.

و اما وصف السدرة بالمنتهي فلبيان ان الصورة و الهيئات و الاضافات و التفصيلات انما تنتهي الي هذه الرتبة و فوقها مقام الوحدة و مقام الاجمال ليست فيه كثرة ظاهرة متميزة و انما هي كثرة صلوحية ذكرية كذكر الحروف في المداد و ذكر الاعداد كلها في الواحد ولكنّه مع‏ذلك واحد لا كثرة فيه في الظاهر بحال من الاحوال فالكثرات التفصيلية انما تنتهي الي اسفل هذه السدرة و الملائكة كلها منتهي سيرهم و مقامهم هذه السدرة يغشونها و لايتجاوزونها و هو قوله تعالي اذ يغشي السدرة ما يغشي مازاغ البصر و ماطغي ولكن عندك معلوم ان الملائكة الذين لايتجاوزونها هم ماعدا روح‏القدس لانه يتجاوزها و يتعداها لان مقره شجرة طوبي و هي اول غصن اخذ من شجرة الخلد و سدرة المنتهي اول غصن اخذ من شجرة طوبي و كذلك الملائكة الكروبيون الذين كانوا في طور سيناء عند تجلي الرب سبحانه يتجاوزون عن هذه السدرة و يتعدّونها لان مقامهم شجرة الخلد و ملك لايبلي و هو مقام الوحدة و محل الانس و الذي يبلي مقام الصورة و محل الكثرة و رتبة النكرة و هو قوله تعالي ما عندكم ينفد و ما عند اللّه باق و لاريب ان ما عند اللّه مقتضي الوحدة و ما عند الخلق مقتضي الكثرة و الكثرة مقتضاها موت و فناء و ابادة و هو قوله تعالي الهيكم التكاثر حتي زرتم المقابر فصرّح سبحانه بان الكثرة و مشاهدتها و ملاحظتها داعية لزيارة المقابر و هو

 

«* شرح القصيدة صفحه 304 *»

الموت في قبور الطبيعة و هو قوله تعالي انّ اللّه يسمع من يشاء و ما انت بمسمع من في القبور ان انت الاّ نذير و قوله تعالي اموات غير احياء و مايشعرون ايان يبعثون و قال اميرالمؤمنين7 فيما ينسب اليه من الشعر:

و انّ امرء لم‏يحي بالعلم ميّت   فاجسادهم([104]) قبل القبور قبور

و بالجملة فالسدرة المنتهي تنتهي اليها جميع اطوار الجنة و احوالها و الصور التفصيلية و الكثرات الصورية فلايتعداها ابداً و هي علي قسمين عام و خاص فالعام هي السدرة المنتهي للعالم الاكبر و هي نابتة في ارض الزعفران في اعالي الجنة و هي النور الاصفر الذي منه اصفرّت الصفرة و البراق انما خلق من نورها فتنتهي اليها جميع ما في العالم من الكثرات و هي الروح من امر اللّه الذي ينزل اللّه الملائكة به و يلقي الوحي الي الانبياء به و هو قوله تعالي ينزّل الملئكة بالروح من امره علي من يشاء من عباده ان انذروا انه لا اله الاّ انا فاتقون و هو منزّل الملائكة في ليلة القدر قوله تعالي تنزّل الملئكة و الروح اي بالروح و هو خلق اعظم من جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل و اما الخاص ففي الانسان الصغير في العالم الصغير و هو مقام الروح الواسطة بين العقل و النفس و البرزخ بينهما كما سبق ذكره و هذا الغشاء اي الرجال من الابدال ان اردنا الخاص اذا ظهرت احكام هذا الروح في عالمه من تصرفاته و تدبيراته من القاء الملائكة الجزئية علي القلب و الصدر و القوي و المشاعر ليورد علي الشخص ما يستحقه من الافاضات الخاصة و الامدادات الجزئية علي الشخص فاذا ظهرت تلك الافاضات و الامدادات في مراتب وجوده مما تحت الروح تزيّنت لاسيما المراتب الجسمانية من جهة كثافتها تحمل اشراق تلك الانوار و اثار تلك الاشعة و القبسات كالشمس عند اشراقها علي الارض بخلاف ما اذا اشرقت علي الهواء و النار و الاجرام الفلكية فانه لايظهر فيها نور الشمس بخلاف الاجسام الارضية الكثيفة علي حسب استعدادها من الصفاء و الكدورة و كلما ازداد صفاءً ازداد نوراً كما هو المشاهد المحسوس و كذلك الانوار الساطعة من السدرة

 

«* شرح القصيدة صفحه 305 *»

المنتهي حين اشراق شمس الولاية او تغريد ورقاء الارواح المنتهية اليها علي افنانها و وصول تلك النغمات المطربة و الالحان الطيبة و الاصوات الحسنة و القوي الجسمانية فتزداد بهاءً و نوراً و تكون سبباً لظهور اثار السدرة المنتهي و لولا تلك الاجسام المعتدلة ماظهرت اثار الروح كما ينبغي و لاريب ان الجسم حجاب للروح و ستر ولكن زينة الروح بالحجاب و الستر اذا كانت مزيّنة و منقوشة باحسن الصور و اكمل الزينة فالغشاء زينة لمن يغشيها فاولئك الرجال الابدال الذين هم حجاب الحجاب زينة للحجب الاولية لان اثار العالي انما تظهر بالسافل فلايظهر العالي لولا السافل و لايوجد السافل الاّ بالعالي كما قال الشاعر٭ فلست تظهر لولاي، لم‏اكن لولاك ٭ و هذا الغشاء غشيت به سدرة المنتهي فوصلت انوارها و احكامها من خلالها فتشعّبت و تفرّعت و اختلفت و ائتلفت و اتحدت و تمايزت و تزيّنت بها كما تتزين الشجرة بالاوراق و اما السدرة المنتهي العامة فهذا الغشاء انما تغشّاها و بذلك الغشيان تحمل انوارها و تجمع اسرارها و تعلن اخبارها و تظهر من اسرارها فيكون ظهورها بها و لذا لو لم‏يكن تلك القري الظاهرة ماامكن السير الي القري المباركة لانها منازلها المعمورة فلايسار اليها الاّ بها في اول الامر لضعف المناسبة بينهما و التلقي يستدعي المناسبة اولاً و لذا وجب الفناء في الشيخ اولاً حتي يتمكن من الفناء في النبي ثم الفناء في الولي ثم الفناء في اللّه و هناك منتهي الطلب و الحجاب هو الواسطة بين العالي و السافل و هؤلاء الحجب و الاغشية هم مواقع النجوم و مهابط العلوم و مظاهر اسرار الحي القيوم و هؤلاء الاغشية هم الاركان و هم بهجة الزمان و بهم تظهر اسرار المهيمن المنان و هم افق شمس النبوة و مطلع بروج الولاية و بهم تتزين سدرة المنتهي و بهم تخضر و تروي و بهم نضارتها و بهم تظهر عمارتها و في الزيارة عن احد اهل‏البيت:في مقام القطبية السلام عليك ياناضر شجرة طوبي و سدرة المنتهي و هذه النضارة انما كانت بهؤلاء الرجال بل اولئك الابدال مواقع النجوم و حملة العلوم مظاهر فيض الحي القيوم بهم يظهر اشراق السدرة و بهم يمتاز افاقها([105]) و

 

«* شرح القصيدة صفحه 306 *»

بهم تبرز انوارها و بهم تنال اثارها فبهم تكون ريانيتها و خضرتها و نضارتها لانهم احد الاركان و بهجة الزمان و انسان العين و عين الانسان و اما السدرة في السلسلة الطولية فليس لبيانها في قلمي مداد و لا لقلبي استعداد لما في مستجنات الفؤاد من مكنونات المراد فاقول كما قال ابونواس:

و لمّا شربناها و دبّ دبيبها   الي موضع الاسرار قلت لها قفي

ولكن لابد من الاشارة لئلايكون ظلم الحكمة بمنعها عن اهلها و امتثال امر اللّه في ايصال الامانة الي اهلها و قد قال تعالي انّ اللّه يأمركم ان‏تؤدّوا الامانات الي اهلها فنقول ان سدرة المنتهي هي ورق الاس في اول الاساس من مبدء الايناس في عالم اللباس و اصلها النون و اضيفت اليها الالف لظهور سرّ الولاية لتحقق اللام التي هي السدرة اذا وصلت رأس النون الثاني بالالف هكذا () فالنون فيها كثرات كن و اذكار الموجودات و العلم الامكاني الفعلي و الفيض الاقدس و النور المقدس اول الكثرات مع اضمحلال الانيات في مقام الهي كيف ادعوك و انا انا و كيف لا ادعوك و انت انت و لمّا ظهرت الكثرة ولو علي نحو الاضمحلال تحققت الكثافة ولكن علي اكمل الصفاء و الاعتدال فظهر سرّ الكاف و هو الالف اتصل بالنون و معني ذلك ان الواحد تسعه‏عشر و هذا مقام التعين الاول فاذا ظهر الاحد في الواحد استنطق الكاف و الكاف فيها نوع الكثرة و لذا قلنا ان الواحد سرّ الكاف و الاحد غيب في الواحد كما ذكرنا و استنطاق حرف الواحد الحامل للاحد الالف اللينية او المتحركة فاتصلت بالرأس الايمن من النون لتحقق اليمين و التعين الاول و اذا قارنت الالف بالنون صار لاماً فحيث كانت الكثرات ظاهرة فيها علي نوع من الظهور المقتضي لاظهار انوار القدس كالجسم الكثيف الحامل لاشراق الشمس فالنون زيت و الالف نار تعلقت به فتحقق المصباح و ظهر الصباح و نادي حي علي الفلاح فظهرت الولاية بعد خفائها و هو قوله تعالي كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف  فبالخلق الاول الذي هو التعين الاول ظهرت الولاية المطلقة الشاملة الكاملة العامة لكل ذرات الوجود و هو باطن الولاية او الولاية الباطنية فظاهرها لام و باطنها نون و باطن النون كاف و باطن الكاف الف متحركة و باطن

 

«* شرح القصيدة صفحه 307 *»

الالف المتحركة الف لينية و باطن الالف اللينية النقطة و باطن‏النقطة غيب لايدرك و سرّ لايملك و رمز لايفكّ قل لايعلم الغيب الاّ اللّه فاللام هي السدرة المنتهي انتهت اليها الرياسة العامة و السلطنة الكبري التامة و هي مرجع البلاد و سايس العباد و منها البدء و اليها المعاد و هي السلطان يوم التناد انما انت منذر و لكل قوم هاد فالامور كائنة ما كانت و بالغة ما بلغت علي اي طور و اي وضع من معني و صورة و حقيقة و جوهر و عرض و عال و سافل و مجرد و مادي و غيب و شهادة و مستقيم و مستدير و صغير و كبير و حقير و خطير و عسير و يسير و اسم و صفة و مثال و شئون و احوال و اكوار و ادوار و اطوار و اوطار مما فيه نسبة و اضافة و ارتباط ولو علي نحو الاجمال و الوحدة الاجمالية و غير ذلك كلها تنتهي الي تلك السدرة لان اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء قال في الخطبة اليتيمية ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ان قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و عمي القلب عن الفهم و الفهم عن الادراك و الادراك عن الاستنباط و هجم له الفحص علي العجز و البلاغ علي الفقد و الطلب علي اليأس الطريق مسدود و السبيل مردود دليله اياته و وجوده اثباته الخطبة و قوله روحي فداؤه انتهي المخلوق الي مثله و المثل المنتهي اليه الخلق هو السدرة المنتهي و ليس كمثله شي‏ء علي احد معانيه و هو السميع البصير اي ليس كمثل ذلك الخلق المنتهي اليه الخلق شي‏ء والاّ لما كان هو المنتهي اذ لايجري عليه ما هو اجراه و لايبدو فيه ما هو ابداه فاللام هو ذلك الخلق المنتهي اليه الخلق فاذا هي السدرة المنتهي عندها جنة المأوي يعني متصلة بها و مقترنة معها لايفترق كل منهما عن صاحبه فافهم الاشارة بل التلويح في قالب التصريح و الاشارة بظاهر العبارة:

اخاف عليك من غيري و مني   و منك و من مكانك و الزمان
ولو اني جعلتك في عيوني   الي يوم القيمة ما كفاني

و قوله سلمه اللّه تعالي و غداً عليها يسدل يريد ظهور الامر في غدٍ كما قال تعالي والامر يومئذ للّه فان الامر دائماً للّه و انما خصّ بيوم القيمة لظهور رجوع الامر الي اللّه

 

«* شرح القصيدة صفحه 308 *»

في ذلك اليوم و ان الامر الذي قامت به السموات و الارض عبد للّه و ملك له فليس بمستقل و لا مفوّض اليه و هكذا الحكم ثابت دائماً و واقع ابداً ولكن الابصار قد زاغت و البصائر قد اختطفت من شدة اشراق ذلك النور و احراقه لاهل الغيور والا فالامر اوضح من نار علي علم نعم انما الظهور الكامل و البروز الشامل لايكون الاّ في ذلك اليوم لان في ذلك اليوم تظهر اثار الاسم اللّه الظاهر بالالوهية علي كل شي‏ء فلايجهله شي‏ء و هذا دائماً في كل حال الاّ ان الجهل العرضي غطّي الاعين فيكشف يومئذ و يقال قدكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد وكذلك ما قاله سيدالساجدين و سند العابدين الهي ارحمني اذا انقطعت حجتي و كلّ عن جوابك لساني و طاش عند سؤالك اياي لبّي مع ان الفاقة الي اللّه دائماً شديدة و الحاجة اليه لم‏تزل ماسّة و السؤال دائماً واقع ولكن القلوب الان في غفلة و في ذلك اليوم يظهر كمال الظهور و يكون كالنور علي الطور و كذلك قول الناظم ايّده اللّه برحمته الواسعة و سقاه من رحيق رحمته و غداً عليها يسدل بل هذا الغشاء و الغطاء بالمعني الذي ذكرنا علي السدرة بالوجه الذي بيّنّاه لم‏يزل عليها مسدول و القلب عند النظر اليها اذا بانت مبتول ٭ بانت سعاد فقلبي اليوم مبتول ٭ اين يذهب الفرع عن اصله و اين يفترق النور عن منيره لا بل هما متصلان متطابقان متوافقان لايختلفان و لايفترقان ما عند اللّه باق و ما من اللّه ثابت اولا سمعت قول اللّه سبحانه مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها فيضرب اللّه الامثال للناس و مايعقلها الاّ العالمون فلايفارق الستر و الحجاب عمن استتر به و احتجب عنه ابداً دائماً نعم يخفي و يظهر كما ان النور لايفترق عن الشمس نعم ربما يحجب عنها السحاب فعند حجب السحاب ليس ان النور قد زال عن الشمس و ليس عند انكشاف السحاب و انجلائه قد طلع الشمس و حصل نور جديد كلاّ و حاشا بل هو ذلك النور الاول و الحجاب الامثل و سرّ الازل و اللّه يقول الحق و هو يهدي السبيل.

وصــل: و لمّا ان الناظم ايّده اللّه بتوفيقه و سلك به مسالك رحمته و كشف له الغطاء عن وجه بصيرته وصف هذا الستر بالوصف البالغ و عرّفه بالتعريف الفائق و بيّن

 

«* شرح القصيدة صفحه 309 *»

احواله ببيان رائق من اطوار الظاهر و الباطن اراد ان‏يوضح الامر ايضاحاً و يفصحه افصاحاً و يسفر عن وجه الحق و يرفع النقاب عن وجه الصدق و يبيّن ان هذا الحجاب و الستر ليس بمعني الحاجب المانع و الستر الذي يستر و يخفي واَلاّيتوهم متوهم ان القبر قد خفي بهذا الستر و استتر و احتجب بهذا الحجاب و حجب بل ان هذا الستر زاده ظهوراً و هذا الحجاب لم‏يزده الاّ بروزاً و هذا الحجاب ليس هو المنسوج من القطن و الابريسم و ان كان كذلك ظاهراً و انما هذا الحجاب و الستر قد نسج من المعارف الالهية و الاسرار الربوبية و الاطوار اللاهوتية بالخيوط المغزولة في عالم الجبروت المنسوجة في عالم الملكوت سداه علم و حلم و لحمته نور و معرفة فقال اشاد اللّه شأنه و عظّم برهانه و شيّد بالتوفيق بنيانه و قوّي برحمته اركانه و اظهر مستسرّات عرفانه:

هذا هو الستر الذي كشف الغطا   عن اعين‌ٍ بالغَيْن كانت تكحل

اقـول: ظاهر هذا البيت ان هذا الستر مبارك مطهّر قد اكتسب الشرافة بمجاورة الجدث المنور الحالّ فيه ذلك الجسد المطهر و هو بتلك المجاورة صار محلاً للعناية و موضعاً للكرامة حتي ان العين العمياء اذا اصابها ذلك الغطاء كشف عن عينه الغطاء و زال عنه العماء كرامة لذلك الستر اذ تشرّف بذلك القبر و ذلك ليس ببعيد من كراماته و لا بغريب من عناياته لان من جاور النار تظهر فيه الحرارة فيحترق و من جاور المسك يؤثر فيه العطر فيعبق و تأثير ذلك القبر المطهر اعظم و اكثر و هذا معلوم لايخفي و نوره ظاهر لايطفي و اما ما اردنا بيانه و مهّدنا بنيانه([106]) فمعناه انك ياايها الناظر لاتتوهم ان ذلك الستر ستر حاجب و حجاب مانع و انما هذا الستر حجاب من حجب اللّه و ستر من ستر اللّه كما قال اميرالمؤمنين7 انه ستر من ستر اللّه([107]) و حرز من حرز اللّه و امر من امر اللّه مختوم بخاتم اللّه هـ و هذا الحجاب هو الدليل و هذا الستر هو الكاشف اما سمعت الحديث الوارد في وقوف النور المحمدي9في الخلق الاول من وراء الحجب حجاب القدرة و حجاب الرفعة و حجاب العظمة([108]) و حجاب الكبرياء و

 

«* شرح القصيدة صفحه 310 *»

حجاب العزّ و حجاب الجلال و حجاب الجمال و هكذا الي تمام الحجب و ورد الاخبار عن اهل‏البيت الاطهار في تعداد بعض الحجب حجاب اللؤلؤ و حجاب الياقوت و حجاب الزمرد و حجاب العقيق الاحمر و حجاب العقيق الاصفر و هكذا من تعداد الحجب و الاستار و قدقال اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء انّ الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش و العرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب و الحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر و في الزيارة الرجبية لاهل‏البيت عنهم:الحمد للّه الذي اشهدنا مشهد اوليائه في رجب و اوجب علينا من حقهم ما قدوجب و صلّي اللّه علي محمّد المنتجب و علي اوصيائه الحجب و هذه الحجب لايراد بها حجب مانعة والاّ لا فخر فيها و لا اعتناء بها لان الحاجب للنور ظلمة و المانع عن الحق باطل فاي فخر فيه و اي اعتناء بظاهره و خافيه و انما المراد بالحجاب في هذا المقام هو الباب الواصل و الواسطة بين العالي و السافل و المترجم للبيان عند تعليم القرءان و ترجمان اللسان لمن لايعرف البيان و لايكون ذلك الاّ لجامع المقامين([109]) و حائز المرتبتين و الامر بين الامرين و الواقف علي الطتنجين و الناظر في المغربين و المشرقين فكان رسول اللّه9 هو الحجاب الاكبر الواسطة بين اللّه و بين خلقه في كل ما يرد و يصدر و اولياؤه و خلفاؤه حجب له و واسطة بينه و بين رعيته اخذين منه و موصلين الي امته لانهم باجمعهم او كل فرد فرد منهم لايحتملون جميع اسرار العلوم و الاحوال التي تتجدد و الاحكام التي تحدث شيئاً فشيئاً و بالجملة ليس كل احد يقدر علي حمل الولاية النبوية و الولوية بل لابد ان‏يكون لها حامل جامع و مظهر مانع و هو الحجاب بينه و بين امته و لايختلف الحال في ذلك بين وجوده و رحلته9 فان الكرسي لايفارق العرش والاّ لمابرز شي‏ء من العرش و القمر لايفارق الشمس والاّ لم‏يبرز من الشمس شي‏ء من الاشياء المحدودة التفصيلية و بالجملة فالنبوة و الولاية مقرونتان متصلتان لاتقوم احديهما الاّ بصاحبهما و هما

 

«* شرح القصيدة صفحه 311 *»

الاسمان الاعليان اللذان اذا اجتمعا افترقا تقول نبي و ولي و اذا افترقا اجتمعا فكل واحد نفس الاخر و هو قوله تعالي و انفسنا و انفسكم و بالجملة فالولي حجاب النبي و الواسطة بينه و بين رعيته و بابه فالنبي هو المدينة و الولي هو الباب و الجناب و الباب هو الحجاب ان في ذلك لذكري لاولي الالباب و الولي الذي هو الباب له ايضاً باب و هم العلماء العارفون الاطياب و المرشدون الواصلون الكاملون الانجاب فهم باب الباب و حجاب الحجاب.

تمثيل نـوري: اعلم ان العرش اصل اول مقامه الوحدة الاجمالية و الكرسي اصل ثانٍ مقامه الكثرة و التفصيل و هو و ان كان اصلاً لكنّه فرع فهو الاصل القديم و الفرع الكريم و هما بابان من العلم مقرونان فالعرش باب باطن و الكرسي باب ظاهر علي طبق الباب الباطن لايقوم احدهما الاّ بالاخر فهما متحاويان متساوقان الاّ ان العرش اول و الكرسي ثانٍ فهما من نور واحد متضارعان علي ثدي واحد الاّ ان المضارعة حيث ظهرت بالثاني اختصّ الكرسي باسم المضارع و العرش باسم الماضي بمعني الثابت النافذ امره و حكمه كالسيف الماضي فبهما تمّت المبادي و هما اوائل جواهر العلل و لمّا نقصت قوابل الاجسام السفلية اهل الكون و الفساد لكمال بعدها عن المبدء و قربها لعلايق الروابط و ثاء الثقيل و هاء الهبوط و ميم المركز ضعفت المناسبة بينها و بين المبدء الاول العرش و الكرسي فاقتضت الحكمة الالهية بحكم سبحان الذي اتقن صنع كل شي‏ء ان‏يجعل بين تلك الاجسام السفلية و بين العرش و الكرسي اجساماً هي كالبرزخ بين العالمين لها مناسبة و مرابطة مع العرش و الكرسي و مناسبة مع اعالي العناصر و بواسطتها الي اسافلها و هي الافلاك السبعة التي سلطانها الشمس و لذا كانت في الوسط كالقلب الذي في الوسط و هذه السبعة التي هي السموات السبع هي القرية الظاهرة للسير الي القرية([110]) المباركة التي هي العرش و الكرسي و معني سير هذه الاجسام السفلية في تلك العلويات ان تلك العلويات تربّي قوابل السفليات بتكرر الاستدارة عليها و اشراق

 

«* شرح القصيدة صفحه 312 *»

اشعتها عليها حتي تتربي و تنضج تلك القوابل حتي تشابه جواهر تلك المبادي السبعة و تتعلق بها روحها فشابهتها فاذا حصلت المشابهة امكنت الاستفاضة بعد ذلك من العرش و الكرسي فتصل الي القرية المباركة و تأخذ منها و تستمد من اشعتها و تحصل لها قابلية الاستمداد منها كما تربّي النار الخشبة اذا قابلتها اياها من غير ان‏توصلها بها فهي بالمقابلة تجفّف رطوباتها فتجفّفها و تكلّسها الي ان‏تجعلها مشابهة لذلك الجسم الذي تعلقت به النار فيشتعل كما اشتعلت النار في ذلك الجسم فكان حكمه حكمها و صفته صفتها و تأثيره تأثيرها و فعله فعلها و جهة استمداده هي جهة استمدادها فبقي يستمد مما كانت تستمد منه النار من الكرة الاثيرية او غيرها علي الخلاف الواقع في حقيقة النار الكامنة في الاجسام السفلية كانت النار هي القرية الظاهرة للسير الي القري المباركة و استيهالها اياها لان تأخذ من القرية المباركة كما تأخذ القرية الظاهرة كالاكسير الملقي علي الفلزات الميتة و يذهب ما فيها من الاعراض و الامراض فيجعلها قابلة للفعل و التأثير و الاستمداد من المبادي العالية و الجواهر الاصلية.

زيادة بيـان و ايضـاح: اعلم ان فلك القمر بافلاكه بعد ان كسيت العظام لحماً في الجنين تربّي القلب الذي هو اللحم الصنوبري بتكرر ايقاع اشعته عليه و احداث تأثيره لديه الي ان‏يلطف البخار المتصاعد من الحرارة الغريزية المتعلقة بالعلقة الصفراء التي في تجاويف القلب حتي يشابه ذلك البخار جسم الفلك الجوزهر فيتعلق به الحياة الحيوانية من باطن فلك القمر كما تتعلق النار بالخشبة من غير الاتصال و النار علي حالتها و الخشبة علي حالتها لايفقد شي‏ء منهما شيئاً من احوالهما و عطارد بافلاكه الاربعة يربي البطن الاول من التجويف الثاني عند القوم و عندنا البطن الثاني من التجويف الاول و يربّي ذلك البطن بايقاع اشعته عليه حتي‏يصير ذلك البطن في اللطافة كجسم فلك التدوير لعطارد فيتعلق به روح عطارد من غير ان‏ينقص من عطارد و روحه شي‏ء فيفعل فعل عطارد بروحه من تركيب الصور بالضم و التفكيك ليفكّك هيئات مجتمعة و يفرّقها و يجمع صوراً متفرقة فيؤلّفها كأن‏يجعل لشخص واحد الف صورة و يفرّق اجزاء شخص واحد و يجعلها عضواً عضواً و جزءاً جزءاً و يرتّب المقدمات و

 

«* شرح القصيدة صفحه 313 *»

يحصّل النتايج و بالجملة يفعل افعال فلك عطارد و يصور صوره و الزهرة تربّي البطن الثاني من التجويف الاول او([111]) البطن الاول من التجويف الثاني بايقاع اشعتها عليه و تربّيه الي ان‏يتلطف و يصير مشابهاً لتدوير الزهرة فيتعلق به روحها فيفعل افعالها و يؤثر تأثيرها([112]) من ادراك الصور و الهيئات من غير ترتيب كما في الفكر و الشمس تربّي العلقة الصفراء التي في تجاويف القلب التي هي محل الحرارة الغريزية فتلطّفها الي ان‏تصير تلك العلقة في اللطافة مشابهة لفلك الخارج المركز للشمس فيتعلق بها روحها و تدبيرها و تأثيرها من انضاج الغذاء و جعلها صالحة لان‏تكون جزءاً للبدن فيتعلق بها الروح الحيوانية و المريخ يربّي البطن الثاني من التجويف الثاني الذي في الدماغ و يلطّفه بتكرار ايقاع الاشعة الي ان‏يصير مثل تدوير فلك المريخ في اللطافة و الشرافة فيتعلق به روحه فيفعل فعله من احداث الصورة و الصور الغريبة التي ليس من شأنها الظهور في العين الخارجي كالمحبة و العداوة و المشتري يربّي البطن الاول من التجويف الثالث بايقاع الاشعة عليه الي ان‏يلطّفه و يرقّقه و يجعله مناسباً في اللطافة و الرقة لفلك تدوير المشتري فيتعلق به روحه فيؤثر اثره و يفعل فعله و يظهر حكمه و يكون مثله و زحل يربّي البطن الثاني من التجويف الثالث من الدماغ بايقاع اشعته عليها الي ان‏يلطّفه و يرقّقه الي ان‏يصير مثل تدوير فلك زحل في اللطافة و الرقة و يتعلق به روحه و يؤثر تأثيره و يجعل حكمه حكمه فهذه الكواكب السبعة في افلاكها السبعة تربّي قابلية قوة من القوي الدماغية و الحرارة الغريزية و الروح البخاري في القلب و يصلح استعداده و تأهله للاستمداد من العرش و الكرسي و كان لايمكن قبل ذلك.

فاذا عرفت هذه المقدمة النافعة تبين لك ان هؤلاء العارفين الكاملين ستر و حجاب لكنهم يربّون قوابل الاستعدادات و ينضجون غرايز طبايع الماهيات و يؤهّلونهم لاستشراق نور الولي و يتحملون لذلك الاشراق و لايحترقون لما فيهم من الاكدار و لايضطربون لمزج الاغيار و يصلحون قوابل نفوسهم و عقولهم و يخرجون تلك الغرايب

 

«* شرح القصيدة صفحه 314 *»

عنهم ليتأهّلوا و يستحقوا للاستفاضة من الاسم الاعظم و النور الاقوم فلولا الشيخ الواصل و المرشد الكامل الموصوف بما ذكرناه لم‏يحصل للقلوب الضعيفة و الانفس السخيفة([113]) و الارواح الخسيسة ان‏تترقي الي عالم الانوار و تستحق لتحمل الاسرار و هؤلاء الانجاب الاطياب المرشدون الي الحق و الصواب منهم ظاهر مشهور مبتلي بالاذيات و غرضاً لسهام البليات و موضعاً لمطاعن اهل القساوات و موصلاً للطالبين المنصفين الي اشرف السعادات و مبيّناً لهم طريق الرشاد و الهدايات و منقذ منهم ولو قليلاً ولو واحداً من الهلكات و بذلك امرهم رب الارضين و السموات و خالق الموجودات و مدبّر الكاينات و هو قوله تعالي فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم الاية و هذا النفر هو نفر عن جلباب الانية و صعود عن حضيض مدارك الماهية و ارتقاء الي معالي الدرجات البهية و المراتب السنية و قد امرهم اللّه سبحانه و تعالي  بذلك في الاية الاخري فقال انفروا خفافاً و ثقالاً و جاهدوا باموالكم و انفسكم فالنفر كان خفافاً اذا بلغوا مقام الارواح و العقول و ثقالاً اذا كانوا بعد مقام النزول عند الاعراض و الاجسام و اللّه سبحانه و تعالي امرهم بالنفر حتي يكملوا الاسفار الاربعة و يصلوا الي المعاهد الخمسة و يبلغوا الي كعبة العلم و يطوفوا بها اسبوعاً و لكل طواف يحصّلون علماً خاصاً من علوم الاسرار الواضحة المنار و يوصلونها الي الاخيار و الاشرار و يكشفون الغطاء عن اعين الغير الواصلين و تصلح قوابلهم و تجفّف رطوبات ميولاتهم بحرارة المجاهدات بالرياضات المشروعة ليأهّلوهم لقبول النور من عالم السرور فالغطاء هي تلك الاعراض و الامراض و هذا الستر يكشف الغطاء و يرفعه لاصلاح القابلية و انضاج الطبيعة فيدرك الاشياء اذن من غير غطاء و من غير حجاب فلايزالون في اصلاحه الي ان‏ينكشف الغطاء و عند ذلك تمام الفناء في الشيخ فينجلي حينئذ الغين من العين و في هذه اشارة لطيفة لا بأس بالاشارة اليها لتعرف كمال استقامة فطرة الناظم و دقة علمه و غزارة فهمه ايده اللّه

 

«* شرح القصيدة صفحه 315 *»

بتأييده و جعله من خلّص عبيده.

فنقول ان قوله كشف الغطاء عن اعين بالغين كانت تكحل المراد بالعين هو كلمة كن و هذه الكلمة و ان كانت عيناً عند الاستنطاق لكنها الف في الحقيقة و الرفاق و قداشرنا الي كون سرّها الفاً عند ذكر النون لتحقق اللام في البيت الذي قبل هذا فالعين اذا اضيفت اليها نقطة عرضية تمييزية تحديدية كانت غيناً و انما قلنا نقطة عرضية لان النقطة نقطتان نقطة اصلية و هي سرّ الوجود و اصل الشاهد و المشهود و المبدء الذي منه بدء كل شي‏ء و اليه يعود و هي النقطة التي هي سرّ الباء في قول اميرالمؤمنين7كل‏ما في الباء في النقطة و المراد من النقطة التي تحت الباء اي سرّها و اصلها و لعلي اشرت الي هذا المعني قبل هذا فنقطة الباء هي الالف اللينية و نقطة اخري هي نقطة تمييزية تحديدية و هي في الحقيقة حدّ يميّز و يشخّص كنقطة الباء و التاء و الثاء فان المادة و الصورة النوعية واحدة في الحروف الثلاثة مع تباين مقاماتها و تفاوت مراتبها و تباين احوالها فالنقطة التحتانية ميّزت و شخّصت الباء عن التاء و الثاء و الجيم عن الحاء و الخاء و النقطتان الفوقانيتان ميّزت التاء عن الياء([114]) و الثاء و الثلثة الفوقانية ميّزت الثاء عن الباء و التاء و الفوقانية الواحدة ميّزت الخاء عن الجيم و الحاء و النقاط في الحروف المتواخية و المتحابة حدود مشخصات و صور معينات و اطلاق النقطة عليها و علي النقطة الاولي اطلاق من باب التضاد فان الاولي وجود و الثانية ماهية و الاولي وحدة و الثانية كثرة و الاولي اجمال و الثانية تفصيل و الاولي سرّ و الثانية ظاهر و الاولي ماء و الثانية سراب و الفرق بين الاولي و الثانية من الثريا الي الثري فلاتعجل في حمل اطلاق النقطة و اعرف لكل موضعه و اطلب لكل موقعه و اعرف لكل محله و اثبت لكل منزله فان كثيراًما يشتبه و يلتبس الامر علي كثير من العلماء النقطة التي تجعل العين غيناً هي حجاب مانع لا الحجاب الذي ذكرنا سابقاً من انه نور اصفر موصل فيض العالي الي السافل و مترجمة له و مبيّنة له فهذا الحجاب المذموم و هو الذي يجعل العين غيناً يعني الواحد الفاً لان

 

«* شرح القصيدة صفحه 316 *»

العين كلمة كن و كن امر اللّه و قد حصر اللّه امره فيه و قال تعالي انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون و قول كن هو امراللّه و الامر منحصر فيه كما يشير اليه كلمة انما فاذا كانت كلمة كن التي هي العين هو الامر واللّه سبحانه يقول و ما امرنا الاّ واحدة و التاء لمبالغة الوحدة لا للتأنيث و الواحد استنطاقه الالف و الالف بالنقطة يكون الفاً و هو معني كون العين غيناً و هذا وجه اخر فافهم فانه دقيق و تعمّق فانه عميق و لايمكن الوصول الي قعرها الاّ بارشية النبوة و الولاية و هي الحبل الممدود رأس منه متصل بالقلب و رأس اخر متصل بالسماء فمااحصي هذا القلب و مااسعده فاذا ظهرت([115]) الحدود و تراكمت القيود و جعلت الواحد الفاً تزاحمت نسبه و اضافاته و كثراته الي ان صار الالف الف الفاً و الالف الالف جعل له الف الف الف الفاً و هكذا الي ما لا نهاية له يعني تراكمت الحجب المانعة و تزاحمت الطاعات و تعارض الحدود بالاضافات و صار الامر كما اخبر اللّه سبحانه عن افعال اهل المعاصي و السيئات المتورطين في دركات الانيات و الماهيات التي هي لوازم الكثرات و خفاء الانوار بظهور الاغيار و حصول الاكدار و رفع الاقبال بوجود الادبار و هو قوله سبحانه العلي المختار او كظلمات في بحر لجّي يغشيه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم‏يكد يريها و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور فاذا بلغت العين بالنقطة الي الغين و حصلت هذه الاحوال الشنيعة و الاطوار الفظيعة فالفخر كل الفخر لهذا الستر المسدول علي القبر المطهّر الحاجب للجسد الشريف و هو الرجل العلم الظاهر و النور الباهر و العالم الماهر ان‏يصلح قابلية هؤلاء الالوف باشياء موافقة و ادوية من الارشادات ملايمة و عقاقير من الهدايات مؤالفة بعد استعمال الروادع و الاستفراغات و انحاء المعالجات لاخراج تلك الظلمات من تلك القلوب المريضة و اصحاب المراتب الحضيضة حتي تتأهل لاستشراق النور و استنارة السناء و البهاء من الملأ الاعلي و يبلغون به الي الدرجات العليا فهكذا شأن هذا الستر في كشف الغطاء عن الاعين المكتحلة بالغين

 

«* شرح القصيدة صفحه 317 *»

فافهم فقد اسمعتك تغريد الورقاء علي الافنان بفنون الالحان و تعيها اذن واعية.

وصــل: و لمّا بالغ([116]) الناظم في وصف هؤلاء الرجال الذين هم الاستار و الحجب لقبر النبي المختار سمّاهم باسماء كل اسم منبئ عن مقام عظيم و شارح عن الخطب الجسيم و هي ستة اسماء الاول رواق المدينة و الثاني كتاب لاصحاب اليمين و سبب لنيل كل ما تشتهيه الانفس و تلذّ الاعين و الثالث الكتب السماوية المنزلة من اللّه سبحانه من الملأ الاعلي و هي مائة و اربعه‏عشر التي منها القرءان المهيمن الجامع علي كلها و اشار الي انهم كتب تكوينية علي طبق هذه التدوينية و الرابع التابوت الذي فيه سكينة من اللّه و بقية مما ترك ال اللّه تحمله ملائكة اللّه علي المعاني التي ذكرناها و اشفينا بها العليل و روّينا بها الغليل و الخامس غشاء سدرة المنتهي اشارة الي قوله اذ يغشي السدرة ما يغشي مازاغ البصر و ماطغي لقد رأي من ايات ربه الكبري  و السادس الستر الذي هو يكشف الغطاء عن العين المحجوبة بالغين فياله من ناظم مااطول باعه و اكمل في صناعة الشعر ابتداعه و في دقايق الاسرار اصطناعه لقد اشار بالمصرع الثاني من هذا البيت الي جوامع العلوم و حقايق الرسوم و اني و ان اطلت الكلام في بيان هذه المقامات و فصّلت كثيراً من الحالات و اشرت الي اغلب الدلالات و لوّحت الي جلائل الاشارات ولكن الذي في قلبي من الدقايق و الحقايق مما يتعلق بهذه العبارات اكثر مما ذكرت و اجملت و فصّلت بل الذي ذكرته قليل من كثير و حقير من خطير و قطرة من البحر المواج المتلاطم كتمتها في الصدر و ماابرزتها في السطر منها لعدم الاقبال و تبلبل البال و الكسالة المانعة عن ابداء ما في البال و منها توقفه علي مقدمات يطول بذكرها الكلام و يخرجنا عما نحن فيه من المقام([117]) و منها ما اجد من كثرة المنكرين و المعاندين و قلة اهل الانصاف و غلبة اهل الجور و الاعتساف يحتجّون بادني شي‏ء غريب و يصيرون بصدد الاذية للعالم المصيب ان هذا لشي‏ء عجيب و منها ما لم‏يؤذن لنا بالبيان لعدم حضور الاوان قال سيدنا و مولينا الصادق عليه الاف التحية و الثناء

 

«* شرح القصيدة صفحه 318 *»

ما كل‏ما يعلم يقال و لا كل‏ما يقال حان وقته و لا كل‏ما حان وقته حضر اهله و منها ما لم‏اعط له عبارة و لم‏اتمكن من التعبير ولو بالاشارة و ان كان المعني ظاهراً عندي كالشمس في رابعة النهار ولكن التعبير لايساعد المعني و العبارة لاتوافق المقصود و كل‏ما نعبّر يؤدي الي خلاف المراد و لولا هذه الموانع و العمدة منها عدم اقبال القلب و تواتر الاحزان و الهموم و تكاثر افواج الغموم لاظهرت من المطالب الغريبة و المقامات العجيبة ما تحير عنده العقول و الالباب و لم‏يصل الي مقامه سؤال و لا جواب و لا كلام و لا خطاب و لاَرَيت معني قوله7 انّ اللّه اعدّ لعباده المتقين ما لا عين رأت و لا اذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر و فيما ذكرناه كفاية لاولي الدراية و في الشاهد دلالة علي الغايب.

و بالجملة فالناظم اسعده اللّه بامداده لمّا اتمّ وصفهم الذاتي و كمالهم الحقيقي في ستة اسماء لانها العدد التام و المدد العام بها تتمّ حقيقة الشي‏ء و ذاته اراد ان‏يصفهم بالوصف الاخر لتتمّ به السبعة العدد الكامل و يكمل به شأنهم و ذلك يوم السبت يوم الكمال و يوم المبارك و يوم الاخرة و يوم النجاة بدخول الدار العامرة فقال سلّمه اللّه تعالي:

هذا الازار يحطّ عن زوّاره   وزراً به رضوي ينوء و يذبل

اقـول: سمي هذا الستر ازاراً لانه يشتمل علي جميع من عنده و الخلق من الغير الواصلين الغير الكاملين تشملهم عناية هذا الستر و رعايته و كرامته و انه قطب ممدّ و مركز مقوّم لجميع من عداهم ممن تحتهم في جميع مراتبهم و لذا قال سيدنا الصادق روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء في حق بعض اولئك الانجاب الاطياب بهم يرزق اللّه العباد و بهم يدفع عن البلاد و بهم يكشف الضرّ و بهم يدفع الهمّ  لان القطب هذا شأنه و ديدنه والاّ لم‏يكن قطباً و قدذكرنا سابقاً ان نسبة هؤلاء الي غيرهم نسبة السموات السبع الي اهل الكون و الفساد المتولدين من العناصر فتشملها عناية السموات من جميع الجهات و لذا عبّر عنهم بعد الستر بالازار ثم اراد ان‏يبين سلّمه اللّه تعالي انهم نور يشرق به الظلمات التي قابلته لا  كل الظلمات فان ما لم‏يقابل منها لايشرق عليها نورهم و لايناله خيرهم و لذا قال سلّمه اللّه تعالي يحطّ عن زواره

 

«* شرح القصيدة صفحه 319 *»

المقابلين اليهم بوجوههم المحبين لهم بذاتهم و سرّهم المنقطعين اليهم و المقبلين عليهم بسرّهم فتشرق عليهم انوار عنايتهم و يتوجه اليهم ملاحظتهم فبتلك الملاحظة و العناية تستنير قلوبهم و يستشرق ظاهرهم و باطنهم و تذهب عنهم الظلمات و مقتضي السيئات و لوازم الانيات و ما حصل بدواعي الشهوات كل ذلك يذهب عنهم و يتطهرون من تلك الكدورات باللطيفة الزائدة عند اولئك الاطياب الانجاب فان الخلق علي ثلثة اقسام قسم لطيفته زائدة علي ذاته و ذلك مثل الانوار و النفوس المطهرة و العقول القادسة كالشمس مثلاً و السراج فان كل واحد منهما يظهر نفسه و يضي‏ء غيره و يظهره و يبينه و قسم لطيفته مساوية لذاته يعني يظهر ذاته و يكملها و لايضي‏ء غيره كالجمرة في المثال المحسوس و كالانبياء الذين بعثوا الي انفسهم و ليس لهم رعية سوي انفسهم و قسم لطيفته ناقصة عن ذاته كالاجسام الغاسقة التي ليس لها من النور ما يظهر ذاتها و القسم الاول الذين لطيفتهم زائدة علي ذاتهم علي قسمين تابع و متبوع كما بيّنا سابقاً في تفسير قوله تعالي والسابقون الاولون من المهاجرين و الانصار و الذين اتبعوهم باحسان و ذكرنا لكم([118]) ان هذا الستر رجال من الذين اتبعوهم باحسان و هم التابعون و لكنهم القرية الظاهرة للسير الي المتبوعين باللطيفة الزائدة فيهم و بتلك اللطيفة الزائدة يشرقون علي القوابل السفلية و يذهبون بها كل‏ما عندهم من الظلمات و يطهّرونهم عن درن السيئات و من هذه الجهة وردت اخبار عديدة و احاديث كثيرة متفقة المراد متحدة المقصود في ان الحضور عند العالم يحطّ السيئات و يضاعف الحسنات و قد ورد عن النبي9 ان الحضور عند العالم و الجلوس لديه ساعة افضل من ختم كلام اللّه اثني‏عشر الف مرة لان بالحضور عند العالم يحصل ما يستنير به قلبه و يستقر به لبّه و تحصل له زيادة البصيرة بها يطرد الشيطان و بها يزيل الشكوك و الشبهات و بها تزول الظلمات و لاريب ان هذه استفادة باطنية سرية و تلاوة القرءان و قراءته من غير استحضار معانيه و معرفة اسراره و مبانيه و معرفة ظاهره و باطنه و معرفة محكمه و متشابهه و مجمله و

 

«* شرح القصيدة صفحه 320 *»

مبينه و ناسخه و منسوخه و كنايته و استعارته و دليل التنبيه و دليل الاقتضاء و فحوي الخطاب و لحن الخطاب و دليل الخطاب و الخطاب من باب([119]) اياك اعني و اسمعي يا جاره و غيرها و النكات و الدقايق و الاسرار و الحقايق قراءة لفظية جفّ لها اللسان فلو كان عالماً بوجوه القرءان مما ذكرناه و ما لم‏نذكره و ذكرنا سابقاً و ما لم‏نذكره فهو العالم من العلماء الاعيان فحينئذ اذا حضر عند العالم استفادته تكون روحانية و استفادة التلاوة و القراءة علي هذا النحو جسمانية و فضل هذا([120]) علي ذاك فضل الروح علي الجسم و اي نسبة بين الروح و الجسم و اي نسبة بين عالميهما فعالم الروح نسبته الي عالم الجسم كـلا نسبة لسعة عالم الروح و ضيق عالم الجسم و قوله9اثني‏عشر الف مرة اشارة الي الرتبة لا الي النسبة العددية فان الحضور يقتضي التواجه و التقابل و بدن الانسان قواه الظاهرة اثني‏عشر و اذا نسبته الي اللّه بحكم ان يوماً عند ربك كالف سنة مما تعدّون يكون اثني‏عشر الفاً و القوي الاثني‏عشر القوي الظاهرة الحواس الخمس و تجاويف الدماغ الثلثة بالبطنين في كل تجويف ستة و القلب و اللحم الصنوبري هذه سبعة و تلك خمسة فالمجموع اثني‏عشر فاذا حضر عند العالم تتوجه اليه و تقابله بهذه الحدود الاثني‏عشر و كلها تستنير و تقبل الي اللّه سبحانه فتكون اثني‏عشر الفاً و قد ورد ايضاً عن النبي9انه سأله رجل و قال يا رسول اللّه تشييع الجنازة افضل ام الحضور عند العالم فقال9اذا كان للجنازة من يشيّعها و يدفنها فان الحضور عند العالم يعدل عند اللّه ثواب تشييع الف جنازة و عبادة الف ليلة في كل ليلة يصلّي الف ركعة و ثواب الف حجة و عمرة و ثواب الف غزوة الخ و هذا كله ما ذكرناه من ان الحضور عند العالم يستفيد قلبه و يشرح صدره و يستنير قواه و مشاعره خلاف العمل اذا لم‏يكن عن بصيرة قلبية و مشاهدة يقينية ليس له ذلك الثواب لان الجسم كما لايقوم الاّ بالروح كذلك عمل الجسم لايقوم الاّ بعمل الروح فلولا عمل الروح عمل الجسم ميّت مطروح كما انه لولا الروح فالجسم ميّت مطروح فاذا حييت الروح فالجسم حي بفاضل حياته بخلاف

 

«* شرح القصيدة صفحه 321 *»

الجسم فانه لايمكن حياته الاّ بالروح و لذا كان العالم نفسه تسبيح و كلامه ذكر و نومه عبادة و قد ورد ان نوم العالم افضل من عبادة العابد لان العالم علي طمأنينة و سكينة من ربه فلايضطرب و لايتشوش و لايعتريه شبهة و لا ريبة و لا شك و لا وهم و لا وسوسة و لا غير ذلك من خطورات النفس فهو امن مطمئن بخلاف العابد فان جسمه يتحرك و نفسه ليست مطمئنة و لا قوية مقابلة للشبهات الشيطانية فحينئذ ما عسي ان‏يكون للعمل قوة و ثبات و انما يصح العمل لان عندهم شيئاً من الاعتقاد الاجمالي دون التفصيلي و ذلك ايضاً عمل الروح([121]) و هو يحفظ هذه الاعمال عن التهافت و الدثور و الاضمحلال و الابادة مادام ذلك النور اي الاعتقاد الاجمالي باقياً في القلب فاما اذا اضطرب حتي عن ذلك الاعتقاد الاجمالي جاء معني قوله تعالي و قدمنا الي ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً فبالجملة مشاهدة العالم و الحضور عنده و الجلوس مجلس افادته للتعلم و الاستفادة يستنير القلب و ينشرح الصدر و تحصل له نورانية تنبعث بها للعمل و باشراق نور العالم تذهب عنه ظلمات المعاصي و السيئات فيبقي مادام باقياً في ذلك المجلس طيباً طاهراً يشرق بالنور فاذا خرج عن ذلك المجلس فمادام علي تلك الحالة تجري عليه احكام تلك الحالة و اذا تغير عنها تجري عليه احكام التغيير و هو قوله تعالي انّ اللّه لايغيّر ما بقوم حتي يغيّروا ما بانفسهم و لذا روي عن طريق اهل‏البيت عن النبي9 ان المكان الذي فيه العالم لايدخله الشيطان و لا تأتي حوله الابالسة هـ لان الشيطان لايأوي بجنوده الاّ الي الاماكن المظلمة الغاسقة المدلهمة و اذا حضر ذلك العالم يشرق من قلبه نور التوحيد و من صدره نور النبوة و من خلال جسده نور الولاية و ان كان القلب اصل هذه الوجوه الاّ ان هذا التعبير للاشارة الي المرتبة و تلك الانوار تشرق من المؤمن و تضي‏ء بها اكناف الاماكن التي حولها فاين يأتي حينئذ الشيطان و اين تستقر الظلمة مع النور و اجتماع الضدين محال كما ان اقترانهما واجب و لذا قال سيدنا الصادق لبعض اصحابه انكم تتعجبون من عظم نور النجوم و الكواكب و

 

«* شرح القصيدة صفحه 322 *»

الشمس و القمر و هذه الانوار فان الملائكة سكنة السموات و الكرسي و العرش يتعجبون من النور الذي يظهر و يتلألأ و يتشعشع من بيت فيه عالم من العلماء الالهيين و العرفاء الربانيين مما يخرج من قلبه و من صدره و من بدنه و من اعضائه و جوارحه فالملائكة يتعجبون من شدة نورانية تلك الانوار و اشراقها و سعتها اكثر و اعظم مما تتعجبون من عظم نور الشمس و القمر و ساير الكواكب ثم قال روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء انكم تتعجبون من قوة الملائكة الذين يحملون السموات السبع.

معترضـة: احب ان‏اعرّفك عظمة هذه السموات و الافلاك حتي تتعجب من عظم الملائكة الذين يحملونها فنقول ان اعظم جبال الارض و هو جبل دماوند ارتفاعه فرسخين و نصف تقريباً اذا نسبته الي كرة الارض يكون نسبته نسبة سُبع عرض الشعيرة الي كرة قطرها ذراع فانظر ماذاتري نسبة اعظم الجبال الي الارض و نسبة الارض الي الشمس نسبة الواحد الي الالف و قول اهل النجوم انها ثلثمائة خال عن التحقيق و مولانا الصادق اعلم منهم بهذا العلم لانه اخذه عن جدّه و هو رآها ليلة المعراج و قول اهل النجوم مستندة الي الات و ارصاد خطاؤها اكثر من صوابها و لقد كتبنا فيما كتبنا في علم الهيئة من نوع الاشارة اليها بدليل الحكمة و بيّنا فيها من هذا النوع كلام كثير و بالجملة فالشمس اكبر من الارض الف مرة و ان كانت الارض اكبر من القمر بخمسة و عشرين مرة و انت اذا نظرت الي الشمس التي هي اكبر من الارض بالقدر المعلوم رأيتها لبعدها مقدار شبرين بل اقل فانت اذن قسّم هذا الفلك فلك الشمس و اجعل كل شبرين مقدار الف مرة من الارض فاذا نظرت الي تمام فلك الشمس و اعطيت لكل مقدار شبراً و شبرين قدر الارض الف مرة فانظر الي ما يبلغ سعة هذا الفلك و احاطة دائرته و تيقّن حينئذ ان الشمس اسرع حركة من القمر و ان كانت الشمس تقطع الدورة بمدة سنة و القمر مدة شهر فاذا كان هذا حكم فلك الشمس فما ظنك بالافلاك المحيطة بها اذا قسمتها اشباراً و اعطيت لكل مقدار شبراً او شبرين قدر الارض الف مرة فانظر ماذاتري ثم انظر الي فلك الكرسي فلك الثوابت فان الكواكب التي فيه اصغرها كالسهي بقدر الارض خمسه‏عشر مرة و اكبرها كبنات النعش و الفرقدين و الشعري و امثالها بقدر الارض مائة

 

«* شرح القصيدة صفحه 323 *»

مرة و انت اذا نظرت الي تلك الكواكب رأيت التي بقدر الارض مائة مرة لبعدها تتراءي لك كالنقطة الكبيرة و انت حينئذ قسّم فلك الكرسي نقاطاً و اعط كل نقطة قدر الارض مائة مرة فانظر ماذاتري من سعة الكرسي و عظمه فانك تجد امراً عجيباً فوق الوصف و البيان ثم اعتبر بحال العرش الذي يكون الكرسي مع ما فيه من الافلاك السبعة بالنسبة اليه كحلقة ملقاة في فلاة قي و قد ذكر النبي9 انّ اللّه سبحانه جعل للعرش ثلثمائة الف و ستين الف ركناً خلق عند كل ركن ثلثمائة الف و ستين الف ملك اصغرهم لو امر ببلع السموات السبع و الارضين السبع كانت في لهواته كالخردلة الصغيرة في البرية الواسعة ثم امرهم بان‏يحملوا العرش فعجزوا عنه ثم خلق عند كل ركن من الملائكة ضعف ما كانوا ثم امرهم بحمل العرش فعجزوا عن حمله ثم خلق عند كل ركن عشرة اضعاف ما كانوا علي ذلك العظم و المقدار الذي وصفنا لاصغرهم فامرهم بحمل العرش فعجزوا الخ فعلي هذا فاعجب من عظم الملائكة الذين قدروا علي حمل العرش و السموات اذا كان اولئك الملائكة الكبار بتلك العظمة عجزوا عن حملها.

فاذا عرفت عظمة السموات و عظمة حامليها فلنرجع الي تتمة كلام سيدنا الصادق عليه الاف التحية و الثناء من اللّه الملك الخالق فقال انتم لاتتعجبوا من عظم الملائكة الذين يحملون السموات بل تعجبوا من عظم الملائكة الذين هم حملة كتب حسنات العالم من اهل التوحيد فانظر يا اخي الي عظم تلك الكتب التي هي اعظم من السموات و اوسع منها ثم يكون الملائكة الذين هم حملة هذه الكتب موضع عجب بالنسبة الي الملائكة الذين يحملون السموات و ان هذا الامر العظيم و الخطب الجسيم ثم لاتسألني عن ان هذه الكتب اذا كان اكبر من السموات و اوسع منها فاين موضعها فاني اقول لو سألت ذلك و لابد ان‏اجيبك فاقول ان تلك الكتب في الجنة اقل ما يعطي المؤمن في الجنة بقدر السموات سبع مرات و هو قوله تعالي و جنة عرضها السموات و الارض اعدّت للمتقين و هم الذين اتقوا الاغيار و خافوا من الادبار و كلامي هذا كلام ظاهري قشري فمن هذه الجهة قلت لاتسأل عني واللّه سبحانه و تعالي يقول و لاتسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم و ان تسألوا عنها حين ينزّل القرءان تبد لكم و هيهات هيهات اين ثقل

 

«* شرح القصيدة صفحه 324 *»

السموات و عظمتها من ثقل تلك الكتب و هي علة السموات و الارض و موضع مددها و محقق عددها اين نسبتها منها فلنقبض العنان فللحيطان اذان و تعيها اذن واعية فافهم ما القينا عليك من الاكسير الاحمر فكم من خبايا في زوايا.

ثم قال سيدنا الصادق7 و لاتتعجبوا من كثرة الاشجار و الازهار و الاوراق و الاوراد و حشايش الارض بل تعجبوا من كثرة الملائكة الذين بايديهم اطباق النور فينثرون علي العالم من اهل التوحيد و النبوة و الولاية انتهي ما نقلته معني كلام الامام الهمام مع بعض الشرح فانت اذا تأمّلت في هذا الحديث الشريف و طبقت ظاهره بباطنه و سرّه بعلانيته و القيت السمع و انت شهيد رأيت في مقام العالم الذي هو الباب و الحجاب امراً عظيماً و خطباً جسيماً ثم ان ما ذكره روحي له الفداء تقريب الي الافهام و تيسير لما يعسر من مدارك الانام والاّ فالامر اعظم ثم اعظم ثم اعظم فاذا حضرت عالماً نوره هكذا و كتب حسناته هكذا و عدد الملائكة الذين ينثرون عليه اطباق النور هكذا و نفوذ كلمته في القلب هكذا فاذا اشرق عليك بعض تلك الانوار و اصابك قبسة من تلك الاطباق للنثار فبماذا تبلغ نورانيتك و تترقي مقامات انسانيتك و اني توصلك اعمالك الضعيفة الضئيلة و افعالك السخيفة القليلة الي هذه المرتبة و تبلغك الي هذه الدرجة فلاتنقطع اذاً عن الحضور اليهم و الاستفادة من اثارهم و الاستشراق بانوارهم فانه افضل الاعمال و يحطّ عنك الاوزار التي ينوء عنها رضوي و يذبل و اليه اشار الناظم بدّل اللّه سيئاته حسنات يحطّ عن زواره وزراً به رضوي ينوء و يذبل و اتي برضوي مثلاً لا حقيقةً حيث ان رضوي هو المشهور في الالسن و تزعم الكيسانية انه الجبل الذي غاب فيه محمد بن الحنفية ابن اميرالمؤمنين روحي له الفداء و يزعمون انه هو القائم المنتظر و هو الذي يملأ الارض عدلاً و قسطاً كما ملئت ظلماً و جوراً و هو جبل بالطائف وبالجملة فمراده سلمه اللّه ليس خصوص رضوي بل كل جبل لان الجبال تنهدّ بمعصية اللّه و تزعزع و لايجتري و لايجسر علي مخالفة اللّه سبحانه جبار السموات الاّ الانسان الغافل او الجاهل المريض الزابل و قد ورد عن طريق اهل‏البيت عن سيدنا الصادق في النجف انه اعظم جبل كان علي وجه الارض و اطولها و لمّا ان نوحاً  قال لابنه يابني اركب معنا و

 

«* شرح القصيدة صفحه 325 *»

لاتكن مع الكافرين و كان هذا الجبل قريباً من دار نوح لانها كانت في الكوفة و هي مسجد الكوفة فقال ابن نوح ساوي الي جبل يعصمني من الماء و مراده بالجبل جبل النجف و ظنّ لعلوّه و ارتفاعه و سمكه اذا التجأ اليه يأمنه من الغرق لان الماء لايصل اليه و لم‏يعلم المخذول ان ذلك غضب علي اهل الارض واللّه سبحانه لايعجزه شي‏ء ثم لمّا اتاه الماء و غرق و قال سبحانه للارض ابلعي ماءك و يا سماء اقلعي و غيض الماء و قضي الامر و استوت علي الجودي اوحي اللّه تعالي الي الجبل و قال له يا جبل أيعتصم بك عني فتقطّع الجبل هيبةً من اللّه عزوجل و صار قطعاً تفرقت الي ارض الشام ثم ازداد خشوعاً و خضوعاً الي ان صار رملاً ثم ازداد خضوعاً و خشوعاً الي ان ماع و ذاب و صار ماءً رجراجاً و بحراً مواجاً فسمي ذلك البحر «ني» ثم بعد حين من الدهر جفّ الماء و قالوا «ني‏جف» ثم غلب عليه الاستعمال فقيل نجف و الشاهد في قوله سلمه اللّه تعالي ينوء و يذبل فاذا كان هذا الجبل العظيم الذي هو اعظم من رضوي صار هكذا عند معصية واحدة او ترك الاولي فبلغ به الحال هكذا فما ظنك برضوي و ساير الجبال و اكناف الارض و اطرافها بل هذا الازار يحطّ الاوزار التي تنوء عنها و تذبل السموات السبع و الارضين السبع و ما فوقهن و ما تحتهن و ما بينهن بل اذا امتلأت السموات و الارض من معاصي شخص او اشخاص و عصوا اللّه باعظم المعاصي و اكبرها بحيث ان ذنوبهم طبقت السموات و الارض فاذا زاروا هذا الازار المكتنف بالانوار و المحشوّ بالاسرار تحطّ عنهم تلك الاوزار و ان بلغت ما بلغت لان كرامة العالم من اهل التوحيد عند اللّه عظيمة و عنايته جسيمة و هو سبحانه و تعالي ارحم‏الراحمين و ما ذلك عليه بعزيز ان‏يخلّص المتمسكين باهل ولايته و اللائذين باهل توحيده و قد قال سيدنا الحسن العسكري ان العالم يأتي يوم القيمة و علي رأسه تاج من جواهر تغشي بنورها الابصار و ذلك التاج له اربعة اركان و يسطع من كل ركن نور يملأ ارض المحشر فيتشبث كل من اخذ من ذلك العالم بذلك النور في جميع اطراف القيمة ولو بوسايط عديدة بعيدة فيدخلون الجنة  فيا له من مقام مااكرمه و من شرف مااعظمه و من مرتبة ماابهاها و من درجة مااسناها و من كرامة مااجلّها و من عناية ماافضلها و اشملها و من رحمة مااوسعها

 

«* شرح القصيدة صفحه 326 *»

و من قدرة مااجمعها نسأل اللّه سبحانه ان‏يجعلنا منهم و من المحشورين معهم و من الناطقين بما نطقوا و من الساكتين عما سكتوا انه علي كل شي‏ء قدير و بالاجابة جدير.

وصــل: لمّا فرغ الناظم ايّده اللّه بتأييده و سري به الي عالم تجريده و تفريده و جعله من خلّص عبيده من بعض اوصاف الستر و بعض اسمائه و هو قليل من كثير و حقير من خطير و قطرة من البحر التيّار و رشحة مما يطفح من اناء الاسرار كيف لا و هو النعمة التي قال الله تعالي و ان تعدّوا نعمة اللّه لاتحصوها و هو البئر المعطلة اذ لايمكن لاحد ان‏ينزح شيئاً من ماء اسراره و قصر مشيد اذ لايسع لاحد ان‏يصعد الي ذروة مجده و شرفه و يرتقي الي اعلي درجات عزّه و منعته ينحدر عنه السيل و لايرقي اليه الطير و هو الغيب الذي بيد اللّه مفاتحه و هو قوله تعالي و عنده مفاتح الغيب لايعلمها الاّ هو و هو الكلمات التي لايجاوزهن برّ و لا فاجر و في الدعاء و اعوذ بكلمات اللّه التامّات التي لايجاوزهن برّ و لا فاجر من شر ما برأ و من شر ما ذرأ و هو الكلمات التي بها ابتلي الخليل ابرهيم فاتمّهن ثم شرّفه اللّه و كرّمه كرامة لاتمام كلماته و منحه و اعطاه و شرّفه و حباه و قال اني جاعلك للناس اماماً و هو الكلمات التي تلقي بها ادم من ربه فتاب عليه و هو الكلمات التي لو كان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه و هو علم الساعة من قوله تعالي و عنده علم الساعة فلاتمترنّ بها و هو النفس التي لايعلم ما فيها عيسي و هو حجاب الواحدية و هو حجاب الرحمانية و هو حجاب القدرة و هو حجاب الرفعة و هو حجاب العزة و هو حجاب المنعة و هو حجاب الغلبة و هو حجاب القيومية و هو حجاب الرأفة و هو حجاب الرحمة  و هو حجاب الهيمنة و هو حجاب الجلال و هو حجاب الجمال و هو حجاب الكرم و هو حجاب النعم و هو حجاب الاقتدار و هو حجاب الفخار و غيرها من الاطوار و هو سرّ الوجود و باب الغيب و الشهود و موضع امتياز العابد من المعبود و محل اقتران الشاهد بالمشهود و حقيقة الركوع و السجود و المبدء الذي منه البدء و اليه كل شي‏ء يعود و النور المشرق من صبح الازل و الوجه من التعين الاول و جامع هياكل التوحيد و سرّ التفريد و التمجيد و ماعسي ان‏اقول من الكلام و قدقطع الكلام كلام اللّه الملك العلام

 

«* شرح القصيدة صفحه 327 *»

كما سبق في هذا المقام لو كان ما في الارض من شجرة اقلام فاذا علّقه اللّه سبحانه بما ليس فيه مجال و هو في الظاهر و الصورة محال فاين موضع الجواب و السؤال و اين محل المقال فوجب السكوت اذ ليس في محال القول حجة و لا في المسألة عنه جواب و لا في معناه للّه تعظيم و لا في اثباته له تكريم فلا اقسم بمواقع النجوم و انه لقسم لو تعلمون عظيم انه لقرءان كريم في كتاب مكنون لايمسّه الاّ المطهّرون أفبهذا الحديث انتم مدهنون حتي اذا بلغت الحلقوم و انتم حينئذ تنظرون و نحن اقرب اليه منكم ولكن لاتبصرون و هذه الكلمات و الصفات من سرّ باطن باطن باطن الباطن و لايسعنا الكلام بازيد مما قلنا ولكنّه ليس من البواطن التي بيّنا عند شرح قوله سلّمه اللّه تعالي هذا الزبور و هذه التورية الي اخر البيت فان ذلك في السلسلة العرضية من تنزل الشي‏ء الواحد من الخزائن الالهية من قوله تعالي و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزّله الاّ بقدر معلوم  و اما هذه البواطن التي اشرنا هنا الي باطن باطن باطن الباطن فانها من السلسلة الطولية دون العرضية و قد قال اميرالمؤمنين روحي له الفداء انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و قال تعالي حكاية عن الملائكة بل عن كل شي‏ء و ما منّا الاّ له مقام معلوم و انّا لنحن الصافّون و قال تعالي حكاية عن يوسف و هو مقتضي حكمة الربوبية معاذ اللّه ان‏نأخذ الاّ من وجدنا متاعنا عنده و قال تعالي لاتحرّك به لسانك لتعجل به انّ علينا جمعه و قرءانه فاذا قرأناه فاتبع قرءانه ثم انّ علينا بيانه و البيان في كل صقع لايشمل الصقع الاخر فافهم فانّا لو اردنا شرح هذه الكلمات لاقتضي مجلداً كبير الحجم و نحن في شغل عن ذلك و هذا الذي ذكرنا نحن في وصف هذا الستر قليل من كثير و حقير من خطير و بالجملة وصف الناظم ايّده اللّه بعض اوصاف هذا الستر و نحن اتبعناه ببعض اخر و لعل يحصل من يشرح الوصف الذي وصفته كما شرحت انا و فصّلت بالاشارة الاجمالية الوصف الذي وصفه الناظم سلمه اللّه تعالي.

و لمّا فرغ من وصف ما اراد ذكره اراد سلّمه اللّه تعالي ان‏يبيّن كيفية وصول هذا الستر الي ذلك الامام الهمام سيدنا و مولينا موسي بن جعفر عليهما الاف التحية و الاكرام من الله الملك العلام فقال للّه درّه و عظم برّه و تولي امره و رفع ذكره و اسبل

 

«* شرح القصيدة صفحه 328 *»

عليه استار رحمته الواسعة بالقدرة الجامعة:

لمّا به ساروا و اعلام لهم   خفقت باثواب الجلالة ترقل

اقـول: اما في الظاهر فمعلوم غني عن البيان ان الستر الشريف المرسول من حضرة السلطان بن السلطان بن السلطان و الخاقان بن الخاقان بن الخاقان تغمده اللّه برحمته الواسعة لمّا وصل الي دارالسلام بغداد و ارادوا ان‏يسيروا به الي حضرة سيدنا و مولانا ابن الرسول و فلذة كبد الزهراء البتول و ابن اميرالمؤمنين سيف اللّه المسلول السيد الاطهر الامام موسي بن جعفر عليهما الاف الف تحية([122]) من اللّه الملك الاكبر رفعت الاعلام و نشرت الالوية و شيّعه وجوه دارالسلام الذين عليهم النقض و الابرام و الحلّ و العقد في المهامّ و اتبعته غيرهم من الخواص و العوام فوضعوا الستر علي الرءوس تعظيماً و تفخيماً لذلك الناموس ضجّت الاصوات بصنوف اللغات بالكلمتين الشريفتين و ما يشتمل علي الثناء علي اللّه سبحانه و التمجيد و التعظيم لرسول اللّه9و تلقّتهم اهل القصبة الشريفة باعلام خافقة و الوية منشورة و السنة بالتسبيح و التحميد ناطقة باصوات و الحان فايقة بكلمات و عبارات رايقة و ادخلوا بكمال الاعظام و الاعزاز و الاكرام و زيّنوا به قبر ذلك السيد القمقام و هذا ظاهر معلوم و لمّا كان كل ظاهر تنزل من باطنه لبطلان الطفرة و صريح قوله تعالي و ماننزّله الاّ بقدر معلوم اذ لو كانت تلك الخزائن متساوية فلا معني للنزول و فيه دلالة علي ان تلك الخزائن عليا و سفلي متنزلة المراتب و قد قال مولينا الصادق7انّ قوماً امنوا بالظاهر و كفروا بالباطن فلم‏يك ينفعهم ايمانهم شيئاً و انّ قوماً امنوا بالباطن و كفروا بالظاهر فلم‏يك ينفعهم ايمانهم شيئاً و لا ظاهر الاّ بباطن كما لا روح الاّ بالجسد و كل ظاهر علي كل طور لابد من نزوله من باطن الاّ ان باطن كل ظاهر علي حسب ظاهره و الظاهر علي مقتضي تنزّل باطنه فتختلف البواطن كما اختلفت الظواهر كاختلاف الارواح مع اختلاف الاجسام و كذلك ظاهر ما صنع اهل دارالسلام في تعظيم هذا الستر الشريف و الحجاب المنيف لابد ان‏يكون

 

«* شرح القصيدة صفحه 329 *»

ناشئاً من سرّ باطن في الستر و السير به و الاعلام و ساير الاحكام.

فنقول اما هذا الستر فهو قطعة من العباء و الكساء التي جمعت الخمسة كفّ الحكيم و حوتهم و شملتهم و اثبتت مقام جمعهم و لمّا كان الموجود منهم خمسة شملتهم ظاهراً و باطناً و لمّا كان الباقون في غيب الاستجنان لم‏تشملهم ظاهراً فوجب ان‏تشملهم كذلك كما شملتهم في الباطن لان الظاهر عنوان الباطن اذا كان الظاهر حقيقةً لا عرضاً كحسن وجه الكفار و قبح وجه بعض المؤمنين و ارسال هذه التحفة ليس مخصوصاً بسيدنا الكاظم7 بل لغيره ممن سواه من سنخه و من حقيقته الاّ ان الارسال الي هذا السيد الطاهر ظهر بهذا النوع من الظهور و اما للباقين فعلي وجه الخفاء و عدم الظهور كالجسم الطبيعي اذا ظهر بالجسم التعليمي والاّ فالاصل هو الجسم الطبيعي و الجسم التعليمي عرض خارج و كذلك الظهور علي الوجه المخصوص لمولانا الكاظم عليه الاف التحية و الثناء كان امراً عرضياً لا ذاتياً والاّ كان اقتضي ظهور هذه الشوكة و الجلالة من اصل دارالسلطنة متصلاً الي ان‏يصل الي الزوراء ثم الي القبة النوراء و حيث لم‏يكن عرفنا ان ذلك عرضي و اما علي الوجه الحقيقي فان الستر المشرف ساروا به باعلام حقيقية و الوية الهية الي ان اوصلوه الي محله لان الله سبحانه لايخلّ بالحكمة وبالجملة فتلك القطعة قطعة اخذت من العباء مع عدم تغير العباء و تفاوتها لانها نسجت من عالم الرحمة الاولية([123]) بخيوط سداها الاسماء كلها من العظام و غيرها و كل اسم خيط جعل سدا هذه العباء و الجامع لهذا السدا و حافظه و محدده هو كلمة التوحيد لا اله الاّ اللّه و حروفها الثلاثة الظاهرة في اثني‏عشر انّ عدّة الشهور عند اللّه اثناعشر شهراً في كتاب اللّه منها اربعة حرم  فبالاسماء و كلمة لا اله الاّ اللّه تمّ سدا هذه العباءة و اما لحمتها فالمعارف و الحقايق الالهية الظاهرة في النبوة المطلقة و الولاية المطلقة بجميع اطوارهما و احوالهما في نشأتيهما من الغيب الازلي الي السرّ الابدي و العالم السرمدي كلها التي تحملهما الكلمتان الشريفتان و هما محمّد رسول اللّه الظاهر باثني‏عشر حرفاً

 

«* شرح القصيدة صفحه 330 *»

في البروج الاثني‏عشر فهذه الخيوط علي تفاوت الوانها و اصباغها و هيئاتها و اشكالها لحمة العباء و لمّا حيكت حاكتها يد القدرة في ظلّ العظمة و حجاب الكرامة اهدتها الي نبي الرحمة ثم انه جعلها قطعاً متعددة علي عدد كليات سداها و لحمتها من غير ان‏ينقص من تلك العباء شي‏ء تشعّب ذلك الاصل بهذه الفروع و القطعات و كل قطعة علي هيئة العباء كما ان كل قطعة من صاحب النبوة المطلقة9 علي هيئته اما اخبرك اللّه سبحانه و تعالي بان الولد جزء من والده بقوله تعالي و جعلوا له من عباده جزءاً و ذلك لمّا قالوا ان الملائكة بنات اللّه اما اخبرك ان الولد عمل يتصف بانه صالح او غير صالح اما الاول كما في قوله تعالي فلمّا تغشّيها حملت حملاً خفيفاً فمرّت به فلمّا اثقلت دعوا اللّه ربهما لئن اتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشاكرين فلمّا اتيهما صالحاً جعلا له شركاء فيما اتيهما سبحانه و تعالي عما يشركون و اما الثاني فقال سبحانه خطاباً لنوح يانوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح  فعلمنا ان الولد عمل لوالده لكنّه يتصف بالصلاح و عدمه و قد اخبرك اللّه سبحانه بان كلاً يعمل علي شاكلته فعلمنا ان الولد علي شكل ابيه و هيئته مع انه جزؤه.

فلمّا كان سيدنا الكاظم جزء من النبي و هو عمل صالح ظهر علي شاكلته فالعباء التي للنبي9 اذا تقطعت و تجزئت اذا ظهرت قطعها و برزت اشكالها تكون علي شكل الاصل فكانت هذه العباء الظاهرة بصورة الرداء علي هيئة العباءة الاولية لا فرق بينها و بينها الاّ ان الثانية فرع و الاولي اصل و لايتبين ذلك الاّ بالبيان لان هذا الفرق فوق طاقة المخلوقين الاّ بعناية خاصة و بيان خاص و هو قول سيدنا الصادق عليه الاف التحية و الثناء في الحديث المتقدم او من شئنا فتلك القطعة التي هي الستر قدنسجت كما ذكر من سداها و لحمتها و نساجتها و حايكها و المحوكه‏له قدسيّرها رسول اللّه9لاشخاص كرام من العالين و هم اربعة اولهم و سيدهم روح‏القدس و ثانيهم الروح من امر اللّه و ثالثهم نفس لايعلمها و لايحيط بها الاّ اللّه و هي قوله تعالي حكايةً عن عيسي تعلم ما في نفسي و لا اعلم ما في نفسك النفس المضافة الي اللّه تأكيد و ظهور لان النفس من التأكيد المعنوي و رابعهم الروح علي ملائكة الحجب و هؤلاء الحقايق و الذوات العالون

 

«* شرح القصيدة صفحه 331 *»

الجامعون لجميع شئونات الصفات من احكام التعينات هم الذين ساروا بذلك الستر الي المكان المقدس و المحل المشرف المنزه و شيّعتهم الكروبيون و هم ليسوا بملك و هم ملك كما يأتي بيانه و يتضح برهانه ثم شيّعتهم حقايق الموجودات و ذرات الكاينات و جهات الروابط و الاضافات و المختلفات و المؤتلفات و الافراد و الكليات و الانواع و الاجناس و الاعيان و الاشخاص و ساير الاكوار و الادوار و الاوطار و الاطوار و هذه الموجودات من المحسوسات و المعقولات و الظاهرات و المخفيات كلها تبعت و شيّعت اولئك الرؤساء مبدء الشكل المربع الظاهر بالتأليف و الاجتماع و المحبة و المودة و قران كل شي‏ء بمناسبه و لهم اعلام اربعة و هي الكليات العَلَم الاول الاعلي روح‏القدس و هو علم عظيم و لواء كبير يقرب الي لواء الحمد و هذا اللواء محوك بيد العظمة سداه من زغب ميكائيل و لحمته من زغب اسرافيل و عزرائيل و له سبعمائة([124]) الاف الف شقة كل شقة تسع الخلايق اجمعين و طول هذا العلم و اللواء الف الف قامة مكتوب عليه لا اله الاّ اللّه محمّد البشير النذير السراج المنير و اولياؤه و خلفاؤه مهابط فيض اللّه اللطيف الخبير و العَلَم الثاني طوله الف الف ذراع الروح([125]) من امر اللّه محوك بيد الرحمة سداه من زغب اسرافيل و لحمته من زغب ميكائيل و جبرائيل مكتوب عليه لا اله الاّ اللّه محمّد رسول اللّه9 نبي الرحمة و شفيع الامة و اولياؤه و خلفاؤه ابواب الهداية و البرازخ بين البداية و النهاية و العَلَم الثالث طوله الف الف شبر حاكته([126]) يد الكرم في محل النعم سداه من زغب عزرائيل و لحمته من زغب ميكائيل و جبرائيل مكتوب عليه لا اله الاّ اللّه محمّد رسول اللّه9ولي النعم و اولياؤه و خلفاؤه اولياء الكرم و العلم الرابع طوله الف الف شبر غلظه سبعون الف ذراع و هذا العلم من ياقوتة حمراء و له سبعون الف شقة من الزمرد الخضراء و كل شقة تسع اهل الدنيا و من فيها و هذه كليات الاعلام و حاملها بشر من اولئك الكرام الفخام يحملونها من حجاب الواحدية و يسيرون بها و الستر علي يد نفس اللّه التي لايعلم ما فيها عيسي و باقي

 

«* شرح القصيدة صفحه 332 *»

الخلايق لهم اعلام علي حسب مقامهم و مرتبتهم في ارتفاعها و انخفاضها منها اعلام الكروبيين([127]) و هي اعلام مرتفعة و بالجلال و العظمة خافقة و الوانها صفر وشققها خضر و ساقها حمرة مخلوطة ببياض ثم باقي الذرات الوجودية لها الوية منشورة لو اردنا شرحها و تفصيل صورها و احوالها و تفصيل الذرات الحاملة لتلك الاعلام لخرجنا عما نحن فيه من المقام و بالجملة فالاعلام الف الف علي اختلاف المقادير و الالوان و الصور و الهيئات و الشقق و امثالها و تحت كل علم من الخلايق ما لايحصيهم الاّ اللّه سبحانه و تعالي علي اختلاف اشخاصهم و اعيانهم و صورهم و هيئاتهم و صفاتهم اه اه لو كان لي قلب مجتمع خلي من الاشغال المانعة عن استقامة الحال لاخبرتك من هذه الاعلام و حملتها و الذين تحتها من الخلايق العظام بصور انواعها التي منها يعلم صور اشخاصها ولكن الي اللّه المشيات كلها فلا عتب فيما شاءه و ملام الاّ ان في نوع ما ذكرناه كفاية لاولي الهداية و الرشاد و اهل الصواب و السداد.

و هؤلاء الرؤساء المتبعون السابقون و التابعون لهم باحسان من حملة الاعلام و من الواقفين تحت الرايات و الالوية المنشورة و تلك الاعلام تخفق لما يفيض عليها من كرامات اللّه سبحانه و عناياته فمن الشقق ماتخفق عند ظهور العظمة و منها ماتخفق عند ظهور الكبرياء و منها ما تخفق عند ظهور الجلال و البهاء و منها ما تخفق عند ظهور النور و السناء و منها ما تخفق عند ظهور الكرم و الالاء و منها ما تخفق عند ظهور المجد و النعماء و بالجملة لهم اطوار مختلفة عند الخفقان فحملة الاعلام و الذين تحت تلك الرايات من الخواص و العوام من الناطقات ظاهراً و الصامتات و من الجامدات و المشتقات و من المجردات و الماديات كلها رافعة اصواتها بالتسبيح و التمجيد و التحميد و التقديس و التهليل لهم زجل عظيم في تسبيح اللّه سبحانه بحكم و ان من شي‏ء الاّ يسبّح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم فاصواتها مرتفعة و قلوبها خاضعة و ابدانها خاشعة و افئدتها فازعة و هم في حنين الي بارئهم و انين اذا حصل لهم الفراق

 

«* شرح القصيدة صفحه 333 *»

لشدة لواعج الاشتياق و بالجملة في حال عظيم يسيرون من جبل الاحدية و الستر بين يديهم كلما يتقدمون بالستر الي عالم التفاصيل و الكثرات يلحقهم خلق كثير باعلام و الوية رافعين اصواتهم بتسبيح اللّه و تقديسه و سائلين حوائجهم الي حضرة قدسه لان العنايات و الكرامات و الرحمة الواسعة و العنايات الجامعة و الاعطاف الشاملة و النعماء البالغة السابغة علي رءوسهم مرفرفة و لهم معدّة حيث انهم يعظّمون شعائر اللّه و من يعظّم شعائر اللّه فانها من تقوي القلوب لكم فيها منافع الي اجل مسمي ثم محلها الي البيت العتيق  فلم‏يزالوا سائرين و للّه سبحانه مسبّحين و اياه داعين و لخيره طالبين و لشعائر اللّه و حرماته معظّمين و كذلك متزايدين متلاحقين افواجاً افواجاً و سائرين من مبدء سيرهم الذي ذكرنا الي اربعين منزلاً في اربعين يوماً حتي اتوا الي البيت العتيق و الركن الوثيق و الجار اللصيق و هو القبر المطهر و المرقد المنور بذلك الامام الاطهر الازهر في بلد الاحسان عند اجتماع بهرام و كيوان علي دقايق الاقتران و اتصال برجيس و ناهيد في درجات الامتنان و في الافق الذي كان عليه السرطان في خط الاستواء مستوي الرحمن فاتوا بهذه الخلعة السنية و التحفة البهية الي كل من ارباب الولاية و اصحاب العناية و اجزاء الرسول و مصادر العزّ و القبول انوار التنزيل اصحاب التأويل الغرر الميامين الدرر الاطيبين فخلعوهم به و البسوهم اياها فشملت السائرين به حاملي الاعلام و الالوية و المشيعين لها من جهة الاكرام و الاعظام من عناية اللّه و كرامته و شمول رحمة اللّه لهم و عنايته عليهم الي ان ظهر ما اشار اليه الناظم ايّده اللّه بتوفيقه و اكرمه بتسديده و تأييده و قال:

باهي الالهُ بهم ملائكة السماء   فبدت علي الزوراء ضحي تتنزل

اقـول: اي باهي اللّه سبحانه بهؤلاء المشيّعين السائرين بالستر من اصحاب اليقين الذين شملتهم العناية و الكرامة من اللّه ربّ العالمين فاختارهم اللّه و اجتبيهم و اصطفيهم و اظهر فضلهم للملائكة و مقامهم لهم فلمّا عرفت الملائكة ذلك فبدت و نزلت علي دارالسلام حاملون انوار الكرامة و اطباق النور و الرحمة فنثروها علي السائرين به و المشيعين له و حملة الالوية و الاعلام و سدنة مخازن الفيض من اللّه العلي

 

«* شرح القصيدة صفحه 334 *»

العلام و معني نزول الملائكة عليهم ليس انهم مفارقونهم و لمّا باهي اللّه بهم عرفوا و نزلوا كلا ان الملائكة لايفارقونهم كيف يفارقونهم و هم الموكّلون بهم فمنهم المقسّمات و منهم المدبّرات و منهم المعقّبات فكيف يمكن التخلف بل لايمكن والاّ لفسدت السموات و الارض و من فيها بل المراد من تنزلهم عليهم اتصالهم بهم بنحو المناسبة لان الانسان بل كل شي‏ء له جهتان كما فصّلنا لكم سابقاً عند بيان السكينة و ذكر الطمأنينة فهذا التنزل عليهم و الاتصال بهم من نوع ذلك الاتصال فيكونون معهم و يسلّمون اليهم مفاتيح الخزائن التي عندهم حتي يكونوا اولياءهم من قوله تعالي نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا و في الاخرة و هذا معني قول الناظم سلّمه اللّه تعالي فبدت علي الزوراء ضحي تتنزل و المراد بالزوراء دارالسلام محل الانعام و موضع الاكرام مقام الامن من المخاوف و النجاة من المهالك بحسن سياسة علي الاعلي المحبو بجلائل النعماء و الالاء و انما قال ضحي لانه مقام انتشار النور علي كل شي‏ء لاسيما هؤلاء السائرين بالستر و المشيّعين له لان الظلمات قدذهبت و الاكدار قد ولّت فكان الوقت ضحي ظاهراً بالانوار و كاشفاً للاسرار و انما خصّ الضحي و لم‏يذكر الظهر مع ان النور هناك اكثر و شموله و انبساطه اظهر و الظلّ يرتفع بالكلية لانعدام الظلّ في بعض الافاق و لاسيما خط الاستواء فالظهر انسب في المقام ولو اتوا بالستر نصف الليل عند معترك الظلام و انما خصّ الضحي دون الظهر رعايةً للادب و ملاحظةً للرتب فاذا ذكر سطوع الانوار و اشراق شمس العناية علي التابعين للالوية و المشيّعين لايتاء الستر الي موضع القبر و عبّر عنها بالظهر فاي شي‏ء يقول اذا اراد ان‏يذكر اشراق النور و صبح شمس الازل علي الحقيقة المحمّدية حامل النبوة المطلقة و حامل الولاية المطلقة فان قال ضحي فقد ساوي بينهم و الفرع لايساوي الاصل و ان قال العصر فقد نقص الاصل و رفع الفرع و ذلك خلاف الحكمة و ظلم لايجوز علي اهل الفطنة فوجب ان‏ينسب الي التابع الضحي و علي المتبوع الظهر حتي يطابق و يوافق و يظهر سرّ قوله سبحانه سبحان الذي اتقن صنع كل شي‏ء فللّه درّ الناظم من حكيم متقن و من عالم معلن يضع الاشياء في مواضعها و يعطي الحقايق رتبها فانّ حق المراتب واجب بل هو من اوجب الواجبات و

 

«* شرح القصيدة صفحه 335 *»

اعظم العزايم اللازمات الثابتات.

و اما الملائكة فان لفظها اما مشتق من المألك المشتق من الالوكة بمعني الرسالة او مشتق من الملك بمعني العبودية و كلا الاشتقاقين يأتيان في المقام اما الاول فان الملائكة رسل كما قال تعالي و هو الذي اصطفي من الملئكة رسلاً و من الناس و اما الثاني فانهم عبيد لايخالفون امر مولاهم كما قال تعالي عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فاذا نظرت الي نفس صلاحية اللفظ فانه يصح اطلاقه علي كل من عنده احدي الصفتين فكل رسول يصح ان‏يسمي ملكاً و كل عبد يصح ان‏يقال انه ملك كما ان الجن من حيث اشتقاق اللفظ يصح ان‏يطلق علي الملائكة كما اطلق سبحانه في القرءان و قال سبحانه و جعلوا بينه و بين الجنة نسباً و لقدعلمت الجنة انهم لمحضرون و لاريب ان ليس احد نسب الجنة الي اللّه بنسب البنوة ام غيرها نعم جعلوا بين اللّه و بين الملائكة نسباً حيث قالوا انهم بنات اللّه و حيث ان الجن اشتق من الاستجنان و الخفاء يصح ان‏يطلق علي كل من له صفة الخفاء و الاستجنان ان‏يقال له جن كما في قوله تعالي و اذ انتم اجنّة في بطون امهاتكم فمن هذا الباب تسمية الجنين جنيناً و من هذا الباب قوله تعالي فلمّا جنّ عليه الّيل رأي كوكباً الاية فمن هذه الجهة اي الصدق اللفظي و صلاحية اللفظ في الدلالة اختلفت الاطلاقات في الايات و في احاديث سادة البريات في الجن و الملك و كثيراًما يطلقون الملك علي شي‏ء ثم ينفونه عنه كما في الاربعة الذين تقدم منّا انهم الرؤساء و هم ساروا بهذا الستر من مبدئه الي محله و هم اولوا الاعلام الذين وصفت اعلامهم و ذكرت بعض صفاتها و احوالها و قد ورد انهم الملائكة العالون الذين ماامروا بالسجود لادم كما افصح عنه صريح القرءان في قوله تعالي خطاباً لابليس مامنعك ان‏تسجد لما خلقت بيدي استكبرت ام كنت من العالين و قد سمّوهم ملائكة عالين مع انه قد ورد عن مولانا و سيدنا الرضا عليه من اللّه الاف التحية و الثناء انهم ليسوا بملك و انما هم بشر و قد ورد عن النبي9 ذلك ايضاً و بهذا المفتاح الذي منح اللّه عليك بواسطة هذا الحقير الفقير الضعيف تقدر علي فتح هذه الابواب المغلقة و تسلك هذه المسالك الوعرة الضيقة.

 

«* شرح القصيدة صفحه 336 *»

و اما الملائكة الذين هم في مقابلة الانسان و الجان فهم عبارة عن ذوات نورانية قد اضمحلت فيهم جهة الميولات النفسانية و الشهوات الانسانية و الجنية فغلبت عليهم جهة النور بحيث اضمحلت عنهم جهات الظلمة بالمرة فلا اثر لها بالكلية الاّ في بعض الموارد الجزئية و هي والعياذ باللّه ليست بمعصية بل انما هو ترك الاولي و ترك الاصلح فان اللّه سبحانه نصّ علي ذلك في محكم كتابه و هو اصدق القائلين و اعلم من كل احد لانه خلقهم و صوّرهم و اوجدهم الا يعلم من خلق و قال سبحانه عليها ملئكة غلاظ شداد لايعصون اللّه ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون و قال سبحانه في تفسير الظاهر عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و تقديم الجار و المجرور علي المتعلق يفيد الحصر حيث لم‏تكن قرينة تدلّ علي عدمه فالملائكة ليست لهم جهة يظهرون بها الظلمة ليجروا عليها مقتضياتها و الفرق بينهم و بين الانبياء ان الانبياء اضعفوها بقوة العمل و الاقبال و التوجه الي اللّه سبحانه و تعالي بحيث انغمسوا في بحر النور و سبحوا في لجّة الظهور و كشفوا سبحات الجلال من غير اشارة و محوا الموهوم و صحي لهم المعلوم و هتكوا الستر بغلبة السرّ و جذبت الاحدية اليها انفسهم فالقوا بذلك الجذب لوازم انيتهم فاشرق لهم النور من صبح الازل فلاح علي هياكلهم اثاره و اطفأوا سرج القوي و المشاعر و الحواس مما يلي شهواتهم و ميولاتهم و انياتهم و طلع لهم الصبح الوضاح استغنوا به عن المصباح فازالوا الظلمات و طهر([128]) القلب من شوائب الشكوك و الشبهات و شرح الصدر لئن لايتضيق بتوارد الهموم و الظنون و الخيالات و اصلح البدن لئلايتمكن الشياطين و الابالسة بالقاء الاوهام و الضلالات قداذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً و اما الملائكة فهم و ان كانوا كذلك لكن ذلك من اصل الخلقة و الفطرة فلم‏يجدوا انفسهم مذ وجدوا انفسهم و لم‏يشاهدوها مذ شاهدوها فهم مطهّرون في اصل الخلقة و الايجاد لا بقوة العمل لتواتر الامداد فهم بالنوع افضل و في الجنس اكمل و اشرف فالملائكة هم حملة الامداد و الوجوه للتعين الاول في اطوار

 

«* شرح القصيدة صفحه 337 *»

ايصال الفيض الي القوابل و الاستعداد فمنهم مقبلون الي اللّه ليس لهم شأن الاّ طاعة اللّه فهم علي اقسام منهم قيام لايقعدون و منهم قعود يذكرون و لايقومون و منهم ركوع فلاينتصبون و منهم سجود فلايرفعون رءوسهم و هم بين يدي الحق مضمحلّون منهم([129]) مشتغلون بالذكر فهم علي انحاء منهم يذكرون سبحان اللّه منهم يذكرون الحمدللّه و منهم يذكرون لا اله الاّ اللّه و منهم يذكرون اللّه اكبر و منهم من يبكون من خشية اللّه بحيث لو جمعت جميع بحور الدنيا في جنب دموعهم كالقطرة في البحر و منهم من يحملون عدد القطرات فكل قطرة ينزل بها ملك ثم لايصعدون و منهم يسوقون السحب الي المواضع التي يريد اللّه ان‏يمطرها و هذا هو الرعد و هذا الصوت العالي صوتهم و البرق نار يخرج من فيهم فهؤلاء اصغر من الزنبور و اكبر من البعوضة و منهم من يسقون الاشجار و منهم من يحملون ظلمة الليل و ضوء النهار و منهم من يجرّون الشمس بكلاليب  من نور فان الشمس عليها سبعون الف كلاب و كل كلاب تجرّه سبعون الف ملك يجرّون من مشرقها الي مغربها ثم ينزعون عنها النور فتخرّ ساجدة تحت عرش ربها ثم يسألون ربهم هل نلبسها لباس النور ام لا فيأتيهم النداء بما يريد اللّه ثم يسألون ربهم هل نطلعها من مشرقها او من مغربها فيأتيهم النداء بما يريد اللّه ثم يسألون ربهم عن مقدار الضوء الذي يلبسونها اياه فيأتيهم النداء بما يحتاج اليه الخلق من قصر النهار و طوله في الصيف او في الشتاء في الربيع او الخريف و هكذا يفعلون بباقي الكواكب ملائكة اخر موكّلون عليها علي حسب مقتضي كينوناتهم و لاتتوهم ان ذلك مخالف لما عليه علماء الهيئة اذ لا تخالف بين ما ذكرناه مقدار سمّ الابرة ولكن الشأن في وجه الجمع فاني لو اردت بيانها يطول بنا الكلام و منهم من يحملون الهواء و منهم الموكلون بالرياح و هم الملائكة الاربع الصبا و الجنوب و الشمال و الدبور و هؤلاء اسماء الملائكة كل ملك يسيّر الريح الي الناحية التي وكّل بها و منهم الملائكة الموكلون بالاشجار و منهم من يجذب الغذاء اليها و منهم من يحلّها و يعفّنها و منهم من يدفع الفضولات عنها

 

«* شرح القصيدة صفحه 338 *»

و منهم من يمسكها عن التهافت و الدثور و الاضمحلال و هذه القوي الاربعة الجاذبة و الهاضمة و الدافعة و الماسكة يدٌ لهم يتصرف الملائكة بها كما ان الكاتب يكتب بالقلم و منهم من ينوّع الاشجار انواعاً و منهم من يميّزها اشخاصاً و منهم من ينقلها من حال الي حال و منهم من يسبّب لها التغيير و منهم من يغيّرها بزيادة و نقصان بنمو و ذبول و منهم من يغيّرها بلطافة و نعومة و بكثرة الاغصان و قلتها و هكذا من ساير احوالهم و كذلك يفعلون بالاحجار و منهم الموكلون بحمل السموات و منهم الموكلون بحمل الارضين و منهم الموكلون بعدم طغيان البحار و منهم الموكلون بضبط الانهار و الاشجار و منهم الموكلون باختلاف الليل و النهار و منهم الموكلون بالارزاق و رئيسهم ميكائيل و منهم الموكلون بالحيوة و رئيسهم اسرافيل و منهم الموكلون بالموت و رئيسهم عزرائيل و منهم الموكلون بالخلق و رئيسهم جبرائيل و منهم الملكان الخلاقان اللذان يقتحمان رحم المرأة من فيها([130]) و يقولان يارب كيف نخلقه ذكراً او انثي فيأتيهم النداء بما يريد اللّه ثم يسألان كيف نخلقه سعيداً او شقياً فيأتيهم النداء بما يريد اللّه و لهم صور شتي مختلفة فمنهم من بين منكبيه و شحمة اذنيه مقدار سير الطائر المسرع خمسمائة عام و منهم من لو صبّت مياه جميع البحار في نقرة ابهامه لاتمتلي و منهم من له الف رأس و علي كل رأس الف وجه و علي كل وجه الف فم و في كل فم الف لسان و بكل لسان يسبّح اللّه بالف لغة و منهم من له الف يد و علي كل يد الف ساعد و علي كل ساعد الف مرفق و علي كل مرفق الف كفّ و علي كل كفّ الف اصبع و هكذا صورهم و هيئاتهم و اشكالهم العجيبة و قد رأي رسول اللّه9 جبرئيل بصورته الاصلية و انه ملأ ما بين المشرق و المغرب و له ستمائة جناح و بالجملة فصورهم و هيئاتهم مختلفة و كل واحد منهم موكل بجهة من الجهات لايسعهم الجهة الاخري حتي لو ان الف ملك اذا اجتمعوا لايقدرون علي حمل باقة بقل فهم صغار و كبار و صور شتي و هيئات مختلفة عجيبة غريبة لايسع الناظر ان‏ينظر اليها الاّ عند الموت الاّ اذا استأنس بهم مثل اولئك الابرار

 

«* شرح القصيدة صفحه 339 *»

الذين مضي بعض ذكرهم و وصفهم فبالجملة فكل شي‏ء موكل عليه ملك و كل جزء من اجزاء الشي‏ء موكل عليه ملك و في كل قران من قرانات الشي‏ء حتي يحدث بذلك القران شي‏ء اخر موكل عليه ملك، في جوهر الشي‏ء موكل عليه ملك، في عرضه موكل عليه ملك و في قبوله لذلك العرض موكل عليه ملك و في حصول الامر الثالث لاقتران العرض بالجوهر موكل عليه ملك و بالجملة جميع الاقتضاءات لاتجري علي([131]) مقتضياتها الاّ بالملك باذن خاص و المقتضي و المقتضي ايضاً بيد الملك مثلاً اذا قابلت مرءاة صافية غير مكدرة باكمل مايكون من الصفاء و لا حائل بينك و بينها فالمرءاة بيد ملك([132]) و انت مكتنف بك ملائكة لايحصي عددهم الاّ اللّه و وجهك موكل عليه ملك و مقابلتك اياه موكل عليه ملك و انطباع صورتك في المرءاة بعد المقابلة موكل عليها ملك فلو اتيت بالمرءاة فانما اتيتها بالملك ولو عصاك الملك لم‏تقدر علي الاتيان به و كذلك اذا قابلتها فانما تقابل بالملك فلو امتنع عليك الملك ما قدرت علي المقابلة فبعد المقابلة بالمرءاة اذا لم‏يحضر الملك الاخر لانطباع صورتك فيها فانها لاتنطبع و لاتظهر في المرءاة شي‏ء ذلك تقدير العزيز العليم ثم هنا ملائكة موكلون بمآكلك و مشاربك و الاكل و الشرب اذا لم‏يكن اثلاثاً لم‏يحصل المزاج فانت تأكل و تشرب من غير قدر و وزن و الملائكة يقدرون و يوزنون و يدفعون الفضول بالقوة الدافعة فاذا فعل امراً يخالف شيئاً من محبة اللّه علي الوجه الذي يريد اللّه و لم‏يكن من قوة ايمانه او والعياذ بالله من استدراجه و يريد اللّه سبحانه ان‏يجري عليه مقتضي فعله يأمر الملائكة بالكفّ عن التقدير و الوزن و دفع الفضول فانه يتمرض حتي يأتي اللّه بامره اما يطيب بسبب اخر من الاسباب الالهية او يموت فكم من اكل كثيراً و ابدل له بالعافية و كم من اكل قليلاً طلباً للعافية فابتلي بالامراض واللّه سبحانه و تعالي يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد لايسأل عما يفعل و هم يسألون لا رادّ لقضائه و لا مانع لحكمه له الحكم و اليه ترجعون و قد اجملت الكلام و مااوضحت البيان خوفاً من التطويل و صوناً من اصحاب القال و

 

«* شرح القصيدة صفحه 340 *»

القيل و في الدعاء يا سبب من لا سبب له و يا مسبّب الاسباب من غير سبب افض علينا من نورك و انشر علينا من رحمتك و اسعدنا بكرامتك.

و اما عدد الملائكة فهي كثيرة جدّاً و قال اللّه سبحانه و مايعلم جنود ربك الاّ هو و هم الملائكة لانه سبحانه لمّا قال ساصليه سقر و ماادريك ما سقر لاتبقي و لا تذر لوّاحة للبشر عليها تسعه‏عشر ضحك الكفار و قالوا انّ علي سجن رب محمد ليس الاّ تسعه‏عشر ثم قال واحد منهم استكباراً و استهزاءً بان ثمانيه‏عشر منهم علي و انتم كلكم تعجزون عن واحد فلمّا عتوا و استكبروا و وافقهم علي ذلك جماعة من المنافقين انزل اللّه عليهم قرءاناً و قال و ماجعلنا اصحاب النار الاّ ملئكة و ماجعلنا عدّتهم الاّ فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين اوتوا الكتاب و يزداد الذين امنوا ايماناً و لايرتاب الذين اوتوا الكتاب و المؤمنون و ليقول الذين في قلوبهم مرض و الكافرون ماذا اراد اللّه بهذا مثلاً كذلك يضلّ الله من يشاء و يهدي من يشاء ثم قال سبحانه و مايعلم جنود ربك الاّ هو فعددهم لايحصي و كثرتهم لاتستقصي الاّ ان مولينا و سيدنا جعفر بن محمد الصادق8 اشار الي نوع البيان لمن له عينان فقال7ان الانس عُشر الجن و الانس و الجن عشر الحيوانات البرية و الانس و الجن و الحيوانات البرية عشر الحيوانات البحرية و الجن و الانس و الحيوانات البرية و البحرية عشر الطيور و المجموع عشر الاشجار و كل ذلك عشر الاحجار و الاحجار و الاشجار و الطيور و الحيوانات البحرية و البرية و الجن و الانس عشر الملائكة الذين في السماء الدنيا و كل هؤلاء مع الملائكة الذين في السماء الدنيا عشر الملائكة الذين في السماء الثانية و كل هؤلاء مع الملائكة الذين في السماء الثانية عشر الملائكة الذين في السماء الثالثة و كل هؤلاء مع الملائكة الذين في السماء الثالثة عشر الملائكة الذين في السماء الرابعة و هكذا الي السماء السابعة و كل هؤلاء الخلق مع الملائكة الذين في السماء السابعة عشر الملائكة الذين في الكرسي و هؤلاء مع الملائكة الذين في الكرسي عشر ملائكة سرادق واحد من سرادقات العرش و العرش له سبعون الف سرادق فانظر الان في نفسك هل‏يقدر احد علي ضبط اعداد الملائكة كلاّ بل الامر كما قال سبحانه و اجمل و مايعلم جنود ربك الاّ هو فكل ملك من

 

«* شرح القصيدة صفحه 341 *»

هؤلاء الملائكة حامل وجه من وجوه الفيض من الفيض الاقدس الي محله و موقعه فهم علي عدد ذرات الوجود و الموجودات لا حصر لها و لا غاية لعددها و لا نهاية لمددها.

و الملائكة كذلك مقابلة الشياطين اضداد للملائكة فشأنهم في الظلمات كما هو شأن الملائكة في الانوار فجهة النور فيهم مضمحلة فانية لا اثر لها ابداً كما ان الملائكة جهة الظلمة فيهم كذلك و الفرق بين الشياطين و الكفار الذين اعرضوا عن اللّه سبحانه بالمرة كنمرود و شداد و امثالهما و قد ادعيا الربوبية دون اللّه سبحانه كما ذكرنا في الفرق بين الملائكة و الانبياء الاطهار راجع تفهم و اصل مبدء الشياطين ان ابليس كانت له امرأة اسمها طرطبة فواقعها و لمّا كانت ملساء باضت ثلثين بيضة فجعل ابليس كل عشرة منها في ناحية من نواحي العالم و خرجت من كل بيضة قبيل من الشياطين لايعلم عددهم الاّ اللّه و هؤلاء كلهم ذكور ليس فيهم اناث الاّ واحدة و هي امّ‏الصبيان و هؤلاء كلهم كفار ليس فيهم مؤمن الاّ واحد و هو هام بن هيم بن قيس بن ابليس هكذا سمعت من شيخي العلامة و استادي و سنادي و عمادي اعلي اللّه شأنه و انار برهانه و رفع ذكره و اعلي امره و قد سمعت منه ايضاً اعلي اللّه مقامه ان ابليس نكح نفسه فحصلت هذه البيضات ففرّقها في نواحي الوجود و لا منافات بين الكلامين لان طرطبة اسم نفسه و انيته التي ينكحها وجوده المنصبغ بصبغ الطغيان كالماء الصافي اذا شرب منه الافعي انقلب سمّاً قاتلاً و لا منافات ايضاً بين ان اولاده كلهم ذكور و بين ما ورد في الحديث من ان هام بن هيم بن قيس بن ابليس اسلم و اتي الي النبي9 فتعلّم منه بعض القرءان و عرّفه الحلال و الحرام و وجه توهم المنافات انهم اذا كانوا ذكوراً  كيف يحصل منهم التوالد حتي يكون الهام اعلي جدّه ابليس و وجه رفع التنافي ان اولاد ابليس اجزاؤه و من سنخه و قرأنا لكم سابقاً ايات من القرءان ظاهرة الدلالة علي ان الولد علي هيئة الوالد و قوله تعالي قل كل يعمل علي شاكلته فيكون اولاد ابليس كلهم علي صفته و هيئة عمله فيكون كلهم ينكحون انفسهم و يبيضون فيكثر منهم النسل و لقد اراني اللّه سبحانه في بعض احوال المكاشفة كيفية صدور النسل من ابليس و تكثره و كيفية نكاحه نفسه و علي اي صورة كان حين النكاح والحمد للّه ربّ العالمين.

 

«* شرح القصيدة صفحه 342 *»

وصــل: لمّا ذكر الناظم ايّده اللّه بتوفيقه و سدّده بتسديده و جعل نور الحق امداده و الملائكة وفّاده ان الملائكة بدت تتنزل ضحي في دارالسلام انجذاباً لتلك الالوية و الاعلام لمّا اشرقت عليهم انوار العناية و تشعشعت لهم شروق شمس الكرامة فانجذبوا اليهم لمّا باهاهم اللّه بهم فاحاطوا بظاهرهم و باطنهم و باعلاهم و اسفلهم بحيث لم‏يبق لهم جهة الاّ و احاطوا بها شوقاً و توقاً لحصول المناسبة المقتضية للمحبة و الوداد فاشار سلمه اللّه تعالي الي هذه الاحاطة و تلك الاستدارة الموجبة لجذب الانوار و هتك الاستار و كشف الاسرار فقال سلمه اللّه العزيز الغفار:

من تحت اخمص زائريه كم لها   من اجنح نشرت وطتها الارجل

اقـول: هؤلاء الملائكة ليسوا من المدبرات و لا من المقسمات و لا من المعقبات و لا من الحافظات و لا من الخلاقات و لا من المقدرات و لا غير ذلك من الموكلات بجهة خاصة من جهات العالم و انما هم ملائكة الرحمة و ملائكة المغفرة و ملائكة الكرامة و ملائكة العناية و ملائكة العفو و الرضوان و ملائكة هم حملة الاحسان و الامتنان و ملائكة الرأفة و ملائكة العطف و ملائكة الكرم و ملائكة الالاء و النعم و ملائكة الانس و المحبة و ملائكة اللطف و المودة و ملائكة حملة اطباق النور للنثار و ملائكة يهتكون الاستار لكشف الاسرار فان اولئك الملائكة غير هؤلاء يشملون المؤمنين و الكفار و قد ورد ان الملك لايدخل بيتاً فيه كلب او لايدخل بيتاً فيه زبالة و امثالها من الاحاديث الواردة في نفي الملك في تلك الاماكن مع ما ورد و اشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار ان قطرة من المطر يحملها ملك و يضعها في محلها و ان كل شي‏ء موكل عليه ملك و قدذكرنا سابقاً ان القوي الحيوانية من الجاذبة و الهاضمة و الدافعة و الماسكة موكل عليها ملك يدبّرها و يربّيها مع ان في الكلب تلك القوي الاربعة و المطر يقع علي الكلب و علي الزبالة فالجمع بين هذه الروايات ما اشرنا اليه بلحن المقال من ان الملك الذي لايدخل بيتاً فيه كلب هو ملك الرحمة و ملك النور و ملك الكرامة و العناية من نوع ماذكرنا انفاً واما الملائكة الذين يحملون القطرات و يربّون القوي و موكلون علي الاشياء اولئك هي المدبرات و المقسمات و المقدرات و امثال

 

«* شرح القصيدة صفحه 343 *»

ذلك مما في الارضين والسموات.

مطايبة: قد سئل بعض مخالفينا ممن يدعي العلم و المعرفة و يزعم ان رياسة فهم الاخبار و الايات قد انتهت اليه عن الجمع بين الروايات الدالة علي ان الملك لايدخل بيتاً فيه كلب و الروايات الدالة علي ان كل قطرة من المطر يحملها ملك فاجاب بان الملك الحامل للقطرة الي هذا البيت الذي فيه كلب يرمي بها من بعيد نحو الكلب و يولّي منهزماً ذلك مبلغهم من العلم.

و بالجملة حضور اولئك الملائكة المدبرات و غيابهم سبب اتمام([133]) الشي‏ء بالحضور و نقصانه بمعني تزلزل بنيانه و هدم اركانه عند الغيبة فالمراد بغيبته عدم تصرفه فاذا لم‏يتصرف بامر من اللّه لمانع([134]) غيبي او شهودي مما يرجع الي نفس الشي‏ء او ما يرجع الي مايتعلق به من اضافاته و نسبه فانه يكون سبباً لفساده و وقوع الخلل فيه و اما الملائكة الذين يحضرون لزيادة النور و ادخال السرور فهؤلاء ملائكة مقربون مخصوصون واقفون علي فوارة القدر بامر مستقر فيتلقون منها انحاء الافاضات و انواع الامدادات من انحاء الخيرات و يلقونها الي محالّها و مواقعها من الذوات و الصفات و الاصول و الفروع و هؤلاء الملائكة الذين حضروا في دارالسلام لتشييع تلك الاعلام التي حملتها اولئك الاعلام الكرام بين يدي الستر المنور الذي هتكت به الاستار و نفيت به الاغيار و زالت به الاكدار و هم الملائكة الذين بايديهم اطباق النور شملت عنايتهم الزوار فنشرت اجنحتهم لهم ليدوسوا عليها ليحصل لهم الفخار لان اللّه سبحانه بعثهم رحمة شاملة و نعمة كاملة لاهل دارالسلام التي هي في كنف حماية و حراسة علي العالي علي القدر و المقام فاتت الملائكة طائفين بهم و محيطين عليهم فنشرت اجنحتها لتمشي الزوار و المشيعين عليها تحقيقاً للافادة و تحصيلاً لكمال الافاضة و تبييناً لغاية العناية ففعلوا ذلك بامر من اللّه سبحانه كرامة لرسول اللّه9و عناية الي الامام الهمام حيث انه جزء لرسول الملك العلام و علي هيئته و شاكلته في الانام

 

«* شرح القصيدة صفحه 344 *»

فالتعظيم له9 يقتضي التعظيم لاولاده و احفاده و هو قوله تعالي قل لااسألكم عليه اجراً الاّ المودة في القربي و القربي مؤنث اقرب([135]) و اقرب الاشخاص الي الشخص اولاده اذا لم‏يخالفوه في اخلاقه لان الولد جزؤه و لا شي‏ء اقرب الي الكل من الجزء و لا شي‏ء اقرب الي الشي‏ء من نفسه اليه و هما قربان لايحول بينه و بين من يتقرب اليه حائل ابداً فيجب تعظيم الاولاد لتعظيم الاباء بشرط ان‏لايخالف الاولاد اباءهم بحال من الاحوال و بطور من الاطوار في طريقة من الطرق و وجه من الوجوه و اذا جاءت المخالفة جاءت المباعدة علي حسب المخالفة ان كانت كلية قلبية فالمباعدة كلية كما قال تعالي في حق ابن نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح و قال سيد الساجدين7 النار خلقت لمن عصاه و ان كان سيداً قرشياً و ان كانت المخالفة جزئية فالمباعدة جزئية عرضية ظاهرية فلاتتحقق الولادة التامة الموجبة للكرامة التامة الاّ عند عدم المخالفة التامة و اذا وقعت المخالفة حصلت المباعدة بقدرها و اذا لم‏تتحقق لم‏تقع تأتي الجزئية و السنخية و المشاكلة علي حقيقتها فكل‏ما يجب للاب يجب للابن في مقام الفرعية و البدلية و الصفتية و التأكيدية و لايتفاوت الحال بان‏تكون البنوة لاب او لامّ و قدتقدم منّا في البيت الثالث تفصيل الابوة و البنوة و الاب و الابن و اختلاف احوالهما علي التفصيل فراجع اليه تفهم ما تريد.

فالملائكة كرامةً لجده رسول اللّه9 الذي هو سيد البشر و خير من غاب و حضر من اللاهوت الاعلي و الناسوت السفلي و ما بينهما من المراتب و المقامات حضروا بعدد لايحصيهم الاّ اللّه و نثروا علي زائري الامام الاطهر موسي بن جعفر عليهما التحية و الثناء و السلام من اللّه الخالق الاكبر اطباق النور و كل طبق ما بين المشرق و المغرب مُمتلٍ من انواع الجواهر المعنوية و التحف الحقيقية من حلي و ملابس و تيجان و نثروا هذه الاطباق علي رءوس الزوار و صار لكل منهم حظّ عظيم ولكن ابدانهم الدنيوية وسخة كدرة لاتليق للبس تلك التحف و لا لاستعمال تلك الجواهر من انواع الذخائر

 

«* شرح القصيدة صفحه 345 *»

فذخرها اللّه سبحانه في خزائن رحمته لهم الي ان‏تطهر ابدانهم و تصفو قواهم و مشاعرهم حتي‏تعرف تلك الجواهر النفيسة و التحف و الهدايا الانيسة حتي لايضيّعوها و يعرفوا قدرها والاّ فهي محفوظة لهم و مدخرة لاجلهم و لابد ان‏تصل اليهم ولكن الدنيا ضيقة عن تحملها. مثاله اذا كان السلطان له ولد صغير لايعرف قدر الجواهر و الاشياء الثمينة و لايعرف سياسة الملك و تدبير العسكر و تجهيز الجنود و تمهيد الامور و طريقة الرياسة و كيفية السياسة يمنعه السلطان عن التصرف في المملكة و لايعطيه تلك الجواهر النفيسة بل يدخر له الخزائن و ما فيها من الجواهر و التحف السنية و الاشياء النفيسة الي ان‏ينشأ الولد و يكبر و يرشد و يتبصر و يعرف دقايق الامور و مخفيات الاشياء فهنالك يعطيه ما ادّخر له و كذلك هدايا اللّه سبحانه و تحفه و كراماته و احسانه لعباده المؤمنين المتقين التي يمنحهم اياها و يكرمهم بها في كل وقت و ان فهي لهم مخزونة في الخزائن محفوظة لهم عند ايناس رشدهم فان انسوا منهم الرشد دفعوا اليهم تلك المزايا و المفاخر و الشرف و المآثر امتثالاً لقوله تعالي فان انستم منهم رشداً فادفعوا اليهم اموالهم و حصول الرشد قديكون في الدنيا و هم الكاملون البالغون و قديكون عند الموت و هم المؤمنون الممتحنون الذين يحضرهم رسول اللّه9 في ملأ من الملائكة منهم جبرئيل و عزرائيل و منهم في البرزخ و هم اواسط الناس من المؤمنين و منهم في القيمة و منهم عند دخول الجنة و شرح هذه الاحوال و كيفية ايناس الرشد في هذه المقامات يطول بها([136]) الكلام و انا مع عدم الاقبال و تبلبل البال كيف يرجي مني شرح تفصيل هذا المقال.

و بالجملة فهؤلاء الملائكة نثروا علي رءوس الزائرين تلك الاطباق و سقوا قلوبهم و اسرارهم كـئوساً دهاق و نشروا اجنحتهم لتمتع اسافل وجودهم و ارجلهم و الاستنارة بنور كرامة اللّه الظاهرة في جميع مراتبهم و هو تأويل قوله تعالي ولو انهم اقاموا التورية و الانجيل لاكلوا من فوقهم و من تحت ارجلهم منهم امة مقتصدة و كثير منهم فاسقون

 

«* شرح القصيدة صفحه 346 *»

و الامة المقتصدة هؤلاء الابدال و صفوة الرجال الذين اعطاهم اللّه سبحانه و منحهم و اعدّ لهم و ادّخر لهم في الدار الاخرة و لذا قال الناظم من تحت اخمص زائريه كم لها من اجنح نشرت اشارةً الي هذه الدقيقة الشريفة و قد ورد في الحديث عن النبي9ان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضي به و انه يستغفر له كل من في السموات و الارضين حتي الحيتان في البحار و المراد بالعلم هنا علم النبوة و الولاية و ظهور سريان علم التوحيد فيهما و ذلك العلم يقتضي الزيادة و رفع الاعلام و نشر الالوية و ايصال هدية سيد الانام الي ذلك الامام الهمام عليه من اللّه الاف التحية و الاكرام.

تنوير ربانـي: فحيث بلغ الكلام الي هذا المقام فلا بأس ان‏نشير ببعض الكلمات المختصرة الي بعض اسرار و معاني اجنحة الملائكة و ما ورد في بعض الاخبار عن بعض الاطهار ان الملائكة لتأتي الاولياء اهل التوحيد و الولاية و تزاحمهم علي فرشهم و تكاياهم و تقع عندهم اجنحتهم و ريشها و زغبها و انهم يجعلون زغب الملائكة و ريشها سبحاً لاولادهم و عوذة لهم يستكفـئون ما يرد علي الاولاد من البلايا و النوائب و ان المراد من هذا الزغب و الريش الذي يقع علي بسطهم و فراشهم ما هو؟

فنقول اما اتيان الملائكة لغير النبي9 لا نكر فيه و لا استيحاش لما بيّنا سابقاً من التفصيل التام قد ذكرنا الاية الدالة علي ذلك و نعيدها لانه المسك كلما كررته يتضوع و هو قوله تعالي الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملئكة الاّتخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا و في الاخرة فاما الجناح فانه الة الحركة و الطيران الي العالم الاعلي و قد قال تعالي جاعل الملئكة رسلاً اولي اجنحة مثني و ثلاث و رباع يزيد في الخلق ما يشاء  و هذا صريح في ان زيادة اجنحة الملائكة من زيادة الخلق فالاصل في الجناح الاثنان لان احدهما يمين و الاخر يسار بهما يطير الي فضاء القدس و مأوي الانس ثم الزيادة فبحسب متعلقاته و قد قال بعض العلماء كلاماً في هذا المقام تفوح منه رائحة التحقيق لا بأس بنقله حرصاً لزيادة الفائدة قال رحمه اللّه: ان النفوس القدسية انسيها و ملكيها لمّا كانت بكمالاتها الذاتية و الكسبية ترتقي الي ذروة العوالم الالهية و حقيقة الجناح و الريش ليس الاّ ما يتمكن من

 

«* شرح القصيدة صفحه 347 *»

الصعود من دون توسط الة خارجة فالجناح الايمن هي المعارف الالهية و الجناح الايسر هي العبادات المقربة الي جناب الربوبية و الريش و الزغب عبارة عن كليات العلوم و جزئياتها اصولاً و فروعاً بحسب مناسبات تقع بينهما بالترتيب و التقديم و التأخير فالارواح الانسية بسبب خطاياهم و خطيئة ابيهم و وجوه اخر سقط ريشها فهبطت الي العالم الذي يقرب من عالمها الي ان وقعت في هذا العالم الاسفل فاعطاها اللّه القيوم قوي و اعضاء و الات تقوم مقام ريشها و زغبها و جناحها بحيث لو سلكت سبل الهداية و صرفتها فيما خلقت له صارت تلك القوي و الاعضاء جناحاً([137]) و ريشاً لها فلمّا كانت الملائكة لايعصون اللّه ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون بقوا علي اجنحتهم و ريشها و زغبها مما يناسب عالمهم و مرتبتهم. و اما السرّ في سقوط الريش و الزغب في بيوت الاولياء فهو ان الحقايق العلوية بحسب ما اعطاها اللّه من القوة و القدرة لمّا توجهت الي العالم الذي تحت حيطتها تصورت هي و جميع ما لها من الكمالات و الصفات بصورة مناسبة لذلك العالم الاّ ان الصور العقلية لايسعها ظرف الخيال و كذا الصور الخيالية لايسعها مضيق عالم الحس فما لم‏يتلبس الصورة العقلية بكسوة مطمورة الخيال لم‏يدخل في القوة الخيالية و هكذا فالملائكة الذين هم من عالم الامر لمّا كانوا من معدن الحيوة وجب ان‏يتراءوا بصورة حيوانية فعلومها و اذكارها و كمالاتها التي هي من توابعهم و بها يقدرون علي الذهاب و المجي‏ء بحكم اللّه تصورت بصورة الجناح و الريش في العالم الخيالي بما يناسب ذلك العالم و في عالم الشهادة بما يناسب تلك المرتبة من دون مجاز و استعارة و بالجملة لمّا جاءوا الي هذا العالم صاروا من موجودات ذلك العالم و باعتبار القوي و الكمالات التي يطيرون بها في فضاء القدس صاروا من اصناف الطير و ما يلزمها من الجناح و الريش و غيرهما و من لم‏يفهم هكذا لم‏يدخل في ميدان العرفاء.

انتهي كلامه و هو كلام متين و جوهر ثمين الاّ قوله في الانسان بحسب خطاياهم

 

«* شرح القصيدة صفحه 348 *»

سقط ريشها بل لم‏يسقط ريشها و هذه الخطايا الغيرالقلبية عرضيات لاتؤثر في حقيقتها بل الريش موجود في الانسان و الجناح متحقق فيه و لايلزم ان‏يكون الجناح و الريش علي صورة واحدة غيرمختلفة بل تظهر في كل عالم بصور مختلفة و هيئات متعددة علي حسب اقتضاء تلك الرتبة الا تري الميزان فانه في كل مقام ظهر علي حسب اقتضاء تلك الرتبة([138]) الا تري ميزان الشعر فانه علم العروض و ميزان العلوم فانه علم المنطق و ميزان الافلاك و حركات الكواكب فانه الارصاد و ميزان الحق و الباطل فانه الكتاب و السنة و ميزان المدارك اي المدركات فانه المشاعر و ميزان الاجسام اما المكيلة فهي المكيال باقدار مختلفة و اما غيرالمكيلة فمن جنس الثياب و الاقمشة فالذراع و الاشبار و في الابنية ميزان اعتدالها و استقامتها الشاقول و ميزان الكواكب و البروج و ارتفاعات الكواكب و وقوعها في كل وقت في محل خاص الاسطرلاب و ميزان ساير الاجسام من الفلزات المنطرقة و غيرالمنطرقة و ساير الاجسام الميزان ذوالكفتين([139]) و كل‏ما ذكرناه ميزان ذووجهين و جهتين لكنّه يظهر في كل مقام بحسب اقتضاء ذلك المقام و تلك الرتبة و كذلك الجناح فهو الة الطيران الاّ ان الطيران في كل عالم بحسبه و كل مقام علي مقتضاه فالانسان طير من اطيار القدس فمن جهة جامعيته تظهر باجنحة مختلفة حتي ان العلماء الكاملين و العرفاء الواصلين ذكروا في تأويل قوله تعالي جاعل الملئكة رسلاً اولي اجنحة مثني و ثلاث و رباع قالوا ان الملائكة هم الانسان لصلاحية اللفظ للاطلاق كما قدّمنا سابقاً و لما قال النبي9 ان الصلوة معراج المؤمن و العروج الي عالم القدس لايكون الاّ بالجناح([140]) فالصلوة جناحه لانها معراجه اي الة عروجه و لمّا كان الجناح لايكون اقل من اثنين كذلك لاتكون الصلوة اقل من ركعتين فمثني صلوة الصبح و ثُلث صلوة المغرب و رباع صلوة الظهر و العصر و العشاء مادام في هذه الدنيا هي اجنحته([141]) فالعلوم و المعارف جناح التوحيد و الولاية و اذا اراد الصعود الي العلو المحسوس ان

 

«* شرح القصيدة صفحه 349 *»

شاء صعد بجناح معنوي و ان شاء صعد بجناح صوري له ريش و زغب ولكن الانسان حيث خلق من طين لازب فاختار السكون و الخضوع و الخشوع و الانقياد و التسليم ولو اراد الرفعة و العلو و الطيران لما منعه مانع لما حصل من الاجنحة الالهية بالهبوط و الخضوع و الانكسار و اما الملائكة حيث انهم مخلوقون من نور و شأنهم الخدمة و الاختلاف و التردد فيما وكّلوا به و الصعود للاستمداد([142]) لاجل الامداد فشأنهم شأن الروابط و الحروف العاملة الفعالة و طبيعتهم قدغلبت عليها الهواء فما غلبه الهواء مسكنه الهواء و ما كان مسكنه الهواء ليس بصرف الهواء بل فيه خلط من التراب و الماء فلابد لهم من حافظ و مانع يعارض التراب و الماء لجذبهما الي الهبوط و ذلك المانع هو الريش و الزغب لقوة الحرارة و وسعة المسامات اقتضت خروج الريش و الزغب من فاضل ما تدفعه القوة الدافعة فالهواء يتخلل في فرج الريش و الجناح فيقف في الهواء ما شاء ثم يهبط الي الارض ان شاء بقوة ما فيه من طبيعتي التراب و الماء ثم اذا شاء صعد لغلبة ما فيه من الهواء و هذا البيان سرّ حقيقة الطيور الدنياوية فقس عليها حال الطيور القدسية الالهية اذ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و لمّا كانت الملائكة انما خلقوا للخدمة و هي مقتضي التردد و الاختلاف ظهر طيرانهم فظهرت اجنحتهم بريشها و زغبها بخلاف غيرهم من الانس فافهم هذا البيان المكرر المردد بالفهم المسدد و اعلم بذلك ان الانسان من شأنه الطيران اذا شاء و حصول الريش و الزغب لقد جاءت الاثار و الاخبار ان الاولياء حملة الاسرار لايموتون الاّ ان‏يجعلوا لهم ولياً و حافظاً لاسرارهم و موضحاً لمنارهم فبعض الاولياء جرياً علي العادة المستمرة المستقرة اخرج من فمه طيراً شبه العصفور فابتلعه وصيه الحامل لعلومه و اسراره فسرّ هذا العصفور هو الذي ذكرنا لك في هذه السطور فافهم راشداً و اشرب عذباً صافياً.

وصــل: لمّا ذكر الناظم ايّده اللّه بتوفيقه و فتح عليه باب تسديده بعد وصف الستر كيفية ايصاله مع السايرين به و ظهور الجلالة و العظمة و الكبرياء الظاهر بكثرة

 

«* شرح القصيدة صفحه 350 *»

المشيّعين و انوار السائرين به و رفع الاعلام العظيمة و نشر الالوية الكثيرة التي قدقلنا انها الف الف بل ازيد و لو قلنا سبعين الف الف لم‏يكن بعيداً بل هو قريب من قريب لان اللّه سبحانه قال انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون فاذا كان مراتب الموجودات الف الف و العدد الربوبي من قوله تعالي انّ يوماً عند ربك كالف سنة مما تعدّون  يقتضي ان‏يكون الف الف سبعين الف الف الف فهذه الاعلام بشققها من سبعين الف الي ما يتنزل من المراتب و طولها من سبعين الف الف قامة الي ما يتنزل من المراتب من الاذرع و الاشبار و الاصابع و غير ذلك بحسب مقام حامليها و تحت كل راية و علم من الخلق([143]) ما لايحصيهم الاّ اللّه سبحانه و اصواتهم مرتفعة بالتسبيح و التقديس و التكبير و التهليل و الاذكار المشتملة علي الثناء علي اللّه سبحانه اكملها و اعلاها و الثناء علي حامل النبوة المطلقة و الولاية المطلقة و ما يدلّ علي استعلاء الاسمين الاعليين الحي القيوم من منثور و منظوم و ارتفاع تلك الاصوات و تداخل بعضها ببعض كما تداخلت الظهورات في اطوار حقيقتهم ثم تنزّل الملائكة ملائكة الرحمة و ملائكة النعمة و ملائكة الكرامة و ساير ما وصفناهم سابقاً و بايديهم اطباق النور و بالسنتهم البشارات الموجبة للبهجة و السرور اجنحتهم منشورة علي الارض و ايديهم([144]) مبسوطة بنشر ما اعدّ اللّه عليهم من الكرامات و العنايات و هو في وقت الضحي محل التجليات و موضع بثّ الخيرات لتكميد الشيطان و ساير الابالسة من اهل الطغيان في دارالسلام محل الاكرام و الاعظام و موضع علي الذي كاسمه علي علي كل ما يرد عليه من النقض و الابرام و هو ابوالفتوح و صاحب الشوكة و من بيده الحلّ و العقد في المهامّ صاحب السياسة و منتهي الرياسة ايّد اللّه شوكته علي الدوام فهم في هذه الحالة و الستر بين ايديهم يحمله ذلك السيد القمقام و البدر التامّ[145] فيا لها من حالة عجيبة و شوكة غريبة و هو روحي له الفداء بها خليق و لها حقيق الي ان اتوا به بذلك العزّ و الاكرام و اوردوه في محل قبره الشريف فاشار الي ما بعد الورود لاهل الوفود و قال سلّمه اللّه تعالي:

 

«* شرح القصيدة صفحه 351 *»

و اتوا لبابك يحملون وسيلة   المرسلون بها غداً تتوسل

اقـول: ماادري ما اقول و ما عسي ان‏اقول و هذا باب و ان كان واسعاً عالياً متعالياً متقدساً لكنّه كـباب حطة الداخلون علي ما يريد اللّه قليل و لذا ظهر الباب بالضيق و حكمه حكم الصراط فمن مرّ عليه و هو مؤمن موحد متقي يتوسع له كما بين المشرق و المغرب و من كان كافراً منافقاً يترفع و يترقق حتي يصير ادقّ من الشعر و احدّ من السيف و هو قوله تعالي و ان منكم الاّ واردها كان علي ربك حتماً مقضيّاً ثم ننجّي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيّاً  و هكذا([146]) الكلام في بيان هذا الباب علي الوجه([147]) المقصود و المرام و اني في بيان ذلك كما قال الشاعر :

تعرضت عن قولي بليلي و تارة   بهند فلا ليلي عنيت و لا هندا
فسميتُها ليلي و سميت دارها   بنجد فلا ليلي اردت و لا نجدا

ولكني اتكلم حيث ما يمدّني اللّه بمدده و يسعدني([148]) باسعاده و يجري علي قلمي و يظهر بي كلمي([149]) فنقول و باللّه التوفيق اما ظاهر هذا البيت فصعب و اما باطنه فسهل بعكس الابيات الاخر و نحن نبيّن حقيقة المرام بعون اللّه الملك العلام فنقول ان نبينا9 قدشرّفه اللّه سبحانه علي كل الخلق لاسيما الانبياء و المرسلين لانه خاتم النبيين و لايكون الخاتم الاّ فاتحاً و لايكون الفاتح الاّ مهيمناً و لذا ورد في زيارة في حرم اميرالمؤمنين عليه و علي اخيه الف تحية و ثناء من رب العالمين السلام علي رسول اللّه امين اللّه علي وحيه و عزائم امره الخاتم لما سبق و الفاتح لما استقبل و المهيمن علي ذلك كله و رحمة اللّه و بركاته و لذا كان سيد الاولين و الاخرين و في وصف اللّه له غني عن وصف الواصفين و مدح المادحين و هو قوله تعالي ماكان محمّد ابا احد من رجالكم ولكن رسول اللّه و خاتم النبيين و اذا كان خاتم النبيين كان اولهم لان الخلق الان في قوس الصعود يصعدون الي ما منه بدءوا فلو لم‏يكن البدء اي بدء النبوة هذه الحقيقة

 

«* شرح القصيدة صفحه 352 *»

المقدسة لم‏يكن الختم بها والاّ لما صحّ قوله تعالي كما بدءكم تعودون فاذا كان به البدء كان كل ما سويه تحته و كان كل الانبياء رعيته لقوله سبحانه و تعالي و اذ اخذ اللّه ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به و لتنصرنّه قال ءاقررتم و اخذتم علي ذلكم اصري قالوا اقررنا قال فاشهدوا و انا معكم من الشاهدين  و هذا الرسول المصدق لما مع الانبياء لو كان غير نبينا محمّد9لكان هو اشرف الانبياء و سيدهم و فخرهم حيث ان الانبياء مأمورون بالايمان به ثم اخذ عليهم العهد و الميثاق ثم جعلهم شهوداً و جعل نفسه الشريفة شاهداً علي الكل و كان هو خاتم النبيين و سيد الاولين و الاخرين فاذا كان كذلك وجب([150]) ان‏يبين اللّه اياه للخلق و يظهر امره و يوصي للانبياء ان‏يبشّروا به امتهم من بعدهم كما اوصي بمحمّد9كما اخبر اللّه سبحانه و تعالي حكايةً عن عيسي حين قال و مبشّراً برسول يأتي من بعدي اسمه احمد واللّه سبحانه ما غشّ الخلق و لم‏يفضّل سوي محمّد9فعرفنا ان النبي الذي اوجب اللّه علي الانبياء الايمان به و التسليم و الانقياد له هو نبينا محمّد9و هو الذي يكون جميع الانبياء رعيته و الزم به عليهم فرض طاعته و اوجب عليهم نصرته و اخذ عليهم العهد و الميثاق بذلك و قد روي محمّد بن جرير الطبري في تفسير قوله تعالي و اسئل من ارسلنا قبلك من رسلنا عن النبي9 انه قال ليلة اسري بي الي السماء اتيت المسجد الاقصي و اجتمعت الانبياء كلهم لدي فتقدمت و صلّيت بهم فلمّا فرغت من الصلوة اتاني جبرئيل و قال لي يا محمّدسلهم بماذا بعثوا فقلت يا معشر الانبياء بماذا بعثتم قالوا بعثنا بشهادة ان لا اله الاّ اللّه و ان محمّداً عبده و رسوله فاذن جميع الانبياء من امته و رعيته يستمدون منه و يرجعون اليه و قد تقدم منا تأويل قوله تعالي عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون الاية ما يشفي العليل و يروي الغليل في هذا المقام و لا شك ان الامة تتوسل الي نبيّه وسيلة يتقربون بها الي اللّه زلفي فمن اعظم الوسائل و اشرف الذرايع محبة اولاد الرسول و مودة احفاد الزهراء البتول و الانقطاع الي

 

«* شرح القصيدة صفحه 353 *»

اولاد اميرالمؤمنين الذي هو نفس الرسول9كما افصح عنه قوله تعالي قل لا اسألكم عليه اجراً الاّ المودة في القربي و المخاطب جميع امة النبي9و قد قلنا كما قال اللّه سبحانه و تعالي انه بعث علي كل العالم ما سوي اللّه فخطاب قل لا اسألكم يشمل كل الوجود من الغيب و الشهود و منهم الانبياء و محبة اولي القربي و تعظيمهم و احترامهم هو اجر الرسالة و النبوة و اعظم ما يتوسل به الي اللّه.

فالسائرون بالستر و المشيّعون له و رافعوا الاعلام و الالوية حملوا وسيلة هو الستر و الحجاب لانه الوسيلة[151] الي الفوز في يوم الحساب و يوم المآب و هذه الوسيلة التي هؤلاء حملوها و اتوا بها من الستر المعظّم و الحجاب المقدّم المكرّم المفخّم هي الوسيلة للانبياء في هذه الدنيا و يوم يقوم الاشهاد فاذا كان الكروبيون من المشيّعين و من حملة الاعلام فما ظنك بالانبياء العظام الكرام فهم من السائرين المشيّعين بالطريق الاولي فهم توسلوا بهذه الوسيلة و تمسكوا بهذه الذريعة اي حمل التحف و الهدايا اي قطع العباء و الكساء لال رسول اللّه9الذين منهم سيدنا الكاظم عليه الاف التحية و الثناء الي رسول اللّه9لينالوا اعلي الدرجات و يفوزوا باشرف المثوبات ولكن الابصار لمّا لم‏تنظر اليهم و الانظار لمّا لم‏تشاهدهم اخفي امرهم الناظم فقال ان المرسلين يتمسكون بهذه الاستار و الحجب يوم القيمة و مراده بذلك ظهور الامر كما ذكرنا عند قوله سلمه اللّه تعالي و غداً عليها يسدل والاّ فهم سلام اللّه عليهم دائماً يتوسلون بهذه الوسائل الي النبي9ليقرّبهم الي اللّه زلفي لانه نبيهم و هم رعيته و ابصار الرعية شاخصة الي نبيهم و اعينهم ممدودة اليه و اعناقهم مادّة اليه يطلبون احسانه و يراقبون برّه و امتنانه فهو الوسيلة لهم الي اللّه و هم:يتوسلون اليه بوسائل منها نشر فضائله و مناقبه و انه هو ذوالقوة عند ذي‏العرش مكين مطاع ثم امين و منها بابلاغ الرسالة التي هو السبب فيها و سرّ النبوة المطلقة و الولاية المطلقة و منها نشر علومه و اسراره و شريعته و اثاره و منها البشارة الي وجوده و الاخبار ببعثته و ظهوره و صدوره و وروده و اصداره و

 

«* شرح القصيدة صفحه 354 *»

ايراده و منها احترام ذريته العلوية و اولاده الفاطمية و اعلاء كلمتهم و رفع ذكرهم و تعظيم شعائرهم و نشر فضائلهم و مقاماتهم فمنها زيارة قبره9و قبورهم و المام مشهده و مشاهدهم و الحضور مع زواره و زوارهم و مساعدة احبائهم و مكايدة اعدائهم و الحاصل كل طرق الخير له9 و الانبياء يتوسلون بها اليه دائماً في الدنيا و الاخرة في كل وقت و اوان و هذه هي الوسائل الجزئية و هو المراد من قول الناظم ايده اللّه تعالي و المرسلون غداً بها تتوسل و انت تعلم انهم يتوسلون بها في الدنيا و الاخرة ولكن الوسيلة حيثما تطلق يراد بها منبر ينصب للنبي9يوم القيمة و لها الف مرقاة من كل مرقاة الي مرقاة عدو الفرس الجواد الف سنة و لعل هذا من الفرس الذي يقطع في كل طرفة عين بقدر الدنيا سبع مرات انظر ماذا تري و قد ذكر المنجمون و اصحاب الهندسة ان قطر محدد الجهات مقدار قطع مسافة ثمانين الف سنة للرجل المتوسط السير فيكون من وجه الارض الذي هو تقريباً نصف القطر اربعين الف سنة و شيئاً و ذلك المنبر مسافة الف الف سنة من فرس يقطع بقدر الدنيا سبع مرات بمقدار طرفة عين فانظر الي العظمة و سعة المملكة فان رسول اللّه9جالس علي اعلي مراقيها و لواء الحمد عن يمينه و كتاب اللّه عن يساره و الخلق كلهم صفوف و وقوف عن يمين المنبر و يسارها ثم تجثو الخلايق بين يدي الكتاب و يقرء عليهم كتابهم ولكنّه يتكلم بكلمة واحدة و صحايف اعمال الخلايق علي اختلاف مضامينها و مدلولاتها كل بيد صاحبها ينظر اليها و يري ان الكتاب ينطق بصحيفته من اولها الي اخرها و هو لايتكلم الاّ كلمة واحدة و تلك الكلمة تظهر في جميع الكتب و الصحف ظهور الشي‏ء الواحد في المرايا المتعددة المتكثرة كل تحكي من الشي‏ء الواحد علي ما عندها متحدة مختلفة مخططة منقوشة صافية كدرة و غيرها من الاحوال و الامور و الشي‏ء واحد و كل مرءاة تصفه بما فيها و هو قوله تعالي و تري كل امة جاثية كل امة تدعي الي كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون و هذه المنبر هي المسماة بالوسيلة و هي التي قال رسول اللّه9 اذا دعوتم اللّه فادعوا ان يقرّب لي الوسيلة  لان عندها السلطنة الكبري و الرياسة العظمي و ظهور خضوع كل شي‏ء من المكلفين له و

 

«* شرح القصيدة صفحه 355 *»

استسلامهم لديه و تذلّلهم عنده و وقوفهم بين يديه فهو الرئيس المطلق و الحاكم بالحق و الناطق بالصدق و كل شي‏ء منحطّ عند علياه و كل شي‏ء محتاج اليه سواه له الحكم و اليه ترجعون و اللّه من ورائه([152]) محيط.

و اما الباب فقد تكلمنا سابقاً في معناه و المراد منه و فحواه في الظاهر و الباطن و ذكرنا ان الباب هو الستر و الحجاب و هو الرجال الابدال علي ما وصفنا سابقاً فلانعيده.

و اما ما يتعلق باللفظ المطابق للمعني اما الباب ينحل الي ابين مع اتحاد المادة و اختلاف المتعلق و حيث ان الباب واسطة بين الاعلي و الاسفل و فيه نسبة الي الاعلي علي هيئته و نسبة الي الاسفل كذلك و لمّا كان كل اصل اباً علي ما قدّمنا من البيان في البيت الثالث فيكون هذه الواسطة بالنسبة الي من دونها اباً لكنّه مرة بصورة المتعلق السافل و مرة بصورة العالي الاعلي ففيه نسبتان و كل منهما يسمي باسم واحد و من هذه الجهة سمّي باباً لانه واحد او([153]) هو اب لكنّه في مقامين فافهم و هو ايضاً مردود الصدر الي العجز فاوله عين اخره و ظاهره عين خافيه و الصورة و ان كانت واحدة و الاسم غير متعدد الاّ ان جهة كل واحد منهما غير الاخري باللطافة و الكثافة و الغلظة و الرقة فالباب دائماً علي شكل ورق الاس و هو ايضاً ثلثة احرف اثنان متوافقان و هو دليل اتحاد الرأسين بالعالمين و ظهور حقيقة اخري في البين فهو واحد و ان كان لوحظ فيه اثنان فالالف دليل وحدة عالمه و الباءان دليل نسبة الطرفين فهو اثنان في عين كونه واحداً فاذا حذفت الباء الاول ينقطع ان‏يكون باباً فيكون اب قد رجع الي الاول و انقطعت ملاحظة الثاني او رجع الي الثاني و انقطع عن الاول فـاب بمعني رجع و اذا حذفت الباء الثاني يكون باء بزبره و بيّناته و هو باء بسم اللّه الرحمن الرحيم التي ظهرت الموجودات منها و هي الالف المبسوطة و شجرة طوبي و اللوح الاعلي و الزمردة الخضراء و رتبة النعم و الالاء مقام الرحمة و الشفاء و اذا حذفت الباء الاول انقطعت البابية و جاءت الابوة فيكون اباً للوجود و اصلاً لكل غيب و شهود و مرجعاً لكل موجود و مفقود منه

 

«* شرح القصيدة صفحه 356 *»

بدئت الاشياء و اليه بالكمال تعود لكنّه اب ثانٍ و ادم تالٍ و هو البشر الذي خلق من الماء فجعله نسباً و صهراً و الماء هو ادم الاول و الاب الاول و البشر هو الاب الثاني و النور الشعشعاني سرّ البيان و المعاني و القياس الاقتراني و هو ايضاً اخره يردّ الي اوله و قد قيل في ذلك ما اسم اذا عكسته فعكسه في طرده لكن حفظ مال المشتري في رده و هو ايضاً خمسة كفّ الحكيم و سرّ النور القديم الظاهر بالولاية الفاقدة للنهاية و البداية مطوي في الخمسة تسعة و هي الافلاك و اصل السماك و محقق الاندكاك و الانفكاك و الخمسة هي المجتمعة في العباء و المفصلة في البقاء و المجملة في اللقاء و الخمسة هي العدد الدائر الحافظة نفسها في جميع النسب و الاضافات اذا نسبت اليها و ان كثرت و ترامت و تعددت تكعيباته هذا سرّها في الاعداد و اذا ثنّيت تكون هي العشرة الكاملة حافظة نفسها في جميع مراتب التكوين و ظهور سرّها في التكوين و التدوين اما بيان ظهورها في المكونات في كل شي‏ء و انتهاء الموجودات اليها فلانّ الاشياء كلها لاتخلو من العوالم العشرة عالم الامكان و عالم الفؤاد و عالم العقول و عالم الارواح و عالم النفوس و عالم الطبايع و عالم المواد و عالم المثال و عالم الاجسام و عالم الاعراض و اما حفظ نفسها في الالفاظ و الاعداد و الحروف و كل شي‏ء فقاعدته ان‏تضعّف ذلك الشي‏ء ستّ مرات ثم تضيف اليه واحداً ثم تضربه في عشر ثم تطرحه عشرين عشرين و يبقي الباقي عشرة و ذلك في كل شي‏ء من لفظ و معني و لنضرب لك مثالاً فنقول الباب مثلاً خمسة في العدد و ثلثة في اللفظ اما اللفظ فقد ضعّفناه ستّ مرات كانت ثمانيه‏عشر اضفنا اليها واحداً كان تسعه‏عشر فضربناها في عشرة فكان مائة و تسعين و اسقطنا عشرين عشرين فسقطت مائة و ثمانون و بقيت عشرة و اما في العدد فنقول ان عدد الباب خمسة ضربناها في ستة كان الحاصل ثلثين ثم اضفنا اليه واحداً و ضربنا المجموع في عشرة فكان الحاصل ثلاثمائة و عشرة فاذا اسقطنا عشرين عشرين تبقي عشرة و هو المطلوب من انتهاء الاشياء اليها و هكذا تفعل في كل لفظ من حيث حروفه و من حيث عدده علي كل وجه و علي كل حال فاذا ضربنا الباقي في احدعشر قواه الاسم الاعظم يستنطق منه الاسم الاعظم علي و اذا اضيف اليها واحد و ثلثون يستنطق منها اسم

 

«* شرح القصيدة صفحه 357 *»

عمر(رض) وبالجملة فالعشرة سرّ كامن في كل شي‏ء فالخمسة كما انها بنفسها عدد دائر كذلك مثناها فالخمسة اذا ثنّيت كانت عشرة تظهر في كل الوجود و الي هذه الدقيقة اشار سبحانه في قوله تعالي تلك عشرة كاملة  والاّ فمن البيّن ان الثلثة مع السبعة تكون عشرة فلو كان المراد هذا المعني الظاهر لم‏يكن القرءان فيه تفصيل كل شي‏ء و لم‏يكن معجزة و لم‏يكن اللّه سبحانه حكيماً لتصديه لذكر البديهيات فاذا كعّبت الهاء التي هي الخمسة اي ضربت في العشرة نطقت النون فدلّت علي الكاف فاستنطق منها عين التعين الاول و ظهر بها كل ما قلّ و جلّ و الخمسة يستنطق منها الهاء و باشباعها حصلت الواو و باتصالها بها ظهر الاسم الاعظم «هو» فالهاء حرف الباطن من اعلاه و الواو حرف الظاهر من ادناه و هو الاول و الاخر و الظاهر و الباطن و بتنزل هو الي رتبة ثانية ظهر العلي و بتنزل الهاء يتولد النون و بتنزل الواو ظهرت السين و المجموع مائة و عشرة و هو العلي الكبير و هو العلي العظيم و هو العلي الحكيم فتبين من هذا البيان و ما اودع اللّه سبحانه في الباب سرّ دقيق و رمز رقيق و هو ان الباب اذا نظرت الي باطنه فهو البيت لان الهاء التي هي استنطاق باطن الباب هي ميادين التوحيد الظاهر في كل شي‏ء من الموجودات لان مراتب الموجودات لاتخلو من خمس يجمعها عالمان عالم الامر و هو الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و عالم الخلق و هو دلالة الكلمة فالكلمة لها اربع مراتب الاولي النقطة و الرحمة و السرّ المجلل بالسرّ و باطن الباطن و حق الحق الثانية الالف و الرياح و السرّ المستسرّ و باطن الباطن و حق الحق الثالثة الحروف و السحاب المزجي و سرّ السرّ و باطن الظاهر الرابعة الكلمة التامة و الظاهر و السحاب المتراكم و الحق و هذه الاسماء اخذناها من اية و رواية اما الاية ففي قوله تعالي هو الذي ارسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتي اذا اقلّت سحاباً ثقالاً سقناه الي بلد ميت فانزلنا به الماء و اخرجنا به من كل الثمرات بضميمة قوله تعالي هو الذي يزجي سحاباً ثم يؤلّف بينه ثم يجعله ركاماً و اما الرواية فقول اميرالمؤمنين كل‏ما في الباء في النقطة بضميمة قوله7عن النبي9انّ امرنا هو الحق و حق الحق و هو الظاهر و باطن الظاهر و باطن الباطن و هو السرّ و سرّ السرّ و السرّ المستسر و السرّ المقنّع بالسرّ و الخامسة و هي مقام الخلق و هي الدلالة و

 

«* شرح القصيدة صفحه 358 *»

الماء النازل من السحاب المتراكم و بحر الصاد و بحر المزن و المداد الاول للدواة الاولي و المحبة و الوداد و الماء الذي به كل شي‏ء حي و هذه الاسماء ايضاً اخذت من ما تقدم من الاية بضميمة قوله تعالي كهيعص و قوله تعالي ن و القلم و ما يسطرون و قوله تعالي أفرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون و هذه المراتب الخمسة هي ميادين التوحيد و لاريب ان التوحيد الظاهر للنقطة اعظم و اعلي من التوحيد الظاهر للالف و التوحيد الظاهر لها اعظم و اعلي من التوحيد الظاهر بالحروف و التوحيد الظاهر لها اعظم و اعلي من التوحيد الظاهر بالكلمة و التوحيد الظاهر لها اعظم و اعلي من التوحيد الظاهر للدلالة و بالدلالة تحققت الموجودات و الكاينات تصدق الدلالة عليها علي التشكيك و اما في السلسلة الطولية فهي الدلالة و دلالة الدلالة و دلالة دلالة الدلالة و هكذا الي اخر المراتب و صدق الدلالة علي الدلالات المتأخرة من باب الحقيقة بعد الحقيقة فالخمسة جامعة لمراتب التوحيد كلها و هي غيب الباب و لذا كانت الخمسة هي العدد الظاهر لان التوحيد ينفي الغير و لايمتزج بالغير ابداً كالمراتب الخمسة نفسها و هي المبادي و هي لم‏تزل ظاهرة و هذه مراتب التوحيد و هي كلها في غيب الباب و مراتب الكلمة التي هي مراتب الفعل كلها في غيب الباب و مراتب المفعولات المخلوقات القبضات العشر في غيب الباب و اليد الظاهرة بالكفّ الظاهرة بالاصابع الخمسة هي في غيب الباب و الابوان في ظاهر الباب و الالف المبسوطة هي ظاهر الباب و الباء التي ظهرت الموجودات منها هي ظاهر الباب و رجوع الاشياء كلها اليها هي ظاهر الباب فالباب هو الباب و هو الوالد لاولي الالباب و هو البيت و هو الساكن في البيت و هو اعلي البيت و هو اسفل البيت و هو سرّ البيت قال الشاعر و نعم ما قال :

ما في الديار سواي لابس مغفر   و انا الحمي و الحي مع فلواتها

و هذا علي مذهب اهل الوحدة واضح ظاهر و اما علي مذهب غيرهم فذلك مقامات الظهور و مراتب النور و الظهور غير الذات و ان قيل انها هي الذات و لذا قال النحاة ان اسم الفاعل مشتق من الفعل و المشتق فرع للمشتق‏منه و ان الفاعل ايضاً هو اسم الفاعل و الكل مشتقة اما من الفعل او من المصدر فالفاعل اذن فرع من المصدر او الفعل مع ان

 

«* شرح القصيدة صفحه 359 *»

الفعل و المصدر انما تحققا من الفاعل ان هذا لشي‏ء عجيب و اللفظ علي طبق المعني و الصورة علي مثال المعني و الظاهر عنوان الباطن فافهم وفّقك اللّه للصواب و رفع بفضله و منّه عن وجه معرفتك النقاب و للّه درّ الناظم حيث تنبّه لامر دقيق و لم‏يذكر ان الستر انما اتوا به الي الباب لان الستر هو الباب و هو الجناب ولو قال ايضاً ذلك لكان له وجه ولو كان بعيداً جدّاً الاّ انه يكون كما قال9في الدعاء الهي هب لي نفسي فافهم.

و قوله سلمه‏اللّه اتوا لبابك انما يريد امتثال قوله تعالي و السعي الي ما مهّده اللّه و السير فيما سهّله اللّه و هو قوله و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و اياماً امنين  فامتثلوا امر اللّه و سلّموا لحكم اللّه و قالوا لبيك لبيك اتينا طائعين و لقولك سامعين و لامرك ممتثلين و الي طريقك سالكين و في القري التي جعلتها لنا سايرين و لبابك الذي امرتنا بالدخول فيه داخلين خاضعين ذليلين قائلين حطة فاغفر لنا ذنوبنا انّا كنّا خاسرين و لذا قال سلمه اللّه و اتوا لبابك يحملون وسيلة الوسيلة بعد الستر هذا الذي ذكرناه من كيفية الدخول في الباب الذي هو باب حطة لكن بنواسرائيل يجب ان‏يقولوا حطة فبدّل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم و اما هذه الامة المرحومة امة محمّد9 فلابد لهم اذا وقفوا بالباب يشهدون الشهادتين و يكون ظاهرهم طاهراً و باطنهم مصفّي عن ارجاس الذنوب و هو قول سيدنا علي الهادي العسكري عليه الاف التحية و الثناء من الرب العلي اذا صرت بالباب فقف و اشهد الشهادتين و انت علي غسل و كبّر اللّه الي ان قال تمام مائة تكبيرة و هاتان الشهادتان ثم التكبير بعدهما هو معني حطة و سرّها و حقيقتها و روحها و غيبها فالاتيان للباب علي ما وصفنا هو اعظم الوسائل و اشرف الدلائل و اما الباب فالمراد منه اولئك النقباء الاطهار فقدبيّنا صفتهم و اعدادهم و احوالهم في البيت الذي قال الناظم المتقدم:

هذا رواق مدينة العلم التي   من بابها قد ضلّ من لايدخل

ثمّ فيما بعده ازددت في البيان و التبيان حتي لايخفي شي‏ء من حاله لكل من هو انسان لاسيما عند بيان اصحاب السكينة و ذكر مقامات اصحاب التمكين و السائرين بما لا مزيد عليه الاّ ما في قلبي من مخزونات الاسرار التي كتمانها في الصدور خير من ابرازها

 

«* شرح القصيدة صفحه 360 *»

في السطور.

وصــل: لمّا بيّن الناظم اشاد اللّه شأنه وصف السائرين الي ان اتوا الي باب الحضرة النضرة الخضرة شاهدوا الجمال و لاحظوا الجلال و رأوا النور علي الطور و ظهرت لهم التجليات و بانت لهم العزّ و العظمة و الهيبة و سرّ الهيمنة و القيومية فلم‏يتماسكوا الي ان‏نزلوا قال سلمه اللّه تعالي :

نزلوا علي الجرعاء من وادي طوي   و تفرّسوا بقبولهم فترجّلوا

اقـول: اي نزلوا بالخضوع و الخشوع و التذلل و المسكنة و رأوا ما في هذا المقام من الهيمنة و الهيبة و الجلالة و الكرامة و الانوار المشرقة و نيران المحبة المحرقة و ظهور الملائكة باكمل ما عندهم من الظهور و الكروبيون طائفون بذلك الوادي هائمون لصوت المنادي و هم الذين تجلي الربّ سبحانه علي الجبل لموسي بن عمران مقدار سمّ الابرة بنور واحد منهم فقوله تعالي فلمّا تجلي ربه للجبل من قبيل قوله تعالي اللّه يتوفي الانفس و قوله تعالي قل يتوفّيكم ملك الموت الذي وكّل بكم  فما ظنك بهم باجمعهم مع كمال ما عندهم من انوار العظمة و اطوار الكبرياء و ما ظهر فيها من تجلي الحق جل و علا فلمّا رأوا تلك الانوار و شاهدوا تلك الاسرار حقّروا انفسهم و صغّروا ما عندهم و نزلوا خاضعين خاشعين و نسوا انفسهم و ما عندهم من النور و موارد البهجة و السرور فنزلوا علي الجرعاء و هو المكان المرتفع من وادي طوي و ذلك الوادي هو الذي كلّم اللّه به موسي و هذا المكان الذي نزلوا هو العالي من ذلك الوادي و هو ارفع من تلك الرتبة و ان كان في ذلك الوادي ظهرت النار في الشجرة و تكلم الجبار مع موسي بن عمران بواسطة تلك الشجرة فقد ظهرت في هذا الوادي الشجرة الاحمدية من الحضرة المحمّدية و هي الشجرة المباركة الزيتونة لا شرقية و لا غربية منزهة عن الجهات مبراة عن الحدود و الكيفيات يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار التجلي من الوجود الازل و الحي لم‏يزل فتجلي له الجبار فاشرق بتجليه النار و هي نار المحبة و سرّ المودة التي كانت لخلق الخلق غاية و لذلك كان هو الحبيب و هو المحبوب اين هذه الشجرة من شجرة موسي بن عمران و اين هذه النار من تلك النار و قد ورد في تفسير قوله تعالي ان‏بورك من في

 

«* شرح القصيدة صفحه 361 *»

النار و من حولها قال7من في النار هو رسول اللّه9 و من حولها موسي بن عمران اين مقام الذي في عين النار نار المحبة الاولي العليا و مقام الذي يحوم حول النار الذي تصيبه حرارتها و لهبها و النار التي هذه صفتها رسول اللّه9 فيها و موسي بن جعفر انما تلقي من هذه النار و موسي بن عمران من حرارتها و وهجها و نار موسي بن عمران من شجرة طور سيناء في وادي طوي طوتها انوار الملائكة الكروبيين و ذلك الوادي مقرهم اجمعين و هم بشر و ليسوا بملك و نار موسي بن جعفر من الشجرة الاحمدية في وادي طوي مقرها الحقيقة المحمدية فاين هذا الوادي من ذلك الوادي و لذا وصف الناظم و بيّن نزولهم علي الجرعاء من وادي طوي و هذه الجرعاء هي التي ينحدر عنها السيل و لايرقي اليها الطير فان كان موسي بن عمران خلق من قطرة لمّا اتمّ رسول اللّه9السباحة في الابحر الاثني‏عشر ثم في الابحر العشرين ثم قطرت منه9قطرات خلق اللّه من كل قطرة روح نبي من الانبياء منهم موسي بن عمران فصارت له تلك الشرافة و كذلك الانبياء لانهم خلقوا من قطرة من جسده الشريف فان حقيقة موسي بن جعفر قدخلقت من عين تلك الحضرة المقدسة و من ذات الحقيقة المحمدية عليه السلام من ربّ البرية و اين مقام من خلق روحه و جسمه و جسده من حقيقة ذاتية و من خلق روحه و جسده من قطرة خارجية و الفرق بعيد و الامر شديد و الموفق للاذعان بالحق سعيد و اين الثريا من يد المتناول .

فان قلت فعلي ما ذكرت يلزم ان‏يكون كل سيد فاطمي هذا حاله و حكمه فلم الاختصاص قلت نعم اذا وافقت اخلاقه اخلاق الرسول و افعاله افعاله و اعماله اعماله و حركاته و سكناته و لم‏يخالفه طرفة عين بحال من الاحوال و وجه من الوجوه و طور من الاطوار و نوع من الانواع فاذا رأيته وجدته علي شاكلته و علي جمال سيرته محتذياً طريقته امثلته بين عينيه فاذا وجدت سيداً هكذا فهو جزء رسول اللّه9 و يجري عليه احكامه بالتبعية من العلم و الحلم و الكرم و هؤلاء قليلون لم‏نجد علي القطع و اليقين الاّ اناساً مخصوصين مشهورين بالكمال و معروفين بالجلال موصوفين بمعالي الاعراق و مكارم الاخلاق لم‏يطعن فيهم احد بعيب و لم‏يذكر لاحد منهم ريب لم‏يخالفوا الرسول

 

«* شرح القصيدة صفحه 362 *»

طرفة عين و هم متلقون عند الكل بالقبول بلا مين و هم مع كثرة اعدائهم الذين كانوا بصدد قتلهم و نهبهم و سبي ذراريهم ما امكنهم ان‏يظهروا لهم عيباً او نقصاً ولو افتراءً و زوراً و تقوّلاً و بهتاناً فلايوجد في كتاب من الكتب و لا في زبر من الصحف طعن فيهم و قدح في مقامهم و مرتبتهم مع شدة انكارهم عليهم و كمال اعراضهم عنهم فقد اعرضوا لقلة المناسبة و ماانكروا فضلهم لقوة الظهور و ما عسي ان‏يقول الشخص في الشمس و ان انكرها و عاندها كذلك هؤلاء الطيبون الطاهرون و قداحسن الشاعر و اجاد في مدح امير المؤمنين7

تصالح الناس الاّ فيك و اختلفوا   الاّ عليك فهذا موضع العبر

يعني مااختلفوا الاّ عليك و مااتفقوا الاّ فيك فاتفاقهم في فضله و جلالة مقامه و منزلته و قد اجمع علي ذلك المسلمون و انه من اهل‏البيت الذين اذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً و انه من الصادقين الذين امر بالكون معه و انه المعني من قوله تعالي و انفسنا و انفسكم و انه الاصل في كل اية يخاطب فيها المؤمنون و كذلك اولاده هؤلاء الطيبون قد اجمعوا انهم من اهل‏البيت و انهم ايضاً من الصادقين و انهم المعنيّون من قوله تعالي قل لا اسألكم عليه اجراً الاّ المودة في القربي و بالجملة توافق اخلاقهم مع اخلاق رسول اللّه9 قد قامت عليها ضرورة الاسلام.

تنبيـه: و ان كان مستغني‏عنه ولكن نفثة مصدور. اعلم ان الحسين7قد قتله بنوامية بجنودهم و اتباعهم و قتلوا انصاره و نهبوا امواله و اسروا عياله و شهروهم في البلدان و هذا لاينكره احد فعاتب عليهم الناس و طالت الالسنة بالطعن عليهم من كل جهة و مكان و اصرّوا و الحّوا علي الطعن عليهم بهذا الشأن و هو العلة لتزلزل اركانهم و تزعزع بنيانهم و ذهاب دولتهم و بذلك احتج الخراساني من انهم قتلوا ابن الرسول و سيد شباب اهل الجنة و قتلوا ذراريه و اسروا نساءه و اجتمع الناس معه و ازال الدولة عن بني‏امية ثم ان احمد السفاح لمّا تسلط و قتل بني‏امية و عمدة احتجاجه عليهم بقتلهم الحسين بن علي بن ابي‏طالب و هؤلاء بنوامية كانوا سلاطين و الناس تابعة لهم و يصدّقونهم بكل وجه طمعاً للدنيا و للحرص علي الرياسة الفانية الزايلة فلمّا عاتب

 

«* شرح القصيدة صفحه 363 *»

الناس عليهم و طالت السنتهم بالطعن عليهم فهلاّ ذكروا لهم حجة و اثبتوا له عيباً و نقصاً حتي‏يدفعوا بذلك عنهم العار و الشنار أتظن انهم اذا ما استشكلوا عن قتله هل كانوا يستشكلون عن الافتراء عليه و البهتان له أتري الذين اعانوهم علي قتلهم و سبي ذراريهم و نسائهم هل كانوا يستشكلون عن قول الافتراء عليه و نشرها في البلدان لاواللّه ما كانوا يستشكلون ولو قدروا كانوا يفعلون و لقطعوا السنة الناس عنهم و ماهيّجوا نائرة القتال عليهم و لسكّتوا الناس بادني حجة و كانوا يقنعون بذلك منهم لانهم اصحاب السلطنة و ارباب الدولة و المكنة و الناس مع اهل الدنيا و لايستشكلون عن معصية اللّه و تريهم مااحتجوا لهم بحجة و لا اثبتوا له عيباً و لا قدروا علي الافتراء عليه مع اطاعة الناس لهم بكل ما يقولون و ما كان حجة يزيد في قتله7 الاّ ان الحسين7كان ينازع سلطانه و اي سلطان له و هو قوله تعالي ام انزلنا عليهم سلطاناً فهم به يتكلمون و هذا التنبيه ينبّئك علي امر عظيم حيث انهم ماقدروا علي الافتراء عليه مع ما الناس عليه من كثرة العصيان و الطغيان و ارتكاب الفواحش و قول الزور و هيهات هيهات اني لهم ذلك و قد كسفت الشمس و خسف القمر و بانت النجوم في النهار و اظلمت الاقطار و الاطراف و بكت السماء دماً و ظهرت الحمرة في السماء و قد قال الشافعي (ره) ان الحمرة ماظهرت الاّ بعد قتل الحسين7 و روي ابن‏حجر في الصواعق ان يوم دخول رأس الحسين و السبايا في الكوفة جري من جدران الكوفة دم عبيط و ان في يوم عاشورا مارفعت حجرة و لا مدرة الاّ و جري تحتها دم عبيط و امثال هذه كثيرة ولكن هذه اشياء اتفقت عليه الناس ولو كان المقتول من ساير الناس و لم‏يكن نظام العالم منوطاً بوجوده الشريف و لو لم‏يكن معه ربط الهي في حمل الولاية لمااختلّ اساس النظام و لماظهرت الغرائب من كسوف الشمس و خسوف القمر و هل يدفع هذا او ينكره ذوعقل ولكن اكثر الناس هم الغافلون و لقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن و الانس لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم اذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضلّ اولئك هم الغافلون  فالعجب الذي لاينقضي ابداً من الذين شاهدوا تلك الايات و ظهرت لهم تلك البينات و مع‏ذلك قام لبني‏امية عمود و دامت سلطنتهم و الناس يتبعونهم و هم يقولون

 

«* شرح القصيدة صفحه 364 *»

بالحديث المتفق‏عليه الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنة ولكن العذر ما ذكرناه من الايات و لامور اخر استحكمت و نفذت بها مشية اللّه سبحانه في عالم الذرّ.

زيادة التنبيـه: اخبرك بشي‏ء اخر اظهر و ابين في طهارة الائمة: و انّ اللّه سبحانه قد تولّي تطهيرهم و اذهاب الرجس عنهم ولكن تنبّه لما اقول ثم انصف فانه من مزايا العقول و هو ان العسكر الذين في كربلا في رواية انهم ثلثون الفاً و في رواية انهم مائة الف و في رواية اربعمائة الف و هؤلاء هم الذين اغلبهم او بعضهم او من سنخهم و فطرتهم كانوا في وقعة الحرة في المدينة و انهم بعد قتل اهل المدينة و استيصالهم و التمكن منهم و التسلط عليهم فسقوا بنسوان اهل المدينة و فجروا بهنّ حتي اشتهر ان التي حملت من الزنا من البنات الابكار اربعة الاف ماعدا الثيبات و ماعدا اللاتي ماحملن و هم مع ذلك في حرم رسول اللّه9اللائذون بقبره الشريف هكذا فعلوا بهم من القتل و السلب و هتك الاعراض. انظر الان بعين بصيرتك و ابصر بصافي سريرتك و شاهد بعين طويتك  ان الذين قتلوا الحسين و سبوا ذراريه بنات اميرالمؤمنين و فاطمة الزهراء و هن سلام اللّه عليهن من احسن النساء و اجملهن و اكملهن و اضوئهن وجهاً انظر هل خطر ببال احد من اولئك الفجار الذين مااستشكلوا في قتل الحسين7 سيد شباب اهل الجنة ان‏يتعرضوا لهؤلاء النسوة و ما يتبعهن و يلوذ بهن من بنات الانصار و نسوانهم بسوء و يخطر ببالهم ذلك ولو خطر ببالهم لتعرضوا البتة ولكن اللّه سبحانه محاه عن خواطرهم و افكارهم حتي يكون هو سبحانه المتولي لحفظهن و رفع العار عنهن حتي الي زماننا هذا لقد مضي اكثر من الف سنة من قتله سلام الله عليه لم‏يذكر احد و لم‏يفتر عليهن بذلك من اعدائهن و لم‏يخطر ببال احد ذلك و تأمل في عناية اللّه سبحانه بالنسبة اليهم انّ يزيد لمّا بعث العسكر الي المدينة عيّن شخصاً من رؤساء العسكر ان‏يقف علي باب بيت علي بن الحسين و يمنع العسكر ان‏يهجم علي بيته اذ كفتهم وقعة كربلاء و ما نالوا من شدة اللأواء فاجتمعت العلويات و الفاطميات و ساير الهاشميات كلهن في بيت سيدنا السجاد و جلس ذلك الرجل علي الباب و منع كل من اراد ان‏يدخل الي ان‏سكنت الهيجاء و اكتفت بنوامية بما فعلوا من هتك الاعراض ثم ان مولانا السجاد

 

«* شرح القصيدة صفحه 365 *»

اخذ جميع ما كان علي العلويات و الفاطميات و ساير الهاشميات من حلي و اسورة بحيث ماابقي عليهن شيئاً و اخذه منهن كلهن و سلّمها كلها الي يد ذلك الرجل المستحفظ عليهن و انما فعل7ذلك و اخذ من البنات و الاطفال حليّهم ليس لاجل عجزه برضاء([154]) ذلك الرجل عنهم بدونه كلاّ و حاشا بل كان قادراً ان‏يعطيه مايرضي و فوق الرضاء لانه ابن رسول اللّه9 و مكانته عند اللّه عظيمة بل انما فعل ذلك لتنتشر الاخبار و تسير سير الشمس في رابعة النهار في جميع الاقطار بان داره7مع ما فيها من العيال من النساء و البنات و الاطفال بقيت محفوظة و لم‏يصبهن ما اصاب نساء اهل المدينة من الفضايح و الشنايع حتي لايخطر ببال احد ولو بالاحتمال ان العسكر دخل المدينة و فعل ما فعل و هن فيها فاذا تأملت في هذه القصة بعين البصيرة تجد من حماية اللّه و حفظه و تولي عصمتهم و طهارتهم و تطهيرهم و اظهار رشدهم و صلاحهم و تنزههم عما يوجب العار و الشنار ما ينبئك علي امر عظيم و خطب جسيم و فيما ذكرناه كفاية لاولي الالباب و البصيرة و الفكرة و الروية.

رجع الي التحقيق و البيان: فنقول ان طهارتهم و عفتهم ليس تنكر و لهم مع هذا كله نسبة مع رسول اللّه9 المختار صاحب مقام التعين الاول و النور الازل حامل الولاية المطلقة و النبوة المطلقة فكيف لايكون باب موسي بن جعفر جرعاء من وادي طوي الذي ظهرت النار من الشجرة فيه لموسي بن عمران و تكلم اني انا اللّه لا اله الاّ انا فاعبدني و اقم الصلوة لذكري ان الساعة اتية اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي و لايصدّنّك عنها من لايؤمن بها و اتبع هويه فتردي  ما هذه الصلوة و ما هذه الساعة و ما هذا الجزاء و كيف هذا السعي و ما هذا الذكر و ما معني اكاد اخفيها و ما معني الصدّ عنها([155]) وبالجملة تحت هذه المطالب اسرار و غرائب يضيق الذكر لاحصائها.

وبالجملة فلاريب و لا شك ان هؤلاء الاطهار السادة الابرار بلغوا في الفضل مقاماً لايتناهي و قداشار الناظم اطال اللّه بقاه الي هذا المعني في تخميسه لابيات الشيخ

 

«* شرح القصيدة صفحه 366 *»

صالح التميمي و قال و نعم ما قال :

نلت فضلاً اباتراب فاقصي   كل فضل عمّ الوجود و خصّا
و بيوم الحساب لايتقصي   ربما رمل عالج يوم يحصي

لم‏يضق في رماله الاحصاء

ولو ان الاقلام كل نبات   و مياه البحار حبر دوات
ضقن عما اظهرت من خارقات   و تضيق الارقام عن معجزات

لك يا من اليه ردّت ذكاء

و يشير بهذه الابيات الي قوله تعالي ولو انّ ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه و يريد ان كلمات اللّه هي فضائل اميرالمؤمنين و اولاده الطاهرين و يدلّ علي ذلك ما روي عن مولانا الكاظم عليه الاف التحية و الثناء في جواب ما سأله يحيي بن اكثم القاضي عن هذه الاية الشريفة قال اما الابحر السبعة فعين اليمين و عين الكبريت و عين افريقية و عين الطبرية و عين ابرهوت و جمّة ماسيدان و جمّة ناجروان و اما الكلمات فنحن الكلمات التي لايستقصي فضلنا و لايستحصي و اين هذا المقام لغيرهم ماسوي جدّهم و ابيهم و هذا ظاهر معلوم و لذا قال الناظم اجزل اللّه عطاه بتأييده نزلوا علي الجرعاء من وادي طوي و الوادي الباطني علي طبق الوادي الظاهري و قوله سلمه اللّه و تفرّسوا بقبولهم فترجّلوا يعني انهم لمّا نزلوا و وصلوا الي تلك الوادي و نزلوا علي الجرعاء منها و شاهدوا الانوار و عاينوا الاسرار و رأوا تلك العنايات شاملة لهم و تلك الكرامات ظاهرة عليهم تفرّسوا القبول و حدسوا الوصول الي كل مأمول و شاهدوا الاقبال منهم فترجّلوا لما سمعوا المنادي ينادي اخلع نعليك انك بالواد المقدس طوي و لمّا سمع كل واحد منهم النداء و شاهدوا المنادي مقبلاً عليهم متوجهاً اليهم منبسطاً لهم فترجّلوا و خلعوا النعال يعني خلعوا عن قلوبهم محبة الاموال و العيال و خلعوا عن جلباب الانية و رفعوا حجاب الماهية و قيل لهم ما قيل لموسي و ما تلك بيمينك يا موسي قال هي عصاي اتوكّؤ عليها و اهشّ بها علي غنمي و لي فيها مآرب اخري قال القها يا موسي فالقيها فاذا هي حيّة تسعي و كذلك هم القوا

 

«* شرح القصيدة صفحه 367 *»

عصي انيتهم و بالقائهم اياها استشرقت و اسلمت مع سليمان للّه رب العالمين فحيت باذن اللّه فتسعي الي ما يريد اللّه و تحب ما احبه اللّه و تكره ما كرهه اللّه و مايشاءون الاّ ان‏يشاء اللّه و خوف موسي و هربه لاجل ان الوحدة تهرب من الكثرة و الاجمال يهرب عن التفصيل و الغيب يهرب عن الشهادة ثم ان اللّه يؤلّف بينهم لو انفقت ما في الارض جميعاً ماالّفت بينهم فاذا الّف بينهم لايحبون المفارقة و لذا كان ما سمعت من الاخبار ان موسي بن عمران ما كان يحب الموت و ما كان يرضي ان‏يموت الاّ بتدبير وافق مشية اللّه فاختار الموت و قال الشيخ الرئيس في قصيدته في السؤال عن علة تعلق الروح بالجسد لقد شرحناها و اجبنا عن سؤاله و قال فيها عند تعلق الروح بالجسد :

انفت و ماانست و لمّا واصلت   الفت مجاورة الخراب البلقع
و اظنها نسيت عهوداً بالحمي   و منازلاً بفراقها لم‏تقنع

و هذا كان علة الخوف و علة الالقاء و معني الحية و بهذه الوجوه كلها ترجّلوا و خلعوا النعال و قد فسّر بحبّ النساء و كل قبح و فساد من المرأة و اصول النساء ترجع الي ثلاث احدها الماهية و ثانيها النفس الامارة و ثالثها الجهل المركب و هذه الثلاثة مبدء جميع الشرور و القبايح و المفاسد و اليهن الاشارة بقوله تعالي انّ كيدكنّ عظيم اذا وصف اللّه سبحانه شيئاً بالعظمة لايكون اعظم منه شي‏ء لان كل عظيم عند اللّه حقير و صغرت الاشياء كلها في جنب عظمته فاذا خلع عن قلبه حبّ النساء فقد خلع عن التعينات و الاضافات و النسب و كل شي‏ء ينافي الوحدة الحقيقية. و المناسبات الشعرية في هذا البيت كالابيات الاخر كثيرة يعرفها اهلها و لسنا بصددها.

وصــل: و لمّا ذكر الناظم بلّغه مناه ببلوغه الي وادي طوي بلوغ الزوار الابرار الي الجرعاء من وادي طوي و هو وادي موسي بن جعفر النور الازهر و ترجّلوا بخلع نعليهم جهات الكثرة و لوازم الانية و قربهم الي نور الحضرة اراد ان‏يصفهم بما يقتضي المقام بعد هذه الحالة و قال سلّمه اللّه و ابقاه :

و تقدّسوا بحظيرة القدس التي   ر‌ِجْل ابن عمران بها لاتنعل

اقـول: كل مقام ظهر فيه سرّ نور الحق سبحانه و تعالي اما في مقام الوحدة او في

 

«* شرح القصيدة صفحه 368 *»

مقام الاشراق بحسب القوابل الصافية الطيبة المستدعية لحفظ ظهور تلك الانوار علي الوجه اللايق لمحبته بحيث تظهر فيها المراتب الكثيرة لكنها مطلوبة محبوبة الجارية علي وفق محبته سبحانه يسمي حظيرة القدس اما الحظيرة لانها محدودة بحدّ خاص و اما القدس فانها مقدسة و منزهة عن مقتضيات الماهية لانها حينئذ تبعت و اسلمت و امنت و استنارت و استشرقت و كان لونها سماوياً فحينئذ تحفظ النور علي حسب ما يقتضي من مقامها كما اذا اشرق النور علي المرايا البيضاء او الحمراة او الصفراء الصافية المعتدلة كالبلور الصافي المقتضي لجذب النور و جمعه الموجب لاظهار اثاره المستجنة الغايبة في النور كالاحراق و الاشراق علي الوجه الظاهر المحسوس و كل حدّ شامل علي هذه الانوار المشرقة علي الاشياء التي تبرز اشراقها و تظهرها و لاتخفيها تسمي حظيرة القدس و حظاير القدس حينئذ كثيرة فمنها ما تكثر الظهورات فيها بحسب التعينات و منها ما انتفت فيه التعينات و بقي صرف الوحدة البحت الباتّ فالاولي طبقات الجنان من جنان الدنيا و هما الجنتان المدهامتان اللتان تظهران في اخرالزمان و منها جنة الاخرة بمراتبها و طبقاتها و منها الجنان التي هي الاشعة و الانوار للجنان الاصلية تسكنها الجن و المجانين الذين استوعبت ايام تكليفهم بالجنون و منها حظيرة في الجنة اهلها لايهنــئون بطعام و لا ادام و لا نكاح و لا استيناس الاّ بذكر اللّه و منها حظيرة فيها اهل و سكان لايستأنسون بشي‏ء الاّ بمشاهدة جلال اللّه و منها حظيرة لايستأنسون اهلها الاّ بمشاهدة جمال اللّه و منها حظيرة لايستأنسون اهلها الاّ بمشاهدة وجه اللّه و منها حظيرة لايستأنسون اهلها الاّ بمشاهدة اللّه و منها حظيرة لايستأنسون اهلها الاّ بمشاهدة الوحدة و التوحيد و التفريد و التجريد و منها حظيرة لايستأنسون اهلها الاّ بذكر الاسم الاعظم «هو» و منها حظيرة لايستأنسون اهلها الاّ بمشاهدة الهاء و منها حظيرة لايستأنسون اهلها الاّ بمشاهدة ظهور التوحيد في الدلالة و منها حظيرة لايستأنسون اهلها الاّ بمشاهدة ظهور التوحيد في الكلمة و منها حظيرة لايستأنسون اهلها الاّ بمشاهدة ظهور التوحيد في الحروف و منها حظيرة لايستأنسون اهلها الاّ بمشاهدة ظهور التوحيد في الالف و منها حظيرة لايستأنسون اهلها الاّ بمشاهدة ظهور التوحيد في النقطة و منها حظيرة لايستأنسون اهلها

 

«* شرح القصيدة صفحه 369 *»

الاّ بمشاهدة الذات و هي اعلي الحظاير كلها([156]) هذه حظاير القدس و مأوي الانس الاّ ان كل احد يستأنس بمقام من المقامات و حال من الحالات و صفة من الصفات و اما الذات البحت فلايصل اليها احد فقوله سلمه اللّه تعالي:

و تقدّسوا بحظيرة القدس التي
  رجل ابن عمران بها لاتنعل

كل هذه الحظاير رجل موسي بن عمران7لم‏تنعل فيها و كل هذه الحظاير ثابتة مستقرة بوادٍ حلّ فيها سيدنا و مولانا موسي بن جعفر و هؤلاء المشيّعون لمّا شملتهم تلك الانوار و احاطت بهم تلك الاسرار خلعوا النعال اي نزعوا الجلباب و رفعوا الحجاب و كشفوا النقاب و ظهرت لكل حظيرة هي مأوي انسه و محل قدسه لان منهم من نظرهم([157]) الي اثار اللّه سبحانه الظاهرة في العوالم الجسمية و هؤلاء بعد تقدسهم و تنزههم و خلعهم النعال تظهر لهم حظيرة القدس الجنة التي يأكلون فيها و يشربون و يطعمون و ينكحون علي حسب الدرجات و المراتب و منهم من نظرهم([158]) الي اثار اللّه الظاهرة في العلوم الالهية و هؤلاء بعد خلعهم النعال تظهر لهم حظيرة القدس حظيرة اسماء الافعال و منهم من نظرهم في الذات الظاهرة في الاسماء و الصفات و هؤلاء بعد خلع النعال تظهر لهم حظيرة القدس التي لايستأنسون اهلها الاّ بمشاهدة وجه اللّه وهكذا قس ساير احوال اصحاب حظاير القدس

و لكل رأيت منهم مقاماً   شرحه في الكلام مما يطول

و كل عَلَم من تلك الاعلام التي ذكرنا عددها لاهل حظيرة من تلك الحظاير و كل من تحت علم و المشيّعون السائرون تحت كل علم من تلك الاعلام يتبعون صاحب الراية فيدخلون في حظيرته حظاير القدس علي حسب الاعلام الخافقة و الالوية المنشورة و الرايات المشهورة فلمّا تقدسوا بتلك الحظيرة و حملوا تلك الوسيلة تجلي لهم الجبار كرة بعد اخري و مرة بعد اولي فنالوا المراد و بلغوا باقصي ما عندهم من الاستعداد و قوله سلّمه‏اللّه و تقدّسوا بحظيرة القدس معناه انهم بعد ما خلعوا النعال و ترجّلوا ذهبت عنهم

 

«* شرح القصيدة صفحه 370 *»

العلايق و انقطعت عنهم العوايق فتقدّسوا بتقديس اللّه و تطهيره و اذهاب الكدورات و ذهاب الاعراض و الامراض الداعية لظهور الاغيار و حصول الاكدار و لمّا تقدسوا استأهلوا بحظيرة من حظاير القدس علي مقتضي فضل اللّه سبحانه لا علي مقتضي استعداداتهم ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و وادي طوي الذي جاء لموسي بن عمران النداء فسمع النداء من كل جهة هو في احدي الحظاير المقدسة المذكورة و هي التي رجل موسي بن عمران بها لم‏تنعل و هذا ليس بذلك المدح العظيم في حق السيد الاطهر موسي بن جعفر لما ذكرنا لك نعم اذا جعلت حظيرة القدس عامة و شاملة لكل تلك الحظاير و المقامات و مراتب القدس التي ذكرنا تمّ المطلوب و اتجه المقصود ففي كل تلك الحظاير القدس رجل ابن عمران لم‏تنعل فيها فافهم الكلام و علي من يفهم السلام.

وصــل: و لمّا بيّن الناظم ايّده اللّه و سدّده وصول الزائرين و المشيّعين الي حظيرة القدس الجامعة لجميع الحظاير فلاريب ان الانوار و الاسرار و الجلال و الجمال و القوة و الكمال و الاقتدار و القيومية و الهيمنة و الاستعلاء و العلم و الحلم و الرأفة و الرحمة مع الهيبة و المنعة كلما حصل الترقي بخلع النعال و نزع الجلباب و كشف النقاب يكون ظهورها اكثر و بروزها اعظم لان العيون صلحت و الابصار قويت و الاغطية و الاغشية و الحجب المانعة قدارتفعت فلاتدرك و لاتري الاّ اشراقاً يهيّج اشواقاً و انواراً تظهر اسراراً فاشار الي تلك الانوار و ظهور تلك الاسرار و قال اراه اللّه نور معرفته و اضاء سرّه و طويّته:

شاموا السنا من قبتيك و عنده   وجدوا منار هدي يشبّ و يشعل

اقـول: لمّا ظهرت تلك الانوار بتجلي الجبار علي تلك الوادي و الديار و هي مقام وادي طوي من مقام سيدنا و مولينا موسي بن جعفر ابي الرضا ظهرت من نار الشجرة و نودي اني انا اللّه ربّ العالمين من نار الشجرة المقدسة المطهرة المنورة المحمّدية صلّي اللّه عليها و قد صلي مولينا الامام جعفر بن محمد الصادق و قرء الحمد فلمّا وصل الي قوله ايّاك نعبد و ايّاك نستعين كرّرها سبعين مرة او اكثر الي ان غشي عليه فلمّا افاق سئل عن ذلك فقال7 لازلت اكرّر هذه الاية حتي سمعت من قائلها و

 

«* شرح القصيدة صفحه 371 *»

لسانه كشجرة موسي حيث كانت حاملة لكلام اللّه الي موسي بل شجرة موسي مثل لسانه لان هذا اللسان من نوع الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية و لا غربية يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار و هذه النار هي نار التجلي الاول و هو مع من في تربته([159]) في تلك الرتبة بحكم الجمع و جمع الجمع كما بيّنا في حقيقة العباء فظهرت تلك النار علي تلك الشجرة والعجب ان كلاً من الشجرة و النار عين الاخر كالتجلي و المتجلي و المتجلي‏له و بالجملة فذاك النور الظاهر من تلك النار الظاهرة في القبتين هو نور الانوار و علة العلل و عنصر العناصر و اصل الاصول و ايس الايسيات و اسطقس الاسطقسات و الخلق كلهم فروع لهذه الاصول لانهم حملة الولاية الظاهرة و محالّ المشية النافذة القاهرة فالخلق تحت رتبتهم و مقامهم و فروع تشعبت من انوار جدهم9فلايصلون الي مقامهم فلايرون تلك الانوار الاّ من بعيد و لايصلون اليها و لايقربون لديها انظر التفاوت بين موسي و موسي فموسي بن عمران يطلب النار و لايصل اليها و لم‏يحصل له الاقتباس منها كما قال الشاعر الشيخ السهروردي :

جاءها من عرفت يبغي اقتباسا   و له البسط و المني و السؤال
فتعالت عن المنال و عزّت   عن دنوّ اليه و هو رسول

و موسي بن جعفر دوحة من الشجرة الازلية الالهية الزيتونة التي ليست بشرقية و لا غربية يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار الاختراع و الابتداع و تلك الشجرة هي شجرة النبوة الظاهرة في الولاية و هي الحقيقة المحمّدية صلّي‏اللّه عليها كما قال9انا الشجرة و علي اصلها و الائمة اغصانها  الحديث و قال الشيخ الاكبر في الفتوحات ان الحضرة المحمّدية صلّي اللّه عليها اقرب الحضرات الي اللّه و اقرب الحقايق و الحضرات الي الحضرة المحمّدية الحضرة العلوية انتهي ملخصاً بالمعني فكانت الحضرة الاولي هي الشجرة البسيطة الوحدانية الاجمالية النقطة الحقيقية و اول تعينها و تفصيلها و تشعبها بالشعب اصل الشجرة و نسبة الاصل اليها نسبة النقطة الي الالف اللينية فهي اصل

 

«* شرح القصيدة صفحه 372 *»

لشجرة الحروف المنتهية الي النقطة الملحوظة اولاً و بالذات و اول شعبها الالف اللينية و هي مادة الحروف و اصلها و هي انما تحصلت و تحققت و تعينت بانعطافاتها و هو معني قول سيدنا ابي‏عبداللّه جعفر بن محمّد الصادق7 انه ماوصل اليكم من فضلنا الاّ الف غير معطوفة  هذه الالف احد فضائلهم يعني نسبتهم الي العالم عند حمل الولاية الباطنية نسبة الالف الغير المعطوفة الي الحروف التي كانت و وجدت و تأصلت و تحققت بانعطافاتها و تعيناتها فالالف اول تعين النقطة و الالف المتحركة اول تعين الالف اللينية و الالف المبسوطة اول تعين الالف القائمة المتحركة و باقي الحروف تعين التعين و ظهور الظهور و بروز البروز و مظاهر المظهر و مجالي التجلي الاول فجميع الحروف بتأليفاتها و كلماتها و بعباراتها و اشاراتها و دلالاتها و ظهورها و خفائها و حقائقها و صفاتها و ساير اطوارها شروح للالف اللينية و العالم باجمعه في مقام التفصيل حروف تكوينية تنتهي الي الالف اللينية و هو قول اميرالمؤمنين عليه الاف التحية و الثناء انا النقطة تحت الباء و المراد منها الالف اللينية و هي التي تحت الباء اي سرّها و حقيقتها بل تحت التحت لانّ تحت الباء الالف القائمة و تحت الالف القائمة الالف اللينية و المراد بالتحت السرّ و اللطيفة كما تقول ان القلب تحت البشرة لا النقطة التمييزية التي تحت الباء تميّزها عن التاء و الثاء لان هذه النقطة جهة الكثرات و هي من لوازم الماهيات فالالف اللينية الغير المعطوفة بالتقريب الذي ذكرناه باب واحد من الابواب الالف الف الف من فضائلهم و الي هذا المعني اشار الشاعر في مدح النبي9:

ما عسي ان‏اقول في ذي معال   علة الكون كله احديها

و هذه العلة هي الولاية الظاهرة و هو قول اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء ظاهري ولاية و باطني غيب لايدرك و هذه الولاية الظاهرة هي السيل المنحدر عن جبل الازل في الازلية الثانية في التعين الثاني في مقام البشر الثاني الي ما لا نهاية له في الاودية السافلة يسيل ذلك السيل فيها بقدر مقدر و امر مستقر الي ما لا نهاية له و بها ظهر لغيره بغيره و اما باطنه فهو الغيب الذي لايدرك لانه في علوّه و سموّه بحيث سبق كل حقيقة من الحقايق المخترعة فلايرقي اليه طير المدارك و

 

«* شرح القصيدة صفحه 373 *»

المشاعر و الافهام و الاحلام و هو معني قوله روحي فداه ينحدر عني السيل و لايرقي الي الطير فافهم فهّمك اللّه و ثبّتك بالقول الثابت.

و بالجملة ان سيدنا و مولينا موسي بن جعفر عليهما الاف التحية و الثناء غصن من تلك الشجرة الالهية و دوحة من تلك الشجرة الزيتونة و الغصن من سنخ الشجرة و من حقيقتها فاذا قطعته و زرعته كانت تلك الشجرة بعينها باغصانها و اوراقها و اثمارها و رائحتها و طعمها ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار و لمّا كانت الخلايق من ساير اطوار التعينات قبسات اقتبست من شعاع السراج الموقد من زيتها و نارها التي قد برزت منها و هو قوله تعالي الذي جعل لكم من الشجر الاخضر ناراً و النار هي تلك الشجرة و الشجرة هي تلك النار هي هي و هي منها كادت الخلايق لاتصل الي ما يناسب تلك الحقايق اي اغصان الشجرة و اصلها و لقاحها و نفسها فليس لهم حظ الاّ النظر من بعيد([160]) بل المنظور ليس الاّ لحظة من تلك اللحظات و قبسة من تلك القبسات اعارها اياها لتراها بها فالمنظور بعيد و ان كان قريباً و نحن اقرب اليه منكم ولكن لاتبصرون اذ لايري السافل سوي العالي في عين عدم رؤيته اياه فيراه حين لايراه و لايراه حين يراه أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك تعرّفت الي في كل شي‏ء فرأيتك ظاهراً في كل شي‏ء فانت الظاهر لكل شي‏ء بكل شي‏ء و حيث ان السيد الطاهر المولي([161]) موسي بن جعفر كان مطلعاً لنور الولاية واقفاً لظهور شمس النبوة قال الناظم ايّده اللّه و سدّده اشارة الي هذه الدقيقة شاموا السنا فافهم.

و اما السناء فحيثما يطلق منفرداً يراد به النور كالضياء و البهاء و ان اطلق مع الضياء فبينهما فرق و النور يطلق علي الجميع منفرداً و اما حين الاجتماع فبينهما فرق و بيان ذلك ان النور يطلق علي المنير و علي الشعاع علي جهة الحقيقة بعد الحقيقة و قد قال سبحانه و تعالي اللّه نور السموات و الارض فاطلق النور علي الاسم الذي هو العلة لان الظاهر بالالوهية هو الاسم الاعظم الاعظم و هو الاسم الذي خلق اللّه به السموات و

 

«* شرح القصيدة صفحه 374 *»

الارض([162]) و خلق به جبلاّت الخلايق و خلق به الجن و الانس و وضع علي البرق فلمع و علي الودق فهمع و علي الليل فاظلم و علي النهار فاضاء و تبسم و هو النور الاول و له الاسم الاول و الحقيقة الاولي العليا و قد قال سبحانه و تعالي الحمد للّه الذي خلق السموات و الارض و جعل الظلمات و النور و هذا النور مجعول ذلك النور و اثره و مخلوقه و له اسم النور في الحقيقة الثانية في الرتبة التبعية و الضياء يطلق علي المنير و الاصل و العلة و هو قوله تعالي جعل الشمس ضياء و القمر نوراً فالضياء هو المنير لانه صفة الشمس المنيرة و النور هو الفرع المقتبس كما هو شأن القمر و اما السناء فهو يطلق علي الضياء و علي البهاء و علي النور اذا انفرد بالذكر و اما عند الاجتماع فقد قال شيخنا العلامة اعلي‏اللّه مقامه و رفع في الدارين اعلامه ان السناء بمعني النور و الشعاع و الفرع لا الضياء و الاصل لقول مولينا و سيدنا ابي‏عبداللّه جعفر بن محمّد الصادق عليهما الاف التحية و الثناء من الملك الخالق في تفسير البسملة الباء([163]) بهاء اللّه و السين سناء اللّه فلمّا قدّم البهاء علي السناء علمنا ان السناء فرع و البهاء اصل فكان البهاء بمعني الضياء و السناء بمعني النور لاقتضاء الترتيب الوجودي الجاري علي حكمة الاختراع و الابتداع و يؤيده قوله تعالي يكاد سنابرقه يذهب بالابصار فان البرق هو حامل النور الذي حملته الكرة الاثيرية بواسطة اشراق الشمس فالبرق لم‏يزل تابع الشمس([164]) في الوجود و الاقتضاء و التحقق و التذوت فكان فرعاً تابعاً ولكن الذي يختلج بخاطري الفاتر و ذهني القاصر ان هذه الفرعية و التبعية تبعية بدل لا تبعية تأكيد و صفة و ان سمي النحاة كلها توابع فالبرق كالقمر و الشمس واسطة لهما في الثبوت و القمر للبرق كالشمس للقمر و ذلك في جميع العوالم([165]) البروق و الاقمار و الشموس فالضياء حقيقة النبوة و السناء سرّ الولاية في عالم الظهور و الضياء مقام اللاهوت و السناء الانوار الظاهرة في عالم الناسوت و الضياء سرّ النقطة و السناء اشراق الالف و الضياء رتبة الحروف و السناء

 

«* شرح القصيدة صفحه 375 *»

نور الكلمة التامة و الضياء انوار سرادق العرش و السناء النجوم المشرقة في الكرسي و الضياء عالم الاسرار و السناء رتبة الانوار و الضياء نور القدس و السناء محل الانس و الضياء اقليم الظاهر من حيث البطون و السناء ناحية الباطن من حيث الظهور و الضياء نور الوجود و السناء مقام الشهود.

و اما النور فمن جهة النون يطلق علي العلة و المبدء و من جهة الواو يطلق علي الفرع و التابع البدلي و من جهة الراء يطلق علي الشعاع و الاثر و هو التابع المنفصل اما الاول فلان النون تمام قول كن مقام العلة و قال تعالي انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن و هو([166]) الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و هو النور الاول و صبح الازل و اما الثاني فلأن الواو حدود الماهية و جهاتها و اطوارها الستة التي بها امتازت المراتب و تفصّلت و تميّزت فلها التفصيل و التشخيص و هي الرتبة الثانية كما هي([167]) شأن مقام التابعية و اما الراء فانها قافان اي رتبتان و الشي‏ء في مقام الظهور بالاثر له مقامان احدهما الظهور بالفعل و ثانيهما الظهور بالاثر و ان كان بالفعل و شرح([168]) المقامين الراء فمن هذه الجهة صحّ اطلاق النور علي الجميع فيقال للضياء نور و للسناء نور و البهاء هو الضياء و الشعاع هو النور المنفصل كما ان السناء هو النور المتصل و المراد من النور هو جهة الرب كما ان الظلمة هي جهة النفس و ما قالوا من ان النور هو المظهر لغيره و الظاهر بنفسه كلام قشري صوري فان المقام الذي لا كيف له و لا كمّ و لا نسبة و لا اشارة و لا عبارة و لا تلويح و لا تصريح بل هو المجرد عن السبحات و المنزه عن الانيات كما اشار اليه مولينا ابوعبداللّه الصادق روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء بصريح العبارة انّ اللّه خلق اسماً بالحروف غيرمصوّت و باللفظ غيرمنطق و بالشخص غيرمجسّد و بالتشبيه غيرموصوف بري‏ء عن الامكنة و الحدود مبعّد عنه الاقطار محجوب عنه حسّ كل متوهم مستتر غيرمستور و هذا المقام لا شك انه نور بل اصل الانوار و ليس ظاهراً بنفسه و لا مظهراً لغيره لان اعتبار الظاهرية حدّ من الحدود و جهة من الجهات و قد قال

 

«* شرح القصيدة صفحه 376 *»

اميرالمؤمنين روحي له الفداء في الحقيقة نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره  و ذكر روحي له الفداء في وصفها كشف سبحات الجلال من غير اشارة نعم انما عبّر القوم عن النور الجسماني بما عبّروا و هذا المقام اجل و اعلي مما هم بصدد بيانه و تفسيره لانهم في مقام الناسوت في الوجه الاسفل و المقام الذي ذكرنا رتبة اللاهوت و اين هذا من ذلك المقام و علي من يفهم الكلام السلام. و قوله تعالي اللّه نور السموات و الارض فالمراد به الاسم الاعظم([169]) لا الذات البحت فانه سبحانه اجلّ من الاسم و التعبير.

و اما القبة فالمراد بها حاوي الظاهرية اي ظاهرية الجسم و هو القبر فالقبة قبر مرتفع و الفرق ان القبر قد استتر فيه النور و القبة شرح ارتفاع صاحب القبر و بيان انه البيت الذي اذن اللّه ان‏يرفع و يذكر فيها اسمه يسبّح فيه اللّه سبحانه بالغدوّ و الاصال و ارتفاع البيت دليل ظاهرية القبر و ارتفاع شأن الساكن فيه و لايكون ذلك الاّ بشارح مقامه و مبيّن مراتبه و معلن فضائله و هو مظهر مناقبه و مقاماته و كاشف مطالبه و مراداته و هو الباب و الوجه و الجناب و القول و الخطاب و الصدق و الصواب و هو النقيب المذكور و النجيب المسطور و هما بابان من العلم فالنقيب كالعرش باب باطن اجمالي و النجيب كالكرسي باب ظاهر تفصيلي و كل باب من هذه الابواب يفتح منه الف باب و من كل باب من الالف يفتح الف باب و هي الابواب التي علّمها رسول اللّه9اميرالمؤمنين7عند موته قبل مفارقة روحه الشريفة بدنه الشريف و بعد ما غسّل9و حنّط و كفّن و اجلسه اميرالمؤمنين7 علي سريره و سأله و تعلّم منه9 الف باب علي ما وصفنا لك و تلك الابواب هي الابواب التكوينية و الذوات النورية و الحقايق الالهية الحقيقية الواقعية الاولية فالابواب الاولية التي علّمها اياه صلّي اللّه عليهما قبل وفاته هم النجباء و التي علّمها اياه صلّي‏اللّه عليهما بعد وفاته هم النقباء و هما بابان عظيمان و خيران كثيران و حكمتان الهيتان و بيانان واضحان و علمان لائحان اشتملا

 

«* شرح القصيدة صفحه 377 *»

علي جوامع اسرار الولاية و النبوة و انطويا علي محاسن اطوار التوحيد و التفريد بسرّ الاية و هما القبتان العظيمتان الشريفتان المرتفعتان مبدء مقرّهما ارض الحيوة و اقصي سمكهما و ارتفاعهما سماء الالوهية المشتملة علي مقامات الاحدية و الواحدية و الرحمانية و الربوبية في هاتين القبتين قبر الولي و القبر حاوي ظاهر البدن و البدن حاوي ظاهر الروح و الروح حاوي ظاهر القلب و القلب حاوي ظاهر الفؤاد و الفؤاد حاوي ظاهر النقطة و السرّ المنمنم و الرمز المعمي و هو قول اميرالمؤمنين روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء لكميل لمّا قال اولست بصاحب سرّك قال7 بلي ولكن يرشح عليك ما يطفح منّي  و هذا الرشح الطافح من تلك الظواهر فافهم و كن به ضنيناً و كن مستودعاً للسرّ اميناً.

فالقبتان هما البابان احدهما النقباء و منها يشرق نور المحبة و الوداد و الاجمال و الاتحاد و ثانيهما النجباء و منها يشرق الانوار التفصيلية في المراتب التمييزية في الاولي منها يشرق النور الابيض من افق الوحدة علي هياكل التوحيد و قوابل محالّ التفريد و التجريد و هو نور وحداني اوّلي اجمالي بسيط لونه البياض لشدة البساطة و الوحدة لا لاجل الطبيعة و الكثرة و في الثانية منهما يشرق انوار مختلفة الالوان من حمرة و صفرة و خضرة و ساير الالوان المركبة فهناك تميّز النور الابيض و النور الاصفر و النور الاخضر و النور الاحمر ففي الجانب الايمن الاعلي من قلبه مشرق النور الابيض و في الجانب الايمن الاسفل مشرق النور الاصفر و هما وادي طور سيناء و الشجرة النابتة فيه شجرة الخلد تنبت بالدهن السرّ الغيبي الساري في العالم الشهودي و صبغ من الصور الطيبة و الالوان الحسنة و النفوس المطمئنة للاكلين المستمدين من الامدادات الالهية من المادة و الصورة و الجانب الايسر الاعلي من قلب هؤلاء الطيبين الطاهرين مشرق النور الاخضر و في الجانب الايسر الاسفل من القلب مشرق النور الاحمر فاشرقت تلك الانوار من تلك القلوب فاستضاءت بها العوالم الغيبية و الشهودية فاستشرقت و تلألأت و استنارت و استضاءت فاذهبت الظلمات و ازالت درن غواسق السيئات المدلهمات و اشرقت علي قلوب المشيعين المتبعين لاولئك القادة الهداة فتلك انوار قد بزغت من

 

«* شرح القصيدة صفحه 378 *»

صبح شمس الازل بظهور النار الظاهرة من الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية و لا غربية فاضاءت به الديار يكاد سنابرقه يذهب بالابصار ان في ذلك لعبرة لاولي الالباب و هنا كلام ترقب بيانه عن قريب ان شاء اللّه تعالي.

حكمـة الهيـة: اعلم ان القباب كثيرة لكنها بالنوع تنقسم الي قسمين احدهما قباب مرتفعة مستوية مستقيمة متصاعدة الي جهة العلو و ثانيهما قباب منكوسة فيها ظلمات و غواسق مدلهمات متنازلة متسافلة الي جهة السفلي و كل منهما له درجات و مقامات تعرف بالمقابلة:

فاعلاها و اعظمها و اشرفها قبة الاحدية فتلك قبة لا غاية لاستدارتها و لا نهاية لامتدادها لايحيط بها الاحلام و لايصل اليها نظر الافهام فهي غيرمكيّفة و غيرمحدودة.

و ثانيها قبة الواحدية مبدء الاسماء الالهية و سرّ الاكوان الوجودية قطب الاقطاب و رب الارباب و مالك الرقاب و منشئ السحاب اي سحاب المشية الكونية من ابخرة ارض الامكان.

و ثالثها قبة الاسماء و الصفات و المعتبرة فيها الذات الظاهرة المعتبرة في المشتقات.

و رابعها قبة بلدة بسم اللّه الرحمن الرحيم و هي القبة التي لها اربعة اركان في كل ركن مكتوب عليه كلمة من البسملة يجري منها نهر من الانهار الاربعة فالنهر الاول الذي هو الماء الغيرالاسن يجري من ميم البسم و النهر الثاني الذي هو اللبن الذي لم‏يتغير طعمه يجري من الهاء في اللّه و النهر الثالث الذي هو الخمر لذة للشاربين يجري من ميم الرحمن و النهر الرابع الذي هو العسل المصفي يجري من ميم الرحيم و رئيس هذه القبة و زعيمها و السلطان علي من فيها ملك يسمي وحدائيل وحيائيل ويكائيل.

و خامسها قبة العرش المركب من تلك الانوار الاربعة الجارية من مباديها المذكورة فاجملت بعد ما فصّلت و تركبت بعد ان تجزّأت و اجتمعت بعد ان تفرقت فلذا ظهرت الميم بعد اللام و الوحدة لاتكون بعد الكثرة الاّ في القوس الصعودي فتكون البعدية بعدية رسمية لا حقيقية و الرئيس في هذه القبة اربعة روح‏القدس و الروح من امر اللّه و

 

«* شرح القصيدة صفحه 379 *»

النفس التي لايعلم ما فيها عيسي و الروح علي ملائكة الحجب و الرئيس علي الجميع و الزعيم علي الكل هو روح‏القدس و هو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش و في هذه القبة اهلها كلهم سجود لايرفعون رءوسهم و لايركعون و لايقيمون جباههم معفرة و قلوبهم منورة و من شدة اضمحلالهم لمشاهدة جمال معبودهم فنوا عن انفسهم لايكادون يظهرون فغشيهم نور الوحدة و انتزعوا عن جلباب الكثرة فنسوا انفسهم في مشاهدة ربهم فجذبت الاحدية صفاتهم و شئونهم و اطوارهم فقيل ان تلك القبة ليس فيها شي‏ء و سموها بالفلك الاطلس لخلوّها عن النقوش و الرئيس علي اهل القبة و الزعيم عليهم و ان كان ليس لهم رئيس اذ ليست عندهم مناقشة و لا مكابرة و كونهم فانين مضمحلين لايشاهدون انفسهم و لايلاحظون انيتهم امتثلوا امر اللّه سبحانه و تعالي حين قال لهم توبوا الي بارئكم فاقتلوا انفسكم فقتلوا النفس و حلّوا الرمس فاي حاجة لهم الي الرئيس بل هم كما قال الشيخ المقتول:

ليس الاّ الانفاس تخبر عنه   و هو عنها مبرء معزول

ولكن الوجود لايقوم بغير رئيس و لا زعيم كما ان الحروف لاتقوم بدون الالف و النقطة و الاعداد لاتقوم بدون الواحد و الدوائر لاتقوم بدون المحور و القطب و الاشجار لاتقوم بدون الاصل و المعادن لاتقوم بدون الاصلين الكبريت و الزيبق و المتولدات لاتقوم بدون التراب و الطين خلقكم من تراب ثم اذا انتم بشر تنتشرون  فالرئيس لابد من وجوده اختلفت الرعية ام اتفقت تباينت او اجتمعت تظاهرت او تقاعدت ظهرت او خفيت بدت او استجنت فمن هذه الجهة قلنا رئيس اهل تلك القبة و زعيمهم اسمه ثعائيل.

سادسها قبة الدهر و هي محيطة علي الوجود المقيد و وجه السرمد و سرّها مقوم الاود و حامل المدد و باب الفرد الصمد منه بدئت الموجودات و اليه تعود بالكمال و هو سبب الاحياء و علة الهلاك و الدهرية جعلوا السبب مسبباً و قصّروا نظرهم الي السبب و مانظروا الي المسبب قالوا و مايهلكنا الاّ الدهر بزعمهم السبب مسبباً و الفرع اصلاً و الاثر مؤثراً و لذا كذّبهم اللّه بقوله الحق و ان هم الاّ يظنّون  لايعرفون الحقيقة و لايصلون الي الدقيقة بل قد ضيّعوا الطريقة فلو تدبروا لوجدوا الدهر اسماً من اسماء اللّه

 

«* شرح القصيدة صفحه 380 *»

و شأناً من شئون صفاته و اسمائه و في دعاء صفر يادهر ياديهور و الاسم به الرسم و به وجود المتعلق كما في الدعاء و باسمك الذي خلقت به العرش و باسمك الذي خلقت به الكرسي و باسمك الذي خلقت به الجن و الانس و باسمك الذي خلقت به جبلات الخلايق الدعاء و لاريب ان القيام انما قام بالقائم و القعود بالقاعد و الكتابة بالكاتب ولكن الاسم صفة و رسم لا استقلال له و لا تذوت فهم عبدوا الاسم و من عبد الاسم دون المسمي فقد كفر و لم‏يعبد شيئاً و من عبد الاسم و المسمي فقد اشرك و من عبد المسمي بايقاع الاسماء عليه فذاك التوحيد فلو قال هؤلاء و مايهلكنا الاّ الدهر علي حدّ قوله تعالي قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكّل بكم. الذين تتوفيهم الملئكة طيبين. الذين يتوفيهم الملئكة ظالمي انفسهم. اللّه يتوفي الانفس حين موتها لصدقوا و اصابوا ولكنهم اقتصروا علي الاسم و قالوا و مايهلكنا الاّ الدهر كفروا و كذبوا و اخطأوا و قبة الدهر محيطة بكل الممكن و سرّ اهلها و رئيسهم و زعيمهم ملك يسمي قبائيل و هوائيل و يدائيل هو الرئيس و السلطان الحاكم و السرّ القائم و النور الدائم فافهم و لاتكثر المقال فان العلم نقطة كثّرها الجهال.

و سابعها قبة الزمان و الزمان ماء يجري من تحت جبل الازل الي ما لا نهاية له من المدي كما قاله بعض العلماء و هذه القبة محيطة بجميع الاجسام مبادي النقش و الارتسام و هو جسم الكل عندنا لا العرش الجسماني كما زعموا لان الزمان ليس منتزعاً من حركة الفلك كما قالوا والاّ لكان اصل الجسم بلا زمان و هو غيرمعقول عند اهل التحقيق من اهل هذا الشأن واللّه سبحانه و تعالي يقول اشارة الي هذه الدقيقة خلق السموات و الارض بالحق و اجل مسمي فقبة الزمان جسم الكل المحيط بالاجسام كلها و اما محدد الجهات فهو اول تعيناته و ظهوراته.

و ثامنها قبة محدد الجهات الجسمانية و هي المسماة بالفلك الاعلي و الفلك الاطلس و العرش الجسماني و هي اول ظاهر من ذلك العمي و اول قيد من ذلك الاطلاق و هي لكونه مبدءاً له الاحاطة بجميع الاجسام الظاهرة المتعينة المختلفة المتعددة المنشعبة الي العالي و السافل و الدني و الفاضل و هذه القبة لها اربعة اركان و كل ركن

 

«* شرح القصيدة صفحه 381 *»

يحمله ملك من ملائكة الرحمن فالركن الاول منها يحمله ميكائيل و الركن الثاني يحمله اسرافيل و الركن الثالث يحمله عزرائيل و الركن الرابع يحمله جبرائيل فميكائيل يعينه اسرافيل و عزرائيل بنصف قوتهما و يلقي ما حمله من اثار ذلك الركن الي اعوانه من الملائكة الكلية و هم تسعون ملكاً و يوصلها الي ساير الخلق مما احاط به تلك القبة و اسرافيل يعينه ميكائيل و جبرائيل بنصف قوتهما و يلقي ما حمله من اثار ركن الثاني الي اعوانه التسعين و هم يوصلون باعوانهم الي ما احاط به تلك القبة و عزرائيل يعينه ميكائيل و جبرائيل بنصف قوتهما و يلقي ما حمله من ذلك الركن الي اعوانه التسعين باعوانهم الي ما احاط به تلك القبة و جبرائيل يعينه عزرائيل و اسرافيل بنصف قوتهما و يلقي ما حمله من اثار ذلك الركن اي الركن الرابع باعوانه التسعين باعوانهم الي مااحاط به تلك القبة فالركن الاول اثاره الرزق يحملها ميكائيل الي غيره و الركن الثاني اثاره الحيوة يحملها اسرافيل و يوصلها الي مستحقيها و الركن الثالث اثاره الممات يحملها عزرائيل و يوصلها الي مستحقيها و الركن‏الرابع اثاره الخلق‏يحملها جبرائيل و يوصلها الي مستحقيها.

و تاسعها قبة الكرسي فيها التفاصيل و الاسماء المتقابلة و فيها تظهر اطوار تلك الاركان في الاكوان الظاهر منها الهياكل الاثناعشر و البروج التي في هذه القبة العظيمة مثال تلك الاثني‏عشر و صورها و هيئاتها و اياتها و لمّا كانت السبعة التي هي العدد الكامل الحاصلة من جمع هذه الاركان مع الكيان لا من ضربها فيها المثناة بميل الانبساط اي انبساط اثار القبة الاولي المتقدمة في هذه الثانية المتأخرة المتحققة منها اربعه‏عشر فاذا تفصلت بالعلو و السفل و النورانية و الظلمانية كانت ثمانية و عشرين فالمبادي كانت في قبة محدد الجهات تفصلت في قبة الكرسي فظهرت في وسطها الذي هو محاذي قطبها و سرّها اثني‏عشر برجاً و ثمانية و عشرين منزلاً و هذه البروج و المنازل لاتزال نصفها نورانية و نصفها ظلمانية ذلك تقدير العزيز العليم.

و عاشرها القباب السبع للسيارات السبع الشمس هي الحاكم و الرئيس علي الجميع لكنها تمدّ هذه القباب الست بوجه من وجوهها فتأخذ من باطن قبة المحدد و تمدّ القبة الاولي من هذه القباب و تأخذ من ظاهر تلك القبة و تمدّ السابعة منها و تأخذ

 

«* شرح القصيدة صفحه 382 *»

من باطن القبة الثانية و تمدّ القبة الثانية من السبع و تأخذ من ظاهرها و تمدّ السادسة من السبعة و تأخذ من باطن القران بين القبتين الاوليين و تمدّ القبة الثالثة و تأخذ من ظاهر ذلك القران و تمدّ الخامسة من هذه السبعة و كل قبة سلطانها عن الشمس الكوكب السائر فيها فالسلطان في الاولي من السبع زحل بظاهره يربي السفلة و هو نحس مشوم علي اهل الدنيا و بباطنه يمد و يربي اهل الخير و الصلاح و السداد و هو سعد علي اهل الاخرة و السلطان علي الثانية منها عن الشمس المشتري و السلطان علي الثالثة منها عنها المريخ و الشمس وسط الكل السلطان المهيمن علي الجميع و السلطان علي الخامس منها عنها الزهرة و علي السادس منها عنها عطارد و علي السابعة منها عنها القمر.

حادي‏عشرها قبة الجزيرة الخضراء التي احاط بها البحر الابيض و الماء الحاصل من ذوبان الياقوتة الحمراء و تلك الياقوتة لمّا ذابت و ماعت حصل منها بحر مواج و ماء رجراج يتولد فيه اللؤلؤ و المرجان و علي ساحلها الجزيرة الخضراء التي نباتها الزعفران و هي قبة واسعة عظيمة لاتدركها عميقات الابصار و حديدات الانظار و الحاكم الرئيس و المتولي الامير علي اهل تلك القبة في تلك الجزيرة نقائيل و هو السلطان المستولي و القاهر المهيمن

و اياك و اسم العامرية انني   اغار عليها من فم المتكلم

و ثاني‏عشرها قبة ببكة و هي اول بيت وضع للناس و هي قبة واحدة تشتمل علي قباب كثيرة اكبرها و اعظمها قبة من ياقوتة حمراء فيها سرير من ياقوتة حمراء و حول هذه القبة عن يمينها و يسارها تسعون الف قبة من زمردة خضراء و السلطان الرئيس الحاكم علي تلك القبة و اهلها و المتولي لدائرتها سلطان عظيم اسمه الشريف تكحائيل يملك في هذه القبة في رحلة واحدة خمسين الف سنة ثم يظهر السلطان بطرز اخر بصورة اخري و وجه اخر من ظهورات اسم الرحمن فافهم ان كنت من سنخ الانسان.

و ثالث‏عشرها قبة دارالسلام و هذه القبة لها اربعة اركان ركن باليمن اي اليمين و هو موضع عين اليمين و منه ينفجر تلك العين و يزول بانفجارها كل مين و ركن منها البحرين بحر النبوة و الولاية مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان يخرج منهما

 

«* شرح القصيدة صفحه 383 *»

اللؤلؤ و المرجان فبأي الاء ربكما تكذّبان و ركن منها المدينة و سرّ الطينة علي ما شرحنا لك سابقاً من احوال المدينة و محلاتها و عقودها و ركن منها دارالسلام و وادي‏السلام و محل الاكرام و الانعام و تلك القبة هي المحدودة بهذه الجهات و لعمري غيرمحدودة الجهات فضاها و الحاكم الرئيس علي اهل هذه القبة و المتولي لدائرتها سيد قمقام ولي الاكرام و الانعام تكزائيل و تلك القبة اختصت به من قوله تعالي والامر يومئذ للّه والحكم يومئذ للّه والاّ فكل القباب قبابه و كل الجهات جهاته.

و رابع‏عشرها قبة جابلصا.

و خامس‏عشرها قبة جابلقا و هما قبتان عظيمتان في كل منهما سبعون الف باب و عن كل باب يخرج منه سبعون الف امة و يدخلون فيه كذلك و لايخرج الداخل و لايدخل الخارج ابداً و عند كل باب سبعون الف امة يتكلمون بسبعين الف لغة كل لغة لاتشبه الاخري.

سادس‏عشرها قباب وراء جبل قاف و هي تسعة و ثلثون قبة مملوة خلقاً يستضيـئون بنور الولي لايعصون اللّه طرفة عين لايدرون أخلق اللّه ادم ام لم‏يخلقه.

سابع‏عشرها قبة وراء هذه القباب تشتمل علي اربعين عين شمس ما بين شمس الي شمس اربعون يوماً فيها خلق كثير لايعلمون ان اللّه خلق ادم ام لم‏يخلقه.

ثامن‏عشرها قبة تشتمل علي اربعين قمراً ما بين قمر الي قمر مسيرة اربعين يوماً فيها خلق كثير لايعلمون ان اللّه خلق ادم ام لم‏يخلقه.

تاسع‏عشرها قبة قاف و هي من زمردة خضراء تكون السماء مترفرفة عليها و خضرة السماء منها.

عشرونها قبة وراء القبة المذكورة اوسع منها ارضها اوسع من ارض الاولي سبع مرات و السماء الثانية مترفرفة عليها و هي المسماة قبة قاف الثانية و هكذا ما وراء هذه القبة قاف السماء الثالثة و الرابعة الي السابعة فهي سبع قباب كلها تسمي قبة قاف و تمتاز باضافتها الي السماء فالاولي تسمي قبة قاف السماء الاولي و الثانية قبة قاف السماء الثانية و هكذا الي السابعة و قبة قاف عرضها مسيرة الف سنة من ياقوت احمر عمود

 

«* شرح القصيدة صفحه 384 *»

هذه القبة من فضة بيضاء و لواؤها من زمردة خضراء لها ثلث ذوائب من نور ذؤابة بالمشرق و ذؤابة بالمغرب و الاخري في وسط السماء مكتوب عليها ثلاثة اسطر السطر الاول بسم اللّه الرحمن الرحيم السطر الثاني الحمد للّه رب العالمين السطر الثالث لا اله الاّ اللّه محمّد رسول‏اللّه9.

واحد و عشرونها قبة وراء قاف السماء السابعة تشتمل علي سبعين ارضاً من ذهب و سبعين ارضاً من فضة و سبعين ارضاً من مسك.

ثاني و عشرونها قبة خلف هذه القبة المذكورة تشتمل علي سبعين ارضاً سكانها الملائكة لايكون فيها حرّ و لا برد طول كل ارض مسيرة عشرة الاف سنة.

ثالث و عشرونها قبة خلف القبة المذكورة تشتمل علي حجب كثيرة قد عبر عنها بالظلمة.

رابع و عشرونها قبة خلفها تشتمل علي حجاب من نار و هي نار نضج ثمار الجنة منها.

خامس و عشرونها قبة خلفها تشتمل علي حجاب من نور يضي‏ء به الوجود و تستنير بها كل‏ما في الغيب و الشهود.

سادس و عشرونها قبة تشتمل علي ستة اكوان الكون الاول نوراني لا غير و الكون الثاني جوهري و الكون الثالث هوائي و الكون الرابع مائي و الكون الخامس ناري و الكون السادس اظلّة و ذرّ لا سماء مبنية و لا ارض مدحية.

سابع و عشرونها قبة الوجود المقيد و هي تشتمل علي عشر قباب:

القبة الاولي قبة الفؤاد و باب المراد و محل الاستعداد.

القبة الثانية قبة العقل و هي تشتمل علي ثلث قبب الاولي قبة العقل المرتفع الثانية قبة العقل المستوي الثالثة قبة العقل المنخفض.

الثالثة قبة الروح منبت شجر الاس النضرة الخضرة المورقة.

الرابعة قبة النفس و هي تشتمل علي سبع قباب الاولي قبة النفس الامارة الثانية قبة النفس الملهمة الثالثة قبة النفس اللوامة الرابعة قبة النفس المطمئنة الخامسة قبة النفس الراضية السادسة قبة النفس المرضية السابعة قبة النفس الكاملة و الي هذه

 

«* شرح القصيدة صفحه 385 *»

الانفس اشار اللّه سبحانه في القرءان قال سبحانه و ماابرّئ نفسي انّ النفس لامّارة بالسوء الاّ ما رحم ربي و قال تعالي فالهمها فجورها و تقويها و قال تعالي لا اقسم بيوم القيمة و لا اقسم بالنفس اللوّامة و قال تعالي ياايتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي و هذه الملحقة بالعباد هي الكاملة و هي التي اشار اليها اميرالمؤمنين7خلق الانسان ذانفس ناطقة ان زكّيها بالعلم و العمل فقد شابهت اوائل جواهر عللها فاذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد ثم ان هذه القبة تشتمل علي اربع قباب الاولي النفس النامية النباتية الثانية النفس الحساسة الفلكية الثالثة النفس الناطقة القدسية الرابعة النفس الملكوتية الالهية لقد بيّن اميرالمؤمنين7هذه الانفس و احوالها و قد روي ان اعرابياً سأل اميرالمؤمنين7عن النفس و قال7عن اي الانفس تسأل فقال يامولاي هل النفس عديدة فقال نعم نفس نامية نباتية و نفس حسية حيوانية و نفس ناطقة قدسية و نفس الهية ملكوتية فقال يا مولاي ما النباتية قال7 قوة اصلها الطبايع الاربع بدؤ ايجادها عند مسقط النطفة مقرها الكبد مادتها من لطائف الاغذية فعلها النمو و الزيادة و سبب افتراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة قال يا مولاي و ما النفس الحيوانية قال7قوة فلكية و حرارة غريزية اصلها الافلاك بدؤ ايجادها عند الولادة الجسمانية فعلها الحيوة و الحركة و الظلم و الغشم و الغلبة و اكتساب الاموال و الشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب افتراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة و تنعدم صورتها و يبطل فعلها و وجودها و يضمحل تركيبها فقال يا مولاي و ما النفس الناطقة القدسية قال قوة لاهوتية بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية مقرها العلوم الحقيقية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية و فراقها عند تخلل الالات الجسمية فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود مجاورة لا عود ممازجة فقال يا مولاي و ما النفس اللاهوتية([170]) الملكوتية فقال قوة لاهوتية و جوهرة بسيطة حيّة

 

«* شرح القصيدة صفحه 386 *»

بالذات اصلها العقل منه بدئت و عنه وعت و اليه دلّت و اشارت و عودها اليه اذا كملت و شابهته([171]) منها بدئت الموجودات و اليها تعود بالكمال فهي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لم‏يشق ابداً و من جهلها ضلّ سعيه و غوي فقال السائل يامولاي و ما العقل قال7جوهر درّاك محيط بالاشياء من جميع جهاتها عارف بالشي‏ء قبل كونه فهو علة الموجودات و نهاية المطالب.

و لشيخنا العلامة اعلي اللّه مقامه و رفع في الدارين اعلامه كلام في بيان بعض فقرات هذا الحديث الشريف احبّ ان‏اورده في هذا المقام لما فيه من الفوايد الوافية فاقول قال اشاد اللّه شأنه و عظّم برهانه في شرحه الشريف علي الحكمة العرشية في بيان هذا الحديث الشريف ما لفظه: « قوله7 بدؤها عند مسقط النطفة يعني في الرحم او قبل سقوطها و هي من المعادن فلمّا سقطت في الرحم و كان نطفة الرجل حارة يابسة تعلقت بنطفة المرأة و هي باردة رطبة حصلت النفرة بين ما هو كالنار و بين ما هو كالماء فصرف اللّه بحكمته دم الحيض اليها فتوسط بينهما و فيه مزاج بارد يابس و هو التراب الذي اخذ مادته الملك من الارض من الموضع الذي اذا مات لايدفن الاّ فيه فماثه و مزجه باذن اللّه في النطفتين فبرودته تكسر حرارة نطفة الرجل و يكون نطفة الرجل بقدر نصف نطفة المرأة لتعتدلا  في الطبايع و التراب قديكون بقدر نطفة الرجل او نصفها او ربعها او سدسها او اقل و كلها يكفي في مطلق التوفيق بينهما الاّ انه اذا كان بقدر نطفة الرجل او اكثر ربما فسد المزاج فتغلب الصفراء او البلغم و اذا كان بقدر النصف او([172]) ما يقرب من مساوات نطفة الرجل صلح المزاج و كانت السوداء معتدلة في رجحانها فيعتدل المزاج فيكون الولد عاقلاً عالماً حافظاً ذكيّاً فان خلص التراب من الشوائب كانت صافية فيكون نبياً او وصي نبي قال الرضا7 مابعث اللّه نبياً الاّ صاحب مرة سوداء صافية فاذا اجتمعت الاسباب تألفت القوة اي النفس النامية النباتية بها يحصل العقد و النمو و حينئذ بتقدير اللّه تعالي تحصل للمرأة حمّي ضعيفة لتعين بحرارتها حرارة

 

«* شرح القصيدة صفحه 387 *»

الرحم ليحصل التعفين الذي هو علة الانحلال ليحصل الغذاء الذي به النمو و ليحصل العقد الذي هو علة المزاج و لذا قال7بدؤها عند مسقط النطفة. قال7 و سبب فراقها اختلاف المتولدات اي المتولدات من الغذاء و الطعام و الشراب بزيادة احد الطبايع الاربع بعضها علي بعض تبطل الزيادة الاخري الناقصة فيبطل تركيب القوة المتألفة من الكل بالاعتدال فتفاوت الاخلاط فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة فتلحق حرارتها بالنار فتمتزج بها و تلحق رطوبتها بالهواء فتمتزج بها و تلحق برودتها بالماء فتمتزج به و تلحق يبوستها بالتراب فتمتزج به في كل ذلك الامتزاج استهلاك للتمييز لا استهلاك فناء و قوله7 في النفس الحيوانية قوة فلكية و حرارة غريزية اصلها الافلاك يريد ان النفس الحيوانية من نفوس الافلاك علي نحو ما اشرنا اليه و هي حرارة لانها من علة الكون و ركن الحيوة و غريزية اي طبيعية اصلها الافلاك و هي في غيب النامية لان متعلقها الذي هو الابخرة المعتدلة وزناً و نضجاً كامنة في النطفة الامشاج و في غذائها اي النطفتين و في التراب الذي يقال انه ليس منها و لا من غيرها و هذه كلها مختلطة بالغرائب و الاعراض الفاسدة فهي حينئذ متعلقة في غيبهما([173]) فاذا تخلصت من الاعراض الغريبة و اتحدت بالتعديل و النضج ظهر المتعلق المتخلص المعتدل بالنضج و ظهرت النفس الكامنة فيه عند تمام الاربعة الاشهر التي هي الولادة الجسمانية لان الجسم ولد النفس و هو اول ايجادها اي ظهورها في متعلقها و الولادة الثانية التي هي الولادة الدنياوية و هي خروج الجنين من بطن امه صورة الاولي فقوله7ايجادها ان اريد به ظهورها من الغيب الي الشهادة فهي الاولي و الثانية صورة لها و ان اريد به ظهورها الي فضاء الدنيا فهو علي الظاهر ظاهر و لايصح ان‏يراد بها بايجادها من الغيب عند الولادة الظاهرة كيف و هو الحاكم بوجودها و تحققها عند تمام الاربعة الاشهر و قوله7 و فعلها اي فعلها الطبيعي الحيوة اي الحركة بالارادة و الحركة اي الكون في المكان الثاني و الظلم اي وضع الاشياء في غير مواضعها و الغشم اي الاخذ

 

«* شرح القصيدة صفحه 388 *»

بالعنف و الغلبة اي الاستيلاء و اكتساب الاموال و الشهوات الدنيوية لكثرة الحرص مقرها القلب لانها متعلقة بالابخرة الصافية المعتدلة بالدم الاصفر المتعلق بالعلق الكائنة في تجاويف القلب سبب فراقها اختلاف المتولدات لانها اذا اختلفت الطبايع و ما تولد منها افسد القوي منها ضده فلم‏يبق لها قرار لفساد مكانها و خرابه فاذا فارقت عادت الي ما منه بدئت اي الي نفوس الافلاك عود ممازجة لانها من قوي متعددة من الافلاك المتعددة فاذا تفكك تركيبها بطلت فامتزج كل جزء منها باصله كقطرة الماء في البحر فيبطل فعلها و وجودها و يبطل تركيبها و قال7 النفس الناطقة القدسية قوة لاهوتية اي روحانية بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيوية معناه كما تقدم في الحيوانية الحسية بل سابقة علي النطفة لانها كانت في غيب النطفة المعنوية ففي الكافي بسنده الي ابي‏اسمعيل الصيقل الرازي عن ابي‏عبداللّه7قال انّ في الجنة لشجرة تسمي المزن فاذا اراد اللّه ان‏يخلق مؤمناً اقطر منها قطرة فلاتصيب بقلة و لا ثمرة اكل منها مؤمن او كافر الاّ اخرج اللّه تعالي من صلبه مؤمناً  فهي كامنة في النطفة القاطرة من شجرة المزن علي البقلة و الثمرة فاذا اكلها انتقلت الي الكيموس ثم اذا صنع انتقلت الي الكيلوس ثم الي النطفة التي في الصلب ثم الي الرحم في النطفة و منها الي العلقة ثم الي المضغة ثم الي العظام ثم اذا تمّت الخلقة ظهرت ثم اذا ولد طلعت كما مرّ. مقرها العلوم الحقيقية الدينية اي المقرونة بالاعمال الصالحة فانها مسكن طمأنينتها موادها التأييدات العقلية اي امدادها من الانوار العقلية المشرقة علي اماكنها فعلها المعارف الربانية اي انها تنزع الي معرفة خالقها» الي اخر ما قال اعلي‏اللّه مقامه و رفع في الدارين اعلامه.

و القبة الخامسة قبة الياقوتة الحمراء و غلظها غلظ السموات السبع و الارضين السبع و الكرسي بكواكبها و بروجها و منازلها و العرش باركانه الثلثمائة و الستين الف و ملائكتها و هم علي ما ذكرنا سابقاً هم مضروب سبعة الاف الف في ثلثمائة و ستين الفاً و هم كليات الملائكة من سكان العرش و هم في سرادق واحد من سرادقاته و له سبعون الف سرادق و تلك السرادقات و الكرسي و الدرجات و الارضون و السموات في هذه القبة كحلقة ملقاة في فلاة قي و في هذه القبة غابت تلك القباب المتقدمة و خفي

 

«* شرح القصيدة صفحه 389 *»

ظهورها و بروزها و استتر نورها و لذا قلنا ان سكانها ماتوا و دفنوا في هذه القبة فهي مقبرة سكان تلك القباب و اليها([174]) الاشارة بقوله تعالي اموات غير احياء و مايشعرون ايّان يبعثون و قوله تعالي انّ اللّه يسمع من يشاء و ما انت بمسمع من في القبور و رئيس هذه القبة من هذه الجهة الملك عزرائيل او صوائيل و من جهة ما بعدها من باقي القباب من حيث مبدئيتها رئيسها جبرائيل و للكل جنود لايحصي عددها الاّ اللّه.

القبة السادسة قبة البحر الاعظم و الطمطام المغطمط المعظم كثير التلاطم و الامواج كثير الحيتان و الحيّات يعلو مرة و يسفل اخري في قعره شمس تضي‏ء لاينبغي ان‏يطلع عليها الاّ واحد العصر و اوحدي الدهر و يتولد منها اللؤلؤ الرطب حسب و هو كمد اللون ليس باسود غاسق لمكان الوحدة و ظهور البساطة و لا بابيض شفاف لظهور الكثرة و صلوح التعين و التشخص و هو الامر بين الامرين و الجامع بين العالمين و الواقف علي الطتنجين اهاليها سكان الماء الغواصون في ذلك الفضاء لكنهم مضمحلوا الوجود و مغيبوا الشهود موجود معدوم مستقل مضمحل مخفي ظاهر جارٍ منجمد بحر متحصل من ذوبان الياقوتة الحمراء لمّا نظر اللّه سبحانه اليها بعين الهيبة زعيم هذه القبة و رئيسها و كبيرها و سلطانها الميم المطموس شمس الشموس و انيس النفوس مخمس الهاء معشر الدال مثلث الهيئة مربع المادة فلا بيان لهذا الرئيس في هذا المقام الاّ هكذا فانه بيان حالي و شرح مقالي و اسمه بصريح المقال صبائيل.

القبة السابعة قبة الجزيرة الخضراء و هذه غير التي ذكرناها سابقاً و هذه الجزيرة علي ساحل البحر الابيض من الوجه الاعلي من المذكور سابقاً و اهلها و سكانها صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت و هم اشباح النور و معادن السرور و محالّ البهجة و الحبور ابدان نورانية لا ارواح لها و هم طيور فضاء القدس و اوعية و مهابط الانس و هذه الاوصاف التي ذكرناها و السمات التي بيّناها كل ذلك بالنسبة الي المقيدين بعلائق الماديات و الموثقين بوثاق([175]) التعينات من

 

«* شرح القصيدة صفحه 390 *»

عالم الاجسام و محل النقش و الارتسام و اما بالنسبة الي ما فوقهم من المقامات فهي مقام الضيق و المحبس و المضيق ليس فيه فضاء واسع و لا مقام جامع رتبة الفراق و محل الاشتياق و لذلك كان عالم البرزخ جامع النشأتين و حاوي نسب العالمين و رئيس هذه القبة و زعيمهم شخص لاهوتي و سرّ جبروتي و عين ملكوتي و مقام ناسوتي جامع المقامات رفيع الدرجات ذوالعرش اسمه ثلائيل.

القبة الثامنة قبة الزمردة الخضراء التي تضرب الي السواد تشتمل هذه القبة علي تسع قبب لقد شرحنا لك قبل ذلك بعض احوالها فالقبة الاولي من لؤلؤة بيضاء و القبة الثانية من زمردة خضراء تضرب الي الصفرة و القبة الثالثة من الفيروزج و القبة الرابعة من العقيق الاصفر و القبة الخامسة من الياقوتة الحمراء و القبة السادسة من الذهب المصفي و القبة السابعة من العقيق و القبة الثامنة من الزيبق و القبة التاسعة من الفضة الصافية و تحت هذه القباب التسع اربع قباب الاولي قبة من نار و الثانية قبة الهواء و الثالثة قبة الماء و الرابعة قبة التراب.

القبة التاسعة قبة الدخان و ارتفاعها سبعه‏عشر فرسخاً و ثلث فرسخ و هذه السماء التي ينزل منها الماء الطهور كما في قوله تعالي انزل من السماء ماء طهوراً و قوله تعالي انزل من السماء ماء فسالت اودية بقدرها و في هذه القبة يكون للّه سبحانه السحب و الامطار و الرعد و البرق و البرد و الطلّ و امثال ذلك.

القبة العاشرة قبة المتولدات و هذه القبة لها ثلث طبقات الطبقة الاولي المعدن باقسامه و مراتبه و صاحب هذه القبة في هذه الطبقة ملك يسمي قدسائيل الطبقة الثانية طبقة النبات ارباب النفس النباتية الظاهرة من نضج الطبايع و اعتدالها و ظهور كل واحدة منها باثارها فالنار ترقق و تلطف و تميل الي جهة العلو و التراب يغلظ و يمسك و يميل الي جهة السفل و الهواء يحلّل و يهضم و يعفّن و الماء يدفع الفضول و يبقي الاصول و باجتماع ظهور هذه الاثار يرتفع النبات الي السماء لقوة ما فيه من الحرارة و يحصل له عروق في الارض بحسب ما فيه من قوة اليبوسة و يحصل له نضج و قوة محللة هاضمة لقوة ما فيه من الرطوبة و يدفع الفضلات لقوة ما فيه من البرودة و الجامع لهذه الاربعة و

 

«* شرح القصيدة صفحه 391 *»

المالك لها هي النفس النباتية و رئيس هذه الطبقة و سلطانها الحاكم عليها ملك يسمي تنبائيل الطبقة الثالثة طبقة الحيوان ارباب النفس الحيوانية الظاهرة بعد كمال النفس النباتية الحافظة الجامعة للمشاعر و القوي و ساير الالات الجسمانية البدنية و هاتان النفسان اي النامية و الحيوانية هما المذكورتان في حديث الاعرابي المتقدم.

القبة الحاديه‏عشرة قبة النحاس و في هذه القبة طوائف الجن المخلوقون من نار و ريح السموم و هم اصناف و طبقات و قدذكرناها في الرسالة المنفردة الموضوعة في احوال الجن و حقايقهم و ذواتهم.

القبة الثانيه‏عشرة قبة من النور الاخضر خلقها اللّه سبحانه من نور تهليل الولي الاعظم لان اللّه لما خلق الولي سجد للّه و قال في سجوده سبحان اللّه الف سنة و خلق اللّه سبحانه من نور التسبيح نوراً ابيض متلألأً متشعشعاً ثم قال الحمد للّه الف سنة فخلق اللّه سبحانه من هذا الذكر الشريف نوراً اصفر فاقعاً احاط بالوجود كله ثم قال لا اله الاّ اللّه الف سنة فخلق اللّه سبحانه من هذا الذكر الشريف نوراً اخضر و خلق من ذلك النور هذه القبة الخضراء يسكنها الملائكة المدبرات و المقدرات و المقسمات و المعقبات و امثالهم من حملة الفيوضات فالملائكة كلهم سكان تلك القبة و عنها يصدرون و اليها يردون و هؤلاء غير الملائكة العالين و غير الكروبيين و غير المقربين و غير الذوات النورية و الحقايق اللاهوتية و الاسرار الملكوتية و انهم في قبة اخري فالكروبيون في قبة من اللؤلؤة البيضاء المرتفعة المتحققة المنشعبة من شعلات النور الابيض و العالون اربعة لكل واحد منهم قبة علي‏حدة مختلفة الجوهر متفاوتة اللون فمنها من ياقوتة حمراء و منها من زمردة خضراء و منها من لؤلؤة بيضاء و منها من ذهب مصفي اما المقربون فهم كثيرون في الانواع و الاجناس و لكل نوع و جنس قبة تشتمله و تحيط به مختلفة الالوان و الجواهر يطول الكلام بذكرها لو اردنا شرح تلك القباب و بيان تلك المسببات و الاسباب مع ما انا عليه من القلب الكليل و البدن العليل واللّه يقول الحق و هو يهدي السبيل و رئيس اهل هذه القبة و سكانها اربعة و هم حملة العرش و رئيس هذه الاربعة واحد و هو روح‏القدس و هو اب الخلق من الروحانيين عن يمين العرش كما قال سيدنا و

 

«* شرح القصيدة صفحه 392 *»

مولينا جعفر بن محمد الصادق روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء.

القبة الثالثه‏عشرة القبة النوراء البيضاء و هذه قبة عظيمة تشتمل علي اربعه‏عشر قبة مختلفة الالوان متفاوتة الجواهر و هذه القباب تحت قعر البحر الاخضر في الجزيرة الخضراء غير الجزيرتين الخضراوين المذكورتين و هي بحر و هي جزيرة و هي قبة و هي ساحل و فيها من العجائب و الغرائب ما لايحصيها الاّ اللّه سبحانه ولو اردنا شرح تلك القباب و ما لها من الاصحاب لطال بنا الكلام و لاخرجنا عما نحن فيه من المرام. القبة الرابعه‏عشرة قبة اصحاب الجمع و جمع الجمع و هي قبة لا كيف لها و لا حدّ و لا اشارة و لا عبارة و ليست فيها الاّ النقطة الجوهرية الجوهر الفرد و الجزء الذي لايتجزي فتشعبت منها القبة المتقدمة في الذكر فافهم.

و ثامن و عشرونها قبة الوجود المطلق و هذه القبة تشتمل علي قباب منها قبة فيها بحر الصاد و اول المداد و منشأ الاستعداد و باب المراد و هو الذي توضّأ منه رسول‏اللّه9ليلة المعراج لمّا امتثل امر اللّه حين ناداه و قال يا محمّد ادن من صاد و توضّأ لصلوة الظهر و هو بحر المزن الذي قال تعالي أفرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون و هو الماء الذي به حيوة كل شي‏ء و هو الوجود و سرّ الغيب و الشهود و اصل الموجود و المفقود و منه كل شي‏ء بدء و اليه يعود و عنده عرف العابد من المعبود و ظهر الركوع و السجود و امتاز الشاهد من المشهود و امتاز الوالد من المولود و استبان العادّ من المعدود و الذي يشربون ماء يسري في وجوداتهم و ينفذ في كينوناتهم من المدد الغيبي و هو الجوهر الذي به يتحركون و منه يستمدون و اليه يرجعون و الي اللّه يردون و عن امره يصدرون انا للّه و انا اليه راجعون و هو النون و منه يستمد القلم و كل ما يسطرون و هم سكان تلك القباب الاتية ذكرها و قاطنوا ذلك الحجاب و هم الذين يسطرون بالقلم و القلم باليد و اليد بالقدرة و القدرة بالذات الظاهرة فعندها انتهت النسب و الاضافات و انقطعت عندها القرانات و هي المثل الذي انتهي المخلوق اليه قال اميرالمؤمنين روحي له الفداء انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و الي هذه الدقيقة يشير ما قاله مولينا و سيدنا الباقر روحي له الفداء و عليه

 

«* شرح القصيدة صفحه 393 *»

الاف التحية و الثناء في زيارة سيدالشهداء روحي له الفداء في الدعاء ليس وراء اللّه و وراءكم يا سادتي منتهي ما شاء اللّه كان و ما لم‏يشأ لم‏يكن  لان الولاية هي نقطة الاكوار و منتهي الادوار و بها ظهر الجبار و اليها تنتهي الاسرار و بها تميّز الفجار من الابرار و منها تستمد اهل الجنة و اهل النار و هذه القبة فيها ماء و هو عين الحيوة و مادتها و اهلها يقظان لاتعتريهم سنة و لا نوم.

القبة الثانية جوهرة حمراء رتبة الكلمة التامة مقام قيوميتها بالدلالة و استمدادها منها و لذا ظهرت منها الحمرة اللازمة لطبع الحرارة المستلزمة للحركة المنبعثة عن عين الحيوة فهي ماء بها كل شي‏ء حي و هي نار لانها الحركة المستلزمة للحرارة فاعجب من نار هي ماء و من ماء هو نار ان في ذلك لعبرة لاولي الابصار و هي ليلة القدر و رتبة الحشر و النشر فيها يفرق كل امر حكيم و فيها تكون البنت اُمّاً لابيها و الابن اباً لابيه و السيدة الزهراء الصديقة الكبري بنت رسول اللّه9تكنّي بام ابيها و قد ورد في تفسير قوله تعالي و وصّينا الانسان بوالديه احساناً عن ابي‏عبداللّه الصادق عليه الاف التحية و الثناء من اللّه الخالق([176]) ان المراد بالانسان في هذه الاية الشريفة رسول اللّه9و الوالدان الحسن و الحسين عليهما الاف التحية و الثناء فهما والدان و ولدان و لقد شاع و ذاع و خرق الاسماع قول رسول اللّه9حسين منّي و انا من حسين و لقد قال الشاعر:

اني و ان كنت ابن‏ادم صورة   فلي فيه معني شاهد بابوّتي

و قال بعضهم و نعم ماقال:

اقتلوني يا ثقاتي ان في قتلي حياتي   و حياتي في مماتي و مماتي في حياتي
ولدت امي‏اباها ان ذا من عجبات   و هو طفل صغير في حجور المرضعات

فافهم الدقيقة بسرّ([177]) الحقيقة و تعيها اذن واعية و رئيس هذه القبة و زعيمها و الحاكم عليها فلك الولاية المطلقة و الحقيقة المحمدية صلّي‏اللّه عليها في وجه من الوجوه و مقام من المقامات و رتبة من المراتب كتمانها في الصدور خير من ابرازها في السطور.

 

«* شرح القصيدة صفحه 394 *»

القبة الثالثة غمامة بيضاء و هي العماء التي فوقها هواء و تحتها هواء و فيها الحروف العاليات و البسائط المجردات و الذوات السرمديات و هي التي اشار اليها مولينا و سيدنا الرضا في حديث عمران الصابي ان الحروف ليس لها معني غير انفسها و هي السحاب المثار من شجر البحر و يطلق عليها السحاب المزجي في تأويل قوله تعالي هو الذي يزجي سحاباً ثم يؤلّف بينه ثم يجعله ركاماً منضماً بقوله تعالي هو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتي اذا اقلّت سحاباً ثقالاً سقناه لبلد ميت الاية و سكان هذه القبة اسرار مستسرة بالسرّ و هم بواطن الظاهر و حق الحق و ثالث المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و هي الايات المرئية في الافاق و في انفسكم و هي لما كانت حروفاً كان حاكمها و السلطان عليها الالف اللينية و هي الحروف التي تخججت كما في قول سيدنا و مولانا الرضا عليه الاف التحية و الثناء في حديث عمران الصابي و هي حروف نورانية ظهرت في اربعه‏عشر هيكلاً و الي هذا المعني يشير تأويل قوله تعالي و اذ استسقي موسي لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتاعشرة عيناً قدعلم كل اناس مشربهم  فموسي هو صاحب النبوة المطلقة و العصي هو صاحب الولاية المطلقة و الحجر هو فاضل طينة حامل الولاية المطلقة و هو القرءان الكريم في الكتاب المكنون الذي لايمسّه الاّ المطهرون تنزيل من ربّ العالمين و العيون الاثناعشر هي التي تشعبت من حامل الولاية المطلقة فالولاية المطلقة حقيقة وحدانية ظهرت في اثني‏عشر حاملاً و حامل الولاية المطلقة يقال انه واحد و يقال انه اثناعشر فافهم الكلام و علي من يفهمه السلام.

القبة الرابعة عقيق اصفر فاقع لونه يسرّ الناظرين لانها مقام الوحدة و الاجمال و نفي الكثرة و الاضمحلال سكانها مفرد و هو جمع و جمع و هو مفرد و لم‏يزل يقول او يقولون أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدلّ عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصل اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً و خسرت صفقة عبد لم‏تجعل له من حبّك نصيباً تعرفت الي في كل شي‏ء و رأيتك ظاهراً في كل شي‏ء فانت الظاهر لكل شي‏ء بكل شي‏ء و كذلك لم‏يزل

 

«* شرح القصيدة صفحه 395 *»

يقول او يقولون و ان كل معبود مما دون عرشك الي قرار ارضك السابعة السفلي باطل مضمحل ماخلا وجهك الكريم وبالجملة فسكان هذه القبة قد نفوا الكثرات و ازالوا الانيات و رفعوا التعينات فلم‏يبق الاّ الواحد الثابت الباتّ فليست هناك كثرة و لا تعدد و لا اختلاف و لا ايتلاف بل هو شي‏ء واحد امر الاحد الواحد و ما امرنا الاّ واحدة و هو ثاني المقامات و رتبة الواحدية في مقام الاسماء و الصفات و اول الحركة عند ذكر الغير الحاصلة بها الرطوبة و لذا قلنا انه العقيق الاصفر و ربما نعبر عنه بصاحب القباء الاصفر الماشي علي الارض بالتبختر و هو مقام الرياح و هو شجر البحر و هو النفس الرحماني الاولي و هو الاسم المخزون و السرّ المكنون و حيث كانت هذه القبة و ساكنها هي الالف اللينية و حق الحق و باطن الباطن و السرّ المقنع بالسرّ كان رئيسها و زعيمها و الحاكم عليها و المتولي لدائرتها النقطة الحقيقية التي تشعبت منها اي من حركتها الي جهة الفعل و الاثر حقيقة الالف بامر مستقر فالالف ادم الاول و حواؤه قابلية تعيناته و صلوح انياته فالقبة و ساكنها واحدة باعتبار و متغايرة باعتبار فافهم و ما اسعدك لو وفقت لفهم هذه الاسرار الظاهرة بهذه الاطوار ولو اردنا شرحها و بيانها لضاقت الدفاتر و لكلّت البصائر قبل ما يبدو ما استجنّ في السرائر و استكنّ في الضماير واللّه خليفتي عليك.

القبة الخامسة قبة الغيب و مقام العلم اللاريب قعر بحر القدر فيها شمس تضي‏ء لاينبغي ان‏يطلع عليها الاّ الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضادّ اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير و ساكن هذه القبة سرّ الهي و خطاب شفاهي و نقش فحواني و غيب الهي و هو هو ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه صفة استدلال عليه لا صفة تكشف له ان قلت الهواء صفته فالهواء من صنعه رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و عمي القلب عن الفهم و الفهم عن الادراك و الادراك عن الاستنباط و هجم له الفحص علي العجز و البلاغ علي الفقد و الجهد علي اليأس و هو الغيب الذي لايعلمه الاّ اللّه و هو الاسم المكنون المخزون الذي استأثره في علم الغيب عنده فلايخرج منه الي غيره و هو غيب الغيوب و الملك الذي ذكرنا قبل انه دام الملك في الملك هو الملك الذي اشار اليه سيدالساجدين في الصحيفة و استعلي

 

«* شرح القصيدة صفحه 396 *»

ملكك علواً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لم‏يبلغ ادني ما استأثرت به من ذلك اقصي نعت الناعتين ضلّت فيك الصفات و تفسّخت دونك النعوت و حارت في كبريائك لطائف الاوهام و هذا الملك هو الملك القديم الذي قاله رسول اللّه9 في الدعاء اللهم اني اسألك باسمك العظيم و ملكك القديم و هو الذي قال اميرالمؤمنين7استخلصه([178]) في القدم علي ساير الامم اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و هذه القبة ليس لها رئيس و لا حاكم في مقام الحدوث غيرها كما ان خلقتها([179]) بنفسها كذلك رياستها بنفسها واللّه سبحانه من ورائهم محيط و هو سبحانه هو الولي و هو يحيي الموتي و هو علي كل شي‏ء قدير مايكون من نجوي ثلثة الاّ هو رابعهم و لا خمسة الاّ هو سادسهم و لا ادني من ذلك و لا اكثر الاّ هو معكم اينما كنتم و جوهر هذه القبة لا لون له و لا وزن و لا كيف و لا كمّ و لا ثقل و لا خفّة و لا تقدير و لا ارتفاع و لا انخفاض و لا استدارة و لا استقامة و لا اقتران و لا اتصال و لا انفصال و لا اضافة و لا نسبة و لا تباين و لا تساوي و لا عموم و لا خصوص و لا اطلاق و لا تقييد و لا كل و لا كلي و لا جزء و لا جزئي و لا اصل و لا فرع و لا مشابهة و لا مناسبة و لا مجانسة و لا اتحاد و لا اختلاف و لا ايتلاف و لا لطافة و لا غلظة و لا قول و لا فعل و لا اثر و لا تأثير و لا حكم و لا محكوم و لا لفظ و لا معني و لا اسم و لا مسمي و لا نور و لا ضياء و لا بقاء و لا فناء و لا شقاء و لا راحة و لا بؤس و لا نعمة و لا فقر و لا غني و لا فلك و لا عناصر و لا مجرد و لا مادي و لا لطيف و لا كثيف و لا عبارة و لا اشارة و لا تلويح و لا تصريح و لا اشتراك و لا امتياز و لا حركة و لا سكون و لا ضياء و لا سناء و لا ارض و لا سماء و لا ضرّ و لا لـئوي([180]) و لا جن و لا انس و لا ملك و لا شيطان و لا عقل و لا جهل و لا عليين و لا سجين و لا الفعل و لا القوة و لا الامر و لا الخلق و لا غير ذلك من اطوار الموجودات و احكام النشـئات و انحاء الاضافات و اصناف الموجودات لان هذه القبة قد سبقت كل شي‏ء فلاتوصف بشي‏ء مما بعدها لان الذات لاتوصف بشي‏ء من صفاتها و كلما يقوله

 

«* شرح القصيدة صفحه 397 *»

قائل او يتكلم متكلم او يتفوه متفوه او يراه راءٍ او يسمعه سامع او يذوقه ذائق او يشمّه شامّ او يلمسه لامس او يتخيله متخيل او يتفكره متفكر او يتوهمه متوهم او يعلمه عالم او يحفظه حافظ او يتعقله عاقل او يشاهده شاهد او يجده واجد او يعرفه عارف او يتحققه متحقق كلها منزه عنه وصف هذه القبة و ساكنها و هي ساكنها و ساكنها هي بلا اعتبار مغايرة و لا اختلاف جهة بل هي من حيث انها قبة ساكن و من حيث انها ساكن قبة ضلت فيها الصفات و حسر تحبير اللغات و انقطع عندها الاشارات كيف و اثرها الصادر عنها الوارد اليها المستمد منها الوافد عليها هو الذي قال سيدنا و مولانا ابوعبداللّه الصادق هادي الخلايق و بالحق و الصدق ناطق انّ اللّه خلق اسماً بالحروف غيرمصوّت و باللفظ غيرمنطق و بالشخص غيرمجسد و بالتشبية غيرموصوف و باللون غيرمصبوغ بري‏ء عن الامكنة و الحدود مبعّد عنه الاقطار محجوب عنه حسّ كل متوهم مستتر غيرمستور فجعله اربعة اجزاء معاً ليس واحد منها قبل الاخر و اظهر ثلاثة منها لفاقة الخلق اليها و اخفي واحداً منها و هو الاسم المكنون المخزون الحديث و قوله روحي له الفداء و جعله اربعة اجزاء دليل علي ان المراد من هذا الاسم هو الاثر لان المؤثر اي فعله لايتجزي باجزاء و لايتحدد بحدود و لا اعضاء فاذا كان هذا شأن الاثر الفيض الصادر من تلك القبة المباركة فما ظنك بها نفسها و حقيقتها فقولهم الربط بين الحادث و القديم قول غير مربوط و كلام غير مضبوط كيف و قد قال مولينا و سيدنا الرضا روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء ارادته احداثه لا غير لانه لايروّي و لايهمّ و لايفكّر وانما يقول للشي‏ء كن فيكون من غير لفظ و لا كيف لذلك كما انه لا كيف له فاذن انقطع الكلام و هو غاية المقصد و المرام لقد انبأتك حقيقة القبة و تفصيل بعض القباب ٭ فتفطن و اصرف الذهن الي ٭ فانه لايدركه الاّ اولواالالباب فكم من عجايب كتمتها و غرايب اخفيتها، لو اصبت لها حملة ولكني كما وصف مولينا اميرالمؤمنين روحي له الفداء:

و في النفس لبانات اذا ضاق لها صدري   نكتّ الارض بالكفّ و ابديت لها سرّي

فمهما تنبت الارض فذاك النبت من بذري

ثم انّ هنا قبة اخري و هي قبة بلصيال بن جور و تسمي ايضاً بقبة الزمان و هذه

 

«* شرح القصيدة صفحه 398 *»

القبة لها ظاهر و لها باطن اما ظاهرها فاني اروي عن مولاي و سيدي و شيخي و استادي و سنادي و عمادي اعلي‏اللّه مقامه و رفع في الدارين اعلامه ان بلصيال بن جور كان حكيماً من الحكماء الكاملين ذوباع طويل في العلم و رسوخ في اليقين فكان في عهد نبي اللّه نوح فلمّا سمع بالطوفان و ان نوحاً دعا علي قومه ذكر لسلطان بلده ان نوحاً7نبي اللّه و هو الصادق الامين لاتردّ له دعوة لقد دعا علي قومه و وعده اللّه بان‏يهلكهم بالطوفان فقال السلطان ما الحيلة فقال الحكيم اني ابني قبة بالارصاد و العزايم و احكمها بالاسماء و بالروحانيات و امزج بين العلويات و السفليات و ارتّب تلك القبة المحيطة بالبلدة ترتيباً طبيعياً لايدخل فيها الطوفان و تسلم البلدة من الغرق فلمّا اراد اللّه سبحانه اظهار الاسرار المودعة في اسمائه تعالي و سماته و الخواص المقررة و العجايب المقدرة في حقايق الاشياء و الغرايب المودعة في سرائر الكاينات و ان العلويات لها ربط بالسفليات و لها هيمنة و استيلاء عليها يتصرف فيها كيف يشاء بما يشاء اللّه بما جعله اللّه سبحانه في سرّ كينوناتها من مثال فعله تعالي كما قال اميرالمؤمنين روحي له الفداء في وصف الملأ الاعلي صور عارية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله فحيث كان اللّه سبحانه القي ذلك المثال في هويات الاشياء و ذوات([181]) الموجودات و كانت هي مخفية مستورة بالاغشية و الاغطية اراد اللّه سبحانه اظهارها للخلق و بيان بديع صنعه المستودعة في حقايق الموجودات و انها كاملة كفعله تعالي لان الاثر علي هيكل صفة فعل المؤثر و هيمنة الاثر دليل هيمنة فعل المؤثر القي ذلك المثال و جعل عليه دليلاً و برهاناً و هو الطاعة او استعمال الاشياء المناسبة بحسب القرانات و الاوضاع ليزيل الاوساخ و يكشف الغطاء كما في قوله تعالي لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد فلذلك مامنع اللّه سبحانه بلصيال بن جور عن ضرب تلك القبة علي تلك المدينة لتسلم من الغرق لانه تعالي كما اراد ان‏يري الخلق قهره بالطوفان

 

«* شرح القصيدة صفحه 399 *»

اراد ان‏يريهم حكمته بما اودع في حقايق الاشياء من صفة الربوبية التي هي نفس العبودية بسلامة تلك البلدة بواسطة تلك القبة و ما حوته من اسرار الاسماء العظام و الامثال الملقاة في هويات الاشياء بتقدير الملك العلام فحفظت تلك البلدة بتلك القبة عن الغرق و عمّ الطوفان و شمل البلاد و العباد و لم‏يسلم احد الاّ اهل السفينة و البيت المعظّم و الحرم الامن مكة و لذا سماه اللّه بالبيت العتيق كما قال تعالي و طهّر بيتي للطائفين و القائمين و الركّع السجود الي ان قال تعالي ثم‏ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق  فلمّا نجت تلك البلدة اخفاها اللّه سبحانه عن اعين الخلق كما فعل بجنة عاد لحكم و مصالح يضيق بذكرها المقال و سميت تلك القبة بقبة الزمان لبقائها و استمرارها مع الزمان فهي لم‏تزل معمورة مخفية كالبلاد الاخر المخفية مثل جابلقا و جابلصا و البلاد التي وراء جبل قاف من القباب المذكورة و هكذا الي ظهور المهدي عجل اللّه فرجه في اخرالزمان فيظهر تلك القبة و البلدة و جنة عاد و الجنتان المدهامتان عند ظهوره فتعمر البلاد و العباد و يستدير الزمان كهيئة يوم خلق اللّه السموات و الارض و ان كان مبدء الاستدارة من اول يوم ظهور النبي9كما قال9 ان الزمان استدار كهيئة يوم خلق اللّه السموات و الارض و زمانه9مبدء الاستدارة لان اول ما خلق اللّه السموات و الارض كان الزمان قد استدار علي هيئة اقتضت ان‏يكون نبينا9 هو النبي المطلق و الخلق كلهم امته و رعيته و ذلك يوم كان طالع الدنيا السرطان و الكواكب في اشرافها و سرّ الوحدة غالب و نور الواحدية ساري و الخلق علي كثرتهم و الافاق علي اختلافها([182]) لاتحكي الاّ امراً واحداً و هو ظهور الوجود الحق المنبسط في اطوار التعينات بانحاء التجليات فجهات الانية مضمحلة لايري فيها الاّ واحد في جميع اطوار المجالي فالكثرة هناك عين الوحدة بمعني ان الواحد يظهر في تلك المرايا علي حدّ ما قال الشاعر:

و ما الوجه الاّ واحد غير انه   اذا انت عدّدت المرايا تعددا

 

 

«* شرح القصيدة صفحه 400 *»

فعلي هذا فالاقاليم واحدة و ان اختلفت و الجهات متحدة و ان تعددت الاتري في الجنة مع سعتها و اتساع دائرتها و حركة افلاكها لا تعدد للاقاليم مع انها متحركة علي المحور و تعدد الاطوار موجود فيها فلايقال ان هناك افاقاً مائلة كل افق له حكم الاخر([183]) و ذلك واضح و هذا معني كون طالع الدنيا السرطان و الكواكب في اشرافها و لمّا اختلفت الافاق و تمايلت و تعددت و تباينت و تشابهت اختلفت الاقتضاءات و المقتضيات و فسدت الامزجة و تمكنت الامراض و ازمنت و ارمدت عيون الافهام و المشاعر و المدارك و تمرضت فلم‏تستطع لمشاهدة ذلك النور الاعظم لظهور ذلك النير المعظّم9 فاقتضي ظهوره9 من وراء الحجاب فاقتضت كينونة العالم ظهور الانبياء مجتمعين و منفردين ناسخين و منسوخين ظاهرين و مخفيين علي اختلاف مقاماتهم حسب ما ظهروا ببشريتهم صلي الله عليهم فلمّا صحّ المزاج و ظهر الابتهاج و غلبت الصحة في بنية العالم و زال معظم الامراض و انكشف اغلب الاغطية و الاعراض اقتضت كينونة العالم ظهور ذلك السيد المكرّم9([184]) فاستدار الزمان كهيئة يوم خلق اللّه السموات و الارض و هذه الاستدارة مبدء ظهور النضج و الاعتدال و تمام النضج لتمام الاستدارة انما يكون لظهور سيدنا و مولينا المهدي فتظهر المخفيات و تبلي السرائر المستجنات و تظهر الخفايا([185]) المستكنّات من الكنوز الظاهرة و الباطنة من اطوار الكنوز و انحاء الرموز الي ان‏يكون اوان ظهور تلك الكلمة التي يستوحش منها اهل ذلك الزمان من المصدقين اول مرة ثم يستقرون و يطمئنون عند ظهور نور اللّه و بروز ذكر اللّه الا بذكر اللّه تطمئن القلوب  فقبة بلصيال بن جور انما يحصل لها في ذلك الزمان تمام الظهور ولكنها الان مخفية محجوبة عن اهل الغيور واللّه متمّ نوره ولو رغمت انوف و هذا الذي ذكرناه هو ما يتعلق بظاهر قبة بلصيال.

و اما باطنها و حقيقتها و ان لم‏يؤذن لنا كمال الاظهار لاستلزامه  هتك الاستار التي ابي اللّه الاّ كتمانها و اخفاءها نظراً الي قوله تعالي و لاتؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل

 

«* شرح القصيدة صفحه 401 *»

اللّه لكم قياماً و ارزقوهم منها و اكسوهم و قولوا لهم قولاً معروفاً  ولكن لا بأس بالاشارة الي بعض احوالها امتثالاً لقوله تعالي انّ اللّه يأمركم ان‏تؤدّوا الامانات الي اهلها و اذا حكمتم بين الناس ان‏تحكموا بالعدل انّ اللّه نعمّا يعظكم به و انّ اللّه يحبّ المحسنين فنقـول ان الباء في بلصيال اشارة الي باء بسم اللّه الرحمن الرحيم و اللام اشارة الي ثلثين ليلة التي وعد اللّه سبحانه موسي المتممة بالعشرة و هي لام الولي و العشرة المتممة ياؤه و الصاد بحر الصاد اول المداد و هو ظهور الكاف في العين لظهور الغيب و بروز مبدء الوجود و دلالة الكلمة التامّة و الودق المغدق النازل من سحاب([186]) الكرم و النور المشرق من صبح الازل اللايح علي هياكل التوحيد اثاره و الياء تفصيل الهاء حرف ليلة القدر مقام التوحيد و التفريد الايات([187]) المرئية في الافاق و الانفس من جميع البريّة الظاهرة بنفسها في جميع اطوار الوجود و اكوار الغيب و الشهود و لذاتري الهاء حافظة لنفسها في جميع مراتب التكعيب و هي التي ظاهرها عين باطنها و سرّ غيبها عين شهودها قال النبي9التوحيد ظاهره في باطنه و باطنه في ظاهره ظاهره مفقود لايري و باطنه مشهود ليس يخفي فلمّا تثنّت الهاء ظهرت الياء فهي العشرة الكاملة فسرت اطوارها في جميع الاطوار الوجودية و الذوات الكونية من العوالم العلوية و السفلية و الغيبية و الشهودية و قدنعبّر عنها بالقبضات العشر و لمّا كانت بين الاسماء و المعاني مناسبة ذاتية كما هي عند اهل‏البيت روحي لهم الفداء و عليهم الاف التحية و الثناء و كانت الالفاظ واضعها اللّه سبحانه و تعالي لجهل ما سواه بجميع وجوه المناسبة المقتضية للدلالة وضع اللّه سبحانه جميع الالفاظ الدالة علي جميع المعاني سواء كانت عيناً او معني مطلقة او مقيدة الفاظ المعاني و حروفها و وجوهها و غير ذلك من اطوارها وضعها سبحانه علي نمط تنتهي الي العشرة بان‏تضعفه ست‏مرات ثم تزيد علي الحاصل واحداً ثم تضربه في العشرة ثم تسقط عن الحاصل عشرين عشرين فلم‏يبق الاّ العشرة و هذا في كل لفظ و حرف و اسم حرف و اسم عدد و غير ذلك فالعشرة هي العشرة

 

«* شرح القصيدة صفحه 402 *»

الكاملة التي كمل بها الوجود و ظهر بها الغيب و الشهود و امتاز العابد من المعبود و تبين الركوع و السجود و هي متممة اللام في مقام التفصيل و اذا اجتمعت و التأمت و ائتلفت استنطق منها الميم و صار مبدء اسم النبي9 و اليه الاشارة بقوله تعالي في الحديث القدسي اني خمّرت طينة ادم بيدي اربعين صباحاً  فافهم الدقيقة بسرّ الحقيقة و تعيها اذن واعية و الالف بعد الياء اشارة الي الوحدة الحاصلة من قران تلك القبضات العشر اي الامر البسيط الواحداني فصحّ ان‏تقول انه واحد و صحّ ان‏تقول انها عشرة فاللام التي بعد الياء اشارة الي تمام الميم بالتصريح بعد مااشار اليه اولاً بالتلويح لان ذلك مقام الاجمال و هذا مقام التفصيل او قل هناك مقام التفصيل و هذا مقام الاجمال و الحكم واحد علي كل حال انما قدّم الياء علي اللام لمكان الصاد لانها هي الصاد في قوله تعالي كهيعص و هو رتبة الاجمال و مقام الاعتدال و مقدمة الاتصال و صوم الوصال فاقتضي التقدم لانها في قوس النزول فمدلولات هذه الحروف هي باطن بلصيال بن جور الجامع لها رفيع الدرجات ذوالعرش و هذا الجامع له ظهور في مرتبة الباء مرة و في الالف القائمة بين الباء و السين في البسملة المطوية خطاً و لفظاً مرة و في باطن اللام مرة و في ظاهرها اخري و في حقيقة الصاد مرة و في اطوار الياء اخري و في سرّ الالف مرة و في حقيقة اللام اخري و هو الواحد الظاهر في هذه القباب و هو الواحد المتفرد مع اقترانه بجميع الاصحاب و هو الذي يكون جميع الشئون شئونه و كل الاطوار اطواره و تمام الاوطار اوطاره فهو الامل و المأمول الواقف علي الطتنجين الناظر في المغربين و المشرقين كيف و الذات عن شئونها لاتغفل و النفس عن اطوارها لاتذهل و قد قال الشاعر و نعم ما قال:

ما في الديار سواي لابس مغفر   و انا الحمي و الحي مع فلواتها

و لذا كان دابة الارض قال تعالي و ماقدروا اللّه حق قدره و الارض جميعاً قبضته يوم‏القيمة و السموات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالي عما يشركون فلنقبض العنان فللحيطان اذان قال الشاعر و نعم ما قال:

و مستخبر عن سرّ ليلي اجبته   بعمياء من ليلي بلا تعيين
يقولون خبّرنا فانت امينها   و ما انا ان خبّرتهم بامين

 

 

«* شرح القصيدة صفحه 403 *»

ففي هذه القباب التي ذكرنا بعض تفاصيلها ليس الاّ واحد([188]) و هو النفس الواحدة التي خلق منها زوجها و بثّ منهما رجالاً كثيراً و نساءاً و هذه النفس هي التي قال رسول‏اللّه9 اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه و قال اميرالمؤمنين روحي له الفداء من عرف نفسه فقد عرف ربّه و هي نفس اللّه التي يحذّر اللّه بها عباده كما قال تعالي و يحذّركم اللّه نفسه و هي النفس التي لايعلم ما فيها عيسي كما في قوله تعالي حكاية عن عيسي تعلم ما في نفسي و لا اعلم ما في نفسك و هي النفس الملكوتية الالهية التي قالها اميرالمؤمنين7كماتقدم في حديث الاعرابي انها قوة لاهوتية و جوهرة بسيطة اصلها العقل منه بدئت و عنه وعت و اليه دلّت و اشارت الي ان قال فهي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و جنّة المأوي من عرفها لم‏يشق ابداً و من جهلها ضلّ و غوي و هي النفس للعالم الكلي التي يشير اليها بقوله انا كما انك في الجزئي تشير بقولك انا فاذن هي نفس اللّه القائمة[189] بالسنن فهي القائمة علي كل نفس و علي كل شي‏ء بالولاية لكن هذه القيومية و الولاية انما كانت في اللّه اي في سبيل اللّه كما تقول في الحبّ في اللّه و البغض في اللّه و الحروف لاسيّما الجارة يقوم بعضها مقام بعض و هذه الولاية و التصرف و الاحاطة و اعطاء كل ذي‏حق حقه انما كانت بالسنن و الاداب التي قرّرها اللّه و سنّها و ادّب تلك النفس الشريفة بالاقامة بها فهي نفس اللّه اي نفس للّه متمحضة النظر الي اللّه متوجهة بكلها الي اللّه معرضة عن كل ما سوي اللّه منفية الانّية مندكّة الماهية و هي نقطة الدائرة التي لم‏تزل في ذاتها حائرة و تقول اللهمّ زدني فيك تحيّراً  قال الشاعر :

قد طاشت النقطة في الدائرة   و لم‏تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها   منها لها جارحة ناظرة
سمت علي الاسماء حتي لقد   فوّضت الدنيا مع الاخرة

و المراد بالدنيا البدء و الاخرة العود و ذلك في كل شي‏ء بحسبه لا الدنيا و الاخرة المعروفتان و تدبير النفس المذكورة في العالم الكلي كتدبير النفس الجزئية اي النفس

 

«* شرح القصيدة صفحه 404 *»

الناطقة في العالم الجزئي الانساني فكل‏ما في العالم الجزئي شئون للنفس اما شئون ذاتية بتنزلها في اطوارها من اجمالها الي تفصيلها من غيبها الي شهادتها من ظاهرها الي باطنها من لاهوتها الي ناسوتها من مجردها الي ماديها او شئون فعلية من اثارها و افعالها و حركاتها و سكناتها و كل ما لها و منها و اليها و فيها و بها و عندها و لديها صادرة عنها و واردة عليها فلايعزب عن علمها و عن احاطتها و قيوميتها شي‏ء من اطوارها من المراتب التي تحتها و كذلك حكم هذه النفس الكلية بالنسبة الي العالم الكلي فليس شي‏ء سواها و لا غيرها و لا مباين لها مباينة عزلة و انما بينونتها معها بينونة صفة فهي المحيطة علي الكون كله لقد قال الشاعر فيها:

و هي الاية المحيطة بالكون   ففي عين كل شي‏ء تراها

و هي القائمة علي كل نفس بما كسبت و هي للّه و عن اللّه و الي اللّه و باللّه الا الي اللّه تصير الامور و الي هذه الدقيقة الانيقة التي يجب الالتفات اليها بسرّ الحقيقة اشار اللّه سبحانه في كتابه الكريم بقوله قل من بيده ملكوت كل شي‏ء و هو يجير و لايجار عليه ان كنتم تعلمون سيقولون للّه  مع انّ الجواب يقتضي ان‏يكون قولهم اللّه او بيد اللّه لا للّه فالعدول عن ذلك الظاهر الي هذه العبارة للاشارة الي ان ملكوت الاشياء و حقائقها و ذواتها و صفاتها و جواهرها و اعراضها بيد تلك النفس القائمة علي كل نفس بما كسبت ولكنها ليست مستقلة دون اللّه و لا مشاركة مع اللّه و لا مفوضة اليها الامور من اللّه بل هي للّه و ملكه و عبده مختصة به و يد له و عين و جنب و سمع و بصر و قلب له سبحانه و تعالي و هو تعالي هو الولي و هو يحيي الموتي و هو علي كل شي‏ء قدير قال تعالي هنالك الولاية للّه الحق و هذه النفس هي تلك الولاية و حاملها و محلها و مظهرها فان قلت انها مستقلة كفرت و ضللت و ان قلت انها شريكة مع اللّه فقد اشركت و الحدت و ان قلت ان اللّه فوّض اليها الامور و اعتزل عنها كشأن المولي مع عبده و الموكّل مع وكيله فقد نافقت و اخرجت اللّه عن سلطانه لا حكم الاّ للّه و لا ملك الاّ للّه و لا عظمة و لا سلطان الاّ للّه و لا ظهور و لا قدرة الاّ للّه وحده وحده و مع هذا كله هذه النفس هي مرجع العباد و البلاد و اليها تصير الامور في المبدء و المعاد و عنها ينادي المناد و عنها

 

«* شرح القصيدة صفحه 405 *»

صدور الصادرين و اليها ورود الواردين و هي المهيمنة يوم التناد و هي التي القت الموجودات اليها زمام الانقياد و هي الحاضرة و الشاهدة لكل حاضر و باد واللّه من ورائها محيط و هي القرءان المجيد في اللوح المحفوظ فافهم فقد القيت اليك السرّ([190]) الحق و الكبريت الاحمر فخذه و كن من الشاكرين و ليس وراء عبادان قرية.

فهذه القباب المذكورة و الغير المذكورة و سكانها و حملتها و رؤساؤها و الحكام عليها كلها شئون هذه النفس المذكورة الشريفة و اطوارها و اضافاتها و نسبها و اطوارها و ادوارها و اوطارها و اكوارها واللّه علي كل شي‏ء قدير فافهم الاشارة بلطيف العبارة قال الشاعر:

فان كنت ذافهم تشاهد ما قلنا   و ان لم‏يكن فهم فتأخذه عنا
و ما ثم الاّ ما ذكرناه فاعتمد   عليه و كن في الحال فيه كما كنّا

و الكلام في هذا المقام طويل الذيل ممتد السيل اقتصرنا علي ما ذكرنا فان ما فيه كفاية لاولي الدراية.

عود في الكلام بربط في المقام: اعلم ان القباب المذكورة و الغير المذكورة كلها لاتخلو عن مقامين مقام الاجمال و مقام التفصيل و مقام الغيب و مقام الشهادة و مقام الظاهر و مقام الباطن و مقام العلو و مقام السفل و كل هذه القباب بجميع اطوارها منحصرة في مقامين احدهما مقام الانتساب الي اللّه و الدلالة عليه و ثانيهما مقام الاعراض عن اللّه سبحانه و الالتفات الي جهة النفس و الماهية ففي المقام الثاني ظلمة مدلهمة و ليل غاسق و شر محض  لا نور فيها و لا تنسب الي اللّه لان الخير بيديه و الشر ليس اليه و ان كان الخير قبضة([191]) من يمينه و الشر قبضة([192]) من شماله الاّ ان كلتا يديه يمين و بالجملة فالظلمة و الشرور لاتنسب الي اللّه سبحانه و ان كانت باللّه لان اللّه لايأمر بالفحشاء و المنكر أتقولون علي اللّه ما لاتعلمون فتلك القباب من هذه الجهة السفلي ليست للّه و لا منسوبة اليه و لا الي احد من اوليائه و محبيه لان المحب تابع و

 

«* شرح القصيدة صفحه 406 *»

التابع من حيث هو تابع منصبغ بصبغ المتبوع و معرب باعرابه و لذا قالت النحاة في التوابع انها كل ثان معرب باعراب سابقه و في المقام الاول نور محض منسوبة اليه سبحانه و تعالي و لذاتري بيت اللّه الحرام و المساجد العظام تنسب الي اللّه و يقال انها بيوت اللّه و اما ساير البيوت فلاتنسب اليه سبحانه مع ان الكل مخلوق للّه و ملك له منسوب اليه وتري انه سبحانه نسب الروح التي نفخت في ادم و عيسي اليه سبحانه مع ان الارواح كلها للّه فالنسبة للشرافة و الشرافة بالاقبال و التوجه اليه و كذلك هذه القباب من الجهة العليا الاولي تنسب الي اللّه سبحانه و كل ماينسب الي اللّه ينسب الي اوليائه.

و لمّا كان سيّدنا و مولينا موسي بن جعفر روحي لهما الفداء و عليهما من التحيات اتمها و اكملها و من الكرامات اعظمها و اجلّها من اولياء اللّه المقربين و امنائه المكرمين بل هو و اباؤه و اولاده المعلومون حملة ولاية خاتم الولاية المطلقة و دوحات شجرة النبوة المطلقة فثنّي الناظم ايّده اللّه بهداه و اسعده بتقويه تلك القباب كلها نظراً الي المقامين المذكورين اللذين ترجع اليهما المقامات كلها و الدرجات باسرها ثم نسبها الي جانب الحق و النور ثم نسب تلك الجهة المنسوبة الي اللّه من حيث الشرافة الي هذا السيد الاكبر و المولي الازهر و الولي الاطهر لبيان ان ما ينسب الي اللّه ينسب اليه و ما لاينسب الي اللّه لاينسب اليه لتمحضه في العبودية التي هي كنه الربوبية و لمّا كان ظهور ولايتهم عاماً شاملاً في جميع المراتب و المشيّعين الحاملين لذلك الستر قدتجلي لهم نور الحق من نقطة وجودهم الي ظاهر شهودهم في جميع المراتب فظهرت لهم تلك القباب منسوبة الي ذلك الجناب مستشرقة بانوار القدس مستنيرة بانوار الانس فتلألأت منها الانوار و ظهرت بها الاسرار فقال زاده اللّه نوراً و عزّاً شاموا السنا من قبتيك و القبتان هما النوعان بحيث تشمل هذه القباب مما ذكرناها و ما لم‏نذكر من جهتها العليا فشاموا السنا من كل قبة علي حسب ما هي عليه من التحديد و الغير التحديد و التعين و اللاتعين و الاشارة و اللااشارة و الكيف و اللاكيف و علي حسب ما فيها من الحدود النوعية و الصنفية و الشخصية و علي حسب رقة الحدود التي هي الحجاب و غلظتها و علي حسب قوة النور و اقوائيته و شدته و اشديته و علوه و اعلائيته فتختلف بذلك الوان

 

«* شرح القصيدة صفحه 407 *»

السنا و الانوار الساطعة من هاتين القبتين فمنها نور احمر و منها نور اخضر و منها نور اصفر و منها نور ابيض و منها نور ازرق سماوي و منها غير ذلك بحسب تركيبات الالوان من مقتضيات طبايع الاكوان مما ظهر من تلك القباب بعد رفع الغشاء و الحجاب لمّا رأي المشيعون بالاعلام الخافقة و السنة بالتسبيح و التقديس ناطقة و ابصار و اعين لمشاهدة تلك الانوار خاشعة و الوية منشورة و رايات مشهورة تلك الانوار المتضمنة للاسرار الساطعة من هاتين القبتين استشرقت سرائرهم و استنارت ضمائرهم و تجلي لهم الجمال و الجلال و انكشف الغطاء و زالت دواعي الاستقلال المورث للاضمحلال فوجدوا عند ذلك من سطوع تلك الانوار و ظهور تلك الاثار([193]) و بروز تلك الديار ما لاتحمله الافكار و لاتحيط به القلوب و الانظار و وجدوا منار الهداية فيها ظاهرة و علم النور و التقي لايحاً.

و الي هذا المعني اشار الناظم اشاد اللّه شأنه و انار برهانه بقوله وجدوا منار هدي يشبّ و يشعل الوجدان و العيان و الرؤية متي‏ما اطلق واحد منها يشمل الاخر الاّ انه ربما يفرّق بين هذه الوجوه فالوجدان في مقابلة الفقدان و هو ما يجده بسرّ الذات و الحقيقة لانه المقام الذي لايفقد شيئاً و ذلك بنظر الفؤاد نور اللّه الذي به خلق العباد و هو نور التوسم انّ في ذلك لايات للمتوسمين و هو نور التفرّس في قول النبي9 اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه و يطلق عليه المعرفة كما في قول مولينا الصادق روحي له الفداء اذا انجلي ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة و يطلق عليه العلم ايضاً اذا لم‏يقترن بالمعرفة كما في قوله7 العلم يهتف بالعمل فان اجابه والاّ ارتحل و قول النبي9 العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يحب الذي في القلب هو الفؤاد لا غير. و العيان مشاهدة القلب بمراتبه الثلث في مقام العقل المرتفع و العقل المستوي و العقل المنخفض الاّ ان العقل المنخفض حيث كونه موضوعاً او محمولاً في الاشكال الاربعة ملحق بعالم الكثرة فليس فيه العيان و لذا اختص عين اليقين بنظر القلب و المقام الاعلي

 

«* شرح القصيدة صفحه 408 *»

في العيان مايدركه بالعقل المرتفع و هناك و ان كان حجاب لكنّه رقيق يتلألأ بخفق فيتحد الحالّ و المحلّ كما قال الشاعر:

رقّ الزجاج و رقّت الخمر   فتشاكلا فتشابه الامر
فكأنما خمر و لا قدح   و كأنما قدح و لا خمر

و هذا اعلي مقامات علم اليقين و اقصي مراتبه و ارفع درجاته و اخر مراتبه ما يدركه القلب بالعقل المستوي الرتبة المتوسطة و هنا مقام معاينة الاشياء بمعانيها و حقايقها. و الرؤية مختصة بمشاهدة البصر و تطلق الرؤية علي نظر الفؤاد ايضاً كما في قوله تعالي ما كذب الفؤاد ما رأي و علي نظر القلب كما في قول اميرالمؤمنين7في حديث ذعلب لمّا سأله عن الرؤية قال7 لم‏اعبد رباً لم اره ثم قال روحي له‏الفداء لم‏تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقايق الايمان و علي نظر البصر كما في قوله تعالي قل اعملوا فسيري اللّه عملكم و رسوله و المؤمنون وبالجملة فالوجدان حيث كان يراد به ما ادركه الفؤاد بحقيقة المراد منزهاً عن شوب الفقدان و لايكون ذلك الاّ برفع جميع الحجب المستدعية للفقدان عبّر الناظم ايّده اللّه بتوفيقه و امدّه بتسديده عن مشاهدة المشيعين للستر و الحاملين للاعلام للانوار الساطعة عن القبتين بذلك اذ هناك اندكت جبال انياتهم و اضمحلت جهات ماهياتهم و اشرقت الانوار في سرائرهم و سطعت في ضمائرهم فوجدوا عند ذلك منار هدي و المنار هو العَلَم الذي يهتدي به الي الطريق و ذلك في كل عالم و قبة علي نحو من الانحاء و طور من الاطوار و لمّا كان صاحب القبتين هو من حملة الولاية المطلقة الظاهرة في كل شي‏ء موجود و مفقود و مشهود كان منار هداية في كل مقام علي حسب ذلك المقام مما يقتضيه كينونته فالمنار علي هذا التقدير متعدد نقتصر علي ذكر بعضها اذ لايسع المقام لذكر التفاصيل و لمّا كانت القباب المذكورة و الغير المذكورة كلها يجمعها ثلث قبب الاولي الزمردة الخضراء و هي المشتملة علي عشرين قبة من الكلية الاضافية الثانية الدرة البيضاء و هي المشتملة علي قبتين و الثالثة النور الاعلي المجرد المنزه عن الكيف و الكمّ فالمنار في القبة الاولي حملة الشريعة و هو المنار الاول و هم الذين عندهم الاحكام الفرعية و الاصول و

 

«* شرح القصيدة صفحه 409 *»

العقايد الحقة المستنبطة من البراهين العقلية و النقلية في مقام الخلط و اللطخ عند ظهور الاحكام الثانوية التي سمّيناها بالاحكام النفس‏الامرية في ثلثة مقامات مقام الصوف و الشعر و الوبر و في مقام التزييل الحاصل بعود كل شي‏ء و فرع الي اصله و مستقره حتي تصفو الاحكام و لم‏يتغير الحلال و الحرام و لم‏تختلف اراء المجتهدين و لم‏يكن مانع لعدم العمل بما في الواقع الاولي كما قال سبحانه فان لم‏يأتوا بالشهداء فاولئك عند اللّه هم الكاذبون و اية ذلك الامراض الحاصلة من الاعراض الغريبة الموجبة لاختلاف التكليف فالمريض يفطر الصيام و يصلّي قاعداً او مستلقياً و المسافر يصلّي مقصّراً و الخائف يصلّي الي اي جهة اتفقت و امثالها من اختلاف الاحكام الذي اوجبه تغيير الموضوع و اذا صفي الموضوع عن([194]) الاعراض الغريبة اتحد الحكم فحملة الشريعة هم المنار في هذه الطريقة و بهدايتهم تنكشف عن هذه الحقيقة فبعد ذهاب الاعراض الموجب لعدم اختلاف الحكم هم المنار ايضاً في ثلث مقامات مقام الصوف و مقام الشعر و مقام الوبر فحصلت لهم ستّ جهات ثلثة مع الخلط و اللطخ و ثلثة اخري بدونه عند التصفية و التزييل لان الخلق في كل من المقامين لهم ثلث درجات الدرجة العليا مقام الوبر و هم القصوي في هذه الدرجة ادراكهم من سنخ ادراك اهل السموات و العرش و الكرسي في عالمهم الدرجة السفلي و هي الادني مقام الشعر و ادراك اهل هذه الدرجة من سنخ ادراك اهل الارض من حيث انجمادهم و عدم نفوذ علمهم ذلك مبلغهم من العلم و الدرجة الوسطي مقام الصوف و هو الرتبة المتوسطة بين المرتبتين و ادراكهم من سنخ ادراك سكان ما تحت فلك القمر الي كرة البخار و مرادي من هذا الكلام ظهور هذه المرتبة في الانسان حيث ان الانسان جامع مملّك فيه جميع ما في العالم يحكم عليه علي حسب ما ظهر فيه من سرّ ذلك العالم فاذا ظهر سرّ العقل فيه قيل انه انسان عقلي و اذا ظهر فيه سرّ الروح قيل انه انسان روحي و اذا ظهر فيه سرّ النفس علي مراتبها السبع قيل انه انسان نفسي يعزي الي مرتبة من مراتبها الظاهرة فيه و اذا ظهر

 

«* شرح القصيدة صفحه 410 *»

سرّ الطبيعة فيه قيل انه شخص طبيعي ميّت في الاحياء و اذا ظهر سرّ المادة فيه قيل انه شخص صاحب عقل بالملكة و اذا ظهر فيه سرّ عالم المثال قيل انه شخص صوري لايتعدي ادراكه عن عالم الحس و اذا ظهر فيه الحرارة الغريزية قيل انه شخص صفراوي و اذا غلبت عليه الرطوبة الغريبة مع الحرارة قيل انه شخص دموي و اذا غلبت عليه البرودة الغريبة مع الرطوبة قيل انه شخص بلغمي و اذا غلبت اليبوسة مع البرودة قيل انه شخص سوداوي و اذا ظهر فيه ما فيه من القبضات المتخذة من العرش و الكرسي قيل انه شخص ظاهري نظري([195]) و اذا ظهر فيه ما فيه من القبضات المتخذة من السموات السبع قيل انه ظاهري صوفي و اذا ظهر فيه ما فيه من قبضات العناصر قيل انه ظاهري شعري و انما نسبنا هذه المراتب الثلث الي الظاهر نظراً الي قوله تعالي و من اصوافها و اوبارها و اشعارها اثاثاً و متاعاً الي حين و هذه المراتب الثلث مراتب ظاهر الجلد و الجلد هو علم الظاهر و في هذه القبة اي القبة الزمردية ستّ منائر المنار الاول للواقفين في مقام الشعر عند اللطخ  المنار الثاني للواقفين مقام الصوف عند اللطخ  المنار الثالث للواقفين مقام الوبر عند اللطخ  المنار الرابع للواقفين مقام الشعر عند التزييل المنار الخامس للواقفين مقام الصوف عند التزييل  المنار السادس للواقفين مقام الوبر عند التزييل و لكل منها طريق للهداية و الارشاد لايسعني الان ذكر تفاصيلها و بيان كيفية ارشادها ولكني امثّل لك مثالاً تعرف به نوع المراد.

فنقول ان الاكسير علي ما هو الحق عند اهل التدبير كما نصّ عليه اميرالمؤمنين الخبير روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء من العلي الكبير انه ما من شي‏ء الاّ و فيه منه اصل او فصل ويحصل ذلك من كل شي‏ء لان اللّه سبحانه خلق الخلق علي هيئة اعتدالية تحكي ظهوره([196]) الحق و قدالقي سبحانه صفة تجليه و مثاله فيه كما سبق من الحديث عن اميرالمؤمنين7 في وصف الملأ الاعلي فالقي في هويّتها مثاله فاظهر عنها افعاله فالجمادات الغاسقة لابد ان‏تكون كاملة في اصل الخلقة و الايجاد فلاتكون

 

«* شرح القصيدة صفحه 411 *»

الاّ اكسيراً فعالاً يصيّر ما يصاحبه مثله و هذا حكم اللّه في كل شي‏ء من السلسلة الطولية و العرضية لانه تعالي كامل و لايكون فعله الاّ كاملاً و لايكون مفعوله الاّ كاملاً ولكن الاشياء في القوس النزولي لزمتهم ظلمة الادبار و غطّت علي وجه ذلك المثال الذي خلق اللّه سبحانه خلقه عليه ففسدت الكينونات و ضاعت الجبلاّت فجعل سبحانه و تعالي لايصالها الي مقامهم الاول انحاء معالجات اما في الانسان فعالجه سبحانه بالاعمال الصالحات و التجنب عن المعاصي و السيئات و اما في غيره لتعديل المزاج بالستّ الضروريات فلمّا انعقدت الجمادات علي اطوار مختلفات و انحاء متشتتات لايمكن ايصال المرضي بالامراض المختلفة لغلبة طبايع مختلفة و امزجة متفاوتة بحسب القوة و الضعف من اللطافة و الغلظة و النعومة و الثخن و صلاحها بطور واحد و طريق غيرمتعدد فمن هذه الجهة اختلف([197]) علماء هذا الفن فمنهم من حصره في شي‏ء مخصوص لايتعداه و منهم من حصره في شيئين لايتعداهما و منهم من حصره في اشياء متعددة الي ان اتفقوا علي امكان حصوله في عشرة اشياء و هي المعروفة عندهم و المذكورة في كتبهم و زبرهم و تصانيفهم و لايسعني الان تفصيلها لضيق المجال و بلبال البال و العلة في هذه الاختلاف عدم اهتداء كل واحد منهم الي ما اهتدي اليه الاخر في اصلاح المزاج و حصول الابتهاج و كل من سلك مسلكاً في شي‏ء مخصوص وصل الي مقصوده و نال مراده و مطلوبه ولكنّه ماقدر اجراء ما فعله لاصلاح مزاج ذلك الشي‏ء في تدبير عقار اخر فانكره و الذي مااهتدي الي كيفية اصلاح ذلك الذي اصلحه الاول انكره فصاروا كما قال الشاعر :

لو كنت تعلم كل ما علم الوري   طرّاً لكنت صديق كل العالم
لكن جهلت فصرت تحسب كل من   يهوي بغير هواك غير العالم

و بالجملة لكلٍ طريق ولكن الذي استفدناه من حكمة اللّه سبحانه و من سرّ الخليقة و سرّ الاختراع و الابتداع و من كلام مولينا و سيّدنا اميرالمؤمنين روحي له الفداء

 

«* شرح القصيدة صفحه 412 *»

و عليه الاف التحية و الثناء من العلي الاعلي انّ مادة هذا الشي‏ء اي الاكسير في كل شي‏ء لاتختص بشي‏ء دون شي‏ء و بعقار دون عقار و بمايع دون مايع و بمنعقد دون منعقد و بمنطرق دون منطرق و هو كما قال7 و ان من شي‏ء الاّ و فيه منه اصل او فصل فعلي هذا هو الولد العزيز و قرة عين اهل التمييز الشجاع الذي يهزم الصفوف و لايكترث بالالوف تنعقد نطفته من كل شي‏ء من الجمادات و الحيوانات و اجزاء الانسان و من الاصول و الفضول الاّ ان الفخر كل الفخر اصلاح الشي‏ء و صيرورته الي ان‏يكون حجراً يعني نطفة و النطفة لاتكون الاّ باجتماع المائين و الماءان لاينعقدان الاّ ان‏يكونا مختلفي القوام و مختلفي الطبيعة و يكون احدهما رقيقاً و الاخر غليظاً و يكون احدهما بارداً و الاخر حارّاً و يكون احدهما في الكمّ قليلاً و الاخر في الكمّ كثيراً فنطفة الرجل حارة يابسة غليظة و هي جزءان و نطفة المرأة باردة رقيقة و هي اربعة اجزاء فاذا اجتمعتا و انعقدتا تمّت النطفة و بلغت و صارت مبدء نشو جسم ادمي ثم من بعد ذلك تنقلب النطفة علقة و العلقة مضغة و هكذا فالطريق اذا تحققت النطفة واحد و اما صيرورة الغذاء الي ان‏تكون نطفة طريقها مختلف و كذلك تربية المادة الي ان‏تبلغ حدّ الحجرية صعبة مستصعبة لانها في كل مادة لها طريق غير الاخر و ليس لها قاعدة كلية بحيث تنطبق علي جميع الاشياء فبعضهم ذكر تربية الشعر الي ان‏يبلغ حدّ النطفة و بعضهم حيث لم‏يصل الي طريقة هذه التربية  انكر ان‏يكون مادة الاكسير شعراً فقال انه كلام شعري فعدل عنه و قال انه محال و ذكر طريق تربية البيض الي بلوغه حجراً نطفة و بعضهم لم‏يهتد الي طريق تلك التربية انكر ان‏يكون البيض مادة و قال في شعره:

و البيض ان عملته برفق   و حسن تدبير له و سحق

يريك من الوانه عجايباً

الي ان قال:

لكنني لست له بصاحب   لانه طريق غير الطالب

قال الشذوري:

دع البيض ليس الصبغ من بيض طائر   و لا حجر فضّ و لا شجر غضّ

 

 

«* شرح القصيدة صفحه 413 *»

و قالوا انها اي مادة الاكسير الزاج و ذكر كيفية تربيته الي ان‏يصير نطفة و انكره الاخر حيث لم‏يهتد الي طريقها و هكذا في غيرها و نحن قلنا انها في كل شي‏ء و ليس لتربيته الي ان‏يصير نطفة قاعدة كلية مطردة فلابد ان‏يكون لكل شي‏ء لتربيته الي ان‏يبلغ حدّ النطفة منار هدي يوصله اليه و لذا قالوا ان الربع الاول من هذا العلم و هو تربية الشي‏ء الي ان‏يصير نطفة حجراً يسمي بالعلم المكتوم و ذلك ليس لاجل كتمانهم اياه بل لعدم الاهتداء الي تربية كل مادة خاصة الي ان‏تبلغ حدّ الحجرية فاختلاف التدبير انما هو في هذا الربع و اما باقي الارباع الثلثة فالحكم فيها واحد و الطريق غيرمتعدد و قدذكرنا و شرحنا هذه المسألة باقصي ما يمكن شرحها و بيانها في شرحي علي القصيدة البائية من شذور الذهب و هي التي اولها :

خذ البيضة الشقراء و انزع قشورها   فان لها تحت القشور لبابا
و خذ ماءها و اخلطه بالملح كي‏تري   حمامته فيها تصير عقابا

فتبين لك من هذا البيان التام ان طريق تربية كل شي‏ء حتي يبلغ مقام كماله و يجلس علي سرير جماله لابد من دليل هادي و مرشد كامل و منار واضح حتي يمشي ذلك الطريق الوعر المسالك الضيق المنافذ فمن هذه الجهة قلنا منار هداية الواقفين مقام الوبر مثلاً في مقام اللطخ غير منار الهداية للواقفين منار الصوف و هكذا قديكون المنار في الواقفين منار الشعر غير منار الهداية للواقفين مقام الصوف و هكذا حكم جميع المقامات الستة و قديكون المنار واحداً يظهر في كل من هذه المقامات الستة و هو الكامل الذي قطع الاسفار الاربعة و رأي الاشياء كما هي و عرف انحاء التدبيرات و الترتيبات في التربية و يوقف كل احد موقفه و يبلغ كل شي‏ء منتهي رتبة كماله و هذا هو الاكسير الاحمر بل اقل منه قال مولانا و سيّدنا الباقر عليه الاف التحية و الثناء ان المؤمنة اعزّ من المؤمن و المؤمن اعزّ من الكبريت الاحمر و هل رأي احدكم الكبريت الاحمر و قديكون المنار متعدداً يختص لتربية واقف كل مقام و شخص دون شخص([198]) مثاله

 

«* شرح القصيدة صفحه 414 *»

معلم الاطفال فانه منار لتربية الصبيان حتي تحصل لهم ملكة لتحصيل القواعد الكلية و الصرفي مثلاً منار لهداية الشخص و تربيته الي ان‏يكون كاملاً في علم الصرف و بالغاً فيه و هكذا ساير العلوم ففي القبة الزبرجدية المنار للارشاد و الهداية الي ان‏يحصل لهم قابلية الدخول في القبة الدرّية التي بعدها و هي فوقها كليات عدده ستة و هم حملة الشريعة و مايتعلق بها من العلوم و الاداب مما يتعلق بالصورة الظاهرة هذه في التشريع التدويني.

و اما في التشريع التكويني فهي محالّ الفيض و مواقعه و حملة الولاية التفصيلية المصلحة لقوابل الصور من عالم النفوس الي التراب و من التراب الي مرتبة الجامع فالمنار الاول الروح من امر اللّه و هو منار الهداية في ايصال الفيض الي حقايق النفوس بمراتبها و احوالها حتي قامت بامر اللّه و خرجت في الاستواء و ظهرت علي هياكل التوحيد و الحايد عن ذلك المنار في تلك الديار خرج عن الاستقامة الي الاعوجاج و ظهر علي هياكل الكفر و النفاق الذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الي الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون و المنار الثاني الروح علي ملائكة الحجب يتلقي عن اللّه و يترجم و يلقي الي عالم الطبيعة حتي صلحت و نضجت و كملت و لبّت داعي اللّه و سمعت منادي الحق حين قال ألست بربكم فلبّت النداء و اجابت المنادي علي اختلاف مراتبها من الطبايع المنار الثالث حامل اسم اللّه الاخر يتلقي الفيض عن اللّه بواسطة الملك المقدم ذكره و يلقيه الي عالم المثال و مقام ظهور الهيئات و الاشكال و يصلح قابليته و يعدّل مزاجه حتي تظهر بموافقة محبة اللّه الصورة الانسانية و لمخالفيها الصورة البهيمية المنار الرابع حامل اسم اللّه الظاهر يلقي الفيض من المبدء الفياض الي الجسم([199]) الكل و يربّيه و يصلح قابليته حتي يقوم بامر اللّه و ينفذ فيه حكم اللّه المنار الخامس حامل اسم اللّه الباطن يتلقي من المبدء الفياض و يلقي الي العرش و يصلح قابليته و يعدّل مزاجه حتي يجعل له اركاناً و سرادقات و منطقة و دوائر متحركات

 

«* شرح القصيدة صفحه 415 *»

ليقوم بامر اللّه و يكون خزانة لمدد اللّه الي جميع عالم الاجسام محل النقش و الارتسام المنار السادس حامل اسم اللّه الشكور يتلقي الفيض عن المبدء و يصلح قابلية الكرسي و يعدّل مزاجه و يجعله مواقع للنجوم و مبادي للرجوم المنار السابع حامل اسم اللّه الباسط يتلقي الفيض عن مبدئه و يلقي الي فلك البروج و يصلح قابليته و يعدّل مزاجه حتي يجعله صالحاً لان‏يقسم بالبروج و تنفي عنه الفروج و يظهر فيه العدد الزايد و يدحض به حجة الناصب المعاند المنار الثامن حامل اسم اللّه الغني يتلقي الفيض من مبدئه و يوصل الي السماء الاولي و يصلح قابليتها و يعدّل مزاجها و يجعلها معدناً للخضوع و الخشوع و الزهد و العبادة و النسك و امراً بافتراش الارض و توسّد التراب المنار التاسع حامل اسم اللّه الحكيم يتلقي الفيض من المبدء الفياض و يوصله الي السماء الثانية يصلح قابليتها و يعدّل مزاجها و يجعلها محلاً للعلوم الالهية و الرسوم القدسية المنار العاشر حامل اسم اللّه القائم([200]) يتلقي الفيض من مبدئه و يوصله الي السماء الثالثة و يصلح قابليتها و يعدّل مزاجها حتي تكون محلاً لقهر اللّه و غلبته في الظاهر و محلاً للطمأنينة و الرأفة في الباطن المنار الحادي‏عشر حامل اسم اللّه القاهر يتلقي الفيض من اللّه سبحانه و يوصله الي السماء الرابعة و يصلح قابليتها و يعدّل مزاجها و يجعلها صالحة لان‏تكون خزانة للامدادات الوجودية في الكون الثاني الشهودي و مترجمة لها لما بعدها من السموات الثلث و فوقها لان فوقها تحتها و هي سرّ السموات و لبّها و عندها خزائنها و جعلها اللّه سبحانه حاملة لموادها و امداداتها و هي الرابعة التي بها تمام الاركان و ظهور الاكوان و تحقق الاعيان و مبدء الزمان و المكان و لذا كان فيها البيت المعمور و الكتاب المسطور و لاتكون العمارة الاّ بعد التمام فالشي‏ء التام اصل جامع و سرّ مانع المنار الثاني‏عشر حامل اسم اللّه النور معدن السرور و مذهب الغيور و مقر الوحدة و مفني الكثرة اللّه نور السموات و الارض  لانه الاسم الجامع موضوع للظاهر بالالوهية الجامعة للاسماء الحسني كلها من القدس و الاضافة و

 

«* شرح القصيدة صفحه 416 *»

الخلق و من اسمائها الاحد و الواحد يتلقي الفيض من حامل هذا الاسم الاعظم الاعظم الاعظم و يوصله الي السماء الخامسة سماء سيّدنا و نبيّنا محمد9و يصلح قابليتها و يعدّل مزاجها و يجعلها صالحة لان‏تكون خزانة لانحاء المودة و المحبة و الايتلاف و ازالة الاختلاف و اظهار الوصل([201]) و الاتصال و المنار الثالث‏عشر حامل اسم اللّه الودود يتلقي الفيض من المبدء الفياض و يوصله الي السماء السادسة و يصلح قابليتها و يعدّل مزاجها و يجعلها صالحة لان‏تكون خزانة للاحكام التفصيلية و الصور الفكرية و موصلة للصور المستودعة في اللوح بواسطة الملائكة الثلاثة شمعون و سيمون و زيتون الي القوي الفكرية و هي البطن الثاني من التجويف الاول للدماغ عندنا و البطن الاول من التجويف الثاني عند القوم المنار الرابع‏عشر حامل اسم اللّه المحصي يتلقي الفيض من مبدئه و يوصله الي السماء السابعة و يصلح قابليتها و يعدّل مزاجها و يجعلها مجيبة للنداء و ملبّية لقول ألست بربّكم و اني انا اللّه حتي تكون بذلك خزانة لامدادات الحيوة و مترجمة لها الي ما سواها من المتولدات و ظاهرة بالافلاك الاربعة مربّية للطبايع الاربع فافهم المنار الخامس‏عشر حامل اسم اللّه المبين يتلقي الفيض من المبدء الفياض و يوصله الي كرة النار و يصلح قابليتها و يعدّل مزاجها و يجعلها جاذبة غاذية ملطّفة مرقّقة المنار السادس‏عشر حامل اسم اللّه القابض يتلقي الفيض من مبدئه و يوصله الي كرة الهواء و يصلح قابليتها و يعدّل مزاجها و يجعلها حافظة للحيوة و هاضمة للغذاء و معفّنة و مصلحة و محلّلة و عندها التعفين و التحليل المنار السابع‏عشر حامل اسم اللّه الحي يتلقي الفيض من المبدء الفياض و يوصله الي كرة الماء و يصلح قابليتها و يعدّل مزاجها و يجعلها موصلة للحيوة الي محالّها و مصلحة للقوة الدافعة و بذرقة([202]) للطعام و الغذاء المنار الثامن‏عشر حامل اسم اللّه الحي([203]) يتلقي الفيض من المبدء الفياض و يوصله الي كرة التراب و يصلح قابليتها و يعدّل مزاجها و يجعلها صالحة لحفظ القوة الماسكة و للزرع و الحرث و ساير المنافع المنار التاسع‏عشر حامل الاسماء الثلثة اي القابض و

 

«* شرح القصيدة صفحه 417 *»

الحي و المحيي و المميت من حيث الاجتماع يتلقي الفيض من المبدء الفياض و يوصله الي المعدن و يصلح قابليته و يعدّل مزاجه حتي يكون مظهراً لمتعلق احد الاسماء الاربعة المنار العشرون حامل اسم اللّه العزيز يتلقي الفيض من مبدئه و يوصله الي النبات و يصلح قابليته و يعدّل مزاجه حتي يجعله مظهراً لمتعلقات الاسماء الاربعة فارتفاعه باسم اللّه القابض لجذب الغذاء و تحليل الغذاء و هضمه و تعفينه باسم اللّه الحي و دفع الفضولات باسم اللّه المحيي و امساكه في الارض بانبات العروق باسم اللّه المميت و هكذا ساير المراتب التكوينية حيث انها تكوّنت و وجدت بالشرع الوجودي يكون في كل مقام منار علم هداية يكون سبباً لتربية ذلك الكون و تحققه فما ذكرناه عشرون مناراً بل يبلغ الي الف الف و كل مرتبة منار لتربية اهل تلك المرتبة و لايكون المنار الاّ قطب المرتبة و سرّها و اسطقسها و هو اي المنار بالنسبة الي تلك المرتبة التي هي علم طريق هدايتها نسبة القلب الي ساير الاعضاء و الجوارح حرفاً بحرف في التكوين و التشريع او في الشرع التكويني و الشرع التدويني فافهم و قس علي ما ذكرناه ما لم‏نذكره ان القيت السمع و انت شهيد و الكلام في حقيقة المنار طويل الذيل ممتدّ السيل و فيما ذكرناه كفاية لاولي الدراية فافهم ثبّتك اللّه بالقول الثابت و هداك اللّه و ايّانا الصراط المستقيم صراط اهل المحبة و الوصول و منازل اهل الصلاح و القبول.

و اما الهداية فاعلم انها لمّا كانت لاتتحقق الاّ بظهور التوحيد و النبوة و الولاية وضع لها لفظ فيه جميع المراتب كلها بل و سرّها و قطبها اي قطبها لغيرها او لنفسها اذ ليس المراد من التوحيد ذات البحت فافهم و لمّا كان اعظم الاسماء بل قيل هو المسمي و انه ليس بمشتق لفظ الجلالة اللّه و لمّا كان سرّ هذا الاسم هو الهاء و الهاء سرّ هو و اصله لان الواو انما تتولد من الهاء بالاشباع اخذ من هذا الاسم الهاء لان الاقرار بالتوحيد لايتمّ الاّ بالاسماء و الاقرار بالاسماء لايتمّ الاّ بالاسم الاعظم و الحاء جامع المراتب كلها اذ من حيث انها جزء للفظ الجلالة دلّ عليها دلالة الجزء علي الكل و من حيث انها اصل للاسم الاعظم «هو» دلّ عليه دلالة القطب علي المحور و الدائرة فالدائرة هي الواو و المحور هو الخط الواصل بين الهاء و الواو و تمّت الدلالة علي جميع مراتب التوحيد من توحيد

 

«* شرح القصيدة صفحه 418 *»

الذات لظهور المسمي الماحي للصفات و دلالة الاسم عليه و توحيد الصفات و الاسماء و الاسم الاعظم الاعظم و الاسم الاعظم و دلالتها عليها ظاهرة غنية عن البيان و توحيد العبادة لان اللّه متعلقه المعبود الحق فان العبادة لاتصلح الاّ للجامع لجميع الكمالات المنزه عن جميع النقايص و توحيد الافعال و دلالة الهاء عليه من جهة ان اللّه لايكون الاّ كاملاً و الكامل لايكون الاّ ان‏يكون له اثر و لايكون المؤثر كاملاً الاّ ان‏يكون الاثر كاملاً و ذلك معلوم ظاهر فاذا دلّت الهاء علي المراتب الاربع من التوحيد دلّت علي المراتب الاخر من مراتب التوحيد و هي ترتقي الي خمسة الاف و مأتين و ثمانين مرتبة كلها مندرجة تحت الهاء و قد فصّلناها باكمل التفصيل في رسالتنا البهبهانية و من اراد التفصيل فليطلبها.

و اما النبوة المطلقة فحيث كان اصلها و سرّها النبوة المحمّدية9 و كان له اسمان احمد و محمّد و الدال الجهة الجامعة للاسمين و منها تولد باقي حروف الاسم و الحاء تولد من الدال بالتكرير و الميم تولد من الحاء بالتخميس و الميم الاخر كذلك حتي بلغ الاسم الي الارض و الالف اشارة الي الوحدة و الولاية و كونه التعين الاول و هي لا دخل لها الي النبوة الاصل في اسم النبوة الدال و هو تمام الاركان و تمام الميزان و اصل حقيقة الانسان و تمام الاعتدال في الاكوان و اما الولاية في خاتم الولاية ليس انها مقام التفصيل و قدظهر تمام التفصيل في القبضات العشر و سري في كل الوجود من الغيب و الشهود و استنطاقها الياء فاخذ للتوحيد الهاء و للنبوة الدال و للولاية الياء فتحقق بها الهدي و لذا قال الناظم هداه اللّه سواء الطريق و سقاه و ايانا رحيق التحقيق منار هدي اشارةً الي هذه الدقيقة و بياناً لسرّ هذه الحقيقة فافهم و لاتكثر المقال فان العلم نقطة كثّرها الجهال.

ثم ان هُدي يستنطق عنه الواحد و هو تمام البسملة التدوينية التي هي طبق بسملة التكوينية فبها تمّ الوجود و لذا كانت البسملة اقرب الي الاسم الاعظم من سواد العين الي بياضها و هي الجامعة لجميع ما في فاتحة الكتاب الجامعة لجميع ما في القرءان الجامعة لجميع ما في الاناسي الثلثة الانسان الصغير و الانسان الوسيط و الانسان الكبير و هي المطابقة للاسم الاعظم «هو» بزبره و بيّناته و ذلك الاسم الاعظم اذا تنزّل في عالم

 

«* شرح القصيدة صفحه 419 *»

التفصيل يكون عليّاً و هو قوله تعالي و هو العلي الكبير و هو العلي العظيم و حيث ان الهداية انما تتمّ بالولاية و هي الجزء الاخير للعلة التامة كانت لاتتحقق الاّ بالاقرار بالولي و هو قوله تعالي قل انما اعظكم بواحدة الواحد هو الهدي و الهدي متعلق الاسم الاعظم و تنزل الاسم الاعظم الاسم العلي و هو قوله تعالي و انه في امّ الكتاب لدينا لعلي حكيم و هو معني قول سيّدنا و مولينا الرضا روحي له الفداء و عليه الاف التحية و الثناء ان اللّه سبحانه اختار لنفسه اسماء لغيره ليدعوه بها فاوّل ما اختار([204]) لنفسه العلي العظيم فاسمه العلي و معناه اللّه انتهي و معني اللّه هو و معني هو «ه» بلا اشباع فمن هذه الجهة لاتتمّ الهداية الاّ بالاقرار بالولاية والاّ فلاينفعه الاقرار بالنبوة و التوحيد و هو قوله تعالي و الذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الي الظلمات  قال مولانا و سيّدنا ابوعبداللّه الصادق روحي له الفداء في تفسير هذه الاية و الذين كفروا بالولاية اولياؤهم الطاغوت قال بعض من حضر انّ الناس يقولون ان المراد به الكفر باللّه قال7كيف يكون ذلك و اللّه سبحانه و تعالي يقول يخرجونهم من النور الي الظلمات و الكافر باللّه لا نور له اصلاً فاين هذا النور الذي يخرج منه  فدلّ صريح الاية ان الكافر ليس له نور يخرج منه الي الظلمات و لاريب ان الكافر باللّه ليس له نور اصلاً فثبت انه امن باللّه فحصل له نور ثم امن بالرسول فاستفاد نوراً اخر فلمّا كفر بالولاية لم‏يستقر ذلك النور المتزلزل لان استقراره بالولاية و احاطت به الظلمة و خرج من النور الي الظلمات فمن هذه الجهة صارت الهداية صفة للولي المطلق و مستنطقاً من اسمه و من اسم الجلالة و من الاسم الاعظم لبيان ان ولاية الولي و ان كانت اصلاً لكنها فرع للنبي و للاسم الاعظم و النور المكرّم و لذا قال مولينا و سيّدنا الصادق روحي له الفداء في زيارة اميرالمؤمنين الصادق الامين مخاطباً له السلام علي الاصل القديم و الفرع الكريم فهو اصل بالنسبة الي غيره من الموجودات لانه حامل الولاية و اول التعين و الموجودات اثرها و فرع للنبي9 لانه نفسه في قوله تعالي و انفسنا و انفسكم و النفس تأكيد و التأكيد تابع فرع و قد ذكرنا لك

 

«* شرح القصيدة صفحه 420 *»

سابقاً قول النحاة ان التابع كل فرع معرب باعراب سابقه و الفرع و ان كان فرعاً لكنّه متلبس بلباس الاصل و متحلٍ بحليته و منصبغ بصبغه و تلك صبغة اللّه و من احسن من اللّه صبغة و نحن له عابدون فاذا قلت جاء زيد نفسه فالنفس مرفوع كما ان زيداً كذلك و الفعل يدخل عليها بالتبعية كما يدخل علي زيد بالاصالة فالنفس متلبسة بلباس زيد متحلية بحليته موسومة بما وصف به زيد فكان لذلك فرع كريم مع انه هو الاصل القديم فالهداية اذن منسوبة الي الولي يعني تتمّ بها و هو الجزء الاخير للعلة التامة و هو قوله تعالي انما انت منذر و لكل قوم هاد و لايصح ان‏يكون متعلق الوصفين واحداً بتغيير الاسلوب الدالّ علي تغيير المراد كما هو الاصل في قول الحكيم مع ان اتحاد المراد من الوصفين يستدعي تقديراً و الاصل عدمه فاثبتت الاية الشريفة ان في النبوة انذاراً و اراءةً للطريق فحسب كما قال تعالي و ما علي الرسول الاّ البلاغ و قال تعالي و ما عليك الاّ البلاغ المبين و قال تعالي ليس لك من الامر شي‏ء و اما الهداية فبمعني الايصال الي المقصود و التيسير لما خلق له باعطاء كل ذي‏حق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه انما هو شأن الولي بما حمل من ولاية اللّه العامة و عنايته الخاصة بكل مذروء و مبروء و بالجملة فالهداية لاتتمّ الاّ بالولاية و لذا نسبها الناظم ايّده اللّه بتسديده الي قبتي الامام الهمام موسي بن جعفر و قال شاموا السنا من قبتيك فلولا انهم رأوا النور من تين القبتين لماوجدوا منار هدي فلم‏يهتدوا الي الحق و الي طريق مستقيم و لذا قال تعالي و اني لغفار لمن تاب و امن و عمل صالحاً ثم اهتدي الي الولاية و لولا اهتداؤهم الي الولاية مانالوا المغفرة و لا شملتهم التوبة و هو قوله تعالي استغفر لهم او لاتستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرّة فلن‏يغفر اللّه لهم فان المغفرة لاتكون الاّ بالاقبال الي اللّه و منكر الولاية معرض عن الحق لان الولاية للّه و حاملها ولي اللّه و المعرض عنها معرض عن اللّه لانها طريق الي اللّه و سبيل اليه انظر الي الشمس اذا اشرقت علي البلورة و الذي لم‏يقابل البلورة لم‏تصبه الحرارة لانه معرض عن وجه الشمس و الدليل الموصل اليها و الطريق السالك الي جهتها فاي اشراق يطلب من الشمس اذن اذا كان مدبراً غيرمقبل فالحكم عليه بالمغفرة تناقض ظاهر و تعاكس باهر اذ يجب عليك ان‏تحكم عليه

 

«* شرح القصيدة صفحه 421 *»

بالاقبال حين الادبار و هذا محال لمن له نظر و اعتبار و لذا شرط اللّه سبحانه شرطاً للاستغفار بقوله الحق ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه و استغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه توّاباً رحيماً. فلا و ربّك لايؤمنون حتّي يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت و يسلّموا تسليما و لا شك ان المخاطب بالخطاب غير الرسول كما انه غير الجائين المستغفرين والاّ لقال و استغفرت لهم و الالتفات و ان كان سائغاً([205]) جايزاً في كلام العرب الاّ انه خلاف الاصل و لايصار اليه الاّ بدليل واضح و بينة ظاهرة و برهان قاطع فلايصار الي ما يخالف الاصل بمحض الاحتمال و ذلك معلوم واضح فشرط اللّه سبحانه و تعالي للمغفرة و انتفاعهم باستغفار الرسول اتيان الولي و ليس المراد بالاتيان محض الحضور بل المراد به التصديق و الاذعان و الانقياد لامره و التسليم لحكمه كما افصح عنه سبحانه و تعالي و فسّره و بيّن ابهامه و فصّل اجماله بعد اليمين المؤكّدة بقوله الحق فلا و ربّك لايؤمنون حتي يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت و يسلّموا تسليما فشرط ثلثة شروط الاول تحكيم الولي في كل ما يقع التنازع و الاختلاف كما هو مدلول عموم ما فيما شجر ففي كل موضع يقع الاختلاف بالمسائل العلمية اصلية كانت ام فرعية نظرية كانت ام اعتقادية مطلقا علي كل حال اذا وقع الاختلاف و التشاجر و التنازع يجب الرجوع الي الولي و التحاكم عنده و الترافع اليه الشرط الثاني انه بعد ما حكم له لاحدهما او لاحدهم بما حكم لايجد المحكوم‏عليه او المحكوم‏له في انفسهما حرجاً و ضيقاً و احتمالاً خلافاً او انه لم قال كذا و لم حكم بكذا او ان هذا الحكم ليس علي مقتضي القواعد العقلية و النقلية او ان العقل لم‏يقبل ذلك او ان الدليل قائم بخلافه او انه يحتمل فيه السهو و الاشتباه و الاشكال و امثالها مما يوجب الحرج و الضيق للصدر و اذا احتمل شيئاً من هذه المذكورات و الغير المذكورات فلايثبت ايمانه الشرط الثالث انه بعد ما تبين ان قول الولي هو الحق كذا فعله و تقريره و انه لاينطق عن الهوي ان هو الاّ وحي يوحي و انه من العباد المكرمين الذين

 

«* شرح القصيدة صفحه 422 *»

لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و انه مطهر من الرجس و الدنس و الكذب و الخطاء و السهو من الدنس و الرجس و انه نفس الرسول فلايتقّول علي اللّه و لايقول بغير حكم اللّه و يجري عليه حكم رسول اللّه9عدا ما اختص به من خصايصه فيجب عليه التسليم لحكمه و امره بالانقياد([206]) لطاعته و الاذعان لحكمه و الاحتراز عن مخالفته و هذه الامور الثلثة تفسير لقوله تعالي ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاءوك و هذا معني الاتيان و المجي‏ء لا مجرد الحضور و هذا الاتيان هو شرط لقبول الاعمال و طهارة الانفس و الاموال و لذا اجمع المسلمون علي خلافته و وجوب طاعته و لزوم الانقياد لامره و نهيه و ان اختلفوا في ان هذا الحكم ثابت له و لاولاده بعد الرسول9 و انه اول الخلفاء و اول الاوصياء و سيّدهم بنصّ الرسول الامين9 يوم غدير خم او انه رابع الخلفاء و ان غيره يشاركه ايضاً في وجوب الطاعة و التسليم و الانقياد و ان الاجماع قام علي مشاركة غيره من الخلفاء له في هذه الخلال المذكورة في الاية الشريفة و هذا الخلاف مشهور بين المسلمين و اما الخلاف في وجوب طاعته و لزوم التسليم لامره و الانقياد له و التجنب عن مخالفته فمنفي و مرفوع و قداتفق المسلمون علي لزوم طاعته و وجوب الخلال الثلثة المذكورة فيه و لذا عدّ الخوارج من الكفار و من الخارجين عن دين محمّد المختار عليه سلام اللّه الملك الجبّار و انهم مرقوا عن الدين و هم المارقون الكافرون الجاحدون بما اتي به سيد المرسلين صلي الله عليه و اله و صحبه اجمعين.

و قد روي محمد بن جرير الطبري في تفسيره عند قوله و اسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا عن رسول اللّه9انه قال ليلة اسري بي الي السماء اتيت بيت‏المقدس و اجتمعت الانبياء:فيه فاذّن جبرئيل و اقام فتقدمت و صلّيت بهم ثم اتاني جبرئيل و قال لي يا محمّد اسألهم([207]) بماذا بعثوا فسألتهم فقلت يامعشر الانبياء بماذا بعثتم قالوا بعثنا بشهادة ان لا اله الاّ اللّه و انّ محمّداً9عبده و رسوله و انّ علي بن ابي‏طالب ولي اللّه و حجته علي خلقه و هو قوله تعالي و اسأل من ارسلنا قبلك من رسلنا فتبين ان

 

«* شرح القصيدة صفحه 423 *»

الهداية و الايمان مشروطان بقبول الولاية حتي من الانبياء و المرسلين و روي اخطب خوارزم في مناقبه عن رسول اللّه9انه قال ليلة المعراج لمّا وصلت الي مقام قاب قوسين و شرّفني اللّه سبحانه بمخاطبته و مما قال لي يا محمّد لو ان عبداً عبدني صام نهاره و قام ليله حتي يصير كالشنّ البالي ثم يحجّ مائة الف حجة و يعتمر مائة الف عمرة و يغزو مائة الف غزوة مع نبي مرسل او امام عادل ثم يقتل بين الركن و المقام مظلوماً شهيداً ثم يأتيني بغير ولاية ابن عمّك علي بن ابيطالب اكببته علي منخريه في نار جهنم. فعلي هذا فهل تجد مساغاً لحمل الخطاب في قوله تعالي اذ ظلموا انفسهم جاءوك لغير اميرالمؤمنين و الحالة هذه لاواللّه لايمكن الاّ ما ذكرناه و لايتصور الاّ ما بيّنّاه،

قال زوراً من قال ذلك زور   و افتري من يقول ذاك افتراء

فتبين لك مما بيّناه و اوضحناه ان الهداية لاتتمّ الاّ بالاقرار بالولاية و لذا قال الناظم:

شاموا السنا من قبتيك و عنده   وجدوا منار هدي يشبّ و يشعل

و نسب الي قبتي الامام موسي بن جعفر روحي له الفداء و عليه من اللّه الاف التحية و الثناء لانه من اولاد حامل الولاية المطلقة الباطنية و الولد جزء الوالد و سنخه كما نصّ عليه اللّه في كتابه فعند عدم مباينة الاخلاق حكمه حكمه و امره امره و ما يثبت له يثبت له لوجود المقتضي و رفع المانع و قداجمع المسلمون علي انّ موسي بن جعفر عليهما من اللّه الاف الف تحية و ثناء ماخالف رسول اللّه9 و لا اميرالمؤمنين7في قول و لا فعل و لا طريقة و لا جهة من الجهات و لا نحو من الانحاء بل وافقهم و بالغ في العبادة و الاجتهاد و الزهد و الورع و الاقبال الي اللّه سبحانه و التجنّب عن مخالفته بما لاينكره احد و لايدفعه احد فاذن هو و من هو بمنزلته من الاولاد و الاحفاد محبتهم و الانقياد لهم و التسليم لامرهم من تتمة الهداية و لاتتحقق و لاتتمّ الاّ بالاقرار بفضائلهم و التصديق لحملتها و التسليم لرواتها فافهم و مااسعدك لو وفّقت لفهمه و العمل به فان فيه خير الدنيا و الاخرة.

و اما الهداية فانها تستعمل علي معنيين بمعني الاراءة و بمعني الايصال الي المطلوب و اختلفوا في انها حقيقة في اي منهما بما لامحصل في ذكره و بيانه فان

 

«* شرح القصيدة صفحه 424 *»

الاستعمال في المعنيين ثابت و القرينة الواضحة لجعل احدهما حقيقة دون الاخري في الظاهر منتفية و الاصل في الاستعمال الحقيقة كما هو مذهب المرتضي لا لدليله الذي ارتضي لانه غير مرضي و تحقيق القول بما لا مزيد عليه قد حققناه في الاصول و قدبيّنا ما فيه من الاصول و الفضول و بالجملة فالاصل في الاستعمال الحقيقة الاّ ان‏يدلّ دليل قطعي علي المجاز و اذ ليس فليس ولكن الهداية متي ما استعمل بالنسبة الي النبي9ففي الغالب يراد بها الاراءة كما ذكرنا من ان شأن النبي الابلاغ و الانذار فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر انّا هديناه السبيل اما شاكراً و اما كفوراً و قال تعالي شاهداً لما بيّناه و مؤيداً لما ذكرناه انك لاتهدي من احببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء يعني لاتوصل الي المقصود الذي هو الايمان فان النبي9 يحب الايمان لكل احد و قدنفي اللّه سبحانه و تعالي ايصاله الي الايمان الذي هو المطلوب بل جعل ذلك شأن الولي و قدنسبها الي نفسه لان الولاية للّه سبحانه و هداية النبي9اراءة الطريق لان ذلك شأنه كما جعل اللّه له ذلك و قوله تعالي انك لاتهدي من احببت و ليس لك من الامر شي‏ء و ما علي الرسول الاّ البلاغ([208]) و اذا نسبت الهداية الي الولي فالمراد بها الايصال الي المطلوب كما هو شأن الولاية من اعطاء كل ذي‏حق حقه و السوق الي كل مخلوق رزقه فالولي هو موصل اهل الحق الي الايمان و النعيم([209]) و موصل اهل الباطل الي الكفر و النفاق و قد قال النبي9في حديث سراقة بن مالك لما سأله عن افعال العباد هل فعلهم فيما جفّت به الاقلام و جرت به المقادير او فيما لم‏تجفّ به الاقلام و لم‏تجر به المقادير قال9 بل فيما جفّت به الاقلام و جرت به المقادير قال ففيم العمل قال9اعملوا فكل ميسّر لما خلق له و كل عامل بعمله و الميسِّر بكسر السين اسم الفاعل هو الولي و هو الموصل لكل شي‏ء الي ما هو مخلوق له و هو مقصوده و مطلوبه لان الولاية هي التصرف التام فيما ولي عليه و الولاية المطلقة هي التصرف التام في كل شي‏ء بخلاف النبوة فانها محض الانذار و التبليغ فقط لا غير فهداية الولي هي الايصال و هداية النبي هي الانذار و الاراءة.

 

«* شرح القصيدة صفحه 425 *»

و اما قوله اوصله اللّه الي مقصوده و انيل مأموله منار هدي يشبّ و يشعل اي منار الهداية قد اضاء و توقّد و اشتعل بنور نار الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية و لا غربية يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار نور علي نور يهدي اللّه لنوره من يشاء و يضرب اللّه الامثال للناس و اللّه بكل شي‏ء عليم و لمّا كان المقام مقام  الامام الهمام موسي بن جعفر8ناسب قوله سلمه اللّه منار هدي يشبّ و يشعل حيث ان منار موسي كانت شجرة فيها نار متوقدة حيث قال موسي7انست ناراً و قد قال عبدالحميد بن ابي‏الحديد في مدح جدّه اميرالمؤمنين روحي له الفداء:

يا ايها النار التي شبّ السنا   منها لموسي و الظلام مجلّل

و الولد علي سرّ والده و جزؤه و قد قال الصادق روحي له الفداء في تفسير قوله تعالي ان‏بورك من في النار و من حولها انّ من في النار هو رسول اللّه9 و من حولها موسي فلنقبض العنان فللحيطان اذان و تعيها اذن واعية واللّه خليفتي عليك.

([1]) ماء. خ‏ل

([2]) مواتاً. خ‏ل

([3]) نفسه خ‏ل

([4]) الذرات. خ‏ل

([5]) حكم. خ‏ل

([6]) الاقدم. خ‏ل

([7]) ثم. خ‏ل

([8]) مراتبها. خ‏ل

([9]) الظاهرية و الباطنية. خ‏ل

([10]) الاسم. خ‏ل

([11]) الاعليين. خ‏ل

([12]) منه تحقق. خ‏ل

([13]) و هو. خ‏ل

([14]) النفس. خ‏ل

([15]) عليه. خ‏ل

([16]) دلالته. خ‏ل

([17]) الي. خ‏ل

([18]) الصور. خ‏ل

([19]) الملكين المنكرين. خ‏ل

([20]) بالاجساد. خ‏ل

([21]) و هو. خ‏ل

([22]) يترقي البسط. خ‏ل

([23]) المؤالفة منها و المناكرة. خ‏ل

([24]) و. خ‏ل

([25]) فاذا. خ‏ل

([26]) واحدة. خ‏ل

([27]) و التأثير. خ‏ل

([28]) او. خ‏ل

([29]) و كما. خ‏ل

([30]) عنه غيره. خ‏ل

([31]) المضاهين. خ‏ل

([32]) رحمة الله. خ‏ل

([33]) ذاك. خ‏ل

([34]) خصّتهم. خ‏ل

([35]) اليهم. خ‏ل

([36]) اذ. خ‏ل

([37]) الافاضات. خ‏ل

([38]) بالسكون خ‏ل

([39]) النفي. خ‏ل

([40]) الاثبات. خ‏ل

([41]) اختلاف. خ‏ل

([42]) هم. خ‏ل

([43]) الكتب. خ‏ل

([44]) الاصل. خ‏ل

([45]) انّ. خ‏ل

([46]) اندماج. خ‏ل

([47]) العظم. خ‏ل

([48]) خلفائه خ‏ل

([49]) هذا. خ‏ل

([50]) مقام. خ‏ل

([51]) عنهما. خ‏ل

([52]) جمل. خ‏ل

([53]) العزيز الحميد. خ‏ل

([54]) عند. خ‏ل

([55]) فالامور. خ‏ل

([56]) الجارية. خ‏ل

([57]) تفصيل. خ‏ل

([58]) اسمان للّه. خ‏ل

([59]) بالخمسة. خ‏ل

([60]) لهم صفوف. خ‏ل

([61]) لهم للقرءان. خ‏ل

([62]) هزلت. خ‏ل

([63]) عليهم. خ‏ل

([64]) جعلها. خ‏ل

([65]) شبهه. خ‏ل

([66]) اولئك. خ‏ل

([67]) عن. خ‏ل

([68]) لها شيئاً. خ‏ل

([69]) الصور خ‏ل

([70]) ما. خ‏ل

([71]) مثلاً. خ‏ل

([72]) الصور. خ‏ل   التصور. خ‏ل

([73]) الاسرار. خ‏ل

([74]) حملت. خ‏ل

([75]) حملة. خ‏ل

([76]) به. خ‏ل

([77]) فنحبّ. خ‏ل

([78]) عن خ‏ل

([79]) حقايق. خ‏ل

([80]) كعبة. خ‏ل

([81]) كالصيف. خ‏ل

([82]) الكلية. خ‏ل

([83]) مختفيات. خ‏ل

([84]) مخفيات. خ‏ل

([85]) التبيان. خ‏ل

([86]) مقصرة. خ‏ل

([87]) اقتضاءات خ‏ل

([88]) الذبّ. خ‏ل

([89]) الذبّ خ‏ل

([90]) استار. خ‏ل

([91]) بقول. خ‏ل

([92]) فهو. خ‏ل

([93]) في حين. خ‏ل

([94]) جاثليق. خ‏ل

([95]) يشير. خ‏ل

([96]) لم‏يجمدوا. خ‏ل

([97]) الحق. خ‏ل

([98]) لم‏يكن في هامش النسخة المطبوعة علي الحجر و لا النسخ المخطوطة رسمٌ و كتابة. الناشر

([99]) السدرة المنتهي. خ‏ل

([100]) فناسب. خ‏ل

([101]) من حيث. خ‏ل

([102]) بصفة. خ‏ل

([103]) اخاف. خ‏ل

([104]) و اجسادهم. خ‏ل

([105]) اياتها. خ‏ل

([106]) تبيانه. خ‏ل

([107]) سرّ من سرّ الله. خ‏ل

([108]) العصمة. خ‏ل

([109]) الجامع بين المقامين. خ‏ل

([110]) القري. خ‏ل

([111]) و. خ‏ل

([112]) تأثيراتها. خ‏ل

([113]) النحيفة. خ‏ل

([114]) الباء. خ‏ل

([115]) وصلت. خ‏ل

([116]) بلغ. خ‏ل

([117]) المقال. خ‏ل

([118]) لكم سابقاً. خ‏ل

([119]) قبيل. خ‏ل

([120]) هذه. خ‏ل

([121]) بالروح. خ‏ل

([122]) الاف التحية و الثناء. خ‏ل

([123]) الاولوية. خ‏ل

([124]) سبعة خ‏ل

([125]) للروح. خ‏ل

([126]) حايكه. خ‏ل

([127]) الملائكة الكروبيين. خ‏ل

([128]) طهّروا. خ‏ل

([129]) و هم خ‏ل

([130]) فمها. خ‏ل

([131]) عليها خ‏ل

([132]) الملك. خ‏ل

([133]) لتمام. خ‏ل

([134]) لامر. خ‏ل

([135]) الاقرب. خ‏ل

([136]) به. خ‏ل

([137]) جناحها. خ‏ل

([138]) ذلك المقام. خ‏ل

([139]) الكفّين. خ‏ل

([140]) بالصلوة. خ‏ل

([141]) اجنحة خ‏ل

([142]) للاستعداد. خ‏ل

([143]) المخلوقين. خ‏ل

([144]) مائدتهم. خ‏ل

([145]) التمام. خ‏ل

([146]) هذا. خ‏ل

([147]) وجه. خ‏ل

([148]) يسعفني. خ‏ل

([149]) لي كلمتي. خ‏ل

([150]) فوجب. خ‏ل

([151]) الوسيلة الي الله. خ‏ل

([152]) ورائهم. خ‏ل

([153]) و. خ‏ل

([154]) لرضاء. خ‏ل

([155]) و ما معني الصدّ عنها و ما الصادّ عنها. خ‏ل

([156]) كل. خ‏ل

([157]) نظر. خ‏ل

([158]) نظر. خ‏ل

([159]) رتبته. خ‏ل

([160]) بعد. خ‏ل

([161]) الولي خ‏ل

([162]) الارضين. خ‏ل

([163]) ان الباء. خ‏ل

([164]) للشمس. خ‏ل

([165]) عوالم. خ‏ل

([166]) هي. خ‏ل

([167]) هو. خ‏ل

([168]) فشرح. خ‏ل

([169]) الاعظم الاعظم. خ‏ل

([170]) الالهية. خ‏ل

([171]) شابهت. خ‏ل

([172]) الي خ‏ل

([173]) غيبها. خ‏ل

([174]) اليه. خ‏ل

([175]) بوثائق. خ‏ل

([176]) الخالق الاكبر. خ‏ل

([177]) في سرّ. خ‏ل

([178]) الذي استخلصه الله. خ‏ل

([179]) خلقها. خ‏ل

([180]) لوي. خ‏ل

([181]) ذرات. خ‏ل

([182]) اختلافاتها. خ‏ل

([183]) غير الاخر خ‏ل

([184]) الكريم. خ‏ل

([185]) الحقايق. خ‏ل

([186]) سحائب. خ‏ل

([187]) الاية. خ‏ل

([188]) واحداً. خ‏ل

([189]) القائمة في الله. خ‏ل

([190]) سرّ خ‏ل

([191]) قبضته. خ‏ل

([192]) قبضته. خ‏ل

([193]) التلال و الاثار. خ‏ل

([194]) من. خ‏ل

([195]) في نسخة «وبري ظ»

([196]) ظهور. خ‏ل

([197]) اختلفت. خ‏ل

([198]) دون الاخر. خ‏ل

([199]) جسم. خ‏ل

([200]) العليم. خ‏ل

([201]) الوصال. خ‏ل

([202]) بدرقة. خ‏ل

([203]) المحيي. خ‏ل

([204]) اختاره. خ‏ل

([205]) شايعاً. خ‏ل

([206]) و الانقياد. خ‏ل

([207]) سلهم. خ‏ل

([208]) البلاغ المبين. خ‏ل

([209]) النعم. خ‏ل