25-1 تنقيح المباني في علم المعاني – چاپ – الجزء الثانی

تنقيح المباني

في علم المعاني – الجزء الاول

 

سید احمد پورموسویان

 

«* المعاني صفحه 1 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمدللّه و سلام علي عباده الذين اصطفي

تمهيد

اعلم انّه كماوضع علم التصريف لمعرفة موادّ الكلمات و اشتقاقاتها و كماوضع علم النحو لمعرفة احوال حركاتها و سكناتها في اقتراناتها لافادة معني من المعاني المحتاج اليها . . . .

فكذلك وضع علم المعاني و البيان و البديع لمعرفة حسن السبك و التعبير و التأدية. ففي علم المعاني يبحث عن احوال الكلمات التي بها تطابق مقتضي الحال و في علم البيان يبحث عن تركيبها لوضوح الدلالة علي المعني الواحد و في علم البديع يبحث عن وجوه تحسينها معنوية او لفظية بعد رعاية المطابقة و وضوح الدلالة.

و القدماء من علماء البلاغة كانوا يطلقون علم البيان علي هذه العلوم الثلاثة من باب تسمية الكلّ باسم البعض ولكن خصّه المتأخّرون منهم بالعلم الباحث عن المجاز و الاستعارة و التشبيه و الكناية.

فالغرض من علم المعاني و فائدته ان‏يقدر الانسان بعد العلم به علي التكلّم بمقتضي الحال و صوغ الكلام بطريقة تبيّن مافي نفسه من المقاصد و توصل الامر الذي يريده الي نفس السامع و يحترز برعايته عن الخطاء في تأدية المعني المراد.

و الغرض من علم البيان الاحتراز عن ان‏يكون الكلام غير واضح الدلالة علي المعني المراد اي عن التعقيد المعنوي.

و فائدة علم البديع القدرة علي تحسين الكلام تحسيناً عرضيّاً اذ التحسين الذاتي يحصل برعاية المطابقة و وضوح الدلالة و لذلك قيّدنا في تعريفه «بعد رعاية المطابقة و وضوح الدلالة».

 

«* المعاني صفحه 2 *»

فالكلام باعتبار «البيان» يقال انّه فصيح و باعتبار «البيان و المعاني» يقال انّه بليغ. و لااعتبار للبديع في الفصاحة و البلاغة لانّه امر خارج عن ذاتيّات الكلمات عارض عليها.

فعلي ذلك يلزم علينا ان‏نقدّم قبل الشروع في البحث عن هذه العلوم الثلاثة مقدّمةً نبحث فيها عن معني «الفصاحة و البلاغة» فانّ الغرض الاصلي و الهدف الرئيسي من هذه العلوم ايقاف الطالب علي تحقيقات و ملاحظات و اسس و ضوابط اذا راعاها الطالب في خطابه و كلامه و كتابه بلغ مقصوده من سهولة فهم مراده و ايصاله الي ذهن السامع و اتّصف بذلك بصفة «الفصيح و البليغ». فاللاّزم معرفة الفصاحة و البلاغة ابتداءً فانّهما المحور في هذه العلوم الثلاثة.

مقدّمة و فيها مطلبان

المطلب الاوّل في الفصاحة

الفصاحة لغةً:

قال في المعيار: «الفصح و الفصاحة في اللسان كفلس و سحابة: الطلاقة فيه و اداء الحروف و الكلمات علي احسن مايكون، مصدران من فصُح ككرُم و هو فَصْحٌ ج فِصاح كسهم و سِهام و فصيح ج فُصَحاء كحكيم و حكماء و فِصاحٌ كعظيم و عِظام و فُصُح كسرير و سرر و هي فصيحة ج فَصائحُ ككتيبة و كتائب و فِصاحٌ كسمينة و سِمان. و الاعجمي فصاحة ايضاً: جادت لغته حتّي لايلحن في تكلّمه بالعربيّة و فُهِمَ عنه. او كان عربيّاً فازداد فصاحته كتفصّح علي تفعّل عن بعضهم. واللبنُ: اذا اخذت عنه الرَغوةُ و هو فصيح ايضاً و كلام فصيح: بيِّنٌ لا سِتْرَ عليه و لفظ فصيح: ايضاً الّذي يدرك حسنه و ماافصحه: افعل تعجّب من الفصاحة و هو افصح منه افعل تفضيل منها و هي فُصحي كأكبر و كبري.

و قال فيه: اَفْصَحَ العجمي اِفصاحاً: تكلّم بالعربيّة. و قال ايضاً اَفْصَحَ الصبحُ: بَدا ضوءُه الي ان‏قال: اَفْصَحَ فلان‌ٌ عن مراده: اظهره و بيّنه. و الشي‏ء: وَضَحَ و كلّ واضحٍ مفصِحٌ كمحسن و فصحك الصبح فصحاً كنفع: بان لك و غلبك ضوئه» انتهي.

 

«* المعاني صفحه 3 *»

و قال اللّه تعالي في كتابه حكايةً عن موسي7 و اخي هرون هو افصح منّي لساناً و قال تعالي ايضاً حكايةً عنه و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي و قال سبحانه حكايةً عن فرعون ام انا خير من هذا الذي هو مهين و لايكاد يبين و قدكان في لسان موسي عقدة و ارتفعت بعد النبوّة و انّماقال ذلك فرعون لمارأي من حاله الاوّل ولكنّ اللّه قد اعطي موسي سؤله و اخبر عن ذلك بقوله لقد اوتيت سؤلك يا موسي و في الخبر قال7اعربوا حديثنا فانّا قوم فصحاء فظهر من جميع ذلك انّ الفصاحة تطلق لغةً علي البيان و الظهور و التعبير عمّا في النفس علي وجه الصواب دون الخطاء.

الفصاحة اصطلاحاً:

و امّا الفصاحة في الاصطلاح فهي عبارة عن فضل صوري للكلام يعبّر عنه بالفصاحة و السلاسة و الجزالة و غيرها من المحاسن الصوريّة و تحصل للكلام من حيث النظر الي اقتضاء المقام بعد رعاية التناسب بين المعاني و الكلمات و لها درجات و ليس لها حدّ محدود يعرفه الناس و يقفون عليه. بل هي امر فطري يتفاضلون فيها حسب تفاضلهم في الادراك و الاحاطة فانّ واحداً من اهل البوادي كان‏يتكلّم بمقتضي فطرته و كان فصيحاً ولكن بلاعلم بمحاسن كلامه فمن عرف المحاسن يقدر ان‏يأتي بها و يجعلها في كلامه. فالفصاحة بهذا الاعتبار امر علمي ان‏عرفت عرفت و ان لم‏تعرف فهي مجهولة و ليست هي من خواصّ اللغة العربيّة وحدها و من خواصّ الماضين منهم بل هي من كمال كلّ لغة و كلّ لسان و توجد في كلّ عصر و كلّ زمان. و امّا البحث عن حقيقتها علي مارأي مشايخنا العظام اعلي‏اللّه‏مقامهم فسيأتي في المطلب الثاني ان‏شاءاللّه تعالي.

مجمل القول: الفصاحة عبارة عن الفضل الصوري و الكمال الظاهري للكلام يجعل الالفاظ بيّنة ظاهرة متبادرة الي الفهم سليسة جزيلة مأنوسة الاستعمال بين اهل‏اللغة فتوصف بها الكلمة و الكلام و المتكلّم و يقال:« كلمة فصيحة» اذا اعتبرها المعتبر وحدها و يقال:« كلام فصيح» عند اعتبار الالفاظ مركبّةً مسبوكة علي سبك حسن و يقال:« متكلّم فصيح» عند ملاحظة الحالة الفطريّة او الملكة الاكتسابيّة في الشخص

 

«* المعاني صفحه 4 *»

التي بها يقتدر علي التعبير عمّافي نفسه من المقاصد و الاغراض بكلام فصيح.

و الفرق بين «الحالة» و «الملكة» علي مابيّنه شيخنا الاوحد اعلي‏اللّه‏مقامه هو «ان تكرّر الافاعيل بحيث تقع بغير توجّه جديد و قصد خاص يوجب حدوث الملكات لانّ الذوات تتّصف باثار افعالها فتلك الصفة ان قرّت بكثرة تكرّر تلك الافعال حتّي كانت كالطبيعة الثانية بل طبيعة ثانية سمّيت «ملكة» اي قوّة و قدرة و ان لم‏تستقر لعدم دوام الفعل بل يقع غيره سمي «حالاً» انتهي.

فالذي ليست صفة الفصاحة راسخة ثابتة في نفسه بل تكون حالة فيها يسمّي فصيحاً لغةً اي حين يفصح في كلامه و امّا صاحب ملكة الفصاحة اي الذي يقتدر بها ان‏يعبّر عن كلّ ماقصده من اي نوع من المعاني كالمدح و الذم و الرثاء و غير ذلك بكلام فصيح يسمّي فصيحاً في الاصطلاح.

فصاحة الكلمة:

فصاحة الكلمة عبارة عن تكوّنها من حروف متألفة سهلة مع وضوح معناها و كثرة تداولها علي السنة اهل‏اللغة و توافقها للقواعد الصرفيّة السماعيّة منهم فبذلك تسلم مادّتها و صورتها و معناها من الخلل. فالكلمة الفصيحة هي الخالصة من العيوب الاتية:

1ـ من تنافر الحروف ليسهل علي اللسان النطق بها و لاتثقل علي السمع كلفظ اسد فانّه اخفّ من لفظ فدوكس.

فتنافر الحروف يوجب ثقل الكلمة علي السمع و صعوبة ادائها باللسان و هو نوعان:

نوع شديد في الثقل كـ الظشّ للموضع الخشن و كـ هُعْخُع لنبت ترعاه الابل. قال اعرابي: تركت ناقتي ترعي الهُعْخُع.

و نوع خفيف في الثقل كـ النقنقة لصوت الضفادع و النقّاح للماء العذب الصافي و نحو مُستشزِرات اي مرتفعات في شعر امري‏ءالقيس يصف شعر ابنة عمّه:

 

«* المعاني صفحه 5 *»

غدائره مستشزرات الي العُلا   تضلّ العقاص في مُثنّي و مُرسَل([1])

و لا ضابط للتنافر و معرفة الثقل و الصعوبة و مرجع ذلك الي الذوق السليم فيمكن ان‏يحصل التنافر بسبب تقارب مخارج الحروف احياناً او تباعدها احياناً كما انّ قرب مخارج الحروف لايوجبه دائماً و تباعدها لايوجب خفّتها دائماً.

2ـ من غرابة الاستعمال و هي كون الكلمة غير ظاهرة المعني و غير مألوفة الاستعمال.

امّا الاوّل فيحصل من تردّد الكلمة بين معنيين او اكثر و استعملها المتكلّم من دون قرينة كالالفاظ المشتركة كـ مُسَرّج في قول رؤبة بن العجاج:

و مُقلة و حاجباً مُزجَّجا   و فاحما و مَرسِناً مُسَرِّجاً([2])

فانّه اوجب حيرة السامع في فهم المعني المقصود منه هل اراد انّ انفه في الاستواء و الدقّة كالسيف السُريجي ام اراد انّه في البريق و اللمعان كالسراج و لا قرينة في الكلام حتّي ترفع الحيرة و تعيّن المعني المراد. اضف الي ذلك ان فعّل بالتشديد تدلّ علي مجرّد نسبة شي‏ء لشي‏ء لا علي النسبة التشبيهيّة. فكانت الكلمة غير ظاهرة الدلالة.

 

«* المعاني صفحه 6 *»

و امّا اذا استعملها المتكلّم مع القرينة فلا غرابة فيه كقوله تعالي فالذين امنوا و عزّروه و نصروه فانّ «عزّر» من الاضداد و مشترك بين لامه و ضربه اشد الضرب و فخّمه و عظّمه. ولكن قرينة السياق تدلّ علي التفخيم و التوقير.

و امّا الثاني اي كونها غير مألوفة الاستعمال عند العرب الفصحاء بأن‏يحتاج السامع في فهم المراد الي التتبّع و التفتيش في قواميس اللغة المطوّلة نحو قول عيسي‏بن‏عمرو النحوي حين سقط عن دابّته و اجتمع الناس حوله مالكم تكـأكـأتم علي كتـكأكئـكم علي ذي جِنّةٍ اِفرَنقـِعوا عَنّي. فانّ« تكأكأتم» بمعني اجتمعتم و« افرنقعوا» بمعني انصرفوا فقال بعض الناس لبعض دعوه فانّ شيطانه يتكلّم بالهنديّة. و نحو قول بشربن‏عوانة يصف الاسد:

فَخَرَّ مُدَرّجاً بدم كانّي   هدمتُ به بناءً مُشْمَخِرّاً

اي بناء عالياً و هذا النوع من الغرابة قديعثر الباحث علي تفسيره في المتون اللغويّة بعد كدّ و بحث و منها ما لم‏يعثر علي تفسيره نحو قول ابي الهَميسَع:

من طمحة صبيرها جَحْلَنْجَع   لم يَحُضْها الجَدول بالتنوّع

فقال صاحب القاموس: ذكروا جحلنجع و لم‏يفسّروه و قالوا كان ابوالهميسع من اعراب مدين و كنّا لانكاد نفهم كلامه انتهي. و طمحة: النظرة. و الصبير: السحاب المتراكم.

3ـ من مخالفة القياس الصرفي المطّرد عند اهل‏اللغة و الثابت في العرف العربي الصحيح و ان‏خالفت القوانين المستنبطة التي هي آراء الصرفيّين و اجتهاداتهم فانّهم حكموا بشذوذ كلّ كلمة خالفت قوانينهم و جعلوها مستثني من قواعدهم ولكنّ الحق ان كلّ كلمة ثبتت مادّتها و صورتها عن العرف العربي الصحيح فهي فصيحة و ان‏خالفت الاراء و القياسات المستحدثة الصرفيّة. و كلّ كلمة تكون علي خلاف ذلك فهي غيرفصيحة كقول ابي‏النجم:

الحمد للّه العلي الاجلل   الواحد الفرد القديم الاول

 

 

«* المعاني صفحه 7 *»

فالاجلل علي خلاف القياس المطّرد لانّ القياس فيه الاجلّ بالادغام و لا مسوّغ لفكّه فهو غيرفصيح. و كقول جميل:

الا لااري اثنين احسن شيمة   علي حَدَثان الدهر منّي و من جمل

فانّ القياس في همزة «اثنين» ان‏تكون وصلاً و الشاعر اخذها قطعاً و خالف القياس الشايع الثابت فيها. و الشيمة: الخُلق. و الحدثان: نوائب الدهر. و جمل: فرس الشاعر.

و امّا ماحكموا بشذوذه الصرفيّون كـ ابي يابي و قالوا القياس في مضارعه الكسر. و عَوِرَ يَعوَرُ و قالوا القياس عار يعار. و آل و ماء و قالوا القياس اهل و موه. و المشرق و المغرب (بكسر الراء فيهما) و قالوا القياس فتحهما. و المُدهُن و المُنخُل و قالوا القياس فيهما كسر الميم و فتح العين. و امثالها فكلّها فصيحة لانّها مستعملة لدي العرب الفصحاء.

4ـ من الكراهة في السمع حتي لاتكون وحشية تأنفها الطباع و تنبو عنها الاسماع كالجرشي بمعني النفس في قول ابي‏الطيّب المتنبّي يمدح سيف‏الدولة:

مبارك الاسم اغرّ اللقب   كريم الجرشي شريف النسب

الخلاصة:

فصاحة الكلمة عبارة عن سلامتها من «تنافر الحروف» و من «غرابة الاستعمال» و من «مخالفة القياس المطّرد» و الصورة الثابتة عند العرب الفصحاء و من «الكراهة في السمع» اي الابتذال.

فصاحة الكلام:

امّا فصاحة الكلام فسلامته ممّايبهم معناه بعد فصاحة مفرداته. و مرجعها الي الذوق السليم و رعاية القواعد النحويّة حتّي يكون واضح المعني حسن السبك سهل الالفاظ عذب الاسلوب و تختلف درجات الفصاحة في عبارات الادباء حسب اختلاف اساليبهم الادبيّة. و قدذكروا ممايخلّ بفصاحة الكلام ستّة عيوب:

تنافر الكلمات مجتمعةً و ان كان كلّ كلمة منها فصيحة علي انفرادها ولكن

 

«* المعاني صفحه 8 *»

تركيب بعضها مع بعض بحيث يوجب الثقل علي السمع و العسر علي اللسان في النطق بها مركبةً يجعل الكلام غير فصيح كتركيب كلمات متقاربة الحروف او تكرير كلمة واحدة مثل قول قاتل حرب‏بن‏اميّة:

و قبر حرب بمكان قفر   و ليس قُرْبَ قَبْرِ حَرْب قَبْرٌ

قفرٌ: خالٍ من الماء و الكلأ. و «قبرٌ» فاعل «ليس» المؤخر، و «قربَ» حالها المقدّم و الشطر الثاني من البيت كلماته فصيحة منفردةً و غيرفصيحة مجتمعةً لقرب مخارج حروفها فاحدث ثقلاً ظاهراً بحيث قيل لايمكن انشاده ثلاث مرات متوالية الاّ و يغلط المنشد فيه.

و مثل قول ابي‏تمام:

كريمٌ متي اَمْدَحْهُ اَمْدَحْهُ و الوَري   معي و اذا ما لُمْتُهُ لُمْتُهُ وَحْدي

فالشطر الاول من البيت غير فصيح للتكرير اوّلاً و للتنافر بين الحاء و الهاء في «امدحه» ثانياً و هما من حروف الحلق.

ضعف التأليف بأن‏يكون الكلام علي خلاف القوانين النحويّة و التراكيب المعتبرة عند العرب الفصحاء نحو:

لو اَنَّ مجداً اخلد الدهر واحداً   من الناس ابقي مجده الدهر مُطْعِما

و «مطعم» احد رؤساء المشركين و كان‏يدافع عن النبي 9 فانّ الكناية في «مجده» راجعة الي مطعم و هو متأخّر في اللفظ و في الرتبة لانّه مفعولٌ‏به و هذا مخالف لقواعد النحو كذا قالوا.

ولكنّ الحق ان‏يقال انّ الشاعر خالف التركيب المعروف و هو توسط المفعول اذا كان في الفاعل كناية المفعول نحو اذا ابتلي ابراهيم ربّه و نحو لاينفع الظالمين معذرتهم و لاينحصر تأخّر مرجع الكناية فيماقالوه فانّ المدار في هذه التراكيب علي السماع فانّ بعضهم قدمنع مثلاً من ابدال المظهر من الكناية لانّه يوجب الاضمار قبل ذكر المرجع لفظاً و رتبةً فانّ البدل متأخّر عن المبدل‏عنه لفظاً و رتبةً و لكنّ الحق انّه جايز عند

 

«* المعاني صفحه 9 *»

الفصحاء و لايصغي الي ماقيل من عدم جوازه بعد وروده في كلام‏اللّه تعالي الذي بلغ في الفصاحة و البلاغة حدّ الاعجاز كمابلغه ايضاً في سائر جهاته. قال‏اللّه تعالي: لقدكان لكم في رسول‏اللّه اسوة حسنة لمن كان‏يرجو اللّه و قال سبحانه: تكون لنا عيداً لاوّلنا و اخرنا و نحو:

خَلَتِ البلادُ من الغزالة ليلها   فاَعاضَهاكَ اللّه كي لاتحزنا

(اعاض فلاناً: اعطاه عِوَضاً) فانّ وصل الكنايتين و تقديم غير الاعرف منهما علي الاعرف في قوله «فاعاضهاك» جار علي خلاف التراكيب المشهورة كقوله تعالي: فسيكفيكهم اللّه و قوله: انلزمكموها و قوله: ان‏يسألكموها. و هذا هو الذي جعل البيت غيرفصيح لا ماقالوا فيه من وجوب الفصل بين الكنايتين فانّ معني الوجوب عدم صحة الوصل و اذا لم‏يصح الوصل فالبيت غلط و خارج عن محل البحث كوجوب رفع الفاعل و نصب المفعول فمن جرّ الفاعل و رفع المفعول في كلامه فكلامه فاسد غيرمعتبر و محل البحث التراكيب الصحيحة غير الجارية علي التراكيب المشهورة عن الفصحاء من العرب.

التعقيد اللفظي بأن‏تكون الالفاظ مترتّبة علي غير ترتيب المعاني المرادة و موضوعة في غير المواضع اللاّئقة بها في الجملة فانّ ذلك يوجب اختلال المعني و اضطرابه كالتقديم و التأخير في غير مواضعهما المشهورة او الفصل بأجنبي بين الكلمات التي ينبغي ان‏تتجاور و يتّصل بعضها ببعض نحو قول المتنبّي:

جَفَخَتْ و هم لايَجْفَخُونَ بها بهم   شِيَمٌ علي الحسب الاَغَرِّ دلائل

جفخت: اي افتخرت. و مراده «جفخت بهم شيم دلائل علي الحسب الاغرّ و هم لايجفخون بها» و شيم: جمع شيمة و هي الخُلُق و الطبيعة و العادة. و الاغرّ: الحسن و السيد الشريف.

التعقيد المعنوي بأن لايفهم من الكلام المعني المقصود الاّ بعد التفكير الطويل و ذلك يحصل للكلام بسبب ذكر اللوازم البعيدة للمعني المراد مع عدم نصب القرائن

 

«* المعاني صفحه 10 *»

الدالة عليه فيوجب عناء الذهن بانتقاله من معني الي معني و طي الوسائط الكثيرة حتي ينتهي الي المقصود كتغيير الكنايات المشتهرة عند العرف عن معانيها العرفيّة و استعمالها في الاغراض الخاصّة البعيدة عنها من دون ايراد القرائن المبيّنة لتلك الاغراض. و ذلك هو التعقيد المعنوي الذي يجعل الكلام خفي الدلالة علي المعني المراد كقول عباس‏بن‏الاحنف:

سَأَطْلُبُ بُعْدَ الدّارِ عَنْكُمْ لِتَقْرُبُوا   و تَسْكُبُ عيناي الدّموع لِتَجْمُدا

فانّ «سَكْبَ الدموع» كناية عن الحزن و الكَمَد (شدّة الحزن) الحادثين من فراق الاحبّة و كذلك المعروف في كلام العرب انّ «جمود العين» كناية عن عدم البكاء حالة الحزن كمافي قول الخنساء:

اَعَيْنَي جُودا و لاتَجْمُدا   اَلا تَبْكِيانِ لِصَخْرِ النَّدي

و لم‏يعهد في كلام العرب ان‏يدعو شخص لشخص بالسرور و يقول جَمُدت عينُك ولكنّ الشاعر عباس‏بن الاخنف‏جعل جمود العين كناية عن سروره و فرحه بلقاء احبّته و كقول زهيربن‏ابي‏سلمي في معلّقته التي هي الثالثة من المعلّقات:

و مَن لم‏يَذُدْ عن حَوْضه بسِلاحه   يُهَدَّمْ و من لايَظْلم النّاسَ يُظْلَم

الذود: الكفّ و الردع، و استعار «الحوض» للحريم حيث كنّي بـ«الظلم» عن المحافظة علي الحقوق و حماية الحريم و عني انّ من لم‏يحم حريمه استباح الناس حريمه و من لم‏يحافظ علي حقوقه يظلمه الناس و هذا المعني بعيد من الكلام فحدث بذلك التعقيد المعنوي في هذا البيت.

5 ـ كثرة التكرار بغير فائدة كتكرار الفعل او الاسم الصريح او الكناية او الحرف في الكلام من غير داعية الي ذلك فانّ مبني كلام كلّ عاقل علي الاختصار بحيث مهمايمكن له ان‏يتكلم بالكناية المتصلة لايتكلم بالكناية المنفصلة بل لايتكلم بكلام الاّ في وقت لاينبغي له الصمت و كذا لايكرّر في كلامه الاّ حين يقتضي المقام و الحال التكرير كيف و قدقال مولانا اميرالمؤمنين7 فيمانسب اليه:

 

«* المعاني صفحه 11 *»

فلا تُكْثِرَنَّ القولَ في غير وقته   و اَدْمِنْ علي الصَّمتِ المَزَيِّنِ للعقلِ
يموت الفتي من عثرةٍ بلسانه   و ليس‏يموتُ المرءُ من عثرة الرِجْلِ
فلاتكُ مِبثاثاً لقولك مُفشيا   فتستجلب البغضاء من زلّة النَعلِ

فتكرار الاسم كقوله:

انّي و اَ سْطارٍ سطرنَ سطراً   لَقائلٌ يا نصرُ نصر نصرا

و كقول ابي‏تمام في المديح:

و كأنّه في اجتماع الروح فيه له   في كلّ جارحة من جسمه روح

حيث كرّر الكناية.

6 ـ تتابع الاضافات بأن‏تتداخل الاضافات و تتابعت كقول ابن‏بابك:

حَمامَةَ جَرعا حَومةِ الجندلِ اسْجَعي   فا نتِ بمرأي مِن سُعادَ و مَسْمَع

جرعا: مؤنث الاجرع و هو المكان ذوالحجارة السود او مكان الرمل الذي لاينبت شيئاً. و حَومة: معظم الشي‏ء. و الجندل: (بسكون النون) الحجر و هو بمعني الجَندِل (بفتح النون و كسر الدال) مكان الحجارة. و سجعت الحمامة: هدرت و ردّدت صوتها. يقول: اِسجعي ياحمامة ارض قفرة سبخة فانّ سعاد تراك و تسمعك.

الخلاصة:

فصاحة الكلام هي خلوّه من «تنافر الالفاظ مجتمعة» و «ضعف تركيبه النحوي» و «التعقيد اللفظي» و «التعقيد المعنوي» و «كثرة التكرار» و «تداخل الاضافات».

المطلب الثاني: في البلاغة

البلاغة لغةً:

قال في المعيار، ملخّصاً: «بَلَغَ الكتاب: وَصَلَ و المصدر كسَحاب و سُرورـ و زيدٌ المكانَ: وصل اليه و كذلك اذا شارف عليه ـ و الثِمار: اَدْرَكَتْ و نُضِجَتْ و ابلغه ابلاغاً: اَوْصلَه كـ بلّغه تبليغاً و شي‏ء بالغٌ كفاعل: جيّدٌ و امر اللّه بَلْغٌ كفلس: اي بالغ نافذ يبلُغ اين (اينما ظ ) اُريدَ به. من قوله تعالي انّ اللّه بالغ امره و بَلُغَ بَلاغةً كضَخُمَ ضَخامَةً: اذا كان

 

«* المعاني صفحه 12 *»

فصيحاً طَلِقَ اللسان. فهو بليغ ج بُلَغاء كحكيم و حكماء و البليغ: الفصيح يبلغ بعبارته كنهَ ضميره و البُلْغَةُ كغُرفة: مايُتَبَلَّغُ به من العيش اي يكتفي.» انتهي

فـ البلاغة في اللغة هي الوصول و الانتهاء و النفوذ و الجودة و الاكتفاء و التعبير عمّافي الضمير بأحسن مايمكن.

البلاغة اصطلاحاً:

هي فضل معنوي للكلام يحصل له من جهة المعاني التي يشتمل عليها الكلام التي هي في الالفاظ كالروح في الجسد فيكون الكلام بذلك بالغاً في تأدية المراد علي اكمل وجه بجميع جهاته واقعاً في محلّ لايسع لغيره.

و بعبارة اخري هي كمال باطني يحصل للكلام من حيث النظر الي المعاني و ملاحظة المناسبة بينها و بين الكلمات فعلم انّ اي‏لفظٍ ادلّ علي المعني المقصود و اي‏لفظٍ دالّ عليه و اي‏لفظٍ غير دالّ عليه و اي‏لفظٍ متشابه؛ الي غير ذلك من المناسبات و الملاحظات بين المعاني و الكلمات.

و لمّاكان الظاهر فرع الباطن و الصورة فرع المعني فالفضل الصوري و الكمال الظاهري يحصلان للكلام اذاحصل له الفضل المعنوي و الكمال الباطني والاّ فلايكون الكمال الصوري كمالاً بل يكون نقصاً و يحسب قبحاً كبدن مصنوع من الذهب او الفضّة علي نهاية الاعتدال في الصورة فلايكون انساناً بالغاً في الانسانيّة فكذلك الالفاظ فمن‏جَمَعَ الكلمات السليسة و الالفاظ الجزيلة و كتبها بلاربط معنوي بينها او تنطّق بها واحداً بعد واحد من دون ايّه‏مناسبة بينها لايعدّ هذا الكاتب او الناطق فصيحاً بليغاً و لايتّصف كلامه ايضاً بفصاحة و بلاغة ابداً بل يعدّ سفيهاً و كلامه ركيكاً قبيحاً. لانّ كلامه ميّت لا روح فيه و لا حيوة له. و بالعكس اذا كان الكلام له معني صحيح ولكنّ الفاظه غيرسليسة و كلماته غيرجزيلة يؤخذ به و يحسب حيّاً كبدن حي غير جميل فانّه انسان و يكرم كسائر الاناسي.

فالكلام اذا كان له معني مناسب كان حيّاً ذاروح و اذا كان له المحاسن اللفظيّة مع

 

«* المعاني صفحه 13 *»

تلك الحيوة يكون الكلام فاضلاً فصيحاً حيّاً و الي ذلك المحنا عند البحث عن الفصاحة «بعد رعاية التناسب بين المعاني و الكلمات».

و لها درجات تتفاضل فيها حسب تفاضل الالفاظ من جهة معانيها و تناسبها معها فكلّما تكون المعاني جليلة موافقة للواقع و دقيقة و يناسبها الالفاظ بموادّها و صورها و واقعها و خصوصياتها مع محاسنها اللفظية يكون الكلام بليغاً فصيحاً جليلاً.

حقيقة الفصاحة و البلاغة

لقدوعدنا في المطلب الاوّل ان‏نبحث عن حقيقة الفصاحة في هذا المطلب فنبحث عن حقيقة الفصاحة و البلاغة علي ماوصل الينا من مشايخنا و موالينا و معتمدينا و محيي نفوسنا و منوّري قلوبنا الناطقين بالحق و الصواب في الفروع و الاصول و المتمسّكين في كلّ الاحوال و العلوم بحبل اللّه المتين و الآخذين اصولهم و فروعهم من مشكوة انوار الائمّة الطاهرين سلام‏اللّه عليهم‏اجمعين.

فنقول تمهيداً: لا شكّ انّ الكلام اثر صادر من المتكلم يصدر منه بتحريك آلات الكلام و ضغط الهواء من الجوف مناسباً للمعني الذي في نفسه. و المعني الذي يناسبه الكلام شبح مقصود المتكلّم لانّه توجه الي المقصود فانطبع في نفسه شبحه كالصورة في المراة فيسمّي ذلك الشبح بالمعني.

و المقاصد هي الاشياء المتمايزة في الخارج و جميع المميّزات ينتهي الي الكيفيّات الاربع و يشيع فيها. و النفس اذا ادركت مدركاً ادركته متميّزاً عن غيره في قواها و مشاعرها و لمّاكانت درّاكة مطلقة في نفسها ادركته بحقيقتها شيئاً مشاركاً مع غيره في طبعه فانّ جميع اصناف المدركات يشيع فيها و يتشاكل اذا اجتمع لديها فيها كمشاركة الحمرة و السرعة في معني الحرارة و اليبوسة و البياض و اللين في البرودة و الرطوبة. فاذا يمكنها التعبير عن خصلة بمشاركها لأهل عرصة المشارك و صحّ تعبيرها بذلك ثمّ تقدّره بسائر تقاديره علي حسبه فيصير التعبير دالاً عليه مناسباً له موافقاً معه و لولا ذلك الادراك الاطلاقي فيمكّن ان‏تعبّر عن مقتضي النار بأحدي مقتضيات الماء او بالعكس

 

«* المعاني صفحه 14 *»

فيكون التعبير غيرموافق و غيرمناسب.

ثمّ نقول بعد ذلك التمهيد: انّ المعني في اللفظ كالروح في الجسد بل هما الروح و الجسد حقيقة فانّ المعني امر نفساني دهري فيكون روحاً و اللفظ امر جسماني زماني قدصيغ من مادّة زمانية و صورة زمانية لظهور الروح به و تمكّنه فيه فيكون جسداً فكلّ حكم نثبته للروح و الجسد يلزم علينا ان‏نثبته للفظ و المعني.

قال سيّدنا الاجلّ اعلي‏اللّه‏مقامه: «انّ الاصل في الاشياء هو الذوات و المعاني و لمّا انّ المعاني حقائق عينية و ذوات غيبية احتيجت لاظهارها و ابرازها و ترتّب الاثار و الاحكام عليها الي مظاهر و مرايا فخلق اللّه سبحانه هذه الالفاظ مرايا لتلك المعاني كماخلق الاجسام مرايا للارواح و العقول فألّف لكلّ معني لفظاً يناسب ذلك المعني بصفاته من الجهر و الهمس و الحرارة و الرطوبة و البرودة و اليبوسة و التقديم و التأخير علي ترتيب محكم و نظام متقن بتمام الصنيعة (ظ) و بديع الفطرة فاذا اطّلع عليها العارف يقطع بانّ هذا فعل حكيم عالم كريم لكن و كأيّن من اية في السموات و الارض يمرّون عليها و هم عنها معرضون، و يضرب اللّه الامثال للناس و مايعقلها الاّ العالمون، قل انظروا ماذا في السموات و الارض و ماتغني الايات و النذر عن قوم لايؤمنون و من الايات العظيمة خلق اللغات علي طور غريب و نظم عجيب و حكايتها للمعاني و توصيفها لها علي اكمل وجه و اعظم حال». انتهي

و قال اعلي‏اللّه‏مقامه في موضع اخر: «اعلم انّ اللّه سبحانه قداستوي برحمانيّته علي العرش فاعطي كلّ ذي‏حق حقه و ساق الي كلّ مخلوق رزقه و قدقال سبحانه و تعالي و ما امرنا الاّ واحدة ثم شرح هذا المعني في الاية الاخري و قال انّ اللّه لايغيّر مابقوم حتّي يغيّروا مابانفسهم فخلق سبحانه و تعالي اوّلاً بلطيف صنعه مادة الالفاظ و حقيقتها و اصلها و هي هذه الحروف الثمانية و العشرون و هي تناسب كلّ لغة لكلّ طائفة كالتراب الذي خلقه سبحانه مادة صالحة لكلّ جماد و نبات و حيوان و انسان ثمّ صوّر تلك المادة علي الهيـٔت و الاوضاع و الهياكل التي توافق مقتضي كينونات كلّ

 

«* المعاني صفحه 15 *»

طائفة و كلّ قبيلة بالنوع كاللغة العربية و العجمية و التركية و الهندية و العبرانية و امثالها.

ثمّ صوّر ذلك النوع علي هيـٔت الاشخاص الجزئية كالتراب الذي جعل منه الانسان و منه الحيوان اي البهائم و جعل من الانسان زيداً و عمراً و بكراً و من البهائم فرساً و بقراً و غنماً و غير ذلك و في كلّ ذلك مناسبة ذاتية نوعية و شخصية في الصورة ذلك حكم اللّه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قدقال سبحانه و تعالي و من اياته خلق السموات و الارض و اختلاف السنتكم و الوانكم فصحّ لك انّ اختلاف اللغات من جهة الصور و الهيـٔت مع اتحاد المادة و تلك الهيـٔت تناسب صور الكينونات من المعاني من الذوات و الصفات و تناسب الكلّ مناسبة ذاتية فلاينافي المناسبة الذاتية اختلاف اللغات لتعدد الجهات و كثرة الاعتبارات فقيل ثمانية و قيل هشت و قيل ارط ذلك تقدير العزير العليم». انتهي

و بعد التدبّر في هذين النصّين النيّرين يظهر لكلّ باحث انّ المعني المراد هو الروح و ان اللفظ المعبّر به عنه هو الجسد و لاريب انه اذا كان هيئة الجسد مطابقة لهيئة الروح من كلّ جهة صلح لاستقراره فيه و صلح لان‏يُظهِر الروح منه جميع افعاله و صفاته و يصحّ الاستدلال به عليه من جميع جهاته و حدوده و اذا لم‏تكن مطابقة و كان فيه زيادة او نقيصة او تخالف او تضادّ بالذات او بالعرض لم‏يصلح لاستقراره فيه و لايمكن للروح ان‏يظهر منه جميع افعاله و صفاته و لم‏يصحّ الاستدلال به عليه.

و بعد هذا التمهيد فنقول: علي ذلك يمكننا ان‏نقول ان الجسد المطابق لكل روح جسد خاص واحد في ملك اللّه تعالي و لايعقل ان‏يكون له جسدان مطابقان له من كلّ جهة لانّ نسبة الشيئين الممتازين الي شي‏ء واحد لاتكون علي السواء و ان النسبة الواحدة المتساوية من كلّ جهة لاتكون ملاك الغيرية و التعدد فان كان احد الجسدين مطابقاً له كان الاخر غيرمطابق لامحالة فلابدّ و ان‏يكون لكل روح جسد خاص واحد مطابق له من كلّ جهة و امّا غيره من الاجساد فلايطابقه من كلّ جهة.

و كذلك نحكم بان لكل معني من المعاني لفظاً خاصّاً واحداً مطابقاً له من كلّ جهة

 

«* المعاني صفحه 16 *»

من جهاته و كلّ حيث من حيوثه و امّا غيره من الالفاظ المعبّرة عنه فلايطابقه من كلّ جهة بل يكون فيها زيادة و نقيصة و مخالفة و مضادّة بالذات او بالعرض. فاللفظ الخاص الواحد المطابق هو اوفق التعبيرات عنه و اصدقها عليه و اقربها منه و انسبها به و افصحها و ابلغها و اجزلها و لايوجد في عالم الالفاظ افصح و ابلغ و اكمل و انسب و ابين من ذلك اللفظ لذلك المعني. فهذه هي حقيقة الفصاحة و البلاغة.

و من هذا البحث نقدر ان‏نفهم قيمة كلام‏اللّه تعالي في الفصاحة و البلاغة و نعتقد انّ القران هو الكاشف الوحيد في ملك اللّه سبحانه عن مراداته عزّوجلّ و لايوجد في الملك نظيره و مثيله فصاحةً و بلاغةً و نظماً و ترتيباً و جزالةً و سلاسةً و تيسّراً و وقعاً و اثراً و خاصةً و شفاءً و استيلاءً علي الاشياء و هيمنة و قدرة و حكمة و اتقاناً و عظمةً و بهاءً و حلاوةً و طلاوةً و بداعةً و غضاضةً و رشاقةً الي غيرها من المحاسن الذاتية و العرضية و المادية و الصورية فقال سبحانه و هو اصدق‏الصادقين: ام يقولون تقوّله بل لايؤمنون فليأتوا بحديث مثله ان كانوا صادقين و قال تعالي ام يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات و ادعوا من استطعتم من دون اللّه ان كنتم صادقين و قال عزّوجلّ و ماكان هذا القران ان‏يفتري من دون اللّه ولكن تصديق الذي بين يديه و تفصيل الكتاب لاريب فيه من ربّ العالمين ام يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله و ادعوا من استطعتم من دون اللّه ان كنتم صادقين و قال تعالي و ان كنتم في ريب ممانزّلنا علي عبدنا فأتوا بسورة من مثله و ادعوا شهداءكم من دون اللّه ان كنتم صادقين فان لم‏تفعلوا و لن‏تفعلوا فاتّقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة اعدّت للكافرين و عن مشايخنا اعلي‏اللّه‏مقامهم في تفسير هذه الكريمة:« و اراد بقوله من مثله من مثل القران من الكتب المنزلة من السماء من التورية و الانجيل و الزبور و صحف ابراهيم و غيرها من الكتب فان لم‏يكن ساير الكتب السماوية التي نزلت من عنداللّه مثل القران كما لم‏يكن الرسل مثلي فيكف يمكن ان‏يكون كلام البشر مثل القران». انتهي و قال تعالي قل لئن اجتمعت الانس و الجن علي ان‏يأتوا بمثل هذا القران لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً

 

«* المعاني صفحه 17 *»

الي غيرها من الايات التي تحدّي اللّه سبحانه فيها بكتابه و جعله معجزة خالدة لصدق نبيّه الخالد 9 .

و ذلك فانّ اللّه تبارك‏وتعالي هو خالق كلّ شي‏ء و عالم بكلّ شي‏ء و محيط علي كلّ شي‏ء الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير فهو الذي خلق كلّ روح و خلق له جهات شتّي لايحيط بها الاّ هو فاحدث له مادة و صورة و لمادته حدوداً نوعية بها تمتاز عن ساير الانواع و جعل فيها اذكاراً لعللها و مباديها و اسبابها و احدث له ايضاً مادة شخصيّة و صورة شخصيّة و لصورته حدوداً شخصيّة من انواع الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و المكان و الوقت و الاجال و الاوضاع و النسب و القرانات و جعل فيه اذكاراً لماهو اعلي منه و ما يساوقه و مايتأخر عنه الي غير ذلك ممّا لايحيط بجميعها الاّ هو سبحانه و تعالي. و هو الذي يقدر علي ايجاد جسد موافق له من كلّ جهة المخصوص به و هذا الجسد واحد لاتعدّد فيه كجسد زيد المستقر فيه روح زيد.

فكذلك كلّ معني من المعاني فاذا عبّر اللّه عنه بلفظ كان كتعبيره عن روح زيد بجسد زيد فلايقدر احد من خلقه علي ان‏يعبّر عن هذا المعني بلفظ آخر مثل ماعبّر اللّه به عنه بل كلّ لفظ سواه امّا يزيد دلالته عليه او تنقص بالذات او بالعرض و امّا تخالفه او تضادّه في المادة او الصورة او في حدّ من الحدود او في نسبة من النسب او جهة من الجهات المتعلّقة بهذا المعني. فاللفظ المطابق له من كلّ جهة ليس في الملك الاّ الذي عبّر اللّه به عنه فهو افصح الالفاظ و ابلغها و اكملها.

فظهر ان كتاب اللّه تعالي جسد علمه و هو واحد و من عند الواحد ليس له في ملك اللّه نظير و قال 9 فضل القران علي ساير الكلام كفضل اللّه علي خلقه فلايقدر احد علي ان‏يتكلّم بمثل القران لانّه لايقدر علي ان‏يكون خالقاً عالماً حكيماً محيطاً قديراً عظيماً كبيراً وليّاً مثل اللّه سبحانه سبحانه سبحانه.

فالحاصل:

انّ الفصاحة و البلاغة تتفاضلان حسب تفاضل الالفاظ من حيث تطابقها مع

 

«* المعاني صفحه 18 *»

المعاني مع محاسنها اللفظيّة. فكلام كلّ متكلم علي حسب عقله و يتكلم علي حسب علمه و يرتّب الكلمات ترتيباً تدلّ علي مقاصده بحيث يعجز عنه من ليس له ذلك العلم و لم‏يبلغ تلك الدرجة من العقل. كما انّه لو اجتمع جميع العلماء من الاوّلين و الاخرين (من دون الكاملين) علي ان‏يأتوا بمثل شرح الزيارة لشيخنا الاوحد اعلي‏اللّه‏مقامه لم‏يقدروا عليه بل لم‏يتمكّنوا من فهمه و الوقوف علي مراده من سطر واحد منه و لايمكنهم ان‏يدركوا علة وضع كلمة منه موضعها و سرّها لانّهم ليس لهم معرفة الشيخ اعلي‏اللّه‏مقامه بحقائق المعاني و مناسبة الالفاظ لها فلربما يراجع ذلك الكتاب اديب سجّاع و يري انّ بعض الكلمات تخالف السجع و يحسب ان الفاظاً اخر بحفظ السجع اولي منها ولكن ذلك السجّاع لايفهم حسن الفاظه و موقعها من كتابه اعلي‏اللّه‏مقامه ابداً ابداً.

و نختم الكلام في هذا البحث بكلام من الشيخ اعلي‏اللّه‏مقامه في شرح الزيارة يناسب بحثنا ليكون ختامه مسكاً. قال ارواحناله‏الفداء و رحمنا اللّه به و بحبّه في شرح قوله7ذكركم في الذاكرين ما هذا لفظه الشريف:

«و اعلم انّ في لغة اهل‏البيت: فيمايتخاطبون به و يخاطبون به من علّموه بعض لغاتهم معاني لاتجري علي ظاهر اللغة العربيّة لانّ المعروف عنهم: انّ اللغة تصرف علي سبعين وجهاً في الكلمة الواحدة فقديسمّون الشي‏ء بمايخالف المعني المصطلح عليه ففي مثل مانحن بصدده و هو انّا قلنا ان قوله7 ذكركم في الذاكرين بدل اشتمال و قد يطلقون عليه بدل بعض من كلّ سواء قلت انه مجرد اصطلاح ام لمناسبة قويّة فانّك اذا قلت نفعني زيد علمه يقولون علمه بدل من زيد بدل اشتمال و هم: يطلقون عليه ماهو حكم بدل بعض من كلّ كمافي رواية حُمران‏بن‏اعيَن عن الصادق7 حين سأله فقال ياحمران كيف تركت المتشيّعين خلفك؟ قال تركت المغيرة و بنان‏البيان احدهما يقول العلم خالق و يقول الاخر العلم مخلوق. قال فقال7 لحمران فاي شي‏ء قلت انت ياحمران؟ قال فقال حمران لم‏اقل شيئاً. قال فقال ابوعبداللّه7أفلاقلت

 

«* المعاني صفحه 19 *»

ليس بخالق و لامخلوق؟ فقال ففزع لذلك حمران قال فقال فأيشٍ هو؟ قال فقال من كماله كيدك منك. هـ

فجعل7 العلم بعضاً من الشي‏ء فعلي هذا اذا قلت نفعني زيد علمه يكون علمه بدل بعض من كلّ و هذا معني صحيح لانّ علماء العربية انما قالوا بدل اشتمال لانّ زيداً مشتمل علي علمه و علي قوله7 ان زيداً جملة بعضها الجسم و بعضها العلم و بعضها العقل و بعضها الحواس الظاهرة و الباطنة و غيرذلك و لايعني ببدل البعض الاّ كون البدل بعضاً من جملة اسند العامل اليها اولاً فظنّ السامع ان حكم العامل واقع علي الجملة فبيّن المتكلم ان الجملة لم‏يسند العامل الاّ الي بعضها و انما اتينا بالكل لكونه مقوّماً للمسنداليه بخلاف بدل الاشتمال». انتهي موضع الحاجة من كلامه الغالي اعلي‏اللّه مقامه‏السامي.([3])

و يوصف الكلام و المتكلم بالبلاغة فيقال «كلامٌ بليغ» و «متكلمٌ بليغ» و لم‏يسمع توصيف الكلمة بها لانّها قاصرة عن الوصول بالمتكلم الي غرضه و مطلوبه.

بلاغة الكلام:

بلاغة الكلام عبارة عن مطابقته لمايقتضيه حال الخطاب مع فصاحة الفاظه فالكلام البليغ هو المطابق لمقتضي الحال و المقام. و المراد من الحال و المقام هو الامر الذي يحمل المتكلم علي ان‏يصوّر كلامه علي صورة مخصوصة دون اخري مثلاً«المدح» حال يناسب ايراد العبارة علي صورة الاطناب و «ذكاء المخاطب» حال يناسب ايراد الكلام علي صورة الايجاز. فالمدح و الذكاء كلّ واحد منهما يسمّي بـ «الحال و المقام».

المراد من المقتضي و يسمّي ايضاً الاعتبار المناسب هو الصورة المخصوصة التي يورد المتكلم عبارته عليها كالصورة الاطنابيّة في مقام المدح و الصورة الايجازيّة في مقام ذكاء المخاطب و ايراد الكلام علي تلك الصورة التي اقتضاها المقام عبارة عن

 

«* المعاني صفحه 20 *»

المطابقة للمقتضي.

فالبلاغة هي تصوير الكلام علي اساليب تناسب احوال المخاطبين و يتضمّن المعاني الجليلة مع تأليفه من الالفاظ الواضحة الجزيلة.

فاحوال المخاطبين التي تحمل المتكلم علي اختيار صورة خاصة من الصور تسمّي «حالاً و مقاماً» و الصورة الخاصة المختارة التي يلقي المتكلّم كلامه عليها تسمّي «مقتضي» و نفس تطابق الكلام الفصيح لمقتضي الحال و المقام تسمّي «بلاغة».

فظهر انّ العنصر الاصيل في الفصاحة هو «اللفظ» و العناصر الاصيلة في البلاغة هي «اللفظ و المعني و تأليف الالفاظ معاً تأليفاً يمنحها قوّة و تأثيراً و حسناً» فيختار المتكلم الكلمات و يصوّرها بصور مختلفة من الاساليب التخاطبيّة علي حسب مواطن الكلام و مواقعه و مواضعه المناسبة لاحوال السامعين بحيث تتملّك قلوبهم و تسيطر علي نفوسهم و مشاعرهم.

بلاغة المتكلم:

و هي عبارة عن الحالة الفطرية او الملكة الاكتسابية في الشخص التي بها يقتدر علي تأليف كلام بليغ فصاحب الحالة يسمي بليغاً لغةً اي حين يؤلّف كلاماً مطابقاً لمقتضي الحال مع فصاحته ولكن ليس له اقتدار علي ذلك في اي معني يقصده. وصاحب الملكة الثابتة و الصفة الراسخة يمكنه بواسطتها القاء عبارات بليغة في جميع المعاني التي يريد افادتها لغيره.

و لاتحصل ذلك للبليغ الاّ بالاحاطة باساليب العرب الفصحاء و معرفة سننهم في محاوراتهم و التفكير في المعاني الجليلة و الممارسة في التعبير عنها بكلمات رائعة و الفاظ بديعة مع قوة الابتكار و القدرة علي تنسيق المعاني و تحسين الترتيب في المناظرة و المفاخرة و المدح و الهجاء و الشكر و الثناء و غيرها من المواضع فان لكلّ مقام مقالاً فان الملكات الراسخة في النفوس لها شأن عظيم و مكانة جسيمة في ايجاد الشخصيّات و احياء الطاقات و اثارة الكوامن الفطرية. لانّ الملكة تؤدّي الي تغيّر الصورة و الشكل

 

«* المعاني صفحه 21 *»

فان‏كانت الملكة من النفس التي هي الامّارة بالسوء التي هي ضد العقل و من النفس الحيوانية الحسية الفلكية تغيّر الصورة حتي يحشر الرجل يوم‏القيامة سبعاً او خنزيراً نعوذباللّه منها و ليست تلك الملكة من ملكات الناطقة القدسية لانّ الناطقة لاتلبس شيئاً من صور الحيوانات بل الناطقة كماقال اميرالمؤمنين7: مقرّها العلوم الحقيقيّة الدينيّة موادها التأييدات العقليّة فعلها المعارف الربانيّة و قال7 في حديث كميل‏بن‏زياد: لها خمس قوي فكر و ذكر و علم و حلم و نباهة و ليس لها انبعاث و هي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية و لها خاصيتان النزاهة و الحكمة الحديث. فالنفس الناطقة لاتصدر عنها الاّ الملكات المقرّرة بصورة الانسانية التي هي صورة الاجابة و صورة الاجابة هي صورة الفطرة التي فطر الناس عليها.

و ان‏شئت ان‏تقف علي مكانة الملكات و قدرتها الصناعة و نفوذها الرائع فانظر الي هذا النص الصريح الكامل الجامع من القرية الظاهرة روحي‏له‏الفداء. قال الشيخ الاوحد اعلي‏اللّه‏مقامه:

«انّ من نظر بعين البصيرة و كانت له بصيرة و نور من عنداللّه بسبب قابليّته الظاهرة كالخلقة الصالحة و الباطنة (ظ) كالعمل و القلب المجتمع الي كلّ عامل لعمل و لصنعة و صانع كالكاتب و الشاعر و المنجم و الطبيب و الزارع و غيرهم يجد هيئات ابدانهم و تراكيب طبايعهم مناسبة لدواعي نفوسهم و هذا صحيح لاشبهة فيه فانّ الشاعر مثلاً طبيعته و هيئات مشاعره موزونة. الاتري انّه اذا اتي ببيت شعر و فيه زحاف([4]) غيرمقبول لم‏تقبله طبيعته و عرف صحته و فساده لانه يزنه بطبعه فلاينطبق عليه شي‏ء من الشعر المعوجّ والاّ فليس بشاعر لانّ طبع الشاعر موزون بوزن البحور

 

«* المعاني صفحه 22 *»

التي جري عليها طبعه او تطبّعه و ما لم‏يكن كذلك لم‏يتأتّ له الشعر حتي لو كان بحر لم‏يكن طبعه موزوناً به و لاتطبّعه لم‏يصدر منه فانّ العرب مع فصاحتهم و بلاغتهم ديوانهم الشعر و به يفتخرون و لم‏يقل منهم احد شعراً من بحر كان و كان مثل قول الشاعر:

من لاتري الشمس عينه و لاتري البدر مقلته
و لا الصباح المشرق ايش ينفعه قنديل
فانت ذا في اعتقادك تشرب علي هذا الظما
ماء البحار السبعة و لا تبلّ غليل([5])

و الحاصل انّ هذا شي‏ء ظاهر ليس فيه علي ظاهره اشكال و ان كان لونظرنا في حقيقة هذه المناسبة ظهر خلافه و هو انّه هل باعثها في البدن تصور النفس بتلك الملكة و تصور البدن علي ذلك تابع ام الباعث في النفس تصور البدن بتلك الهيئة لانّ صورته علي تلك الهيئة مقتضية لفعل النفس مايناسب تلك الصورة كما قال العلماء في قصّة السامري حيث صنع الذهب بصورة العجل فلما وضع في فمه التراب الذي قبضه من اثر حيزوم فرس الحياة خار ولو انّه صنعه انساناً و وضع في فمه التراب تكلم ولو صنعه كلباً نبح او فرساً صهل و ليس ذلك الاّ لانّ الروح تابعة في تشخّصها لتشخّص الجسد.

و قدتقدم من كلامنا رجحان الوجه الثاني و في قوله7 السعيد من سعد في بطن امّه و الشقي من شقي في بطن امّه اشارة او تصريح بذلك و كذلك فيماروي عنه7 ما معناه انّ النطفة اذا وقعت في الرحم امر تعالي ملكين خلاّقين فاقتحما بطن المرأة من فمها فيقولان يا ربّنا نخلقه ذكراً او انثي فيأمرهم بمااراد ثم يقولان يا ربّنا نخلقه سعيداً ام شقيّاً فيأمرهم بمااراد. و من عرف هذا و عرف انّ البدن تكون قبل الروح كما هو مذهب المحقّقين و انّها كالماء و الهواء تتقدّر و تتصور بهيئة الاناء ظهر له صحة الوجه الثاني و

 

«* المعاني صفحه 23 *»

قولنا انّ البدن تكون قبل الروح علي ما هو اختيار المحقّقين لاينافي مادلّ علي كونها قبل الابدان باربعة الاف سنة لانّ تقدم الارواح علي الابدان تقدم دهري و تقدم الابدان علي الارواح تقدم زماني و مثاله في الشاهد مامثّلنا به قبل ذلك بحبّة الحنطة التي هي اية الروح فانّها قبل العود الاخضر و السنبلة و ليس المسمّي للعود الاخضر هو الحبة لتعرّض المتعرض و انما المسمّي له هو النفس النباتية و انّ الحبة عدمت صورتها في العود الاخضر و بطل تركيبها و كمنت طبيعتها في غيب العود الاخضر حتي تلقح السنبلة فتظهر الحبة من غيب العود الاخضر علي حسب قوة العود و السنبلة و ضعفهما في القوة و الضعف فافهم و اقبل ماكشفت لك من الاسرار المكتومة عن الاغيار.» انتهي. اخرجنا النصّ بطوله لمافيه من الفوائد الثمينة و الحقائق الراهنة.

فالمتكلم البليغ هو الذي يعرف اقدار المعاني و يوازن بينها و بين منازل المستمعين و الحالات فيجعل لكلّ مورد من ذلك كلاماً و لكلّ حالة من تلك مقالاً حتي يقسّم اقدار الكلام علي اقدار المعاني و اقدار المعاني علي حسب المقامات و منازل المستمعين علي اقدار الحالات.([6])

و نسجّل هنا ايضاً كلاماً جليلاً من السيّد الاجلّ اعلي‏اللّه مقامه يناسب البحث فانّه اعلي‏اللّه مقامه بعد ذكر الاسفار الاربعة([7]) في المطلع الثالث من مقدمة شرح‏القصيدة و بيان حال السائرين في هذه الاسفار قال ما هذا نصّه المبارك:

«فالعلماء علي حسب سيرهم في تلك المنازل و المقامات تختلف مقاصدهم في تعبير العبارات و طي الاشارات و ابراز التلويحات … الي ان قال: فمن اكمل الاسفار فلاغاية لعلمه و لانهاية لسيره و يحمل كلمة واحدة الي ماشاءاللّه من انواع العلوم

 

«* المعاني صفحه 24 *»

لاسيّما اذا كان الكلام جارياً علي النظم الاعتدالي و الترتيب الطبيعي». انتهي.

تتميم:

فالامور اللازمة للمتكلم البليغ هي:

1ـ ان‏يكون صاحب طبع سليم و فطرة صادقة مستقيمة حتي يعرف بذلك حدّ التنافر كما يدرك بحواسه الظاهرة الطعوم و الارواح و الاشكال و غيرها من خواص الاشياء ان كانت حواسه صحيحة مستقيمة غيرمعوجّة فانّ الفطرة اذا كانت مستقيمة تدرك الواقع كما هو و علي ماهو عليه و ان كانت منحرفة فتدرك علي نحو تطبّعها فاذا كان المتكلم عالماً باللغة سليماً في الطبع يعرف حسن الكلمات و مافيها من وجوه البشاعة و مظاهر الاستكراه فانّ الانسان كمايَطْرَب لصوت البلبل كذلك ينفِر من صوت البوم و الغِربان و كمايسكن سمعه الي كلمتي «المُزْنَة» و «الديمة» للسحابة الممطرة لسهولتهما و عذوبتهما فكذلك ينبو سمعه عن كلمة «البُعاق» التي هي بمعناهما لانّها قبيحة تصكّ الاذن. فانّ الالفاظ اصوات. فبمعرفة اللغة و صحة الطبع و قوة التمييز يستطيع البليغ ان‏يحترز عن التنافر.

2ـ ان‏يكون عارفاً بالصرف ليعرف مخالفة القياس المتعارف المشهور بين اهل اللغة.

3ـ ان‏يكون عالماً بالنحو ليحترز عن ضعف التأليف و التعقيد اللفظي.

4ـ ان‏يكون كثيرالاطّلاع علي كلام العرب و الاحاطة علي المفردات المأنوسة ليحترز عن الغرابة.

5 ـ ان‏يكون عارفاً بعلم البيان ليجتنب عن التعقيد المعنوي.

6‌ ـ ان‏يكون عارفاً بعلم المعاني ليعرف الاحوال و مقتضياتها و يكون صاحب خبرة وافرة بكتب الادب للعرب و عاداتهم و احوالهم.

7ـ ان‏يكون عارفاً بعلم البديع ليعرف وجوه التحسين التي تكسو كلامه لَطافةً و رقّةً و رَشاقةً. فانّ اللغة العربية لسان منبسط واسع قدوضع فيها لكل مايحتاج الانسان الي

 

«* المعاني صفحه 25 *»

التعبير عنه لفظ او الفاظ فهذه اللغة تحكي جميع المعاني و حيوثها و جهاتها و تناسب الطباع المستقيمة و الفطرة السليمة و الفصاحة الكاملة و الطلاقة و الجزالة و الحلاوة و الملاحة و غيرها من الفضل مما لايحصي. و توافق الحقائق الخارجية علي حسب الخلقة الاولية و لذا قال شيخنا الاوحد اعلي‏اللّه مقامه: «من عرف زيد قائم عرف التوحيد بحذافيره» و قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه: «من عرف زيد قام قياماً عرف جميع اسرار الوجود».

خاتمة:

و نختم المقدمة بذكر كلام شريف من خازن من خزّان علوم اهل‏البيت: و وارث من ورّاث حكمتهم السيد الاجلّ اعلي‏اللّه مقامه تجليلاً للّغة العربية و تكريماً لهذا اللسان المبين. قال اعلي‏اللّه درجته في شرح‏الخطبة عند قوله7ارسله في العرب العرباء ماهذا نصه المبارك:

«العرب هو الفصيح الكامل البالغ في الفصاحة الواصل كمال درجة التوحيد المحدود بحدود الايمان المصور بصورة الانسان البعيد عن جهة الطغيان و مقتضيات الشيطان و لذا انزل القرءان باللغة العربية و لذا كانت لغة اهل الجنّة العربية و قدقال الامام الصادق7: انّ شيعتنا العرب و اعداءنا العجم قال اللّه تعالي: قرءاناً عربيّاً غير ذي‏عوج لعلكم تذكرون و في الحديث علي مارواه في المجمع انّ من ولد في الاسلام فهو عربي و فيه الناس ثلاثة عربي و مَوْلي و عِلْج فاما العرب فنحن والمولي فمن والانا و امّا العلج فمن تبرّأ منّا و ناصبنا و في حديث آخر نحن قريش و شيعتنا العرب و عدوّنا العُجْم و قدسمعت عن بعض المشايخ انّه قال انّ امرءالقيس لمّاحضرته الوفاة كان يتكلّم بالفارسية و يؤيده ما رواه في البحار عن اميرالمؤمنين7 انه اخرج رجلاً من قبره بعد موته حيّاً و كان يتكلم بالفارسية فسأله7 عن ذلك مع انّه مات عربياً قال لمّامتّ علي غير موالاتك انقلب لساني الي ماتري و قدورد عنه7علي مافي العيون انّ اهل النار يتكلمون باللغة المجوسية.

 

«* المعاني صفحه 26 *»

و بالجملة فالعرب هو الصفوة و المختار في كلّ عالم و هو المؤمن الحقيقي الطيب الطاهر المحدود بالصورة الانسانية في كلّ مقام بحسبه ففي النباتات الاشجار الطيبة و في المعادن معادن الجواهر و اليواقيت و في الحيوانات هي النافعة الطاهرة الغيرالموذية بانواعها و في الانسان هو الباقي علي احسن التقويم و في العالم الكلي هي السموات و في المجردات العقول و الملائكة و هكذا مؤمنوا الجن و كلّ عالم علي هذا الترتيب و العجم اضداد ذلك كلّه.

و الاصل في ذلك انّ اللّه سبحانه لّمااقام الخلق في العوالم الاول في الذرات و كلّفهم الست بربكم فمنهم من قال بلي و منهم من قال نعم فالاولون هم الاول و الاخرون هم الثاني. امّا الاول فمن جهة اللفظ و المعني و امّا الاول فلانّ العرب هو الظهور و الفصاحة و المعرفة و هذا شأن المقربين لانّ اللّه سبحانه هو الظاهر المعروف الذي لاخفاء فيه و لانكارة بوجه من الوجوه فكل من تخلّق باخلاقه و سلك سبله ذللاً اجري عليه حكمه كماقال اطعني اجعلك مثلي و لمّاكانت الالفاظ بينها و بين معانيها مناسبة ذاتية وجب ان‏يكون الموسومون بهذا الاسم كذلك و العجم عدم الفصاحة و البكم في مقابلته فيجب فيه في المعني ايضاً حكم المقابلة و امّا الثاني فلماذكرنا من الاخبار الدالة علي انّ المؤمن هو العرب و انّ اهل الجنة يتكلمون باللغة العربية و لماسنذكر ان‏شاءاللّه.

فلمّااجابوا في العالم الاول فامدّ اللّه سبحانه المقرّين المطيعين بطينة العليّين و من الماء النازل من شجرة المزن المغروسة تحت بحر الصاد و امدّ المنكرين الكافرين بطينة السجين و من الدخان المتصاعد من شجرة الزقوم طلعها كأنّه رؤس الشياطين المغروسة فوق بحر الطمطام قعر السجين اسفل السافلين نعوذباللّه من ذلك ثم كسرهم اللّه سبحانه تحت الحجاب الاحمر و رجّعهم الي الطين و مزج بين الطينتين و انزلهم الي هذا العالم الجسماني حصل لطخ و خلط فيهما فصارت طينة سجين اختلطت لطخاً لا اصلاً بطينة عليّين و بالعكس فظهر مقتضي ذلك اللطخ و الخلط في الطينتين علي مقدارهما في اللطخ فمن طيب في الذات طاهر في الطويّة و الجبلّة ظهرت عليه باللطخ

 

«* المعاني صفحه 27 *»

آثار العجمية كالمعاصي و الشرور و السيئات في الاعمال التشريعية و التكوينية فظهر في التكوين علي صور معوجّة و هيئة منقلبة غيرمستقيمة.

و من ذلك اللسان و اللغة الغيرالعربية فانّها منبتة عن اعوجاج الفطرة امّا ذاتاً او لطخاً و خلطاً لكن الغالب في الغالب آثار العربية كالايمان و الصلاح و التقوي و امثال ذلك و من خبيث في الذات و باطل في الطوية و الجبلة قدظهر فيه مقتضي اللطخ الطيّب الطاهر و هي الاثار العربية من الصورة الانسانية و استقامتها و حسنها و جودة تركيبها و كونه علي اللغة العربية فانّها منبتة عن حسن الفطرة و الطويّة امّا باللطخ او بالذات فتبقي احكام هذا اللطخ علي مقدار قوّته و ضعفه الي ان‏تصفو الطين بفتح الياء اما بالموت الظاهري او الباطني فيرجع كلّ الي اصله من العربية و العجمية فرجوع العرب الي الجنة و رجوع العجم الي النار فلايفتخر اذاً الذي عنده اللغة العربية او نسبته اليها علي الذي عنده اللغة العجمية اذ قديكونان عرضيّين في الاثنين فالفخر في الفقر الي اللّه و التوكل عليه و ملازمة التقوي و البذل علي الفقراء و الجود و السخاء فهذه هي الصفات العربية و مقابلها الصفات العجمية و امّا اللسان فانه ينقلب اذا حان حينه و بلغ الكتاب اجله و امّا النسبة فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ و لايتساءلون اما سمعت قوله تعالي يا نوح انّه ليس من اهلك انّه عمل غير صالح اماسمعت ماقال مولانا الكاظم7 في علي بن يقطين انّه ولدي مع انّ بني امية ورد عليهم اللعن قاطبة خصوصاً يقطين قدلعنه الصادق7 و ماتولد منه و قداجمل اللّه تعالي القول في كتابه فقال انّ اكرمكم عند اللّه اتقيكم

فاذ قدعلمت شرافة العرب بالنوع و انّهم بيت الشرف و السود و بيت الحميّة و المروة و بيت الوفاء و السخاوة و بيت الاستغناء و عدم الدناء فاعلم انّ ال‏محمّد9لمّاظهروا في كينونة العليا و فازوا بالنصيب المعلّي و الحظ الاعلي. الي ان قال اعلي‏اللّه مقامه: و كانوا سلام‏اللّه عليهم نسبة الرب و صفته و المنسوبين اليه سبحانه وجب ان‏يظهروا في كلّ عالم و في كلّ مقام اشرف مافي ذلك العالم فظهروا سلام‏اللّه عليهم

 

«* المعاني صفحه 28 *»

في العالم الجسماني في اشرف الصور في الصورة الانسانية و في اشرف البيت بيت العرب و في اشرف طوايفها قريش و في اشرف طوايف قريش بني‏هاشم في اشرف اولاد عبدالمطّلب عبداللّه و ابي‏طالب فهم:العرب العرباء اي الخالص عن الشوائب العجمية بجميع انحائها و مراتبها دقيقها و جليلها صغيرها و كبيرها.

و هذا الخلوص ماتمحض فيه احد سواهم: كماشهد لهم الحق بذلك و قال عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و قال تعالي و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون و هذا الفتور حكم عام يشمل التكوين و التشريع و الذوات و الصفات و الافعال و ساير الادوات و هم الذين صرفوا ماخلق اللّه لاجل ماخلق اللّه و مافتروا فكانوا بذلك صفوة المرسلين في ظاهر البشريّة تكويناً و تشريعاً علماً و عملاً ظاهراً و باطناً سرّاً و علانيةً و هذا معني كلام اهل الصناعة الفلسفية انّ العرب لاتحمل الصخور و هي الغرائب و الاعراض المضادة للطبيعة التي يجب علي الانسان ان‏يدفعها و يرفعها كماقال مولانا اميرالمؤمنين7 فاذا فارقت الاضداد شارك بها السبع الشداد فالعرب العرباء عندهم هي المياه الخمسة.

الي ان قال اعلي‏اللّه مقامه: «فهؤلاء الصفوة: هم العرب العرباء بكلّ معني في كلّ عالم ممااشرنا اليه و ما لم‏نشر اليه و محمّد9 رسول الي الخلق فيهم و من بينهم لمافيه من السرّ المعنوي و الحرف الغيبي الذي لم‏يطلع عليه بسرائرهم و ضمائرهم بصافي طويّتهم و جبلتهم اللّه اعلم حيث يجعل رسالته و هو 9 المنتجب منهم فهو9صفوة صفوة الصفوة و بهذا حاز مقام السبق و تفرّد في الوسيلة علي المرقاة الاعلي الاعلي الاعلي و وقف علي7 تحته بمرقاة صلّي‏اللّه علي محمّد و اله» انتهي.

نقلنا النص بطوله حتي تعرف الكلام البليغ و المتكلم البليغ و انّه اعلي‏اللّه مقامه كيف عبّر عن تلك المعاني الجليلة و الحقائق الراهنة بهذه العبارات النيّرة الوضيئة التي تنوّر القلوب و تزيد في العقول فروحي لتراب مرقده الفداء؛ آمين.

٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭

 

«* المعاني صفحه 29 *»

العلم الاوّل: علم المعاني

 

المتكلم البليغ هو الذي كمااسلفنا يصوّر كلامه بصورة تناسب احوال المخاطبين فلابدّ له من دراسة هذه الاحوال اوّلاً و معرفة الصور التي يصور كلامه عليها في كلّ حالة ثانياً حتي يستطيع ان‏يجعل لكل مقام مقالاً.

و يسمّي العلم الذي يتكفل بيان الاحوال التي بها يطابق اللفظ العربي مقتضي الحال بـ علم المعاني فذكاء المخاطب حال تقتضي الايجاز في القول و غباوته حال تقتضي الاطناب و الاطالة فانت اذا اوجزت في خطابه في الصورة الاولي و اطنبت في الثانية فقدكان كلامك مطابقاً لمقتضي الحال و كان بليغاً في الحالين ولو انّك عكست الامر خرج كلامك عن حدّ البلاغة و لايوصف بها و لاتوصف انت ايضاً بالمتكلم البليغ.

موضوعه: و امّا موضوعه فقديظهر من تعريفه بـ «انّه اللفظ العربي من حيث افادته المعاني الاصلية الاولية و من حيث افادته المعاني التبعية الثانوية» فانّ المتكلم حين الخطاب يلتفت الي المعاني الموجودة في نفسه التي هي اشباح مقاصده و هي خفيّة بعيدة لايعرفها المخاطب الاّ بالتعابير التي تقربها الي الفهم.

فالمتكلم يكسو المعاني الموجودة في قلبه بالفاظ دالة عليها بانفرادها و تراكيبها فهذه المعاني هي «المعاني الاصلية» و الالفاظ فروعها و تابعة لها لانّها مقدمة علي الالفاظ و انماتصاغ الالفاظ علي هيئة نسبتها و يعبر بالالفاظ لاجل افادتها و استفادتها و هي الموضوعة لها واقعاً فلو لم‏تكن متحققة ثابتة اصيلة متقدمة لايعقل ماذكرنا.

و امّا «المعاني التبعية الثانوية» فهي الاشباح الحاصلة من الالفاظ الواقعة في نفس السامع بواسطة قرع الالفاظ و تصادم اجزاء الهواء طبل اذنه و ينتقش صورتها في الحسّ المشترك علي حسبه من الصفاء و الكدورة و السعة و الضيق ثم من الحسّ المشترك تنتقش في الخيال ثم منه تنتقش في النفس فتدرك مرادات المتكلم و تفهمها.

 

«* المعاني صفحه 30 *»

فالمعني المراد اي المدرَك (بالفتح) امر انتزاعي من اللفظ و هو شبح اللفظ و صفة استدلال عليه لانّ المعني علي ماهو الحق عند مشايخنا العظام اعلي‏اللّه مقامهم هو الدلالة الحاصلة من اللفظ الواقعة علي قلب المخاطب المحدودة بحدود القلب. فاذا كانت الدلالة حاصلة من اللفظ فهي شعاع له و الشعاع صفة المنير فالدلالة صفة اللفظ و هي المعني الثاني و التابع للفظ لا انّ الدلالة صفة المعني بل هي نفس المعني من الجهة العلياء.

فانّه لاشك في انّ المعني المفهوم من اللفظ من حيث هو كذلك لايكون هو العين الخارجي لانّ الامر الخارجي واحد غيرمتغير و قديقع الاختلاف في المعني المدرك المفهوم من اللفظ ولكن لمّاكان المعني المدرك صفة استدلال علي العين الخارجي تبطل المغايرة في الوجدان و المثال الذي يكشف لنا حقيقة المسألة هو المرءاة و المقابل فانّا اذا اردنا رؤية شي‏ء ليس مقابلاً لنا نأخذ مرءاة لاظهاره فتنطبع صورته فيها فنعرفه بالصورة و الشبح لا بالحقيقة و الذات والاّ لمااحتجنا الي المرءاة. فهناك ثلاثة اشياء ظاهراً و اربعة حقيقةً. امّا في الظاهر فعين خارجي متأصل هو المقصود بالذات و المتوجه‏اليه بالحقيقة و شبح منفصل عنه في المرءاة و شبح منفصل عن المرءاة في العين علي القول بالانطباع في الابصار (كماهو الحق) لا بخروج الشعاع.

و امّا في الحقيقة فالمقابل و الشبح المتصل‏به في وقت بروزه و مكان ظهوره و الشبح المنفصل عن الشبح المتصل (في المرءاة) و الشبح المنفصل عن الشبح المنفصل عن الشبح المتصل (في العين) فالمعني الحقيقي الذي وضع اللفظ بازائه هو المقابل و اللفظ مرءاة تقابل ذلك المعني بذاته او بشبحه المتصل و قلب المخاطب مرءاة تقابل اللفظ فمافي القلب من المعني شبح و شعاع للعين الخارجي. فهذه الاشباح و الاشعة متأخرة عن القاء المتكلم تعابيره و الفاظه و هي امر محدث لم‏يكن قبل ذلك فالمعاني المتحصلة بعد التركيب و التأليف لم‏يكن قبل التأليف في الاجزاء اللفظية و انماتتحصل و تتحقق بعد التأليف و التركيب و تسمّي بالمعاني الثانوية و التبعية كما انّ المعاني

 

«* المعاني صفحه 31 *»

الموجودة عند المتكلّم التي يريد افادتها تسمي بالمعاني الاولية و الاصلية و الالفاظ و التعابير تابعة لها.

و يمكن ان‏نفسّر المعاني الاولية و المعاني الثانوية علي ماهو المشهور عند اهل الظاهر و هو انّ المعاني الاُوَل هي التي تفهم من الالفاظ بحسب التراكيب التي هي المعاني الاصلية الوضعية مع خصوصيات زائدة من التعريف و التنكير و تعرف هذه المعاني من علم اللغة و الصرف و النحو. و امّا المعاني الثواني هي الاغراض التي يريد المتكلم اثباتها او نفيها كردّ الانكار و دفع الشك بالتوكيد و هي اللطائف و الخصوصيات التي يكون الكلام مشتملاً عليها و بها يطابق الكلام مقتضي الحال.

فائدته: فوائد هذا العلم كثيرة: اهمّها «معرفة اعجاز القرءان الكريم» من جهة سبكه و تركيبه و الفاظه فانّ اللّه تعالي قدخصّ كتابه هذا بخصائص من الجودة و الحسن و البراعة و اللطافة و السهولة و الجزالة و العذوبة و السلامة و الي غيرها من المحاسن التي اقعدت العرب عن معارضته و العجم عن مناهضته و حارت عقول البرية امام فصاحته و بلاغته كماحارت امام كلّ جهة من جهاته فانّه كتاب معجز خالد من جميع جهاته و حيوثه في جميع الازمنة و الامكنة.

و نجد في ضوء هذا العلم خصائص التعبير القرءانية التي تتجلي في قيام الكلمة مقام الخط و اللون فترسم الصور الكاملة الواضحة نابضة بالحياة دقيقة السمات مميزة الصفات في خلال الكلمات القلائل و الايات المعدودة حتي مايبلغ التعبير المطول و الوصف المفصل شيئاً وراء هذه اللمسات السريعة المبينة الجمليه‏النسق. فانّه تحصل للممارس في هذا العلم دراية بتذوّق اساليب الاداء و خبرة بالتصورات للوجود و للاشياء و بالنظم و المناهج و النظريات النفسية و الاجتماعية.

و بعد ذلك فاذا راجع القرءان الكريم و يوازن بين تصويرات القرءان للوجود و للاشياء و للحالات و النفسيات و مناهجه في التأدية و اساليبه في البلاغة و بين النظم و المناهج و النظريات التي انشأها البشر و ينشئها . . . لايخالجه شك و لايستريب لحظة

 

«* المعاني صفحه 32 *»

في انّ ماجاء به القرءان في هذه المجالات كلها شي‏ء آخر لايشابهه صنعة البشر و لايماثله المناهج البشرية و انظمته التصويرية و اساليبه في التأدية كما لاتماثله في غير هذه الجهة من سائر جهاته. فالقرءان لايزال يتميّز من كلّ كلام يقوله البشر تميزاً واضحاً قاطعاً و لاشك انّه سيظل كذلك ابداً فانّه هو الكتاب الخالد و المعجز الخالد و المصدق الخالد لنبوة النبي الخالد 9 .

فهذا العلم يجعل الانسان مستقيم الفطرة مفتوح البصيرة فاحصة النظرة يستطيع ان‏يعرف طرق العرض و خصائص الاداء في هذا الكتاب الكريم و يلمس تحقق الجمال الفنّي الصادق و قوة الحق و ابداع العرض في الاداء و النسق العجيب و الترتيب البديع و التعبير الانيق في الابلاغ.

و منها: «الوقوف علي مكانة كلام الاولياء: »من تلك الناحية الفصاحة و البلاغة فانّ كلماتهم: مشحونة بعجائب من البلاغة و غرايب من الفصاحة و جواهر العربية و لاغرابة في ذلك فانّهم: مشارع الفصاحة و مواردها و معادن البلاغة و مصادرها و منهم ظهر المكنون منهما و عنهم اخذت قوانينهما و احتذي حذوهم من نال شيئاً منهما في خطابه و كلامه و كتابه سيّما مولانا الامام اميرالمؤمنين و سيّد الوصيّين علي بن ابي‏طالب7 و ابنه الامام الطاهر سيّد الساجدين علي بن الحسين8.

فانّ خطب علي7 و كتبه و كلماته الحكمية التي جمع بعضها السيّد الرضي رحمه‏اللّه و سمّاها بـ «نهج البلاغة» و كذلك «الصحيفة السجادية» بماتحتوي علي الادعية المأثورة من الامام السجاد7 كلها آيات باهرة علي عبقريتهم الخالدة و حجج ظاهرة علي شخصياتهم الالهية و ادلة وافية علي امارتهم علي ملك الكلام و بطالتهم في ميدان الفصاحة و البلاغة كماكانوا كذلك: في غير هذه الجهة من الجهات و تدبيرهم تلك الدولة و حملهم لواءها علي هامات الافكار و النظريات و الفلسفات الحاكمة علي اعلي مستويات البشرية و نذكر حديثاً تيمناً و شاهداً علي ماذكر.

 

«* المعاني صفحه 33 *»

في البحار عن معاني الاخبار باسناده عن موسي بن محمّد بن ابراهيم التيمي عن ابيه قال: كنا عند رسول‏اللّه 9 فنشأت([8]) سحابة فقالوا يا رسول‏اللّه هذه سحابة ناشئة فقال كيف ترون قواعدها؟ قالوا يا رسول‏اللّه مااحسنه و اشدّ تمكّنها قال كيف ترون بواسقها؟ قالوا يا رسول‏اللّه مااحسنها و اشدّ تراكمها. قال كيف ترون جونها؟ قالوا يا رسول‏اللّه مااحسنه و اشدّ سواده. قال كيف ترون رحاها؟ قالوا يا رسول‏اللّه مااحسنها و اشدّ استدارتها قال فكيف ترون برقها أخفواً ام وميضاً ام شقّ شقّاً؟ قالوا يا رسول‏اللّه بل يشقّ شقّاً قال رسول‏اللّه 9 الحياء. فقالوا يا رسول‏اللّه ماافصحك ؟! و مارأينا الذي هو افصح منك فقال و مايمنعني من ذلك و بلساني نزل القرءان بلسان عربي مبين.([9])

و فيه عن الاختصاص عن بعض الهاشميين رفع الحديث الي رسول‏اللّه 9 انّ اعرابياً اتاه فقال: يا رسول‏اللّه أيدالك الرجل امرأته؟ قال نعم اذا كان ملفجاً فقال يا رسول‏اللّه من ادّبك؟ قال اللّه ادّبني و انا افصح العرب ميد انّي من قريش و ربّيت في الفخر من هوازن بني سعد بن بكر. ثم نقل الحديث المذكور باختلاف يسير فقال رسول‏اللّه 9قد جاءكم الحياء فقالوا يا رسول‏اللّه مارأينا افصح منك قال و مايمنعني و انا افصح العرب و انزل اللّه القرءان بلغتي و هي افضل اللغات بيد انّي ربّيت في بني سعد بن

 

«* المعاني صفحه 34 *»

بكر.([10])

اقول: و ما انا و وصف الرسول و آل‏الرسول صلّي‏اللّه عليهم‏اجمعين بل اقول انّ هذا القرءان الكريم هو تنزّل عقلهم و علمهم الي عالم الالفاظ و الكلمات و لذا نسبه اليه9ربّه سبحانه في محكم الكتاب فقال انّه لقول رسول كريم و ماهو بقول شاعر قليلاًما تؤمنون و لا بقول كاهن قليلاًما تذكّرون تنزيل من ربّ العالمين.

ثم نراه سبحانه استدلّ علي هذه النسبة اي علي انّ هذا القرءان قول رسول كريم بدليل التقرير الذي هو آية البصير و هو دليل ليس له نظير و لاينبئك مثل خبير فقال سبحانه ولو تقوّل علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من احد عنه حاجزين.

و منها: «الوقوف علي اسرار البلاغة و الفصاحة في كلام العظماء و الموالي»([11]) و علي انواع العلوم و معادن الحكمة من الالفاظ و العبارات المدوّنة في كتب الكاملين الجامعين و علي لطائف الاشارات و دقائق التلويحات الواردة في كلام العارفين الواصلين الذين هم الكتب المعربة و ماعداهم الكتب المعجمة([12]) لانّهم ماقرؤا حروف انفسهم و ذواتهم فانّ كمال الذات بالعلم و المعرفة. قال اللّه سبحانه يرفع اللّه الذين

 

«* المعاني صفحه 35 *»

امنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات و الكامل الواصل هو الذي قرء حروف نفسه و شاهد العوالم العلوية و السفلية و الغيبية و الشهادية في ذاته فهو الكتاب و فصل الخطاب فاتّحد الكتاب و المكتوب و المحبّ و المحبوب و الطالب و المطلوب و انّماسمّوا بـالكتب لظهور كونهم كتباً والاّ فكل شي‏ء كتاب و سمّوا معربة لظهور المعاني و الفصول و الاصول فيهم و هؤلاء الاجلاّء هم الكتاب الذي من جعلهم في يمينه يعني جهة الخير و النور اي اقتفي اثارهم و مشي علي مناهجهم و سلك مسالكهم و تأدّب بادابهم فقداعطي كتابه بيمينه و هو الامن في كلّ حال و هو المعطي في كلّ لحظة و ساعة فان طلب شيئاً فلايصل اليه فلايكون امناً في الحقيقة لانّهم ابواب باب المدينة فمن دخلها كان امناً. فيشمله بركات المدينة و يعطي جميع مايريد و يرزق كلّ مايؤمّل في كلّ حالاته و جميع ساعاته.

و امّا من جعلهم في شماله فلم‏يسلك بسلوكهم و لم‏يأخذ بنورهم فهو مدبر عنهم و الادبار عن المبدء يوجب الحرمان و هذا الذي اعطي كتابه بشماله شمال الاعراض و الادبار و الغفلة و النسيان و يصل بذلك الي كلّ شرّ و اتي البيوت من الظهور قال اللّه تعالي ليس البر بان‏تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البر من اتّقي و اتوا البيوت من ابوابها و قال سبحانه و ليزيدنّ الذين كفروا ماانزل اليك من ربك طغياناً و كفراً لانّ حقيقة الكتاب و الكتاب الحقيقي هو الذي ينال الانسان بالاقبال اليه كلّ خير و نور و فضل و كرامة و رحمة و يصل بالادبار عنه الي كلّ شر و ظلمة و هوان و عقاب. قال تعالي و ننزّل من القرءان ماهو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً.

فمن عرف اسرار البلاغة و الفصاحة في كلماتهم و ذواتهم و صفاتهم و عرفهم بانّهم الكتب الحقّة الالهية المكتوبة بقلم الولاية و المداد النبوية اللذين هما يدا اللّه و كلتا يديه يمين. ن والقلم و مايسطرون وجدهم المفصحين عن مرادات اللّه تعالي المطابقين لمقتضيات مشيّته المحبوبة المعربين عن معانيه الحقّة الحقيقية المبلغين اثار رحمته الواسعة و اثار رأفته الخاصة الي جميع خليقته و قدقال سيّدنا الاجل اعلي‏اللّه

 

«* المعاني صفحه 36 *»

مقامه في شرح القصيدة في شرح قول الناظم:

هذا كتابٌ من غدا بيمينه يعطي الذي يرجو غداً و يؤمّل

كلاماً نيّراً الهيّاً قدجمع الفصاحة و البلاغة و جلالة المعني و جزالة الالفاظ و جمال التعبير و بداعة التصوير في اوصاف هؤلاء الاجلاّء و لاغرابة في ذلك فانّه منهم بل في مقدمهم كمااشار الي ذلك استاذه الاعظم و شيخه الاوحد اعلي‏اللّه مقامه في اخر قصيدته الميمية التي هي اخر قصائده المطبوعة الموجودة يرثي مولاه اباعبداللّه الحسين المظلوم الشهيد7 يقول فيها:

فو اللّه مااشفيت قلبي فانّني علي اجل من حزنهم متصرّم([13])
فان لم‏اكن اشف الغليل فانّني اُرَجّي نشوراً فيهم من مرجّمٍ([14])
اذا قام ذوالسلطان والي دمائهم بخافقة جالٍ بكلّ مسوَّمٍ([15])
هناك ابن زين‏الدين احمد يرتجي دِراكاً يُري في المقدمين تقدّمي([16])

 

 

«* المعاني صفحه 37 *»

و صلّ علي الاطهار آل‏محمّد و شيعتهم يا ذاالجلال و سلّم

قال السيد الاجلّ روحي‏لتراب مرقده‏الفِداء: «و امّا حقيقة الامر علي طبق ماذكرنا في البيت الاول من ان السِتر رجال الهيّون و اناس ربانيّون قدملؤا علماً و الهموا خيراً قدتأدّبوا باداب النبوة و الولاية و اهل النبوة و اهل الولاية و نهجوا منهجهم و سلكوا مسلكهم هجم بهم العلم علي حقيقة الايمان فاستلانوا من اسرار اهل الاسرار مااستوعرت علي غيرهم و انسوا بمااستوحش منه المكذّبون و اباه المسرفون و هؤلاء كلّ واحد منهم هو الكتاب الذي كتبه اللّه بيد الولاية و النبوة قداجتمعت فيهم الاسرار و اشرقت عليهم الانوار و قلوبهم معلّقة في عليّين و انظارهم مقصورة الي مقامات المعرفة و اليقين و نفوسهم صاعدة الي مقام الانس و التمكين و افئدتهم منخلعة للقرب الي ربّ العالمين فهم في رياض القرب و المشاهدة يرتعون و شرايع المحبة و المصافات يردون و في اوكار الاذكار يأوون و هم من خشية ربهم مشفقون الذين اوضحت لهم المشارب و اوتيت لهم المـٔرب و اعطيت الرغائب فبلغوا غاية المطالب و وردوا اصفي المشارب مُلأت قلوبهم معرفةً و ايماناً و امتلأت صدورهم صدقاً و ايقاناً.

كلّ منهم كتاب واحد قداجتمع فيه كلّ مايريد اللّه من خلقه لانّ الخلق رعيتهم في مقام التعيّن فيجب ان‏يكون عندهم مايحتاجون اليه في امور دينهم و دنياهم و معاشهم و معادهم مماجري عليه الارادة في لوح القدر و مستقر القضاء و حقيقة الامضاء من انحاء روابط الموجودات و اطوار المتمّمات و المكمّلات و احوال الخلق من العاليات و السافلات كلّ ذلك مجتمعة عندهم مكتوبة لديهم.

فهم مرشدوا الامم و معادن الكرم و اولياء النعم و رعاة البريّة و هداة الخليقة و القري الظاهرة للسير الي القري المباركة و التعيّنات الجزئية هي سبيل الي التعيّنات

 

«* المعاني صفحه 38 *»

الكلية و علماء الذين ينفون عن الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين فهم حفظة البلاد و ساسة العباد و حجج الحجة و ابواب الباب و الخليفة مجمع الانوار و مهبط الاسرار و اولياء الجبار بهم حفظ اللّه الدين و اوضح شريعة سيّد المرسلين9ابدالابدين اليهم انتهت الرياسة و بهم تمّت السياسة و هم الكتاب الجامع و النور اللامع و البدر الساطع و الامر الواقع و الكهف الحصين و الحرز المكين حملة علوم آل طه و يس نور المسترشدين و حجاب اللّه في الارضين و ورثة الانبياء و المرسلين و موضع اسم اللّه الذي صلح به امر الاولين و الاخرين البلد الامين و طور سينين الرحمة الواسعة و النعمة السابغة و النقمة الدامغة صراط اللّه الواضح و النجم اللائح و الزِناد القادح و النور اللائح و المتجر الرابح و انماكانوا كتباً و اختصوا بهذا الاسم دون غيرهم مع انّا بيّنّا سابقاً انّ كلّ فرد من افراد الموجودات جامع لكل شي‏ء لاسيّما افراد الانسان فانّ اميرالمؤمنين7 قال:

و انت الكتاب المبين الذي   باحرفه يظهر المضمر

بعد قوله7:

أتزعم انّك جرم صغير   و فيك انطوي العالم الاكبر

و علي هذا فكل احد كتاب و كلّ فرد من افراد الانسان كتاب فماوجه مزيّة الاختصاص بهؤلاء الاطياب الانجاب و الوجه في ذلك انّ الاشياء كلها و ان كان كتاباً الاّ انّ حروفها مضمرة بل الفها غيرمعطوفة لم‏تظهر من القوة الي الفعل بعد ان كامنت و امكانها مابرز و جهاتها ماظهرت فهي كتاب لكن حروفها لاتقرؤ (ظ) و امّا هؤلاء الاطياب و الامناء الانجاب فقدبرزت حروف ذواتهم و انعطفت الف سرّ كينونتهم فانعطفت بحروف عاليات و ذوات طيّبات فتألفت بكلمات طيّبات فظهرت منها معان حقيقية من ظاهرية و باطنية و غيبية و شهودية و سماوية و ارضية و جمادية و نباتية و معدنية و حيوانية و انسانية قدسية و ملكوتية الهية و امرية فعلية و امرية مفعولية و صورة الهية و حقيقة ربانية فهذه كلمات تألفت و ارتبطت و امتزجت و اختلطت فصارت بنسبها و

 

«* المعاني صفحه 39 *»

قراناتها مبدء علوم كثيرة بل غيرمتناهية فمن هذه الجهة حيث انّ معانيها برزت و حروفها تألفت و كلماتها اقترنت و ارتبطت سمّاهم الناظم ايده‏اللّه بتوفيقه و وفقه الي رضوانه كتاباً و هو كذلك كلّ واحد منهم كتاب جامع بحقائق الرسوم و دقائق العلوم منه آيات محكمات هنّ امّ‏الكتاب و اخر متشابهات و فيه عموم و اطلاق و تقييد و تخصيص و اجمال و تبيين و ناسخ و منسوخ في ظاهر الحال و فيه عزائم و رخص و اوامر و نواهي و رغبات و زواجر». انتهي.

فمن مدارسة القرءان و مدارسة الاخبار المعصومية: و كلمات الكاملين و غيرذلك من كلام العرب منثوره و منظومه يستطيع الانسان ان‏يعرف حدود الفصاحة و البلاغة و يقف علي اسرارهما و يفرق بين الكلام الجيّد و رديئه فيقتدي بالفصحاء و البلغاء و يحتذي حذوهم و ينسُجُ علي منوالهم.

واضع علم المعاني:

لا شك في انّ العلوم التي يبحث فيها عن احوال اللفظ العربي كلها مستحدثة بعد ظهور الاسلام و انتشاره حتي علم‏اللغة و البحث عن المعاني الاولية للالفاظ العربية الذي هو ادني العلوم اللفظية درجة و اخسّها رتبة لانّه لمّاانتشر الاسلام في الامة العربية و في سائر الامم و اختلط العرب بالعجم و العجم بالعرب و تناكحوا و تناسلوا و توالدوا علي ذلك اختلط بذلك عقائدهم و سننهم و آدابهم و جميع امورهم و منها لسانهم و لهجتهم و معاني اللغوية و مفاهيمها فحصل الاغلاط في اصل اللغة و في اللهجة و في المعاني و غيرها من الشؤون اللفظية و الجهات اللغوية.

فمن ذلك نري سيّدنا الاجلّ يقول في الرجوع الي علماء اللغة:

«فانّ العلائم و قول اهل‏اللغة انّمايصار اليه اذا لم‏يحصل (ظ) العلم القطعي بالموضوع‏له فاذا حصل العلم بالموضوع‏له و تبين انّهم لم‏يعثروا علي الواقع فلااتباع لقولهم و لاركون الي نصّهم لانّهم ليسوا من اهل اللسان و انّما هم استنبطوها من محاورات العرب و اشعارهم و خطبهم و حكاياتهم و امثال ذلك و جواز الخطاء عليهم

 

«* المعاني صفحه 40 *»

من اَجْل البديهيات و المناط المعتبر حصول العلم القطعي في المعني خالف في ذلك الفيروزبادي او وافق و ليس هو بأولي من غيره و لم‏يأت نصّ من اللّه و لا من رسول‏اللّه علي اتّباعه فالبرهان احق بالاتباع حيث ماوجد و لاقام اجماع علي لزوم اتّباعه و ان قام الدليل القاطع علي خطائهم افمن يهدي الي الحق احق ان‏يتبع ام من لايهدّي الاّ ان‏يهدي فمالكم كيف تحكمون قال مولانا و سيّدنا الباقر روحي له الفداء و عليه آلاف التحية و الثناء ان علمتم فقولوا والاّ فها. فافهم و ثبت ثبتك‏اللّه بالقول الثابت و هداك‏اللّه و ايانا الي الصراط المستقيم» انتهي كلامه رفع مقامه.

و نعرف من هذا الكلام المتين انّ علم‏اللغة من المستحدثات و هو ادني العلوم و اخسها فماشأن سائر العلوم من الصرف و النحو و المعاني و البيان و التجويد و المنطق فكلها مستحدثة فقاموا لتدوينها و تأسيسها و نشرها و دراستها احتفاظاً للغة العربية عن تضييعها و تأبيداً لهذه الموهبة الالهية و ردعاً لكل تغيير و تحريف كان يهدّدها بالفساد و الضياع.

و اول من قام لهذا المهمّ و نهض لتحقيق هذا الهدف السامي ـ علي ماعرّفه التاريخ الاسلامي و الاعتبار العقلاني و السنن الربانية ـ هو اميرالمؤمنين و يعسوب الدين و امام المتقين علي بن ابي‏طالب7 فانّه7 اول من وضع لحفظ اللغة العربية العلوم اللفظية من الصرف و النحو و المعاني و التجويد و غيرها و قداعترف بذلك محققوا العامّة فضلاً عن الخاصّة و ورد من طريق اهل العصمة كلام يدل علي ذلك بالعموم فانّهم: قالوا انّ كلّ حق في ايدي الناس فهو من علي7 (نقلنا الحديث بالمعني).

و امر بعض اصحابه ممن رأي فيهم التهيّوءَ و الطاقة بتنقيح المطالب و ترتيب المسائل و تدوين الاصول فالقي اليهم الكلمات الجامعة و العمومات و الكلّيات في كلّ علم من هذه العلوم و علّمهم التفريع و الانتاج و كيفية الاستنباط و الاستخراج فانتشر العلوم اللفظية و كثر طالبوها و باحثوها فتعلموها ثم علموها غيرهم و زادوا فيها آرائهم و

 

«* المعاني صفحه 41 *»

شيّدوا مااستحسنته عقولهم الناقصة و استضعفوا غيره فاختلفوا فيها اختلافاً كثيراً.

فمن هذه العلوم «علم المعاني» فواضعه الاوّل هو علي بن ابي‏طالب7 آخذاً من رسول‏الله9 فانّه9 صاحب الشريعة الجامعة و رسول الي الامّة و حامل الدين القويم القيّم بجميع حاجات الخلق من الدنيوية و الاخروية و الباطنية و الشهادية و سائس الرعية و مؤسس القوانين و الانظمة الاعتقادية و الاخلاقية و السلوكية فبعد تعليمه عليّاً7جميع علمه جعله خليفته و المؤدّي عنه الي امّته ما فيه صلاح امرهم في الدنيا و الاخرة. فعلي7 هو الواضع الاول في جميع العلوم و اليه ينتهي اصولها و كلياتها الحقه الصحيحة و هو ناشرها.

فهو7 علّم الناس (بعد اختلاطهم و فساد اللغة العربية) احوال اللفظ العربي التي يطابق بها مقتضي حال المخاطبين فوضع لها اصولاً و قواعد كلية و القاها الي بعض اصحابه و لم‏يكتف بذلك بل حاول محاولة عملية التي هي ابعد غوراً و اشد تأثيراً و اعمق تنفيذاً و ابقي آثاراً و اسهل اخذاً و اتمّ انتاجاً من الدراسة الساذجة الخالية من التمارين و التداريب العملية و البعيدة عن التطبيقات الخارجية و اللمسات الواقعية.

فقام خطيباً و علم الناس «علم المعاني» و التكلم بمقتضي الحال و الصور الكلامية في خطاباته الطويلة و كلماته القصيرة في جميع المقاصد و المعاني من التوحيد و التحميد و التقديس و بيان صفات اللّه تعالي و الثناء علي اللّه سبحانه و توصيف النبي و آله: و بيان فلسفة الشرايع و العلل الشرعية و الاسرار الكونية و المسائل الفكرية و الاعتقادية و المباحث السياسية و اصول الحكومة و المشورة و النظم الاجتماعية و الاقتصادية و الفردية و الاخلاقية و بيان الموت و القبر و احوال القيامة و الجنة و النار. و كتب كتباً و ارسل رسائل الي بعض الاصحاب و الي بعض عمّاله و علم الناس علم المعاني ايضاً من ناحية الكتابة و الرسالة فهو7 قد امتاز عن ساير الائمّة: بذلك الامر حتي جمع بعض تلك الخطب و الكلمات و الكتب السيّد الرضي رضوان اللّه عليه

 

«* المعاني صفحه 42 *»

و سمّاها بـ «نهج البلاغة».

و قال محمّد عبده (احد علماء العامة و زميل السيد جمال‏الدين الافغاني و مرافقه في اهدافه السياسية و قرينه في الدعوة الي الوحدة الاسلامية و مآزره في حركاته و نهضاته ضد الدول المشتركة المستخفة و عواملهم الفعالة في الممالك الاسلامية) في مقدمة شرحه علي نهج البلاغة: ذلك الكتاب الجليل هو جملة ما اختاره السيد الشريف الرضي رحمه‏اللّه من كلام سيّدنا و مولانا اميرالمؤمنين علي بن ابي‏طالب كرّم اللّه وجهه جمع متفرقه و سماه هذا الاسم «نهج البلاغة» و لا اعلم اسماً اليق بدلالة علي معناه منه و ليس في وسعي ان‏اصف هذا الكتاب بأزيد مما دل عليه اسمه و لا ان‏آتي بشي‏ء في بيان مزيته فوق ما اتي به صاحب الاختيار كما ستري في مقدمة الكتاب و لولا ان غرائز الجبلة و قواضي الذمّة تفرض علينا عرفان الجميل لصاحبه و شكر المحسن علي احسانه لما احتجنا الي التنبيه علي ما اودع «نهج البلاغة» من فنون الفصاحة و ما خص به من وجوه البلاغة خصوصاً و هو لم‏يترك غرضاً من اغراض الكلام الاّ اصابه و لم‏يدع للفكر ممرّاً الاّ جابه. الي آخر كلامه عامله اللّه برحمته الواسعة (و قوله الاّ جابه من جابه يجوبه اي خرقه و مضي فيه).

نظرة عابرة سريعة في نهج البلاغة

من دارس «نهج البلاغة» يواجه الحقائق التاريخية و التصوير الدقيق عن الوقايع و الحوادث في تاريخ الاسلام و يري تحوّل الخلافة عن مسارها الحقيقي الالهي و اشتعال الحروب الطاحنة من اجلها و اثخان تلك الحروب الامة المسلمة بالجراح الدامية، و يري معاندة اهل الهوي اُسرة النبوية، و خيبة آمالهم في تحقيق الحق و الخير و الاصلاح، و الاحداث المريرة التي الهبت مشاعرهم و اثارت عواطفهم و حملتهم علي الجهاد المتواصل و . . . ؛ يري الدارس كلّ ذلك في صور حيّة متحركة كأنه امام جِهاز التِلفاز و متجه الي التِلفاز بسمعه و بصره يتجاوب معها و قلبه يخفق لكل نغمة و يرتجف لكل اثارة و يتابع البرامج التي امامه، يسمع تأوّه نفس علي7 الشاكية و الفاظ توجّعه و انينه

 

«* المعاني صفحه 43 *»

التي تفيض علي لسانه هادرة و يبصر صبره الجميل في معالجة امر المعاندين و يشاهد تفرق اصحابه في حياته السياسية و يسمع خطبه7 في الحث علي القتال و اقواله في الامور السياسية و يري مواقفه في قيادته الرشيدة و اساليب تصرفاته في شؤن الرعية و تدابيره في دفع الفتن عنها و حرصه علي حفظ الحقوق و ابقاء عز الاسلام و اتحاد المسلمين.

ثم يري الدارس كانه قد اسدل ستار المسرح و بعد لحظة قصيرة يواجه استاذاً وصّافاً عظيماً جالساً علي كرسي و امامه مِنَصَّةُ التصوير و بيده ريشة مصوِّرة و يصور ذلك الاستاذ ـ الذي بلغ في ذلك الفن ذروةً ساميةً لم‏يبلغها احد من عباقرة الوصافين في القديم الي الان و لايبلغها و لن‏يبلغها احد منهم الي الابد ـ الامور الشهادية و الغيبية تصويراً دقيقاً و تحليلاً نفّاذاً يصور الحياة و الموت و مشاهد القيامة، يصور طبايع الرجال و نفسيات النساء يصور المؤمن التقي و يصور الكافر العنيد و يصور المنافق ذاالوجهين، يصور هؤلاء الثلاثة في مشاهد حسية و حالات نفسية و سمات شعورية تكشف عن طبيعة كلّ واحد منهم و يوازن بين صفاتهم.

و يصور بعض المخلوقات كالنملة و الجرادة و الطاوس تصويراً بارعاً يشتمل علي اوصاف عجيبة و تدقيقات لطيفة تناول الجزئيات في خلقتها و حياتها و يذكر الامام7في خلال ذلك عظمة الخالق و كمال صنعه و نفاذ مشيّته و ارادته و جمال حكمته.

يصور الدنيا في مواعظه و ارشاداته و خطبه في الجمعات و الاعياد و في غيرها من الظروف و المناسبات و يحذر الناس عن الافتتان بها و بزخاريفها و يدعوهم الي الزهد في حياتهم الدنياوية و يذكرهم بالموت و انه هادم اللذات و مفرق الجماعات و يصف لهم اهوال القيامة و سكرات البعث و النشور و يرغبهم في الجنة و يرهبهم من النار.

ثم يبين بدء الخلق و يشرح خلق السموات و الارض و خلق آدم بديع الفطرة7 و

 

«* المعاني صفحه 44 *»

خلق الملائكة و يشير الي شؤنهم المفوضة اليهم.

ثم يراه الدارس في كتب النهج و رسائله و عهوده و وصاياه زعيماً ثورياً جالساً علي عرش الحكومة و التدبير و السياسة و يشاهد فيها اغراضه التعليمية و الارشادية و النقدية و التعريضية و العتابية و التقريعية و اهدافه الادارية و السياسية و القضائية و الحربية.

و كذلك يراه الدارس في حكم النهج المختارة حكيماً غزير العلم صحيح التجربة عميق الادراك لحقائق الاشياء و بالجملة خطب علي و رسائله و حكمه مشحونة بالحقائق و العلوم و المعارف و من ناحية «علم المعاني» عميقة من غير تعقيد، محكمة من غير اسفاف، مفصلة من غير اطناب، مجملة من غير اخلال و من ناحية «البديع» مترادفة الجمل متقابلة الالفاظ فهو7 بتدبيره ذلك علّم الناس علم‏المعاني عملاً و ارشدهم الي حقائقه دراسة لانّه7 هو اوّل بيت وضع للناس البيت الآمن و الحرم المبارك مركز الهداية و مأمن الحق فصلوات اللّه عليه و علي ابن‏عمّه و زوجته و ابنائه و شيعته و لعنة اللّه علي ظالميهم اجمعين.

المقامات و الفضائل النورانية

و كما انه7 قدامتاز عن غيره من المعصومين: بانشاء تلك الخطب و ارسال تلك الرسائل و الكتب و اظهار هذه الحكم فكذلك هو7 قدامتاز بذكر فضائلهم العجيبة و مناقبهم الغريبة و مقاماتهم النورانية التي قال7 فيها (علي ما في النهج) ان امرنا صعب مستصعب لايحمله الاّ عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و لايعي حديثنا الاّ صدور امينة و احلام رزينه. و نقل اكثرها في كتب الاصحاب رضوان‏اللّه عليهم ككتب السيد هاشم البحراني رحمه‏اللّه و الشيخ رجب البرسي رضوان‏اللّه عليه و غيرهما من العلماء الاطياب فانّهم اخرجوا تلك النصوص النيّرة و الحقائق الراهنة في كتبهم الثمينة غير مكترثين بمانسبهم اليه لفيف من الناس من الغلو و الارتفاع حتي فرّج‏اللّه عن امر آل‏محمّد: و اظهر باطن الولاية و سرّ الايمان و حقيقة الاسلام و منّ علي عباده

 

«* المعاني صفحه 45 *»

بمشائخنا العظام اعلي‏اللّه مقامهم فبيّنوا حقائق هذه النصوص و نشروا دقائقها و استخرجوا معانيها الجليلة فجزاهم اللّه خير الجزاء و ارتفعت بضياء علومهم الربانية و حكمهم الصمدانية الظلمات الصادرة من الصدور الضيقة و النفوس المضطربة الحاكمة بالغلو في شأن هؤلاء الاجلاّء و لنعم ما قاله العلامة الخبير صاحب «الغدير» عند ترجمة العارف الجليل الشيخ رجب البرسي يقول:

«و له في العرفان و الحروف مسالك خاصّة، كما ان له في ولاء ائمّة الدين: آراء و نظريّات لايرتضيها لفيفٌ من الناس، و لذلك رموه بالغلو و الارتفاع، غير ان الحقّ انّ جميع مايثبته المترجم لهم: من الشؤن هي دون مرتبة الغلو و غير درجة النبوة، و قدجاء عن مولانا اميرالمؤمنين7 قوله اياكم و الغلو فينا قولوا انا عبيد مربوبون و قولوا في فضلنا ماشئتم و قال الامام الصادق7 اجعلوا لنا رباً نؤوب اليه و قولوا فينا ماشئتم و قال7 اجعلونا مخلوقين و قولوا فينا ماشئتم فلن‏تبلغوا.

و انّي لنا البلاغ مدية مامنحهم المولي سبحانه من فضائل و مآثر؟ و انّي لنا الوقوف علي غاية ماشرّفهم اللّه به من ملكات فاضلة، و نفسيات نفيسة و روحيات قدسية و خلائق كريمة و مكارم و محامد؟ فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام؟ او يمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ضلّت العقول، و تاهت الحلوم، و حارت الالباب، و خسئت العيون و تصاغرت العظماء، و تحيرت الحكماء، و تقاصرت الحلماء، و حصرت الخطباء، و جهلت الالبّاء، و كلّت الشعراء و عجزت الادباء، و عييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، و فضيلة من فضائله، و اقرت بالعجز و التقصير، و كيف يوصف بكلّه؟ او ينعت بكنهه؟ او يفهم شي‏ء من امره؟ او يوجد من يقوم مقامه و يغني غناه؟ لا. كيف؟ و انّي؟ فهو بحيث النجم من يد المتناولين و وصف الواصفين فاين الاختيار من هذا؟ و اين العقول عن هذا؟ و اين يوجد مثل هذا؟

و لذلك تجد كثيراً من علمائنا المحققين في المعرفة بالاسرار يثبتون لائمة الهدي صلوات‏اللّه عليهم كلّ هاتيك الشؤن و غيرها مما لايتحمله غيرهم و كان في علماء قم

 

«* المعاني صفحه 46 *»

من يرمي بالغلو كلّ من روي شيئاً من تلكم الاسرار حتي قال قائلهم: «ان اوّل مراتب الغلو نفي السهو عن النبي 9» الي ان جاء بعدهم المحققون و عرفوا الحقيقة فلم‏يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزناً و هذه بليّة مني بها كثيرون من اهل الحقائق و العرفان و منهم المترجم، ولم‏تزل الفئتان علي طرفي نقيض و قدتقوم الحرب بينهما علي اشدّها و الصلح خير.

و فذلكة المقام: ان النفوس تتفاوت حسب جبلاتها و استعداداتها في تلقي الحقائق الراهنة فمنها ماتبهظه المعضلات و الاسرار و منها ماينبسط لها فيبسط اليها ذراعاً و يمدّ لها باعاً و بطبع الحال ان الفئة الاولي لايسعها الرضوخ لما لايعلمون كما ان الاخرين لاتبيح لهم المعرفة ان‏يذروا ماحققوه في مِدحرة البطلان فهنالك تثور المنافرة و تحتدم الضغائن و نحن نقدر للفريقين مسعاهم لما نعلم من نواياهم الحسنة و سلوكهم جدد السبيل في طلب الحق و نقول:

علي المرء ان‌يسعي بمقدار جهده و ليس عليه ان يكون موفّقاً

الا ان الناس لمعادن كمعادن الذهب و الفضة و قد تواتر عن ائمة اهل‏البيت: ان امرنا او حديثنا صعب مستصعب لايتحمله الاّ نبي مرسل او ملك مقرب او مؤمن امتحن اللّه قلبه بالايمان اذن فلانتحرّي وقيعة في علماء الدين و لانمسّ كرامة العارفين و لاننقم من احد عدم بلوغه الي مرتبة من هو ارقي منه اذ لايكلف اللّه نفساً الاّ وسعها. و قال مولانا اميرالمؤمنين7 لو جلست احدّثكم ماسمعت من فم ابي‏القاسم 9لخرجتم من عندي و انتم تقولون ان عليّاً من اكذب الكاذبين.

و قال امامنا السيد السجّاد7 لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخا رسول‏اللّه 9 بينهما فما ظنكم بسائر الخلق و كلاًّ وعد اللّه الحسني و فضّل اللّه المجاهدين علي القاعدين اجراً عظيماً.

و الي هذا يشير سيّدنا الامام السجاد زين العابدين7 بقوله:

انّي لاكتم من علمي جواهره   كيلا يري الحق ذو جهل فيفتتنا

 

 

«* المعاني صفحه 47 *»

و قد تقدّم في هذا ابوحسن   الي الحسين و اوصي قبله الحسنا
فربّ جوهر علم لو ابوح به   لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
و لاستحلّ رجال مسلمون دمي   يرون اقبح مايأتونه حسنا

انتهي.

نقلنا كلامه بطوله تذكيراً لبعض المستعجلين من طلبة العلم الذين قد اغترّتهم الجاهليات الحديثة فانكروا الاحاديث الدالّة علي الفضائل و المناقب و جعلوا عقولهم الناقصة ميزاناً لتقويم ما ورد في الاثار المعصومية الناصّة علي مقاماتهم النورانية فقبلوا ما استحسنته عقولهم و جحدوا ما استكرهته احلامهم و استكبروا فضلّوا و اضلّوا و لم‏يسمعوا قول اللّه تعالي فلا و ربّك لايؤمنون حتي يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت و يسلّموا تسليماً.

و في الحديث انّ المسلّمين هم النجباء.

تتميــم:

و بالجملة فنرجع الي ما كنّا في بيانه من انّ عليّاً7قداختصّه اللّه باظهار مااتيهم من الفضائل العجيبة و المقامات النورانية و التصريح بشؤنهم الالهية و ذلك لانه7 اول بيت من البيوت التفصيلية الذي وضع لظهور المراتب الاجماليّة للناس اي لجهة ايصال المنافع و الخيرات الي جميع الخلق و ليس ينبغي ان‏نعبر ذلك الموضع و لم‏نتعرّض لنفحة من النفحات الرحمانية العلوية التي تهبّ من الركن العراقية الكاظمية ارواحنا له الفداء. ذكر اعلي‏اللّه مقامه في شرح الخطبة في بيان قوله7 ايها الناس انيبوا الي شيعتي الخ كلاماً شريفاً مشتملاً علي اسرار عجيبة و لطائف شريفة نورده هنا بلفظه المبارك تيمّناً و تبرّكاً قال اعلي‏اللّه مقامه: «ففي كلّ شي‏ء مكتوب بقلم النور من مداد السرور و الكاتب اميرالمؤمنين7 باملاء رسول‏اللّه 9 من الله سبحانه لااله الاّ الله محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين ولي اللّه فما تجد ذرّة الا و هذه الكتابة فيها ظاهرة في ذاتها و صفاتها و شؤنات اطوارها و هنادس هيـٔتها كما دلّت عليه اخبارهم و شهدت

 

«* المعاني صفحه 48 *»

لهم آثارهم مجملة و انا اذكر لك حديثاً تعرف نوع ماذكرنا:

في الاحتجاج روي القسم بن معاوية قال قلت لابي‏عبداللّه7: هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم انّه لمّا اسري برسول‏اللّه 9 رأي علي العرش لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه ابوبكر الصديق. فقال7: سبحان اللّه غيّروا كلّ شي‏ء حتي هذا! قلت: نعم. قال7: ان اللّه عزّوجلّ لما خلق العرش كتب عليه لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لما خلق اللّه عزّوجلّ الماءَ كتب في مجراه لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لما خلق اللّه عزّوجلّ الكرسي كتب اللّه علي قوائمه لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لما خلق عزّوجلّ اللوح كتب فيه لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لما خلق اللّه عزّوجلّ اسرافيل كتب اللّه عزّوجلّ علي جبهته لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لما خلق اللّه عزّوجلّ جبرائيل كتب علي جناحه لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لما خلق اللّه السموات كتب في اكنافها لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لما خلق اللّه عزّوجلّ الارضين كتب في اطباقها لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لما خلق اللّه عزّوجلّ الجبال كتب علي رؤسها لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لما خلق اللّه عزّوجلّ الشمس كتب عليها لااله الاّ الله محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لما خلق اللّه القمر كتب عليه لااله الاّ الله محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و هو السواد الذي ترونه في القمر فاذا قال احدكم لااله الاّ الله محمّد رسول‏اللّه فليقل علي اميرالمؤمنين ولي‏الله. انتهي.

و لما كانت حقائق الخلائق و ذواتهم امثلة و نقوش لااله الاّ الله محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين ولي اللّه و تلك النقوش و الصور انما حصلت في الربوبية الثالثة التي كان اميرالمؤمنين حاملاً لها و مظهراً اياها و هي آثار ولايته اي ولاية اللّه الظاهرة فيه و لما حكم اللّه سبحانه ان‏يقرن الوصف الحالي بالوصف المقالي اتماماً للحجة و اكمالاً للنعمة و ايضاحاً للمحجة و كان حكم اللّه سبحانه واحداً لايختلف من ذاته وجب

 

«* المعاني صفحه 49 *»

ان‏يكون الواصف المبين المظهر المعلن في التشريع و التدوين هو الواصف و المبلغ في التكوين ليطابق العالمان و يتحد الوصفان و لما عرفت ان الواصف في التكوين بالوصف الحالي هو مولانا علي7 كان الواصف في التشريع و التدوين ايضاً هو7 و اذا اختص بانشاء مثل هذه الخطبة الشريفة دون محمّد 9 و دون سائر الائمة: علي هذا التفصيل و التبيين و ان ظهر منهم: امر اعجب و خطب اغرب لكن علي جهة الرمز و التلويح و الاشارة و ان كان في بعض المواضع بصريح العبارة الاّ انهم: صانوها عن الجهال و عن اصحاب القيل و القال بجعل اغلب تلك الاحاديث مرفوعة السند او ضعيفة علي مصطلحهم و امثال ذلك من الامور التي يطعنون بها في الحديث و لايعملون به و امّا اهل تلك الاحاديث و الاخبار و شيعتهم المقتبسون من تلك الانوار فمااخفوا عليهم بل اظهروها لهم بالقرائن القطعية و الادلة العلمية المستندة اليهم لقولهم: لاتمنعوا الحكمة من اهلها فتظلموه و كتّموها من غير اهلها لئلا يظلموها.

الي ان قال اعلي‏اللّه مقامه: و لما كان مولانا و سيدنا علي7 اميرالمؤمنين و المؤمنون هم الائمة: و هو7 اميرهم و سيدهم يميرهم العلم و هو امير النحل في قوله تعالي و اوحي ربك الي النحل الاية قالوا: نحن النحل و هو7 اصل الولاية و قطبها و كتاب اللّه الاكبر و ولي اللّه الاعظم وجب ان‏ينطق علي الخلق بالحق مما اودعه اللّه من سرّ هياكل التوحيد الذي اودعه7 في اسرار الخلق. فقام7 خطيباً لساناً للحق (ظ) سبحانه لكن لا في مقام هو هو و نحن نحن و لا في مقام نحن هو و هو نحن بل في مقام انزل من الثاني في البساطة و اعلي من الاول في الكثافة و الامكانية بل هو في مقام كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و مقام و ما ينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي و مقام المفعول المطلق المنصوب لاالفاعل المرفوع و لاالمضاف اليه المجرور و مقام الكرسي شارحاً معلناً عن المبهمات البسيطة العرشية و مفصلاً للمجملات الكلية و مظهراً للخفايا الغيبية و مبيناً لمعرفته بالنورانية و كاشفاً عن حقيقة الصمدانية الالهية و موضحاً لسر الفاعلية و شارحاً لتوحيد الحقيقي بالوحدة

 

«* المعاني صفحه 50 *»

الحقيقية و منزهاً لربه عزّوجلّ عن جميع الشوائب الامكانية و مقدّساً له تعالي عن كلّ القرانات و الاضافات الخلقية و مطهراً ساحته عزّوجلّ عن الاوهام الخيالية و التصورات الافكية و واصفاً لما عليه الكينونة البشرية و حاصراً جميع المقامات الخلقية و الحقيّة (ظ) ممّا يمكن الوصول اليه لاحد من البرية فقال روحي فداه: ايها الناس…» انتهي كلامه اعلي اللّه مقامه و نفعنا بمحبته و رزقنا شفاعته.

ففي هذا العلم مقدمة و ابواب و خاتمة.

٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭

 

«* المعاني صفحه 51 *»

المقدمة: و فيها مباحث

المبحث الاوّل: في بيان المراد من المعاني:

المعاني جمع المعني قال في المعيار: «و معني الكلام و معناته و الاصل مَعنَيَة قلبت الياء الفاً و مَعنيُّة و معنيَته و الاصل معنوي و معنوية قلبت الواو ياءً و ادغمت في الياء و كسرت النون للمجانسة و في بعض النسخ و معنيته كمنزلة، كلّ ذلك واحد: اي مايتضمنه و يفهم و يقصد و يظهر منه. ج من الجميع: المعاني كمقعد و مقاعد و مرحلة و مراحل و مفعول و مفعولة و مفاعل. و عن صاحب المصباح قال ابوحاتم: و قول العامة لاي معني فعلت و العرب لاتعرف المعني و لاتكاد تتكّلم به نعم قال بعض العرب ما معنُّي هذا كـ مري. و قال ابوزيد: هذا في معناة ذلك و في معناه بلا هاء سواء اي مماثلته و مشابهته دلالةً و مضموناً و مفهوماً. و قال الفارابي: معني الشي‏ء كمقعد و معناته (بهاء) و فحواه و مقتضاه و مضمونه، كلّ ذلك: مايدلّ عليه اللفظ. و في التهذيب، المعني كمقعد، و التفسير و التأويل واحد. و قداستعمل الناس قولهم: هذا معني كلامه و شبهه، يريدون هذا مضمونه و دلالته و هو مطابق لقول ابي‏زيد و الفارابي. و اجمع النحاة و اهل اللغة علي عبارة تداولوها و هو قولهم: هذا بمعني هذا، و هذا في المعني واحد، و في المعني سواء، و هذا في معني هذا، كمقصد في الجميع: اي مماثل له و مشابه انتهي.

و نقل عن ابي‏البقاء المعني: هو امّا مفعل كما هو الظاهر من عني يعني،اذا قصد المقصد و امّا مخفف معني بالتشديد، اسم مفعول منه: اي المقصود. و ايّاً ماكان لايصدق علي الصور الذهنية من حيث هي بل من حيث انها تقصد من اللفظ.

و المعني مقول بالاشتراك علي معنيين:

الاول: مايقابل اللفظ سواء كان عيناً او عرضاً و الثاني: مايقابل العين الذي قائم بنفسه و يقال: هذا معني. اي ليس بعين. سواءً كان مايستفاد من اللفظ او كان لفظاً. و

 

«* المعاني صفحه 52 *»

المراد بـ الكلام النفسي هو هذا المعني الثاني و هو القائم بالغير و امّا مايتعلق به القصد باللفظ فهو معني اللفظ و لايطلقون المعني علي شي‏ء الاّ اذا كان مقصوداً.

و امّا اذا فهم الشي‏ء علي سبيل التبعية فهو يسمي معني بالعرض لابالذات و «المعني» هو المفهوم من ظاهر اللفظ و الذي تصل اليه بغير واسطة و «معني المعني» هو ان‏تعقل من اللفظ معني ثم يفضي لك ذلك المعني الي معني آخر و «المعني» مايفهم من اللفظ و «الفحوي» مطلق المفهوم. و قيل فحوي الكلام: ما فهم منه خارجاً عن اصل معناه و قديخص بمايعلم من الكلام بطريق القطع كتحريم الضرب من قوله تعالي فلا تقل لهما افّ او من خلال التراكيب و ان لم‏يكن بالمطابقة.

و اللفظ اذا وضع بازاء الشي‏ء فذلك الشي‏ء من حيث يدلّ عليه اللفظ يسمي «مدلولا»ً و من حيث يعني باللفظ يسمي «معني» و من حيث يحصل منه يسمي «مفهوماً»و من حيث كون الموضوع له اسماً يسمي «مسمي» و المسمي اعم من المعني في الاستعمال لتناوله الافراد. انتهي

هذا ما عند القوم من التحقيقات و انت تري انّها لاتسمن و لاتغني من جوع فاليك بنصّ شريف و تعبير جامع يفيدك الحق الصريح في التحقيق عن المعني و المدلول و المفهوم.

قال مولانا محمّدكريم الكرماني اعلي‏اللّه مقامه: «فائدة ـ اعلم ان الشي‏ء كما عرفت من حيث ذاته و نفسه ليس معه غيره حتي يحتاج الي معلمة و انما هي لجهة الظهور. فمصداق الاسم هو ظهور حقيقة الشي‏ء في الخارج و هو الموضوع‏له و لكن المراد و المطلوب و المقصود من الاسم هو تلك الحقيقة لا الظهور لانها هي التي تقصد و تطلب و يجري عليها الاحكام و انما الظهور هو وصلة للطالب اليها و ذلك لامتناعها عن الادراك و الطلب و الاشارة و القصد بدونه فهي المرادة من اللفظ و الظهور هو المصداق فلايصدق اللفظ علي الحقيقة حقيقة لانه ليس لها في نفسها جهة تمييز و تعيين و لايحتاج الي اسم و لايجري عليه الكثرات بوجه فمصداق الاسماء ظهوراتها و

 

«* المعاني صفحه 53 *»

تختلف الاسماء باختلاف الظهورات فالظهور الكلي له اسم كلي كاسم زيد للظهور الكلي و الظهور الجزئي له اسم جزئي كالقائم و القاعد.

و ماوقع من هذا الظهور الخارجي في اللفظ من الشبح بسبب مقابلته له بالوضع هو المعني فلا معني قبل اللفظ و لا لفظ قبل المعني و هو الذي في اللفظ كالروح في الجسد ولو كان المصداق هو المعني لم‏يكن كالروح في الجسد. فكما ان الروح ليست قبل الجسد و لا الجسد قبلها كذلك المعني و اللفظ فمتي ما ركّبت من الحروف ثلثة او اربعة او ازيد او اقلّ و قابلتها لظهور شي‏ء في الخارج و وضعته له يقع عليه شبحه فيكون الشبح معني و ذلك لفظاً له و تحقيق هذه الاحوال ليس له هيهنا مجال والاّ كنّا نذكر شطراً منه حتّي يتبيّن لك الحال.

و ماوقع من هذا المعني في ذهن المخاطب من الشبح هو المفهوم و هو اثر المعني و المعني من حيث دلالة اللفظ عليه و اراءته ايّاه و ارشاده اليه هو المدلول.

فـ المراد هو حقيقة الشي‏ء.

و المصداق هو الشبح‏المتصل مادامت الحقيقة متلبّسه به و المنفصل اذا نزعته.

و المعني هو الشبح المنفصل من الشبح المتصل او المنفصل.

و المفهوم هو الشبح المنفصل (في ذهن السامع) من الشبح المنفصل (المعني الموجود في اللفظ) من الشبح المتصل (المصداق للفظ) او المنفصل فافهم.» انتهي كلامه الشريف و يظهر لنا من ذلك التحقيق الحقّ ان حقيقة المعني هي الروح السارية في جميع جسد اللفظ و الباطن الظاهر من اللفظ بل اللفظ معني ظاهر و المعني لفظ باطن و من ذلك نعرف تطابق اللغة و الاصطلاح في تعريف المعاني.

فنقول: المعاني جمع معني و هو في اللغة و في الاصطلاح: الشبح الموجود في مرءاة اللفظ الحاصل من الشبح الموجود في ذهن المتكلم الحاصل من الظهور الخارجي للحقيقة الخارجيّة او هو اظهار الشبح الموجود في ذهن المتكلّم في عالم الحسّ بالتعبير اللفظي و تجسيده و تنزيله و تجميده في عالم الشهادة بالقوالب الحرفيّة. فالالفاظ

 

«* المعاني صفحه 54 *»

قوالب المعاني و المعني في اللفظ كالروح في الجسد فكما ان الجسد تنزّل الروح و انجماده في عالم الشهادة كذلك اللفظ و المعني فاللفظ هو المعني المتجسّد و المتنزّل و المنجمد و المعني هو اللفظ الباطني المتعالي و الذائب. و بعد ما عرفنا ذلك لابد لنا من «معرفة الجملة و اركانها» فانّها من الامور التي ينبغي ذكرها في مقدّمة ذلك العلم.

المبحث الثاني

الجملة و اركانها و اقسامها

الجملة هي كلّ ما يتضمّن الاسناد فان كان الاسناد اصليّاً مقصوداً بالذات يسمّي كلاماً والاّ يسمّي جملة فكلّ كلام جملة و ليس كلّ جملة بكلام ولكنّ الجملة لابدّ فيها من اسناد. و الاسناد هو ضمّ كلمة الي اخري علي وجه يفيد الحكم بثبوت احداهما للاخري او نفيها عنها فالكلمة الاولي تسمّي «مسنداً او محكوماًبه او مخبراًبه» و الثانية تسمّي «مسنداًاليه او محكوماًعليه او مخبراًعنه» و هما اركان الجملة اللذان مازاد عليهما من مفعول او حال او تمييز او غيرها فكلّها قيود زائدة علي تكوينها.

و الاسناد الاصلي هو ان‏يكون اخبر بجزء عن جزء.([17]) في الاصل سواء كان باقياً علي اصله كقام زيد و زيد قائم او لا نحو بعتُ و انت حرّ (لانّهما انشائيّان) و اضرب. و خرج بذلك القيد نحو ضَرْبُ زيدٍ و ضاربٌ ابوه في قولك زيد ضارب ابوه و مظوم العبيد في قولك زيد مظلوم العبيد.([18])

و امّا المراد من ان‏يكون الاسناد مقصوداً بالذات هو ان‏يكون الاخبار لاجل نفس المخبرعنه فعلي ذلك ليس يضرب ابوه بكلام في قولك جاءني رجل يضرب ابوه لانّ اسناد يضرب الي ذي‏الكناية (ابوه) ليس لاجل نفس ذي‏الكناية بل لاجل المخبرعنه (رجل).

 

«* المعاني صفحه 55 *»

و علامة المسند و المسنداليه الرفع (اما ظاهراً لفظاً او باطناً و معني) لانّ الرفع علم كلّ عمدة في الكلام لقول علي7 الفاعل مرفوع و ماسواه ملحق به و امّا النصب و الجر فانّهما علما الفضل في الكلام لقوله7 ايضاً: و المفعول منصوب و ماسواه ملحق به و المضاف اليه مجرور و ماسواه ملحق به.

فكل مرفوع هو الاثر المرتفع المنضمّ الي عرصة المؤثر و الاصل فيه الفاعل فانّه حكاية عن الذات المستعلية علي الكل الموجدة للفعل فرفعه آية رفعة مقامه و انضمامه بعرصة الفعل و التحاقه بها.

و امّا المنصوب فهو كلّ ما خرج عن عرصة الفعل و الفاعل و كان في عرصة متعلقات الفعل لانّه يحتاج الي الفعل و لايحتاج اليه الفعل و لا الفاعل. و الاصل فيه المفعول فانّه منصوب لوقوع اثر الفعل عليه و تعلقه به و ماسواه من المنصوبات ملحق به فالمنصوبات هي الفضل في الكلام.

و امّا المجرور فانه المنخفض المنحط الذي يؤتي به في الكلام لتعيين المستعلي عليه و تعريف الاشرف منه فان النكرة اشرف من المعرفة و كناية الغايب اشرف من الحاضر و الحاضر اشرف من المتكلم لانّ المستعلي علي عرصة الحدود و التعينات اشرف من المنحط اليها فعلي ذلك فالمضاف اشرف من المضاف‏اليه و اعلي منه و المضاف‏اليه منخفض دونه مجرور اليه لتعريفه و تعيينه، فيجرّ المضافُ المضاف‏اليه اليه في المعني و يجرّه في اللفظ ايضاً فان المضاف‏اليه مجرور بالمضاف و المجرور بالحرف ملحق به بناء علي مذهب الحق المستفاد من قول الذي كان مع الحق و الحق معه يدور حيثما دار فالجر علامة ماينسب اليه شي‏ء من عرصة الفضول.

و الجملة علي قسمين الجملة الرئيسية و الجملة غير الرئيسية و الاولي هي المستقلة التي لم‏تكن قيداً في غيرها و الثانية هي ما كانت قيداً اعرابياً في غيرها و ليست مستقلة بنفسها. و القيود هي: المفاعيل و الحال و التمييز و التوابع (غير عطف النسق فانه جملة مستقلة لانّ العامل فيه محذوف و العاطف داخل علي العامل فلما حذف اتصل

 

«* المعاني صفحه 56 *»

بالمعطوف) التي هي النعت و التوكيد و البدل (و امّا عطف البيان فقد ثبت في محله انه نوع من البدل و ليس بقسم رابع) و النفي و الشرط و غيرها و سيأتي البحث عنها ان‏شاءاللّه تعالي.

المبحث الثالث

اقسام الاسناد

ينقسم الاسناد عند القوم الي قسمين: 1ـ  الاسناد الحقيقي العقلي و يسمي حقيقة عقلية.الاسناد المجازي العقلي و يسمي مجازاً عقلياً و مجازاً حكمياً و مجازاً في الاسناد.

فالاول: هو اسناد الفعل او ما في معناه الي ما وضع له عند المتكلم في الظاهر من حاله نحو: انبت اللّه النبات و نحو: تجري الامور بما لايشتهي البشر.

و الثاني: هو اسناد الفعل او ما في معناه الي غير ما وضع له لعلاقة مع نصب القرينة المانعة من ارادة الاسناد الي ما هو له نحو: انبت الربيع النبات و نحو: تجري الرياح بما لاتشتهي السفن. و كما يقع ذلك (اي المجاز العقلي) في الاسناد كذلك يقع في «النسبة الاضافية» كمكر الليل و جري الانهار و شقاق بينهما. و في «النسبة الايقاعية» نحو اطيعوا امري و لاتطيعوا امر المسرفين و نحو اجريت النهر. و كما يقع في الاثبات قديقع في «النفي» ولكن المقصود اثبات النفي لا نفي الاثبات نحو: فما ربحت تجارتهم علي معني خسرت تجارتهم و ما نام ليلي علي معني سهر ليلي و قد يقع في «الانشاء» نحو: و ليصم نهارك و ليجد جدك و ليت النهر جار و امثال ذلك.

و للمجاز علاقات شتي كملائمة الفاعل لوقوعه منه نحو: سيل مفعَم (بفتح العين اي مملوء) فان اسناد مفعم و هو مبني للمفعول الي ضمير السيل و هو فاعل مجاز عقلي علاقته الفاعلية.

كملائمة المفعول‏به لوقوعه عليه نحو: عيشة راضية فاسناد راضية و هو مبني للفاعل الي ضمير العيشة و هي مفعول‏به مجاز عقلي ملابسته المفعولية.

و كملائمة الزمان و المكان لوقوعه فيهما نحو: صام نهار ـ و سال الميزاب و نهار

 

«* المعاني صفحه 57 *»

صائم و نهر جار و نحو: جنات تجري من تحتها الانهار.

و كملائمة المصدر نحو: جد جده و ملائمة السبب نحو: بني الامير المدينة الي غيرها من الملابسات و العلائق.

و لابد للمجاز في الاسناد من قرينة صارفة عن ارادة المعني الحقيقي فانه لولا تلك القرينة ليتبادر الي الفهم المعني الاصلي و كذا لابد له من قرينة معينة لافراد المجاز و لايكفي احدهما عن الاخر لامكان ارادة الحقيقة و المجاز معاً من اللفظ.

و القرينة علي قسمين لفظية و معنوية فاللفظية نحو: هزم الامير الجند و هو في قصره. و المعنوية كقولك محبتك جاءت بي اليك فان العقل يحكم باستحالة قيام المسند بالمسنداليه (اي استحالة قيام المجي‏ء بالمحبة) و بعد ذلك القيام محالاً و كقولك هزم الامير الجند لانّ العادة تحكم باستحالة هزيمة الجند بالامير وحده عادة و ان امكن عقلاً و كقول الموحد:

اشاب الصغير و افني الكبيـــ   ــر كَرُّ الغداة و مَرُّ العَشِي

لان الموحد يعتقد وحدة الاله في الافعال فاسناده اشاب و افني الي كرّ الغداة و

مرّ العشي اسناد مجازي و قرينته معنوية.

اقسام الحقيقة و المجاز

اعلم ان الحقيقة و المجاز من احكام اللفظ الموضوع و صفاته. فاللفظ المستعمل فيما وضع له يوصف بالحقيقة و اللفظ المستعمل في غير ما وضع له يوصف بالمجاز.

و «الحقيقة» تنقسم الي اقسام لانّ الواضع ان كان هو الشارع7 فالحقيقة شرعية و ان كان العرف الخاص فالحقيقة متشرعة و ان كان العرف العام فالحقيقة عرفية و ان كان اهل اللغة فالحقيقة لغوية

و امّا «المجاز» فهو ايضاً ينقسم الي المجاز في الكلمة و المجاز في الاسناد و المجاز في الحذف. و ايضاً ينقسم بلحاظ آخر الي المجاز المتعارف و المجاز الراجح و المجاز المشهورو استيفاء الكلام في هذه الامور فسيأتي في محلّه ان‏شاءاللّه تعالي.

 

«* المعاني صفحه 58 *»

اقسام الاسناد باعتبار طرفيه:

و بعد ما عرفت الحقيقة و المجاز و اقسامهما فاعلم ان الاسناد باعتبار طرفيه من حيث الحقيقة و المجازية اربعة اقسام و هي:

1ـ حقيقتان لغويتان نحو: انبت الربيع البقل.

2ـ مجازان لغويان نحو: احيا الارض شباب الزمان. اد الاحياء في الحقيقة اعطاء الحيوة و هي تقتضي الحس و الحركة و المراد بأحياء الارض في هذا المثال تهييج القوي النامية فيها و احداث نضارتها بانواع الرياحين. و شباب الزمان في الحقيقة هو كون الحيوان في زمان تكون حرارته الغريزية مشبوبة قوية مشتعلة و المراد منه هنا زمان ازدياد قواها النامية.

3ـ المسند حقيقة لغوية و المسنداليه مجاز لغوي نحو: انبت البقل شباب الزمان.

4ـ المسنداليه حقيقة لغوية و المسند مجاز لغوي نحو: احيا الارض الربيع.

تتميم:

و اعلم انه قديعرف للفعل في المجاز العقلي فاعل حقيقي يسند الفعل اليه حقيقة و قد لايعرف ذلك فلايسند الي فاعل حقيقة نحو:

يزيدك وجهه حسناً   اذا ما زدته نظراً

فاسناد الزيادة للوجه مجاز عقلي ولكن ليس لها (اي الزيادة) فاعل حقيقي يعرف اسنادها اليه حقيقة. و قيل بلزوم الفاعل الحقيقي في المجاز العقلي ولكن معرفته اما ظاهرة كقوله تعالي فما ربحت تجارتهم اي فماربحوا في تجارتهم و امّا خفية كالبيت المذكور و كقولهم سرّتني رؤيتك و اقدمني بلدك حق لي عليك فالفاعل في هذه الامثلة هو اللّه تعالي.

و قد انكر «السكاكي» المجاز العقلي و اعتقد في هذه الامثلة و اشباهها بأنها من باب الاستعارة بالكناية فنحو: انبت الربيع البقل جعل الربيع استعارة عن الفاعل الحقيقي بواسطة المبالغة في التشبيه و جعل نسبة الانبات اليه قرينة الاستعارة و سيجي‏ء البحث

 

«* المعاني صفحه 59 *»

عن مذهب السكاكي في علم البيان ان‏شاءاللّه تعالي. و الحق انه يشترط في المجاز العقلي الفاعل الحقيقي المعروف ليكون الاسناد اليه حقيقة و يلاحظ نسبته معه في المجاز و كذا يشترط استعماله له حقيقة لانّه لولا الاستعمال لم‏تعرف لغة من اللغات فضلاً عن حقيقيّتها و مجازيّتها.

التحقيق في اقسام الاسناد

و اعلم ان كلّ ماذكرنا من الاقسام في الاسناد انّما هو علي مااشتهر عند القوم و اما في الواقع و الحقيقة فلا معني للاسناد المجازي سيما في كلام اللّه تعالي و كلام خلفائه و حجج حججه.

فمامثّلوا به من الايات الكريمات علي المجاز العقلي كقوله تعالي و اذا تليت عليهم آياته زادتهم ايماناً و قوله و ينزع عنهما لباسهما و قوله واخرجت الارض اثقالها و قوله فكيف تتقون ان كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً و غيرها من الايات (و منها ما تلوناها من قبل) كلّها حقائق و لا مجازية في تلك العبارات و اشباهها و فهم ذلك يحتاج الي الدقة و العناية الكاملة و خلع ربقة التقليد و استرشاد العقل الخالص المستنير فنقول توضيحاً و تذكيراً جعلنا اللّه و ايّاك من المتذكّرين.

لايخفي علي كلّ بصير انّ اللّه سبحانه لم‏يزل فرداً واحداً متفرداً في الازل و القدم و كذلك الان يكون علي ماهو عليه كان و لمّااحب ان‏يعرف و اراد ان‏يعبد (و كان غنياً من خلقه بل لنشر عوائد عطفه و بسط لطائف منّه و برّه) خلق الخلق كماقال و ماخلقت الجن و الانس الاّ ليعبدون.

و ماجعل الايجاد بالاضطرار بل اختار فيه الاختيار لانّ الاضطرار ممايأباه و يقبحه اهل الاعتبار و لانّ الاضطرار و الاختيار كليهما مقدوران فالاختيار اولي بالاختيار بل نفي المقدورية عن الاضطرار معلوم عند اولي‏الابصار فوجب الاختيار فلمّاثبت الاختيار امتنع اجراء الاحكام الالهية الاّ بالاسباب ليعطي كلّ ذي‏حق حقه من تلك الناحية والاّ لماخلق ماخلق لماخلق كماخلق و الي ذلك اشار7 بقوله ابي اللّه ان‏يجري الاشياء الاّ

 

«* المعاني صفحه 60 *»

بالاسباب و قدقال تعالي جعل لكم الارض ذلولاً فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه. فبهذا الاجراء قداغترّ قوم (المعتزلة) و قالوا بالتفويض فيعتقدون بانّ اللّه خلق النار و جعلها محرقة مثلاً و هي تحرق بالاستقلال و هذا ايضاً هو قول اليهود لعنهم‏اللّه فيمااخبر اللّه عنهم في كتابه الكريم و قالت اليهود يد اللّه مغلولة و ردّهم بقوله سبحانه غلّت ايديهم و لعنوا بماقالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء.

و القرءان يكذب هؤلاء في زعمهم هذا (استقلال الاسباب) و يصرح في ايات كثيرة باستناد الاثار اليه تعالي كقوله تعالي قاتلوهم يعذبهم اللّه بايديكم و يخزهم و ينصركم عليهم و يشف صدور قوم مؤمنين و يذهب غيظ قلوبهم. حيث ينسب التعذيب الذي تباشره ايدي المؤمنين الي اللّه تعالي و يجعل ايديهم بمنزلة الالة. و كقوله تعالي و اللّه خلقكم و ماتعملون (سواء كان المراد من ماتعملون الاصنام التي كانوا يعملونها من الاخشاب او الحجارة او الجواهر المعدنية من الذهب و الفضة و النحاس و غيرها ام كان المراد نفس الاعمال التي صدرت من الخلق) و كقوله تعالي و مارميت اذ رميت ولكن اللّه رمي و كقوله تعالي و جعل لكم من الفلك و الانعام ماتركبون حيث ينسب الفلك (و هي بماهي من عمل الانسان) الي جعل اللّه سبحانه الذي هو الخلق و الابداع. الي غير ذلك من الايات الكريمات.

كما قدغلطت الاشاعرة في تلك الايات فقالوا بالجبر و اعتقدوا بان اللّه سبحانه هو الذي يحرق الحطب حين وضعه في النار و النار ليست محرقة اصلاً و انّما المحرق هو اللّه سبحانه عند النار و المغرق هو اللّه تعالي عند الماء و ليس للنار اثر في الاحراق و لا للماء في التغريق اصلاً بوجه من الوجوه.

و قدذكر امام الشاكين و المشكّكين الرازي في تفسيره (علي مانقل عنه ملخصاً) بحثاً غريباً للاشاعرة و المعتزلة في قوله تعالي قاتلوهم يعذبهم اللّه بايديكم الاية نورده هنا تشريحاً لمذهبيهما الباطلين (التفويض و الجبر).

قال: «استدلت الاشاعرة بقوله تعالي قاتلوهم يعذبهم اللّه بايديكم الاية علي ان

 

«* المعاني صفحه 61 *»

افعال العباد مخلوقة للّه و ان الناس مجبرون في افعالهم غير مختارين فان اللّه سبحانه يخبر فيها انه هو الذي يعذب المشركين بقتل بعضهم و جرح اخرين بايدي المؤمنين و يدل ذلك علي ان ايدي المؤمنين كسيوفهم و رماحهم آلات محضة لا تأثير لها اصلاً و انما الفعل للّه سبحانه و ان الكسب الذي يعدّ مناطاً للتكليف اسم لا مسمّي له و هذه الاية اقوي دلالة علي المطلوب من دلالة مثل قوله تعالي و مارميت اذ رميت ولكن اللّه رمي اذ فيه اثبات الرمي علي النبي صلي و سلم اللّه عليه (و ان كان مع‏ذلك نفي عنه) و اثبات لاسناده الي اللّه سبحانه لكن الاية اعني قوله قاتلوهم يعذبهم اللّه بايديكم اثبات للتعذيب علي اللّه سبحانه و جعل ايدي المؤمنين آلات في الفعل لا تأثير لها و فيها اصلاً.»

و اجاب عنه الجيّائي من المعتزلة بـ «انه لو جاز ان‏يقال ان اللّه يعذب الكافرين بايدي المؤمنين بحقيقة ماادعي له من المعني لجاز ان‏يقال انه يعذب المؤمنين بايدي الكافرين و انه تعالي يكذب انبياءه بالسنتهم و يلعن المؤمنين و يسبهم بافواههم لانه تعالي خالق لذلك كله و اذ لم‏يجز ذلك علمنا انه تعالي لم‏يخلق اعمال العباد و انما اعمالهم خلق انفسهم و بذلك يعلم ان اسناد التعذيب في الاية اليه تعالي بنوع من التوسع لانه انماتحقق عن امره و لطفه كما انه تعالي ينسب جميع الطاعات و الحسنات الي نفسه لتحققها عن امره و توفيقه.»

و اجاب عنه الرازي بـ «انّ اصحابنا يلتزمون جميع ماالزم به الجيّائي و اصحابه من لزوم اسناد القبايح اليه تعالي و يعتقدون به لبّاً و ان كانوا لاينطقون به لساناً ادباً مع اللّه سبحانه.» انتهي.

ولكن الحق غير هذين المذهبين و ملخص القول فيه انّ اللّه سبحانه خلق النار مثلاً و جعلها محرقة و اودع فيها قوة الاحراق و حفظها و حفظ ماجعلها و اودع فيها فهي بقيومية جعله و ابداعه قوة الاحراق القائمين بحفظه تحرق فلا شي‏ء الاّ باللّه تعالي لانه قدثبت في الحكمة الالهية الحقة (التي اسسها الحكيم الالهي و العالم الرباني و العارف

 

«* المعاني صفحه 62 *»

الصمداني الكامل الاوحد الشيخ احمد الاحسائي اعلي اللّه مقامه الشريف) ان اللّه تعالي لايفعل بخصوص مقتضي قدرته و ارادته بل علي حسب قابليات المفعولات للايجاد و الامداد و ما ربك بظلاّم للعبيد و ليس لشي‏ء من الاشياء كون بمايمده و لا قبول لمايفعله فيه و لا سكون و لا حركة الاّ بفعل اللّه فاذا سبّب للشي‏ء جميع مايتوقف عليه كونه بقي الشي‏ء واقفاً عن الانفعال و الاسباب واقفة عن الفعل حتي يأذن لها و اذا اذن و اجري بفعله تلك الدواعي من الاسباب و المسببات جرت بفعله و حفظه.

و من هنا وردت الاخبار عن الائمّة الاطهار: انه لايكون شي‏ء في الارض و لا في السماء الاّ بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن زعم انه يقدر علي نقص واحدة فقد كفر و روي فقد اشرك و روي نقض بالضاد المعجمة. انتهي. فالاسباب ليست مستقلة بحيث تجري علي مقتضاها علي مازعمت المعتزلة حتي يكون الاسناد الي الاسباب حقيقة اولية و لاتكون مضطرة كالالات علي مازعمت الاشاعرة حتي يكون الاسناد مجازياً بل هي في كلّ حال بيد الجبار ذي‏الجلال لايترتب عليها مقتضاها الاّ باذن و اجل و كتاب و مع‏ذلك يمحو اللّه مايشاء و يثبت و عنده امّ‏الكتاب.

و لي عبارة في رسالة في الاستدلال علي تذوت الفعل الذي هو المشية و انه امر حقيقي لا اعتباري تناسب ذلك المطلب الشريف اوردها هنا تكميلاً للبحث فقدقلت فيها:

«ارشاد قرآني: قال اللّه سبحانه انه لقول رسول كريم الاية و قال عزّوجلّ فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مماكتبت ايديهم و ويل لهم ممايكسبون. انّ اللّه تعالي نسب في الاية الاولي القرءان الي رسول كريم 9 مع انه لا شك في ان القرءان كلامه تعالي و قوله. و في الاية الثانية نسب الكتابة في الفقرة الاولي منها الي الاصل و في الفقرة الثانية منها نسبها الي المباشر غيرالمستقل بحال من الاحوال (و هو اليد) ثم انه لا شك في ان النسبة حقيقية لانه سبحانه اعز و اجل من ان‏ينسب شيئاً الي شي‏ء مجازاً و ذلك واضح عند اهل البصيرة

 

«* المعاني صفحه 63 *»

الذين يرون الحقيقة و ان كانت حقيقة بعد الحقيقة ولكن اهل المجاز يرونها مجازاً.

فالواسطة ينسب اليها الفعل حقيقة ـ حتي القريبة المباشرة منها كاليد ـ فكيف يمكن ان‏تكون اعتبارياً غير حقيقي فقول الصادق7 خلق اللّه الاشياء بالمشية اثبات لوساطة المشية لخلق الاشياء و هي الفعل فكيف يتصور اعتباريته.

و من ذلك يظهر وجه مانسبوه: الي انفسهم المقدسة من افعال اللّه تبارك و تعالي كمافي قول مولانا صاحب الزمان ارواحنا فداه و عجّل اللّه فرجه و صلوات اللّه عليه في توقيعه المبارك المروي في الغيبة نحن صنائع اللّه و الخلق بعد صنائعنا([19]) و كماقال علي7 في خطبة البيان انا سيرت الجبال و بسطت الارضين انا مخرج العيون و منبت الزروع و مغرس الاشجار و مخرج الثمار انا الذي اقدر اقواتها و انا منزل القطر و مسمع الرعد و مبرق البرق انا مضي‏ء الشمس و مطلع الفجر و منشي‏ء النجوم و انا منشي‏ء جوار الفلك في البحورالي ان قال7 انا منشي‏ء الملكوت و الكون و انا الباري‏ء انا المصور في الارحام الي ان قال7انا جاوزت موسي في البحر و اغرقت فرعون الي ان قال7 انا احيي و اميت و انا اخلق و ارزق الي ان قال7 انا ابدء و اعيد الي ان قال7 انا مظهر الاشياء كيف اشاء الي ان قال7 انا اظهر الاشياء الوجودية كيف اشاء الخطبة».

و نذكر بعض الاحاديث المروية الدالة علي ماذكر ففي تفسير النعماني عن الصادق عن اميرالمؤمنين8 في قصة ابراهيم7 و اجنبني و بني ان‏نعبد الاصنام رب انهن اضللن كثيراً من الناس الاية و الاصنام لم‏يضللن احداً علي الحقيقة انماضل الناس بها و كفروا حين عبدوها من دون اللّه عزّوجلّ الحديث. فقد صرح7 بان الاصنام هي الاسباب لضلالة الناس و اسند الفعل الي السبب مع ان الاضلال ليس فعل الاصنام علي الحقيقة الاولية بل اسند الفعل الي السبب المباشر لانه سبب في الحقيقة فالاسناد علي

 

«* المعاني صفحه 64 *»

الحقيقة بعد الحقيقة فتعالي شأن نبي كابراهيم من ان‏يسند الي شي‏ء ماليس له فيكون من المجبّرة الجاهلين و هو الذي اعاذ باللّه من ان‏يكون من الجاهلين و نعلم قطعاً انّه تعالي اعاذه و عصمه من اي انحراف و فساد في العقيدة و السلوك فانه من المرسلين و من اولي‏العزم من الرسل صلوات اللّه علي نبينا محمّد و آله و عليهم اجمعين.

و في الاصول الاصلية عن اميرالمؤمنين7 في جواب اسئلة الزنديق قال معني قوله هل ينظرون الاّ ان تأتيهم الملائكة الاية فانما خاطب نبينا 9 هل ينتظر المنافقون و المشركون الاّ ان‏تأتيهم الملائكة فيعاينوهم او يأتي ربك او يأتي بعض آيات ربك يعني بذلك امر ربك و الاية هي العذاب في دار الدنيا كماعذب الامم السالفة و القرون الخالية و قال اولم يروا انا نأتي الارض ننقصها من اطرافها يعني بذلك مايهلك من القرون فسمّاه اتياناً و قوله الرحمن علي العرش استوي و معني استوي تدبيره و علا امره و قوله و هو الذي في السماء اله و في الارض اله و قوله هو معكم اينما كنتم و قوله مايكون من نجوي ثلثة الاّ هو رابعهم فانما اراد بذلك استيلاء امنائه بالقدرة التي ركبها فيهم علي جميع خلقه و ان فعلهم فعله الحديث.

تدبر في هذا الحديث الشريف حتي تعرف الحقيقة بعد الحقيقة بل تعرف حقيقية الحقيقة و مجازية المجاز فتترك المجاز لاهل المجاز و تأخذ بالحقيقة فتكون من اصحابها و معها و من اهلها يا كميل لاتأخذ الاّ عنا تكن منا.

و فيه عن سعيد بن المسيب قال كان علي بن الحسين8 يعظ الناس و يزهدهم في الدنيا و يرغبهم في اعمال الاخرة بهذا الكلام في كلّ جمعة في مسجد رسول اللّه9 و ساق كلامه7 الي ان قال و لقداسمعكم اللّه في كتابه ما قدفعل بالقوم الظالمين من اهل القري قبلكم حيث قال و كم قصمنا من قرية كانت ظالمة و انماعني بالقرية اهلها حيث يقول و انشأنا بعدها قوماً اخرين فقال عزّوجلّ فلمااحسوا بأسنا اذا هم منها يركضون يعني يهربون الخبر.

و فيه سئل الرضا علي بن موسي8عن قول اللّه عزّوجلّ كلاّ انهم عن ربهم

 

«* المعاني صفحه 65 *»

يومئذ لمحجوبون فقال: انّ اللّه تبارك و تعالي لايوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه عباده ولكنه يعني انهم عن ثواب ربهم لمحجوبون قيل و سألته عن قول اللّه عزّوجلّ و جاء ربك و الملك صفاً صفاً فقال ان اللّه عزّوجلّ لايوصف بالمجي‏ء و الذهاب تعالي ان الانتقال انما يعني بذلك و جاء امر ربك و الملك صفاً صفاً قيل و سألته عن قول اللّه عزّوجلّ هل ينظرون الاّ ان‏يأتيهم اللّه في ظلل من الغمام و الملائكة قال يقول هل ينظرون الاّ ان‏يأتيهم اللّه بالملائكة في ظلل من الغمام و هكذا نزلت و قيل و سألته عن قول اللّه عزّوجلّ سخر اللّه منهم و عن قوله اللّه يستهزء بهم و عن قوله تعالي و مكروا و مكر اللّه و عن قوله يخادعون اللّه و هو خادعهم فقال ان اللّه عزّوجلّ لايسخر و لايستهزء و لايمكر و لايخادع ولكنّه عزّوجلّ يجازيهم جزاء السخرية و جزاء الاستهزاء و جزاء المكر و الخديعة تعالي اللّه عمايقول الظالمون علواً كبيراً. الي غير ذلك من الاحاديث و الاخبار المروية عن الائمة الاطهار عليهم صلوات اللّه الملك الجبار الدالة علي ان تلك الاستعمالات كلها حقايق لا مجاز فيها و اما ما ورد في بعض الاحاديث من لفظ المجاز فعلي ظاهر الامر و بلسان اهل الظاهر كقوله7 في فقه الرضا: و قال جلّ و علا و اعلموا انماغنمتم من شي‏ء فان للّه خسمه و للرسول و لذي القربي الي آخر الاية فتطول علينا بذلك امتناناً منه و رحمة اذا كان المالك للنفوس و الاموال و ساير الاشياء الملك الحقيقي و كان مافي ايدي الناس عواري و انهم مالكون مجازاً لا حقيقة له الخبر. فتدبر و لاتغفل و سنبحث عن الحقيقة و المجاز في علم البيان ان‏شاءاللّه مفصّلاً فترقب و لنرجع الان الي ماكنا فيه من الابحاث المتعلقة بالمسنداليه و المسندبه.

المبحث الرابع

مواضع المسند اليه

قدعرفنا مماسبق ان «الاسناد» هو ضمّ كلمتين مستقلتين و الكلمة المستقلة هي ماوضعت امّا لذات او لعرض من الاعراض الخارجة عنها كزيد و ضَرْب (للذات) و طويل (للكمّ لا الطول فانه لذات الطول) و ابيض (للكيف لا البياض فانه لذات البياض) و امس

 

«* المعاني صفحه 66 *»

(ظرفاً للزمان) و في الدار (للمكان) و عبد فلان (للاضافة) و جالس (للوضع) و ضَرَبَ (للفعل) و انكسر (للانفعال).

فان هذه العناوين الثمانية (و هي الذات و المراد هنا اعم من المعني و الكمّ و الكيف و الزمان و المكان و الاضافة و الوضع و الفعل و المراد هنا اعم من الانفعال فانه فعل انوجادي) هي الموجودات الخارجية الواقعية فكل كلمة وضعت لواحد من هذه العناوين هي الكلمة المفردة المستقلة و اذا ضمّ كلمتان منها باسناد (مع ماذكر من الشرايط) صارتا كلاماً.

فلننظر الان في الاسناد الذي يقع بين هذه الكلمات و نعرف مواضع المسند و المسنداليه اللذين هما ركنا الجملة و الضابطة في معرفتهما ان المسنداليه لابد و ان‏يكون له تذوت و اطلاق و لابد للمسند ان‏يكون له عرضية و تقيد كائناً ماكان و بالغاً مابلغ. فلايقع الاسناد بين ذات و ذات فلايقال «زيد عمرو» الا ان‏يكون احدهما كناية نحو هو زيد و زيدٌ هو ففي الصورة الاولي وقعت الكناية مسنداًاليه لأبهامها و وقع زيدٌ مسنداً لتعينه فيكون كالعرض لها و في الصورة الثانية زيدٌ ابهم عند المستمع فيخبر عنه بالكناية فتكون كالعرض له.

و يقع الاسناد بين الذات و الكم و الكيف و الاضافة و الوضع و معني الاسناد بين كلّ واحد منها ان الاول هو الثاني([20]) نحو زيد طويل او ابيض او عبداللّه او مالك درهم او جالس فالمعني في كلّ ذلك ان زيداً هو طويل و هكذا و هو ابيض و هو عبداللّه و هو مالك درهم و هو جالس.

 

«* المعاني صفحه 67 *»

و يقع الاسناد بين الذات و المكان او الزمان و معني الاسناد فيهما ان الذات ظاهرة فيهما او واقعة فيهما (ان كانت معني كالضرب) و يقدر للظرف صفة تكون هي المسند نحو الصوم غداً و زيد امامك فانّك تريد فيهما «ان الصوم كائن في الغد و زيداً موجود او مستقر في الدار» كقوله تعالي فلمّا رءاه مستقراً عنده ولو قال فلما رءاه عنده لصحّ و كفي و كقوله تعالي اذا لهم مكر في اياتنا و لا شك انه يلزم ان‏يكون بعد اذا اسم فالمعني «اذا حاصل لهم مكر» و كذا قولهم امّا في الدار فزيد فانه لايقع بعد امّا الاّ اسم و المعني «امّا الموجود في الدار فزيد» فالمسند في جميع ذلك هو المتعلق المقدر اي الصفة. و يمكن ان‏يقدر المتعلق فعلاً فعلي ذلك يكون المسنداليه فاعلاً له لا مبتدأ.

و يقع الاسناد بين الذات و الفعل بمعني ان الفعل صدر عن الذات نحو زيد قام او قام زيدٌ و المراد ان القيام صدر من زيد و ان زيداً احدثه بحركته لا من شي‏ء و ليس المراد ان زيداً هو قام و لا قام هو زيد فيراد من الذات الفاعلية سواء اخّر الفعل او قدّم و لا معني للمبتدئية في قولك زيد قام كما ذهب اليها الجمهور من البصريين.

و اذا اتقنت هذه الضابطة في معرفة المسند و المسنداليه فنقول ان مواضع المسنداليه هي:

الاول: الفاعل للفعل سواء كان الفعل «تاماً» او «ناقصاً» فان الافعال الناقصة ترفع الجزء الاول من معموليها علي الفاعلية و الرفع علم العمدة و هذه الافعال لازمة لاتحتاج الي ازيد من الفاعل فاما ان تستعمل تامة غيرمحتاجة الي فضلة اخري و امّا تستعمل ناقصة و يراد منها حصول معانيها المطلقة في تعين خاص فتحتاج الي بيان هذا التعين الخاص و هو فضلة في الكلام و تنصب الثاني علي الحالية نحو: كان زيد قائماً فهي ناقصة تثبت مصدرها (اي الكون المطلق) لفاعلها (زيد) في حال معين (قائماً) في الزمان الماضي فلا وجه لذكر اسماء الافعال الناقصة من مواضع المسنداليه علي‏حدة بل هي كلها فواعل لافعالها مطلقاً (اي تامة و ناقصة).

و سواء كان الفعل «مقدماً» او «مؤخّراً» لانّ الفاعل الحقيقي هو الذات الظاهرة

 

«* المعاني صفحه 68 *»

بالفعل فمن حيث الظهور يشتق لها اسم من اثر الفعل اي المصدر فيقال الفاعل، فالفاعل مقدم علي الفعل ذاتاً و مؤخرٌ عنه اسماً و رتبةً فيكون معمولاً له. ولكن لما كان اسم الذات و حاكياً عنها كان عمدة في الكلام فاستحق الرفع بذلك و هو الاصل في الرفع لانه آية الموجد للفعل و يلاحظ معه صدور الفعل منه فكل كلمة يدل علي الذات و يلحظ معه صدور الفعل منه فهو «فاعل» سواء قدم ذلك الفعل نحو قام زيد او أخّر ذلك الفعل نحو زيد قام.

و لا معني لاضمار الفاعل و جعل زيدٌ مبتدأ و قام خبراً فان الانسان يجد من نفسه في هذا الاستعمال انه يريد ان زيداً اوجد القيام فقام فعله و اثره فيقدم الفاعل ليشير الي تقدم الفاعل علي الفعل ذاتاً و الي انه من حقه التقديم فانه المسنداليه و الفعل مسنده و اثره و حقه التأخير و امّا حين يؤخر الانسان الفاعل فللاشارة الي جهة معموليته للفعل.

بالجملة فالفاعل هو المسنداليه سواء قدم علي الفعل او أخر عنه و لا مانع من تقدمه. قال اللّه تعالي ان امرء هلك و قال تعالي و ان احد من المشركين استجارك و اضمار فعل قبل المرفوع في هذه الموارد ممّا لايرضي به قائلها فانه غير مقصود للقائل الحكيم العزيز القادر الذي يجري كلامه علي كمال الفصاحة و البلاغة كما انه لاينبغي اضمار فاعل بعد الفعل في نحو زيد قام و لايقصده الانسان الاديب في استعماله الاّ اذا اغترته الاباطيل البصرية.

و سواء كان الفعل «مبنياً للفاعل» كما مرّ او «مبنياً للمفعول» فكما ان الفعل المبني للفاعل حركة ايجادية محتاجة الي الفاعل فكذاك الفعل المبني للمفعول حركة انوجادية تحتاج الي الفاعل. فـ كسر مثلاً حركة ايجادية و لها فاعل يعبر عنه بالكاسر و هو الذي يوجد الكسر و انكسر مثلاً حركة انوجادية و لابدّ لها من فاعل يعبر عنه بالمنكسر و هو الذي يقبل الكسر من الكاسر فيسمي ذلك الفعل بـ فعل المطاوعة و هو فعل المفعول اي فعل صدر من المفعول فالمفعول فاعله حقيقة لا انه نائب عن الفاعل و لا معني لنيابته معني فلامعني لها لفظاً.

 

«* المعاني صفحه 69 *»

و كذا ساير الصيغ الدالة علي المطاوعة كـ انفعل و افتعل و تفعّل و تفاعل و كذا الفعل المشتق من كلّ فعل ايجادي الذي يسمي بالفعل المبني للمفعول ففاعله حقيقة ذلك المفعول الذي بني الفعل له و ان كان مفعولا للفعل الايجادي و لايقتضي ذلك ان‏يكون نائباً عن الفاعل و لا معني لذلك كما عرفت.

و قداخطأ من سمّي ذلك الفعل «بالذي حذف فاعله او بالذي لم‏يسمّ فاعله او بالمجهول» بل انه فعل مستقل برأسه يدل علي المطاوعة و له فاعل حقيقي و هو مرفوعه و لذلك يؤنث بتأنيثه نحو: ضُربت هندٌ كما يقال ضَربت هند.

و المقام المناسب لتحقيق هذه الامور علم النحو و لذلك اشبع البحث عنها مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه في «التذكرة» الشريفة من ارادها فليراجعها و امّا نحن فذكرناها هنا مجملةً لملابستها للبحث.

و قدظهر لك انه لا وجه لذكر نائب الفاعل من مواضع المسنداليه علي حدة بل هو الفاعل حقيقة و لكن يختلف صيغة فعله عن صيغة فعل الفاعل معناً و لفظاً فتدبر.

و سواء كان الفعل «متصرفاً» او «غير متصرف» و المراد من الافعال غيرالمتصرفة ما سمّاها القوم «اسماء افعال» و الحق انها افعال ك نعم و بئس و لكنها غير متصرفة. و الافعال غيرالمتصرفة موجودة في كلام العرب و قداعترف القوم بوجودها فليكن هذه الافعال ايضاً منها.

و الدليل علي انها افعال عدم جريان مايختص بالاسماء عليها فانهم ذكروا الخواص للاسماء تعرف بها و قالوا:

بالجر و التنوين و النداء و ال و مسند للاسم تمييز حصل

و مايجري هذه الخواص علي هذه الافعال.

و امّا تنوين صهٍ فليس تنوين تمكن الذي هو من خواص الاسماء و ليس غيره من اقسام التنوينات من خواص الاسماء و ايضاً لاينحصر التنوين في الاقسام التي ذكروها بل هذا التنوين (اي التنوين في صهٍ و مهٍ مثلاً) تنوين مبالغة يدل علي مبالغة ازيد من

 

«* المعاني صفحه 70 *»

طلب السكوت من صَهْ بلا تنوين. اضف الي ذلك ان معاني تلك الكلمات الحدث المقرون بالزمان و لايتصوّر فيها التعريف و التنكير حتي يقال ان تنوين صهٍ تنوين تنكير.

و اقوي الحجة علي انها افعال صدق حدّ علي7 للفعل عليها لانها كلمات تدل علي حركة المسمي و لايصدق حدّه7 للاسم عليها فالاسم كلمة تدل علي المسمي و يصدق ايضاً حدّ القوم للفعل (مع انه مدخول) عليها لانها كلمات تدل علي معان مستقلة مقترنة بأحد الازمنة الثلاثة و لايصدق حدّهم للاسم عليها.

بالجملة انها علي قسمين: الاول: انها افعال غير متصرفة تدل علي حركة المسمي و الحدث المقرون بالزمان الملحوظ معه.

الثاني: اصوات افعال جرت مجري الافعال ولكن في الواقع ليست باسماء و لا افعال و لا حروف بل هي اصوات اصدرها الانسان لزجر البهائم و ما يجري مجراها.

علي اي حال فهذه الافعال تعمل عمل معانيها من الافعال في التعدي و القصر غالباً فان كان معانيها قاصرة اقتصرت علي الفاعل نحو: هيهات نجدٌ اي بعد نجدٌ و ان كان معناها لايكتفي بمرفوع واحد لم‏تكتف هي ايضاً نحو: شتان زيدٌ و عمروٌ و بكرٌ اي تفرّقوا.

و ان كان معناها يتجاوز الي المفعول تجاوزت هي ايضاً و نصبت تقول دراكِ زيداً و تَراكِ زيداً فالمعني ادرك زيداً و اترك زيداً و ان كان الفعل يتم معناه بحرف تمت هي ايضاً بذلك الحرف نحو: حيهل علي الخير يعني اقبل علي الخير و حيهل بذكر زيد اي بادر بذكره ففاعل هذه الافعال مسنداليه تقدم عليها ام تأخر حذفت تلك الافعال ام ذكرت و باقي احكامها يطلب من الكتب النحوية و سيما الكتاب الشريف «التذكرة» اعلي‏اللّه مقام مصنفه الكريم.

تذكار:

قد عدّ القوم من مواضع المسنداليه اسماء النواسخ كما اشرنا اليه اول البحث و يريدون من النواسخ افعال المقاربة. فتسميتهم بالنواسخ (اي نواسخ المبتدأ و الخبر) غلط فاحش اذ بديهي انه لم‏يكن قبل التكلم جملة حتي تدخل النواسخ عليها نعم في

 

«* المعاني صفحه 71 *»

اللغة العربية كلمات معلومة اذا استعملها الانسان يعقبها بجمل هي تصلح لان‏تكون مبتدأً و خبراً اذا استعملت تلك الجمل ابتداء.

و كذا تسميتهم هذه الافعال بالمقاربة مطلقاً خطاء آخر فان مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه قد قسم هذه الافعال علي حسب اختلاف معانيها الي ثلاثة اقسام و سماها باسماء ثلاثه:

افعال الاستعداد و هي افعال يخبر بها عن استعداد فواعلها للاتصاف بصفة مفاعليها و لايلاحظ فيها الزمان و انما يراد منها صرف ثبوت الاستعداد و هي حَرا و اخلولق و جَدُر (ككرم) و حُقَّ لك كمُدَّ و حُقِقَ (كفرح مبنياً للمفعول). و هذه الافعال تقتضي فاعلاً و مفعولاً و مفعولها علي صورة الجملة الفعلية المصدرة بـ اَن و الفعل مضارع نحو: حرا زيد ان‏يفعل. فالمرفوع فاعل و الجملة الفعلية مفعول معنوي و قد حذف الجارّ نحو: و ترغبون ان‏تنكحوهنّ.

و القول بانها من النواسخ و المرفوع «اسم» لها و الفعل في محل النصب خبر لها كلام باطل فان الانسان كما ذكرنا يخترع الكلام حين تكلمه و ليست هنا جملة مهيئة قبل التكلم حتي يدخل هذه الافعال عليها و ينسخ بها حكمها اضف الي ذلك ان الفعل المأول بالمصدر كاسم معني و اسم‏المعني لايقع خبراً عن اسم الذات لانّ الخبر عين المبتدأ فلايكون زيد ان‏يخرج جملة و لا مأولة. و الحق ماذكرناه من المشايخ اعلي‏اللّه مقامهم و يلحق عسي بهذه الافعال لانه من البرازخ.

افعال المقاربة و هي افعال تدل علي اشراف فواعلها علي الاتصاف بصفة معينة و لماتتصف و هي: كاد و كَرَبَ و اَوْشَكَ و اَوْلي و هَلْهَلَ و هي مشاركة مع افعال الاستعداد في جميع الاحكام و تمتاز عنها بامور مذكورة في الكتب النحوية نحو: كادَ زيدٌ يخرج.

افعال الشروع و هي افعال وضعها الواضع جلّ و علا للدلالة علي شروع الفواعل في الفعلية و الاتصاف كما وضع القسم الاول للدلالة علي محض وجود

 

«* المعاني صفحه 72 *»

الاستعداد و القوة و القسم الثاني للدلالة علي قربها من الفعلية. و افعال الشروع هي: انشأو طفق و جعل و اخذ و علق و اقبل و قرب و هبّ (اي نشط) و اثِر اثراً (اي طفق). و الفعل الذي يذكر بعد هذه الافعال مأول بتقدير «في» نحو: اَنْشَأَ زيدٌ يقولُ (اي شرع في القول). فالمرفوع في جميع هذه الاقسام الثلاثة فاعل و هو المسنداليه. و مندرج في الموضع الاول من مواضع المسنداليه اي فاعل الفعل.

الثاني: ظرف الزمان و المكان: الثاني من مواضع المسنداليه ظرف الزمان و المكان لانه يتعلق بهما فعل الفاعل و ينصبهما الفعل علي المفعولية مجازاً كقولك صام رمضانَ و قام الليلَ فجاز ان‏تجعلهما فاعل فعل المفعول مجازاً فتقول: صيم زمانُ و جُلِسَ امامُ الامير و انما ذكرناهما في عنوان خاص و جعلناهما موضعاً مستقلاً من مواضع المسنداليه لفاعليتهما المجازية لانّ الحقيقة «صيم صَومٌ في رمضانَ» كما نقول في صام رمضان ان الحقيقة «صام في رمضان» و «صام» فعل قاصر لايحتاج الي مفعول.

و شرط وقوع الظرف فاعل فعل المفعول ان‏يكون متصرفاً قابلاً للرفع حتي يصير فاعل القبول فلايصح قولك «جلس عندُك» و لا «ضُرِبَ في الدار» و كذا لايصح «صيمَ رمانٌ» و «جلس مكان» لعدم الفائدة و لانّ الظرف اُخذ مبهماً في اصل الفعل الاّ اذا ذكر قيد زايدا علي مايلازم الفعل فيقال: صيم زمان طويل و جلس مكان حسن.

الثالث: المصدر: و من مواضع المسنداليه «المصدر في فعل المفعول» اي المفعول المطلق و هو المفعول الحقيقي الذي اوجده الفاعل بفعله و امّا غيره من المفاعيل فهي مفعولات مقيدة و تسمي بالمفاعيل مجازاً و امّا المفعول بلاقيد و الذي فُعل بفعل الفاعل و الذي اوجده الفاعل فانوجد فهو المصدر و هو الذي صدر عنه الانوجاد و قام به و هو المنوجد و فاعل الانوجاد فهو اولي ان‏يصير فاعل فعل المفعول كقوله تعالي و نفخ في الصور نفخة واحدة فالنفخة هي المجعول نفخة و كقوله تعالي و حيل بينهم و بين مايشتهون فان الذي حيل هو الحيلولة و «بين» ظرف فقوله تعالي حيل بينهم اي خلق حيلولة بينهم.

 

«* المعاني صفحه 73 *»

و كقول الفرزدق في وصف سيّدنا و مولانا السجاد صلوات‏اللّه عليه و علي آبائه و ابنائه المعصومين و شيعتهم المنتجبين:

يُغضي حياء و يُغضي من مهابته   و لايكلَّم الا حين يبتسم

فقوله يغضي من مهابته اي يوجد اغضاءٌ من مهابته و نحو قوله تعالي فلما سُقط في ايديهم اي وجد السقوط في ايديهم الي غيرها من الامثلة الكثيرة في كلام العرب. فالمصدر اولي الاشياء بالفاعلية و انه الفاعل الحقيقي و القابل الاولي الاصلي نعم لابد و ان‏يكون متصرفاً فـ سبحان مثلاً لايقع فاعلاً لعدم قبوله الرفع.

و امّا الفائدة التي لابد منها في رفع مطلق المصدر فتختلف باغراض المتكلم و اهمها و اعظمها تفهيم المخاطب بان المصدر هو المطاوع المنفعل فمن ذلك نري بعض الكوفيين يجوز نحو: قيمَ و قُعد و جُلس علي صيغ الفعل للمفعول و هذا هو الحق الذي رأيناه في الايات المذكورة و سائر الامثلة فان المجعول قياماً هو القيام لا غير.

و كذا من مواضع المسنداليه «مصدر فعل المتعدي بالحرف» اذا بني ذلك الفعل للمفعول فمعني قولك مُرّ بزيد اي انوجد المرور بزيد و معني سير بزيد اي انوجد السير بزيد و لايكون المجرور هو الفاعل لانّ الفعل لايؤنت بتأنيثه فلايقال: مُرَّتْ بهند مع ما نري من قوله تعالي ماتسقط من ورقة ، و ماتحمل من انثي (و الفاعل في هاتين الايتين هو المجرور).

و امّا سيراً في سير بزيد سيراً فهو غير مصدر سير بزيد لانّ هذا الفعل متعد و سيراً لازم بل هو مثل قولك اُقيمَ قياماً فانّ مصدر اقيم اي الاقامة هو الفاعل. اضف الي ذلك ان المجرور ان كان هو الفاعل لكان مرفوع المحل و لجاز اتباع المحل فيقال: سيرَ بزيدٍالظريفُ بالرفع ولكن لايجوز ذلك و التابع مجرور عند الكل فليس محلة الرفع فلايكون فاعلاً و ليس لقائل ان‏يقول ان تبعية المحل في موضع يمكن ظهوره و هنا لايمكن ظهور المحل فلايجوز تبعية المحل لانا نقول هذا قول من دون حجة فلاتتعب نفسك و قل ليس المجرور فاعلاً فلايكون محله مرفوعاً.

 

«* المعاني صفحه 74 *»

الرابع: الحال و التمييز اذا وقعا فاعل فعل المفعول. فان الحال من حيّز المفعول‏به اذا كان صفة له فقولك ضُرب راكبٌ صحيح لانّ الراكب هو زيد في حال الركوب و زيد في حال الركوب فاعل ضُرب. و امّا التمييز فهو ايضاً من حيّز المفعول‏به ان كان له فيصح وقوعه فاعل فعل المفعول كقولك حُسِّنَ وجهٌ لانّ تحسين زيد من حيث الوجه هو تحسين الوجه. فالوجه فاعل حُسِّن فان الضابط في فاعل فعل المفعول هو ان كلّ مفعول لفعل فاعل يكون مطلقاً ذاتياً او وصفياً او من حيّز المفعول‏به يجوز اسناد فعل المفعول اليه والاّ فلا.

الخامس: احد مفعولي باب اعطيت اذا كان مبنياً للمفعول نححو: اُعطي زيدٌ ديناراً او اُعطي دينارٌ زيداً. امّا الثاني منهما فلانه هو المفعول‏به في قولك «اعطيت زيداً درهماً»فان الدرهم هو المفعول‏به و من ذلك يشتق له الوصف و يصدق عليه (المُعطي) فالدرهم عطاؤك و ظهر عطاؤك به ولكن لمايحتاج ذلك المفعول الي متعلق يتعلق به حتي يتم بذلك معني الفعل (لان العطاء لايتحقق الا بين الاثنين ـ المُعطي و المُعطي_’feله) يؤتي بزيد و ينصب علي انه مفعول متعلق و لما كان متعلق المفعول‏به فيصح جعله فاعل فعل المفعول و اسناد الفعل اليه. و علامتهما (اي المفعول‏به و المفعول المتعلق) ان لايصح اسناد المتعلق الي المفعول‏به فلايجوز زيد درهم.

و يلحق بذلك كلّ فعل تعدّي الي المفعولين فيجوز رفع ايهما شئت اذا بنيت الفعل للمفعول و تذكر المرفوع متقدماً بشرط عدم اللبس (كما انه اشترط ايضاً في باب اعطيت).

و امّا عند اللبس فتحفظ الرتبة ففي صورة امن اللبس تقول: اُعطِي زيدٌ درهماً او درهم زيداً و كسي زيد جبة او كسي جبة زيداً و امّا مع اللبس تقول: اعطي زيد عمراً ان اعطيت لزيد عمراً و صار عمرو مملوكه و ان كان عكساً فتقول: اعطي عمرو زيداً.

السادس: احد مفعولي باب علمت في صورة البناء للمفعول. امّا الاول منهما فلا نزاع في جواز رفعه نحو: عُلم زيد فاضلاً في قولك علمت زيداً فاضلاً. لانه هو المفعول

 

«* المعاني صفحه 75 *»

المخصص اي المحل و المعروض للمفعول‏به في هذا الباب. و امّا الثاني فاختلفوا في جواز رفعه و جعله فاعل فعل المفعول ولكن الحق الظاهر انه هو المفعول‏به لانّ المعلوم في قولك علمت زيداً فاضلاً هو فضل زيدٍ و هما صالحان للمبتدأ و الخبر و الخبر هو المبتدأ و المبتدأ هو الخبر فزيد هو فاضل و فاضل هو زيد و كلّ حكم يجوز علي المبتدأ يجوز علي الخبر فكما يصح قولك: علم زيدٌ يصح قولك: علم فاضلٌ.

اضف الي ذلك ان المفعول‏به في الحقيقة فضل زيد و انما جي‏ء بزيد ليتعين محل الفضل فالفاضل اولي بالرفع فيجوز ان‏يقال: علم زيداً فاضلٌ و امّا عند اللبس فتحفظ الرتبة و علامتهما (اي المفعول‏به و المفعول المخصص) صحة جعل اولهما مبتدأ و ثانيهما خبراً فالاول يسمي بـ المفعول المخصص لانه حقيقة المضاف‏اليه يؤتي به لتخصيص عموم المضاف و لتعيين ابهامه و ليس مقصوداً بالذات و قد قدّم تمهيداً لذكر المعلوم الذي هو وصفه و عرضه و لانه هو صاحب الوصف و الموصوف به و مقدم عليه رتبةً و يسمي الثاني المفعول‏به. و هذان المفعولان بمنزلة مفعول واحد فان معني قولك: علمت زيداً فاضلاً علمت فضلَ زيدٍ و من ذلك ان حذفا حذفا معاً و ان ابقيا ابقيا معاً.

السابع: المفعول الاول من باب اعلمت اذا كان الفعل مبنياً للمفعول نحو: اُعلم عمروٌ زيداً فاضلاً. و السماع علي ذلك كقول الشاعر:

و نُبِّئْتُ عبدَ اللّه بالجوّ اصبحت   كراماً مواليها لئيماً صميمها

و امّا رفع الثاني و الثالث من مفاعيله الثلاثة نحو: اُعلم عمراً زيدٌ فاضلاً و اعلم عمراً زيداً فاضلٌ فلم‏يسمع من العرب مع ما فيها من الركاكة و خلاف البلاغة و ان اجاز ذلك بعضهم لعدم حصول اللبس بحفظ الرتبة لانه لايجب ان‏يكون المرفوع والي الفعل بلافصل او مع عدم اللبس المعنوي كقولك: اُعلم زيدٌ كبشَك سميناً و اُعلم كبشُك زيداً سميناً و اُعلم سمينٌ زيداً كبشاً في قولك: اعلمتُ زيداً كبشَك سميناً.

الثامن: الجملة الواقعة مسنداًاليها بالفاعلية. فان من الجمل التي لها محل من

 

«* المعاني صفحه 76 *»

الاعراب الجملة التي تقع فاعلاً نحو ثمّ بدا لهم من بعد ما رأوا الايات ليسجننّه و نحو اذا قيل لهم لاتفسدوا في الارض و نحو قيل يا ارض ابلعي ماءكِ فانها جمل مرفوعة محالّها و مسنداليها بالفاعلية.

التاسع: الفاعل لشبه الفعل «كفاعل المصدر» نحو: اعجبني ضربُك زيداً و «اسم المصدر» (ان لم‏يكن علماً) نحو: فان ثوابَ اللّه كلّ موحدٍ و «المصدر الميمي» نحو:

اَظُلَيْمَ ان مصابكم رجلاً   اهدي السلام تحية ظلمٌ

فان هذه الثلاثة تعمل عمل افعالها في التعدي و اللزوم و ذكروا لعملها شرائط كلها مذكورة في الكتب النحوية.

و «كفاعل اسم الفاعل» لانّ اسم الفاعل يدلّ علي مبدء الفعل فيعمل عمل فعله تعدياً و لزوماً نحو و كلبهم باسط ذراعيه بالوصيد و نحو فالقِ الاصباح و جاعلِ الليل سكناً و نحو اليس اللّه بكافٍ عبده.

و «كفاعل اسم المفعول» فانه اسم يدل علي ذات ظهر عليها اثر فعل غيرها فهي قابلة لاثر الغير. و اسم المفعول يعمل عمل فعله المبني للمفعول فيرفع فاعله كقولك: زيدٌ المضروبُ عبدهُ اي زيد الذي ضُرب عبدُه و نحو: زيدٌ معطي ابوه درهماً و نحو: زيدٌ مُعْلَمٌ اخوه بشراً فاضلاً.

و «كفاعل الصفة المشبهة»: نحو زيدٌ الحسنُ وجهُه و زيدٌ حسنٌ وجهُه فانها كلمة اشتقت من المصدر القاصر و مشبهة بالفاعل في الدلالة. و لما كانت من نتائج الفعل بواسطة المصدر و تعمل عمل فعله فتقتضي فاعلاً ولكن لما كانت مشتقة من الفعل القاصر لاتقتضي مفعولاً.

فان رفعت معمولها فعلي الفاعلية و حينئذٍ تخلو عن الكناية و لابد في المعمول من العائد ليرتبط به الجملة بالموصوف كما مرّ في المثال المذكور.

و ان نصبت المعمول فعلي التمييز (و ان كان المعمول معرفة لانّ الحق جواز المعرفة في التمييز كما قال تعالي سَفِهَ نفسَه) و فاعلها هو الضمير المستكن فيها يعود

 

«* المعاني صفحه 77 *»

الي الموصوف للربط نحو: زيد حسنٌ الوجهَ و زيد الحسنُ الوجهَ.

و ان جرّت المعمول فعلي الاضافة (و الحق ان هذه الاضافة تفيد تعريفاً) و الرابط في المضاف و المضاف‏اليه حرف التعريف فان فيه معني الاشارة نحو: زيد حسن الوجهِ (فالمجرور مضاف‏اليه و فاعل). و اعلم انها تعمل و ان كانت محذوفة كقولك: خلقاً لمن سئلك زيد طيّب من اي حيث؟ فان معني قولك خلقاً «زيد طيب خلقاً».

و «كفاعل اسم التفضيل»: فانه كلمة تشتق من المصدر المشتق من الفعل و لما كان فيه مسحة من الفعل فيعمل عمل الفعل فيقتضي فاعلاً سواء كان للفاعل او للمفعول فقولك: زيد افضل من عمرو يكون الفاعل هو الضمير المستتر في «افضل» الراجع الي «زيد» و قولك: زيد اشهر من عمرو فالضمير هو الفاعل. و كما يرفع الضمير يرفع الظاهر نحو: مررت برجل افضل منه ابوه (ففاعله ابوه) و نحو: مررت برجل خير منه عمله (فعمله فاعله).

و «كفاعل الظروف المستقرة و الجار و المجرور»: فانهما لشدة افتقارهما الي الفعل و اتصالهما به و احتوائهما علي معني الفعل صارا ملازمين لمتعلق دائماً و ذلك المتعلق هو العامل قطعاً فيقتضي فاعلاً. و انما افردنا فاعلهما في الذكر لانه قداشتبه علي كثير من النحاة فزعموا انهما هما العاملان بانفسهما.

ولكنّ الحق انهما كما لايعملان مع المتعلق الظاهر لايعملان مع المتعلق المقدر. فالعامل هو الفعل حقيقة. نعم ان نسبت العمل اليهما من باب مجاز الاقتران فلابأس لانهما ليسا بمشتقين من الفعل حتي يكون فيهما عرقه و انما القي عليهما ظل الفعل بالاقتران فعلي‏ذلك فان كان ذوالظل مذكوراً في الكلام فهو الاولي بالعمل و انتساب العمل اليه و الاّ فالاقتران معنوي و كذلك الظل فهو معنوي و ذوالظل ايضاً معنوي فالعمل حقيقة للعامل المعنوي.

و من ذلك الجهة نقول ايضاً انهما لاتقعان خبراً لانّ الخبر هو المبتدأ و هما لايصيران مبتدأ فالخبر في الحقيقة متعلقهما اي الوصف المقدر. بالجملة من مواضع

 

«* المعاني صفحه 78 *»

المسنداليه فاعل الظروف المستقرة و الجار و المجرور نحو كفي باللّه شهيداً بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب (فعلم الكتاب مرفوع بالفاعلية) و نحو افي الله شك و نحو في يوم الجمعة سعادة و نحو في يوم الاربعاء نحوسةٌ.

و «كفاعل المنسوب»: فانه بمعني اسم المفعول حقيقة اي المفعول الذي لم‏يقصد منه الحدوث كـ التميمي فانه بمعني «المنسوب الي التميم» و القرشي بمعني «المنسوب الي القريش». فهو يعمل عمل الصفة المشبهة فيرفع معموله علي الفاعلية و ان ينصب فعلي التمييز او يجر فعلي الاضافة و الفاعل مستتر في الاخيرين نحو: رأيتُ زيداً القرشي الابُ (برفع الاب علي انه فاعل له) اي رأيت زيداً الذي ينسب الي القريش ابوه و الابَ (بالنصب علي التمييز و الفاعل مستتر فيه) اي قرشي هو من حيث الاب. و الابِ (بالجر علي الاضافة و الفاعل مستتر في المضاف و المضاف‏اليه لانهما علي الصحيح بمنزلة كلمة واحدة) اي قرشي الابِ هو.

العاشر: خبر انّ و اخواتها: الموضع العاشر من مواضع المسنداليه اخبار الحروف المشبهة بالفعل (علي اصطلاح القوم) و هي حروف وضعت لاثبات المسند للمسنداليه و هذا المعني هو الجامع لمعانيها الخمسة فان لهذا المعني شؤناً هي التحقيق (اِن‌َّ و اَن‌َّ) او التشبيه (كأ‌‌َن‌َّ) او الاستدراك (لكنّ) او التمني (لَيْتَ) او الترجي (لعلّ) فبحرفي التحقيق تتأكّد ثبوت المسند للمسنداليه (ولكن الحق ان اَنَّ المفتوحة لاتدل علي ازيد من الربط فانها مع مدخولها تأوّل الي المصدر و لا تأكيد فيه).

و بحرف التشبيه تثبت صفة المسند للمسنداليه و بحرف الاستدراك تستدرك خلاف ماتوهمه السامع و تثبت المسند للمسنداليه و بحرف التمني تتمني ثبوت المسند للمسنداليه و بحرف الترجي تظهر رجاء ثبوت المسند للمسنداليه.

فالعمدة في هذه الجمل هو المسند لان‌ّ معني انّ زيداً قائمٌ تحقق قيام زيدٍ. و معني كأنّ زيداً اسدٌ تحقق اسدية زيدٍ و معني زيد شجاع لكنّه بخيلٌ ليس الامر كما توهمت ايها السامع بل تحقق بخل زيد. و معني ليت زيداً عالمٌ منيتي عالمية زيد و معني لعلّ زيداً

 

«* المعاني صفحه 79 *»

يأتي مرجوي اتيان زيد. تدبر في مفاد تلك الجملات الاتري ان للمسند معني الفاعلية و الفاعل هو العمدة في الكلام و من ذلك استحق الرفع. و اما المسنداليه فهو فضلة جي‏ء به بالتبع ليكون مظهراً للمسند و محلاً لوجوده و بروزه فهو المفعول المخصص و نصب علي المفعولية و في الحقيقة مجرور بالاضافة و انقطع عنها.

و انما تقتضي هذه الحروف الفاعل و المفعول لانها تتضمن معني الفعل فمرفوعها فاعل حقيقة و منصوبها مفعول مخصص كالمفعول الاول في باب علمت. فـظهر ان تسمية هذه الحروف بـ النواسخ (اي نواسخ المبتدأ و الخبر) خطاء كما ان تسمية . . . فواعلها بــالاخبار و مفاعيلها بـ الاسماء خطاء آخر و اصطلاح من غير وجه.

و يلحق بهذه الحروف لاء التبرية او النافية للجنس فانها تعمل عملها و الفرق بينها و بين الحروف ان الحروف للثبوت و هذه للنفي فهي تنفي المسند عن المسنداليه نحو لا رجلَ حاضرٌ فمعناه «منفي حاضرية كلّ رجل». فتنصب المسنداليه لانه الفضلة حقيقة و ترفع الخبر لانه العمدة. فليكن من مواضع المسنداليه مرفوع لاء التبرية.([21])

الحادي عشر: اسم «ما» و «لا» المشبهتين بليس: من مواضع المسنداليه مرفوع «ماءالحجازية» و «لا» المشبهتين بليس في العمل و المعني. فان فيهما مسحة الفعل و رائحته فترفعان اسماً علي الفاعلية لمعناهما و تنصبان آخرَ علي الحالية و تدلان علي عدم وجود فاعلهما في الحالة المخصوصة اي عدم ظهوره بتلك الصفة كقوله تعالي ما هذا بشراً فتنفي ما كون هذا في حال البشرية كماتقول ماجاء زيدٌ راكباً فتنفي مجيئه في حال الركوب.

 

«* المعاني صفحه 80 *»

فانا علمنا من بركات مشايخنا العظام اعلي‏اللّه‏مقامهم التي منّ اللّه بها علينا و اختارنا من بريّته لهذه الكرامة و خصّنا بتلك الرحمة الخاصة المكتوبة. و هم قدعلموا ببركة ساداتهم سلام‏اللّه‏عليهم، ان الرفع علم العمد و الفاعلية و النصب علم الفضل و المفعولية و لا شك ان فيهما مسحة الفعل و انهما بمعني «ليس» و «لايكون» فترفعان اسماً علي الفاعلية في الحقيقة و تنصبان منصوباً علي الحالية كمامرّ البحث عن ذلك في الافعال الناقصة فراجع.

و يلحق بهما «لاتَ» و «اِنْ» فان «لات» مؤنثة «لا» و زيدت فيها تاء للمبالغة و خصت بنفي الاحيان. و امّا «اِنْ» فتسمي اِنِ‏العالية لانها تعمل في لغة العالية التي هي مافوق نجد الي تهامة و الي ماوراء مكّه. نحو لاتَ حين مناص اي ليس الحين حين مناص. (فالمرفوع اي المسنداليه محذوف غالباً علي ماقالوا و الذي يوافق الحكمة ان المحذوف هو المنصوب لانه الفضلة) و نحو:

اِنْ هو مستولياً علي احد   الاّ علي اضعف المجانين

(اي ليس هو مستولياً)

الثاني عشر: المبتدأ: و المراد بهذا ماكان هو المسنداليه في الاسناد بين «الذات» و «الكمّ» او «الكيف» او «الاضافة» او «الوضع» فان المسنداليه في هذه الاقسام كلها هو المسند و المسند هو المسنداليه و يسمي المسنداليه في هذه الاقسام بالمبتدأ و المسند بالخبر و لماكان رفع المبتدأ بالخبر لتضمنه معني الفعل و للمبتدأ معني الفاعلية علمنا ان المبتدأ ملحق بالفاعل و يستحق الرفع من تلك الجهة و لقول مولانا اميرالمؤمنين7الفاعل مرفوع و ماسواه ملحق به و لمااسلفنا من ان الرفع علم العمدة و المسنداليه عمدة في الكلام.

و امّا ماقلنا من ان المسنداليه هو المسند و بالعكس لانّ الاسناد في هذه الاقسام يقتضي الاتحاد ولو من جهة و الاّ يكون الاسناد كذباً.

و امّا فائدة الاسناد فيها فهي ماذكرنا سابقاً من ان للمسنداليه تذوّتاً و اطلاقاً و

 

«* المعاني صفحه 81 *»

للمسند وصفيةً و تقيداً و الذات محل ظهور الصفات و بروز الفعليات و لماكان عرصة ظهور الفعليات و حدوث الصفات الزمان و للفعليات و الصفات الترتب و التدرج الزماني فانّ لكل صفة حدوداً خاصة بها تمتاز عن غيرها فيقع بينها المغايرة و المصادمة و لايمكن اجتماعها في مكان واحد ذاتي بل بينها الترتب من السببية و المسببية و الشرطية و المشروطية و الاولية و الاخرية و التقدمية و التأخرية الي غيرها من النسب.

فـ الاسناد هو الاعلام بان الذات (المطلقة الصالحة للظهور بكل واحد من تلك الصفات و الفعليات غيرالمتناهية) في الحال متصفة باي ظهور من ظهوراته. فالظهور من حيث انه ظهور الذات عين الذات الظاهرة متحد معها يصحح هذا الحيث الاسناد و من حيث كون الظهور ظهوراً للذات فهو غيرها ففائدة الاسناد الحكم بانّ هذا الغير هو تلك الذات و ظهر من ذلك البيان ان المبتدأ مجهول اي متعال علي التعين و الخبر معروف اي تعين خاص و توصيف المجهول بالمعروف له فائدة و هي اثبات الرابطة المجهولة.

و ايضاً المراد بهذا المبتدأ المبتدأ الذي له خبر فان المبتدأ الذي لا خبر له ليس بمسنداليه حقيقةً و توضيح ذلك ان المبتدأ قديكون ذاكناية لغرض من الاغراض فيؤتي بمرجع الكناية موفوعاً علي الابتداء توطئة للمبتدأ الاصلي المقصود و يسمي مولانا الكريم اعلي‏اللّه‏مقامه ذلك المرفوع بـ المبتدأ المؤطّي‏ء. و بعد ذكر ذلك المرفوع يؤتي بالمبتدأ المقصود علي نحو «بدل الغلط» و ما هو ببدل غلط لانه عن عمد نحو: زيدٌ ضاربُه عمروٌ.

و قديؤتي بذلك المرفوع من غير ذكر بدل فهو مبتدأ لا خبر له و هو في الحقيقة ذكر ذات توطئة ليرجع اليه كناية فحسب نحو: زيد هل ضربته و زيد ان ضربته غضب عمرو و زيد ماضربته و منه نحو: امّا زيدٌ فاضربه و امّا عمرو فاقتله. فزيد و عمرو مرفوعان علي الابتداء و لا خبر لهما فيخرجان عن كونهما مسنداًاليه.

الثالث عشر: المفعول الاول لظنّ و اخواتها: فانها تدخل علي مايصلح للجملة الاسمية لبيان اعتقاد المخبربه. و تعمل فيمايصلح للاسناد بالاصالة (و هو الذي عليه

 

«* المعاني صفحه 82 *»

مدار الحكم). و فيمايصلح للاسناد اليه بالتبع. فيـؤل الاول الي المصدر و يستند الي الثاني و يتعين به و يصير مضمونهما مفعول هذه الافعال فهي في الواقع ذات مفعول واحد نحو: علمت زيداً حكيماً. فحكيماً يـٔل الي المصدر اي «الحكمة» و هي المفعول بالاصالة و جي‏ء بزيد لاستناد الحكمة اليه و تعيينها و الدليل علي ذلك انه لو صدر مايصلح للجملية باَنّ اكتفت هذه الافعال بمفعول واحد و هو مأوّل انّ و معموليها نحو: علمت انّ زيداً منطلق اي انطلاقَ زيد.

و يمكن الحاق افعال التصيير بهذه الافعال المذكورة لانها ايضاً افعال تدخل علي مايصلح للجمليّة و تنصب جزئيها و هي «صيّر» و «اصار» و «جعل» و «وهب» و «ردّ» و «اتّخذ» و «تخذ» نحو: صيّرت الطين خزفاً و نحو و جعلناه هباء منثوراً و وهبني اللّه فداك (وهب مخصوص بالماضي) و نحو لو يردّونكم من بعد ايمانكم كفاراً و نحو اتخذ اللّه ابراهيم خليلاً و لاتخذت عليه اجراً. و يلحق بها (اي افعال التصيير) نحو سميتها مريم.فان في هذه الافعال (افعال التصيير) يقصد احداث المسند للمسنداليه بهذه الافعال فالجزء الاول منصوب علي انه هو المفعول‏به و الجزء الثاني منصوب علي انه هو المفعول‏عليه المبين لابهام الفعل و اجماله ففي نحو: صيّرت الطين خزفاً فتسند الخزفية الي الطين و تبين انها انماوجدت بفعلك فمن ذلك الحقناها بظنّ و اخواتها لعدم وضوح المسنداليه فيها.

الرابع عشر: المفعول الثاني لأري و اخواتها: و هذه الافعال تتعدي الي ثلثة مفاعيل فيكون الاول هو المفعول المتعلق و الثاني هو المفعول المخصص و الثالث هو المفعول‏به ففي قولك اعلمتُ زيداً عمراً منطلقاً فزيداً هو الذي تفيده علمَك و علمك (اي معلومك) في الحقيقة جملة «عمرو منطلق» و هذه الجملة مأوّلة الي مفرد و هو «انطلاق عمرو» و هذا المفعول لايحمل علي المفعول الاول اذ هو المفعول‏به. و قدذكرنا في الموضع السابق ان المخصص هو المسنداليه الذي اسند اليه ماهو يصلح للاسناد.

و قدبلغ مواضع المسنداليه الي اربعة عشر موضعاً و ذلك لبيان سر هذا العدد

 

«* المعاني صفحه 83 *»

المبارك و الاشارة الي «كليات مظاهر المسنداليه الكلي الحقيقي الاولي». فان الظاهر يوافق الباطن و الشهادة توافق الغيب. فانّا قدبينا سابقاً (في معرفة الضابطة التي بها يعرف المسنداليه و المسند) ان المسنداليه هو مايكون له التذوت و الاطلاق و اللاتعين و المسند هو مايكون له الوصفية و التقيد و التعين لانه يكون ظهور الذات و اثرها قائماً بها قيام صدور.

فعلي تلك الضابطة ان «المسنداليه الحقيقي الاولي» هو الذي كلّ شي‏ء اثره و اثر اثره و اثر اثر اثره وهكذا الي مالانهاية له و الذي له التذوت الحقيقي بل لا ذاتية الاّ له و لا اطلاق الاّ اطلاقه الذي به تحققت الذوات و به تشيئت الحقائق و به و له تأصلت الاسطقسات و هو الذي سبق الموجودات فكان اقويها و اثبتها و اعلاها فهو ذات الذوات و الذات في الذوات للذات. و اليه الاشاره في قوله7 في الصحيفة و استعلي ملكك علواً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لم‏يبلغ ادني مااستأثرت به من ذلك اقصي نعت الناعتين الدعاء.

و هذا المسنداليه هو فعل اللّه الذي استفادت الذوات من صفاته تذوتاتها و الصفات من هيئات اشباحه تذوتاتها و الظلال من عكوسات اشباحه تشيؤها و تأيسها فلا ذات سواه و لا متأصل غيره الاّ به.

و لاتتوهم من كلامنا هذا ان الفعل مستقل في ذلك و ان اللّه تعالي معزول عن ملكه تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا بل المراد ان الاشياء منتسبة الي الفعل و منتهية اليه و دالة عليه كما ان حسن الخط و قبحه لايدلاّن علي حسن الكاتب و قبحه و انما يدلاّن علي اعتدال حركة يد الكاتب و حسنها او عدم اعتدالها و قبحها.

و لا شك ان الاثر يدل علي المؤثر و ان المسند يحمل علي المسنداليه و ينتهي اليه و يستند اليه فلو كان هو اللّه تعالي لدلّ الاشياء علي ذات اللّه سبحانه و تعالي عن المدلولية و عن كلّ نسبة بينه و بين خلقه. بل اللّه عزّوجلّ محقق الحقائق و مذوت الذوات و مؤصل الاصول لكنه بلا نسبة مباينة و لا موافقة و لا مساوية و لا عامة و لا

 

«* المعاني صفحه 84 *»

خاصة و لا مطلقة و لا مقيدة و لا جميع انحاء النسب لانها كلها تستلزم الاثنينية اذ النسبة لاتكون الاّ بين الاثنين. فهو تبارك و تعالي مقيم الاشياء بلا كيف و لا اشارة.

و قد غفل القوم عن هذا التنزيه و التسبيح و التقديس و زعموا تحقق النسبة بين ذاته تعالي و الاشياء حتي اعتقدوا و قالوا: «لايمكن ان‏يصدر من الواحد الاّ الواحد» فهذا الكلام دليل صريح علي اعتقادهم بلزوم هذه النسبة. ولكن اذا نسبنا الاشياء الي فعله تعالي ـ نسبة صدور و حصول الاضافة بين المصدر (بكسر الدال) و المصدر (بفتح الدال) و لا شك ان هذه النسبة هي الكثرة المستدعية للحدوث و الامكان ـ قلنا ان لزوم النسبة حق ولكن هذه المناسبة بين فعل الذات و مفعولها لا بينها و بينه فبذلك يصح قولهم انه لابد ان‏يكون بين المفعول و الفاعل مناسبة تصحح صدور ذلك المفعول الخاص دون غيره والاّ لصدر كلّ شي‏ء عن كلّ شي‏ء و هو بديهي‏البطلان و كذا قولهم ان مباين الشي‏ء لايصدر عنه اذ لايعقل صدور الحرارة من الماء البارد و البرودة من النار و امثالها. و كلّ ذلك حق اذا ارادوا المناسبة بين الفعل و المفعول لان المفعول هو الاثر و الاثر هو الحاصل المتحقق من فعل المؤثر (لا بمعني ان الفعل جزء مادي له بل بمعني ان الفعل سرّ فاعلي له) فيكون الاثر مضمحلاً و معدوماً في رتبة المؤثر بالمرة لا ذكر له هناك.

و لا بأس ان‏نبين اقسام ذكر الشي‏ء في الشي‏ء الاخر حتي تعرف امتناع ذكر الاشياء في ذات اللّه سبحانه و تعالي و ان كان هذا البحث لايناسب المقام ولكن نذكره مجملاً لتثبيت ان الفعل هو المسنداليه الحقيقي الكلي الاولي فنقول:

انّ ذكر الشي‏ء في الشي‏ء الاخر (بمعني ان الاول غيب للثاني) علي ثلاثة اقسام:

الاول: الذكر الاستجناني كذكر الشجرة في النواة و في هذا القسم يكون الظهور علي جهة الولادة و يسمي قبل الظهور بالاجمال و بعده بالتفصيل بمعني ان المتأخر هو الذي كان في المتقدم بعينه المذكور فيه بحقيقته الاّ انه علي وجه الاجمال ثم تفصل.

الثاني: الذكر الصلوحي كذكر الحروف في المداد و ذكر الانواع في الاجناس و ذكر

 

«* المعاني صفحه 85 *»

الاصناف في الانواع و ذكر الاشخاص في الاصناف و ذكر الاقسام في المقسم و ذكر الصور في المواد. و في هذا القسم لايكون المتأخر مذكوراً في المتقدم بعينه بل في المتقدم ذكر صلاحية لاقتران الاخربة. و بعد الاقتران يكون المجموع منشأ حكم آخر فلايكون في هذا القسم ولادة ولكن هنا ايلاج بمعني انه لابد من انفعال احدهما بالاخر اذ لو لم‏ينفعل المادة مثلاً بالصورة لماحلّت فيها و لمااستقرت عليها. فالانفعال من الطرفين و الاّ لم‏يحصل الايتلاف و من هذه الجهة نري مشايخنا العظام اعلي‏اللّه‏مقامهم يسمون المادة بالاب و الصورة بالام.

قال سيدنا الاجل اعلي ‏اللّه ‏مقامه و روحي‏لتراب مرقده‏ المقدس ‏الفداء في شرح القصيدة المبارك:

قاعدة: اعلم ان الاب في الحقيقة هو المادة و الام هي الصورة امّا الاول فلان الاب هو الفاعل و جهة الفاعلية انماتظهر في المادة لقربها الي الوحدة القريبة الي المبدء فكل ماقرب الي المبدء يكون في الفاعلية اقوي و بالمؤثرية احري و بالاستيلاء و الاستقهار اولي و كلّ مابعد عنه يكون الي الانفعال و القابلية اقرب و بالتاثر اولي و لاشك ان الصورة جهة الكثرة و الكثرة بعيدة عن المبدء فهي بان‏تكون امّاً اولي بان‏تكون اَباً. الي ان قال اعلي‏اللّه‏مقامه: و قدروي من طريق اهل‏البيت مايدل علي ذلك فقدقال مولانا و سيدنا الصادق7ان اللّه خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امّه الرحمة و لا شك ان مدخول «مِنْ» في اللغة العربية في مقام الصنع و الايجاد المادة و الصبغ في الرحمة ظاهر ان المراد منه الصورة و هو نص علي ان الصورة هي الام و المادة هي الاب و سيدنا الصادق7 اعلم بمواقع الحكمة و اصولها من الحكماء لانه معدن العلم و اهل بيت الوحي. انتهي كلامه الشريف.

و كان قصده في آخر كلامه الرد علي الحكماء حيث اخطأوا في التسمية فسموا المادة بالام و الصورة بالاب و ذلك وهم حصل لهم ممايتراءي لهم من ظاهر الامر في الصورة من جهة الفعل.

 

«* المعاني صفحه 86 *»

و بالجملة فنرجع الي ماكنا فيه من بيان بعض مايتعلق بالقسم الثاني من الاحكام. و يشترط في هذا القسم ان‏يكون المذكور و المذكورفيه في رتبة واحدة حتي يمكن حصول الاقتران بينهما و الاتصال لهما فلو كان احدهما عند الاخر معدوماً فيمتنع الاقتران بينهما فاذا فرض كونهما في رتبة واحدة فيمتنع فرض العلّية و المعلولية بينهما. فلايكون احدهما علة للاخر و الاخر معلولاً له للادلة التي هي مذكورة في محلها و لانطيل الكلام بذكرها.

القسم الثالث: الذكر العلمي و المشايخ اعلي‏اللّه‏مقامهم يعبرون كثيراً عنه بـ الذكر الامكاني مثل ذكر صورة السرير (الذي تريد ان‏تصنعه) في خاطرك ثم تحدث السرير مطابقاً لمافي علمك فالمذكور في الحقيقة ليس هو المكون الخارجي ليكون من القسم الاول اي بالاستجنان و كذا ليس مقترناً بذاتك او بصورتك الذهنية حتي يكون من القسم الثاني اي بالصلاحية (اي بالاقتران و الانفعال).

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الاثر ليس مذكوراً في ذات المؤثر بقسم من الاقسام الثلاثة نعم هو مذكور في فعل المؤثر بالقسم الثالث فيكون حينئذ نسبة الاثر الي المؤثر نسبة الشعاع الي السراج و نسبة الصورة (في المرءاة) الي المقابل فالاثر باقٍ في ملك المؤثر و فانٍ و معدوم في ذاته فاذا ثبت ان الاثر معدوم في ذات المؤثر فلايقع التأثير بذاته بل وجب ان‏يكون التأثير في رتبة الاثر و الفعل. هذا هو الحق الذي لايلزم منه شي‏ء من المحذورات و النقائص.

ولكن القوم قدغفلوا من ذلك. فبعضهم يقولون: ان الاشياء مستجنة في غيب الذات الاحدية استجنان الشجرة في النواة او ان الاعيان الثابتة مندرجة فيها اندراج اللوازم في الملزومات.

و بعضهم يقولون: ان الذات الاحدية كالمداد و الخلائق كالحروف و انه تعالي كالواحد و الخلق كالاعداد.

و منهم من يقول: ان علة ايجاد الكائنات مطابقة علمه لمعلومه فاحدثها كماعلمها

 

«* المعاني صفحه 87 *»

علي طبق ماعلمها كمافي الاشارات لابن‏سينا و شرحها للمحقق الطوسي الي غير ذلك من الاقوال التي تستلزم كلها المحذورات الكثيرة و النقائص الخلقية تعالي اللّه عن جميع ذلك علواً كبيراً.

فظهر ان الاثار منتهية الي فعل اللّه تعالي و مستندة اليه و انه هو المسنداليه و المنتهي اليه لجميع الاثار بمعني ان الفعل سرّ فاعلي لها (لا جزء مادي لها) و من هذه الجهة قلنا ان الاصل في المسنداليه الفاعل و كذا نقول في المرفوعات ان الاصل فيها الفاعل فان الرفع علم العمدة و الفاعل اعمد العمد و ماسواه ملحق به كمانص علي ذلك الامام علي بن ابي‏طالب7 و لانصغي الي ما قاله البصرية من ان الاصل فيها المبتدأ فانه كلام صدر عن قلوب فيها غل للذين امنوا و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور.

اضف الي ذلك ان كلّ فاعل علة و كلّ علة مرتبطة بالمعلول و المعلول مستند الي الفاعل فبينهما التساوق و التضايف و ان كان احدهما متقدماً بالذات و الذات الاحدية منزهة عن شوب كلّ الكثرات و منها الفاعلية و العلية لانا اذا سألنا كلّ عاقل من الفاعل أهو من صفات الذات ام لا؟ مايمكنه ان‏يختار الاول والاّ لمايصح ان‏يقول: لم‏يفعل.

فثبت ان الفاعل (اي العلة الفاعلية) ليس هو الذات البحت بل هو ظهور الذات بالفعل فحين الفعل تسمي الذات بالفاعل كالكاتب و النجار فالاسم للظهور لانّ الاسم هو الظهور و الاسم غير المسمي و عالم اللفظ مطابق لعالم المعني. و ظهور الذات لايستند الي الذات ابداً اذ الشي‏ء لايستند الاّ الي مبدئه و هو ماظهر له به فيه و ليس للغير في الغير الاّ الغير فلو كان الشي‏ء بذاته في غيره لم‏يكن اياه و لماكان الغير غيراً ايضاً فالمستند هو الجهة التي بها الاستناد و ليس الاّ ظهور ذات المستند (بالفتح) للمستند (بالكسر) فان الشي‏ء انماينتهي الي نفسه و لاشك في انتهاء المستند الي المستند فلو كان هو الذات ماصح الانتهاء الي النفس. فافهم فانه دقيق جداً بحيث لو قلت: الفاعل هو الذات كذبت بل كفرت بل اشركت و ان قلت غيره اعزلت فاطلب الحق بينهما قال

 

«* المعاني صفحه 88 *»

الشاعر و لنعم ماقال:

هذا الذي ترك الاوهام حائرة و صيّر العالم النحرير زنديقاً

ولكن من اخذ عن الحكماء الالهيين الاخذين عن الائمة المعصومين صلوات‏اللّه عليهم‏اجمعين يجد الحق الواضح و النور اللائح و البرهان القاطع و الحمدللّه ربّ العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و آله الطاهرين.

الفعل مفعول: و لا تتوهم مماذكرنا ان الفعل قديم بالذات و مستقل في صدور الاثار عنه بل هو مخلوق بنفسه و امّا كيفية ايجاده بنفسه و انصداره عنها بها فلانقدر علي تصوره و تعقله لانّ الكيفيات مخلوقة بالفعل فلايسأل عمايفعل و هم يسألون. و قال اللّه تعالي انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون و هذه الاية الكريمة تدل علي انّ الفعل مفعول.

تدبر في لفظ الفعل فانه من المشتقات و هي تستدعي اصلاً ترجع اليه و المشتق فرع عرض قائم باصله فمعناه يكون كذلك بحكم التطابق الثابت بين الاسم و المسمي المبرهن عليه في الحكمة الحقة الالهية التي اظهرها مشايخنا العظام اعلي‏اللّه‏مقامهم و لماكان الاشتقاق اقتطاع فرع من اصل كان اجراؤه في الذات محالاً للانفعال الموجب للحدوث و التغير الداعي الي الامكان فيكون ذلك الاصل ممكناً.

و لما لم‏يسبق الفعل الاّ الذات (و قدعرفت تنزه الذات فيمااسلفنا من الكلام عن كلّ نسبة بينها و بين الخلق) فكان «مبدأ الفعل، نفس الفعل» فهو اذن الاصل القديم و الفرع الكريم رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و الي ذلك([22]) يشير قول مولانا الصادق7 علي مارواه المجلسي رحمه‏اللّه و نقله سيدنا الاجل اعلي‏اللّه‏مقامه: من قال نحن خالقون بامراللّه فقدكفر اي من توهم لنا الانية و الاستقلال لنكون كالوكيل فان ذلك كفر و زندقة قال اللّه تعالي من يقل منهم اني اله من دون اللّه

 

«* المعاني صفحه 89 *»

فذلك نجزيه جهنّم كذلك نجزي الظالمين.

مظاهر المسنداليه

بعد ماعرفت من هذا الاستعراض الطويل ان الفعل هو المسنداليه الحقيقي الكلي الاولي فاعلم ان مظاهره الكلية الاولية الحقيقية هي اربعه‏عشر مظهراً لانّ القدرة الظاهرة انماتمّت في التعلق في اربعه‏عشر مرتبة. و بيان ذلك ان مقام الموجودات كلها في جميع مراتبها لايخلو عن مقامين احدهما مقام الاجمال و هو جهة الوحدة و البساطة و العموم و الانبساط الشامل كماهو شأن المبدء المتجلي في الشي‏ء بالشي‏ء. و ثانيهما مقام التفصيل و هو مقام التمييز و التعيين.

و لا شك ان كلّ مقام انّماتمّ في ستة ايام كمااشار الي ذلك قوله تعالي هو الذي خلق السموات و الارض في ستة ايام. لانه ثبت في محله ان كلّ شي‏ء له وقت و اجل و انه مساوق لوجود الشي‏ء فكل مرتبة من مراتب الشي‏ء الموجود له وقت ايضاً توجد تلك الرتبة في ذلك الوقت و قدنصّ اللّه سبحانه علي ذلك في خصوص السموات و الارض بقوله الحق خلق السموات و الارض بالحق و اجل مسمي. و الاجل المسمي هو الوقت المعين للشي‏ء من حيث المجموع و من حيث الاجزاء.

و الشي‏ء يدور في تكونه علي ستة امور: الاول المادة و الثاني الصورة و الثالث نسبة المادة الي الصورة و الرابع نسبة الصورة الي المادة و الخامس مبدأ الاتصال و حصول القران المقتضي للطبيعة و المزاج الخامس و السادس تمام الاجتماع و غيبة صورة الاجزاء و ظهور الهيئة الجامعة و الحقيقة الواقعة و الذات المركبة و الطبيعة الواحدة مع اختلاف الاجزاء. و امّا اليوم السابع فوقت ظهور الشي‏ء بعد تمامه باثاره و مقتضياته و ظهر مشروح العلل و مبين الاسباب في اليوم السابع فثنيت السبعة فتمت اربعه‏عشر.

و من ذلك نري ان اللّه تبارك و تعالي اختار للهياكل المقدسة الاربعه‏عشر اسم «اليد» ليكون الظاهر علي طبق المعني و الاسم مشيراً الي مراتب المسمي. فقال عزّوجلّ يداللّه فوق ايديهم و قال تعالي و قالت اليهود يداللّه مغلولة و قال بل يداه مبسوطتان

 

«* المعاني صفحه 90 *»

ينفق كيف يشاء و قال تعالي و السماء بنيناها بايدٍ فان اليد هي القدرة الكليه او الفعل الكلي و الاثار كلها متقومة بوجوه ذلك الفعل الكلي فان قطب كلّ اثر هو الفعل الخاص بذلك الاثر.

و لماكانت الاثار متقومة بظهور المقام الخامس من مقاماتهم: اي القطبية لوجودات الخلائق سمّاهم اللّه سبحانه يداً. فعبّر تارة عن مقام جمعهم بوحدة اليد اشارة الي ان كلنا محمّد 9 و تارةً عبّر عن ظهورهم بالنبوة و الولاية بيديه (تثنية اليد) و ملاحظة الظهور و البطون اي اليمين و الشمال و كلتا يديه يمين و تارة عبّر عن مقامهم التفصيلي بالايدي (جمع اليد). و تلك القدرة الظاهرة هي كلمة «كن» و هذه الكلمة هي التي ظهرت دلالتها و ملأت الوجود و سرت في كلّ غيب و شهود فقوام الموجودات كلّها بتلك الدلالة الظاهرة من تلك الكلمة الالهية التي انزجر لها العمق الاكبر. و قوام الدلالة بالكلمة و «الكلمة» لها اربع مراتب: «النقطة» و «الالف» و «الحروف» و «تمام التركيب» و «الدلالة» خامس مراتبها و قوام الموجودات بها و هذه المرتبة اصغر المراتب و ادونها. كما ان لليد الظاهرية المجازية مراتب الخمسة التفصيلية التي هي الاصابع و هي وجوه اليد.

«فقوام الموجودات بظهورهم: في الرتبة الخامسة لا بنفس ذلك المقام» و ذلك الظهور هو قطب رحي وجودات الخلائق و كينوناتهم منه يستمدون و اليه ينتهون و عن اللّه به يصدرون و من طرائف الخلقة و حكمتها ان كلمة اليد (التي هي كلمة اللّه العليا و المثل الاعلي و التي رجوع الاسماء كلها اليها) بالعدد اربعه‏عشر.

اضف الي ذلك ان هذه اليد الظاهرة المحسوسة الملموسة لماكانت تنزل تلك الكلمة الالهيه في هذا العالم، ظهرت حاكيةً لتفاصيل ماكان مجملاً في العالم الاعلي فظهرت بوحدتها في خمسة اصابع اشارة الي ماذكرنا و ظهرت بالخمسة في اربعه‏عشر عقداً لتطابق العوالم كلها و اذا لاحظنا ظهور الخمسة في كلّ من الاربعه‏عشر كان المجموع سبعين هو تمام كلمة «كن» التي بها انزجر العمق الاكبر فاليد هي كلمة اللّه

 

«* المعاني صفحه 91 *»

العليا. و لمّاكانت هذه القدرة الظاهرة او الكلمة الالهية هي الرابطة بين الخلق و الحق و الجهة و الباب في الامداد و الايجاد اختار اللّه سبحانه اسم «الوجه» كاليد كان عدده اربعه‏عشر.

و امّا معناه فاستمع الي مايوحي اليك من سماء الامدادات الحسينية صلوات اللّه عليه من بابه الكاظمية اعلي‏اللّه‏مقامه قال سيدنا الاجل في اللوامع الحسينية:

تكمـيل: الوجه لايزال يطلب ذاالوجه و المثال الممثّل فهو دائماً يسير الي مافوقه لكونه آية ذلك مع تناهي وجوده و انقطاع ذكره و لمّا لم‏يكن له السبيل رجع الي ذاته مع غيبته عنها فيستدير علي نفسها و يرجو مايطلب عندها مماهو فوقها فيرجع عندها بالدوران عليها حيث فقدانها فهو دائماً يسير و يستدير و لايتناهي؛ لذلك قال الشاعر:

قد ضلت النقطة في الدائرة و لم‏تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها منها لها جارحة ناظرة
سمت علي الاسماء حتي لقد فوضت الدنيا مع الاخرة

و هو قول مولانا و سيدنا اميرالمؤمنين7 و روحي فداه رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته و انماتحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و قول ابنه سيدالشهداء عليه آلاف التحية و الثناء الهي امرتني بالرجوع الي الاثار فارجعني اليها بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتي ارجع اليك منها كمادخلت اليك منها مصون السر عن النظر اليها و مرفوع الهمة عن الاعتماد عليها. انتهي كلامه المبارك اعلي‏اللّه‏مقامه و نختم الكلام في هذا البحث بهذا الكلام ليكون ختامه المسك و السلام.

المبحث الخامس: مواضع المسند

حقيقة المسند

قدعرفنا ممامضي ان المسند ركن من ركني الجملة و له وصفية و تقيد و عرضية و

 

«* المعاني صفحه 92 *»

قدثبت في الحكمة الحقة الالهية ان الوصف ليس للشي‏ء من حيث هو هو لانه هو و الوصف جهة الغير.

و ماقيل من ان «وضع الاسامي يكون امّا باعتبار الذوات و الماهيات كالانسان و امّا باعتبار العوارض كالكاتب و ربما لم‏يوضع لها بحسب جوهر ذاتها اسم» كلام خارج عن التحقيق و خلاف للحق الثابت المبرهن عليه. فانه لا فرق بين الكاتب و الانسان فيماوضعا له الاّ بالعموم و الخصوص.

و ليس امر التسمية الاّ من حيث الاضافة و من جهة القياس ولكن لايلتفت الي تلك الجهة في الاعلام لشدة ظهورها. فخفاؤها من ظهورها لا عدمها لانّ الذات لايمكن التعبير عنها الاّ بلحاظ تلك الاضافة. حتي ان المادة من حيث هي هي لايمكن التعبير عنها الاّ بالاضافة الملحوظة في حدّ ذاتها لانّ الاسم للصورة. و الاسماء التي يعبر عنها بها كلها من جهة الاضافات كالمادة و الاصل و العنصر و الاسطقس و الركن و العضد و الحقيقة و المبدء و الموضوع و المحل و الهيولي. فمن حيث صلوحها للاشكال و الظهورات مثلاً سميت هيولي و من حيث انها حاملة للصور سميت موضوعاً و من حيث انها متحصصة بالصور سميت مادة و من حيث انها اخر ماينتهي اليه التحليل سميت اسطقساً و من حيث انها اول مايبتدي عنها التركيب سميت عنصراً و من حيث انها الجزء الاعظم المقوم للشي‏ء سميت ركناً و من حيث ان الصورة متقومة بها و متحققة بعدها سميت عضداً و من حيث انها مبدء الاشتراك في المختلفين سميت جنساً و من حيث انها مبدء النشور سميت اباً و من حيث ان الشي‏ء منها يتكون سميت اصلاً و من حيث وحدتها و بساطتها و حصول الكثرات بالصور سميت نوراً و من حيث تشعبها بالحدود و الصور سميت شجرة و من حيث ذوبانها و عدم تمايز اجزائها سميت بحراً و من جهة التمايز المعنوي و الحدود الغيبية سميت هباء و من جهة تساوي نسبتها مع كلّ الصور سميت الحقيقة و المبدء. و امثال هذه الاسماء ممايعبر عنها بها من جهة هذه الحيوث و الاضافات.

 

«* المعاني صفحه 93 *»

و لماكانت تلك الاضافات كثيرةً و الاسماء الحقيقية تشعب منها و الالفاظ تابعة للحقائق فاختلفت الاسماء اللفظية و تكثرت فعلي ذلك كلّ لفظ يدل علي وصف و قيد اولي بان‏يكون اسماً للظهور فالمسند هو كلّ ظهور للذات بوصف و قيد.

و اذا نظرنا حق النظر رأينا انّه ليس للذات ظهور سوي الفعل لانّ الظهور هو الحركة و هي ليست الاّ الفعل فلماظهرت الذات فالظاهر بالظهور هو الفعل فذات الفعل هي ظل الذات الظاهرة بالفعل. «فالفعل حقيقة هو المسند» و له مظاهر ستة لانّ الاعراض كماذكرنا ستة.

الفعل: و المراد منه الفعل المصطلح في علم الصرف و النحو سواء كان تاماً او ناقصاً، لازماً او متعدياً، متصرفاً او غير متصرف، متقدماً علي الفاعل ام متأخراً عنه و سواء كان الفعل مبنياً للفاعل او مبنياً للمفعول. و المسند في هذا الموضع (اي الفعل و المراد منه اعمّ من الانفعال كمااسلفنا البحث عنه) صادر عن المسنداليه. قال علي7الفعل ماانبأ عن حركة المسمي و قال ابنه علي الرضا7 و منها (اي حدود الخلق) العمل و الحركات التي تصنع الاشياء و تعملها و تغيرها من حال الي حال و تزيدها و تنقصها فاما الاعمال و الحركات فانها تنطلق لانه لا وقت لها اكثر من قدر ماتحتاج اليه فاذا فرغ من الشي‏ء انطلق الحركة و بقي الاثر و يجري مجري الكلام الذي يذهب و يبقي اثره الحديث.

فعبر7 عن الفعل المصطلح في علم الصرف و النحو بـ العمل و الحركات لانّ نظره7الي الحقيقة الخارجية و الواقع الموجود و امّا نظر ابيه7 الي عالم الالفاظ و تقسيم الكلمة الي الفعل و الاسم و الحرف. فالفعل هو الحركة الصادرة و هي الاصل في ايجاد المفعولات و الاثار.

ثمّ استدل7 في انها من الحدود الخلقية و انها لا تذوت لها بالاضافه الي محالّها الصادرة عنها بقوله7 التي تصنع الاشياء و تعملها و تغيرها من حال الي حال و تزيدها و تنقصها فنسب الاعمال و الحركات الي الاشياء بعد مافرض7 تذوتاً للاشياء بالاضافة الي تلك الحركات لانّ الفاعل انمايفعل و يوجد الحركة و يغيرها من حال الي

 

«* المعاني صفحه 94 *»

حال و من الزيادة الي النقصان و من النقصان الي الزيادة.

و ذلك التعبير يبيّن ماهية الفعل و يكشف عن حقيقته فان الفعل (العمل و الحركة) عند ذات الفاعل مضمحل فانٍ باطل و ان كان بالاضافة الي المفاعيل و الي المصادر و الاثار متأصلاً ثابتاً دائماً ولكنه بالاضافة الي الفاعل حد عارض و باطل مضمحل و متجدد زائل هذا اذا كان فاعل «تصنع» «الاشياء» و امّا اذا كان الفاعل ضميراً مستتراً في «تصنع» راجعاً الي «الحركات» (كما كان الامر كذلك في باطن العبارة و ان كان الفاعل في الظاهر الاشياء) يعني ان الحركات هي التي تصنع الاشياء و تعملها و تغيرها من حال الي حال و تزيدها و تنقصها فكان نظره المبارك7 الي مااسلفنا في البحث عن المسنداليه الحقيقي اي فعل اللّه تبارك و تعالي الذي هو المشية و الحركة الايجادية التي تصنع الاشياء اي يصنع اللّه الاشياء بها كمافي قوله7 خلق اللّه الاشياء بالمشية و خلق المشية بنفسها و كمافي التوقيع المبارك الصادر عن الناحية المقدسة نحن صنائع اللّه و الخلق بعد صنائعنا.

و قوله7 فاما الاعمال و الحركات فانها تنطلق استدلال اخر علي عرضية الفعل و انه حد من الحدود العارضة و توضيح ذلك ان الفعل لماكان مضمحلاً و متلاشياً عند ظهور الذات اخذ و جعل في حقيقته التصرم و التقضي و التجدد و السيّالية.

و من هذه الجهة نري القوم قالوا في تعريفة «الفعل مادل علي معني في نفسه و مقترن باحد الازمنة الثلاثة» فان قيد الاقتران (و ان كان لا اختصاص له بالافعال لانه يشمل المصادر و الاسماء الدالة علي الاحداث و علي الازمان ايضاً) دليل الاضمحلال اذ لا شي‏ء في التصرم و التقضي و السيالية اظهر و اوضح من الزمان و المقترن بالزمان محكوم بحكمه و محدود بحده كما ان الاستقلال دليل السكون و الثبات و الدوام و لذا قال الرضا7 في وصف المشية المشية خلق ساكن لايدرك بالسكون فاشار7 الي عدم استقلال الفعل بقوله فانها تنطلق كماقال 9 الفقر فخري و به افتخر و قال تعالي و مارميت اذ رميت ولكن اللّه رمي و قال سبحانه و ماتشاءون الاّ ان‏يشاء اللّه.

 

«* المعاني صفحه 95 *»

و امّا قوله7 تنطلق اشارة الي ان الاعمال و الحركات لاتخرج عن ملك اللّه عزّوجلّ بل كلّ شي‏ء ثابت في مكانه و وقته فالانطلاق هو الذهاب و الانتقال من مكان الي مكان و ليس معناه البطلان و العدم البحت فان الفعليات الزمانية التي تظهر في الزمان شيئاً بعد شي‏ء تتصرم و تذهب من الزمان الي الدهر الاّ ان منها ماهي سريعة السير و منها ماهي بطيئة ولكن اذا انطلقت لم‏تعدم و لم‏تبطل بل تخرج من الشهادة الي الغيب.

و اوضح7 معني الانطلاق بقوله لانها لا وقت لها اكثر من قدر مايحتاج اليه فاذا فرغ من الشي‏ء انطلق الحركة و بقي الاثر فالفعل الذي هو الحركة من العالم الاعلي فانزلها الفاعل من عالمها الي عالم التعلق بالشي‏ء فاذا تمّ الشي‏ء رجعت الي عالم الغيب و تخفي عنك.

و ابان7 ذلك بمثال محسوس فقال و يجري مجري الكلام الذي يذهب و يبقي اثره فالكلام اي التكليم حركة ايجادية و تصويت يتعلق بالهواء و هو جسم رقيق سيال ينتقش بهيئة الكلام و الصوت فاذا سكتت ذهب كلامك اي حركتك و عملك و بقي اثره اي انتقاش الهواء او المراد انك ماكنت تؤلف الكلام بمدد جديد له وجود و اذا سكتت بطل التأليف لكثرة الرطوبة المانعة عن الاستمساك و البقاء ولكن دلالة الكلام التي هي اثره و شبحه ينتقش في صدر المخاطب و تبقي منتقشة فيه ماالتفت المخاطب اليه فالكلام اي التكليم مثال و دليل للفعل و انتقاش الهواء او الدلالة اية الاثار و المفاعيل فالدلالة اذا تعلقت بقلب المخاطب يبقي و يثبت باعتبار التعلق الغيري و لو لم‏تتعلق بشي‏ء تنطلق ايضاً بانطلاق الكلمة اي تغيب و تخفي ففي صورة التعلق يقال بقي اثر الفعل و هذا معني قوله7 يبقي الاثر فان الاثر هو ظهور المؤثر في رتبة الاثر و خفاء المؤثر في رتبة الاثر فالمؤثر مخفي عند اثره في عين ظهوره له به و ظاهر لديه عند خفائه عنه به فخفاؤه لشدة الظهور و استتاره لعظم النور.

و بعد ماعلمنا ان الفعل هو اول الظهور و الظهور الاول و هو المسند الحقيقي و

 

«* المعاني صفحه 96 *»

حقيقة المسند يحسن ان‏نعلم ان الفعل لماكان اول المكونات في الامكان و الاكوان وجب ان‏يكون ظاهراً بثلاثة احرف لانّ الثلاثة هي اول الاعداد و اول الاشياء و ابوها و ادم الاول و شكله مثلث لانه اول شكل خلقه اللّه و اول عدد وجد في عالم الامكان و اما الواحد و الاثنان فليسا من الاعداد لعدم الوجود لهما في عرصة الوجود و الامكان فان الواحد الذي هو اول العدد ثلثة غلبت عليها جهة الوحدة فسميت باسمه و اما الاثنان فهو الاربعة الاّ ان الفرعين لمالوحظا في الاصلين و اندرجا فيهما فقيل اثنان و من هذه الجهة يقولون ان اول الفرد هو الثلاثة و اول الزوج هو الاربعة و مقام الاجمال في الثلاثه هو الواحد و في الاربعة هو الاثنان و مقام التفصيل فيهما كلّ واحد منهما و امّا العدد الكامل فهو السبعة الجامعة لهما معاً فهما اصلان و الاعداد تفاصيل و فروع لهما و نسبتهما الي الاعداد كنسبة العرش و الكرسي الي ساير الموجودات.

و الي ذلك اشار في قوله 9 ظهرت الموجودات من باء «بسم اللّه الرحمن الرحيم» و علي ماوصل الينا من خزنة علوم ائمتنا: ان الباء هو الاثنان و النقطة هي الالف التي هي الواحد. فالواحد اول التجليات و الصفات و هو بالنسبة الي الاحد كالقائم بالنسبة الي زيد فاذا تجلّي الاحد بظهوراته في اول مراتب العدد يسمي بالواحد.

ظاهر الفعل دليل علي باطنه

اعلم ان مشايخنا العظام اعلي‏اللّه‏مقامهم قدبينوا و اقاموا البراهين القطعية من العقلية و النقلية علي ان اصل الاسم حرف واحد و هو الوسط و هو بمنزلة القلب و الخارج المركز و مااكتنفه من الحروف فهو متمماته و اطواره و ظهوراته و تعيناته الاّ ان المبدء اليمين وجه للوسط الاصل يظهر سرّه فيه و يعرف به كمايعرف الانسان بالوجه و ان كان اصله هو القلب و انما التوجه و النظر و الخطاب للوجه و هو الظاهر لذلك الباطن فالاسم المفرد اصله واحد و المزاوج اثنان و علي ضوء تلك الحقيقة الراهنة نستطيع ان‏نعرف ان وسط «الفعل» اي «العين» هو اصله و هو المستنطق عن كن و طرفاه حاملاً ظهوره فـالفاء من جانب الكاف التي هي مقام الاجمال و البساطة فتكون في جانبه

 

«* المعاني صفحه 97 *»

الايمن و «اللام» من جانب النون التي هي مقام الكثرة و التفصيل الظاهر في الايسر.

و قدبينوا ايضاً اعلي‏اللّه‏مقامهم ان «الفاء» اخذ من باطن الاسم في محمّد 9 و «اللام» اخذ من ظاهر اسم علي7 فالفاء هو النبوة و محلها محمّد 9 و اللام مقام الولاية و محلها علي7 و امّا الاخذ من باطن الاسم في محمّد 9 فلبيان مقامه و وقوفه في مقام الباطن و الاجمال و الاخذ من ظاهر الاسم في علي7 لبيان مقامه و وقوفه7 في مقام الظاهر و التفصيل و كلّ واحد منهما محل للعين التي هي المشية الاّ ان الاول محل في الباطن في مقام الربوبية اذ لا مربوب عيناً و اذ مربوب ذكراً و الثاني محل في الظاهر في مقام الربوبية اذ مربوب ذكراً و عيناً.

و قال7 ظاهري امامة و وصاية و باطني غيب ممتنع لايدرك و قال7اي آية للّه هي اكبر منّي و قال تعالي قل هو نبأ عظيم و قال تعالي عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون. و انت تعلم بان الاية و النبأ هو الظهور و هو المسند. فدلّ الاسم علي المسمي و جرت الصورة علي طبق المعني و من ذلك اخذوا الفاء و العين و اللام علي الترتيب الخاص ميزاناً لعلم التصريف الذي هو التغيير و التحويل للاصل الواحد الي الامثلة المختلفة و كلّ تلك الامثلة ظهورات و تطورات و شـٔنات و تجليات لفَعَلَ فهو مقدم علي الكل و موضوع للعلوم كلها فعلم الصرف ابوالعلوم و النحو امها.

و اللازم علينا في هذا البحث ان‏نأخذ الفعل متحرك الوسط (فَعَلَ) لبيان انه هي الحركة الايجادية و الميل الاول للمحبة الحقيقية و عالَم «احببت» في المقامات القدسية ولو اخذناه ساكنَ الوسط (اي المصدر) دلّ علي جموده و سكونه و برودته و انجماده و هذا المعني غير مقصود في مبحثنا ذاك بل المقصود بيان ان الفعل هو مبدء الظهورات و الحركات و اولها و جامعها و انه اليه تنتهي الروابط و به تتعلق جميع المتعلقات الكونية و به يعرف اللّه بالاسماء الاضافية و الخلقية و ليس وراءه رتبة الاّ الذات الاحدية و التعبير عن هذه الامور علي اكمل التفصيل يقتضي ان‏نلاحظ الفعل متحرك الوسط.

 

«* المعاني صفحه 98 *»

ظهور «فَعَلَ» في ستة انواع

اعلم ان فَعَلَ يتعين بتعينات تنحصر هي في حدود ستة. فان الحد هو التعين الذي به يمتاز الشي‏ء عن غيره و ان شئت فقل هو برودة ينجمد بها الماء الذائب. و بيان ذلك علي سبيل الاجمال ان الوحدة هي الكمال المطلق و الكثرة التي هي ضد الوحدة هي النقصان المطلق لضرورة التضاد و تطابقهما من جهة العناد.

و لا شك في انّ اللّه سبحانه واحد يقيناً فوجب ان‏يكون اول ماصدر عنه واحداً يقيناً وحدة انبساطية حقيقية شمولية ليكون اية الواحد تبارك و تعالي و هو الماء الذي به حيوة كلّ شي‏ء حي.

و تلك الوحدة اقتضت الظهور الكوني و التفصيلي في الوجود ليكون محلاً لاسماء اللّه الحسني و حاملاً لصفاته العليا. فخلق اللّه سبحانه مابه يحصل الامتياز و التعدد و ذلك هي الصورة و هي الهيئة التأليفية من اركان ستة: الزمان و المكان و الجهة و الرتبة و الكم و الكيف و بديهي ان هذه الستة امور متجددة سيالة تقبل الاختلاف فكل جزء من اجزاء الزمان مثلاً يقتضي ظهور ذلك الامر الواحد فيه بغير الظهور الذي في الجزء الاخر منه و هكذا ساير الحدود فتختلف الظهورات بترامي الاجزاء الي مالا نهاية لها ثم تختلف النسب بين هذه الحدود بعضها ببعض فتقتضي احكاماً مختلفة و اوضاعاً غيرمتناهية فتختلف الاشياء و تتعدد و تتكثر و لا نهاية لها الاّ ان كلياتها ستة كماعرفت و ظهر بها العدد التام.

فمن هذه الجهة نري مواضع المسند ستة و هي:

الفعل و هو اية الفعل الاول و هو المسند الحقيقي سواء كان تاماً او ناقصاً، مقدماً او مؤخراً، مبنياً للفاعل او للمفعول، متصرفاً او غيرمتصرف، الي غيرها من اقسام الفعل.

شبه الفعل (اي المصدر و اسم‏المصدر و المصدرالميمي و اسم ‏الفاعل و اسم ‏المفعول و الصفة المشبهة و اسم‏التفضيل و المنسوب و من هذا الموضع الوصف

 

«* المعاني صفحه 99 *»

المنكر المستغني بمرفوعه عن المبتدأ نحو: أعارف اخوك قدر الانصاف).

اِن‌َّ و اخواتها و لاء التبرية (لانها تتضمن معني الفعل) و ما و لا (المشبهتان بليس) و لاتَ و ان (فان فيهما مسحة الفعل و رائحته) و حروف النداء فانها لانشاء الدعاء فعند التعبير معناها «دعوتك» علي معني الانشاء مثل «بعت» و تقتضي مرفوعاً علي جهة الفاعلية واجب الحذف و منصوباً علي معني المفعولية.

الخبر و من هذا الموضع الجملة الخبرية الواقعة خبراً للمبتدأ.

5 ـ منصوب افعال الناقصة.

6 ـ المفعول الثاني لظنّ و اخواتها و المفعول الثالث لاَِري و اخواتها.

٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭

 

«* المعاني صفحه 100 *»

الباب الاول: في الخبر

و فيه ثلاثة فصول:

الفصل الاول: في حقيقة الخبر

اللفظ المفرد و اللفظ المركب

اعلم ان اللفظ الدال علي معناه بالدلالة المطابقية التامة([23]) ينقسم الي مفرد و مركّب.

فـ المفرد ما ليس له جزء يقصد به الدلالة علي جزء معناه عند الاستعمال. فيدخل في التعريف ما لا جزء له كـ قِ (علماً لانسان مثلاً) و ما له جزء ولكن لايقصد به مطلقا كـ‌قُل (علماً لانسان او غيره) او قصد به في اصل الوضع ما ليس جزءاً لمعناه حين الاستعمال كــ‌عبداللّه (علماً) او قصد به في اصل الوضع ماكان جزءاً لمعناه و لم‏يقصد في الاستعمال كــ‌الحيوان الناطق (علماً) فان الحيوان و الناطق يدل كل واحد منهما علي جزء من المعني في اصل الوضع ولكنهما لايدلاّن علي جزء المسمي في الاستعمال.

و اما المركب فهو اللفظ الذي له جزء و قصد به الدلالة علي جزء معناه عند الاستعمال. فيدخل في التعريف ما له جزء مقدر كـ قِ و قُل (امرين) و ما له جزء محقق كــ‌عبداللّه و الحيوان الناطق (نعتين). و المراد من الجزء المقدر الجزء المفروض وجوده المستقل في غيب اللفظ.

فمن ذلك نري بعضهم يقولون في «زيد قائم» ان خبر المبتدأ مفرد لا جملة ولكن

 

«* المعاني صفحه 101 *»

بعض المحققين يقولون جملة لا مفرد و بيان ذلك ان تقوّم الصفة يكون بدعامة من الموصوف من كناية عنه او اشارة اليه و هي تحصل بضميره او بذكره باي معني كان. فان اعتبرنا ان ذلك عبارة عن الموصوف بالاشارة المميزة المستقلة في نفسها بذلك بدون الصفة كماكان الامر كذلك في الضمير المستتر فانه يشير الي اثبات الموصوف بالـهاء و الي عدم ذكر اسمه و غيبته بالـواو و كذلك انت فانه يشير الي الموصوف بـ اَنْ و الي عدم ذكر اسمه بالـتاء للخطاب كمابرهن عليه في المباحث النحوية لاسيّما في «التذكرة» فعلي ذلك يتحقق الجزئية بدون الصفة و ينطبق عليه حد المركب فـقائم جملة خبرية.

و ان اعتبرنا ان تلك الدعامة لم‏تكن عبارة عن الموصوف و انما تقوم الصفة بالاتصاف فعرف الموصوف باسناد الصفة اليه و هي و ان تقومت بذلك الذكر لكنه مفتقر الي الصفة في الوجود و التحقق فهو عبارة عن استنادها الي الموصوف فلم‏يتحقق الجزئية بدون الصفة بل هما (الدعامة و الصفة) معاً شي‏ء واحد في اعتبار الكلام فلاينطبق عليه حد المركب فـقائم خبر مفرد.

بالجملة فما في «قائم» و امثاله من ذكر الموصوف هل هو ضمير مستقل في غيب «قائم» بالكناية عن الموصوف فيكون مركباً لدلالة جزئه علي جزء معناه؟ ام محض تقوم الصفة للاتصاف فحصل به ذكر الموصوف فيكون مفرداً؟ احتمالان و قدبينا العلة في هذين الاحتمالين.

ثم التقييد بـ المطابقة لاخراج الدلالة العقلية كـ الالتزامية لعدم الاتفاق فيها فانها تختلف باختلاف الاشخاص.

و اما التقييد بـ التامة لاخراج ما دلالته بالمطابقة غيرالتامة كـ التضمن. لان التضمن ان كان بالوضع لايدخل في هذا التقسيم لعدم انضباط احواله فان اللفظ الواحد قديكون باعتبار معني مفرداً لعدم دلالة جزء اللفظ علي جزء معناه و باعتبار معني آخر مركباً لدلالة جزئه علي جزء معناه فيكون اللفظ الواحد بالنسبة الي معني مفرداً و بالنسبة الي

 

«* المعاني صفحه 102 *»

معني اخر مركباً و السرّ فيه ان دلالته المطابقية غيرتامة فلايدخلان في التقسيم لان المقسم لفظ لايكون الاّ مفرداً و لفظ لايكون الاّ مركباً.

اقسام المركب

بعد ماعرفت اللفظ المركب فاعلم انه اما ان‏يكون تاماً و هو مايحسن السكوت عليه او غير تام و التام علي اربعة اقسام:

الاوّل: مايحتمل الصدق و الكذب (علي سبيل البدل و التعاقب) لذاته كالجملة الاسمية نحو زيد قائم و الجملة الفعلية نحو قام زيد و ذات الوجهين نحو زيد قام و يسمي هذا القسم بالخبر و القضية و القول الجازم.

و المراد من «لذاته» في التعريف هو لذات اللفظ التام فيدخل في التعريف ما لايحتمل الكذب اما لقرينة متكلم مخصوص كاخبار اللّه سبحانه او اخبار رسوله و الائمة المعصومين: و اما لخصوص مادة او تركيب كقول الرجل الاربعة زوج و الثلاثة فرد.

و يدخل فيه ايضاً ما لايحتمل الصدق لذلك كقوله الاربعة فرد و الثلاثة زوج فانه امتنع فيها احتمال الكذب و الصدق لتلك القرائن لا لمادة الكلام المطلق فان الكلام لنفسه متحمل للصدق و الكذب و اما في تلك القضايا فلخصوص المخبر او لخصوص التركيب حصل امتناع الاحتمال. و هذا القسم هو المبحوث‏عنه في هذا الباب من علم المعاني.

الثاني: مايدلّ علي طلب ايقاع الفعل ممايمكن للمطلوب منه من فعله و ممايحسن لذاته او يحسن لعارض كطلب الكذب لنجاة المؤمن فان قارن الطلب الاستعلاء علي المأمور كطلب السيد الفعل من عبده فهو الامر و ان قارن التساوي و عدم الترفع و التخضع فـ التماس و ان قارن التذلل للمطلوب منه فهو السؤال و الدعاء و ان دلّ علي طلب الكف عمايمكن له من الترك و الكف مما لايحسن لذاته او لعارض (كالنهي عن الصدق الذي فيه هلاك المؤمن) فهو النهي و هو علي الترتيب المذكور فمن

 

«* المعاني صفحه 103 *»

المستعلي نهي و من المساوي التماس و من الادني سؤال و دعاء.

الثالث: مايدل علي طلب معرفة الشي‏ء و استخبار حاله و هو الاستفهام نحو: ما زيد و كيف حاله؟ و يدخل في هذا القسم مميز الذوات نحو: هذا الشي‏ء ما هو؟ و مميز التعيين نحو: هذا اي شي‏ء هو؟ و مميز الهيئات و الكيفيات بنحو «ما» و «اي» و «كيف» و بنحو «من» و اشباه ذلك.

الرابع: مايدل علي التنبيه علي الشي‏ء و هو مايدل علي معني بين الخبر و الطلب كالتمني نحو ياليتني كنت معكم يا ساداتي فافوز فوزاً عظيماً.

و «الترجي» نحو لعل اللّه يحدث بعد ذلك امراً.

و «العرض» نحو الا تزورنا فتصيب خيراً؟

و «النداء» نحو يا يوسف اعرض عن هذا.

و «القسم» نحو ياللّه.

و «التعجب» نحو قتل الانسان مااكفره.

و «التوبيخ» و «التحضيض» نحو هلاّ قمت (للتندم) و هلاّ تقوم (للحثّ علي الفعل). و نبحث عن هذه الاقسام الثلاثة في ساير الابواب ان‏شاءاللّه‏تعالي.

و اما غير التام: فهو اما «تقييدي» او «اضافي» او غيرهما. فـ التقييدي هو مايكون اخير الجزئين قيداً للاول و مخصصاً لعمومه كـ الحيوان الناطق فان الصفة مخصصة لموصوفها فلولاها لعمّ الفرس و غيرها. و الاضافي كـ رامي الحجارة و غلام زيد و اما «غيرهما» فساير الاحوال كـ السرد و العطف و التأكيد و البدل نحو واحد، اثنان ـ زيد و عمرو ـ زيد نفسه ـ زيد اخوك ـ قام قعد ـ مِن عَلي و امثال ذلك. و يجيي‏ء البحث عن هذه الاقسام في ضمن الابواب و الفصول ان‏شاءاللّه‏تعالي.

تحليل تعريف الخبر

قدعرفت في بيان حقيقة الخبر انه هو اللفظ المركب التام الذي يصلح لان‏يتصف بصفة الصدق او الكذب لذاته. فينبغي تحليل هذا التعريف في دراستنا ليكون الطالب

 

«* المعاني صفحه 104 *»

علي بصيرة من امره.

فنقول: اعلم انك اذا اخبرت بكلام عن واقع و متحقق في الخارج فقدحكيت نسبة خارجية (ثبوتاً او نفياً) فكلامك خبر يفيد نسبة تسمي النسبة الكلامية و اما النسبة المتحققة الخارجية المحكية تسمي النسبة الخارجية. فالنسبة الخارجية متحققة في الخارج سواء تخبر عنها ام لا. و النسبة الكلامية اذا كانت تطابق النسبة الخارجية تسمي بالصدق و يوصف الخبر بـ القضية الصادقة و ان لم‏تطابق النسبة الخارجية تسمي بالكذب و يوصف الخبر بـ القضية الكاذبة. فهناك نسبتان نسبة تفهم من الخبر و نسبة موجودة في الخارج و ملاك الصدق و الكذب هو التطابق و عدمه.

ثم اعلم ان هذه المسألة (الخبر يحتمل الصدق و الكذب لذاته) مبني عندهم علي ماقالوا من ان الالفاظ انما وضعت بازاء «المعاني الذهنية» فاللفظ المفرد يدور مع المعاني الذهنية وجوداً و عدماً. فان من ظن ان الجسم البعيد حجر سمّاه حجراً فلو تغير ظنه الاول فظنّه بعد ذلك انساناً سمّاه انسانا فمرة سمّاه حجراً و مرة سمّاه انساناً و لم‏يتغير الجسم الخارجي في نفسه و انماتغير مافي خياله فكان الاسم تابعاً لمافي ذهنه من صورة ذلك الخارجي و اللفظ المركب لو دلّ علي معناه الخارجي لكان كل خبر صدقاً فاذا قلت زيد قائم دل علي وقوع القيام عنه في الخارج قطعاً و لم‏يحتمل الكذب و اذا دلّ علي الحكم الذهني تمّ الامر المشهور و التعريف المعروف للخبر لانه ان طابق الامر الخارجي كان صدقاً والا كان كذباً.

و هذا القول انمانشأ عن اختلافهم في الوجود الذهني هل هو وجود حقيقي ام لا و انما هو وجود اعتباري تقديري و علي الاول هل هو قسيم الخارجي ام احدهما ناش عن الاخر ام الوجود معني بسيط لايدخل تحت الاضافة و النسب و علي انه قسيم هل كل واحد منهما جزء ام جزئي.

فمن قال بالاعتباري قال: ان التسمية من باب «الاشتراك اللفظي».

و من قال انه حقيقي داخل تحت النسب و الاضافات فمن قال منهم انه جزء قال:

 

«* المعاني صفحه 105 *»

ان الوجود انقسم الي هذين القسمين و التسمية من باب «الاشتراك المعنوي» و من قال انه جزئي قال: ان الوجود معني كلي و الوجود الذهني و الخارجي جزئياته الحقيقية و التسمية من باب «التواطي‏ء» و من قال انه بسيط و هو مابه الكون في الاعيان و الاذهان قال ان هذين مظاهره و التسمية علي هذا اما من باب «الحقيقة» في المنتزع‏منه و «المجاز» في الانتزاعي علي احتمال او من باب «التشكيك» علي احتمال او من باب «الحقيقة بعد الحقيقة» (المعبّرعنه بالنقل عندهم) علي احتمال او من باب «الاشتراك اللفظي» علي احتمال او «المعنوي» علي احتمال.

و من قال ان احدهما ناش عن الاخر فقال بعضهم: ان الاصل الخارجي و اما الذهني فمنتزع‏منه و قال بعضهم: ان الاصل هو الذهني و اما الخارجي ففرع عنه و متولد منه.

هذه الاقوال هي الاراء المشهورة المنقولة عن الزعماء الفكرية و كلها مدخولة لاينبغي الركون اليها و ما هي الا كسراب بقيعة يحسبها الظمـٔن ماء.

و اما الماء العذب الذي يروي الغليل و يشفي العليل ماذكره الشارب من الكوثر من يد ساقيه صلوات‏اللّه‏عليه ثم هو مروي الناقصين من الرعية بفضل ماشرب من ذلك الحوض و هو «الشيخ الاوحد الاحسائي» اعلي‏اللّه‏مقامه و رزقنا افضاله و انعامه قال: «ان كان صاحب الذهن علة للوجود الخارجي كان الذهني اصل الخارجي كما لو تخيلت شيئاً اخترعته لم‏تحذ به مثالاً سابقاً علي اختراعك فيماتعلم ثم احدثت ماتخيلت فان ذلك الخارجي فرع لذلك الذهني و ان لم‏يكن علة للايجاد كان الذهني فرعاً عن الخارجي و انتزاعياً منه انتزعه الذهن من الخارجي» انتهي كلامه الشريف.

و بعد ماعرفت الخلاف في الوجود الذهني و حق القول و قول الحق فيه فنرجع الي البحث عن المسألة التي كنا فيها من ان الالفاظ أهي موضوعة بازاء «المعاني الذهنية» ام موضوعة بازاء «المعاني الخارجية».

فنقول: لماثبت عندنا ببركة مشايخنا العظام اعلي‏اللّه‏مقامهم ان الواضع هو اللّه

 

«* المعاني صفحه 106 *»

سبحانه و دلت الادلة القطعية التوحيدية علي وحدته و بساطته و تنزهه عن ان‏يكون له ذهن و ذهني بل الاشياء كلها غيبها و شهادتها عنده خارجية ذهنيها و خارجيها علمنا ان الالفاظ موضوعة بازاء «المعاني الخارجية».

و اما ماذكروه من تغير الاستعمال عند تغير الظن، فلايدلّ علي ان اللفظ موضوع بازاء مافي ذهن المستعمل بل يدل علي ان الوضع و الاستعمال و الاطلاق مسبوقة بالعلم بالمعني الخارجي الذي استعمل اللفظ بازائه فلماتوهّم المستعمل ان ذلك المعني الخارجي حجر اطلق عليه اسمه ثم بعد ماتغير ظنه و ظهر له فساد ماتوهّمه اولاً و عرف انه انسان اطلق عليه اسمه فاللفظ اسم للمعني الخارجي لا للتخيل والاّ لايكون استعمال اللفظ في معناه الخارجي من باب الحقيقة بل لكان من باب المجاز و من باب تسمية اللازم باسم الملزوم او بالعكس او من باب تسمية السبب باسم المسبب او بالعكس علي مااختاره شيخنا الاوحد اعلي‏اللّه‏مقامه في الوجود الذهني.

تمثيل يبلج به السبيل: اذا نظر الانسان في المرءاة الي وجهه يكون نظره مقصوراً علي وجهه و يتفقد احواله و صفاته فالصورة التي في المرءاة هي صورة وجه الانسان الناظر التي في جسده و تخطيطها هو تخطيط وجهه و لم‏يحدث من نفس الصورة التي في المرءاة.

فكذلك «الواضع» و «المستعمل» فان نظرهما مقصور علي المعني الخارجي و الذهني الة للتوصل الي الخارجي و ليست الصورة الذهنية حدثت من الذهن ليكون تغيّرها من نفسها و انماتتغير لانها تنتقش في الذهن الصورة الخارجية المرئية بالبصر او الموصوفة علي ماوصفت هي للذهن اعتبر نفسك فانه لاتحصل لذهنك صورة حتي تلتفت الي شي‏ء خارجي ببصرك او ببصيرتك ـ في مكان وجوده و زمان حدوده و شهوده ـ فيعطي ذلك الشي‏ء مرءاة ذهنك صورته.

فعلي ذلك قدظهر ان «الوضع و الاستعمال» في الوجود الخارجي من باب الحقيقة. لان الوضع هو الاستعمال (بناء علي ان الواضع هو اللّه سبحانه) و ان الذهني هو صفة

 

«* المعاني صفحه 107 *»

الخارجي فالوضع و الاستعمال للخارجي فتدبر.

الحاصل:

لمّاتبيّن مماذكر ان الوضع بازاء المعاني الخارجية و ان المعاني الذهنية هي الات لادراك المعاني الخارجية فصحّت قضية تعريف الخبر بانه يحتمل الصدق و الكذب و انقلب عليهم ماادعوا (من ان اللفظ المركب لو دل علي المعني الخارجي لكان كل خبر صدقاً الي آخره).

لان اللفظ ان كان موضوعاً للمعني الذهني فلايعقل امكان عدم وقوعه لان الذهني لازم الوقوع و لاينكره الاّ السوفسطائي فلايحتمل الكذب بل يكون صادقاً لوضعه بازاء موجود مطابق له والاّ لامتنع الوضع ولكن بناءً علي ان اللفظ موضوع بازاء المعني الخارجي و ان الذهني الة لادراك الخارجي فاذا توهم الموجود الخارجي او ظنه او علمه وضعه عليه فان كان موجوداً كان صدقاً والاّ فهو كذب لانه لا معني له ولو كان معناه الموجود الذهني لم‏يكن كذباً قطعاً لانه موجود متحقق.

 

 

المقصد الاصلي من القاء الخبر:

اعلم ان المخاطب اما جاهل بالحكم الذي تضمنه كلام المتكلّم فيلقي الخبر اليه ليرتفع بذلك جهل المخاطب بهذا الحكم فيسمي هذا النوع من الخبر فائدة الخبر.

و اما ان المخاطب عالم بذلك الحكم ولكن المتكلم يلقي اليه الخبر اشعاراً بانه عالم ايضاً بان المخاطب يعلم الحكم و يسمي هذا النوع لازم الفائدة لانه يلزم في كل خبر ان‏يكون عند المخبربه علم او ظن به.

و قديكون في القاء الخبر «اغراض اخر» غير هذين المقصدين تستفاد من القرائن الحالية و المقالية و من سياق العبارة كـالاسترحام و اظهار التحسر علي شي‏ء محبوب و اظهار الضعف او للخشوع و غيرها من الاغراض و المقاصد التي يعرفها الذوق اللطيف و الحس الصافي و القلب السليم. هذا هو ماقالوه. و يعدون المقصدين الاولين الاصليين و ساير المقاصد و الاغراض غير اصلية في القاء الخبر.

 

«* المعاني صفحه 108 *»

و اما نحن فنقول: قدعلمنا فيمااسلفنا من الكلام في حقيقة الخبر ان الكلام متضمن لنسبة كلامية تحكي النسبة الخارجية فان المتكلم يركب كلاماً مناسباً لتلك النسبة بمادته و صورته فالنسبة الكلامية المستفادة من مادة الكلام و هيئته هي الشبح من المعني الذهني و المعني الذهني هو تصور النسبة الخارجية اذ هو الة لادراكها.

ثم يلزم علينا ان‏نعرف النسب الخارجية و اقسامها فنقول: لا شك في ان الاشياء الخارجية مرتبط بعضها ببعض و بينها روابط هي النسب و الاضافات و تنحصر تلك النسب علي الحصر الكلي في ثلاثة اقسام:

النسب العادية و النسب العقلية و النسب الشرعية. فالنسبة الكلامية المستفادة من الخبر يمكن ان‏تكون حاكية لنسبة عادية خارجية او لنسبة عقلية خارجية او لنسبة شرعية خارجية.

فـ الاولي كاخبار عن امر عادي و نسبة عادية كماتقول الشمس طالعة و السحاب ممطرة.

و الثانية: كاخبار عن امر عقلي معنوي و نسبة عقلية كماتقول العلم نور و الجهل ظلمة و اللّه ثابت و النبي معصوم و الامام مسدد.

و الثالثة: كاخبار عن امر شرعي و نسبة شرعية كماتقول الصلوة واجبة علي المكلف عند دخول الوقت و صوم شهر رمضان واجب علي المكلف عند ثبوت الشهر بالرؤية و البول نجس و الماء طاهر و طهور.

و لماكان مدرك النسب العادية النفس الانسانية لان تلك النسب امور جزئية و النفس مدركة للجزئيات فالمتكلم في الاخبار عن النسب العادية في الحقيقة نفس الانسان و المخاطب نفس المخاطب. فمن ذلك يلزم علينا ان‏نضيف في تعريف الخبر كلمة «لذاته» اي ان الخبر مطلقاً مع قطع النظر عن القرائن المقترنه به يصلح لان‏يتّصف بالصدق او الكذب.

ففي الخبر عن نسبة عادية مثلاً اذا اقترن نفس المتكلم بصفة الوثاقة و العدالة او

 

«* المعاني صفحه 109 *»

اقترن الخبر الصادر عنه بالتواتر و الشياع و الشهرة مثلاً فنفس المخاطب تسكن الي ذلك الخبر بحسب العادة و يحصل له القطع العادي و اطمئنان نفساني و لايحتمل في هذا الخبر الكذب و السهو و النسيان و الخطاء عادة و لايجوز في نفسه ردّ ذلك الخبر بل يركن اليه و يعمل علي مدلوله كمانشاهد جميع ذلك في امورنا العادية و حيوتنا الدنيوية و ان احتملنا الكذب و الخطاء و النسيان و السهو في هذه الاخبار عقلاً ولكن لما لم‏يكن النسب العادية اموراً كلية فلامدخلية للعقل فيها فان شأن العقل ادراك النسبة العقلية التي هي من الامور الكلية و الاستدلال عليها علي النهج الكلي و النسب العادية غير جارية علي النهج الكلي من اجل العوارض العارضة لكل جزئي جزئي و الموانع الموجودة في المحالّ و الامكنة الشهادية.

و مدرك النسب العقلية العقل فانها امور كلية و مدرك الكليات عقل الانسان فالمخبر بالنسب العقلية عقل المتكلم و المخاطب في تلك النسب عقل المخاطب فاذا عرفها بعقله لايجوز ردّها بالعاديات و يستفيد منها و يستيقن بها من دون قلق و اضطراب.

و اما مدرك النسب الشرعية فالنفس الانسانية بالادلة الشرعية سواء كانت تلك النسب كليةً او جزئية فان الدليل الشرعي يورث علماً شرعياً و الاخبار بنسبة شرعية يستفيد منه نفس المخاطب امراً شرعياً. فالخبر لذاته في كل هذه النسب الثلاثة يمكن ان‏يتصف بالصدق او يتصف بالكذب و ليس كلامنا في هذا و انما المقصود في هذا البحث بيان ان النسبة لاتنحصر في النسب العادية بل يمكن ان‏يكون لشي‏ء واحد جميع النسب الثلاثة فان كان المخاطب عالماً بنسبة عادية لهذا الشي‏ء فيمكن ان‏يجهل بنسبته الشرعية او نسبته العقلية فيخبر المتكلم و يلقي الخبر الي المخاطب ليتنبه الي النسبة التي كان غافلاً عنها فيكون من نوع «فائدة الخبر».

و اعلم ان كل مقصود في القاء الخبر مقصود اصلي و كل غرض فيه غرض اصيل فماذكروها من «الاغراض» الخارجة عن المقصد الاصلي في القاء الخبر ليس لها وجه بل

 

«* المعاني صفحه 110 *»

كلها مقاصد اصلية فان الخبر بيان نسبة خارجية عقلية كانت او عادية او شرعية.

فالاغراض التي حسبوها خارجة عن النوعين من الخبر (فائدة الخبر و لازم الفائدة) هي:

الاستعطاف و الاسترحام. كقوله اللهم اني فقير الي عفوك فقالوا ليس الغرض في هذا الخبر افادة الحكم لان اللّه تعالي عليم و لا افادة لازم الفائدة اي ان المتكلم عالم به بل الغرض طلب عفو اللّه.

ولكن «الحق» ان هذا القول و امثال ذلك من نوع الاول لان اللّه تعالي و ان كان عالماً بذلك الاّ ان هذا الاقرار من العبد اخبار العبد بان عقلي قدادرك افتقاري الي عفوك يا رب العاصين فيستوجب بذلك الاقرار و الاخبار شمول عفوه و رحمته قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم.

و من هذا الباب قوله تعالي حكاية عن رسوله 9 و المؤمنون كل امن باللّه و ملائكته و كتبه و رسله الاية. و كقوله تعالي ربنا امنا بماانزلت و اتبعنا الرسول الاية فانه تعالي كان يعلم ان المؤمنين كلهم آمنوا باللّه و ملائكته و كتبه و رسله ولكنه اقرار و اخبار منه9 بذلك لانه اصلهم و مبدؤهم فيعلم اللّه بهذا الاقرار و الاخبار ايمانهم و اتباعهم الرسول و ادراكهم افتقارهم الي عفوه و رحمته علم وجود بعد ان علمها علم سيوجد و لايلزم من ذلك جهله بها تعالي عن ذلك علواً كبيراً بل هذا مرتبة من مراتب علمه الحادث المتعلق بمراتب المخلوق.

و يشير الي ذلك ما ذكره‏اللّه سبحانه في كتابه العزيز من قول «يعلم» في كثير من المواضع كقوله عزّوجلّ ام حسبتم ان‏تدخلوا الجنة و لمايعلم اللّه الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين و قوله و مااصابكم يوم التقي الجمعان فبأذن اللّه و ليعلم المؤمنين و ليعلم الذين نافقوا. و امثال ذلك من الايات و هذا العلم هو الذي اشاروا اليه بقولهم:فاذا كان المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و قدشرحوا هذا العلم و بينوه مشايخنا العظام اعلي‏اللّه‏مقامهم في رسائلهم المباركة اكمل شرح و اتم بيان فجزاهم اللّه خير الجزاء.

 

«* المعاني صفحه 111 *»

تحريك الهمة الي مايلزم تحصيله. نحو ليس سواء عالم و جهول و يمكن ان‏يقال في هذا النوع من المقاصد ان المخاطب غافل عن هذه النسبة العادية او العقلية (عدم التساوي بين العالم و الجاهل) لان بعض الناس من ساكني ارض النفوس التي تسمي بارض الممات و شياطين هذه الارض كلهم جهال اغبياء ليس لهم فهم و شعور فاذا استولي احد منهم علي نفس احد من هؤلاء السكنة يقل فهمه و شعوره و تنبهه حسب استيلاء ذلك الشيطان.

فبعض يصير كالبهيمة و بعض يصير اضلّ من البهائم فمنهم من يكون كالخشب المسند و منهم من يكون قلبه كالحجارة لكن اشدّ قسوة لان من الحجارة لمايتفجر منه الانهار و ان منها لمايشقق فيخرج منه الماء و ان منها لمايهبط من خشية اللّه. و قلب هذا الشخص اشد قسوة من الحجارة فلم‏يهبط من خشية اللّه تعالي لعدم قبول العلم و الخوف و لم‏يشقق فيخرج منه آثار اليقين و لم‏يتفجر منه انهار المعارف لعدم المحبة. و كان همّ هؤلاء الاكل و الشرب و النكاح و لايحسبون شيئاً حقاً الاّ مايبصرونه باعينهم او يسمعون باذانهم او يشمون او يذوقون او يلمسون فيمرون علي الايات الافاقية و الانفسية و يتلي عليهم آيات اللّه و سنن الرسول و الائمة: فلايعقلون شيئاً.

فالحكيم يلقي الي هؤلاء الاخبار التي اذا سمعها العالم الفطن و النبيه النبيل يجدها بديهيات مستنغية عن الاخبار و الاعلام ولكن يكون في حق هؤلاء من نوع فائدة الخبر. انظر الي وصف هؤلاء في القرءان الكريم قال سبحانه فلهم قلوب لايعقلون بها و لهم اذان لايسمعون بها و لم اعين لايبصرون بها اولئك كالانعام بل هم اضلّ اولئك هم الغافلون و قال علي7 فيمانسب اليه:

أبني ان من الرجال بهيمة   في صورة الرجل السميع المبصر
فطن بكل رزيّة في ماله   و اذا اصيب بدينه لم‏يشعر

فالاخبار عن نسبة عدم التساوي بين العالم و الجاهل و امثال ذلك من النسب العادية او العقلية المغفوله‏عنها عند هؤلاء من الناس يفيد المخاطبين الفائدة التي كانوا

 

«* المعاني صفحه 112 *»

يجهلونها و لاينافي معلومية تلك النسب عند المتنبهين و المتذكرين بها. و من هذا الباب:

الفخر. نحو ان اللّه اصطفاني من قريش. فان فيه نسبة كلامية تحكي نسبة خارجية تتضمن عزة و كرامة غفل عنها بعض المخاطبين فبذلك الخبر يستفيدون فائدة هي العلم بهذه النسبة. و كذا من هذا الباب:

التذكير بمابين المراتب من التفاوت. نحو لايستوي كسلان و نشيط فان في هذا الخبر تذكيراً و التذكير يفيد فائدة و هي تذكر النسبة الخارجية التي هي التفاوت بين حالتي الكسل و النشاط و التذكر هو التعلم قال اللّه تعالي انمايتذكّر اولواالالباب و يمكن ان‏يكون من هذا الباب ايضاً:

5‌ ـ التوبيخ كما تقول للعاثر: الشمس طالعة فان مقتضي طلوع الشمس ان‏يكون الانسان الوقور غير عاثر في مشيه. قال لقمان لابنه و هو يعظه… و اقصد في مشيك و ان تضمن هذا الخبر التوبيخ ايضاً ولكن المخبر يعلم المخاطب العاثر النسبة الخارجية العادية التي قدغفل عنها و هي عدم امكان التعثر عند طلوع الشمس عادة.

قال السجاد7 في الدعاء الحمدللّه الذي خلق الليل و النهار بقوته و ميّز بينهما يقدرته و جعل لكل واحد منها حدّاً محدوداً و امداً ممدوداً يولج كل واحد منهما في صاحبه و يولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد فيمايغذوهم به و ينشئهم عليه فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب و نهضات النصب و جعله لباساً ليلبسوا من راحته و منامه فيكون ذلك لهم جماماً و قوةً و لينالوا به لذة و شهوة و خلق لهم النهار مبصراً ليبتغوا فيه من فضله و ليتسببوا الي رزقه و يسرحوا في ارضه طلباً لمافيه نيل العاجل من دنياهم و درك الاجل في اخريهم بكل ذلك يصلح شأنهم و يبلو اخبارهم و ينظر كيف هم في اوقات طاعته و منازل فروضه و مواقع احكامه ليجزي الذين اساءوا بماعملوا و يجزي الذين احسنوا بالحسني اللهم فلك الحمد علي مافلقت لنا من الاصباح و متعتنا به من ضوء النهار و بصرتنا به من مطالب الاقوات و وقيتنا فيه من طوارق الافات الدعاء.

 

«* المعاني صفحه 113 *»

فانظر الي هذه الاخبار فكم فيها من الفوائد التي يجهلها العباد فيستفيدونها من اخباره عليه الصلوة و السلام. و كذا يكون من هذا الباب:

6 ـ المدح كقوله:

فانك شمس و الملوك كواكب   اذا طلعت لم‏يبد منهن كوكب

فان المتكلم يعلم المخاطب بانه قدعرف من جلالته حداً يري الملوك عند جلاله كالكواكب عند الشمس. و يستفيد المخاطب بهذا الخبر مقدار معرفة المتكلم بمقامه و ان كان قدتضمن المدح ايضاً:

التحذير نحو: ابغض الحلال الي اللّه الطلاق. و هذا المقصد ايضاً من نوع «فائدة الخبر» لان في هذا الخبر بيان نسبة شرعية واقعية بان الطلاق مع انه امر محلل في الاحكام النفس‏الامرية مبغوض عند اللّه في الاحكام الاولية الواقعية. فان جعل الطلاق في هذا العالم بمناسبة وجود الاعراض و تحقق الخلط فاذا صفي العالم عن هذه الكدورات و الاعراض يرفع حكم الطلاق لظهور الواقعيات غيرالمشوبة بالاعراض. و الدليل علي ذلك ماروي من ان الحسن7 كان مطلاقاً اي كثير التطليق فاي معني للتحذير في هذا الخبر.

8 ـ اظهار الضعف و الخشوع نحو ربّ اني وهن العظم منّي و اشتعل الرأس شيباً و هذا المقصد ايضاً كماذكرنا في الاسترحام و الاستعطاف اعلام و اخبار بان ظهور هذه الاثار ممايحمل النبي زكريا علي نبينا و آله و عليه‏السلام و يهيّجه و يسوغ له ان‏يسأل اللّه عزّوجلّ ان‏يهب له من لدنه ولياً يرثه و يرث من ال‏يعقوب و يجعله اللّه رضيّاً.

و يخبر بانه مع وهن العظم منه و اشتعال رأسه شيباً و كونِ امرأته عاقراً لم‏يكن بدعاء ربّه شقياً اي ماخيّبته هذه الاسباب من ان‏يدعو اللّه و يسأل منه هذه الحاجة. و كان اللّه سبحانه قدعلم انه يعتقد بالقدرة المطلقة للّه و ان اللّه لايعجزه شي‏ء يفعل مايشاء بقدرته و يحكم مايريد بعزته و قدعلم ايضاً انّه يعمل طبق عقيدته «علم سيوجد» و باخباره عن ذلك يعلم اللّه ذلك منه «علم وجود» كما ذكرناه انفاً.

 

«* المعاني صفحه 114 *»

اظهار التحسّر علي شي‏ء محبوب نحو رب اني وضعتُها انثي و فيه ان هذه الجملة المباركة ليست اخباراً بل هي استخبار في صورة الاستنكار.

و الدليل علي ذلك مارواه القمي رحمه‏اللّه عن الصادق7 في هذه الاية الكريمة ما هذا لفظه: قال ان اللّه اوحي الي عمران اني واهب لك ذكراً سوياً مباركاً يبري‏ء الاكمه و الابرص و يحيي الموتي باذن اللّه و جاعله رسولاً الي بني‏اسرائيل فحدث عمران امرأته حنّة بذلك و هي ام‏مريم فلمّاحملت بها كان حملها عند نفسها غلاماً فلماوضعتها قالت رب اني وضعتها انثي و ليس الذكر كالانثي لاتكون البنت رسولاً يقول اللّه تعالي و اللّه اعلم بماوضعت فلماوهب اللّه لمريم عيسي8كان هو الذي بشر به عمران و وعده اياها فاذا قلنا في الرجل منّا شيئاً و كان في ولده او ولد ولده فلاتنكروا ذلك. الحديث.

و يمكن ان‏يقال ان ذلك اخبار ايضاً حقيقة ولكن من نوع «لازم الفائدة» اي يا رب اني اعلم ان الانثي لايمكنها ان‏تكون محرّرة تعبد اللّه سبحانه في الكنيسة و لاتخرج منها لانها تحيض و تخرج منها لامحالة و اني عالمة بهذا الحكم الشرعي بتعليمك اياي و من هذه الجهة تسلي نفسها بقولها واللّه اعلم بماوضعتُ (ان كانت الجملة من كلام ام‏مريم سيّما علي قرائة وضعتُ بضم التاء كماهي مروية عن علي7 علي مافي المجمع).

و يدل علي ذلك مارواه العياشي رحمه‏اللّه عن الصادق7 ان المحرّر يكون في الكنيسة لايخرج منها فلماوضعتها قالت رب اني وضعتها انثي و ليس الذكر كالانثي ان الانثي تحيض فتخرج من المسجد و المحرر لايخرج من المسجد. الحديث.

10ـ  اظهار الفرح بمقبل و الشماتة بمدبر. نحو جاء الحق و زهق الباطل. و هذا المقصد ايضاً اخبار و اعلام حتي يعلم المخاطبون الكفار ان سلطة النبي 9كان من تسديده سبحانه و هذه الغلبة و الاستيلاء علامة حقانيّته فانه 9 قدأمر بالقاء هذا الخبر حين دخل يوم فتحِ مكّة و الاصنام حول الكعبة و كانت ثلاثمأة و ستين صنماً فجعل9 يطعنها بمِخصَرَة (شي‏ء يتوكّأ عليه كالعصا) في يده و يقول جاء الحق و زهق الباطل انّ

 

«* المعاني صفحه 115 *»

الباطل كان زهوقاً و مايبدي‏ء الباطل و مايعيد فجعلت تنكب لوجهها كماروي ذلك عن الصادق7 في الامالي.

و كذا هذه الكريمة اخبار و اعلام حتي يعلم المخاطبون المؤمنون ان هذه الغلبة مقدمة غلبة القائم عجل‏اللّه تعالي فرجه الشريف و جعلنا من اعوانه و انصاره صلوات‏اللّه‏عليه و علي ابائه الطاهرين.

كماروي في الكافي عن الباقر7 في هذه الاية اذا قام القائم ذهب دولة الباطل الحديث. اللهم انا نرغب في دولة كريمة تعز بها الاسلام و اهله و تذلّ بها النفاق و اهله و تجعلنا فيها من الدعاة الي طاعتك و القادة الي سبيلك و ترزقنا بها كرامة الدنيا و الاخرة.

فظهر لك ان المقصدين الاصليين موجودان في كل خبر (علي سبيل البدلية) و لايخلو خبر من احدهما و ان كان متضمناً لجهة اخري و لغرض اخر قديعرف من سياق العبارة و القرائن الحالية و المقالية و لاينحصر تلك الجهات و هذه الاغراض فيماذكر فان لكل انسان في نفسه مقاصد اصلية و اغراضاً ظلية تبعية يجعلها كالظلال و الاشباح لاغراضه الاصلية.

الفصل الثاني

في الافصاح و البيان و اقسام الخبر من تلك الجهة

المراد من الافصاح و البيان هو ان‏يكون الكلام علي قدر الحاجة لا زائداً عنه فتكون الزيادة عبثاً و لا ناقصاً منه فيكون النقصان مُخلاً بالغرض. فان الكلام كالمرءاة ينتقش فيه غرض المتكلم و المخاطب كالناظر يري في الكلام غرض المتكلم و يعرفه علي ماينتقش فيه و يفهم منه مراده. و المعني الموجود في نفس المتكلم كالشاخص. فكما انك اذا نظرت الي المرءاة عرفت المقابل بالصفة التي في المرءاة فلولا تلك الصفة مطابقاً له ماعرفته فكذلك المخاطب يعرف غرض المتكلم من اسلوب كلامه و نوع خطابه.

فلا طريق للمخاطب الي معرفة ذلك الشاخص (عند عدم المواجهه من جهة

 

«* المعاني صفحه 116 *»

اخري) حين المقابلة بمرءاة الكلام الاّ بتلك الصفة التي هي المثال الملقي في هوية تلك المرءاة فيعرفه بها مع انها غيره بل لا شي‏ء عنده. و بين الشاخص و بين تلك الصورة بينونة صفة لا بينونة عزلة و معني بينونة صفة ان‏يكون الاثر صفة استدلال علي المؤثر. و اما التغاير بينهما تغاير الصفة و الموصوف اذ لا شك ان الصفة غيرالموصوف و لهذا الكلام محل اخر و انماذكرناه استطراداً.

و المقصود بيان ان الغرض من الاخبار الافصاح و البيان و ذلك لان الكلام هو الفعل الصادر عن المتكلم احدثه لينزل به كلامه النفسي و مراده الغيبي الي عالم الاجسام بل الكلام هو المراد الجسداني و المعني الجسماني كماعرفت ذلك من قبل. و لماكان الخلق اثار فعل اللّه يلزم ان‏يكونوا علي صفته فكما ان فعل اللّه يجري علي حسب القوابل و الاستعدادات و يظهر بمقتضي القابليات لا زائداً عليها و لا ناقصاً عنها و اشار الي ذلك بقوله الحق انزل من السماء ماءً فسالت اودية بقدرها الاية فيوافق المقبول القابل و يطابقه فكذلك فيلزم علي المتكلم المخبر الذي هو اثر فعل اللّه سبحانه ان‏يجري كلامه الذي هو فعله علي مقتضي قابلية المخاطب فيعتبر حاله و ينشي‏ء الكلام علي ماهو عليها حتي يشاهد المخاطب غرض المتكلم علي مقتضي حاله.

1ـ فان كان المخاطب خالي الذهن من النسبة الكلامية غيرمتردد فيها و لا منكراً لها فيلقي المتكلم الخبر خالياً من التأكيد لعدم الحاجة الي ذلك. فيسمي هذا القسم من الخبر ابتدائياً فان في تلك الصورة يتمكن الغرض في ذهن السامع لقابليته الصالحة و عدم كدورة مانعة من ذلك المتمكن قال اميرالمؤمنين7 في وصيته لابنه الحسن7 و انما قلب الحدث كالارض الخالية ماالقي فيها من شي‏ء قبلته فبادرتك بالادب قبل ان‏يقسو قلبك و يشتغل لبّك. الوصية.

و قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه‏مقامه في المثنوي:

سادگان چون طالب ساده شدند لاجرم از بهرش آماده شدند

 

 

«* المعاني صفحه 117 *»

نقشها از لوح خاطر شسته‏اند نقش را در قيد ساده بسته‏اند
با طرازان طالب نقش آمدند عرش را هشته سوي فرش آمدند
نقشها ديدند سبز و سرخ و زرد لاجرم گشتند از اهل نبرد
اختلاف آمد سبيل اختلاف سادگي آمد دليل ايتلاف
صد هزاران ساده يكرنگند و صاف دو مطرّز لامحاله در خلاف
اي‏خوش آن‏خاطر كه او ساده شده‏است بهر جلوه يار آماده شده است
شسته دل از لوث نقش و اختلاف نيست در او غير حبّ و ايتلاف
آينه تا صافي و ساده نشد بهر حسن يار آماده نشد
لوح اگر از خط بد آغشته شد خط نيكو كي بر آن بنوشته شد
ساده شو تا سادگان راهت دهند صاف شو تا نور چون ماهت دهند
آن زمين كز عُشب هرزه پاك نيست همچو بستان خرّم و چالاك نيست
انبيا از اين سبب ساده شدند بهر فهم ساده آماده شدند
نقشها شستند از لوح وجود تا كه فهم سادگانشان شد شهود
گر تو را هم عشق ساده بر سر است بايدت ساده شدن كان در خور است
آينه دل صاف كن از لوث زنگ پاك كن قلب خود از اين بو و رنگ
تا عيان بيني جمال يارشان گرددت مكشوف سرّ كارشان

و نقلنا الابيات بطولها لكثرة محصولها و جلالة معانيها وفقنا اللّه للعمل بها و التصور بمداليلها. و قال الشاعر:

عرفت هواها قبل ان‏اعرف الهوي فصادف قلباً خالياً فتمكنا

2ـ و ان كان المخاطب متردداً في النسبة طالباً للوقوف علي حقيقتها او يظنه المتكلم غافلاً او مستخفاً بحكمه و قوله او يريد المتكلم تشديد الامر و شدة اقبال السامع و تقرير النسبة في قلبه او يريد ان‏يحفظها و لاينساها حتي يؤدي كماسمع او يظن ان السامع يظن في حقه السهو او المجاز او المبالغة او لماطال الكلام و يخاف المتكلم

 

«* المعاني صفحه 118 *»

عدم التفات السامع الي اول الكلام و امثال ذلك فيلقي المتكلم الخبر مؤكِّداً الحكم و يسمي هذا القسم من الخبر طلبياً.

3ـ و للخبر من جهة الافصاح و البيان صورة اخري تسمي انكارياً و هي القسم الثالث من الاقسام و هو اذا كان المخاطب منكراً للخبر و يعتقد خلافه فيلزم علي المتكلم ان‏يؤكد كلامه بمؤكد او مؤكدين او اكثر علي قدر الحاجة الي التأكيد بالنسبة الي قدر الانكار و لايتفاوت ذلك في الحكم الاثباتي و الحكم النفي.

الحال و ظاهر الحال:

اعلم ان القاء الكلام علي هذه الانواع الثلاثة (الابتدائي و الطلبي و الانكاري) يسمي اِلقاءَ الخبر علي مقتضي ظاهر الحال. فان المراد من ظاهر الحال هو الامر الباعث الي القاء الخبر علي نوع من هذه الانواع و هذا الباعث امر ثابت في الواقع و اما اذا كان الباعث (الي القاء الخبر علي كيفية خاصة) امراً اعم من الواقعي او الفرضي (اي كان ثبوته بالفرض عند المتكلم كتنزيل المخاطب العالم منزلة الجاهل) فيسمي ذلك الامر حالاً.

ثم اعلم انهم يقولون قدتقتضي الاحوال ان‏يلقي الخبر علي خلاف مقتضي ظاهر الحال لاعتبارات يلاحظها المخبر و يذكرون موارد نذكرها و نذيلها بماهو الحق و الواقع ان‏شاءاللّه‌تعالي.

و قبل ان‏نذكر هذه الموارد نقول تمهيداً:

الظاهر هو ضد الباطن و ماكان باطناً فلا حكم له في عالم الشهادة الاّ بماظهر فيه فالاحكام تجري علي حسب الظواهر و الظواهر هي التي تقتضي احكاماً ظاهرية و نستدل من الظواهر علي البواطن و من الشهاديات علي الغيوب. فالمتكلم يعتبر حال مخاطبه الظاهرية و يتكلم معه علي حسب مايقتضي ظاهر حاله. فكل نوع من الخبر القاء علي مقتضي ظاهر الحال و لا وجه لاخراج بعض الموارد و الحكم عليها بانها «القاء علي خلاف مقتضي ظاهر الحال» كهذه الموارد الاتية:

 

«* المعاني صفحه 119 *»

تنزيل العالم بفائدة الخبر او لازمها او بهما معاً منزلة الجاهل بذلك لعدم جريه علي موجب علمه. ففي هذه الصورة يلقي المتكلم الخبر كمايلقي الي الجاهل به. كقولك الصلوة واجبة (لمن يعلم وجوب الصلوة و هو لايصلّي) توبيخاً.

و نحن نقول ظاهر الحال في هذه الصورة هو الجهالة و القاء الخبر هكذا يوافق مقتضي الظاهر و يدل علي ذلك قوله تعالي انما التوبة علي اللّه للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فاولئك يتوب اللّه عليهم و كان اللّه عليماً حكيماً. و روي في هذه الاية يعني كل ذنب عمله العبد و ان كان به عالماً فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربّه فقدحكي اللّه سبحانه و تعالي قول يوسف لاخوته: هل علمتم مافعلتم بيوسف و اخيه اذ انتم جاهلون. فنسبهم الي الجهل لمخاطرتهم بانفسهم في معصية الله.

فهل‏تري يا انت ان يوسف علي نبينا و آله و عليه‏السلام قدنزل اخوته منزلة الجهلاء ام خاطبهم جاهلون لنزوات الجهالة و دفعاتها التي هي ظاهر حالهم حين فعلوا بيوسف و اخيه مافعلوه و كذا هل‏تري ان اللّه تعالي نزل العاصين منزلة الجاهلين ام نسب السوء الي الجهالة حقيقة و عملهم الذي هو المعصية دفعة الجهالة حقيقة فظاهر حالهم يقتضي ان‏يخاطبهم المتكلم خطاب المخاطب الجاهل و القاء الخبر في هذا المورد يكون موافقاً لمقتضي ظاهر الحال و لايكون خلاف ذلك المقتضي فافهم.

تنزيل خالي الذهن منزلة السائل المتردد اذا تقدم في الكلام مايشير الي حكم الخبر كقوله تعالي و ماابري‏ء نفسي ان النفس لأمارة بالسوء. فمدخول انّ مؤكد لمضمون ماتقدمه لاشعاره بالتردد فيماتضمنه مدخولها. و كقوله تعالي و لاتخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون.

و قالوا في تطبيق الاية الثانية لمورد البحث انه لمّاامر اللّه نوحاً اوّلاً بصنع السفينة و نهيه ثانياً عن مخاطبته في الظالمين بالشفاعة فيهم صار مع كونه غير سائل في مقام السائل المتردد. هذا مبلغهم من العلم.

و نحن نقول في هذا المورد: ان الانسان اذا فاجأه امر كان‏يحدث نفسه خلاف

 

«* المعاني صفحه 120 *»

ذلك الامر المفاجي‏ء يتردد اوّلاً و تمر في نفسه خواطر استفهامية و تنتقش امام ذهنه اسئلة حول هذا الامر و في بعض الاحيان بل في اكثرها تظهر تلك الاسئلة علي ملامع الوجه من تغيير اللون و تحريك الحاجب و انخفاض الصوت و فتح الشفتين و تقطيع الكلام الي غير ذلك من العلائم الرمزية التي تشير الي تردد النفس و المتكلم البصير الفطن يقرء تلك الكلمات الرمزية علي حد قول الشاعر:

فلمّااطمعتني بالوصال تبسماً و بعد انتظاري اعرضت و تولّت

و يطابقه قول الشاعر الفرسي:

خنده زير لبت پيك وصالم مي‏داد غمزه‏ات ليك همي داد اميدم بر باد

فيلقي الخبر مؤكداً لمارأي من المخاطب الترديد المخفي ولكن الظاهر باثاره قال علي7: مااضمر احد شيئاً الاّ و قدظهر في فلتات لسانه و صفحات وجهه فيكون الخبر علي مايقتضي ظاهر الحال و لايكون خارجاً عن مقتضاه و لايكون تنزيلاً.

و اما الاستدلال بالاية الشريفة من سورة يوسف فانه في غير موضعه لانّها علي احتمال كونها من كلام زليخا كمايظهر من كلام القمي رحمه‏اللّه فلاتنزيل ابداً لان الملك احضر النسوة التي قطعن ايديهن حتي يستجوبهن في امر يوسف و لايكون الملك خالي الذهن من ذلك بل يكون علي بينة من الامر قبل الخوض فيه بدليل انه يواجههن مقرراً الاتهام بقوله ماخطبكن اذ راودتن يوسف عن نفسه؟ فلم‏يجدن هنالك (في حضرة الملك و في هذه المواجهة الصريحة بالاتهام) مجالاً للانكار. قلن حاش للّه ماعلمنا عليه من سوء فتتقدم امرأة العزيز المحبة ليوسف التي لاتستطيع ان‏تخلص من تعلقها به و تقول الحقيقة في صراحة: الان حصحص الحق انا راودته عن نفسه و انه لمن الصادقين. تعني الان ظهر الحق ظهوراً واضحاً.

فهذه الشهادة الكاملة بنظافة يوسف و براءته و صدقه من امرأة العزيز (التي لاتبالي بماورائها ممااصابها) و من ساير النسوة ممايثير في نفس الملك اسئلة تنشأ من الترديد لاي شي‏ء هذه الصراحة و لاي شي‏ء هذا الاعتراف الصريح و الاقرار السريع و انت امرأة

 

«* المعاني صفحه 121 *»

العزيز و لاتحتفظين حرمة البيئة و هو عبدك المسجون و لاي شي‏ء تعلنين ببراءته الكاملة اعلاناً رسمياً بحضرة الملك؟ و كل تلك الاسئلة ان لم‏تكن في كلام الملك.([24]) فقدكان في وجهه و لمحاته و لهذا القت زليخا الخبر واحداً بعد واحد في تأكيدات مناسبة ذلك ليعلم اني لم‏اخنه بالغيب و ان اللّه لايهدي كيد الخائنين. (انظر الي التأكيدات و انصف). فيوسف بري‏ء و انا خائنة و ان اللّه ماهداني في كيدي ولكن سدّد يوسف و حفظه و وقاه و رحمه و ماابري‏ء نفسي ان النفس لامارة بالسوء الاّ مارحم ربي ان ربي غفور رحيم.

فجوّ القصر و حضرة الملك و استحضاره النسوة و كرامة يوسف و تسديد اللّه له و الهامه تأويل الاحاديث و افتتان الملك بيوسف و قوله ايتوني به و غير ذلك من الظروف كلها ظاهر الحال و يقتضي القاء الخبر مؤكداً كمافعلت زليخا هذا علي احتمال ان الاية كانت من كلام زليخا.

و اما علي احتمال كونها من كلام يوسف علي نبينا و آله و عليه‏السلام (كمايظهر من كلام بعض المفسرين) فلا تنزيل ايضاً لان الظروف من ناحية يوسف ايضاً ممايثير في كل نفس اسئلة مترددة فان الملك يرغب في رؤية يوسف هذا السجين الذي طال عليه السجن فقال ايتوني به. و يوسف لايستعجل الخروج و الملك كان‏يعلم ببرائة يوسف حين شهد شاهد من اهلها ان كان قميصه قدّ من قبل فصدقت و هو من الكاذبين و ان كان قميصة قدّ من دبر فكذبت و هو من الصادقين فلمارأي قميصه قدّ من دبر قال انه من كيدكن ان كيدكن عظيم. فيوسف بري‏ء عنداللّه و عند الملك و عند المرأة ولكن هي مفتونة به قدبلغ حبه شغاف قلبها حتي اقامت لنسوة المدينة مأدبة في قصرها و قالت اخرج

 

«* المعاني صفحه 122 *»

عليهن فلمّارأينه اكبرنه الايات.

ثم قالت منتصرة امام هؤلاء النسوة المفتونات المبهورات: فذلكن الذي لمتنّني فيه و لقدراودته عن نفسه فاستعصم و هذه شهادة اخري ببراءة يوسف. الي ان قال اللّه تعالي: ثم بدا لهم من بعد مارأوا الايات ليسجننّه حتي حين الايات. هي ايات برائة يوسف و نزاهته و نظافته و مع ذلك يؤمر بسجنه جريمة انه لم‏يستجب الي الفحشاء.([25]) (و هكذا يكون الحكم في قصور الفراعنة و الجو الحاكم علي عبدة الهوي) هذا هو السجين البري‏ء كمال البراءة و هو لايستعجل الخروج.

و قدقال رسول‏اللّه 9 لقدعجبت من يوسف و كرمه و صبره و اللّه يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف و السمان ولو كنت مكانه مااخبرتهم حتي اشترط عليهم ان‏يخرجوني الخبر. نعم لايستعجل الخروج حتي يتبين الحق كمال التبيان و يتضح براءته كمال الوضوح. فقال للرسول: ارجع الي ربك فاسأله مابال النسوة التي قطعن ايديهن ان ربي بكيدهن عليم.

فهذه السكينة و اطمئنان القلب و الثقة الايمانية و عدم الاستعجال و هذه النظافة و البراءة و امثال ذلك من الظروف الحاكمة في قصر الملك و عند النساء الشاهدات بنزاهته و براءته و الظروف الجارية في جو السجن مدة خمس سنين (قبل قوله للذي ظن انه ناج منهما، اذكرني عند ربك) و سبع سنين (بعد قوله هذا الي خروجه) ممايثير في نفس الملك و كل نفس خواطر استفهامية و اسئلة ان لم‏تكن في الكلام فقدظهرت في الملامح و الحواجب و العيون و تكون تلك كلها ظاهر الحال فتقتضي القاء الخبر مؤكداً

 

«* المعاني صفحه 123 *»

فقال7 ذلك ليعلم اني لم‏اخنه بالغيب و ان اللّه لايهدي كيد الخائنين الفاظ موحية و دروس الهية تشير الي دليل التسديد و التقرير.

كل ذلك اي ردّي رسول الملك و عدم استعجالي بالخروج و هذه السكينة و الطمأنينة ليعلم اني لم‏اكن خائناً فاني نبي اللّه الذي يظهر دعوته بعد حين و ينبغي ان‏تظهر براءتي و نظافتي كمال الظهور لان النبي يجب ان‏يكون معصوماً من بدء عمره الي منتهاه قبل البعثة و بعد البعثة و ان كانت العصمة تتقوي و تتأكد فيه و تزداد بعد البعثة (و الادلة علي ذلك مذكورة في محله) و اللّه اعلم حيث يجعل رسالته.

فيلقي الخبر مؤكداً و يلقي دروساً توحيدية «الرسول معصوم و اللّه هو المسدد و مؤدب الانبياء بادابه» و مع ذلك كله و ماابرّي‏ء نفسي !!! كلام مثير. فان البري‏ء الذي قدشهدت الشواهد ببراءته و شهدت المفتونة به الامرة بسجنه بنظافته كيف يقول و ماابري‏ء نفسي فما معني البراءة بعد ذلك؟ و ما هو البري‏ء بعدك؟ كلام مثير جداً.

و القرءان قداسدل الستار علي المشهد الذي وقع بعد هذا الكلام و حذف الكلمات المترددة علي الالسن في جو القصر و بحضرة الملك و في جو السجن و لم‏يذكر البهت و الدهشة الحاكمة علي المرأة و النسوة المفتونات الفاتنات المشتركات في الدعوة التي قال هذا السجين فيها رب السجن احب الي ممايدعونني اليه فهذا البري‏ء هو الذي يقول و ماابري‏ء نفسي مع هذه الايات الناطقة ببراءته و الادلة الناصة بنظافته.

فظاهر الحال يقتضي ان‏يقول و يلقي الخبر مؤكداً ان النفس لامارة بالسوء الاّ مارحم ربي انه هو الغفور الرحيم لانه هو الذي قال في دعائه و الاّتصرف عني كيدهن اصب اليهن و اكن من الجاهلين. فيلقي درساً آخر و هو بيان قوله تعالي مااصابك من حسنة فمن اللّه و مااصابك من سيئة فمن نفسك و قوله تعالي في القدسي يا ابن آدم بمشيتي كنت انت الذي تشاء و بقوتي ادّيت الي فرائضي و بنعمتي قويت علي معصيتي جعلتك سميعاً بصيراً مااصابك من حسنة فمن اللّه و مااصابك من سيئة فمن نفسك و ذلك اني اولي بحسناتك منك و انت اولي بسيئاتك مني و ذلك اني لااسأل عماافعل و هم

 

«* المعاني صفحه 124 *»

يسئلون. و هذا درس توحيدي عظيم يفسر قول اللّه تعالي في تلك القصة و لقدهمّت به و همّ بها لولا ان‏رأي برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء انه من عبادنا المخلصين.

فيعلن يوسف انه لولا رحمة ربه الخاصة و لولا تسديد اللّه اياه كان نفسه امارة بالسوء فان الجنس المحلي باللام يفيد العموم الاستغراقي كقوله تعالي ان الانسان لفي خسر فجميع النفس امارة الاّ نفس رحمها ربي و قدرحمني و سددني و عصمني و لم‏يسعدني قضاه و قدره علي الهمّ بالعصيان و لا علي ارتكاب الفحشاء فلقدهمّت بي و لولا اني رأيت برهان ربي([26]) لهممت بها و كذلك صرف اللّه عني السوء و الفحشاء فلاحول و لاقوة الاّ باللّه العلي العظيم. و لقدطال بنا الكلام في هذه الكريمة لمافيها من مزال الاقدام و مضلات الاوهام.

و اما الاستدلال بالاية الثانية التي في سورة هود و هي و اصنع الفلك باعيننا و وحينا و لاتخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون ففيه ان النبي الكريم شيخ الانبياء نوح الحليم الصابر صلوات‏اللّه‏عليه بعد ماعلم بوحي اللّه سبحانه انه لن‏يؤمن من قومك الاّ من قدامن فلاتبتئس بماكانوا يفعلون اي لاتحزن و لاتحس بالبؤس و القلق و لاتهتم بالذي كان منهم فان القلوب المستعدة للايمان فقدامنت و اما البقية فليس فيها استعداد للايمان فلاتفيد دعوتك فحينئذ قال رب لاتذر علي الارض من الكافرين ديّاراً انك ان تذرهم يضلّوا عبادك و لايلدوا الاّ فاجراً كفاراً فامره اللّه بصنع السفينة و قال و اصنع الفلك باعيننا و وحينا و لاتخاطبني في الذين ظلموا.

و اما نوح فكان في ترديد من ان هذا القضاء قضاء حتم ام يكون فيها البداء و ان اللّه هل اجاب دعاءه عليهم ام يريد امهالهم فكانت في نفسه تلك الاسئلة و ان

 

«* المعاني صفحه 125 *»

لم‏يظهرها في كلامه فاخبره اللّه سبحانه بانها قضاء حتم و لايكون فيها البداء فقال انهم مغرقون فالغاء الخبر مؤكداً يكون علي مقتضي ظاهر الحال و لايكون فيه تنزيل.

تنزيل غير المنكر منزلة المنكر اذا ظهر عليه شي‏ء من امارات الانكار كقول حَجَل بن نضلة القيسي (و هو من اولاد عمّ شقيق):

جاء شقيقٌ عارضاً رُمحه ان بني عمّك فيهم رماح

و قالوا في تطبيق البيت: انه لاينكر شقيق رماح بني‏عمّه ولكن مجيئه علي صورة المعجب بشجاعته (و هو واضع رمحه بالعرض علي فخذيه راكباً او حامل لرمحه عرضاً علي كتفه بدون اكتراثه بالعدو) و يواجه القوم كانهم في نظره عُزْلٌ ليس مع احد منهم رمح يقاوم في وجهه بمنزلة انكاره وجود رماح لأبناء عمّه. فالقي الخبر اليه مؤكداً سخرية منه و قذفاً بخرق الرأي و النزق.([27])

و انت‏تري ان في ذلك انكاراً اشدّ الانكار و ان لم‏يظهره باللسان فان للانكار مراتب من الانكار القلبية و الانكار العملية و الانكار القولية فاذا ظهرت واحدة من هذه المراتب من المخاطب يكون منكراً لمضمون الخبر فيلزم التأكيد و القاء الخبر مؤكداً فلا تنزيل ايضاً لانه منكر في العمل فقدروي يقين المرء يري في عمله فالعمل مظهر من مظاهر الاقرار او الانكار و من ذلك نري قدعدّ من اركان الايمان العمل بالاركان. فالشاعر يلقي اليه الخبر مؤكداً لا لتنزيله منزلة المنكر بل لمايري من انكاره العملي فيكون الخبر مطابقاً لمايقتضيه ظاهر الحال.

تنزيل المتردد منزلة الخالي كقولك للمتردد في قدوم مسافر مع شهرته قدم الامير و لايخفي ان المتكلم ان لم‏يكن له خصوصية في القاء الخبر هكذا و لايفيد خبره المخاطب فاي فائدة في تنزيله ولكن لمّاكان له خصوصية من وثاقته عند المخاطب او كان المتكلم واقفاً بامور الامير و امثال ذلك من الخصوصيات التي يطمئن بها المخاطب

 

«* المعاني صفحه 126 *»

المتردد فيلقي اليه الخبر و يفيد الخبر فائدة هي اطمينان المخاطب فيكون من باب فائدة الخبر (و الخبر الابتدائي) والاّ فما النتيجة في التنزيل فانصف.

5 ـ تنزيل المتردّد منزلة المنكر كقولك للسائل المستبعد لحصول الفرج ان الفرج لقريب و فيه ان الانسان الذي واجهته البلايا و المصائب و اتعبته الشدائد و ان كان قديرجو النجاة و اليسر و الفرج ولكن شدة المحن يجعله بحيث يظهر في افعاله او في اقواله مايدل علي انكاره وقوع الفرج و استولي عليه القنوط و اليأس.

فالمتكلم يلقي الخبر مؤكداً ليزيل عنه اثار الانكار و يقوّي فيه الرجاء الكامن و يحيي فيه الايمان بالقدرة المطلقة و الرحمة الواسعة فيقول ان الفرج لقريب؛ فلا تنزيل. فلهذا كان اللّه سبحانه قدوعد عباده المؤمنين ان لايقنطوا من رحمة اللّه فان رحمة اللّه قريب و لاييأسوا من روح اللّه فانه لاييأس من روح اللّه الاّ القوم الكافرونو وعد المحسن ظنه به ثواباً.

6 ـ تنزيل المنكر منزله الخالي اذا كان لديه دلائل و شواهد لو تأملها لارتدع و زال انكاره كقوله تعالي و الهكم اله واحد لا اله الاّ هو الرحمن الرحيم.

و فيه ان اللّه تبارك و تعالي قديخاطب الكفار و المنكرين بلسان فطرتهم التي فطر الناس عليها. فانهم في فطرتهم الالهية و جبلتهم الاولية غيرمنكرين و لا كافرين وان كانوا في طبيعتهم المغيرة (و لامرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه الاية) و تطبّعهم الفاسدة كفاراً منكرين فلاتنزيل.

ثم نراه بعد هذه الاية يوجّه الكلام الي الطبيعة المغيرة و يؤكّد الكلام و يقول تعالي ان في خلق السموات و الارض الي ان قال لايات لقوم يعقلون.

تنزيل المنكر منزلة المتردد كقولك لمن‏ينكر شرف الادب انكاراً ضعيفاً ان الجاه بالمال انّمايصحبك ماصحبك المال و اما الجاه بالادب فانه غير زائل عنك. و فيه ان بعض القلوب اذا وقفت امام فتنة الحياة الدنياوية و فتنة زينتها تغترّ بها و تطير اليها و تحسب ان الحظّ العظيم لمن اوتي شيئاً منها. قال اللّه تعالي في قصة قارون و اغترار

 

«* المعاني صفحه 127 *»

فريق بماله و جاهه فخرج علي قومه في زينته قال الذين يريدون الحيوة الدنيا ياليت لنا مثل مااوتي قارون انه لذو حظّ عظيم.

 فالمال و الجاه الحاصل من المال قدجعل تلك القلوب المبهورة المتهاوية المتهافة بحيث تنكر جاهاً اعلي و اكرم و لاتتطلع الي ماهو اعزّ و ادوم ولكن وجود فريق عاقل خبير في كل زمان و مكان الذين يستعلون علي هذه القيم الخسيسة بقيمة العزة و الشرف و الايمان و التقوي ممايجعل هؤلاء المغترين المبهورين مترددين في نفوسهم و اذا تراجعت قلوبهم الي فطرتهم الاولية و تري ان قيم الايمان و الرجاء فيماعند اللّه و الاعتزاز بالشرف و الادب و التقوي هي القيم الصحيحة الانسانية فيلقي اليهم الخبر علي صورة الطلبي بملاحظة هذا التردد كماحكي اللّه سبحانه عن الذين استيقظ الايمان في قلوبهم و رأوا ان الاعتزاز بالايمان اعلي و اشرف من الافتتان بالمال و الزينة فيقول و قال الذين اوتوا العلم ويلكم ثواب اللّه خير لمن امن و عمل صالحاً و لايلقاها الاّ الصابرون.

قال مولانا و سيدنا اميرالمؤمنين صلوات‏اللّه‏عليه فيمانسب اليه:

ليس البلية في ايامنا عجباً   بل السلامة فيها اعجب العجب
ليس الجمال باثواب تزيّنها   ان الجمال جمال العلم و الادب
ليس اليتيم الذي قد مات والده   ان اليتيم يتيم العقل و الحسب

و كذا قال7

ايها الفاخر جهلاً بالنسب   انما الناس لام و لاب
هل تريهم خلقوا من فضة   ام حديد ام نحاس و ذهب
هل تريهم خلقوا من فضلهم   هل سوي لحم و عظم و عصب
انما الفخر لعقل ثابت   و حياء و عفاف و ادب

هذه الصور هي التي يقولون انها خلاف مقتضي ظاهر الحال و انت اذا تأملت فيها تجد انه يمكنك ان‏تحملها علي مقتضي ظاهر الحال.

و من تلك الجهة يقولون: انه اذا التبس اخراج الكلام علي خلاف مقتضي الظاهر

 

«* المعاني صفحه 128 *»

باخراجه علي مقتضي الظاهر يحتاج الي قرينة تعين المقصود او ترجّحه و ان لم‏توجد قرينة صح حمل الكلام علي كل من الامرين.

ادوات التوكيـد

قدعرفت مماسبق ان الخبر هو بيان ظهور من ظهورات الذات المستعلية عليها و المنزهة عنها و الظهور من حيث هو ظهور فعلية ظهرت محدودة بالزمان و المكان و ساير الجهات و الحدود. و تلك الجهات و الحدود مختلفة في التصرم فمنها سريعة التصرم و منها بطيئة ففي مقام التعبير يعبر عن السريعة بالصيغ الفعلية و الجملات الفعلية و عن البطيئة يعبر بالاسماء و الجملات الاسمية.

كمانري في احاديث اهل العصمة عليهم السلام و الصلوة يعبرون عن فعل اللّه سبحانه و ظهوره الكلي الذي هو الحركة الايجادية بـ المشية و كان نظرهم المبارك في ذلك الي ان هذا الظهور مع انه حركة (و هي متصرمة مفتقرة و لا شي‏ء اعظم في التصرم و التجدد منها) مخلوق ثابت و ذات مستقل بالنسبة الي المراتب التي دونه و ان كان مضمحلاً و فقيراً و محتاجاً بالنسبة الي الحق سبحانه في وجوده و في بقائه.

فظهر ان التعبير عن كل ظهور بلفظ اسمي او جملة اسمية يشير الي حيث التأصل و التذوت و التأكّد حتي ان مولانا و سيدنا الرضا7 و روحي لتراب اقدام مواليه الفداء قال في وصف المشية بل خلق ساكن لايدرك بالسكون.

فعلي هذه المقدمة اصل التوكيد و اول الوسائل لتوكيد الخبر القاؤه علي صورة الجملة الاسمية وحدها فان فيها توكيد و تثبيت بالنسبة الي الجملة الفعلية. فاذا اريد مجرد الاخبار يلقي الخبر بـ الجملة الفعلية و اما اذا اريد التأكيد درجة يؤتي بالجملة الاسمية وهكذا بها مع «انّ» او بهما و بـاللام او بها كلّها و القسم.

و قدذكروا ادوات التوكيد في علم النحو مفصّلاً اشهرها هي:

اِن‌ّ‌‌‌َ

اَن‌ّ‌‌َ (و الحق في اَنَّ المفتوحة هو ماقاله مولانا الكريم انها للربط فقط و لايفهم

 

«* المعاني صفحه 129 *»

منها تأكيد).

لام الابتداء عند البصريين لانها تدخل علي المبتدأ و تسمي باللام المزحلفة لان حقها ان‏تدخل علي انّ لان لها صدر الكلام فزحلفت الي الخبر اي دفعت و ربماتسمي بالمزحلقة بالقاف فانها بمعناها و هي عند الكوفيين لام قسم و الذي اري ان‏تسمي هذه اللام بــلام التوكيد ليجمع بذلك بين قول البصريين و الكوفيين في احوال هذه اللام.

4ـ احرف التنبيه و هي «اَلا» و «اَما» و «ها» و «يا». اما «اَلا» و «اَما» فهما حرفا استفتاح و فائدتهما توجيه نفس المخاطب الي الاستماع و الفهم ولكن قال بعضهم: «فائدتهما توكيد مضمون الجملة» و يحتمل انه اراد هذا القائل بتوكيد مضمون الجملة تثبيته في ذهن السامع الغافل. لان وضع هذه الحروف لتنبيه الغافل و ايقاظ الذاهل و هذا المعني غير معني التأكيد الذي يراد في هذا المبحث كقول الامير7:

الا يا ايها الموت الذي هو قاصدي   ارحني فقد افنيت كل خليل

نعم كثيراًما تدخل اَما علي القسم فتفيد «التوكيد» بمجاورته نحو قوله7 في الخطبة الشقشقية اما واللّه لقدتقمّصها ابن ابي‏قحافه الخطبة.

و كذا «ها» فانها قدتستعمل مع القسم فتفيد «التوكيد» نحو ها اللّهِ ذا و اما مجردة عن القسم فهي حرف تنبيه.

و اما «ياء» فهي حرف نداء قدتستعمل للتنبيه ظاهراً فلايفهم منها التوكيد.

5 ـ القسم و المراد من القسم في هذا المبحث قسم اخبار و اعلام لا «قسم سؤال» فانه من اقسام الانشاء و سيأتي بحثه ان‏شاءاللّه تعالي.

و نتبرك هنا بذكر كلام من مولانا الكريم اعلي‏اللّه‏مقامه في «التذكرة» في تحقيق معني «القسم» حتي تري كيف يكون القسم للتوكيد. قال اعلي‏اللّه‏مقامه:

«فصل في القسم: و درك معناه مشكل جداً و هو مأخوذ من القَسْم كضرب و هو ان‏يقع في قلبك شي‏ء فتظنه ثم يقوي ذلك فيصير حقيقة فتلك الحقيقة تسمي بالقسم

 

«* المعاني صفحه 130 *»

فمعني اقسم احققه و اثبته ثم اطلق علي فعل من حلف بشي‏ء لتحقيق مدعاه و تثبيته فاذا قال مثلاً باللّه هذا هكذ عبر عنه بـ«اقسم» و صار حقيقة في ذلك المعني و القسم اسم للحلف و يسمي باليمين و هي مشتقة من «اليمين» لانهم كانوا اذا تحالفوا يضربون بايمانهم».

و لماكان تحقيق الشي‏ء و تثبيته ادعاء لايسمع من كل احد من غير دليل و شاهد احتيج في ذلك الي شاهد صدق يصدق المدعي في مدعاه فذلك الشاهد هو المقسم‏به اي الذي حقق الامر به فاذا قلت اقسم باللّه انّ هذا هكذا فمعناه «احقق ذلك باللّه» اي مستعينا باللّه في تحقيقي و تثبيتي فاذا قرّره اللّه يعلم ان ذلك الامر مقرر محقق.

و كذلك قول القائل اشهد باللّه اي اشهد بحقية ذلك الامر باللّه. فلو كذب علي اللّه لفضحه او الباء للتعدية اي اشهد اللّه و اذا قرره تحقق ماادّعي او الباء للوصل و لماكان اللّه محققاً ثابتاً تصل تحقيقك المراد باللّه المحقق حتي تكون اذا كذبت ممن لايقرّ بتحقق اللّه فانك وصلت غير محقق به و اجريتهما مجري واحداً فكان من يحلف كاذباً ينكر تحقق اللّه هذا هو الاصل في ذلك ثم حول الي الانشاء في تحقيق الامر كماحول اليه لفظ بعتُ و هو ايضاً اخبار عمافي الضمير قبل التكلم ولكن شاع في الانشاء.

و اما اذا اقسم بغير اللّه نحو و حيوتك او و حقك او لعمرك او كمااقسم اللّه بالشمس و القمر و غيرهما من خلقه ممايكون عظيماً اذ لايقسم الاّ بالعظيم. فالمعني احقق ذلك واصلاً قسمي و تحقيقي بذلك العظيم فان كان ذلك العظيم محققاً فهذا محقق والاّ فلا و لابدّ و ان‏يكون المقسم‏به شيئاً لايرضي المقسم بعدم تحققه و فنائه حتي يتحقق مايصله به ولذا لايقسم بحيوة من لايبالي بموته و لا برأس من لايعزّ عليه فناؤه و ان اللّه سبحانه انزل قسمه منزلة اقسام خلقه حين كلّمهم بلسانهم و لاجل ان ماخلقه لحكمة عظيمة لايرضي بفنائه فيحلف به.

6 ـ نونا التوكيد اذا كانا لتوكيد الخبر المحض المصدّر بمايدلّ علي التوكيد كـ

 

«* المعاني صفحه 131 *»

لام‏القسم نحو واللّه لتفعلن و ماءالمزيدة نحو أما نذهبن بك و اما نرينك و غير ذلك من الجمل الخبرية و اما اكثر استعمالهما ففي مستقبل فيه معني الطلب و حينئذ كانا خارجين عن محل البحث.

الحروف الزائدة لان ٭ زياده المباني تدل علي زيادة المعاني ٭ فهذه الحروف تكون للمبالغة في المعني و هي عشرة: ا ـ ء ـ ت ـ س ـ ل ـ م ـ ن ـ و ـ هـ  ـ ي يجمعها قولك سألتمونيها و قولك اليوم تنساه و قولك هم يتساءلون. فان اتفق في كلمة زيادة علي غير باب التضعيف كانت من هذه الحروف. و اما في باب التضعيف فتقع الزيادة من جميع الحروف فتلحق بتلك الحروف.

8 ـ حروف الصلة و هي حروف نحوية تسمي بـ حروف الزيادة (في اصطلاح النحو) و بحروف الصلة ايضاً لانه يتوصل بها الي كمال اللفظ او المعني فقديؤتي بها لتوكيد المعني او استقامة الوزن و حسن الاداء و سلاسة اللفظ فتسمي بالزيادة لهذه الجهة لانها تزيد في حسن اللفظ او المعني و لولا ذلك لكان زائداً و لغواً و ترجيحاً من غير مرجّح. نعم من غير ملاحظة افادتها التوكيد تكون زائدة لان حقيقة المعني لاتتفاوت بتركها. و هي: «اِنْ» ـ «اَنْ» ـ «ما» ـ «لا» ـ «مِنْ» ـ «باء» ـ «اللام».

9ـ «التكرار» و المراد منه هو التوكيد اللفظي المبحوث‏عنه في علم النحو و لايزيد علي ثلث و يجري في الافعال و الاسماء كثيراً و في الحروف قليلاً نحو قام قام زيد زيد.

10ـ «قَدْ» و هي حرف التوقع و كان للتحقيق سواء دخلت علي الماضي او المضارع و التحقيق هو توكيد الحقيقة.

11ـ «اَمّا» الشرطية فهي و ان كان للتفصيل ولكن قيل ذلك حكم الاغلب و انها للتوكيد دائماً. و الذي افهم ان التوكيد نتيجة تكررها لفظاً و تكرير معني المجمل في «اَمّا» مفصلاً ففي نحو رأيت العلماء اما زيد فكان فقيهاً و اما عمرو فكان متكلماً تكرير لفظ «امّا» ممايفيد التوكيد و كذا تكرير معني العلماء في صورته التفصيلية بعد «امّا». فالمجمل يؤكّد في التفصيل فالحق ان «امّا» وضعت للتفصيل و تكون للتوكيد بتكرر لفظها و تكرير

 

«* المعاني صفحه 132 *»

المجمل مفصلاً فافهم.

12ـ «انّما» و يحتمل ان‏يكون التوكيد في «انّما» اكثر من «اِنَّ» المشبة وحدها لان «ما» من الحروف الزيادة التي مرّ ذكرها و انها من ادوات التوكيد فاذا اجتمعت اِنَّ و ما يكون التوكيد بهما اكثر و من هذه الجهة عدّوها (انّما) من تلك الادوات مستقلة.

و انماسموها كافةً (عن عمل النصب في باب الحروف المشبهة) اجتهاداً لمارأوا ان تلك الحروف لاتعمل معها في اكثر الاستعمالات. و هذا اجتهاد كماتري و يمكن ان‏يقال انه لماكان المقصود من الحاق هذا الحرف زيادة التوكيد فينبغي ابقاء هيئة الخبر علي حاله و عدم تغيير في لفظه حتي يحصل الغرض فان التغيير عن الهيئة الاصلية ممايوهن الشي‏ء عماكان عليه و يزيله فانظر الي التوكيد الذي حصل من «اِنَّ» و «ما» و عدم تغيير الهيئة في نحو انما زيدٌ قائمٌ.

و يؤيد ماقلنا ان «انّما» تدخل علي الجملة الفعلية لان المقصود القاء الخبر علي ماهو عليه مؤكداً فينبغي ذكر الفعلية اذا اقتضي المقام ذكرها نحو قل انمايوحي الي انما الهكم اله واحد فهل انتم مسلمون.

فان كان «ماء» كافةً فلايجوز العمل مطلقاً مع انهم اختلفوا فقالوا بندور الاعمال في انما نحو انما زيداً قائم و قاس بعضهم علي ذلك باقي تلك الحروف و منع بعضهم اقتصاراً علي السماع و اجاز بعضهم الاعمال في ليت و لعل. و قيل اذا دخلت علي «ليت» لاتزيلها عن الاختصاص بالاسماء فلايقال: ليتما قام زيد. فتدبر و انصف.

13ـ تقديم الفاعل المعنوي لان الاصل عند النحاة تأخر الفاعل عن الفعل فلوتقدم يعتبرونه مبتدأ لا فاعلاً و من ذلك قيّدوه في صورة التقديم بالمعنوي.

ولكن قدعرفت الحق فيمااسلفنا من مباحث المسنداليه ان للفاعل حق التقديم ذاتاً و لانه مسنداليه و للفعل التأخير لانه المسند و الاثر و اما تأخير الفاعل فمن جهة معموليته و تأخره عن الفعل ظهوراً. و بالجملة ففي تقديم الفاعل زيادة التنبيه الي شخص الفاعل لا الي الفعل نحو زيد ضرب عمراً فكأنك تريد بتقديم زيد زيادة التنبية الي

 

«* المعاني صفحه 133 *»

شخص الضارب اِنه زيدٌ لا الي الضرب.

14ـ ضمير الفصل (علي اصطلاح البصريين) و العماد (علي اصطلاح الكوفيين) فانه يؤتي به لتأكيد خبرية الخبر حتي لايشتبه بالنعت عند السامع نحو والذي اوحينا اليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لمابين يديه. فلو لم‏يؤت بهذه الكناية يحتمل ان‏يكون الخبر نعتاً فينتظر السامع الخبر فيؤتي بها و يعتمد عليها في رفع هذا الاشتباه.

و يمكن ان‏يلحق بضمير الفصل في تأكيد الخبر الكناية المجهولة (علي اصطلاح الكوفيين) او ضمير الشأن و القصة (علي اصطلاح البصريين) لانها انمايؤتي بها اذا قصد تعظيم الخبر فيتوصل الي ذلك بابهام الامر و كناية اولاً و تفسيرها ثانياً ليكون اوقع في نفس المستمع نحو قل هو اللّه احد فيؤكد بذلك الخبر و يعظّم.

15ـ اسمية الجملة (و قدمضي البحث عنها).

ثم اعلم انه قديؤكد الخبر لتأكد شرافته و شده قوته من دون ان‏يكون فيه تردد و انكار كقول الخطيب ان احسن الكلام و ابلغ المواعظ كلام اللّه عزّوجلّ . . .

فقدظهر من هذا البحث انه يختلف اساليب الكلام باختلاف المقاصد و الاغراض في مقام التخاطب فينبغي الاطناب في موضع يحتاج اليه و ينبغي الايجاز و الاختصار حيث يطلب المقام ذلك حتي يكون الكلام بمقدار الحاجة لا ازيد فيكون عبثاً و لا انقص فيكون مخلاً بالغرض و هذا هو «الافصاح و البيان».

و قدروي ان المتفلسف الكندي ركب الي ابي‏العباس المبرد و قال له: اني لاجد في كلام العرب حشواً فقال ابوالعباس: في اي موضع وجدت ذلك؟ فقال: اجد العرب يقولون: عبداللّه قائم ثم يقولون: ان عبداللّه قائم ثم يقولون: انّ

عبداللّه لقائم. فالالفاظ متكررة و المعني واحد. فقال ابوالعباس: بل المعاني مختلفة لاختلاف الالفاظ فالاول اخبار عن قيامه و الثاني جواب عن سؤال سائل و الثالث جواب عن انكار منكر قيامه فقدكررت الالفاظ لتكرر المعاني فمااحار المتفلسف جواباً.

 

«* المعاني صفحه 134 *»

الفصل الثالث

في تقسيم الخبر الي جملة فعلية و جملة اسمية

الجملة الفعلية هي التي صَدْرها فعل لفظاً كـ قام زيد و ضُرب عمروٌ و كان زيد قائماً و ظننته فاضلاً و يقوم زيدٌ او حكماً كـ زيدٌ قام (علي مذهب اهل الحق من المحققين من ان زيدٌ فاعل قام و قام رتبة مقدم عليه) و علي ذلك فنحو اي ايات اللّه تنكرون و فريقاً كذبتم و خاشعة ابصارهم يخرجون كلها جمل فعلية.

و الجملة الاسمية هي التي صدرها اسم نحو زيدٌ قائم و قائم الزيدان.

ثم اعلم انهم يقولون: الجملة الفعلية انماوضعت لافادة «التجدد و الحدوث» في زمن معين مع الاختصار لان الفعل دال بصيغته علي احد الازمنة الثلاثة من دون احتياج الي القرينة بخلاف الاسم فانه يدل علي احدها بقرينة ذكر الفاظها ـ كـ الآن و امس و الغد ـ و لماكان الزمان الذي هو احد مدلولي الفعل غير قار بالذات (اي لاتجتمع اجزاؤه في الوجود) كان الفعل مع افادته التقييد باحد الازمنة الثلاثة مفيداً للتجدد ايضاً.

و اما الجملة الاسمية فهي تفيد ـ باصل وضعها ـ «ثبوت شي‏ء لشي‏ء» ليس غيره من دون نظر الي تجدد و لا استمرار نحو السماء متحركة فلاتفيد هذه الجملة الاّ ثبوت الحركة للسماء بدون نظر الي تجدد ذلك و لا حدوثه.

قال الشيخ عبد القاهر: موضوع الاسم علي ان‏يثبت به الشي‏ء للشي‏ء من غير اقتضاء انه يتجدد و يحدث شيئاً فشيئاً فلاتعرض في نحو زيد منطلق لاكثر من اثبات الانطلاق له فعلاً كمافي زيد طويل و عمرو قصير. (اي ان ثبوت الطول و القصر باصل الوضع و اما استفادة الدوام فمن الملازمة في هذين الوصفين. و حينئذ فالتمثيل للمنفي).

ثم يقولون: و الجملة الفعلية قدتفيد «الاستمرار التجددي» شيئاً فشيئاً بحسب المقام و بمعونة القرائن (لا بحسب الوضع) بشرط ان‏يكون الفعل مضارعاً نحو قول المتنبي:

تدبّر شرق الارض و الغرب كفّه   و ليس لها يوماً عن المجد شاغل

 

 

«* المعاني صفحه 135 *»

فتدل الجملة علي ان تدبير الممالك ديدنه و شأنه المستمر الذي لايحيد عنه و يتجدد اناً فـٔناً بقرينة المدح. كما ان الجملة الاسمية قدتفيد «الدوام و الاستمرار» بحسب القرائن (اذا لم‏يكن في خبرها فعل مضارع) كمقام المدح نحو انك لعلي خلق عظيم فقرينة المدح تدل علي ارادة الاستمرار مع الثبوت. و هي (اي الجملة الاسمية) لاتفيد الثبوت باصل وضعها و لا الاستمرار بالقرائن الاّ اذا كان خبرها مفرداً نحو الصديق عزيزاو كان خبرها جملة اسمية نحو الصديق هو رفيقي و اما اذا كان خبرها فعلاً فانها تكون كالجملة الفعلية في افادة التجدد و الحدوث في زمن مخصوص نحو:

نروح و نغدو لحاجاتنا   و حاجة من عاش لاتنقضي

و قدعرفت في اول الفصل ان هذا النوع من الجملة (علي القول الاصح) جملة فعلية.

دلالة الكلمة مطلقاً علي الزمان:

هذا التحقيق من القوم مبني علي ماقالوه في تحديد الفعل و الاسم (في علم النحو).

و الحق ان الكلمة مطلقاً (فعلاً او اسماً او حرفاً) تدل علي «الزمان و الحدوث و التجدد».

اما الفعل فظاهر لانه ماانبأ عن حركة المسمي فالفعل نفس الحركة و هو اية «الابداع» الذي هو الحركة الايجادية التي لاتحقق و لا وجود لها اصلاً الاّ حين صدورها فهي عين الفقر و الاحتياج بحيث لا تذوت لها في انين و مفتقرة دائماً ابداً سرمداً الي حافظ و مقوم و موجد و مصدر و محدث لها فلا شي‏ء اعظم في التصرم و التقضي و التجدد من الحركة و الحركة مشروطة بالزمان.

و اما الاسم فان معناه هو الكائن الحادث و لا شك ان الزمان من حدوده فان الاسم ماانبأ عن المسمي و ماهو صفة لموصوف و المسمي و الموصوف هو الحادث الكائن المقترن بالزمان فالاسم دال علي الزمان ايضاً باصل الوضع.

 

«* المعاني صفحه 136 *»

و اما الحرف فانه يدل باصل الوضع علي الزمان ايضاً لان معني الحرف امر حادث و الحادث مقترن بالزمان و الزمان من حدوده و جهاته فان المشخصات الستة التي هي الزمان و المكان و الكم و الكيف و الجهة و الرتبة لاتنفك عن شي‏ء بل لاشيئية للشي‏ء الاّ بهذه الستة و لاتختلف الموجودات في السلسلة العرضيه الاّ بهذه المشخصات.

نعم الفرق بين الفعل و الاسم ان الفعل يلاحظ معه الزمان و التجدد في الاستعمال و لاينظر الي جهة ثبوته و استقلاله بالاستقلال و اما الاسم فيلاحظ معه حيث الثبوت و الاستقلال في الاستعمال و لاينظر الي حيث تجدده و حدوثه والاّ فالفعل ايضاً دال علي الثبوت و الاستقلال و الاستمرار لانه اية «المشية» التي هي الاصل الثابت المستقل الذي تدور عليه جميع الكائنات بقول مطلق.

و لذا عبروا عنها بـ «الكلمة» التي انزجر لها العمق الاكبر و ركدت لها البحار و خمدت لها النيران فتكون ساكناً ثابتاً مستقلاً مستمراً غيرمضمحل و انك اذا نسبتها الي ماتحتها من المراتب لاتتغير و لاتتبدل و لاتختلف باختلافها و لاتتغير بتغيرها و لاتنفعل بحركاتها و تأثيراتها و انقلاباتها كماقال الصادق7 خلق اللّه الاشياء بالمشية و خلق المشية بنفسها و يكفيك في الدلالة علي استقلال الفعل و استمراره و ثبوته اصالته في العمل و التأثير و بناؤه بحيث لايؤثر فيه العوامل و كل عامل انمايعمل بتبعية الفعل و مشابهته و انه لايقع معمولاً الاّ بمشابهة الاسم.

و كذا الاسم دال علي الحدوث و التجدد في احد الازمنة ايضاً لانه حاصل من الفعل و الظهور و مخلوق به و معمول له.

و يشير الي ماذكرنا من الفرق بين الفعل و الاسم كون الفعل «متحركاً غير ساكن» للبيان و الاشارة الي انه هو الحركة الكونية الايجادية و انه بالنسبة الي محدثه مضمحل فقير محتاج انَ وجوده و ان بقائه فيحتاج الي المدد الجديد اناً فـٔناً و شيئاً فشيئاً و كون المصدر (الذي هو اية الاسم المطلق) «ساكناً غيرمتحرك» فانه لماكان اول متعلق للفعل و اول حامل لاثره بل هو اثره و مفعوله الاول المطلق بل هو المفعول حقيقة دون ماسواه

 

«* المعاني صفحه 137 *»

و المفعول طبعه البرودة و السكون و الخضوع فسكون وسط المصدر (الذي هو الاصل و القلب الذي تدور عليه باقي الحروف و هي فروع متمّمة له) يشير الي ان حقيقة الاسم الغالبة عليه هي الوقوف و الثبوت و محل تعلق الفعل و مهبط الفيض.

و ليس هنا محل تحقيق هذه المباحث فانها من مسائل الحكمة و هي مذكوره في كتب مشايخنا العظام اعلي‏اللّه‏مقامهم في محالّها المناسبة لها.

و قدعرفت مماتلونا عليك ان دلالة الجملة الفعلية او الاسمية علي «الاستمرار» لاتكون بحسب القرائن بمعني ان تلك الدلالة دلالة مجازية خارجة عن اصل الوضع بل هي دلالة حقيقية باصل الوضع تعين بالقرائن حسب لحاظ المستعمل و نظره.

تعبير ادق:

و بتعبير ادق الذي يستفاد من كلام مولانا اميرالمؤمنين علي‏بن‏ابي‏طالب7 في تعريف الفعل (الفعل ما انبأ عن حركة المسمي) ان ماهية الفعل هي الحركة المتحصلة الخارجية الصادرة من الفاعل المخبرعنها بالفاظ سميت باسم تلك الحركة الواقعية الخارجية.

«فالحركة من حيث هي هي ليس فيها الزمان مطلقاً» و ان كانت لابد ان‏تقع فيه لان كل كائن لابد ان‏يقع في وقت يناسبه و مع ذلك لايؤخذ الوقت في تعريفه فكذا الفعل الواقعي اي الحركة الخارجية ليس الزمان في تعريفه مأخوذاً فالالفاظ المعبرة عنه لماكانت منبئات عن تلك الحركة (و ليست من حيث هي هي فعلاً و لا غيره و انماسميت باسم الفعل و غيره لانبائها عن الفعل و غيره) لم‏تقيد ايضاً بالزمان و من ذلك نراه7 لم‏يأخذ قيد الزمان في تعريف الفعل.

فالفعل هو حركة الفاعل و هو المطلق. و اما «الماضوية و المضارعية و الحالية و الخبرية و الانشائية» كلها قيود و عوارض توجد في رتبة مقيدات ذلك المطلق و لاتكون في نفس المطلق كـ الحيوان فانه مطلق لايؤخذ في تعريفه الصاهلية و الناهقية و النابحية و الناعقية لانها قيود تؤخذ في تعريف مقيدات الحيوان المطلق لا في تعريف ماهية

 

«* المعاني صفحه 138 *»

الحيوان المطلقة نعم اذا لاحظت الهيئة و دلّتك تلك الهيئة علي الزمان فقدلاحظت المقيد لا الماهية المطلقة فالقيود اللفظية هي التي تدل علي القيود الخارجية العارضة في رتبة المقيدات. فالحدوث في زمن معين و التجدد و الاستمرار التجددي و الخبرية و الانشائية و غيرها من القيود انماتستفاد من القرائن التي هي القيود المنبئة عن عرصة المقيدات لا الفعل المطلق. فتدبر.

٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭

 

«* المعاني صفحه 139 *»

الباب الثاني: في الانشاء

و فيه فصول:

الفصل الاول: في حقيقة الانشاء و اقسامه

الانشاء لغة و اصطلاحاً: قال في المعيار: انشأ يفعل كذا انشاءً: اي جعل و ابتدء و منه خرج ـ و الناقة: لقحت ـ و داراً: بدء بِناءها ـ و اللّه السحاب: رفعه و الخلق: خلقهم و الاسم كضربة و سحابة ـ و فلان الحديث: وضعه انتهي.

و في اصطلاح القوم: «هو كلام لايحتمل صدقاً و لا كذباً لذاته» نحو اغفر فلايتصف هذا الكلام بالصدق و الكذب و لاينسب الي قائله صدق او كذب. و المراد من «لذاته» في التعريف هو قطع النظر عمايستلزمه الانشاء من الاخبار. فانّ «اغفر» يستلزم خبراً و هو «انا طالب المغفرة منك» و كذا لاتضرب يستلزم خبراً و هو «انا طالب عدم الضرب» و كل هذا ليس لذاته.

و لهم تعبير اخر في تعريف الانشاء و هو «الانشاء هو مالايحصل مضمونه و لايتحقق الاّ اذا تلفظت به. فطلب الفعل في «افعل» و طلب الكف في «لاتفعل» و طلب المحبوب في «التمني» و طلب الفهم في «الاستفهام» و طلب الاقبال في «النداء» كل ذلك ماحصل الاّ بنفس الصيغ المتلفظ بها».

ثم الانشاء في اصطلاحهم ينقسم الي قسمين: انشاءطلبي و انشاء غيرطلبي.

فالثاني: هو ما لايستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب و يكون بصيغ «المدح و الذم و صيغ العقود و القسم و التعجب و الرجاء و كذا يكون بـ ربّ و لعلّ و كم الخبرية». و هذا القسم من الانشاء فلايبحث عنه في علم البلاغة لان اكثر صيغه في الاصل اخبار نقلت الي معني الانشاء.

اما القسم الاول (اي الانشاء الطلبي): هو الذي يستدعي مطلوباً غير حاصل وقت

 

«* المعاني صفحه 140 *»

الطلب (علي اعتقاد المتكلم). و انواعه خمسة لان المطلوب ان كان غيرمتوقع كان الطلب تمنّياً و ان كان متوقعاً فاما يكون حصول صورة امر في الذهن فهو الاستفهام و اما يكون حصوله في الخارج فان كان ذلك الامر انتفاء فعل فهو النهي و ان كان ثبوته فاما باحد حروف النداء فهو النداء و اما بغيرها فهو الامر.

و اما الانشاء الطلبي «بالعرض و التحضيض» فلم‏يعدوهما البيانيون من انواع الانشاء الطلبي لانهما علي الاصح عندهم مولدان من الاستفهام و التمني. فان الاول مولد من الهمزة مع لاء النافية في «اَلا» و الثاني من هل و لو للتمني مع لا و ما الزائدتين في «هلا» و «اَلا» (بقلب الهاء همزة) و كذا «لولا» و «لوما».

ثم الانشاء الطلبي نوعان: نوع يدل علي معني الطلب بلفظه (و هو هذه الانواع الخمسة) و نوع يدل علي معني الطلب بغير لفظه كـالدعاء.

فالمبحوث‏عنه في علم المعاني هو «الانشاء الطلبي الذي يدل بلفظه علي معني الطلب» لاختصاصه بكثير من اللطائف البلاغية و هو ينحصر في الامر و النهي و الاستفهام و التمني و النداء.

حقيقة الانشاء و تقسيمه الحقيقي

بعد ماعرفت ان الخبر ماكان منبِئاً عمافي الخارج سواء كان الخارج ماضياً او غيره فاعلم ان الانشاء هو ما لايخبر به عمافي الخارج بل يطلب او ينشأ به معناه. فان كان اللفظ متقدماً و المعني متأخراً يسمي بـ الطلب كلفظ اضرب و لاتضرب و ان كان اللفظ و المعني معاً يسمي بـ الانشاء كـ بعت.

فالانشاء قسمان: عام و خاصّ. فـ العام هو مايقابل الاخبار و الخاص هو مايقابل الطلب. و العام يشمل الطلب و الانشاء الخاص. و ببيان اوضح و تعبير اولي ان الفاعل في الخبر هو الموجد الخارجي و الفاعل في الطلب هو المأمور و الفاعل في الانشاء هو المنشي‏ء.

و ليحسن ان‏يعلم هنا ان نوعاً من الطلب يكون اللفظ و المعني معاً من دون تقدّم

 

«* المعاني صفحه 141 *»

احدهما و تأخّر الاخر كقوله سبحانه كن فيكون. فان المخاطب لم‏يكن قبل اللفظ و لايعقل ان‏يكون بعده للزوم الانتظار و النقص للّه سبحانه فيكون في هذا النوع من الطلب اللفظ و المعني مساوقاً في الوجود و متحققاً معاً. اذ لاشك ان كلمة «يكون» اعلام و اخبار بالامتثال و وقوع المطلوب من المخاطب ثم نسألك من هو المأمور بالتكون حتي يصير فاعلاً و يرجع ضمير الفاعل في «يكون» اليه فان قلت ان المخاطب المأمور هو الموجود المتحقق المخلوق فقدقلت باطلاً و تكلّمت بالقبيح لان هذا الخطاب مستلزم لتحصيل الحاصل و هو قبيح من الحكيم الخبير. و ان قلت هذه الكلمة تعبير عن الايجاد و ليست بامر حقيقي و خطاب واقعي فان هذه الامور كلها في مقام كثرة الالفاظ.

فنقول: علي زعمك ان اللّه تعالي هل عبّر عن خلاف الحق و الواقع و خلاف الحقيقة او كان عاجزاً من التعبير عماهو في الواقع؟ تعالي ربّنا عن ذلك علواً كبيراً.

و ان قلت: هو ذات اللّه سبحانه فيكون هو الامر و هو المأمور و هو الفاعل و هو القابل و هو المخاطِب (بالكسر) و هو المخاطَب (بالفتح) كماقالوا «ان الفاعل بعينه هو القابل و الفعل و القبول له يدان و هو الفاعل باحدي يديه و القابل بالاخري و الذات واحدة و الكثرة نقوش فيصح انه مااوجد شيئاً الاّ نفسه فليس الاّ ظهوره».

فنقول: ان هذا قول اجمع المسلمون علي انه كفر و زندقة و انه ليس من‏الاسلام و لا من دين اللّه تعالي بل انه قول منحرفي الحكماء عن طريق الانبياء: .

و ان قلت: ان المخاطب هو الاعيان الثابتة في الازل معدومة العين صالحة لامتثال امر «كن» كماقالوا هؤلاء المنحرفون «ان الاعيان الثابتة مستجنّة في غيب الذات و مندرجة فيها اندراج اللوازم في الملزومات» و قال بعضهم «انّها مستجنة فيها استجنان الشجرة في النواة».

فهذا القول ايضاً كفر عند جميع المسلمين و باطل بالادلة التوحيدية التي تبطل تعدد القدماء و وقوع التركيب في ذات اللّه سبحانه و لزوم التغير و الابادة و الفناء تبارك و تعالي ربنا و تقدس.

 

«* المعاني صفحه 142 *»

و ان قلت: ان ذلك من اقسام المجازات و هي شايعة في اللغة العربية و استعمالات الفصحاء و البلغاء و العلماء و الحكماء و ذايعة في الايات و الروايات.

فنقول: قدثبت ان المجاز خلاف الاصل لايصار اليه الاّ بدليل قطعي و هو منتف هنا فلاينفعك القول به.

فان قلت: الدليل موجود. نقول: هاتوا برهانكم و دليلكم ان كنتم صادقين.

و اما نحن فـنقول: بتعليم الحكماء الصادقين الاخذين عن اولياء اللّه المعصومين: انه لمااخبر اللّه الحكيم في كلامه عن هذا الخطاب المستطاب وجب علينا القبول و ترك التأويل بالاوهام الضعيفة و العقول الناقصة و الادلة السخيفة و نتمسك بقول مولانا الرضا7 ارادته احداثه لا غير لايروّي و لايهمّ و لايفكّر و انمايقول للشي‏ء كن فيكون من غير لفظ و لا كيف لذلك كماانه لا كيف له فان صريح كلامه7 انه خطاب واقعي و امر حقيقي اختياري بالنسبة الي المخاطب لكنه لا كيف له فلايعرفه اهل التكييف و التحديد.

فيستفاد من كلامه7 و استشهاده بالكريمة ان «المخاطِب» (بالكسر) هو فعل اللّه سبحانه و مشيته و اختراعه و هو لسان اللّه المعبر عن كل ظهوراته بكل اطواره و شـٔنه. و «الخطاب» هو دلالة الكلمة التامّة الواقعة علي ارض قلب المخاطب و «المخاطَب» (بالفتح) هو نفس هذا الخطاب مع الحدود و المشخصات كما ان اللفظ كذلك ـ فجري التطابق بين اللفظ و المعني ـ و هذا المجموع هو فاعل يكون في قوله تعالي كن فيكون.

فالمفعول هو فاعل فعل الفاعل لان «التكون» عن فعل الفاعل لكنه ماتحقق و ماوجد الاّ بالمفعول و هذا المفعول هو ذلك الفعل الظاهر الذي هو الحدث و هو المصدر فالموجود الاول الحقيقي في الحقيقة الاولية هو المفعول المطلق و هو «خطاباً» و «امراً» و «تكويناً» في قولك خاطبت خطاباً و امرت امراً و كونت تكويناً و امثال ذلك و في الحقيقة الثانية هو «المفعول‏به» الذي وقع عليه فعل الفاعل.

فهذه الحقيقة له جهتان و كل واحدة منهما حقيقة حقيقية فلايكون الخطاب

 

«* المعاني صفحه 143 *»

محتاجاً الي مخاطب مقدم في الوجود و كذا الفعل الي المفعول و ذلك في البدو الاصلي و الظهور الخلقي و النور القدسي الالهي. و اما في الظهور الشهودي و البروز الحسي ففي كل عالم يحتاج الي محل.

و بالجملة([28]) فالمخاطب: هو قابلية الخطاب. و الخطاب: هو مادة المخاطب و هو صورة له. فاذا اقترنا ظهر الخطاب علي مقتضي الاختيار في الكينونة. فقول اللّه سبحانه كن، حقيقة باقية كان في الخلق الاول التكويني هذه صورتها و في الخلق الثاني صورة التعبير عنها ادبر الي نهاياته و في الخلق الثالث كانت الصورة اقبل و في الخلق التشريعي صورة التعبير: صلّ و زكّ و حجّ و امثال ذلك.

و ليس المقام مناسباً لذكر هذه الامور و انماذكرنا لئلايكون كتابنا هذا خالياً من تلك الحقائق الراهنة التي اقتبسناها من مشكوة علوم مشايخنا العظام اعلي‏اللّه‏مقامهم و لماكان همّنا نشر هذه العلوم المباركة نذكر منها مايمكننا ولو لادني مناسبة. و للّه المن بماوفقنا لذلك و الهمنا الخير و صلي اللّه علي محمّد و آله الطاهرين.

و اما الانشاء غير الطلبي:

فقالوا فيه: «هو الذي لايستدعي مطلوباً غير حاصل وقت الطلب». و يعدون منه هذه المواضع الاتية:

صيغ المدح و الذم كـ نعم و بئس و ساء و حبذا و لاحبذا و الافعال المحولة الي فَعُل نحو طاب علي نفساً و خبث رُمَع اصلاً. و قالوا ان تلك الصيغ و ان كانت في الظاهر اخبارية الاّ انها نقلت الي الانشاء و صارت انشائية لان المادح او الذام انمايحدثان المدح و الذم بهذه الالفاظ و اما المدح و الذم فليسا موجودين في الخارج حتي يخبر عنهما بتلك الصيغ و من ذلك لايقبلان التكذيب. و لان المادح مثلاً انمايعني بهذا اللفظ مدح الممدوح علي جودته خارجاً و هو انشاء.

 

«* المعاني صفحه 144 *»

و انت تري وهن هذا الكلام لانك اذا قلت نعم الرجل زيد تخبر المخاطب بحسن رجولية زيد في الخارج و هذا هو معني الخبر فان كل خبر يكون هكذا فاذا قلت قام زيد مثلاً تعني به قيامه في الخارج.

و اما قولهم: انه لايقبل التكذيب. محض ادعاء لايصدقه الواقع فكم من مدح او ذم يكذبه المخاطب لمارأي خلافه في الممدوح او المذموم.

فالحق انها صيغ يراد بها معني بين الخبر و الطلب. كمااسلفنا الكلام في ذلك و هو التنبيه علي الشي‏ء الموجود في الخارج.

صيغ التعجب و هي كقوله تعالي ماادريك ما يوم الدين و كقوله كيف تكفرون باللّه و كنتم امواتاً و كقول العرب للّه درّك و للّه ابوك و مثل:

واهاً لليلي ثم واهاً واهاً   هي المني لو انّنا نلناها

و كقوله تعالي انك لعلي خلق عظيم و مثل سبحان من تحيّر في ذاته سواه و امثال ذلك الاّ انها غيرمخصوصة بالتعجب بل تستعمل في غيره ايضاً.

و اما الموضوع للتعجب بالخصوص فهو صيغتان: و هما «ماافعله» و «افعل‏به».

و مماحسبوه شاذاً من التعجب مااعطاه للمال و حكمهم بشذوذه صدر عنهم غفلة من وروده كثيراً في كلام افصح الفصحاء محمّد بن عبداللّه 9 قال: في الدعاء المروي عنه 9 المسمي بالصحيفة سبحانه من غني مااعطاه و سبحانه من جواد ماافضله و سبحانه من مفضل ماانعمه و سبحانه من منعم مااسيده و سبحانه من عفو مااحسنه و سبحانه من محسن مااجمله و سبحانه من مجمل مااقبله و سبحانه من راع مااعونه و سبحانه من طالب ماادركه و سبحانه من مدرك ماارشده و سبحانه من عدل مااتقنه و سبحانه من قاهر ماانشأه و سبحانه من منشي‏ءٍ مااحكمه. (راجع التذكرة المباركة في النحو)

ثم لماكان التعجب «هو استعظام الزيادة في وصف الموصوف‏به» قالوا: هو انشاء مثل ماقالوه في صيغ المدح.

 

«* المعاني صفحه 145 *»

و انت تعلم ان الوصف الزائد في الموصوف امر موجود في الخارج ولكن لايكون شايعاً اذ لوكان شايعاً كثر نظراؤه و زال العجب و كذا يكون مخفي السبب اذ لو لم‏يخف سببه ابتذل العلم به و لم‏يبق فيه استعظام و لذلك قيل: «اذا ظهر السبب زال العجب» فليس التعجب اخباراً و لا انشاء بل هو معني بين الخبر و الطلب و هو التنبيه علي شي‏ء موجود في الخارج زائد في الموصوف كقولك مااحسن زيداً فانك تنبّه بهذا القول علي فضل حسن زيد علي غيره و كونه بحيث يتعجب منه.

القسم و المراد منه هو «النوع السؤالي» منه نحو نشدتك اللّه و عمرتك اللّه و عمرك اللّه و قعدك اللّه و باللّه لتفعلن. و اما «النوع الاخباري» من القسم نحو باللّه هذا هكذا فقدمضي البحث عنه في البحث عن ادوات التوكيد.

الرجاء و يكون بـ عسي و حري و اخلولق. نحو عسي اللّه ان‏يأتي بالفتح.

و الحق ان هذه الافعال و امثالها كـ جدر و حقّ لك و حقق افعال تدل علي امر خارجي موجود هو استعداد فواعلها للاتصاف بصفة مفاعيلها و لايلاحظ فيها الزمان و انمايراد منها صرف ثبوت الاستعداد و هذا هو معني الاخبار لانك تخبر بها عن ذلك الاستعداد. و لذلك سمّاها مولانا الكريم اعلي‏اللّه‏مقامه بـ افعال الاستعداد.

و اما ماقاله علماء النحو في عسي من انه بمعني «لعل» و هو للانشاء اي لانشاء رجاء المحبوب و اشفاق المكروه ففيه انه لايخبر بـ لعل عن امر خارج واقع بل ينشي بها الرجاء و يظهر و اما عسي فقدعرفت انه يدل علي امر خارجي موجود و هو استعداد فاعله للاتصاف بصفة مفعوله فيشمله تحديد مولانا اميرالمؤمنين7 للفعل من انه مادلّ علي حركة المسمي. و الانشاء هو غير الحركة فلايكون مدلول الفعل كما انه غير ذات المسمي فلايكون مدلول الاسم ايضاً بل يكون معني (غير الذات و الحركة) يبديه الانسان من نفسه بواسطة الحروف كالاستفهام و النهي و الترجي و التمني و التوبيخ و التحضيض و العرض و غيرها.

فالانشاء حقيقة من المعاني الحرفية و لايدلّ عليها الاّ الحروف فان الدلالة علي

 

«* المعاني صفحه 146 *»

تلك المعاني من شأن الحروف. و اما دلالة الفعل او الاسم عليها فلاتكون بحقيقة الوضع و انما هي بالقرائن و الاستعمالات المجازية كـ بعت. فانه حقيقة الاخبار لا الانشاء ولكن يفيد الانشاء مجازاً بالقرينة.

و اما الصيغ الامرية كـ اضرب فانها تدل علي الانشاء لانها (علي ماثبت عندنا من تحقيقات مشايخنا اعلي‏اللّه‏مقامهم في الاصل مجزومة بـ لام الامر مقدرةً فاصل اضرب «لتضرب» فتفيد الانشاء بواسطة «اللام».

و يمكن ان‏يقال: ان كل فعل و اسم يدل علي الانشاء انمايدل بدلالة مجازية لا بحسب الوضع الاولي.

5 ـ العقود فتكون بصيغ الماضي كثيراً نحو بعت و اشتريت و وهبت و اعتقت و بغيرها قليلاً نحو انا بائع و انت حرّ لوجه اللّه تعالي.

اعلم ان المرادات التي تجري فيها الفاظ العقود كالبيع و الشركة و المضاربة و الاجارة و الوكالة و النكاح و امثال ذلك من ايجاباتها و قبولاتها و اقتراناتها كلها امور معروفة مشهورة يعرفها كل الناس و يستعملون الفاظاً دالة علي مافي ضميرهم في هذه الموارد و لم‏يقيدوها بقيد «الماضوية و الخبرية و الانشائية» فالالفاظ تعابير عمافي الضمير تابعة للمرادات النفسانية، و لذا نجد الاحاديث التي وردت في احكام هذه الامور كلها خالية عن هذه القيود فيجزي من الالفاظ كل مايدل علي الضمير و يعيّنه باي نحو اتفق و باي لفظ كان و بايّة لغة كانت فانها مطلقة نصاً من الشارع 9 قال7 كل شي‏ء لك مطلق حتي يرد فيه نص.

و قدقرروا: الناس علي ذلك في جميع الاعصار بحيث لو صدر عنهم: قيد في ذلك لوصل الينا لكثرة الدواعي اليها و لذا نري العلماء وقع فيهم الخلاف في ذلك فقيل المشهور بل كاد ان‏يكون اجماعاً هو اشتراط الصيغة الخاصة في عقد البيع كغيره من العقود فلايكفي التقابض من غير ذلك الصيغة و ان حصل من الالفاظ و الامارات مايدل علي البيع سواء كان في الخطير او في الحقير مجملاً المشهور بينهم انه لابد من

 

«* المعاني صفحه 147 *»

لفظ دال علي الايجاب و اخر علي القبول و ان‏يكون بلفظ الماضي و منهم من اوجب مع ذلك قصد الانشاء و منهم من اوجب مع ذلك فورية القبول و انه لايضر الفصل بنفس او سعال و نحوهما و منهم من اوجب وقوع الايجاب و القبول بالعربية الاّ مع المشقة الي غير ذلك من الشروط المتخرجة التي ليست في اخبار العترة الطاهرة: .

فنستفيد من ذلك ان المقصود التعبير عمافي الضمير و الافصاح بمايكون في النفس فالالفاظ تابعة للمرادات النفسانية فان اراد الانسان انشاء البيع مثلاً يقول بعت او بلفظ اخر ممايدل علي ذلك نعم انه لايكفي القصد و الرضا من الطرفين بل لابد لهما من التعبير باللفظ الدال علي رضاء الجانبين لان مولانا الصادق7 يقول انمايحلّل الكلام و يحرّم الكلام.

فالكلام جسد للقصد النفساني و تعبير عمافي الضمير و مافي الضمير روح لذلك الجسد فاذا كانا معاً و طابق الظاهر مع الباطن يصيران منشأ اثر و يؤثران في الخارج. و علة الحصر في التحليل و التحريم بالكلام في قوله7 دون الافعال ـ مع انها ايضاً دالة علي الضمير و كاشفة عنه و تكون جسداً له من هذا الحيث ـ ان الكلام جسد صريح محكم و قالب مطابق متقن بخلاف الافعال فانها قوالب متشابهة و اجساد صالحة لكل ضمير مناسب لها و ليست صريحة في الدلالة علي المرادات.

و يمكن ان‏نقول مستلهماً من كلام مولانا الصادق7 ان الارادات القلبية في هذه الامور انشاءات واقعية اولية و اما الالفاظ المعبرة عنها فاخبارات من جهة و انشاءات من جهة اخري اما كونها اخبارات لانها تابعة للارادات و معبرات عنها و كاشفات عنها دالاّت عليها فلهذا تكون تلك الالفاظ في اكثر العقود علي صيغ اخبارية. و اما كونها انشاءات فلانها تنشي‏ء تلك المعاني في عالم الظاهر و الشهادة فتكون صيغاً انشائية ظاهرية و علي الاصطلاح المشهور «انشائية مجازية» و لهذا نسب الامام7 التحليل و التحريم الي الالفاظ و هذا هو معني الانشاء اي ايجاد الحلية و الحرمة في الخارج.

و يدل علي ذلك ايضاً ماروي عن علي7 انه قال كل طلاق بكل لسان فهو طلاق و

 

«* المعاني صفحه 148 *»

ماروي عن ابان بن تغلب قال قلت للصادق7: كيف اقول لها اذا خلوت بها؟ قال تقول أتزوجك متعة علي كتاب اللّه و سنة نبيه لا وراثة و لا موروثة كذا و كذا يوماً و ان شئت كذا و كذا سنة بكذا و كذا درهماً و تسمي من الاجر ماتراضيتما عليه قليلاً كان او كثيراً فاذا قالت نعم فقدرضيت فهي امرأتك. و غير ذلك من الاخبار انظر الي قوله7 فاذا قالت نعم فقدرضيت فهي امرأتك كيف نسب القبول و تحقق الزوجية الي قولها نعم و هذا هو معني الانشاء ولكن علي ماذكرنا من ان هذه الالفاظ ايجابها و قبولها «انشاءات ظاهرية» اي حقيقة ثانوية فتدبر.

تتميم: و فيه امران:

الاول: التوبيخ و التحضيض و العرض و يكون الاولان بـ«هلاّ» و «الاّ» و «لولا» و «لوما». فانها حروف يلام و يوبّخ بها علي تارك الفعل و القوم قدسماها حروف تحضيض مطلقاً ولكن الحق انها حروف ينشي‏ء بها «اللوم و التوبيخ» اذا دخلت علي الماضي نحو هلاّ ضربت زيداً و الاّ اكرمت العلماء و لولا جاءوا عليه باربعة شهداء و فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون اللّه قرباناً و لولا اذ سمعتموه قلتم و لوما اهنت الكفار.

و كذا اذا دخلت علي المضارع فان المخاطب يوبخ بها بانه لم لايفعل من غير طلب و لم لايبادر من غير تحضيض نحو لوما تأتينا بالملائكة و هلاّ تكرم العلماء و الاّ تهين الفساق و لولا تضرب عمراً. و اما اذا دخلت علي المستقبل فتكون لانشاء «التحضيض» اذ لايعقل اللوم علي ماسيأتي. و اما اذا خلا المقام عن لوم و تحضيض فهي لانشاء «العرض» و يوافقها في ذلك المعني «الا» المخففة و «لو» و «اما» نحو الا تنزل بنا فتصيب خيراً و لولا اخّرتني الي اجل قريب و لو نزلت فاكلت و اما تعطف علي.

و اما ماذكروه في تعليل اهمال البيانيين و عدم تعرضهم للعرض و التحضيض (كمااشرنا اليه) فتخمين بلا دليل و اجتهاد ينبغي ان لايصغي اليه فان الحروف النحوية اكثرها مركبات لفظاً و معني فيلزم ان‏يندرج المباحث و يكتفي بالبحث عن بعضها عن بعض و في ذلك فساد للتعليم و التعلم و تضييع لحقوق المباحث المختلفة و المسائل

 

«* المعاني صفحه 149 *»

المتشتّتة فتلك الحروف حروف مستقلة وضعت لانشاء هذه المعاني الثلاثة المستقلة في استعمالاتها الخاصة بها و ان كان في جميعها المعني الاستفهامي ايضاً فيقتضي الانصاف ان‏يذكروها من اقسام الانشاء الطلبي بالاستقلال فلاتغفل.

الثاني: الدعاء و قدنقلنا فيماسبق ان القوم قدقسموا الانشاء الطلبي الي قسمين قسم يدل بلفظه علي معني الطلب و هو الخمسة المذكورة (الامر و النهي و الاستفهام و التمني و النداء) و قسم يدل علي معني الطلب بغير لفظه و هو كالدعاء. هذا ما عندهم من القول في ذلك.

و نحن نقول: الدعاء باي لفظ صدر عن الداعي كان طلباً ماضياً كان اللفظ او مضارعاً او امراً. فان كل لفظ صادر مقترن برقة و تذلل و تحقر و تخشع و تخضع و بكاء او تباكٍ و رفع يد و اشخاص بصر يسمي دعاءً. و تلك اللغة تكشف عن حقيقة هذه الالفاظ فان الدعاء لغة بمعني طلب الاقبال يقال دعا عمروٌ زيداً اي طلب اقباله اليه و دعا اللّه اي طلب اقباله اليه و سأل ان‏يقبل اليه.

فكل احد سأل اللّه تعالي شيئاً خاصاً ففي الحقيقة طلب اقبال اللّه سبحانه اليه من جهة ذلك الشي‏ء الخاص بمشيته الخاصة التي هي وجه من وجوه مشيته الكلية و تلك الوجوه كلها مظاهر و مجالي لها يقبل اللّه تبارك و تعالي بتلك الوجوه الي عباده الداعين الطالبين اقباله بالفاظهم المقترنة بالتذلل و التخشع و غيرها الدالة علي الطلب.

ففي الحديث و لو ان عبداً سدّ فاه و لم‏يسأل لم‏يعط شيئاً فسل تعط و في آخر من لم‏يسأل اللّه عزّوجلّ من فضله افتقر. و قال الصادق7 الدعاء يرد القضاء بعد ماابرم ابراماً فاكثر من الدعاء فانه مفتاح كل رحمة و نجاح كل حاجة و لاينال ماعند اللّه عزّوجلّ الاّ بالدعاء و قال تعالي في الذكر الحكيم قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم و عن الصادق7قال ان اللّه تبارك و تعالي يعلم مايريد العبد اذا دعاه ولكنه يحب ان‏تبث اليه الحوائج فان دعوت فسمّ حاجتك الحديث.

فنفس الالفاظ الصادرة عن الداني الكاشفة عن تذلّله و تخشعه و تحقره الفاظ دالة

 

«* المعاني صفحه 150 *»

علي الطلب الذي هو حقيقة الطلب و الطلب الحقيقي لان اسلوب كلام الداني مع العالي غير اسلوب كلام المساوي مع من يساويه و كذا غير اسلوب كلام العالي مع الداني.

و لذا ورد في الحديث اذا طلب احدكم الحاجة فليثن علي ربه و ليمدحه فان الرجل اذا طلب الحاجة من السلطان هيّأ له من الكلام احسن مايقدر عليه فاذا طلبتم الحاجة فمجّدوا اللّه العزيز الجبار و امدحوه و اثنوا عليه تقول يا اجود من اعطي و يا خير من سئل و يا ارحم من استرحم يا احد يا صمد يا من لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد يا من لم‏يتّخذ صاحبة و لا ولداً يا من يفعل مايشاء و يحكم مايريد و يقضي مااحب يا من يحول بين المرء و قلبه يا من هو بالمنظر الاعلي يا من ليس كمثله شي‏ء يا سميع يا بصير و اكثر من اسماء اللّه عزّوجلّ فان اسماء اللّه عزّوجلّ كثيرة و صلّ علي محمّد و آل‏محمّد و قل اللّهم اوسع علي من رزقك الحلال مااكف به وجهي و اؤدي به عني امانتي و اصل به رحمي و يكون عوناً لي علي الحج و العمرة. الخبر.

فالدعاء باي لفظ صدر عن الداعي يكون لاستزادة المعونة و العطية فهو الطلب حقيقة و استمداد من اللّه سبحانه فان كل ذرة من الذرات مستمدة منه تعالي و لا تعطيل للمدد لانها تكون علي مثال مباديها و جواهر اوائل عللها. فانها مستمدة دائماً و قائلة ربّ زدني علماً فتكون في الاستزادة و الاستمداد ابداً سرمداً لانها كالسراج بالنسبة الي النار و الي الاشعة. فان نواصي الاشعة كلها بيد السراج و ليست شيئاً الاّ بالسراج في كل احوالها متقومة بالسراج و صادرة عنه و متحصلة به الاّ انه ليس شيئاً الاّ بالنار فلو قطعت النار مددها عنه لهلك و فني و بطل و اضمحل فهو لايزال مستمداً من النار و متقوماً بها فلا استقلال له بوجه فهو يد النار الباسطة بالانفاق علي الاشعة و اذنها الواعية.

فالنار هي فعل اللّه تعالي في المثال و السراج هو العقل الكلي المدبر المقبل و الدهن المكلّس البخاري (اي الدخاني) هو الحقيقة المحمّدية 9 . فهو المأمور بـ قل رب زدني علماً و العلم المستزاد هو الوجود و هو مايشتد به الوجود و ذلك العلم يتقدر بتقدير العمل فالعلم من اللّه و العمل من العبد باعانته و تسديده قال تعالي كلمارفعت

 

«* المعاني صفحه 151 *»

لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية.

قال شيخنا الاوحد اعلي‏اللّه‏مقامه في قصيدته اللامية:

فراحتا الدهر من فضفاض جودهم   مملوءتان و ما للفيض تعطيل

لانه لاينال مقام و لا رتبه الاّ بالخلوص في الافتقار و كل من تمحض في الفقر ظهر فيه نور الكبرياء بقدر تمحضة فيه و التمحض في الفقر الاستغناء عن الخلق و الاقبال الي اللّه بفقره و ذله قال تعالي انا عند المنكسرة قلوبهم و قال 9الفقر فخري و به افتخر.

فالدعاء باي لفظ و في اي مرتبة من مراتب الانسان هو انشاء الاقبال الي اللّه تعالي بالفقر و التذلل و التخضع و استزادة المعونة و العطاء من الجواد الوهاب فلا معني لقولهم «الدعاء هو الطلب بغير لفظه». نعم الفرق بينهما (اي بين الخمسة المذكورة و غيرها) ان الخمسة المذكورة وضعت للطلب باقسامه و اما غيرها فوضعت لمعان منها «الانشاء و الطلب».

 

 

الفصل الثاني: الامـر

و المراد منه في هذا الباب هو الذي يراد منه في علم الصرف و النحو من انه صيغة صالحة لان‏يطلب بها الفعل من الفاعل بزيادة او نقصان. فالزيادة هي زيادة لام الامر علي المضارع الغائب و اما النقصان فهو حذف حرف المضارعة من المضارع المخاطب.

و اما حقيقة الامر بلسان اهل الحكمة فهو مطلقاً يحكي الجهة العليا للفعل المطلق و يعبر عن تلك الجهة «بـ اذن العالي في رتبة الداني» لايجاد مايريده العالي. و قدذكرنا سابقاً ان الفاعل في الطلب هو المأمور.

فالمأمور فاعل لمايريده العالي لا العالي نفسه لان العالي متعال عن الاقتران بشي‏ء و الذي يكون منه هو الاذن ففي قولك اِضرِب نفس اِضرب اذن للمخاطب باحداث الضرب و الضارب هو المأمور لا غير.

و اما الاذن: فهو فعلك و انت الاذن و «الاذن» هو الظاهر بالاذن و لا شك ان الظاهر هو غير المتعالي عن الظهور و المبرء عن الفاعلية فالظاهر بالاذن هو ايضاً من اعلي

 

«* المعاني صفحه 152 *»

مراتب المأمور فالمأمور هو الفاعل. انظر الي قولك اضرب فالمأمور هو الضارب باذنك و اذنك هو وحيك و الهامك الظاهر في عرصة الضارب والاّ لماعلم مرادك و ماعرف ضميرك. «ففعل الامر يحكي المريدية للفعل المطلق الكلي».

و لمّاكان «الفعل الكلي» يصلح لان‏يتعلق بالمؤثرات و المطلقات ثم بالاثار و المقيدات و كان كلاهما مذكورين في نفس الفعل بذكر الصلوح و الاستجنان فيحكي الامر الحاضر النوع الاول من التعلق فيتعلق بالمؤثرات و المطلقات و يحكي الامر الغائب النوع الثاني من التعلق و يتعلق بماكان غيباً في امكان المطلقات و هي المقيدات فيخبران باحداثه المؤثرات اولاً ثم احداث الاثار بايدي المؤثرات علي نظام الحكمة. و ليس المقام مناسباً لذكر ازيد من ذلك.

ثم الامر في اصطلاح المتكلمين هو «ماصدر عن المتكلم علي سبيل الاستعلاء سواءً كان دانياً او مساوياً او عالياً و اما ان صدر علي سبيل التساوي فالتماس و ان صدر علي سبيل التخضع فهو دعاء» و ان كانا «امراً» علي اصطلاح النحويين.

و اعلم انه قداختلف في المراد من صيغة الامر عند تجردها من القرائن.

فقال قوم ان هذه الصيغة «مشترك لفظي» بين جميع المعاني التي استعملت فيها و بذلك يتوقف فهم المراد منها علي مايقترن بها من القرائن.

و قال آخرون انها «مشترك لفظي» بين الايجاب و الندب و الاباحة و ليس من المعاني التي وضعت لها التهديد و انما تستعمل فيه مجازاً.

و قال قوم انها مشترك معنوي بين الايجاب و الندب و الاباحة، و المعني المشترك بين هذه الثلاثة هو «الاذن» فاذا وردت صيغة مجردة لم‏يفهم منها الاّ مجرد الاذن في الفعل.

و قال قوم انها «مشترك لفظي» بين الوجوب و الندب فاذا جرّد عن القرائن لايعلم ايهما المراد فلايحكم علي الفعل بان تاركه معاقب او ملوم الاّ بالقرائن.

و قال قوم انها «مشترك معنوي» بين الايجاب و الندب و المعني الجامع «ان الفعل

 

«* المعاني صفحه 153 *»

مطلوب».

و قال قوم انها «حقيقة» في الندب بمعني ان الصيغة اذا وردت مجردة فهم منها ان الفعل مطلوب علي وجه يستحق فاعله المثوبة و لايستحق تاركه العقوبة.

و قال قوم انه «حقيقة» في الايجاب بمعني ان الصيغة المجردة تدل علي ان الفعل مطلوب علي وجه يستحق فاعله المثوبة و تاركه العقوبة و القرائن انمايحتاج اليها علي هذا القول و سابقه في صرف الصيغة عن حقيقتها لا في بيان المراد منها.

فالاقوال خمسة و هي: صيغة الامر مجردةً عن القرائن:

1ـ تدل علي طلب الفعل علي جهة الايجاب.

2ـ تدل علي طلب الفعل علي جهة الندب.

3ـ تدل علي مطلق الطلب.

4ـ تدل علي مجرد الاذن.

5 ـ لاتدل علي احد معانيها الاستعمالية الاّ بالقرينة.

و كذا اختلفوا في ان الامر للفور ام لا؟ و كذلك في انّه يقتضي التكرار و الاستمرار ام لا؟

و اما نحن فـنقول: في جميع هذه الاختلافات بماوصل الينا من خزان علوم ائمتنا صلوات‏اللّه‏عليهم «ان الامر لطلب الفعل» و لايتبادر منه وجوب و لا ندب فانهما احكام شرعية وجدت بعد صدور الشرع و اما في نفس اللغة فلا حكم من هذه الاحكام و لايعرف منه شي‏ء من ذلك البتة. و ذلك مقتضي التتبع في نفس اللغة.

و اما اذا تتبعنا في العرف رأينا من عمل بطلب غيره عدّ ممتثلاً مطيعاً له و من لم‏يأتمر بماامره غيره عدّ مخالفاً عاصياً لامره لغة. فان المخالفة ان لايعمل بهوي من يأمره. فكان معني المخالفة و الاطاعة في عرفنا الذي هو العرف البشري و النظام الانساني الحاكم علي المجتمع معروفاً بيّناً و كذا نعرف المطيع و العاصي بمقتضي ذلك النظام. فاذا ورد الشرع علينا و علمنا وجوب طاعة اللّه سبحانه و وجوب طاعة رسوله و

 

«* المعاني صفحه 154 *»

اوليائه: و علمنا حرمة مخالفتهم و عصيانهم بالكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل فنعرف انهم اذا قالوا «اِفعل» من غير قرينة يجب طاعتهم اي اتيان المأموربه الاّ اذا نصبوا لنا قرينة او يصرحوا بان العدول عن المأموربه جائز لنا فاذاً نعدل عنه مطيعين لهم ايضاً. و حينئذ يجب الاعتقاد بانه كماصرحوا و امروا فنحن في كل حال مطيعون لهم مفترضون طاعتهم.

«فالطاعة ليست الاّ الامتثال لطلب الغير» فاذا وجب طاعة رجل وجب امتثال طلباته و حرم مخالفتها الاّ ان‏يصرح بجواز الترك و العدول فحينئذ تترك و تعدل عملاً بطاعته فالامر الصادر عن الشارع للوجوب حقيقة شرعاً و ليس الوجوب في مفهوم الامر من حيث نفسه فكون الامر للوجوب امر اعتقادي لا لفظي فلايحتاج الي البحث و المناقشة لاسيّما في هذا العلم الذي يبحث فيه عن الالفاظ بحسب معانيها الاولية و الثانوية. و محل المناسب للبحث عن هذه الامور هو علم الاصول.

و كذلك امر الفور و التكرار فان لفظ الامر لصرف الطلب و اما الفور و التكرار و امثالهما فهي امور اعتقادية و لاتكون لفظية فمثلاً اذا علمنا ان اللّه عزّوجلّ غني عن خلقه غير عجول فلايقدم الحكم علي وقت المصلحة و لايؤخره عن وقت الحاجة فلايأمر الاّ في وقت حاجة العبد الي ذلك الحكم و صلاحه و لزوم ائتماره به و بعد ماعرفنا ان المخالفة هي العصيان عرفاً و لغةً فاذا حكم اللّه سبحانه و من يجب علينا امتثال امره و ثبت وجوب امتثاله فالتأخير مخالفة و عصيان الي وقت اخّر العبد امره اليه بلا شك. و هذا لايكون الاّ بعد الاعتقاد بوجوب الامتثال و حرمة العصيان فوجوب الفور و المبادرة امر اعتقادي فاذا صدر امر من الطالب و لم‏يبادر المطلوب‏عنه الي طلبه فقدخالفه الي وقت يأتي‏به الاّ ان‏يأذن بجواز التأخير فيؤخر الاجابة و الامتثال باذن منه و رخصة.

و كذلك الامر في مسألة «التكرار» فاذا عرف العبد ان ربه سبحانه لايأمره الاّ لمصحلته و اقتضاء قابليته و ان حكمه باق مابقيت القابلية ولو تغيرت لغير حكمه فاذا

 

«* المعاني صفحه 155 *»

امره اللّه عزّوجلّ بشي‏ء و طلب منه شيئاً وجب عليه الاتيان به الي ان‏يطلب عنه خلافه فان اللّه لايغيّر مابقوم حتي يغيّروا مابانفسهم. و هذا الامر (اي التكرار) امر اعتقادي لا لفظي.

و يدل علي ذلك ماروي من انه قيل لابي‏جعفر7: فلان اوصي حجّوا عني مبهماً و لم‏يسم شيئاً و لايدري كيف ذلك؟ فقال يحجّ عنه مادام له مال و لايكون ذلك الاّ بالنظر الي دلالة قوله «حجوا عنّي» علي التكرار.

و بالجملة الامر ماهية لابشرط و لايكون فيه قيد يقيد به و لايكون بحسب اللغة و من حيث نفسه الاّ لصرف الطلب. ولكن هذه الماهية تجتمع مع اي شرط حصل لها بحسب المقامات فالقيود هي العوارض الخارجة عن حقيقتها و ان كانت لاتتحقق الاّ في ضمن واحد منها.

كماورد عن ابي‏جعفر7 قيل له: رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أيدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قرائته او يدع تلك السورة و يتحول عنها الي غيرها؟ فقال7 كل ذلك لا بأس به و ان قرأ اية واحدة فشاء ان‏يركع بها ركع.

«صـيـغ الامـر»

اعلم ان القوم قدذكروا للامر صيغاً اربع و هي:

1ـ «فعل الامر» كقوله تعالي يا يحيي خذ الكتاب بقوّة.

2ـ «المضارع المجزوم بلام الامر» كقوله تعالي لِيُنفِقْ ذوسعة من سعته.

3ـ «اسم فعل الامر» نحو عليكم انفسكم لايضركم من ضلّ اذا اهتديتم.

4ـ «المصدر النائب عن فعل الامر» نحو سعياً في سبيل الخير.

اما تفريقهم بين فعل الامر و المضارع المجزوم بلام الامر فبمقتضي ظاهر اللفظ يعلمون ظاهراً من الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون. والاّ ففعل الامر المخاطب ايضاً يكون مجزوماً بلام مقدرة كماعليه الكوفيون و يؤيدهم ظهور اللام في هذا البيت:

لِتَقُمْ انت يا ابن خير قريش   كي لتُقْضي حوائج المسلمينا

 

 

«* المعاني صفحه 156 *»

و قوله تعالي فبذلك فلتفرحوا (في قراءة).

و ينبغي ان‏يفرق بين الامرين (الغائب و المخاطب) بالزيادة و النقصان. ففعل الامر الغائب امر ولكن بزيادة ظاهرة و هي اللام علي المضارع الغائب و فعل الامر المخاطب امر بنقصان حرف المضارعة من المضارع المخاطب فكل واحد منهما مجزوم بلام الامر.

و يؤيد ذلك مااشرنا اليه سابقاً من ان الانشاء من «المعاني الحرفية» التي تستفاد من الحروف لانها ليست بذوات و مسمّيات و لا بحركات المسمّيات فهي مدلولات الحروف. ففي فعل الامر الغائب اللام المذكورة هي الدالة علي انشاء الطلب و في المخاطب منه اللام المقدرة هي الدالة عليه و الامر مجزوم بهذه اللام فهو معرب علي هذا المذهب الحق.

و اما «اسم فعل الامر» فقدمضي البحث عن هذا النوع من الافعال و ذكرنا هنالك ان هذه الافعال افعال غيرمتصرفة و قدسمّاها القوم «اسماء الافعال» خطاءً.

فهذه الافعال علي ثلاثة اقسام: قسم يدل علي الحدث ملحوظاً معه الماضي نحو هيهات و شتان.

و منها مايدل علي الحدث الملحوظ معه المستقبل نحو قدني و قطني (اي يكفي).

و منها مايدل علي طلب الحدث في الحال نحو: ها (اي خذ) و هاتِ (اي اعط) و هَيْتَ لك (اي اقبل) و بَلْهَ (اي دَعْ) و تَيْدَ (اي امهل) و رُوَيْدَ (اي امهل) و صَه (اي اسكت) و مَه (اي اكفف) و امثال ذلك فانها اكثر من القسمين الاولين. ففي هذه الافعال غيرالمتصرفة مبالغة في الطلب ليست في غيرها من الافعال المتصرفة.

و اما مامثّلوا به عند ذكر اسم فعل الامر، عليكم انفسكم الاية. فالحق: ان هذه و امثالها نحو عليك و اليك حروف جارة هي مع مجرورها متعلقة بافعال مقدرة مناسبة لكل مقام و ليست بافعال و لا اسماء افعال و لا معني لذلك فان معني عليك اي يجب عليك او يجب عليك مااقول. راع نفسك و عليكم انفسكم اي يجب عليكم ان‏تراعوا

 

«* المعاني صفحه 157 *»

انفسكم او تلزموا انفسكم. و كذا علي زيداً اي ادخل علي زيداً. و علي بزيد اي ادخل علي بزيد.

كما ان «الظروف» التي سموها بـ «اسماء الافعال» من امثال فوقَك و تحتَك و يمينَك و خلفَك و امامَك و غيرها كلها ظروف جرت مجري المصادر للتعجيل في التحذير كقولك نصراً نصراً اي انصر نصراً فمعني خلفك خلفك اي اتّق خلفك فلاوجه لتسميتها باسماء الافعال.

و اما «المصدر النائب عن فعل الامر» فلا معني لهذه النيابة و لانفهم من سعياً في سبيل الخير الاّ اسع سعياً في سبيل الخير كقولك عوناً زيداً فلايكون المصدر نائباً عن فعل الامر لا في العمل و لا في المعني. فكما ان العمل لفعل الامر المحذوف فكذلك معني الطلب و الانشاء يكون لذلك الفعل المحذوف فلايكون صيغة مستقلة و ماقيل: من ان المصدر بمعني الامر، فكلام صدر عن الظن و التخمين و لايجوز اتباعه.

معانـي الامـر

اعلم ان القوم يزعمون ان صيغ الامر قدتخرج عن معناها الاصلي و هو الايجاب و الالزام الي معان اخري تستفاد من سياق الكلام و قرائن الاحوال.

و اما انت فقد عرفت ان الامر لمطلق الطلب و انت تعلم ان الماهية المطلقة تصلح لان‏تظهر في افرادها فاذا ظهرت باي ظهور من ظهوراتها فلاتخرج عما هي عليه بل تعينت بحدود ذلك الظهور فهذه المعاني كلها معاني فعل الامر و قداستعمل الامر في معانيه الحقيقية و الاستعمال حقيقي فانها كلها ظهورات لماهية الامر المطلقة و هي علي مايلي:

الدعاء نحو ليقض علينا ربك. و رب اوزعني ان‏اشكر نعمتك.

الالتماس نحو قولك لمن يساويك ناولني الكتاب و ليفعلن كذا.

الخبر نحو من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً و نحو اتبعوا سبيلنا و لنحمل خطاياكم.

 

«* المعاني صفحه 158 *»

التهديد نحو من شاء فليكفر و نحو اعملوا ماشئتم.

5 ـ الترغيب نحو لمثل هذا فليعمل العاملون و نحو لمثل هذا فاعملوا يا قومي

6 ـ الرخصة نحو اذا حللتم فاصطادوا.

الشفاعة نحو قولك للخصم صالح اخاك و نحو ارجعي الي زوجك.

8 ـ الاباحة نحو كلوا و اشربوا.

9 ـ المعالجة نحو كلوا الرمان بشمحه.

10ـ اشارة المستشير نحو قولك سر الي البصرة و المستشير من يطلب المشورة و الدلالة علي وجه الصواب و انت مشير في قولك هذا.

11ـ المجازاة نحو ذق انك انت العزيز الكريم.

12ـ التوهين نحو قل ما شئت و نحو اخسئوا فيها و لاتكلمون.

13ـ الاستحباب نحوانفق و لاتخف من ذي العرش اقتاراً اي قلة المال.

14ـ الخذلان نحو اذا لم تَسْتَحِ فافعل ماشئت.

15ـ التعليم نحو عُضَّ علي ناجذك فانه انبي للسيف.

16ـ التعجيز نحو فأتوا بسورة مثله.

17ـ التكوين نحو كن فيكون.

18ـ التغيير نحو كونوا قردة خاسئين.

19ـ الترقي نحو كونوا حجارة او حديداً او خلقاً مما يكبر في صدوركم.

20ـ التسوية نحو اصبروا او لاتصبروا.

21ـ  التأسف نحو انكسفي ايتها الشمس و اظطلم ايها النهار في هذه المصيبة.

22ـ الاذن نحو كُلْ لضيفك و اعط لقهرمانك. اي وكيلك في امورك. و منه المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة.

23ـ الدعوة نحو احضروا مائدة فلان.

24ـ التخيير نحو خذ هذا او هذا.

 

«* المعاني صفحه 159 *»

25ـ الترهيب نحو خذ رأسك فقد جاء سيفي.

26ـ الاولوية نحو و علي الاطايب من اهل بيت محمّد و علي صلّي‏اللّه عليهما و آلهما فليبك الباكون و اياهم فليندب النادبون و لمثلهم فلتذرف الدموع و ليصرخ الصارخون.

27ـ الشرط نحو اكرمني حتي اكرمك.

28ـ الاملاء اي الامهال نحو كلوا و تمتعوا حتي حين.

29ـ التوكيل نحو زوّجنيها.

30 ـ الايهام نحو:

يا ليلَ كفي عن دمي   اني اسيرك في الهوي

و الايهام: ارادة معني البعيد من اللفظ اللازم للمعني القريب ففي البيت ايهام اراد من ليلي المحبة و الرحمة و الايناس التي هي المعاني البعيدة للكف عن الدم و من لوازمه.

31ـ الاشفاق نحو:

فما لعينيك ان قلت اكففا همتا   و ما لقبلك ان قلت استفق يهم

(همي العين: اي صبت دمعها. و هام: اي ذهب قلبه من العشق).

32ـ الارشاد نحو انفق علي من شئت تكن اميره و استغن عمن شئت تكن نظيره و سل من شئت تكن اسيره.

33ـ الامتنان نحو فكلوا مما رزقكم اللّه سيما علي تفسير الباطن فالمراد من كم الشيعة و المراد من ما علوم آل‏محمّد: .

34ـ الدوام كقوله تعالي اهدنا الصراط المستقيم كما روي عن علي7 في هذه الاية ادم لنا توفيقك الذي اطعناك به في ماضي ايامنا حتي نطيعك كذلك في مستقبل اعمارنا (الصافي).

35ـ التمني كقول امري‏ءالقيس:

الا ايّها الليل الطويل الاانجلي   بصبح و ما الاصباح منك بأمثل

 

 

«* المعاني صفحه 160 *»

36ـ الاعتبار نحو انظروا الي ثمره اذا اثمر لان هذه الاية و الايات قبلها استدلال علي قدرة اللّه سبحانه علي البعث.

37ـ التأديب نحو كلْ ممايليك. و لا بأس ان‏نذكر هنا الابيات المنسوبة الي مولانا اميرالمؤمنين صلوات‏اللّه‏عليه فيماخاطب ولده السبط الشهيد ارواحنافداه في الاداب لعل انفسنا تتأدب بتلك الصفات الحميدة ان‏شاءاللّه تعالي. قال7:

أ حسين اني واعظ و مؤدّب   فافهم فان العاقل المتأدب
و احفظ وصية والد متحنّن   يغذوك بالاداب كيلاتعطب
أ بني ان الرزق مكفول به   فعليك بالاجمال فيماتطلب
لاتجعلن المال كسبك مفرداً   و تُقي الهك فاجعلن ماتكسب
كفل الاله برزق كلّ بريّة   و المال عارية تجيي‏ء و تذهب
و الرزق اسرع من تلفت ناظر   سبباً الي الانسان حين يسبّب
و من السيول الي مقرّ قرارها   و الطير للأوكار حين تصوَّب
أ بني انّ الذكر فيه مواعظ   فمن الذي بعظاته يتأدب
اقرء كتاب اللّه جهدك و اتله   فيمن يقوم به هناك و ينصب
بتفكر و تخشع و تقرب   انّ المقرّب عنده المتقرب
و اعبد الهك ذاالمعارج مخلصاً   و انصت الي الامثال فيماتضرب
و اذا مررت باية مخشية   تصف العذاب فقف و دمعك تسكب
يا من يعذّب من يشاء بعدله   لاتجعلنّي في الذين تعذّب
اني ابوء بعثرتي و خطيئتي   هرباً و هل الاّ اليك المهرب
و اذا مررت باية في ذكرها   وصف الوسيلة و النعيم المعجب
فاسأل الهك بالانابة مخلصاً   دار الخلود سؤال من يتقرب
و اجهد لعلك ان‏تَحِلَّ بارضها   و تنال رَوْحَ مساكن لاتَخْرَب
و تنال عيشاً لا انقطاع لوقته   و تنال ملك كرامة لايسلب

 

 

«* المعاني صفحه 161 *»

بادر هواك اذا هممت بصالح   خوف الغوالب اذ تجيي‏ء و تذهب
و اذا هممت بشي‏ء اَغْمِض له   و تجنّب الامر الذي يتجنّب
و الضيفَ اكرم مااستطعت جِواره   حتي يعدّك وارثاً يتنسّب
و اخفض جناحك للصديق و كن له   كأبٍ علي اولاده يتحدّب
و اجعل صديقك من اذا اخيته   حَفِظَ الاخاء و كان دونك يَضْرِب
و اطلبهم طلب المريض شفاءه   و دع الكذوب فليس ممن يصحب
و احفظ صديقك في المواطن كلها   و عليك بالمرء الذي لايكذب
وَ اقْلِ الكذوب و قربه و جواره   ان الكذوب ملطّخ من يصحب
يعطيك مافوق المني بلسانه   و يروغ عنك كمايروغ الثعلب
و احذر ذوي‏الملق اللئام فانهم   في النائبات عليك ممن يحطب
يسعون حول المرء ماطمعوا به   و اذا نَبا دَهْرٌ جَفَوْا و تغيّبوا
و لقدنصحتك ان قبلت نصيحتي   و النصح ارخص مايباع و يوهب

فصلوات‏اللّه علي ناصح ماانصحه و قائل مااعزّه و امام ماارأفه و علي ولده الاطهار و علي شيعتهم الابرار.

38ـ التعجب كقوله تعالي انظر كيف ضربوا لك الامثال. الي غير ذلك من المعاني التي تستفاد من كلام الفصحاء و البلغاء.

الفصل الثالث: النـهـي

و هو علي ماعرفه القوم «طلب الكف عن الشي‏ء علي وجه الاستعلاء مع الالزام ممن هو اقل شأناً من المتكلم» و الجمهور منهم علي انه حقيقة في التحريم. و صيغة النهي تفيد الحظر و التحريم علي الفور. و هو كالامر فيكون نهياً و استعلاء مع الادني و دعاء مع الاعلي و التماساً مع النظير.

ثم اختلفوا في انّ صيغة النهي اي «لاتفعل» و ماساواها، هل وضعت للتحريم او للكراهة او للقدر المشترك بينهما و هو ان «الفعل غيرمطلوب حصوله»؟ و مختار

 

«* المعاني صفحه 162 *»

الجمهور انه للتحريم لفهم المنع الحتم من الصيغة المجردة عن القرائن و تستعمل في غيرالتحريم مجازاً.

و توجب الصيغة «الفور» و «التكرار» اجماعاً منهم.

و اعلم ان النهي في اللغة لمحض طلب الترك. و لايتبادر منه حرمة و لا كراهة لانّك عرفت ان هذه الاحكام احكام شرعية لانعرفها الاّ بعد الشرع. و اما في نفس اللغة فهو لطلب الترك و لم‏يؤخذ في ماهيته شي‏ء من القيود ولكن يمكن ان‏يظهر بجميع القيود فلايختص بشي‏ء منها.

و العرف الانسانية تحكم علي من لم‏ينته عمانهاه غيره بانه مخالف و عاص لنهيه و ذلك امر بديهي عرفي و ان لم‏يعرف العرف معني الحرمة او الكراهة. و بعد ورود الشرع و صدور الامر و النهي عن الشارع المقدس صلوات‏اللّه عليه‏وآله و بعد العلم بان مااتاكم الرسول فخذوه و مانهيكم عنه فانتهوا عرفنا وجوب الايتمار بمايأمرنا و الانتهاء عماينهينا.

فالنهي الصادر عن الشارع اي اذا قال «لاتفعل» من غير قرينة يحمل علي الحرمة و كذلك يدل نهيه علي الفور و يقتضي التكرار و الاستدامة علي مابيناه في الامر فراجع. هذا علي مايقتضيه البحث الظاهري في هذا المبحث.

و اما البحث عن حقيقة النهي فاعلم ان فعل النهي ظهور من ظهورات الفعل المطلق الكلي و مقام من مقاماته يحكي منه حيث نهاه اللّه عن كونه علي خلاف ماهو عليه و هذا الحيث ايضاً ذاته كما ان فعل الامر يحكي حيث امراللّه اياه ان‏يكون علي ماهو عليه و هذا الحيث ايضاً ذاته فهذا الامر و النهي قدتعلقا بذاته و لماكان الحق و الخلق و لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فلا امر و لا نهي الاّ نفس الفعل المطلق فهما امران وجوديان بلحاظين و حقيقة واحدة بسيطة بلحاظ هي نفس الفعل الكلي.

و الي ذلك اشار7 بقوله فهي بمشيتك دون قولك مؤتمره و بارادتك دون نهيك منزجرة. فنفي7 الامر و النهي مع اثبات الايتمار و الانزجار اللذين لايكونان الاّ بعد

 

«* المعاني صفحه 163 *»

الامر و النهي اذ لايعقل الايتمار و الانزجار من دون امر و نهي. فاراد7 نفي الواسطة بين اللّه تعالي و بين ذلك الفعل فالامر شي‏ء متذوت و هو اثبات الوجود علي ماهو عليه بنفس الوجود و النهي ايضاً شي‏ء متذوت وجودي و هو امتناع كونه علي غير ماهو عليه و كلاهما عبارة عن حقيقة نفس الفعل المطلق.

و كذا يحكي النهي ماهو مذكور في الفعل المطلق و يتعلق بمافيه من الامكانات الدانية التي هي كامنة فيه ولكن لايوافق ظهورها الحكمة الكاملة الالهية كاشقاء السعداء و اسعاد الاشقياء فهي كامنة فيه منتهية عن الظهور و الفعلية و منزجرة عن البروز كما ان الامر تعلق بماهو فيه مذكور من الامكانات الموافق ظهورها مع الحكمة فهي مأمورة بالظهور و مؤتمرة بامره سبحانه بالبروز الي الفعلية حسب تهيئة الاسباب و بلوغ الاجال.

و كذا يحكي النهي مبغوضية الظهورات التي هي مبادي الشرور المنتهية الي حيث نفسية الفعل المطلق و جهة انيته كما ان الامر يحكي محبوبية الظهورات التي هي مبادي الخيرات المنتهية الي وجود الفعل المطلق و جهة ربه فان كلاً من هذه المبادي يدعو اهل كل عالم الي نفسه فالامر يحكي محبة اللّه تعالي بمبادي الخير و وجوب اتباع تلك المبادي و النهي يحكي سخط اللّه سبحانه و غضبه علي مبادي الشر و وجوب الانتهاء عنها و الانزجار عن الاقتراب اليها.

صيغة النهي و معانيه

قالوا: النهي صيغة واحدة و هي المضارع المقرون بلاء الناهية كقوله تعالي و لاتفسدوا في الارض بعد اصلاحها و لاتجسّسوا و لايغتب بعضكم بعضاً.

و ليحسن ان‏يعلم ان «طلب الترك» و انشاء ذلك الطلب من المعاني الحرفية التي تستفاد من الحروف الموضوعة لذلك. فهذا المعني انمايستفاد من لاءالطلبية التي وضعت لطلب الترك المحض.

فان قارن صدورها الاستعلاء تسمي نهياً نحو لاتشرك باللّه.

و ان قارن التساوي تسمي التماساً نحو لاتفارقني.

 

«* المعاني صفحه 164 *»

و ان قارن الخضوع فهي دعاء نحو لاتؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا.

و ان قارن الهداية فهي ارشاد نحو لاتسافر يوم الاثنين.

و ان قارن الاستعطاف فتكون شفاعة نحو لاتؤاخذ فلاناً علي سوء عمله.

و ان قارن العلاج فـمعالجة نحو لاتشرب الحامض و انت مستحصف.

و قدتكون للتحذير نحو لاتلعب بالحية.

و للـتعليم نحو لاتكتب هكذا.

و للـدوام كقوله تعالي و لاتحسبن اللّه غافلاً عمايعمل الظالمون (كذا قيل).

و لبيان العاقبة نحو قوله تعالي و لاتحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه امواتاً بل احياء (كذا قيل).

و للـتيئيس نحو قوله تعالي لاتعتذروا قدكفرتم بعد ايمانكم.

و للـتمني نحو يا ليلة الانس لاتنقض و كقوله:

يا ليل طُل يا نومُ زُل
  يا صبحُ قِف لاتطلع

و للـتهديد نحو قولك لخادمك لاتطع امري.

و للـكراهة نحو لا تقرء القرءان و انت جنب.

و للـتوبيخ نحو لاتنه عن خلق و تأتي مثله.

و للـايناس نحو لاتحزن ان اللّه معنا (ولكن مااستأنس و قداخذته الرعدة و هو لايسكن).

و للـتحقير نحو:

لاتطلب المجد ان المجد سلّمه   صعب و عش مستريحاً ناعم البال

و امثال ذلك من المعاني فانها كلها معاني حقيقية تستفاد من اقتران «لاءالطلبية» مع المناسبات و المقامات فان وضع «لاء» لصرف طلب الترك فيجتمع مع جميع تلك المعاني. فلا وجه لقولهم «ان صيغة النهي تدل علي طلب الكف عن الشي‏ء علي وجه الاستعلاء مع الالزام» و قدتخرج عن اصل معناها الي معان اخر تستفاد من سياق الكلام

 

«* المعاني صفحه 165 *»

و قرائن الاحوال. و قدعرفت قيمة هذا القول ممااسلفناه في مبحث الامر و في هذا المبحث.

ثم اعلم انه قدينهي غير العاقل و يراد منه العاقل نحو لايفسد الشاة المتاع اي لاتدعها تفسد.

و قديجيي‏ء بمعني النفي نحو قوله تعالي فلايسرف في القتل انه كان منصوراً([29]) ففي الكافي عن الصادق7 نزلت في الحسين7 لو قتل اهل الارض به ماكان سرفاً.

 

 

الفصل الرابع: الاستفـهـام

و هو علي ماعرفه القوم «طلب العلم بشي‏ء لم‏يكن معلوماً من قبل باحدي اداة من ادواة الاستفهام» و هي الهمزة و هل و ما و متي و ايّان و كيف و اَيْنَ و اَنّي و كم و اَي و تنقسم بحسب الطلب الي ثلاثة اقسام:

1ـ مايطلب به التصور تارة و التصديق اخري و هو الهمزة.

2ـ مايطلب به التصديق فقط و هو هل.

3ـ مايطلب به التصور فقط و هو بقية الفاظ الاستفهام.

قال في المعيار: و استفهمني الشي‏ء استفهاماً علي استفعل: سألني ان‏افهمه. يتعدي للمفعولين. فافهمته اياه افهاماً و فهمته تفهيماً: للتعدية الي ثانٍ فهو مستفهم بالكسر و انا مفهم كمحسِن و محدّث و المفعول كمكرَم و معظّم انتهي.

انظر الي المعني اللغوي لكلمة «الاستفهام» كيف اخذ فيه السؤال و هو يكون باللفظ من المستفهم (بالكسر) و كذا اخذ فيه وجود المفهم (بالكسر) و المفهم (بالفتح).

و انظر ثانياً الي تعريف القوم كيف جرّدوه عن هذه القيود و عرّفوه بماهو اعم من السؤال اللفظي حتي الجأهم الامر الي ضمّ ضميمة و هي «باحدي اداة من ادواة الاستفهام» و نحن نقول في تعريفه اصطلاحاً و بيان حقيقته مايوافق معناه اللغوي ببركة

 

«* المعاني صفحه 166 *»

مشايخنا الكرام اعلي‏اللّه‏مقامهم.

فـ الاستفهام اصطلاحاً: هو اللفظ الدال علي طلب معرفة الشي‏ء و استخبار حاله. نحو ما زيد؟ و كيف حاله؟.

و هو اما يدلّ علي تمييز الذوات نحو العقل ماهو؟ او يدل علي تمييز التعينات نحو هذا اي شي‏ء هو؟ او يدل علي تمييز الهيئات و الكيفيات نحو ما و اي و كيف و من و امثال ذلك.

ثم اعلم ان «الاستفهام» معني حرفي و الحروف الموضوعة لذلك ثلاثة: الهمزة و هل و ام. و ام في الحقيقة بمعني الهمزة الاّ انها تقع في الوسط. و الهمزة للتصور و هل للتصديق المحض.

ثم وضعت اسماء متضمنة معني الاستفهام و استعملت للاستعلام عن ذات عاقل او غير عاقل و هو من و ما او عن الكم و هو كم و كاين او عن الكيف و هو كيف او عن الجهة و الرتبة و هو اي (و كانت صالحة لغيرهما ايضاً) او عن الوقت و هو متي و ايان و مهما او عن المكان و هو اين و انّي (و كانت لغيره ايضاً). هذا هو الاستفهام في عنوانه الظاهر.

و اما «الاستفهام» في «الحقيقة الاوليه» فهو لبيان سرّ الاختيار في تحقق الممكنات و عدم اجبار اللّه سبحانه شيئاً في ايجاده و كذا عدم تفويض اللّه عزّوجلّ ايجاد الشي‏ء اليه اذ معني الجبر هو الايجاد بلا انوجاد و معني التفويض هو الانوجاد بلا ايجاد و كلاهما ممتنعان لايمكن تعقلهما.

فاذا اوجد الموجد و انوجد المنوجد فقدثبت الامر بين الامرين و هو معني الاختيار المشاراليه بقوله تعالي كن فيكون لانّ فاعل «يكون» هو فاعل «كن» فانه هو يكون كما ان الكسر يحصل بين كَسَرَ و بين انكسر بحيث لولا الفعلان او احدهما لم‏يحصل الكسر. و هذا المثال و الممثل في الموارد التي يكون فاعل و قابل.

و اما اذا كان القابل يد العالي في ايجاده فالامر اوضح فيكون حيث اعلاه فاعلاً و

 

«* المعاني صفحه 167 *»

حيث اسفله قابلاً كالمشية و كل ايجاد لم‏يكن من مادة سابقة بل يكون احداثاً لا من شي‏ء فانه بنفسه يد للعالي في ايجاد نفسه ففي هذه الموارد لايمكن فرض الجبر و التفويض و لايعقل ان‏يجبر شي‏ء نفسه او يفوض نفسه اليه لان نفسه هو و هو نفسه و ليس ثالث حتي يقال يجبر او يفوض اليه.

و لهذا البحث مجال واسع في الحكمة قداغنانا اللّه عزّوجلّ ببركة مشايخنا العظام اعلي‏اللّه‏مقامهم حتي كتب مولانا الشريف الطباطبائي اعلي‏اللّه‏مقامه رسالة منفردة في سرّ الاختيار باللغة الفارسية جزاهم اللّه عنا و عن الاسلام و المسلمين خير جزاء المحسنين.

بالجملة فالاستفهام يحكي اختيار الفعل الكلي و المشية المطلقة. ثم لماكان للاشياء خلقان: ذاتي و وصفي او كوني و شرعي (و كلاهما نسبيّان) فمقام الكون بقول مطلق مقام المادة و مقام الشرع كذلك مقام الصورة. و مقام المادة او الكون هو مقام الايجاد لا من شي‏ء و مقام الصورة او الشرع هو مقام الايجاد من شي‏ء.

فينبغي للحكاية عن مقام الايجاد لا من شي‏ء وضع «هل» لانه للتصديق فان المكوّن يسئل و يستخبر حين ايجاده لا قبل اذ لا قبل فاذا كان السؤال حين الايجاد فلايعقل التصور (الذي هو مفاد الهمزة) حينئذ فيجب التصديق لانه لايتخلف عن امر الامر و لايعقل الخلاف. فبكلمة «هل» يحكي اختيار كون الاشياء المذكورة في نفس المشية بذكر الصلوح. و اما «الهمزة» فيحكي بها اختيار صفات الاشياء بعد ماكانوا علي ماكانوا و هو مقام الايجاد من شي‏ء فهي للتصور فافهم.

و كذا يحكي «هل» مقام المؤمنين في عرصة التشريع لانهم اصحاب التصديق بالاختيار و الاختبار و «الهمزة» تحكي مقام المنافقين و الكفّار في اتمام الحجة عليهم و اظهار المَحَجَّة لئلايقولوا انا كنا عن هذا غافلين.

التصور و التصديق

و قبل البحث عن ادوات الاستفهام ينبغي البحث عن التصور و التصديق.

 

«* المعاني صفحه 168 *»

فـالتصور: هو ادراك المفرد اي ادراك عدم وقوع النسبة. كادراك الموضوع وحده او المحمول وحده او هما معاً او ذات النسبة التي هي مورد الايجاب و السلب.

و التصديق: هو ادراك وقوع نسبة تامة بين المسند و المسنداليه او عدم وقوعها اي ادراك موافقتها لمافي الواقع او عدم موافقتها له. و هذا الادراك كمايسمي تصديقاً يسمي «حكماً» او «اسناداً» او «ايقاعاً» او «انتزاعاً» او «ايجاباً و سلباً».

فالادراك غيرالمستتبع للحكم يسمي بالتصور المجرد و الادراك الذي يستتبع الحكم يسمي بالتصديق. و اما التصور المطلق فهو الذي يساوق العلم و الادراك فيعم التصور المجرد و التصور المستتبع للحكم اي التصديق.

و نقول في هذا المقام علي ماوصل الينا من خزان علوم ائمتنا: ان المراد من التصور هو كل ماحضر في الذهن بانفعاله و تهيئه (علي المعني الذي ارادوه و بيّنوه و اثبتوه في البحث عن العلم الانطباعي) صورةً كان او معني و كل واحد منهما مقترناً بالاخر او مجرداً عنه. لان المراد بالذهن في هذا البحث هو «المشاعر الباطنية» كلها مع تعددها و هي:

الحس المشترك فيجتمع فيه صور المحسوسات الخمسة كلها بالانفعال. و هي تبقي فيه قليلاً بعد اعراض الحواس الظاهرة عن الشواخص الخارجية.

المتخيلة فتنتقل الصور الموجودة في الحس المشترك الي المتخيلة بالانفعال (اي تتصور بنفسها) و لماكانت مجردة عن المواد الزمانية و صورها لاتحتاج بعد اكتسابها و تصورها الي اقترانها و اقبالها الي الزمانيات.

المتوهمة فهي تدرك المعاني المقترنة بتلك الصور بالانفعال.

العالمة و هي تدرك كلها اي المعاني و الصور بالانفعال و التهيؤ.

5 ـ العاقلة و هي تدرك معانيها المجردة.

فوقوع تلك الانفعالات و حصولها في هذه المشاعر من دون نسبة شي‏ء منها الي شي‏ء بل من حيث حضور كل واحد منها من حيث هو هو تسمي بالتصورات. و هي اعم

 

«* المعاني صفحه 169 *»

من المحسوسات بالحس المشترك و المتخيلات بالمتخيلة و المتوهمات بالمتوهمة و المعلومات بالعالمة و المعقولات بالعاقلة.

و اما التصديق فهو النسبة التي تجدها لشي‏ء منها الي شي‏ء اما متصلة او منفصلة. و انت تجد تلك النسبة بمشعرك الذي يسمي بـالمتفكرة. فاذا ادركت المتفكرة النسبة متصلة تثبت بينهما الاتصال و يسمي ايجاباً و اذا ادركت النسبة منفصلة تثبت بينهما الانفصال و يسمي سلباً. فالايجاب و السلب من اعمال المتفكرة و ادراكاتها و تلك الادراكات تسمي بالتصديقات.

فالتصديقات فرع التصورات فما لم‏يكن مدركات سائر المشاعر المسماة بالتصورات يمتنع ادراك التصديقات لان نسب الاشياء فرع ثبوتها فكذلك ادراك نسبها فرع ادراك ثبوتها. فالتصديق متوقف علي ثبوت شيئين اوّلاً و ثبوت النسبة بينهما ثانياً.

فيحصل التصديق بعد ثلاث تصورات تصور المحكوم عليه و تصور المحكوم‏به و تصور النسبة الحكمية بينهما ايجاباً او سلباً. (و اما تصور الحكم فهو عين تصور النسبة. و من فرق بينهما فكانه جعل تصور النسبة مطلقة عن قيد الايجاب و السلب تصوراً ثم تصورها مع القيد تصوراً آخر).

و لهذا البحث مقام اخر يناسب له و انمااشرنا اليه هنا (اجمالاً) تمهيداً للبحث عن ادوات الاستفهام فنقول:

الهمزة: بعد ماعرفت ان التصورات متقدمة علي التصديقات فاعلم ان الاستفهام التصوري مقدم علي الاستفهام التصديقي رتبة فالكلمة الدالة علي الاستفهام التصوري هي الاصل في ادوات الاستفهام و هي «الهمزة» فهي وضعت للاستفهام عن التصور اوّلاً و اصلاً ثم استعملت في الاستفهام عن التصديق ثانياً و فرعاً.

و ان شئت فقل الهمزة التصديقي ظلّ الهمزة التصوري و شعاعها. و الاستفهام عن التصور لايكون الاّ عند التردد في تعيين احد الشيئين. اي عند تردد المتكلم في تعيين احد الامرين. و يذكر بينهما «ام» المتصلة المعادلة. و قدتحذف هي و مابعدها اكتفاءً

 

«* المعاني صفحه 170 *»

بماقبلها.

و لايلي هذه الهمزة غير المستفهم‏عنه سواء كان «مسنداًاليه» نحو ءانت قلت للناس اتخذوني و امي الهين من دون اللّه.

ام «مسنداً» نحو أراغب انت عن الهتي يا ابراهيم.

ام «مفعولاً» نحو أزيداً ام عمراً.

ام «حالاً» نحو أماشياً حججت ام راكباً.

ام «ظرفاً» نحو أيوم الخميس زرت الحسين7 ام يوم الجمعة.

ففي الاستفهام عن التصور يذكر المسـٔل‏عنه بعد الهمزة و يذكر غالباً معادل له بعد ام و تسمي ام المتصلة.

و قال في المعيار: و قد تزاد الهمزة في الكلام للاستفهام نحو أزيد عندك ام عمرو. و قدتبدل هاءً نحو هذا الذي في أذا الذي باسم الاشارة.

و هذه الهمزة اصل في ادوات الاستفهام و لهذا اختصت باحكام دون اخواتها:

احدها: جواز حذفها سواء تقدمت علي «أم» ام لم‏تتقدم.

الثاني: انها تأتي لطلب التصور نحو أزيد قائم أم عمرو و لطلب التصديق نحو أزيد قائم.

الثالث: انها تدخل علي الاثبات كماتقدم و النفي نحو ألم‏نشرح.

الرابع: تمام التصدير بها و ذلك لانها اذا كانت في جملة معطوفة بالواو او بالفاء او «ثم» قدمت علي العاطف تنبيهاً علي اصالتها في التصدر كماشهد به الكتاب نحو أولم‏ينظروا، أفلم يسيروا، أثم اذا ماوقع. و اما اخواتها فتتأخر عن العاطف نحو كيف تكفرون. فاين تذهبون. فاني تؤفكون. فهل يهلك الاّ القوم الفاسقون. فاي الفريقين أحق بالامن. فمالكم في المنافقين.

و قدتخرج عن «الاستفهام الحقيقي» فتأتي لثمانية معان:

التسوية: و ربما توهم ان المراد بها الهمزة الواقعة بعد كلمة «سواء» بخصوصيتها و

 

«* المعاني صفحه 171 *»

ليس كذلك بل كماتقع بعد «ماابالي» و «ماادري» و «ليت شعري» و نحوهن. و الضابط انها الهمزة الداخلة علي جملة يصح حلول المصدر محلها نحو سواء عليهم ءانذرتهم ام لم‏تنذرهم و ماابالي أقمت ام قعدت. الاتري انه يصح سواء عليهم الانذار و عدمه و ماابالي بقيامك و قعودك.

و الانكار الابطالي: فتقتضي بطلان مابعدها و كذب مدعيه نحو أفأصفيكم ربكم بالبنين.

و الانكار التوبيخي: فتقتضي ان مابعدها واقع و فاعله ملوم نحو أتعبدون ماتنحتون.

و التقرير: و معناه حملك المخاطب علي الاقرار و الاعتراف بامر استقر ثبوته او نفيه عنده و يجب ان‏يليه الشي‏ء الذي تقرره تقول في التقرير بالفعل أضربت زيداً و بالفاعل ءانت ضربت و بالمفعول أزيداً ضربت.

و الاستهزاء و التهكم: نحو أصلواتك تأمرك.

و الامر: نحو ءاسلمتم اي اسلموا.

و التعجب: نحو ألم‏تر الي ربك كيف مدّ الظل.

و الاستبطاء: نحو ألم‏يأن للذين امنوا. انتهي

و اعلم ان «الهمزة» تستعمل في الاثبات و الانكار نحو أزيد قائم و أتقولون علي اللّه ما لاتعلمون. و اما «هل» فلماكان في الاصل بمعني «قد» فلاتستعمل الاّ في الاثبات. و قدتستعمل مع النافي لحمل المخاطب علي الاقرار بامر يعرفه نحو ألم‏نشرح لك صدرك و ألم‏يجدك يتيماً و أليس ذلك بقادر فانها هنا للانكار و انكار النفي اثبات.

و «الهمزة» تستعمل مع «ام» للتسوية و حينئذ تسمي بهمزة التسوية و تأول مع مدخولها الي المصدر كمامرّ نقلاً من المعيار. و من خواصها جواز حذف الفعل بعدها اعتماداً علي ماذكره ذاكر نحو قولك أزيداً او أزيدٌ او أبزيدٍ لمن قال رأيت زيداً و قال زيدٌو مررت بزيدٍ.

 

«* المعاني صفحه 172 *»

ثم اعلم ان همزة الاستفهام تدلّ علي التصديق اذا اريد بها النسبة و يكثر التصديق في الجمل الفعلية كقولك أحضر زيد. و في هذه الصورة يجاب بلفظة «نعم» او «لا» و يقلّ التصديق في الجمل الاسمية نحو أزيد مسافر.

فالمسـٔل‏عنه في الاستفهام التصديقي هي النسبة التي يتردد الذهن في ثبوتها و نفيها فاذا قيل حَضَرَ حصل التصديق لانك تصورت الحضور و زيداً و النسبة بينهما ثم استفهمت عن وقوع النسبة بينهما هل هو حاصل خارجاً او لا. و لايذكر مع الهمزة الدالة علي التصديق معادل كماشاهدت في المثال. فان ذكرت «ام» يقدّرون انها منقطعة بمعني «بل» الدالة علي استئناف الكلام بعدها كقول الشاعر:

و لست ابالي بعد فقدي مالكاً   أموتي ناءٍ ام هو الان واقع

«هل»: قيل اصل «هل» بمعني «قد» و منه قوله تعالي هل اتي علي الانسان حين من الدهر لم‏يكن شيئاً مذكوراً اي قدأتي. و لذلك قدتجتمع مع الهمزة الاستفهامية كماقيل في أهَلْ عرفت الدار بالغريين. و انماحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال.

اما في الاية الكريمة فيؤيد كونها بمعني «قد» قوله7 لم‏يكن في العلم و لا في الذكر و في حديث اخر كان في العلم و لم‏يكن في الذكر.

و قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه‏مقامه بعد ذكر هذا الحديث الشريف: «و لاتنافي فانه كان في العلم الازلي و لم‏يكن في العلم الحادث» انتهي. و لاجل كونها بمعني «قد» لاتستعمل الاّ في الاثبات و الهمزة تستعمل في الاثبات و الانكار و هي لاتستعمل مع ام‏التسوية الاّ شاذاً ولكن قدتجيي‏ء بعد ام نحو:

ام هل كثير بكي لم‏تُقْصَ عبرته   اثر الاحبة يوم البين مشكوم

(و كثير: اسم رجل و البين: اي الفراق و مشكوم: اي مجزي) و نحو قوله تعالي ام هل تستوي الظلمات و النور. و لايجوز حذف الفعل بعد «هل» و الاعتماد علي ماذكره ذاكر كمايجوز ذلك في الهمزة.

و تختصّ «هل» بكونها للتقرير في الاثبات نحو هل ثوّب علي الكفار اي ألم‏يثوبوا

 

«* المعاني صفحه 173 *»

فتفيد فائدة الهمزة الداخلة علي النافي و نحو هل جزاء الاحسان الاّ الاحسان اي امّا جزاء الاحسان الاحسان. و تستعمل «هل» في الاثبات لانها بمعني «قد» و «الهمزة» تستعمل في الاثبات و الانكار.

و يطلب بها التصديق فقط اي معرفة وقوع النسبة او عدم وقوعها. فيطلب بها الحكم فقط لان الحكم فيها غيرمعلوم و لذا لايذكر معها المعادل بعد ام المتصلة فلايقال: هل زيد جاء ام عمرو. لان جواب المتصلة احد الامرين و هي تفيد ان السائل عالم بالحكم و انمايطلب بها تعيين احد الامرين.

و اما «هل» فتفيد ان السائل جاهل بالحكم والاّ لم‏يستفهم عنه بها. و لذلك ايضاً يستقبحون استعمال «هل» في تركيب يكون مظنة للعلم بحصول النسبة كقولك هل زيداً اكرمت فان في تقديم المعمول علي الفعل مظنة غالباً لحصول العلم للمتكلم فتكون «هل» حينئذ لتحصيل الحاصل و هو لغو.

و بالجملة لاتدخل «هل» علي المنفي فلايقال: هل لم‏يفهم زيد. لانها بمعني «قد» و هي لاتدخل علي المنفي.

و لاينافي هذا كونها لطلب التصديق مطلقاً اي التصديق الايجابي و السلبي. فهي مختصة بدخولها علي النسب المثبتة سواء كانت جملة فعلية او اسمية.

و كذا لاتدخل علي المضارع الذي هو للحال فلايقال: هل تكرم زيداً و هو بخيل.لانه قيل ان «هل» كالسين و سوف تخلص المضارع للاستقبال. و قيل ايضاً انها لاجل اختصاصها بالتصديق و تخليصها المضارع للاستقبال قوي اتصالها بالفعل لفظاً او تقديراً نحو هل يجيي‏ء زيد او هل علي يجيي‏ء و انت تعرف انه لا فرق في هاتين الجملتين و التفريق انمانشأ من اجتهادهم في المرفوع المقدم انه مبتدأ و الظن لايغني من الحق شيئاً.

نعم العدول عن الجملة الفعلية الي الاسمية يدل علي قوة الباعث و كمال العناية بحصول المقصود كقوله تعالي فهل انتم شاكرون فانه ادلّ علي طلب الشكر من قولك:

 

«* المعاني صفحه 174 *»

هل تشكرون.

و لاتدخل ايضاً علي «اِنَّ» للمنافاة بين تأكيد ثبوت المسند للمسنداليه اي مُؤدّي «اِنَّ» و بين طلب معرفة وقوع النسبة او عدم وقوعها الذي هو مؤدّي «هل» فلايقال: هل اِنَّ زيداً مسافر.

و لا تدخل علي الشرط ولكن قدتدخل علي الجزاء نحو اِنْ ضربتني هل يسكن غضبك او فهل ترضي عني و لايقال: هل ان زرتك تكرمني.

و كذا لاتدخل علي «الواو» و «الفاء» و «ثم» ولكن تختص الهمزة بالدخول عليها كمامرّ و تدخل هذه الحروف علي «هل» نحو و هل ترك لنا عقيل من رباع و فهل انتم مسلمون و ثم هل اكرمك و لاتدخل ايضاً علي اسم بعده فعل فلايقال: هل بشراً منّا واحداً نتبعه. و انت قدعرفت ان الهمزة و هل تدخلان علي الجملة مطلقاً الاّ ان «هل» لاتدخل علي فعلية فاعلها مقدم الاّ شذوذاً نحو هل زيد قام.

و اما الهمزة فانها تدخل علي جميع هذه المذكورات. ثم اعلم انهم قدجعلوا «هل» نوعين بسيطة و مركبة. فالبسيطة: مايسأل بها عن وجود الشي‏ء ـ نظراً الي ان الوجود المطلق بسيط ـ او عدم وجوده نحو هل الخلأ موجود؟ و هل العنقاء موجودة؟.([30])

و اما المركبة فهي التي يستفهم بها عن الوجود المقيد كالكتابة للانسان نحو هل الانسان كاتب نظراً الي ان الوجود المقيد مركب من الوجود و القيد.

تبصرة:

و اعلم انهم يقولون ان الهمزة و «هل» يسأل بهما عمابعدهما لانهما حرفان ليس

 

«* المعاني صفحه 175 *»

لهما معني مستقل و اما بقية ادوات الاستفهام فيسأل بها عن معناها لانها اسماء و لها معان مستقلة و كلامهم هذا مبني علي ماعرّفوا لهم اسلافهم الحرف و الاسم من غير تدبر و تدقيق فيمانسجوا لهم. فعرّفوا الاسم بانه كلمة معناه مستقل او انه مادلّ علي معني في نفسه. و عرّفوا الحرف بانه كلمة معناها غيرمستقل او انه مالايدلّ علي معني في نفسه.

ولكن الحق: كماعرّفهما مشايخنا العظام اعلي‏اللّه‏مقامهم ان الاسم مادلّ علي معني بالوضع مستقلاً في الاستعمال و الحرف مادلّ علي معني بالوضع غيرمستقل في الاستعمال. و ساير الشروط في تعريفهما مذكور في محله. و يظهر من تعريفهم اعلي‏اللّه‏مقامهم ان «الحرف» كالاسم يدل علي معناه الموضوع‏له لان له معني كما ان للاسم معناه الموضوع‏له و يدل الاسم عليه. فلا فرق حينئذ بين الاسم و الحرف الاّ ان المعني الحرفي غيرمستقل في الاستعمال ولكن معني الاسم مستقل في الاستعمال.

و قدعرفت ممامضي ان الاستفهام من المعاني الحرفية التي تدلّ عليها الحروف فللحروف ايضاً معان مستقلة بالوضع و هي تدل عليها في انفسها بالوضع الاّ انها غيرمستقلة في الاستعمال. فعلي ذلك فللهمزة و هل ايضاً معني مستقل بالوضع تدلاّن عليه كسائر الادوات الاستفهامية فلاتغفل.

سائر ادوات الاستفهام

اما بقية ادوات الاستفهام فهي موضوعة للـتصور فيسأل بها عماتدلّ عليها من المعاني و يجاب عنها بتعيين المسئول عنه. و هي:

ـ ما و هي وضعت للاستفهام عن افراد غيرالعقلاء نحو ما صناعتك.

و تستعمل كثيراً في السؤال عن الصفات نحو يبيّن لنا ما لونها و ما هذا الرجل؟ فيقال في الجواب عالم. لانها اكثر ماتستعمل لغير العقلاء فيصرف معناها الي الصفات.

و قدتستعمل في السؤال عن الذوات نحو الانسان ما هو؟ و نحو ما الشمس؟ (و كلمة الماهية مشتقة منها) و تسمي بـماء الحقيقية.

 

«* المعاني صفحه 176 *»

و قديطلب بها ايضاح الاسم نحو ما الحيدرة؟ فيقال اسد و نحو ما العسجد؟ فيقال انه ذهب. و تسمي بـماء الشارحة.

و اعلم ان «هل‏البسيطة» تقع بين ما التي لشرح الاسم و بين ما التي لبيان الذات في ترتيب المراحل الادراكية. فمن اراد ان‏يدرك غضنفر مثلاً فيسأل اولاً عن معني لفظه فيقول ماهو غضنفر؟ فيجاب اسد. و يسأل في المرحلة الثانية هل هو موجود؟ فيجاب نعم.ثم يسأل في المرحلة الثالثة ماهي حقيقته؟ فيجاب حيوان مفترس.

و الاصل في الجواب عنها ذكر جنس المعني و فصله القريبين معاً و يسمي الحدّالتام. و ان اجيب عنها بالفصل وحده او بالخاصة وحدها او بأحدهما منضمّاً الي الجنس البعيد او بالخاصة منضمة الي الجنس القريب تسمي تلك الاجوبة بـالحدّ الناقص تارة و بـالرسم التام او الناقص اخري.

و قدتستعمل للـتعظيم نحو الحاقّة ما الحاقّة و نحو يا سيداً ما انت من سيد.

او للـتحقير نحو ما انت و ابيك.

و للـانكار نحو ماادريك ما يوم الدين.

و قدتركب مع ذا فتكون بمعني «اي شي‏ء» نحو ماذا تريد؟.

و قدتحذف الفها مع الجار نحو فيم انت من ذكريها.

ـ من و هي موضوعة للسؤال عن افراد العقلاء نحو من هذا الذي هو مهين. و قدتركب مع ذا نحو من‏ذا الذي دعاك فلم‏تجبه.

ـ كم فهي موضوعة للاستفهام عن العدد المبهم عند المتكلم نحو كم عندك ديناراً؟

ـ كأيّن و هي بمعني «كم» نحو كأيّن تعد سورة الاحزاب اي كم تعدّ.

ـ كيف و هي للسؤال عن حال الشي‏ء و يصحّ ان‏يسأل بها ايضاً عن صفة الصنع نحو فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد و نحو كيف يحيي اللّه الموتي و كقوله تعالي حكاية ارني كيف تحيي الموتي و لمايسئل بها عن كيفية مجهولة يجاب عنها بالنكرة نحو كيف

 

«* المعاني صفحه 177 *»

وجدت زيداً؟ فيقال مريضاً.

ـ متي و هي للاستفهام عن الزمان سواء كان ماضياً او مستقبلاً نحو متي تقول و متي نصراللّه و متي قال لك؟

ـ اين و هي للسؤال عن المكان نحو اين كنت؟ اي في اي مكان كنت. و ينبغي الجواب عنها بمكان معين.

ـ ايّان فهي للسؤال عن الزمان المستقبل نحو ايان مرسيها و ايان يوم الدين و تختص بالامور العظام.

ـ انّي و لها معان:

1ـ السؤال عن المكان نحو يا مريم اني لك هذا اي من اين.

2ـ السؤال عن الكيف نحو اني يؤفكون اي كيف يؤفكون و كقوله تعالي اني يحيي هذه اللّه بعد موتها اي كيف يحيي اللّه الاية.

3ـ السؤال عن الوقت نحو فأتوا حرثكم اني شئتم اي متي شئتم ـ علي وجه من الوجوه المذكورة في الاية ـ و لاتجيي‏ء بمعني «متي» و «كيف» الاّ و بعدها فعل.

ـ مهما و هي بمعني ما نحو:

مهما لي الليلة مهما ليه   اودي بنعلي و رسرباليه([31])

ـ اي و هذه الكلمة انماوضعت للجهة و الرتبة و تستعمل في غيرهما ايضاً. فهي تكون للاستفهام عن فرد من الافراد لا علي التعيين و تجاب بفرد معين نحو ايّهم اخوك؟ و يطلب بها تمييز احد المتشاركين في امر يعمّهما ولو توهّماً نحو اي الفريقين خير مقاماً. و تكون للسؤال عن الزمان و المكان و الحال و العدد و العاقل و غيره علي حسب ماتضاف اليه هي فان اضيفت الي ما اخذت حكمها و معناها و كذلك اذا اضيفت الي

 

«* المعاني صفحه 178 *»

متي او كيف او غيرها من الادوات السابقة اخذت حكمها و معناها.

المعاني التي تستعمل ادوات الاستفهام فيها

اعلم ان القوم يزعمون ان تلك الادوات قدتخرج عن معناها الاصلي الذي هو طلب العلم بمجهول فيستفهم بها عن الشي‏ء مع العلم به لاغراض اخري تفهم من سياق الكلام و دلالته.

ولكن الحق: ان الاستفهام كالامر و النهي «ماهية مطلقة» تجتمع مع قيود كثيرة منها مايذكر في هذا الباب. فالحق ماقاله مولانا الكريم اعلي‏اللّه‏مقامه في «التذكرة» الشريفة عند البحث عن حرفي الاستفهام و هذا نصّه:

«و اعلم ان الاستفهام يأتي لمعان عديدة و اغراض شتي تعرف بالقرائن نذكر منها ماتيسر:

فمنه «طلب فهم عن جهل» نحو ماتعبدون من بعدي قالوا نعبد الهك.

و منه تحريص نحو من انصاري الي اللّه قال الحواريون نحن انصار اللّه.

و منه توبيخ نحو ألم‏اقل لكن اني اعلم غيب السموات و الارض.

و منه تكذيب نحو أفاصفيكم ربكم بالبنين و اتخذ من الملائكة اناثاً.

و منه انكار نحو أتقولون علي اللّه ما لاتعلمون.

و منه تقريب و ايناس نحو ما تلك بيمينك يا موسي.

و منه ايضاح لغير المخاطب نحو أانت قلت للناس اتخذوني و امي الهين من دون اللّه.

و منه تذكير نحو ألم‏اعهد اليكم يا بني‏ادم.

و منه تحسّر نحو هل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا.

و منه تمنّ نحو فهل الي خروج من سبيل.

و منه امتنان نحو ألم‏نشرح لك صدرك.

و منه تنبيه نحو فاين تذهبون و اني تؤفكون.

 

«* المعاني صفحه 179 *»

و منه تقرير نحو أليس اللّه بكاف عبده.

و منه اشعار نحو هل جزاء الاحسان الاّ الاحسان.

و منه تهكم نحو أصلوتك تأمرك ان‏نترك مايعبد اباؤنا.

و منه النفي نحو انلزمكموها و انتم لها كارهون.

و منه الاستبعاد نحو اني لهم الذكري.

و منه الاستقباح نحو أفتأتون السحر و انتم تبصرون.

و منه تعجب نحو مالي لااري الهدهد.

و منه التقريع نحو سل بني‏اسرائيل كم اتيناهم من اية بينة.

و منه التحقير نحو من هذا الذي هو مهين.

و منه التعظيم نحو الحاقة ما الحاقة و ماادريك ما الحاقة.

و منه الاستبطاء نحو اما تجيي‏ء؟.

و منه الوعيد نحو هل من مدّكر.

و منه الاستهزاء نحو أهكذا يصنع الحكيم؟

و امثال ذلك».

و لماقال اعلي‏اللّه‏مقامه بعد ذكر تلك المعاني «و امثال ذلك» فنجسر علي ذكر معاني غير ماذكرها و هي:

الامر كقوله تعالي فهل انتم منتهون. و قال اعلي‏اللّه مقامه في تعليقاته علي المصحف الكريم في ذيل هذه الكريمة: «امر في صورة الاستفهام ثم قال: يمكن ان‏يراد به «هل انتم منتهون عن الصلوة و عن ذكر اللّه امتثالاً لنهي الشيطان» فيكون استفهام تعجب و استغراب» انتهي.

اقول: فعلي ذلك يكون معني ثانياً من المعاني غيرالمذكورة في «التذكرة» و هو الاستغراب.

النهي كقوله تعالي أتَخشونهم فاللّه احق ان‏تَخشَوه ان كنتم مؤمنين ففي

 

«* المعاني صفحه 180 *»

التعليقات الشريفة علي المصحف المجيد قال اعلي‏اللّه‏مقامه بعد قوله تعالي مؤمنين: «فاخشوا اللّه» انتهي.

اقول: فنستفيد من هذا الامر الذي هو جزاء الشرط ان المراد من قوله تعالي أتخشونهم نهي في صورة الاستفهام.

3ـ  التسوية كقوله تعالي سواء عليهم ءانذرتهم ام لم‏تنذرهم لايؤمنون قال اعلي‏اللّه‏مقامه في التعليقات: «ان الهمزة الف التسوية» انتهي. اقول و هذا المعني و ان ذكره في «التذكرة» عند البحث عن الهمزة ولكن لم‏يذكره في سرده معاني الاستفهام.

التشويق كقوله تعالي ياايها الذين امنوا هل ادلّكم علي تجارة تنجيكم من عذاب اليم و يدلّ علي ذلك ماروي (انهم) قالوا: لو نعلم ماهي اي التجارة لبذلنا فيها الاموال و الانفس و الاولاد فقال اللّه تعالي: تؤمنون باللّه و رسوله الايتين.

5 ـ الاستنباط كقوله تعالي متي نصر اللّه بدليل قوله الا ان نصر اللّه قريب. و متي خبر و نصر اللّه مبتدأ. و كذا يدل علي هذا المعني ماروي عن الصادق7 انه قرأ زلزلوا ثم زلزلوا حتي يقول الرسول الاية.

و اما التنبيه فيمكن ان‏نفصّله في اربع صور و هي:

1ـ «التنبيه علي التكثير» كقول ابي‏العلاء المعرّي:([32])

 

«* المعاني صفحه 181 *»

صاحِ هذي قبورنا تملأ الرحبَ   فاين القبور من عهد عادِ

(و صاح: مرخّم صاحبي و الرَحْب: المكان الواسع).

2 ـ «التنبيه علي الخطاء» كقوله تعالي أتستبدلون الذي هو ادني بالذي هو خير و يدلّ عليه ماقاله اعلي‏اللّه‏مقامه في تعليقاته علي المصحف العظيم في ذيل هذه الكريمة: «الاية تدل علي لزوم الاخذ بالراجح و ترك المرجوح و قبح ترجيح المرجوح».

3 ـ «التنبيه علي الباطل» كقوله تعالي أفانت تسمع الصمّ او تهدي العمي فانه استفهام انكار يتضمن تنبيه السامعين علي ان اسماع الصم و هداية الاعمي و الضال امر باطل غيرواقع في نظام حكمة الحكيم و ان كان المسمع و الهادي هو النبي الاعظم الاكرم9

(هركه را روي به بهبود نبود ديدن روي نبي سود نبود)

4ـ «التنبيه علي ضلال الطريق» كقوله تعالي فاين تذهبون اي فالي اين تذهبون. عن علي7: و صراطه الذي هو صراط اللّه تعالي.

هذا ماعثرنا عليه من المعاني التي يستعمل فيها الاستفهام و لانقول انها تنحصر في هذه المذكورات بل كل من الامر و النهي و الاستفهام يستعمل في اغراض مختلفة و مقاصد متشتتة يدركها الاديب و يستعملها لطرائف ادبية و بتلك الطرائف يتفاوت درجات الكلام في البلاغة.

الفصل الخامس: التمني و الترجي

فـالتمني علي ماعرّفوه «طلب الشي‏ء المحبوب الذي لايرجي و لايتوقع حصوله اما لكونه مستحيلاً و اما لكونه ممكناً غيرمطموع في نيله».

و يقولون في هذه الصورة اي اذا كان الامر المحبوب ممايرجي حصوله، كان ذلك الطلب ترجّياً و يعبر عنها بـ عسي و لعل.

ولكن علي مااسلفنا من البحث عن اقسام المركب عرفنا ان «التمني» هو من افراد المركب الذي هو للتنبيه علي شي‏ء. فالتمني: هو التنبيه علي تمني ثبوت المسند

 

«* المعاني صفحه 182 *»

للمسنداليه. و لايكون الاّ فيما لا طمع فيه او مافيه عسر. و انمايتمنّاه مع ذلك المتكلم لماكان محتاجاً اليه و لذلك لايكون للمؤمنين في الجنة التمني لحصول شي‏ء لهم لانه لايتصور ذلك في الجنة فان لهم كل ماتشتهيه الانفس و تلذّ الاعين بمجرد الارادة من دون طلب.

اضف الي ذلك انّ كل مايحتاجون اليه في الجنة فهو حاصل لهم بالفعل و ان كانت علي التدريج ولكن لماكان اللّه وفّيهم نعم الجنة علي مقتضي الامر المحكم و النظام المتقن فلايصدر عنهم مايخالف الحكمة فلايتمنون شيئاً لم‏يهيّأ لهم. فمثلاً لايتمني الادني مقام الاعلي مع انه يعرف شرف الاعلي و علوّ درجته لانه لايجد في نفسه شهوة الي نيل تلك المرتبة لانها خلاف مقتضي الحكمة فلايتمنيها فانه لايتألم بفقد تلك الرتبة لانه لايحتاج في مقامه الي شي‏ء من تلك الدرجة لاستغنائه في كل حال فلايشتهيها ابداً. كما ان الاعلي مع مايعرف من قصور الادني و انحطاط درجته و مع انه يتنعم بذلك ولكن لايجد في نفسه ازدراء لرتبة الداني او تحقيراً لشأنه و تنقيصاً لمقامه فهي دارالسلامة سلامة الابدان و النفوس؛ اللّهم ارزقنا الجنة.

فالتمني معني بين الخبر و الطلب و هو من المعاني الحرفية التي تدل عليها الحروف.

و الاداة التي تدل علي ذلك بالاصالة و الوضع هي ليت و هي تتعلق بالمستحيل([33]) غالباً نحو:

فياليت الشباب لنا يعود   فاخبره بمافعل المشيب

و قدتتعلق بالممكن نحو ياليتني متّ قبل هذا.

 

«* المعاني صفحه 183 *»

و قدتستعمل هل للتمني كقوله تعالي فهل الي خروج من سبيل.

و كذا قدتستعمل لو في هذا المعني كقوله تعالي و قال الذين اتبعوا لو ان لنا كرّة فنتبرء منهم كماتبرءوا منا. قال اعلي‏اللّه‏مقامه في تعليقاته: فنتبرء جواب التمني او هو عطف علي فعل «لو» و جوابه محذوف.

و اما الترجي: فهو التنبيه علي رجاء ثبوت المسند للمسنداليه. و هو ايضاً من المعاني الحرفية التي تدل عليها الحروف و الحرف الذي وضع لهذا المعني هو لعل و هي:

قدتستعمل في الاشفاق من وقوع المسند علي المسنداليه.

و قدتأتي للـتعليل اي لجعل ثبوت المسند للمسنداليه علة ماقبلها نحو و قولا له قولاً ليّناً لعلّه يتذكّر او يخشي.

و عن الكوفيين انها قدتأتي لاستفهام حصول المسند للمسنداليه نحو لاتدري لعل اللّه يحدث بعد ذلك امراً اي هل يحدث امراً ام لا. و عن العسكري7 لعل من اللّه واجب. و قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه‏مقامه يعني اذا قال اعبدوا ربكم الذي خلقكم و الذين من قبلكم لعلكم تتقون فمعناه انه خلقكم لتتّقوا او اعبدوا لتتّقوا علي التعيين و اما قوله تعالي قولا له قولاً ليناً لعله يتذكر او يخشي فهو مداراة لترغيب موسي7الي الرسالة. و اما من غيره تعالي فهي لتوقع المحبوب و ترجيه و الاشفاق من المكروه نحو لعل الحبيب مواصل و لعل الرقيب حاصل انتهي.

و اما اذا استعملت لعل في المقطوع بعدم وقوعه فهي تكون للـتمني نحو:

اَسِرْبَ القطا هل من يُعير جناحه   لعلّي الي من قدهويت اطير

الفصل السادس: النداء

النداء اصطلاحاً هو انشاء طلب الاقبال من المخاطب كالدعاء. و من ذلك قديعبّر عن النداء بالدعاء كقوله تعالي استجيبوا للّه و للرسول اذا دعاكم لمايحييكم اي اذا ناداكم باسمكم. و ادواته تسمي «حروف النداء» التي وضعت لانشاء ذلك المعني. فمعني تلك الحروف «دعوتك» علي معني الانشاء مثل بعتك و هي الهمزة و اي

 

«* المعاني صفحه 184 *»

 (مقصورتين و ممدودتين) و يا و يااي (علي مذهب الحق) و ايا و هيا و وا.

و اصل هذه الحروف و امّها يا فانها تستعمل لنداء القريب و المتوسط و البعيد و تتعين في اسم اللّه و في الاستغاثة نحو يا للّه و يا لَلمسلمين.

و اما الهمزة المقصورة فهي للقريب نحو أ زيد و في الممدودة خلاف و كذا في «أي». و اما البواقي فهي للبعيد.

و اعلم ان الاصل في النداء ان‏يكون المنادي حاضراً فان الغائب لاينادي الاّ اذا نزل منزلة الحاضر. و الحضور تختلف بالقرب و التوسط و البعد. و لماكان الياء اصل حروف النداء و امّها فهي صالحة للجميع.

و يمكن ان‏يقال: انها وضعت لمحض النداء و لصرف طلب اقبال المخاطب سواء كان المخاطب قريباً او متوسطاً او بعيداً. فهي من حيث نفسها منزهة عن تلك القيود و القيود تعرض عليها عند استعمالات المتكلم و اعتباراته و من تلك الجهة يمكننا ان‏نعرف سرّ اختصاص ذلك الحرف باسم اللّه و ساير اسماء اللّه الحسني. فانها تناسب كلّ مايلاحظه المتكلم فان لاحظ تنزه اللّه سبحانه عن القرب و البعد و التوسط و الاتصال و الانفصال و الاقتران و الابتعاد توافقه الياء.

و ان لاحظ قيّوميته تعالي و احاطته و معيّته و انّ ناصية الخلق بيده و انه اقرب الي الخلق من حبل الوريد و انه معكم اينما كنتم و ان كل شي‏ء قائم بامره فتوافقه الياء ايضاً. و ان لاحظ جلاله تعالي و انه لاتدركه الابصار و ان كل ماميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانية فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و لاحظ الرجوع من الوصف الي الوصف و اين الثريا من يد المتناول فتوافقه الياء ايضاً فينادي اللّه سبحانه باسمائه في جميع هذه الملاحظات و الاعتبارات و يدخل حرف النداء يا علي هذه الاسماء المباركة فانها تناسب هذه الاستعمالات و الملابسات حسب وضعها.

و اما اَي ربِّ التي وردت في بعض الادعية فان قلنا ان «اَي» وضعت للقريب فالمراد من الربوبية هو خامس مقامات الربوبية اي الربوبية اذمربوب ذكراً و عيناً و وقوعاً

 

«* المعاني صفحه 185 *»

و ظهوراً فانها اقرب الربوبيات الي العبد.

و ان قلنا انها وضعت للبعيد فالمراد من الربوبية هو المقام الثالث منها اذ الاول منها هو الربوبية اذ لامربوب لا ذكراً و لا عيناً و لا ظهوراً و هي الذات البحث القديمة سبحانه و تعالي. و لماكانت تلك الربوبية منزهة عن التعبير فلا كلام فيها و لا بيان عنها و لا عبارة لها و لا اشارة اليها الطريق مسدود و الطلب مردود و كذا ثاني المقامات منها الذي هو دليل المقام الاول و صفته و ايته اي العين التي نستدل بها عليه و هذا المقام هي الربوبية التي لا ذكر و لا عين و لا ظهور للمربوبين فيها بوجه من الوجوه لانها وجه اللّه و دليله فلوكانت فيها كثرة لعرفنا اللّه بالكثرة لان معرفة الوجه عين معرفة ذي‏الوجه و هو معني قول اميرالمؤمنين7 يا من دلّ علي ذاته بذاته و تنزّه عن مجانسة مخلوقاته و جلّ عن ملاءمة كيفياته. فلاينبغي ان‏يراد بالربوبية هنا هذان المقامان بل المراد هو المقام الثالث من الربوبية و هو الربوبية اذمربوب ذكراً و اذلامربوب عيناً و ظهوراً و هو «مقام الالوهية» و اعلي مراتب الواحدية التي فيها ذكر اجمالي للمربوبين الاّ ان جهة الاضمحلال و الاستهلاك اغلب.

و ان قلنا انها وضعت للمتوسط فالمراد من الربوبية هو المقام الرابع و هو الربوبية اذمربوب ذكراً تفصيلياً مقارنة للمربوب العيني و غير واقعة عليه و هو المقام العام الواسع الجامع المحيط علي الافراد كلها.

و اما باقي الادوات فلتمحّضها للبعيد و وضعها له لاينبغي استعمالها مع اسماء اللّه تعالي.

و اما يا احمد و يا محمّد و يا عيسي و يا موسي المذكورة في الاحاديث القدسية فلبيان جهة مخلوقيّتهم و تنزهه تعالي عن القرب بتلك الجهة. و اين الثريا من يد المتناول و اين التراب و رب الارباب. و ايضاً لبيان تميّزهم عن الخلق و علوّ مقامهم و قرب منزلتهم و كونهم عند اللّه تعالي و لديه و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون. فالياء تدل علي قربه تعالي في عين بعده و بعده سبحانه في عين قربه.

 

«* المعاني صفحه 186 *»

و تدلّ ايضاً علي ان هؤلاء الاطهار الابرار سلام‏اللّه عليهم‏اجمعين كلهم حضور عنده تعالي في جميع احوالهم و اطوارهم لايفقدهم حيث مايحبه و لايجدهم حيث مايكرهه.

و اما نحن فندعو المعصومين: و نقول السلام عليك يا رسول اللّه 9 او نقول صلّي‏اللّه عليك يا اباعبداللّه او نقول يا حجة اللّه في ارضه الي غير ذلك من الادعية فندعوهم: بياء النداء لبيان انهم: منزهون عن ان‏نتقرب اليهم كمال القرب الذي هو القرب من دون وجود الوسائط و الدنو من غير وساطة الحجب الذين هم الاركان و النقباء و النجباء لان الطفرة باطلة و كذا لبيان تنزهنا عن البعد غايته لانّا نقرّ لهم بمايجب لهم من الاوصاف و نعترف بانهم شفعاء الخلائق و ملوك الدنيا و الاخرة؛ فندعوهم:بهذه الكلمة (الياء) اعترافاً بانهم وجه‏اللّه و بابه فاينما تولوا فثم وجه اللّه و اقراراً بان التوجه اليهم هو التوجه الي اللّه تعالي و النظر اليهم هو النظر الي اللّه تعالي و الانقطاع اليهم هو الانقطاع الي اللّه تعالي الي غير ذلك من الجهات. و نكتفي بماذكرنا اذ المقام لايناسب اكثر من ذلك و لنرجع الي ماكنا فيه فنقول:

اعلم انه قدينزل البعيد منزلة القريب فينادي بـالهمزة او بـ«أي» (علي القول بانها للقريب ايضاً) اعلاماً بان المتكلم قداستحضره في ذهنه و يحس بحضوره بحيث ماكان غائباً عن المتكلم. و هذا التقريب تقريب معنوي يرتبط في شدته و ضعفه الي شدة تعلق قلب المتكلم بالمخاطب المنادي و ضعفه. كقول دعبل الخزاعي رحمه‏اللّه‏تعالي في مخاطبته لمولاتنا و سيدتنا فاطمة الزهراء بنت رسول‏اللّه 9. فانها صلوات‏اللّه‏عليها و ان كانت حاضرة في كل موطن و حجة معصومة و شاهدة من الشهود ولكنها من شأنها ان‏تنادي بـ«ياء» كماعرفت من قبل ولكن دعبل لماادهشته هذه الرزيّة و اخذت بمجامع قلبه فكأنه نسي مقامه و موقفه بالنسبة الي كريمة اللّه و حبيبة رسوله و المعظمة في السماء و المجلّلة في الارض فناداها بالهمزة الموضوعة للقريب فقال:

أ فاطم لو خلت الحسين مجدلاً   و قدمات عطشاناً بشط فرات

 

 

«* المعاني صفحه 187 *»

و قال:

أ فاطم قومي يا ابنة الخير و اندبي   نجوم سموات بارض فلات

و قدينزل القريب منزلة البعيد و ينادي بالادوات الموضوعة للبعيد. و ذلك ايضاً تبعيد معنوي يتصور في ثلاثة صور:

1ـ «اظهاراً لعلوّ رتبة المنادي و انحطاط درجة المتكلم» كقول مولانا الكريم اعلي‏اللّه‏مقامه في رثاه لابي‏الفضل العباس الشهيد المظلوم سلام‏اللّه‏عليه:

فصاح اَيا مولاي ادركنِ قبل ان   افارق جثماني رعاك جليل

فانه اعلي‏اللّه‏مقامه يحكي في شعره هذا خشوع العباس و خضوعه و انكساره و تذلّله لاخيه المظلوم الشهيد سبط الرسول و قرة عين البتول ابي‏عبداللّه الحسين روحي و ارواح العالمين له الفداء. فالعباس يري اخاه حاضراً و شاهداً و ناظراً. كيف لايراه و هو يجود بنفسه في حالة يصفها مولانا الكريم بقوله:

احاطوا به من كل اوب لصده فلم‏يعترضه فَترة و نكول
فحارب حتي انّ يمناه قطّعت فيسراه حتي احدقته خيول
رموه بسهم خارق لسقائه فاوهن منه العزم و هو بسيل
الي ان اتي نبل بلبّة نحره فخرّ صريعاً شبّكته نصول

فصاح . . . . . . . .

فانظر ايها المحبّ الي هذه الحالة الفجيعة التي احدثتها هؤلاء الكفرة الفجرة فان المحتضر يري امامه حاضراً. (علي حسب الروايات الواردة عن اهل العصمة:) فماظنّك بالعباس الذي هو من اعاظم الشيعة و اكابر المؤمنين و استشهد بين يدي سيده بهذه الشهادة فهو يري امامه شاهداً و مع‏ذلك يناديه بحرف موضوع للبعيد للاشارة علي شدة تذللّه و خشوعه حتي كأنه مع هذه التضحية العظيمة لايري لنفسه القدسية شأناً و لا لعمله هذا قيمة (لاتبطلوا صدقاتكم بالمنّ و الاذي) بل يري نفسه الشريفة في غاية البعد عن ساحة قدس الامام و جلاله و عظمته لانه7 كان يعرف الائمة صلوات‏اللّه

 

«* المعاني صفحه 188 *»

عليهم بانهم ادلة التوحيد و اركان العرش المجيد و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.

و ماأظنك ان‏تقول هذا الشعر الذي استشهدت به هو من كلام مولانا الكريم اعلي‏اللّه‏مقامه الذي انشده في الرثاء و لايكون من كلام العباس حتي يتم كلامك و ماقلته في شأنه7. لاني اقول لك: افلايكون الراثي حكيماً فصيحاً بليغاً عارفاً فهل تراه انه مع حكمته و معرفته و براعته في الفصاحة و البلاغة يضع الكلمة في غير موضعها مع انه اعلي‏اللّه‏مقامه كان عارفاً بمواضع الكلام فوضعه كلمة «اَيا» في هذا الموضع لايكون الاّ للاشارة الي مابيّنت فتدبر و لاتقس كلام الحكيم بكلامك.

2ـ «اشارةً الي انحطاط درجة المنادي و بعد منزلته» كماقال الشيخ مغامس; في رثائه للسبط الشهيد صلوات‏اللّه‏عليه حكايةً عن اخته الكريمة عقيلة بني‏هاشم زينب‏الكبري:

فجاءته تمشي زينب ابنة فاطم   مقرحة الاحشاء في لهفاني
فقالت لشمر ذي الخنا و هو مثخن
  بحلق حسين للمهند حاني
ايا شمر ام واللّه لو كنت مسلما
  لربك او ايقنت انك فان
لماكنت يا شمر اجترءت عظيمة
  بها يوم تأتي يشهد الملكان
ايا شمر جهلاً قدجنيت جناية
  لامثالها لم‏يجن قبلك جاني
ايا شمر ان الخصم فيها محمّد
  و حيدر و الزهراء و الحسنان
ايا شمر ابشر سوف تلقي محمّداً
  فتشقي و لاتسقي رحيق جنان
ايا شمر هذا واحدي قدقتلته
  و حسبي به حسبي به و كفاني
ايا شمر من‏ذا للزمان نعدّه
  اذاما زماني بالخطوب رماني
ايا شمر الاّ قبل ذلك قتلتني
  فمالي عيش بعد ذاك بهاني

القصيدة. اللهم العن اول ظالم ظلم حق محمد و ال‏محمّد و اخر تابع له علي ذلك.

3ـ «تنبيهاً علي غفلة المنادي» التي ابعدته عنك و اشردت ذهنه عن الاصغاء

 

«* المعاني صفحه 189 *»

الي كلامك و ادراك مرادك فكانه بعيد عن حضورك كقوله7 ايها الناس سيأتي عليكم زمان يكفؤ فيه الاسلام كمايكفؤ الاناء بمافيه ايها الناس ان اللّه قداعاذكم من ان‏يجور عليكم و لم‏يعذكم من ان‏يبتليكم و قدقال جل من قائل ان في ذلك لايات و ان كنا لمبتلين.

الاغراض في النداء

اعلم انهم يقولون قدتخرج الفاظ النداء عن معناها الاصلي الي معان اخري تفهم من السياق بمعونة القرائن و من اهمّ ذلك «الاغراء و الاستغاثة و الندبة و التعجب و التحسر(التوجع) و التذكر و التحير و التضجر و الاختصاص».

ولكن التدبر يقتضي ان‏نقول ان الباعث علي النداء قديكون قصد المنادي محض اقبال المخاطب فيكون نداء.

و قديكون تقرير المخاطب علي مايقبل اليه و يسمي بـالاغراء كقولك لمن اقبل يتظلم يا مظلوم.

و قديكون قصد الاستنصار و الاستغاثة حتي يأتي او يتوجه اليه و يخلصه مماهو فيه و يسمي بـالاستغاثة نحو:

يا للرجال و يا للمسلمين معاً   مهاجري يري منكم و انصاري

و قديقترن الاستغاثة بقصد التعجب نحو يا للماء و يا للدواهي (اذا كثرا).

و قديكون الباعث تهديد المخاطب كقولك يا لزيد لاقتلنك.

و قديكون الندبة نحو وامحمّداه واعليّاه واحسيناه.

و قديكون تعديد محاسن المنادي كقوله7 في دعاء الندبة بابي انت و امي و نفسي لك الوقاء و الحمي يابن السادة المقرّبين يابن النجباء الاكرمين يابن الهداة المهديين… الدعاء و منه ندبت المرأة ندباً (من باب ضرب و نصر) و هي نادبة ج نوادب لانه كالدعاء فانها تقبل علي تعديد محاسنه كانها تسمعها.

و قديكون اظهار التفجع علي شي‏ء اصابه مصيبة او لنفس المصيبة نحو يا زيدا و وازيدا و نحو:

 

«* المعاني صفحه 190 *»

واحرّ قلباه ممن قلبه شبمٌ   و من بحالي و جسمي عنه سقم

(و شبم: اي بارد). و نحو:

فواكبدا من حبّ من لايحبني   و من عبرات ما لهن فناء

و نحو وامصيبتاه.

و قديكون اظهار التحسر كقوله تعالي ان‏تقول نفس ياحسرتي علي مافرطت في جنب اللّه.

و قديكون اظهار التذكر كقولنا صلّي‏اللّه عليك يا اباعبداللّه. فقدقيل لابي‏عبداللّه7 اني اذكر الحسين بن علي8 فاي شي‏ء اقول اذا ذكرته؟ فقال قل صلّي‏اللّه عليك يا اباعبداللّه تكرّرها ثلاثاً الخبر.

و قديكون اظهار التحير كقوله7 في الندبة الي متي احار فيك يا مولاي و كقوله7 فيها هل اليك يابن احمد سبيل فتلقي.

و قديكون اظهار التضجر كقول شيخنا الجليل الاوحد اعلي‏اللّه‏مقامه في قصيدته اللاّمية:

بانوا و كانت يباباً بعد بعدهم   تَظَلُّ ساريةً في غَوْلِها الغولُ
عليك يا ربعهم دمعي الربيع علي
  سفح الرسوم سفيح الدَمع مسدول

و قديكون الزجر كقوله اعلي‏اللّه‏مقامه:

فياندمي ممامضي في شبيبتي
  و في القلب من مستقبلي حرّ دالب

(الدالب: الجمرة لاتطفأ).

و قديكون الشوق كقوله اعلي‏اللّه‏مقامه:

يا وفق اللّه الا انّه اجل
  اجل له في ذوي التوفيق تاجيلٌ

الاختصاص:

و هو علي ماعرّفه القوم «ذكر اسم ظاهر بعد ضمير لاجل بيانه و صورته صورة النداء و ليس به اذ لم‏يرد به الاّ مادلّ عليه ضمير السابق» و لذا لايجوز اظهار حرف النداء

 

«* المعاني صفحه 191 *»

فيه نحو قوله تعالي رحمة اللّه و بركاته عليكم اهل‏البيت انه حميد مجيد.

و هو اما للـتفاخر نحو انا اكرم الضيف ايها الرجل.

و اما للـتواضع نحو انا الفقير المسكين ايها الرجل.

و يقولون للتوضيح: ان النداء تخصيص المنادي بطلب اقباله عليك فجرّد عن طلب الاقبال و استعمل في تخصيص مدلوله من بين امثاله بمانسب اليه منها.

و الحق ماقاله اهل الحق. قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه‏مقامه في التذكرة:

«فصل في الاختصاص: اعلم ان العرب قدتنصب كلمة من غير عامل ظاهر اشعاراً بانهم يريدون تخصيص الموصوف بتلك الكلمة او من هو من مدلولها و ذلك شايع بينهم و ان النحاة فرّقوا ذلك فرقتين فجعلوا فرقة منهما من باب «الاختصاص» و فرقه منهما من باب «انتصاب الوصف» و عندي الجميع من باب واحد الاّ ان المضمر في كل كلمة و مقام علي حسبه. و المقصود في هذا العمل امور:

فاما يعمل ذلك «فخراً» نحو نحن آل‏محمّد لانقاس بالناس.

او «تواضعاً و استرحاماً» نحو نحن المساكين زهيد عشينا.

او لـزيادة توضيح نحو نحن معاشر الفقهاء لانقول بآرائنا.

و قديكون للـتمجيد نحو الحمد للّه الحميد.

او للـمدح نحو جاءني زيد العالمَ الفاضل.

او للـذم نحو جاءني عمرو المخذولَ.

او للـترحم نحو رأيت زيد المسكين الدنف و امثال ذلك فتضمر قبل المنصوب «اعني» او «اِي» و لايناسب لفظ امدح و اذمّ و اخصّ لركاكتها ولكن نفس لفظ «اعني» في هذا المقام يستعمل لاجل هذه المعاني.

و حكي في هذا الباب استعمال لفظ «ايّها» في المذكر مطلقاً و «ايتها» في المؤنث مطلقاً ثم استعمال لفظ محلّي‏باللام بعدهما نحو ايّها الرجل و ايّتها المرأة الي ان قال: و

 

«* المعاني صفحه 192 *»

الذي اري ان «اي» بمعني الذي و قدنصّوا علي انها تأتي بمعناها نحو ايّهم في الدار اخوك قاله في المعيار و ذكر النحويون ان «اي» في قولهم اضرب ايّهم ضربك موصولة. فقولك ايها الرجل «اي» موصولة و «هاء» حرف تنبيه و «الرجل» خبر مبتدأ لازم الحذف و الجملة صلة الذي اي انا الذي هو الرجل و «الالف و اللام» للحقيقة اي انا حقيقة الرجل كمايقال فلان الرجل كل الرجل نعم الرجل فقولك انا ايها الرجل اكرم الضيف اي انا الذي انا حقيقة الرجل اكرم الضيف. و بذلك يفهم تخصيص مدلول الكناية بمدخول ال و هذا الوجه وجيه و لايحتاج الي تكلف.

و ان قلت الكناية لاتوصف قلت قدمرّ عليك انّ ذلك من درايات القوم فان وقع يأخذونه بدلاً فليكن هنا ايضاً بدلاً حتي يسكن قلبك والاّ يجوز عندي و لا حرج.

و لك ان‏تقول انّ «ايّها» هنا كلمة تفسير نحو «اي» و «اعني» و المعرّف بعدها مبني علي الضم و محله النصب فقولك انا ايها الجواد اكرم الضيف معناه اي الجواد اكرم الضيف و ذلك كقولك انا الجواد كل الجواد حقيقة الجواد فصح معني التخصيص بلاتكلف و هذا القول اقرب و اهنأ و المعاني ليست بنص العرب و انماتستنبط من مواضع الاستعمال فلايضرّ عدم نص اهل اللغة و النحويين عليه.

و لاهل العراق في زماننا اصطلاح يمكن ان‏يكون من هذا الباب و هو انهم يكتبون في صكوكهم انا يامحمّد معترف بفلان اذا كان اسمه محمّد و انا ياعلي بن فلان متقبّل كذا اذا كان اسمه علي و مقصودهم انا اي محمّد و انا اي علي بن فلان فليكن انا ايها الرجل منه و لا ضير.» انتهي.

تتميم:

قدعرفت مماسبق ان الالفاظ تابعة للمقاصد فعلي ذلك قديريد المتكلم انشاء امور ولكن يعبّر عنها بالفاظ خبرية و قديريد اخبار امور ولكن يؤديها علي الصور الانشائية و ذلك لاغراض بلاغية.

فمن مواضع الاول:

 

«* المعاني صفحه 193 *»

التفاؤل نحو قول بعض المؤلفين او المصنفين في بعض الموارد و انت تعلم ان هذا كذا و كان مراده «اعلم» ولكن كأنّ العلم حاصل فاخبر عنه. و نحو وفقك اللّه و هداك الي طريق الحق مثلاً كأن التوفيق و الهداية حاصلتان فاخبر عنهما.

التأدّب و الاحتراز عن صورة الامر احتراماً نحو يعلم سيدي حالي و ينظر في امري و يقضي مااريد منه.

3ـ «اظهار قوة الاسباب و ان المطلوب ميسر» نحو قول رئيس الجند لجنده تأخذون بنواصيهم و تنزلونهم من صياصيهم.

المبالغة في الطلب نحو و اذ اخذنا ميثاق بني‏اسرائيل لاتعبدون الاّ اللّه الاية فانّ لاتعبدون خبر بمعني الامر. و نحو و اذ اخذنا ميثاقكم لاتسفكون دماءكم فانه نهي في لفظ الخبر. و قال اعلي‏اللّه‏مقامه في تعليقاته في هذه الكريمة: «لاتعملوا عملاً يبيح دمكم علي الاولياء» فلم‏يقل: اعبدوا اللّه و لاتسفكوا علي صورة الامر و النهي مبالغة في الطلب فكأنه امرهم فامتثلوا و نهاهم فانتهوا فاخبر عنهم بالامتثال و الانتهاء.

5 ـ اظهار الرغبة نحو رزقنا اللّه زيارة الحسين7 و شفاعته و الدفن في تربته.

و من مواضع الثاني:

اظهار عظمة الشي‏ء و الاهتمام بشأنه نحو قل امر ربي بالقسط و اقيموا وجوهكم عند كل مسجد. اما علي انّ المعطوف‏عليه قوله تعالي لايفتننّكم الشيطان في قوله يا بني‏ادم لايفتننّكم الشيطان كمااخرج ابويكم من الجنة الاية و ان يمكن ان‏يكون المعطوف عليه قوله «اَمَرَ». و علي ماقال اعلي‏اللّه‏مقامه في تعليقاته في هذه الكريمة: «قوله لايفتننكم الشيطان ظاهر النهي للشيطان و المنهيون الناس و المعني احذروا حتي لايقع بكم فتنة». فلايصح الاستشهاد بهذه الكريمة.

و يظهر مماذكر فساد توجيه بعض المستشهدين بهذه الكريمة في هذا الموضع من انّ المراد: قل اَمَرَ ربي بالقسط و اقامة وجوهكم عطفاً علي قوله تعالي بالقسط و انماقال تعالي ذلك اشعاراً بالعناية بامر الصلوة لعظيم خَطَرها و جليل قدرها في الدين.

 

«* المعاني صفحه 194 *»

التحاشي و الاحتراز عن مساواة اللاحق بالسابق كماقيل و استشهد بقوله تعالي قال اني اشهد اللّه و اشهدوا اني بري‏ء مماتشركون من دونه. من انه لم‏يقل و اشهدكم تحاشياً و فراراً من مساواة شهادتهم بشهادة اللّه تعالي.

ولكن الحق ان الكريمة ليست من هذا الباب لانّ واشهدوا بمعني «واعلموا» كماذكر في التعليقات الشريفة. فان النبي العظيم هوداً علي‏نبينا و آله و عليه‏السلام لايشهد المشركين علي براءته ممايشركون من دون اللّه بل عالنهم بتلك البراءة و انذرهم بذلك الاعلان العلاني و ابطل حججهم بذلك الاشهاد هذا البرهان القاطع و الحجة البالغة و يسمي هذا البرهان في اصطلاح مشايخنا العظام اعلي‏اللّه‏مقامهم بدليل التقرير و التسديد.

و لماطال بنا الكلام فنختم هذا الجزء الي هنا و نذكر باقي الابواب في الجزء الثاني ان شاءاللّه تعالي و الحمدللّه اولاً و اخراً و صلّي اللّه علي محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

3 ذي‏الحجة 1401

([1]) هذا البيت من قصيدة امري‏ءالقيس التي هي من المعلّقات السبع المشهورة و الغدائر: جمع الغديرة و هي الخصلة من الشعر و المستشزرات بالكسر لازماً و بالفتح متعدّياً: المرتفعات او المرفوعات الي فوق و العِقاص: جمع العقيصة و هي الخصلة المجموعة من الشعر و تضلّ: من الضلال و الضلالة و كناية غدائره ترجع الي «الفرع» المذكور في البيت قبله بمعني الشعر التام.

و معني البيت «انّ غدائرها مشدودة علي الرأس بخيوط و تغيب تعاقيصها في شعر بعضه مثنّي و بعضه مرسل و اراد به وفور شعرها» و التعقيص: التجعيد.

([2]) المقلة: شحمة العين او هي السواد و البياض منها. العين ذاتها. و الحاجب: العظم الذي فوق العين بلحمه و شعره. و المزجّج: المدقّق المطوّل. و الفاحم: الشعر الاسود كالفحمة. و المرسن كمنبر و مجلس: الانف و الانف المسرج: ذولمعان كالسراج او ذوصقالة و احديداب كالسيف السُرَيْجي اي المنسوب الي سريج و هو قَين حداد تنسب اليه السيوف في الدقّة و الاستواء.

([3]) شرح الزيارة ج 4 ص 6

([4]) الزحاف بكسر الزاء في العروض: تغيير يلحق ثاني السبب الخفيف او الثقيل و السبب الخفيف كلّ كلمة ثنائية الحرف الثاني منهما ساكن و السبب الثقيل هو كلّ كلمة ثنائية حرفاها متحركتان فالاوّل في الفارسية نحو بَر  و الثاني فيها نحو: سَرِ من.

([5]) هذه الابيات من قصيدة مذكورة في المشارق للشيخ البرسي ص 150 المطبوع ببيروت .

([6]) هر سخن جايي و هر نكته مقامي دارد.

([7]) الاسفار الاربعة عبارة عن «السفر من الخلق الي الحق» و «السفر في الحق بالحق» و «السفر من الحق الي الخلق» و «السفر في الخلق بالحق».

([8]) ارتفعت.

([9]) و فيه ملخصاً: القواعد: هي اصولها المعترضة في آفاق السماء و الواحدة قاعدة. و امّا البواسق: ففروعها المستطيلة التي الي وسط السماء الي الافق الاخر و كذلك كلّ طويل فهو باسق. و الجون: بالفتح هو الاسود اليحمومي و اليحموم: الدخان و الجبل الاسود و النبات يضرب الي سواد من خضرته ـ الاحمر ـ الابيض و جمعه جون و المراد هنا المبالغة في السواد. و رحاها: استدارة السحابة في السماء و لهذا قيل رحا الحرب و هو الموضع الذي يستدار فيه لها. و الخفو: الاعتراض من البرق في نواحي الغَيْم و فيه لغتان و يقال خفا البرق يخفو خفواً و يخفي خفياً. و الوميض: ان‏يلمع قليلاً ثم يسكن و ليس له اعتراض. و امّا الذي شقّ شقّاً فاستطالته في الجو الي وسط السماء من غير ان‏يأخذ يميناً و لا شمالاً. و قال الصدوق رحمه اللّه و الحياء: المطر.

([10]) فيه: بيد و ميد: لغتان. و فيه ثلاث لغات في معني سوي انّي من قريش والاّ انّي من قريش و في معني غير انّي من قريش.

قال الجرزي في شرح هذا الحديث: المدالكة: المماطلة يعني مطله ايّاها بالمهر و الملفَج بفتح الفاء:الفقير يقال الفج الرجل فهو ملفج علي غير قياس يعني يماطلها بمهرها اذا كان فقيراً و قال: ميد و بيد لغتان بمعني غير و قيل: معناهما علي ان‌ّ.

([11]) في مجمع البحرين في لغة علج: و في حديث علي7 الناس ثلاثة عربي و مولي و علج فنحن العرب و شيعتنا الموالي و من لم‏يكن علي مثل مانحن عليه فهو علج اي كافر. و فيه: العلج بالكسر فالسكون و جيم في الاخر: الرجل الضخم من كفار العجم. و بعضهم يطلقه علي الكافر مطلقاً و الجمع علوج و اعلاج كحمول و احمال. و العلج ايضاً: حمار الوحش الغليظ.

([12]) المعجم: المقفل.

([13]) قوله «من حزنهم» متعلق بقوله «مااشفيت قلبي» و «متصرم» من تصرمت السنة اي انقضت.

([14]) قوله «الغليل» الحقد و حرارة الحب و الحزن و الظاهر انّ المراد هو الاول اي الحقد و الغيظ علي اعداء الحسين و اهل‏البيت: فانّ الشفاء من الحزن قدذكره في البيت قبله و الانسب هنا مع ملاحظة قيام القائم عجّل‏اللّه فرجه للانتقام من الاعداء هو الحِقد و هو الغضب الثابت في القلب. و قوله «اُرجّي» من رجّي الشي‏ءَ اي اَمَّلَ به و فيه. و قوله «من مرجّم» اي المدفون في القبر او من وضع عليه الرجْمة اي الحجارة التي تنصب علي القبر فالمرجم هو الملحود.

([15]) و قوله «ذوالسلطان والي دمائهم» يشير الي قوله تعالي و من قتل مظلوماً فقدجعلنا لوليّه سلطاناً فلايسرف في القتل انّه كان منصوراً و المظلوم هو الحسين7 و وليّه الذي جعل اللّه له السلطنة هو القائم عجّل‏اللّه فرجه. و قوله «بخافقة» اي علمٍ. «جالٍ» من الجَوَلان. و قوله «مسوّمٍ» اي المعلم بعلامة يعرف بها. و «بكل مسوّم» يشير الي كلّ من يسوّمه علي7 بعد ظهور القائم عجّل‏اللّه فرجه بخاتم سليمان علي نبيّنا و آله و عليه‏السلام علي جَبينه «هذا مؤمن حقاً» فان كلّ مؤمن تحت لوائه المقدسّة يحامي عن حريم الدين الالهي.

([16]) قوله «دِراكاً» مصدر داركه مدارَكةً اي لحقه. و «يرتجي دراكاً» يعني امّل لحوقاً. و «المقدمين» من اقدم علي الامر اي شجع. يقول يُري سبقي علي الشجعان و المراد منهم المسوّمون المذكورون في البيت الذي قبله.

([17]) و المراد بالجزء مايعم المفرد.

([18]) فان اسنادها لحكاية الفعل لا من نفسها لانّه قصد مثلاً حكاية مظلوميّة العبيد و ليس بين مظلوم و العبيد اسناد اصلي.

([19]) كتاب الغيبة لشيخ الطائفة ابي‏جعفر محمد بن الحسن الطوسي 460 ص 173 طبعة مكتبة نينوي (طهران)

([20]) و لا شك ان الذات بنفسها لاتكون عرضاً بل المراد ان المسنداليه هو ظهور الذات في المسند و شبحها المنطبع في مرءاته فان القائم مثلاً هو الذات الظاهرة بالقيام و الذات الظاهرة بالقيام هي القائم فالمراد باسم الذات هو ظهورها في تلك الاعراض و هو هي فيصح حملها عليه و تكون القضية صادقة.

([21]) و يمكن ان‏نلحق بالحروف المشبهة بالفعل حروف النداء ايضاً لانها حروف طلب اقبال و تقتضي فاعلاً و مفعولاً فاعلها واجب الحذف بقرينة الداعي و المدعوّ مفعولها و هو منصوب لانه مخصوص بالنداء و يعبر عنه بـالمنادي علي صيغة المفعول و امّا يا زيدُ فهو في محل النصب فمن مواضع المسنداليه فاعل حروف النداء و للتحقيق ازيد من ذلك فراجع «التذكرة» الشريفة ص 351

([22]) المشاراليه هو اصل البحث اي ان الفعل مفعول و غيرمستقل في صدور الاثار عنه.

([23]) و هي دلالة اللفظ اللفظية الوضعية علي تمام ماوضع له من حيث انه موضوع‏له كلفظ الانسان فانه موضوع للحيوان الناطق. و معني كونها مطابقة هو مطابقة اللفظ للمعني او انطباقه عليه بمعني عدم زيادته عليه و نقصه عنه و عدم تناوله ماليس منه.

([24]) لان المنهج التصويري في القرءان عند بيان القصص و التاريخ لايكون لمجرد الفن بل يكون للعبرة و العظة و نشر العقيدة و تفهيم الدعوة فينتقل السياق من مشهد الي مشهد و يترك مشهداً او يحذف كلاماً لايكون لهما دخل لمقصده الاصيل و موقع في انفاذ الغرض.

([25])  بي گناهي كم گناهي نيست در ديوان عشق               يوسف از دامان پاك خود به زندان مي‏رود

٭  ٭  ٭  ٭

يوسف كه هست پيراهن عصمتش درست             زليخا مي‏كند تقصير و خجلت مي‏برد يوسف

([26]) برهان الرب هو السلطان الذي لتسلطه علي القلوب يمنع صاحبه عن ارتكاب القبائح و هو الحكمة الصارفة التي لاتجتمع مع الجهالة و يعبر عنها بـالعصمة.

([27]) الخُرق الحمق وزناً و معني و النزق هو الخفة عند الغضب.

([28]) ذلك بيان آخر لتفصيل ان «الخطاب» و «المخاطب» في كن فيكون مساوقان.

([29]) علي وجه من تفاسيره .

([30]) في المعيار: العنقاء كحمراء: الداهية و طائر عظيم معروف‏الاسم مجهول‏الجسم انتهي. و حكي عن الزمخشري في «ربيع‏الابرار»: ان العنقاء كانت طائراً و كان فيها من كل شي‏ء من الالوان و كانت في زمن اصحاب الرس تأتي الي اطفاله و صغارهم فتخطفهم و تغرب بهم نحو الجبل فتأكلهم فشكوا ذلك الي نبيهم صالح7 فدعا اللّه عليها فأهلكها و قطع عقبيها و نسلها فسميت «عنقاءَ مغرب» لذلك.

[31]ـ«الهاء» في ليه و سرباليه هاء سكت و نعلي تثنية النعل و السربال: القميص او الدرع او كل مايلبس و اودي اي فقد و نعلي فاعله. و «الباء» زائدة. من التعليقات علي «التذكرة في‏النحو» ص 203

([32]) اسمه احمد و ابوه عبداللّه بن سليمان ابوالعلاء ولد في 27 من ربيع‏الاول سنة 363 ه في المدينة معمرة النعمان. و كان شاعراً اديباً نقاداً فنّاناً لغوياً. ذهب بصره و هو في السابعة من سنّه و يقول في ذلك:

قالوا العمي منظر قبيح                   قلت بفقدانكم يهون

واللّه مافي الوجود شي‏ء                تأسي علي فقده العيون

اي تعزّي و تصبّر و له كتب في الادب و الشعر و القصص و الفن و النحو و غيرها مات في ربيع‏الاول سنة 449 ه.

([33]) و المراد بالمستحيل: المستحيل عادة كمافي البيت لا المستحيل الذاتي لانه الممتنع الذاتي و هو لايمكن تعقله فكيف يمكن تمنّيه. و اما المستحيل العادي فهو من الممكنات من حيث الامكان لا من حيث الكون.