25-2 تنقيح المباني في علم المعاني – چاپ – الجزء الثانی

تنقيح المباني

في علم المعاني – الجزء الثانی

 

سید احمد پورموسویان

 

 

الجزء الثاني

 

من

 

 

«تنقيح المباني في علم المعاني»

 

«* المعاني صفحه 195 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه و سلام علي عباده الذين اصطفي محمّد وآله

 

هذا هو الجزء الثاني من «تنقيح المباني في علم المعاني»:

الباب الثالث

 احوال المسند اليه

و هي ستة حالات: الذكر و الحذف و التعريف (باقسامه) و التنكير و التقديم و التأخير و نذكرها في فصول ثلاثة:

الفصل الاول: في ذكر المسنداليه و حذفه

و يقولون فيه: «كل لفظ يدل علي معني في الكلام خليق طبعاً بالذكر لتأدية المعني المراد به فلهذا يذكر المسنداليه وجوباً حيث ان ذكره هو الاصل و لامقتضي للحذف لعدم قرينة تدل عليه عند حذفه و الاّ كان الكلام معمّي مبهماً لايستبين المراد منه و قديترجح الذكر مع وجود قرينة تمكن من الحذف حين لايكون منه مانع».

هذا مجمل القول في باب ذكر المسنداليه و هو كما تشاهده كلام قشري و يمكن المناقشة في اجزائه و نتائجه و لكن نمرّ عليه صفحاً و نقول:

اعلم ان الكلمات اللفظية نسبتها الي الكلمات المعنوية نسبة العرض الي المعروض و هي مع عرضيتها عالم تام مطابق لعالم الذوات في كل شي‏ء فكما ان في الكلمات المعنوية كلمات تامات حقيقية و اضافية و كلية و جزئية و برزخية و كلمات ناقصات كلية و جزئية و معروضة و عارضة و مذكورة و مقدرة فكذلك عالم الالفاظ و الكلمات اللفظية فان لكل شي‏ء مما سوي اللّه سبحانه اسماً نسبة ذلك الاسم الي ذلك الشي‏ء نسبة الظاهر الي الباطن و اشار الي ذلك علي7بصريح قوله المعني في اللفظ كالروح

 

«* المعاني صفحه 196 *»

في الجسد.

و اما الكلمات النفسية فانها ايضاً تعبيرات نفسية عن الكلمات المعنوية و الكلمات اللفظية اعراض قائمة بالكلمات النفسية كما قال الشاعر:

ان الكلام لفي الفؤاد و انما   جعل اللسان علي الفؤاد دليلاً([1])

فالنفس لها كلام مثل كلام اللسان بل الاولي ان‏يقال ان كلام اللسان مثل و صفة لكلام النفس. قال مولانا اميرالمؤمنين7لسان العاقل وراء قلبه و قال7المرء مخبوء تحت لسانه. و الصفة تابعة للموصوف فللكلام النفسي جميع مايكون في الكلام اللفظي الاّ انها نفسانية فيكون له الحروف و الاصوات و الترتيب و الاعراب و الوقف و الوصل و الادغام و الاظهار و الاجهار و الاخفات و الجهر و الهمس و كذا المفرد و المركب و الخبر و الانشاء و الامر و النهي و الاستفهام و النداء و المسنداليه و المسند و الذكر و الحذف و التعريف و التنكير و التقديم و التأخير و غير ذلك من الامور التي تكون في الكلام اللفظي و الاساليب الكلامية اللفظية.

انظر الي كلام مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه و تدبر فيه تجده باباً من العلم ينفتح منه الف باب. قال: «و لنا كلام كلي ان الاحكام النحوية ينبغي ان‏تكون تابعة للارادات القلبية و ليست بمحض تسمية او وضع قاعدة جعلية فكل مايستعمله الانسان علي نحو المبتدأ فهو المبتدأ و كل مايستعمله الانسان علي معني الفاعل فهو الفاعل و ليس الامر بمحض التسمية و الاصطلاح.

و كل احد يجد من نفسه انه اذا قال «زيد قام» يريد انه اوجد القيام و «قام» فعله فهو الفاعل بلااشكال و كل احد يجد من نفسه انه لايقصد من «قام» فاعلاً آخر و اضمار فاعل آخر تكلف و حشو لا حاجة اليه الاتري قبح «زيد قام هو» و كونه زائداً و لغواً و كذلك

 

«* المعاني صفحه 197 *»

اضماره فان ما لايجوز اظهاره لايجوز اضماره و كفاك انه لايقصد الانسان «هو» بعد «قام» الاّ ان‏يكون ذهنه مشوباً بقواعد البصرية و كفاك انه من قواعد البصرية».انتهي

فعلي هذه المقدمة السديدة ذكر المسنداليه و حذفه او رجحان الذكر في موضع يتمكن من الحذف، امر نفساني يظهر في الكلام اللفظي ففي كل مورد يذكر المسنداليه او يحذف او يترجح ذكره مع وجود قرينة تدل عليه عند حذفه نكشف عن ان ذلك المسنداليه مذكور في نفس المتكلم او محذوف او يترجح في نفسه ذكره مع التمكن من حذفه فاللازم ان‏نبحث عما يبعث ترجيح الذكر في نفس المتكلم من الاغراض او حذفه مع عدم المانع عن ذكره.

فمن بواعث ترجيح الذكر:

1ـ زيادة التقرير و الايضاح للسامع: كقوله تعالي اولئك علي هدي من ربهم و اولئك هم المفلحون. فتكرير اسم الاشارة (و هو المسنداليه لانه مبتدأ و الكناية عماد او هو مبتدأ و الكناية ايضاً مبتدأ و المفلحون خبر الكناية و الجملة خبر اولئك) للتقرير و الايضاح بان هؤلاء المتقين الذين ذكرت صفاتهم في الايات السابقة و هي سماتهم التي كانت في السابقين من المؤمنين في المدينة كما انها صفة كل المتقين من هذه الامة في كل عصر و كل مصر فهؤلاء اهتدوا و كذلك هؤلاء افلحوا و ايضاح ان هذا الطريق كما انه يكون طريق الهدي فكذلك يكون طريق الفلاح.

و يحتمل ان‏نقول في هذه الاية و امثالها ان «الباعث علي الذكر» هو تعدد اللحاظ لان المشاراليه او المرجع للكنايات هو ما قصده المتكلم و لاحظه حين التخاطب و المحاورة و لا شك ان زمام القصد و اللحاظ بيده فللمتكلم ان‏يلاحظ شيئاً واحداً او شخصاً واحداً في ظهورين من ظهوراته و اكثر فيشير اليه في كل ملاحظة باشارة خاصة فيتعدد الاشارات و يتكثر الكنايات كما له ان‏يقصد الشي‏ء الواحد او الشحص الواحد بحسب مراتبه الوجودية او ابعاضه و اجزائه فيشير اليه باسم الاشارة الموضوعة للجمع و بالعكس يشير الي الجمع بحسب ملاحظة ما به اشتراكهم باسم الاشارة الموضوعة

 

«* المعاني صفحه 198 *»

للمفرد او يشير الي المذكر بملاحظة نفسه باسم الاشارة الموضوعة للمؤنث او يشير الي المؤنث باعتبار شخصها او عقلها باسم الاشارة الموضوعة للمذكر و كذلك في الكنايات.

فبـأولئك الاولي اشار سبحانه الي ظهور المتقين في سمة الهداية و الوصول الي الصواب و العلم و البيان و بـأولئك الثانية اشار الي ظهورهم بسمة الفلاح. و لاينافي تعدد اللحاظ و تكثر الاعتبار زيادة التقرير و الايضاح بل التقرير و الايضاح من لوازم ذلك.

و كقوله تعالي اولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و اولئك هم المهتدون و نحو قول دعبل رحمه اللّه:

هم آل ميراث النبي اذا انتموا   و هم خير سادات و خير حماة

2ـ ضعف القرينة او ضعف درك المخاطب: نحو علي7 نعم الامام و السائس. تقول ذلك بعد ما سبق منك ذكر في فضائله7 و طال عهد السامع به او ذكرت كلاما في شأن غيره ايضاً.

3ـ اتمام الحجة و قطع العذر: كقوله 9 في خطبة الغدير بعد نصبه عليّاً للخلافة و الامامة ايها الناس قد بينت لكم مفزعكم بعدي امامكم و وليكم و هاديكم و هو اخي علي بن ابي‏طالب و هو فيكم بمنزلتي فيكم فقلدوه دينكم و اطيعوه في جميع اموركم فان عنده جميع ما علمني اللّه من علمه و حكمته. الخطبة

4ـ تأييد المخاطب او الرد عليه: كقولك لمن قال: اللّه كريم ، اللّه كريم رحيم ودود. و كقولك الله واحد رداً علي الذي قال: الله ثالث ثلاثة.

5 ـ التلذذ: كقول سيدنا و مولانا السبط الشهيد ابي‏عبداللّه الحسين7 في دعائه في يوم عرفة يا مولاي انت الذي مننت انت الذي انعمت انت الذي احسنت انت . . . انت . . . انت . . . الدعاء.

6 ـ الاهانة: كقوله7 في ذلك الدعاء ثم انا يا الهي المعترف بذنوبي فاغفرها لي انا الذي اسأت انا الذي اخطأت انا الذي هممت انا . . . انا . . . انا . . . الدعاء.

 

«* المعاني صفحه 199 *»

7ـ التسجيل: و هو كتابة الحكم علي المحكوم عليه بين يدي الحاكم. كقول الشاهد نعم زيد هذا اقر بان عليه كذا في جواب الحاكم، هل اقر زيد هذا بان عليه كذا؟ فالباعث علي ذكر المسنداليه هو التسجيل علي المشهود عليه حتي لايجد سبيلاً الي الانكار بان‏يعتذر عند الحاكم بان الشاهد زعم انك تريد غيري فشهد عليه لا علي.

8 ـ التعريض بغباوة السامع او عدم ميله الي الاصغاء و القبول: نحو قولك زيد قال كذا في جواب من قال: ماذا قال زيد؟ و كقوله تعالي ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات اولئك هم خير البرية.

9ـ التكريم: نحو قولك قال اميرالمؤمنين علي بن الي‏طالب7 في جواب من قال: هل قال هذا علي ّ7 ؟

10ـ ازالة العجب: كقولك الشيعة لايدخل النار لمن تعجب و قال: هل الشيعة لايدخل النار؟ ـ اي مع ما نري فيهم من العصاه‏ـ. الي غير ذلك من البواعث البلاغية التي ترجع الي اساليب البلغاء.

و اما حذف المسنداليه:

فقالوا: «الحذف خلاف الاصل و يكون لمجرد الاختصار و الاحتراز عن العبث بناءً علي وجود قرينة تدلّ علي المحذوف. و هو قسمان: قسم يظهر فيه المحذوف عند الاعراب كقولهم اهلاً و سهلاً فان نصبهما يدل علي ناصب محذوف يقدر بنحو «جئت اهلاً و نزلت مكاناً سهلاً» و ليس هذا القسم من البلاغة في شي‏ء. و قسم لايظهر فيه المحذوف عند الاعراب و انما يعلم بحاله بعد تصفح المعني و انه لايتم الكلام الا بمراعاته نحو يعطي و يمنع اي يعطي من يشاء و يمنع من يشاء. و هذا المحذوف اذا ظهر في الكلام زالت عنه بهجته البلاغية و حلاوته الادبية».

و اعلم ان هذا الكلام ايضاً كلام قشري و ذلك لانهم قصروا الانظار الي الالفاظ فحكموا بان «الحذف خلاف الاصل».

فـنقول اوّلاً: انا اسلفنا الكلام بان الالفاظ تابعة للمعاني النفسية و المقاصد القلبية

 

«* المعاني صفحه 200 *»

فما كان هنالك مذكوراً فهناك ايضاً يكون مذكوراً و ماكان هنالك محذوفاً فهناك ايضاً يكون محذوفاً فاي معني لخلاف الاصل. اضف الي ذلك ان التكلم عرض يعرض علي الانسان لينقل مقاصده الي ابناء جنسه و يخبرهم بماكان في ضميره بحيث اذا علم ان المخاطب قد فهم مراده و مقصده بطريق غير التكلم كالاشارة لاكتفي بها و لايجد في نفسه باعثاً علي التكلم بعد ذلك.

و من ذلك نري الانسان العاقل قليل الكلام اعني يكتفي من الكلام بمايبلغه مناه و يحصل به مطلوبه. قال علي7 اذا تمّ العقل نقص الكلام و من ذلك نري ايضاً ان بناء الكلام (سيما اللغة العربية) علي الاختصار و الاقتصار بحيث وضع الواضع الفاظاً في نهاية الاختصار يستعملها المتكلم في المعاني الكثيرة و المواضع العديدة كالفاظ الكنايات و الاشارات و الموصولات و ساير المبهمات و كذا الفاظ العموم و من موارد الاختصار الحذف و التقدير فالحذف و التقدير جاريان علي اصل الطبيعة لا علي خلاف الاصل.

ثم اعلم ان تقسيم الحذف هنا الي القسمين المذكورين في غير محلّه فان الحذف المبحوث عنه في علم المعاني هو غير الحذف المبحوث عنه في علم النحو. فـالحذف في علم النحو عام يشمل التقدير ايضاً و لكن الحذف في علم المعاني لايشمل التقدير.

و الفرق بين المقدر و المحذوف (بمعناه الخاص) ان للـمقدر دليلاً لفظياً ظاهرياً يدل عليه كالاعراب المذكور الظاهري في اهلاً و سهلاً و اما المحذوف فلابد ان‏ينتقل الذهن اليه من جهة المعني و القرينة.

فمن ذلك اختلف البصريون مع الكوفيين في جواز حذف الفاعل فان البصريين لايجوّزون حذف الفاعل بل يقولون: ان لم‏يكن الفاعل ظاهراً يجب اضماره. و لكن الكوفيين يجوزون ذلك. فحذفه في قوله تعالي كلاّ اذا بلغت التراقي يؤيد الكوفيين.

قال مولانا الكريم اعلي اللّه مقامه: «و ما اعلم البصريين ان الفاعل مضمر و ليسوا بعالمي الغيب و لا دليل يدلهم علي ذلك و الاستحسان غير مجد علي ان لغيرهم ايضاً

 

«* المعاني صفحه 201 *»

استحساناً و المسيغ للحذف وجود القرينة».انتهي.

و منشأ الخلاف ان البصريين قصروا نظرهم في هذا البحث الي مقتضي علم النحو الباحث عن صفات الكلمات الذاتية و تأثيرها و تأثرها و تأليفها. و اما الكوفيون فنظروا الي ذلك و الي الاغراض البلاغية التي يتكفل البحث عنها علم المعاني.

بالجملة الحذف في هذا العلم: هو كل مورد يجد المتكلم البليغ في نفسه ان ترك الذكر افصح من الذكر بحيث اذا ظهر المحذوف زال من الكلام حسنه و حلاوته. و الشرط في صحة الحذف و حسنه وجود القرينة و وجود غرض من الاغراض البلاغية التي تزول باظهار المحذوف.

فمن بواعث الحذف:

1ـ «دلالة القرينة عليه دلالة قوية»: نحو قوله سبحانه فصكّت وجهَها و قالت عجوز عقيم اي انا عجوز.

2ـ «اخفاؤه عن غير المخاطب المطلع عليه»: نحو جاء تريد «جاء زيدٌ» مثلاً حتي لايطلع عليه غير مخاطبك.

3 ـ «امكان الانكار» اذا احتاج المتكلم اليه: نحو جائر ظالم تريد «الحاكم» مثلاً لاتذكر المسنداليه ليتيسر لك عند الحاجة الي الانكار ان‏تقول: ما اردت الحاكم و انما قصدت فلاناً.

4ـ «خوف فوات الفرصة»: كقولك غزالٌ ـ اي هذا غزال ـ في تنبيه الصياد.

5 ـ «اختبار انتقال ذهن السامع اليه»: كقولك يُزار و لا يزور كالكعبة (تريد «الامام»7)

6 ـ «التضجر و التوجع»: نحو:

قال لي كيف انت قلت عليل   سهر دائم و حزن طويل

(اي انا عليل)

7 ـ «المحافظة علي السجع او القافية او الوزن»: و استشهد بعضهم للسجع بنحو

 

«* المعاني صفحه 202 *»

من طابت سريرته حمدت سيرته و توجيه الشاهد علي ما عندهم انه لو قيل: «حمد الناس سيرته» لاختل السجع.

و الحق: ان الاستشهاد في غير موضعه لانّا قداثبتنا في البحث عن مواضع المسنداليه ان مرفوع فعل المفعول فاعل و هو مسنداليه و الاستشهاد مبني علي خطائهم في مرفوع فعل المفعول بانه «نائب الفاعل» و قدعرفت الصواب فراجع.

و كذا استشهد في «القافية» بقول الشاعر:

و ما المال و الاهلون الا ودائع   و لابدّ يوماً ان ترد الودائع

و يقول بعد استشهاده فلو قيل: «ان يرد الناس الودائع» لاختلفت القافية لصيرورتها مرفوعة في الاول منصوبة في الثاني.

و الحق: ان «الودائع» فاعل «ترد» و هو المسنداليه فلا حذف. و استشهد للوزن بقوله:

علي انني راضٍ بان احمل الهوي   و اخلص منه لا علي و لا لِيَا

اي لا علي شي‏ء و لا لي شي‏ء. و لاادري من اين علم المستشهد ان المحذوف مبتدأ مؤخر حتي يصلح البيت للاستشهاد فيمكن ان‏يكون لا شي‏ء علي و لا شي‏ء لي. فيحتمل ان‏يكون الباعث علي الحذف «المبالغة في الابهام» لا «المحافظة علي السجع». حتي يذهب ذهن السامع حيث يذهب.

8 ـ «معلومية المسنداليه» حقيقة: نحو قوله تعالي في الانعام عالم الغيب و الشهادة علي ان المسنداليه محذوف اي هو و اما علي كونه نعت الذي في صدر الاية. فالاستشهاد في غير محلّه. او ادعاءً نحو حاتم زمانه او وحيد دهره اي فلان.

9ـ «اتباع الشهرة علي تركه» نحو رمية من غير رام اي هذه رمية. و استشهد بعضهم في هذا الموضع بـ نعم الزعيم سعدٌ اي هو سعدٌ. و هذا مبني علي اختلافهم في مخصوص افعال المدح و الذم. فقيل: هو مبتدأ مؤخر و الجملة خبره و الرابط حرف التعريف و قديقدم و يقال سعدٌ نعم الزعيم. و قيل: انه بدل. و كانّ المستشهد قائل بقول ثالث و هو ان

 

«* المعاني صفحه 203 *»

المسنداليه محذوف اي هو و سعد خبره.

و الحق: انه بدل ولكنه ابدال اعرف من اخفي. و ان تقدم المخصوص فهو مبتدأ موطئ لان الفعل لايقع خبراً و المخصوص ضمير مستتر اي «سعد نعم الزعيم هو» و هو بدل عن الزعيم استغني عن ظهوره لاجل القرينة و هي سعد فالانصاف ان الاستشهاد في غير محله.

10ـ «تنزيهه عن الذكر و التعبير عنه» كقوله تعالي ولو شاء لهديكم اجمعين.

11ـ «تطهير اللسان عن ذكره» كقوله تعالي صم بكم عمي فهم لايرجعون (اي هؤلاء صم …)

12ـ «معهوديته في الكلام» كقوله تعالي و استوت علي الجودي اي السفينة. فهي معهودة في الايات السابقة واصنع الفلك باعيننا… و «الجودي» جبل بموصل.

13ـ «المبالغة في الحكم و اكثار الفائدة» كقوله تعالي فصبر جميل اي فامري صبر جيمل. و هذا مبالغة في استناد الصبر الي الامر ثم حذف المسنداليه فكأنه قال ليس لي امر الا الصبر الجميل و كل امري صبر و هو جميل.

و لا بأس ان‏نتعظ بحديث شريف في معني الصبر الجميل رواه في البرهان عن جابر قال قلت لابي‏جعفر7 ما الصبر الجميل؟ قال: ذلك صبر ليس فيه شكوي الي احد من الناس. ان ابراهيم بعث يعقوب الي راهب من الرهبان عابد من العباد في حاجة فلما راه الراهب حسبه ابراهيم فوثب اليه فاعتنقه ثم قال: مرحباً بخليل الرحمان فقال له يعقوب لست بخليل الرحمن و لكن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم. قال له الراهب: فما الذي بلغ بك ما اري من الكبر؟ قال: الهم و الحزن و السقم. قال: فما جاز عتبة الباب حتي اوحي اللّه اليه يايعقوب! شكوتني الي العباد؟! فخرّ ساجداً عند عتبة الباب يقول: رب لااعود. فاوحي اللّه اليه اني قد غفرت لك فلاتعد الي مثله. فما شكي شيئاً مما اصابه من نوائب الدنيا الا انه قال يوماً: انما اشكو بثّي و حزني الي اللّه و اعلم من اللّه ما لاتعلمون.

الي غير ذلك من البواعث التي توحي حذف المسنداليه و ترجع الي بلاغة

 

«* المعاني صفحه 204 *»

الكلام و حسنه و جزالته.

الفصل الثاني

في تعريف المسنداليه و تنكيره

تعريفه:

مذهب القوم علي ان حق المسنداليه ان‏يكون معرفة لانه المحكوم عليه الذي ينبغي ان‏يكون معلوماً ليكون الحكم مفيداً. و تعريفه اما بـالاضمار و اما بـالعلمية و اما بـالاشارة و اما بـالموصولية و اما بـال و اما بـالاضافة و اما بـالنداء.

و لكن الحق في المقام ان‏نقـول: ان حق الحكم ان‏يكون «مفيداً» سواء كان المحكوم‏عليه معرفة او نكرة فان المتكلم اللبيب البليغ الفصيح لايتكلم بكلام لغو لافائدة فيه و لاينبغي صدوره عنه بل يتكلم بما فيه فائدة و ان كانت فائده‏ما. فلايقول: «النار حارة» ان كانت بلافائدة و ان كان المسنداليه معرفةً و معلوماً. و لكن يقول رجل في الدار لاامرأة (مع الفائدة) و ان كان المسنداليه نكرةً. فمعلومية المسنداليه لاتكون مؤثرة في كون الحكم مفيداً حتي يكون من حقه «التعريف».

ثم يقولون في دلالة المعرفة و النكرة: «ان كلا منهما يدل علي معين والا امتنع الفهم الا ان الفرق بينهما ان النكرة يفهم منها ذات المعين فقط و لايفهم منها كونه معلوماً للسامع و ان المعرفة يفهم منها ذات المعين و يفهم منها كونه معلوماً للسامع لدلالة اللفظ علي التعيين.

و «التعيين» فيها اما بنفس اللفظ من غير احتياج الي قرينة خارجية كما في العلم. و اما بقرينة تكلم او خطاب او غيبة كما في الضماير. و اما بقرينة اشارة حسية كما في الاشارة. و اما بنسبة معهودة كما في الاسماء الموصولة. و اما بحرف و هو المعرف بال و النداء. و اما باضافة معنوية و هو المضاف الي واحد مما ذكر ماعدا المنادي.»

و اما حقيقة الامر:

فاعلم ان الالفاظ كما اسلفنا الكلام فيها اعراض مطابقة للمعاني الخارجية و هي

 

«* المعاني صفحه 205 *»

معروضاتها و الاسماء منها فلها مسميات خارجية و هي موضوعة لتلك المسميات.

و لما كانت المسميات مختلفة في التمايز و يختلف فيها حد التمييز اختلفت الاسماء من تلك الجهة فكل مسمي قلّ فيه التمييز يكون قليل التعرف و كل ما كثر فيه التمييز كان كثير التعرف. و اقل مراتب التمييز التميز بالجنس ثم بالنوع ثم بالصنف ثم بالصفات الشخصية.

و كذلك اسماء تلك المسميات. فمثلاً لفظ شي‏ء الذي هو اسم للجنس الاعلي و اشباه ذلك الاسم كـ غير و مثل و نظير و شبيه و عديل و خلاف و سوي و دون و عدا و خلا (اسمين) و غيرذلك من الالفاظ الدالة علي معني عام و شامل اقل الاسماء تعرفاً لان مسمياتها اقل الاشياء تميزاً. و كلما يلحقه تميز يحصل له تعين و تخصص و يشتد في التعرفية.

فـ «الجوهرية» اقل تميزاً من «الجسمية» و هي من «النامية» و هي من «التحركية بالارادة» و هي من «الناطقية» و هي من «الرجولية» و هي من «العالمية» و هي من «الفقاهة» و هي من «البصيرية» و هي من «الزيدية». و كذلك الفاظها و هي: جسم و جوهر و نامٍ و متحرك بالارادة و ناطق و رجل و عالم و فقيه و بصير و زيد. و كذلك البرازخ التي بينها التي لاتعد و لاتحصي.

هذا بحسب المسميات انفسها من دون اقتران بشي‏ء آخر و كذلك في الفاظها بحسب جواهرها من دون ضم الي قيد خارج عن جوهريتها.

ثم ان المسميات قديقترن بعضها الي بعض و يحصل لها بسبب ذلك تعين و تخصص لم‏يكن لها من قبل. كما انك اذا رأيت غلاماً يمشي مع زيد و يشابه زيداً في بعض خصائصه الخلقية تحكم بان هذا الغلام هو ابن زيد بحيث لو رأيته منفرداً لماعرفته بالبنوية لزيد و كما اذا رأيت كتاباً في مكتبة زيد او قلماً علي منضدته تحكم بان هذا الكتاب او هذا القلم من متملكاته. و هكذا ساير القرانات و الروابط. و الالفاظ كذلك فانها بسبب الاقتران الحاصل بين بعضها مع بعض يحصل لها تعينات و تخصصات

 

«* المعاني صفحه 206 *»

تتعرف بها و تتدرج في مدارج التعرف بذلك المعينات و المخصصات و هي كثيرة:

منها: «اقتران اسم ذات باسم ذات آخر». كـ غلام زيد فهذا الاقتران هو الاضافة و التعين الحاصل منها يختلف في التعرف حسب اختلاف المضاف‏اليه في المعروفية و قبول المضاف فـ غلام زيد اعرف من غلام عالم و هو اعرف من غلام رجل.

و منها: «الاقتران بوصف» نحو لعبد مؤمن خير من مشرك.

و منها: «الاقتران بحال» نحو رأيت رجلاً راكباً.

و منها: «الاقتران بتمييز» نحو هذا مدّ عسلاً.

و منها: «الاقتران بالاشارة» نحو هذا الرجل.

و منها: «الاقتران بالنداء» نحو يا ايها الرجل.

و منها: «الاقتران بمكان» نحو رجل في السوق جاءني.

و منها: «الاقتران بزمان» نحو صلوة الجمعة فريضة.

و منها: «الاقتران بنسبة» نحو رجل مدني جاءني.

و منها: «الاقتران بالتصغير» نحو رجيل جاءني.

و منها: «الاقتران بواسطة» نحو كتاب لزيد قرأت.

و اما تقسيم الاسم الي المعرفة و النكرة علي اصطلاح الظاهر فـنقـول تبعاً لمشايخنا العظام اعلي اللّه مقامهم:

ان الاسم اما ان‏يراد منه شي‏ء بعينه او لا. فالاول معرفة و الثاني نكرة. و اما «المعرفة» اما ان‏يراد منه شخص خاص لاصل الوضع بامر خاص لوحظ فيه من غير ضم ضميمة فهو العلم الشخصي او جنس خاص لا من حيث شيوعه في افراد فهو العلم الجنسي و اما يراد منه ذلك مع ضم ضميمة كحرف التعريف فهو المعرف بالاداة او باضافة الي معرف فهو المعرف بالاضافة.

و اما يراد منه شخص خاص باصل الوضع بامر مطلق لوحظ فيه فهو علي اقسام:

فاما ان‏يراد منه حاضر لغيره لا علي وجه الطلب فهو الاشارة و اما يراد منه حاضر

 

«* المعاني صفحه 207 *»

لنفسه لا علي وجه الطلب او غايب او متكلم فهو الكنايات او حاضر علي وجه الدعوة فـنداء و اما يراد منه الشخصية المبهمة فـ المبهمات.

فعلي ذلك فالمعارف سبعة: اعلام و المعرف بالاداة و المعرف بالاضافة و الاشارات و الكنايات و المبهمات و المنادي.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الاساليب البلاغية و الاغراض الادبية التي تقتضي تعريف المسنداليه باحد الوجوه المذكورة كثيرة و هي التي تستدعي ان‏يؤتي بالمسنداليه ضميراً في موضع و علماً في مورد و هكذا باقي الصور السبعة. و نحن نذكر تلك الاساليب و الاغراض علي ترتيب ذكرها القوم في مباحث ثم نذكر تنكيره في المبحث الاخر.

المبحث الاول

تعريف المسنداليه بالاضمار

قدعرفت فيما بينا من تقسيم المعارف ان الكنايات و الاشارات مشتركة من جهة و متمايزة من جهة. اما جهة الاشتراك فيهما فهي «الاشارة» و اما جهة التمايز فمن حيث الحضور لغيره (في الاشارات) و من حيث الحضور او غيره لنفسه (في الكنايات). فالاشارة معني حرفي اقتراني ينقسم الي قسمين: الكنايات و الاشارات.

و يدل علي ذلك ما روي عن اهل بيت العصمة صلوات‏اللّه عليهم في هو: الهاء لتثبيت الثابت و الواو اشارة الي الغائب عن درك الحواس. فالكناية ايضاً اشارة علي ما صرح به هذا الحديث الشريف.

و قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه: «و يمكن الفرق بان‏يقال: ان اسماء الاشارة ما وضعت لمشاراليه حاضر غيرالمخاطب بخلاف الكنايات فان حاضرها اشارة الي المخاطب فبالاشارة تشير الي حاضر لغيره و بالكناية تشير الي حاضر او غيره لنفسه.» انتهي([2])

 

«* المعاني صفحه 208 *»

ثم الاحسن و الاولي ان‏يقال: في عنوان البحث «تعريف المسنداليه بالتكنية» (علي اصطلاح النحويين) اي ذكره بصورة الكنايات. لان التعبير بالاضمار يحتاج الي توسع كما ان تسمية الكنايات بالضماير ايضاً فيها توسع فان المضمر ما لا لفظ فيه و ان الاضمار هو الاخفاء. و لا غرو في ذلك فان القوم قداخذوا اصطلاحاتهم عن البصريين المعاندين للحق و اهل الحق.([3]) فذكر المسنداليه بصورة الكناية يقابل ذكره صريحاً علي حذو قول الشاعر:

فصرّح بمن تهوي و دعني من الكنا
  فلا خير في اللذات من دونها ستر

اضف الي ذلك ان الكنايات من المظهرات علي ما في تقسيم علي7 قال الاشياء ثلاثة ظاهر و مضمر و شي‏ء لاظاهر و لامضمر. فالمظهر في قوله7ينقسم الي صريح و كناية فالكناية من جنس المظهر. فالتعبير بالاضمار غير فصيح و غير بليغ نعم يصح تسمية «الكنايات المستترة» بالضماير لان الضمير هو الغائب الموجود تحت قشور الحجب و الظواهر.

و في قول الامام7 و مضمر تصريح الي ان بعض الاشياء محتجب و مستور و المراد منه المجردات المحتجبة تحت الماديات و هي الضماير المستكنة و اما الاجسام الشهودية فهي الظواهر البارزة. فكل ماسوي اللّه سبحانه منقسم الي ثلاثة اقسام: الظواهر و هي الاجسام و مايقاربها و الضماير و هي الارواح و مايقاربها و ماليس بظاهر و لا مضمر و هو عالم الوجود المطلق و مايقاربه.

و انما سمي ضمير الانسان ضميراً لان جميع مدركات الانسان (اي مدركاته في

 

«* المعاني صفحه 209 *»

المرتبة الانسانية) من الاشياء الغيبية المسماة بالضماير و المضمرات علي ما في تقسيم مولانا اميرالمؤمنين7 . و هذه الاشياء الغيبية اعم من الصورية و المعنوية فالادراكات الغيبية الصورية من ضمير النفس و الادراكات الغيبية المعنوية من ضمير العقل و الادراكات الغيبية الرقائقية من ضمير الروح. ـ و الروح هو البرزخ بين العقل و النفس ـ و الادراكات الغيبية الشبحية من ضمير المثال. و جميع تلك الادراكات تنسب الي ضميرالانسان.

و انما فسرنا «الضمير» بالمدركات (اي الصورة الحاصلة من تلك الاشياء الغيبية) و لم‏نفسره بالمدرك (اي المشعر) استلهاماً من كلامه7 انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها. و قدثبت في الحكمة الحقة الالهية التي منّ اللّه علينا بوساطة مشايخنا العظام اعلي‏اللّه مقامهم، ان المرآة الحاكية عن المقابل انما هي نفس الصورة لاالزجاجة الحاملة لها فان كل شي‏ء يعدّ حروف نفسه.

و ليحسن ان‏يعلم ان الكنايات «اعرف المعارف» و ان اعرف الكنايات كناية المتكلم فيكون اخس مراتب الاسماء الظاهرة. لانك قدعرفت ان درجات التعرف تختلف بحسب زيادة التميز و نقصانه و لا شك ان التميز و التعين نقص و انحطاط فالمستعلي علي عرصة التعينات و الحدود اشرف من المنحط اليها و علي ذلك فالنكرة اشرف من المعرفة و كناية الغائب اشرف من الحاضر و الحاضر اشرف من المتكلم.

بالجملة، فالكنايات لها معان حرفية كما عرفت و صارت مبنية لذلك. و تنقسم الي قسمين ملفوظ و غيرملفوظ فغير الملفوظ مستتر و لا لفظ له و لايبرز ابداً. و المبحوث عنه في هذا الباب هو الملفوظ منها. و يعبر به عن الشخص الغائب او المخاطب او المتكلم او الاشخاص.

فاذا كان كلام المتكلم في الحديث عن مقامه يأتي بالمسنداليه كنايةً و يقول اَنَا و اذا كان معه غيره، نحن. كقول الشيح الاوحد اعلي اللّه مقامه في قصيدته البائية الشريفة:

اذكي مصابك يا حسين بمحجتي و القلب دالب

 

«* المعاني صفحه 210 *»

انا احمد نجل لزين الدين في كل المذاهب

و كذا اذا كان كلامه في مقام المخاطب كقوله اعلي‏اللّه مقامه في تلك القصيدة:

انت الذي تدري الذي   اعني و مالي عنك عازب

او كان كلامه في الحديث عن «الغائب» كقوله اعلي‏اللّه‏مقامه في تلك القصيدة ايضا:

هم اوردوا هم اصدروا   انا شارب انا غير شارب
هم علموني في الهوي
  اَنّي اُصافي او اجانب

و المراد من الغائب اعم من الغائب الحقيقي كقولك جاء زيد و هو يقول. و الغائب اللفظي كقوله تعالي و اصبر حتي يحكم اللّه بيننا و هو خير الحاكمين. و المعنوي كقوله تعالي اعدلوا هو اقرب للتقوي و كقوله فاذا قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو ازكي لكم. ـ و المكنّي عنه في الكريمة الاولي هو العدل المفهوم من اعدلوا و في الثانية هو الرجوع المفهوم من فارجعوا ـ و الذهني كقوله تعالي فان كانت واحدة و كقوله فان كنّ نساء.

و قال بعضهم اذا كان المسنداليه «كناية غايبة» لابد من تقدم ذكره اما لفظاً او معني او دلّت عليه قرينة حالية و مثل للصورة الاخيرة بقوله سبحانه فلهن ثلثا ما ترك (اي الميت) و الانصاف ان قولنا «و المعنوي» يشمل هذا المورد لان الكلام لما كان في الميراث علم منه ان المراد «المورث» فيكون الغائب معنوياً و انت تعرف جامعية تقسيمنا بعد التدبر فانه مأخوذ من ركن وثيق و الحمد للّه.

تنبيهات:

الاول: اذا كان الغائب ذهنياً فمرجع الكناية هو الصورة الذهنية و الصورة الذهنية تابعة لماتعتبره من الشاخص و تلاحظه من الخارج فانها بالنسبة الي الخارج الملحوظ عرض و صفة و الصفة تابعة لموصوفه. فان كانت الجهة الملحوظة مؤنثة فالصورة مؤنث و ان كانت مذكراً فالصورة مذكر و الالفاظ تابعة للاشباح الذهنية و المعاني النفسية فتؤنث بتأنيثها و تذكر بتذكيرها.

 

«* المعاني صفحه 211 *»

مثلا اذا نظرت الي زيد الخارجي و لاحظت صورته و هيئته او نفسه او غيرها و اردت ان‏تذكره ـ بهذا اللحاظ ـ بالكناية تقول هي و ان لاحظت شخصه او عقله او مثاله او غيرها فتذكر الكناية و تقول في التعبير عنه ـ بهذا اللحاظ ـ هو و كذا اذا نظرت الي هند فلك ان‏تذكر الكناية او تؤنثها علي حسب اللحاظين و ذلك لان الصور الذهنية ليست كالالفاظ مذكراً او مؤنثاً بالتعبد و السماع.

و كذلك لك ان‏تعتبر الشي‏ء الواحد بلحاظ تعدد مراتبه او تكثر اجزائه جمعاً او تعتبر الجماعة بلحاظ اشتراك افراده في الجنس او النوع او الصنف فرداً فتعبر بالكناية الموضوعة للجمع في الصورة الاولي و بالكناية الموضوعة للمفرد في الصورة الثانية.

و كذا الامر في المخاطب. فيمكن ان‏تلاحظ زيداً الحاضر نفسه او جثته فتؤنث الكناية او تلاحظ شخصه و تذكر الكناية او تعبر عنه بكناية المفرد او المثني او الجمع علي حسب الاعتبارات.

بل و كذا يكون الامر في مقام التكلم. فان اعتبر المتكلم ذاته المعرّاة عن شوب الكثرات و المستعلية علي الظهورات فيعبر بـ انا و اما اذا اعتبر ذاته الظاهرة بالظهورات و المقترنة بالكثرات الفعلية فيعبر بـ نحن.([4]) او يريد اعظام نفسه و انه ليس منفرداً مخذولاً

 

«* المعاني صفحه 212 *»

بلامعين بل له اعوان و انصار و عشيرة يعظمونه و يطيعون امره فيقول نحن كذا قلنا او كذا فعلنا.

و من هذا الباب جواز الاشارة الي المبتدأ المؤنث بالكناية الموضوعة للمذكر اذا كان خبرها مذكراً لاتحاد المبتدأ و الخبر من جهة و اعتبار نحو الحكمة هو علم بحقائق الاشياء.

الثاني: الاصل في الخطاب (علي ما عند القوم) ان‏يكون لمشاهد معين. نحو انت استرققتني باحسانك و قديخاطب غير المشاهد اذا كان مستحضراً في القلب نحو لا اله الا انت. و نحو:

جودي بقربك ابلغ كل اُمنيتي   انتِ الحياة و انتِ الكون اجمعُه

و قديخاطب غير المعين اذا قصد تعميم الخطاب لكل من يمكن خطابه علي سبيل البدل ـ لا التناول دفعة واحدة ـ كقول المتنبي:

اذا انت اكرمت الكريم ملكتَه   و ان انت اكرمت اللئيم تَمَرَّدا

ولكن الحق ان‏يقال: ان الخطاب هو توجيه الكلام نحو المخاطب الحاضر. و الحضور اللازم للمخاطب حين سماعه الخطاب اعم من الحضور الوجودي او الحضور الوجداني و الظهوري. فان المخاطب هو حامل الخطاب فلايدرك منه الا جهة الخطاب كما ان المخاطِب (بالكسر) ايضاً هو الظاهر بالخطاب و لايكون ذلك الظهور الخاص الا في الخطاب.

فبالخطاب يتحقق امور ثلاثة: مخاطب و هو الفاعل الظاهر من جهة الخطاب و مخاطب و هو المفعول الحامل للخطاب و خطاب و هو الاثر اي المصدر و المفعول

 

«* المعاني صفحه 213 *»

المطلق. فلولا الخطاب لم‏يكن مخاطباً و لا مخاطباً و الخطاب ركن لهما.

و قدثبت في محله ان الفاعل و المفعول ليسا عين ذات الشي‏ء بل هما امثاله و صفاته و اسماؤه و الاسم غير المسمي و الصفة غير الموصوف و لا شك ان تلك الصفة ماتتحقق الا بالخطاب. فالخطاب اصل للمخاطب و المخاطب (بالفتح و الكسر) في الواقع العيني و هما فرعان له و اللفظ حاك هذه الاصلية و الفرعية.

و بهذا البيان يظهر وجه تخاطب اللّه سبحانه خلقه مع انه تعالي منزه عن الحضورية و الشهودية الخلقية و كذلك تخاطب الخلق خالقهم مع انهم كلهم ممكنات و خطابهم و حضورهم و استحضارهم و شهودهم كلها من الحدود الامكانية و تعالي اللّه عنها علواً كبيراً. فان خطاب اللّه سبحانه خلقه هو وجه اللّه تعالي لهم و توجهه اليهم. و وجه اللّه ليس الا ظهور فعله اي اثره و هذا الاثر هو فيض اللّه سبحانه و لا انقطاع له ابداً. و هذا الفيض غيب يحتاج في ظهوره او في اظهاره الي قابل و القابلية هي حدود ذلك الفيض و متقومة به و متحققه بعده في الذات و معه في الظهور كـ الضرب فانه لايظهر الا بالمضروب. فكلما تحققت القابلية ظهر ذلك الفيض الذي كان غيباً في ظهور الفاعل و المفيض فلاتزال تتحقق القابلية و لايزال يظهر الاثر اي الفيض و لا نهاية لذلك كـالشمس فان نور الشمس موجودة لايزيد و لاينقص و لايتعدد و لايتكثر و كلما قابلتها مرآة يظهر فيها نور واحد خلص بها من الشمس فتتكثر المرايا و تتعدد و تجتمع و تتفرق و تتعاقب و تتساوق و النور علي حاله.

فهنا يتحقق خطاب و مخاطب و مخاطب. اما المخاطِب (بالكسر) فهي «الشمس» بظهورها و اشراقها و اما الخطاب فهو «النور» و اما المخاطَب (بالفتح) فهي «المرايا» (و هي الكثافة من المرايا و امثالها و هي القابلية) و هي متأخرة عن النور او متساوقة معه و لايعقل ان‏تكون متقدمة عليه. فهي موجودة اذ لايصح تخاطب المعدوم و لايمكن تصوره و لكن لايلزم ان‏يكون المخاطبون حاضرين في زمان واحد و مكان واحد و ان‏يكونوا مشاهدين حسّاً كما عرفت في المثال.

 

«* المعاني صفحه 214 *»

و آية ذلك تخاطب ابراهيم7 الناس و دعوته الي حج بيت اللّه الحرام قال اللّه سبحانه و اذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً و علي كل ضامر الاية. فكل من سمع دعوته حج و من لم‏يسمع لم‏يحج و اما استماع كل احد فهو في وقت احرامه بالحج فيجيب نداء ابراهيم7 عن اللّه و يقول: لبيك اللهم لبيك.

و ايضاً من الايات ان ملكاً ينادي عند كل وقت من اوقات الصلوات قوموا علي نيرانكم التي اوقدتموها علي ظهوركم فاطفؤها بالصلوة. فهذا النداء لا انقطاع له و لكن استماعه يختلف بحسب اختلاف الافاق و يتكثر بحسب تكثره فكل من دخل في وقت من الاوقات من اهل كل افق من الافاق فقد يسمع في حينه ذلك النداء فيقوم و يصلي و يقول عند افتتاح صلواته لبيك و سعديك.

فاهل بعض الافاق يسمع الان و اهل بعضها يسمع بعد ساعة و اهل بعضها بعد ساعتين و هكذا فمنهم من يصلي في ذلك الوقت صلوة الظهر و بعضهم في تلك الساعة يصلون العصر و بعضهم يصلون المغرب و بعضهم يصلون العشاء.

و يؤدي هذا الخطاب الي كل مخاطب حامل امين و مترجم بليغ بحيث هو لسان الاصل. فقوله، قوله حقيقةً لانه حين التأدية حاك محض. كما ان لسان المخاطِب (بالكسر) حاك عن المخاطب الحقيقي كذلك المؤدي. فالمخاطِب (بالكسر) هو الذات المجردة لا جسده و لا لسانه و لكن الجارحة هي الراوية و الحاكية التي لايتعبر فيها الا جهة المخاطِب (بالكسر) لانه ليس لها انية تدعي لنفسها فلذلك صارت راوية و حاكية و كذلك المؤدي حين الاداء يصير بمنزلة اللسان و الجارحة في الاداء. فنسبة الكلام الي المخاطِب (بالكسر) حقيقة و الي لسانه مجاز لا العكس. فعلي ذلك جميع خطابات اللّه حقيقية لا مجازية.

فجميع ما يأتي الي «النون» و هو ملك يؤديه النون الي «القلم» و هو ملك و هو يؤدي الي «اللوح» و اللوح يؤدي الي ميكائيل و ميكائيل يؤدي الي اسرافيل و اسرافيل يؤدي الي جبرئيل و جبرئيل يؤدي الي النبي 9 و هو يؤدي الي الرعية. فهو لسان اللّه

 

«* المعاني صفحه 215 *»

الناطق و المؤدي الي الخلق.

و كذلك الامر في المؤدين عنه 9 الي ساير الرعية و الناقلين عنه حتي ينتهي الامر الي نفس الانسان القاري حين يقرء القرآن بلسانه و يسمعه باذنه فانه قد ورد في الاحاديث عنهم: اذا قلت: قل هو اللّه احد فقل في نفسك: هو اللّه احد. و كذا اذا قلت قل يا ايها الكافرون فقل: يا ايها الكافرون. و اذا قلت قل اعوذ برب الفلق فقل: اعوذ برب الفلق. و كذا في قل اعوذ برب الناس. بل في كل آيد تقول فيها يا ايها الذين آمنوا فقل في نفسك: لبيك يا رب و سعديك. فان اللّه يخاطبك بلسانك.

و قد عرفت مما بينا وجه خطاباته سبحانه و كيفية حضور الخلق عند انواره و مظاهره و المؤدين عنه و لايلزم ان‏يكونوا حاضرين في عرصة ذاته تعالي و مشهوديتهم لذاته المتعالية المقدسة.

نقل فيه اشراق

و بعد التدبر فيما ذكرنا يظهر لك وجه خطابات الخلق خالقهم فينبغي ان‏نتبرك بذكر كلام من القرية الظاهرة للسير الي القرية المباركه اعني شيخنا الاوحد اعلي‏اللّه مقامه في ذلك فقد سئل عن المصلي حين يقول اياك نعبد و اياك نستعين كيف يقصد المخاطب بخطابه و اي معني يعقد قلبه عليه؟ هل يقصد الذات الغير المدركة بصفة من صفاته الجمالية و لاالجلالية ام يقصد شيئاً آخر؟

فقال اعلي اللّه مقامه في الجواب: «اعلم ان اللّه سبحانه لايدرك من نحو ذاته بكل اعتبار و انما يدرك بماتعرف به لعبده فكل شي‏ء يعرفه بماتعرف به له فتشير العبارات اليه بمااوجدها عليه و تشير القلوب اليه بما ظهر لها به و لا سبيل اليه الا بما جعل من السبيل اليه و هو جل شأنه يظهر لكل شي‏ء بنفس ذلك الشي‏ء كما انه يحتجب عنه به.

و الي ذلك الاشارة بقول علي7 لاتحيط به الاوهام بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و كل مظهر لك به فهو مقام من مقامات ذاته فيك و حرف من حروف ذاتك به فمن وصل الي رتبة قدظهر سبحانه له فيها تبين له ان المطلوب وراء ذلك و ان

 

«* المعاني صفحه 216 *»

هذا الذي حسبه اياه لم‏يجده شيئاً و وجد اللّه عنده فوفاه حسابه و اللّه سريع الحساب و هكذا.

و اليه الاشارة بقول الحجة7 في دعاء رجب و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك فهذه المقامات هي التي دعاك اليها فيتوجه اليها قلبك فيجده عندها كما يتوجه وجه جسدك الي بيته الكعبة فيجده عندها و تعبّدك بان تدعوه بها و تعبده فيها بلا كيف و لا وجدان و الا لما اوجدك من ظهوره لك و انه في كل مقام اقرب اليك من نفسك و ليس ما وجدته ذاتاً بحتاً و لو كان ذاتاً بحتاً لجاز ان‏تدرك الذات البحت و الذات البحت في الازل و انت في الامكان فيكون ما في الامكان بادراك الازل في الازل او ما في الازل بكونه مدركا للممكن في الامكان تعالي اللّه عن ذلك علواً كبيراً.

و الي ذلك اشار اميرالمؤمنين7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و قول الرضا7 و اسماؤه تعبير و صفاته تفهيم و قول الصادق7كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مثلكم مخلوق مردود عليكم.

و ذلك لانه سبحانه هو المجهول المطلق و المعبود الحق فاذا قلت اياك نعبد كنت قد قصدت شيئاً مخاطَباً و قيد الخطاب دلّك علي مخاطب و المخاطب لايدرك منه الا جهة الخطاب كقولك يا قاعد لاتدرك من ذلك المدعو الا جهة القعود و ان كنت تعني الموصوف بالقعود لان الموصوف غيب الصفة عند الواصف حتي انه عنده اقرب اليه من الصفة و اظهر منها له لكن الواصف لايدرك الا «جهة الصفة» من الموصوف كما قال الرضا7 و اسماؤه تعبير و صفاته تفهيم.

و بالجملة كل شي‏ء لايدرك اعلي من مبدئه و انت خلقت بعد اشياء كثيرة فلاتدرك ماوراء مبدئك و مع هذا تدرك انك مخلوق و تدرك ان للمخلوق خالقاً و تدرك ان الخالق اوجدك بفعله الذي وصفته به و قلت: خالق. و تدرك ان الخلق ايجاد و حركة و تدرك انها حدثت من الفاعل و تدرك ان الفاعل هو المحدث للفعل و تدرك ان

 

«* المعاني صفحه 217 *»

تلك الحركة الايجادية لم‏تكن قديمة و لم‏تنفصل من الذات بل انما احدثت بنفسها فتكون «جهة الصفة» «صفة الجهة» و لا شي‏ء مما ذكر قديم فلاتدرك الا نظائرك في المخلوقية و هي الاثار و مع هذا فهي لا شي‏ء الا به فهو اظهر منها أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك فهو اقرب اليك من نفسك.

فاذا قلت: يا زيد كنت قدخاطبت شخصاً و دعوته باسمه و هو غيره و اشرت اليه و الاشارة و جهتها غير ذاته لان ذاته ليست حيواناً ناطقاً و اشارة و اسماً و دعاء بل هذه غيره و هو غيرها مع انك تخاطبه و الخطاب و جهته غيره. فافهم ما كررت و رددت قال الرضا7 كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديد لماسواه.

فانظر في زيد فانه حيوان ناطق لا غير ذلك و لاتدركه بنفس الحيوانية و نفس النطق و انما تدركه بمظاهره من الخطاب و النداء و الاشارة و غير ذلك و كلها غيره و مع هذا فلاتلتفت الي شي‏ء منها و انما يتعلق قلبك بذات زيد ولكن تلك الاشياء التي قلنا انها غيره هي جهة تعلق قلبك به و جهة ظهوره لك. فاذا عرفت هذا عرفت مطلوبك.من عرف نفسه فقد عرف ربه ، سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق.

فاذا قلت اياك نعبد فانت تعبد اللّه و تقصده بعبادتك لا غير علي نحو ما قلنا لك و هو قوله تعالي و للّه الاسماء الحسني فادعوه بها هذا اذا توجهت و اما اذا غفلت و ذهلت فانه سبحانه لم‏يغفل و لم‏يذهل قال تعالي و ما كنا عن الخلق غافلين. و ذلك اذا غفلت و ذهلت فانك حينئذ قدتوجهت الي شي‏ء من احوال الدنيا او الاخرة و هي كلها بالحقيقة ليست شيئاً الا بظهوره فيها فاذا غفلت عنه لم‏تغب عنه و لم‏يغب عنك قال الصادق7في قوله تعالي اولم يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد قال7يعني موجود في غيبتك و في حضرتك فصلاتك صحيحة بمعني انها مجزية و قدتكون غير مقبولة بمعني انها غير موجبة للجنة وحدها بدون غيرها من الاعمال.»

انتهي موضع الحاجة من كلامه المبارك اعلي اللّه مقامه الشريف المتضمن لبيان امر لازم و تشريح حقيقة راهنة فجزاه اللّه عنا خير الجزاء و جعلنا من محبيه و مصدقيه و

 

«* المعاني صفحه 218 *»

نفعنا بعلومه بحق مواليه و صلّي اللّه علي محمّد وآله الطاهرين.

الثالث من التنبيهات:

الاضمار في مقام الاظهار

و اعلم ان سرّ وضع الكنايات مضافاً علي فائدة «الاختصار» في الكلام هو «افادة الاتحاد» فانها فرع الصريح و اما الصريح فلاستقلاله يدل اعادته علي المغايرة لاستقلال كل كلمة علي معناها الموضوع لها. مثلاً اذا قيل زارني زيد فاكرمت زيداً يدل علي المغايرة بين زيد الزائر و زيد المكرَم (بالفتح) و لااقلّ يلتبس المراد علي السامع و اما اذا قيل زارني زيدٌ فاكرمته فان الكناية يدل علي الاتحاد بينهما لفرعية الكناية للصريح و يعلم من ذلك لزوم تقدم صريح علي الكناية ليكون لها اصلاً ترجع اليه و يمسي ذلك الصريح بـ مرجع الكناية.

و قديعدل عن ذلك لاغراض كثيرة و يسمي هذا العدول بالاضمار في مقام الاظهار.

منها: «تعظيم الخبر»: لان في ابهام الامر اوّلاً بالكناية ثم تفسيرها ثانياً يكتسب الخبر عظمة يتشوق نفس السامع الي سماعه فيكون الخبر اوقع في نفس المستمع و ذلك مطرد فيؤتي لاجل ذلك كناية غائبة مذكرة كانت ام مؤنثة و تسمي هذه الكناية بـالمجهولة عند الكوفيين و المذكرة بـ الشأن (باسم مرجعها) و المؤنثة بـ القصة عند البصريين.

ثم قدتفسر تلك الكناية بجملة اسمية نحو قوله تعالي قل هو اللّه احد. او بمفرد نحو:

هو الحب فاسلم بالحشي ما الهوي سهل   و ما اختاره مضني به و له عقل

اضني المرض فلاناً: اثقله. و اذا دخل عليها مايدخل علي مايصلح للجملية جاز ان‏تفسر بجملة فعليه نحو انها لاتعمي الابصار.

و من هذا الباب اضمار الفاعل في نعم و بئس ثم تفسيره بالتمييز نحو قوله تعالي بئس للظالمين بدلاً و نحو قول الشاعر:

نعم امرءاً هرم لم‏تعرُ نائبة
  الا و كان لمرتاح بها وَزَراً

اي نعم هو من حيث المرئية. و هرم مخصوص و لم‏تعرُ اي لم‏تعرض و لمرتاح

 

«* المعاني صفحه 219 *»

للناجي و بها اي في تلك النائبة و وَزَراً اي ملجأً.

و منها: «ادعاء ان المرجع دائم الحضور في الذهن»: نحو:

ابت الوصال مخافة الرقباء   و اتتك تحت مدراع الظلماء

الرابع من التنبيهات:

الاظهار في مقام الاضمار

و قديوضع «الظاهر» موضع الضمير و لا شك انه عدول عن مقتضي الاصل في الكلام كما اسلفنا، و يسمي بـالاظهار في مقام الاضمار و لايكون الا لاغراض بلاغية. لان الفصيح مهمايمكنه الاكتفاء بالاضمار فلايرتكب الاظهار فانه خلاف الفصاحة فاذا اظهر الفصيح في تلك الصورة فهو لاظهار غرض بلاغي:

كـ الاستعطاف و اظهار المسكنة نحو قول الناس حول البيت المكرم المعظم الهي عبدك ببابك مسكينك بفنائك سائلك نزل بساحتك تصدق عليه بجنتك. فان هذا التعبير اشد استعطافاً و ابين اظهاراً للمسكنة من قوله الهي انا ببابك الي آخر.

و كـ اظهار التلذذ نحو:

سقي الله نجداً و السلام علي نجد   و ياحبذا نجدٌ علي القرب و البعد

و كـ تمكين المعني في نفس المخاطب نحو الله ربي و لااشرك بربي احداً.

و كـ ترهيب السامع و القاء المهابة في نفسه نحو قول الامير لخدمه الامير يأمركم بكذا.

و كـ اظهار امر اخر او انه شخص آخر كقوله تعالي يوم نحشر المتقين الي الرحمن وفداً و نسوق المجرمين الي جهنم ورداً مع انه قدمضي من المتقين و المجرمين ذكر في الايات السابقة فالاظهار لبيان امر آخر او انهم اشخاص آخرون.

المبحث الثاني

في تعريف المسنداليه بالعلمية

قدعرفت مما ذكرنا في اول الفصل ان نهاية التعرف و التميز الحاصلين للكلمة من حيث جوهريتها هي العلمية فاذا اراد المتكلم الفصيح البليغ احضار معني المسنداليه

 

«* المعاني صفحه 220 *»

في ذهن المستمع كمال الحضور و امتيازه عماعداه كمال التمييز يأتي بالمسنداليه علَماً و يبتدء باسمه كقوله تعالي و اذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت و اسماعيل الاية.

و قديقترن هذا الغرض الاصيل مع اغراض اخر عرضية تعرض للفصيح البليغ حين التخاطب كالمدح و الذم و الاهانة و التفأل و التشأم([5]) و التبرك و التلذذ و التكنية عن معني يصلح العلَم له بحسب معناه اللغوي. و الامثلة علي الترتيب: جاء اميرالمؤمنين علي بن ابي‏طالب7 و زهق معاوية بن ابي‏سفيان و جاء بطة و جاء سرور و حربٌ في العاصمة و اللّه يرحمني و اللّه يرزقني و اللّه يحفظني ـ و كقول الشاعر:

باللّه يا ظبيات القاع قلن لنا   ليلاي منكن ام ليلي من البشر

ـ و ابن‏حجر قال كذا فان هذا الناصب لعنه اللّه يوافق اسمه قلبه الخبيث فيصح ان‏يلاحظ حين ذكر اسمه معناه الاصلي قبل العلمية قال اللّه تعالي ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة الاية. و مثل بعضهم بـابولهب فعل كذا كناية عن كونه جهنمياً لان اللهب الحقيقي هو لهب جهنم فيصح ان‏يلاحظ فيه ذلك.

و اعلم ان الكملة اذا اريد بها مع تعيين الشخص مزيد مدح او ذم تسمي بـ اللقب كـالمصطفي و انف الناقة و بطة مثلاً. و اذا كانت مصدرة بـ اب او امّ و علي قول بـابن او بنت فهي كنية.

و قديراد بالكنية «التعظيم» لان العرب يأنفون ان يصرح بأسمائهم. و روي عن الصادق7 من السنة و البرّ ان يكني الرجل باسم ابيه.

و في سالف الازمان كثيراًما يراد من اللقب «الذم» و من ذلك روي عنه7ايضاً لاخير في اللقب ان اللّه يقول في كتابه: و لاتنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان.

و بالجملة المراد بالعلمية في هذا المبحث و تعريف المسنداليه بها هي مايشمل

 

«* المعاني صفحه 221 *»

الاسم و اللقب و الكنية كما ظهر ذلك من الامثلة المذكورة. و كذا تشمل اللقب اللغوي فان اللقب في اللغة، كل اسم لم‏يسم به الرجل فيمكن ان‏يكون للـتعريف كـ البريد و الكاتب و المحرر او للـتشريف كـ المصطفي و المرتضي او للـتسخيف و هو كل مايكرهه الانسان و يكون فيه تعييبه و قدنهي عن الاخير في الاخبار الواردة عن اهل العصمة: كقوله7لا خير في اللقب ان اللّه يقول في كتابه و لاتنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان.

و روي عن ابي‏جعفر7 انا لنكني اولادنا في صغرهم مخافة النبز ان‏يلحق بهم. و النبز: هو اللقب السوء او الكنية السَوْءاء([6]) كـ‌ابي العَتاهية. و العَتاهية علي وزن علانية، مصدر عَتِهَ الرجل كفَرح: بمعني نقص عقله من غير جنون او دهش .

و قيل بحضرة الرضا7 في شعر انشدنيه ابوالعتاهية لنفسه قال هات اسمه و دع عنك هذا ان اللّه يقول و لاتنابزوا بالالقاب و لعل الرجل كرهه.([7])

 

«* المعاني صفحه 222 *»

و روي القمي في نزول يا ايها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم الاية. انها نزلت في صفية بنت حي بن اخطب و كانت زوجة رسول اللّه 9 و ذلك ان عايشة و حفصة كانتا تؤذيانها و تشتمانها و تقولان لها يا بنت اليهودية فشكت ذلك الي رسول اللّه 9 فقال: الا تجيبينهما؟ قالت: بماذا يا رسول اللّه؟ قال: قولي ان ابي هارون نبي اللّه و عمي موسي كليم اللّه و زوجي محمّد رسول اللّه فماتنكران مني فقالت لهما. فقالتا: هذا اعلمكك رسول اللّه فانزل اللّه في ذلك: يا ايها الذين آمنوا لايسخر…الاية

يناسب بحثنا هذا ذكر روايات وردت عن اهل العصمة: في التسمية و التكنية:

روي عن النبي 9 من ولد له اربعة اولاد و لم‏يسم احدهم باسمي فقد جفاني.

و قال ابوعبد الله7 ليس في الارض دار فيها اسم محمد الا و هي تقدس كل يوم.

و عن الحسين7 لو ولد لي مأة لاحببت ان لا اسمي احداً منهم الا عليّاً.

و قال الرضا7 لايدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد او احمد او علي او الحسن او الحسين او طالب او جعفر او عبداللّه او فاطمة من النساء.

و عن جابر قال اراد ابوجعفر7 الركوب الي بعض شيعته ليعوده فقال: ياجابر الحقني فتبعته فلما انتهي الي باب الدار خرج علينا ابن له صغير فقال له ابوجعفر7مااسمك؟ فقال: محمّد قال: فبما تكني؟ قال: بعلي. فقال: ابوجعفر7 لقد احتظرت من الشيطان احتظاراً شديداً ان الشيطان اذا سمع منادياً ينادي يا محمّد يا علي ذاب كما يذوب الرصاص حتي اذا سمع منادياً ينادي باسم عدو من اعدائنا اهتز و اختال.

و قال7 اصدق الاسماء ماسمي بالعبودية و افضلها اسماء الانبياء.

و قال7 سموا اولادكم قبل ان‏يولدوا فان لم‏تدروا اذكر ام انثي فسموهم بالاسماء التي تكون للذكر و الانثي فان اسقاطكم اذا لقوكم يوم القيمة و لم‏تسموهم يقول السقط لابيه الا سميتني؟ و قد سمي رسول اللّه 9 محسناً قبل ان‏يولد.

و قال الصادق7 لايولد لنا ولد الا سميناه محمّداً فاذا مضي سبعة ايام فان شئنا غيرنا و ان شئنا تركنا.

 

«* المعاني صفحه 223 *»

و عن الرضا7 قال قال رسول‏اللّه ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم محمّد او احمد فادخلوه في مشورتهم الا كان خيراً لهم.

و قال الصادق7 جاء رجل الي النبي 9 فقال: يا رسول اللّه ولد لي غلام فماذا اسميه؟ فقال: سمه باحب الاسماء الي حمزة.

و قال 9 استحسنوا اسماءكم فانكم تدعون بها يوم القيمة قم يا فلان بن فلان الي نورك قم يا فلان بن فلان لا نور لك.

و قال7 هذا محمّد قداذن لكم في التسمية به فمن اذن لكم في يس؟ (و في نسخة لهم بدل لكم في الموضعين) و هذا صريح في النهي عن التسمية به اي يس فانه اسم النبي 9.

و قدنهي 9 عن اسماء ان‏يتسمي بها منها: حكم و حكيم و خالد و مالك و حارث. و نهي عن اربع كني عن «ابي‏عيسي و عن ابي‏الحكم و عن ابي‏مالك و عن ابي‏القاسم» ـ اذا كان الاسم محمّداً ـ و نهي عن الكنية بابي‏مرّة.

المبحث الثالث

في تعريف المسنداليه بالاشارة

قداسلفنا في المبحث الاول ان اسماء الاشارة تشارك الكنايات في الاشارة و تمتاز عنها في انها وضعت لمشاراليه حاضر غير المخاطب اي نشير بهذه الاسماء الي حاضر لغيره و نجعلها طريقاً لتعيينه و تعينه و هذا هو الاصل في الاشارة سواء عرفنا و عرف السامع اسم المشاراليه و وصفه ام لم‏نعرف او لم‏يعرف السامع.

فلايصغي الي ماقالوا: من انه يؤتي بالمسنداليه اسم اشارة اذا تعين طريقاً لاحضار المشاراليه في ذهن السامع بان‏يكون حاضراً محسوساً و لايعرف المتكلم و السامع اسمه الخاص و لا معينا اخر كقولك اتبيع لي‏هذا؟ مشيراً الي شي‏ء لاتعرف له اسماً و لا وصفاً. ثم قالوا بعد ذلك: اما اذا لم‏يتعين طريقاً لذلك فيكون لاغراض اخر.

لان الحق ان الاشارد من الافعال الاختيارية و المشاراليه هو ماقصده الانسان

 

«* المعاني صفحه 224 *»

فيمكنه ان‏يلاحظ المشاراليه مع اي غرض من الاغراض و لاتنافي بين الاشارة و هذه الاغراض فان الاعتبارات و الملاحظات مختلفة و ازمة كلها بيد الانسان فيشير الي القريب باشارة البعيد بملاحظة انه بعيد عن ساحة الخطاب و الاشارة و منزه عن تناول الايدي فيكون في ذلك «تعظيم» المشاراليه كقوله تعالي ذلك الكتاب لا ريب فيه و كقوله سبحانه ذلك الذي يخوف اللّه به عباده و كقوله عز و جل ذلكم اللّه ربكم.

و قديلاحظ ظهوراً من ظهورات البعيد و يشير اليه باشارة القريب اعلاماً بان البعيد يمكن تناوله في هذا الظهور الذي ظهر به في عرصة المخاطب و بذلك يتمكن المخاطب من دركه و الاطلاع عليه كقوله تعالي ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم. فالمشاراليه بقوله سبحانه هذا هو القرآن الظاهر بهذا الظهور الذي يباشر هذه الامة التي هي اقوم الامم فكما ان التورية كان هدي لبني‏اسرائيل فهذا القرآن ايضاً لهذه الامة.

و قديلاحظ البعيد في مكانته المعجبة البعيدة عن تناول ايدي البسطاء و اوهام المبتدئين و احلام المتوسطين فيشير اليه باشارة القريب «استغراباً و استعجاباً» كقول الشاعر:

كم عاقل عاقل اَعْيَتْ مذاهبه   و جاهل جاهل تلقاه مرزوقاً
هذا الذي ترك الاوهام حائرة
  و صير العالم النحرير زنديقاً

و قديشير الي البعيد باشارة القريب «استخفافاً» كقولك اتخوّفني من هذا جواباً لمن خوّفك من عدوّ بعيد.

و استشهد بعضهم لتلك الصورة بقوله تعالي هل هذا الا بشر مثلكم.

و قديشير الي القريب باشارة البعيد تحقيراً كقوله تعالي فذلك الذي يدعّ اليتيم اي ان الذي يكذب بالدين و لايعترف بولاية اميرالمؤمنين7 و يدفع ـ بشدة ـ رسول اللّه9بعيد عن ساحة الانسانية و حقير عند الرؤية و التوجه.

و قديشير الي القريب و يلاحظ لزوم التوجه اليه و معرفته بماظهر من صفاته الفاخرة كقول فرزدق في وصف السجاد7 بحضرة اللعين هشام بن عبدالملك

 

«* المعاني صفحه 225 *»

المتجاهل باسمه و مقامه7:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته   و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم
هذا ابن خير عباد اللّه كلهم
  هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا الذي احمد المختار والده
  صلي عليه الهي ما جري القلم
لو يعلم الركن من قدجاء يلثمه
  لخرّ يلثم منه ما قد وطي القدم

و قديشير الي امر ظاهر شايع «تعريضاً بغباوة المخاطب» حتي كانه لايفهم غير المحسوس كقول سيد الرضي رضوان اللّه عليه في مقدمة نهج البلاغة:« و اردت ان‏يسوغ الي التمثل في الافتخار به7 بقول الفرزدق:

اولئك آبائي فجئني بمثلهم   اذا جمعتنا يا جرير المجامع»

و قديشير الي مذكور معقب بصفات جليلة و سمات نبيلة تنبيهاً علي ان المشاراليه لجدير بمايذكر بعد اسم الاشارة لاجل تلك الاوصاف المذكورة كقوله تعالي اولئك علي هدي من ربهم و اولئك هم المفلحون فالمشاراليه بقوله اولئك، هم المتقون المذكور في قوله هدي للمتقين المعقب باوصافٍ هي الايمان بالغيب و اقامة الصلوة و الانفاق و الايمان بما انزل الي رسول اللّه 9 و ماانزل من قبله و الايقان بيوم الاخرة فهؤلاء لجديرون من اجل تلك الاوصاف بالاهتداء و الفلاح.

و قال بعضهم: «كثيراًما يشار الي القريب غير المشاهد باشارة البعيد تنزيلاً للبعد عن العيان منزلة البعد عن المكان نحو ذلك تأويل مالم تستطع عليه صبراً».

و لكن قدعرفت مما اسلفنا ما في هذا القول من الكلام.

و اما المراد من الكريمة و المشاراليه بقوله تعالي ذلك هو ما بعُد عن ادراك موسي من اسرار الاعمال التي ارتكبها الخضر7 و لم‏يتحمّلها موسي و لم‏يستطع الصبر عليها فالاعمال و ان كانت قريبة المنال و لكن اسرارها و عللها التي من اجلها ارتكب الخضر7 هذه الاعمال كانت بعيدة عن احاطة موسي الفكرية و العلمية و من هذه الجهة قال له الخضر7 انك لن‏تستطيع معي صبراً و كيف تصبر علي مالم تحط به

 

«* المعاني صفحه 226 *»

خبراً.

و قديلاحظ المشير الامر الجامع بين اثنين او اكثر فيشير بالمفرد نحو قوله تعالي لافارض و لا بكر عوان بين ذلك لاشتراكهما في عدم كونهما مراداً. (و الفارض: كبيرة السن و البكر: صغيرة لم‏يفتحلها الفحل).

و قديشير الي الجمع بالاشارة المفردة للـتوهين كقول لبيد:

و لقد سئمت من الحيوة و طولها   و سؤال هذا الناس كيف لبيد

و قديشير الي المذكر بالتأنيث و يريد نفسه و الي المؤنث بالتذكير و يريد عقله او شخصه. و قديشير الي المفرد بالمثني و يريد روحه و جسده او بالجمع و يريد عقله و نفسه و جسده. الي غير ذلك من المقاصد و الاغراض البلاغية التي توجد عند التفحص في عبارات البلغاء و الفصحاء و كلمات الحكماء و اشاراتهم.

المبحث الرابع

تعريف المسنداليه بالموصولية

اعلم انهم يقولون: «يؤتي بالمسنداليه اسم موصول اذا تعين طريقاً لاحضار معناه كقولك الذي كان امس سافر اذا لم‏تكن تعرف اسمه اما اذا لم‏يتعين طريقاً لذلك فيكون لاغراض اخر.»

و هذا الكلام ينبئنا بانهم غير واقفين علي سرّ وضع الموصولات و لو عرفوه لم‏يتفوّهوا بهذا الكلام و اما نحن فمن بركات علوم مشايخنا العظام اعلي‏اللّه مقامهم في حفظ عن هذه الزلات و في عصمة من تلك الغفلات فـنـقول:

المستفاد من كلام مولانا اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه الاشياء ثلاثة ظاهر و مضمر و شي‏ء لا ظاهر و لا مضمر هو ان الموصولات من القسم الثالث فانها ليست في الصراحة علي حدّ الاسماء الصريحة و لا في الابهام علي حدّ الكنايات المضمرة بل كانت لا ظاهرة اي من حيث المعني لابهام معانيها، و لا مضمرة اي من حيث اللفظ لان الفاظها ظاهرة. فمن هذه الجهة تكون الموصولات غير تامة المعني فلايصح السكوت

 

«* المعاني صفحه 227 *»

عليها و تحتاج الي صفات تتم تلك الصفات معاني هذه الالفاظ و تصيران معاً معرفة و تلك الصفات هي المسمات بـ الصلات عند الجمهور و هي صفات في الحقيقة.

و قدعرفت مما ذكرنا ان الموصول مع صلته يدل علي ان المراد هو الذات المبهمة اولاً ثم الظاهرة في صفة من الصفات الممكنة لها المستجنة في كمونها و بعد التعبير بالموصول و الصلة تصير الذات معروفة بعد ماكانت مجهولة و متعينة بعد ماكانت مبهمة. فمن ذلك يجب ان‏يكون الموصول مجهولاً عند السامع و الصلة معروفة عنده.

اذا عرفت ذلك فاعلم انه قديكون الباعث في مقام التخاطب و المحاورة توطين نفس المخاطب بحيث يكون للكلام في نفسه وقع اخر و اثر اشد لان المستمع المشتاق الموطن نفسه للاستماع يدرك الكلام و يفهم المرام اكثر و احسن من المخاطب غير المشتاق فعند ذلك يتوسل المتكلم بالموصولات فيبهم اولاً و يقول رأيت الذي حتي يشتاق المخاطب الي معرفة هذا المذكور المبهم ثم يوضحه و يقول نصرك بالامس فيعرفه المخاطب بعد طلب النفس و اشتياق القلب و يؤثر الكلام فيه اثراً آخر.

فلذلك نريهم يستعملون بعض الاسماء الناقصة (التي لاتتم معانيها الا بان توصف بجملة) بمنزلة الموصول لانها لايراد منها الذوات من حيث هي هي بل يراد الذوات من حيث ظهورها بظهور خاص كـ اي فانها قدتستعمل في الموصول لابهام معناها نحو مررت باي معجب لك. و كـجميع اسماء الاشارة فانها قدتستعمل ناقصة لاتتم الا بالصلة نحو ما تلك بيمينك يا موسي فان تلك ناقصة لايصح السكوت عليها الا بالصفة و لذا يصح المعني بوضع الموصول مقامها اي «ما التي بيمينك» و نحو ثم انتم هؤلاء تقتلون اي «ثم انتم الذين تقتلون».

و كذلك ذا بعد ما و من و اعترف به البصريون و قالوا انها موصولة.

و كذلك الاسم المحلي بالالف و اللام نحو:

لعمرك انت البيت اُكْرِمَ اهله   و اُقْعِد من افنائه بالاصائل

 

 

«* المعاني صفحه 228 *»

(فناء الدار: سعة امام البيت و ماامتد من جوانبه).

و كذلك الاسم المضاف نحو يا دارميّة بالعلياء فالسندـ اي ياايتها التي بالعليا و السند: ما قابلك من الجبل .

و كذلك النكرة الواقعة بعدها جملة نحو هذا رجل ضربته ـ اي هذا الذي ضربته ـ و بالجملة فكل اسم لايتم معناه الا بذكر صفة يمكن ان‏نسمية بالموصول و مانريد بالموصول الا الاسم الذي لايتم معناه الا بصلة و عايد.

و بعد ماعرفت سرّ وضع الموصولات ـ التي هي غير محصورة فيما ذكروها علي ما بيّناه ـ فتستطيع ان‏تعرف ان تعريف المسنداليه بالموصولية مسلك دقيق بلاغي له دقائق و اسرار و لطائف و لايمكن للباحث ضبط البواعث البلاغية في ذلك علي التحقيق و ان احصاها اهل المعاني علي التقريب و نحن نشير اليها علي سبيل الاجمال:

منها: التشويق و ذلك فيما اذا كانت الصفة اي صلة الموصول متضمنة لحكم غريب كقول الشاعر:

و الذي حارت البرية فيه   حيوان مستحدث من جماد

و منها: تعظيم شأن المحكوم به كقول الشاعر:

ان الذي سمك السماء بني لنا   بيتاً دعائمه اعز و اطول

و منها: التوبيخ نحو قوله تعالي يا ايها الانسان ما غرّك بربك الكريم الذي خلقك فسويك فعدلك و فيما قال علي7 عند تلاوة هذه الكريمة يا ايها الانسان ما جرّأك علي ذنبك و ما غرّك بربك و ما انسك بهلكة نفسك. انتهي

و منها: الاستغراق نحو الذين يأتونك اكرمهم.

و منها: الابهام نحو لكل نفس ماقدّمت.

و منها: اخفاء الامر عن غير المخاطب نحو:

 و اخذت ماجاد الامير به   وقضيت حاجاتي كما اهوي

و منها: التنبيه علي خطاء المخاطب نحو ان الذين تدعون من دون اللّه عباد امثالكم

 

«* المعاني صفحه 229 *»

و كقول الشاعر:

ان الذين ترونهم اخوانكم   يشفي غليل صدورهم ان‏تصرعوا

و منها: التنبيه علي خطاء غير المخاطب نحو:

ان التي زعمت فؤادك ملَّها   خلعت هواك كلما خلعت هوي لها

و منها: التهويل للتعظيم او للتحقير نحو فغشيهم من اليم ماغشيهم و نحو من لم‏يدر حقيقة الحال قال ماقال.

و منها: استهجان التصريح بالاسم نحو الذي رباني ابي ـ اذا كان اسمه قبيحاً كـ بطة و امثالهاـ.

و منها: الاشارة الي الوجه الذي يبني عليه الخبر من ثواب او عقاب كقوله تعالي فالذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و رزق كريم. و كقوله تعالي و الذين كفروا بايات ربهم لهم عذاب من رجز اليم (و الرجز: الشدة و السوء).

سرّ استعمال الموصول في التعبير عن اللّه سبحانه

و ليحسن ان‏يعلم هنا وجه تعريف المسنداليه اذا كان التعبير عن اللّه تعالي بالموصولية كقوله تعالي حكاية عن ابراهيم صلوات اللّه عليه الذي خلقني فهو يهدين و الذي هو يطعمني و يسقين و اذا مرضت فهو يشفين و الذي يميتني ثم يحيين و الذي اطمع ان‏يغفر لي خطيئتي يوم الدين.

و كذا ما ورد في الروايات من امثال هذه التعبيرات. و لانه لا وجه لاستعمال الموصول الذي وضع للابهام في التعبير عن صفاته تعالي فانه هو المتعين في صفاته مع انه سبحانه لم‏يتغير و لم‏يتبدل و لم‏يتحول من حال الي حال و لايعتريه نقصان و لا زوال و لذلك ادام الملك في الملك و الجأ المخلوقات الي امثالهم و اقام الاشياء باظلتها و تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها فالاشياء كلها ظهورات افعاله سبحانه و لها ظهور و لظهور ظهورها ظهور و لظهور ظهور ظهورها ظهور و هكذا الي مالانهاية له من الاطوار و الظهورات.

 

«* المعاني صفحه 230 *»

و هذه الظهورات و ان‏تعددت و تكثرت و اختلفت و عرض لها بذلك التعدد و التكثر و الاختلاف الابهام و عدم التعين و لكن لماكان امر اللّه سبحانه واحداً و حكمه واحداً فهذه الظهورات كلها مراتب تفصيلية لذلك الامر و الحكم و اللّه سبحانه هو الظاهر في الكل بذلك الامر و الحكم فهو الخالق في الكل و الهادي في الكل و المطعم في الكل و الساقي في الكل و الشافي في الكل و المميت في الكل و المحيي في الكل و غافر الخطيئة في الكل.

و يسمي استعمال الاسماء و الصفات في هذا المقام علي اصطلاح مشايخنا العظام اعلي‏اللّه مقامهم بـ الحقيقة بعد الحقيقة. و في هذا المقام لا وجه لاستعمال الموصول لانه لايتصور في هذا المقام ابهام الذي هو مقتضي وضع الموصولات و استعمالها في التعبيرات. فان الحاكم في هذا المقام هو التعين الصرف و التوحد المحض و ان كان باثبات بعض و محو الاخر حين الاثبات او المحو لان كل رتبة دانية فانية عند الرتبة العالية بل لا شي‏ء و لا ذكر لها هناك.

و اما في مقام ملاحظة سرّ الامر بين الامرين تظهر ثمرة استعمال الموصول و يمكن ارادة الابهام و يستفاد ذلك المقام من قوله سبحانه و ما رميت اذ رميت ولكن اللّه رمي. و توضيح ذلك انه لا شك في ان الاشياء كلها علي اختلافاتها انما ظهرت و وجدت بجهة من اللّه و جهة من انفسها و هذا الكلام من معضلات الحكمة التي لم‏نجد تفسيرها الحقيقي علي وجه الصواب الا في حكمة مشايخنا العظام اعلي اللّه مقامهم.

و يمكن لنا ان‏نستلهم هذه الجهة النفسية من قوله سبحانه كن فيكون فان الفاعل في هذين الفعلين واحد و محل البحث عن اثبات تلك الجهة و كيفية تحققها و تحقق الموجود بها و بجهة من اللّه هو المباحث الحكمية.

و كذلك البحث عن ان الجهة من اللّه ايضاً لاتكون في ذاته سبحانه بل تكون في نفس الشي‏ء و الاّ لكانت الذات المقدسة محلاً للحوادث او مركبة او متغيرة و متبدلة ففاعليته تعالي لكل شي‏ء انما هي في نفس ذلك الشي‏ء فلانطيل الكلام بذكر الادلة

 

«* المعاني صفحه 231 *»

علي ذلك و من اراد فليراجع الي الكتب الحكمية التي صنفها المشايخ جزاهم اللّه خير الجزاء.

و الذي يهمّنا في بحثنا هذا هو ان الشي‏ء لايمكن ان‏يوجد من الجهة الواحدة بل يوجد من الجهتين المذكورتين فان كان ذلك الشي‏ء مما اضمحلت انيته و اندكت هويته تنسب آثارها كلها الي الفاعل سبحانه و لايلاحظ ذلك الشي‏ء بالجهة النفسية و يشير الي هذا اللحاظ قوله سبحانه خلق اللّه السموات و الارض قل اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك و كذا قوله تعالي اللّه يتوفي الانفس حين موتها و التي لم‏تمت في منامها الاية و قوله عز و جل فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة الاية و قوله تعالي نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا الي غير ذلك من الايات الكريمات.

و ان كان الشي‏ء ممابقيت فيه الانية و لكن مسلوبة الحكم و التصرف بحيث لايترتب عليها الاثر و انما بقيت لحفظ وجوده و بقاء تحققه فذلك الشي‏ء تنسب اليه الاثار اوّلاً ثم تسلب عنه ثانياً اما النسبة اوّلاً فلان للشي‏ء انية و مقام فرق و اما السلب ثانياً فلحكم الاضمحلال و الزوال و يشير الي تلك النسبة و ذلك السلب قوله سبحانه و ما رميت اذ رميت و لكن اللّه رمي و هذا المعني هو المراد بقول الحجة بقيّة اللّه عجّل اللّه فرجه و ارواحنا فداه في دعاء شهر رجب لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك الدعاء.

و اما ان كان الشي‏ء في مقام من شأن انيته ان‏تظهر منها اثر و ان كانت مضمحلة فهذا الشي‏ء تنسب آثاره الي نفسه لكن باللّه سبحانه و باذنه و بامره. كما قال تعالي خطاباً لعيسي7 و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيه فتكون طيراً باذني و تبرء الاكمه و الابرص باذني. و كما ورد في الحديث ان اللّه اذا اراد ان‏يخلق الولد في بطن الام يرسل ملكين خلاّقين يقتحمان من فمها الي بطنها الحديث.

و ان كان الشي‏ء مما كانت الانية فيه ظاهرة الاثر و متصرفة الشهوات التي هي مخالفة لكينونة الحق سبحانه كما اخبر عنها عز و جل خطاباً لآدم7 روحك من روحي و

 

«* المعاني صفحه 232 *»

طبيعتك علي خلاف كينونتي فهذا الشي‏ء تنسب آثاره اليه و لاتنسب الي اللّه ابداً. الا اذا ارادوا بيان ان الممكن كما لايستغني عن اللّه سبحانه في وجوده كذلك لايستغني عنه تعالي في افعاله و بيان ان الافعال كلها تجري بسرّ الامر بين الامرين، كما في قوله تعالي و عصي آدم ربه فغوي و في قوله تعالي انه كان صادق الوعد و كان رسولاً نبياً و كان يأمر اهله بالصلوة و الزكاة و كان عند ربه مرضياً و في قوله تعالي فانطلقا حتي اذا لقيا غلاماً فقتله الي غير ذلك من الايات.

فاذا عرفت هذه المراحل المتكثرة و المراتب المتعددة الحاصلة من اضمحلال الانية او استقلالها او غيرهما من احوالها يظهر لك سرّ استعمال «الموصول» في التعبير عن «صفات اللّه» سبحانه و ان الابهام اولاً للاشارة الي تلك المراتب المتعددة ثم التعيين ثانياً للاشارة الي مرتبة معينة منها ممتازة عن كلها فتدبر جيداً.

سرّ آخر:

اعلم انه قدثبت في محله ان الفاعل مشتق من المصدر كـالقائم الذي هو مشتق من الـقيام و الضارب المشتق من الضرب فمحل الفاعل و مبدؤه و مرده هو المصدر الذي هو الاثر لا الذات البحت. اضف الي ذلك ان كل انسان يدرك بالفطرة الالهية ان الفاعل هو صفة لا حقيقة و لا ذات.

ثم اعلم ان الخلق لما كانوا في القوس الصعودي ـ و لم‏يصلوا الي مبدء قوسهم النزولي الذي تنزلوا منه ـ كانوا واقفين في مقام الكثرة و الانجماد فلم‏يدركوا الحقائق و اسرار الوجود التي منها هذا الاصل المذكور. و ما لم‏يحصل لهم الذوبان التام و لم‏تفتح لهم ابصار القلوب و الاحلام لم‏يتمكنوا من معرفة تلك الحقائق. ففي هذا المقام قدينسب الفاعل الي المصدر لبيان ان الذات متعال عن الاقتران و الاتصال و ان الفاعلية صفة قائمة بهذا المحل قيام تحقق ولكن هي صفة للّه سبحانه و قائمة به تعالي قيام صدور لا قيام تحقق.

و المراد من تلك العبارة ان حقيقة المصدر الذي هو المبدء هي تلك الصفة لا ان

 

«* المعاني صفحه 233 *»

الحقيقة شي‏ء و الصفة شي‏ء آخر مستقل فيكون مشاركاً او مستقلاً كما قال علي صلوات اللّه عليه انا داحي الارضين… انا سيرت الجبال و بسطت الارضين انا مخرج العيون و منبت الزروع و مغرس الاشجار و مخرج الثمار انا الذي اقدر اقواتها و انا منزل القطر و مسمع الرعد و مبرق البرق… انا منشي‏ء الملكوت و الكون و انا الباري‏ء انا المصور في الارحام… انا احيي و اميت و انا اخلق و ارزق انا السميع العليم انا البصير… انا مظهر الاشياء كيف اشاء… انا اظهر الاشياء الوجودية كيف اشاء… الي غير ذلك من التعبيرات العلوية الولوية علي قائلها آلاف الثناء و التحية.

فالتعبير بـ انا في تلك الجملات المباركات لبيان هذا الاصل الاصيل الفطري و بيان ان الله سبحانه هو الخالق و الرازق و المحيي و المميت و… وحده لايشارك معه غيره و لايستقل سواه و ان الخالق و امثاله صفات فعلية و هي عبارة عن حقيقتهم: لا ان حقيقتهم شي‏ء مستقل و الخالق شي‏ء مستقل آخر و لا ان لهم انية مستقلة يصدر عنها الاثر كما رأينا في قوله تعالي خطاباً لعيسي7 اذ تخلق من الطين كهيئة الطير الاية.

و اما قوله تعالي بل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فهذا بيان لاهل القوس النزولي و اشارة لهم لئلايضلوا و تنبيه من اللّه تعالي لهم حتي لايزلوا و يعرفوا حقيقة الامر و الاّ قدنفي ظاهر هذا المعني المفهوم من الكريمة مولانا الصادق7بقوله من قال نحن خالقون بامر اللّه فقد كفر (علي مارواه المجلسي رحمه اللّه) اي من زعم ذلك بحيث يلزم منه توهم الانية و الاستقلال كالوكيل و الوزير و العبد المأذون فلا شك ان ذلك كفر و زندقة و قال تعالي و من يقل منهم اني اله من دون اللّه فذلك نجزيه جهنم و كذلك نجزي الظالمين.

و ليحسن ان‏تعلم ايضاً بعد ماعرفت هذين اللحاظين في القوسين الصعودي و النزولي انه لاتنافي بين اللحاظين و يظهر ذلك بالتدبر في الايات المباركات.

قال تعالي اللّه يتوفي الانفس حين موتها الاية.

و قال تعالي تتوفيهم الملائكة ظالمي انفسهم.

 

«* المعاني صفحه 234 *»

و قال قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكّل بكم.

و قال تعالي نحن قسمنا بينهم معيشتهم مع انه ورد في الاخبار و الادعية من ان ميكائيل هو الموكل علي الارزاق.

و قال تعالي يدبر الامر يفصل الايات.

و قال تعالي فالمدبرات امراً (و المراد منها الملائكة).

و قال تعالي و لقد انزلنا عليك الكتاب.

و قال تعالي قل نزله روح‏القدس علي قلبك باذن اللّه. و هذان اللحاظان متعددان من حيث النظر الي انفصال القوسين.

و اما اذا نظر الي اتصالهما كما ان هذا النظر حاصل لاهل الاخرة في الدنيا او اذا اتصل القوسان كما في الاخرة فترد الاشياء كلها الي اللّه تعالي و ترجع اليه سبحانه كل النسب فـ انّا للّه و انا اليه راجعون و في الدعاء لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك.

و قال تعالي و الامر يومئذ للّه.

و قال سبحانه لمن الملك اليوم للّه الواحد القهار.

فالتعبير بالموصول و الابهام في التعبير ثم التعيين بذكر الصلة و بيان الصفة في مقام بل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون. فتدبر و اغتنم فانه من العيون الصافية التي تجري من البحور الزاخرة. و نسأل اللّه عز و جل ان‏يجزي مشايخنا العظام خير الجزاء آمين.

المبحث الخامس

تعريف المسنداليه بـ‌ اَلْ

قالوا: «يؤتي بالمسنداليه معرفاً بال العهدية او ال الجنسية لاغراض آتية:

ال العهدية: تدخل علي المسنداليه للاشارة الي فرد معهود خارجاً بين المتخاطبين و عهده يكون:

 

«* المعاني صفحه 235 *»

اما بتقدم ذكره صريحاً كقوله تعالي كما ارسلنا الي فرعون رسولاً فعصي فرعون الرسول و يسمي عهداً صريحاً.

و اما بتقدم ذكره تلويحاً كقوله تعالي و ليس الذكر كالانثي فالذكر و ان لم‏يكن مسبوقاً صريحاً الا انه اشارة الي ما في الاية قبله رب اني نذرت لك ما في بطني محرراً (لان التحرير هو العتق لخدمة بيت المقدس و كان ذلك مقصوراً عندهم علي الذكور فـَأَلْ في الذكر عائدة الي مذكر طلبته بطريق الكناية في قولها رب اني نذرت الاية.) و يسمي عهداً كنائياً.

و اما بحضوره بذاته نحو اليوم اكملت لكم دينكم او بمعرفة السامع له نحو هل انعقد المجلس و يسمي عهداً حضورياً.

ال الجنسية: و تسمي لام الحقيقة، تدخل علي المسنداليه لاغراض اربعة:

1ـ للاشارة الي الحقيقة من حيث هي بقطع النظر عن عمومها و خصوصها. نحو الانسان حيوان ناطق. و تسمي لام الجنس لان الاشارة فيه الي نفس الجنس بقطع النظر عن الافراد نحو الذهب اثمن من الفضة.

2ـ للاشاره الي الحقيقة في ضمن فرد مبهم اذا قامت القرينة علي ذلك. كقوله تعالي و اخاف ان‏يأكله الذئب. و مدخولها في المعني كالنكرة فيعامل معاملتها و تسمي لام العهد الذهني.

3ـ للاشاره الي كل الافراد التي يتناولها اللفظ بحسب اللغة. اما بمعونة «قرينة حالية» نحو عالم الغيب و الشهادة ـ اي كل غائب و شاهد ـ و اما بمعونة «قرينة لفظية» نحو ان الانسان لفي خسر ـ اي كل انسان بدليل الاستثناء بعده ـ و يسمي استغراقاً حقيقياً.

4ـ للاشارة الي كل الافراد مقيداً نحو جمع الامير التجار و القي عليهم نصائحه اي جمع الامير تجار مملكته لا تجار العالم اجمع. و يسمي استغراقاً عرفياً».

هذا ما قاله القوم في تعريف المسنداليه بأل.

و اما نحن فنبحث في لفظة اَلْ اولاً ثم نبحث في معناها ثانياً علي ما اقتبسناه من

 

«* المعاني صفحه 236 *»

مشكوة علوم مشائخنا العظام اعلي‏اللّه مقامهم فـ نـقول:

اعلم ان القوم اختلفوا في «اَلْ» علي ثلاثة اقوال:

فمنهم من قال: ان اداة التعريف الهمزة المفتوحة و هي غير وصلية و انما ضم اليها اللام لئلاتشتبه بالاستفهامية. و في لغة حِمْيَر و نفر من طي يضم اليها الميم كالسؤال المشهور: اَمِنَ امْبِرِّ امْصِيامُ في امْسَفَرِ؟

و منهم من قال: ان اداة التعريف اللام و الهمزة وصلية و فتحت لكثرة الاستعمال .

و منهم من قال: ان الهمزة و اللام معاً حرف تعريف. و نسب الي اهل الجفر ان اللام و الالف حرف مستقل فزعموا ان الحروف تسعة و عشرون حرفاً.

و اما الحق: في لفظة اَلْ، انهما حرفان مستقلان الاّ ان اللام مظهر الالف و اما الالف فهي سرّ الحروف و محقق حقايقها و مذوت ذواتها و هي ابوها و كل الحروف اولادها.

و لما كانت الالف صورة لا حركة لها و لا تعين قارنوا بها اللام و خصوها بها لان اللام انسب الحروف لذلك و احقها بهذه المقارنة فان «الالف» هي الواحدة و مقامها مقام المقبولية (و ما امرنا الاّ واحدة) و اما «اللام» فهي الثلاثون و هي مراتب‏القابلية (و واعدنا موسي ثلثين ليلة) و لا شك ان المقبول انما يظهر بالقابل و القابل انما يتم بالمقبول فناسب التقارن بينهما. و هما معاً لشدة التقارن و الانضمام يعدّان حرفاً واحداً في الظاهر و حرفين مستقلين في الواقع.

و من ذلك يظهر خطاء اهل الجفر حيث نظروا الي الظاهر و غفلوا عن الحق الواقع.

و اما الميم في لغة بعضهم فلبيان تمام ميقات موسي (فاتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة). و الميم هي الاربعون و هي تمام مراتب القابلية و تمام مراتب المقبول فهي تناسب الالف ايضاً.

و اما معني ال فاعلم ان الالف اللينية هي آية ظهور الحق و مثال تجلي نوره المطلق سبحانه في عالم الحروف و انت تعلم ان ظهور الحق سبحانه و تعالي اظهر الاشياء بل لا ظهور الا ظهوره (ايكون لغيرك من الظهور ماليس لك حتي يكون هو المظهر لك ـ لايري

 

«* المعاني صفحه 237 *»

فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك). و تعلم ايضاً ان‏الظهور انما وقع في مقام التعريف و التعرف و انهما هما الغاية منه (كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف) فالظهور هو المعرفة و عدم الخفاء.

و لا شك ان اللّه سبحانه لايظهر بذاته المقدسة في اي مقام من المقامات التعريفية و التعرفية و انما يظهر بآياته و دلائله (و باياتك و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك الدعاء ـ دليله آياته و وجوده اثباته). فظهر من ذلك ان وجه اللّه و آيته و دليله هو المعرفة التي لا نكارة فيه بوجه من الوجوه فان التنكر جهة الكثرة و هو تعالي لايعرف بالكثرة فالالف التي هي آية ظهوره سبحانه في عالم الحروف «معرفة» في كمال التعرف و اذا ادخلت علي اسم فتفيد معروفيته بكمال التعرف.

و بعد ما عرفنا «اَلْ» من حيث اللفظ و المعني فيمكننا ان‏نقول:

ان «اَلْ» انما وضعت لتعريف مدخولها لا للاستغراق و لا للعهد الخارجي و لا للعهد الذهني. و اما معني الاستغراق او العهدية فهما جهتان عرضيّتان تعرضان معناها الحقيقي المجموعي من الالف و اللام.

فان الاستغراق يعرض المعني الحقيقي اذا لوحظت الالف و تعرضه العهدية اذا لوحظت اللام. لان الالف مقامها مقام المدد و المادة و العطية و السكون و الاطمينان و الثبات و البيان و التأدية و كل ذلك من شؤنات المبدئية و المبتدئية. و المبدء مستغرق جميع الظهورات بالامداد و الاعطاء و التثبيت و الظهورات كلها تنتهي اليه.

فالالف لما كانت آية ظهوره تعالي في عالم الحروف و مثال صفته و تجلّيه سبحانه في ذلك العالم فبملاحظتها يعرض المعني الاستغراقي علي المعني الحقيقي لـِ ال الذي هو التعريف و من ذلك نري الاعاظم يصرحون بان الالف رشح لاسم محمّد 9(لان اسم محمّد هو الالف المكررة).

و اما اللام فمقامها مقام القهر و الغلبة و الاستيلاء و التسلط و السلب و النفي و كل ذلك من شؤنات الولاية التي هي مقام تفصيل المبدء و مقام عهديته و معهوديته

 

«* المعاني صفحه 238 *»

الخارجية و الذهنية و لذلك نري الاكابر يقولون: ان اللام رشح لام علي7 و ان اسمه7 اللام فبملاحظتها تعرض العهدية علي المعني الحقيقي لـ ال فان الكلام بكثرتها النافية تنفي الاستغراقية التي تثبتها الالف بوحدتها الثابتة. و من هذه الجهة اذا تقدم الالف علي اللام فكانتا للتثبيت زائداً علي كونهما للتعريف و اذا تأخر الالف فكانتا للنفي.

ثم ظهر لك ايضاً سرّ تعبير مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه قال «ولكن الحق الحقيق بالتحقيق المطابق لادلة الكتاب و السنة و العقل ان اللام هي حرف تعريف و جي‏ء بالهمزة للدلالة علي التثبيت و كذلك الميم (اي في اَمْ) هي حرف تعريف و الهمزة لما ذكرناه» انتهي

فاللام حرف تعريف في مقام التفصيل و ظهور الولاية و في مقام ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك فلا منافاة و الحمدللّه.

اقسام اَلْ

اَل الاستغراقية: قديراد من «اَلْ» الدلالة علي الجنس ولكن علي الاستغراق لجميع الافراد. نحو الحمد للّه رب العالمين فدخول الالف و اللام علي حمد يدل علي ان جميع المحامد تنتهي الي هذا الحمد. و قدثبت في محله ان الحمد ظهور اللّه بالثناء فدخول اَلْ يدل علي ان الظهورات كلها تنتهي اليه لانه اول ظهور تجلي اللّه به بعد الظهور بالالوهية و الرحمانية و الرحيمية.

و من ذلك نري السورة المباركة الفاتحة الاية الاولي منها بسملة و الثانية منها الحمد للّه رب العالمين. و يدل علي ما ذكرنا ايضاً ما روي عن الباقر7 بعد ما قال الحمد للّه رب العالمين قال ماتركت و لابقيت شيئاً جعلت جميع انواع المحامد للّه عزّوجلّ فما من حمد الاّ و هو داخل في ماقلت.

اَلُ الحقيقة: قديراد من «ال» الدلالة علي الحقيقة و ذلك كاسماء اللّه التي تجلي بها كـالرب لان ربّاً نكرة يستعمل لغيره تعالي ايضاً كقوله تعالي كما ربياني صغيراً و كقوله

 

«* المعاني صفحه 239 *»

تعالي و اشرقت الارض بنور ربها و ورد في تفسيرها رب الارض امام الارض و كذا يقال رب البيت و رب الابل و رب الدار. و اما اذا قيل «الرب» فهو مخصوص باللّه و معناه: لله تعالي حقيقة الربوبية. و كذا اذا قيل العلي اي للّه سبحانه حقيقة العلوّ و العظيم اي له عزّوجلّ حقيقة العظمة الي غير ذلك من اسمائه تعالي. فالمراد فيها كلها ان حقيقة هذه المعاني للّه تعالي لا لغيره.

اَلُ التعظيمية: قديراد من «اَلْ» التعظيم نحو اللّه فان دخول الالف و اللام علي الاله يدل علي التعظيم لان «الاله» ليس بجنس حتي يعرف بل الهكم اله واحد. و هذا هو مختار الكوفية و انكره البصرية و انت تعلم ان انكارهم ذلك شنشنة اعرفها من اخزذم.([8])

اَلُ العهدية: قديراد من «اَلْ» الدلالة علي الشخص الخارجي المعهود عند المستمع نحو فارسلنا الي فرعون رسولاً فعصي فرعون الرسول او عند الناطق نحو ركب الامير و تسمي بـلام العهد. و يمكن ان‏تكون من هذا الباب «ال» التي تقع عوضاً عن الكناية (كما اختاره الكوفيون) نحو حسن الوجه اي حسن وجهه. فكانها حينئذ تكون للعهد الذي هو بمنزلة ارجاع الكناية. و اجازه البصريون ايضاً في غير الصلة و الصفة و الخبر و الوصف المشتق لان هذه المواضع يشترط فيها الضمير. نحو لحافي لحاف الصيف و البرد برده اي بردي.

تنبيهات:

1ـ اللام الداخلة علي الجنس حيث لا عهد تفيد العموم الاستغراقي لجميع الافراد

 

«* المعاني صفحه 240 *»

كقوله الحمد للّه رب العالمين.

2 ـ قدتزاد لام التعريف في العلم نحو:

رأيت الوليد بن اليزيد مباركاً   شديداً باعباء الخلافة كاهلُه

و الاعباء: الاثقال و العزائم.

3 ـ قديحلّي بها الحال و التمييز نحو جاء القوم الجماء الغفير و نحو الاحد عشر الدرهم.

4 ـ قديعرف بها الحاضر و الغائب. فالحاضر نحو هذا الرجل و يا ايها الرجل و اما الغائب ففي غيرهما نحو جاء الرجل.

5 ـ اذا دخل «ال‏التعريف» علي اسم و دلت القرينة علي ان المراد منه فرد من كل فهي للعهد (لان المراد فرد من الكل معيناً) و الا فهو للتعريف اللفظي و استغراق الجنس سواء كان مع علامة الوحدة نحو الضربة او علامة التثنية نحو الضربتين او لا نحو الضرب الماء.

و من ذلك يجوز توصيف المفرد منه بالجمع نحو اهلك الناس الدينار الصُفر و الدرهم البيض و كذا يجور الاستثناء منه نحو ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا.

6 ـ الجنس المحلي باللام يصلح ان‏يستعمل لكل فرد فرد و اذا خصّ بفرد علماً فهو من باب الغلبة نحو الكتاب للقرآن و البيت للكعبة و النجم للثريا و الصَعِق لقب خويلد بن نفيل و العقبة لايلة.

7ـ قدتكون ال مخففة الذي فهي موصولة فان «الذي» كلمة واحدة سمعت هكذا من العرب و قدتخفف و تستعمل «ال» بمعناها الموصولي نحو قدافلح المتقي ربه فان رجوع الضمير اليها يدل و يشهد باسميتها و موصوليتها.

و قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه في ذلك: «علي انا لا نقول ان «ال» في الذي تعريفية و اصلها «لذي» اذ لم‏يسمع ذلك من العرب ابداً و دعوي ان «ال» تعريفية قريب من ادعاء علم الغيب و انما هي كلمة سمعت هكذا ابداً و ليست «الذي» بمعرفة ايضاً كما ذكرنا و انما هي كلمة وضعت هكذا مستقلة فقديخفف ياؤها فيقال الّذ و قديخفف و

 

«* المعاني صفحه 241 *»

يحذف منها الياء و الذال و اللام فيقال اَلْ. و هذا التخفيف غير عزيز في لغة العرب نحو سوف و سو و السين.

و يشهد باسميتها رجوع الضمير اليها نحو قدافلح المتقي ربه فتدخل علي الافعال و الصفات و لاتفيد تعريفاً للصفات و دخولها علي الفعل اقل و انما تدخل عليه لشباهته في كثير من الموارد بالاسماء كما قال:

ما انت بالحكم الترضي حكومته   و لا الاصيل و لا ذي‏الرأي و الجدل

و هو جائز عند الكوفيين اختياراً مع ان دخولها علي الاسماء اكثر نحو ان المصدقين و المصدقات و اقرضوا اللّه قرضاً حسناً » انتهي

8 ـ الجمع المعرف باَلْ غير العهد يفيد «العموم و الاستغراق» كما اذا قال اكرم العلماء فيفيد اكرام جميع من اتصف بالعلم لدلالته علي تلك الماهية الكلية.

قاعدة شريفة:

قدعرفت ان الالف و اللام للتعريف و التعريف هو التمييز اي تمييز ما دخلت عليه «ال» عن غيره. ثم اعلم ان لكل شي‏ء لحاظين: لحاظ من حيث هو هو و لحاظ من حيث غيره و اللحاظ الاول مقدم علي جميع اللحاظات و الاعتبارات و هو الاصل الاولي المقطوع به في كل شي‏ء. و بعد التوجه الي هاتين المقدمتين فـنـقول:

اذا دخلت «ال» التعريفية علي جنس او جمع او مفرد يفيد تمييزه و تحديده و تعريفه فالاصل فيه ان‏يكون للـجنس (اي لتعريف الكلي) فان لم‏يجز فللـاستغراق والا فللـعهد والا فلـغيرها.

و ذلك لان الكلي له لحاظان لحاظ من حيث نفسه و من حيث هو هو و من هذا اللحاظ ليس للافراد فيه ذكر. و لحاظ من حيث ظهوره في الافراد فكل فرد فرد ظهوره و حكايته و لكل فرد فرد حده و رسمه و اسمه. فاللحاظ الثاني عرض بالنسبة الي اللحاظ الاول و اللحاظ الاول ثابت موجود اولاً و بالذات.

فـالاسم المحلي باللام يحمل اولاً علي المعني الكلي فان دلت القرينة علي ان

 

«* المعاني صفحه 242 *»

المراد منه ذلك الكلي من حيث ظهوره ولكن لاتدل علي انه من حيث ظهوره في جميع الافراد او في فرد واحد منها فيحمل علي الجميع المعبر عنه بالظهور الكلي اي باعتبار ان جميع الافراد مذكورة فيه بتفاصيلها فيدل اللفظ علي الافراد بالاستغراق (و هذا الاعتبار آية الاعتبار الاول و الحاكي له).

و ان تعذر ذلك فيحمل علي ان المراد منه فرد من الافراد علي العهد او غيره و هذا الحكم يعم الجنس و الجمع لان الجمع المعرف ايضاً كلي، علي ما هو الحق عند الاعاظم كـ‌الجنس و له افراد اعطي كل واحد منها حده و رسمه و اسمه مثلاًً الرجال كلي له افراد كل واحد ظهور منه و حاك له كما ان كل رجل فرد لــلرجل الجنسي نحو قوله تعالي الرجال قوامون علي النساء و قوله و علم آدم الاسماء كلها الي غير ذلك من الايات الكريمات.

فائدة: اعلم انه اذا اريد من الخبر في باب الابتداء، الحقيقة الطاوية فيؤتي به معرفاً بلام التعريف نحو هو الحي و نحو هو اللطيف الخبير و نحو هو الغفور الرحيم. و اكثر الاخبارات عن اللّه تعالي جارية علي ذلك ليدل علي ماذكر.

و قد يعرف «الخبر» لارادة الحصر اي لتخصيص المسنداليه بالمسند المعرف حقيقةً نحو هو الغفور الودود. او ادعاءً نحو زيد هو العالم و هو الكبير و ذلك تنبيه علي ان كمال العلم و كمال الكبرياء في زيد و نحو العلم هو الخشية و ذلك تنبيه علي ان كمال العلم في الخشية بحيث قالوا: ليس لمن لم‏يخشك علم.

اللهم اقسم لنا من خشيتك مايحول بيننا و بين معصيتك و من طاعتك ماتبلّغنا به رضوانك و من اليقين مايهون به علينا مصيبات الدنيا بمحمّد و آله صلواتك عليهم اجمعين.

المبحث السادس

تعريف المسنداليه بالاضافة

قدعرفت فيما ذكرنا في اول البحث عن المعرفة و النكرة ان الاضافة ـ و هي اقتران شي‏ء بشي‏ء في الاشياء الخارجية ـ تفيد «تعريفاً و تخصيصاً» بحسب تعرف المقترن اليه

 

«* المعاني صفحه 243 *»

و تخصصه. و الامر كذلك في عالم الالفاظ فان اضافة كلمة الي كلمة تفيد تعريف المضاف و تخصيصه علي حسب تعرف المضاف اليه و تخصصه.

ولكن للتعرف درجات و تختلف بحسب القابل و المقبول فعلي ذلك فالاضافة مطلقاً تفيد التعريف. فلايصغي الي ماقالوا في هذا المبحث من «انه يؤتي بالمسنداليه معرفاً بالاضافة الي شي‏ء من المعارف السابقة لاغراض كثيرة» لان كلامهم هذا مبني علي خطاء النحويين في الاضافة من ان بعضها كـاضافة الصفة لاتفيد تعريفاً بل تكون للتخفيف و يستشهدون بنحو قوله تعالي هدياً بالغ الكعبة ـ علي انه نعت النكرة ـ و بنحو قوله تعالي و من الناس من يجادل في اللّه بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير ثاني عطفه ـ علي انه حال و ينبغي ان‏تكون نكرة ـ و بنحو رُبّ ضاربنا (لان ربّ تدخل علي النكرة). و هذا خطاء منهم.

و اجاب عن كل ذلك مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه في «التذكرة» بان بالغ الكعبة يحتمل الحالية و يجوز تعريف الحال عند الكوفية. و اجاب عن الاستدلال بدخول ربّ بانه من قبيل زيدنا لا زيدكم فاذا كان الزيدون متعددين جري عليهم حكم النكرة و ان كان زيد في نفسه معرفة و كذلك لايقال رب ضاربنا الا اذا كان ضاربنا متعدداً فعند ذلك يقال رب ضاربنا و ان كان ضاربنا في نفسه معرفة.

و لما كان مدار اللغة و اللسان علي السمع و النطق فنحن في راحة عن كل تكلف فـنـقول: قدجاء في كلام العرب نعت المضاف الصفة بالمعرفة كقول الشاعر:

ان وجدي بك الشديد اراني   عاذراً فيك من عهدت عذولاً

حيث وصف الوجد بـالشديد و هو المعرفة و الوجد: شدة الشوق و فيك متعلق بـعذولاً و عهدت اي عهدته.

فالاضافة مطلقاً تكون لتعريف المضاف و تعيينه بقدر تعرف المضاف اليه و قبول المضاف فالاولي ان‏يقال في هذا المبحث: «يؤتي بالمسنداليه معرفاً بالاضافة لاغراض كثيرة». و الاضافة لها ثمرات اخري زائداً علي ذلك و هذه الثمرات هي البواعث علي

 

«* المعاني صفحه 244 *»

ذكر المسنداليه معرفاً بالاضافة.

منها: اكتساب التأنيث و التذكير نحو:

طول الليالي اسرعت في نقضي   نقضن كلي او نقضن بعضي

اي: كل اعضائي او بعض اعضائي. و نحو و وفيت كل نفس و نحو و تجد كل نفس و جاء في وصف فاطمة الزهراء3 المغصوبة ارثها المظلومة حقها المكسورة ضلعها و نحو:

انارة العقل مكسوف بطوع هوي   و عقل عاصي الهوي يزداد تنويراً

و نحو رحمة اللّه قريب من المحسنين.

منها: اكتساب العظمة او الحقارة فقديكتسب المضاف العظمة من المضاف اليه العظيم نحو وزير السلطان حاضر. او بالعكس اي قديكتسب المضاف اليه العظمة من المضاف نحو الامير تلميذي او يكتسب التعظيم غير المضاف و المضاف اليه من تركيب اضافي نحو اخو الامير عندي.

و كذلك الامر في اكتساب الحقارة نحو ولد اللص قادم و نحو خليلك فاسق لان المرء علي دين خليله و جليسه. و نحو اخو اللص عند زيد.

منها: ان «الاضافة اخصر الطرق الي احضار المسنداليه في ذهن المخاطب» نحو جاء خليلك فانه اخصر من جاء الخليل الذي هو خليل لك.

منها: المبالغة في المطلوب كقول جعفر بن علبة و هو في السجن بمكة:

هَواي مع الركب اليمانين مُصْعِدٌ   جَنيبٌ و جثماني بمكة مُوثَقٌ

فلفظ هواي اشد مبالغة في المطلوب من قول الذي اهواه و احبّه و هو من باب زيد عدل و معني البيت: «من اهواه و احبه ذاهب مع ركبان الابل القاصدين الي اليمن منضم اليهم مقود معهم و اما جسمي مقيد بمكة محبوس و ممنوع عن السير معهم».

و منها: الاختصار لضيق المقام (لفرط الضجر و السـٔمة) نحو هواه قتلني اي قتلني من اهواه و احبه و هو هجرني.

 

«* المعاني صفحه 245 *»

منها: «الفرار من تبعة تقديم البعض علي البعض» نحو امراء المملكة قادمون.

منها: «رفع تعذر العدّ او تعسره» نحو اهل الحق قالوا كذا.

تتـميم:

قال بعضهم «اعلم ان هيئة التركيب الاضافي موضوعة لـلاختصاص المصحح لان‏يقال «المضاف للمضاف اليه» فاذا استعملت في غير ذلك كانت مجازاً كما في الاضافة لادني ملابسة نحو مكر الليل و كقوله:

اذا كوكبُ الخرقاء لاح بسحَره   سهيلٌ اذاعت غزلها في القرائب »([9])

فاضافة كوكب الخرقاء لادني ملابسة. و قد جعل الشاعر هذه الملابسة بمنزلة الاختصاص.

و انما قال ذلك جهلاً منه بحقيقة وضع الاضافة و يلزم من كلامه المجازية في كلام اللّه تعالي. و قدقلنا ان الاضافة مطلقاً تفيد التعريف و التخصيص بحسب تعرف المضاف اليه و قبول المضاف فكما ان المضاف اليه يختلف في التعرفية فكذلك المضاف يختلف في قبول التعرفية حتي زعم القوم ان الاسماء المتوغلة في التنكير كـغير و مثل و نظير و شبيه و عديل و سوي و دون و عدا و خلا بمعني «غير» و امثالها، لاتتعرف بالاضافة فاذا قلت رأيت غيرك او مثلك لايعرف من قولك انه من هو. و هذا خطاء لان

 

«* المعاني صفحه 246 *»

الاضافة التي هي اقتران شي‏ء بشي‏ء تفيد التخصيص لامحالة و ان كان تخصيصاًما.

و اما في «غير» و امثاله فلان الافراد لا نهاية لها لايعرف غير و مثل بشخصه و ذلك لعدم قبول غير و امثاله تعرفاً و تخصصاً اكثر مما قبلت فان غيرك معروف و مخصوص و مميز من «غير غيرك» و كذلك مثلك مميز من «مثل غيرك» من الاناسي.

قال مولانا الكريم اعلي اللّه مقامه في ذلك:

«و لذلك نعت الله بـ غير المعرفة نحو صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين و انما قلنا انه صفة لا بدل فان المبدل‏منه في حكم السقوط و ليس الذين انعمت هنا ساقطاً و كذا لو كان بدلاً لقام مقام المبدل‏منه و صح المعني و ليس المراد ان‏يهديه اللّه صراط غير المغضوب فان المغضوب عليهم هو اليهود و الضالين هم النصاري كما روي و يدل عليه القرآن. و لايريد الداعي صراط غير هذين مطلقاً فيكون قدطلب صراط المجوس و الهنود و امثالهم فافهم».

و نستدل ايضاً علي عدم المجازية بوجه آخر و نقـول:

قد مرّ مراراً ان الالفاظ حاكية لما في الذهن من المعاني و تابعة لها و «المعاني الذهنية» حاكية لما في الخارج من المعاني الكونية و تابعة لها لان المعاني الذهنية صفات منفصلة عن الوجودات الخارجية و الالفاظ صفات منفصلة عن الوجودات الذهنية. فكل مانري في الالفاظ من صفاتها اللازمة و العارضة فكلها تابعة للصفات اللازمة او العارضة للذوات الخارجية و المعاني الكونية. و قد مرت الاشارة الي ذلك في غير موضع من هذه الرسالة.

فعلي ذلك فالمجرورية التي هي صفات الالفاظ العارضية و التي هي علم المضاف اليه كما في قول اميرالمؤمنين7 و المضاف اليه مجرور و ماسواه ملحق به مرآة حاكية عن صفة حقيقية عارضة للمضاف اليه الخارجي و الا فلامعني لمجرورية اللفظ و لامصداق لها في الخارج.

ففي الواقع يجر المضاف المضاف‏اليه اليه. لان المضاف في الكلام هو العمدة

 

«* المعاني صفحه 247 *»

بالنسبة الي المضاف اليه و هو المقصود بالذات في الكلام و التعبير و انما احتاج المتكلم الي ذكر المضاف اليه لتعيين المضاف فالمضاف اليه مجرور الي المضاف منخفض دونه لتعيينه و تخصيصه فالجر الظاهر حاك للجر الباطن و الجار الظاهر حاك للجار الخارجي و المجرور الظاهر حاك للمجرور الواقعي فكل مضاف جارٌّ المضاف‏اليه اليه ليتعين به و يتخصص به لان الظاهر عنوان الباطن و لان لكل ظاهر باطناً و لكل باطن ظاهراً و انهما متضايفان لايوجد ظاهر بلاباطن و باطن بلاظاهر فاين المجازية في قوله تعالي بل مكر الليل و النهار الاية.

اضف الي ذلك ان اضافة مكر الي الليل و النهار من قبيل اضافة الحادث الي زمانه و مكانه و لا شك ان الحادث يختص بوقته و مكانه و يتعين بهما فالمراد من الكريمة «بل صددنا مكركم بالليل و النهار اي في الليل و النهار».

و اما اضافة الكوكب الي الخرقاء فلبيان ان الكوكب سهيلاً قداختص من هذه الجهة بالخرقاء لان‏تذكر خرقاء يكون عند طلوع ذلك الكوكب.

تنبيه:

قال بعضهم: «اعلم ان اغلب البيانيين لم‏يثبت التعريف بالنداء في تعريف المسنداليه و انما يؤتي بالمسنداليه معرفاً بالنداء لاغراض كثيرة: منها، اذا لم‏يعرف للمخاطب عنوان خاص نحو يا رجلُ و منها: الاشارة الي علّة مايطلب منه نحو يا تلميذ اكتب الدرس.» انتهي

و الحق: ان المنادي يتعين و يتعرف بالنداء و اذا راجعت ماذكرنا في مبحث النداء و في مبحث تعريف المسنداليه يظهر لك ان المنادي من المعارف ولكن لايكون المنادي مسنداًاليه حتي نبحث عن تعريفه بالنداء في هذا الموضع.([10])

 

«* المعاني صفحه 248 *»

المبحث السابع

تنكير المسنداليه

قالوا: «يؤتي بالمسنداليه نكرةً لعدم علم المتكلم بجهة من جهات التعريف حقيقة او ادّعاءً كقولك جاء هنا رجل يسأل عنك اذا لم‏تعرف مايعينه من علم او صلة او نحوهما.

و اما نحن فـنقـول: ان الكلمة التي يمكن لها ان‏تقع مسنداًاليه علي قسمين: قسم معرفة بالذات و قسم يقع معرفة و نكرة و لكن اصل الكلمة من حيث جوهريتها مطلق يمكن تعريفها و تخصيصها باسباب مذكورة في موضعه.

و بعد ما عرفت ذلك فاعلم ان كل موضع يحصل المطلوب باصل الكلمة و يرتفع بها الحاجة يقتصر عليها المتكلم و لايحتاج الي سبب من الاسباب و اما اذا كان المقام مما يقتضي ان‏يكون المسنداليه معرفةً فان كان الكلمة معرفة بالذات يجعلها مسنداًاليه و ان كانت من القسم الثاني فيستعين بالاسباب المخصصة. و الكلام هنا في الصورة الاولي و هي مقام يقضي الحاجة باصل الكلمة و لايحتاج الي ازيد من جوهريتها فمن ذلك المقام:

1ـ اذا كان الحكم شاملاً لجميع الافراد. نحو ما رجل في الدار.

2ـ اذا كان المراد فرداً غير معين نحو. رجل في جواب من قال من جاءك.؟

3ـ اذا كان المراد افراداً غير معينة. نحو وجوه يومئذ ناضرة.

 

«* المعاني صفحه 249 *»

4ـ اذا كان غير معلوم و استفهم عنه نحو من عندك؟ و نحو ماحاجتك؟ و نحو أرجل في الدار ام امرأة؟ و نحو كم رجلاً عندك؟

5 ـ اذا كان مستفهماً ظاهراً و منفياً باطناً نحو أالهٌ مع اللّه؟ و نحو أفي اللّه شك فاطر السموات و الارض.

6 ـ اذا كان متعجباًمنه نحو مااحسنه. و لا فرق في ذلك البحث بين ان‏يكون ما مبتدأ كما قال به بعضهم و بين ان‏يكون ما استفهامية واقعة موقع التعجب كما قال به الكوفيون و محلها رفع علي الفاعلية للفعل الذي بعدها.

7ـ اذا لم‏يكن في الواقع معيناً او لايريد المتكلم اظهاره نحو ما اراك الا و شخص قاتلك.

8 ـ اذا كان المقام في تفصيل الجنس نحو اما غلام فلم‏اره و اما مال فلم املكه.

9ـ اذا كان المراد كل فرد فرد علي سبيل البدلية نحو من ضاربك ضاربي و مثل بعضهم لذلك بنحو من صمت نجا و اختلفوا في توجيهه.

و الحق: ما حقق فيه مولانا الكريم اعلي اللّه مقامه قال: «و انت تعلم مما حققنا انها اي مَنْ فاعل الفعل الذي بعده او للجزاء فمعني من صمت نجا نجا الذي صمت. و اما ان لم‏يكن صالحاً للفاعلية للجزاء نحو من قام قمت ففاعل للشرط». انتهي

10ـ اذا كان المتكلم في مقام التكثير اي الكثرة بحسب الكمية نحو قوله تعالي فان كذبوك فقد كذب رسل من قبلك و قوله تعالي و ان يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك فان اللّه سبحانه سلي النبي 9 في مسارعة قومه الي الكفر و الانكار بمافعلوا مع ساير الانبياء و الرسل.

11ـ اذا كان المتكلم في مقام التقليل ـ اي القلة بحسب الكمية ـ نحو قوله تعالي يقولون لو كان لنا من الامر شي‏ء.

12ـ او كان في مقام التعظيم ـ اي ترفيع الشأن واظهار علو الرتبه‏ـ نحو قوله تعالي و رضوان من اللّه اكبر.

 

«* المعاني صفحه 250 *»

13ـ او في مقام التحقير ـ اي اظهار حقارة الرتبة و دناءة الطبقة ـ و قدجمع بين التعظيم و التحقير قول ابن ابي‏الصَّمط:

له حاجب عن كل امر يشينه   و ليس له عن طالب العرف حاجب

اي له حاجب عظيم يمنعه عن كل امر يعيبه و ليس له مانع حقير يمنعه عن طالب الاحسان

و قيل يحتمل البيت التكثير و التقليل. و قيل يحتمل التعظيم و التحقير و التكثير و التقليل هذا البيت:

و للّه عندي جانب لااضيعه
  و لللهو عندي و الخلاعة جانب

 

(خلُع بالضم خلاعة بالفتح: انقاد لهواه و تهتك و استخف).

و قيل يحتمل التكثير و التقليل قوله تعالي اني اخاف ان‏يمسك عذاب من الرحمن و يستلهم من سياق الايات ان‏يكون للتعظيم فانظر الي ما عطف علي ذلك بعده من قوله تعالي فتكون للشيطان ولياً فان تكون عطف علي يمسك و العلم عند اللّه و عند اوليائه:.

14ـ اذا كان المراد الافراد نحو ويلٌ اهون من ويلين.

الفصل الثالث

في تقديم المسنداليه و تأخيره

قالوا: «مرتبة المسنداليه التقديم و ذلك لان مدلوله هو الذي يخطر اولاً في الذهن لانه المحكوم‏عليه و المحكوم‏عليه سابق للحكم طبعاً فاستحق التقديم وضعاً».

اقـول: الاولي و الاحسن ان‏يقال: مرتبة المسنداليه التقديم لان له التذوت و مرتبة المسند التأخير لان له الوصفية و لا شك ان الوصفية متأخرة عن الذات فلاينبغي ان‏نبحث عن “تقديم المسنداليه” لانه الاصل. و اما البحث عن تأخيره فموضعه في باب احوال المسند اي يؤخر المسنداليه ان‏اقتضي المقام تقديم المسند.

و اعلم ان موضع البحث عن تقديم المسنداليه او تأخيره هو في الموضع الذي

 

«* المعاني صفحه 251 *»

يجوز كلا الامرين في الاستعمال الصحيح و الا ففي المواضع التي يجب تقديم المسنداليه او يجب تأخيره بحيث لايبيح الاستعمال الصحيح كليهما فلايصح ان‏نبتغي البواعث للتقديم او التأخير في تلك المواضع كما لايخفي.

ثم اعلم ان القوم ذكروا موارد زعموها من الدواعي لتقديم المسنداليه و هي:

تعجيل المَسَرّ‌َة نحو العفو عنك صدر به الامر.

تعجيل المساءة نحو القصاص حكم به القاضي.

و الحق: في هذين الموردين و امثالهما هو ما قاله مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه:

«اعلم انه قديكون المبتدأ ذاكناية لمصلحة من المصالح فيؤتي بمرجع الكناية مرفوعاً علي الابتداء توطئة للمبتدأ الاصلي المقصود و سميته بـالمبتدأ الموطّي‏ء ثم يؤتي بالمبتدأ المقصود علي نحو بدل الغلط و ليس ببدل غلط لانه عن عمد فذلك نحو زيد ضاربه عمرو او غلام زيد ضاربه هو و منه الله لا اله الا هو الحي القيوم فالله مبتدأ موطي‏ء و هو بدل منه فكانك قلت: لا اله الا اللّه الحي القيوم.

و قديؤتي بالمبتدأ الموطي‏ء و لا بدل فهو مبتدأ لا خبر له يعني هو ذكر ذات توطئة ليرجع اليه كناية حسب نحو زيد هل ضربته و زيد ان‏ضربته غضب عمرو و زيد ماضربته فـزيد في كل ذلك مرفوع و ليس في النفس دونه شي‏ء حتي نقدره و لم‏تأت به الاّ لاجل التوطية. و من هذا الباب اما زيد فاضربه و اما عمرو فاقلته فان زيد و عمرو مرفوعان علي الابتداء و لا خبر لهما و لا شي‏ء في النفس ليقدر لهما و جميع مايقال غير ماذكرنا تكلف و قدغقل القوم عن هذا المبتدأ و وقعوا في واد سحيق و بحر عميق و الذي ذكرناه مقتضي الفطرة السليمة فتدبر و انصف».

التشويق الي المتأخر اذا كان المتقدم مشعراً بغرابة. نحو قول ابي‏العلاء المعري:

و الذي حارت البرية فيه   حيوان مستحدث من جماد

النص علي شمول النفي اي «عموم السلب» و هو يتحقق بتقديم اداة العموم كـكل و جميع علي اداة النفي نحو كل ظالم لايفلح اي لايفلح احد من الظالمين. فان النفي

 

«* المعاني صفحه 252 *»

من عموم السلب يكون لكل فرد لان المتكلم اذا بدء باداة العموم يسلط العمومية و الشمول علي النفي و يعملها فيه فيقتضي ذلك اَلاّيشذ عنه احد من الافراد.

و من هذه الجهة يشترطون في «شمول النفي» ان لاتكون اداة العموم معمولة للفعل الواقع بعدها لانها ان كانت معمولة للفعل الواقع بعدها سواء تقدمت لفظاً او تأخرت، افاد الكلام نفي الشمول غالباً لا شمول النفي نحو كل الدراهم لم‏آخذ.

5 ـ النص علي نفي الشمول اي «سلب العموم» و يكون بتقديم اداة النفي علي اداة العموم نحو ما كل رأي الفتي يدعو الي رشد فان النفي توجه الي الشمول خاصة دون اصل الفعل فيحتمل ثبوت البعض و يحتمل نفي كل فرد. و الغالب فيه ان‏يكون النفي للمجموع كما رأيت في المثال. و قديجيي‏ء لشمول النفي نحو قوله تعالي ان اللّه لايحب كل مختال فخور.

6 ـ التبرك نحو:

مناقبهم بين الوري مستنيرة   لها غرر مجلوة و حجول
مناقب جلت ان يحاط بحصرها
  نمتها فروع قد زكت و اصول
مناقب وحي اللّه اثبتها لهم
  بما قام منه شاهد و دليل
مناقب من خلق النبي و خلقه
  ظهرن فما يغتالهن افول

و نحو نور اللّه اهتدي به المهتدون.و ذكر اللّه تطمئن به القلوب.

التلذذ نحو قول بعض المحبين حين طاف حول قبر اميرالمؤمنين7:

هو الشمس او نور الضريح يلوح   هو المسك ام طيب الوصي يفوح
و بحر ندي ام روضة حوت الهدي
  و آدم ام سرّ المهيمن نوح
و داود هذا ام سليمان بعده
  و هارون ام موسي العصي و مسيح
و احمد هذا المصطفي ام وصيه
  علي نماه هاشم و ذبيح
حبيب حبيب اللّه بل سرّ سرّه
  و عين الوري بل للخلايق روح
له النص من يوم الغدير و مدحه
  من اللّه في الذكر المبين صريح

«* المعاني صفحه 253 *»

امام اذا ما المرء جاء بحبه
  فميزانه يوم المعاد رجيح
له شيعة مثل النجوم زواهر
  اذا جادلت تلقي العدو طريح
عليك سلام اللّه يا راية الهدي
  سلام سليم يغتدي و يروح

8 ـ «كون المتقدم محطّ الانكار و الغرابة» كقوله:

ابعد المشيب المنقضي في الذوائب   تحاول وصل الغانيات الكواعب

و لا اري وجها للاستدلال بهذا البيت اذ المسنداليه هو الفاعل المستتر في الفعل و المسند هو الفعل فلا معني لتقديم المسنداليه علي المسند و اما الظرف فمعمول الفعل و تقدم عليه للاتساع و يأتي ان‏شاءاللّه تعالي.

9ـ «الرقي من الادني الي الاعلي درجة» نحو هذا الكلام صحيح فصيح بليغ و سبيل الرقي ان‏تذكر الادني اولاً ثم الاعلي فالاعلي فان قلت مثلاً هذا الكلام فصيح فلاتحتاج الي قولك صحيح و اذا قلت هذا الكلام بليغ فلاتحتاج الي قولك فصيح.

10ـ رعاية الترتيب الوجودي نحو لاتأخذه سنة و لا نوم.

و فيه ان المثال ان كان للتقديم من هذه الجهة فلاتقدم لان المسنداليه هو الفاعل (سنة و نوم) و المسند هو الفعل و ان كان المثال للترتيب في الوجود فمن اين علم المستشهد ان المراد من العطف بيان الترتيب الوجودي. و الحق: ان المراد نفي السنة عنه تعالي كما في الحيوانات و كذا نفي النوم عنه كما في الاناسي فيكون الترتيب الترتيب الرتبي و قيل السنة في الرأس و النوم في القلب.

و لما استشهد في هذا الموضع بهذه الكريمة فلا بأس بان‏نذكر عبارة شريفة من سيدنا الاجل اعلي اللّه مقامه في بيان سر تقديم السنة علي النوم في تلك الكريمة فانها متضمنة لدقائق جليلة و فوائد عظيمة فخذها و كن من الشاكرين فانه من حملة القران و خزان علوم ساداته الكرام عليهم من اللّه الاف التحية و السلام. قال اعلي اللّه مقامه:

«و اما مايتعلق باللفظ. فاعلم ان المترائي من ظاهر المقام ان‏يقدم النوم علي السنة فان ذلك ادلّ علي المبالغة في المراد اذ نفي النوم لايستلزم نفي السنة كما ان نفي السنة

 

«* المعاني صفحه 254 *»

يستلزم نفي النوم و اما الاقتصار علي السنة ليكون ادل علي المبالغة و ادخل في الفصاحة و البلاغة لاداء المقصود من غير تكثير الالفاظ كما هو المطلوب او تقديم النوم علي السنة ليكون بذكر السنة بعد النوم مزيد افادة و فايدة.

الجـواب: اعلم انا قدقررنا في كثير من مباحثاتنا و رسائلنا و اجوبتنا للمسائل ان اللّه سبحانه لما اراد ان‏يعرف نفسه لخلقه اذ لايمكن للخلق ان‏يعرفوه بذاته فعرف سبحانه و له الحمد نفسه بان وصف نفسه لهم ليعرفوه بذلك الوصف و لما كان وصف الحق سبحانه وجب ان‏يكون اجلي الاوصاف و ابينها و اوضحها حتي لايكون لاحد عليه تعالي حجة و كان الوصف الحالي اجلي و ابين من الوصف المقالي فوصف سبحانه و تعالي نفسه و جميع مايريد من خلقه ان‏يعرفوه بالوصف الحالي و البيان المثالي و الخطاب التكويني و لما كان الوصف كلما يكون اقرب الي من وصف له كان احسن و اولي و اكمل و اتم في تأدية الغرض من اثبات الوصف و كان لا شي‏ء اقرب اليه من نفسه اليه وجب ان‏يجعل سبحانه نفس الاشياء كتاباً تكوينياً نقش فيه جميع مايريد منه بالمثال و التمثال لئلايخفي علي احد و لئلايكون للناس علي اللّه حجة ففعل سبحانه و تعالي و جعل العالم و انفس الخلائق كتاباً واضحاً جلياً شرح فيه جميع العلوم و الاسرار.

ثم ندب الخلق الي النظر اليه و قراءته و معرفته و مواظبته و استخراج الرموز منه في كتابه القولي التدويني بقوله سبحانه سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قوله تعالي و كأيّن من آية يمرون عليها و هم عنها معرضون و قوله تعالي و في انفسكم افلاتبصرون و قوله تعالي و يضرب اللّه الامثال للناس و مايعقلها الا العالمون و هكذا باقي الايات.

و لما نظر سبحانه الي ضعف الخلق و احتياجهم الي كثرة المنبهات و المذكرات ليذكروا و ينظروا ما في ذواتهم و حقايقهم من العلوم و الاسرار و يجسسوا خلال تلك الديار فبعث اليهم الرسل و انزل عليهم الكتب و شرح بالقول و التدوين ماكان قدشرحه

 

«* المعاني صفحه 255 *»

لهم بالمثال و التكوين فتمت كلمته و بلغت حجته ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة فجعل الكتاب التدويني طبقاً للكتاب التكويني حرفاً بحرف لئلايلزم الاختلاف فانه ليس منه تعالي كما قال تعالي ولو كان من عند غيراللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فكان الكتابان كل منهما علي طبق الاخر.

و لما كان ما كتب في الكتاب التكويني تقديم «السنة» لانها اشرف من النوم لكونها اقرب الي اليقظة و ظهور الحرارة الغريزية و كل ما هو اشرف في الوجود يجب ان‏يتقدم في الايجاد لانه تعالي لايخل بالحكمة و لايعدل من الاحسن الي غيره فلذا قدمها في الايجاد بخلق عالم الوجود المطلق و مراتبه و الوجود المقيد و مراتبه الي مقام العقل المنخفض و ذلك كله اطوار السنة لاشتمالها علي وحدة فعلية و كثرة ذكرية ثم بدء بذكر «النوم» بخلق عالم النفوس و ماتحتها من المراتب و المقامات فلما تقدمت السنة في التكوين لاشرفيتها وجب تقدمها في التدوين و اما الاختصار فليس بمطلوب في كل المقامات نعم في مقام الاجمال يطلب ذلك بخلاف مقام التفصيل.

ثم ان القاعدة في الترقي في النفي هو الترقي من الاعلي الي الاسفل و في الاثبات بالعكس كما في قوله تعالي ثم دني فتدلي فكان قاب قوسين او ادني و السر في ذلك ان الترقي في النفي ينبي‏ء عن القوس النزولية فان النزول يكون من الاعلي الي الاسفل كتنزل العقل الي النفس و تنزلها الي الطبيعة و تنزلها الي الجسم و هكذا الي آخر المراتب.

و انما كان النزول ترقياً لان فايدة النزول تحصيل الكمال بحصول المراتب و المقامات التي تصير منشأ لاظهار عظائم القدرة و عجائب الصنعة و تحصيل رتبتي العلم و العمل للوصول الي اعلي المقامات و اسني الدرجات فهو و ان كان في الصورة هبوط و نزول ولكنه في الحقيقة صعود و ترقي و لذا سموه ترقياً.

و انما كان «النفي» دليلاً علي النزول لان النفي في مقام الكثرة و سلب الوحدة لان فعل اللّه سبحانه هو الواحد و عنده الوجود و الثبات و التحقق فكل ما هو اقرب الي

 

«* المعاني صفحه 256 *»

الوحدة اثبت في الوجود و التحقق فينسب اليه الوجود و الثبوت و كل ما هو بعيد عن الوحدة مغمور في عالم الكثرة فهو نفي و منفي و معدوم عند النور و الرحمة و الكمال و الجمال فالنفي صفة الماهية و الاثبات صفة الوجود لا النفي المطلق و العدم كذلك فان مولانا الصادق7 صرح بان النفي شي‏ء و لذاتري مولانا زين العابدين7 في دعاء الصحيفة جعل متعلق المشية التي هي مقام الاجمال و الوحدة الامر الوجودي و القول الثبوتي و جعل متعلق الارادة المتعلقة بخلق الماهية التي هي مقام الكثرة و الاختلاف النهي و الزجر العدمي‏كما قال7 و روحي له الفداء فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة و بارادتك دون نهيك منزجرة و لهذه الدقيقة اللطيفة كانت لا حرف النفي و اَلْ حرف الاثبات و المادة واحدة في المقامين و كانت لم لنفي الماضي و لَن لنفي التأبيد. و تفصيل القول و شرح الكلام في هذا المقام يؤدي الي تطويل المقال و ذكر ما لاينبغي من عظيم الاحوال.

و بالجملة اذا كان الترقي في الكلام المنفي يقدمون الاعلي لما ذكرنا و لذا قال سبحانه و تعالي لاتأخذه سنة و لا نوم و قدم ماقدم علي الاصل و الواقع.

و اما الترقي في الكلام المثبت فانه تنبي‏ء عن القوس الصعودية و في تلك القوس كل ماهو اقدم اخس و ادني مما بعده كما هو المحسوس المرئي في تكوين الانسان من كونه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم اكتساء اللحم ثم انشاء الخلق الاخر ثم خروجه الي هذه الدنيا تامّاً سوياً كاملاً الخلق ثم تدرجه من حال الرضاع الي حال الفطام الي حال الصبي الي حال المراهقة الي حال البلوغ الي حال التمام الي حال الكمال و كل مرتبة مؤخرة اشرف و اعلي مماقبلها فوجب ذكر الاسفل ثم الاعلي جرياً للنظم الطبيعي و الصنع الكوني الايجادي و لذا قال عز و جل في مقام الصعود و الترقي فكان قاب قوسين او ادني اي بل ادني. فوجب ان‏يكون الامر هكذا في الكلام الموجب عند الترقي علي الاصل و القاعدة و ربما تختلف لامور اخر يعرف بمقتضي المقام.

و لما كان مبني هذه الاية الشريفة علي حكم القوس النزولية و التدرج من عالم

 

«* المعاني صفحه 257 *»

الاجمال الي عالم التفصيل كما ذكر سبحانه لفظ الجلالة اولاً ثم فصلها بالتوحيد و ذكر الاسماء الجلالية الكمالية و الاسماء التنزيهية لكنس غبار الاوهام و اذهاب صداء الافهام و دفع غلطات الاحلام لا ان هناك مايحتاج الي نفي لولاه لصح القول حاشا ثم حاشا تعالي ربي و تقدس عما يقولون علواً و انما ذلك نفي بلاكيف و تنزيه من غير اشارة كما في قول اميرالمؤمنين7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة.

و لما كان الامر في هذه الاية الشريفة علي المنفي وجب تقديم السنة التي هي الاعلي علي النوم الذي هو الاسفل و لذا قالوا ان الناس نيام اذا ماتوا انتبهوا و اهل البرزخ نيام اذا بعثوا انتبهوا و اهل المحشر نيام اذا دخلوا الكثيب الاحمر انتبهوا و اهل الكثيب الاحمر نيام اذا دخلوا الرفرف الاخضر انتبهوا و اهل الرفرف الاخضر نيام اذا دخلوا ارض الزعفران انتبهوا و اهل ارض الزعفران نيام اذا دخلوا الاعراف انتبهوا و اهل الاعراف لهم سنة لا نوم و هم اذا دخلوا الرضوان انتبهوا و اولئك لا نوم لهم و لا سنة لانه لجة بحر الاحدية و طمطام يمّ الوحدانية اين الكثرة حتي يلحق النوم او السنة. و الكثيب الاحمر: هو جنة الطبيعة و الرفرف الاخضر: جنة الفردوس و ارض زعفران: جنة الارواح الرقائقية و الاعراف: جنة العقل و هي اعلي مقامات الجنة كما في الحديث المروي عنهم: و لذا قالوا ان هناك سنة و لا نوم و اما الرضوان فلما كان مقام (نفي ظ) الصفة و مقام عدم الكيف و الحد و الاضافة و النسب فليس هناك مقام نوم لانه مقام التجلي بعد التجلي و الظهور بعد الظهور فاين النوم لانه مقام المحبة و المحب لاينام عن محبوبه فاذا نام اشتغل عنه بالاخر فاذا وجدت الكثرة جاء النوم و هذا واضح ظاهر ان‏شاءاللّه تعالي». انتهي كلامه الشريف اعلي‏اللّه مقامه.

و بعد ما تدبرت في هذا الكلام الثمين و المقال المتين فانظر الي ماحققه بعض مفسري اليوم علي اصطلاح اشباه الناس في ذيل هذه الكريمة قال:

«قوله تعالي لاتأخذه سنة و لا نوم السنة بكسر السين الفتور الذي يأخذ الحيوان في اول النوم و النوم هو الركود الذي يأخذ حواس الحيوان لعوامل طبيعية تحدث في بدنه

 

«* المعاني صفحه 258 *»

و الرؤيا غيره و هي مايشاهده النائم في منامه.

و قد اورد علي قوله سنة و لا نوم انه علي خلاف الترتيب الذي تقتضيه البلاغة فان المقام مقام الترقي و الترقي في الاثبات انما هو من الاضعف الي الاقوي كقولنا: «فلان يقدر علي حمل عشرة امنان بل عشرين» و «فلان يجود بالمئآت بل بالالوف» و في النفي بالعكس كما نقول: «لايقدر فلان علي حمل عشرين و لا عشرة» و «لايجود بالالوف و لا بالمئات» فكان ينبغي ان يقال: لاتأخذه نوم و لا سنة.

و الجواب: ان الترتيب المذكور لايدور مدار الاثبات و النفي دائماً كما يقال: «فلان يجهده حمل عشرين بل عشرة» و لايصح العكس بل المراد هو صحة الترقي و هي مختلفة بحسب الموارد و لما كان اخذ النوم اقوي تأثيراً و اضرّ علي القيويمة من السنة كان مقتضي ذلك ان‏ينفي تأثير السنة و اخذها اولاً ثم يترقي الي نفي تأثير ما هو اقوي منه تأثيراً و يعود معني لاتأخذه سنة و لا نوم الي مثل قولنا لايؤثر فيه هذا العامل الضعيف بالفتور في امره و لا ما هو اقوي منه». انتهي.([11])

و بعد المقايسة بين الكلامين (و لا نسبة بينهما) تعرف من هو جدير باسم «المفسر» من صاحبيهما فـاعرف الحق تعرف اهله فبالحق تعرف الرجال لا بالرجال يعرف الحق و الحمدللّه.

11ـ افادة التخصيص علي سبيل القطع: و ذلك اذا كان المسنداليه مسبوقاً بنفي و المسند فعلاً نحو ما زيدٌ فعل هذا اي لم‏يفعله زيد بل فعله غيره. و من هذه الجهة لايصح ان‏يقال «ما زيد فعل هذا و لا غيره» لانه يحصل التناقض سلباً و ايجاباً فان مفهوم «ما زيد فعل هذا» انه فعله غيره و منطوق «و لا غيره» انه لم‏يفعله غيره فيحصل التناقض بين المفهوم الايجابي و المنطوق السلبي.

و مواضع التخصيص علي سبيل القطع ثلاثة:

 

«* المعاني صفحه 259 *»

الاول: ان‏يكون المسنداليه اسماً صريحاً و معرفةً و مسبوقاً بنفي نحو ما زيدٌ فعل هذا.

الثاني: ان‏يكون المسنداليه كناية بعد نفي نحو ما هو فعل هذا.

الثالث: ان‏يكون المسنداليه نكرة بعد نفي نحو ماتلميذ حفظ الدرس.

و اما اذا لم‏يكن المسنداليه مسبوقاً بالنفي و يكون المسند فعلاً فيحتمل ان‏يكون التقديم لتخصيص الحكم به او لتقويته نحو انت لاتبخل و هو يهب الالوف فان فيه الاسناد مرتين: اسناد الفعل الي ضمير المخاطب (في المثال الاول) و اسناد الجملة الي ضمير الغائب (في المثال الثاني).

و المواضع التي يحتمل فيها الامران ستة:

الاول: ان‏يكون المسنداليه اسماً صريحاً و معرفة قبل نفي نحو زيد ما فعل هذا.

الثاني: ان‏يكون المسنداليه اسماً صريحاً و معرفة و مثبتاً نحو زيدٌ امر بهذا.

الثالث: ان‏يكون المسنداليه كناية قبل نفي نحو هو ما كتب الدرس.

الرابع: ان‏يكون المسنداليه كناية مثبتة نحو هو حفظ الدرس.

الخامس: ان‏يكون المسنداليه نكرة قبل نفي نحو رجل ما فعل هذا.

السادس: ان‏يكون المسنداليه نكرة مثبتة نحو تلميذ حفظ الدرس. (و كل ذلك ماقاله عبدالقاهر الجرجاني و خالفه السكاكي و الاكثر علي مذهب عبدالقاهر). و انما اشترطوا كون المسند فعلاً لانهم اعتقدوا بان الفعل مشتمل في هذه المواضع علي ضمير و يكون صريحاً في افادة التقوية و اما الوصف و ان‏يمكن ان‏يكون مشتملاً علي ضمير ايضاً نحو انت بخيل ولكن لما كان ضمير الوصف لايتغير تكلماً و خطاباً و غيبةً فهو شبيه بالجوامد و يكون قريباً من الفعل في افادة التقوية لا مثله.

و اعلم ان التخصيص و التقوية و امثال ذلك من المقاصد من الامور القلبية و يستفاد من الكلام و القرائن الحالية و المقالية فان قال المتكلم ما زيدٌ فعل هذا و اراد التخصيص يفهم من كلامه انه فعل هذا غير زيد و هو مفهوم كلامه و يؤخذ به و اما اذا قال ما زيدٌ فعل

 

«* المعاني صفحه 260 *»

هذا و لا غيره فقوله «و لا غيره» قرينة علي عدم ارادته مفهوم كلامه الاول و لا تعارض. لانها قرينة صارفة عن قصد المفهوم.

و مجمل الكلام ان للكلام جهتين: جهة من حيث نفسه و جهة من حيث عوارضه و العوارض قدتمنع عن الاخذ بمايفهم من الكلام من حيث نفسه و للبحث عن ذلك مجال آخر. ثم اشتراطهم في التقوية بان‏يكون المسند فعلاً قدنشأ عن خطائهم في المرفوع المقدم بانه مبتدأ و يضمرون فاعلاً في الفعل او الوصف.

و انت قد علمت ان المرفوع المقدم علي الفعل او الوصف هو الفاعل او التأكيد (ان كان الفاعل كناية بارزة فتدبر) فلا تكرار في النسبة حتي يفيد التقوية نعم للمتكلم ان‏يقدم و يؤخر الفاعل حسب مراداته و ملاحظاته التي لاتظهر الا بهما فان لاحظ تقدم الفاعل ذاتاً علي الفعل يقدم الفاعل و ان لاحظ تأخره عن الفعل ظهوراً يؤخر الفاعل. و قدتقدم البحث عن ذلك في المسنداليه فراجع.

 

«* المعاني صفحه 261 *»

البـاب الـرابـع

 في احوال المسند و فيه ثلاثة فصول:

الفصل الاول: ذكر المسند و حذفه

قدعرفت المسند و مواضعه في الجزء الاول من هذا الكتاب و لعلك عرفت ايضاً مما ذكرنا هنالك ان المسند له وصفية و عرضية و ان المسنداليه له تذوت و موصوفية فرتبة المسند بعد المسنداليه فذكروا احوال المسند بعد ذكر احوال المسنداليه و لم‏يعرض للبحث عن احوال المسند بعض علماء البلاغة (كابي هلال العسكري و عبدالقاهر الجرجاني) لتعلقه بالنحو اكثر منه بالبلاغة و نحن نتعرض له كالاكثر منهم لئلايخلو كتابنا منه.

قالوا: «يذكر المسند للاغراض التي سبقت في ذكر المسنداليه.

منها: «كون ذكره هو الاصل و لا مقتضي للعدول عنه» نحو العلم خير من المال.

منها: «ضعف التعويل علي دلالة القرينة» نحو حالي مستقيم و رزقي ميسور اذ لو حذف ميسور لايدل عليه المذكور.

منها: «ضعف تنبه السامع» نحو اصلها ثابت و فرعها في السماء اذ لو حذف ثابت ربما لايتنبه السامع لضعف فهمه.

منها: «الرد علي المخاطب» نحو قل يحييها الذي انشأها اول مرة جواباً لقوله تعالي من يحيي العظام و هي رميم.

منها: «افادة انه فعل» فيفيد التجدد و الحدوث و مقيداً باحد الازمنة الثلاثة بطريق الاختصار.

منها: «افادة انه اسم» فيفيد الثبوت مطلقاً نحو يخادعون اللّه و هو خادعهم فقوله يخادعون يفيد التجدد مرة بعد اخري مقيداً بالزمان من غير افتقار الي قرينة تدل عليه كذكر الان او الغد و قوله خادعهم تفيد الثبوت مطلقاً من غير نظر الي زمان.

 

«* المعاني صفحه 262 *»

اقـول: قدذكرنا في الفصل الاول من هذا الجزء عند البحث عن ذكر المسنداليه و حذفه مايعرفك قيمة كلامهم في هذا البحث من «كون ذكر المسند هو الاصل و لا مقتضي للعدول عنه» بل نقول ان الاصل بناء الكلام علي الاختصار و ان التكلم عرض يعرض المتكلم فيكتفي فيه علي مايحصل به حاجته و لا فرق في ذلك بين المسنداليه و المسند و ان كان تأصيل الاصول بايدينا فينبغي ان‏نقول: الاصل هو الحذف و ان الذكر لايكون الا لمقتض يدعو الي العدول عن ذلك الاصل و علي اي حال انما يذكر المسند لان المتكلم لايمكنه رفع جهالة السامع عن ثبوت الاسناد او عدم ثبوته بين المسنداليه و المسند بسبب اخر (من القرائن الحالية او المقالية او ضعفها او ضعف فهم السامع).

و قديجتمع مع هذا المقتضي غرض آخر بلاغي او اغراض بلاغية تستفاد من اسلوب الكلام و يمكن ان‏تعد من فوائد ذكر المسند و ان شئت قلت:

من الاغراض الداعية الي ذكره مايستفاد من نوع المسند من الكمية و الكيفية و الزمانية و المكانية و الاضافية و الوضعية و الفعلية و الانفعالية. لانك قدعرفت ان المسنداليه هو ظهور الذات في المسند و المسند هو عرض من الاعراض و وصف من الاوصاف و في الحقيقة هو مرآة ينطبع فيها ظهور الذات و لذا يعبرون عن ذلك الظهور بالذات الظاهرة فان القائم مثلاً هو الذات الظاهرة بالقيام و لا شك ان الذات الظاهرة بالقيام هي القائم فكل عرض من الاعراض المذكورة مرآة ينطبع فيها ظهور الذات اي المسنداليه ففائدة ذكر المسند هي بيان نوع العرض الذي ظهر فيه ظهور الذات فتدبر.

و اما قولهم: «منها افادة انه فعل» الخ و قولهم: «منها افادة انه اسم» الخ فهما مبنيان علي ماقالوه في حد الفعل و الاسم. و قدعرفت خطاءهم في تحديدهما من قبل نعم الحق ان‏يقال:

اذا اردنا ان‏نشير الي اتحاد المسنداليه و المسند و ان احدهما عين الاخر فنستعين بكمات دالة علي ذلك من اسماء الاشياء الخارجية كالالفاظ الدالة علي الكم و الكيف و الاضافة و الوضع، فان المسنداليه في كل هذه الموارد هو المسند بمعني ان المسنداليه

 

«* المعاني صفحه 263 *»

هو ظهور الذات المنطبع في مرآة تلك الاعراض لان الذات بنفسها لاتكون عرضاً فظهر المراد من اتحادهما في هذه الموارد كقولك زيدٌ طويلٌ و زيد ابيض و زيد عبداللّه و زيد جالس.

و اذا اردنا ان‏نشير الي ان المسنداليه واقع في المسند فنستعين بـاسماء الزمان او المكان علي حسب المراد. فالمسند اي الصفة المقدرة قبل الظرف اذا كان خبراً هو المسنداليه كقولك زيد في الدار اي زيد موجود في الدار و كائن في الدار او مستقر في الدار بدليل قوله تعالي فلما رآه مستقراً عنده.

و اذا اردنا ان‏نشير الي ان المسند هو الصادر عن المسنداليه فنجعل المسند فعلاً لان يدل علي ان المسنداليه فاعل المسند و موجده و المسند فعل صدر عن المسنداليه او يصدر عنه نحو زيد قام و عمرو يقوم. و امثال ذلك من الاغراض البلاغية التي تستفاد من القرائن الموجودة و المعهودة و الظاهرية و المعنوية في كلام اللّه تعالي و كلام اوليائه:.

حذف المسند

قالوا: «يحذف المسند لاغراض كثيرة:

منها: اذا دلت عليه قرينة و تعلق بتركه غرض مما مر في حذف المسنداليه و القرينة اما مذكورة كقوله تعالي و لئن سألتهم من خلق السموات و الارض ليقولن اللّه اي خلقهن اللّه و اما مقدرة كقوله تعالي يسبح له فيها بالغدو و الاصال رجال اي يسبح له رجال.

و منها: «الاحتراز عن العبث» نحو ان اللّه بري‏ء من المشركين و رسوله اي و رسوله بري‏ء منهم ايضاً.

و منها: «ضيق المقام عن اطالة الكلام» كقول الشاعر:

نحن بما عندنا و انت بما   عندك راض و ا.لرأي مختلف

اي نحن بما عندنا راضون. فحذف لضيق المقام.

 

«* المعاني صفحه 264 *»

و منها: «اتباع الاستعمال المشهور عن العرب» نحو لولا انتم لكنا مؤمنين اي لولا انتم موجودون.

و قولهم في المثل: رمية من غير رام اي هذه رمية».

اقـول: قدعرفت ان بناء الكلام علي الاختصار و متي يجد المتكلم سبيلاً الي حذف شي‏ء من الكلام يسلكه و يحذفه من كلامه سواء كان مسنداًاليه او مسنداً او ممايتعلق بهما فمن السبل وجود قرينة علي المحذوف مقاليةً كانت او حاليةً و المقالية مذكورة كانت او مقدرة فحذف المسند نحو خرجت فاذا الاسد اي واقف او حاضر. و نحو اكلها دائم و ظلها اي و ظلها دائم و الاكل اي الرزق الواسع.

و من مواضع حذف المسند اذا كان من الافعال العامة و المسنداليه بعد لولا الامتناعية كما رأيت في المثال المنقول عنهم و كقول الثاني لولا علي لهلك عمر. و ذهب البصرية الي ان المسند المحذوف خبر و المرفوع المذكور بعد لولا مبتدأ فيقدرون في المثل «لولا علي موجود لهلك عمر» و ذهب الكوفية الي ان المحذوف فعل و المرفوع بعد لولا فاعل لذلك الفعل المحذوف. و قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه «قول الكوفيين اقرب فان الرفع اصل في الفاعل و مااحتملوه هو اولي» انتهي.

فالفعل المحذوف هو المسند و المعني «لولا وجد علي لهلك عمر» و انما حذف لكونه من الافعال العامة و اما اذا كان من غيرها يذكر نحو قوله 9 ياعايشة لولا ان قومك حديث عهد بالچاهلية لامرت بالبيت فهدم فادخلت فيه مااخرج منه و الزقته بالارض و جعلت له بابين باباً شرقياً و باباً غربياً فبلغت اساس ابراهيم.

و اما الاستشهاد بالمثل المعروف رمية من غير رام ففي غير محله من وجهين:

اولاً ان المشهور فيه رميةٍ من غير رام بالجر اي «ربّ رمية» و المعني: قديصيب الغرض من ليس له علم بالرماية و يضرب ايضاً للمخطي‏ء يصيب احياناً و مثله قولهم مع الخواطي‏ء سهم صائب و لايجوز تغيير الامثال.

و ثانياً ان روي بالرفع ايضاً فهو للاستشهاد بحذف المسنداليه اولي اي هذه رمية

 

«* المعاني صفحه 265 *»

من غير رام.

و من مواضع حذف المسند قوله تعالي لو ان اللّه هداني لان اَنّ و مدخولها في حكم المفرد و فاعل لفعل محذوف و هو ثبت.

و من دواعي حذفه: «الاكتفاء بذكر الشاهد عن ذكر المشهود» كقوله تعالي ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه و المراد لنفدن قبل نفاد الكلمات كما قال في آية اخري لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلمات ربي و عدم نفاد الكلمات شاهد نفاد الابحر و كلام مستأنف فاكتفي بذكر الشاهد عن ذكر المشهود.

و منها: «وجود قرينة مذكورة» كقولك لمن قال: ما قام احد؟ بلي زيد و كقوله تعالي و لئن سألتهم من خلقهم ليقولن اللّه و نحو:

تجلدت حتي قيل لم‏يعر قلبَه   من الوجد شي‏ءٌ قلت بل اعظم الوجد

تجلدت من التجلد و هو التصبر علي الهموم و نحوها. و لم‏يعر من عراه الامر اذا غشيه و قلبَه مفعول يعر و شي‏ء فاعله و بل للاضراب و اعظم الوجد فاعل فعل محذوف دل عليه لم‏يعر اي بل عراه اعظم الوجد و الوجد شدة الشوق و الحزن. و الشاهد في حذف المسند اي عرا و ابقاء المسنداليه و هو اعظم الوجد.

و من الاغراض البلاغية و فنون الفصاحة «الحذف عند التكرار» نحو اكلها دائم وظلها اي ظلها دائم و نحو اغنيهم اللّه و رسوله من فضله اي اغنيهم اللّه من فضله و اغنيهم رسوله من فضله و نحو اللّه و رسوله احق ان‏يرضوه اي اللّه احق ان‏يرضوه و رسوله احق ان‏يرضوه. و حذف الاول حذراً من التكرار و لدلالة القرينة المذكورة عليه. و نحو ان اللّه بري‏ء من المشركين و رسوله اي و رسوله بري‏ء من المشركين.

و اما الاستشهاد بالكريمة المباركة يسبح له فيها بالغدو و الاصال رجال الاية ففي غير محله لان يسبح ان قرء علي بناء فعل الفاعل فـرجال فاعله و ان قرء علي بناء فعل المفعول فـرجال عطف بيان او بدل عن البيوت كما روي عنهم: في تفسير «رجال» اي

 

«* المعاني صفحه 266 *»

تلك البيوت. فاضمار الفعل في هذه الموارد غير مقصود لكل ناطق فضلاً عن الفصيح البليغ فالاستشهاد بها في غير محله.

الفصل الثاني:

تعريف المسند و تنكيره

«تعريف المسند»

قالوا: «يعرف المسند لافادة السامع حكما علي امر معلوم عنده بامر آخر مثله باحدي طرق التعريف نحو هذا الخطيب و ذاك نقيب الاشراف.

و لافادة قصره علي المسنداليه حقيقة نحو سعد الزعيم اذا لم‏يكن زعيم سواه. او ادعاء مبالغة لكمال معناه في المسنداليه نحو سعدٌ الوطني اي الكامل الوطنية، فيخرج الكلام في صورة توهم ان الوطنية لم‏توجد الا فيه لعدم الاعتداد بوطنية غيره. و ذلك اذا كان المسند معرفاً بلام الجنس. و قدلايفيد اللام القصر كقول الخنساء:

اذا قبح البكاء علي قتيل   وجدت بكاءك الحسن الجميل

و قيل: ان الخنساء لاتقصد قصر الجنس علي بكاء قتيلها ولكنها تريد ان‏تثبت له و تخرجه من جنس بكاء غيره من القتلي . فهو ليس من القصر في شي‏ء.

اقـول: اعلم ان للمسند و المسنداليه جهتين: جهة من حيث المعني و جهة من حيث اللفظ. اما الجهة الاولي فيجب ان‏يكون المسند معروفاً للسامع من حيث دلالته علي الوصفية و التعين و التقيد و اما المسنداليه فيجب ان‏يكون مجهولاً للسامع من هذا الحيث اي متعاليا عن التعين و دالاً علي التذوت([12]) ليستفيد السامع اتحاد المجهول بالمعروف و يعرف تعين الذات بتعين خاص و ظهور معين.

 

«* المعاني صفحه 267 *»

و اما من «حيث اللفظ» فيجب ان‏يكون المسند منكراً اذ لا حاجة الي تعرفه لفظاً فان تعين معناه و تخصصه يكفي في رفع مايحتاج اليه المتكلم من الحكم بالاسناد بان ذلك المتعالي عن التعين هو ذلك المتعين. فالواجب فيه ان‏يكون نكرة ليدل علي التخصص بالمبتدأ و انما يعرف المسند لاغراض بلاغية:

منها: «افادة اعرفية المسنداليه» لانه ان كان المسند و المسنداليه معرفتين فبانضمام المسنداليه الي المسند يصير المسنداليه اعرف.

منها: «رفع جهالة السامع عن الاسناد المجهول» و فائدة الكلام حينئذ اثبات الرابطة المجهولة للسامع (اذا كان المسنداليه و المسند كلاهما معروفين) كمن كان يعرف زيداً و يري قائماً ولكن لايعلم ان ذلك القائم هو زيد فتقول: القائم زيدٌ.

منها: اذا اريد «الحقيقة الطاوية» نحو هو الحي لا اله الا هو ففي تعريف هذا الخبر لطيفة تشير الي احديته سبحانه الطاوية لكل كثرة و الي توحده تعالي في صفاته و هذا السر جار في جميع الصفات المحلاة باللام عند الاخبار عنه تعالي نحو هو السميع العليم. فمعني هو الحي لا حي بالذات الا هو. اذ الحيوة ضد الممات فكل نقص في الحقيقة موت لانه فقدان صفة من الصفات الكمالية و الفقدان هو الموت فاراد سبحانه بقوله هو الحي هو العالم القادر السميع البصير المدرك الرحمن الرحيم الخالق الباري‏ء المصور المقدر المدبر الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد. فهذا التعريف يفيد شمول هذا الاسم لجميع الاسماء و الصفات الكمالية التنزيهية التقديسية و الاضافية الارتباطية و الخلقية الفعلية.

فـالحي بهذا المعني الجامع و بتعريفه يدل علي الحيوة الكاملة التامة العامة التي لاحيوة فوقها و ان كل حيوة فهو ظهور هذه الحياة المقدسة و لذا من خواص هذا الاسم العظيم اذا ذكره الانسان و توجه اليه ان‏يتقوي فيه روح‏الايمان و يشتد فيه الحيوة المعنوية.

و من ذلك ينبغي ان‏نقول بعد لا اله الا اللّه ، الحمد للّه رب العالمين شكراً لهذه

 

«* المعاني صفحه 268 *»

النعمة الحاصلة من ذكر هذه الكملة المباركة التي يفسرها و يفصلها هذا الاسم العظيم اي الحي فقد روي عنهم: اذا قال احدكم لا اله الا اللّه فليقل الحمد للّه رب العالمين ثم قرء7 هو الحي لا اله الا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد للّه رب العالمين.

و لا بأس ان‏نذكر حديثاً شريفاً ليكون بشارة لقلوب المؤمنين و تقريراً لعيون المحبين عن الصادق7 يا ابان اذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث: من شهد ان لا اله الا اللّه مخلصاً وجبت له الجنة. قال قلت: انه ياتيني من كل صنف افأروي لهم هذا الحديث؟ قال: نعم يا ابان اذا كان يوم القيمة و جمع اللّه الاولين و الاخرين فتسلب لااله الا اللّه منهم الا من كان علي هذا الامر.

هذه هي اللطيفة الشريفة الجليلة المستورة تحت تعريف الخبر في تلك الكريمة المباركة. ثم انظر الي ماقاله بعض مفسري اليوم في آية الكرسي قال: «و من هنا يظهر ان الحياة الحقيقية يجب ان‏تكون بحيث يستحيل طرو الموت عليها لذاتها و لايتصور ذلك الا بكون الحياة عين ذات الحي غير عارضة لها و لا طارئة عليها بتمليك الغير و افاضتة. قال تعالي و توكل علي الحي الذي لايموت (الفرقان ـ 58) و علي هذا فالحياة الحقيقية هي الحياة الواجبة و هي كون وجوده بحيث يعلم و يقدر بالذات.

و من هنا يعلم ان القصر في قوله تعالي هو الحي لا اله الا هو قصر حقيقي غير اضافي و ان حقيقة الحياة التي لايشوبها موت و لايعتريها فناء و زوال هي حياته تعالي فالاوفق فيما نحن فيه من قوله تعالي الله لا اله الا هو الحي القيوم الاية و كذا في قوله تعالي الم اللّه لا اله الا هو الحي القيوم (آل‏عمران ـ 1) ان‏يكون لفظ الحي خبراً بعد خبر فيفيد الحصر لان التقدير «اللّه الحي» فالاية تفيد ان الحياة للّه محضاً الا ما افاضه لغيره».انتهي كلامه.([13])

منها: «ارادة الحصر» نحو زيد هو العالم ـ زيد هو الكبير.

 

«* المعاني صفحه 269 *»

تنـكير المـسند

قالوا: «ينكر المسند لعدم الموجب لتعريفه و ذلك:

لقصد ارادة العهد او الحصر نحو انت امير و هو وزير .

و لافادة التفخيم نحو هدي للمتقين.»

اقـول: و الاستشهاد بالكريمة انما يتم اذا كان هدي خبر ذلك قطعاً و اما مع احتمال الحالية فلايتم الاستشهاد.

«و لقصد التحقير نحو ما خالد رجلاً يذكر

اقـول: قدعرفت في اوّل الفصل ان الاصل في المسند ان‏يكون منكراً لان تعين معناه و تخصصه يغني المتكلم عن تعريفه لفظاً و يمكن ان‏يقترن مع الاصل غرض آخر بلاغي يستفاد من سياق الكلام.

 

 

الفصل الثالث

تقديم المسند و تأخيره

قالوا: «يقدم المسند اذا وجد باعث علي تقديمه كان يكون عاملاً نحو قام علي او مما له الصدارة في الكلام نحو اين الطريق؟ او اذا اريد به غرض من الاغراض الاتية:

منها: التخصيص بالمسنداليه نحو للّه ملك السموات و الارض.

و منها: التنبيه من اول الامر علي انه خبر لا نعت كقوله:

له همم لا منتهي لكبارها   و همته الصغري اجل من الدهر
له راحة لو ان معشار جودها
  علي البر كان البر اندي من البحر

فلو قيل «همم له» لتوهم ابتداءً كون له صفة لماقبله.

و منها: التشويق للمتأخر اذا كان في المتقدم مايشوق لذكره. كتقديم المسند في قوله تعالي ان في خلق السموات و الارض و اختلاف الليل و النهار لايات لاولي الالباب. و كقوله:

خير الصنائع في الانام صنيعة   تنبو بحاملها عن الاذلال

 

 

«* المعاني صفحه 270 *»

و منها: التفاؤل كما تقول للمريض في عافية انت. و كقوله:

سعدت بغرة وجهك الايام   و تزينت بلقائك الاعوام

و منها: افادة قصر المسنداليه علي المسند نحو لكم دينكم و لي دين اي دينكم مقصور عليكم و ديني مقصور علي.

و منها: المساءة نكاية بالمخاطب كقول المتنبي:

و من نكد الدنيا علي الحرّ ان‏يري   عدواً له ما من صداقته بُدٌّ

و منها: تعجيل المسرة للمخاطب او التعجب او التعظيم او المدح او الذم او الترحم او الدعاء نحو للّه درّك و عظيم انت يا اللّه و نعم الزعيم سعد و هلم جراً و بئس الرجل خليل و فقير ابوك و مبارك وصولك بالسلامة.

و يؤخر المسند لان تأخيره هو الاصل و تقديم المسنداليه اهم نحو الوطن عزيز.»

اقـول: قدعرفت من مباحثنا الماضية ان المسند له وصفية للمسنداليه و الوصف قائم بالموصوف لانه عرض و العرض لايقوم بنفسه و لا شك ان مقام العرض متأخر عن رتبة المعروض فان المعروض له تذوت و جوهرية بالنسبة الي عرضه.

فبهذا الاعتبار رتبة المسند التأخير و الاصل فيه ان‏يذكر متأخراً عن المسنداليه و انما يقدم لباعث يوجب تقديمه او يرجح تقديمه. و الترتيب المذكور في عنوان الفصل يوافق هذا الاعتبار.

و لايخفي ايضاً ان ظهور المسنداليه بالمسند لان الذات ظاهرة بوصفها و ظهورها بل المسنداليه الحقيقي لايكون الا الذي ظهر بظهوره و وصفه لان الذات من حيث هي هي لا تعبير عنها فالذات الظاهرة بالظهور متأخرة عن الظهور و ظهورها متقدم عليها فبهذا الاعتبار الاصل تقدم المسند و تأخر المسنداليه ولكن لما كان المسنداليه آية الذات المتعالية من حيث المعني غلب الاعتبار الاول الاعتبار الثاني و اما من حيث معمولية المسنداليه للمسند يكون آيةً للذات الظاهرة و بهذا الاعتبار قديراعي الاصل الثاني و يقدم المسند.

 

«* المعاني صفحه 271 *»

فالتقديم و التأخير كلاهما اصلان اصيلان ولكن باعتبارين المذكورين و زمام الاعتبار بيد المتكلم فيقدم ماشاء و يؤخر ماشاء علي حسب اعتباراته و ملاحظاته. نعم هناك بواعث توجب تقديم المسند لايتمكن المتكلم من التخلف عنها او توجب تأخيره كذلك فيقدم او يؤخر وجوباً علي حسب تلك البواعث الموجبة.

فـبواعث التقديم

1ـ اذا اقترن المبتدأ بـالاّ لفظاً نحو ما لي الاّ درهم او معني نحو انما عندك زيد لان الاّ تحصر المتقدم عليها في المتأخر عنها فلو عكس خالف المراد.

2ـ «كون الخبر لازم الصدر» نحو اين زيد و صبيحة اي يوم سفرك؟ و اما اذا كان الخبر جملة مصدرة بما له صدر الكلام لايجب تقديمه لانه يكفيه تصدره في الجملة الخبرية نحو زيدٌ من ابوه.

3ـ اذا كانت في المبتدأ كناية عن الخبر او جزئه نحو ام علي قلوب اقفالها فان اكثرالكوفيين يمنعون عن تقديم المبتدأ حينئذ للاضمار قبل الذكر لفظاً و رتبة ولكن البصريين يجوزون تقديمه في هذه الصورة.

4ـ عند لبس الخبر بالصفة ـ كما قاله البصرية ـ و ذلك اذا كان المبتدأ نكرة يحتمل في الخبر ان‏يكون صفة نحو في الدار رجل و عندك مال و عندي انك فاضل و الكوفيون لايجوزون ذلك و يقولون في هذه الموارد ان رجل فاعل لمتعلق الظرف اي «الكائن في الدار رجل».

و الحق: ما قاله مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه و هو ان رجل خبر الموصول.

و اما قول البصريين فانما يحصل اللبس اذا كان بعدهما كلمة تحتمل الخبرية و اما اذا سكت المتكلم عليه فلا لبس كما اذا قال رجل في الدار متكلم فيحتمل ان‏يكون في الدار صفة لاحتمال ان‏يكون متكلم خبراً و اما اذا سكت علي في الدار لايحتمل كونه صفة.

5 ـ اذا كان عاملاً في المسنداليه نحو قام علي. و هذا الباعث من البواعث البصرية

 

«* المعاني صفحه 272 *»

لانهم لايرون المرفوع المتقدم فاعلاً بل يحسبونه مبتدأ خلافاً للحق و اهله.

و الحق: ان المرفوع المتقدم علي العامل فاعل له، اذ لوحظ صدور الفعل منه لان كل ذات من حيث صدور الفعل منه فاعل لا مبتدأ. قال اللّه تعالي ان امرؤ هلك و قال و ان احد من المشركين استجارك و كل عاقل سليم الفطرة يجد في نفسه انه يريد بقوله علي قام ان عليّاً اوجد القيام و قام فعل علي فهو الفاعل و لايضمر في قلبه فاعلاً اخر لقام.

6 ـ الضرورة نحو قول الشاعر:

فيارب هل الاّ بك النصر يرتجي   عليهم و هل الاّ عليك المعول

بواعث التأخير

و اما البواعث التي توجب تأخير المسند فهي:

1ـ «الالتباس» اذا كان المسنداليه و المسند معرفتين او نكرتين نحو زيد اخوك و افضل مني افضل منك. و قيل ان كان احدهما اعرف فهو المبتدأ نحو هذا زيد و ان استويا فالمقدم خبر و مثلوا بـاللّه ربنا.

و الحق: ان اللّه مبتدأ و ربّنا خبر لان اللّه يوصف و لايوصف به. تدبر في قوله تعالي قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن ايّاما تدعوا فله الاسماء الحسني علي وجه من وجوه التفسيرية من ارجاع كناية فله الي كل واحد من اللّه و الرحمن فافهم.

و ان كان قرينة فتتبع نحو ابويوسف ابوحنيفة اذا اريد التشبيه و كان تقدم عصر ابي‏حنيفة معلوماً.

2ـ اذا كان الخبر مقرونا بـالاّ لفظاً نحو و ما محمّد الا رسولٌ او معني نحو انما انت نذير و وجهه مذكور في البحث عن تقديم المسند فراجع.

3ـ كون المسنداليه مستحقاً للتصدير بنفسه نحو مااحسن زيداً ما فاعل قدمت لتصدرها و نحو من في الدار من يحتمل الفاعلية و الابتدائية و نحو من يقم اقم معه و من علي قول الحق فاعل يقم و انما قدمت لتضمنها معني الشرط و نحو كم عبيد لزيد و هو ايضاً يحتمل الوجهين.

 

«* المعاني صفحه 273 *»

او مستحقاً للتصدير بالشباهة نحو الذي يأتيني فله درهم. فان الموصول في هذا الاستعمال يشبه من الشرطية.

او بغيرهما نحو غلام من في الدار و نحو غلام من يقم اقم و نحو مال كم رجل عندك و نحو لزيد قائم و غير الاخير يحتمل الوجهين اي الفاعلية و الابتدائية. و اما قول الشاعر:

ام الحُلَيْس لعجوز شهربة   ترضي من اللحم بعظم الرقبة

فقيل اللام زائدة و قيل بحذف المبتدأ اي لهي عجوز مسنة.

و الحق: ان البيت اما من باب الضرورة و في الضرورة يستباح ما لايستباح في غيرها و اما ان اللام ليست بلام الابتداء بل هي جواب القسم علي ما ذهب اليه الكوفيون من ان اللام مطلقاً جواب قسم و ليس عندهم لام ابتداء و استشهدوا بقولك لطعامَك زيد اكل حيث دخلت علي غير المبتدأ و لايرد عليهم ظننت لزيد قائم لان هذا الاستعمال عند تأكد الظن و مع التأكد يجري مجري العلم نحو ظنوا ما لهم من محيص.

و يؤيد الكوفيين دخوله علي خبر انّ كقول مجنون ليلي في ما نقل عنه «كُثَيِّرعزّة»([14]) و كثير كان رافضياً و كان خلفاء بني‏امية يعرفون ذلك منه اذ دخل علي عبدالملك بن مروان يوماً فقال: نشدتك بحق علي‏بن ابي‏طالب7 هل رأيت اعشق منك؟ فقال: نعم بينما اسير في بعض الفلوات اذا انا برجل قدنصب حبائله فقلت: مااجلسك هنا؟ قال: اهلكني و اهلي الجوع فنصبت حبائلي لاصيب لهم و لنفسي مايكفينا يومنا هذا فقلت: أرأيت ان‏اقمت فاصبت صيداً تجعل لي جزء قال: نعم فبينا نحن كذلك اذ وقعت عليه ظبية فخرجنا مبتدرين فاسرع اليها فحلّها و اطلقها فقلت له: ماحملك علي هذا؟ قال:

 

«* المعاني صفحه 274 *»

دخلني عليها رقة لشبهها بليلي و انشأ يقول:

اياشبه ليلي لاتراعي فانني   لك اليوم من وحشية لصديق
اقول و قداطلقتها من وثاقها
  لانت لليلي لو عرفت عتيق
فعيناك عيناها و جيدك جيدها
  ولكن عظم الساق منك رقيق

و لما اسرعت في العدو جعل يقول:

اذهبي في كلاءة الرحمن   انت مني في ذمة و امان
لاتخافي من ان‏تحاجي بسوء
  ماتغني الحمام في اغصان

و من ذلك اضطروا البصرية ان‏يسموا هذه اللام بـاللام المزحلفة (بالفاء) و يقولون انه من حقها ان‏تدخل علي ان لان لها الصدر فزحلفت الي الخبر اي دفعت. (و المزحلقة بالقاف بمعني المزحلفة بالفاء). و انت‏تري ما في هذا التوجيه.

البواعث المرجحة

و اما البواعث التي ترجح تقديم المسند او تأخيره فهي اغراض بلاغية تعرف بالقوة الادبية و تستفاد من الاساليب الكلامية فيقدم مثلاً «لكونه محطّ النظر» كقول المرتضي رحمه اللّه في جواب شعر المعري:

تناقض ما لنا الا السكوت به   و ان نعوذ بمولانا من النار
يد بخمس مئين عسجد فديت
  مابالها قطعت في ربع دينار

فقال المرتضي:

حراسة النفس اغلاها و ارخصها   خيانة المال فافهم حكمة الباري

و روي:

عز الامانة اغلاها و ارخصها   ذل الخيانة فافهم حكمة الباري

و قديقدم لارادة الحصر كقوله تعالي لكم دينكم و لي دين (اي لكم جزاؤكم و لي جزائي) و لايخفي ان الخبر هو الوصف المحذوف و هو متعلق لكم و يوخر المسند مثلا لان النظر الي انه ظهور و وصف للمسنداليه و قائم به كقول النبي 9:

 

«* المعاني صفحه 275 *»

انا شجرة و فاطمة فرعها و علي لقاحها و الحسن و الحسين ثمرتها و شيعتنا ورقها و كقول الشاعر:

ياحبّذا دوحة في الخلد نابتة   ما مثلها نبتت في الخلد من شجر
المصطفي اصلها و الفرع فاطمة
  ثم اللقاح علي سيد البشر
و الهاشميان سبطاه لها ثمر
  و الشيعة الورق الملتف بالثمر
اني بحبهم ارجو النجاة غداً
  و الفوز في زمرة من افضل الزمر
هذا مقال رسول اللّه جاء به
  اهل الرواية في العالي من الخبر

الي غير ذلك من تلك الاغراض و المقاصد و صلّي‏اللّه علي محمّد وآله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

 

«* المعاني صفحه 276 *»

البـاب الخامـس

احوال الاسناد

اعلم ان القوم يعنونون الباب الخامس بالاطلاق و التقييد و يقولون: «ان الاطلاق و التقييد وصفان للحكم فـالاطلاق ان‏يقتصر في الجملة علي ذكر المسند و المسنداليه حيث لا غرض يدعو الي حصر الحكم ضمن نطاق معين بوجه من الوجوه نحو الوطن عزيز و التقييد ان‏يراد علي المسند و المسنداليه شي‏ء يتعلق بهما او باحدهما مما لواغفل لفاتت الفائدة المقصودة او كان الحكم كاذباً نحو الولد النجيب يسر اهله و قالوا توضيحاً لذلك البحث:

اذا اقتصر في الجملة علي ذكر اجزائها «المسنداليه و المسند» فالحكم مطلق و ذلك حين لايتعلق الغرض بتقييد الحكم بوجه من الوجوه ليذهب ذهن السامع فيه كل مذهب ممكن.

و اذا زيد عليهما شي‏ء ممايتعلق بهما او باحدهما فالحكم مقيد و ذلك حيث يراد زيادة الفائدة و تقويتها عند السامع لما هو معروف من ان الحكم كلما كثرت قيوده ازداد ايضاحاً و تخصيصاً فتكون فائدته اتم و اكمل ولو حذف القيد لكان الكلام كذباً او غيرمقصود نحو قوله تعالي و ما خلقنا السموات و الارض و مابينهما لاعبين. فلوحذف الحال و هو لاعبين لكان الكلام كذباً بدليل المشاهدة و الواقع و نحو قوله تعالي يكاد زيتها يضي‏ء اذ لو حذف يكاد لفات الغرض المقصود و هو افادة المقاربة.

ثم يقولون: ان التقييد يكون بالتوابع و ضمير الفصل و النواسخ و ادوات الشرط و النفي و المفاعيل الخمسة و الحال و التمييز.»

و اما نحن فجعلنا عنوان الباب احوال الاسناد و عدلنا عن عنوانهم ليوافق العنوانين السابقين اولاً و لبعد عنوانهم عن وجه الصواب و التحقيق ثانياً لانك قدعرفت

 

«* المعاني صفحه 277 *»

من المباحث السابقة ان الاسناد هو اثبات التقيد ثبوتاً او نفياً([15]) فلا معني لتوصيف الاسناد و الحكم بالاطلاق و كذا لا وجه لتوصيفه بالتقييد بالنفي نعم احوال الاسناد تختلف بحسب خلو ركنيه (اي المسنداليه و المسند) عن ذكر التعلقات و الفضل و بحسب ذكرها .

و ينبغي ان‏يراد من عنواننا «احوال الاسناد» ذكر انواع التعلقات التي يتعلق بها المسنداليه و المسند و المراد من تعلقهما بها ان‏يلاحظها المتكلم حين الاسناد و يخبر عنها في كلامه لغرض من الاغراض البلاغية والا فلايعقل خلو المسنداليه و المسند عن التعلق بتلك الفضل كلها او بعضها لان تلك الفضل من حدود الاشياء الحادثة فتتعلق بها حين حدوثها ولكن المتكلم قديلاحظها و يدرجها في كلامه و قد لايلاحظها فلايذكرها. و من ذلك عرفت ان الغرض من ذكرها لايكون صرف الايضاح و التخصيص و ان حصلا من ذكر تلك المتعلقات و ذلك واضح لانحتاج الي ذكر المثال. فنذكر التعلقات في الفصول الاتية.

الفصل الاول: ذكر التوابع

و التوابع عند القوم خمسة و قالوا في تعليل حصرها فيها: ان التابع اما يتبع بواسطة حرف او لا و الاول هو عطف النسق و الثاني اما ينوي توجه العامل اليه ام لا فالاول البدل و الثاني فاما ان‏يكون له الفاظ مخصوصة او لا فالاول التأكيد و الثاني ان كان مشتقاً فـنعت او جامداً فهو عطف بيان.

ولكن الحق: ان المراد من التابع «هو مايتوجه اليه العامل ثانياً و بالعرض بعد

 

«* المعاني صفحه 278 *»

ماتوجه الي المتبوع اولاً و بالذات» و هي علي ماحققه مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه ثلاثة:

«البدل و التوكيد و النعت» لان التابع اما هو في حكم متبوعه (اي يكون عينه) فهو البدل و اما يكون تأكيد المتبوع لا في حكمه فهو التوكيد و اما يكون صفة خارجة عن المتبوع فهو النعت. و ما عطف البيان فهو نوع من البدل و اما عطف النسق فانه عديل الاصل و لايكون تابعاً و له عامل مضمر حذف بقرينة العامل الاول.

و قال اعلي‏اللّه مقامه في ذلك: «و اما النسق فعامله محذوف و العاطف داخل علي العامل فلما حذف اتصل بالمعطوف و ذلك ان الالفاظ تعبيرات عن الواقع موافقة له و لا شك ان عامله في الخارج غير عامل المعطوف عليه كما اذا قلت جاء زيد و عمرو لزيد مجي‏ء مسنداليه و لعمرو مجي‏ء اخر و انما جمعتها بالواو لاتحاد لفظي العاملين و عدم الحاجة الي التكرار و وجود القرينة فحذف عامل المعطوف لاجل ذلك فليس النسق من التوابع و اشتبه علي القوم.» انتهي.

و بالجملة فان القوم يذكرون في هذا الباب التقييد بالتوابع اولاً و يبتدئون بالنعت ثم بالتوكيد ثم بعطف البيان ثم بعطف النسق ثم بالبدل.

و اما نحن فنبتدء بالبدل لانه في حكم المبدل منه ثم بالتوكيد لانه تأكيد الاصل لا في حكمه ثم بالنعت لانه صفة خارجة عن المنعوت ثم بالعطف لانه خارج عن التوابع و اقتفينا في هذا الترتيب الانيق التحقيق الذي حققه مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه لانه من الذين هديهم اللّه سبحانه و امرنا بالاقتداء بهديهم و في هذا الفصل مباحث:

المبحث الاول: التقييد بالبدل

قالوا: «يؤتي بالـبدل للمقاصد و الاغراض التي يدل عليها و يكون لـزيادة التقرير و الايضاح لان البدل مقصود بالحكم بعد ابهام نحو حضر ابني علي (بدل الكل) و سافر الجند اغلبه (بدل البعض) و نفعني زيد كلامه (بدل الاشتمال) و وجهك بدرٌ شمسٌ (بدل

 

«* المعاني صفحه 279 *»

الغلط)»

و الذي عليه الجمهور ان بدل الغلط لايقع في كلام البلغاء.

اقـول: قال في المعيار: بدل الشي‏ء بفتحتين و بالكسر و بديله: ثلث لغات غيره يخلفه. ج ابدال في الجميع كسبب و اسباب و جسم و اجسام و شريف و اشراف و ابدلته بكذا ابدالاً: نحيت الاول و جعلت الثاني مكانه. انتهي.

و عرفوه القوم في الاصطلاح «بانه تابع مقصود بمانسب الي المتبوع دونه و قيده بعضهم بلاواسطة و سماه البصرية بالبدل و قيل عند الكوفية يسمي بالـترجمة و التبيين.

و قيل بـالتكرير و تسمية البصريه انسب لتوافقه مع اللغة و دلالته اوضح لان البدل يخلف المبدل منه و يعوّض المتكلم الاول بالثاني و ينحي الاول و يجعل الثاني مقامه. فهو في اصطلاح الحق تابع مقصود بمانسب الي متبوعه كما كان المتبوع مقصوداً. لان النسبة كما تعلقت بالبدل تتعلق بالمبدل منه و لايكون ذكر المبدل منه لغواً فان الغرض قد لايؤدي الا بذكر المبدل منه فله فوائد بحسب انواع البدل. لان البدل كما يختلف نوعه من الكل و البعض و الاشتمال فكذلك يختلف فوائده فنحن نذكر الفوائد و الاغراض البلاغية في جميع اقسام البدل في اربعة موارد:

الاول: بدل الكل و هو الذي يبدل به عن ذات بتمامها و فوائده هي:

1ـ ذكر الذات مبهماً حتي يشتاق نفس المستمع الي طلب معرفته ثم ذكر الاعرف حتي يقع في نفسه اشد وقعاً نحو رأيت رجلاً زيداً او رأيت رجلاً عالماً فاضلاً كاملاً زيداً.

2ـ ذكر المبدل منه توطئة لذكر اوصافه (علي ان الوصف للبدل) نحو جاء زيد رجل عالم.

3ـ اذا كان المبدل منه عند المتكلم اعرف و البدل عند المخاطب اعرف فيذكر الاعرف عند نفسه اولاً ثم يفسره بما هو اعرف عند المخاطب نحو خذ من التمر رطلاً و نصفاً بوزنكم. و هذا هو الذي سماه القوم بـعطف البيان فعطف البيان هو في الحقيقة بدل الكل الا انه ابدال اعرف عن اخفي عند المخاطب.

 

«* المعاني صفحه 280 *»

فلايعتني بانكار البصرية جوازه للنكرة بل الحق مع الكوفية من تجويزهم ذلك و يؤيدهم قوله تعالي او كفارة طعام مساكين. فان كان عن معرفة فـموضح والا فـمخصـص نحو رأيت زيداً علياً.

فلانحتاج الي عنوان مبحث علي‏حدة في بيان التقييد بعطف البيان كما فعلوا و لا نصغي الي ماقالوا فيه من «انه يؤتي به اما لمجرد التوضيح للمتبوع باسم مختص به و يكفي في التوضيح ان‏يوضح الثاني الاول عند الاجتماع و ان لم‏يكن اوضح عنه فعند الانفراد نحو علي زين‏العابدين و نحو عسجد ذهب و اما للمدح كقوله تعالي جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياماً للناس. »انتهي كلامهم.

4ـ ذكر المبدل منه بالصفة «توقيراً و مدحاً» ثم التصريح باسمه توضيحاً و رفعاً للتوهم نحو هذا اميرالمؤمنين و يعسوب الدين علي بن ابي‏طالب8.

او «توهيناً و ذماً» نحو هذا الفاسق الفاجر يزيد بن معاوية لعنهمااللّه.

او «فخراً و استعلاء» نحو انا الكرار غير الفرار زيد.

او «استرحاماً» نحو انا المسكين الذليل عبدك.

او «اقراراً و اعترافاً» ـ انكساراً و استكانة ـ نحو قال المذنب الجاني زيد اليماني. و غير ذلك من اغراض الفصحاء و مقاصد البلغاء.

قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه:

«و يسمي «بدل الكل» بالـبدل المطابق و لعل البدل المطابق انسب و اعم لاشتماله علي مثل صراط العزيز الحميد اللّه الذي و لايحسن اطلاق الكل علي اللّه الا مجازاً ولكن مسمي اللّه مطابق مع مسمي العزيز الحميد و نحو اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم و هو علي قسمين: قسم هو «بدل الكل» المعروف و قسم هو «ابدال اعرف عن اخفي» و هو الذي سموه عطف بيان.» انتهي.

الثاني: بدل البعض من الكل و هو الذي يدل علي بعض الذات و يؤتي به لبيان ان:

1ـ المقصود من ذكر المبدل منه توطئة لذكر البدل و اشعار بان المبدل منه اولي

 

«* المعاني صفحه 281 *»

بتلك النسبة من ذلك البعض لانه اولي بذلك البعض من ذلك البعض نحو رأيت زيداً عينه فان مفاد زيد لما كان اولي بعينه فهو اولي بتلك النسبة المذكورة في الكلام بخلاف قولك رأيت عين زيد.

2ـ المقصود من ذكر بدل البعض رفع توهم تعلق النسبة بجميع المبدل منه فان في قولك رأيت زيداً عينه رفع توهم رؤيتك كل زيد.

و اما مامثلوا به في بدل البعض بقولهم سافر الجند اغلبه فهو ليس بدل بعض من كل بل الجند لفظ عام اريد به خاص كقوله تعالي و للّه علي الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً فـالناس لفظ عام اريد به خاص لان اللّه لايكلف جميع الناس المستطيع منهم و غير المستطيع فانه لايكلف نفساً الا وسعها و اشار الي ما اراد من كلمه «الناس» بقوله من استطاع اليه سبيلاً.

الثالث: بدل الاضافة و يسمونه القوم بدل الاشتمال و قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه في ذلك: «و قد ذكرنا انه في هذه التسمية بدل الاشتمال تكلف فانهم اختلفوا في المشتمل فقيل هو الاول لان رأيت زيداً علمه زيد هو المشتمل علي علمه و قيل هو الثاني لان سلبت زيداً ثوبه الثوب هو المشتمل علي زيد و هما بكلام الاطفال اشبه. و قيل العامل مشتمل علي المبدل منه مجازاً و علي البدل حقيقة. و هو كلام ضعيف لما ذكرنا من ان المبدل منه اولي بالنسبة. و نحن لايلزمنا قبول هذا الاسم حتي نتكلف له معني و لعل المصطلح الاول كان جاهلاً.

فالاولي تسميته ببدل الاضافة لاجل ان الثاني من مضافات الاول لانه اما صفته الباطنية او الظاهرية او ملكه او منسوب اليه مقارن به نحو عرفت زيداً علمه و رأيت زيداً لونهو سلبت زيداً ثوبه و اخذت زيداً فرسه »انتهي.

و اما فائدته فهي التي ذكرناها في «بدل البعض» من بيان ان المبدل منه اولي بالنسبة لانه اولي بعرضها من عرضها و اولي بالنسبة من ذلك العرض و لاينقض هذا بمثل رأيت زيداً غلامه لان الرائي حين رأي الغلام علي انه مملوك زيد و منسوب اليه

 

«* المعاني صفحه 282 *»

فقد رأي زيداً علي وجه المالكية فهو اولي بتلك النسبة لاجل المالكية و يحتمل ان‏يكون مورد النقض من باب «بدل الاضراب».

الرابع: بدل الاضراب و هو ان‏يبدل عمداً بمايدل علي ذات اخري (و انما قيدنا «العمد» ليخرج «بدل المباين» و يأتي ذكره) كما اذا ذكرت اسماً ثم يبدو لك فتذكر غيره اضراباً عن الاول نحو اريد خبزاً لحماً كما تقول اريد زيداً بل عمراً و الاولي ان لايترك في بدل الاضراب كلمه بل.

و يمكن ان‏يكون الاضراب علي صورة اخري و هي ان‏يذكر المتكلم شخصاً علي نحو الاضافة الي احد او شي‏ء اخر بحيث لواقتصر به لم‏يفهم مراده فيأتي بالمنسوب اليه اولاً و توطئة ثم يذكر ذلك الشخص مضافاً الي كناية المنسوب اليه نحو رأيت زيداً غلامه و نحو زيد ابنه اكرم من عمرو. (و يحتمل ان‏يكون هذه الصورة من نوع بدل الاضافة). و بالجملة فالحكمة في بدل الاضراب لاتكاد تخفي علي المتكلّم البليغ.

و اما بدل المباين فهو مادل علي ذات اخري ذكر المتكلم سهواً او نسياناً و سماه القوم بدل الغلط و يسميه المولي الكريم اعلي اللّه مقامه بالمباين.

و هذا البدل ليس في الواقع من التوابع و انما هو تدارك خبط و خطاء ينبغي ان‏ينزه عنه كلام‏اللّه سبحانه و كلام رسوله و حججه: بل كلام كل فصيح و بليغ فمامثلوا به للبدل الغلط من قولهم وجهك بدرٌ شمس فهو من باب «بدل الاضراب» فتدبر.

المبحث الثاني: التقييد بالتوكيد

قالوا: «اما التوكيد فيؤتي به للاغراض التي يدل عليها: فيكون لمجرد التقرير و تحقيق المفهوم عند الاحساس بغفلة السامع نحو جاء الامير الامير.

او للتقرير مع رفع توهم خلاف الظاهر نحو: جاء الامير نفسه

او للتقرير مع دفع توهم عدم الشمول نحو فسجد الملائكة كلهم اجمعون.

او لارادة انتقاش معناه في ذهن السامع نحو اسكن انت و زوجك الجنة.»

اقـول: قدعرفت ان التوكيد هو التابع الذي يؤتي به لتوكيد المتبوع فبهذا التعريف

 

«* المعاني صفحه 283 *»

تستطيع ان‏تعرف الاغراض التي تبعث المتكلم علي تقييد الاسناد بالتوكيد.

منها: «ظن المتكلم ان السامع غافل او انه مستخف بحكمه و قوله».

منها: «ارادة المتكلم تشديد الامر علي السامع او شدة اقباله».

منها: «تقرير الامر في ذهن السامع».

منها: «حفظ السامع بحيث لاينساه حتي يؤدي كما سمع اذا احتاج اليه».

منها: «رفع ظن السامع ان المتكلم قدسهي او بالغ في حكمه او استعمل المجاز في كلامه».

منها: «خوف عدم التفات السامع الي اول الكلام لطوله».

و بالجملة كل موضع يحتاج المتكلم الي تأكيد ماتكلم به فهو من الواضع البلاغية و يكون فيه غرض من تلك الاغراض.

المبحث الثالث: التقييد بالنعت

قال بعضهم: «اما النعت فيؤتي به للمقاصد و الاغراض التي يدل عليها:

منها: تخصيص النعت فيؤتي بصفة تميزه ان كان نكرة نحو جاءني رجل تاجر.

و منها: توضيح المنعوت اذا كان معرفة لغرض من الكشف عن حقيقته نحوالجسم الطويل العريض يشغل حيّزاً من الفراغ.

او التأكيد نحو تلك عشرة كاملة و امس الدابر كان يوماً عظيماً.

او المدح نحو حضر سعد المنصور

او الذم نحو و امرأته حمالة الحطب

او الترحم نحو قدم زيد المسكين

اقـول: قدعرفنا النعت بانه تابع خارج عن ذات المتبوع و صفة خارجة عن حقيقتها فهو عرض قديلاحظه المتكلم و يذكره بعد ذكر الذات لغرض من الاغراض البلاغية فكل لفظ دال علي عرض من الاعراض السبعة: الكم ، الكيف ، الاضافة ، المكان، الزمان ، الوضع ، الفعل، يمكن ان‏ينعت به الشي‏ء لان العرض ظهور الذات و ظلها

 

«* المعاني صفحه 284 *»

و نورها و صفتها فيجوز ان‏يقع نعتاً للذات و المراد من الذات الذات الاضافي ففي الدعاء و اطلب العفو منك اذ العفو نعت لكرمك .

فمن اهم تلك الاغراض تعيين احد المشتركين من الذوات في اسم خاص كـزيد اذا كان المسمي به اكثر من واحد فتقول جاء زيد العالم و يؤتي بهذا النعت للتعريف في الواقع لان تعدد المسمي باسم واحد يوجب التنكر و لهذه الجهة يحتاجون الي الالف و اللام في زيدين.

و من هذا الباب التخصيص و هو اقل مراتب التعريف نحو جاءني رجل تاجر.

و قديؤتي به للـتعميم نحو ان اللّه يرزق عباده البر و الفاجر.

او الابهام نحو تصدق بصدقة قليلة او كثيرة.

او التفصيل نحو مررت برجلين عربي و اعجمي.

او المدح نحو بسم اللّه الرحمن الرحيم.

او الاسترحام نحو انا عبدك المسكين.

او الفخر نحو انا زيد العليم الحكيم.

او التوكيد نحونفخة واحدة و غير ذلك من المقاصد.

و اما الاستشهاد للـتوكيد بالكريمة المباركة تلك عشرة كاملة ففي غير محله. و قال سيد قطب في تفسيره (في ظلال القرآن) بعد قوله تعالي تلك عشرة كاملة: «ينص عليها نصاً للتوكيد و زيادة البيان» انتهي.

و ليس ذلك منهم بغريب لانهم مااخذوا علم القران و تفسيره عن مصادره الالهية ففسروا القران بآرائهم و شملهم قوله7 من فسر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار. و ليس المراد من توصيف عشرة بـكامله «التوكيد» بل المراد: ان كمالها كمال الاضحية و استكملت ثواب الهدي.

و روي في تفسير نورالثقلين عن تهذيب الاحكام باسناده عن عبداللّه بن سليمان الصيرفي قال: قال ابوعبداللّه7 لسفيان الثوري ماتقول في قول اللّه تعالي فمن تمتع

 

«* المعاني صفحه 285 *»

بالعمرة الي الحج فما استيسر من الهدي فمن لم‏يجد فصيام ايام في الحج و سبعة اذا رجعتم تلك عشرة كاملة اي شي‏ء يعني بكاملة؟ قال: سبعة و ثلثة. قال: و يختل ذا علي ذي‏حجي ان سبعة و ثلثة عشرة؟ قال: فاي شي‏ء هو؟ اصلحك اللّه. قال: انظر. قال: لا علم لي فاي شي‏ء هو اصلحك اللّه؟ قال: الكاملة كمالها كمال الاضحية سواء اتيت بها او لم‏تأت فالاضحية تمامها كمال الاضحية.

و فيه عن علي بن ابراهيم عن ابيه رفعه في قوله تعالي فمن لم‏يجد فصيام ثلثة ايام الاية قال كمالها كمال الاضحية انتهي.

ثم العجب من بعض المتسمين بالمفسر من المنتحلين الي التشيع كيف غفلوا عن هذه البديهة و اتبعوا العامة العمياء في تفسيرهم لهذه الكريمة كما اتبعوهم في غيرها ايضاً. فمنهم من قال في تفسيره تلك عشرة كامله: «تأكيد بانجام ده روز كامل است تا بدل هدي باشد و يا اين ده روز كمال و متمم حج بجاي هدي مي‏باشد».انتهي

و منهم من قال في تفسيره الميزان: «تلك عشرة كامله اي الثلاثة و السبعة عشرة كاملة و في جعل السبعة مكملة للعشرة لا متممة دلالة علي ان لكل من الثلاثة و السبعة حكماً مستقلاً اخر علي ما مر من معني التمام و الكمال في اول الاية فالثلاثة عمل تام في نفسه و انما تتوقف علي السبعة في كمالها لاتمامها» انتهي.

انظر الي هذا الرجل الذي فسر القرآن علي زعمه بالقرآن كيف يقول في القرآن برأيه و كيف يخبط خبط العشواء.

و من اقسام التقييد بالنعت «ارادة النعوت الخارجية الكونية و الاشباح النورية او الظلمانية» بالتبعية و الفرعية بعد ارادة شواخصهما بالاصالة في الكلام. كما اذا قلنا اللهم صل علي محمّد وآل‏محمّد العلماء الابرار الاخيار و اردنا من العلماء الائمة الطاهرين المعصومين: بالاصالة لقولهم نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و ساير الناس غثاء ثم اردنا من العلماء شيعتهم النقباء و النجباء و الكاملين ارواحنا لهم الفداء بالتبعية و الفرعية لقول علي7 لكميل عليه الرحمة، بعد مااخرجه الي الجبان و اصحر و تنفس

 

«* المعاني صفحه 286 *»

الصّعداء:

يا كميل بن زياد ان هذه القلوب اوعية فخيرها اوعاها فاحفظ عنّي ما اقول لك الناس ثلاثة: فعالم رباني و متعلم علي سبيل نجاة و همج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم‏يستضيؤا بنور العلم و لم‏يلجؤا الي ركن وثيق الحديث([16]) فانهم نعوت ائمتهم و ظواهر ساداتهم: في رتبة رعيتهم.

و قال شيخنا الاوحد اعلي الله مقامه الشريف في شرح الزيارة عند قوله7السلام عليكم يا اهل بيت النبوة كلاماً نيراً ينبغي ان‏يكتب بالنور علي الواح الصدور بل علي صفحات القلوب. قال روحي لتراب مرقده الفداء:

«و الحاصل ان المراد بالاهل، الائمة المعصومون لا غير. هذا اذا اريد السلام علي اهل البيت بالاصالة ولو لوحظ ما هو اعم دخلوا الخاص من الشيعة بالتبعية فانهم من اهل البيت و خلقوا من فاضل طينتهم و عجنوا بماء ولايتهم. كما رواه ابن طاووس عن الحجة7 و غيره و بيان التبعية كتبعية القائم في المجي‏ء لـزيد في قولك جاء زيد القائم فان المجي‏ء لم‏يسند الا الي زيد و اما قائم فلايسند اليه المجي‏ء اصلاً و انما ارتفع لان المجي‏ء اسند الي زيد لضم وصفه به فكان ضم القائم اليه مبيناً لاجمال زيد لا لحال مجيئه لتكون له مشاركة في المجي‏ء فارتفع لملابسته لزيد في المجي‏ء.

فاتباعهم يدخلون معهم لملابستهم لهم حين يسند اليهم: مايخصون به من الامور المشتركة ظاهراً فخواص الشيعة يدخلون في تبعية السلام علي ائمتهم بل تفوق بعض العارفين و قال: اذا قلنا السلام عليكم انما نعني شيعتهم لان مقامهم: اجل من ان‏يسلم عليهم و يتمثل بكلام مجنون ليلي حيث يقول:

 

«* المعاني صفحه 287 *»

سلامي‏علي جيران ليلي فانها
  اعز علي العشاق من ان‏يسلما
فان ضياء الشمس نور جبينها
  نعم وجهها الوضّاح يشرق حيثما»

انتهي كلامه الشريف اعلي‏اللّه مقامه.

و كذا يدخلون في اللعن و العذاب اشياع اعدائهم و اشباحهم الظلمانية بالتبعية عند اللعن علي اصول الكفر و العدوان. اللهم العن اول ظالم ظلم حق محمّد و آل‏محمّد و آخر تابع له علي ذلك. اللهم العنهم لعناً وبيلاً و عذبهم عذاباً اليماً.

المبحث الرابع

في التقييد بعطف النسق([17])

قدعرفت ان عطف النسق لايكون تابعاً بل هو عديل الاصل فلايكون قيداً للاسناد و انما هو اسناد برأسه قداستغني عن ذكر العامل فيه بذكر العامل في المعطوف عليه لاتحاد لفظي العاملين و عدم الحاجة الي التكرار و وجود القرينة. ولكن ذكرناه هنا اي في القيود، جرياً مجري القوم.

فقالوا: «اما عطف النسق فيؤتي به للاغراض الاتية:

1ـ «لتفصيل المسنداليه باختصار» نحو جاء سعد و سعيد فانه اخصر من «جاء سعد و جاء سعيد» و لايعلم منه تفصيل المسند لان الواو لمطلق الجمع.

2ـ و «لتفصيل المسند مع الاختصار» ايضاً نحو جاء نصر فمنصور او ثم منصور او جاء الامير حتي الجند لان هذه الاحرف الثلاثة مشتركة في تفصيل المسند الا ان الاول يفيد «الترتيب مع التعقيب» و الثاني يفيد «الترتيب مع التراخي» و الثالث يفيد «ترتيب اجزاء ماقبله ذاهباً من الاقوي الي الاضعف او بالعكس» نحو مات الناس حتي الانبياء».

 

«* المعاني صفحه 288 *»

اقـول: اما «الاختصار» في ذلك العطف فكلام صحيح كما عرفته مما ذكرناه. و اما تفريقهم بين الواو و بين ساير ادوات العطف فغير صحيح اذ تفريقهم هذا متفرع علي ان الواو لمطلق الجمع بين المتعاطفين من غير ترتيب و استدلوا علي ذلك بوقوعها في ما لاترتيب فيه نحو هذا فراق بيني و بينك و قوله و ادخلوا الباب سجداً و قولوا حطة و في آية اخري و قولوا حطة و ادخلوا الباب سجداً (و القصة واحدة) و في تقديم المؤخر رتبة نحو و اسجدي و اركعي.

و حملوا علي التكاليف الشرعية قول الصادق7 في قوله تعالي ان الصفا و المروة من شعائر اللّه، فابدأ بما بدأ اللّه تعالي و قول الباقر7 في آية الوضوء ابدأ بما بدأ اللّه عزوجل.

و الحق: ان الواو تكون للترتيب مطلقاً ولكن يختلف الترتيب في ملاحظه المتكلم في كلامه.

فقديلاحظ الترتيب في الحكم المذكور في الاسناد كما في قول الصادقين8.

و قديلاحظ الترتيب في الشرف نحو و منك و من نوح و ابراهيم.

و قديلاحظ الترتيب في القرب و البعد نحو يوم تبدل الارض غير الارض و السموات.

و قديلاحظ الترتيب في الاعلي و الاسفل نحو فاغسلوا وجوهكم و ايديكم الي المرافق و امسحوا برؤسكم و ارجلكم و نحو الذي خلق السموات و الارض.

و قديلاحظ الترتيب في اليمين و اليسار نحو ان الصفا و المروة او في الشرف ايضا.

و بالجملة اذا كان المتكلم حكيماً فلايقدم شيئاً الا بمرجح يرجح ان يبدأ المتكلم كلامه به و كلامنا في المتكلم البليغ و اما غير البليغ و الفصيح فقديقدم ما حقه التأخير و يؤخر ما حقه التقديم و ليس كلامنا فيه. فالواو للترتيب مطلقاً كما صرح بذلك مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه و ذهب اليه بعض البصرية و الكوفية ولكن لاتفيد التراخي فتفيد

 

«* المعاني صفحه 289 *»

تفصيل المسند ايضاً.

و اما الـفاء فهي للترتيب مع تراخ قليل نحو خلقك فسويك.([18]) و يكفي في الترتيب و التراخي ان‏يكون اول حصول المعطوف بعد المعطوف عليه نحو الم‏تر ان اللّه انزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة و المراد من الترتيب مع التراخي اعم من الرتيب الزماني و الرتبي و الذكري كقوله تعالي اهلكناها فجاءها بأسنا فلايجوز الاستدلال بهذه الاية و امثالها علي نفي الترتيب في معني الفاء.

و من هذا الباب عطف «تفصيل المجمل علي المجمل» نحو فقد سألوا موسي اكبر من ذلك فقالوا ارنا اللّه و نحو نادي نوح ربه فقال رب ان ابني من اهلي.

فلايكون استعمالها في الترتيب الذكري مجازاً كما زعم بعضهم ذلك و قال «قدتجي‏ء الفاء للتعقيب في الذكر دون الزمان اما مع ترتيب ذكر الثاني علي الاول كما في تفصيل الاجمال في قوله تعالي و نادي نوح ربه فقال رب ان ابني من اهلي و نحو قوله تعالي ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوي المتكبرين.

و اما بدون ترتيب و ذلك عند تكرير اللفظ الاول نحو باللّه فباللّه. فنزلوا الترتيب في الذكر منزلة الترتيب الزماني المستفاد منها باصل الوضع ولذا يكون استعمالها في الترتيب الذكري مجازاً». انتهي.

و انت تعلم ان الوضع هو الاستعمال و ان الواضع هو اللّه سبحانه و هو الذي استعمل الفاء في كلامه المجيد للترتيب الذكري فما معني المجاز «فالفاء للترتيب مع قليل تراخ مطلقاً» فتدبر.

و اما ثمّ فللترتيب و التراخي الطويل المطلق اي الاعم من الواقعي و الذكري نحو

 

«* المعاني صفحه 290 *»

اماته فاقبره ثم اذا شاء انشره و اما الذكري فنحو خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها([19]) لان المعطوف عليه اهم من المعطوف و اولي بالذكر منه و قيل هي بمعني الواو بدليل آية اخري هو الذي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها.

و يمكن ان‏نقول لاتنافي بين الايتين فان الاولي ناظرة الي ماقلنا من اهمية واحد من الاخر و الثانية ناظرة الي مطلق الترتيب و التعقيب.

فلايصغي الي ماقيل في ذلك: «من انه قديجي‏ء ثمّ للتراخي في الذكر دون الزمان مجازاً، اما مع ترتيب ذكر الثاني علي الاول نحو:

ان من ساد ثم ساد ابوه   ثم ساد قبل ذلك جده

و نحو:

هو الكلب و ابن الكلب و الكلب جده   و لا خير في كلب تناسل من كلب

 

 

«* المعاني صفحه 291 *»

فان الغرض ترتيب درجات حال الممدوح في البيت الاول فابتدأ بسيادته ثم بسيادة ابيه ثم بسيادة جده. و اما بدون ترتيب نحو و ما ادريك ما يوم الدين ثم ما ادراك ما يوم الدين. و لاستبعاد مضمون جملة عن مضمون جملة اخري نحو ثم انشأناه خلقاً آخر. ففي كل هذه الامور نزلوا الترتيب فيها منزلة الترتيب الزماني المستفاد من «ثمّ» باصل الوضع فيكون استعمالها فيها مجازاً». انتهي

و قدعرفت القول في الترتيب الذكري. و اما الاستشهاد للصورة الثانية بقوله تعالي ثم ما ادراك ما يوم الدين ففيه ان «ثمّ» قدتكون لمجرد التدرج في الارتقاء كقوله تعالي كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون.

و اما قوله تعالي ثم انشأناه خلقاً آخر فهي للتراخي الواقعي و التدرج الزماني فان اللّه خلق الانسان من سلالة خارجة من طين ثم جعله نطفة في قرار مكين اربعين يوماً ثم خلق النطفة اي احالها علقة في اربعين يوماً و خلق العلقة اي احالها مضغة في اربعين يوماً و خلق المضغة عظاماً و كسي العظام لحماً ثم انشأناه خلقاً آخر و هو الحيوانية و نفخ الروح فيه فتبارك اللّه احسن الخالقين.

و اما قولهم في حتي انها «تفيد ترتيب اجزاء ماقبله ذاهباً من الاقوي الي الاضعف او بالعكس» فالحق ماقاله مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه: «من انها حرف تفيد انتهاء المسافة و انت اذا اسندت فعلاً الي ذي‏مسافة و تريد ان‏تفهم امتداد فعلك الي انتهاء المسافة تجي‏ء بـحتي و ليست بعاطفة آخر المسافة علي اولها من دون الوسط فتدبر و انصف».

فالمعطوف في «حتي» اما هو بعض المعطوف عليه او شبهه او غاية له فالاول نحو اكلت السمكة حتي رأسها و جاء الحاج حتي المشاة و الثاني نحو:

القي الصحيفة كي يخفّف رحله   و الزاد حتي نعله القاها

(اي القي في الماء) و يعجبني الجارية حتي كلامها و الثالث نحو: فلان يهب الاعداد حتي الالوف و مات الناس حتي الانبياء.

 

«* المعاني صفحه 292 *»

3ـ و «لرد السامع الي الصواب» مع الاختصار نحو جاء نصر لا منصور. او لكن منصور.

4ـ و «لصرف الحكم الي آخر» نحو ما جاء منصور بل نصر.

اقـول: ذكر لا و لكن و بل في هذا المبحث (التقييد بعطف النسق) مبني علي ما ذهب اليه القوم من كون هذه الادوات من الحروف العاطفة.

و الحق ان لا وضعت لمعان منها الاضراب. و الاضراب: هو ان‏يتكلم الانسان بكلام عمداً او سهواً ثم يضرب عنه صفحاً و يتكلم بغيره و ذلك اما لاهمال الاول و الحكم علي الثاني و اما لرفع توهم السامع شركة غير المحكوم عليه معه و اما لاثبات ضده علي غيره و امثال ذلك من الاغراض البلاغية نحو جاء زيد لا عمرو فهي اضرابية و سماها القوم عاطفة.

و اما لكن فهي المشددة المشبهة بالفعل فبعد التخفيف و الاهمال استعملت في «الاضراب» بالمناسبة نحو ما مررت برجل لكن امرأة و الجر لاضمار «لكن مروري بامرأة» لا لكونها عاطفة كما اذا استعملت مع الواو نحو ما كان محمّد ابا احد من رجالكم ولكن رسول اللّه و خاتم النبيين. فانهم مااختلفوا في انها حينئذ ليست بعاطفة. ففي قولك مامررت برجل لكن امرأة فعدم مرورك بالرجل ثابت محقق و انما تنفي بكلامك هذا توهم السامع شركة المرأة معه.

و اما بل: فلا شك انها من حروف الاضراب و تكون «لصرف المخاطب عن الحكم السابق و الانكار عليه و ايقافه علي الحق» نحو قالوا اتخذ الرحمن ولداً بل عباد مكرمون و نحو ام يقولون به جنّة بل جاءهم بالحق.

و «لتدارك الغلط» نحو ضربت زيداً بل اكرمته.

و «للانتقال من امر الي امر اهم منه» نحو اتأتون الذكران من العالمين و تذرون ما خلق لكم ربكم من ازواجكم بل انتم قوم عادون.

5 ـ و «للشك من المتكلم» او «التشكيك للسامع» او «للابهام» نحو قوله تعالي انا

 

«* المعاني صفحه 293 *»

او اياكم لعلي هدي او في ضلال مبين.

6 ـ و «للاباحة» او «التخيير» مثال الاول تعلم نحواً او صرفاً او نحو تعلم اما صرفاً و اما نحواً و مثال الثاني تزوج هنداً او اختها او نحو تزوج اما هنداً و اما اختها.

اقـول: تكون او «لحصول الشك بعد الخبر» نحو لبثنا يوماً او بعض يوم.

و «للابهام» نحو ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة. ففي الحديث قال7«ابهم عن السامعين و لم‏يبين لهم كما يقول القائل اكلت خبزاً او لحماً و هو لايريد اني لا ادري بل يريد به ان‏يبهم عن السامع حتي لايعلم ماذا اكل و ان كان يعلم انه قداكل و ليس معناه بل اشد قسوة لان هذا استدراك غلط و هو عز و جل يرتفع ان‏يغلط في خبره ثم يستدرك علي نفسه الغلط».انتهي

و اما قوله تعالي و انا او اياكم لعلي هدي او في ضلال مبين فهو من باب «الابهام» في مقام المداراة مع الخصم.

و تكون «للاباحة» نحو جالس العلماء او الزهاد.

و «للتخيير بعد الطلب» نحو تزوج زينب او اختها و عن الصادق7 كل شي‏ء في القران «او» فصاحبه فيه بالخيار يختار مايشاء و كل شي‏ء في القران «فمن لم‏يجد فعليه كذا» فالاول الخيار.

و تكون «للتفصيل» نحو كونوا هوداً او نصاري.

و «للتقسيم» و «الترديد» نحو الكلمة اسم او فعل او حرف. و اما تكون بمعني او.

المبحث الخامس

في التقييد بضمير الفصل

قالوا: «يؤتي بضمير الفصل لاغراض كثيرة:

منها: التخصيص نحو الم‏يعلموا ان اللّه هو يقبل التوبة عن عباده.

و منها: تأكيد التخصيص اذا كان في التركيب مخصص آخر كقوله تعالي ان اللّه هو التواب الرحيم.

 

«* المعاني صفحه 294 *»

و منها: تمييز الخبر عن الصفة نحو العالم هو العامل بعلمه».

اقـول: كناية العماد عند الكوفيين و الفصل عند البصريين هي مايؤتي‏بها اذا احتمل الاشتباه في الخبر بالنعت نحو زيد العالم فيحتمل ان‏يظنه السامع نعتاً و ينتظر الخبر فلرفع هذا الاشتباه يؤتي بهذه الكناية بين المبتدأ و الخبر حالاً او صلوحاً ليعتمد عليها في رفع الاشتباه نحو و الذي اوحينا اليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لما بين يديه و نحو و يري الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك هو الحق و يهدي الي صراط العزيز الحميد و هذا هو الغرض الاهم في الاتيان بكناية العماد.

و قيل في ذلك: «ان ضمير الفصل يؤتي‏به لفائدتين احديهما لفظية و هي ان‏يتميز الخبر من التابع كما مرّ و الثانية معنوية و هي قصر المسند علي المسنداليه لان معني قولك زيد هو الكريم ان الكريم مقصور علي زيد لايتجاوزه الي عمرو و لذلك يقال في تأكيده: لا عمروٌ او قصر المسنداليه علي المسند نحو الغيور هو زيد اي ليس الغيور الا زيداً. فاذا كان القصر حاصلاً بدون ضمير الفصل كان الضمير للتوكيد نحو ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله. و ربما اجتمعت الاغراض الثلاثة نحو اولئك هم المفلحون فانه يحتمل فصل الخبر عن النعت و يحتمل القصر و التوكيد».

المبحث السادس

في التقييد بالنواسخ

قالوا: «التقييد بها يكون للاغراض التي تؤديها معاني الفاظ النواسخ كالاستمرار او لحكاية الحال الماضية في كان و كالتوقيت بزمن معين في ظلّ و بات و اصبح و امسي و اضحي و كالتوقيت بحالة معينة في مادام و كالمقاربة في كاد و كرب و اوشك و كالتأكيد في اِنّ و اَنّ و كالتشبيه في كأنّ و كالاستدراك في لكن و كالرجاء في لعلّ و كالتمني في ليت و كاليقين في وجد و الفي و دري و علم و كالظن في خال و زعم و حسب و كالتحول في اتخذ و جعل و صيّر.

ثم قالوا توضيحاً: ان الجملة تنعقد من الاسم و الخبر او من المفعولين اللذين

 

«* المعاني صفحه 295 *»

اصلهما مبتدأ و خبر و يكون الناسخ قيداً فاذا قلت رأيت اللّه اكبر كل شي‏ء فمعناه «اللّه اكبر كل شي‏ء» علي وجه العلم و اليقين… و هكذا».

اقـول فيه: اولاً تسميتهم تلك الكلمات بـالنواسخ من الاغلاط فانه لم‏تكن قبل الكلام جملة حتي تدخل تلك الكلمات عليها و تغيّرها عما كانت عليه. نعم تعقب تلك الكلمات ابتداءً بكلمات تصلح لان‏تكون مبتدأ و خبراً و ثانياً تسميتهم الجزئين بـالاسم و الخبر في بعض النواسخ و بـالمفعولين في بعضها ايضاً من اغلاطهم لانهم ارادوا من المفعول «المفعول‏به» و لايكون الامر كذلك.

و قدردّ عليهم مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه في جميع ذلك في كتابه الشريف «التذكرة» فراجع.

و اما المعاني التي تفيدها هذه الكلمات و يقيد الحكم بها فهي في كان و اخواتها اتصاف فواعلها بمصادرها المطلقة مقيدة بقيد آخر نحو كان زيد ضارباً فان «كان» تقيد الحكم بان المسنداليه متصف بكون مقيد بالضرب.

اما كان فتفيد الدوام او الانقطاع او صرف الكونية نحو كان زيد فاضلاً و نحو كان غنياً فاقتقر و نحو كان ربك قديراً.

و قديقصد بها صرف الزمان و تركب مع فعل آخر فتكون لتأكيد زمان ذلك الفعل نحو ماكان يصنع فرعون و قومه فقوله تعالي كان يصنع الجملة فعل ماض و يدل علي الاستمرار في الماضي بسبب لفظ المضارع.

اما صار فتفيد ثبوت مصدرها لفاعلها اي معني الكون في حال لم‏تكن نحو صار زيد عالماً اي كان عالماً بعد ان لم‏يكن. او حصول حقيقة بعد حقيقة نحو صار الخمر خلاً.

و اما اصبح و امسي و اضحي و غدا و راح و ظلّ و بات فتفيد ايضاً ثبوت مصادرها للجزء الاول في حال مخصوص نحو اصبح زيد غنياً يعني صار زيد في حال الغني.

و مازال و مابرح و مافتأ و ماانفك و مارام و ماوني فهي ايضاً تفيد استمرار ثبوت مصادرها للجزء الاول في حال معين.

 

«* المعاني صفحه 296 *»

و اما مادام فهي لتوقيت امر بمدة ثبوت المصدر للجزء الاول في حال معين فتكون تلك المدة ظرفاً فنحتاج الي كلام مفيد غيرها نحو اجلس مادام زيد جالساً.

و اما افعال الاستعداد فتفيد استعداد فواعلها للاتصاف بصفة مفاعليها. و افعال المقاربة تفيد اشراف فواعلها علي الاتصاف بصفة معينة و لما تتصف. و افعال الشروع تفيد الشروع في الفعلية و الاتصاف.

و اما الحروف المشبهة بالفعل فلافادة اثبات المسند للمسنداليه اما علي نحو التحقيق او التشبيه او الاستدراك او التمني او الترجي.

و اما التقييد بـافعال القلوب فلبيان اعتقاد المخبربه من ثبات قلبه علي وقوع القضية او تزلزله مع ترجيح الوقوع. و التقييد بـافعال التصيير تفيد ايجاد صورة علي مادة موجودة نحو صيرت الطين خزفاً فان الخزفية وجدت بفعل المصير.

المبحث السابع

في التقييد بالشرط

قالوا: «التقييد به يكون للاغراض التي تؤديها معاني ادوات الشرط كالزمان في متي و ايّان و المكان في اين و انّي و حيثما و الحال في كيفما و استيفاء ذلك و تحقيق الفرق بين تلك الادوات يذكر في علم النحو».

اقـول: الغرض الاصلي في التقييد بالشرط هو افادة سببية جملة لجملة اما واقعاً و اما جعلاً من المتكلم فلايجب ان‏يكون بينهما سببية و مسببية واقعية و تلازم حقيقي. ثم يقصد بعد هذا الغرض «معاني» اداة الشرط عند استعمال كل واحد منها.

و يذكرون هنا الفرق بين ان و اذا و لو لاختصاصها بمزايا تعد من وجوه البلاغية و يقولون: «الاصل عدم جزم و قطع المتكلم بوقوع الشرط في المستقبل مع ان و من ثم كثر ان‏تستعمل «ان» في الاحوال التي يندر وقوعها و وجب ان‏يتلوها لفظ المضارع لاحتمال الشك في وقوعه و لذا لايقال «ان طلعت الشمس ازرك» لان طلوع الشمس مقطوع بوقوعه. قال ابوتمام:

 

«* المعاني صفحه 297 *»

ان يكن في الارض شي‏ء حسن   فهو في دور بني عبدالملك

بخلاف اذا فتستعمل بحسب اصلها في كل مايقطع المتكلم بوقوعه في المستقبل و من اجل هذا لاتستعمل «اذا» الا في الاحوال الكثيرة الوقوع و يتلوها الماضي لدلالته علي الوقوع و الحصول قطعاً كقوله تعالي فاذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه و ان‏تصبهم سيئة يطيروا بموسي و من معه فلكون مجي‏ء الحسنة عنده تعالي محققاً ذكر هو و الماضي مع اذا و انما كان ما ذكر محققاً لان المراد بها مطلق الحسنة الشامله لانواع كثيرة من خصب و رخاء و كثرة اولاد كما يفهم من التعريف بال الجنسية في لفظة الحسنة.

و لكون مجي‏ء السيئة نادراً ذكر هو و المضارع مع ان و انما كان ما ذكر نادراً لان المراد بها نوع قليل و هو جدب و بلاء كما يفهم من التنكير في لفظ سيئة الدال علي التقليل.

و لو للشرط في الماضي مع الجزم و القطع بانتفائه فيلزم انتفاء الجزاء علي معني ان الجزاء كان يمكن ان‏يقع لو وجد الشرط. و يجب كون جملتيها فعليتين ماضويّتين نحو لو اتقنت عملك لبلغت املك.

و تسمي «لو» حرف امتناع لامتناع كقوله تعالي لو كان فيهما آلهة الا اللّه لفسدتا و نحو ولو شاء لهداكم اجمعين اي انتفت هدايته اياكم بسبب انتفاء مشيته لها».

اقـول: اعلم ان اِن كما قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه كالامّ لادوات الشرط و الجزاء و انها تختص بالاستقبال و ان دخلت علي الماضي و تستعمل في الامر المشكوك و ذلك لشدة ابهامه.

و اما اذا اقتضي المقام ان‏يدخل علي الماضي فالاكثر ادخاله علي «كان» نحو ان كنت قلته فقد علمته و نحو ان كان قميصه قد من قبل الاية و نحو ان كنت جئت باية و نحو ان كان غنياً فليستعفف و ان كان فقيراً فليأكل بالمعروف و اللازم في البلاغة توافق الشرط و الجزاء في المضي و الاستقبال و يجوز في غير البلاغة تخالفهما. و اما قوله تعالي اذا تتلي عليهم آيات الرحمن خروا سجدا فليس الشرط هنا بمجزوم و المراد عدم اتيانه

 

«* المعاني صفحه 298 *»

مجزوماً في الكلام البليغ.

و اما اذا فهي تستعمل في مقام العلم بالوقوع فيقال اذا كان كذا فافعل كذا و من ذلك زعمت الكوفية ان ان بالنسبة الي اللّه تعالي بمعني «اذا» لان اللّه سبحانه لايكون له شك فمعني قوله و ان كنت في شك من هذا اذا كنت . . .

و قال مولانا الكريم اعلي اللّه مقامه: «و غفلوا عن ان اللّه سبحانه ينزل الكلام الي عالم الخلق علي مصطلح الخلق فيكلمهم كما يكلم بعضهم بعضاً فلادليل علي كونها بمعني «اذا» هذا و في اخذها بمعني اذا قول بشك النبي 9 يقيناً فتدبر» انتهي.

و يقع شرطها و جزاؤها ماضيين نحو اذا انعمنا علي الانسان اعرض و نأي بجانبه او مضارعين نحو اذا يتلي عليهم يخرون و شرطها ماضياً و جزاؤها مضارعاً نحو اذا سمعوا ما انزل الي الرسول تري اعينهم و بالعكس نحو اذا تتلي عليهم آيات الرحمن خرّوا و الشرط ماضياً و الجزاء امراً نحو اذا طلقتم النساء فطلقوهن او الشرط ماضياً و الجزاء فعلاً قدم فاعله او اسمية نحو اذا دعاكم دعوة من الارض اذا انتم تخرجون فالاولي شرطية و الثانية فجائية و قال الشاعر:

و النفس راغبة اذا رغبتها   و اذا ترد الي قليل تقنع

و اما لو فقد اختلف النحاة فيها علي اقوال تشابه ماذكرنا عنهم آنفاً.

و الحق فيها علي ما قاله مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه: «انها وضعت لفرض ماليس بموجود ثم تجازي بان ماليس بموجود لو كان موجوداً لكان اي اثر يترتب علي وجوده فجملة الشرط هنا علة واقعية او جعلية لوجود جملة الجزاء كما كان عدم جملة الجزاء علة واقعية او جعلية لظهور عدم وجود جملة الشرط ان لم‏يكن لها علة اخري و الا لجاز ان‏تقوم بغير هذا الشرط و توجد به فلكل واحدة منهما علية واقعية او جعلية.

الي ان قال: فان «لو» تفيد «عدم الوجود لا الامتناع» فان قصد منكر افادتها الامتناع ماذكرنا فقد اصاب ولكنه بعيد عنهم. و كذا لايجب ان‏يكون بين الشرط و الجزاء علية خارجية حقيقة بل يكفي في صحة الكلام الجعلية فتدبر.

 

«* المعاني صفحه 299 *»

و قدعرفت مما بينا انها لفرض ماليس بموجود و هو علة واقعية او جعلية للجزاء فلابد و ان يكون الجزاء ايضاً معدوماً لانه معلوله فالجملتان معدومتان فان فرضت الاولي بلو ترتب عليها وجود الثانية و ان فرضت الثانية ترتب عليها ظهور وجود الاولي علي مابيناه فلذلك يصح ان‏تقول لو كانت العفونة في الاخلاط موجودة لكانت الحمي موجودة و لو كان النهار موجوداً لكانت الشمس طالعة اي لظهر كون الشمس طالعة و لايصح «لو كانت الحمي موجودة لكانت الاخلاط متعفنة» لجواز حدوث الحمي بسبب آخر كالاستحصاف او الغضب مثلا.

و من ثم اشتبه الامر علي النحويين فقوله سبحانه لو كان فيهما الهة الا اللّه لفسدتا فلا الالهة موجودة و لا الفساد ولكنك فرضت بلو وجود الالهة فرايت انها موجبة للفساد فلما لم‏تر الفساد استدللت به علي عدم الالهة لان عدم الفساد علة ظهور عدم وجود الالهة فافهم.

و اما قوله تعالي و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه فالمراد لنفدن قبل نفاد الكلمات كما قال في آية اخري لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلمات ربي فالجزاء «لنفدن» و هو محذوف و عدم نفاد الكلمات شاهد نفاد الابحر و كلام مستأنف فاكتفي بذكر الشاهد عن ذكر المشهود هذا.

و قديراد بـ لو نفي معلولية الجزاء للشرط المفروض الاقوي فضلاً عن الاضعف نحو لو جاء السلطان ما قدر علي اخراج زيد يعني خروج زيد ليس معلول مجي‏ء السلطان فضلاً عن غير السلطان و يمكن ايضاً ان‏تكون الاية من ذلك القبيل و منه لو اسمعهم لتولوا اي فضلاً عن عدم اسماعهم و حينئذ يتولون بالطريق الاولي.

و اصل وضع «لو» للـماضي و ان دخلت علي المضارع نحو لو يطيعكم في كثير من الامر اي لو اطاعكم. و قليلاًما تدخل علي المستقبل نحو اطلبوا العلم ولو بالصين و لكونها بمعني الماضي لم‏يجزم بها الا اضطراراً نحو:

و لو تلتقي اصداؤنا بعد موتنا   و من دون رمسينا من الارض سبسب

 

 

«* المعاني صفحه 300 *»

لظلّ صدا صوتي و ان كنت رمة
  لصوت صدا ليلي يهشّ و يطرب

انتهي.

اقـول: هذا شاهد لغير المجزوم و اصداؤنا: اصواتنا و السبسب هو المفازة و الرمة بالضم العظم البالي و يهش يرتاح.

و نقل عن الشيخ شهاب الدين احمد بن ادريس في ذيل هذه الكريمة و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه انه قال:

«قاعدة: «لو» انها اذا دخلت علي ثبوتيين كانا منفيين او منفيين كانا ثبوتيين او نفي و ثبوت فالنفي ثبوت و الثبوت نفي و بالعكس و اذا تقررت هذه القاعدة فيلزمك ان‏يكون كلمات اللّه قدنفدت و ليس كذلك و نظير هذه الاية قول النبي 9نعم العبد صهيب لو لم‏يخف اللّه لم‏يعصه يقتضي انه خاف و عصي مع الخوف و هو اقبح. و ذكر الفضلاء في الحديث وجوهاً اما الاية فلم‏ار لاحد فيها و يمكن تخريجها علي ما قالوه في الحديث غير اني ظهر لي جواب عن الحديث و الاية جميعاً ساذكره.

قال ابن‏عصفور: «لو» في الحديث بمعني «اِن» لمطلق الشرط و ان لايكون كذلك.

و قال شمس الدين الخسروشاهي: «لو» في اصل اللغة لمطلق الربط و انما اشتهرت في العرف بماذكر و الحديث انما ورد بالمعني اللغوي لها.

و قال الشيخ عزالدين: الشي‏ء الواحد يكون له سببان فلايلزم من عدم احدهما عدمه و كذلك هيهنا الناس في الغالب انما لم‏يعصوا لاجل الخوف فاذا ذهب الخوف عصوا فاخبر9 ان صهيباً اجتمع له سببان يمنعانه عن المعصية الخوف و الاجلال.

و اجاب غيرهم: بان الجواب محذوف تقديره «لو لم‏يخف اللّه عصاه».

و الذي ظهر لي ان «لو» اصلها ان‏تستعمل للربط بين شيئين كما تقدم ثم انها تستعمل لقطع الربط تقول لو لم‏يكن زيد عالماً لاكرمه اي لشجاعته جواب لسؤال سائل يقول: انه اذا لم‏يكن عالماً لم‏يكن ربط بين عدم العلم و الاكرام فتقطع انت ذلك الربط و ليس مقصودك ان‏تربط بين عدم العلم و الاكرام لان ذلك ليس بمناسب و كذلك

 

«* المعاني صفحه 301 *»

الحديث و كذلك الاية كما كان الغالب علي الناس ان‏يرتبط عدم عصيانهم بخوف اللّه تعالي فقطع رسول اللّه 9 ذلك الربط و قال لو لم‏يخف اللّه لم‏يعصه و لما كان الغالب علي الاوهام ان الاشجار كلها اذا صارت اقلاماً و البحر مداداً مع غيره يكتب به الجميع فيقول الوهم مايكتب بهذا شي‏ء الانفد فقطع اللّه تعالي هذا الربط و قال ما نفدت » انتهي.

تنبيهات:

الاول: قال السكاكي (علي ما نقل عنه): «قديقيد الفعل بالشرط لاعتبارات تستدعي التقييد به و لايخرج الكلام بتقييده به عما كان عليه من الخبرية و الانشائية فالجزاء ان كان خبراً فالجملة خبرية نحو ان جئتني اكرمك اي اكرمك لمجيئك و ان كان انشاء فالجملة انشائية نحو ان جاءك خليل فاكرمه اي اكرمه وقت مجيئه قالوا فالحكم عنده في الجمل المصدرة بـان و امثالها في الجزاء و اما نفس الشرط فهو قيد للمسند فيه و قدخرجته الاداة عن الخبرية و احتمال الصدق و الكذب.

فعلم من كلامهم ان المقصود بالذات من الجملة الشرطية هو الجواب فاذا قلت ان اجتهد زيد كافأته كنت مخبراً بانك ستكافئه ولكن في حال حصول الاجتهاد لا في عموم الاحوال. فعلي ذلك انها تعد خبرية او انشائية باعتبار جوابها».

اقـول: لما وضع الشرط لاعلام العلقة بين حدث و حدث لايجوز ان‏يكون الشرط «انشائياً» لانه ينافي معني الترديد الشرطي ولكن يجوز ذلك في الجزاء. فانه قديراد الاخبار بترتب مسبب علي سبب في الزمان الماضي فتدخل اداة الشرط علي الماضي نحو ان كان قميصه قد من قبل فصدقت و هو من الكاذبين و ان كان قميصه قد من دبر فكذبت و هو من الصادقين و قال اللّه تعالي من جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار.

و قديلاحظ حال المسبب علي ان السبب ماضٍ بالنسبة اليه فتقول ان جاءك زيد فاكرمه فان وقت المجي‏ء ماض بالنسبة الي وقت الاكرام و كقوله تعالي من كان يريد الحيوة الدنيا و زينتها نوف اليهم اعمالهم لان الدنيا بالنسبة الي الاخرة ماضية.

و قديريد المتكلم الاخبار بالترتب في الزمان الاتي نحو ان‏تعودوا نعد. و بالجملة

 

«* المعاني صفحه 302 *»

فيجوز في الجزاء الامر و النهي و الاستفهام و التمني و العرض و التحضيض و الدعاء و النداء.

الثاني: قالوا: «ما ذكر من الفرق بين «ان» و «اذا» هو مقتضي الظاهر و قديخرج الكلام علي خلافه فتستعمل ان في الشرط المقطوع بثوبته او نفيه لاغراض كثيرة:

كـالتجاهل نحو قول المعتذر ان كنت فعلت هذا فعن خطاء.

و كتنزيل المخاطب العالم منزلة الجاهل لمخالفته مقتضي علمه. كقولك للمتكبر توبيخاً له ان كنت من تراب فلاتفتخر.

و كتغليب غير المتصف بالشرط علي المتصف به. كما اذا كان السفر قطعي الحصول لزيد غير قطعي لعمرو فتقول ان سافرتما كان كذا ففيه تغليب لمن لم‏يقطع له بالسفر علي من قطع له به فاستعملت «ان» في المجزوم و هو من قطع له به بسبب تغليبه علي من لم‏يقطع له به و هذا السبب مساغ لذكر «ان». و «التغليب» الذي هو ان‏يعطي احد المصطحبين او المتشاكلين حكم الاخر، باب واسع يجري في اساليب كثيرة لنكات عديدة تطلب في المطولات.

و قدتستعمل اذا في الشرط المشكوك في ثبوته او نفيه لاغراض:

منها: الاشعار بان الشك في ذلك الشرط لاينبغي ان‏يكون مشكوكاً فيه بل لاينبغي ان لايكون مجزوماً به. نحو اذا كثر المطر في هذا العام اخصب الناس.

و منها: تغليب المتصف بالشرط علي غير المتصف به. نحو اذا لم‏تسافرا كان كذا و هلم جرا من عكس الاغراض التي سبقت».

الثالث: قالوا: «لما كانت ان و اذا لتعليق الجزاء علي حصول الشرط في المستقبل وجب ان‏يكون شرط و جزاء كل منهما جملة فعلية استقبالية لفظاً و معني كقوله تعالي و ان يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل و نحو:

و النفس راغبة اذا رغبتها   و اذا ترد الي قليل تقنع

و لايعدل عن استقبالية الجملة لفظاً و معني الي استقباليتها معني فقط الا لدواع

 

«* المعاني صفحه 303 *»

غالباً.

منها: «التفأل» نحو ان عشتُ فعلتُ الخير.

و منها: «تخيل اظهار غير الحاصل» و هو الاستقبال في صورة الحاصل و هو الماضي نحو ان مت كان ميراثي للفقراء.

و قدتستعمل «ان» في غير الاستقبال لفظاً و معني و ذلك فيما اذا قصد بها تعليق الجزاء علي حصول الشرط الماضي حقيقة كقول ابي العلاء المعري:

فيا وطني ان فاتني بك سابق
  من الدهر فلينعم بساكنك البال

و قدتستعمل «اذا» ايضاً في الماضي حقيقة نحو اذا ساوي بين الصدفين و للاستمرار نحو و اذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا».

اقـول: قدعرفت فيما مضي من احوال ادوات الشرط مايغنيك هنا و ليحسن ان‏تعلم ان اذا اسم و الدليل علي اسميتها قوله تعالي حتي اذا جاؤها حيث دخل عليها الجار.

الرابع: «علم مما تقدم من كون لو للشرط في الماضي لزوم كون جملتي شرطها و جزائها فعليتين ماضويتين و عدم ثبوتهما و هذا هو مقتضي الظاهر.

و قديخرج الكلام علي خلافه فتستعمل «لو» في المضارع لدواع اقتضاها المقام و ذلك:

كالاشارة الي ان المضارع الذي دخلت عليه يقصد استمراره فيما مضي وقتا بعد وقت و حصوله مرة بعد اخري. كقوله تعالي لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم اي امتنع عنتكم اي وقوعكم في جهد و هلاك بسبب امتناع استمراره فيما مضي علي اطاعتكم.

و كتنزيل المضارع منزلة الماضي في تحقق الوقوع لصدوره عمن المستقبل عنده حاضر و لاتخلف في اخباره كقوله تعالي ولوتري اذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم نزل وقوفهم علي النار في يوم القيمة منزلة الماضي فاستعمل فيه «اذ» و لفظ الماضي. و حينئذ فكان الظاهر ان‏يقال «ولو رأيت» بلفظ الماضي لكن عدل عنه الي المضارع تنزيلاً للمستقبل الصادر عمن لا خلاف في خبره منزلة الماضي الذي علم و تحقق معناه كانه

 

«* المعاني صفحه 304 *»

قيل: قدانقضي هذا الامر و مارأيته و لو رأيته لرأيت امراً عظيماً».

اقـول: اعلم ان الحكم بلزوم كون جملتي الشرط و الجزاء في لو فعليتين ماضويتين تحكّم صرف صدر عن اجتهاد القوم و الحق ان «لو» الشرطية لما تعلق الجواب علي الشرط ـ و لهذه الجهة تسمي بـالتعليقية ـ فان كان التعليق في المستقبل و وليها ماض اوّل بالمستقبل نحو و ليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم اي لو شارفوا ان‏يتركوا. لان الخطاب قبل الترك و لذلك تخلص المضارع للاستقبال في هذه الصورة نحو:

لايلفك الراجوك الا مظهراً   خُلُقَ الكرام و لو تكون عديما

لايلفك اي لايجدك و مظهراً حال من مفعول الراجوك و العديم اي الفقير.

و منه قوله تعالي و لوتري اذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم فان لو جوابه محذوف و عامل اذ، تري و ناكسوا اي مقلبوا.

و «اذ» كما تستعمل للماضي مع القطع بوقوع الحدث فكذلك قدتستعمل للمستقبل كقوله تعالي فسوق يعلمون اذ الاغلال في اعناقهم و نحو يومئذ تحدث اخبارها فاين التنزيل في هذه الموارد و اين لفظ الماضي في الكريمة فتدبر.

و اما اذا كان التعليق في الماضي و هو الاكثر و وليها مضارع اوّل نحو لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم اي لو اطاعكم. و هذه الكريمة في سورة الحجرات و هي: و اعلموا ان فيكم رسول اللّه لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم و لكن الله حبب اليكم الايمان و زينه في قلوبكم و كرّه اليكم الكفر و الفسوق و العصيان اولئك هم الراشدون فضلاً من اللّه و نعمة و اللّه عليم حكيم.

و قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه في تفسير ظاهرها: «ثم خاطب اللّه المؤمنين و اراد ان‏يعرفهم ان‏تشريع النبي 9 الشرايع و وضعه السنن ليس علي حسب مايحبون و مايكرهون و انما هو بامر اللّه و حكمه و تشريعه فقال و اعلموا ايها المؤمنون ان فيكم رسول اللّه اي من ارسله اللّه و بعثه اليكم و انتجبه و اصطفاه عليكم و جعله سلطاناً

 

«* المعاني صفحه 305 *»

عليكم و جعل طاعته طاعته و معصيته معصيته و امره امره و نهيه نهيه لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم و وقعتم في المشقة و الجهد و الاثم و الخطاء و الفساد و الهلاك و الشدة و الفجور و الانكسار و الوهي لاختلاف آرائكم و اهوائكم و تضادها بسبب شهواتكم و تعاديكم و تباغضكم و ارادة بعضكم اهلاك بعض بحسب مابينكم من الاحن و التحاسد و التباغض.

و لاجل ان نفوسكم امارة بالسوء فلو اطاعكم رسول اللّه 9 فامركم بماتحبون الامر به في دينه و شرعه و نهاكم عما تكرهون في دينه لأدّي ذلك الي التخالف و التناقض و دل علي ان دينه ليس من عند اللّه الواحد كما قال لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فلايجوز ان‏يطيع رسول اللّه اهواءكم كما قال و لو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات و الارض.

و قوله في كثير من الامر يشعر بانه لو اطاعكم في قليل من الامر لما عنتم و ذلك في ساير الامور البشرية مما لايتعلق بشريعة كاجابة دعوة او قيام او قعود او حركة او سكون و امثال ذلك و اما في الشرع و الدين فهو تابع لامر اللّه الذي ارسله كما قال ان اتبع الا ما يوحي الي فهو لايطيعكم و عليكم ان‏تطيعوه و من يطع الرسول فقد اطاع اللّه». انتهي كلامه الشريف و انما نقلناه حتي يتبين لك المراد من الكريمة المباركة. و قدظهر بحمداللّه انه لا اخراج للكلام عن «مقتضي الظاهر و القواعد الصحيحة» كما كان الامر كذلك في التنبيه السابق.

المبحث الثامن

في التقييد بالنفي

قالوا: «التقييد بالنفي يكون لسلب النسبة علي وجه مخصوص مما تفيده احرف النفي السبعة و هي: لا و ما و لات و ان و لن و لم و لما.

فــ«لا» للنفي مطلقا.

و «ما» و «ان» و «لات» لنفي الحال ان دخلت علي المضارع.

 

«* المعاني صفحه 306 *»

و «لن» لنفي الاستقبال.

و «لم» و «لما» لنفي الماضي الا انه بـ«لمّا» ينسحب الي مابعد زمن التكلم و يختص بالمتوقع و علي هذا فلايقال: «لما يقم خليل ثم قام» و لا «لما يجتمع النقيضان» كما يقال لم‏يقم علي ثم قام و لم‏يجتمع الضدان فلمّا في النفي تقابل «قد» في الاثبات و حينئذ يكون منفيها قريباً من الحال فلايصح «لما يجي‏ء خليل في العام الماضي».

اقـول: قدعرفت مما ذكرنا في اول الباب ان التعبير بـالتقييد بالنفي غيرفصيح بل غير صحيح لان الاسناد هو التقييد سلباً كان او اثباتاً اللهم الا ان‏يراد بالتقييد بالنفي تقييد النفي و السلب بوجه خاص يستفاد من احرف النفي.

و علي اي حال حروف النفي ستة و تفيد نفي مدخولها و هي ما و لا و لم و لما و لن و ان و اما لات فهي مؤنث «لا» و زيدت فيها تاء للمبالغة و خصّت بنفي الاحيان و حكي دخولها علي غير «حين» نحو:

لهفي عليك للهفة من خائف   يبغي جوارك حين لات مجير

اي «لات له مجير» فهي بمعني ليس و مشبهة بها. و لهفي اي حزني و جوارك اي ذمتك.

و اما ما فهي لنفي الحال ان نفت المضارع عند الجمهور و رد عليهم بقوله تعالي مايكون لي ان‏ابدّله من تلقاء نفسي.

و اما لا فتكون لنفي الجنس و بمعني ليس و قدتكون اضرابية و هي التي سماها القوم عاطفة و قدتكون جوابية مناقضة لنعم. و في غير هذه الموارد تأتي للنفي و قدتجي‏ء للتأكيد اذا فهم نفي الثاني من اول نحو مايستوي الاحياء و لا الاموات.

و اما لم و لما فتشتركان في الحرفية و الاختصاص بالمضارع و النفي و الجزم و قلب معني المضارع الي المضي و جواز دخول همزة الاستفهام عليهما و تفيدان التقرير حينئذ نحوالم نربك فينا وليداً و نحو المّا تعرفوا منّا اليقينا. و تختص «لم» بجواز انقطاع نفي منفيها نحو هل اتي علي الانسان حين من الدهر لم‏يكن شيئاً مذكوراً بخلاف «لما» فان

 

«* المعاني صفحه 307 *»

نفي منفيها مستمر الي الحال نحو بل كذبوا بما لم‏يحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله و بمصاحبة اداة الشرط نحو و ان لم‏تفعل فمابلغت رسالته.

و اما «لما» فتختص بتوقع ثبوت منفيها نحو بل لمايذوقوا عذاب اي سوف يذوقونه فلايجوز استعمالها في ما لايتوقع حصوله في المستقبل نحو لما يصر الحرّ برداً مثلاً.

و اما لن فهي لنفي الفعل في الزمان المستقبل الي غاية منظورة لا التأبيد كما توهمه بعضهم نحو لن اكلم اليوم انسياً و قديعين عدم الغاية بـابداً نحو لن‏يتمنوه ابداً.

و اما اِنْ فتدخل علي الاسمية نحو ان الكافرون الا في غرور و علي الفعلية نحو ان اردنا الا الحسني و من هذا الباب قوله تعالي ان كانت لكبيرة الا علي الخاشعين و منه قوله تعالي ان هذان لساحران.

المبحث التاسع

في التقييد بالمفاعيل الخمسة و نحوها

قالوا: «التقييد بها يكون لبيان نوع الفعل او ما وقع عليه او فيه او لأجله او بمقارنته و يقيد بـالحال لبيان هيئة صاحبها و تقييد عاملها و يقيد بـالتمييز لبيان ماخفي من ذات او نسبة فتكون القيود هي محط الفائدة و الكلام بدونها كاذب او غير مقصود بالذات. كقوله تعالي و ما خلقنا السموات و الارض و مابينهما لاعبين». انتهي

اقـول: اعلم ان الذي يقيد باحد المفاعيل هو المفعول‏الحقيقي اي المفعول‏المطلق الذي هو المصدر اذ لا معني لتقييد الفعل بها فان لكل فعل ـ لازماً كان او متعدياً ـ مفعولاً يوجد بذلك الفعل و هو الذي احدثه الفاعل لا من شي‏ء و هو الذي اشتهر علي الالسنة بالمفعول المطلق نحو ضرب ضربا و قعد قعودا. و هذا المفعول لما كان غير مستقل بنفسه بل يحتاج الي امور فاذا ذكر واحد من هذه الامور يقال انه قيد بذلك الامر.

فمن هذه الامور الموضوع الذاتي الذي يعرض عليه المفعول المطلق فيظهر به و يسمي بـالمفعول‏به نحو ضربت عمراً.

و منها: الموضوع العرضي الذي يلزمه محل آخر و لايظهر الا به اي الموضوع الذي

 

«* المعاني صفحه 308 *»

هو محل المفعول‏به و يسمي بـالمفعول‏المخصص نحو علمت زيداً فاضلاً فالمفعول المطلق هو العلم قدتعلق بـالفاضل و الفاضل مفعول‏به قدعرض لـزيد و زيد هو المفعول ثانياً و بالعرض و ذكر ليتخصص الفضل به و يتعين و يعلم ان المعلوم فضل زيد لا فضل غيره.

و منها: الزمان و المكان اللذان يوجد المفعول المطلق فيهما و يسميان بالمفعول‏فيهما نحو اكرمتك امس و اجلستك امامي.

و منها: الغاية التي يوجد المفعول المطلق لأجلها و تسمي بـالمفعول‏له نحو ضربتك تأديباً.

و منها: الالة التي يفعل المفعول المطلق بها و تسمي بـالمفعول‏بها نحو ضربته سوطاً.

و منها: المادة التي يوجد منها و تسمي بـالمفعول‏منه نحو خلقته طيناً لانه فعل المفعول المطلق منه.([20])

و منها: الصورة التي يفعل المفعول عليها فيسمي بـالمفعول‏عليها نحو جعلت الطين خزفاً.

و اما المفعول‏معه الذي اشاروا اليه فيما نقلناه عنهم «او بمقارنته» فليس له معني و الحق: انه «مفعول‏به» لا معه (كما في التذكرة الشريفة) و فعله محذوف نحو سرت و زيداً.

و اما الاغراض في ذكر هذه المفاعيل:

ففي المطلق: التأكيد او بيان نوع او عدد او تخصيص الفعل السابق او توضيح الفعل المشتبه مصدره.

 

«* المعاني صفحه 309 *»

و المراد من «التأكيد» تأكيد صورة الفعل لا تأكيد معني الفعل فليس معني قولك ضربت ضرباً ضربت ضربت. لان ضرب حركة صدرت من الفاعل و تصورت بصورة الضرب و تعينت بالحدود الضربية و قولك ضرباً يؤكد هذه الصورة و الصورة واحدة لا تعدد فيها مع ان المصدر جنس و الجنس لايتعدد.

و اما «النوع» فيثني و يجمع لان انواع الفعل مختلفة و ليس من النوع قول ضربت ضرب الامير لان ضرب الامير فعل الامير الا ان‏تعتقد ان معناه: ضربت ضرباً مثل ضرب الامير.

و اما «المطلق العددي» فهو يدل علي العدد.

و اما «المطلق الذي لتخصيص الفعل السابق» فنحو اوجدت ضرباً و احدثت قتلاً لانه انما جي‏ء بهما لتخصيص عموم معني اوجدت و احدثت فقولك اوجدت ضربا بمعني ضربت و كذا قولك احدثت قتلاً بمعني قتلت.

و اما «المطلق التوضيحي» للفعل فهو الذي يؤتي به لتوضيح المراد من الفعل الذي له معنيان نحو نفق نفقاً اذا اريد معني النفاد و نفوقاً اذا اريد معني الموت.

و اما المطلق الذي يدل علي مااوجده الفاعل من شي‏ء نحو خلق الانسان من طين و نحو خلق السموات و الارض فهو المطلق الوصفي لانه مطلق عمايقيد به المفعولات الاخر من الحروف وصفي لان المادة خلقت اولاً ثم خلق الانسانية منها و كذا خلق المادة اولاً ثم خلق وصف السماوية علي حصة من تلك المادة و وصف الارضية علي حصة اخري من تلك المادة. و اما الاغراض من ذكر ساير المفاعيل فقد اتضحت مما ذكرنا في وجه تسمتيها فتدبر.

الاغراض في حذف المفاعيل:

و بعد ماعرفت الاغراض في ذكر هذه المفاعيل و تقييد الكلام بها فاعلم انه يجوز حذف «المفعول‏به» اذا دلت عليه قرينة و هو امر فطري ففي كل موضع يجد الانسان طريقاً الي الحذف يحذفه.

 

«* المعاني صفحه 310 *»

فمنها: طلب الاختصار كقوله تعالي يهب لمن يشاء اناثا و يهب لمن يشاء الذكور اي من يشاءه الذكور.

و منها: افادة العموم نحو يقبض و يبسط و يعطي و يمنع. يجعل المفعول منسياً بحيث لايكون ملحوظاً مقدراً كما لايلاحظ تعلق الفعل به اصلاً كقوله تعالي هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون فالغرض مجرد اثبات العلم و نفيه بدون ملاحظة تعلقه بمعلوم عام او خاص و المعني: لايستوي من ثبتت له حقيقة العلم و من لم‏تثبت له. فلو قدر له مفعول و قيل: هل يستوي الذين يعلمون الدين و الذين لا يعلمونه لفات هذا الغرض.

اقـول: الاستشهاد بالكريمة في غير محله و انه تفسير بالرأي؛ ففي الحديث هل يستوي الذين يعلمون ان محمّداً رسول اللّه 9و الذين لايعلمون ان محمّداً رسول اللّه9.

تتميم:

اعلم ان «الاصل في المفعول التأخر عن الفاعل» لانه معموله كما بين ذلك في كتاب «التذكرة» الشريفة من ان الناصب هو الفاعل لانه حصل فيه مسحة الفعل و وقع عليه ظله فصار عاملاً و انما نصب المفعول‏به لضعفه بالنسبة الي الفعل و ان كان يصح ان‏تقول: «ان العامل في المفعول هو الفعل ولكن في الفاعل و بالفاعل» لانه اصل في العمل و علي اي حال الاصل في المفعول التأخر عن الفاعل.

و «الاصل في الفاعل التأخر عن الفعل لانه معموله» و قديتوسط او يتقدم لارادات بلاغية و اغراض نفسانية تذكر في هذا العلم كما اشار الي ذلك مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه في التذكرة. قال:

«و قديتوسط و يتقدم لارادات نفسية في نفس المتكلم و اغراض تحصل له ليس هيهنا موضع بيانها و انما تبين في علم البيان.» انتهي. و مراده الشريف من «علم البيان» هو الشامل للمعاني و البيان و البديع. و لما اجاز هو اعلي‏اللّه مقامه اخذ هذه الاغراض من

 

«* المعاني صفحه 311 *»

علم البيان فـنقول: اعلم انهم قالوا: «من تلك الاغراض:

1ـ «التخصيص» نحو اياك نعبد و اياك نستعين لان المناسب لمقام عرض العبادة له تعالي تخصيصها به لا مجرد الاخبار بان العبادة له فاستفادة التخصيص من التقديم انما هي بحسب المقام لا باصل الوضع.

2ـ «رد المخاطب الي الصواب عند خطئه في تعيين المفعول» نحو زيداً رأيت رداً لمن اعتقد انك رأيت غيره.

3ـ «كون المتقدم محط الانكار مع التعجب» نحو ابعد طول التجربة تنخدع بهذه الزخارف.

4ـ «رعاية موازاة رؤوس الآي» نحو خذوه فغلّوه ثم الجحيم صلّوه.»

اقـول: لايخفي ان سر التقديم لايكون منحصراً في رعاية الوزن و يمكن ان‏يقال: ان من البواعث ايضاً «الالزام» المستفاد من قوله تعالي صلوهاي الزموه اياها. فانا لانحيط علي اسرار القران و علل التقديم و التأخير و الذكر و الحذف فيها الا بما كان متداولاً علي السنة العرب الفصحاء و لايجوز القول فيه بالرأي، عصمنا اللّه من الزلل.

5 ـ «للتبرك» او «التلذذ» او «موافقة كلام السائل و المستمع» او «الاهتمام» او «الضرورة» و امثال ذلك.

تنبيه:

اعلم ان قولهم: «و يقيد بالحال لبيان هيئة صاحبها و تقييد عاملها» مبني علي رأيهم في الحال و حصرهم الحال في الفاعل و المفعول. ثم التكلف في تأويل ماسواهما اليهما من غير ضرورة و خصوصية. لان للشي‏ء اعتبارين: اعتبار من حيث الذات ففي هذا الاعتبار لا ذكر للغير مع الذات و اعتبار من حيث ظهور الذات. فالظهور لابد و ان‏يكون دائماً علي كيف و كم و اضافة و وضع و فعل و مكان و زمان، علي سبيل التبادل في افراد اجناس هذه السبع. فللظهور دائماً كيف‏ما و كم‏ما و اضافه‏ما و وضع‏ما و فعل‏ما و مكان‏ما و زمان‏ما. و كل فرد من افراد هذه الاجناس لابد و ان‏يقترن فرداً آخر من جنس اخر. فاذا

 

«* المعاني صفحه 312 *»

اردت ان‏تثبت له حكماً مقترناً مع حكم آخر تعبر عنه بـالحال اي «الذات مقترنة بهذا العرض في حال اتصافها بذلك العرض» فلايشترط ان‏يكون الذات حينئذ فاعلاً او مفعولاً و لايشترط وجود فعل في الكلام.

فكل اسم يثبت لمسماه عرض يصلح لان‏يؤتي بمايدل علي ثبوت ذلك العرض له في حال ثبوت عرض اخر له. فالحال في الحقيقة مفعول فيها متجلي فيها الا انها ظرف متصل بالذات بخلاف ساير الظروف. و للتحقيق في مسائل الحال ينبغي مراجعة الكتاب الشريف «التذكرة» ففيه بحوث رائعة و تحقيقات راهنة جزي اللّه مصنفه العظيم عنا خير الجزاء.

 

«* المعاني صفحه 313 *»

الباب السادس

في احوال متعلقات الفعل

اعلم انهم يذكرون في هذا الباب احوال بعض متعلقات الفعل من المفعول و الحال و الظرف و الجار و المجرور فيشيرون الي بعض الاغراض في تقديم تلك المتعلقات علي ركني الجملة او علي احدهما فيقولون: «يقدم «المفعول» لاغراض اهمها:

1ـ تخصيصه بالفعل 2ـ موافقة المخاطب او تخطئته 3ـ الاهتمام بالمفعول 4ـ التلذذ به 5 ـ التبرك.

و اهم الاغراض في تقديم كل من «الحال و الظرف و الجار و المجرور»:

1ـ تخصيصها بالفعل 2ـ كونها موضع الانكار 3ـ مراعاة الفاصلة او الوزن».

و يذكرون لتقديم الظرف و الجار و المجرور امرين: اما المعنوي و اما اللفظي

فالمعنوي نحو و جاء من اقصي المدينة رجل يسعي فلو اخر المجرور لتوهم انه من صلة الفاعل و هو خلاف الواقع لانه صلة لفعله.

و اما اللفظي نحو و لقد جاءهم من ربهم الهدي فلو قدم الفاعل لاختلفت الفواصل لانها مبتنية علي الالف.

و يقولون في تقديم «الفضلات» علي بعض: «انه قديكون «للاصالة في التقدم لفظاً» نحو حسبت الهلال طالعاً فان الهلال و ان كان مفعولاً في الحال لكنه مبتدأ في الاصل.

او «للاصالة في التقدم معني» و ذلك كالمفعول الاول في نحو اعطي الامير الوزير جائزة فان الوزير و ان كان مفعولاً بالنسبة الي الامير لكنه فاعل في المعني بالنسبة الي الجايزة لان الجايزة مأخوذة و الآخذ لها الوزير الذي فيه معني الفاعلية التي تستدعي حق التقدم.

او «لاخلال في تأخيره» نحو مررت راكباً بفلان فلو اخرت «الحال» لتوهم انها حال من المجرور و هو خلاف الواقع فانها حال من الفاعل.

و الاصل في «المفعول» ذكره و لايحذف الا لاغراض تقدم ذكرها».

 

«* المعاني صفحه 314 *»

اقـول: قولهم «للاصالة في التقدم لفظاً» الخ مبني علي خطائهم في تسمية بعض العوامل بـالنواسخ و قدذكرنا مراراً انه غلط فاحش و خطاء بيّن اذ لم‏تكن الجملة موجودة قبل التكلم حتي تدخل تلك النواسخ عليها. نعم تلك الكلمات تعقب ابتداء بكلمات تصلح لان تكون مبتدأ و خبراً و تلك الكلمات المعقبة علي قسمين افعال و حروف.

و في ما مثلوا به هنا ثم في ما قالوه في توضيحه نظر. لان الهلال في قولهم حسبت الهلال طالعاً لايكون مبتدأ في اصل فانه لا اصل الا هذه الجملة التي تكلم بها المتكلم ابتداء ثم لايكون مفعولاً هنا حقيقة و بالاصالة و انما نصب بالعرض لانه جي‏ء به لاستناد الطلوع اليه و تعيينه و طالعاً هو المفعول بالاصالة.

قال مولانا الكريم اعلي اللّه مقامه: «فارتياء الكوفيين هنا خطاء حيث زعموا الاول مفعولاً و الثاني حالاً». و قال اعلي‏اللّه مقامه «وجه خطاء الكوفيين ان الحال عن المفعول فضلة بالنسبة الي المفعول و لايتعلق به الفعل نحو ضربت زيداً راكباً فانك لم‏تضرب راكبية زيد بخلاف علمت زيداً راكباً انك علمت راكبية زيد و زيد هنا مذكور لتخصيص الراكبية به دون عمرو» انتهي.

و اما قولهم «او للاصالة في التقدم معني» الخ فاعلم ان المفعول الاول في باب اعطيت كما قاله مولانا الكريم هو المفعول المتعلق و المفعول الثاني هو المفعول‏به لان الحدث يظهر عليه و الوصف المشتق منه يصدق عليه فالمعطي هو الدرهم و هو عطاؤك و ظهر اعطاؤك به ولكن هذا الدرهم يحتاج الي متعلق يتعلق به لان هذا الفعل و امثاله لايتم بمفعول واحد بل يحتاج الي مفعول اي مظهر و محمول عليه يحمل ذلك المظهر علي الاقتران به. فالتقديم في المفعول المتعلق لرعاية انه ركن في تقوم المفعول‏به و تعلقه به و ظهوره في الخارج فافهم.

و اما قولهم «و الاصل في المفعول ذكره» الخ فقد مر منا الكلام في هذه الاصول الذي يعرف به الحق في المقام فراجع.

 

«* المعاني صفحه 315 *»

البـاب السـابع

في القصر و فيه فصول:

الفصل الاول: تعريف القصر

القصر لغة: الحبس. قال في المعيار: «قصر كنصر قصراً علي نفسه ناقة: امسكها ليشرب لبنها. و هي ناقة مقصورة علي العيال كمفعولة ليشربوا لبنها اي محبوسة ـ و فلاناً قصراً ايضاً: حبسه. و منه حور مقصورات في الخيام.» انتهي

و في المصطلح علي ما قالوا: «هو تخصيص شي‏ء بشي‏ء بطريق مخصوص». فيسمي الاول مقصوراً و الثاني مقصوراً عليه و الطريق المخصوص طريق القصر و يكون بالادوات الاتية نحو ما زيد الا كاتب. فهذا الكلام يسمي بالقصر اي تخصيص زيد بالكتابة و قصرها عليه و نفي صفة النجارة عنه رداً علي من زعم انه كاتب و نجار. فلو قيل زيد كاتب ما فهم منه هذا التخصيص.

فـالقصر: هو تخصيص الحكم بالمذكور في الكلام و نفيه عن سواه بطريق من الطرق المبحوث عنها في هذا الباب. و من ذلك نعرف ان القصر من الاساليب الايجازية التي هي من اهم اركان البلاغة لان جملة القصر تقوم مقام جملتين.

اضف الي ذلك ان القصر يحدد المعاني الذهنية تحديداً كاملاً و من ذلك يكثر في المسائل العلمية و مايشاكلها و علي اي حال فماقبل الاّ و هو زيد يسمي «مقصوراً عليه» و ما بعدها و هو كاتب يسمي «مقصوراً» و ما و الا تسمي «طريق القصر و ادواته». و هذا هو الحصر المبحوث عنه في بعض المباحث النحوية و لا حاجة الي تغيير الاصطلاح باصطلاح اخر اذا كان مفادهما واحداً.

الفصل الثاني: اقسام القصر

ينقسم القصر ابتداء علي قسمين: حقيقي و اضافي

فـالقصر الحقيقي: هو اختصاص المقصور بالمقصور عليه بحسب الحقيقة و الواقع

 

«* المعاني صفحه 316 *»

بمعني انه لايتجاوزه الي غيره ابداً. نحو لا اله الا اللّه.

و الاضافي: هو اختصاص المقصور بالمقصور عليه بالاضافة و النسبة الي الشي‏ء الاخر بمعني انه لايتجاوزه الي ذلك الشي‏ء و ان امكن ان‏يتجاوزه الي شي‏ء آخر كقولك ما زيد الا قائم بمعني انه لايتجاوز القيام الي القعود، لا بمعني انه لايتجاوزه الي صفة اخري اصلاً.

و ينقسم ثانياً ـ اي القصر حقيقياً كان او اضافياً ـ الي قصر صفة علي موصوف و قصر موصوف علي صفة.

فـالاول: هو ان‏تختص الصفة بموصوفها فلايتصف بها غيره و قديتصف هذا الموصوف بغيرها من الصفات. فمثال الحقيقي في هذا القسم نحو ما في الدار الا زيدٌ علي معني ان الحصول في الدار المعينة مقصور علي زيد و مثال الاضافي فيه نحو لا زعيم الا زيد.

و اما الثاني: فهو ان‏يختص موصوف بصفة دون غيرها و قديشاركه فيها غيره. فالحقيقي فيه نحو ما زيد الا كاتب بمعني انه لايتصف بغير الكتابة. و الاضافي فيه نحو ما محمّد 9الا رسول قدخلت من قبله الرسل الاية. حيث قصر اللّه محمّداً علي صفة الرسالة و نفي عنه ان‏يظن في حقه الخلود. (فلايموت و لايقتل)

تنبيهان:

الاول: اعلم انهم قدصرحوا بان «قصر الموصوف علي الصفة» في القصر الحقيقي لايكاديوجد لتعذر الاحاطة بصفات الشي‏ء حتي يمكن اثبات شي‏ء منها و نفي ماعداها بالكلية و قال بعضهم بل هذا محال لان للصفة المنفية نقيضا و هو من الصفات التي لايمكن نفيها ضرورة امتناع ارتفاع النقيضين. مثلاً اذا قلنا مازيد الا كاتب و اردنا انه لايتصف بغيره لزم ان لايتصف بالقيام و لابنقيضه و هو محال.

و اما «قصر الصفة علي الموصوف» في القصر الحقيقي فكثير. و اما القصر بكلا طرفيه في القصر الاضافي فيأتي كثيراً.([21])

 

«* المعاني صفحه 317 *»

الثاني: و ليعلم ان المراد بالصفة في باب القصر «الصفة المعنوية» اي المعني القائم بالغير و هي اعم من وجه من الصفة النحوية التي هي النعت اي التابع الذي يدل علي معني في متبوعه.

و ينقسم الاضافي مطلقاً (اي بنوعيه من قصر الصفة علي الموصوف و قصر الموصوف علي الصفة) الي ثلاثة اقسام:

قصر افراد: و ذلك في رد اعتقاد المخاطب الشركة نحو انما اللّه اله واحد في رد من اعتقد ان اللّه ثالث ثلاثة.

قصر قلب: و ذلك في رد اعتقاد المخاطب عكس الحكم نحو ما سافر الاّ زيد في رد من اعتقد ان المسافر عمرو لا زيد. فقد قلب عليه اعتقاده.

قصر تعيين: و ذلك عند ترديد المخاطب في الحكم نحو ما زيد الا قائم لمن تردد بين القيام و القعود و شك في ذلك.

تنبيه:

لاتجري هذه الاقسام الثلاثة في القصر الحقيقفي بنوعيه اذ الشخص النبيه لايعتقد اتصاف موصوف بجميع الصفات او اتصافه بجميعها الا واحدة او يتردد في ذلك. لان في الصفات ما هي متقابلة فلايصح ان‏يقصر الحكم علي بعضها و ينفي عن الباقي افراداً او قلباً او تعييناً. و كذا الامر في قصر الصفة علي الموصوف.

تتميم:

و قالوا: «ان القصر بنوعيه يقع بين المبتدأ و الخبر و بين الفعل و الفاعل و بين الفاعل و المفعول و بين الحال و صاحبها و غير ذلك من المتعلقات و لايقع مع المفعول معه».

 

«* المعاني صفحه 318 *»

هذه كلها اصطلاحات نقلناها من القوم و لم‏نتعرض للرد عليها لعدم الفرصة و لضيق المجال و عدم فساد يترتب عليها ظاهراً.

الفصل الثالث: طرق القصر

طرق القصر كثيرة منها اربعة مشهورة و هي:

الطريق الاول:

القصر بالعطف بـلا و بل و لكن. ففي قصر الموصوف علي الصفة اِفراداً، تقول زيد شاعر لا كاتب او ما زيد كاتباً بل شاعر و قلباً تقول زيد قائم لا قاعد او ما زيد قائماً بل قاعد.

و في قصر الصفة علي الموصوف افراداً او قلباً بحسب اقتضاء المقام، تقول زيد شاعر لا عمرو او ما عمرو شاعراً بل زيد و يصلح المثال للتعيين ايضاً.

و ليعلم ان المقصورعليه مع لا العاطفة هو المذكور قبلها و المقابل لمابعدها نحو الفخر بالعلم لا بالمال و يشترط في لا افراد معطوفها و ان‏تسبق باثبات و الايكون مابعدها داخلاً في عموم ماقبلها نحو:

عمر الفتي ذكره لا طول مدته   و موته خزيه لا يومه الداني

و اما المقصور عليه مع بل و لكن العاطفتين هو المذكور بعدهما نحو ما الفخر بالمال بل بالعلم و نحو ما الفخر بالنسب لكن بالتقوي.

و يشترط في كل من بل و لكن ان‏تسبق بنفي او نهي و ان يكون المعطوف بهما مفرداً و الاتقترن «لكن» بالواو نحو:

ما نال في دنياه وانٍ بغيةً   ولكن اخو حزم يجدّ و يعمل

اقـول: اعلم ان‏تسمية تلك الحروف بل ،لكن ، لا بـحروف الاضراب احسن و اولي فانها تربط مابعدها بماقبلها علي نحو الاضراب لان الانسان قديتكلم بكلام اما عمداً او سهواً فيضرب عنه صفحاً و يتكلم بغيره اما لأهمال الاول و الحكم علي الثاني و اما لرفع توهم المخاطب شركة غير المحكوم‏عليه معه و اما لاثبات ضده علي غيره.

اما بل فقيل: «انها تسلب الحكم عما قبلها و تجعله لمابعدها» و قيل: «تجعل

 

«* المعاني صفحه 319 *»

المتبوع في حكم المسكوت عنه و تنسب الحكم الي التابع».

و تستعمل «للانتقال من جملة الي اخري اهم منها» نحو اتأتون الذكران من العالمين و تذرون ما خلق لكم ربكم من ازواجكم بل انتم قوم عادون.

و «لتدارك الغلط» نحو ضربت زيداً بل اكرمته.

و «لصرف المخاطب عن الحكم السابق و الانكار عليه و ايقافه علي الحق» نحو قالوا اتخذ الرحمن ولدا بل عباد مكرمون.

اما لكن فاصلها لكنّ المشددة المشبهة بالفعل فخففت و اهملت و استعملت في الاضراب بالمناسبة نحو ما مررت برجل لكن امرأة. فعدم المرور بالرجل ثابت محقق و انما ينفي توهم شركة المرأة معه و نحو ما كان محمّد ابا احد من رجالكم ولكن رسول اللّه و خاتم النبيين.

و اما لا فيشترط فيها ان لايصدق قبلها علي بعدها نحو هذا زيد لا عمرو و نحو اضرب زيداً لا عمراً و لايقال جاءني رجل لا زيد.

الطريق الثاني:

القصر بالنفي و الاستثناء. ففي قصر الموصوف افراداً تقول ما زيد الا شاعر و قلباً تقول ما زيد الا قائم. و في قصر الصفة اِفراداً او قلباً ما شاعر الا زيد (و يصلح الكل مثالا للتعيين ايضاً و التفاوت بحسب اعتقاد المخاطب). فالمقصور عليه في النفي و الاستثناء هو المذكور بعد اداة الاستثناء نحو و ما توفيقي الا باللّه.

و ليعلم:

1ـ انه يمكن ان‏يكون النفي بغير ما كقوله تعالي ان هذا الا ملك كريم كما يكون الاستثناء بغير الا نحو:

لم‏يبق سواك نلوذ به
  مما نخشاه من المحن

2ـ و الاصل في «النفي و الاستثناء» ان‏يؤتي به لامر ينكره المخاطب او يشك فيه او لما هو منزل هذه المنزلة و من الاخير قوله تعالي و ما انت بمسمع من في القبور ان انت

 

«* المعاني صفحه 320 *»

الا نذير.

اقـول: و اعلم ان الا وضعت لاجل حصر حكم ماقبلها فيما بعدها. نحو ماضرب زيد الاً عمراً فانحصر ضاربية زيد في عمرو ولكن لاتنحصر مضروبية عمرو في زيد. و نحو ما ضرب عمراً الا زيد تنحصر مضروبية عمرو في زيد.

و اما اذا كان قبل «الا» معمول عام يصير الفاعل و المفعول معا محصورين نحو ما ضرب احد احداً الا زيد عمراً فتنحصر مضروبية عمرو في زيد و تنحصر ضاربية زيد في عمرو لانه قدنفي في الكلام ضاربية كل احد فالضارب و المضروب معاً حينئذ محصوران.

و اما قولهم: «2ـ و الاصل في النفي و الاستثناء ان‏يؤتي به لامر ينكره المخاطب او يشك فيه او لما هو منزل هذه المنزلة. و من الاخير قوله تعالي و ما انت الاية».

فمن اخبرهم ان هذه الكريمة من موارد الاخير و من حصر الامر في الاتيان بالنفي و الاستثناء بهذه المواضع الثلاثة بل يمكن ان‏يكون من المواضع اعلام غير المخاطب و تنبيهه علي امر مجهول عنده او تثبيت امر مشكوك عنده فالكريمة يمكن ان‏تكون من هذا القبيل ففي الحديث نزل القران باياك اعني و اسمعي يا جاره.

و يدل علي ذلك قول مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه في التعليق علي هذه الكريمة المباركة قال اعلي‏اللّه مقامه: «قوله ان اللّه يسمع من يشاء الاية، فان اللّه سبحانه هو الخالق لا من شي‏ء يخلق مايشاء و يختار و هو المؤثر و اما النبي المرسل فهو المكمل فلايكمل الا من له قابلية التكمل كما روي كل صانع شي‏ء فمن شي‏ء صنع و اللّه سبحانه لا من شي‏ء صنع».

الطريق الثالث:

القصر بانَّما. ففي قصر الموصوف افراداً تقول انما زيد كاتب. و قلباً تقول انما زيد قائم. و في قصر الصفة افراداً و قلباً تقول انما قائم زيد. و قالوا «انما» تفيد القصر لتضمنه معني «ما» و «الا» و المقصورعليه مع «انما» هو المذكور بعدها و يكون مؤخراً في الكلام

 

«* المعاني صفحه 321 *»

وجوباً نحو قوله7:

انما الدنيا فناء ليس للدنيا ثبوت
  انما الدنيا كبيت نسجته العنكبوت

و ليعلم ان للقصر بـ«انما» مزية علي العطف لانها تفيد الاثبات للشي‏ء و النفي عن غيره، دفعة واحدة، بخلاف العطف فانه يفهم منه الاثبات اولاً ثم النفي ثانياً او عكسه نحو انما يخشي اللّه من عباده العلماء و كقول الشاعر:

انما يشتري المحامد حر   طاب نفسا لهن بالاثمان

اقـول: اعلم ان انما لايكون نصاً في الحصر و قدجاء في القران و الاحاديث بغير الحصر نحو قوله تعالي انما حرمت عليكم الميتة و نحو قوله تعالي انما النسي‏ء زيادة في الكفر و امثال ذلك كثيرة. و اما الاخبار فنحو قول اميرالمؤمنين7انما الغسل من الماء الاكبر فاذا هو رأي في منامه و لم ير الماء الاكبر فليس عليه غسل. و كقول الصادق7 من وجد طعم النوم فانما اوجب عليه الوضوء و كقول الباقر7في المذي انما هو بمنزلة النخامة. و امثال ذلك من الاحاديث المباركات.

الطريق الرابع:

القصر بتقديم ما حقه التأخير. كتقديم الخبر علي المبتدأ او المعمولات علي الفعل ففي قصر الموصوف تقول قرشي انا. و في قصر الصفة، اِفراداً و قلباً و تعييناً علي حسب اعتقاد المخاطب تقول انا كفيت مهمك. و المقصورعليه في التقديم هو المذكور المتقدم نحو اياك نعبد و اياك نستعين و نحو علي اللّه توكلنا.

و من البلية عذل من لايرعوي   من غيه و خطاب من لايفهم

و ليعلم ان التقديم يدل علي القصر بطريق الذوق البلاغي و الفكر الادبي بخلاف الطرق الثلاثة الماضية فانها تدل علي القصر بالوضع اللغوي اي وضع الادوات. و بالتتبع في اساليب الادباء و التعبيرات البلاغية يظهر ان البلغاء يريدون «بتقديم ماحقه التأخير» التخصيص.

اقـول: اي من جملة ما ارادوا بتقديم ماحقه التأخير، الحصر و ذلك امر فطري و

 

«* المعاني صفحه 322 *»

قدذكر مواضع وجوب التقديم و جوازه و ترجيحه في محالها المناسبة لها.

الفصل الرابع: اختلافات الطرق المذكورة

اعلم ان هذه الطرق المذكورة هي اهم طرق القصر و اشهرها و ذكروا طرقاً اُخَر من طرق القصر و ليست بمشهورة الاستعمال في القصر و انهاها بعضهم الي اربعة عشر طرقاً منها: لفظ «وحده» و «فقط» و «لا غير» و «ليس غير» و «مادة الاختصاص» و «مادة القصر» و «توسط ضمير الفصل» و «تعريف المسنداليه» و «تقديم المسنداليه علي خبره الفعلي» و غير ذلك. اما هذه الطرق الاربعة فتختلف في جهات ذكروها في هذا الباب و نحن نشير اليها اجمالاً:

1ـ ان لا العاطفة لاتجتمع مع النفي و الاستثناء لان شرط المنفي بها ان لايكون منفياً صريحاً قبلها بغيرها فلاتقول «ما زيد الا مطيع لا عاصٍ». و تجمع مع «انما» او «التقديم» نحو انما زيد مطيع لا عاصٍ لان النفي فيهما غير مصرح به.

2ـ الاصل في الحكم مع النفي و الاستثناء ان‏يكون مجهولاً للمخاطب بخلاف «انما» لان النفي مع الاستثناء لصراحته اقوي في التأكيد من «انما» فينبغي ان‏يكون لشديد الانكار نحو قولك ـ حين رأيت شبحاً من بعيد ـ ما هو الا زيد لمن اعتقد انه غيره.

و قدينزل المعلوم منزلة المجهول لغرض بلاغي فيستعمل فيه النفي و الاستثناء نحو و ما محمد 9 الا رسول فقد قصر اللّه محمّداً 9 علي صفة الرسالة و نفي عنه ان‏يظن في حقه الخلود بحيث لايموت او لايقتل. و هذا امر معلوم للصحابة لكن لاستعظامهم موته لشدة حرصهم علي بقائه 9 نزلوا منزلة من لايعلمه.

و قدينزل المجهول منزلة المعلوم نحو انما نحن مصلحون لادّعائهم ان كونهم مصلحين امر ظاهر و لهذا رد عليهم بقوله الا انهم هم المفسدون مؤكداً بماتري فالاستثناء لقوته يكون لرد شديد الانكار ـ حقيقة او ادعاء ـ و اما «انما» فلضعفها تكون لرد الانكار في الجملة ـ حقيقة او ادعاء ـ

3ـ و الاصل في «انما» ان‏تجي‏ء لامر من شأنه الا يجهله المخاطب و لاينكره و

 

«* المعاني صفحه 323 *»

انما يراد تنبيهه فقط او لما هو منزل هذه المنزلة.

فمن الاول قوله تعالي انما يستجيب الذين يسمعون و قوله تعالي انما عليك البلاغ و علينا الحساب.

و من الثاني قوله تعالي حكاية عن اليهود انما نحن مصلحون. فهم قدادعوا ان اصلاحهم امر جلي لا شك فيه و قول الشاعر:

انا الذائد الحامي الذمار و انما   يدافع عن احسابهم انا او مثلي

تتميم:

اعلم ان «الغاية» من القصر:

1 ـ «تمكين الكلام و تقريره في الذهن» كقول الشاعر:

و ما المرء الا كالهلال و ضوئه   يوافي تمام الشهر ثم يغيب

و نحو:

و ما لامري‏ء طول الخلود و انما   يخلده طول الثناء فيخلد

2 ـ «المبالغة في المعني» كقول الشاعر:

ما المرء الا الاصغران لسانه   و معقوله و الجسم خلق مصور

و كقول جبرئيل7: لا سيف الا ذوالفقار و لا فتي الاّ علي7 .

و كقول الشاعر:

و ما الدنيا سوي حلم لذيذ   تنبهه تباشير الصباح

3ـ «التعريض» كقوله تعالي انما يتذكر اولوا الالباب. و ذلك تعريض بان المشركين لا عقل اكتسابي لهم.

 

 

 

«* المعاني صفحه 324 *»

الباب الثامن

في الوصل و الفصل و فيه مطالب

المطلب الاول: في تعريف الوصل و الفصل

قالوا: «الوصل: عطف بعض الجمل علي بعض و الفصل: ترك ذلك العطف».

اقـول: اعلم ان لهذا الباب اهمية عند القوم بحيث سئل بعض البلغاء عن حد البلاغة فقال «هي معرفة الفصل و الوصل».([22]) و ذلك لان الكلام المعطوف منظوم حقيقة و لهذا يسمي العطف بالحرف «العطف بالنسق» اي المنسوق و لايخفي لزوم وجود الدقة و القريحة المستقيمة في كل شخص بليغ لمعرفة مواضع العطف و الاستيناف لصعوبة مسلكها و لطافة مواقعها.

ثم اعلم انه لاحاجة الي تغيير الاصطلاح فان الوصل عبارة عن العطف و الفصل عبارة عن تركه و هو الاستيناف ولكن لايضرنا هذا التغيير و لاينفع فلانتعرض له.

فاذا عرفت ذلك فاعلم: انه اذا توالت الجملتان و كانت الثانية متوافقة للاولي ـ في الاعراب اذا كانت الجملتان معربتين محلاً، و في الحكم و النسبة ان لم‏يكن لهما محل من الاعراب ـ عطفت الثانية علي الاولي و الا فصلت عنها فبالعطف يظهر المتكلم تشريك الثانية في الاولي و يبين مشاركتها لها في الاعراب او الحكم و بالفصل و ترك العطف يظهر المتكلم عدم التشارك بينهما.

و لهذه الجهة يسمي العطف «بالحرف» بـالشركة عند بعضهم نحو الله يحيي و يميت و مثال «الفصل» نحو قوله تعالي قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤن اللّه يستهزي‏ء

 

«* المعاني صفحه 325 *»

بهم و نحو قوله تعالي انما انت منذر و لكل قوم هاد. اللّه يعلم ماتحمل كل انثي.

و قدظهر ان المراد من «الوصل» و «الفصل» في هذا الباب هو عطف الجمل او تركه فيها اولاً و ان‏يكون العطف بـالواو خاصة ثانياً و ان‏تكون بين الجملتين جهة جامعة ثالثاً. و ان «الوصل» لبيان الصلة بين الجملتين في الصورة و المعني او لدفع اللبس. و «الفصل» لبيان ان الجملتين متحدتان صورة و معني او بمنزلة المتحدتين او بيان ان لا صلة بينهما في الصورة او في المعني.

اما اختصاص العطف بـالواو في هذا الباب لان العطف بالواو يحتاج الي لطافة القريحة و دقة في اسرار البلاغة اذ لاتفيد الا مجرد الربط و اما باقي الادوات فهي تفيد مع التشريك معاني اُخر من الترتيب و التراخي كما هو معلوم في محله. هذا ماقاله القوم.

و اما الحق ما قاله مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه عند البحث عن الحروف العاطفة ما هذا ملخصه: «اما الواو فهي في كلام الناس لمطلق الجمع بين المتعاطفين من غير ترتيب و عند بعض البصرية و الكوفية انها للترتيب و قداطالوا الاختلاف في ذلك و لوقال قائل انها لـلترتيب مطلقاً ولكن لايلزم ان‏يكون الترتيب في ذلك الحكم المذكور لكن المتكلم قديلاحظ الترتيب في ذلك الحكم و قديلاحظ في الشرف و قديلاحظ في القرب و البعد و قديلاحظ في الاعلي و الاسفل و قديلاحظ في اليمين و اليسار و غير ذلك لان المتكلم الحكيم لايبدأ بشي‏ء الا بمرجح فلا مانع من الترتيب البتة و هو اولي و اوفق.

نعم من ليس بحكيم ربما يقدم ماحقه التأخير و يؤخر ماحقه التقديم و مع‏ذلك ان الطبيعة قلما تغلط و ان لم‏يكن الشخص حكيماً فان اول خاطر في القلب هو الاولي في ذلك الحيث الذي يتوجه اليه الانسان بطبعه.

الاتري ان الانسان بالطبع يتوجه الي السلطان ثم الي العسكر اذا كان ملحوظه الشرف و يتوجه الي الجلاوزة ثم الي السلطان اذا كان مقصوده المجي‏ء و ذلك طبيعي فالواو للترتيب من دون افادة تراخ.

 

«* المعاني صفحه 326 *»

و تفيد الفاء، تراخياً قليلاً و اكثر منها في افادة التراخي ثم». انتهي ملخص كلامه اعلي‏اللّه مقامه.([23])

و اما الجهة الجامعة بينهما: فهي كـالموافقة نحو يقرء و يكتب و كـالمضادة نحو يضحك و يبكي. لان المضادة في حكم الموافقة فان الذهن يتصور احد الضدين عند تصور الاخر كما ينتقل من القراءة الي الكتابة.

و الشرط في الجامع ان‏يكون باعتبار المسنداليه و المسند جميعاً فلايصح نحو «زيد جالس و البعير متورك» لعدم الجامع بين المسند اليهما كما لايصح نحو «زيد كاتب و عمرو مسافر» لعدم الجامع بين المسندين.

المطلب الثاني: في مواضع الوصل

المواضع التي يقع فيها الوصل ـ اي عطف جملة علي اخري بـ«الواو» ـ ثلاثة:

الاول: اذا اتحدت الجملتان في الخبرية و الانشائية لفظاً و معني او معني فقط و كانت بينهما مناسبة تامة في المعني و لايكون سبب يقتضي الفصل بينهما نحو ان الابرار لفي نعيم و ان الفجار لفي جحيم. فهاتان الجملتان خبريتان وصلت الثانية بالاولي لان بينهما تناسباً ذهنياً فان الذهن ينتقل عند ذكر احد الفريقين الي الفريق الاخر.

و نحو فادع و استقم. و هاتان الجملتان انشائيتان.

و مثال المختلفتين نحو اني اشهد اللّه و اشهدوا اني بري‏ء مما تشركون. و قال بعضهم في هذه الكريمة: «تكون الجملة الثانية في هذه الاية انشائية لفظاً و لكنها خبرية في المعني و الداعي لذكر الجملة الثانية انشائية و عدم ذكرها كالاولي خبرية هو التحاشي عن تسوية شهادتهم بشهادة اللّه عز و جل و نحو اذهب الي زيد و تقول له كذا و كذا اي و قل له. فالجملة الثانية خبرية لفظاً و انشائية معني».

اقـول: قوله تعالي و اشهدوا اني بري‏ء مما تشركون اي و اعلموا. فلاتغفل.

 

«* المعاني صفحه 327 *»

الثاني: «دفع توهم غير المراد» و ذلك اذا اختلفت الجملتان في الخبرية و الانشائية و كان الفصل يوهم خلاف المقصود. كما اذا سألك شخص و قال: هل بري‏ء زيد من المرض؟ فتجيب بالنفي و تقول لا و شفاه اللّه.

و اما اذا تركت الواو يوهم خلاف المقصود و هو الدعاء عليه ولكن المقصود هو الدعاء له فعطف الجملة الثانية و هي الدعائية الانشائية علي الجملة الاولي و هي الخبرية المعبرة بلفظ «لا» لدفع ذلك التوهم.

الثالث: «تشريك الجملة الثانية للجملة الاولي في الاعراب» ـ اذا كان لها محل من الاعراب ـ حيث لا مانع منه نحو زيد يقول و يفعل و قالوا في توضيح المثال: «فجملة يقول في محل رفع خبر للمبتدأ و كذلك جملة و يفعل معطوفة علي جملة يقول و تشاركها بانها في محل رفع خبر ثان للمبتدأ فاشتراك الجملتين في الحكم الاعرابي يوجب الوصل».

اقـول: اعلم اولاً: انك قدعرفت مراراً ان «المرفوع المقدم» هو الفاعل قطعاً و لايكون مبتداءً و «الفعل» خبره.

و ثانياً: ان جملة الفعل و الفاعل مستأنفة و تسمي ابتدائية و هي ليس لها محل من الاعراب حتي يراد من العطف تشريك الجملة الثانية لها في الاعراب.

و ثالثاً: يفعل فعل مستقبل و له فاعل مستقل مستتر فيه يرجع الي زيد المذكور الذي هو فاعل يقول كما عرفت ذلك من قبل فالمثال غير مناسب و التوضيح غير مطابق و المثال المناسب نحو زيد قام ابوه و قعد اخوه فتدبر.

تنبيهان:

الاول: قالوا: «الاحسن الاولي اتفاق الجملتين في الاسمية و الفعلية و الفعليتين في الماضوية و المضارعية و الاسميتين في نوع المسند من حيث الافراد و الجملة و الظرفية و لايعدل عن ذلك الا لاغراض:

كحكاية الحال الماضية و استحضار الصورة الغريبة في الذهن نحو ان الذين كفروا

 

«* المعاني صفحه 328 *»

و يصدون عن سبيل اللّه و نحو ففريقاً كذبتم و فريقاً تقتلون.

و كافادة التجدد في احديهما و الثبوت في الاخري نحو اجئتنا بالحق ام انت من اللاعبين. ففي الجملة الاولي لوحظ التجدد لان الجملة الفعلية دالة علي التجدد و في الثانية لوحظ الثبات و الاستمرار لدلالة الجملة الاسمية عليه».

و قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه في تعليقاته الشريفة علي المصحف المجيد في التعليق علي الاية الثانية([24]) «وجه عطف المستقبل علي الماضي ليدل علي ان ذلك شأنهم و ديدنهم ابداً كذا قالوا و الاصح ان الخطاب الي هذه الامة و لمايقتلوا من قتلوه و قدكذبوا محمّداً 9 و المراد بالرسول الحجة كما في قوله اذ ارسلنا اليهم اثنين فتدبر.

و روي «تقتلون» معناه قتلتم و كما تقول لمن توبخه: ويلك كم تكذب و كم تحرف؟ و لاتريد ما لم‏يفعله بعد و انما تريد كم فعلت و انت عليه موطن الخبر. و هذا هو الحق الظاهر منه».

الثاني: قدعرفت مما تقدم لزوم الجهة الجامعة بين الجملتين المتفقتين في الخبرية و الانشائية. فاعلم ان الجامع اما عقلي او وهمي او خيالي ـ علي ما في كلام القوم ـ :

فـ الجامع العقلي: هو احد الامور التي بسببه يقتضي العقل اجتماع الجملتين في الذهن كـالاتحاد في المسند او المسنداليه او في قيد من قيودهما نحو زيد يقرء و يكتب ـ يقرء زيد و عمرو ـ زيدٌ الزعيم شاعر ـ عمرو الزعيم فنّان ـ زيد طبيب ماهر ــ عمرو رياضي ماهر.

و كالتماثل و الاشتراك فيهما او في قيد من قيودهما بمعني ان للتماثل نوع اختصاص بهما او بالقيد لا مطلق التماثل.

و كالتضايف بينهما كـ الابوة و البنوة و العلية و المعلولية و امثال ذلك.

و اما الجامع الوهمي: فهو احد الامور التي بسببه يقتضي الوهم اجتماع الجملتين

 

«* المعاني صفحه 329 *»

في الذهن كشبه التماثل الذي يحكم العقل بالتباين حقيقة ولكن الوهم يحكم بالتماثل كالتماثل بين لوني البياض و الصفرة.

و كالتضاد بالذات الذي هو التقابل بين امرين وجوديين بينهما غاية الخلاف يتعاقبان علي محل واحد كـالسواد و البياض.

و كالتضاد بالعرض كشيئين ليسا ضدين لذاتهما لعدم تعاقبهما علي محل واحد بل بسبب عروض الضدين عليهما كالاسود و الابيض.

و كشبه التضاد كـالسماء و الارض فانه بينهما غاية الخلاف ارتفاعاً و انخفاضاً ولكن ليسا كالتضاد بالذات، لانهما لايتعاقبان علي محل واحد. و لا كالتضاد بالعرض.

و اما الجامع الخيالي: فهو احد الامور التي يقتضي الخيال بملاحظته اجتماع الجملتين في الذهن كالتقارن الخيالي السابق علي العطف لتلازمهما في صناعة خاصة او عرف عام كـالقدوم و المنشار و المنقاب، في خيال النجار. و كـالسيف و الرمح و الدرع ،في خيال المحارب. و كـ القلم و الدواة و القرطاس، في خيال الكاتب.

و قيل من هذا الباب: قوله تعالي افلا ينظرون الي الابل كيف خلقت و الي السماء كيف رفعت و الي الجبال كيف نصبت و الي الارض كيف سطحت. و قال: «فالمناسبة بين الابل و السماء و بينهما و بين الجبال و الارض غير موجودة بحسب الظاهر ولكنه اسلوب حكيم في غاية البلاغة لانه لما كان الخطاب مع العرب و ليس في تخيلاتهم الا الابل لانها رأس المنافع عندهم و الارض لرعيها و السماء لسقيها و هي التي توصلهم الي الجبال التي هي حصنهم عند ماتفاجئهم حادثة اورد الكلام علي طبق ما في مخيلاتهم.

المطلب الثالث: في مواضع الفصل

قالوا: «من حق الجمل اذا ترادفت و وقع بعضها اثر بعض ان‏تربط بالواو لتكون علي نسق واحد ولكن قديعرض لها مايوجب ترك الواو فيها و يسمي هذا فصلاً».

اقـول: اعلم ان الاشياء المتغايرة في الذات اذا تشاركت في بعض الصفات و الظهورات ـ و منها الاعراب الظاهري و العمل النحوي ـ فمن حقها ان‏يعطف بعضها علي

 

«* المعاني صفحه 330 *»

بعض ففي ذلك مضافاً علي اداء ذلك الحق رعاية للغرض الاصلي من الكلام و هو الاختصار المطلوب حين التخاطب كما اسلفنا البحث عنه.

و قديحصل في التعبير عن تلك الاشياء المتشاركة عارض يمنع عن ذلك العطف و يسمي ذلك بـالفصل و هذا العارض يتصور علي خمس صور:

لانه لايمكن الا ان‏يكون بين الجملتين اتحاد تام و يسمي كمال الاتصال.

او تباين تام و يسمي كمال الانقطاع.

او رابطة قوية و يسمي شبه كمال الاتصال.

او يكون بينهما جملة متوسطة حائلة بينهما و يسمي شبه كمال الانقطاع.

او يكون بينهما تناسب ولكن يمنع من العطف مانع، و هو عدم قصد اشتراكهما في الحكم و عدم ملاحظة ذلك التناسب. و يسمي التوسط بين الكمالين.

و يجب الفصل و هو ترك العطف بالواو في هذه الصور و لذلك قالوا: مواضع الفصل خمسة و هي:

الموضع الاول: «كمال الاتصال»: و هو اذا كان بين الجملتين اتحاد تام و امتزاج معنوي بحيث تنزل الثانية من الاولي منزلة نفسها بان‏تكون الجملة الثانية:

1ـ بمنزلة البدل من الجملة الاولي. نحو و اتقوا الذي امدّكم بماتعلمون امدكم باموال و بنين هذا في بدل البعض. و نحو بل قالوا مثل ما قال الاولون قالوا ءاذا متنا و كنا تراباً و عظاماً أئنا لمبعوثون هذا في بدل الكل. و نحو:

اقول له ارحل لاتقيمن عندنا   و الا فكن في السر و الجهر مسلما

هذا في بدل الاشتمال. و قالوا جملة لاتقيمن بمنزلة البدل من جملة ارحل بدل اشتمال لان بينهما مناسبة بغير الكلية و الجزئية.

2ـ او تكون بياناً لابهام في الجملة الاولي. كقوله تعالي فوسوس اليه الشيطان قال يا آدم هل ادلك علي شجرة الخلد فالجملة الثانية قال يا آدم بيان لابهام يكون في الجملة الاولي و هو ماوسوس به الشيطان اليه.

 

«* المعاني صفحه 331 *»

3ـ او تكون مؤكدة للجملة الاولي. كقوله تعالي فمهّل الكافرين امهلهم رويداً فالمانع من العطف في هذا الموضع اتحاد الجملتين اتحاداً تامّاً يمنع عطف الشي‏ء علي نفسه و يوجب الفصل.

الموضع الثاني: «كمال الانقطاع»: و هو اختلاف الجملتين اختلافاً تاماً بان‏تختلفا خبراً و انشاءً و لفظاً و معني او معني فقط. نحو حضر زيد وفّقه اللّه و نحو تكلم اني مصغ اليك.

او بـاَلاّتكون بين الجملتين مناسبة في المعني و لا ارتباط بل كل منهما مستقل بنفسه نحو زيد كاتب الحمام طائر. فانه لا مناسبة بين كتابة زيد و طيران الحمام و كقوله:

انما المرء باصغرية   كل امري‏ءٍ رهنٌ بمالديه

فالمانع من العطف في هذا الموضع امر ذاتي لايمكن دفعه اصلاً فان العطف يكون للربط و لا ربط بين جملتين في شدة التباعد و كمال الانقطاع لان المانع في الصورة الاولي هو كون احداهما جملة خبرية و الاخري انشائية و لاجامع بينهما و في الصورة الثانية فالمانع هو التباين بين الجملتين. فوجب الفصل و ترك الوصل.

الموضع الثالث: «شبه كمال الاتصال»: و هو اذا كان الجملة الثانية قوية الارتباط بالاولي لوقوعها جواباً عن سؤال يفهم عن الجملة الاولي فتفصل عنها كما يفصل الجواب عن السؤال كقوله تعالي و ما ابري‏ء نفسي ان النفس لامارة بالسوء فالجملة الثانية شديدة الارتباط بالجملة الاولي لانها كجواب عن سؤال نشأ من الاولي: لِمَ لاتبري‏ء نفسك؟ و كقول الشاعر:

زعم العواذل انني في غمرة   صدقوا ولكن غمرتي لاتنجلي

كانه سئل: اصدقوا في زعمهم ام كذبوا؟ فاجاب صدقوا. فالمانع من العطف في هذا الموضع وجود الرابطة القوية بين الجملتين فاشبهت حالة اتحاد الجملتين و لهذا وجب ايضاً الفصل.

الموضع الرابع: «شبه كمال الانقطاع»: و هو ان‏تسبق جملة بجملتين يصح

 

«* المعاني صفحه 332 *»

عطفها علي الاولي لوجود المناسبة ولكن في عطفها علي الثانية يحصل فساد في المعني فيترك العطف بالمرة دفعاً لتوهم انها معطوفة علي الثانية نحو:

و تظن سلمي انني ابغي بها   بدلاً اراها في الضلال تهيم

فجملة اراها يصح‏عطفها علي جملة تظن لكن يمنع من ذلك العطف توهم العطف علي جملة انني ابغي بها فتكون الجملة الثانية من مظنونات سلمي ايضاً مع انه غير المقصود و لهذا امتنع الوصل و وجب الفصل. فالمانع في هذا الموضع امر خارجي احتمالي يمكن دفعه بمعونة القرينة. و بذلك يظهر الفرق بين «كمال الانقطاع» و «شبه الانقطاع».

الموضع الخامس: «التوسط بين الكمالين» مع وجود المانع: و هو اذا كانت الجملتان متناسبتين و بينهما رابطة قوية لكن يمنع من العطف مانع و هو عدم قصد التشريك في الحكم كقوله تعالي و اذا خلوا الي شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤن اللّه يستهزي‏ء بهم فجملة اللّه يستهزي‏ء بهم لايصح عطفها علي جملة انا معكم لاقتضائه ان‏تكون من مقول المنافقين و هي من مقوله تعالي دعاءً عليهم و لا علي جملة قالوا لئلايتوهم مشاركته له في التقييد بالظرف ليفيد ان استهزاء اللّه بهم مقيد بحال خلوّهم الي شياطينهم و الحال ان استهزاء اللّه بالمنافقين غير مقيد بحال من الاحوال فلهذا وجب الفصل ايضاً.

هذا هو الذي اصطلحوه في هذا البحث و انما نقلنا عباراتهم ليستغني الباحث عن الرجوع الي كتبهم.

تنبيه:

اعلم ان القوم قدالحقوا بهذا الباب، البحث عن الجملة الحالية من حيث انها قدتقترن بالـواو و قدتجردت عن الواو فاشبهت الوصل و الفصل.

و نحن نشير الي ماينبغي التنبيه عليه فـنقول:

ان الحال ان لم‏يفهم معناها من العامل فهي مؤسسة و تسمي مبينة ايضاً نحو جاءني

 

«* المعاني صفحه 333 *»

راكباً فانه لايفهم الركوب من المجي‏ء فلايلزم الواو. و اما ان يفهم و هي مؤكدة.

و «المؤكدة» قدتؤكّد لفظ العامل في صاحبها نحو ارسلناك للناس رسولاً.

او معناه نحو تبسم ضاحكاً و ولّي مدبراً.

و قدتؤكد صاحبها نحو لامن من في الارض كلهم جميعاً.

و قدتؤكد مضمون جملة نحو زيد ابوك عطوفاً و هو زيد معلوماً.

و في هذا التأكيد اغراض كـالتفاخر نحو انا زيد بطلاً و التعظيم نحو هو زيد جليلاً و التحقير نحو هو عمرو مقهوراً و الاسترحام نحو انا عبدك ذليلاً و الاستعلاء نحو انا زيد قادراً عليك.

ثم الحال لما كانت هي فضلة تبين اقتران عرض لذات بمعني هذه الفضلة، فهي تبين هيئة الذات مع تضمن معني في.

و لذلك قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه: «الحال في الحقيقة «مفعول‏فيها» متجلي فيها الا انها ظرف متصل بالذات بخلاف ساير الظروف. فعلي ذلك «كل شي‏ء يدل علي صفة للذات يقع حالا» منتقلة كانت نحو تبسم ضاحكاً من قولها او ثابتة نحو زيد ابوك عطوفاً مشتقة او جامدة نحو رأيت زيداً اسداً نكرة او معرفة نحو جاء زيد وحده.

فلايصغي الي ماقال بعضهم: «ان «الحال» اما مؤكدة فلا واو للاتحاد بين الجملتين لانها مقررة لمضمونها نحو سعد ابوك كريماً و اما منتقلة لحصول معني حال النسبة ـ اي نسبة العامل الي صاحب الحال ـ فلزم فيها امران: الحصول و المقارنة. فالحال المفردة صفة في المعني فلاتحتاج لواو للاتحاد.

و اما «الحال الجملة» فالمضارع المثبت لايؤتي له بواو للارتباط معني لوجود الحصول و المقارنة معاً فلاحاجة للربط بها نحو و جاؤا اباهم عشاء يبكون و لايجوز «و يبكون» و هذه احدي المسائل السبع التي ذكروها في النحو من انها تمتنع فيها الواو.

و ثانيتها: «الحال الواقعة بعد عاطف» نحو فجاءها بأسنا بياتاً او هم قائلون.

و ثالثتها: «المؤكدة لمضمون الجملة» نحو ذلك الكتاب لا ريب فيه.

 

«* المعاني صفحه 334 *»

و رابعتها: «الماضي التالي لـ الاّ» نحو ماتكلم زيد الا قال خيراً و قيل يجوز اقترانه بالواو كما في قوله:

نعم امرؤ هرم لم‏تعر نائبة   الا و كان لمرتاح بها وزرا

و خامستها: «الماضي المتلو بـ او» نحو لاضربنة ذهب او مكث و منه قول الشاعر:

كن للخليل نصيراً جار او عدلا   و لاتشح عليه جاد او بخلا

و سادستها: «المضارع المنفي بـلا» نحو و ما لنا لانؤمن باللّه و نحو:

لو ان قوماً لارتفاع قبيلة   دخلوا السماء دخلتها لا احجب

و سابعتها: «المضارع المنفي بـما» كقوله:

عهدتك ماتصبو و فيك شبيبة   فمالك بعد الشيب صبّا مُتَيَّما

و قالوا في هذا البحث: يجب وصل الجملة الحالية بماقبلها بـالواو اذا خلت من ضمير صاحبتها نحو جاء زيد و الشمس طالعة. و يجب فصلها في ثلاثة مواضع:

الاول: اذا كان فعلها ماضياً تاليا لـالاّ او وقع ذلك الماضي قبل او التي للتسوية. نحو ماتكلم زيد الا قال خيرا و نحو لاضربنه ذهب او مكث.

الثاني: اذا كان فعلها مضارعاً مثبتاً او منفياً بـما او لا. نحو و جاؤا اباهم عشاء يبكون و نحو و ما لنا لانؤمن باللّه و نحو عهدتك ماتصبو و فيك شبيبة.

الثالث: اذا كانت جملة اسمية واقعة بعد حرف عطف او كانت اسمية مؤكدة لمضمون ماقبلها. كقوله تعالي فجاءها بأسنا بياتاً او هم قائلون. و كقوله تعالي ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين لما كان قوله ذلك الكتاب فيه مظنة مجازفة بسبب ايراد المسنداليه اسم اشارة و المسند معرفاً بال اكده بقوله لاريب فيه «تأكيداً معنوياً» و لما كان الدعوي المذكورة مع ادعاء عدم المجازفة مظنة استبعاد اكده بقوله هدي للمتقين «تأكيداً لفظياً» حتي كانه نفس الهداية.

و الحق ان يقال: ان الحال لابد لها من ان‏تكون مرتبطة بصاحبها مفردة كانت او جملة. و الاصل في «الجملة» ان‏تكون مستقلة غير مرتبطة. و اذا وقعت الحال جملة فلابد

 

«* المعاني صفحه 335 *»

لها من ارتباط بصاحبها و الرابطة هي الكناية ان كانت موجودة في الجملة و الا فلابد من ذكر الـواو و الاتيان بها للربط.

و كذلك ان كان فيها كناية و لها نحو استقلال يوهم انفصال «الجملة» يؤتي بها ايضاً كـ «المضارع المثبت مع قد» و «الجمل الاسمية» و «المضارع المنفي» و «الماضي المثبت و المنفي» و اما ان كان لها ارتباط تام بماقبلها فلاتحتاج الي واو كالمواضع التي نقلناها عنهم.

ثم اعلم ان «الجملة الاسمية» اشد و اظهر في الاستقلالية و عدم الارتباط بذيها و لذلك عدوها ابعد الجمل في الصلاح للحالية لدلالتها علي الثبوت ـ لا علي الحصول و المقارنة ـ فيجب فيها الواو نحو فلاتجعلوا للّه انداداً و انتم تعلمون.

ثم «الماضي المثبت» لعدم المقارنة، فان الماضي يدل علي الحصول المتقدم لا الحصول حال النسبة و تجب «قد» التحقيقية لانها اذا دخلت علي الماضي افادت التقريب من الحال اي تجعل «قد» الفعل الماضي الدال علي حصول متقدم ـ لا حصول حال النسبة ـ قريباً من حال النسبة ـ لا حال التكلم ـ اذ اللازم في الحال مقارنتها لزمان النسبة لا لزمان التكلم.

و يحسن ذكر «الواو» ايضاً معه نحو جاءني زيد و قدطلع الشمس و قيل تجب «الواو» مع قد داخلة علي «مضارع مثبت» نحو لم‏تؤذونني و قدتعلمون اني رسول اللّه‏اليكم ـ و الحال من فاعل تؤذونني ـ.

و منع «الواو» من «مصدرة بـاو او متلوة بها» و «المؤكدة لجملة قبلها» و «الماضي التالي لـالاّ الايجابية» و «المضارع المنفي بـلا او بـما».

و قديجتمعان «قد و الواو» بعد الا نحو ما لقيته الا و قداكرمني.

و اذا كان الحال ظرفاً فالاحسن ترك «الواو» نحو رأيت الهلال بين السحاب و نحو فخرج علي قومه في زينته لان الحال حقيقة متعلق الظرف. هذا اذا قدرنا المتعلق مفرداً و بعضهم قدروا الفعل الماضي و جوزوا ذكر الواو حينئذ.

 

«* المعاني صفحه 336 *»

و اذا التبس الحال بالصفة وجب ذكر «الواو» ليتميّز الحال نحو جاء رجل و يسعي ولو قيل: يسعي ـ من غير ذكر الواو ـ لالتبس الحال بالصفة.

تتميم:

قدسجلنا في الجزء الاول ان الافعال الناقصة افعال لاتتم معانيها الا بفاعل تصدر عنه و حال تقع فيها. و لا شك في فاعلية مرفوعاتها لانها افعال و لايعقل تحقق فعل بلا فاعل فان الفعل حركة المسمي فمرفوعاتها هي المسميات التي صدرت عنها تلك الافعال و اما حالية منصوباتها فلانها لاتلائم ساير المنصوبات من اقسام المفاعيل و التمييز فهي حالات لها فقولك كان زيد قائماً يكون في معني «كان زيد في حال القيام».

و اما نحو كان هذا زيداً فمعناه «كان هذا في حال كونه زيداً» اي كان هذا متعيناً بالزيدية. لان الاشارات و الكنايات اشد ابهاماً من الاعلام و للاعلام التعين فاذا وقع الفاعل اشد ابهاماً صح ان‏يؤتي بالعلم حالا لتبينه.

و اما نحو كان الصوم يوم الجمعة فالمعني «كان الصوم مستقراً او حاصلاً في يوم الجمعة» و كان زيد وسط الدار اي مستقراً و نحو يكون مسكنه المسجد ف المسكن فاعل و المسجد ظرف اي مستقراً في المسجد. و ورد في الدعاء و ما كانت لاحد فيها مقراً و لا مقاماً فالمعني «يكون مسكنه مستقراً في المسجد». و يسهل الامر ان كل ذلك يجوز في الخبر فان الخبر ايضاً وصف حقيقة للمبتدأ فكما يجوز ان‏يقال زيد وسط الدار و الصوم يوم الجمعة و هذا زيد فكذلك يجوز في تلك الافعال و الحالات فلاتغفل.

 

«* المعاني صفحه 337 *»

البـاب التـاسع

في الايجاز و الاطناب و المساواة

و فيه تمهيد و فصول:

تمهيد:

اعلم ان المتكلم اذا اراد ان‏يعبر عما في صدره من المعاني يتمكن ان‏يسلك واحداً من المسالك الثلاثة:

الاول: المساواة: و هي التعبير بالالفاظ علي قدر المعني المراد بحيث لايزيد اللفظ علي المعني و لاينقص منه شيئاً.

الثاني: الاطناب: و هو التعبير زايداً علي قدر المعني لفايدة و الاّ فهو حشو او تطويل بلاطائل.

الثالث: الايجاز: و هو التعبير الناقص عن قدر المعني لغة و يأتي معناه الاصطلاحي.

فقالوا: ان «المساواة» هي الاصل الذي يكون اكثر الكلام علي صورته و الميزان الذي يقاس عليه كل من الايجاز و الاطناب.

اقـول: و الحق ان‏يقال: ان الاصل في عرف البلغاء المصطلحين ان‏يكون التعبير مطابقاً لمقتضي حال المخاطب فبمقتضي مواطن الخطاب قديوجز المتكلم و قديسهب و قديأتي بالعبارة المساوية و هي، بين بين.

و اما الاصل علي حسب عرف المحاورة بين عامة الناس هو «المساواة» و لذا قالوا: «هي الاصل الذي يكون اكثر الكلام علي صورته و الدستور الذي يقاس عليه».

و اما الاصل في عرف البلغاء الحقيقيين فهو علي ما روي عن علي بن ابيطالب عليه الصلوة و السلام «الايجاز في القول و الاطالة في المعني» قال7 مارأيت بليغاً الا و له في القول ايجاز و في المعاني اطالة.

 

«* المعاني صفحه 338 *»

و يمكن ان‏يكون قداتبع الامام7 الحُطَيْئَة شاعر مخضرم من بني‏عبس([25]) حين سألته بنته فقالت: مابال قصارك اكثر من طوالك؟ فقال: لانها بالآذان اولج و بالافواه اعلق.

و قيل لشاعر: لم لاتطيل شعرك؟ فقال: حسبك من القلادة ما احاط بالعنق.

و هذا الاصل يطابق مااشرنا اليه سابقاً عند البحث عن «الحذف و الذكر» في المسنداليه و المسند، من عرضية الكلام علي الانسان فراجع.

الفصل الاول: في الايجاز

و هو في الاصطلاح: «وضع المعاني الكثيرة في الفاظ اقل منها وافية بالغرض المقصود و مع الابانة و الافصاح». كقوله تعالي خذ العفو و امر بالعرف و اعرض عن الجاهلين فهذه الاية القصيرة جمعت مكارم الاخلاق باسرها.

و مرادهم من «الفاظ اقل» اقل من المعهودة العادية و بقولهم «وافيه بالغرض» خرج ما لم‏يف بالمراد و يسمي حينئذ بـالاخلال و الحذف الردي فلايكون الكلام بليغاً بل و لا صحيحاً كقول عروة بن الورد:

عجبت لهم اذ يقتلون نفوسهم   و مقتلهم عند الوغي كان اعذرا

 

 

«* المعاني صفحه 339 *»

لانه يريد ان‏يقول: اذ يقتلون نفوسهم في السلم ولكن المذكور في كلامه لايدل عليه. و كقول بعضهم: فان المعروف اذا زجا كان افضل منه اذا وفر و ابطأ و يلزم عليه ان‏يقول: اذا قل و زجا ليتم مراده. و قال اليَشْكُري:

و العيش خير من ظلا   لِ النوك ممن عاش كَدّا

و مراده: ان العيش الناعم الرغد في حال الحمق و الجهل خير من العيش الشاق في حال العقل. ولكن كلامه لايفي بمراده فلايعد صحيحاً مقبولاً.

اقـول: الأهنأ في حد الايجاز الاصطلاحي ان‏يقال: «هو اطالة المعاني و ايجاز الالفاظ». و هذا هو خير الكلام فان خير الكلام ما قل و دل. و قيل بحضرة الامام علي بن ابيطالب7: الهي هب لي حقك و ارض عني خلقك فقال7 هذا هو البلاغة.

ثم اعلم انهم يقسمون «الايجاز» في هذا الباب الي قسمين: ايجاز قِصَر و ايجاز حذف.

و الحق ان هذا التقسيم في غير محله، لان المراد من «الايجاز» في هذا البحث ليس هو كل ايجاز حتي يشمل «ايجاز الحذف» ايضاً بل المراد هو «الايجاز الخاص» الذي يكون شأن البلغاء و هو «ايجاز القصر» و لذا يسمي بـ ايجاز البلاغية و هو عبارة عن تضمين المعاني الكثيرة في الفاظ قليلة من غير حذف.

و اما «الايجاز بالحذف»: فهو يكون بحذف شي‏ء من العبارة لايخل بفهم المعني و لايمكن ذلك الا عند وجود مايدل علي المحذوف من القرائن اللفظية او المعنوية. فان هذا الحذف كثيراًما وقع في كلام البلغاء و غيرهم.

و اما ايجاز القصر:

فهو من شؤن البلاغة و البلغاء هم الذين يتفاضلون في ذلك و للقران و كلمات المعصومين: و الكاملين اعلي‏اللّه مقامهم ـ علي حسب المراتب ـ في هذا الشأن منزلة سامية لاتسامي التي بلغت حد الاعجاز و الحمدللّه.

و لذا سئل بعض البلغاء عن البلاغة فقال: «هي ايجاز القِصَر» و قال اكثم بن صيفي

 

«* المعاني صفحه 340 *»

خطيب العرب:([26]) «البلاغة الايجاز».

«* المعاني صفحه 341 *»

فايجاز القصر كقوله تعالي و لكم في القصاص حيوة اي لكم يا امة محمّد9في القصاص اي في حال تراعون القصاص حيوة لان مريد القتل يذكر القصاص فلايقتل فيحيي بذلك رجلان. و فيه حيوة لان به ينجو القاتل من عذاب يوم القيمة و يطهر. و كذا و لكم حيوة لاجل القصاص، يعني في الرجعة يرجع المقتول حتي يقتص من القاتل ثم يعيش ثلاثين شهراً ثم يموتون في ليلة واحدة. او لكم حيوة لاجل تقاص حقوقكم يوم القيمة.

فهذه الكريمة مع انها قليلة اللفظ كثيرة المعني([27]) و قدشاع في العرب: القتل انفي للقتل. قالوا في الوجوه التي تمتاز الكريمة بها عن هذا المأثور: انها كلمتان و المأثور اكثر منها. و الكريمة لا تكرار فيها و فيه تكرار. و ان كل قتل ليس نافياً للقتل و انما يكون كذلك اذا كان علي جهة القصاص. و ان حسن التأليف و شدة التلاؤم موجودان في الكريمة و غير موجودين في المأثور فانه مثل بسيط لايزيد عن متعارف الاوساط و الكريمة تكون في حد من البلاغة التي اعجزتهم عن ان‏يأتوا بمثلها. و استغناء الكريمة عن المحذوف بخلاف المأثور فان تقديره «القتل انفي للقتل من تركه». و لاشتمالها علي صنعة المطابقة و هي الجمع بين معنيين متقابلين في الجملة كالقصاص و الحيوة. الي غير ذلك من الوجوه التي لايدركها العقول الناقصة الجزئية.

و كقوله تعالي في سورة الحديد لكيلا تأسوا علي مافاتكم و لاتفرحوا بماآتاكم روي عن حفص بن غياث قال قلت: لابي‏عبداللّه7 جعلت فداك فما حد الزهد في الدنيا؟ فقال قد حده اللّه في كتابه فقال عز و جل: لكيلا تأسوا علي مافاتكم و لاتفرحوا بماآتاكم. و

 

«* المعاني صفحه 342 *»

في حديث جاء رجل الي علي بن الحسين8فقال له: فما الزهد؟ قال عشرة اجزاء فاعلي درجات الزهد ادني درجات الرضا الا و ان الزهد في آية من كتاب اللّه «لكيلا تأسوا علي ماماتكم و لاتفرحوا بماآتاكم». و في حديث اخر قال اميرالمؤمنين7 ان الناس ثلاثة زاهد و صابر و راغب. فاما الزاهد: فقد خرجت الاحزان و الافراح من قلبه فلايفرح بشي‏ء من الدنيا و لايأسي علي شي‏ء منها فاته فهو مستريح… الحديث. و عنه7 الزهد كله بين كلمتين من القرءان. قال اللّه تعالي: لكيلا تأسوا علي مافاتكم و لاتفرحوا بماآتاكم. و من لم‏يأس علي الماضي و لم‏يفرح بالآتي فقد اخذ الزهد بطرفيه الحديث .

و انما نقلنا هذه الاحاديث المباركة لتعلم جلالة البلاغة الايجازية في هذه الكريمة و تري كيف اوجز اللّه حالة الزاهد في الدنيا في هاتين الكلمتين المباركتين حالته التي انبعثت عن عقيدته الراسخة في التوحيد و تصوره الصحيح عن الكون و سلوكه الايماني في السراء و الضراء.

و كل ذلك يدل علي كرامة نفس الزاهد و فساحته و كبريائه و ثباته و رزانته عند مواجهته الاحداث العابرة فلاتجزع في الشدايد من نقص الاموال و الثكل في الاولاد و امثالها و لاتأسي أسي يضعضعها و يزلزلها و لاتستخـفها الاحداث الملائمة معها من الفرح الحاصل لها منها و لاتذهلها لانها هي العارفة باللّه تعالي و بعدله و رحمته الرحمانية التي بها الزم المقتضيات المقتضيات ما اصاب من مصيبة في الارض و لا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك علي اللّه يسير.

و في القران من امثال هذه الايجازات كثير و كذا في كلام المعصومين: سيما اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه فقد رتب الرضي عليه‏الرحمة في نهج البلاغة باباً ذكر فيه القصار من كلامه7 و اتمه بفصل ذكر فيه مايحتاج الي التفسير من كلامه الغريب فمنها قوله7 لسان العاقل وراء قلبه و قلب الاحمق وراء لسانه.

قال الرضي;: «و هذا من المعاني العجيبة الشريفة و المراد به ان العاقل لايطلق لسانه الا بعد مشاورة الروية و مؤامرة الفكرة و الاحمق تسبق حذفات لسانه و

 

«* المعاني صفحه 343 *»

فلتات كلامه مراجعة فكره و مماخضة رأيه فكأن لسان العاقل تابع لقلبه و كأن قلب الاحمق تابع للسانه».

و منها قوله7 (و قدتوفي سهل بن حنيف الانصاري بالكوفة بعد مرجعه معه من صفين و كان احب الناس اليه) لو احبني جبل لتهافت.

قال الرضي رحمه‏اللّه: «معني ذلك ان المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب اليه و لايفعل ذلك الا بالاتقياء الابرار و المصطفين الاخيار».

و قيل له7: صف لنا العاقل. فقال7 هو الذي يضع الشي‏ء مواضعه. فقيل: فصف لنا الجاهل فقال قدفعلت.

قال الرضي رحمه اللّه: «يعني ان الجاهل هو الذي لايضع الشي‏ء مواضعه فكأن ترك صفته صفة له اذا كان بخلاف وصف العاقل».

الي غير ذلك مما في «نهج البلاغة» و غيره، من كلماتهم القصيرة و حكمهم البليغة. كيف لا و هم مشرع الفصاحة و موردها و منشأ البلاغة و مولدها و منهم: ظهر مكنونها و عنهم اخذت قوانينها و علي امثلتهم حذا كل قائل خطيب و بكلامهم استعان كل واعظ بليغ و مع‏ذلك فقد سبقوا و قصروا و تقدموا و تأخروا.([28])

و لقداقتفي اثرهم الكملون من الشيعة الذين هم بالنسبة اليهم كالنور من المنير فهم حاملوا كمالاتهم و مظاهر صفاتهم بل هم نفس كمالاتهم و ظهوراتهم و انوارهم.

قال سيدنا الاجل اعلي‏اللّه مقامه و روحي لتراب مرقده الفداء في مدح شيخنا الاوحد اعلي‏اللّه مقامه عند المدافعة عن ساحته المقدسة و الذب عن حريم نظرياته الحقة بعد ذكر مايلزم من العلوم في معرفة المراد من عباراته الراهنة و تصانيفة القيمة الخالدة، ماهذا نصه النير الشريف:

«و هذه العلوم المذكورة هي التي لابد منها و لا محيص عنها في معرفة عباراته

 

«* المعاني صفحه 344 *»

المذكورة فاذا عرفتها و اتقنتها و احكمت مافيها من الدقائق و الاشارات و الحقائق و التلويحات ربما تحظّي ببعض مطالبه و لطايف اشاراته المودعة في طي عباراته لاجميع مايريد منها كما يريد بمايريد فان ذلك صعب المنال عزيز الوصال لايهتدي اليها الا من انار اللّه قلبه و كشف عن بصيرته و سره، و عرفه الحيث و الكيف و الكم و احاط بعلم الكيفوفة و سر القيومة و استنار بنور الكينونة و خرج من عالم البينونة و ذلك اوحدي العصر و واحد الدهر.

و انا في قديم الايام بعد ان قرأت عليه اعلي‏اللّه مقامه في علوم متعددة و سمعت منه عجائب و غرائب من احكام متشتة خطر بخاطري الفاتر و جاء ببالي القاصر و فكري الباتر ان‏اشرح شرح الزيارة الجامعة و ابين عجائب مطالبه و غرايب مقاصده و اكشف حجابه و ارفع عن وجه المقصود نقابه فابتدأت لشرحه فكتبت نحواً من خمسه‏عشر كراساً علي حجم الربع و وصلت الي فقرة من فقرات اول الشرح فكتبت عليها نحو سبعة كراريس في شرحها و بيانها و استخراج المعاني المبتكرة منها و بعد ذلك تفطنت باني ادور حول المطلب و مادخلت بابه و ماوصلت الي حقيقة سره بل مابلغت الي شي‏ء مما اراد فتنبهت في خطائي في ارتكاب هذا الامر العظيم و الخطب الجسيم فعلمت اني لست من السفن التي يسار بها في هذا البحر المتعاظم و الطمطام المتلاطم و لا من غواصي هذه اللجة.

فكتبت تحت ذلك الكلام بما (هذا ظ) لفظه: و لله در الشارح حيث جمع في هذا الكلام الموجز المختصر جميع ما في الوجود و اسراره و كلما يجب للموجودات في الشريعة و الطريقة و الحقيقة و مايستحب في المقامات الثلثة و مايكره و مايحرم فيها.

و العجب انه في كل من كلماته جمع ماكان في الكل بل في البعض ماكان الكل بل في كل جزء من اجزاء كلامه ماكان في الكل. و ان لاحظت الكل في البعض فالبعض اجمال و بيان و ان لاحظت الكل في الكل فالكل كلام تام بحيث ليس بينهما ارتباط و لا التيام و ان لاحظت الاول مع الاخر يتم المقصود و ان لاحظت المتوسطين في الاول

 

«* المعاني صفحه 345 *»

يظهر لك كل موجود و ان لاحظتهما في الثاني ينكشف لك كل مفقود و ان لاحظتهما بالافتراق يدل علي الاجتماع و ان نظرت اليهما بالاجتماع يدل علي الافتراق.

و لعمري ان هذا الكلام مطابق للكتاب التدويني المطابق للكتاب التكويني الذي اجتمع في جزئه كل ماكان في الكل المصحح لقول الشاعر:

كل شي‏ء فيه معني كل شي‏ء
  فتفطن و اصرف الذهن الي
كثرة لاتتناهي عددا
  قدطوتها وحدة الواحد طي

ثم قلت: و لا عجب فان المرء مخبوء تحت لسانه و الكلام علي مقدار عقل المتكلم و سعة معرفته و احاطة دايرته. و هو اعلي‏اللّه مقامه و متعنا بفيوضاته و رفع اعلامه قد شرب من شرب المعرفة و تجرع من كاساة المحبة كأساً فسكر فلايري الصحو ابداً و رأي من سكره صحواً فلايري السكر ابداً. كما قال اعلي‏اللّه مقامه في قصيدته اللامية في مدح الائمة: يشير الي ماشرب في مدح الائمة: من ريق مولينا الحسن7 و من ريق رسول اللّه 9 في الرؤيا الصادقة و المنامات الصحيحة التي هي جزء من سبعين جزء من النبوة كما روي عنهم: في الخبر المشهور، فاشار الي هذا بقوله:

فمذ سكرت باللما اسمعني   ودق الحمي و نحلها ينتحل

القصيدة.([29]) اني هذه الكلمات من مقامه و اين هذه العبارات من محله و مرتبته

«* المعاني صفحه 346 *»

اشرف مماهنالك. لايتكلم الا علي مايمكننا معرفته و ادراكه و يكتم ماعنده من

 

«* المعاني صفحه 347 *»

الاسرار خازنا في قلبه الشريف تلك الانوار قائلاً تابعاً مقتدياً لماقاله سيد الساجدين عليه و علي آبائه و ابنائه صلوات المصلين:

اني لاكتم من علمي جواهره
  كيلا يري العلم ذوجهل فيفتتنا
و قدتقدم في هذا ابوحسن
  الي الحسين و وصي قبله الحسنا

 

 

«* المعاني صفحه 348 *»

يا رب جوهر علم لو ابوح به
  لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
و لاستحل رجال مسلمون دمي
  يرون اقبح مايأتونه حسنا

الي هنا كتبت و قطعت الكلام و تركت الشرح و عثرت علي قصوري و علمت قلة باعي عن تناول تلك المطالب الجليلة و المقاصد الشريفة.

فانظر الان ايها المنصف المتدين العاقل اذا كان حالي مع قرائتي عليه و سماعي منه و مايزعمه الناس في حقي باني ممن فهم كلامه و وصل الي بعض مرامه في بعض مقامه كما هو ايضا رحمه اللّه يظهر هذا المعني بالنسبة الي بعض المطالب. فماظنك بالذين لم‏يعرفوا من كلامه شيئاً و لم‏يفهموا من مطالبه حرفاً واحداً و بالذي ماسمع منه شيئاً و ماحضر عنده يوماً واحداً كيف يفهم كلامه و يروم مرامه و يصل الي مقامه حتي يتصدي للجرح و التعديل و التمييز و التصحيح و التكثير للقال و القيل؟!!! ان هذا الا خروج عن الانصاف و دخول للجور و الاعتساف». انتهي كلامه اعلي‏اللّه مقامه.

ايجاز الحذف

و قدذكرنا ان هذا الايجاز لاينبغي ان‏يعد من الشؤن البلاغية الاصطلاحية ولكن القوم ذكروه في هذا الباب و نحن نذكره ايضاً لفوائد.

و قدعرفت ان هذا الايجاز مشروط بوجود مايدل علي المحذوف من قرينة لفظية او معنوية و الا لكان الحذف امراً رديئاً و يصير الكلام غير مقبول.

فقالوا: «و هو (ايجاز الحذف) علي صور مختلفة. لان «المحذوف» اما ان‏يكون: «حرفاً هجائياً» نحو و لم‏اك بغياً اي و لم‏اكن.

او «حرفاً نحوياً» كقول العاصم المنفري:

رأيت الخمر جامدة و فيها   خصال تفسد الرجل الحليما
فلا و اللّه اشربها حياتي
  و لااسقي بها ابداً نديما

اي لااشربها.

او «اسماً مضافاً» نحو و اشربوا في قلوبهم العجل اي حب العجل. و نحو تفرقوا

 

«* المعاني صفحه 349 *»

ايدي سبا اي مثل ايدي سبا.([30])

او «اسماً مضافاًاليه» نحو

علقت آمالي فنعمت النعم   بمثل او انفع من وبل الديم

اي بمثل وبل الديم او انفع.([31]) او اسماً موصوفاً نحو و من تاب و عمل صالحاً اي عملاً صالحاً.

او «اسماً صفة» نحو يأخد كل سفينة غصباً اي سفينة صالحة.

او «شرطاً» نحو اتبعوني يحببكم اللّه اي فان‏تتبعوني».

اقـول: المثال الصحيح لحذف الشرط قوله7 العلم يهتف بالعمل فان اجابه و الا ارتحل اي ان لااجابه.

و اما ماذكروه مثالاً لحذف «الشرط» فغير معتبر. لان الكلام تابع لما في نفس المتكلم فكل مااراد ذكره يذكره في كلامه و كل مااراد حذفه يحذفه من كلامه و ينصب قرينة علي المحذوف. ففي المثال المنقول عنهم لايريد سبحانه هذا التقدير المذكور فانه ركيك و خارج عن حد البلاغة و العرب لايعرف هذا التقدير بل هو رأي النحويين و اجتهاد منهم كما قالوا في اسلم تنجُ: اي اسلم ان‏تسلم تنج.

فان قلت: فماتقول في جزم المضارع هنا؟ اقول: قولي في علة الجزم هنا قول مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه فانه قال:

«مسألة ـ الذي يحمل الانسان علي الكلام اما افادة المخاطب شيئاً من الامور الخارجية لايعلمه و هو الخبر. و اما شي‏ء في نفس المتكلم يريد وجوده في الخارج و هو

 

«* المعاني صفحه 350 *»

علي قسمين: فاما يريد وجوده لنفسه نحو قولك اضرب زيداً او لغرض غيره. فان كان الاول، يصح السكوت عليه. و ان كان لغرض اخر فهو سببب للاخر و الاخر مسبب و هو «المعني الشرطي» فيقتضي تلك السببية عمل اداة الشرط نحو اضرب زيداً تُكْرَمْ لان هذا المعني معني حرفي فعلي ذلك اضرب تكرم معناه «ان‏تضرب تكرم».

و قال قوم جزم تكرم بان مقدرة مع الشرط نحو «اضرب ان‏تضرب تكرم». و لا شك ان العرب لايعرف هذا التقدير و لايقصده و انما يقدر هذه الالفاظ النحويون و لو شاء انسان ان‏يقدر في الكلام يقدر علي تقدير امور كثيرة فانظر هل يجوز ان‏تقول ضرب زيد تقديره «ان الضرب حادث من زيد في الزمان الماضي» بل هو لفظ بنفسه غني عن غيره و لايقصد العربي هذه التقديرات فكذلك اسلم تنج فلايقصد به «اسلم ان‏تسلم تنج» بل نفس لفظ اسلم يعمل هذا العمل لانه بمعني الشرط و معناه «ان‏تسلم تنج» فيحدث هذا المعني للافعال الطلبية». انتهي كلامه اعلي‏اللّه مقامه.

او «جواب شرط» نحو ولوتري اذ وقفوا علي النار اي لرأيت عجباً مثلاً.

او «مسنداً» نحو و لئن سألتهم من خلق السموات و الارض ليقولن اللّه اي خلقهن اللّه.

او «مسنداًاليه» نحو كلا اذا بلغت التراقي اي النفس و التراقي جمع الترقوة و هي مقدم الحلق من اعلي الصدر.

او «متعلقاً» نحو لايسأل عما يفعل و هم يسألون اي عما يفعلون.

او «جملة» نحو كان الناس امة واحدة فبعث اللّه النبيين اي فاختلفوا فبعث.

اقـول: و هذا المعني ينافي الاية الشريفة نفسها. فان اللّه تعالي قداخبر فيها بان الاختلاف انما وقع بعد بعث الانبياء لا قبله و ما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ماجاءتهم البينات و اما سرّ وقوع الاختلاف فهو قوله تعالي بغياً بينهم فانه مفعول‏له اي مااختلفوا الا للبغي.

فالمعني «كان الناس امة واحدة فبعث اللّه النبيين… فاختلفوا» و بعد الاختلاف

 

«* المعاني صفحه 351 *»

فهدي اللّه الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه و اللّه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم.

و يدل علي ان وقوع الاختلاف بعد البعث ما روي: (انهم) كانوا ضلاّلاً لا مؤمنين و لا كافرين و لا مشركين. و المراد من هذه الضلالة هو «عدم الاهتداء». كقول ابرهيم7لئن لم‏يهدني ربي لاكونن من القوم الضالّين و لهذا ورد في رواية نفي الضلالة عنهم و المراد منها «مايوجب الهلاك» و هي العدول عن الحق و سلوكه عمداً و عصياناً حتي يضل. فلا منافاة و الحمدللّه.

و روي كان الناس امة واحدة اي علي فطرة اللّه لا مهتدون و لا ضلالا.

او «جملاً» نحو فارسلون. يوسف ايها الصديق اي فارسلوني الي يوسف لاستعبره الرؤيا. فارسلوه و اتاه و قال له.

و ذكروا لايجاز الحذف دواعي كثيرة:

منها: الاختصار كقوله تعالي و اذا قيل لهم اتقوا مابين ايديكم و ماخلفكم لعلكم ترحمون فهذا شرط حذف جوابه اي اعرضوا. بدليل مابعده و هو قوله تعالي و ما تأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين.

و منها: تقريب الفهم و تسهيل الحفظ و ضيق المقام و «اخفاء الامر علي غير السامع» و الضَّجْر.

و يجري هذا النوع من الايجاز في «الاستعطاف» و «الشكر» و «شكوي الحال» و «الاعتذار» و «التعزية» و «العتاب» و «الوعد» و «الوعيد» و «التوبيخ» و «رسائل الحكام في جباية الاموال و الزكوات و الخراجات» و «رسائل الامراء في الامور الحربية و الاوامر و النواهي السياسية و الادارية» و امثال ذلك.

الدليل علي المحذوف

قدعرفت انه لابد من دليل يدل علي المحذوف و الادلة كثيرة. منها: معيّنة للمحذوف ايضاً و منها: غير معينة.

 

«* المعاني صفحه 352 *»

فقالوا من الادلة: العقل وحده نحو و جاء ربك اي امره او عذابه لان العقل يدل علي محذوف لامتناع مجي‏ء الرب تعالي شأنه و يدل علي ان المحذوف احد الامرين ولكن علي التعيين.

و منها: العقل مع غيره نحو حرمت عليكم الميتة و الدم الاية. فالعقل دال علي المحذوف. و الدليل الحاكم بان الاحكام الشرعية انما تتعلق بافعال المكلفين دون الاعيان الخارجية من حيث هي هي، هو غير العقل. و يدل علي ان المقصود من هذه المذكورات هو تناولها الشامل للاكل و الشرب.

و منها: العادة نحو فذلك الذي لمتنني فيه اي في مراودته.

و منها: العمل نحو بسم اللّه الرحمن الرحيم اي اكتب او اقرء او اشرب و امثالها.([32])

و منها: الاقتران اي مقارنة شي‏ء بشي‏ء كالكلام بالفعل مثلاً كما تقول للمعرس: بالرفاء و البنين اي اعرست متلبساً بالألفة و البنين.

اقـول: اعلم كلية انه لما كان الامور علي اقسام ثلثة: عقلية و عادية و عرفية و «العرفية» اعم من المتشرعة و غير المتشرعة. فالدليل في العقليات هو العقل السليم و في العاديات هو النفس السليمة و في العرفيات هو العرف المعتبر. و الامثلة تعرف بالرجوع الي مواردها فلانطيل الكلام بذكرها مع ان الامر سهل.

الفصل الثاني: في الاطناب

و هو علي ماقالوا: «زيادة اللفظ علي المعني لفائدة او هو تأدية المعني بعبارة زائدة عن متعارف اوساط البلغاء لفائدة تقويته و توكيده او تأدية اصل المراد بلفظ زائد عليه لفائدة كقوله تعالي رب اني وهن العظم مني و اشتعل الرأس شيباً يعني كبرت.

و ان لم‏تكن الزيادة لفائدة و كانت غيرمتعينة في الكلام تسمي تطويلاً.

 

«* المعاني صفحه 353 *»

و ان كانت متعينة ولكن غير مفسدة للمعني تسمي حشواً. فالتطويل كقول عدي العبادي في جُذيمَة الابرش:

و قَدَّدتِ الاديمَ لراهِشَيْه   و الفي قولها كذباً و مينا([33])

فـالمين و الكذب بمعني واحد و لم‏يتعين الزايد منهما لان العطف بـالواو لايفيد ترتيباً و لا تعقيباً و لا معيةً فلايتغير المعني باسقاط ايهما شئت. و كقول الشاعر:

الا حبذا هند و ارض بها هند

و هند اتي من دونها النأي و البعد

فـالنأي و البعد بمعني واحد و لايتعين احدهما للزيادة.([34])

و «الحشو» كقول زهير بن ابي سلمي:

و اعلم علم اليوم و الامس قبله   ولكنني عن علم ما في غد عمي

فان قبله معلوم من قوله امس. و كقول آخر:

ذكرت اخي فعاودني   صداع الرأس و الوصب

فان الصداع لايكون الا في الرأس فذكر الرأس لا فايدة فيه.

فكل من «التطويل» و «الحشو» معيب في البيان و ساقط عن مراتب البلاغة.

اقـول: في المعيار: «و اطنب الريح اطناباً: اشتد في غبار ـ و الابل: اتبع بعضها بعضاً في السير ـ و النهر: بَعُدَ ذهابه ـ و الرجل في الكلام و الوصف: بالغ فيه مدحاً كان او

 

«* المعاني صفحه 354 *»

ذماً» انتهي.

و يظهر من معناه اللغوي انه اذا احسن المتكلم بلزوم المبالغة في كلامه فيطنب فيه و علي ذلك. فالباعث علي «الاطناب» يختلف بحسب مقام التخاطب: فمرة يطنب لتثبيت المعني و مرة لتوضيح المراد او التوكيد او دفع الايهام او لاثارة الحمية و امثال ذلك.

انواع الاطناب

قالوا: «و انواعه كثيرة:

الاول: ذكر الخاص بعد العام كقوله تعالي حافظوا علي الصلوات و الصلوة الوسطي و فائدته التنبيه علي مزية و فضل في الخاص حتي كانه لفضله و رفعته جزء آخر مغاير لماقبله و لهذا خص الصلوة الوسطي ـ و هي العصر ـ بالذكر لزيادة فضلها».

اقـول: الصلوة الوسطي علي ما روي من طريق اهل‏البيت: هي صلوة الظهر. و روي عنهم: بعد «الوسطي» و صلوة العصر و كذا نزلت. و التوجيه المذكور ناظر الي لفظ الصلوات و عموميتها بحسب المتفاهم العرفي. و العلم عند اللّه تعالي. و لايمكن لنا البت بذلك فلعل اللّه تعالي اراد بـ الصلوات غير صلوة الظهر و صلوة العصر ـ علي القراءة المروية ـ فلايكون حينئذ ذكر صلوة الوسطي من باب «ذكر الخاص بعد العام» لاسيما بعد ما روي في باطن الكريمة: ان الصلوات: رسول اللّه و فاطمة و الحسنان:و الصلوة الوسطي: هو اميرالمؤمنين7 .

«الثاني: ذكر العام بعد الخاص كقوله تعالي رب اغفر لي و لوالدي و لمن دخل بيتي مؤمناً و للمؤمنين و المؤمنات و فائدته شمول بقية الافراد و الاهتمام بالخاص لذكره ثانياً في عنوان عام بعد ذكره اولاً في عنوان خاص».

اقـول: «بيت النبوة و الانبياء» هو الولاية فمن دخل في الولاية فقد دخل في بيت الانبياء: و يشير الي ذلك قوله تعالي انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل‏البيت الاية. فالمراد منهم الائمة: و كذا قولهم: سلمان منا اهل‏البيت.

 

«* المعاني صفحه 355 *»

و هذا التوجيه ايضاً بحسب ظاهر اللفظ. و اما بحسب الواقع فالعلم عند اللّه تعالي و يؤيدنا ما ورد في باطن الاية من ان المراد من المؤمنين هو علي7 و من المؤمنات هي فاطمة3. و السر في الجمع هو مبدئيتهما للحيوة الايمانية.

«الثالث: الايضاح بعد الابهام لتقرير المعني في ذهن السامع بذكره مرتين: مرة علي سبيل الابهام و الاجمال و مرة علي سبيل التفصيل و الايضاح. فيزيده ذلك نبلاً و شرفاً كقوله تعالي يا ايها الذين آمنوا هل ادلكم علي تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون باللّه و رسوله و تجاهدون في سبيل اللّه باموالكم و انفسكم و كقوله تعالي و قضينا اليه ذلك الامر ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين. فقوله ان دابر هؤلاء تفسير و توضيح لذلك الامر المبهم. و فائدته توجيه الذهن الي معرفته و تفخيم شأن المبيّن و تمكينه في النفس فابهم في كلمة الامر ثم وضّحه بعد ذلك تهويلاً لامر العذاب».

اقـول: هذا اذا كان الكريمة الاولي متصلة بقوله تعالي تؤمنون الاية و اما اذا كانتا منفصلتين و كان بينهما فصل فلاتناسبان للاستشهاد.

و الحق: انهما منفصلتان كما روي انهم قالوا: اي بعد نزول الكريمة الاولي لو نعلم ما هي اي التجارة لبذلنا فيها الاموال و الاولاد فقال اللّه تؤمنون الايتين.

و اما الكريمة الاخري فالحق: ماقاله مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه في التعليقة عليها و هو: «الاولي ان‏يقال: ان ذلك اشارة الي قوله فاسر باهلك و قوله ان دابر تعليل اي اوحينا اليه ان سر ليلاً لانّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين» . فلاتناسب الكريمة للاستشهاد في المقام.

«الرابع: التوشيع: و هو ان‏يؤتي في آخر الكلام بمثني مفسر بمفردين ليري المعني في صورتين يخرج فيهما من الخفاء المستوحش الي الظهور المأنوس نحو العلم علمان: علم الابدان و علم الاديان.

الخامس: التكرير: و هو ذكر الشي‏ء مرتين او اكثر لاغراض:

الف: «التأكيد و تقرير المعني في النفس» كقوله تعالي كلاّ سوف تعلمون ثم كلاّ

 

«* المعاني صفحه 356 *»

سوف تعلمون اي سوف تعلمون ماانتم عليه من الخطاء اذا شاهدتم هول المحشر. فقداكّد الانذار بتكريره ليكون ابلغ تأثيراً و اشد تخويفاً. و كقوله تعالي فان مع العسر يسراً ان مع العسر يسراً».

اقـول: اما قوله تعالي كلا سوف تعلمون ثم الاية، فليس من باب «التكرير» لان متعلق العلم في الايتين مختلف ففي الاول كلا سوف تعلمون لو دخلتم قبوركم ثم كلا سوف تعلمون لو خرجتم من قبوركم، فلا تكرير. و ذلك مروي عن طريق اهل العصمة:.

و يؤيد ماقلنا ما روي في التأويل: كلاّ سوف تعلمون في الكرّة ثم كلاّ سوف تعلمون في القيمة. فاختلاف الظرف في الايتين يدل علي عدم التكرير. فلاتناسبان المقام.

و اما قوله تعالي فان مع العسر الايتين. فتنكير «اليسر» في الثانية يدل علي انه غير «اليسر» في الاولي كما ان‏تعريف العسر يدل علي عدم تعدده. و يدل علي ذلك ما روي من ان النبي 9 خرج مسروراً فرحاً و هو يضحك و يقول لن‏يغلب عسر يسرين فان مع العسر يسراً ان مع العسر يسراً.

و قال الشاعر:

اذا ضاقت لك الدنيا تفكر في الم‏نشرح   تجد يسرين مع عسر اذا فكرته فافرح

فالكريمتان غيرمتناسبتين للمقام.

ب: «طول الفصل» لئلايجي‏ء مبتوراً ليس له طلاوة كقوله تعالي يا ابت اني رأيت احدعشر كوكباً و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين فكرر رأيت لطول الفصل. و من هذا قول الشاعر:

و انّ امرءاً دامت مواثيق عهده   علي مثل هذا انه لكريم

حيث كرر انّ في اول البيت و في آخره.

ج: «قصد الاستيعاب» نحو قرأت الكتاب باباً باباً و فهمته كلمة كلمة.

 

«* المعاني صفحه 357 *»

د: «الترغيب في قبول النصح» باستمالة المخاطب لقبول الخطاب كقوله تعالي و قال الذي آمن يا قوم اتبعون اهدكم سبيل الرشاد يا قوم انما هذه الحيوة الدنيا متاع و ان الاخرة هي دار القرار ففي تكرير يا قوم تعطيف لقلوبهم حتي لايشكّوا في اخلاصه لهم في نصحه.

ه: «التنويه بشأن المخاطب» نحو:

ان الكريم ابن الكريم ابن الكريم   يوسف بن يعقوب بن ابرهيم

و: «الترديد» و هو تكرار اللفظ متعلقاً بغير ماتعلق به اولاً نحو السخي قريب من اللّه قريب من الناس قريب من الجنة. و البخيل بعيد من اللّه بعيد من الناس بعيد من الجنة.

ز: «التلذذ بذكره» نحو قول مروان بن ابي‏حفصة:

سقي اللّه نجداً و السلام علي نجد   و يا حبذا نجد علي القرب و البعد

ح: «الارشاد الي الطريقة المثلي» كقوله تعالي اولي لك فاولي ثم اولي لك فاولي.

اقـول: اولي كلمة تهديد كـ ويل لك. و روي اي بعداً لك من خير الدنيا و بعداً لك من خير الاخرة. و قيل: اولي لك اي ويل لك. اصله من الوِلي اي اوليك ماتكرهه و اللام مزيدة كما في ردف لكم و قيل: هو افعل من الويل بعد القلب او فعلي من آل يؤل اي عقباك النار انتهي. فعلي هذا لاتناسب المقام.

«السادس: الاعتراض لغرض يقصده المتكلم: و هو ان‏يؤتي في اثناء الكلام او بين كلامين متصلين في المعني بجملة معترضة او اكثر لا محل لها من الاعراب([35]) و ذلك

«* المعاني صفحه 358 *»

لاغراض يبعث المتكلم الي هذا الامر غير رفع الابهام و هي:

الف: الدعاء نحو اني ـ حفظك اللّه ـ مريض. و كقول عوف بن محلم الشيباني:

ان الثمانين ـ و بُلّغتها ـ
  قداحوجت سمعي الي ترجمان

بلغتها (بفتح التاء) اي بلغك اللّه اياها و ترجمان كزعفران و يجوز ضم التاء مع الجيم. فالشاعر يدعو للمخاطب بطول عمره و ان‏يعيش مثله ثمانين سنة.

ب: التنبيه علي فضيلة العلم كقول الاخر:

و اعلم فعلم المرء ينفعه   ان سوف يأتي كل ماقدّرا

ج: التنزيه كقوله تعالي و يجعلون للّه البنات سبحانه و لهم مايشتهون.

د: زيادة التأكيد كقوله تعالي و وصينا الانسان بوالديه حملته امه وهناً علي وهن و فصاله في عامين ان اشكر لي و لوالديك الي المصير».

اقـول: ان كان الظاهر مراداً للّه تعالي فالاستشهاد في محله و تكون ان مفسرة و ان كان المراد من والديه غير ما اراده اللّه من لوالديك فالاستشهاد في غير محله و تكون ان‏اشكر لان‏اشكر. فلاتغفل.

ه: الاستعطاف كقول الشاعر:

و خفوق قلب لو رأيت لهيبه   يا جنتي لرأيت فيه جهنما

و: التهويل نحو و انه لقسم لو تعلمون عظيم.

اقـول: علي ما يظهر من رواياتنا فلاتهويل اولاً لان المراد من فلا اقسم نفي للقسم و لا اعتراض ثانياً لان المراد الاعلام بان هذا القسم كان عظيماً عند اهل الجاهلية كما

 

«* المعاني صفحه 359 *»

روي كان اهل الجاهلية يحلفون بها و المراد من مواقعها رجومها للشياطين كما في الحديث. و بذلك يظهر ما في التعليقة علي النوع السادس من الاستشهاد بهذه الكريمة.

«السابع: الايغال: و هو ختم الكلام بمايفيد نكتة يتم المعني بدونها كالمبالغة في قول الخنساء:

و ان صخراً لتأتم الهداة به
  كانه عَلَمٌ في رأسه نارٌ

فقولها كانه علم واف بالمقصود لكنها اعقبته بقولها في رأسه نار لزيادة المبالغة. و نحو قوله تعالي والله يرزق من يشاء بغير حساب».

اقـول: قوله تعالي بغير حساب اما حال او صفة «رزقاً» محذوفاً فتخرج الكريمة بذلك عن مورد الاستشهاد و تناسب «باب احوال الاسناد».

«الثامن: التذييل: و هو تعقيب جملة بجملة اخري مستقلة تشتمل علي معناها تأكيداً لمنطوق الاولي او لمفهومها([36]) نحو قوله تعالي و جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقاً و نحو قوله تعالي ذلك جزيناهم بماكفروا و هل نجازي الا الكفور».

و «التذييل» علي قسمين: قسم يستقل بمعناه بجريانه مجري المثل. و قسم لايستقل بمعناه لعدم جريانه مجري المثل. فالاول الجاري مجري الامثال لاستقلال معناه و استغنائه عماقبله كقول طرفة:

كل خليل قدكنت خاللته   لا ترك اللّه له واضحة
كلكم اروغ من ثعلب
  مااشبه الليلة بالبارحة

و الثاني؛ غير الجاري مجري الامثال لعدم استغنائه عماقبله و لعدم استقلاله

 

«* المعاني صفحه 360 *»

بافادة المعني المراد، كقول النابغة:

لم‏يبق جودك لي شيئاً اؤمله   تركتني اصحب الدنيا بلا امل

فالشطر الثاني مؤكد للاول و ليس مستقلاً عنه فلم‏يجر مجري المثل.

«التاسع: الاحتراس: و يقال له التكميل و هو ان‏يؤتي في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفع ذلك الوهم. فالاحتراس يوجد حينما يأتي المتكلم بمعني يمكن ان‏يدخل عليه فيه لوم فيفطن لذلك و يأتي بمايخلصه سواء وقع الاحتراس في وسط الكلام كقول طرفة بن العبد:

فسقي ديارك غير مفسدها   صَوْبُ الربيع وَديمَةٌ تَهْمي

لما كان دوام المطر مما يسبب الخراب دفع هذا الوهم بقوله غير مفسدها و هو للاحتراس.

او وقع الاحتراس في آخره نحو و يطعمون الطعام علي حبه اي مع حب الطعام و اشتهائهم له. و ذلك ابلغ في الكرم فلفظ علي حبه فضلة للاحتراس و لزيادة التحسين في المعني. و كقول اعرابية لرجل اذل اللّه كل عدو لك الا نفسك».

اقـول: ما ذكر في الكريمة وجه من الوجوه التفسيرية و قدورد علي حبه اي حب اللّه او ايثارهم له.

«العاشر: التتميم: و هو زيادة فضلة كمفعول او حال او تمييز او جار و مجرور توجد في المعني حسنا بحيث لو حذفت صار الكلام مبتذلاً. كقول ابن المعتز يصف فرساً:

صببنا عليها ظالمين سياطنا   فطارت بها ايد سراعٌ و ارجلُ

اذ لو حذف ظالمين لكان الكلام مبتذلاً لا رقة فيه و لا طلاوة و توهم انها بليدة تستحق الضرب». و امثال ذلك من انواع الاطناب.

و ذكر بعضهم منها قول الرجل في الشي‏ء المستبعد رأيته بعيني و سمعته باذني و ذقته بفمي. يقول ذلك «لتأكيد المعني و تقريره».

 

«* المعاني صفحه 361 *»

و كقوله تعالي فخر عليهم السقف من فوقهم و السقف لايخرّ عادة الا من فوق ولكنه دل بقوله من فوقهم علي الاحاطة و الشمول.

تتميم:

اعلم انه قدرجح «الاطناب» بعضهم علي «الايجاز» بدليل ان المنطق انما هو البيان و لايكون البيان الا بالاشباع و لايقع الاشباع الا بالاقناع. و قال: افضل الكلام ابينه و ابين الكلام اشده احاطة بالمعاني و لايحاط بالمعاني احاطة تامة الا بالاستقصاء و الاطناب.

و الحق: ان البليغ هو الذي يراعي المقام ففي كل مقام يحكم ذوقه السليم و قريحته اللطيفة بحكم يخصه من الايجاز او الاطناب.

و قد عد من الموارد التي يستحسن فيها الاطناب: الصلح بين الاسرة و القبيلة و المدح و الثناء و الذم و الهجاء و الوعظ و الارشاد و الخطابة ـ في امر من الامور العامة ـ و التهنئة و المنشورات الحكومية الي الامة و الكتب السياسية و الحقوقية و الشؤن الولائية الي الولاة و كتب الولاة الي الامراء و الملوك لاخبارهم بماحدث لديهم من مهام الامور.([37])

الفصل الثالث: في المساواة

قالوا: «المساواة: هي ما ساوي لفظه معناه بحيث لايزيد احدهما علي الاخر. فهي تأدية المعني المراد بعبارة مساوية له بان‏تكون الالفاظ علي قدر المعاني لايزيد بعضها

 

«* المعاني صفحه 362 *»

علي بعض.

و هي علي قسمين: مساواة مع الاختصار و مساواة من دون الاختصار.

فالاول: ان‏يتحري البليغ في تأدية المعني اوجز مايكون من الالفاظ القليلة الاحرف الكثيرة المعاني. كقوله تعالي هل جزاء الاحسان الا الاحسان و كقوله تعالي و لايحيق المكر السي‏ء الا باهله.

و الثاني: و هو «المساواة بدون الاختصار» و يسمي متعارف الاوساط: هو تأدية المقصود من غير طلب للاختصار. كقوله تعالي حور مقصورات في الخيام. و كقوله تعالي و ما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند اللّه. و كقوله تعالي كل امري‏ء بماكسب رهين. و كقوله تعالي من كفر فعليه كفره. و كقوله 9 انما الاعمال بالنيات و انما لكل امري‏ء ما نوي. فان اللفظ فيه علي قدر المعني لاينقص عنه و لايزيد عليه و لايستغني الكلام فيها عن لفظ منه و لو حذف منه شي‏ء لأخل بمعناه».

 

«* المعاني صفحه 363 *»

خاتمــة

يذكر فيها بعض الموارد التي تقتضي العدول عن مقتضي «ظاهر الحال» و قدتقدم بعضها في المباحث السابقة و سلف منا القول فيها فلانعيد و نكتفي بذكر ماذكروا لانه قدعرضني الملال لتشتت الاحوال و الي اللّه المشتكي في كل حال.

«الاول: الالتفات: و هو الانتقال من كل من التكلم او الخطاب او الغيبة الي صاحبه لمقتضيات و مناسبات تظهر بالتأمل في مواقع الالتفات تفنناً في الحديث و تلويناً للخطاب حتي لايمل السامع من التزام حالة واحدة و تنشيطاً و حملاً علي زيادة الاصغاء «فان لكل جديد لذة» و لبعض مواقعه لطائف و ملاك ادراكها الذوق السليم».

اقـول: هذا عند القوم من المناطات التي كلها امور ظاهرية و تكون في كلام اهل الظاهر و اما الالتفات في كلام اللّه تعالي و كلام اوليائه فهو لامور و لطائف لايحيط بها الافكار البشرية الا بمااظهره الحاملون لعلمه سبحانه. و ذكروا لصور الالتفات ستة موارد و هي:

1ـ «العدول من التكلم الي الخطاب» كقوله تعالي و مالي لااعبد الذي فطرني و اليه ترجعون و القياس و «اليه ارجع».

2ـ «العدول من الخطاب الي الغيبة» كقوله تعالي يا عبادي الذين اسرفوا علي انفسهم لاتقنطوا من رحمة اللّه.

3ـ «العدول من الخطاب الي التكلم» كقوله تعالي و استغفروا ربكم ثم توبوا اليه ان ربي رحيم ودود.

4ـ «العدول من الخطاب الي الغيبة» كقوله تعالي ربنا انك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ان اللّه لايخلف الميعاد.

5 ـ «العدول من الغيبة الي التكلم» كقوله تعالي و هو الذي ارسل الرياح بشري بين يدي رحمته و انزلنا من السماء ماءً طهوراً.

 

«* المعاني صفحه 364 *»

6 ـ «العدول من الغيبة الي الخطاب» كقوله تعالي و اذ اخذنا ميثاق بني‏اسرائيل لاتعبدون الا اللّه.

الثاني: تجاهل العارف: و هو سوق المعلوم مساق المجهول بان‏يجعل العارف بالشي‏ء نفسه جاهلاً به. و ذلك لاغراض:

1ـ كـ التعجب نحو قوله تعالي افسحر هذا ام انتم لاتبصرون.

2ـ و المبالغة في المدح نحو وجهك بدر ام شمس .

3ـ و المبالغة في الذم كقول الشاعر:

و ما ادري و سوف اخال ادري   اَقومٌ آل حصن ام نساء

4ـ و التوبيخ و شدة الجزع كقول الشاعر:

اَيا شجرَ الخابور مالك مَورِقاً   كانك لم‏تجزع علي ابن طريفِ

فان اخت طريف تجاهلت عن سبب انتفاء الجزع عن الشجر لشدة التضجر و اظهار التحير.

5 ـ و شدة الوله كقول الشاعر:

باللّه يا ظبيات القاع قلن لنا   ليلاي منكن ام ليلي من البشر

6 ـ و الفخر كقوله:

اينا تعرف المواقف منه   و ثبات علي العدا و ثباتاً

الثالث: القلب: و هو جعل كل من الجزئين في الكلام مكان صاحبه لغرض المبالغة. كقوله رؤبة بن العجاج:

و مَهمَهٍ مُغْبرَّةٍ ارجاءهُ   كانَّ لونَ ارضِه سَماءهُ

اي كأنّ لون سمائه لغبرتها لون ارضه مبالغة في وصل لون السماء بالغبرة حتي صار بحيث يشبه به لون الارض و مهمه المفازة البعيدة و ارجاءه نواحيه.

و نحو ادخلت الخاتم في اصبعي و القياس: ادخلت اصبعي في الخاتم. و نحو: عرضت الناقة علي الحوض و القياس: عرضت الحوض علي الناقة. لان العرض يكون علي

 

«* المعاني صفحه 365 *»

ماله ادراك. و يستدل علي القلب بالتأمل في المعني و يقبل اذا كان متضمناً لاعتبار لطيف بلاغي.

و قالوا في الاعتبار في المثالين الاخيرين ان الظاهر الاتيان بالمعروض الي المعروض عليه و تحريك المظروف نحو الظرف و لمّاكان الامر في المثالين بالعكس قلبوا الكلام رعاية لهذا الاعتبار.

«الرابع: التعبير عن المضارع بلفظ الماضي و عكسه. و ذلك ايضاً لاغراض: فمن الاغراض في الاول:

1ـ «التنبيه علي انه متحقق الوقوع» نحو اتي امر اللّه اي يأتي. او «قريب الوقوع» نحو قدقامت الصلوة اي قرب القيام لها.

التفأل نحو ان شفاك اللّه تذهب معي.

التعريض نحو قوله تعالي لئن اشركت ليحبطن عملك فيه تعريض للمشركين بانهم قدحبطت اعمالهم».

اقـول: قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه في تعليقاته: «اكثر الخطابات في القران من باب خطابات العلماء في كتبهم و لايقصدون به احداً معيناً و انما يقصد المطلع المبهم لا المعين. فاذا عرفت ذلك لايجب ان‏يكون مخاطب جميع الوحي من يوحي اليه فافهم» انتهي. و فسّر اعلي‏اللّه مقامه اول الاية و لقد اوحي اليك هكذا «ايها السامع بواسطة الانبياء». فلاتعريض.

و من الاغراض في الثاني:

«1ـ «حكاية الحالة الماضية باستحضار الصورة الغريبة في الخيال» كقوله تعالي اللّه الذي ارسل الرياح فتثير سحاباً بدل فاثارت.

2ـ «افادة الاستمرار فيما مضي» كقوله تعالي لويطيعكم في كثير من الامر لعنتم اي لو اسمتر علي اطاعتكم لهلكتم».

اقـول: قدمضي البحث عن الكريمة فيما ذكرنا في ادوات الشرط.

 

«* المعاني صفحه 366 *»

«الخامس: «التعبير عن المستقبل بلفظ اسم‏الفاعل او اسم‏المفعول» نحو قوله تعالي ان الدين لواقع و قوله تعالي ذلك يوم مجموع له الناس».

و قالوا لان الوصفين المذكورين حقيقة في الحال مجاز فيماسواه.

اقـول: هذا اجتهاد و دراية منهم و الحق: ان اسمي الفاعل و المفعول موضوعان للذات الظاهرة بالفعل و الذات من حيث انها ظاهرة بالفعل لا تعين لها و انما تتعين بالفاظ خارجية كـ امس و الان و امثالهما او بدلالة قرينة حالية او مقالية فهذا المورد ساقط عن البحث.

«السادس: وضع المضمر موضع المظهر خلافاً لمقتضي الظاهر ليتمكن مابعده في ذهن السامع. نحو هو اللّه عادل .

و ايضاً وضع المظهر موضع المضمر «لزيادة التمكين» نحو خير الناس من نفع الناس.

او «لالقاء المهابة في نفس السامع» كقول الخليفة اميرالمؤمنين يأمر بكذا اي انا آمر.

او «للاستعطاف» نحو ايأذن لي مولاي ان‏اتكلم اي اتأذن.

السابع: التغليب: و هو ترجيح احد الشيئين علي الاخر في اطلاق لفظه عليه و ذلك:

1ـ «كتغليب المذكر علي المؤنث» في قوله تعالي و كانت من القانتين و قياسه: القانتات. و نحو الابوين (للاب والام) و نحو القمرين (للشمس و القمر) »

اقـول: قال مولانا الكريم اعلي اللّه مقامه في الكريمة «فالمرأة تتذكر اذا اطاعت كالذكور و لذا كانت مريم من القانتين» انتهي. فلاتغليب في الكريمة.

«2ـ و «كتغليب الاخف علي غيره» نحو الحسنين ( في الحسن و الحسين).

3 ـ و «كتغليب الاكثر علي الاقل» كقوله تعالي لنخرجنك يا شعيب و الذين آمنوا معك من قريتنا او لتعودن في ملتنا. ادخل شعيب في العود الي ملتهم مع انه لم‏يكن فيها قط ثم خرج منها و عاد تغليباً للاكثر.

4ـ و «كتغليب العاقل علي غيره» كقوله تعالي الحمد للّه ربّ العالمين».

 

«* المعاني صفحه 367 *»

اقـول: الاستشهاد بالكريمة مبني علي مااشترطوا في الجمع المذكر السالم من كون مسمي المفرد عاقلاً فلايجمع به واشق علماً لكلب و سابق علماً لفرس.

و قال مولانا الكريم اعلي‏اللّه مقامه في هذا المقام: «و لااسلم هذا الشرط لظاهر قوله تعالي و ان من شي‏ء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم و قوله اتينا طائعين و امثال ذلك في القران كثيرة. و القول بانه انزلهم منزلة العقلاء كلام خال عن التحقيق و لا دليل له فاجمع و قل انزلتهم منزلة العقلاء و من ذلك الحمد للّه ربّ العالمين». انتهي كلامه الشريف.

و نختم الكلام في هذا الجزء بكلامه اعلي‏اللّه‏مقامه ليكون ختامه المسك. حامداً مصلياً مستغفراً.

4 / محرم‏الحرام / 1403

 

 

فهـرس مطالـب

الجزء الاول

تمهيد··· 1

مقدمة: و فيها مطلبان··· 2

المطلب الاول: في الفصاحة··· 2

الفصاحة لغة··· 2

الفصاحة اصطلاحاً··· 3

الفرق بين الحالة و الملكة··· 4

فصاحة الكلمة و هي خلوّها عن اربعة شروط··· 4

فصاحة الكلام و هي خلوّها من اربعة شروط··· 7

المطلب الثاني: في البلاغة··· 11

البلاغة لغة··· 11

البلاغة اصطلاحاً··· 12

حقيقة الفصاحة و البلاغة··· 13

تتميم··· 24

خاتمة··· 25

العلم الاول: علم المعاني 29

موضوعه··· 29

المعاني الاصلية الاولية و المعاني التبعية الثانوية··· 29

فائدته··· 31

1ـ معرفة اعجاز القران الكريم··· 31

الوقوف علي مكانة كلام الاولياء··· 32

الوقوف علي اسرار البلاغة و الفصاحة في كلام العظماء و الموالي 34

واضع علم المعاني 39

نظرة عابرة سريعة في نهج البلاغة··· 42

المقامات و الفضائل النورانية··· 44

تتميم··· 47

المقدمة: و فيها مباحث··· 51

المبحث الاول: في بيان المراد من المعاني 51

المبحث الثاني: الجملة و اركانها و اقسامها··· 54

الكلمة و الكلام و الجملة··· 54

الجملة الرئيسية و الجملة غير الرئيسية··· 55

المبحث الثالث: اقسام الاسناد··· 56

الاسناد الحقيقي العقلي و الاسناد المجازي العقلي 56

علاقات المجاز··· 56

القرينة الصارفة و المعينة··· 57

اقسام الحقيقة و المجاز··· 57

اقسام الاسناد باعتبار طرفيه··· 58

تتميم: في المجاز العقلي 58

التحقيق: في اقسام الاسناد··· 59

ارشاد قرءاني 62

المبحث الرابع: مواضع المسنداليه··· 65

الاول: الفاعل··· 67

الثاني: ظرف الزمان و المكان··· 72

الثالث: المصدر··· 72

الرابع: الحال و التمييز··· 74

الخامس: احد مفعولي باب اعطيت··· 74

السادس: احد مفعولي باب علمت··· 74

السابع: المفعول الاول من باب اعلمت··· 75

الثامن: الجملة الواقعة مسنداًاليها بالفاعلية··· 75

التاسع: الفاعل لشبه الفعل··· 76

العاشر: خبر انّ و اخواتها··· 78

الحادي‏عشر: اسم «ما و لا» المشبهتين بليس و يلحق بها «لاء» التبرية··· 79

الثاني‏عشر: المبتدأ··· 80

الثالث‏عشر: المفعول الاول لظنّ و اخواتها··· 81

الرابع‏عشر: المفعول الثاني لاري و اخواتها··· 82

المسند الحقيقي 83

اقسام ذكر الشي‏ء في الشي‏ء··· 84

انّ الفعل سرّ فاعلي 87

العلة الفاعلية··· 87

الفعل مفعول··· 88

المظاهر الاربعه‏عشر للمسند اليه الحقيقي 89

المبحث الخامس: مواضع المسند··· 91

حقيقة المسند··· 91

مظاهر المسند و هي ستة··· 93

1ـ الفعل··· 93

2ـ شبه الفعل··· 98

3ـ «انّ» و اخواتها و «لاء» التبرية و «ما و لا» المشبّهتان بليس و «لات» و «ان» و حروف النداء··· 99

4ـ الخبر··· 99

5 ـ منصوب افعال الناقصة··· 99

6 ـ المفعول الثاني لظنّ و اخواتها و المفعول الثالث لاري و اخواتها··· 99

الباب الاول: في الخبر و فيه ثلاثة فصول:··· 100

الفصل الاول: في حقيقة الخبر··· 100

اللفظ المفرد و اللفظ المركب··· 100

اقسام المركب··· 102

تحليل تعريف الخبر··· 103

فائدة الخبر و لازم الفائدة··· 107

الفصل الثاني: في الافصاح و البيان و اقسام الخبر من تلك الجهة:··· 115

1ـ الخبر الابتدائي 116

2ـ الخبر الطلبي 118

3ـ الخبر الانكاري 118

الحال و ظاهر الحال··· 118

الموارد التي يلقي الخبر فيها علي خلاف ظاهر الحال··· 118

ادوات التوكيد:··· 128

اِن‌ّ و اَن‌ّ··· 128

لام الابتداء ـ حروف التنبيه ـ حروف القسم··· 129

نونا التوكيد··· 130

الحروف الزائدة ـ حروف الصلة ـ قد ـ اما··· 131

انما ـ تقديم الفاعل المعنوي 132

ضمير الفصل ـ اسمية الجملة··· 133

الفصل الثالث: في تقسيم الخبر الي جملة فعلية و جملة اسمية··· 134

دلالة الكلمة مطلقاً علي الزمان··· 135

الفرق بين الفعل و الاسم من حيث التجدد و الثبوت··· 136

الفعل هو المطلق من حيث الماهية و الاقسام قيود خارجة عنها في رتبة المقيدات··· 137

الباب الثاني: في الانشاء و فيه فصول:··· 139

الفصل الاول: في حقيقة الانشاء و اقسامه··· 139

الانشاء لغة و اصطلاحاً··· 140

حقيقة الانشاء و تقسيمه الحقيقي 140

تحقيق انيق في المخاطِب و المخاطَب و الخطاب في قوله تعالي «كن فيكون»··· 141

الانشاء غير الطلبي:··· 143

1ـ صيغ المدح و الذم··· 143

2ـ صيغ التعجب··· 144

3ـ القسم··· 145

4ـ الرجاء··· 145

حقيقة الانشاء··· 145

5ـ العقود··· 146

حقيقة العقود··· 147

تتميم: و فيه امران:··· 148

الاول: التوبيخ و التحضيض و العرض··· 148

الثاني: الدعاء··· 149

الفصل الثاني: الامر··· 151

حقيقة الامر··· 151

الامر في اصطلاح المتكلمين··· 152

الاقوال في دلالة الامر مجردة عن القرائن··· 152

صيغ الامر··· 155

معاني الامر··· 157

الفصل الثالث: النهي 161

حقيقة النهي 162

صيغة النهي و معانيه··· 163

الفصل الرابع: الاستفهام··· 165

الاستفهام اصطلاحاً··· 166

الاستفهام في الحقيقة الاولية (سرّ الاختيار)··· 166

التصور و التصديق··· 167

الهمزة و احكامها التي تختص بها··· 174

تبصرة: في حقيقة الاستفهام··· 174

سائر ادوات الاستفهام··· 175

المعاني التي تستعمل ادوات الاستفهام فيها··· 178

الفصل الخامس: التمني و الترجي 181

الفصل السادس: النداء··· 183

حروف النداء··· 183

الاغراض في النداء··· 189

الاختصاص··· 190

تتميم: في الاغراض التي لاجلها يعبر المتكلم عن امور انشائية بالفاظ خبرية و بالعكس··· 192

 

 

فهـرس مطالـب

الجزء الثاني

الباب الثالث: احوال المسنداليه و فيه ثلثة فصول:··· 195

الفصل الاول: في ذكر المسنداليه و حذفه··· 195

بواعث ترجيح الذكر··· 197

حذف المسنداليه··· 199

بواعث الحذف··· 201

الفصل الثاني: في تعريف المسنداليه و تنكيره··· 204

المبحث الاول: تعريف المسنداليه بالاضمار··· 207

تنبيهات:··· 210

الاول: في الكناية و مرجعه··· 210

الثاني: في الخطاب··· 212

الثالث: في الاضمار في مقام الاظهار··· 218

الرابع: في الاظهار في مقام الاضمار··· 219

المبحث الثاني: في تعريف المسنداليه بالعلمية··· 219

المبحث الثالث: في تعريف المسنداليه بالاشارة··· 223

المبحث الرابع: في تعريف المسنداليه بالموصولية··· 226

سر استعمال الموصول في التعبير عن اللّه سبحانه··· 229

المبحث الخامس: تعريف المسنداليه بأل··· 234

اقسام أل··· 238

تنبيهات··· 239

المبحث السادس: تعريف المسنداليه بالاضافة··· 242

تتميم··· 245

المبحث السابع: تنكير المسنداليه··· 248

الفصل الخامس: في تقديم المسنداليه و تأخيره··· 250

الباب الرابع: في احوال المسند و فيه ثلثة فصول:··· 261

الفصل الاول: ذكر المسند و حذفه··· 261

حذف المسند··· 263

الفصل الثاني: تعريف المسند و تنكيره··· 266

تعريف المسند··· 266

تنكير المسند··· 269

الفصل الثالث: تقديم المسند و تأخيره··· 269

بواعث التقديم··· 271

بواعث التأخير··· 272

البواعث المرجّحة··· 274

الباب الخامس: احوال الاسناد و فيه فصول:··· 276

الفصل الاول: ذكر التوابع··· 277

المبحث الاول: التقييد بالبدل··· 278

المبحث الثاني: التقييد بالتوكيد··· 282

المبحث الثالث: التقييد بالنعت··· 283

المبحث الرابع: في التقييد بعطف النسق··· 287

المبحث الخامس: في التقييد بضمير الفصل··· 293

المبحث السادس: في التقييد بالنواسخ··· 294

المبحث السابع: في التقييد بالشرط··· 296

تنبيهات··· 301

المبحث الثامن: في التقييد بالنفي 305

المبحث التاسع: في التقييد بالمفاعيل الخمسة و نحوها··· 307

الاغراض في ذكر المفاعيل··· 308

الاغراض في حذف المفاعيل··· 309

تتميم··· 310

الباب السادس: في احوال متعلقات الفعل··· 313

الباب السابع: في القصر و فيه فصول··· 315

الفصل الاول: تعريف القصر··· 315

الفصل الثاني: اقسام الحصر··· 315

تنبيهان··· 316

تتميم··· 317

الفصل الثالث: طرق القصر··· 318

الفصل الرابع: اختلافات الطرق المذكورة··· 322

تتميم··· 323

الباب الثامن: في الوصل و الفصل و فيه مطالب··· 324

المطلب الاول: في تعريف الوصل و الفصل··· 324

المطلب الثاني: في مواضع الوصل··· 326

تنبيهان··· 327

المطلب الثالث: في مواضع الفصل··· 329

تنبيه··· 332

تتميم··· 336

الباب التاسع: في الايجاز و الاطناب و المساواة و فيه تمهيد و فصول:··· 337

تمهيد··· 337

الفصل الاول: في الايجاز··· 338

ايجاز القصر··· 339

ايجاز الحذف··· 348

الدليل علي المحذوف··· 351

الفصل الثاني: في الاطناب··· 352

انواع الاطناب··· 354

تتميم··· 361

الفصل الثالث: في المساواة··· 361

خاتمة··· 363

([1]) اعلم ان الشاعر اراد من هذاالبيت ان كلام اللّه تعالي مثله قديم و انما استشهدنا في هذا المورد لانه يمكن ان‏يراد منه المعني المبحوث عنه فتدبر.

([2]) قوله «لغيره» متعلق بقوله «الي حاضر» و كذا قوله «لنفسه» متعلق بقوله «الي حاضر او غيره» و يؤيد هذا المعني قوله: ان اسماء الاشارة ما وضعت لمشاراليه حاضر غير المخاطب. و بذلك يظهر فساد ما علق علي هذه العبارة الشريفة بعض المخذولين من الملاحدة.

([3]) تسمية الكنايات بـالكنايات هي اصطلاح الكوفيين التابعين لعلي اميرالمؤمنين7و التسمية بـالضماير هي اصطلاح البصريين المعاندين لعلي7 و اتباعه فالتعبير في العنوان بـالاضمار من القوم يوافق اصطلاح البصريين.

([4]) قال سيدنا الاجل اعلي‏اللّه مقامه و روحي لتراب مرقده الفداء في قوله تعالي و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلّبهم ذات اليمين و ذات الشمال: و الضمير المتكلم اما معظم نفسه او معه غيره في مقام الفعل و الاحداث و لا شك ان العظمة المتعلقة بالفعل و الاحداث لاتصح ان‏تكون هي الذات القديمة تعالي اللّه عن ذلك علواً كبيراً و لاتتحقق العظمة الا في مقام الربوبية اذمربوب لا اذلامربوب و ليس حامل تلك الربوبية الاّ محمّد و علي و الطيبون من اولادهما صلّي‏اللّه عليهم.

و ان كان الضمير للمتكلم الذي معه غيره فليس سواهم لان لهم مع اللّه حالات و هم الذين عنداللّه عز و جل في قوله عز و جل و له من في السموات و الارض و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبحون اللّه في الليل و النهار لايفترون قال مولانا الصادق7 الذين في السموات هم الملائكة و الذين في الارض هم الجن و الانس فمن الذين عنده؟ ثم قال7 نحن الذين عنده. فعلي كل حال فالضمير في «نقلبهم» يرجع اليهم.

اما الضمير المنصوب ففي الباطن و اما الضمير المرفوع ففي باطن الاول اي باطن الباطن. انتهي كلامه اللطيف اعلي‏اللّه مقامه الشريف.

([5]) تفأّلَ و تفاءَلَ ضد تشاءم

([6]) السوءاء: الخلة القبيحة، ضد الحسناء.

([7]) انظر الي ادب الامام7 روحي له الفداء كيف لايرضي ان‏يلقب الرجل بحضرته بلقب سوء مع انه كان مشتهراً بذلك اللقب.

اضف الي ذلك انه رجل مذهبه الجبر علي ما روي ان ثمامة كان في مجلس المأمون و ابوالعتاهية حاضر فسأل ابوالعتاهية المأمون ان‏يأذن له في مناظرة ثمامة و الاحتجاج عليه و كان ابوالعتاهية من الجبرية فحرك ابوالعتاهية يده و قال: من حرك هذه؟ فقال له ثمامة: و كان من اهل العدل حركها من امّه زانية. فقال ابوالعتاهية: شتمني يا اميرالمؤمنين في مجلسك فقال ثمامة: ترك مذهبه يا اميرالمؤمنين لانه يزعم ان اللّه حركها فلاي سبب غضب ابوالعتاهية و ليس للّه امّ فانقطع ابوالعتاهية.

و مااشبه كلام مولانا الرضا7 بكلام ابيه اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه و قدسمع قوماً من اصحابه يسبون اهل الشام ايامَ حربهم بصفين. فقال7: اني اكره لكم ان‏تكونوا سبّابين و لكنكم لو وصفتم اعمالهم و ذكرتم حالهم كان اصوب في القول و ابلغ في العذر و قلتم مكان سبّكم اياهم: اللهم احقن دماءنا و دماءهم و اصلح ذات بيننا و بينهم و اهدهم من ضلالتهم حتي يعرف الحق من جهله و يَرْعَوِي عن الغي و العدوان من لَهِج به. و قوله7 يَرْعَوِي، الارعواء: النزوع عن الغي و الرجوع عن وجه الخطاء و قوله7 لَهِجَ به: اَوْلَعَ به.

([8]) هذا القول لابي اخزم الطائي يقولون: كان له ابن يقال له اخزم و كان هذا عاقاً فمات و ترك بنين فوثبوا يوماً علي جدهم ابي‏اخزم فادموه فقال:

ان بني ضرّجوني بالدم                         شنشنة اعرفها من اخزم

يعني ان هؤلاء اشبهوا اباهم في العقوق. و الشنشنة: العادة و الطبيعة و ضرّجه: لطّخه.

([9]) و الخرقاء كحمراء هي الحمقاء و في المثل «لاتعدم الخرقاء علّة» يضرب في النهي عن المعاذير اي ان العلل كثيرة موجودة تحسنها الخرقاء فضلاً عن الكيس فلاترضوا بها لانفسكم و خرقاء ايضاً امرأة كانت تكنس مسجد رسول اللّه9.

و اما كوكب الخرقاء «سهيل» فهو نجم عند طلوعه تنضج الفواكه و ينقضي القيظ. و اضافته الي الخرقاء لانها لاتتذكر كسوتها الا وقت طلوع سهيل سحراً و يقال ان المرأة الحمقاء كانت تضيع وقتها في الصيف فاذا طلع سهيل «و هو كوكب قريب من القطب الجنوبي في السحر فذلك قرب الشتاء» احست بالبرد و احتاجت الي الكسوة ففرغت غزلها اي قطنها او كتانها الذي يصير غزلاً في اقاربها ليغزلوا لها بسبب عجزها عن الغزل مايكفيها لضيق الوقت.

([10]) فان المنادي منصوب علي معني المفعولية لحروف النداء لانها حروف وضعت لانشاء طلب الاقبال من المخاطب و معناها دعوتك علي معني الانشاء مثل بعتك. و هذه الحروف تقتضي فاعلاً واجب الحذف يكون مرفوعاً لهذه الحروف و مفعولاً مذكوراً و هو المنادي فيكون في محل النصب. و الدليل علي ذلك وجوب نصب تابع المنادي و التعبير عنه بصيغة المفعول المنادي و كل انسان يجد في نفسه انه يدعو مطلوبه فهو مدعوّه فالمنادي مفعول منصوب.

و اما ضم المنادي المعرف نحو يازيدُ و الجنس المحلي نحو يا ايها الرجلُ فهو ضم بناء عند الجمهور من النحويين و لايكون رفعاً. فاذا ثبت ان المنادي هو المفعول فلايكون مسنداًاليه كما عرفت في البحث عن مواضع المسنداليه فراجع.

([11]) الميزان ج 2 ص 348.

([12]) و اما في مثل هذا زيد او زيد هذا فيقدر للمسند فيهما و امثالهما معني الوصف اي هذا موصوف بالزيدية و زيد موصوف بكونه مشاراًاليه حاضراً و بذلك اللحاظ يتمكن المسند من ان‏يعمل في المسنداليه و يرفعه و يقدر فيه ضمير رابط.

([13]) الميزان ـ ج2 ـ ص347.

[14]ـ هو ابوصخر كثير (بضم الكاف و فتح المثلثة و كسر الياء المشددة) ابن عبدالرحمن السبيعي العدناني الخزاعي الحجازي الشاعر المشهور كان شيعياً شديد التشنيع و كان احد عشاق العرب المشهورين به ـ صاحب عزّة (بفتح العين المهملة و شد الزاي) بنت جميل. (فكثير عزة كمجنون ليلي)

([15]) فان النفي شي‏ء ايضاً كما ثبت في محله فاذا قلنا ليس زيدٌ بقائم فقد حكمنا بانه متقيد بقيد و هو عدم القيام كما اذا قلنا زيد قائم فقد حكمنا بانه متقيد بقيد هو القيام فالقيام و عدم القيام كلاهما وصفان عارضان علي الذات. فلا معني لقولهم «بان الاسناد في زيد قائم مطلق و الاسناد في ليس زيد بقائم مقيد بقيد النفي» فان الاسناد هو اثبات التقيد و بيان تعين الذات فافهم.

([16]) الجبان مشددة كالجبّانة: المقبرة. و اصحر: اي صار في الصحراء. و تنفس الصُعَداء كالعظماء: اي تنفس تنفساً ممدوداً. و اوعية: جمع وعاء و هو الاناء و مااشبهه. و اوعاها: اشد حفظاً. و الهمج محركة: الحمقي من الناس. و الرعاع كسحاب: الاحداث الطغام الذين لا منزلة لهم في الناس.

([17]) و هو العطف بالحرف و النسق بمعني المنسوق اي المنظوم. و المعطوف بالحرف هو كل ثان يوافق الاول في النسبة و كل متلو احد الحروف الموضوعة لذلك. فالمعطوف هو موافق للمعطوف عليه و لايكون تابعاً له لان عامله في الواقع غير عامل المعطوف عليه.

([18]) و اما قوله تعالي الذي اخرج المرعي فجعله غثاء احوي فلاشعار سرعة تقضي الزمان و فناء الدنيا كما قال الشاعر:

بر لب جوي نشين و گذر عمر ببين   كاين نصيحت ز جهان گذران ما را بس

 

([19]) قال مولانا الكريم اعلي اللّه مقامه في تعليقاته المباركة علي المصحف المجيد في هذه الكريمة: «قوله ثم جعل منها زوجها ليس جعل الزوج بعد خلقة الاولاد و انما اتي بثم لتراخي بيانه عن بيان المطلب الاول و هذا شايع في العرب و العجم.

و يمكن ان‏يكون قوله ثم جعل منها زوجها كلاماً منفصلاً عن الاول خاطب نبيه به و ضمير منها يرجع الي الاولاد المعني بـكم اي خلقكم ايها الرجال من نفس واحدة ثم جعل من تلك الرجال زوجها اي ازواجها لان المرأة خلقت من نفس الرجل و الزوج جنس.

او خلقكم من نفس واحدة في الذر اذ اخرج ربك من بني‏آدم من ظهورهم ذريتهم ثم جعل منها زوجها في الظاهر و هذا ايضاً وجيه. و للاية وجه آخر ظريف و هو ان اللّه خلق كل احد من نفس واحدة و لم‏يجعل له نفسان كما يقول ما جعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه و ليس المراد بالقلب اللحم بل هو العقل فلم‏يخلق اللّه احداً من نفسين اي عقلين و جعل من كل نفس زوجها فتدبر.»

اقـول: فتدبر في كلماته الشريفة و استنباطاته النيرة اعلي‏اللّه مقامه و استخراجه المعاني اللطيفة من استعمال كلمة ثمّ في هذه الكريمة المباركة و احمد اللّه تعالي و قل اللهم ان هذا منك و من محمّد و آل محمّد صلي اللّه عليهم اجمعين.

([20]) لايخفي ان مولانا الكريم اعلي اللّه مقامه قسم المفعول المطلق قسمين: المفعول المطلق الذاتي و المفعول المطلق الوصفي فالذاتي: هو الذي احدثه الفاعل بفعله و صنعه لا من شي‏ء و لم‏يكن شيئاً قبل ايجاده. و الذي اوجده الفاعل بفعله و صنعه من مادة سابقة نحو صنعت السرير فهو الوصفي لان المادة موجودة و انما احدث الصورة السريرية علي تلك المادة. فعلي ذلك فالمراد من المفعول المطلق الذي فعل من المفعول منه هو «المطلق الوصفي» و كذلك الامر في المفعول عليها الذي تراه في المتن فتدبر.

([21]) المراد في قولنا ما زيد الا كاتب نفي اضداد الكتابة لا نفي جميع الصفات حتي يوجد فيها ارتفاع النقيضين و ذلك بديهي. و الحق: ان «قصر الصفة علي الموصوف» في القصر الحقيقي لايكاد يوجد حقيقة لانه يلزم منه ادعاء علم الغيب في كلام غير المطلعين علي الغيب.

([22]) قيل انما قدم الفصل لانه الاصل و الوصل عارض عليه حاصل بزيادة حرف من حروف العطف لكن لما كان «الوصل» بمنزلة الملكة و «الفصل» بمنزلة العدم، و الاعدام انما تعرف بملكاتها بدأوا في التعريف بذكر الوصل.

([23]) و بهذا البيان ظهر وجه اختصاص العطف بـالواو في هذا الباب فتدبر تجده ان‏شاءاللّه.

([24]) البقرة 87

([25]) الحُطَيْئَة ت 678 م شاعر مخضرم من بني‏عبس: شارك في حروب الردة علي ايام ابي‏بكر و كان شاعراً لمرتدين امتاز بالهجاء عابثاً متهكما بدقة، له «ديوان».(اعلام المنجد)

حكي انه لما حضرت عبداللّه بن الشداد الوفاة اوصي ابنه محمّداً و قال: يابني ليكن اولي الامور بك تقوي اللّه في السر و العلانية و الشكر للّه و صدق الحديث و النية فان للشكر مزيداً و التقوي خير زاد كما قال الحطيئة:

و لست اري السعادة جمع مال   ولكن التقي هو السعيد
و تقوي اللّه خير الزاد ذخراً   و عند اللّه للاتقي مزيد
و ما لابد ان‏يأتي قريب   ولكن الذي يمضي بعيد

و عبداللّه بن شداد هو ابن الهادي الليثي الكوفي من اصحاب اميرالمؤمنين7 و هو الذي طار عنه الحمي ببركة عيادة الحسين7 اياه. و روي عن ابن ابي‏الحديد انه قال: وددت ان‏اترك فاحدّث بفضائل علي بن ابيطالب و ان عنقي ضربت بالسيف.

([26]) اكثم بن صيفي ت 9 هـ 630 م: احد حكماء العرب من تميم في الجاهلية. و اكثرهم ضربَ مثل. كان شديد الرأي قوي الحجة راه كسري انوشروان فقال: لو لم‏يكن للعرب غيره لكفي. عدّه العرب من المعمرين. قصد المدينة ليسلم فتوفي في الطريق.(اعلام المنجد)

و في البحار: «كان اكثم بن صيفي الاسدي حكيم العرب من المعمرين و كان اعلم اهل زمانه و اعقلهم و احكمهم و اخذه هذه الاداب من مجالسة ابي‏طالب و هاشم و عبد مناف و قصي و كل هؤلاء سادات ابناء سادات فتخلق باخلاقهم و اقتبس من انوارهم».

و عن كنز الكراجكي: «و كان اكثم حكيماً مقدماً عاش ثلثمأة سنة و ثلثين و كان ممن ادرك الاسلام و آمن بالنبي9 و مات قبل ان‏يراه و روي انه لما سمع به9 بعث اليه ابنه و اوصاه بوصية حسنة و كتب معه كتاباً فيقول فيه: باسمك اللهم من العبد الي العبد فابلغنا مابلغك فقد اتانا عنك خبر لاندري ما اصله فان كنت اريت فارنا و ان كنت علمت فعلمنا و اشركنا في كنزك و السلام.

فكتب اليه رسول اللّه9: بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمّد رسول اللّه الي اكثم بن صيفي احمد اللّه اليك ان اللّه امرني ان اقول: «لا اله الا اللّه». اقولها و امر الناس بها. الخلق خلق اللّه و الامر كله للّه خلقهم و اماتهم و هو ينشرهم و اليه المصير. ادبتكم باداب المرسلين و لتسألن عن النبأ العظيم و لتعلمن نبأه بعد حين.

فلما وصل كتاب رسول اللّه9 اليه، جمع بني‏تميم و وعظهم و حثهم علي المسير معه اليه و عرفهم وجوب ذلك عليهم فلم‏يجيبوه و عند ذلك سار الي رسول اللّه9 وحده و لم‏يتبعه غير بنيه و بني‏بنيه و مات قبل ان‏يصل اليه».

و في البحار: «ان اكثم جمع بنيه عند موته فقال: يابني انه قد اتي علي دهر طويل و انا مزودكم من نفسي قبل الممات، اوصيكم بتقوي اللّه و صلة الرحم و عليكم بالبر فانه ينمي عليه العدد و لايبيد عليه اصل و لا فرع و انهاكم عن معصية اللّه و قطيعة الرحم فانه لايثبت عليها اصل و لاينبت عليها فرع. كفوا السنتكم فان مقتل الرجل بين فكّيه. ان قول الحق لم‏يدع لي صديقا… الخ. و فيها قوله: اياكم و نكاح الحمقاء فان نكاحها قذر و ولدها ضياع. من قنع بما هو فيه قرّت عينه. التقدم قبل الندم. اصبح عند رأس الامر احب الي من ان اصبح عند ذنبه.لاتجيبوا عما لاتسألوه و لاتضحكوا مما لايضحك منه.و عليكم بالمال فاصلحوه فانه لايصلح الاموال الا باصلاحكم و لايتكلن احدكم علي مال اخيه يري فيه قضاء حاجته فانه من فعل ذلك كان كالقابض علي الماء و من استغني كرم علي اهله.نعم لهو الحرة المغزل.و حيلة من لا حيلة له الصبر».

و هي وصية نافعة و انما نقلناها لفوائدها و لاحياء ذكر هذا الخطيب الحكيم المؤمن المجاهد. و قداخذ «الاحنف» المعروف بالحلم، حلمه و حكمته من «قيس بن عاصم» و هو اخذ من «اكثم» و هو تعلم من حليف الحلم و الادب سيد العجم و العرب شيخ البطحاء «ابي‏طالب بن عبدالمطلب» سلام‏اللّه عليهما.

([27]) راجع التعليقات الكريمية علي هذه الكريمة المباركة.

([28]) اقتباس من كلام الرضي رحمه اللّه في مقدمة نهج البلاغة.

([29]) اعلم ان مراده اعلي‏اللّه مقامه من «السكر» و «الصحو» هو ما ورد في الادعية و المناجاة المأثورة عن الائمة الطاهرين: كدعاء الحسين7 في يوم عرفة و مناجاة خمسة عشر للسجاد7 . و كذا ما روي عن النبي9 في المعراج قال: ظننت ان جميع الخلايق قدماتوا و لم‏ار غيري احداً من خلقه فتركني ماشاء اللّه ثم رد علي روحي فأفقت. الخبر. ولكن «السكر و الصحو» يختلف بحسب المراتب.

و لاتزعمن من كلامه اعلي‏اللّه مقامه انه اراد مااراد اهل العرفان الاصطلاحي و هم اولي بان‏يسموا جهلاء. قال اللاهيجي في شرح قول الشبستري:

كه رخصت اهل دل را در سه حالست   فنا و سكر و پس ديگر دلال است

بدان كه حالات و مقامات چند هست كه به طريق كشف و وجدان بر اوليا و عرفا و سالكان راه ظاهر مي‏شود كه آن‏ها را «مواجيد» مي‏نامند يعني به وجدان حاصل شده. چو مواجيد جمع موجود است و موجود، يافته شده را مي‏گويند. اين وجدان حالي مراد است نه علمي يكي از آن حالات «فناء» است و فناء: عبارت از زايل شدن تفرقه و تميز است ميان قدم و حدوث. زيرا كه چون بصيرت روح منجذب به مشاهده جمال ذاتي الهي شد نور عقل كه فارق بود ميان اشياء در غلبه نور ذات مختفي و مستتر است كاختفاء انوار الكواكب عند ظهور الشمس و به حكم و قل جاء الحق و زهق الباطل و المحدث اذا قرن بالقديم لم‏يبق له اثر هستي مجازي سالك و جميع كثرات در پرتو نور تجلي ذاتي بالكل محو و نابود گشت و اين حالت را «جمع» نيز مينامند زيرا كه جميع كثرات در اين تجلي رنگ گرفته واحد شده‏اند و اغيار و كثرات فاني گشته لم‏يبق الا الحي القيوم و در اين حالت هرچه از سالك استماع افتد به حقيقت، گوينده آن حقست چو هستي سالك در ميان نيست؛ شعر:

چون كه شد ره بحر را با جان خم   خم سوي دريا برآرد اشتلم
زان سبب قل گفته دريا بود   گرچه گفت احمد گويا بود

و در اين مقام بود حكايت سلطان بايزيد بسطامي قدس‏سره كه فرمود: لا اله الا انا فاعبدوني و سبحاني مااعظم شأني.

يكي ديگر از آن حالات «سكر» است و سكر: حيرت و دهش و وَلَه و هَيَمان است كه در مشاهده جمال محبوب فجأتاً به سرّ محب مي‏رسد. چون سير سالك به مشاهده محبوب رسيد به واسطه دوري از تفرقه و بعد در باطن وي فرح و نشاط و انبساط به نوعي در آمد كه حواس او از محسوسات غافل شد و عقلش مغلوب عشق گشت و تميز از مابين مرتفع شد و از غايت بيخودي نمي‏داند كه چه مي‏گويد. و اين حالت را «سكر» به جهت آن گفته‏اند كه در اوصاف مذكوره به سكر ظاهري مي‏ماند و در اين حال بود كه شيخ حسين منصور حلاج قدس‏سره فرمود: كه انا الحق.

شُد مستي عاشقان بي‏باك   صدباره به از صلاح و پرهيز
مستي‏اي كايد ز تو اي شاه فرد   صد خم مي در سر و مغز آن نكرد
پس بر او تكليف چون باشد روا؟   اسب ساقط گشت و شد بي‏دست و پا

و يكي ديگر از آن حالات مذكور «دلال» است و دلال: اضطراب و قلق را مي‏گويند كه در جلوه محبوب از غايت عشق و ذوق به باطن سالك مي‏رسد. و هرچند در آن حال به مرتبه سكر بي‏خود نيست فاما اختيار خود نيز ندارد و از شدت اضطراب هرچه بر دل او در آن حال لايح مي‏شود بي‏اختيار مي‏گويد. و از اين حالت بوده حكايت چوپان كه مولانا جلال الدين محمد رومي قدس‏سره در مثنوي نظم فرموده است. شعر:

ديد موسي يك شباني را به راه   كو همي گفت اي كريم و اي اله

الابيات؛ انتهي.

و قال بعضهم في شرح بعض مصطلحاتهم: «ذوق عرفاني»: يعني درك حضوري لذت حاصل از تجليات و مكاشفات. چشيدن ابتدائي «ذوق» است ادامه يافتن آن «شرب» است و سرخوش شدن «سكر» است پر شدن از آن «ري» است.

عرفا معتقدند: آنچه از ذوق دست مي‏دهد «تساكر» است و آنچه از شرب دست مي‏دهد «سكر» است و آنچه از ري حاصل مي‏آيد «صحو» به خود آمدن است؛ انتهي.

و انت خبير بانّ ماانزل اللّه في كتابه و ماصدر عن حججه: ينافي هذه المزخرفات و عليك بمراجعة الروايات المباركات حتي تعرف مقدار هذه الاباطيل في ميزان الوحي. اللهم العن اول ظالم ظلم حق محمّد و آل‏محمّد و آخر تابع له علي ذلك.

([30]) سبا و سبأ: ابو عامة قبائل اليمن و ايديه جنوده يستعين بهم علي اعماله في الغارات و ارسل اللّه السيل علي تلك الاراضي فاغرقها و اذهب جناتها فانتزع سبا و قومه و تبددوا في البلاد فضرب بهم المثل. و المعني «تبددوا تبددا لا اجتماع بعده».

([31]) الوبل المطر الشديد و الديم جمع ديمه و الديمه: مطر يدوم في سكون بلا رعد و لا برق ـ ج: دِيَم و دُيُوم يقال: مطرتهم السماء بديمةٍ و بديم.

([32]) و لا فرق في ذلك بين ان‏يكون الظرف لغواً و المتعلق «فعلاً خاصاً» كما في المتن او يكون الظرف مستقراً و المتعلق «فعلاً عاماً» و ان كان الاول اولي و احسن و اتمّ.

([33]) قددت اي قطعت و كنايتها تعود علي الزباء و هي امرأة ورثت الملك عن ابيها. و الاديم الجلد و لراهشيه اي ان وصل القطع للراهشين. و هما عِرقان في باطن الذراع يتدفق الدم منهما عند القطع.

و الضمير في الفي يعود علي المقطوع راهشاه و هو «جذيمة الابرش» و المراد الاخبار بان جذيمة غدرت به الزباء و قطعت راهشيه و سال منه الدم حتي مات و انه وجد ماوعدته من تزوجه بها كذباً و ميناً.

([34]) و اعلم ان حذف الجمل كثيراًما ورد في القرءان المجيد. و هذا هو الغاية في الفصاحة و النهاية في مدارج البلاغة و هو من الفنون الخاصة بالقرءان سيما عند ذكر المشاهد المختلفة و القصص المحكية.

([35]) اعلم ان بعضهم لم‏يشترطوا وقوعه بين جزئي جملة و لا بين كلامين بل جوزوا وقوعه آخر الكلام مطلقاً سواء وليه ارتباط بماقبله او لا كقوله تعالي و قالوا حسبنا اللّه و نعم الوكيل. فجملة و نعم الوكيل معترضة و ليست معطوفة علي ما قبلها حتي يلزم عطف الانشاء علي الخبر.

و قديقع «الاعتراض في الاعتراض» كقوله تعالي فلا اقسم بمواقع النجوم و انه لقسم لوتعلمون عظيم‏انه لقرآن كريم في كتاب مكنون.

اقـول: قدورد التصريح في احاديث اهل العصمة: بان فانقلبوا متفرع علي جملة حسبنا اللّه و نعم الوكيل قال7 عجبت لمن خاف كيف لايفزع الي قوله تعالي: حسبنا اللّه و نعم الوكيل فاني سمعت قول اللّه عقيبها فانقلبوا الاية.

و اما قضية العطف فغير صحيح لان افعال المدح و الذم عندهم انشائية و لا دليل لهم علي ذلك الا ادلة واهية و الحق: انها خبرية و قدمرّ الكلام في ذلك. و اما قوله تعالي فلا اقسم الايات فيأتي الاشارة اليها في المتن فترقب.

([36]) التأكيد نوعان: تأكيد المنطوق كما في هذه الاية. و تأكيد المفهوم كقوله:

و لست بمستبق اَخاً لاتلمّه
  علي شعث اي الرجال المهذب؟

فقد دل بمفهومه علي نفي الكمال من الرجال فاكده بقوله اي الرجال المهذب؟.

([37]) قدعرفت الفرق بين «الاطناب» و «الاطالة» فكما ان «الاطناب» ممدوح و مستحسن فـ«الاطالة» و التطويل مستكره.

قال المفيد;: لما قتل مسلم بن عقيل و هاني بن عروة رحمة اللّه عليهما بعث ابن زياد برأسيهما مع هاني بن ابي‏حية الوادعي و الزبير بن الاروح التميمي الي يزيد بن معاوية و امر كاتبه ان‏يكتب الي يزيد بماكان من امر مسلم و هاني فكتب الكاتب و هو عمرو بن نافع فاطال فيه و كان اول من اطال في الكتب. فلما نظر فيه عبيداللّه كرهه. و قال: ماهذا التطويل و هذه الفضول.اكتب: اما بعد. ثم ذكر كتابه و ذكر كتاب يزيد. اللهم العن اول ظالم ظلم حق محمّد و آل‏محمّد و آخر تابع له علي ذلك اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين7 و شايعت و بايعت و تابعت علي قتله اللهم العنهم جميعاً.