00-02-01 شرح الزیارة الجامعة الکبیرة – المجلد الثانی – مقابله – الجزء الاول

 

شرح الزیارة  الجامعة الکبیرة

 

من مصنفات

الشیخ الاجل الاوحد الشیخ

احمد بن زین الدین الاحسائی

 

 

المجلد الثانی – الجزء الاول

 

 

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ
و به نستعين .
قال العبد المسكين احمد بن زين‌الدين الاحسائي :
قال عليه السلام : عصَمكم اللّٰه من الزلل و آمنَكم من الفِتَن ،
العصمة لغةً المنع و في الاصطلاح عند العدليّة هي اللطف المانع للمكلّف من ترك الواجبات و فعل المحرمات يفعله اللّهُ تعالي به غير مانع من القدرة و هو مانع من الداعي و هذا يتمشي علي قول مَنْ يري انّ الاِرادة غير داخلةٍ في مفهوم القدرة و اَمَّا مَنْ قال بدخولها فيلزم من سلبها سَلْب القُدْرَةِ فيرتفع التكليف و لايَسْتَحِقُّ ثواباً و لا عقاباً و هي عندهم كيفيّة تَسْتلزِم اموراً اربعةً : الاول صدق الاقوال لمنعِها من ارَادة الكَذب معَ القدرة عليه الثّاني حسن الافعال لمنعِها من ارادة قبحها كذلك الثّالث حفظ الحقوق عن التعطيل لاقتضاۤئها الصلاح الرابع حفظ نظام المعاش و المعاد عن التقريرات علي الباطل الموجب لفسادهِما او اختلالهما بحسب الامور العقليّة و النقليّة و قد تقدّمَ لها بيان فراجعه و هي مجمع الكمالات لاجتماع آثار الصفات و الافعال فيها لأنّها مظهر تلك الٰاثار و محلّها و هي عدالة الوجود و ترتيبه الطّبيعي كما هو صفة الحقّ جل و علا قال (ص‌) بالعدل قامت السموات و الارض و حيث تقرّر انّ الاثر يشابه صفة مؤثّره في تأثيره فيه وجب ان تكون العصمة مستلزمة لقصر ميلها الي الخير و الحق مع القدرة علي الشرّ و الباطل و الّا لم‌تشابه صفة المؤثر فيها فقصر ميلها الي الخيرات بالاختيار و الشوق الذاتي الي المجانس و اذا اراد الله عصمة عبده غمسه في انوار صفاته بحقيقة ما هو اهله في بدء شأنه في علم الغيب علي ما هو عليه فانكشفت عنه الظلمات فكان بمحبة نفسه و شهوتها يميل حيث مالت محبّة اللّه لايفارق رضا اللّه و لايفارقه بل يكون محلّ اِرَادَتِه۪ وَ خزانة محبّته و متعلّق رِضاهُ كما روي عنهم عليهم السلام اذا شِئنا شاۤء اللّه و الزّلل هو الخطأ و الذنب و يصدق الخطأ الّذي هو عدم الصّواب علي الكذب في القول كالاخبار عن نفسه بما ليس بحقّ في الواقع سواۤء جهل المخالفة امْ علمها ام علم الموافقة بالفطرة و جهلها بالتّغيير لخلق اللّه و هو التطبع علي خلاف الفطرة كما اخبر تعالي عن المنافقين قالوا نشهد اِنّك لرَسول اللّه هذه شهادة بالفطرة و الله يعلم انّك لرسوله هذا هو الواقع و اللّه يشهَدُ انَّ المنافقين لكاذبون كذّبهم في شهادتهم بما هو المطابق للواقع لانّهم من جهة تغييرهم الفطرة و ملاحظة الاغراض الدنياويّة لانّهم يعلمون انّه رسولهُ و الّا لماقامت عليهم الحجّة لقوله تعالي ذلك بانّهم آمنوا ثم كفروا فلمّا اخبروا بما هو مخالف لما ركّبوا عليه انفسهم كذّبهم اللّه و الذي ركّبوا عليه انفسهم هو التغيير لخلقِ اللّهِ بالاعمال المخالفة للحقّ حتي كان ذلك التبديل و التغيير فطرةً ثانيةً خُلِقَتْ من هَيْئَاتِ اَعْمالِهِمْ بل خُلِقَتْ باعمالهم كما قال الله تعالي و قالوا قلوبُنا غلف يعني انّا لانفهم ما تقول و لانعرف حقيّته لانّ قلوبُنا غلف فقال اللّه تعالي ان قلوبهم لم‌نخلقها في الاصل غُلْفاً و لكن لمّا لم‌يقبلوا الحقَّ من عندنا و انكروا جعلنا قلوبهم باِنكارهم الحقّ بعد البيان غُلفاً قال تعالي بل طَبَعَ اللّٰهُ عليها بكفرهِمْ فلايؤمنون الّا قليلاً يعني به القليلَ الذين لم‌يطبع علي قلوبهم لاجل قبولهم الايمان او قليلاً من مساۤئل الايمان و احكامه ممّا لم‌يظهر لهم انه منافٍ لغرضهم ستره اللّه عن بصاۤئرهم ليكون انساً للمؤمنين فبفطرتهم الاولي عرفوا رسالة محمد صلي اللّه عليه و آله و استيقنتها انفسهم و بفطرتهم الثانية الخبيثة انكروا رسالته فحكم عليهم بحكم الفطرة الثانية لانّها هي التي مضوا عليها في اعمالهم و اقوالهم و الفطرة الاولي عَطّلُوهَا و لم‌يجعلوا لها اثراً و لا حكماً و لاعوّلوا علي مقتضاها فلم‌يجر عليهم شي‌ء من احكامها الّا ما تَقُومُ به الحجّة عليهم و ذلك لبقاۤئها في نفسها محصورة في حصنِها قد احاطت بها الاعداۤء من كل جانبٍ و مكان و انّما ابقاها اللّه تعالي لانّ بقاۤءَهُ بها لا بالفطرة الثانية و انّما طلب سبحانه بقاۤءهُ الي اجلٍ هو بالغه لتبلغ عليه الحجة و تتم الكلمة علي ما سبق له في علمه حين كان منه ما كان و يصدق الخطأ في الاعتقادات بان يكون منه اعتقادٌ يخالف ما الواقع عليه فاذا اعتقد ما يخالف الوجود كان عدماً و هو باطل سواۤء كان بعد الاعتقاد المطابق ام بعد العلم بالمطابق فاعتقد خلافه تكبّراً او حسداً او لشي‌ء من غرض الدّنيا ام قبل الاعتقاد اما لعدم التّوفيق او لتقصيرِه۪ في الطلب او لاتّباع الاهواۤء او لعدم المبالاة و امثال ذلك فاذا وقع منه ما يخالف الواقع فقد افتري علي اللّه الكذب لان المعني يكون هكذا اذا اعتقد قيام زيد او قال بانّه قام فان معني ذلك انه اعتقد او قال انّ اللّهَ قد احدثَ قيامَ زيد بفعل زيدٍ و في الواقع لم‌يحدثه اللّه بفعل زيد و لم‌يقم زيد و ذلك كقوله تعالي الم‌تر الي الذين يزكّون انفسهم بل اللّه يزكّي مَن يشاۤءُ و لايظلمون فَتيلاً انظر كيف يفترون علي اللّهِ الكَذِبَ و كفي به اثماً مب۪يناً يعني اذا زكّي نفسه و لم‌يجعلْهُ اللّه زكيّاً فقد افتري عَلي اللّه كذِباً بان ادَّعي اَنَّ اللّهَ جعله زكيّاً و اللّه سبحانه لم‌يجعله زكياً و يصدق الخطأ في كلّ موضع يُثْبِتُ شيئاً بذاته اي قائماً بذاته و لو في النّسبة اليه و الاِسناد كما لو قلتَ انا افعل و لم‌تقل باللّه او انشاۤء اللّهُ لانّ كلّ ما سوي اللّه انما هو شي‌ء باللّهِ و اَمّا بذاتِه۪ فليسَ شيئاً و يصدق الخطأ في الاعمال بان يفعل شيئاً مِن الاعمال ليْس ممّا امَر اللّهُ به علي اَلْسِنةِ اولياۤئه بالحدود الّتي حَدَّدَهَا لَهُمْ فَاِنْ كَانَ عالِماً بالمخالفةِ فهو خطأ و ذَنْبٌ و اِنْ كَان في الاخذ كما لو كان مُقَلِّداً مَنْ لم‌يصحّ تقليده اَوْ كان مُسْتَقِلّاً و لم‌يكن مجتهِداً و ان كان جاهِلاً بالمُخَالفة ظاۤنّاً للاصابة بالظن المعتبر شرعاً فلايصدق الخطأ هنا و ان لم‌يكن بالظن المعتبر شرعاً فيصدق عليه الخطأ و ان كان جاهلاً بالتكليف ففي ما تعمّ به البلوي لايعذر في الخطأ و في المساۤئل النّادرة الوقوع و فيما يدقّ دليله من المعتقدات فلايبعد العذر و يصدق الخطأ في الاحوال علي نحوٍ يطول ذكر بعضه و منه عدم الاستقامَةِ فيما اُمِرَ كما اُمِرَ و عَدم الخشية في مقام الرهبَةِ و منه الالتفات الي غير ما اُمِر بالمضيّ فيه و منه استعمال فضول الكلام و الطعام و الافكار و الانظار و الحركات بل فضول الاشياۤء كلّها و التقصير في التبليغ و الاداۤء و في احتذاۤءِ كلّ ما جري عليه نظام الايجاد و الوجود و انتظام الموجود و الحاصل كل ما اشرنا اليه و مثله ممّا ليس مراداً له سبحانه و تعالي بالذاتِ اوْ بالعرض عن قصد و علم او بلا علم او بلا قصد علي ما فصِّل في مَحاۤلِّها فهو من الزلل بقولٍ مطلقٍ و قد عصم اللّهُ سبحانه و له الحمد محمداً و آله صلي اللّه عليه و آله من جميع ما اشرنا اليه و نحوه من الزلَلِ الظاهر و الباطن في الاحوال و الاعمال و الاقوال و الاضمارات بحقيقة ما هم اهله بانْ افَاض عليهم من الامدادات النّوريّة لسعة قابليّتهم و قوّتها ما كشف به عنهم ظلمات الانكار و الشكوك و الجهل و الغفلة و السّهو و التّكلّف و الدَعوي بغير الحقّ و النِّسْيَان و الفَواحش ما ظهر منها و ما بطن و المعاصي كبيرها و صغيرها و التساهل فيما يراد منهم و التماهل فيما يراد تعجيله و بالجملة بحيث يكون عملهم فيما يراد منهم طبق ارادة الله و وفق مشيّته و عين محبّته لانهم محاۤلّ فعله و لا فعل لهم غير فعله الّا بفعله و مارميتَ اذ رميتَ و لكن اللّهَ رمَي فهم في جميع افعالهم كالحديدة المحميّة في النار حتّي احمرّت فانها لاتحرق الّا بما ظهر فيها من آثار النار و فعلها بل المحرق انّما هو النّار بفعلها الظاهر علي الحديدة و هو قوله و مارَميتَ الٰاية ، و انّما اسنده اليه ظاهراً كما تقول احرقته الحديدة و المحرق حرارة النار في فعلها فبذاك لحقيقة ما هم اهله كانوا معصومين من الزّلل و كلّما يتفرع منه و عليه و يلزمه اصولاً و فروعاً .
و قوله : و آمنكم من الفتن ،
الامان ضد الخوف و الفِتَن جمع فتنة و لها معان متعدّدة باختلاف المقامات منها الضلال و الهداية قال تعالي ان هي الّا فتنتك تضلّ بها من تشاۤء و تهدي من تشاۤء ، و منها الاختبار و قيل التخليص من الغشّ قال تعالي و فتنّاك فتوناً ، و منها الاختبار قال تعالي الم احَسِبَ النّاس اَنْ يتركوا ان يقولوا آمنّا و هم لايفتنُونَ يعني لايختبرونَ و منها الحجة قال تعالي ثم لم‌تكن فتنتهم الّا اَن قالوا واللّهِ رَبّنا مَاكنّا مشركين يعني حجّتهم و منها الاحراق و التعذيب قال تعالي انّ الّذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات اي احرقوهم و عذّبوهم و منها الكفر قال تعالي الا في الفتنةِ سقطوا اي في الكفر و منها الشرك قال تعالي و الفتنة اَشَدُّ من القتل اي وَ الشِّركُ و منها الجنون قال تعالي بأيّكم المفتون اي المجنون و منها الايقاع في الاثم قال تعالي و منهم مَنْ يَقُول ائذن لي و لاتفتِنّ۪ي اي لاتوقعني في الاثم و منها العذاب قال تعالي يوم هم علي النار يفتنون اي يعذّبون و منها الافساد قال تعالي ما انتم عليه بفاتنين اي لستم عليه اي علي اللّهِ بمفسدين احداً باغواۤئكم و استهزاۤئكم الّا مَن هو صال الجحيم اي الّا من في علم اللّهِ انه يستوجب الجحيم بسوۤء اعماله و منها الابتلاۤء قال تعالي و جعلنا بعضكم لبعضٍ فتنةً اي ابتلاۤءً و منها المحنة قال عليه السلام المؤمن خلق مفتّناً اي ممتحناً بالذنب فيتوب و يذنب فيتوب و عنه (ع‌) ان اللّه يحبّ المفتّن التّواب اي الممتحن بالذَّنْبِ و عنه (ع‌) من دخل علي السلطان فُتِن اي امْتُحِنَ ان وافقه خاطَرَ بدينه و ان خالفه خَاطر بروحه و منها القتل قال تعالي ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا اي يقتلكم و منها الصدّ قال تعالي و ان كادوا ليفتنونك عن الذي اوحينا اليك اي ليصدّونك و منها المحبّة قال تعالي انما اموالكم و اولادكم فِتنةٌ اي محبّة او بمعني مِحْنة بالنون و هذه المعاني كلها في الحقيقة ترجع الي الاختبار و الابتلاۤء و ان كان بنوع من التأويل في بعضها و قد آمنكم اللّه سبحانه من جميع انواعها ممّا لايكون به بلوغ الدرجات العاليات و التفصيل تطويل يستغني عنه لظهوره و هذا الامان لازم للعصمة و هو حكم كلّي في عموم التزكية لهم مطلقاً و انّما تجري عليهم بعض هذه الانواع لرفع درجتهم كما قلنا و هم بذلك عالمون و هذا البعض في الحقيقة ليس في حقهم بل و لا في حق من هو من شيعتهم و محبّيهم من الفتنة و انّما هو من الفضل و الهديّة من اللّه سبحانه الي عبده المؤمن و لو كشف لك لرأيت ان هذه الفتنة المخصوصة ليس لك مطلوب في اعمالك خير منها و في الحديث لو كشف لكم الغطاۤء لمااخترتم الّا الواقع ، فيعود الكلام الي ان اللّه سبحانه آمنهم من فتنة الضلالة و الشرك و الكفر و التخلص من الغشّ و الجنون و الايقاع في الاثم و العذاب و الافساد و الامتحان بالذنوب و الصد و المحبّة لغير ما يحب اللّه و الفتنة بمعني الحجة لانها حجة داحضة عند اللّه و امّا حجتهم فهي حجة اللّه لاتكون بمعني الفتنة الا بمعني فتنة غيرهم من متمّمات القابليات بحكم الذَّوْد و الايراد و فائدة الفتنة اظهارُ ما بالقوّة بالفعل و المراد بهذه القوّة الامكان لانّه هو المتقدّم علي ما بالفعل في الممكن بخلاف ما بالقوّة المتعارفة حيث يطلقونها علي موجود في الغيب و يزعُمونَ انّها متقدّمة علي ما بالفعل و ليس كَذلك بل ما بالفِعل في الوجود قبل ما بالقوّة في الغيب و بعْدَه في الشهادةِ فاذا كان بعده في الشهادة كان قبله في الغيب بل هو عينُ الكونِ الْاوّل و انّما كٰانَ ما بالفعلِ قبل ما بالقوة في الغيب لانه اوّل كون الشي‌ء و هو اقرب الي المبدأ و لا جاۤئز اَنْ يكون الاقرب الي المَبْدأ ما بالقوة و الّا لكان الاقرب الي المبدأ اضعف لانّ ما بالقوة اضعف فيلزم اَنْ يكون كلّما بعد عن المبدأ اقوي هذا خلف و انّما كان ما بالقوة مُتَقَدَّماً علي ما بالفعل في الزمان لانّ اوّل الفيض ما بالفعل و كلّما بعد عن المبدأ ضعف و خفيت رُوحانِيّاته و كمنت في باطنه لانّه في قوس النزول يقرب من الزمان و ما يلي المبدأ في الدّهرِ و ما بالفعل دهري لا زماني فكلّما نزل كمنت الدّهريات و اخذت الزمانِيات في القرب من الظهور حتي يصل الموجود الي الزمان فتكمن الدهريات التي هي بالفعل في الزمانيات فتكون بالنسبة الي ظهورها بالفعل في قوس الصعود بالقوة لعدم وجودِها بالفعل فالعقل الذي هو بالفعل منذ برَز هو بالفعل فلمّا تنزَّلَ اَخذ في البُطونِ الي اَنْ وصل الي النطفة فكان فيها بالقوّة و هي اوّل درجةٍ له في الصّعود وَ الاخذ في القرب من الظهور الي فعليّته و في العلقة اقرب و في المضغة و العِظَام فاذا كسي لحماً و تمت الخلقة كانت النفس الفلكية الحيوانية التي هي آخر يقظة العقل بالفعل فاذا نشا المولود و عقل كان عقله الٰان بالفعل و هو عين كونه بالفعل قبل نزوله الي النفس في قوس النزول و هذا معني قولنا انّ ما بالفعل قبل ما بالقوة في الدهر و بعده في الزمان فاذا كان بعده في الشهادة اي في الزمان كان قبله في الغيب اي الدهر بل هو عين الكون الاوّل و مرادنا بقولنا بخلاف ما بالقوة المتعارفة الخ ، هذا لاِنّهم يتكلمون علي حكم القوس الصُّعودي في الزَّمان و مرادي بقولي و فائدة الفتنة اظهار ما بالقوة بالفعل و فسّرت هذه القوة بالامكان انَّ الامكانَ الّذي مفهومه تساوي طرفيه بالنسبة الي الممكن لانّ اللّه تعالي امْكنه بفعله هكذَا فَلَهُ لِحاظانِ احدهما في نفسه و هو تساوي الطرفين و الٰاخر بالنسبة الي الممكن و هو هنا يترجح فيه احد الطرفين لان الممكن قبل كونه ليس شيئاً و يكون حين يكون مرجِّحاً لاحدِ مَيْليهِ اذ ميله الي طرف دون الٰاخر انما هو بالاختيار لان الٰاخر له كما ان ما مال اليه له ايضاً و لكنّه يقدِّر للتّرجيح مُرَجّحاً فيرجّح هذا الطرف الذي مال اليه بما يقدّره و يتخيّل راجحيّته و ان كان عنده مرجوحاً في نفس الامر مثل ان يتخيّل قربَ نفع ما رجّحه و ان كان فيه ضرر و يغمض بملاحظة هذا النفع الحاضر عما فيه من الضرر مع علمه بذلك و بحسن ما لم‌يرجّحه و بسلامَتِه۪ من الضرر و ذلك لِسُوء نظره لنفسه و قد يحسن النّظر لنفسه فيرجّح ما فيه السلامة و الظّفر و هذا هو الاختيار بدون الاضطرار لانه انّما هو لغَرضه و لو شاۤء ترك و كل ما سمعتَ من الترجيح ممّن احسن اوْ اساۤء انّما هو مع تكوّنه حين كوّنه اللّه تعالي لا قبله اِذْ هو قبل التّكوين لَيْس شيئاً فلايُسْند اليه شي‌ء فكما انّه جاۤئز الطَّرَفَيْنِ ليَصحّ اخْتِيَاره لايرجّح اِلّا بِاَحَدِ جاۤئزَيْنِ و لايُكَلّف اِلّا بِاَحَدِ جاۤئزَيْنِ و لايخاطب الّا بِاَحَدِ جاۤئزَيْنِ وَ كُلّ ذٰلِكَ بالتّخيير ليصح الاختيار فاذا صدر من الفعلِ اختراع التكوين ظهر به المكوَّن عَلَي ما اخْتارَهُ حين كُوِّنَ فالفِتنة لهذا المكوّن ليخرج مَا في امكانِه۪ حين التكوين الي الفِعْلِ اَنْ يرد عليه الخطاب بما يُطْلَبُ منه كمثل ما لايطلبُ منه وَ لايمنعه عن مَيْله۪ الي شهوة نفسِه۪ حين وُجِدَ ما قُدِّمَ اِلَيْه من انواع التّرغيب و التَّره۪يب لعَرْضِها عليه بالتخيير كما قال تعالي اَلَسْتُ بربّكم بل يكون ذلك باعثاً علي ما يتخيّل ترجيحه في مَيْله۪ مُحِقّاً اوْ مُبْطِلاً لتكليفه باحد جاۤئزين و خطابه باحد جاۤئزَيْن بغير منعٍ للٰاخر و لانّ ما مال اليه هو مختار في تركه لو شاۤء لتمكّنه من ضدّه كتمكّنه منه بل التكوين انّما هو ماۤدّته و صورته انما هي ما مَال اليه اذ ذلك صورة اجابته فافهم فقد فضحتُ لك من سرّ القدر فهذه الفتنة ممّا آمنهم اللّه منها بالعصمة التي هي حقيقة ما هم اهله فَلما كان زيتهم الذي هو قابليتهم يكاد يضيۤ‌ء قبل الايجاد اي يكادُ يقول بَلي قبل اَنْ يقال لَهُ ألَسْتُ بربِّك كان الَسْتُ بربِّك خطاباً له بما احَبَّ فقد اتّفقَتْ محبّة الفاعل و محبّة القابل فيكون الفاعل في سُؤَالِه۪ لَهُمْ اِنّما هُوَ لرَفْعِ درجاتهم بتكليف الايجاد لٰا لِلاختبار .
قال عليه السلام : و طهّركم منَ الدّنس و اذهب عنكم الرجس و طهّركم تطهيراً ،
الطهارة نقيض النجاسة و تطلق علي الاعم من ازالة الخبث و تستعمل في ازالة الخبث و الوسخ و رفع الحدث و القراۤئن تُميِّز بينها و في قوله تعالي و ثيابك فَطهِّر قيل معناه اصلح عملكَ فهي بمعني الاصلاح و العمل صفة المكلف فهو ثوبه الذي يستره او يكشف عورته و منه قوله تعالي فاكَلَا منها فبدت لهما سوءاتهما ، او بمعني التقصير اي و ثيابك فقصّر او لاتلبسها علي فخر و كبر فالثياب هنا القلب لأن التكبر في القلب قال تعالي كذلك يطبعُ اللّهُ علي كلِّ قلبٍ متكبرٍ جبارٍ و الثّياب يطلق علي القلبِ كما قال امرء القَيْس : فسُلِّي ثيابي من ثيابِكِ تنسلي ، اي فسُلِّي قلبي من قلبكِ و قول الشاعر : فشككتُ بالرمح الاصم ثِيابَهُ ، اي قلبَهُ او بمعني اغسل ثيابَك بالماۤء و قيل علي هذا كنّي بالثياب عن القلب او بمعني لاتكن غادراً فانّ الغادر دنس الثياب يعني القلب و في قوله تعالي فيه رجال يحبّون اَنْ يتطهّروا و اللّهُ يُحِبُّ المطّهّرين و قيل هنا المراد بها الطّهارة من الذنوب و الاكثر علي انها الطهارة من النّجاسة لقول الباقر و الصّادق عليهما السلام انّها نزلت في اهل قبا و روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال لهم ماذا تفعلون في طهركم فان اللّه قد احسن عليكم الثناۤء فقالوا نغسل اثر الغاۤئط و لا منافاة بينهما و في قوله تعالي انهم اناس يتطهرون اي ينزّهون اَدْيانَهُمْ و اَعْراضهم عن اَدْبارِ الرجال و النساۤء و ذلك تَهكّم منهم بٰال لُوطٍ عليه السلام و في قوله تعالي و لاتقربوهنّ حتّي يطهرن اي ينقطع دمهن يعني يَنْقَيْنَ و هذا علي قراۤءة التخفيف و امّا علي قراۤءة التشد۪يد فالطهارة بمَعْني الغسل و في قوله تعالي و ازواج مطهرة اي من الحيض و الحدث و الدنس و سوۤء الخُلق و من مَدِّ نظرهن الي غير ازواجهِنَّ و من مسّ غير ازواجهن و في قوله تعالي يتلو صحفاً مطهّرة اي عن ان يمسّها الا الملاۤئكة المطهّرون او عن التغيير و التحريف و التبديل و الباطل او عن درك غير المؤمن اَوْ عن تأويل المبطلين بمعني انّهم اذا احتملوا في آيةٍ منه باطلاً ابطلت احتمالهم آيةٌ منه اخري فلايقدر احد علي تغييره و في قوله تعالي و انزلنا من السّماۤء ماۤءً طهُوراً يعني نظيفاً يزيل الخبث و يرفع الحدث الاكبر و الاصغر و في قوله تعالي و سقاهم ربّهم شراباً طهوراً و المراد بالشراب الخمر و هو في الدنيا رجسٌ كما قال تعالي انّما الخمر و الميسر و الانصاب و الازلام رجس من عمل الشّيطان و الرجس هو النجس لانّه يصدّ عن ذكر اللّه و عن الصلوة و يوقع البغضاۤء و العداوة بين الناس و هذه نجاسات خبيثة من عمل الشيطان فاخبر سبحانه انّ الخمر في الاخرة طهور لانّه اذا شرِبَهُ المؤمن احدث له الصحو الذي لايكاد يوصف فيعلم بسببه ما لم‌يكن يعلم و يجد من محبّة اخوانه و ازواجه و ولدانه في نفسه ما لايوصف و يتّصل بشربه ذلك بمراتب من المعارف و التّلذّذ بمناجاة اللّه و انغماس في مراضيه ما يحتقر عندها جميع لذّات الجنّة لانه يحصل له صحو يكاد يتّصل به بالوجود المطلق فلهذا قال تعالي شراباً طهوراً كما اَنَّ خمر الدنيا يوصله الي تلك النجاسات فهو بعكسه ،
و الدنس لغةً الوسخ و هو يستعمل في دنس النسب مِنَ الزِّنا و النكاح بغير طيب النفس و بالمهر الحرام و بالشبهةِ بل و من الدنس ما يلحق ام الزوجة و اباها و اخواتها و خالاتها و عمّاتها و من الدنس الزنا الي سبعة آباۤء فورد ولد الزنا لايطهر الي سبعة آباۤء و معناه انه اذا كان الاب الاول ولد زنية و الاولاد الستّة ولد رشدة فالاخير منهم ليس بطاهر بمعني انّ نطفته التي توَلّد منها لَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ و بيانه انّ وَلَدَهُ الاوّل الذي هو اوّلُ السِّتّة طَهُرَ بالعقد الصحيح عقلهُ و الثاني طهر بالعقد الصحيح عقله و نفسه و الثالث بالعقد الصحيح طهر عقْله و نفسه و لحمُه و الرابع بالعقد الصحيح طهر عقله و نفسه و لحمُه و عظمه و الخامس بالعقد الصحيح طهر عقله و نفسه و لحمُه و عظمُه و مضغته و السادس بالعقد الصَّحيح طهر عقله و نفسه و لحمه و عظمه و مضغته و علقُته و هذا الولد السادس لابن الزّنا آخر نجاسَتِه لِاَنَّ نطفته الَّت۪ي توَلَّد منها ليست بطاهرةٍ و السابع بالعقد الصحيح طهر كلّه عقله و نفسُه و لحمُه و عظمُه و مُضْغَته و عَلقَتُه و نطفتُه و بيان آخر ان الولد الاوّل تطهر نفسه و الثاني نفسه و لحمه و الثالث نفسه و لحمه و عظمه و الرابع نفسه و لحمه و عظمه و مضغته و الخامس نفسه و لحمه و عظمُه و مضغته و علَقتُه و السَّادس نفسه و لحمه و عظمه و مضغته و علقته و نطفته و السّابع طهر كُلّهُ لِاَنَّهُ في نفسه طاهر و قد تَولَّدَ من طاهِرٍ فهو نجيب فقوله لايطهر الي سبعةِ آباۤء يحتمل ان يكون السَّابع خارجاً عنهم لانّه الغاية فان قلنا بخروجها كان نجيباً وَ اِنْ قلنا بِدُخولِها فاِنْ اُرِيدَ دُخول الاوّل الذي تولّد من الزنا في هذه السبعة فلا شك في عدمِ طهارَته وَ اِلّا فهذا السَّابع يكون نجيباً و يعرف ذلك بخروجه من دليلٍ آخر و ان قلنا بدخول الغاية مع الجهل بالقرينة ،
و مِنَ الدَّنَس ما قد يلحق العقل و النفس و الجسم في امور المعارف و المعتقدات و الاحْوال و الاعمال و الاقوال من الريب و الشك في العقل الذي هو مقرّ اليقين و الاستقامة و الثَّبات و الطُّمأنينة و من الجهل و الغفلة و السهو و النسيان في النفس التي هي مقر العلم و الحفظ و التذكر و التخيّل و من مباشرة الشهوات و ترك الاعمال و استثقالها و طلب الرّاحات في الجسم الذي هو محلّ الاعمال علي اختلاف احوالها ،
و من الدّنس الريب و هو اول الشكّ و الميل الي التردد و قد ينشأ عن الفرض ثم الاحتمال و التجويز فاذا حصل ذلك للقلب غير ماقتٍ لهُ و لا مستوحش منه انقلب شكّاً و هو علي الاصح التردد بين الطرفين بين الحق و الباطل فيميل الي الحقّ بوجوده و يعرف حقيته بفطرته و يميل الي الباطل بماهيته و لاينكر بطلانه بفطرته التي ارتدّ اليها لما غيّر فطرته الاولي و بدّل خلق اللّه لانه حين عصي و عمل بخلاف ما علم حدثت له الفطرة الثانية المخلوقة بمعصيته و هو قول الصّادق عليه السلام و اذا لم‌يرد اللّهُ بعبده خيراً وكَلَهُ الي نفسِه فكان صدره ضيّقاً حرجاً فان جري علي لسانه حق لم‌يعقد قلبه عليه و اذا لم‌يعقد قلبه عليه لم‌يعطه اللّه العمل به فاذا اجتمع ذلك عليه حتّي يموت و هو علي تلك الحال كان عند اللّه من المنافقين و صار ما جري علي لسانه من الحقّ الذي لم‌يعطه اللّهُ ان يعقد قلبه عليه و لم‌يعطه العمل به حجةً عليه و قول الرضا عليه السلام في قوله تعالي و من يرد ان يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً قال و من يرد ان يضلّه عن جنّته و دار كرامته في الٰاخرة لكفره به و عصيانه له في الدنيا يجعل صدره ضيّقاً حرجاً حتّي يشكّ في كفره و يضطرب من اعتقاده قلبه حتي يصير كانما يصّعّد في السماۤء كذلك يجعل اللّه الرجس علي الذِين لايؤمنون و هذا مٰال الشك لانّه يؤدي الي الكفر و لذا قال اميرالمؤمنين عليه السلام لاترتابوا فتشكّوا و لاتشكّوا فتكفروا ه‍ ، لأن الرّيب مبدأ الشكّ و الشك مبدأ الكفر ،
و من الدنس النفاق و هو اظهار الاسلام او الايمان و ابطان الكفر لا بمعني انهم لايعلمون ما الايمان بل بمعني انّهم يعلمونه و يجحدونه يعلمونه بالفطرة الاولي فطرة اللّه و يجحدونه بالفطرة الثانية فطرة الشيطان التي حدثت من تغييرهم فطرة اللّه بامر الشيطان كما حكي اللّه عنهم و لٰامرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه و ذلك قول اللّه تعالي و جحدوا بها اي بولاية محمد و علي و آلهما صلي اللّه عليهما و آلهما الطاهرين و استيقنتها انفسهم ظلماً لٰال‌محمّدٍ حقهم و علوّاً عليهم اي طلباً للعلوّ عليهم و قال ابوالحسن عليه السلام في المنافقين ليسوا من الكافرين و ليسوا من المؤمنين و ليسوا من المسلمين يظهرون الايمان و يصيرون الي الكفر و التكذيب لعنهم الله تعالي اقول قوله (ع‌) ليسوا من الكافرين يعني ظاهراً لاظهار كلمة الاسلام و الا فهم كفار كما قال (ع‌) و ليسوا من المؤمنين و ليسوا من المسلمين فاذا لم‌يكونوا مؤمنين و لا مسلمين كانوا كافرين و لذا قال و يصيرون الي الكفر بل هم اشد و اسوء حالاً من الكفار و لهذا قدّمهم اللّه تعالي في ذكره ادخالهم النار قال تعالي انّ اللّه جامع المنافقين و الكافرين في جهنم جميعاً و قدّمهم علي المشركين قال تعالي ليُعذِّبَ المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات الاۤية ،
و من الدنس وقف القلب فقد تمر عليه ساعة في ليل او نهار يكون فيها واقفاً و هو سهوه و يكون من الملَالِ اذا كان ذكره للّه تعالي لغرض دنيوي اَوْ اُخْرَوِيّ و قد يكون من اشتغاله بما لايعنيه و امثال ذلك من كل ما ليس للّه فان كانت علّة وقفه لطخَ اهلِ الباطل فمن فضل اللّهِ سبحانه ان ينكت فيه ما شاۤء من الايمان بعد ذلك ان شاۤء و ان كانت علّة وقفِه ذاتيّةً فمِنْ عَدْلِه۪ عزّ و جل ان ينكت فيه ما شاۤء من الكفر بعد ذلك ان شاۤء و في الكافي عن الشحّام قال زاملتُ اباعبداللّه عليه السلام قال فقال لي اقرأ فافتتحتُ سورة من القرءان فقرأتها فرَقّ و بكي ثم قال يا ابااسامة ارعوا قلوبكم بذكر اللّه تعالي و احذروا النكتَ فانه يأتي علي القلب تارات او ساعات الشك من صباح ليس فيه ايمان و لا كفر شبه الخرقة البالية او العظم النّخِر يا ابااسامة اليس رُبَّما تفقّدت قلبك فلاتذكر به خيراً و لا شرّاً و لاتدري اين هو قال قلتُ له بلي انه ليُصيبني و اراه يصيب الناس قال اجل ليس يعري منه احد قال فاذا كان ذلك فاذكروا اللّه تعالي و احذروا النكت فانه اذا اراد بعبدٍ خيراً نكتَ ايماناً و اذا اراد به غير ذلك فنكت غير ذلك قال قلتُ و ما غير ذلك جعلتُ فداۤءك ما هو قال اذا اراد كفراً نكتَ كفراً ه‍ ، اقول النكث بالمثلثة اخيراً نقض العهد و في بعض النسخ بالمثنّاة و علي المشهورة يكون المعني ان اللّه قد اخذ عليكم ان تذكروه في الضمير و العمل و القول و لاتكونوا من الغافلين فاعطيتموه العهد من انفسكم و اشهد عليكم اولياۤءه و ملاۤئكته فلاتنقضوا ما عاهدتم عليه فينكث في قلوبكم بنقضِكم ميثاقكم كفراً و علي النسخة الاخري يكون المعني احذروا ان ينكتَ في قلوبكم بغفلتكم كفراً و قولنا ان كانت علة وقفه من لطخ اهل الباطل فمن فضل اللّه سبحانه ان ينكت فيه ما شاۤء من الايمان الخ ، لانريد به اَنّه ينكت في قلبه حين وقفه و انّما نريد انّه حين النكت تميل ذاته اي وجوده الي الايمان فينكت بذلك ما اقتضاه وجوده بميله من مراتب الايمان و يلزم ميل وجوده الي الايمان ميل ماهيّته الي الكفر فبترجيحه ميله الي الايمان مع تساويهما بالنسبة الي ذاته المركبة منهما نكتَ اللّهُ في قلبِه۪ ما شاۤءَ من الايمان و بالعكس في نكت الكفر فالمراد بهذا الوقف عدم الترجيح لاحد الطرفَيْن و يسمّي سهو القلوب فاذا استقل كلّ ميلٍ الي ما يناسبه و لم‌يستقر عليه بل ينتقل النظر الي ضده مستقلاً و ينتقل عنه الي الٰاخر قبل استقراره و هكذا فهو الشكّ و الفرق بين الشك و بين الوقف عدم الاستقلال هذا ما يجري عليه الصنع من لدن العقل و النفس الامّارة لان ميل الوجود بالعقل و الماهية بالنفس الامّارة و لهذا قال عليه السلام فانه ياتي علي القلب تارات اَوْ ساعات الشكّ و كون القلب في تلك الحال لايذكرُ به خيراً و لا شرّاً وَ لايَدْري اَيْنَ هُوَ لٰايَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ مَيْلِه۪ الي شي‌ءٍ مِن الطرفين لاِنّ ذلك لايمكن في حقِّ المُحْدَثِ لأنّه لايَسْتغني عن المَددِ في بقاۤئه و لايَنتَفِعُ بالمدد حال الوقف المفروض لو اريد به عدم الميل بالكليّة لأنّ هذا المَيْلَ هُوَ القابليّةُ للمَددِ فلا بُدَّ للقلب من اَحد اربعةِ اَحْوَالٍ امّا حال الثبات و المحض علي الايمان او الكفر و امّا حال الاستقلال في الميل بدون استقرَارٍ بان يتوجّه الي طرفٍ بكلّ ميله و لايستقرّ عليه حتي ينتقل الي ضدِّه۪ و لايستقر علي الضّد حتّي ينتقل الي الاوّل و هكذا و هو الشكُّ و امّا حال ميله بصفة ذاتِه لا بها مع صفة فعلِها بل بصفة وجوده الي الخير و بصفة ماهيته الي الشرّ و هذا الميل بدون صفة الفعل الذي هو الانبعاث لايذكر به خيراً و لا شرّاً و لايدري اين هو و هو وقف في الظاهر لا في الحقيقة بل هو ميل ذاتي خالٍ عن الانبعاث الفعلي اي الباعث علي الفعل من الجوارح او من الجنان اي خالٍ عن انبعاثٍ الي اعتقادٍ اَوْ الي شكٍّ او قولٍ او عملٍ و اما حال السجود الحقيقي و هو سجود القلب بين يدي اللّه تعالي تحت العرش و هذه الحال اقوي احوال وقف المخلوق فانّه لايشعر بنفسه و مثاله كحال دخول الشخص في النوم و حال انتباهه من النوم فانه لايشعر بنفسه في الحالين ابداً و هذا اقوي احوال الوقف و هو في الحقيقة اسرع احواله سيراً الي اللّهِ تعالي ،
و من الدنس الطبع علي القلب بسبب المعاصي التي يأتيها العبد بعد العلم و القلب غير منكر لها و هذا قلب المنافق و هو قول الباقر عليه السلام ما من عبد مؤمن الا و في قلبه نكتة بيضاۤء فاذا اذنب ذنباً خرج في تلك النكتة نكتةٌ سوداۤء فان تاب ذهب ذلك السواد و ان تمادَي في الذُّنوب زاد ذلك السواد حتّي يغَطّي ذلك البياض فاذا غطّي البياض لم‌يرجع صاحبه الي خيرٍ ابداً و هو قول اللّه عز و جل كلّا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبُونَ اقول المراد انه كلّما اذنبَ ذنباً جراۤءة علي معصية اللّه او عدم مبالاةٍ بالذنب او بالوعيد عليه خلق اللّه سواداً بذلك الذنب علي الوجه الخاۤصّ بذلك الذنب من القلب و هكذا حتّي لايبقي بياض في ذلك القلب و هو الرين المذكور في الٰاية الشريفة و هو الطبع في قوله تعالي بل طبع اللّه عليها بكفرهم فقوله عليه السلام ما من عبد مؤمن لاينافي قولنا و هذا قلب المنافق لانّ المنافق يسمّي مؤمناً بسبب اقراره بالشهادتين ظاهراً و قوله تعالي يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لاتفعلون كبر مقتاً عند اللّه ان تقولوا ما لاتفعلون نزل في رجلٍ من المنافقين و في الكافي عن جميل بن درّاج عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال انَّ الطَّيّار دَخل عليه فسأله و انا عنده فقال له جعلتُ فداۤءَك ارأيتَ قوله تعالي يا ايّها الّذينَ آمَنُوا في غير مكانٍ فهي مخاطبة المؤمنين ايدخل في هذا المنافقون قال نعم يدخل في هذا المنافقون و الضُّلَّال و كلّ مَن اقرّ بالدعوة الظاهرة اقول هذه الٰاية و سبب نزولها منافقٌ ثالثٌ و هذه الرواية صريحتانِ في المُدّعي فقوله تعالي بل طبع اللّه عليها بكفرهم صريح في ما قلنا من ان اللّه خلق الطبع علي قلوبهم بكفرهم و ذلك لما قلنا مراراً مكرراً انَّ اللّه خالق كُلِّ شي‌ء و كلّ مخلوق فيخلق من مادة و صورة فماۤدة الطبع من نهيه سبحانه و صورته من مخالفة نَهْيِه۪ كما انه عز و جل يخلق نور القلوب و هداها من مادة امره و نهيه و الصورة من موافقة امره و نهيه فقال بل طبع اللّه عليها بكفرهم الذي هو مخالفة امره و نهيه فافهم ،
و من الدنس نكس القلب و ذلك ان اللّه سبحانه لمّا خلق العقل الكلّي و هو اول خلق من الروحانيين يعني الاربعة عن يمين العرش خلق ضدّه و هو الجهل الكلي من البحر الاجاج ظلمانياً فكان في اسفل السافلين تحتَ الثري لانّه في مقابلة اَعْلَي عليّين مكانَ العقل و جعل في العقل رؤساً بعدد الخلاۤئق مَن وُلِد وَ مَنْ لم‌يولد الي يوم القيمة و لكل رأسٍ وجهٌ مكتوب عليه اسم صاحبه و كان في الجهل الذي هو ضده رؤسٌ كذلك وَ لمَّا خلقَ الانسانَ جامعاً خلقه من العقل و الجهل فكان الانسان مجمع العالمين فكان فيه لجامعيّته مِرْءٰاتانِ احدهما عن يمين قلبه وجهها الي السماۤء مقابلة للرأس المختص بذلك الشخص من العقل و علي ذلك الوجه غشاوة تكشف قليلاً قليلاً و كلّما انكشف بعض من ذلك الوجه اشرق نوره علي تلك المرءاة الي اَن يبلغ فينكشف كله علي مرءاة قلبه و يعرف الجيّد و الردي و يكلّف و هذا النور المشرق هو صورة ذلك الوجه و شبَحُهُ و هو عقل ذلك الشخص و الثانية عن شمال قلبه وجهها منكوس عكس الاولي الي جهة الثري مقابلة للرأس المختص بذلك الشخص من الجهل الاول الكلّي و علي وجه هذا الرأس غشاوة علي نحو ما في رأس العقل الكلّي و الصورة المنطبعة منه في مرءاة الشمال هي قلب الكافر المنكوس و هو في الحقيقة ميت لأنّه لم‌يقبل الحيوة من مولاه و هو نور الاجابة فان قبل نور الاجابة قلبَتْه ملاۤئكة الرحمة المكتوبة و جعلت وجهه الي السماۤء فذهبَتْ عنه صورة الجهل و انطبعت فيه صورة رأس العقل و اليه الاشارة بقوله تعالي او من كان ميتاً فاحييناهُ و جعلنا له نوراً يمشي به في النّاس فحياته بالعمل فيكون العمل روحاً لتلك الصورة فأن لم‌يكن فهو ميت و هذا القلب المنكوس قلب المشرِك لانه لم‌يقبل نور الاجابة فبقي علي اصل خلقته لانكاره حين اجاب العقل و انّما كان في الاصل منكوساً لأنّ العقل ناظر الي الجهة العليا يتَلقّي المدد من ربّه و الجهل ضدّه فهو ناظر الي نفسه و الي مكانه تحت الثري ناكِسوا رؤسهم عِنْدَ رَبِّهم لأنه انكر فانكبّ و العقل سبق فاصاب فضرب الله مثلهما فقال افمن يمشي مُكِبّاً علي وجهه اهدي ام من يمشي سوياً علي صراط مستقيم ،
و من الدنس قلب فيه نفاق و ايمان لان فيه نكتة سوداۤء فالخير و الشرّ فيه يعتلجان فايّهما كانت منه غلب عليه يعني حين مال الي ايّهما غلب فان ادركه اجله علي نفاقه هلك و ان ادركه علي ايمانِه نجَي لانّ الاجل يأتي بما الشي‌ء عليه كما قال تعالي و جاۤءَتْ سَكْرَةُ الموتِ بالحقّ ذلك ماكنتَ منه تحيد ، و من هؤلاء معارون و هم مَنْ كانَتْ طينتهم خبيثة و اصَابهم لطخ من المؤمنين و هؤلاۤء ينزع منهم اللَّطْخ يوماً ما فيرجعون الي اصل طينتهم روي يونس عن بعض اصحابه عن ابي‌الحسن عليه السلام قال انّ اللّه تعالي خلق النبيين علي النبوّة فلايكونون الّا انبياۤء و خلق المؤمنين علي الايمان فلايكونون الّا مؤمنين و اعار اقواماً اِيْمٰاناً فان شاۤء تمّمه لهم و ان شاۤءَ سَلبَهُمْ اِيَّاهُ قال و فيهم جَرَتْ فمستقرّ و مستودع و قال لي انّ فلاناً كان مستودعاً ايمانه فلمّا كذبَ علينا سُلِب ايمانه ذلك اقول اراد عليه السلام بقوله فلاناً محمد بن مقلاص المكني بابي‌الخطّاب الغالي لعنه الصادق عليه السلام و من كانت طينته طيّبة من هؤلاۤء و انّما اصابه لطخ من الكافرين او المنافقين فذلك الذي في مشيّة اللّهِ ان يتمّم له ايمانه و قولي في المقامين اصابَهُ لطخ ، مبنيٌّ علي المتعارف لا علي الحقيقة لانّ الحَقيقةَ في هذه المَسْئَلَة خَفِيَّةٌ و لكنّي اُش۪يرُ الٰي وَجْهِ المسئلة لاهلها و هو انَّ هؤلاۤء خلقهم اللّه بين المؤمنين و الكافرين و هو ما رواه محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام قال سمعته يَقُول اِنَّ اللّهَ تعالي خلق خلقاً للايمان لا زوالَ لَهُ وَ خَلَقَ خلقاً للكفر لا زوال له و خلق خَلقاً بين ذلك و استودع بعضهم الايمانَ فاِنْ شاۤء ان يتمه لهم اتمّه و ان شاۤء ان يسلبهم ايّاه سلبهم و كان فلانٌ منهم مُعَاراً اقول قوله عليه السلام و خلق خلقاً بين ذلك اي بين الايمان الثابت و الكفر الثّابت و ليس ذلك لانهم مركّبون من الاثنين بل المراد انهم موقوفون عن الحكم عليهم و لهم حتي يقع منهم المقتضي من ايمان او كفرٍ فيلحقون بحكم اهل ذلك المقتضي و الذي يسلبه عنهم الصلوح للشقّ الٰاخر في الحكمة لا في الامكان لانّه لايسلب عنه ابداً و معني قوله اتمّه لهم انه اذا كان منهم المقتضي لاحدِ الشّقين لايكون مستقلاً لايجاد متعلقه و سلب خلافه بل ذلك شي‌ء للّه يقف علي ارادته فان اراد اتمّه و ان لم‌يرد لم‌يتمّه فالمستعار بهذا المعني و قد يعبّر عنه بالقلب الّذي فيه نفاق و فيه ايمان ،
و من الدنس حديث النفس و الوسوسة و ذلك لمّا كانت النفس في ذاتها مفتقرة لايمكنها ان تسكن عن طلب المدد اِمّا بجهة وجودِها من الخيرات و الامور المطابقة للواقع و ممّا ينبغي كما ينبغي و امّا بجهة ماهيّتها من الشرور و الامور المجتثّة و الموهومة و البَاطِلة التي ليس لها قرار و لم‌تتعلّق بما امرَ اللّهُ من طاعته و ذكره و معرفة صفاته وجب ان تدور علي شهواتِها من المعاصي في بعض احوالها و في حال عدم اشغالها تدور علي نفسِها و علي عوالمِها من جهة الماهيّة و دعاواها فتعرض حدوث القديم تعالي و قدم الحادث و فسق الانبياۤء و انكار الضروريات و انواع السّفسطة و امثال ذلك و اصل ذلك و منشأهُ الغفلة عن ذكر اللّه و عدم الاشتغال بالطاعات و التكاسل عنها و طلب راحة النّفس و التَّوْسِعة عليها و ربّما يكثر علي النفس حتي يكون عادةً لها بحيث يحصل لها في حالة الطاعة و ربّما تجري علي المؤمن فيتألّم منها و يتوهّم انّها تضر باعتقاده و علاجُها الاعراض عنها اذا عرضت و الالتفات الي ذكر اللّهِ ففي الكافي عن جميل بن درّاج عن ابي‌عبداللّهِ عليه السلام قال قلتُ له انّه يقع في قلبي امر عظيم فقال قل لا اله الّا اللّهُ قال جميل فكلّما وقع في قلبي شي‌ء قلتُ لا اله الّا اللّه فذهب عني ، اقول و من العلاج العلم بانّها لاتضرّ فانّه اذا علم ذلك لم‌يخف منها و اذا لم‌يخف منها لم‌يشتغل بالاحتراز عنها و يقل ذكرها فتذهب ففيه عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال جاۤء رجل الي النبي صلي الله عليه و آله فقال يا رسول اللّه هلكتُ فقال له هل اتاك الخبيثُ فقال لك مَن خلقك فقلتُ اللّه تعالي فقال لك اللّه مَن خلقَهُ فقال له اي و الذي بعثك بالحقّ لكان كذا فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ذلِكَ واللّهِ محض الايمان قال ابن‌ابي‌عمير فحدّثتُ بذلك عبدالرحمن بن الحجاج فقال حدّثني ابوعبداللّه عليه السلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انما عني بقوله هذا واللّه محض الايمان خوفَهُ ان يكون قد هلك حيثُ عرض ذلك في قلبه اقول و اذا علم انه لايضرّه و استعمل له الاعراض عنه الي الذكر مثل لا اله الّا اللّه كما مر و مثل ما في رواية ابن‌مهزيار عن الجواد عليه السلام الي ان قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انّ ذلك لصريح الايمان فاذا وجدتموه فقولوا آمنا بالله و رسوله و لا حول و لا قوّة الا باللّهِ و المراد انه اذا وجد شيئا من ذلك ذكر الله و اعرض فانه يذهب لأنّ الخبيث انما يريد ان يطاع و هذه هي النجوي من الشيطان ليحزن الّذين امنوا و ليس بضاۤرهم شيئاً الّا باللّه لان كيده ضعيف و انما مثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث ،
وَ مِنَ الدَّنَس ايضاً ما يعرض في العبادات و الاقوال و الاحوال من الغفلات و المناجاةِ و الدَّعاوي و غير ذلك و قد تقدّمت الاشارة الي بعضها اجمالاً لانّ ذكرها مفصّلاً لايكاد يسعه كتاب و الحاصل انّ كلّ ما اشرنا اليه و ما لم‌نشر اليه من اشباهه من النّقاۤئص التي تعرض للعقول و الارواح و النفوس و الطباۤئع بل و المواۤدّ و الصور فانّ اللّه سبحانه من عظيم فضله عليهم قد طهّرهم من جميع هذه الادناس و غيرها بحقيقة ما هم اهله من النور و الاخلاص و الاقبال علي اللّهِ في كلّ حالٍ حتي انّه ورد عنهم عليهم السلام كما تقدم في قوله تعالي وَ من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون اَنَّهُم هم الّذين عنده و انّهم هم الذين لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النّهار لايفترون و لهذا قال و سراجاً منيراً و سِرَاجاً وَهّاجاً اي ليس فيه شي‌ء من الظلمة و قال تعالي و انّكَ لعَلَٰي خلقٍ عظيم فاختصّهم بما هم اهله كما قال تعالي اللّهُ اعلم حيث يجعل رسالته .
و قوله عليه السلام : و اذهب عنكم الرجس فطهّركم تطهيراً ،
الرِجس في قوله تعالي كذلك يجعل اللّه الرِّجس علي الذين لايعقلون هو اللعنة في الدنيا و العذاب في الٰاخرة و في قوله فزادتهم رجساً الي رجسهم اي نَتْناً الي نتنِهِمْ و المراد من النّتن الكفر اي كفراً الي كفرهم و الرِّجز و الرجس واحد و هو العذاب و الرجس هنا هو ما في الٰاية انّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس لأنه اقتباس من الٰاية و استعير الرجس للذنوب كما استعير الطهر للتقوي لان المقترف للذنوب و القباۤئح يتلوّث قلبه و روحه و نفسه و حواۤسه و جوارحه و كل جسده و عِرْضه بالذّنوب و القباۤئح كما يتلوّث بَدَنُهُ و ثيابُهُ بالاَرْجاس الَّت۪ي هي النجاسات و المجتنب لها تبقي تلك منه نقيّةً طاهرةً مصونةً من الاكدارِ كالثوب الطَّاهر النّقي مِنَ النّجاسات و الاَوْسَاخ و الطهارة تقدّم مَعْناهَا و هذه الفقرة اقتباس من الٰاية و المراد منهما واحد و هو انّ اللّه سبحانه قد اذهب عنهم الرجس الذي هو النجاسة الظاهرة و الباطنة في كل رتبةٍ من مراتب وجوداتهم و في كل حالٍ من احوال تكليفاتهم من جميع النجاسات و من الكباۤئر و الصغاۤئر و المكروهات الظاهرة و الباطنة و منها ترك الاولي و كل ذلك لحقيقةِ ما هم اهْلهُ ، فاِنْ قلتَ انهم عليهم السلام كثيراً ما يفعلون المكروهات و يتركون الاَوْلَي فكيف يكونون مطهّرين من كل دنسٍ لأن المكروهات و ترك الاَوْلَي معاصٍ في حق مثلهم و القرءان مشحون بمثل هذا كما يصدر من الانبياۤء المعصومين عليهم السلام و يحكم اللّه عليهم بالمعصية بذلك و قد وَرد حسنات الابرار سيّئات المقرّبين قلتُ ما ورد انّهم يفعلون ذلك فانّه واجب عليهم لانّهم المعلّمون للبشر و يحتاج كمال الاداۤء عن اللّه سبحانه ان يفعلوا ذلك لبيان الجواز فقد يكون القول غير كافٍ و مَن كان عارفاً بمقامهم عند اللّه و بما هم عليه في نفس الامر يعرف اَنّ اعمالهم و اقوالهم منحصرة في واجب و حرام و الواجب منه بالاصالة في التكوين و واجب بالطبع المستقيم للتكميل كساۤئر المندوبات اذا لم‌يقتض الاداۤء تركها لبيان الجواز و الحرام منه حرام بالاصالة لنفي المانع في التكوين و حرام بالطبع السليم للتكميل كساۤئر المكروهاتِ اذا لم‌يقتض الاداۤء فعلها لبيان الجواز ثم ما اقتضاهُ الاداۤء في الصورتين منه ما لايكون الاداۤء الّا به فيلحق بالواجب او الحرام الاصليّين في العمل او القول مع وجوب بيان جواز خلافه ايضاً في العمل او القول و منه ما يكون اكمل في الاداۤء و قد لايتوقّف عليه و هذا يلحق بالواجب او الحرام في التكميل او اللطف بالمكلّفين فيقتضي الطبع المستقيم ايقاعه لطفاً بالرعيّة مع وجوب بيان جواز خلافه في القول او العمل و هذا كما يجري في الشرعيات يجري في الوجوديات و لكن اكثر النّاس لايعلمون فلايعملون الّا الراجح عندهم عليهم السلام و لايتركون الّا المرجوح عندهم عليهم السّلام لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و انما قلنا انه واجب عليهم او حرام علي ما اشرنا اليه من التفصيل لانّهم عليهم السلام ما ترك اللّه سبحانه حين اشهدهم خلق ما خلق و انهي اليهم علمه و جعلهم اولياۤء ذلك شيئاً الّا اعلمهم علمه و لايتجاوز العقل الكامل راجحاً عرف رجحانه الّا عمله و لا مرجوحاً عرف راجِحيّتهُ الّا تركه و انّما اكّد الفعل في الٰاية و في هذه الفقرة لرفع ما عسي ان يتوهّم من انّ طهَّر الّذي هو الفعل قد يكون رافعاً للنجاسة الظاهرة الخبثيّة دون الحدثيّة و قد يزيل صورة الخبثيّة دون حقيقتها اوْ حُكمها دون لونها او جرمها و لونها دُونَ رَاۤئِحتها و كذلك الحدثيّة قد تَكُونُ الطهارة مبيحة غير رافعة للحَدَثِ و قد تكون رافعة للحدث غير كاملةٍ كما لو توَضّأ و لم‌يقرأ الادعية المخصوصة فقد ورد انه لايطهر منه الّا الاعضاۤء المغسولة و قد تكون كاملة و لم‌تكن مزيلةً لبعض الاوساخ الغير المانعة فاذا قال طهّر تطهيراً و اكّده بالمصدر افاد حصول التّطهير علي اكمل وجهٍ و اَصَحِّه۪ في كل ما ينبغي فلمّا قال انّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهّركم تطهيراً بتقديم الارادة الدّالة علي كمال الاعتناۤء و لم‌يكتف بمعناها الذي يدل عليه يذهب و يطهّر دلّ ذلك علي التّطهير من كلّ ما يحتمل و يفرض من حدث او خبث او دنس او وسخ او نقص او ما لاينبغي او غير كمال ما ينبغي ظاهراً و باطناً كبيراً و صغيراً مما يكون عن القصد او النسيان او الغفلة او السهو او التقصير او القصور او عدم الرضا او الجهل او التردد او الالتفات او الشكّ او الانكار و في هذه الٰاية غاية الغاية في الطهارة و التطهير و كمال النهاية و قال عليه السلام ذلك عن قول اللّه و هو سبحانه طهرهم بعلمه و كفي به خبيراً بصيراً و عن مولينا الباقر عليه السلام نزلت هذه الٰاية في رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و علي بن ابي‌طالب و فاطمة و الحسن و الحسين صلواتُ اللّه و سلامُه عليهم و ذلك في بيت ام‌سلمة زوج النبي صلي اللّه عليه و آله فدعا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اميرَالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم ثم البسهم كساۤء له خيبرياً و دخل معهم فيه ثم قال اللهم هؤلاۤء اهل بيتي الّذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللهم اذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً فقالت ام‌سلمة و انا معهم يا رسول اللّه قال ابشري يا ام‌سلمة فانّك الي خير و عنه عليه السلام عن النبي صلي اللّه عليه و آله الي ان قال فقالت ام‌سلمة الستُ من اهلك فقال انك الي خير و لكن هؤلاۤء اهلي و ثَقَلي و قال في آخر الحديث الرجس هو الشّكّ واللّه لانشك في ربّنا ابداً و في آخر حديث العيّاشي و يطهّركم تطهيراً من ميلاد الجاهليّة و في العلل عن الصادق عليه السلام نزلت هذه الٰاية في النبي صلي اللّه عليه و آله و اميرالمؤمنين و الحسن و الحسين و فاطمة فلمّا قبض اللّه عز و جل نبيه صلي اللّه عليه و آله كان اميرالمؤمنين ثم الحسن ثم الحسين ثم وقع تأويل هذه الٰاية و اولوا الارحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله و كان علي بن الحسين ثم جرت في الائمة من ولده الاوصياۤء فطاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه ، اقول قد ذكر عليه السلام في هذه الفقرة جميع الائمة عليهم السلام كما جري عليه تأويل هذه الٰاية بنحو ما ذكر جده الصادق عليه السلام في هذا الحديث و الاشارة الي بيان ارادة العموم من هذه الٰاية هو انّه لما كان فعل اللّه سبحانه جارياً علي مقتضي القابليّة في كلّ شي‌ءٍ كان التطهير المشار اليه بكمال المبالغة و التطهير و التنزيه و التزكية علي غاية ما يمكن اَنْ ينبغي صادِراً من فَوّارة القَدرِ لما يحقّ له و يقتضيه من القابلية فكان ذلك رسول اللّهِ صلي اللّهُ عليه و آله و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و لم‌يكن غيرهم ممّن يصلح ان يكون قابلاً لذلك التطهير الخاۤصّ فلمّا وجد علي بن الحسين و كان صالحاً انبسط عليه فلما وجد الباقر محمد بن علي و كان صالحاً انبسط عليه و هكذا الي الحجة المنتظر عَجّل اللّه فرجَهُ و سَهّل مخرجَهُ و انتهي ذلك التّطهير بانتهاۤء ما يصلح ان يكون قابلاً من الامكان اذ لايحتمل الامكان ازيد من هذا العَدَدِ الّا بقلب الحقاۤئق و تغيير الذوات و لو فُرِضَ قلبُ ما نزَلَ الي هذا المقام لكان هو ذلك المعدود بذلك العدد فلايكون الّا ما كان و انّما قلنا هنا في حقهم عليهم السلام فلايكون الّا ما كان مع انّا نقول انّ كل ما في الامكان ممّا سواهم يصح ان يكونَ معَهُ غيره لخلوّ بعض من الامكانات عمّا سواهم لانّهم عليهم السلام مَلَئُوا اَرْكانَ كلّ شي‌ء فعلي كلّ فرضٍ لايكون الّا ما كان فافهم و ما يوجد في الاوهام الباطلة فلكَ فيه لحاظانِ احدهما هو في نفسه و قد ملئُوا اركانه بنسبة ما يستحق من الوجود و الشيئِيّة و ثانيهما ما يريده المبطل منه و ذلك ليس موجوداً و ليس بشي‌ء مثاله كالسراب فانّه في نفسه موجود و شي‌ء و من جهةِ ما يريد منه الظمأن من الرِّيِّ و انه ماۤءٌ ليس موجوداً و ليس بشي‌ء و هو قوله تعالي و الذين كفروا اعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسَبُهُ الظمأٰنُ ماۤءً حتي اذا جاۤءه لم‌يجده شيئاً و وجد اللّه عنده فوفّاه حسابه و اللّهُ سريع الحساب .
قال عليه السلام : فعظمتم جلاله و اكبرتم شأنه ،
قال الشارح (ره‌) فعظمتم جلاله بالعقد و القول و العمل و لم‌يقع منهم ما يدل علي عدمه من ارتكاب مباح و اكبرتم شأنه كالسابق او افعالُهُ .
اقول العظمة هي الكبرياۤء المعنوية و استعظم تكبّر و اَعْظَمَهُ و عظّمه تعظيماً وقّرَهُ توقيراً اي خَشَع لعظمته و العظمة تظهر بصفةٍ هي كنه الكبرياۤء فيستحقر مَنْ يشاهد نور تلك الصفة نفسه و كل شي‌ء سوي اللّهِ و منه ما روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله ما معناه انه سمع رجلاً يقول ما شاۤءَ اللّهُ و شاۤء محمد ما شاۤء اللّه و شاۤء علي فقال صلي الله عليه و آله لاتقل هكذا و لكن قل ما شاۤء اللّه ثم شاۤء محمد ما شاۤءَ اللّه ثمّ شاۤء علي انّ مشيّة محمّدٍ في مشيّة اللّه كمثل الذبابة تطير في هذا العالم و انّ مشيّة عليّ في مشيّة اللّه كمثل البَعُوضة تطير في هذا العالم اقول اذا اردتَ ان تتخيّل هذه الصفة من اثر العظمة فانا امثّل لك بما تقرّب به الي فهمك فاقول انّ نسبة ظاهرك الي ظاهر العالم كنسبة باطنك و ما تتخيّل به الي باطن العالم الذي هو اثر تلك العظمة و انت اذا نسبت نفسك الي جبلٍ من الجبال التي علي وجه الارض رأيت جسْمَكَ احقر من ان يوصف او ينسب الي الجبل فانك اذا رأيتَ شخصاً تحت الجبل و انت بعيد عنه رأيته كالذرّة عند الجبل و اعظم الجبال اذا نسبته الي الارض وجدته بهذه النسبة و الارض جميعها اذا نسبتها الي هودِ بن آيسة و هو النجم الصغير عند الوسطي من الثلاث النجوم المتأخرة من بنات‌نعش و هو المعروف بالسّها كان بقدر الارض خمس‌عشرة مرّة علي ما ذكره بعض علماۤء الهيئة مع انّه من صغار النجوم لايراه البصر الضعيف لصغره و هو اذا نسبته الي جميع العالم رأيته شيئاً في غاية الصغر و الحقارة فاذا نسبتَ جسمك الي جميع العالم ظهر لك ما يكادُ يتحقق من حقارة جسمك و صغرك و نسبة غيبك الي غيب جميع العالم كنسبة شهادَتِك الي شهادته في الصِّغر و الضّعف و الحقارة و جميع العالم اَثر من صفة تلك العَظمة و ذلكَ لانّ العظمة التي هي الذّات المقدّسة لاتقدّر بقدرٍ و لاتتوهّم بالاوهام و لايعرف شي‌ء كيفَ هو الّا بما دلَّ عليه و قد دلّ علي ذلك بما اظهر من آثار فعله و هذه العظمةُ المشارُ اليها المبحوث عن آثارها و صفاتِها هي عَظَمةُ فعلِه و مشيّتهِ و هي الدّاۤلّة علي مَا شاۤءَ من صفاتِ عَظمتِه۪ و تظهر عظمةُ فعلِه “-٢” في آثارِه “٢-” و جميع العالم آثاره “٢-” فاذا عرفتَ انّ غيب جميع العوالم آثار عظمة فعله و عرفت حقارة غيبك في غيوب جميع العوالم ظهر لك ما لاتقدر علي وَصْفِ شي‌ء منه من العظمة و قد جعلَ اللّه سبحانه محمّداً و آلَهُ صلي اللّهُ عليه و آله خزاۤئن هذه الغُيوب فتعظيمُهمْ لِجَلالِ اللّهِ لايساويه تعظيم شي‌ء من خلقِ اللّه تعالي لانّهم محاۤلّ مشيته و الكلمات التي ملأت اركانَ كلِّ شي‌ءٍ بل بالأقتداۤء بهم و الاخذِ عن تعليمهم يعظّم اللّه تعالي و يقبل ممّن عظّمه تعظيمه اذا كان عنهم و بسبيلِ تعظيمهم و تظهر العَظَمَةُ بصِفةِ القدسِ فلاتظهرُ علي قلبٍ و فؤادٍ الّا و يرفع شأنَ اللّهِ و مقامَهُ عن كلّ ما في الامكان من الذّوات و الهيئات و الاعمال من التسبيح و التقديس فلو قال قاۤئل لا اله الّا اللّه و الحمد للّه مثلاً فهو عند مَن ظهرت عليه هذه العظمة بالاعتبار الثاني منزّه عن ذلك التهليل و التحميد فعلي الاعتبار الاوّل يأوّل قوله تعالي سبحن اللّه عما يصفون الّا عبادَ اللّه المخلصين و علي الاعتبار الثاني يأوّل قوله تعالي سبحن ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون يعني بدون استثناۤء كما وقع في الٰاية الاولي و امّا ما مجَّدَهُ بِه۪ المرسلون و عباده المخلصون بما يليق بجلاله فانّما هو مقبول لعدم قدرتهم علي ازيد منه فهو ينسب اليه تعالي بالنسبة الي حالهم و قدرتهم و امّا بالنسبة الي مقامِه تعالي فهو منزّه عنه و المرسلون ممدوحون بما فعلوا ممّا هو منزّه عنه فابان عن مدحهم علي ذلك بقوله تعالي و سلام علي المرسلين بعد ما نزّه نفسه عن وصفهم و ما اثنوا به عليه تعالي ثم حمد نفسه بنفسه بعظيم الثناۤء بانه لايليق به وصف واصفٍ الا ما وصف به نفسَهُ بنفسه لا بغيره فقال و الحمد للّه ربّ العالمين ، و الجلال العظمة او بِمَعْنَاهَا علَي الاعتبارِ الثّاني فانّه في قوله تعالي تباركَ اسْمُ ربِّكَ ذي الجلال و الاكرام كَذٰلكَ بقرينة الاكرام فاِنَّهُ بعطف الاكرام عليه المقتضي للمغايرَة يدل علي ارادَةِ مَعْنَي العِزَّةِ منه و ما وَرَد في تفسير قال اللّهُ عزّ و جلّ اي استولي علي ما دقّ و جلّ بمعني اَنّ عزّ بمعني دَقَّ و اَنَّ جَلّ بمعني عَظُمَ فهو بالاعتبار الاوّل للعظمة و اذا قلتَ يجلّ عن اَنْ تحيط به الْاَوْهَام فهو بمعني يعظم علي الاعتبار الثاني ثم انّ الجلال قد اختلف فيه في اصطلاح اهل العرفان هل يراد منه نور الجمال و الجمال نور الذات ام الجمال نور الجلال و الجلال نور الذات و اعْلَي الحجب مع ظهور آثار القهر عنه في الاعتبارين و الاولي ان نقول اذا لوحظ فيه معني العزّة و القدس كان اطلاقه علي نور الذاتِ اولي و الجمال ضياۤء الجلال و اِنْ لوحظ فيه معني العظمة بالْأِعتبار الاول جاز فيه اَنْ يُقَال انه نور الجمال و اَنّ الجَمال نور الجلالِ و لايُنَاف۪يه ظهوره بالقهر لانّ لجماله جلال ( جلالا ظ ) و لجلاله جَمَالٌ و الفاۤء في قوله عليه السلام فعظّمتم للتَّفْريع لانّ تعظيمهم لجلاله و ما بعده متفرّع علي ما تقدّم من قوله اصطفيكم بعلمه و ارتضاكم لغيبه الي آخره فيكون تعظيمهم لجلالِه۪ بمشيته من الجهة الّتي ذكرها عليه السلام من الاصطفاۤء و الارتضاۤء و الاختيار و الاجتباۤء و الاعزاز و التخصيص و الانتجاب و التأييْد و الرّضا و اذا كان كذلك كان علي وفق محبّته كما يشاۤء و يريد فليس بعد ثَناۤئه علي نفسه بنفسه ثناۤء اخص و لا اعمّ و لا اكمل و لا اشمل مِن ثناۤئهم عليْه لانّه بكل لسانٍ و بكل لغةٍ في كلّ رتبةٍ فعظّموا جلاله بانفسهم حيث لم‌يَخْلُقِ اللّهُ غَيْرَهُم فلمّا خَلَقَ خَلْقَهُ علّمُوهُمْ الحمد و الثّناۤء فعظموا جَلالَهُ بما خَلَقَ و فيما خلق حتّي عُبِدَ اللّه في ارضه و سماۤئه بدعاۤئهم الي اللّه و بهداهم الي رضَاهُ فكان ذلك التعظيم لجلاله سبحانه بما عقدت عليه الضماۤئر و انطوت عليه السراۤئر و بما نطقت به الالسن و عبدت به الحواۤسّ و الجوارح و الاركان بحركاتها و سكنَاتِها و نُموِّها و ذُبولها و تفرّقها و افتراقها و اجتماعها و اعمالها و اقوالها و احوالها علي نحو ما اشرنا اليه سابقاً و لهم عليهم السلام علي ذلك كُلِّه۪ الولايةُ و القيّوميّة ان كلّ مَن في السموات و الارض الّا آتي الرحمن عبداً لقد احصيٰهم و عدّهم عداً و كلهم آتيه يوم القيمة فرداً و حيث كانوا اوّل الخير و آخره و معدنه و مأويٰهُ و منتهاه كانوا هم الدعاة الي اللّه و هم دعوة الحق و سبّاق الخلق و الهداة الي الحق و الخلق بهم يهتدون يومئذ يتّبعون الداعيَ لا عوج له و خشعت الاصوات للرحمن فلاتسمع الّا همساً اللهمّ صل علي محمد و ال‌محمد .
قوله عليه السلام : و اكبرتم شأنَهُ ،
اكبر بمعني اعظم اي جعله في نفسه عظيماً و هذه العظمة علي الاعتبارين السابقَيْنِ و اكبر بمعني اعظم في اعتبارَيْه و الشأن هو الأمرُ و الحال و المقام و معني انّهم اكبروا امرَهُ اي اعظموا ما يحدثه من افاعيله و احكام مقاديره و حكيم تدابيره في انفسهم بمعني انهم اذا تدبّروا في مصنوعاته و ما هي من لطيف الحكمة مع اشتمالها علي الٰايات الدّاۤلّات علي تقدّس ذاته و توحّد صفاته و اسماۤئه و تجليات اراداته مع عجيب من التعريف و بديع من التوصيف بغير تكييف و لا تحديد علي اكمل ما يمكن مع البيان في الاستدلال بما يقصر عنه المقال وجدوا فيه من الحكم و الاسرار ما لاتدركه الابصارُ و لاتقدّره غوامض الافكار و وجدوا صنعاً متقناً عن علم محكم و امر مبرم يشهد للرَّبّ بالوحدانيّة و التفرّد بالصنع الاكمل الاَتمِّ و روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله في قوله تعالي كلّ يوم هو في شأن و قد قيل و ما ذلك الشأن فقال من شأنه ان يغفر ذنباً و يفرّج كرباً و يرفع قوماً و يَضَعُ آخَر۪ين و روي القمّي قال يحيي و يميت و يرزق و يزيد و ينقص و روي ايضاً انّ النبي صلّي اللّه عليه و آله كان اذا قرأ قوله تعالي و ماتكون في شأن و ماتتلو منه من قرءان و لاتعملون من عمل الّا كنا عليكم شهوداً اذ تفيضون فيه الاۤية يبكي بكاۤءً شديداً و ذلك من عظم ما يري من شأن اللّهِ الذي يحدثه و امّا الحال فان اللّه سبحانه لايُعْلم كيف هو في سر و لا علانية الّا بما دَلَّ عليه من آثار اَفْعاله فلما رأوا عليهم السلام الامثال التي ضربَها للخلقِ و عَقَلُوها وجدوا فيها آياتِ قدرةٍ لاتتناهَي و علم لايُغايَا و كرمٍ لايُحَدّ و جودٍ لاينفد و فضلٍ سرمد و فيضٍ و مددٍ و غناۤء مطلق و بقاۤءٍ محقّقٍ فمانظروا في آيةِ حالٍ من احوال صفاته الّا و وجدوا ما يهيم فيه الافكار و تنحسر دونه الابصار حتّي قال سيّدهم الافخر و نبيّهم المطهّر محمد صلي اللّه عليه و آله اللّهمّ زدني فيك تحيّراً و ذلك لما ظهر له ممّا لايَكادُ يَهْتَد۪ي اليْه سبيلاً الّا بتعليم اللّه سبحانه و هُوَ قولُه تعالي و علّمَكَ ما لم‌تكن تعلم و كان فَضْلُ اللّهِ عليك عظيماً لانّه كلّما علّمه ما تَحَيّر فيه تجلّي له بما يُحيّرهُ فاذا تحيّر فيه تفضّل عليه بعظيمٍ من عطاۤئِه۪ و علّمه ايّاه و هكذا و ليس لهذا السّير نهاية و لا لهذا التحيّر غاية و ليسَ ذلك الّا لعظيمِ حال الرّبوبيّة المتقدّس عمن دخل في الامكان فيُكْبِرُونَ هذا الشان الّذي هو حال العظمة و السلطان علي الوجهين السابقين و امّا المقام فانهم عليهم السلام لمّا اشهدهم خلق انفسهم و وجدوا اَلّا حقيقة لهم و لا لاحدٍ مما سوي اللّه عز و جل الا ما تعرّف لهم به من وصفه لهم فحقيقَتُهُم ذلك الوصفُ لا غير و كان سبحانه و لا وَصفَ ثم اقامَ بفعله الوصفَ بنفسِه۪ فالوصف انّما هو شي‌ء بما شَيَّئَهُ سبحانه و تعالي علموا انّهم هم و ساۤئر الخلق لايملكون لانفسهم ضراً و لا نفعاً و لايملكون موتاً و لا حيوةً و لا نشوراً و كما قال عليه السلام في الدعاۤء ليس لنا من الامر الّا ما قضيتَ و لا من الخير الّا ما اعطيتَ و انه يجب عليهم منه و يجب منهم له جلّ و علا انّهم لايأتون الّا ما لَهُ منهم و لايطلبون الّا ما لهم منه كما انهم ليسوا الّا عنه و به و منه و له و اليه و خافوا مقامه و اماتوا انفسهم في رضاه و محوا اعتبار انّيّتهم في امره و نهيه فاكبروا مقامه علي الاعتبارين السابقين و ذلك لانّ اللّه سبحانه عرّفهم انفسهم في كتابَيْه التدويني و التكويني فانزل عليهم في كتابه التدويني و تحسبهم ايقاظاً اي ذوي شَيئِيّةٍ و تحقُّق و شعورٍ بما يُفْعَلُ بهم و تريهم ينظرون اليك و هم لايبصرون و هم رقودٌ اي لا شي‌ء الّا تَشْ۪ييئُنا لهم القاۤئم بفعلِنا قيام صُدور و نقلّبهم ذات اليمين و ذات الشمال اي نيسّرهم لما خلقناهم له من طاعةٍ و معصيةٍ و خيرٍ و شرّ و سَعادة و شقاوة و بقاۤء و فناۤء و غنيً و فقرٍ و صحة و سقم و علم و جهل و سرورٍ و حزنٍ و حركةٍ و سكون و نطق و سكوتٍ و رضيً و غضبٍ و حيوة و موتٍ و جنّةٍ و نارٍ و كلبهم باسطٌ ذراعَيْه بالوصيد الكلب الغضب المكالب علي دعوي الانّيّة باسط ذراع وجوده و ذراع ماهيّته اي يدي مادته و صورته بفِناۤء الكهفِ المأَوّلِ بالقلبِ او بباب فوّارة النور و في تفسير الكاشي و كلبهم باسط ذراعيه اي ناشرة قوّتيها الغضبيّة و الشهوانيّة بالوصيد اي بفناۤء البدن و لم‌يقل و كلبهم هاجع لانّها لم‌ترقد بل بسطت القوّتين في فناۤءِ البدن ملازمة له لاتبرح عنه و الذراع الايمن هو الغضب لانه اقوي و اشرف و اقبل لدَواعي القلب في تأديته و الايسر هو الشهوة لضعفِها و خسّتِها ، اقول تأويله علي خلاف تأويلنا لتقريره اليقظة في الرُّقُود و نحن نقول انّما هو بالظنّ و في بادي الرأي لو اطّلعتَ عليهم لولَّيْتَ منهم فراراً اي لو اشرفتَ ببصيرة فؤادك علي حقيقتهم لوجدتَ انك اشرفت علي غير شي‌ء و علي غير ثباتٍ و لا ثابتٍ و لَوَلّيت ممّا ليس بشي‌ء فِراراً الي الشي‌ء الثابت الذي هو المفزع و الملتجي و مقوّي الضعفاۤء و مغني الفقراۤء و لَمُلِئْتَ مِنهم رعباً اي و لَمُلِئَ صدرك خوفاً لانّك اعتمدتَ علي غير شي‌ء وَ توهّمْتَ ثباتَ غير ثابتٍ لاِنّكَ طَلبتَ الرِّيَّ من السَّرابِ و البَللَ مِنَ التّراب و التجأتَ الي غير ربّ الاَرْبَاب و انزل عليهم في الكتاب التكويني اَنْ خَلَقَ صُوْرَةَ الشَّخْص في المِرْءٰاةِ المُقَابِلة له شبحاً و مثالاً له بدناً لا روح فيه معلّقاً بظهور الشخص له به فالصورة ليست شيئا الّا ظهور الشخص بها بكينونة ظاهريّته التي هي مقابلته لها لانّ ماۤدّتها هيئة صورته و ظهورها و صورتها التي هي هيئة قابليّتها لذلِك الظهور بها بالانطباع هي هيئة المرءاة و لونها و مقدارها و صقالتها و تلك المادة صفته و هي له و وجودها هو ظهوره لها بها و حركتها و سكونُهَا نور حركته و سُكُونه بل ليْسَتْ شيئاً غيرَهُ و ملكوتها و ملكوت جميع صفاتها و احوالها بيد الشخص التي هي ظهوره لَهٰا بها فلمّا عرّفهم انفسهم بهذين و ما اشبههما كالنور من السّراج و الاصوات من المتكلم و الصَّدا من الصوت و الابصار بكسر الهمزة و الاسماع و السماع و الافهام و الاوهام و التخيلات و العلوم و العقول و ما اشبه ذلك عرفوه حقّ ما يمكنهم من معرفته كما نقل او نسب الي علي اميرالمؤمنين عليه السلام انه قال :
اعتصامُ الوري بمغفرتِكْ       ** * **      عجز الواصفون عن صِفتِكْ
تُبْ علينا فانّنا بشَرٌ       ** * **      ماعرفناك حقّ معرفتكْ
و لم‌يعلموا ما هو و لا اين هو و لا كيف هو الّا بما عرّفهم من ذلك فاكبروا شأنه و عظموا حاله و قدره و خافوا مقامه لان الذي لايُعْرَف و لايُدْرَي ما يريد ان يفعل الّا بما شاۤء ان يعلموه لايؤمَنُ مكره و هذا اذا كان الخاۤئف منه مستقِلّاً بدونه قائماً بنفسه فكيف بمن الخاۤئف منه ليس هو الّا عبارة عن اثر فعله المتقوّم به تَقوُّمَ صدورٍ و هذا ايضاً يتحقّق علي الاعتبارَيْن السَّابِقَيْنِ في العظمة لانّها بمعني الكبرياۤء و ان كانت اكثر ما تستعمل فيما ظهر وَ العظمَة فيما بطن فافهم .
قال عليه السلام : و مجّدتم كرمه و ادْمَنتم ذكره ،
قال الشارح قدس سرّهُ و مجّدتم كرمه اي عظّمتم ذاته الكريمة المشتملة علي الصفات الحميدة او كرامته اليكم او الاعم و ادمنتم ذكره اي ادَمْتم و الذكر ما يذكر اللّه به مِنَ العِبَادات و ترك المنهيّات او الذكر اللِسَّاني فانه وردَ في اخبارٍ كثيرة انهم صلوات اللّه عليهم كانوا مُداومين علي الذكر اللّساني حتي في الاكل و غيره و ظاهرها انها كانت من معجزاتهم كما ورد انهم يختمون القرءٰان عند الركوب انتهي .
اقول المجد الشرف الواسع و العلوّ و الكمال و الرفعة و الكرم و العزّ و روي المجد حَمل المغارم و ايتاۤء المكارم و المجد ايضاً في الرجل شرف الٰاباۤء و تمجيد اللّه الثّناۤء عليه بالمحامد التي تنبغي لكرم وجهه و عزّ جلاله و المجيد بمعني الماجد و جمعه امجاد و شريف و اشراف كاشهادٍ في شه۪يد و شاهد و الكرم ضدّ اللُّؤْم و الحُسْنُ و الرّضا و منه قوله تعالي انّه لَقُرْءٰانٌ كَر۪يمٌ اي حَسن مرضيّ في جنسه او كثير النفع و الكريم هو الموصوف بالكرم و هو الجامع لانواع الخير و الشرف و الفضاۤئل و الفواضل و وصف يوسف عليه السلام بالكرم لأنه اجتمع له شرف النبوة و العلم و العدل و رياسته و رياسة الدنيا و الكرم الذي هو بذل المعروف و سخاۤء النفس بما يقتضي ايثار الغير بالخير و يطلق علي محبّة النفس للقيام باوَامر اللّه و اجتنابِ نواه۪يهِ و منه قوله تعالي ان اكرمكم عند اللّه اتقيٰكم اي لِلّهِ لسخاۤء نفسِه بمحبّة طاعة اللّه و يطلق علي العَمل بما يقتضي حفظ الدنيا و الدين من الاعمال لمداراة الاغيار كما في هذه الاۤية انّ اكرمكم عند اللّه اتْقيٰكم اي اشدّكم تَقِيّةً و مداراةً للاغيار و في حديث اكرام الضيف قال (ع‌) اكرموا الضيف و ذكر من اكرامه تعجيل الطّعام و طلاقة الوجه و البشاشة و حسن الحديث حال المواكلة و مشايعته الي باب الدار ، فانّ هذه و ما اشبهها من بذل المعروف و مكارم الاخلاق التي خصّ بها النبي صلي اللّه عليه و آله عشرة اليقين و القناعة و الصبر و الشكر و الحلم و حسن الخلق و السخاۤء و الغيرة و الشجاعة و المروّة و لمّا كانت العرب يُسمّون الخمر بابنة الكرم فلمّا جاء اللّه بالاسلام و حرّمها نهاهم النبي صلي اللّه عليه و آله وَ قَال لاتقولوا الكرم فان الكرم قلب المؤمن لانّه معدن التقوي يعني به معدن تقوي اللّهِ و تقوي النَّفْس و تقوي النّاس و امّا الكرم في حقّ الواجب جل و عَلا فقسمان ذاتي و فعليّ امّا الذاتي فهو ذاته سبحانهُ و لا مغايرة ثَمَّ انّما اللّهُ الٰهٌ واحد و مَا يعبّر عنه علي اي حالٍ كما قلتُ لك هو ذاته فهو في عنوان وصفِه۪ نفسَهُ لخلقه حين تعرَّفَ لَهُمْ بهمْ اي بذواتهم و ذلك الوصف الذي ليس كمثله شي‌ء من خلقه هو خلقه سبحانه ليعرف به يعني بذلك الوصف لأنّه انما وصف نفسه لهم به و هو حقاۤئقهم منه و لايَصِحُّ ان يكونَ لِوَصْفِه۪ الذي يُعْرَفُ به مثْلٌ و يجب ان يكون ذلك الوصف احدي المعني فلايوجد فيه رحمة و لا كرم و لا علم و كذا ساۤير الصفات يغاير الذات و انّما هو واحد من كل جهة بكلّ اعتبار و لذا كان من عرفَهُ فقد عرفَ ربّه لانّه آية معرفته و دليله في النفس و امّا الفِعلي فيظهر باثره فهو في الٰاثار ظاهِرٌ امّا ذات الكرم الفعلي فهو نفس الفعل و اوّل مظاهره في نفسه امكان الممكنات قبل اكوانها و هي العرش الأعْلَي ثم في الماۤء الاوّل فلمّا خلق منه الانوار الاربعة التي منها الخلق و الرزق و الحيوة و الممات جعلها اركان العرش فالعرش مركّب منها و عبارة عنها فكان العرش خزانة كرمه و لهذا قال تعالي ربّ العرش الكريم و هو السماۤء في قوله تعالي و في السماۤء رزقكم و مَا توعدون و فيه خزاۤئن الاشياء كما قال عز و جل و ان من شي‌ء الّا عندنا خزاۤئنه فتتعلق آثار كرمه من العرش بالاشياۤء علي حسب قابليتهَا و يختلف وصفه سبحانه بعبادته بها و بالثناۤء عليه بها اذ كل شي‌ء يسبّح بحمده بلغته و بلسان ذاته فلا غاية لتسبيحها ما لم‌تفنَ فلمّا ادخلهم عليهم السلام ابوابَ حَرَمه۪ و عرّفَهُمْ مواقع كرمه و مواضع فضلِه۪ و نعمه مجّدوا كرمه بالتمجيد الذي لاينفد ابد الٰابدين تمجيدِ التعظيم و التشريف و التكريم و العزّ و العلوّ و الكمال و الرفعة في صنوف العبادات و انواع الطاعات و اجناس الاعتقادات كما هو اهله و كما ينبغي لكرم وجهه و عزّ جلاله ،
و اَمّا ما تقدّم من معاني الكرم علي حسب استعمالات لفظ الكرم في تصاريفِ اللّغة من الحسن و الرضا و كثرة النفع و الخير و الشرف و الفضاۤئل و الفواضل و شرف النبوّة و العلم و العدل و الرياسات و بذل المعروف و سخاۤء النفس في ايثار الغير بالخير و محبّة النفس للقيام باوامر اللّه و اجتناب نواهيه و مداراة الاغيار لحفظ الدنيا و الدين و ما ذكر في اكرام الضيف كما تقدّم و ما ذكر في مكارم اخلاق النبي صلي الله عليه و آله من اليقين و القناعة و الصبر و الشكر و الحلم و حسن الخلق و السخاء و الغيرة و الشجاعة و المروّة و ما ورد انّ الكرم قلب المؤمن لانه معدن التقوي و الكرم هنا بسكون الراۤء من الكرم بفتحها فهي و مَا اشبهها من الصِّفَات الحميدة فهي آثار كرم اللّه الفِعْلي و اِنّما اختلفت لاختلافِ مَحاۤلِّها و قوَابلها و كل واحدٍ من هذه المعاني له مراتب مختلفة في القوّة و الضّعف علي حسب مراتب مَحالّها صاعدةً و نازلةً فاذا اعتبر المتوسّم حقاۤئق صاعدِها وجدَها غير متناهية في مراتب الصعود و الشرف و اذا اعتبر مراتب نازِلها وجَدَها غير متناهية في مراتب النزول و لم‌تخرج بترامي ضعفها عن اصل الشرف بل حيث ما يوجد موجود فلايفارقه شي‌ء منه علي حسبه الي ان يفني الوجود بل لولا اصل هذا الكرم لم‌يوجد موجود لان الوجود فرع الكرم فلايوجد الوجود حيث يُفقد الكرم فالكرم اصل كل خير و لقد اشتمل ادني مراتبه علي خيراتٍ لاتتوهَّمُها الاوهام و لاتنال صفتها الافهام و اعلي ما يمكن ان يعرف من ذلك ما اوقف اللّه عليه اولياۤءه عليهم السلام من عجاۤئب مظاهر كرمه و هو حقاۤئق ما اشرتُ الي ظاهره بدقاۤئق الاشارات فلمّا عرفوا و اشرفوا من الباب الذي فتح لهم نظروا من مثل سَمّ الابرة الي ما شاۤء اللّهُ من نور الكرم فشكروا اللّهَ فشكر لهم ما شكروه به و اثنوا عليه بممادح ما هو اهله من الكرم و هو قوله عليه السلام و مجّدتم كرمه .
و قوله عليه السلام : و اَدْمَنْتُمْ ذكره ،
اَدْمنَ بمعني اَدَامَ كما ذَكَرَهُ الشارح (ره‌) و بمعني لازم و واضبَ ( واظب ظ ) عليه و الذكر الحقيقي هو التوحيد الحقيقي الذي هو معرفة النفس اذ ليس للّه من عبده ذكر اعلي منه و لا اشرف منه لانّه اثبات الثابت بلا اثبات و نفي المنفي بلا نفي فهو ذكر اللّه الاكبر و دونه استغراق وجوداته في القيام باوامره و نواهيه كما امر سبحانه بان يذكره بامتثال اوامره و اجتناب نواهيه فلاتعرض طاعة الّا و يذكر اللّه و انه امره بها فيفعلها و لا معصية الّا و يذكر اللّه و انه نهي عنها فيتركها و هو الذكر الكثير كما قال تعالي و الذاكرين اللّه كثيراً و الذاكرات و سئل النبي صلي الله عليه و آله فقال ما معناه ليس هو سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الا اللّه و اللّه اكبر و ان كان ذكراً و لكن ان تذكر اللّه عند الطاعة فتفعلها و عند المعصية فتتركها فاذا لم‌يكن فعل مأمور به او منهي عنه فقلبُه يذكر اللّه في وجدانه كما اختصّ به نبيّه صلي اللّه عليه و آله في قوله تعالي و اذكر ربّك في نفسِك تضرّعاً و خيفةً و دون الجهر من القول في الغدوّ و الٰاصال و لاتكن من الغافلين و في مخلوقاته بالتفكّر فيها و ما اودع من العبر و الٰايات لأولي الألباب كما قال تعالي انّ في خلق السموات و الارض الي ان قال تعالي و يتفكرون في خلق السموات و الارض ربّنا ماخلقتَ هذا باطلاً و هذا احد وجوه التفكّر فانّ العارف مرّةً ينظر في وجوه الحكمة في وجود المصنوعات فيقول ماخلقتَ هذا باطلاً و مرّةً ينظر ما فيها من العبر الدالة علي فناۤء الدنيا و بقاۤء الٰاخرة و سرعة هجوم الموت كما قال اولم‌ينظروا في ملكوت السموات و الأرض و ما خلق اللّه من شي‌ء و ان عسي ان يكون قد اقترب اجلهم و مرّةً ينظر فيما كُتِبَ فيها من ادلّة العلوم علي كل مسئلة اصليّة او فرعيّة يعرفها اَهْل العلم عليهم السلام و مَنْ علّموه مِنْ شيعتهم ما علّموه و هو قوله تعالي و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الّا العالمون و هذا معني قوله عليه السلام المؤمن صَمْتُه فكر و كلامه ذكر و نظره اعتبار و مرّةً ينظر ما فيها من علامات الحوادث المتجدّدة و الغاۤئبة عن المشاهدة و ما اشبه ذلك فيستنبط من تلك الٰايات صحة الاعمال و الاخلاص و الزهد و التقوي و العلوم و الاعتقادات التي هي اُسُّ الديانات و العبادات و مبدأ الطاعات و نهاياتها كما قال عليه السلام و ما يضمر النبي افضل من اجتهاد المجتهدين و ذلك قوله صلي اللّه عليه و آله تفكّر ساعة خير من عبادة سنةٍ و يكون لسانه رطباً بذكر اللّهِ لأنّه امّا في صلوة و هو يسبح و يذكر و يقرأ و امّا في كلام في امر معيشةٍ و هو ذكر اذا حبس كلامَهُ علي ما يَعْن۪يهِ و تَرَكَ فضُولَ الكلامِ و الّا فلسانه ذاكر الّا في حال النوم فان نيّته و سبحته اذا وضعها تحت رأسه تسبّح للسانه و الّا في فكر يشغله النّطق عنه فانّه يسبّح اي خياله و فكره للسانه فقد تقرّر انّ المؤمن لايغفل عن ذكر اللّه ابداً لأنّه ينتقل من ذكر الي ذكرٍ و كل مرتبة من مراتب الخير فهم عليهم السلام اصلها و فرعها و مبدؤها و غايتها و لهم في كل مرتبةٍ من المراتب المرضية مراتب لايصل اليها خلق غيرهم و لايدانيها فهم علي الحقيقة هم المديمون ذكر اللّه و الملازمون له و المواضِبُون ( المواظبون ظ ) عليه بل ورد عنهم انّ مقامهم اعلي من مقام الذاكرين و انّما هم ابداً عند اللّه كما روي عن الصادق عليه السلام و قد ذكرناه سابقاً و نذكره هنا تخفيفاً للمؤنة عن المراجعة قال عليه السلام يا مفضّل قوله تعالي و له من في السموات و الارض و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبحون الليل و النهار لايفترون الي ان قال (ع‌) الستم تعلمون ان من في السماوات هم الملاۤئكة و من في الارض هم الجن و البشر و كل ذي حركة فمن الذين قال و من عنده قد خرجوا من جملة الملائكة و الجن و البشر و كل ذي حركة فنحن الذين كنّا عنده الحديث ، فقد اخبر انهم الذين عنده في الٰاية و قد ذكر تعالي فيها ان من عنده يسبّحون الليل و النهار لايفترون و لا شكّ انّهم علي الحقيقة هم الّذين لايأخذهم سهو الغفلات فهم الذين ادمنوا ذكره علي اختلاف مراتبه و علي اختلاف معاني الادمان من الادامة التي هي عدم ترك شي‌ءٍ و الملازمة التي هي المسابقة و المبادرة الي ما يرد منه عند اوّل وجدانه و المواضبة ( المواظبة ظ ) التي هي المحافظة علي اوقاته و هم عليهم السلام السّابقون الي الخيرات و قادة السّابقين الي اعالي الدرجات .
قال عليه السلام : و وكّدتم ميثاقه و احكمتم عقد طاعته ،
قال الشارح (ره‌) و وكّدتم ميثاقه الّذي اخذ اللّه تعالي من بنيٰ‌ادم من ظهورهم كما نطقت به الٰاية و الروايات و التذكير بالنظر الي خواۤصِّ اصحابهم الذين خلعوا جلباب الشهوات عن انفسهم بالرياضات ظاهر و بالنظر الي غيرهم فقولهم مع تأيّدهم بالمعجزاتِ مفيدٌ لليقين فكأنهم ذكروا و احكمتم عقد طاعته بالمواعظ الشافيةِ او مع اخذ البيعة عنهم او بالتبليغ مع المعجزات و النصوص او باقامة الحدود بالنظر الي بعضهم صلوات اللّه عليهم انتهي .
وكد بمعني اكد و التوكيد التقوية و التوثيق و في القاموس و التوكيد افصح من التأكيد و توكّد و تأكّد بمعني و الميثاق هو اليمين المؤكّدة لأنّها يستوثق بها او العهد المؤكد باليمين او مطلق العهد و يستعمل في معانٍ متعدّدة كلها ترجع الي مطلق العهد منها العقد كما قال تعالي و اخذن منكم ميثاقاً غليظاً و منها تبليغ الرسالة قال تعالي و اذْ اخذنا من النبِيّين ميثاقهم اي تبليغ الرسالة و الدعاۤء الي التوحيد و المراد بالميثاق هو المأخوذ في الذر كما قال تعالي و اذ اخذ ربّك من بنيٰ‌ادم من ظهورهم ذرّيّتهم و اشهدهم علي انفسهم قالوا بلي الٰايات ، و انّما قال من ظهورهم ذرّيّتهم و لم‌يقل من ظهره لانّه سبحانه اخذ من ظهر كلّ شخصٍ اولاده كما اخذهم في هذه الدنيا حرفاً بحرفٍ لأنه اخذه من صلبِ ابيه و تراۤئبِ امّه فهو اخذ بالتوالد كما في الدنيا و لمّا كلّفهم رجعهم الي اصلاب آباۤئهم و تراۤئب امّهاتهم و هو تأويل قوله تعالي يخرج من بين الصلب و التراۤئب انّه علي رجعه لقادر و امّا المسيح عليه السلام فانّه لمّا مسح علي ظهر آدم و ذريّته و اخرج من ظهورهم ذريّتهم بالمسح المعبّر عنه بالولادة المعنويّة و كلّفهم و رجعهم الي اصلاب اۤبائهم في صلب آدم لم‌يرجع عيسي عليه السلام فسمّي المسيح لبقاۤء المسح عليه وَ لم‌ينتفِ حكمه بالارجاع و الميثاق المأخوذ في الذّر هو جميع ما يريد اللّه من جميع خلقه من حيوان و نبات و جماد و من فتّش عن ذلك في القرءان و السنّة وجد ذلك اظهر من الشمس في رابعة النّهار لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد و من انكر ذلك فقد اَخْطَرَ بنفسِه۪ و الواجب علي المؤمن الذي يدّعي انّه من رعيّة محمد و اهل بيته صلّي اللّه عليه و عليهم انّه اذا سمع ما لايحتمِله من اهل الحقّ ان يتفهّم و لايسارع بالانكار فان لم‌يفهم فلاينكر ما لايفهم بل كذّبوا بما لم‌يحيطوا بعلمه و لمّايأتهم تأويله و في التوحيد باسناده الي ابي‌بصير عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال اخبرني عن اللّه عز و جل هل يراه المؤمن يوم القيمة قال نعم و قد رأوه قبل يوم القيمة فقلتُ متي قال حين قال لهم الستُ بربّكم قالوا بلي ثم سكتَ ساعةً ثم قال و انّ المؤمنين يرونه في الدنيا قبل يوم القيمة الستَ تراه في وقتك هذا قال ابوبصير فقلتُ له جعِلتُ فداك فأحدّث بها عنك فقال لا فانّك اذا حدّثتَ به فانكره منكِرٌ جاهلٌ بمعني ما تقول ثمّ قدّر انّ ذلك تشبيهٌ كفر و ليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالي اللّه عما يصفه المشبّهون و الملحدون ، فتأمّل في قوله عليه السلام فانكره منكر جاهل بمعني ما تقول يعني انّه يقول ان اللّه يراه المؤمن بقلبه و ذلك الجاهل يقدّر ان ذلك تشبيه فانه بهذا الانكار و التقدير يكون كافراً مع انه يريد به التنزيه علي زعمه لكنه مخالف للواقع فما ظنّك بانكار هذا المشهد العظيم الذي نطق به القرءان صريحاً و وردت به الاخبار المتواترة معني و الحاصل ان الاخبار الواردة في ذكر الميثاق المأخوذ كثيرة جدّاً و اريد ان اذكر شيئاً منها يفهم العارف المنصف ان الميثاق المأخوذ هو جميع التكاليف و ما يريد اللّه سبحانه من عباده و انّ المأخوذ عليهم هو جميع الخلق من الحيوانات و النباتات و الجمادات فمن الاخبار عن حمران عن ابي‌جعفر عليه السلام قال انّ اللّه تبارك و تعالي حيثُ خلق الخلق خلق ماۤءً عذباً و ماءً مالحاً فامتزج الماۤءان فاخذ طيناً من اديم الارض فعركه عركاً شديداً فقال لأصحاب اليمين و هم كالذّر يدبّون الي الجنّةِ بسلام و قال لأصحاب الشمال الي النار و لاابٰالي ثم قال الستُ بربّكم قالوا بلي شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انّا كنا عن هذا غافلين ثم اخذ الميثاق علي النبيّين فقال الستُ بربكم فان هذا محمّد رسولي و انّ هذا علي اميرالمؤمنين قالوا بلي فثبت لهم النبوة و اخذ الميثاق علي اولي العزم انّي ربّكم و محمّد رسولي و علي اميرالمؤمنين و اوصياۤؤه من بعده ولاة امري و خزّان علمي عليهم السلام و ان المهديّ به انتصر لديني و اظهر به دولتي و انتقم به من اعداۤئي و اُعْبَدُ به طوعاً و كرهاً قالوا اقررنا به يا ربّ و شهدنا و لم‌يجحد آدم و لم‌يعزم فثبتت العزيمة لهؤلاۤء الخمسة و لم‌يكن لٰادم عزم علي الاقرار به و هو قوله تعالي و لقد عهدنا الي آدم من قبل فنَسيَ و لم‌نجد له عزماً قال انّما هو فترك ثم امر ناراً فاجّجت فقال لاصحاب الشمال ادخلوها فهابوها فقال لاصحاب اليمين ادخلُوها فدخلوها فكانت عليهم برداً و سلاماً فقال اصحاب الشمال يا رب اقِلنا فقال قد اقلتْكُم اذهبوا فادخلوها فهابُوهَا فَثَّمَ ثبتت الطاعة و الولاية و المعصية ، و في التهذيب في الدعاۤء بعد صلوة الغدير عن الصادق عليه السلام و مننتَ علينا بشهادة الاخلاص لك بموالات اولياۤئك الهداة المهديين من بعد النذير المنذر و السراج المنير و اكملتَ الدين بمواۤلاتهم و البراءة من عدوهم و اتممتَ علينا النعمة التي جدّدتَ لنا عهدك و ذكّرتنا ميثاقك المأخوذ منّا في مبدءِ خلقِك ايّانا و جعلتنا من اهل الاجابة و ذكّرتنا العهدَ و الميثاق و لم‌تُنسِنا ذكرَك فانّك قلت و اذ اخذ رَبُّك من بنيٰ‌ادم من ظهورهم ذُرّيّتهم و اشهدهم علي انفسهم الستُ بربكم قالوا بلي شهدنا بمنِّكَ و لطفِك بانّك انت اللّهُ لا اله الا انت ربّنا و محمد عبدُك و رسولك نبيُّنا و علي اميرالمؤمنين و الحجة العظمي و آيتك الكبري و النّبأ العظيمُ الذي هم فيه مختلفون و عنه مسئولون و في الكافي باسناده عن عبدالرحمن الحذّا عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال كان علي بن الحسين عليه السلام لايري بالعزل بأساً اتقرأ هذه الٰاية و اذ اخذ ربك من بنيٰ‌ادم من ظهورهم ذرّيّتهم و اشهدهم علي انفسهم الستُ بربِّكم قالُوا بلي فكلّ شي‌ء اخذ اللّه منه الميثاق فهو خارج و ان كان علي صخرة صمّاۤء .
اقول قول الصادق عليه السلام في الدعاۤء و اتممتَ علينا النعمة التي جدّدت لنا عهدك و ذكرتنا ميثاقك المأخوذ منا في مبدء خلقك ايّانا يريد به انّ ما اخذه رسول اللّه يوم الغدير هو تجديد النعمة التي هي عهدك و هو تذكيرك ايّانا ميثاقك في الذر الذي هو مبدء خلقك ايانا و اشار الي ان ذلك العهد في الذر هو هذا العهد يوم الغدير و انّ المبلغ هنا و هناك رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن اللّه تعالي و انّه لم‌يزد عما كان هناك و لم‌ينقص و ان هذا المشهد صورة ذلك المشهد و ظاهره و ان هذا هو ذكر اللّه و انّ قبوله هنا يكون ممن لم‌ينسه اللّه ذكره و انه بهذا القبول الذي هو ظاهر ذلك القبول جعلهم من اهل الاجابة في المشهدين و ان المكذّب هنا هو المكذب هناك كما قال تعالي فماكانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل يعني انّهم كذبوا هناك فكيف يؤمنون هنا و قوله عليه السلام في الحديث بعد هذا و ان كان علي صخرة صمّاۤء ، فيه تلويحان احدهما انّ المنافقين يكون منهم هنا ما كان منهم هناك و الصخرة الصماۤء قلوبهم القاسية فهي كالحجارة اوْ اشدّ قسوةً و ثانيهما ان الصّخرة الصماۤء قد اخذ عليها الميثاق و الّا لماخرجت و لم‌يحسن ايجاد ما ليس بمكلّف و قد اشرنا الي هذا الوجه في رساۤئلنا خصوصاً هذا الشرح . و فيه باسناده الي بكير بن اعين قال سألتُ اباعبداللّه عليه السلام لأيّ علة وضع الحجر في الركن الذي هو فيه و لم‌يوضع في غيره و لأيّ علةٍ يُقَبّل و لأي علة اخرج من الجنّة و وضع الميثاق و العهد فيه و لم‌يوضع في غيره و كيف السبب في ذلك تخبرني جعلني اللّه فداك فان تفكّري فيه لعجب قال فقال سألتَ و اعضلتَ و استقصيتَ فافهم الجواب و فرّغ قلبك و اَصْغِ سمعك اخبرك انشاۤء اللّه انّ اللّه تبارك و تعالي وضع الحجر الاسود و هو جوهرة اخرجت من الجنّة الي آدمَ صلي اللّه عليه فوضعت في ذلك الركن لعلّة الميثاق و ذلك انه لمّا اخذَ من بنيٰ‌ادم من ظهورهم ذرّيتهم حين اخذ اللّه عليهم الميثاق في ذلك المكان ترائَا لهم و في ذلك المكان يهبط الطير علي القاۤئم عليه السلام فأوّل ما يُبايعه ذلك الطير و هو واللّه جبريل عليه السلام و الي ذلك المكان يسند القاۤئم عليه السلام ظهره و هو الحجّة و الدليل علي القاۤئم عليه السلام و هو الشاهد لمن وافَي في ذلك المكان و الشاهد علي مَن ادّيَ اليه الميثاق و العهد الذي اخذَ اللّهُ عز و جل علي العباد و اما القُبْلَةُ و الالتماس فلعلّة العهد تجديداً لذلكَ العهد و الميثاق و تجديداً للبيعة ليؤدوا اليه العهد الذي اخذ اللّه عليهم في الميثاق فيأتوه في كلّ سنةٍ و يؤدوا اليه ذلك العهد و الامانة التي اخذ اللّه عليهم الاتري انّك تقول امانتي ادّيتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة واللّهِ مايؤدي ذلك احد غير شيعتنا و لاحفظ ذلك العَهد و الميثاق احدٌ غير شيعتنا و انهم ليأتوه فيعرفهم و يأتيه غيرهم فينكرهم و يكذّبهم و ذلك انه لم‌يحفظ ذلك غيركم فلكم واللّهِ يشهد و عليهم واللّهِ يشهد بالخفر و الجحود و الحجّة البالغة من اللّهِ عليهم يوم القيمة يجيۤ‌ء و له لسانٌ ناطق و عينان في صورته الاولي يعرفه الخلق و لاينكره يشهد لمن وافاه و جدّد العهد و الميثاق عنده بحفظ العهد و الميثاق و اداۤء الامانة و يشهد علي كل من انكر و جحدَ و نَسِيَ الميثاق بالكفر و الانكار و اما علة ما اخرجه اللّه من الجنّة فهل تدري ما كان الحجر قلتُ لا قال كان ملكاً من عظماۤء الملاۤئكة عند اللّه فلما اخذ اللّه من الملاۤئكة الميثاق كان اوّل من آمن به و اقر ذلك الملك فاتّخذه اللّه اَميناً علي جميع خلقه فالقمه الميثاق و اودعه عنده و استعبد الخلق ان يجدّدوا عنده في كل سنة الاقرار بالميثاق و العهد الذي اخذ اللّه عز و جل عليهم ثم جعله اللّه مع آدم في الجنة يذكّره الميثاق و يجدّد عنده الاقرار في كل سنة فلمّا عصي آدم و اخرج من الجنة انساه اللّه العهد و الميثاق الذي اخذ اللّهُ عليه و علي ولده لمحمّد صلي اللّه عليه و آله و لوصيه عليه السلام و جعله تاۤئها حيران فلمّا تاب اللّه علي آدم حوّل ذلك الملك في صورة درّة بيضاۤء فرماه من الجنة الي آدم و هو بأرض الهند فلمّا نظر اليه اَنِسَ اليه و هو لايعرفه باكثر انه جوهرة فانطقه اللّه عز و جل فقال له يا آدم اتعرفني قال لا قال اجل استحوذ عليك الشيطان فانساك ذكر ربّك ثمّ تحوّل الي صورته التي كان مع آدم (ع‌) في الجنّة فقال لٰادم اين العهد و الميثاق فوثَب اليه آدم و ذكر الميثاقَ و بكٰي و خضع له و قبّلَهُ و جدّد الاقرار بالعهد و الميثاق ثم حوّله اللّٰهُ عز و جل الي جوهر الحجر دُرّة بيضاۤء صافيةً تضيۤ‌ء فحمله آدم عليه السلام علي عاتقه اجلالاً له و تعظيماً فكان اذا اعيي حمله عنه جبرئل (ع‌) حتي وافي به مكة فمازال يأنس به بمكة و يجدد الاقرار له في كلّ يوم و ليلةٍ ثم ان اللّه عز و جل لمّا بني الكعبة وضع الحجر في ذلك المكان لانه تبارك و تعالي حين اخذ الميثاق من ولد آدم اخذه في ذلك المكان و في ذلك المكان القَم الملكَ الميثاق و لذلك وضع في ذلك الركن و نحّي آدم من مكان البيت الي الصَّفا و حوّا الي المروة و وضع الحجر في ذلك الركن فلمّا نظر آدم من الصفا و قد وضع في الركن كبّر اللّٰهَ و هلّله و مجّده و لذلك جرت السنّة بالتكبير و استقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا فان اللّه اودعه الميثاق و العهد دون غيره من الملاۤئكة لان اللّه عز و جل لمّا اَخذ الميثاق له بالربوبيَّة و لمحمد صلّي اللّه عليه و آله بالرسالةِ و النبوّة و لعليّ عليه السلام بالوصيّة اصطكت فراۤئص الملاۤئكة فاوّل من اسرع الي الاقرار ذلك الملك و لم‌يكن فيهم اشدّ حباً لمحمّد و آل‌محمد صلي اللّه عليه و عليهم منه فلذٰلِكَ اختارَهُ اللّه من بينهم و القمه الميثاق و هو يجيي‌ء يوم القيمة و له لسان ناطق و عين ناظرة يشهد لكلّ مَن وافاه الي ذلك المكان و حفظ الميثاق و فيه باسناده عن داود الرقّي عن ابي‌عبداللّه عليه السلام انّه قال لمّا اراد ان يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم من ربكم فاول من نطق رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و اميرالمؤمنين عليه السلام و الائمة عليهم السلام فقالوا انت ربُّنَا فحمّلهم العلم و الدّين ثم قال للملاۤئِكة هؤلاء حملةُ ديني و علمي و اُمَناۤئي في خلقي و هم المسئولون ثم قال لبنيٰ‌ادم اقرّوا لِلّهِ بالعبوديّة و لهؤلاۤء بالولاية و الطّاعة فقالوا نعم ربَّنا اقررنا فقال اللّهُ للملاۤئِكة اشهدوا فقالت الملاۤئكة شهدنا قال علي الّا تقولوا غداً انا كنّا عن هذا غافلين او تقولوا الٰاية يا داوُد وِلايتُنَا مؤكّدة عليهم في الميثاق و روي القمّي سئل الرضا عليه السلام عمّن كلّم اللّه لا من الجنّ وَ لا من الانس فقال السموات و الارض في قوله ائتِيٰا طوعاً او كرهاً قالتا اَتينا طاۤئِعين .
و بالجملة فانّ من تتبّع الاحاديث وجد انّ اللّه قد اخذ علي جميع ما خلقَ مِنَ الانس و الجن و الملاۤئكة و الحيوانات و النباتات و الجمادات طاعتهم عليهم السلام وَ انَّ كلّ ما سواهم لايعرف شيئاً من طاعةِ اللّهِ الّا عن امرهم و بتعليمهم و هدايتهم مثل ما تقدّم من حديث جابر بن عبداللّه من قوله صلي اللّه عليه و آله الي ان قال فمكثت الملاۤئكة مائة عامٍ لاتعرف تسبيحاً و لا تقديساً و لا تمجيداً فسبّحنا فسبَّحتْ شيعتُنا فسبّحت الملاۤئكة الي ان قال (ص‌) و كانت الملاۤئكة لاتعرف تسبيحاً و لا تقديساً من قبل تسبيحنا و تسبيح شيعتِنا و في رواية ابن‌عباسٍ عنه صلي اللّه عليه و آله الي ان قال (ص‌) و كبّرنا فكبّرت الملاۤئكة و كان ذلك من تعليمي و تعليم علي عليه السلام و كان ذلك في علم اللّه السابق ان الملاۤئكة تتعلّم منّا التسبيح و التهليل و كل شي‌ء يسبّح اللّه و يكبّره و يهلّله بتعليمي و تعليم علي عليه السلام ، فقوله (ص‌) و كل شي‌ء يسبّح اللّه الخ ، هو كقوله تعالي و ان من شي‌ء الّا يسبِّح بحمده فيدخل في الٰاية كل شي‌ء من الحيوانات و النباتات و الجمادات و كلها تسبّح بتعليمه (ص‌) و تعليم علي (ع‌) و ليس ذلك الّا لاخذ الميثاق لهما و للائمة عليهم السلام علي جميع الخلق و مثل الاخبار المتكثرة الدّاۤلة علي ان الماۤء الاجاج لم‌يقبل ولايتهم و الارض السّبخة كذلك عرضت ولايتهم عليها فلم‌تقبلها فكانت سبخة و كذلك الاشياۤء المُرّة انّما كانت مُرَّةً لأنّها لم‌تقبل ولايتَهُمْ و هي في اخبارنا كثيرة و قد روي هذا من طرق العاۤمّة و هو عن انس بن مالك قال دفع عليّ بن ابي‌طالب الي بلال درهماً ليشتري به بطّيخاً قال فاشتريتُ به فاخذ بطيّ۪خَةً فقوَّرَها فوجدَها مُرّةً فقال يا بلال رُدّ هذا الي صاحبه و أتِني بالدرهم انّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلّم قال لي انّ اللّهَ اخذَ حُبَّك علي البشر و الشّجر وَ الثّمَر و البَذْرِ فما اجابَ الي حُبِّك عَذُبَ و طاب و ما لم‌يُحبّك خَبُثَ و مرَّ و انّي اظنّ انّ هذا ممّا لايُحِبُّني اخرجه المُلّا في سيرته و فيه دلالة علي انَّ العَيْبَ الحادث اذا كان ممّا يطّلعُ به علي العيب القديم لايمنع من الرَّدِّ انتهي .
اقول قد قلنا لك انّ جميع الخلق قد اُخذ عليهم الميثاق بالولاية لهم في الذّر حين جمع الخلائق فدعاهم الي الاقرار بما اخذ عليهم من التّوحيد و قد ذكرنا اَنّ شرط التوحيد ولايتهم اذ لايوجد الشي‌ء و لايتحقّق الا باركانه و هم اركان التوحيْد لان التّوحيد حقيقة هو وصف الحَقِّ لخلقه و ذلك الوصف له مقامان :
احدهما جسد التوحيد و هيكله و هو من نورهم و شعاع ضوءهم و هو قول علي عليه السلام لكميل نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره فاۤثاره اجساد التّوح۪يد و ابدانه و اشبٰاحه فيمن سواهم فهي تلوح و تظهر علي هيئة هياكل التوحيد و هياكل التّوح۪يد هيئاتهم و اشبٰاههم لانّها حقيقة هي هيئة ذلك الوصف المحدث الّذي ليس كمثله شي‌ء كما قال الحجّة عليه السّلٰام في دعٰاء رجب لٰا فرق بينك و بينهٰا الّا انّهم عبادك و خلقك ، فابان بقوله لا فرق بينك و بينها بانّ ذلك الوصف و تلك الهيئة ليس كمثله شي‌ء و ابان بقوله الّا انّهم عبادك و خلقك انّ ذلك الوصف و تلك الهيئة محدَث مخلوق لٰايشابه مُحدَثاً مخلوقاً و ذكّر الضمير في المستثني لبيان انّ ظهور المخلوقية المشابهة للاشياۤء انّما هي في ظواهرهم و اعاد ذكر المخلوقيّة الفارقة بين الحق و الخلق بالتّأنيث حيث قال فتقها و رتقها الخ ، لبيان انّ تلك الحقٰائق الّتي لم‌تظهر ف۪يها المخلُوقيّة لعدم مشابهة الاشياۤء لها انّها في الحقيقة خلق لانها اوصٰافه المخلوقة و امثاله المحدثة ثم اَبٰان انّ تلك المقامات التي لٰا تعط۪يل لها ف۪ي كلّ مكٰانٍ ليست غيرهم بقوله فبهم ملأتَ سماۤءَك و ارضَك حتّي ظهر الّا اله الّا انت فكانُوا اركان التّوحيد امّا في حقّهم فالتّوحيد الّذي هو الوصف الاصليّ الاَجْلٰي و المَثَلُ الاعلٰي هو هيٰاكلُهُم و اشباحُهم الّتي هي هيئاتُ ذواتِهم و هو اوّل شبَح و اوّل مظهر و امّا ف۪ي حقّ من سواهم فاشبٰاحهم الّتي ه۪ي هيئات ذواتهم انما لاحت علي هياكلهم عليهم السّلام بمعني انّها اشعّة تلك الهيٰاكل و اظلّتها فهي انّما تقوّمَتْ بها فهم ( علي خ ) اركان التّوحيد الهيكلي في حقّهم و حقّ من سواهم .
و ثان۪يهمٰا نُور التّوحيد و ذاتُهُ و هو ولايتهُمْ و هو النّور الالهيّ۪ و هو اوّل ظاهر في اوّل مظهر و هو قوله عليه السّلٰام نور اشرق من صبح الازل و صبح الازل هو فعل اللّه و مشيّتُه و ذلك الصّبح اثر شمس الازل عزّ و جلّ و هذا النور هو وصفه نفسه سبحانه لعباده بالنُّور الّذي هو رُوح هياكل التّوحيد و هو غاية ما تعرّف به لهم و مبداؤه و مُنتهاه و هو النُّور الّذي اوجده باعتقاداتهم الحقّة المطابقة للواقع عنده و باعمالهم الصّالحة الموافقة لامره و محبّته و رضاه و احوالهم الصّادقة و اقوالهم المنطبقة علي اعتقاداتهم الحقّة و اعمالهم الصّالحة و احوالهم الصّادقة و نيّاتهم الخالصة لانّ هذه جرت منهم علي مقتضي اوامره و اجتناب نواهيه الّت۪ي هي هياكل ارادته و محبّته و هٰذه الهيٰاكل هيٰاكل نوعيّة فهي موادّ لهياكل اعمالهم و اقوالهم و احوالهم و اعتقاداتهم فخلق من هذه الموادّ الزّاكية و هذه الهياكل الطّيبّة مثلاً له اسكنه روحاً منه كان ذلك المثل بهذه الرّوح مقاماً له سبحانه ليس كمثله شي‌ء لٰا فرق بينه و بينه الّا انّه عبدُهُ و آيتُهُ ف۪ي عبدِهِ و خلقِهِ ظهر اللّهُ به لمَنْ تَعرَّفَ له عنهم عليهم السّلام فهم اركان التّوح۪يد و مٰا سمعتَ ممّا ذكرنا لك و مٰا لم‌تَسْمَع كلّه من ولٰايتهم و ولايتهم كما سمعتَ في الاخبٰار و نَبّهْناكَ عليه من الاعتبٰار هي الّتي اخذ اللّه بها الميثاق عليهم بالقيٰام بها لأنّها ولايةُ اللّه و الاداۤء الي المكلّفين بان يلتزمُوا عبادة اللّه و الطّاعة لهم عليهم السّلٰام فوكّدوا ميثاقه بان قٰامُوا بولٰايته حقَّ القيٰام الامكٰان۪ي و بالاداۤء و التّبليغ الي المكلّفين و اعانتِهم باللّطف في التّبليغ و الدّعاۤء و الاستغفار عن هَفَواتِهِم و تقص۪يراتهم و ايراد اوليٰائهم حياضَ ولٰايتهم و ذَوْدِ اعدٰائهم عن ورودهٰا بانكارهم و عداوتهم و هذا ايضاً من الولاية لانّه حقّ و كل حقّ فمن الولٰاية كما قال تعالٰي هنالك الولاية للّه الحقّ قُرئ برفع الحقّ صفة الولاية و بالجرّ صفة للّه و الولٰاية هي تلك الصّفة الّت۪ي هي الحقّ من التّوحيد و النبوّة و الامامة و العبادات و الاعتقادات و جميع ما يريد اللّهُ من عباده و يدخل ف۪يه العقد و النّذر و العهد و اليمين و غيرها من الواجبات و المندوبات و الرخص و جواز المكروهات و المباحٰات و اجتناب المحرّمات و المكروهٰات و الشبهٰات و هو مٰا اخذ عليهم من الميثاق .
بقي هنا شي‌ء و هو انّ ظاهر الاخبار و كلام العلماۤء انّ التكليف في الذّر و انّ المراد به في الملكوت في النّفوس تحت اللّوح المحفُوظ و انّه تكليف واحد و الّذي انطوت عليه الاخبار و لوّحت به من الاسرار لأولي العقول و الابصار انّ الذر ذرّانِ الذّرّ الاوّل و الذّر الثّاني و انّ المراد بهمٰا مختلف يعرفه من عرفه بحسب مقامات الخطاب و المخاطبين فمرّةً يراد بالاوّل ذرّ المعاني في العُقول و الثّاني ذرّ الصّور في النُّفُوس و بينهمٰا برزخ و هو الاظلّة و ورق الٰاۤس في الارواح و التّكليف في الاوّل كلّيّ مجمل و في الثّاني شخصيّ مفصّل و في البرزخ نوعيّ۪ مبيّن و مرّةً يراد بالاوّل ذرّ الصّور في النفوس و الثّاني ذرّ البشريّة في الاجسٰام و بينهمٰا برزخ و هو ذرّ الاشبٰاح في المثال و التّكليف في الاوّل نفسانيّ و الثّان۪ي جسمٰانيّ۪ و في البرزخ في الخيال و الحسّ المشترك و الحقّ انّ التكليف و اخذ الم۪يثاق مسٰاوق للوجود لانّهمٰا متلازمان اذ التّكليف امر بقبول الخير و النّور اللّذين هما الوجود للذّوات و الصّفات الذّاتيّة و الفعليّة و نهي عن قبول الشّرّ و الظّلمة اللّذين هما العدم للذّوات و الصّفات الذّاتية و الفعليّة و الامر هو المُقتضي لوجود المقتضي فيهمٰا و النّهي هو المقتض۪ي لنفي المانع منهما و يتميّز الوجودان الكونيّ۪ و الشّرعيّ۪ كلّ منهمٰا عن الٰاخر بقوّة القابليّة و ضعفها فان كٰانت اركان القابليّة و مشخّصٰاتها السّتّة الّت۪ي هي الكمّ و الكيف و الوقت و المكان و الجهة و الرّتبة ناقصة في القوّة و الفعل عن استكمال الاستعداد كان ذلك القابل وجوداً تكوينيّاً و هذا هو الوُجود و كشف سبحاتِه۪ حقيقة هيكل التّوح۪يد و ان كٰانت اركان القٰابليّة و مشخّصٰاتها السّتة المذكورة تامّةً في القوّة و الفعل باستكمال الاستعداد كان ذلك القابل وجوداً تشريعيّاً و هذا هو التّشريع و كشفُ سبُحٰاته حقيقة نور هيكل التّوحيد و هو نور صبح الازل فالتّكليف في الاوّل غاية للوُجود مساوق و للوجود في الثّاني غاية للتشريع مساوق فتفهّمه فانّه من غوامض الغيب المحفوظة عن الرّيب المنزّهة عن العيب .
قوله : و احكمتم عقد طاعته ،
الاحكام ضبط الشّي‌ء و اتقانه و هو في اللّغة و في الاصطلاح كما قال البعض هو ما يصحّ معنٰاه و يظهر لكل من عرف اللّغة و علي ما كان محفوظاً من النّسخ او التّخصيص او منهمٰا و علي مستقيم النّظم السّالم من الخلل و علي ما لايحتمل الّا وجهاً واحداً و عقد الحَبْل و البيع و العهد يعقد شَدَّهُ و عقد الحاسب باصٰابعه و العَقْد الضّمٰان و العهد و العقدة بالضّم الولاية علي البلدة و الضّيعة و العقار و البيعة و البناۤء المعقود و عقود عُقِدت كالابواب عطفت و المراد انّهم عليهم السّلٰام قد احكموا اي ضبطوا و اتقنوا عقد طاعته استمسكوا بالعروة الوثقٰي منه بطاعته في حقّهم و احكموا لش۪يعتهم ذلك الاستمسٰاك و ضبطوه بتعل۪يمهم و قودهم بازمّة وجوداتهم الّتي من اضوٰائهم الي ورود حياض الرّضوان و سَوقهم بعصيٍّ قطعوهٰا لهم من عليّين من اشجار المزن و بدلالتهم ايّاهم و سيرهم بين ايديهم و اضاۤءة انوارهم لهم في ظلمٰات العقبات التي في الصّراط في طريقهم و بَسطِهم ذلك الطّريق و توسعته حتّي كٰان لكث۪ير منهم اوسع ممّا بين الارض و السّماۤء بعد ان كان ادقّ من الشعرة و احدّ من السّيف و ذلك البسط بالدّعاۤء لهم و انارة قلوبهم و طرد الشّياطين المتبرّع۪ين عنهم و المتسلّط۪ين عليهم بذنوبهم بالتحمّل عنهم ذنوبهم و الاستغفار لهم حتّي اضاۤءت لهم سبل الرّشاد و هو قوله تعالي و لكلّ قوم هادٍ و ضبطوا لهم عقد البيع حين باعوا اللّٰهَ انفسهم ببذلهٰا ف۪ي ولٰايتهم و طاعتهم بانّ لهم الجنة و رضاهم و محبّتهم و جوارهم في منازلهم و لمّا كان البائع و المشتري اذا جَهِلا العوضَيْن لعدم رؤيته او احدهمٰا لعدم معرفته وَكَّلَ الجاهلُ مَنْ كٰانَ يعرف ما قد جهله الموكّل او كٰان الشّراۤء او البيع من غير كامل كالطفل و المجنُون قام وليّه مقامه في مصلحته ليرتفع الغرر و يكون ذلك اِحْكٰاماً و ضبطاً للعقد و البيع كٰانوا هم الّذين اوجبُوا عقد بيع ش۪يعتهم انفسهم علي اللّه تعٰالي ببذل انفسهم ف۪ي طاعة اللّه بولٰايتهم لعلمهم بما جعله اللّه عوضاً لشيعتهم و نيابتهم عليهم السلام نيابة ولايةٍ لٰا وكالةٍ فهم يبيعون و هم يشترون و هم يؤدّون و هم يُربّون فانْ قلت انّ الشّيعة هم المُجيبون ببلٰي في الذّر و هم المستج۪يبون في هذه الدّار بل قد اجاب المؤمنون و الانبيٰاۤء في هذه الدّار قبل وجود محمّدٍ و اهل بيته لانّهم صلّي اللّه عليه و عليهم حين اجاب المؤمنون من الأمم الماضية كانوا نطفاً في الاصلاب الزّاكية و الارحٰام المطهّرة كما ذكره العبّاس بن عبدالمطّلب في شعره في مدح النّبيّ صلّي اللّه عليه و آله و قد تقدّم و ذلك في قوله :
ثمّ هبطتَ البلادَ لا بشر       ** * **      انتَ و لٰا مضغة و لا عَلَق
بل نطفة تركب السّفينَ و قد       ** * **      الجم نسراً و اهلَهُ الغَرَقُ
تُنقل من صٰالبٍ الي رحمٍ       ** * **      اذا مضي عٰالم بدا طبَق
فاذا كٰانُوا قد اجابُوا في الدّنيا قبل وجودهم عليهم السّلٰام جٰاز ان يجيبُوا بدُونهم في الذّر لأنّ الترتيب في ذٰلك العٰالم طبق التّرتيب ف۪ي هٰذا العالم بل ما نستدلّ علي شي‌ء ممّا هناك الّا بمثله ممّٰا هُنٰا قلتُ هذا الّذي تُشير اليه انّما يجر۪ي علي الظّاهر من القول و امّٰا علي الحقيقة فقد ذكرنٰا مراراً عن الادلّة العقليّة و النّقليّة انّهم عليهم السلام علّة كلّ الخلق و انّ شيعتهم خلقوا من شعاع نورهم و انّهم يد اللّه الّتي ذكرها في كتٰابه حيث قال قل من بيده ملكوت كل شي‌ءٍ و المعنٰي انّ تصر۪يف كلّ شي‌ءٍ و تحر۪يكه و تسك۪ينه و اقباله و ادباره و غيبته و حضرته و قيٰامه و قوامه و قعوده و نفاده بيد اللّه بمعني انّ اسبابها الّتي هي تقوم بها قيام صُدورٍ و قيام ظهورٍ و قيام تحقّقٍ و قيٰام عروضٍ بيده سبحانه و هم يده و هم امره الّذ۪ي به تقوم السّماۤء و الارض و به يقوم كلّ شي‌ء فاذا عرفتَ هٰذا و نظرت الي اخبارهم عرفتَ انّ كلّ شي‌ء لايفعل شيئاً من الخير و لٰا شيئاً من الشّرّ الّا بهم فالخير منهم و بهم و الشّرّ بهم لٰا منهم و قد تقدّم في حديث ابن‌عبّاس انّ كلّ شي‌ء لٰايعرف شيئاً من التّسبيح و التّقديس و غير ذلك الّا بتعليم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و تعليم عليّ عليه السّلٰام و امّا انّ الشّيعة هم المجيبُون فانّما تلك الاجابة صدرت بتبعيّة فعلهم عليهم السّلٰام و اجابتهم كما في قوله تعالي و تحسبهم ايقاظاً و هم رقودٌ و نقلّبهم ذات اليمين و ذات الشّمال اي الي الخير و الي الشرّ و ان كنت تحسب انّهم هم السّاۤئرون فانهم مسيّرون و لايلزم منه الجبر كما ذكرناه في رساۤئلنا في بيان المنزلة بين المنزلتين لأنّ الائمة عليهم السّلٰام انّما فعلوا لهم بهم و اجابوا باستجابتهم ففعلهم في فعل ش۪يعتهم كالرُّوح في الجسد و قد اشرتُ الي هذا المعني في قصيدة نظمتُها في مرثية الحسين عليه السّلٰام في بيان انّ انصاره خرج بهم للموت حين خرج بهم للحيٰوة من حيث لم‌يعلموا فكلّ واحد يريد الموت لرضا الحسين عليه السّلٰام و مارضي الّا رضي بذلك لهم صلوات اللّه عليه قلتُ :
يسعي بهم سعيَ القضاء في الاُولي       ** * **      حياتهم في موتهم بالرّضا
و امّا انّ الانبياء الماضين و اممهم من المؤمنين قد استجابوا للّه قبل ان يوجد محمّد و آله صلّي اللّه عليه و آله في الدّنيا فليس كذلك بل انّهم صلّي اللّه عليهم يظهرون في كلّ عالم كما شٰاؤُا لانّهم المعلّمون للخلق و لايجُوز ان يفرض انّ احداً سبقهم علي خير قطّ من الاوّلين و الٰاخرين كما سمعتَ من حديث ابن‌عبّاس عن النّبيّ صلّي اللّه عليه و آله و مثله قول عليّ عليه السّلٰام في حديث السّحابة حين سأله الحسن عليه السلام و رأينا في الهواۤء ملكاً قائماً رأسُه تحت الشّمس و رجلاه في قعر البحر و له يد في المشرق و اخري في المغرب فلمّا نظر الينا قال اشهد الّا الٰه الّا اللّه وحده لٰا شريك له و اشهد انّ محمّداً عبده و رسوله و انّك وصيّ نبيّ اللّه حقّاً حقّاً بغير شكّ و من شكّ فيك فهو كٰافر فقلنا يا اميرالمؤمنين من هذا الملك و ما بال هذه في المشرق و اخري في المغرب فقال عليه السّلام هذا المَلك انا اقمتُه باذن اللّه تعالي في هذا الموضع و وكّلته بظلمات اللّيل و ايضاۤء النهار فلايزال كذلك الي يوم القيٰمة و ذلك انّما اعطاني اللّه تدبير امر الدّنيا فانا ادبّرها باذن اللّه تعالي و قال عليه السّلام في بيان معرفته بالنورانيّة لسلمان و ابي‌ذرّ يا سلمان و يا جندب قالا لبّيك يا اميرالمؤمنين قال عليه السلام انا الّذي حملتُ نوحاً في السفينة بامر ربي و انا الّذي اخرجتُ يونس من بطن الحُوت باذن ربّي و انا الّذي جاوزتُ موسي بن عمران بامر ربّي و انا الذي اخرجتُ ابرهيم من النّار باذن ربّي و انا الّذي اجريت انهارها و فجّرتُ عيونها و غرستُ اشجارها باذن ربّي و انا عذاب يوم الظُّلة و انا المنادي من مكان قريب قد سمعها الثّقلان الجنّ و الانس و فهمه قوم اِنّ۪ي لَأُسمع كلّ قومٍ الجبّارين و المنافقين بلغاتهم و انا الخضر عالم مُوسٰي و انا مُعلّم سليمٰان و داود و انا ذوالقرنين و انا قدرة اللّه عزّ و جلّ يا سلمٰان و يا جندب قالا لبّيك يا اميرالمؤمنين قال انا محمّد و محمّد انا و انا من محمّد و محمّد مني قال اللّه تعالي مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان يا سلمٰان و يا جندب قالا لبّيك يا اميرالمؤمنين قال انّ ميّتنا لم‌يمُت و غائبنٰا لم‌يغب و ان قتلانا لم‌يقتلوا يا سلمٰان و يا جندب قالا لبّيك يا اميرالمؤمنين قال انا امير كلّ مؤمن و مؤمنة ممّن مضٰي و من بقي و ايّدتُ بروح العظمة و انا تكلّمتُ علي لسان عيسي ابن مريم في المهد و انا آدم و انا نوح و انا ابرهيم و انا موسٰي و انا عيسي و انا محمّد انتقل في الصّور كيف اشاۤءُ من رأٰني فقد رأٰهم و من رأٰهم فقد رأٰني و لو ظهرتُ للناس في صورة واحدة لهلك فيّ الناسُ و قالُوا هو لايزول و لٰايتغير و انّما انا عبد من عباد اللّه تَعٰالي لاتسمّونا ارباباً و قولوا في فضلنا ما شئتم فانّكم لن‌تبلغوا كنه مٰا جعله اللّه لنٰا و لٰا معشار العُشر لانّا آياتُ اللّه و دلٰائله و حجج اللّه و خلفاۤؤه و امنٰاء اللّه و ائمّته و وجه اللّه و عين اللّه و لسان اللّه بنا يعذّب اللّه عباده و بنٰا يثيب و من بين خلقه طهّرنا و اختارنا و اصطفانا و لو قال شخصٌ لمَ و كيف و ف۪يم لكفر و اشرك لأنّه لايُسئل عمّا يفعل و هم يُسئلون يا سلمٰان و يا جندب قالٰا لبّيك يا اميرالمؤمنين قال مَن آمَن بما قلتُ و صدّق بمٰا بيّنتُ و فسّرتُ و شرحتُ و اوضحتُ و نوّرتُ و برهنتُ فهو مؤمن امتحن اللّه قلبه للأيمان و شرح صدره للاسلام و هو عارفٌ مستبصر قد انتهي و بلغ و كمل و من شكّ و عند و جحد و وقف و تحيّر و ارتاب فهو مقصّر و ناصب يٰا سلمان و يا جندب قالا لبّيك يٰا اميرالمؤمنين قال انا اُح۪يي و اميتُ باذن ربّي و انا انبّئكم بمٰا تأكلون و ما تدّخرون في بيوتكم باذن ربّي و انا عالم بضماۤئر قلوبكم و الائمّة من اولٰادي يعلمون و يفعلون هذا اذا احبُّوا و ارادُوا لانّ كلّنا واحد اوّلنا محمّدٌ و آخرنا محمّدٌ و اوسطنا محمّدٌ و كلّنا محمّدٌ فلاتفرّقوا بيننا فانّا نظهر في كلّ زمانٍ و وقت و اوانٍ في ايّ صورة شئنٰا باذن اللّه عزّ و جلّ كنّا و نحنُ اذٰا شئنا شاۤء اللّه و اذا كرهنٰا كره اللّهُ الويل كلّ الويل لمن انكر فضلنا و خصوصيَّتنا و مٰا اعطانا اللّهُ ربّنا لانّ من انكر شيئاً ممّا اعطانا اللّه فقد انكر قدرة اللّه عزّ و جلّ و مشيّته فينٰا الحديث ، و الاستشهاد في قوله عليه السّلام في الحديث الاوّل انا اقمتُه باذن اللّه ، علي انّه الوليّ من اللّه علي ساۤئر خلقه فلايكون شي‌ء بامر اللّه الّا عنه و كذلك قوله انّما اعطاني اللّه تدبير امر الدُّنيا فانا ادبّر بامر اللّه تعالي ، فاذا كٰان هو المدبّر لما يتعلّق بالايْجادات كان تدب۪يره لما يتعلّق بامر التكليف بالطريق الاولي بالنّظر الي من لايعرفه بامر الا۪يجادات كمٰا هو المعرُوف عند عواۤمّ الناس و انّما يعرفه في ذلك بما يتعلّق بالتّكاليف و كذلك قوله في الحديث الثاني انا حملت نوحاً في السّفينة الخ و قوله انا المناد۪ي الخ و قوله انّ۪ي اسمع كلّ قوم الخ و قوله و انا الخضر عالم موسٰي و انا معلِّم مُوسٰي الخ صريح في المدّعٰي و كذا قوله و انا تكلّمتُ علي لسان عيسي ابن مريم اصرح و اصرح منه قوله انتقل في الصّور كيف اشاۤء و اظهر من الكلّ قوله فانّا نظهر في كلّ زمانٍ و وقت و اوانٍ في ايّ صورةٍ شئنا و كلّ هذا شواهد ما اَوَّلْنٰا من قوله تعالي و تحسبهم ايقاظاً كما سَبَق فان فهمتَ و قبلتَ و الّا فلاتكذب بما لم‌تحط به علماً فتكون من اهل قوله الويل كلّ الويل لمن انكر فضلنا و خصوصيّتنا و ما اعطانا اللّهُ ربّنا لانّ من انكر مٰا اعطانا اللّه فقد انكر قدرة اللّه عزّ و جلّ و مشيّته فينا ، و اذا اردتَ تحقيق مٰا اشرنا اليه من تأويل قوله تعالي و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلّبهم ذات اليمين و ذات الشّمال فاعلم انّ الضّمير الذي في نقلّبهم المدلول عليه بالنّون في التّفسير الظاهر يعود الي اللّه تعالي و هو ضمير المتكلم و معه غيره او المعظِّمِ نفسَهُ و المعلوم انّه لايعود علي الذات البحت انّما يعود علي مبدأ النّسبة و هو مثال الذّات المعبر عنه هنا بفاعل التقليب لا الذّات البحت علي ان معوده المتصف بالتكلّم بقيد التكلّم و التعظيم غير الذّات بل هو في الحقيقة هو الذي معه غيره فهم عليهم السّلام التكلّم و هم العظمة و هم ذلك المع فافهم و امّا انّ الامم الماضية اجاب المؤمنون قبل ان يوجدُوا فليس كذلك بل قد ورد النّصوص بالعموم و الخصوص بانّهم عليهم السلام خُلقوا قبل كل شي‌ء بالف دهرٍ و في الحديث المتّفق عليه و هو قوله صلّي اللّه عليه و آله كنتُ نبيّاً و آدم بين الماۤء و الطّين و روي ابن ابي‌جُمهور انّ عليّاً عليه السلام قال كنتُ وليّاً و آدم بين الماۤء و الطين و ما دلّ علي انّهم الحجة علي كلّ الخلق و قد دلّ اخبارهم عليهم السّلام علي انّ الحجّة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق و ما ذكرنا من حديث السّحابة و حديث معرفته بالنّورانيّة كما مرّ و غير ذلك ممّا لايكاد يُحصٰي كلّها دالّة علي سبقهم علي جميع الخلق و امّا الاستدلال بانّ هذا التّرتيب في ذلك العالم طبق التّرتيب في هذا العالم فهو صحيحٌ و الامر كذلك و لكن الظّهور البشري من محمّد متأخّر عن الامم الماضية و امّا الظّهور الوجودي فانّه متقدّم و هو الّذي عليه المدار و لايتوهّم انّ الكثيف المقابل للسّراج هو الّذي وجد من نور السراج و امّا مٰا بينه و بين الكثيف المقابل فليس شيئاً لانّه لو لم‌يكن شي‌ء بينه و بين الكثيف لم‌يكن في الكثيف اشراق لعدم الواسطة و لئلّايلزم وجود الابعد من المبدأ قبل وجود الاقرب و لئلّايلزم الفصل بين المفيض و الفيض و لو قيل بانّ ما ظهر في الكثيف هو الاول و هو الاقرب و ليس بينه و بين المفيض فصل و لا وصل لزم ان يكون لو حدث بعده كثيف بينه و بين الكثيف الاوّل كٰان اقلّ نوراً من الاوّل و كان مستنداً الي الاوّل مع انّ الامر بالعكس بل يكون اقوي نُوراً من الاوّل و كان الاوّل مستنداً اليه و ليس ذلك الّا لكونه موجوداً اذ لايصحّ وجود الاضعف قبل الاقوي و امّا الظهور البشريّ فلايلزم من تقدّم وجوده عدم تقدّم الظّهور البشر۪ي فافهم و امّا احكام العهد فمنه عقد قابلات و مقبولٰات و قد مرّت الاشارة و منه تعهّدٌ و التزام بالوفاۤء و ذلك في الحقيقة اقرار بالحقّ لذي الحقّ و باستحقاق الحقّ سبحانه و تعالي للحقّ كما في قوله تعالي ايّاك نعبد و ايّاك نستعين فاحكام هذا العهد و الالتزام بتب۪يين المعرفة و تحبيب الطّاعة و الحيلولة بينه و بين الشّياطين و الشّهوات حتّي يحبُّوا الطّاعة عن معرفة فتخلص نيّاتهم و تثبيت القلوب بالطّمأنينة و الاستقامة بمحو الاوهام و الشّكوك و التوقّفات و الهموم ثلث سن۪ين حتي يستقرّ الحق باعتياد النّفوس به الملزوم بالتّرغيب و التّرهيب مرّةً بعد اخري فهم يعلمون الحقّ بالحقّ و يعملون للحقّ و يقولون للحقّ و يُقرّون للحقّ و يقرّون في الحقّ و يُقرّون علي الحقّ فاحكموه منهم عليهم و من ش۪يعتهم حتّي قطعُوا ظهور الشّيٰاطين و اقامُوا للّه الحقّ و الدّين صلّي اللّه عليهم اجمعين .
قال عليه السّلام : و نصحتم له في السّرّ و العلانية و دعوتم الي سبيله بالحكمة و الموعظة الحسنة ،
قال الشارح (ره‌) و نصحتم له اي لله تعالي عبادَهُ في السّر و العلانية و دعوتم ايّاهم بالحكمة و الموعظة الحسنة اي بالقرءٰان و السّنة او مقرونة بالحكمة في القول و الفعل حتّٰي بالجهٰاد و الحدُود بالنّظر الي بعضٍ و بالموعظة بالنّظر الي آخر او الجميع او مندرجاً انتهي .
اقول النّصح الخلُوص و ضدّ الغشّ و فلان ناصح اي نقيّة و النّصيحة تستعمل لمعانٍ تعدّدت بتعدّد مقٰاماتها فالنّصح لكتاب اللّه التّصديق به و الايمان بمحكمه و متشابهه و انّ متشابهه اُر۪يدَ به المحكم و تأويله بالحقّ الّذي يؤدّ۪ي الي محض التّوحيد و خالص العدل و صادق النبوّة و لطف الولاية و حقيّة يوم الدّ۪ين و الوقوف عند عدم الظّهور مع الايمان و التّسل۪يم و عدم الالتفات الي مٰا يخالف ذلك و النّصح لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الايمان به و بنبوّته و رسالته و بما جاۤء به عن ربّه من احوال النّشأتين و الانقياد لما امر به و نهي عنه و قبول نصحه و الاهتداۤء بارشاده و الاتّباع له في اقواله و افعاله و اعماله و اعتقاداته بحسب طاقة المكلّف و النصح لائمّة الهدي عليهم السّلٰام الاخلاص ف۪ي محبّتهم و الاحتمال لعلمهم و المتابعة لهم في اقوالهم و افعالهم و اعمالهم و عدم الشّكّ فيهم و الاستقامة علي ولايتهم و التّسليم لهم و الرّد اليهم و الاخبٰات فيمٰا يرد عنهم ف۪ي شأنهم و فضاۤئلهم و بذل الجهد و المجهود في القيام بواجب حقّهم و قبول اوامرهم و اجتناب نواهيهم و الاتّباع في كلّ حال من الاقوال و الاعمال و موالاتهم و موالاة وليّهم و اِن كانَ ابعد بعيدٍ و معادات عدوّهم و ان كان اقرب قريب و لِلّه دَرُّ دِعْبِل الخُزاع۪ي حيث يقول في هذا المقام :
اُحِبُّ قَصيَّ الرَّحْمِ من اجل حُبِّكم       ** * **      و اَهْجُرُ فيكم زَوْجَت۪ي و بنات۪ي
و الاحتجاب بذمّتهم و التّمسّك بحبلهم و الاعتراف بحقّهم و الاعتصام بذمامهم و التّوقّي بولايتهم و الاتّكال علي حبّهم و الانتظار لرجعتهم و الاستعداد لنصرتهم و الدّعاۤء بتعجيل فرجهم و المصابرة لايّامهم و هُويّ الافئدة اليهم و معرفة انّ الحقّ لهم و معهم و فيهم و عندهم و بهم و عنهم و اليهم و مدّ البصائر اليهم في جميع الاحوال لانّهم وجه الملك المتعال و النّصح للّه التّحقّق بتوحيده و برؤية عدله و القيام باوامره و الاجتناب لنواهيه و اخلاص النيّة في عبادته و خدمته و نصرة الحقّ فيه بمحبّة من احبّ له و بغض من ابغض له و فعل ما يرضي و رضا ما يفعل و قصر جملته من ظاهره و باطنه و سرّه و علانيته علي موافقة ارادته و طلب رضاه و محبّته و طاعة رسوله صلّي اللّه عليه و آله و طاعة اولياۤئه عليهم افضل الصّلوة و السّلٰام فيهم و في فروعهم من جميع الطاعات علي نحو ما ذكرنا في حقّه و حقّهم عليه و آله السّلٰام و ذلك كله هو التحقّق بمعرفته تعالي علي الحقيقة فهذا كلّه من النصح له سبحانه في السّرّ و العلانية امّا في السّر ففي الاعتقادات و النيّات و في الاعمال فيما بينه و بين نفسه في الخفية و الخلوة ممّا كان العلّة في اخفائه كراهة اطّلاع الغير لتقيّة او غيرهٰا اوْ لا و امّا الاعلان ففي الافعٰال و الاقوال ممّا كٰان العلّة في اظهاره محبّة اطّلاعه امّا للتّعليم و الاقتداۤء و التّعريف و امّا لجمع القلب بالاجهار او الاتّفاق او غير ذلك لأنّ من تحقق بمعرفة اللّه سرت في بواطنه و ظواهره و اركانه و مشاعره فلاينفكّ عن تلك الحال في حال و لقد اشار عبداللّه بن قاسم السّهرورد۪ي في قص۪يدته التي نظمها في ذكر احوال سلوك اهل التصوّف في هذا المعنٰي قال :
مَن اتانا القي عصي السّير عنه       ** * **      قلتُ مَن ل۪ي بها و اين السّبيل
و قوله (ع‌) : و دعوتم الي سبيله بالحكمة و الموعظة الحسنة ،
يشير به الي قوله تعالي ادع الي سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالّتي هي احسن و المراد بالحكمة و اللّه اعلم الدّليل الذّوقيّ الّذي كان بعين الفؤاد و علي مقتضي الفطرة التي فطر اللّه عليها العباد و ذلك مفيد للمشاهدة و المعٰاينة و ذلك بقراءة ما كتب اللّه في الواح كتب الٰافاق و الانفس من الٰايات الدّالّات علي معرفة الاشيٰاۤء كمٰا هي لانّها هي مرايا المعٰاني و الاعيان و ليس فيها شُبَهٌ و لٰا اوهام و لا شكوك بل هي اشباح الاشياۤء و اظلّتها بالحقّ الّذي لا مرية فيه مع انّ هذا الدّليل انّما ينتفع به المؤمن الّذي امتحن اللّه قلبه للايمٰان و هو من كٰان صادقاً مع اللّه و مع رسُوله صلّي اللّه عليه و آله و اوصيٰائه عليهم السّلٰام كما قال الباقر (ع‌) ما من عبد حبّنا و زاد ف۪ي حُبّنا و اخلص في معرفتنا و سُئل مسئلةً الّا نفثنٰا في رُوعه جواباً لتلك المسئلة ، و امّا من قرع غير بابهٰا و اراد دخول بيتها من ظهره فانّه و ان عرف الدّليل و كيفيّة الاستدلٰال بها بمثل استعمال الرّياضات و الاذكار المعروفة عندهم فانّه لايوفّق لحقّها و يوفّق لكشف ما اشكل عليه في مذهبه البٰاطل بصورة الحقّ فهو بغير قصد شرعيّ يه۪يم في اودية البٰاطل الم‌تر انّهم في كلّ واد يه۪يمُون و انّهم يقولون ما لايفعلون فقد خرج من ظلمة جهل و دخل ف۪ي ظلمة نفاق و جحدُوا بها و استيقنتهٰا انفسهم ظلماً و علوّاً و ظلمة انكارٍ كما قال تعالي يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها ، ام لم‌يعرفوا رسولهم فهم له منكرون و في الحقيقة هذا ليس حكمةً بل هو استكبارٌ و شيطنةٌ و هي شبيهةٌ بالحكمة و لهذا ضلّ في دليلها كثيرُون و زلّ في سبيلها عارفون كما اشرنا اليه سابقاً من بعض مقالات اهل التصوّف و اعتقاداتهم و من قال بقولهم و اتّبَع آرَاۤءَهُم و هذا الدّليل اذا تحقّق لشخصٍ كان علمه ضروريّاً علم عيانٍ و احاطة لا علم اخبارٍ و مفهوم و معني هذا اَنّ ما تتصوّره و هو علمك ان كان بعد الرّؤية بالعين فهو علم عيان و ان كان بعد مُعايَنة اسبابه و ما يتفرّع عليها و ما تتوقّف عليه فهو علم احاطة و ان كان انّما سمعت الخطاب الملقي اليك فرأيت ببصيرتك ما دلّك اللّفظ عليه من جهة فهمك لا من جهة وضعه فهو علم اخبار و هذا الخطأ فيه اكثر من الصّواب اذ ربّما تفهم منه غير ما وضع اللّفظ له و غير ما اراد المخاطِب و انما تفهم شيئاً قد صاغَهُ لك الخيال بتلَوُّنِه۪ فينتقش فيه ما تلوَّن به و هذه الصّورة صورة العلم المفهوم و نظيره اذا رأيتَ شيئاً من بعيدٍ فظننت انّه انسانٌ فانه منتقش في مرٰاۤة خيالك صورةُ ما فهمت و هذا علم مفهوم و مظنون فلمّا قربتَ منه فاذا هو خشبةٌ و دليل الحكمة المشار اليه هو علم العيان و علم الاحاطة و دليله كتاب اللّه التّدويني و التكويني في الٰافاق و في الانفس و عينه و مبصره الفؤاد و هو نور اللّه و هو التّوسّم و هو الفراسةُ و لهذا قلنا انّ هذا لايقابله الّا الانكار لانّه قد عايَنَ فلايفقد فيقابله الجهل كما في العلم و لايتوقّف فيقابله الشّكّ كما في اليقين و اللّه سبحانه يحاكم صاحبه الي فؤاده و شرط صحته انصافُ ربّه سبحانه .
و امّا الموعظة الحسنة فهي ان يجري في الاستدلال علي حدود العقل الشّرعي و هو ما عُبد به الرّحمن و اكتُسِب به الجنان كما قال عليه السّلام و المراد انّك تقف مع خَصمك بين الاحتمالين فتدعوه الي ما فيه السّلامة و النّجاة و الاحتياط و الرّاحة منهما مع قطع النّظر عن الخصوص حين الدّعوة علي سبيل الفرض لتسهل معالجة الخصم و امالتُه الي الحقّ اذ لو دعوته الي الخصوص مع اعراضه عنه لم‌يقبل و لعُمّيَ عليه المنهج فاذا تحاكمتُما الي عقله كابره و انكر معروفه و اذا اعرضتَ عن الخصوص لم‌يبعد عنه فقَرِّبْه اليه علي جهة الفرض و ذلك كما قال مؤمن آل فرعون لمّا توامرُوا علي قتل مُوسٰي اتقتلون رجلاً ان يقول ربّي اللّه و هو قولٌ ان لم‌ينفعكم لم‌يضرّكم و الحال انّه قد جاۤءكم بالحقّ من ربّكم لانّ الذي اتي به لٰايشابه شيئاً من الباطل و لايكون في وسع احدٍ من البشر الاتيان بمثله و مٰا هذا شانه يكون حقّاً و لايكون الّا من عند من هو قادر علي ايجادكم و تربيتكم و لو جاز ان يكون في الاحتمال مع قطع النّظر عن كونه حقّاً للعلّة الّتي ذكرنا كاذباً فانّما كذبه علٰي نفسه لانّ ذلك لايضرّ الا من كذب و هو الّذي فرض كذبه و ان يك صادقاً كما تشهد به سنّة مَن كٰان قبلكم مثل قوم نوح و قوم هود و قوم صالح و غيرهم فانّه معكم كمثل اولۤئك مع قومهم يصبكم بعض الّذي يعدكم و انما قال بعض و لم‌يقل يصبكم الّذي يعدكم لأنّ العالم باللّه لايحتم علي اللّه فيجوز ان يعدهم بشي‌ء يعفو اللّه عنه كما وعد يونس عليه السلام قومه بالهلاك عن اللّه ثمّ بدا له سبحٰانه فعفٰا عنهم و كشف عنهم عذاب الخزي في الحيٰوة الدّنيا و متَّعَهُمْ الي حين و بالجملة فهذا و مثله هو دليل الموعظة الحسنة و هو يثمر علم اليقين لانّه راجع ( راجح ظ ) اختيار ما فيه النّجاة من الاحتمالين المتنازع فيهما و يقابله الشّك و الرّيب و التوقّف و لايقابله الانكار لانه قد يكون في شي‌ء يقطع بحصول النّجاة فيه و ان لم‌يحصل له الاطّلاع عليه من باب الاحاطة و المعاينة و لايقابله الجهل لانّه لم‌ينظر في وجود شي‌ء و عدمه ليكون اذا وجد تحقّق فيكون ضدّه فقدان ذلك الشّي‌ء و انّما ينظر في شي‌ء و ضدّه و هما موجودان يعتلجان في وجه العقل عند باب القلب لانّ الشّخص قبل الطّمأنينة في الشّكّ و الرّيب لتردّده بين الطّرفين او التّوقف ما دام الوقوف بين متعادلَيْن فاذا رجّح الحقّ و اطمأنّ عليه كان اليقين الّذي لٰايقابَلُ الّا بالشّكّ و الرّيب و التّوقف فاذا استعمل الاستدلال بالموعظة الحسنة افاد عند استكمال شرائطه التي من جملتها التّوفيق من اللّه تعٰالي اليقينَ و اللّه سبحانه يحاكِمُ صاحبَ هذا الدّليل يعني المستَدِلّ به و المستدَلّ عليه بفتح الدّال عند قلبه و شرطُ اِنتاجه انصافُ عَقْلِكَ اذا حَكَمَ عليك و امّا المجادلة بالّت۪ي هي احسن فهو دليل ظاهر اكثر الاستدلالات به من النّاس و من المتكلّمين و الفقهاۤء لانّه يستند فيه الي ما يدلّ اللّفظ عليه بظاهره او ما يلزم ذلك من منطوق صريح او غير صريح او مفهوم او غير ذلك او الي احد القياسات الاربعة المنطقيّة و بالجملة فكتبُ العلماۤء مشحونة منه بل وجود غيره فيها قليل و القرءان و الاحٰاديث قد وردت بها ذكراً و استعمالاً لانّ عمدةَ قيام الحجج علي العوامّ به لانّ غيره من دليل الحكمة و الموعظة الحسنة لايكاد يعرف كونه دليلاً الّا عند اهلها و السّبيل هو الطّريق و المراد هنا الدّعاۤء الي اللّه سبحانه بتوحيده و عدله و بيان صفاته و اسماۤئه و الي القيام باوامره و الاجتناب عن نواهيه و الي رسُوله صلي اللّه عليه و آله و قبول امره و الانتهاۤء عند نهيه و تصديقه في كلّ مٰا اتٰي به عن اللّه تعٰالٰي من احوال النّشأتين و الي اهل بيته صلّي اللّه عليهم بمحبّتهم و محبّة محبّيهم و معاداة عدوّهم و البراءة منهم و بموالاتهم و التسليم لهم و القبول عنهم و الردّ اليهم و الاهتداۤء بهُديٰهم و الاحتمال لعلمهم و الاحتجاب بذمّتهم و الاتّكال علي ولٰايتهم و حبّهم و الاخلاص في الاعتراف بحقّهم و التّمسك بحبلهم و الايمان بانّ الحقّ لهم و معهم و فيهم و بهم و التّصديق بالتّفويض اليهم و التّعويض عليهم و انّ اِيَابَ الْخلق الَيْهِم وَ حِسَابُهُمْ عَلَيْهم وَ انَّ فَصْلَ الخطابِ عندهم و هذا كله من ولايتهم فيما يرجع الي الصِّفَاتِ الفعلية باعتبار متعلّقاتها و امّا ما يرجع الي الذوات فهم سبيل اللّه تعالي فيما يشاۤؤه و يريدهُ وَ يقدّرهُ و يقضيه و يمضيه و يأذن له و يُوَقِّتهُ و يكتبه و يؤجِّلُه في ساۤئر خلقه بمعني ان كل شي‌ء من خزاۤئن غيُوبه مما جعله لخلقه فقد جعله عندهم (ع‌) و لم‌يجعل فيما خَصَّهُمْ به لِاَحدٍ مِنْ خَلقِه۪ نصيباً وَ لَمْ‌يجعل لاحدٍ مِنْ خلقه شيئاً الّا مما جعله عندهم و لم‌يجعل لاحدٍ مِنْ خلقه ممّا جعله عِنْدَهُمْ اِلّا بهم فهم السَّبيلُ اي سبيل اللّهِ الي عباده و هم حقيقةُ ذلك كلِّه۪ و ظاهرُهُ و هم السبيلُ اي سَبيل الخَلْق الي اللّهِ عَلَي نحو ما تقدّم من توقّف قبول الاعمال و الدّعاۤء و الاذكَار و غير ذلك عَلي محبّتِهمْ و ولايتهم و الاخذ عنهم و الرَّد اليهم و التسليم لهم و البراءة من اعداۤئهم و جميع مَا ذكر سَابقاً ممّا يثبت لهم ممّا ذكرنا سابقاً و قدْ تَقدّمَ هذا المعني مكرراً و الحاصل انّهم عليهم السلام دعوا الي سبيل اللّهِ الّذي هو الطريق الذي يحقّ ان يُسَبَّل فلايكون لاحدٍ ارادَهُ مانعٌ لانه سبحانه منذ فتح باب الخير مَا سَدَّهُ عن طالِبٍ وَ انِّما اَعْمَالهم تحجبهم عن سلوك الطريق الموصل الي الحق بدليل الحكمة المشار اليه سابقاً و بالموعظة الحسنة حتي لايكون لاحد من الخلق حجة علي اللّه .
قال عليه السلام : و بذلتم انفسكم في مرضاته و صبرتم علي ما اصابكم في جنبه ،
قال الشارح (ره‌) و بذلتم انفسكم في مرضاته بالمداومة علي العبادات او باظهار الشريعة و ان اصابهم ما اصابهم من الشهادَةِ سرّاً او جهراً فانه روي في الاخْبار المتكثرة انهم قالوا مَا منّا الّا وَ هُوَ شَه۪يد و نقل ايضاً من سقي جَبَابِرَةِ و طواغيت ازمنتهم السُّموم و صبرتم علي ما اصابكم في جنبه اي في امره و رضاه و قربه انتهي .
اقول انّهم عليهم السلام بَذلُوا انفسهم في مرضاة اللّه سبحانه حتّي اضَرُّوا بانفسهم في المطعم و المأكل و الملبس كما هو مذكور في اَخْبَارِهم و لقد روي الشيخ في مجالسه بسنده عن ابي‌جعفر محمد بن علي عليهما السلام ان فاطمة بنت علي بن ابي‌طالب لما نظرت الي ما يفعل ابن اخيها علي ابن الحسين عليه السلام بنفسه من الدأب في العبادة اتت جابر بن عبداللّه بن عمرو ابن حزام الانصاري فقالت له يا صاحب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انّ لنا عليكم حقوقاً من حقِّنا عليكم اَن اذا رأيتم احدَنا يهلك نفسه اجتهاداً ان تذكّروه اللّهَ و تدعوه اِلي البقيا علي نفسه و هذا عليّ بن الحسين (ع‌) بقيّة ابيه الحسين (ع‌) قد انخرم انفه و ثفَنت جبهته و ركبتاه و راحتاه ادْاب منه لنفسه في العبادة فاتي جابر بن عبداللّه باب علي بن الحسين عليهما السلام و بالباب ابوجعفر محمد بن علي عليهما السلام في اُغَيلمةٍ من بني‌هاشم قد اجتمعوا هناك فنظر جابر اليه مقبلاً فقال هذه مشية رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سجيّته فمن انت يا غلام قال فقال انا محمد بن علي بن الحسين فبكي جابر رضي اللّه عنه ثم قال انت واللّه الباقر عن العلم حقاً ادنُ منّي بابي انت فدنا منه فحلّ جابر ازرارَهُ و وضع يده علي صدره فقبّله و جعل عليه خدّه و وجهه و قال له اُقْرِئُكَ عن جدّك رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله السلام و قد امرني ان افعل بكَ ما فعلت و قال لي يوشك ان تعيش و تبقي حتّي تلقي من ولدي مَن اسمُه محمّد يبقر العلم بَقْراً و قال لي انّك تبقي حتي تعمَي ثم يكشفُ لك عن بصرك ثم قال ائذن لي علي ابيك فدخل ابوجعفر علي ابيه عليهما السلام فاخبره الخبر و قال انّ شيخاً بالباب و قد فعل بي كيت و كيت فقال يا بني ذلك جابر بن عبداللّه ثم قال اَمن بين ولدانِ اهلِكَ قال لك ما قال و فعل بك ما فعل قال نعم ابي اللّه انه لم‌يقصدك فيه بسوءۤ و لقد اشاط بدمك ثم اذن لجابر فدخل عليه فوجده في محرابه قد اَنْضته العبادة فنهض علي عليه السلام فسأَله عن حاله سؤالاً حَفيّاً ثم اجلسه بجنبه فاقبل جابر عليه يقول يا ابن رسول اللّه (ص‌) اما علمت انّ اللّه تعالي انما خلق الجنّة لكم و لمن احبكم و خلق النار لمن ابغضكم و عاداكم فما هذا الجهد الذ۪ي كلّفتَهُ نفسَكَ قال له علي بن الحسين يا صاحب رسول اللّهِ صلي اللّه عليه و آله اما علمتَ انّ جدي رسول اللّه قد غفر اللّه له ما تقدمَ من ذنبهِ و ما تأخر فلم‌يدع الاجتهاد و تعبد بابي هو و امي حتي انتفخ الساق و ورم القدم و قيل له اتفعل هذا و قد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخّر قال افلااكونَ عبداً شكوراً فلما نظر جابر الي علي بن الحسين عليهما السلام و ليس يغني فيه قولُ مَنْ يستميله من الجهد و التعب الي القصد قال له يا ابن رسول اللّهِ البقيا علي نفسِك فانك لمن اُسْرَةٍ بهم يستدفع البلاۤء و يُسألُ كشف اللَّأواۤء و بهم يستمطر السماۤء فقال يا جابرُ لاازال علي منهاج ابويّ مؤتسِياً بهما صلوات اللّه عليهما حتّي القاهما فاقبل جابر علي مَن حضر فقال لهم واللّه مارُأيَ في اولاد الانبياۤء مثل علي بن الحسين الّا يوسف بن يعقوب عليهما السلام واللّهِ لذرّيّة عليّ بن الحسين افضل من ذرّيّة يوسف بن يعقوب انّ منهم لمن يملأ الارض عدلاً كما مُلِئت جوراً ه‍ ، و كذلك جميع الائمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين فانّهم اتعبوا انفسهم في عبادة اللّه في الصلوة و الصيام الي حدٍّ لايقوم به احد من الخلاۤئق لا ملك مقربّ و لا نبي مرسل و كانوا يقتفون اثر جدهم صلي اللّه عليه و آله و كان اذا صلّي قام حتّي تتفطّر رجلاه قالت عايشة يا رسول اللّه اتصنع و قد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخر قال يا عايشة افلااكون عبداً شكوراً و غير ذلك مما يصعب حصره و روي الشيخ في اماليه بسنده عن محمد بن مسلم قال دخلتُ علي ابي‌جعفر عليه السلام ذات يوم و هو يأكل متّكِئاً و قد كان يبلغُنَا انّ ذلك يكره فجعلتُ انظر اليه فدعاني الي طعامه فَلمّا فرغ قال يا محمّد لعلّك تري انّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رأته عين و هو يأكل متّكئاً منذ بعثه اللّه الي ان قبضه ثم ردّ علي نفسه فقال لا واللّه مارأته عين و هو يأكل متّكئاً منذ بعثهُ اللّه الي ان قبضه ثم قال يا محمّد لعلّك تري انه شبعَ من خُبزِ بُرٍّ لا واللّه ماشبع من خبز بر ثلاثة ايام متواليةٍ الي اَن قبضه اللّهُ اَما اني لا اقول انّه لم‌يجد لقد كان يجيزُ الرجل الواحد بالمائة من الاِبل و لو اراد اَن يأكل لَاَكَلَ و لقد اتاه جبرئل عليه السلام بمفاتيح خزاۤئنِ الارض ثلاث مرّاتٍ فخيّره من غير ان ينقصه اللّهُ ممّا اعَدّ له يوم القيمة شيئاً فيختار التّواضع لربّه و ماسُئِل شيئاً قطّ فقال لا ، ان كان اعطي و ان لم‌يكن قال يكون ان شاۤء اللّهُ و مااعطي علي اللّهِ شيئاً قطّ الّا سلّم اللّهُ له ذٰلِكَ حتّي ان كان ليعطي الرجل الجنّةَ فيسلّم اللّه ذلك له ثم تناولني بيده فقال و ان كان صاحبكم عليه السلام ليجلس جلسةَ العبد و يأكل اكلة العبد و يطعم النّاس الخبز و اللّحم و يرجع الي رَحْله فيأكل الخلّ و الزَّيت و ان كان ليشتري القَم۪يصَيْنِ السنبلانيَّيْنِ ثم يخيِّر غلامه خَيْرَهما ثم يلبس الٰاخر فاذا جَاز اصَابعَهُ قطعَهُ و اِنْ جَاز كعْبَهُ حَذَفهُ و ما وَرَدَ عليه امرانِ قطّ كلاهما لِلّهِ رِضاً الَّا اخذ باشَدِّهِما علي بدَنِه۪ و لقَدْ وليَ النّاسَ خمس سنين ماوضَع آجُرَّةً علي آجُرَّةٍ و لا لِبنَةً علي لِبنَةٍ و لا اقطعَ قطيعةً و لا اورثَ بيضاۤء و لا حمراۤء الّا سبعمائة درهمٍ فضَلَتْ من عَطاۤئِه اراد ان يبتاع بها لاهله خادِماً و ما اطاق عمله منّا احد و ان كان علي بن الحسين عليه السلام لينظر في كتابٍ من كُتب عليٍّ عليه السلام فيضرب به الارض و يقول مَن يطيق هذا ه‍ ، و في رواية محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام الي ان قال و لقد اعتق الف مملوك من كدِّ يده و تَرِبَتْ فيه يداه و عرق فيه وجهه و مٰاطاق عمله من الناس كان يصلّي في اليوم و الليلة الف ركعة و ان كان اقرب الناس شبهاً به علي بن الحسينِ عَليهما السلام و مااطاق عمله احدٌ من الناس بعده ه‍ ، و بالجملة كلهم عليهم السلام في العبادة و الخشوع للّه و الزهد و الورع و الكرم و القيام بالجهاد في سبيل اللّه تعالي جهاد النفس و جهاد الكفّار و البغاة قد بذلوا انفسهم و اموالهم لم‌يبقوا فيهما بقيّة لانفسهم و لا لمن سويهم حتي اضرّوا بانفسهم في غاية الجهد و لقد كان جدّهم صلّي اللّه عليه و آله قام عشر سنين علي اطراف اصابعه حتي تورّمت قدماه و اصفرّ وجهه يقوم الليل اجمع حتّي عُوتب في ذلك فقال اللّه عز و جل طه ماانزلنا عليك القرءان لتشقَي بل لتسعَدَ به و كان من ختام اجتهادهم و بذلهم انفسهم في طاعة اللّه انّ اللّه سبحانه لمّا خلق النور و خلق الظلمة و خلقهم من صفوة النور فهم زاكون طاهرون لم‌يشبهم كدر و لم‌تقع منهم معصية و خلق اعداۤءهم من صفوة الظلمة فهم خبيثون ليس لهم نور و لم‌تقع منهم طاعة خلط باقي الطينتين لما بينهما من نوع المشاكلة لانّ بقيّة النور التي هي طينة المؤمن لم‌تكن صافية بل فيها شوبٌ ما من الظلمة لقوّة المزج المقوِّم لها و كثرته زيادة علي ما يحصل به تقوّم النور و كذلِك بقيّة الظلمة التي هي طينة المنافقين التّابعين لم‌تكن صافية بل فيها شوب مَا من النور من جهة المزج المقوّم لها و كثرته زيادة علي مايحصل به تقوّم الظلمة فلمّا اخذ المؤمنين بيمينه اصابهم من لطخ المخالفين فحكم بعدله انّه لايجاوز ظلم ظالم فشفع محمد و اهل بيته الطيبين عليه و عليهم الصلوة و السَّلام عند اللّه سبحانه في شيعتهم و شرط عليهم فيما طلبوا منه و اجابهم اليه شروطاً قد عظّم بها مثوبتهم و رفع بها درجتهم الي مراتب عنده لم‌يكونوا ينالونها الا بتلك الشّروط و جعل هذه الشروط لتكميل شيعتهم لا لتكميلهم تشريفاً لهم و تنزيهاً لمقامهم عن توقفِ تكمّل ذواتهم علي شرطٍ لثلاثة اوجه :
الاوّل ان استحقاق ذواتهم لغايةِ الكمال الامكاني لم‌يكن مع اصل الشرط او بعده بل استحقاقها ذاتيٌّ لانّها قبل الشروط و قبل القيود لانّها ليست من الوجود المقيد من قوله تعالي يكاد زيتها يضيۤ‌ء و لو لم‌تمسسه نار .
الثاني لمّا كانت لطيفتهم منَ اللّه تعالي زاۤئدةً علي حقيقتهم و تلك الزيادة تكمّل كلّ ناقصٍ منهم بل لا تكميل لناقصٍ من الخلق الّا بها ناسب ان يُنسب اليهم الاشتراط لتكون ما كمّلوا به انّما هو لشرطٍ شُرِط عليهم لاظهار تكرّمهم علي محبّيهم و شفقتهم عليهم فلايكون ما فعلوه الّا بعوضٍ كما هو شأن غير المماليك انما يفعلون لمقابلة شي‌ء و هم و ان كانوا مماليك له سبحانه لايخرج احد عن ملكه و لكنّه وهبهم انفسهم فنزّلهم منزلة الاحْرار تكرمةً لهم فلذا فوّض اليهم فقال تعالي هذا عطاۤؤنا فامنن او امسك بغير حساب ،
الثالث التنويه بهم بين ساۤئر خلقه حيث تحمّلوا في رضاه من المشاۤقّ ما لايحتمله غيرهم مختارين اذ لو شاۤؤا لم‌يتحمّلوا ذلك و يقبل اللّه شفاعتهم فيمن شاۤؤا فمن الشروط انّهم يتحمّلون ذنوب محبيهم لانتسابهم اليهم فيرجعون اليهم بما عليهم من الذنوب و لهذا كثيراً ما يستغفرون من ذنوبهم الّتي تحمّلوها عن محبيهم فاذا كان المذنب من المؤمنين طيب الاصل كان ما وقع منه عليهم فتُعدّ مِن ساۤئر ذنوبهم و من هذا قول اللّه عز و جل لنبيه صلي اللّه عليه و آله ليغفر لك اللّه ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر ، و منها الدوام علي المجاهدات الشاۤقّة كما هو معروف بين المسلمين و منها الشهادة فانّهم عليهم السلام لم‌يمت احد منهم حتف انفه و ذلك انهم باعوا انفسهم علي الله بنجاة محبّيهم من النار حتي مضوا كلّهم علي الشّهادة فقد مات رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله بالسمّ و خرج عليّ عليه السلام مضرّجاً بالدم بضربة ابن‌ملجم لعنه اللّه لعناً وبيلاً و عذّبه عذاباً اليماً و ضربت فاطمة الزهراۤء صلي اللّه عليها علي ظهرها و جنبها حتي القتْ جنينها مُحَسِّناً و لُطِم خدّها و غُصِب حقّها و اوذِيت في ذرّيّتها و خُولف فيها قول ابيها صلّي اللّه عليه و آله و لقد نقل عبدالحميد بن ابي‌الحديد في شرح نهج البلاغة عن بعض الشيعة و اظنه مهيار الديلمي رحمه اللّه شعراً في هذه المعاني :
يا ابنتَ الطاهر كَم       ** * **      تُقرَعُ بالظّلم عصَاكِ
غضِبَ اللّهُ لخطبٍ       ** * **      ليلة الطفِّ عراكِ
و رَعي النارَ غداً فظّاً دعا اَمْسِ حماكِ
مَرَّ لم‌يَعْطف لشكواكِ و لااستحيي بُكاكِ
و اقتدي الناس به       ** * **      بعدُ فاُردي وَلدَاكِ
لهف نفسي و علي       ** * **      مثلِكِ فلتبكِ البواكي
فرِحوا يومَ اهانُوكِ بما ساۤء اَباكِ
و لقد اخبرهم انّ رِضاهُ في رِضَاكِ
و تعرّضتِ لامرٍ       ** * **      تَاقَهُ فانتهَراكِ
و ادّعيتِ النِحلةَ المشهود فيها بالصِّكاكِ
فاستَشَاطا ثمّ ما اِنْ       ** * **      كُذِّبا اِذْ كَذّبَاكِ
فزَوَي اللّهُ عن الرحمة زنديقاً زواكِ
و نَفَي عن بابه الواسِع شيطاناً نفَاكِ
و الحسن بن علي بن ابي‌طالب عليهما السلام اهين و خُذِل و ترك فريداً حتي جرحه الجراح لعنه اللّه بعدد ما في علم اللّه و مات بالسم كما مات جده رسول اللّه صلي اللّهُ عليه و آله سمّته جعيدة بنت الاشعث لعنها اللّه و منع من الدفن بجوار جدّه (ص‌) و الحسين بن علي عليهما السلام قتل بطف كربلاۤء غريباً وحيداً عطشاناً و هو يري ماۤء الفرات بعد ما قُتِّلت اولاده و اخوانه و بنو عمه و بنو اخيه و حماته و نهبت امواله و حرقت خيامه و سبيت نساؤه و سيّرت هدايا الي الشام علي عجف المطايا و حملت معهن رؤسهم علي الرماح يشهّروهن مع الرؤس من بلاد الي بلاد لِرضا يزيد و ابن‌زياد و علي بن الحسين عليه السلام سمَّهُ الوليدُ بن عبدالملك بن مروان لعنه اللّهُ و محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام سمَّه ابراهيم بن الوليد لعنهما اللّه تعالي و جعفر بن محمد عليهما السلام سمَّهُ ابوجعفر المنصور لعنه اللّه و موسي بن جعفر عليهما السلام سمّه هرون الرشيد بن المهدي لعنه اللّه و علي بن موسي عليهما السلام سمّه المأمون لعنه اللّه و محمد بن علي عليهما السلام سمه المعتصم لعنه اللّه و علي بن محمد الهادي عليهما السلام سمه المعتمد لعنه اللّه تعالي و الحسن العسكري سمه المعتزّ لعنه اللّه و الحجة المنتظر صلي اللّه عليه و علي آباۤئه الطاهرين غيّب اللّه شخصه فهو المضطرّ الذي يجاب اذا دَعا عجّل اللّه فرجه و سهل مخرجَهُ و رزقنا طاعته آمين رب العالمين و لو حاول شخص ان يحصي ما ترتّب علي بذلِهمْ انفسَهُم في طاعة اللّه تعالي من المشاقّ و الٰالام و الجُوع و معاداة الاعداۤء الكثيرة في اللّه و ما يَتَرتَّبُ علي ذلك لماكاد يحيط به .
و قوله عليه السلام : و صبرتم علي ما اصَابَكم في جنبه ،
مُترَتِّب علي قوله و بذلتم انفسكم في مرضاته و ذلك انّهم بذلوا انفسهم في عبادته و صبروا علي ما اصابهم في جنبه من مشقّةِ العبادة من التعب الشديد و السهر في قيام الليل و التفكر في العالم و من الجوع في الصيَام له حتي انّهم ربّما بقوا ثلاثة ايام صاۤئمين لم‌يفطروا الّا بالماۤء و قد يربطون حجر المجاعة علي بطونهم و صبَرُوا علي الم ذلك و مشقتِهِ و من كلْفةِ الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و ما لقوا في ذلك فصبروا في اقامة ذلك علي مُعَادٰاة الاعداۤء و مجاهدة الباغين من الكافرين و المنافقين حتي جري عليهم ما ذكرنا الاشارة الي بعضه و الجَنْب جهة الشي‌ء و يطلق علي الذاتِ مثل اوذي في جنب اللّه اي ذات اللّه اذا اريد منه في اللّهِ و ان اريد غير ذلك يكون بمعني الطاعة و قيل بمعني الامر و قيل بمعني القرب و الجوار فاذا قالوا عليهم السلام نحن جنبُ اللّه صحّ علي المعاني الاربعة و كلّها رُوِيت عنهم و قد مر ذكرُ ذلك و الصبر هو الحبس و المراد حبس النفس علي المكروه و قد روي ان كلّ شي‌ء من الاعمال الصالحة له اجر مقدّرٌ الّا الصَّبْر فان اجره غير مقدّر قال اللّه تعالي انّما يوفي الصَّابرون اجرهم بغير حساب و هو علي ثلاثة اقسام صبر علي الطاعة و صبر عن المعصية و صبر علي المصيبة فالصبر علي الطاعة واحد بثلٰثمائة و الصبر عن المعصية واحد بستمائة و الصّبر علي المصيبة واحد بتسعمائة . اقول قد يفرق بين الصبر و البلاۤء فيكون الصّبر علي المكروه بالاختيار كالصبر علي الطاعة و الصبر عن المعصية و الصبر علي المكروه بغير الاختيار كالصبر علي المصيبة مصيبة الموت و الصبر علي الامراض هو البلاۤء كما في حديث بلال مؤذّن النبي صلي اللّه عليه و آله بسم اللّه الرحمن الرحيم اما باب الصبر فباب صغير مصراع واحد من ياقوتة حمراۤء لا حلق له و امّا باب الشكر فانه من ياقوتة بيضاۤء لها مصراعان مسيرة ما بينهما خمسمائة له ضجيج و حنين يقول اللّهمّ جئني باهلي قلتُ هل يتكلّم الباب قال نعم ينطقه اللّه ذو الجلال و الاكرام وَ امّا باب البلاۤء قلتُ اليس باب البلاۤء هو باب الصبر قال لا قلت فما البلاۤء قال المَصاۤئب و الاسقام و الامراض و الجُذام و هو باب من ياقوتة صفراۤء مصراع واحد ما اقلّ من يدخل فيه الحديث ، و الظاهر انّ الصبر من حيثُ هو واحد و انّما ذكر مخالفاً لبعضهِ كما فرق في الحديث الاخير لاجلِ متعلقّه فاذا حبس نفسه علي تحمّل مشقّةِ الطاعةِ و ترك المعصيةِ سُمِّي صبراً و اذا حبس نفسه علي تحمّل مشقّة مصيبة الموت و مشقّة الاوجَاعِ و البَلايَا و المحن في الدّنيا سُمِّيَ بَلاۤءً و في الحالين حبس النفس علي المشقة و هو الصّبر ثمّ اخْتِلاف مراتبه في الحديث الاول الذي نقلناه بالمعني لعَلّه لانّ الصبر علي الطاعة فيه ثواب موافقة امر اللّهِ و مخالفة هوي النفسِ و هُوَ ضَع۪يفٌ لأنّ اصله عدمي و الصّبر عن المعصية فيه ثواب موافقة نهيه و مخالفة هوي النّفس و هذا و ان كان ايضاً عدميّاً لكن استمدادُها بالمعصية اقوي من استمدادِها بترك الطّاعة لأنّ تركَ الطّاعة غذاۤءٌ ضعيف للنفس الامّارة لرجوعه الي ضعف الضدّ لا الي تقوية النفس بخلاف المعصية فانّها غذاۤء للنفس الامّارة قوي لرجوعه الي تقويتها مع استلزامه ضعف الضدّ و مثاله ان نفرض السير الي الغرب فعل الطاعة و السير الي الشرق فعل المعصية فاذا غرّبت لزمك انّك لم‌تشرق و اذا لم‌تغرب لم‌يلزم منه انك شرّقتَ الذي هو مثال المعصية و لكنه اسوء من التغريب و اذا شرقتَ لزمك انّك لم‌تغرّب و اذا لم‌تشرّق لم‌يلزم منه انّك غرّبتَ الذي هو مثال الطاعة و لكنه ليس اسوء من التَشريق و لا مساوياً له بل التّشريق اسوء منه فلهذا كان الصبر عن المعصية ضِعفَ الصبر علي الطاعة و امّا الصبر علي المصيبة فهو جامع للصبرين لموافقته امر اللّهِ و مخالفته الهوي فيما هو ذاتي له كما في المعصية بل هو ابلغ لأنه ذاتي وجودي بخلاف ذاتي المعصية فلهذا كان الصبر علي المصيبة مثل الصبرين الاولين و اما كون باب الصبر في ابواب الجنة صغيراً فلضيقه علي السالك منه لأنّ الصبر حبس النّفس علي ما تكره مع استمراره و حبسها علي ما تكره مع الاستمرار شديد الضيق عليها لعدم انبساطها معه و اما كونه مصراعاً واحداً فلأنه لمّا كان حبساً مستمراً اقتضي الوحدة اذ ليس فيه انتقال ليكون فيه تعدّد فافهم و اما انه ليس له حلق لأنّ حلق الباب انّما توضع للاستيذان و الصبر ليس فيه استيذان لو انّه عدم الجزع و قد كان عدم الجزع موجوداً قبلَ المصائب و البلايا فهو ليس بجازعٍ قبلها فاذا وقعت بقي علي الحالة الاولي و لو فُرِضَ انّه جزع بعد المصيبة ثم صبر لم‌يكن ذلك مُنَافِياً لعدم الاحتياج الي الاستيذان الذي يراد منه عدم توقف الدخول فيه علي امرٍ خاۤصّ و يعبّر عنه ظاهراً بالاستمرار علي ترك الجزع بخلاف باب الشكر فانه يحتاج الي انشاۤء عمل لا انّه استمرار علي الحالة الاولي كالصبر فلذا كان لباب الشكر مصراعانِ و انّما كان ابيض لما فيه من الرخاۤء و برد القلب المعبر عنه بالبياض بخلاف الصبر فهو احمر لما فيه من حرارة تجرّع البليات و المصاۤئب و امّا باب البلاۤء فهو باب مثل باب الصبر في كونه صغيراً و مصراعاً واحداً و امّا كونه اصفر فلأن البلاۤء و ان كان حبساً علي ما تكره النفس لكنه لم‌يكن سببه اختيار الصابر لتكون تلك الحرارة مع الندم الذي منه اليبوسة المستلزمانِ للحمرة كما في الصبر و انّما تلك الحرارة التي من ذلك الحبس كان معها الرضا الذي هو الرطوبة رطوبة الحيوة المستلزمان للِصُّفْرة فلذا كان اصفر فافهم .
قال عليه السلام : و اقمتم الصلوة و آتيتم الزكوة ،
قال الشارح (ره‌) و اقمتم الصلوة حقّ اقامتها بل لم‌يقمها غيرهم كما هُوَ حَقُّهَا من الاخلاص و حضور القلب كما هو متواتر عنهم و كذلك البواقي و تخصيصُها بالذكر من العبادات للاهتمام اقول اقامة الصلوة اتمام ركوعها و سجودِها و حفظ مواقيتها و حدودِها و هيئاتها كما هو مأثور عن الشارع و قد يراد منها المحافظة عليها و المحافظة علي الصّلوة كما قال الصادق عليه السلام اقبال الرجل علي صلاته و محافظته حتي لايلهيه و لايشغله عنها شي‌ء و المراد انّهم اقاموا الصلوة كما امرهم اللّه في قوله لنبيّه صلّي اللّه عليه و آله فاستقم كما اُمِرْتَ و كما نهاهم اللّه تعالي في قوله تعالي و لايلتفتْ منكم احد يعني ادّوا له ما هو اهله كما هم اهله بما الهمهم من سلوك سبل ربّهم فحضروا عندَ مُناجاته اذا قرأوا كتابه و عند مناجاتِهم عند دعاۤئهم و طلب الاجابة و غابوا عند خدمته و هو معهم اينما كانوا و هم عنده ايْنما ظهَر و الصّلوة من اللّه الرحمة و هي للمؤمنين مكتوبة و لغيرهم واسعة و من الملاۤئكة استغفار لشيعة علي عليه السلام يحومون حول عرشه سبعةٰ‌الاف سنةٍ و حول البيت المعمور سبع سنين و ذلك لأنّهم يصلّون علي محمد و آل‌محمد فتكون صلاتهم عليه و اله تزكية له و لهم و صلاته علي شيعتهم استغفار لهم و استشفاع فيهم قال اللّه تعالي الّذين يحملون العرش و من حوله و هم الطاۤئفون بالبيت المعمور و من في ارجاۤء السموات و الموكّلون بكلّ شي‌ء يسبّحون بحمد ربّهم يعني يسبّحون اللّه بتزكية نبيّه و آله صلي اللّه عليه و آله و بالاستغفار لشيعتهم و يؤمنون به اي يقيمون ولاية عليّ عليه السلام فيما وكّلوا به من تدبير امرٍ عذراً او نذراً و يستغفرون للذين آمنوا يعني للذين آمنوا بولاية عليّ عليه السلام ربّنا وسعتَ كل شي‌ء رحمةً و علماً وسع المؤمنين بفضله و الكافرين بعدله فاغفر للذين تابوا فلم‌يتولّوا اعداۤء علي عليه السلام و انابوا الي اللّه بولاية علي عليه السلام و اتّبعوا سبيلك و هو الصراط المستقيم و النبأ العظيم الذي هم ( فيه ظ ) مختلفون و عنه مسئولون و قهم عذاب الجحيم التي هي مأوي الظالمين الجاحدين ربّنا و ادخلهم جنّٰاتِ عدن التي وعدتهم و جنة عدن هي مأوي محمد و آله صلي اللّه عليه و شيعتهم وعدهم في قوله تعالي فاولۤئك مع الّذين انعم اللّه عليهم من النبيين و الصدّيقين و الشهداۤء و الصالحين و حسن اولۤئك رفيقاً و من صلح من آبائهم و ازواجهم و ذرّياتهم اي و من كان متوالياً من آباۤئهم و ازواجهم و اولادهم انّك انت العزيز الحكيم الموصوف هو المعبود بالحق و الاسم الاول محمد و الثاني علي و ذلك قوله تعالي عزيز عليه ما عنتّم و قوله تعالي و انه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم و قهم السيّئات و هي الموبقات التي ليس لها جزاۤء الا الخلود في الجحيم و العذاب الأليم و هذه السيّئات محبّة اعداء اللّه و هي قوله و الذين كسبوا السيّئات اي توالوا اعداۤء اللّه عن علم و بصيرة جزاۤء سيئةٍ بمثلها و ترهقهم ذلّة ما لهم من اللّهِ من عاصم يعني ليس لهم امام حق يأتمّون به الٰاية و من تق السّيئات يومئذٍ فقد رحمته و هو قوله تعالي الّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ و لذلك خلقهم اي للرحمة خلقهم و فيها صبغهم و ذلك هو الفوز العظيم و هو تأويل قوله تعالي و ادخل الجنّةَ فقد فاز و ما الحيوة الدنيا يعني ولاية الاول كما روي عن الصادق عليه السلام الّا متاع الغرور لانها سبيل الشيطان و الصلوة من المؤمنين الدعاۤء لأنهم يقولون اللهم صل علي محمد و آل‌محمد و الصلوة مشتقة من الصلة اي مدّهم بمددك الهني السابغ الذي لاينفد او من الوصل اي صلهم بك كما قال تعالي مَن اطاعهم فقد اطاعني و من عصاهم فقد عصاني و من احبّهم فقد احبّني و مَنْ اَبْغضهم فقد ابغضني و هكذا او من الوصلة و هي السبب يعني صِلْ بينك و بينهم بحجزة عنايتك و سبب لطفك و رحمتك و الصّلوة من المؤمنين الدّعاۤء كما قال تعالي لنبيّه صلي اللّه عليه و آله و صلّ عليهم انّ صلاتك سكن لهم اي اُدْعُ لهم فان قلتَ كيف يكون صلّي بمعني دعا و صلّي انّما يستعمل مُعدّي بعلي و اذا كان بمعني دعا كان معناه دعا عليهم و هو يكون بالمكروه بخلاف ما اذا عُدِّي دعا باللّام فانه يكون بالمحبوب قلنا انّ صلّي عليهم مُعدّي بعلي بمعني دعا لهم معدّي باللام لا مطلق صلي بمعني دَعا و هم عليهم السلام اقاموا الصلوة علي المعاني الثلاثة امّا علي معني انّها من اللّه الرحمة فلأنّهم محلّها بل هم الرحمة الواسعة حقيقةً كما دلّت عليه احاديثهم و ما يظهر من آثار الرحمة المغايرة لهم مما جاء في الكتاب و السُّنَّة فعنهم بُدِئت و لهم خلقت و عليهم اعلنَتْ بالثناۤء فهم اقاموا صلاته عليهم و علي ملاۤئكته و انبياۤئه و رسله و المؤمنين من عباده امّا اقامة صلاته سبحانه عليهم فكما مرّ من انّهم هم الرحمة و انّهم تراجمة الرحمة لهم بلسان القبول المتوقّف وجودُها عليه و لغيرهم من ساۤئر الخلق بلساني التشريع و التكوين في التبليغ و الاداۤء ،
و امّا اقامة صلوة الملاۤئكة فلصدورها من الملاۤئكة عنهم علي حكم و نضع الموازين القسط ليوم القيمة لأنّهم صلّي اللّه عليهم هم خزاۤئن اللّه سبحانه في كل شي‌ء و قلوبهم هي الارض في قوله تعالي و الارض مددناها و القينا فيها رواسي و انبتنا فيها من كل شي‌ء موزون و جعلنا لكم فيها معايش من امدادات العلوم و العقول و الافهام و الخيالات و المعارف و الاعمال و من لستم له برازقين منها يعني العلوم و العقول و الافهام و الخيالات و المعارف و الاعمال و الاقوال و الاحوال و ان من شي‌ءٍ الا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الّا بقدر معلوم و يدخل في حكم هذه الصلوة و اقامتها صلوة المؤمنين و اقامتها و ان اختلفت الهيئات ظاهراً او كانت صلوة بعض المؤمنين اعلي من صلوة الملاۤئكة و الاقامة بحسبها و هذه الصلوة المشار اليها بالمعاني الثلاثة علي كل فرضٍ من الاشتقاقات الثلاثة كلها من ولاية علي و اهل بيته الطاهِرينَ و اِقامَتها علي ما امروا و اعتقدوا و ارشدوا و عملوا هي اقامتها لأنها هي الصلوة و الصلوات فروعها و صورها و من ثمراتها و ورقها و اغصانها و اصلها و لقاحها و في حديث معرفة علي عليه السلام بالنورانية قال يا سلمٰن و يا جندب قالا لبّيك يا اميرالمؤمنين قال عليه السلام معرفتي بالنورانية معرفة اللّه عز و جل و معرفة اللّه عز و جل معرفتي بالنورانية و هو الدين الخالص الذي قال اللّه تعالي و ماامروا الّا ليعبدوا اللّه مخلصين له الدين حنفاۤء و يقيموا الصلوة و يؤتوا الزكوة و ذلك دين القيمة يقول ماامروا الّا بنبوّة محمد صلي اللّه عليه و آله و هو الدين الحنفيّة المحمديّة السمحة و قوله و يقيموا الصلوة فمن اقام ولايتي فقد اقام الصلوة و اقامة ولايتي صعب مستصعب لايحتمله الّا ملك مقرّب او نبيّ مرسل او مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان فالملك اذا لم‌يكن مقرّباً لايحتمله و النبي اذا لم‌يكن مرسلاً لم‌يحتمله و المؤمن اذا لم‌يكن ممتحناً لم‌يحتمله قلتُ يا اميرالمؤمنين من المؤمن و من الممتحن و ما حدّه و ما نهايته حتي اعرفه قال (ع‌) يا اباعبداللّه قلتُ لبّيك يا اخا رسول اللّه قال المؤمن الممتحن هو الذي لايَرِد من امرنا اليه شي‌ء الّا شرح صدره له و لم‌يشك و لم‌يرتد اعلم يا اباذر انا عبد اللّه عز و جل و خليفته علي عباده لاتجعلونا ارباباً و قولوا ما شئتم في فضلِنا فانكم لاتبلغون كنه ما فينا و لا نهايته فان اللّه عز و جل قد اعطانا اكبر و اعظم مما يصفه واصفكم او يخطر علي قلب احدكم فاذا عرفتمونا هكذا فانتم المؤمنون قال سلمٰن قلتُ يا اخا رسول اللّه و من اقام ولايتك اقام الصلوة قال نعم يا سلمٰن تصديق ذلك قوله تعالي في كتابه العزيز و استعينوا بالصبر و الصلوة و انّها لكبيرة الّا علي الخاشعين فالصبر رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و الصلوة اقامة ولايتي فمنها قال اللّه تعالي و انها لكبيرة و لم‌يقل و انهما لكبيرة لان الولاية كبير حملها الّا علي الخاشعين و الخاشعون هم الشيعة المستبصرون الحديث ، ففيما قال سلمٰن و من اقام ولايتك اَقامَ الصَّلوة تصريح بانّ الولاية هي الصلوة و اقامتها اقامة الصلوة و بالعكس و في بيانه عليه السلام قال و الصلوة اقامة ولايتي فعلم من الكلامين ان الصلوة التي هي ذات الركوع و السجود هي الولاية و ان اقامتها اقامة الولاية و انّ نفس الصلوة التي هي ذات الركوع و السجود اقامة الولاية و ليس في شي‌ء من ذلك تدافع لأن ذات الركوع و السجود هي هيئة الولاية لأنّها اخصّ الاعمال و اشمل لخدمة الملك المتعال بمعني انها مشتملة علي جميع هيئات الخلق امّا الملاۤئكة فمنهم ركوع كركوعها و سجود كسجودها و قيام كقيامها و قعود كقعودها و متشهّدون كتشهّدها و متنقّلون كتنقُّلِها و مسلّمون كتسل۪يمها و بالجملة كلّ عمل و تسبيح من اعمال الملاۤئكة و تسبيحهم و حركة و سكون منهم فموجود في الصلوة ما يتضمّنه فهي عمود الدين و ركن الايمان و الاسلام و امّا غير الملاۤئكة فكذلك و ذكر ذلك في انواع الخلق و لو علي سبيل الاجمال يطول به الكلام الّا اني اجمل لك ذلك و هو انّ الصلوة صورة الولاية المطلقة و الولاية جارية علي الخلق بما هو عليه في وجوده التكويني و التّشريعي فلايتحرك شي‌ء او يسكن بل جميع احواله الّا باقتضاۤء الولاية و تدبيرها من الولي فقد تضمّنت الولاية جميع ذرّات الوجود كما اشار سبحانه الي ذلك بقوله افمن هو قاۤئم علي كلّ نفس بما كسبت و قوله تعالي يوم يأتِ لاتكلّم نفس الّا باذنه فاذا كان هذا حكم الولاية و مقتضاها دلّ علي انّ ذلك اثر كينونيّتِها و هي صفتها الذاتيّة و هذا يقتضي انّ مَا وصفها به الحكيم العليم بها يكون مشابهاً لصفتها الذاتيّة لانّ الصفة اسم و علامة للموصوف يعيّنه من تلك الجهة لايشتبه بغيره و الّا لم‌يكن اسماً و صفةً و علامةً فلمّا اخبر الحكيم العليم انّ الصلوة هي ولايتي و انها هي اقامة ولايتي دلّ ذلك علي انّ ذات الركوع و السجود هي اقامة ولايته لانّها ظاهرها و تدلّ علي هيئتها و هي ولايته لانها هي صورتها فاذا اطلقَ اقامَ الصلوةَ تناوَل اقامة الصلوة المعلومة و ذلك امّا من باب المجاز او من الحقيقة بعد الحقيقة و المراد بذلك اقامة الولاية اي ما اقتضَتْه الولاية من الاعمال و الاقوال و الاعتقادات و التأدّبات الالهيّة و ذلك صعبٌ مستصعب كما قال علي عليه السلام في الحديث المتقدّم و اقامة ولايتي صعبٌ مستصعبٌ اي لايحتمله بسهولة الّا محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و آله و امّا كل من سواهم فانهم قد تقع منهم الهَفَوات و التقصيرات حتي الانبياۤء و المرسلون و من تتبع احاديثهم وجدَها مشحونة بذلك .
و من ذلك ما رواه ابوحمزة الثمالي انه دخل عبداللّه بن عمر علي زين‌العابدين عليه السلام و قال يا علي بن الحسين انت الذي تقول ان يونس بن متّي انما لقي من الحوت ما لقي لانه عرضت عليه ولاية جدّي فتوقّف قال بلي ثكلَتْكَ اُمّكَ قال فارني انت ذلك ان كنتَ من الصادقين قال فامر بشدّ عينَيْه بعصابةٍ و عينيَّ بعصابةٍ ثم امر بعد ساعةٍ بفتح اعينِنا فاذا نحن علي شاطئ البحر تضرب امواجه فقال ابن‌عمر يا سيدي دمي في رقبتِكَ اللّهَ اللّهَ في نفسي فقال هيه و اُر۪يه ان كنتُ من الصادقين ثم قال يا ايّتها الحوتُ قال فاطلع الحوت من البحر مثل الجبل العظيم و هو يقول لبّيك يا وليّ اللّه فقال مَن انتِ قالت انا حوتُ يونس يا سيّدي قال ائتِنا بالخبر قال يا سيّدي ان اللّه لم‌يبعث نبيّاً من آدم الي ان صار جدّك محمّد صلّي اللّه عليه و آله الّا و قد عرضت عليه ولايتكم اهل البيت فمن قبلها من الانبياۤء سلِم و تخلّصَ و من توقَفَ عنها و تمنّع في حملها لقي ما لقي آدم من المعصية و ما لقي نوح من الغرق و ما لقي ابراهيم من النار و ما لقي يوسف من الجبّ و ما لقي ايّوب من البلاۤء و ما لقي داود من الخطيۤئة الي ان بعث اللّه يونس (ع‌) فاوحي اللّه اليه ان يا يونس تولّ اميرالمؤمنين علياً و الائمة الراشدين من صلبه في كلام قال و كيف اتولي من لم‌ارَهُ و لم‌اعرفه و ذهب مغتاظاً فاوحي اللّه اليَّ اَن القمي يونس و لاتوهني له عظماً فمكث في بطني اربعين صباحاً يطوف معي في البحار في ظلمات ثلاث ينادي اَلّا الهَ الّا انت سبحانك اني كنتُ من الظالمين قد قبلتُ ولاية علي بن ابي‌طالب و الائمة الراشدين من ولده فلمّا آمَن بولايتكم امرني ربّي فقذفته علي ساحل البحر فقال زين‌العابدين عليه السلام ارجع ايّها الحوتُ الي وكرك و استوي الماۤء الحديث ، رواه في البحار و لاجل مثل ما ذكر اشار في الحديث السابق بقوله عليه السلام و اقامة ولايتي صعبٌ مستصعب فاذا اردت اقامة الصلوة علي الحقيقة الاضافية فالأنبياۤء و المرسلون و الاوصياۤء و الخصيصون من اشياعهم يقيمونها كذلك و ان اردتَ اقامة الصلوة علي الحقيقة الحقيقيّة ظاهراً و باطناً علي اكمل وجهٍ لايقيمُها الّا محمد و آلهُ الثلاثة‌عشر المعصومون صلي اللّه عليه و عليهم اجمعين لانّ الصلوة التي هي ذات الاركان التي هي صورة الولاية و الصلوة التي هي الولاية التي هي باطن الوجود و علّة الوجود لايقدر علي القيام بهما كما يريد اللّه منهما الّا من جعلهم اللّه مظهر ذلك و حملتَهُ و هم محمّد و آله صلي اللّه عليه و آله فحقيقة الولاية اصل الامام عليه السلام و حقيقة الصلوة فرع الامام عليه السلام و الامام هو الواقف بين الططنجَيْن و البرزخ بين البحرين فالصلوة ولاية ظاهرة و الولاية صلوة باطنة و الامام عليه السلام هو الحامل لاسرار الباطنة و المتحمّل لاعباۤء الظاهرة فافهم .
و قوله عليه السلام : و آتيتم الزكوة ،
اي اعطيتم الزكوة المستحقّين لها علي حسب استحقاقهم و المراد انهم اعطوا زكوة اموالهم و الاموال هي ما قسم اللّه لهم من فيضه و خيره فمن اموالهم ما شَيَّئَهُم بمشيّته و من اموالهم ما امكنهم بقدرته و من اموالهم ما اوجدهم بفضله و رحمته و من اموالهم ما الهمهم من معرفته و من اموالهم ما علّمهم من اسرار خليقته و من اموالهم ما اشهدهم من بديع صنعته و من اموالهم ما اقدرهم عليه من مقتضيات ولايته و من زكوة اموالهم ما افاضوا باللّه من مواۤدّ الاشياء و من زكوة اموالهم ما صبغوا من الصور في الانشاۤء و من زكوة اموالهم ما ترجموا للقابلات و من المقبولات و من زكوة اموالهم ما امدّوا من التكوينات و من زكوة اموالهم ما كلّفوا من التشريعات و من زكوة اموالهم ما اوردوا و اَصدروا و من زكوة اموالهم ما قبلوا و رفعوا و ما ردّوا و ابطلوا و ما صنعوا و ما احدثوا و ما احيوا و ما اماتوا و ما رزقوا و ما حرموا و اصحّوا و امْرَضُوا باذن اللّه تعالي و كذلك جميع ما يتعلّق بالنظام فانهم عليهم السلام يؤدّون الي كل محتاج ما يحتاج اليه من اموالهم مما وجب عليهم فيها او استحبّ اوْ اُبيحَ و تقدير الشي‌ء المخرَج مقدّر في الشرع اما في الظاهر فالاجناس المخرَج منها تسعة و هي التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و الابل و البقر و الغنم و الذهب و الفضّة و امّا في الباطن فمنه حامل و قشر و هو ما يتعلّق بالتكوينات و منه محمول و لبٌّ و هو ما يتعلّق بالتشريعات و صورة المخرج منهما واحدة الّا انّ المخرج من اللبِّ لبٌّ و من القشرِ قشرٌ و العبارة عنهما واحدة و المراد ان ما كان من التكوينات فصورةٌ تثمِرُ ثَمَرةً و ما كان من التشريعات فثمرةٌ تثمِرُ ذاتاً و الكلّ في تسعة اجناس الايمان و المعرفة و المحبّة و الانس و حوامل الذوات و الاعمال و عوامِلهُما و اصول المنافع منهما و النبوة و يدخل فيها البشري و الفال الحسن و التأييد وَ الامامة و يدخل فيها علم الكشف و علم الاحاطة و ذكاء المؤمن و الفراسة و هي و ما اشبهها من اقسام الصدقات يصرفها الفقيه المأمون عليه السلام علي المستحقّين علي حسب تأهُّلِهم و استحقاقهم و ما هو علي الغيب بضنين افمن هو قائم علي كل نفس بما كسبت و يصرفها علي الاصناف الثمانية العلماۤء و العاملون بطاعة اللّه و المنتصبون لمصالح المؤمنين و اصحاب البرازخ و اللطخ الذين جعلوا انساً للمؤمنين ليأنسوا بِلُغَتِهمْ و يستقرّوا بصُوَرِهم و خصيص شيعتهم المستشهدون في سبيلهم و فقهاۤء شيعتهم من اهل القَضاۤء و الفتوي و المحبون المتّكِلونَ علي حبّهم و اهل الزهد و الورع المستعدّون للرحيل عن دار الغرور و ما نقصَ عنهم من جهة الاستحقاق انفقوا عليهم من جهة الفضل لانهم عليهم السلام قد الزموا بتتميم ما اعوز رَعيّتهم و الحاصل انهم آتوا الزكوة بكلّ معني علي اكمل ما يمكن و كلّ من هو دونهم فانّما يؤتي الزكوة علي حسب قدرته و سعة ماله و الذي لايجد ما ينفق لايصرف بل يصبر و يقتصِدُ و يقتصر علي الانفاق ممّا آتاه اللّه قال اللّه تعالي لينفق ذو سعةٍ من سعته و من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه اللّه لايكلف الله نفساً الا ما آتيها فالانبياۤء و المرسلون و الخصيص من الشيعة هم ذَوُوا السعة كل بحسبه و امّا محمد و اهل بيته فهم خزاۤئن اللّه التي لاتفني و فيض اللّه الذي لايغيض المعنِيّون بقوله تعالي هذا عطاۤؤنا فامنن او امسك بغير حساب .
تتمّة توجيه ما في حديث يونس من الاشكال فما قبل هذه الكلمة و ذلك لانّه قال كيف اتولّي من لم‌اره و لم‌اعرفه و هذا من نبي معصوم كيف يحسن وقوعه بعد ان يأمره ربّه و هو يعلم انّ ربه سبحانه لايأمره الّا بالحقِّ و انّه لايسئل عمّا يفعل و كيف يجوز الاعتراض علي اللّه من اقل الخلق و اجهلهم فضلاً عن الانبياۤء المعصومين عليهم السلام و مثل هذا الكلام لايتسامح فيه و لو وقع من عواۤمّ الناس لاستحق العقوبة فكيف يصح ان ينسب الي الانبياۤء الجواب ان النبي يونس عليه السلام كانت به حدّة و اشتدّ غضبه للّه لكثرة عناد قومه و اصرارهم علي معاصي اللّه و تكذيبه و ردّ نبوته فلمّا سئله روبيل المراجعة للّه تعالي لعلّه ان يرحمهم امتنع و كذلك لمّا دعا عليهم اوحي اللّه في ذلك علي جهة التخيير فلم‌يقبل لما فيه من الحدة و الغضب للّه تعالي كما روي عن الباقر عليه السلام قال كتب اميرالمؤمنين عليه السلام قال حدثني رسول اللّه صلي الله عليه و آله ان جبريل حدّثه ان يونس بن متّي عليه السلام بعثه اللّه الي قومه و هو ابن ثلاثين سنة و كان رجلاً تعتريه الحِدّة و كان قليل الصبر علي قومه و المداراة بهم عاجزاً عمّا حمّل من ثقل حمل اوقار النبوة و اعمالها و انه تفسّخ تحتها كما يتفسّخ الجذع تحت حمله و انه اقام فيهم يدعوهم الي الايمان باللّه و التصديق به و اتّباعه ثلاثاً و ثلاثين سنة فلم‌يؤمن به و لم‌يتبعه من قومه الّا رجلان اسم احدهما رُوبيل و اسم الٰاخر تنوخاً و كان روبيل من اهل بيت العلم و النبوّة و الحكمة و كان قديم الصُّحبةِ ليونس بن متّي قبل ان يبعثَه اللّه بالنبوة و كان تنوخا رجلاً مستضعفاً عابداً زاهداً منهمكاً في العبادة و ليس له علم و لا حكم و كان روبيل صاحب غنمٍ يرعاها و يتقوّت منها و كان تنوخا رجلاً حَطّاباً يحتطِب علي رأسه و يأكل من كسبه و كان لروبيل منزلةٌ من يونس غير منزلة تنوخا لعلم روبيل و حكمته و قديم صحبته فلما رأي يونس انّ قومه لايجيبونه و لايؤمنون به ضجر و عرف من نفسه قلّة الصبر فشكا ذلك الي ربّه و كان فيما شكا ان قال يا ربّ انّك بعثتن۪ي الي قوم۪ي و لي ثلاثون سنة فلبثتُ فيهم ادعوهم الي الايمان بك و التصديق برسالتي و اخوّفهم عذابك و نقمتك ثلاثاً و ثلاثين سنة فكذّبوني و لم‌يؤمنوا و جحدوا نبوّتي و استخفوا برسالتي و قد توعّدوني و خفتُ ان يقتلوني فانزل عليهم عذابك فانّهم قومٌ لايؤمنون قال فاوحي اللّه الي يونس انّ فيهم الحمل و الجنين و الطفل و الشيخ الكبير و المرأة الضعيفة و المستضعف المهين و انا الحكم العدل سبقت رحمتي غضبي لااعذّب الصغار بذنوب الكبار من قومك و هم يا يُونس عبادي و خلقي و بريّتي في بلادي و في عيلتي اُحِبُّ اَن اتأنّاهم و ارفق بهم و انتظر توبتهم و انما بعثتك الي قومك حفيظاً عليهم تعطف عليهم بسجال الرحمة الماۤسّة منهم و تأنّاهم برأفة الرحمة و تصير معهم باحلام الرسالة و تكون لهم كهيئة الطبيب المداوي العالم بمداواة الدواۤء فخرجتَ بهم و لم‌تستعمل قلوبهم بالرفق و لم‌تسُسْهُمْ سياسة المرسلين ثم سألتني عن سوۤء نظرك العذابَ لهم عند قلّة الصبر منك و عبدي نوح كان اصبر منك علي قومه و احسن صحبةً و اشدّ تأنّياً في الصبر عندي و ابلغ في العذر فغضبتُ له حين غضِب لي و اجبتُه حين دعاني فقال يونس يا ربّ انما غضبت عليهم فيك و انما دعوتُ عليهم حين عَصوك فوعزّتِك لااتعطّف عليهم برأفةٍ ابداً و لاانظر اليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم و تكذيبهم ايّاي و جحدِهم نبوّتي فانزل عليهم العذاب فانهم لايؤمنون ابداً فقال اللّه يا يونس انهم مائة‌الف او يزيدون من خلقي يعمرون بلادي و يلدون عبادي محبّتي ان اتأناهم للذي سبق من علمي فيهم و فيك و تقديري و تدبيري غير علمك و تقديرك و انت المرسل و انا الحكيم و علمي فيهم يا يونس باطن في الغيب عندي لايُعلم ما منتهاه و علمك فيهم ظاهر لا باطن له يا يونس قد اجبتك الي ما سألت من انزال العذاب عليهم و ما ذلك يا يونس باوفر حظك عندي و لا احمد لشأنك و سيأتيهم عذاب في شوّال يوم الاربعاۤء وسط الشهر الحديث ، فتدبّر هذا الحديث لتعرف حدّته و غضبه و كذلك جوابه لروبيل لمّا طلب منه ان يدعو لهم و انّ اللّه احب ان يصبر عليهم علي جهة الأفضلية و هو يريد اهلاكهم و قد قلنا انّ ولاية علي (ع‌) ولاية اللّه تعالي و ان كل شي‌ء عبارة عنها كما ذكرنا هذا المعني في هذا الشرح مكرّراً و معني انه توقف هو ما سمعتَ من هذه الاخبار من غضبه و عدم قبوله شفاعة روبيل فيهم فان هذا و مثله توقّفٌ في ولاية علي عليه السلام لان من لم‌يتوقّف هو من لايشهد لنفسه اعتباراً بل عدمَها و فقدَها فلايغضب عند عصيان قومه حتي يؤمر بالغضب فاذا امر بالغضب و طلب منه الاناة و الحلم لم‌يجد في نفسه من الغضب و لا من الاستثقال و لا من الكراهة شيئاً بل يكون مؤتمراً اذا اُمِر و منتهياً اذا نهي مسقطاً لاعتبار نفسه بالكلية كما اشار الي ذلك في حكم ولاية علي عليه السلام بقوله تعالي فلا و ربّك يا علي لايؤمنون اي لايقيمون ولايتك كما اريد حتي يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً ممّا قضيتَ و يسلّموا لك تسليماً بان يسقطوا اعتبار انفسهم كما قال ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيتَ و هذا ادني مقام ما تقتضيه الولاية من الصدق فاذا غضب للّه قبل ان يؤمر اوْ لم‌يرقّ في موضعٍ امر فيه بالرقِة او لم‌يؤمر بالغِلَظِ و امثال ذلك فقد توقف في ولاية علي عليه السلام و العبارة الظاهرة عن هذا التوقّف قوله كيف اتولّي مَن لم‌اره و لم‌اعرفه فاذا سمعتَ هذا و نحوه من اهل العصمة عليهم السلام فمعناه انه توقّف او تردّد في ولاية علي عليه السلام و هذا هو معني ما روي انّ اللّه وكله الي نفسه طرفة عين فكان منه التوقّف الذي سمعتَ ،
و منه قوله يا تنوخا كذَبَني الوحي و كذَبتُ وعدي لقومي لا و عزّة ربّي لايرونَ لي وجهاً ابداً بعد ما كذبني الوحي و هو من التوقف فلمّا لم‌يصبر و هو من التوقف وكل الي نفسه طرفة عين وَ هُوَ من التوقف فَلَمَّا دعا علي قومه استثني جبرئل عن امر اللّه في هلاك قومه و لم‌يسمع يونس و كذا قال كذبني الوحي و لم‌يكذبه و انّما اخفي عليه جبرئل حرفاً و هو انّ الوحي اتي انّي انزل عليهم العذاب و لم‌يقُل اني اهلكهم و لم‌يفهم هذا الحرف او انّ الحرف الذي اخفاه جبريل هو قوله الّا ان يشاۤء اللّه و هو الاستثناۤء كما يدل عليه الحديث المتقدّم و لم‌يسمع يونس هذا الحرف لانه وكل الي نفسه طرفة عين و معني هذا انه بغضبه رجع الي نفسه فافهم فقد القيتُ اليك مفتاحاً من مفاتح الغيب تفتح به كثيراً من مغلقات الغيوب ان عرفتَ الفتْحَ .
قال عليه السلام : و امرتم بالمعروف و نهيتم عن المنكر ،
الامر بالشي‌ء الدعاۤء اليه و الحَثّ علي اِتْيانه۪ او فعله و المعروف الفعل الحسن الراجح الايقاع فيختصّ بالواجب و المندوب و يخرج المباح و المكروه لانهما غير راجحي الايقاع نعم مكروه العبادة الاصح انه يدخل في المعروف لان معني كونه مكروهاً نقصان ثوابه لا انه لا ثواب فيه بل الحق انّ ثوابه في نفسه لاينقص و انّما ينقص ثواب مقدّماته و شروطه كما اذا حكم بكراهة الصّلوة في الحمام فانّ الصلوة في نفسها لاينقص ثوابها الّا بمثل عدم الاقبال عليها و ذلك لايختلف في المسجد و الحمام و انما النقص راجع الي الشروط و المقدمات فان الصلوة في المسجد و في الثياب البيض و متعمِّماً مثلاً افضل منها في الحمام و في الثياب السود و غير متعمِّمٍ فالصلوة المكروهة نقصَت ثواب الثياب البيض و ثواب المسجد و ثواب التعمم و مع ذلك فثوابها في نفسها لم‌ينقص و ان نقص ثواب شرطها و ثواب زيادتها بالشرط المندوب فهي من الراجح فتدخل في المعروف ثم اذا عرفتَ هذا فنقول يمكن ادخال مكروه غير العبادات و المباح في الراجح فتكون من المعروف و ذلك كما اذا فعل المباح لاذن اللّه في فعله و الاخذ باباحته و فعل المكروه لان اللّه قد رخّص في فعله و لاسيما اذا ثقل علي النفسِ الاخذُ بالرخصةِ في مثل مواضع الحاجة و الضرورة لَا لِانه مرجوح عند اللّه و انه لا حاجة اولَي من ترك ما يكرهه اللّه بل لانّ النفس اعتادت تركه اَوْ لئلّايُعَابَ به عند من علم به من الناس و امثال ذلك فان الاخذ بالرخصة و الحال هذه راجحة بل قد يجب الاخذ بالرخصة علي من لايجوز الاخذ بالرخصة و عليها في الفقه مساۤئل كثيرة و هو قوله صلّي اللّه عليه و آله انّ اللّه يحبّ ان يؤخذ برخصه كما يحبّ ان يؤخذ بفراۤئضه فخذوا برخص اللّه و لاتشدِّدوا علي انفسكم انّ بني‌اسراۤئيل لمّا شدّدوا علي انفسهم شدّد اللّه عليهم ه‍ ، فهم عليهم السلام امروا بالمعروف الذي هو الفعل الحسن الراجح الايقاع سواۤء تعلّقَ بالقوابل في التكوينات في كل مرتبة ام بالامتثال في التشريعات في الاحكام و في الطراۤئق و في الحقاۤئق و امرهم عليهم السلام بهذا المعروف الموصوف بما ذكرنا في كل عالمٍ فانّهم في التكوين الاوّل حين شيَّئَهُمْ و عيّنهم هم اهل الاداۤء و التبليغ فمن قبل عنهم كما امروه استقامت فطرته و اعتدلتْ بِنْيتهُ فبِتِلْكَ الطينة الطيبَّة قبل الخير و ذلك حين قدّرهم و قد كان الناس امّةً واحدةً يصلح كل واحد منهم لقبول الخير و الشّر فبعث اللّه النبييّن مبشّرين و منذرين علي ايدي محمدٍ و اهل بيته الطاهرين صلي اللّه عليه و آله و مَن لم‌يقبل عنهم خرج بعدم قبوله عنهم من حدّ الانسانيّة الي حدّ البهيميّة فكانوا كما وصف في محكم كتابه ان هم الّا كالانعام بل هم اضلّ اولٰۤئك هم الغافلون لاضطراب فطرته و اعوجاج بنيته فلمّا كان يوم الجمعة بعد العصر هبطوا الي هذه الدار فجدّدوا ذلك العهد المأخوذ في العالم الاوّل في هذا العالم علي حكم ما هنالك من احكام شرع التكوينات و من نظام وجود التشريعات حتّي اقاموا الدين و شادوا الحقّ المبين و المراد بكون المعروف هو الفعل الحسن الراجح الايقاع كونه حَسناً في الوجود الواقعي التشريعي الّذي هو روح الواقعي التكويني ليدخل فيه ما كان في نفس الامر الوجودي قبيحاً اذا كان دافعاً لما هو اقبح منه كالكذب لنجاة المؤمن فانه و ان كان في نفس الامر الوجودي قبيحاً الا انه اذا توقّف الدّفاع عن المؤمن عليه فانّه يكون في الواقعي التشريعي الذي هو روح الواقعي الوجودي حسناً واجباً لا انّه ينقلب لذاته فيكون حسناً بل هو باقٍ علي قبحه في نفس الامر الوجودي و انما حسن في التشريعي لانه هو كذلك عند اللّهِ و نظير ذلك ما قال الله سبحانه فاذ لم‌يأتوا بالشهداۤء فاولٰۤئك عند اللّه هم الكاذبُونَ مع انهم قد يكونون في نفس الامر الوجودي صادقين الّا انهم عند اللّه في الواقعي التشريعي هم الكاذبون و هم في الحقيقة كاذبون لانهم لم‌يقبلوا من اللّهِ تعالي ما عاهدوه علي قبوله منه من قبل و القبول منه هو روح الوجود التكويني ،
و اعلم ان المعروف الذي كانوا يأمرون به انّما وجب الامر به لانه فرع الولاية و فرع الولي و اسمه العلي كما اشار اليه سبحانه و تعالي بقوله انّ اللّه يأمر بالعدل و هو علي عليه السلام و هو الميزان علي و القسطاس المستقيم و هو المعروف المأمور به اي باتّباعه و القبول منه و التسليم له و الردّ اليه و بموالاته و موالاة اولياۤئه و بمعاداة اعداۤئه و هو معروف لانه ضدّ المنكر الذي هو الثاني و هو معروف لانه معرفة اللّهِ و به يعرف اللّه و صاحب الاعراف الذي يدخل الجنّة مَن عرفه و يدخل النار مَنْ انكره و معروف عند كل الخلق و عارف لكل الخلق و النقطة تحتَ الباۤء التي بها تَعَرَّف اللّهُ لساۤئر خلقه و بها احتجب عنهم و بها عرَفهم و بها عرَّفهم و بها تعارفوا و عليها تعارفوا و فيها تَناكروا و الاحسان و هو ابنه ابومحمد الحسن (ع‌) و ايتاۤء ذي القربي و هو اخوه ابوعبداللّه الحسين عليهما السلام و يجري لهما ما يجري لابيهما صلي اللّه عليهم اجمعين فهم المعروف المأمور به و هم الٰامرون بالمعروف و المعروف صفتهم و المعروف اسمهم و المعروف فعلهم و المعروف حكمهم و المعروف دينهم و المعروف سنّتهم و المعروف فرعهم فهم الٰامرون بالحقّ و الهادون بالحقّ و به يعدلون و هم الحق قال تعالي و انّه اي عليّ اميرالمؤمنين لحقّ اليَق۪ين فسبّح يا محمد باسم رَبّك العظيم اي سبح اللّه باقامة ولاية عليّ اميرالمؤمنين عليه السلام فاستمسك بالذي اوحي اليك انّك علي صراطٍ مستقيم و انه لذكر لك و لقومك و سوف تُسْئَلُون و هنا لطيفة ينبغي التنبيه عليها علي سبيل الاشارة و هي انّ اللّه سبحانه لمّا اجري حكمته في ايجاد المخلوقات علي كونهم مختارين في قبول الايجاد لانه لايخلق الشي‌ء الّا علي ما هو عليه و ما هو عليه لايتحقق الّا اذا قبل باختياره و لو خلق علي غير اختياره لم‌يكن علي ما هو عليه بل يكون علي ما فِعْلُ اللّهِ عليه و ما فِعْلُ اللّهِ عليه يقتضي اَلَّاتختلِفَ آثارُه لأنه ليس بمختلفٍ بل يجب اَلَّاتتَعدَّدَ آثارُهُ لانه واحد بسيط لا اختلافَ فيه و لا تعدُّدَ فيه و لا في جهته و قد بسطنا هذا في بعض رساۤئلنا كالفواۤئد و غيرها فاذا عرفتَ هذا فاعلم انّه لا بد من اعتبار اختيار المصنوع و لايكون ذلك الّا لشي‌ء منه او عنه و هذا الذي قلنا باعتباره في الاختيار من القوابل و متمِّماتها و مكمِّلاتها منه ما هو شرطٌ لايتحقق القبول الّا به كالماهيّة و كمتمِّماتها كالوقت و المكان و الجهة و الرتبة و الكم و الكيف و منه مكمِّلات قد يوجد الشي‌ء بدونها و لكن لايكون كما ينبغي علي اكمل وجهٍ الّا بها و بقدرِ ما يحصل منها يحصل الكمال و هذا حكم جميع ما هو وجود و موجودٌ من التكوينات و تشريعاتها و من التشريعات و وُجوداتها فما كان شرطاً وجب حصوله عندها فيجب في الحكمة علي الحكيم ان يأمرَ المكلّف به امْرَ ايجابٍ لتوقّف المشروط علي الشرط و المكلّف لايعرف ما ينفعه ممّا يضرّه الّا اذا امر به و اذا كان للشرط افراد فيجب ان تكون تلك اللطيفة التي هي حصّة من الشرط موجودةً في كل فردٍ منها فيؤمر بكلّ فردٍ منها و هذا هو المسمي في الشريعة بالواجب و عندنا هذا في التكوينات و التشريعات واجب و اذا كان ذلك مانعاً علي هذا النحو فيجب النهي عنه و هو الحرام و القول في تفصيله وَ بيانه كما في الواجب و ان كان علي العكس لان هذا موجب و ذلك مانع و ان كان متمِّماً للموجب او المانع وجب اعتباره في الموجب و المانع اذا لم‌يكن بدل كالامور الستّة مثلاً وجب اعتبارها في الماهيّة و ان كان له افراد وجب اعتبار كلّ افرادِها في الماهيّة لئلّاتفوت منها حصّة معتبرة في الماهيّة كما قلنا في الماهيّة و هذا واجب في الواجب و في المانع واجب في المانع فيجب النهي عنه كما يجب النهي عن المانع و ان كان مترتِّباً عليه و امّا المكمّلات فعلي قسمين قسم في بعض افراده متمِّم دون بعض و هو جار في الموجب و المانع و هذا يكون الامر به ليس علي جهة الوجوب و النهي عنه في المانع ليس علي جهة التحريم لانّه و ان كان في بعض افراده حصّة متمّمة و المتمِّم لايستغني عنه الّا انّه لمّا كان التكليف بكل الافراد حرجاً لانه قد يستغني عنه كما في البعض الخالي في نفس الامر عن المتمّم و مثل ذلك منفي بالكتاب و السنّة و التكليف بخصوص ما فيه الحصّة المتمّمة حَرَجٌ ايضاً لان المكلّف لايقدر علي الاطّلاع علي ذلك مع اصالة عدم التكليف بذلك لانّه مبني عَلَي التّخفيف يريد اللّه بكم اليُسْرَ و لايريد بكم العسر كان مقتضي ذلك امّا اَن يسقط عنهم التكليف و يعوّضهم بصدق النيّة بانّه لو كلّفهم باحد التكليفَيْن قبلوا و تحمّلوا بان يتمِّم لهم نقص ذلك من فضله بِتهَيُّأِهم لقبول التكليف الشاۤقّ و امّا ان يسقط عنهم التكليف و لايعوّضهم و لمّا تمدّح سبحانه بانه عظيم الفضل واسع الرحمة يعطي الكثير بالقليل كان ذلك دليل الدعاۤء اليه و الترغيب في خيره فاسقط ذلك التكليف و قوّي بفضل كرمه الضعيف فَالْحَقَ بفضله ما في بعضه المتمّم بالمكمِّلِ البَحْتِ في التكليف و بالشّرط بالتفضّل و قسم ليس في شي‌ء من افراده شي‌ء من التتميم و انّما هو تكميل للصنع الطبعاني و ذلك كالسّواك و المضمضة و الاستنشاق و التمشّط و التكحّل و لبس السراويل قاعداً و التعمّم قائماً و لبس النّعل اليُمْنَي قبل اليسري و الخلع بالعكس و امثال ذلك و قد اشرنا الي هذا فيما سبق من ان جميع المستحبّات و الٰاداب من المتمِّمات و المكمّلات و ذلك في التشريعات و التكوينات و هذا القسم ايضاً ليس الامر فيه علي جهة الوجوب و ليس النهي فيه علي جهة التحريم لعدم توقّف الصنع الطبعاني عليه و لا علي ما قبله كما قلنا نعم يتوقّف عليهما فيمن يراد من ايجادهم الكمال و التكميل كالانبياۤء و المرسلين و الملاۤئكة المقرّبين و الخصيصين من المؤمنين و لهذا يكون وقوع غير الأَوْلَي و تركُ الاَوْلي مثل ما اشرنا اليه تقصيراً في حقهم و يسمي عصياناً كما هو معروف و لهذا قال عليه السلام حسنات الابرار سيئات المقرّبين و يكون الوجوب عليهم و التحريم انّما هو في انفسهم خاۤصّة لانّ التكليف العام لايكون فيه خصوص الّا بالتخصيص و ما يراد منهم بالخصوص انما ينزل علي نفوسهم علي جهة الخصوص و النهي عن فعل الشي‌ء قد يقال انه لايمكن الّا مع الفعل او بعد الشروع في الفعل و الّا فهو وارد علي ما ليس بشي‌ء فلا اثر له لان ترك الفعل عدم و لا اثر للقدرة عليه فيكون المطلوب هو الكف عن الفعل المنهيّ عنه و قيل المطلوب بالنهي هو ترك الفعل لان العقلاۤء تمدح تارك الزنا و تعدُّه ممتثِلاً بمجرد الترك من دون ملاحظة الكفّ و اثر القدرة الاستمرار عليه المقارن له و لو اريد الكف لماحصل له ثوابٌ علي الكف بدون ملاحظته و لعلّ المطلوب هو ما في الاستطاعة الامكانيّة لان الاستطاعة الفعليّة لاتكون الّا مع الفعل لا قبله و لا بعده فهو بالاستطاعة الامكانية يكلّف في جميع ما يراد منه فعله و تركه فالامر يتوجّه الي فعلٍ وُجد تصوّره في ذهن الٰامر و المخاطب و النهي يتوجّه الي تركِ فعلٍ وُجد تصوّره في ذهن الناهي و المخاطب و كان هذا التّصور الذهني فيهما هو طريق الطالب و امتثال المخاطب في الفعل و التركِ و التّصور الذهني من الٰامر او المخاطب موجود بالفعل و الفعلُ المطلوب فعله او تركه ممكن لايتوقّف الّا علي الاستطاعة الامكانيّة و هي حاصلة للمخاطب قبل الخطاب و حين الخطاب مستمرّة وحدها الي ان يشرع في الفعل او التّرك فتحدث معها الاستطاعة الفعليّة الي ان يفعل و ما دام تاركاً ثم تنقضي الفعليّة بانقضاۤء الفعل او التّرك و الامكانيّة باقية فاذا كان الفعل المطلوب فعله او تركه ممكناً و طريقه الي الوجود اوِ العدم يعني طريق المخاطب الي ايجاد الفعل ان شاۤء و تركه ان شاۤء كان ذلك الفعل واقفاً علي برزخ الظّهُورِ و الخفاۤء فاذا امْتَثلَ المخاطب بالامر اخرجه من ذلك البرزخ التّهيُّأي الي الوجود و اذا امتثل المخاطب بالنهي اَنْزَلَهُ من ذلك البَرْزخ التَّهَيُّأي الي الخفاۤء و انّما قلنا الظهور و الخفاۤء و ان كان معناهما الوجود و العدم لئلّايتوهّم ان العدم هنا هو النفي المحض الصّرف الذي يعنون به ضدّ الوجوب و هذا غلط منهم فانّ ذلك ليس شيئاً و لايخرج منه شي‌ء و لم‌توضع له عبارة و لا اسم و انّما توضع لعنوانٍ محدثٍ احدثه اللّه تعالي بمقتضي اهواۤئهم و اوهامهم و انّما هذا العدم مخلوق امكنه اللّه بمشيِّته۪ فالاشياۤء ليست شيئاً الّا اذا اُلْبِسَتْ حلّة الكون و هو قول علي عليه السلام في خطبته يوم الغدير و الجمعة و هو منشئ الشي‌ء حين لا شي‌ء اذ كان الشي‌ء من مشِيّته و امّا في الامكان قبل ان يلبسه حلّة الوجود فتمكن شيئيّتُه فهو شي‌ء بالقوّة و الصورة اوّل العِلْمِ به ليس قبله الّا الوجه الذي لايفني و هو ما في المشيّةِ لانّها و ان كانت منتزعة و ظِلّاً الّا انها انتزعت من امكانه عند جميع اسباب وجوده و ذلكَ حكم تاۤمّ في المشيّةِ لكلّ شي‌ء في وقته و مكانه و هذا وجهه الذي لايفني و تلك الصورة الذهنيّة منتزعةٌ من هذا الوجه لانه هو الخزانة العليا التي ليس وراۤءها له ذكر بكل اعتبارٍ و فَرْضٍ فلمّا كان ذلك الفعل معلّقاً بصورته الذّهنية المنتزعة من الخزانة الاوليّة كان المطلوب بالامر اخراجه من ذلك البرزخ الي الظّهور و المطلوب بالنهي انزاله من ذلك التعلق الي ما في المشيّة من امكانه فيكون المطلوب بالنهي وجوديّاً كالمطلوب بالامر و هذا احد الوجوه و الثاني الصورة في النفس و الوجه معناها في العقل و الثالث الصورة في الخيال و الوجه ما في اللوح المحفوظ من الصورة الجوهريّة و الرابع مواۤدّ مصادرها العنصريّة التي هي محالّ قواها و الوجه استُقُصَّاتها التي تعود اليها فتفهّم ما قلنا يظهر لك ما اردنا .
فقوله عليه السلام : و نهيتم عن المنكر ،
يريد به ان المنكر الذي هو ضدّ المعروف في التكوينات و التشريعات قد نَهَوا عنه و دَلّوا المكلفين علي طرق التخلّص منه لانه هو المانع من الاكوان الوجودية و الشرعيّة كما قال تعالي في ذكر النهي عن شرب الخمر قال تعالي انّما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة و البغضاۤء في الخمر و الميسر و يصدكم عن ذكر اللّهِ و عن الصلوة فهل انتم منتهون فاخبر سبحانه بان الخمر يغيّر الطباع و يوقع الشيطان بسبب تغييرها العداوة و البغضاۤء و يصدّ عن الدين فكان شربها مانعاً من وجود الصداقة و المحبّة و من الصلوة و ذكر اللّه و المنكر الذي نهي سبحانه عنه المحرّمات من كل ما ورد الشرع الشريف بالنهي عنه من المحرمات التي جاۤء الشرع الشريف بالنهي عنها من الكباۤئر و الصغاۤئر حتي اللَّممِ فان جميعها موانع اشرنا اليه و انّما نهي سبحانه لعلمه انها تمنع من صلاح الكونين قال تعالي في تمام الٰاية المتقدّمة و ينهي عن الفحشاۤء كالزنا و نكاح المحارم و المساحقة و اللواط و كل مستقبح في الفعل و القول و البخل كما قال تعالي الشيطان يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاۤء و كلّ سوۤء جاوز حده فهو فاحش و روي ان اللّه يبغض الفاحش المتفحِّش قال في النهاية قد تكرّر ذكر الفحش و الفاحشة و الفواحش في الحديث و هو كل ما يشتد قبحه من الذنوب و المعاصي و قد يكون الفحش بمعني الزيادة و الكثرة و منه حديث دم البراغيث ان لم‌يكن فاحشاً فلا بأس و مثله ان كان الالتفات فاحشاً في الصلوة اي كثيراً انتهي و هذا في الظاهر و في الباطن هو صاحب الولاية الاولي المذكورة في قوله تعالي بل تؤثرون الحيوة الدنيا فانه هو المراد بالفحشاۤء لانه تجاوز في القبح في السريرة و القول و العمل الي حَدٍّ ما وصل اليه خلقٌ مِنْ خلق اللّهِ كما دلّت عليه رواياتُ اهل العصمة عليهم السلام و قد كنّي عنه ابومحمد العسكري عليه السلام بما يدلّ علي ذلك فقال (ع‌) ابوالدواهي و في ما بين الظاهر و الباطن ما يجري علي الخواطِر و تكنّ الضماۤئر و تنطوي عليه السراۤئر مما لايحبه اللّه و امر بضدّه و بغيره من سوۤء النيّات و تصوّر الامور القبيحات اذا مال اليها بالاختيار و الطلب لا بالوسوسةِ و النجوي و هو كارهٌ لها فانّ ذلك مما عفي عنه و رُفع اثمه عن هذه الامّة المرحومة امّة محمد صلّي اللّه عليه و آله امّة الاِجابة و هم الشّيعة من قوله تعالي استجيبوا لِلّهِ و للرَّسُول اذا دعاكم لما يحييكم اي اذا دعاكم للولاية كما قال تعالي اوَ من كان ميتاً فاَحْيَيْنَاهُ و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس اي اماماّ يهتدي بنوره و امّا غير امّةِ الاجابة فلم‌يجر لهم من اللّه تخفيف و هو السر في قوله تعالي آمن الرسول بما انزل اليه من ربّه و المؤمنون و لم‌يقل و ساۤئر الامّة اوْ و الناس لانّه سبحانه انّما خصّ بالتخفيف نبيّه صلّي اللّه عليه و آله و المؤمنين فهذه من الفحشاۤء المنهي عنها و المنكر اي الشي‌ء القبيح الفظيع الذي تنكره النفوس او النّفوس الطّيّبة و قوله تعالي انّ انكر الاصوات اي اقبحها و قوله تعالي و تأتون في ناديكم المنكر اي الخذف بالحَصي فمن اَصَابَهُ نكحوه و الفحش في الكلام و السّباب و لعب القمار و ضرب المعازف و الصفق بالايدي و اللعب بالدِّيَكة و عن الرضا عليه السلام في قوله و تأتون في ناديكم المنكر كانوا يتضارَطُون في مجالِسِهمْ من غير حشمةٍ و لا حياۤء و روي القمي كان يضرِط بعضُهُمْ علي بعض و منكر و نكير يسألانِ الميتَ في قبره سُمِّيَا بذلك باسمي صفتي ذَنْبِ الانسان فانه اذا اذنب انكر غيرَهُ فالملك الساۤئل عن هذا نكير و غيرُهُ يُنكِر عليه لذنبه فَالملك الساۤئل عن هذا منكر و الي هذا الاصل اشار عليه السلام بقوله هيهات ما تناكرتم الّا لِمٰا بينكم من الذّنوب و المنكر خلاف المعروف و انكره ضدّ عرفه و في الحديث في معوية تلك النكراۤء تلك الشيطنة و هي شبيهةٌ بالعقل و ليست بعقل فهم عليهم السلام نهوا عن المنكر بكل معني علي كمال ما ينبغي ممّا اُش۪ير اليه و ممّا لايُشَار اليه ظاهراً و باطناً امّا الظاهر فالعمل و امّا الباطن فهو الحمار يحمل اسفاراً و الي ذلك اشار بقوله تعالي ان انكر الاصوات لصوت الحمير اي اقبح و انكر لانه كان فظّاً غليظ القلب فهو المنكر لانّ عدده ثلٰثمائة و عشرة و قد اشار الي ذلك اميرالمؤمنين عليه السلام في جواب الساۤئل الذي سأله و هو كافر فقال اخبرني عن نصف الشي‌ء فقال مؤمن مثلي فقال اخبرني عن شي‌ء فقال كافر مثلك ه‍ ، لان شي‌ء ثلثمائة و عشرة و هو منكر و هو الحمار في الٰاية و الحمير في الٰاية الاخري و قوله منكر لانه هو صوت الحمار فلاينطق بالمعروف ابداً و ان تلفَّظ بلفظٍ معروف فهو منكر عند نفسه لانه لم‌يرد به الّا المنكر و قد كني عنه ابومحمد الحسن العسكري عليه السلام في تفسيره بقوله ابوالشرور اللهم زُخّه الي ما قدّرتَ له في حكيم قدرِك و زدْهُ مِن مدّ شمال قدرتك حتي ترضي يمينُ قدرتك و ما بين الظاهر و الباطن ما يجري علي الخواطر و تكن الضماۤئر و تنطوي عليه السراۤئر مما لايحبه اللّه و نهي عنه من سوۤء النيات و تصوّر الاشياۤء القبيحات اذا طلبها مختاراً كما تقدم فهذه من الامور المنكرة الّتي نهي عنها و تعرف الفرق بين البرزخين كلّ باصله و هم عليهم السلام قد نهوا عن المنكر و عن استماع قوله و عن الميل الي ما في الخواطر و الي شي‌ء من طريقته و عن العمل بشي‌ء من فروعه و هي المذكورة في المناهي في القرءان و الاحاديث و البغي يعظكم لعلّكم تذكرون في قوله تعالي و ما كانت اُمّكِ بغِيّاً البغي المرأة الفاجرة و لايقال للرجل بغيّ و البغي في الٰاية بسكون الغين طلب الظلم و الفَساد و الحسد و لعلّه انّما خصّ الثالث به لشدّة بغيه من قوله تعالي غير باغ و لا عادٍ فانه باغٍ للميتة و طالبٌ لها و هو يجد غيرها و هي الدنيا كما في قصة النبي حنظلة عليه السلام عن الرضا عليه السلام و عادٍ يعدو شبعهُ منها بل لايشبع ابداً بل لايكاد يأكل من غيرها فانّهم لٰاكلون منها فمالئون منها البطون فالبغي بسكون الغين صورة الظاهر في الظلم من قوله و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون و في الفساد من قوله تعالي و يفسدون في الارض اولۤئك هم الخاسِرون و في الحسد من قوله تعالي ام يحسدون الناس علي ما آتيٰهم اللّه من فضله و بكسر الغين معني الباطن لان البغي هي المرأة الفاجرَة و لايقال للذكور و جري عليه هذا حيث ادّعَي ما ليس له و قعد مقعداً ليس له باهل و ذلك من قوله تعالي ان يدعون من دونه الّا اناثاً و ان يدعون الّا شيطاناً مريداً لعنه اللّه و روي محمد بن مسعود العيّاشي في تفسيره عن محمد بن اسمعيل الرّازي عن رجل سمّاه عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال دخل رجل علي ابي‌عبداللّه عليه السلام فقال السلام عليك يا اميرالمؤمنين فقام علي قدميه فقال مَهْ هذا الاسم لايصلح الّا لاميرالمؤمنين عليه السلام سمّاه اللّه به و لم‌يُسمَّ به احد غيره فرضيَ الّا كان منكوحاً و ان لم‌يكن ابتُلِيَ به ابْتُلِيَ به و هو قول اللّه في كتابه ان يدعون من دونه الّا اناثاً و ان يدعون الّا شيطاناً مريداً قال قلتُ فما يدعي به قاۤئمكم قال السلام عليك يا بقيّة الله السلام عليك يا ابن رسول اللّه ه‍ ، و ايضاً البغاۤء بالكسر و المدّ الزنا و بغيتُ الشي‌ء اَبْغ۪يه بَغْياً طلبْتُه و الاسم البُغاۤء بالضم كغراب و الفِئةُ الباغية الخارجة علي الامام الحقّ عليه السلام و منه حديث يا عمّار تقتُلك الفئةُ الباغية ، و حكم برزخ البغي كحكم برزخ الفحشاۤء و المنكر و قوله تعالي يعظكم لعلّكم تذكرون يعني ينهاكم عن الفحشاۤء و المنكر و البغي بعد اَنْ امرَ بالمعروف الذي هو العدل ضدّ الفحشاۤء الذي هو الاعتداۤء و الاحسان ضد المنكر الذي هو الأِساۤءَة و ايتاۤء ذي القربي ضد البغي الذي هو طلب الميتة كما تقدم و هذا النهيُ بعد ذلك الامر اقرب لكم الي الانتفاع بالذكري فانها تنفع المؤمنين فهذه الثلاثة اعني الفحشاۤء و المنكر و البغي ظاهرها و باطنها و ما بينهما من البرازخ يطلق عليها المنكر الذي هو ضدّ المعروف و هم عليهم السلام امروا بالمعروف ظاهره و باطنه في الاوصاف الثلاثة و ما بينهما بكلّ معني في الكونين علي كمال ما ينبغي و نهوا عن المنكر كذلك صلّي اللّه عليهم اجمعين .
قال عليه السلام : و جاهدتم في اللّه حق جهاده ،
هذه الفقرة من قوله تعالي و جاهدوا في اللّهِ حق جهاده فانه سبحانه خاطب المؤمنين بالعموم و عَني آل‌محمد صلّي اللّه عليه و آله بالخصوص قيل في الٰاية في اللّهِ اي في عبادةِ اللّٰهِ و قيل الجهاد بمعني رتبة الاحسان و معني رتبة الاحسان هو انّك تعبد ربّك كأنّك تراه فان لم‌تكن تراه فانه يَراك و لذلك قال حقّ جهاده اي جهاداً حقاً كما ينبغي بجذب النفس و خلوصها عن شواۤئب الرّياۤء و السمعة مع الخُشوع و الخضوع و الجهاد مع النفْس الامّارة و اللوّامة في نصرة النفس العاقلة المطمئنّة و هو الجهاد الاكبر و لذلك وَرد عن النبي صلي اللّه عليه و آله انّه رجع عن بعض غزواته فقال رجعنا من الجهاد الاصغر الي الجهاد الاكبر انتهي ، و هذه الغزوة غزوة تبوك و قيل في قوله و الّذين جاهدوا فينا لنهديَنّهم سبلنا و انّ اللّه لمع المحسنين اي جاهدوا الكفار ابتغاۤء مرضاتنا و طاعةً لَنا او جاهَدُوا انفسهم في هواها خوفاً منّا و قيل معناه اجتَهَدُوا في عبادتنا رغبةً في ثوابنا و رهبةً من عقابنا لنهدينّهم سُبُلَنَا اي السبيل الموصلة الي ثوابنا و قيل لنوفّقنّهم لازدياد الطاعات ليزدادَ ثوابهم و قيل و الذين جاهَدوا في اقامة السنّة لنهدينّهم سبيل الجنّة و قيل و الّذين يعملون بما يعلمون لنهدينّهم الي ما لايعلمون و قيل معناه جاهَدُوا في حقِّنَا ليشمل جهادَ الاعادي الظاهرة و الباطنَة لنهدينّهم سُبُلَنا سُبُلَ السَّيْر الينا و الوصول الي جنابنا و في الحديث من عمل بما علم ورّثهُ اللّه علم ما لايعلم و ان اللّه لمع المحسنين بالنصر و الاعانة القميّ جاهدوا فينا اي صبروا و جاهدوا مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لنهدينّهم سبلنا لَنُبَوِّئنّهم و عن مولينا الباقر عليه السلام هذه الٰاية لٰال‌محمّد و اشياعهم و في المعاني عنه عليه السلام عن اميرالمؤمنين عليه السلام قال اَلا و اني مخصوص في القرءان باسماۤء احذروا ان تُغْلَبُوا عليها فتضِلّوا في دينكم اَنا المحسن يقول اللّه تعالي و انّ اللّه لمع المحسنين ،
اقول الجهاد عند المتشرّعة بذل النفس و المال لاعلاۤء كلمة الاسلام و اقامة شعاۤئر الايمان و هذا هو الجهاد الاصغر و هو جهاد الكفّار و المشركين و الناصبين و الباغين و العادين و الخارجين علي الامام و امثالهم و امّا الجهاد الاكبر فهو جهاد النفس فانّ اعْدَي اعداۤئك نفسك التي بين جَنْبيك كما في الخبر و جهادُها بالرّياضات و هي قسمان قسم وضعوه اصحاب السيمياۤء و الهيمياۤء و الجوكيّة و اصحاب السحر و الاعمال التي يتوقّف استعمالها علي تسخير الملاۤئكة و الجاۤنّ و الشياطين و الحيوانات بل الجمادات و النبات و غير ذلك مما هو معروف عند اهله ليتوصّلوا بتسخير الارواح و بقوة نفوسهم علي ساۤئر مطالبهم و منها رياضات اهل التصوّف ليجرّدوا انفسهم لتنكشف لهم الاسرار و حقاۤئق الاشياۤء امّا الاولون فعملوا تلك الرّياضات لمقاصدهم لم‌تكن للّه تعالي في شي‌ء و لم‌يقصدوا بها شيئاً ممّا للّهِ فحالهم معروف و المجاهدة للنفس بهذا النحو باطلة يضلّ اللّه بها اهلها عن سبل الرشاد و امّا الٰاخرون الذين هم الصوفيّة فاكثرهم له مقاصدُ ترجع الي نحو ما قصد الاولون و يظهرونها علي صورةِ ما للّهِ من المجاهدة و قد شيّدوا هذا الاظهار بمختلفِ اقوالهم و متناقض اعمالهم و احوالهم و كلامهم و متشابه هيْئاتهم و يفعلون المعاصي بعد ان يرتّبوا لهم قواعدَ مثل و اعبد ربّك حتي يأتيَك اليقين و يقرّرون انّ العبادةَ و الطّاعةَ انّما هي نَفَقةُ الطريق الي اللّهِ تعالي فاذا وصل لم‌يحتج الي شي‌ء من العبادات لانّ نفسَهُ هي ذاتُ اللّه من جهة الحقيقة و انّ مخلوقيّتها موهومة فلهُ حقيقةٌ و مجازٌ حقيقتُه هو اللّه و مجٰازُه هو كونه مخلوقاً و عبداً و ذلك موهوم ففي الطريق لا بأس بالعمل فانّه صورةٌ و صفةٌ و هي ترجع الي مثلها و هو المجاز فاذا وصل و اتّصل كان هو اللّه و لايعبد احداً و من هنا قال شاعرهم :
انا ذلك القدُّوس في       ** * **      قدسِ العماۤء مُحَجَّبٌ
انا قطبُ داۤئرةِ الرحَي       ** * **      و انا العُلَي المستوعب
انا ذلك الفردُ الذي       ** * **      فيه الكمالُ الاعجَبُ
و بكل صوتٍ طاۤئري       ** * **      في كلِّ غُصنٍ يُطْرِبُ
الي ان قالَ :
و اقولُ انّي خلقُه       ** * **      و الحقَّ ذاتي فاعجَبُوا
نفسي اُنَزِّهُ عن مقالتِيَ التي لاتكذِبُ
اللّهُ اهلٌ للعُلَي       ** * **      و بريقُ خلقي خُلّبُ
انا لم‌اكُنْ هو لم‌يزل       ** * **      و لايّ شي‌ءٍ اُطْنِبُ
ضاعَ الكلامُ فلا كلامَ و لا سُكوتٌ مُعْجِبُ
جمعَتْ محاسِنيَ العلا       ** * **      انا غافرٌ و المذنِبُ
فتأمَّلْ سوۤء مقصدِهم من هذه و امثالِها فانهم اذا وصلوا الي هذا المقام عندهم لايعبدون لانّ الشي‌ء لايعبُد نفسَهُ بلا فرضِ مغايرةٍ هي في مقام اليقين و لذا قال تعالي و اعبد ربك يعني في مقام المجاز و هو الطريق اليه لانه هو مقام فرض المغايرة حتي يأتيك اليقين و هو الفناۤء في اللّه و الاتّحاد به و هو مقام عدم المغايرة و مثل ميلهم الي الغنا و النَّغمَات و ضرب الطبول و يتعلّلون بان النفس خلقت من اَلْحان الافلاك في حركاتها الموسيقية فاذا اَصْغَت اليها انجذبَتْ الي ما يشاكِلُها فتذكّرت نَشْأتَها و اعرضت عن المشاغلِ الدنياويّة فادركت المعارف الالهيّة و يقولون انّا ننظر الي المُرْدَانِ الجميلَةِ لنشاهدَ فيها آثار الجَمال الالهي و كلُّ هذه تَمْو۪يهات النفس و الشيطان دعتهم اليها شهواتُ نفوسهم الخبيثة لايريدون بها شيْئاً لِلّهِ و لا لشَيْ‌ءٍ من طاعته بل للشيطانِ و لتصغي اليه اَفْئِدة الّذين لايُؤمِنونَ بالٰاخرة وَ لِيرضوه و ليقترفوا ما هُمْ مُقْتَرفون فهذه الرّياضات طرقُ الشيطانِ اِلَي النَّارِ و منهم من يرتاض برياضاتهم و يقتدي بهِمْ في اعتِقَادٰاتِهِمْ و يأوِّل من كلامهم ما يظهر له فسادُهُ لحسنِ ظنّهِ بهم و اِنْ كانوا لايعلمون من اعْمالهم مثل الغنا و اسْتعمال الملاهي و ترك العبادات و فعل المعاصي فهؤلاۤء رياضاتهم باطلةٌ كالذين من قبلهم و ان كان بعض هؤلاۤء قد يستعمل هذه الرياضات الباطلة للّه بمعني انّه يحسِب انّها توصل الي ما يحب اللّه و يستدلّ في نَفْسه۪ و علي خصمه بمثل عموم الحكمة ضاۤلّة المؤمن حيثما وجدَها اخذَها و بما يلفِّقُ من مأٰخِذَ عقلِيّة يطول الكلام بذكرِها بلا فائدة و هو عمل باطل لانّ المؤمن ليس له ضاۤلّة الّا طريقة الائمّة الهداة عليهم السلام و لو لم‌يُقَرِّروا طريقة الحق لكان لقاۤئِلٍ اَنْ يقول انّهم حصل لهم بالادلّة و القراۤئن انَّ طريقة اُولٰۤئك هي طريقة الهادين او توصل الي طريقتهم و لكنهم عليهم السلام قد دلّوا علي الطريقة الحقّة في المأكل و المشرب و الملبس و النكاح و العلوم و الاعمال و لم‌يتركوا شيئاً يوصل الي اللّه تعالي الّا دلّوا عليه و امروا به و عملوه و نهوا عن طريقة اهل الباطل و هم اهل السحر باقسامه و اهل التصوف و عن اتِّباعهم و تأوّل كلامهم و الميل اليهم و التّسمّي باسماۤئهم و امروا بالبراۤءة منهم و ممّن يأوّل كلامهم و يميل اليهم و يتسمّي باسماۤئهم الّا للتقيّةِ كما دلّت عليه احاديثهم فلاتكون طريقتهم الباطلة ضاۤلّةً للمؤمن بحالٍ و اما ادلّتهم العَقْليّة فباطلة لانّ تلك العقول مكتسبة من الباطل فتُثْمِرُ مِنْ جنسِ بزرها و بالجملة فرياضات هؤلاۤء كلّهم باطلة تُوصِل الي الباطِل و ان قصَد بها الجاهل المجاهدة في اللّه لانّها في حقيقتها مجاهدة في الشيطان و لهذا حصل لهم كشف عن طرق الباطل فكانوا يقولون انّ علم اللّه مستفاد من المعلوم و المعلومُ انت و احوالكَ و انّ اللّه سبحانه مااوجد الّا نفسَهُ و انّ حقيقة الخلْقِ عين الحقِّ سبحانه و لانّ مشية اللّهِ احديّة التّعلق و هي تنافي اختيار الحقّ سبحانه فليس له في مخلوقه الّا شي‌ء واحد و انّ اهل النار يَؤُل امرهم الي النعيم و انّ كلام اللّه قديم ليس هو غير ذاته و غير ذلك من الاعتقادات الشنيعة و ما سمعتَ بعضَهُ من الاعمال الفظيعة لانهم انما دعاهم الي هذه الامور التكبّر عن طاعة ائمّة الهدي عليهم السلام و الاستنكاف عن ولايتهم فلاتَلُمْهُمْ و لُمْ مَن يدّعي من شيعتِهم و طريقَتُهُ طريقةُ اَعْداۤئِهِمْ فانّها لَاتعمي الْابصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور و القسم الثاني من الرياضات ما اسَّسَهُ محمد و اهل بيته الطاهرون صلي اللّهُ عليه و عليهم اجمعين و هي ما سنّهُ اللّه تعالي لهم وَ دلّهم عليه من آدابه و بيّنَهُ لهم في كتابه و مجملُهُ ان تأكل كلَّ ما تشتهي نفْسُكَ من الحلال ناظراً الي اباحةِ اللّه و اذنه اوْ ندبه اليه لتقوي به علي طاعة اللّه سبحانه مقتصِراً علي ما يُخرِجُكَ عن الجوع المشغِل و الشبع المثقِل مؤدّياً لشكر تلك النعمة بالحمدِ للّهِ علي نعمِه۪ و ملاحظة انّها منه وحدَهُ ابْتَدَأَكَ بها كرَماً و جوداً و مجتنبِاً من ذلك كلّ ما نهي اللّهُ عنه و عن كلّ شبهةٍ و كلّ مباحٍ يؤدّي اليهما و لو في الاحتمال او تميل معه نفسُك الي الشهوات الّتي تطلبها نفسك لغير طلب الاباحة و الاذن و الندب من اللّه للتقوية علي الطاعة بل لمجرّد الشهوة الحيوانيّة او العاديّة فقد قال عليه السلام اياكم و مواۤئد الملوك فان لها ضراوةً كضراوةِ الخمر حابساً نفسَك و شهوتك علي ما للّهِ اَوْ ما يؤدي الي ما للّهِ تعالي و الشراب و اللباس و النكاح كذلك و ينبغي لك الخلوة عن الناس و هي خلوة اهل البيت عليهم السلام لا خلوة الصوفيّة و الرهبانيّة بل هي اَنْ تُخْلي قلبَك عن كل ما سوي اللّه تعالي الّا ما كان للّه من صلوة و عبادة و ذكرٍ و فكرٍ و ذكرِ موتٍ و اعتبارٍ كما قال تعالي اولم‌ينظروا في ملكوت السموات و الارض و ما خلق اللّه من شي‌ء و اَنْ عسي ان يكون قد اقترب اجلهم ، و قوله عليه السلام المؤمن كلامه ذكر و صمتُهُ فِكرٌ و نظره اعتبارٌ بمعني انه لايتكلم الّا فيما يعنيه بان يقصر كلامه علي ما كان من امر الدين و امر الٰاخرة و ما كان من امر الدنيا علي اقل ما يكفيه من الكلام و اذا صمتَ فكّر فيما يراد منه و كيف يرضي مولاه في كلّ ما يتعلّق به من احوال العبادة و العبوديّة و في كيفية الاستعداد للقاۤء مولاه بما يرضي به عنه و كيفية التخلّص و الانفصال و اللحوق و الاتّصال و اذا نظر اعتبر في المصنوعات عظمة الصانع و اختلاف خفي تدبيره و سرعة حلول مقاديره من الغني و الفقر و الصحة و السقم و الهداية و الضلالة و السعادة و الشقاوة و الفرح و الحزن و الرضي و الغضب و الموت و الحيوة و في تقلّب احوال الدنيا و في الموت و ما بعد الموت و يقرأ كتاب اللّه فيري سنة الماضين علم اليقين او عين اليقين و يري من نجا بما نجا و من هلك بما هلك و بالجملة يعيش في هذه الدنيا غريباً لايعرف احداً و ان كان بين الناس و بين اهله و اقاربه و مع هذا فلايترك التكسب و طلب الرزق من الوجه “٢” الحلال و منه “٢-” انه لايلهيه طلبُ الحلال عن ذكر الملك المتعال بل يُجْمل في الطلب كما قال تعالي رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و اقام الصلوة و ايتاۤء الزكوة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب و الابصار و يجتهد في طهارته و في صلاته لا علي جهة الهَوَس و الوسوسة بل علي جهة شدّة الاعتناء بشأن خدمة الملك الجبّار جلّ جلَالُه باخلاص النيّة له و التزام الٰاداب الالهيّة كأنه بينَ يَدَيِ اللّهِ سبحانه و بالصدق مع اللّه في كل المواطن بحيث لايفقِده حيث يحبّ و لايجده حيث يكره فاذا وقع خلاف ما وصفنا فليعلم انّ هذا شأنه لشدّة فقره و لا ملجأ للفقير الّا الغني و ليَنْدَمْ علي ما فرّط و لايشتغل بغَمِّ ما مضي عن الاهتمام بما يأتي ثم لايستحقر صغيرةً من طاعةٍ او معصيةٍ من الواجبات و المحرّمات و من المندوبات و المكروهات و من الٰاداب و السنن ممّا هو شرط في الكونين كون التشريع و كون التكوين او متمِّمٌ لشرط او مُكمّلٌ له او متردّد بينهما و لايزال كذلك حتّي يلحق بالّذين صحبوا الدنيا بابدانٍ ارواحها معلّقة بالمحل الاعلي و الي هذا الاشارة بقوله تعالي مازال العبد يتقرّب اليّ بالنوافل حتي اُحِبَّه فاذا احببته كنتُ سمعَهُ الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به الحديث ، و قال عليه السلام و خلق الانسان ذا نفسٍ ناطقة اِنْ زَكّاهَا بالعلم و العمل فقد شابَهتْ اوائلَ جواهِر عللِها فاذا اعْتَدل مزاجها و فارقت الاضداد فقد شارَكَ بها السبع الشداد ه‍ ، اقول اذا قام بكلّ الٰاداب كان ممّن عناه علي عليه السلام بقوله فاذا اعتدل مزاجها و فارقت الاضداد الخ ، و ان قام بالبعض كان له البعض كلٌّ بنسبته و هم عليهم السلام من اهل القسم الاوّل و بمثل ما ذكرنا يجاهدُ العاقل نفسه و قد جاهدوا عليهم السلام في اللّه سبحانه الكفار و المنافقين و جاهدوا انفسهم حق الجهاد علي حدٍّ يقصر عنه جميع العباد و ذلك لان اللّه سبحانه اجتباهم من جميع الخلق و آتيهم من نعمه ما لم‌يؤتِ احداً من العالمين فطلب منهم شكر تلك النعم فاوحي اليهم و جاهدوا في اللّه حق جهاده هو اجتباكم فقاموا بامره كما امرهم فاخبر عليه السلام عنهم بذلك الوفاۤء الذي هو غاية الشكر بقوله و جاهدتم في اللّه حق جهاده .
قال عليه السلام : حتي اعلنتم دعوته و بيّنتم فراۤئضَهُ و اقمتم حدودَهُ ،
اعلن بمعني اظهر و نشر و الدعوة بمعني الدعاۤء و السؤال و منه اجيبُ دعوة “٣” الداع اذا دعان اي سؤاله “-٢” لخلقه و عليه “٢-” فهي “٣-” مضافة الي ضمير الفاعل و السؤال هو قوله تعالي الستُ بربّكم حين سألهم قبل ان يخلقهم كلّ واحدٍ في وقتِ وجوده و مكان حدوده لمّا سألوه بلسان امكانهم و هم عليهم السلام اذ ذاك هم الداعون الساۤئلون لانهم تراجمة وحيه و لسانه المعبّر عنه و هم اصل مواۤدّ الخلق الّتي باَلْسنتِها الاجابة الامكانيّةُ و التكوينيّةُ فسمع دعوةَ اللّه سبحانه من اَلْسِنَتِهم عند الاداۤء و التبليغ عنه سبحانه كلّ شيْ‌ءٍ و لانهم الاعضادُ و الاشهاد و المناة المقدِّرون و الاذوادُ و الحفظةُ و الروّاد فقد اعلنوا دعوةَ ايجاده حتي ظهرَتْ في كلّ شي‌ء و انتشرَتْ في ساۤئر اقطار الاكوان و اعلنوا دعوة “٣” اِمْكانهم باَلْسنَةِ قبولهم بالارشاد و الامداد لانهم الاعضٰاد او يكون المراد سؤالهُ اي سؤالهم “-٢” له و عليه “٢-” فهي “٣-” مضافةٌ الي ضمير المفعول و ذلك حين سألوهُ بعد اَنْ اَمْكنهم قبل ان يخلقهم باَلْسِنَةِ امكاناتِهم بعباراتِ قبولهم كلٌّ في وَقْتِ وجوده و مكان حدوده فاعلَنُوا دعوته اي دعوةَ خلقِه۪ ايّاه سبحانه اي اظهروها و نشَرُوهَا بٰاثارِ هياكِل توحيدهم عليهم السلام هذا في حكم التكوين و اَمّا في التّشريع فدعوته لهم اذا اُر۪يدَ منها معني السؤال يكون المراد به انّه جَلّ و عَلا كلّفهم بالامر و النهي و ما ندب اليه و كرّهَهُ تخييراً لانّه سبحانه لم‌يرضَ ان يطاعَ باكراه لعدم تحقّق الطاعة مع الاكراه كما انّه لم‌يُعصَ بغلبة لعموم قدرته فكان المكلف بامره و نهيه غير مجبورٍ بل هو مختار في الامتثال بامره و الاجتناب عند نَهْيه لتتحقَّق الطاعةُ و المعصية و لهذا ورَد خطابُه لهم في التكليف بصُورة السؤال فقال الست بربّكم قالوا بلي مختارين للقبول منه و الاَئمة عليهم السلام عيبة علمه تعالي و مستودع سرِّه۪ و امناۤءُ نهيه و امْره فبَلّغوا عن اللّهِ ما امرهم بتبليغهِ حتي اعلنوا دعوته و لمّا كانوا حملة ولاية اللّهِ و القوّام بامره و نهيه كان اِتّباعهم يهدي الي الحقّ و الي طريق مستقيم و هذا لهم ليسَ غيره الّا الضّلال و هو قوله تعالي فماذا بعد الحقّ الّا الضّلال فمن اقتدي بهم اهتدي الي طاعة اللّه و الي اجابة دعوته و قد حثّوا علي ذلك و بالغوا في الدعاۤء الي اللّه حتي اعلنوا دعوته علي المعني الثاني الذي قلنا فيه انّ دعوة مضاف الي ضمير المفعول بمعني الاستجابة للّه و للرسول (ص‌) كما في قوله تعالي استجيبوا لِلّهِ و للرَّسول اذا دعاكم لما يحييكم و كلما يلحظ في التكوين يلحظ في التشريع و بالعكس .
و الدّعوة ايضاً من دعاه بمعني ناداه اي طَلَب اِقْبَالهُ و يصح في هذا المعني الوجهان السابقان اي انّ اللّه سبحانه طلب اقبالهم عليه ليقبلوا منه ظاهر فيضه و امداده الذي به كونهم و به قوامهم و الائمة صلّي اللّه عليهم هم الوساۤئط في ذلك الطلب و هم المبعوثون به و هم المترجمون له و هم المؤدّونَ الي خلقه و هم المبلِّغون فيضه اليهم و حيث كان ذلك المدد و الفيض لايكون الّا فيهم و لاتصل آثاره الي العباد الّا عنهم و بهم و طلب منهم التبليغ و بلّغوا عنه ما اراد منهم من التبليغ ظهر انّهم اعلنوا دعوته علي نحو ما اشرنا اليه ممّا تقدّم من ان المواۤدّ من شعاع انوارهم و القبول من آثار هياكلهم و ليقبلوا منه بٰاطن فيضه و امداده الذي به حيوة كونهم و به قوام ذواتهم و هم عليهم السلام اولُوا امرِ اللّهِ و نهيه و اولياۤء احكامه و حفظة شراۤئعه المبعوثون بدينه الداعون الي سبيله بالحكمة و الموعظة الحسنة فحَضّوا علي الرضي و بالغوا في الاداۤء و دَعوا الي طاعة اللّهِ و عبادته و امروا بالمعروف و نهوا عن المنكر حتّي اقاموا الدين في السموات و الارضين و هو قولهم الحق بنا عُرِف اللّه و لولانا ماعُبِدَ اللّهُ و قول الحجة عليه السلام في دعاۤء رجب فبِهِمْ ملَأْتَ سماۤءَك و ارضك حتي ظهر اَلَّا الٰه الّا انت فقدْ اعلنوا دَعْوَته حين دعا عبادَه الي معرفته و عبادته ،
و الدعوة ايضاً العبادة و في الخبر الدعاۤء هو العبادة و يكون المعني انهم اعلنوا عبادته امّا منهم فلانهم عبدُوه حقّ عبادته و جاهدوا فيه حق جهاده و امّا مِنَ الخلق فلانّهم اسَّسُوا لهم العبادة و امروهم بها و اصطبروا عليها بل لم‌يقبل من احَدٍ من خلقِه۪ عبادةً الّا ما وَافقَتْ مِلّتَهُمْ و سُنَّتَهُمْ كما امروا مصاحبة لِوَلايتهم و محبّتهم و في حديثِ علي بن الحسين عليهما السلام و قد سُئِلَ كيْف الدعوة الي الدين فقال تقول بسم الله الرحمن الرحيم اَدعوك الي اللّه و الي دينه ثم قال و جِمَاعُهُ امران احدهما معرفةُ اللّهِ تعالي و الٰاخَر العمل برضوانه و انّ معرفة اللّهِ اَنْ يُعْرفَ بالوحدانيّة و الرأفة و الرحمة و العزّة و العلم و القدرة و العلوّ علي كلّ شي‌ء و انّه النافع الضاۤرّ القاهر لكل شي‌ء الذي لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبيرُ و انّ محمّداً عبده و رسوله و انّ ما جاۤء بِه۪ هو الحقُّ من عند اللّهِ تعالي و ما سواه هو الباطِل فاذا اَجابوا الي ذلك فلهم ما للمُسلمين و عليهم ما علي المسلمين اقول جماع الدعوة امْرانِ كما ذكر عليه السلام و معرفة اللّه تدور علي شيئين احدهما ما اشار اليه عليه السلام بقوله ان يُعْرَف بالوحدانية الخ ، و ثانيهما المراقبة و حفظ السّرّ و ذكر اللّه علي كلِّ حالٍ و امّا العمل برضوانه فهو القيام باوامِرِه و اجتنابُ نواهيه علي ما حدّدُوهُ من حدودِ اللّه و قِوامُ تلكَ الحدودِ وِلايتهُمْ و الاقتداۤء بهم و الأَخْذ عنهم و التسليم لهم و الردّ اليهم و التفويض اليهم و محبّتهم بالقلب و اللِّسٰانِ و الاركان و الاعتصام بذِمّتهِمْ و البراءة من اعداۤئهمْ و اعتقادُ انّ الاعمالَ و المعارف لاتفيد شيئاً الّا بما ذكر بل تكون بغيرها معاصي و هباۤءً منثوراً و لايكون العمل برضوانه كما ذكرنا مقبولاً الّا بمعرفتهم و لاتقبل معرفتهم الّا بمعرفة اللّه كما وصف نفسَهُ علي اَلْسِنَتِهِمْ و لاتقبل معرفة اللّه الّا بمعرفتهم فجماع الدعوة امران كلّ واحدٍ منهما مرتبطٌ بالٰاخَر بل شرط له و ركن له كما ذكرنا ففي الحقيقةِ هم اعلنوا دعوته بكلّ معني علي كل نحو و في حقّ الحقيقة اللّهُ سبحانه اعلن بهم دعوته كذلك و الي هذا المعني اشار في دعاۤء شهر رجب بقوله فبِهِمْ مَلأْتَ سَماۤءَكَ و اَرْضَكَ حتي ظهر اَلّا اله الّا انت و لو اراد خصوص الاوّل الذي هو الحقيقة لقَال فملَئُوا سماۤءَك و ارضك .
و قوله : و بيّنتُمْ فراۤئضَهُ ،
البيان فصل ما بين الاشياء و تبيانُ كلّ شي‌ء يحتاج اليه الناس و يقال البيان هو المنطق الفصيح المعرِب عما في الضّمير و الفرق بين البَيان و التبيان هو ان البيان جَعْلُ الشي‌ء مُبَيّناً بدون حجّة و التبيان جعل الشي‌ء مبيّناً مع الحجة و في الحديث انزل اللّهُ في القرءان تبيان كلّ شي‌ءٍ يعني كشفه و الايضاح و السلطان و البيان و البرهان و الفراۤئض جمع فريضة مِن فرَض اي اوجب و بمعني وقّت و منه قوله تعالي فمن فرض فيهن الحج اي وقّت و بمعني العقد و الميثاق و منه قوله تعالي و لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة اي لا جناح عليكم فيما تراضيتم من عقدٍ مستأنفٍ من بعد انقضاۤء مدة الاجل الاوّل فقوله من بعد الفريضة اي من بعد العقد و هو الميثاق ايضاً كما قال و اخذْنَ منكم ميثاقاً غليظاً و يقال للواجب فرض اِمّا مِنْ فرض بمعني قدر و اما من فرض القوس و هو ما يوضع فيه الوتر لانه به ينتفع به لا بدونه فمعني بَيّنتُم كشَفْتم ما ستَر من اَسْرار فراۤئضه و رُخَصِه۪ و اوضحتم ما غمض من احكامِه۪ و مَأٰخذِها و شيّدتم اركان تسلّطِه۪ علي عباده بما حمّلكم من الولاية و اودع عنكم من مقاليد الهداية و احكمتم عقد طاعته و ما اخذ علي عباده من الميثاق علي اجابة دعوته و نهجتم سبيل معرفته في واضح المنهج بما اقمتم علي ذلك من الحجج فبيّنوا فراۤئض امْره و ارادته بحدودها حتّي ظهر لمن اخذ عنهم و اقتدي بهم و اهتدي بهديهم انّ من الفراۤئض ما حُدِّدَتْ بنفي الحدود و هي معرفته فانّها اوّل الفروض و نهاية الطّاعة لانّها هيكل ظهوره لعباده فلو كانت محدودة لكان تعالي معروفاً بالحدود فيعرف بنفي كل ما يجوز و بوجوب كل ما يمتنع عن الادراك لان الشي‌ء انما يعرف بصفته و علي انّ فَرَضَ بمعني وقّت في العبادة ظاهر لان منها ما هو موقّت في الوجوب و الاداۤء كالصلوات و الصيام و منها موقّت في الوجوب كالزكوة و منها موقّت في الاداۤء كالحجّ و منها موقّت بالعمر كصلوة الزلزلة و امّا في المعرفة فحيث كان حقيقتها انها صفته كان توقيتُها وجودَها و وجودُها نفس وجود العارف و فرضُها اي توقيتُهَا حين كونها معلومة اي حين يقع عليها العلم بها و اوّل وقتها هذا و آخره فناۤؤه في علّة مبدئه و كونها معلومةً هو ظهور العالم بها الَّذي هو هو لها لِانّ الظّاهر انما هو هو بظهوره و هو كلامُه بظهوره بها فهو اوّلُهَا و آخِرُها و لا اوَّلَ لها و لا آخر غيره فلا اوّل لها و الّا لكان لهُ آخِر و لا آخِرَ لها و الّا لكان له اوّل بل الاوّل و الٰاخِرُ له و هو خلقُه و هو بكلّ خلقٍ عليمٌ ثم لمّا كان فناۤء العارف انّما هو بكمال التجريد و كشف سبحات الجلال و كمال التجريد محو جميع الاشارات و النسب و الاعتبارات و كل ما سوي الثابت بذاته سبحانه حتي لايبقي الّا البَاقي فاذا نفيتَ كلّ راجع الي غيره و مستندٍ الي سواه حصلتَ علي آيَتِه۪ و وقعتَ علي نشأتِك من صفته و لستَ الّا ما وصَف لك من صفته و تعرّفَ لكَ باصل فطرته كان بابُ ابتداۤئك حين خرجتَ بابَ فناۤئِك حينَ دخلتَ كما قال سيّدالشهداۤء عليه السلام في آخر دعاۤء يوم عرفة في مناجاته كما روي الهي امرتَ بالرجوع الي الٰاثار فاَرْجِعني اليها بكسوة الانوار و هداية الاستبصار حتّي اَرْجِعَ اليك منها كما دخلتُ اليك منها مصون السرّ عن النظر اليها و مرفوع الهمّة عن الاعتماد عليها انّك علي كل شي‌ء قدير ، و لمّا كان بَدْءُ بَدْئِك حين خَرجْتَ هو بابُ فناۤئِك حين دخلتَ و كان تعدّد المكلّفين انما هو لاختلاف المشخِّصات و منها الرتبة و الجهة وجب ان يكون لكل مكلّفٍ بابٌ لِبدئه و عوده لايشاركه فيه غيره لان المشاركة انما تتحقّق في الكلِّ و ذلك يوجب الاتّحاد و امّا المشاركة في البعض فتوجب تعدّد المخرج بسبب البعض الذي لم‌تقع فيه الشركة فظهر مما ذكرنا ان التّوقيتَ ظهر في مراتب لاتكاد تَنْضَبِط لاختلاف المراتب الموقّتَاتِ و هذا التوقيت في نفسه مختلف فمنه مع السَّرمد صلي اللّه علي محمدٍ و آل‌محمد و منه مع اوّل الدهر و منه مع وسطه و منه مع آخره و منه مع المثال و منه مع اوّل الاجسام او الاعراض علي اختلاف مراتبها من الوجود من حق و باطل ،
و لكلٍّ رأيتُ منهم مقاماً       ** * **      شرحُهُ في الكتابِ ممّا يطولُ
و ذلك تأويل قوله تعالي فسالَتْ اوديَةٌ بقَدَرِها و علي انه بمعني قدّر ففي الاعمال جرت الحكمة علي طبق الموضوعات كما انه في الاعمال احْتِمال القوابل فقد بيّنوا بكلِّ معني يحتمله البيان جميعَ فراۤئضه سبحانه بكل معنيً يحتمله الفرض من الوجوبِ و العقد و الميثاق و التوقيت و التقدير و الثبوتِ و الحكم علي حدٍّ لايدانيه سواهم و لايحمِل اَعْباۤءَهُ الّا هم .
و اقَمْتُمْ حدودَهُ اِقامةُ الشّي‌ءِ تعديلُ اركانهِ و حِفظُها من اَن يقع زيغ او نقص في شي‌ءٍ منها او مِن مُتَمِّماتِها اَوْ مِنْ مُكَمِّلاتِها و الحدود هي الاحكام لانّها حدودُ افعالِ المكلّفين و احكامُها امّا كونُها حدود افعالِ المكلّفين فلِاَنّها تَضْبِطُهَا عن الافراط و التَّفْر۪يط و تحبسُهَا علي الاعتِدال الذي به قبولُ الخير و الحق لا بغيرهِ فالاحكام في الحقيقةِ تحديد الافعال و تعديلها علي مقتضي الحق الذي هو الحكمة الالهية باطناً و الامر بالاعمال الصالحة منها و النهي عن القبيحة منها ظاهراً و ما يترتّب علي ذلك من الثواب في الموافقة و العقاب في المخالفة فهو ما خلقه اللّه بمُقْتَضَي ما يفعلون من اعمالهم و هو سبحانه سيَجزيهم وصفهم انّه حكيم عليم و امّا كونها احكاماً فلانّها في الوجود تشريعاتٌ وجوديّة و تكليفات ذاتيّة و في الشرع ميولات فعليّة وضعيّة و دواعٍ سببيّةٌ اقتضاۤئيَّةٌ تكون بها وجوداتٌ تشريعيّة و انما قلنا ان الميولات فعلية لانّها منسوبة الي الفعل لا الي الذّات و امّا وضعية فلملاحظة قوابلها من افعال المكلّفين لان تمييزها و تشخصها انما هو بتلك القوابل و امّا دواعٍ فلملاحظة انها بواعث اي ميولات لاقتضاۤء الفعل و امّا سببيّةٌ فلملاحظة تضايفها لانها لاتظهر الّا بالقابل و لايتحقّق القابل الّا بها و ذلك من حيث هي هي كما هو شأنُ الاحكام الوضعيّة و امّا اقتضاۤئيّة فلملاحظة انّها منشأ قوابلها لانها من نفوسها فهي اقتضتها و ان كانت انما تتعيّن بها ففي الاول وجودات اقتضت شرعاً قد نصّت عليه و حكمت به و في الثاني تكليفات اقتضت وجوداً و حكمت به بنَصّها عليه فاذا عرفتَ ما اشرنا اليه ظهر لك انّ الاحكام حدود افعال المكلّفين و حدود لوازمها و انّ الحدودَ اَحْكَامُ ميولاتِ الفعل و انّ الميولات الَّتي هي الاحكام باعتبارٍ و منشأ الاحكام باعتبارٍ آخر لها ظاهر و باطن فباطنها ما سمعتَ مما اشرنا اليه و ظاهرها الاوامر و النواهي الشرعيّة المعروفة و كلّ ذلك حدود اللّهِ اي احكامُهُ و قد اقاموا حدود اللّه في كل رتبةٍ اشرنا اليها من الاحكام و الحدود بحقّ اِقامتها من التعديل و الحفظِ اللذين بهما كمال اقامتها علي ما ينبغي علي حدٍّ لايقوم به غيرهم عليهم السلام كما بيّنّاه غير مرّة في نظاۤئرِها .
قال عليه السلام : و نشرتم شراۤئع احكامه و سننتم سنته ،
قال الشارح (ره‌) و ان كان من الصادِقَيْن اكثر فانه كان لابي‌عبداللّه عليه السلام اربعةٰ‌الافِ مُصَنِّفٍ و من غير المصنّفين ما لايحصي و كتاب الرجال لابْن‌عقدة في بيان احوالهم و كتبهم و الاضافة من قبيل خاتم فضّة اوْ ادلّة الاحكام من الكتاب و غيره و سننتم اي بيّنتم سُنَّتهُ مفرداً او جمعاً و اضافة السنّة بمعني الطريقة الي اللّه لكونه منه تعالي او سنّة الرسول (ص‌) سُنّتُه تعالي انتهي .
اقول نشر ضدّ طوَي اي بسطوا لكم للخلق شراۤئع احكامه او بمعني احيي كما في الدعاۤء و بها تنشر ميتَ العباد ايْ تحيي و الشرائع جمع الشريعة هو الدين مأخوذ من الشريعة التي هي مورد النّاس للاستسقاۤء سُمّيت بذلك لوضوحها و ظهورها و حاجة الخلق اليها كحاجتهم الي الماۤء بل اعظم بل هي الماۤء حقيقة و المراد انّهم عليهم السلام احيوا شراۤئع احكامه امّا بالتحمّل لها و القيام بها او بالحفظ لها و تبليغ المكلّفين ايّاها كما حدّ اللّهُ سبحانه او بالمعونة للمستجيبين من المكلّفين بالهداية و الدعاۤء و التسديد و التّوفيق و القَود اليها و الذّود عن خلافها و العمل بمقتضاها علي اكمل وجه و اشدِّ مواظَبَةٍ و محافظة بين ظهراني المكلّفين او المستجيبين فان ذلك اَدْعي لهم الي القيام و تحمّل مشاۤقّها اَوْ باستنباطِ اَحكامِها مِنْ ثمارِ مقتضيات القوابل من احوال المكلفين في بيوتها من الجبال و الشجر و مما يعرشون و ربط كلٍّ منها بما يشاكله من افعالهم و اقوالهم و اعمالهم و ما انطووا عليه من معتقداتهم و نيّاتهم حَتّي اَقَاموا تلك الحدود و شيّدوا طاعة الاله المعبود فاداروا افلاكها علي اقطابها في كلّ قرنٍ و قدّروا اقواتها بين ارضيها و سمواتها في ستّة ايّام سواۤء للسَّاۤئلين يوم الاحد في شريعة آدَمَ و يوم الاثنين في شريعة نوح و يوم الثلاثا في شريعة ابراهيم و يوم الاربعاۤء في شريعة موسي و يوم الخميس في شريعة عيسي عليهم اجمعين السلام و يوم الجمعة في شريعتهم التي شرعها لهم جدهم السيّد الاكبر صلي اللّه عليه و آله الطاهرين فالخمس الاول فروع السادسة لانّها الجامعة لجميع احكام الخمس و انّما اختلف بعض احكامها باختلاف الموضوعات كما تري اختلاف بعض احكام هذه الشريعة باختلاف موضوعاتها فان المصلّي العاجز عن القيام في الصلوة يكون فرضه الصلوة من جلوس فالصَّلوة من قيام مَع القدرة هي الصلوة من جلوسٍ مع العجز بعينها و انما اختلفت باختلاف المتعلّق كما اختلفت صورة الوجه الواحد في المِرْءٰاتين المختَلِفَتَيْنِ و قوله تعالي شرع لكم من الدين ما وصّي به نوحاً و الّذي اوحينا اليك الٰاية و قوله تعالي قل ماكنتُ بِدْعاً من الرسل و قوله تعالي مايُقال لَكَ الّا ما قد قيلَ للرسل من قبلك و امثال ذلك مما يوهم فرعيّة شريعة محمد صلي اللّه عليه و آله علي الشراۤئع الأُوَل و تبَعيّتها لها فانّما جري في الظاهر بهذه الصورة علي ما تفهم العوام و الاعراب من ان الانبياۤء عليهم السلام سبقوا و شراۤئعهم قبل شريعة محمد صلي اللّه عليه و آله وَ لمّا كانت الانبياۤء عليهم السلام عند عواۤم النّاس في زمَنِ محمّدٍ صلّي اللّهُ عليه و آله حقّاً و انهم همُ الداعون الي اللّه صدقاً من جهة انّهم سمعوا ذلك بالاخبار المتواترة و لم‌يكونوا حضروهم لتحصُلَ من بعضهم النفرة عنهم لاستثقال التكليف فيقع منهم الانكار بل اعتقدوا نبوّتهم لوجود المقتضي و هو التواتر و زوال المانع حسن ان يقال في اِخْبارِهم انّ هذا النبي المرسل اليكم حاله كحال الانبياۤء و لم‌يقل له في تكليف امته الّا ما قد قيل للرسل من قبله في تكليف اممهم و ما شرع لامّته من الدين الّا ما شرعوا لاُمَمِهِم و لم‌يكن يأتي بامرٍ مبتدع غير ما اتوا به اممهم عن اللّه تعالي ليكون هذا اَدْعَي لهم الي القَبُولِ منه لدخوله صلي اللّه عليه و آله عندهم في جملة من اقرّوا بهم و صدّقوهم و دخولِهم في نحو من كان عندهم انّهم يجب عليهم القبول من الدّعٰاة الي اللّه تعالي بالحق فلهذا اتي التنزيل بصورة تبعيّته و فرعيّته لتأخّر دولته صلّي اللّه عليهِ و آلهِ في ظاهر الزمان لظاهر البشريّة و ذلك لايدلّ علي اصالة فرعيّته و تبعيّته ليكون صلي اللّه عليه و آله تابعاً لمن تقدّم من الانبياۤء بل هم التّابعون الساۤئرون تحت لواۤئه الذي حمله وصيّه علي عليه السلام بل لايوجد حقّ من دين او غيره عند احد من الخلق الّا ما كان عنهم و بهم لانّهم الوساۤئط بين اللّه تعالي و بين جميع الخلق في كلّ شي‌ء صدر من فعل الحق ففي الكافي في صحيح محمد بن مسلم قال سمعت اباجعفر عليه السلام يقول ليس عندَ احَدٍ من النّاسِ حق و لا صوابٌ و لا احد من الناس يقضي بقضاۤء حقٍّ الّا ما خرج منّا اهل البيت و اذا تشعبّت بهم الامور كان الخطأ منهم و الصواب من علي عليه السلام و فيه عن زرارة عن ابي‌جعفر عليه السلام ما بمعناه و فيما قال اميرالمؤمنين عليه السلام لسلمٰن و ابي‌ذرّ انا الخضر معلّم موسي انا معلّم داود و سليمن و امثال ذلك ممّا هو صريح في المُدّعَي فاذا عرفتَ ما اشرنا اليه ظهر لك ان المراد من الشراۤيع التي نشَرُوها جميعُ الشراۤئع مع ما يدلّ عليه ظاهر اللفظ من ان الجمع المضاف الاصل في استعماله افادتُه العموم و قد تقدّمت الاشارة الي انّ الاحكام يراد منها ظاهراً الاحكام الشرعية الخمسة و باطناً جميع احكام الوجود من مقتضيات الكون الوجودي و الكون الشرعي من الاسباب الفعلية و الماديّة و الصُّوريّة و الغاۤئيّةَ و المتممات للماهيّة من الوقت و المكان و الرتبة و الجهة و الكم و الكيف و متمّماتِ كلٍّ منها و مُكمِّلاتها كما اشرنا اليه مراراً فان لكلٍ منها كوناً و شرعاً فللكون شرع و للشرع كون و قد نشروا شراۤئع تلك الاحكام التي هي احكام اللّه سبحَانه في صنعه و شرعه و اليه الاشارة بقوله و اوحي ربّك الي النحْل ان اتّخذ۪ي من الجبالِ بُيُوتاً و من الشجر و ممّا يعرشون ثم كلي من كلّ الثمرات فاسلكي سبُل ربِّكِ ذللاً يخرج من بطونِها شراب مختلف الوانه فيه شِفاۤء للنَّاسِ فَاَوْحَي اليهم سبحانه ان يفتحوا تلك الابواب و يسكنوا تلك القباب و يستخرجوا منها الاسباب و يسلكوا بها طريق ربّ الارباب و يَثجُّوا من افواههم طيّب الشّراب فيه شفاۤء من جميع الاوصاب لكل ذرّة في الوجود من الماۤء الاول الي التّراب .
و قوله : و سننتم سُنَّتَهُ ،
السُّنَّة الطّريقة و السّيرة و هي في الحقيقة مجاز الْخالق الي خلقه اَيْ طريق ايجاده ايّاهُمْ وَ اِرْشَادِه۪ لهم علي ما تقتضيه الحكمة الالهيّة و العناية الربّانيّة و مجاز الخلق الي خالقِهِمْ اي طريق قبولهم منه الايجاد و الارشاد كذلك و لهذا سمّيت الطريقة المخصوصة سُنة اذا كانت علي المقتضي الطبيعي المتناسق من حق و باطلٍ و انّما تنسب اليه تعالي دونهم لانها منه قصدها و به جورُهَا لا منه فالجاۤئر منها ليست سنّته و القصدُ منها منه و به و له و اليه دونهم و ان كانت بهم هي سنّته تعالي المستقيمة في مستقيم قبولهم منه تعالي و معوّج عدم قبولهم منه قال تعالي فمن يرد اللّه ان يهديَهُ يشرح صدره للاسلام و من يرد اَن يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنما يصّعّد في السماۤء كذلك يجعل اللّه الرجس علي الذين لايؤمنون و هذا صراطُ ربّك مستقيماً يعني في الجَعْلين انّ ربّي علي صراطٍ مستقيم فيجري الجعلَ المستقيم باستقامته علي ما تقتضيه قوابل الاعمال و اعمال القوابل من الحق وَ الباطل و كان الجعل الواحد جعلين لتعلق الاوّل بالمجعول المحبوب المرضي و الثاني بالمجعول المكروه المغضوب و كلا الجعلين محبوب و موافقة المجعولين للجعلين محبوبٌ و في الدعاۤء لايخالف شي‌ء منها محبّتك و سَنَّ سُنّةً اي وضع طريقةً متناسقةً و لاتكون سنة الّا كانت تدور علي اصل هو قطب واحدٌ يجمعها فلو كان لها اصلان قطبان لها لم‌تدر في حق او باطل و المثال في ذلك ان الرحي لاتدور علي قطبين و انّما تدور علي واحد فان كان في وسطها الحقيقي دارت مستقيمة كالحق و ان خرج عن الوسط الحقيقي اعوجّت استدارتها كالباطل و كلما بعد القطب عن الوسط الحقيقي اشتد اعوجاجها و بالعكس و يقال سنّ الماۤء علي وجهه ارسله اِرْسٰالاً فقوله (ع‌) و سننتم سنّته يعني وضعتم طريقته و جعلتموها كذلك لانهم محاۤل مشيته لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون بل هو الفاعل عنهم او بهم كما اشار اليه قوله تعالي و مارميتَ اذ رميتَ و لكنّ اللّهَ رَمٰي و مثله سَنَّ بمعني ارسل فيكون علي هذا سننتم سنّته اي ارسلتم شريعته التي هي الماۤء الذي جعل اللّه منه كل شي‌ء حيّ و هو العِلْمُ علي وجوه القوابل فقابل بالاستجابة و قابل بعدم الاستجابة و يفيد هذا المعني انّهم شرعوا لكل مكلّفٍ من جميع ذرّات الوجود ما تقتضيه قابليته من الاحكام لم‌يحبسوا عن شي‌ء ما اقتضاه من الاحكام بل ارسلوا جميع الشراۤئع و السُّنن و اطلقوا قيودها حتي حامت اطيارُها و وقعت علي افنانها و غرّدت في اغصانها التي في اوطانها لم‌يقع منها شي‌ء في غير موضعه و لا بغير اختياره بل ارسلوها في التقدير باكمل تدبير علي صراط مستقيم ذلك تقدير العزيز العليم .
قال عليه السلام : و صرتم في ذلك منه الي الرضا و سلمتم له القضاۤء و صدّقتم من رسله من مضي ،
قال الشارح (ره‌) و صرتم في ذلك المذكورات منه تعالي الي الرضا اي صار و وقع ذلك منكم بحيث رضي اللّه عنكم او كنتم راضين عن اللّه تعالي و ان لم‌يكن اظهارها كما تحبّون و يؤيده قوله و سلّمتم له القضاۤء في منعكم الطواغيت من اظهار شعاۤئر اللّه كما ينبغي او في جميع الامور و الرضا متعلق بالمظلومية لا بالظلم او بما قدّره اللّه تعالي من ان لايكون التكليف بالالْجاۤء بل يكون بالاختيار ليجزي الّذينَ اساۤؤا بما عملوا و يجزي الّذين احسنوا بالحُسْنَي و صدّقتم من رسله مَن مضي اي جميعهم مفصّلاً باخبار اللّهِ ايّاكم اعدادَهم و احوالهم و ان وجب علينا التصديق مُجْملاً انتهي .
اقول قد بيّن الشارح (ره‌) كثيراً من المقصود من هذا الكلام و انا ابيّن بعض ما لم‌يشر اليه من اسباب ما ذكر انشاۤء اللّه فقوله و صرتم في ذلك من القيام بما اراد منكم و هو فعظمتم جلاله و اكبرتم شأنه و مجّدتم كرمه و ادمنتم ذكره و وكّدتم ميثاقه و احكمتم عقد طاعته و نصحتم له في السر و العلانية و دعوتم الي سبيله بالحكمة و الموعظة الحسنة و بذلتم انفسكم في مرضاته و صبرتم علي ما اصابكم في جنْبه و اقمتم الصلوة و آتيتم الزكوة و امرتم بالمعروف و نهيتم عن المنكر و جاهدتم في اللّه حقّ جهاده حتّي اعلنتم دعوته و بيّنتم فراۤئضَهُ و اقمتم حدوده و نشرتم شراۤئع احكامه و سننتم سنّته الي هذه الفقرة فالاشارة بذلك الي هذه الاحرف ان اعتبر ما منهم و هي قوابلهم و ان اعتبر ما منه تعالي و هو امدادهم من كرمه فالاشارة الي قوله اصطفاكم بعلمه و ارتضاكم لغيبه الي قوله وَ طهّركم تطهيراً و يجوز ان تكون الاشارة الي المجموع .
فعلي الاول يكون المعني علي ان اللّه تعالي رضي عنهم انّهم بشدّة قيامهم باوامره و اجتهادهم و حسن قبولهم عنه حتي بلغوا فيه الغاية بل تجاوزوا النهاية كانوا اهل ان يرضي اللّه عنهم لانّهم اتوا بكلّ ما يمكن مما يدخل تحت استطاعتهم لانه امرهم بذلك بقوله فاتقوا اللّه ما استطعتم عالمين بما اتوا و بمفصولِه و بموصوله و علي انّهم رَضُوا عن اللّهِ لمَا اراهم اللّه سرّ ما اراد منهم ظهر اَلّا مطلب لهم افضل و لا اكمل و لا اجمل و لا اجلّ منه استبشروا بذلك عن علم و رضوا عن اللّه تعالي و الي هذا اشار الحجة عليه السلام في دعاۤء شهر رجب بقوله المستبشرونَ بامرِك الدعاۤء .
و علي الثاني و هو اعتبار ما منه يكون المعني علي انّ اللّه تعالي رضي عنهم انّه سبحانه كانت غاية رضاه لهم فيما اجري عليهم من فضله و رحمته و سابغ نعمه و كرمه حيث لايمكن في المشية وجود خيرٍ يرضاه و يحبّه الا اجراه لهم فبيّن ذلك بقوله اصطفاكم بعلمه و ارتضاكم لغيبه و اختاركم لسرّه و اجتباكم بقدرته و اعزكم بهداه و اخصّكم ببرهانه و انتجبكم بنوره و ايّدكم بروحه و رضيكم خلفاۤء في ارضه و حججاً علي بريّته و انصاراً لدينه و حفظةً لسرّه و خزنةً لعلمه و مستودعاً لحكمته و تراجمةً لوحيه و اركاناً لتوحيده و شهداۤء علي خلقه و اَعلاماً لعباده و مناراً في بلاده و ادِلّاۤءَ علي صراطه عصمكم اللّه من الزلل و امنكم من الفتن و طهركم من الدنس و اذهب عنكم الرجس و طهّركم تطهيراً فتأمّل رحمك اللّه في هذه الكلمات الشريفة كيف تضمّنت من الفضاۤئل و الفواضل ما لاتدركه الافهام و لاتحيط به الاوهام مما خصّهم به مما يدل علي انّه لو بقي مقام عند اللّه تعالي من مقامات الرضا الامكانية لم‌ينزلهم فيه لم‌يحسن من الحكيم العليم ان يخصّهم بهذه الخواۤصّ التي لم‌تبقِ شرفاً و لا مجداً و لا تكريماً الّا تضمّنَتْه و احاطت به و علي انهم رضوا عن اللّه تعالي انّهم عليهم السلام لم‌يكن في انفسهم من طلب الفضاۤئل و القرب و التشريف و التكريم شي‌ء يجدون بفقده نقصاً في رضاهم او توقّفاً حيث اعلمهم اسرار ما اصطنع اليهم و حقاۤئق ما اسدي اليهم فشاهدوا من ذلك ما يزيد علي رضاهم من قربٍ لايتناهي و تشريفٍ لايحصي و تكرمةٍ لاتُستقصَي ينقلهم في رضوانه من مقام الي مقام اعلي و من اجمال الي تفصيل و من تفصيل الي تحصيل و من تحصيل الي تحصيل فكل مقام حصلوا فيه حصل لهم به فوق الرضا و هكذا في سير لا غاية له و لا منتهي . فان قلت الراضي بشي‌ء اذا لم‌يكن حابساً نفسه بقيد القناعة لايطلب غيره و انما يطلب غيره اذا لم‌يرض به او رضي به قانعاً و رضي القانع رضي فقدان لا رضا وجدان هذا و قد قال سيدهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله بارشاد اللّه رب زدني علماً و هذا يدل علي عدم حصول الرضا لعدم حصول المطلوب الذي فيه كمال الرضا كما هو المدّعي لان الطلبَ تعب و الرضي راحة قلتُ انّ الذي به كمال الرضا كما هو المدّعي هو ما حصل لهم و لكن لمّا كان ذلك ملأ الامكان ظاهره و باطنه و غيبه و شهادته فانّ الذي لهم كلّما سوي اللّه تعالي حتي انفسهم من قوله تعالي و لقد آتيناك سبعاً من المثاني و القرءان العظيم و كان ذلك لايتناهي في الامكان ابداً و لايسعه ظاهر الامكان وجب في الحكمة ان يصل اليهم بالتدريج لان المتشخّص من حيث حدوده المشخّصة له لايسع ما لاتكتنِفه الحدود الا بالتدريج الذي لايتناهي و لما كان كلّما سوي اللّه تعالي قائماً بفعل اللّه قيام صدور و كل شي‌ء بيده وجب ان يسئلوه ما لهم عنده لانّه انّما ينزل علي حسب القابل و ليس قابل لذلك الّا السؤال منه سبحانه فسئل صلي اللّه عليه و آله ما له عند اللّه و لو لم‌يكن لهم غير ما وصل اليهم و العياذ بالله لم‌يكن ما وصل اليهم موجباً لكمال الرضا الّا مع اعتبار القناعة او العلم بانه ليس شي‌ء غيره و هذا الطلب راحة لانّه طلب محبوب فيه كمال الراحة و اليه الاشارة بقوله صلي اللّه عليه و آله و جُعِلَتْ قرّة عيني في الصلوة و انّما يكون مثل هذا الطلب تعباً عند مَنْ لم‌يعرفه و لم‌يذقه و اَمّا مَنْ علم عِلْم مُعَايَنةٍ فانّه انّما يستريح به كما اشار الي هذا اميرالمؤمنين عليه السلام و اسْتَلانوا ما استوعرَه المُتْرَفُونَ .
و علي الثّالث و هو اعتبار المجموع و هو ما منهم من القوابل وَ ما منه و هو امدادهم من كرمه علي ان اللّه تعالي رضي عنهم يكون المعني انه سبحانه لمّا خلق ذلك النور و جعل تلك الصفة جاۤء المجموعُ نورِيّاً بشريّاً واسعاً كريماً وسِع الغيب بغيبه و شهادته و الشهادة بشهادته و غيبه لايحسن في الحكمة و الامكان ان يكون للّه رضاً اِلّا فيهم و لهم فرضي عنهم لانهم محل رضاه و مستودع محبّته و لايسع رضاه و محبّته الغير متناهِيَيْن غيرهم عليهم السلام لانّ حقاۤئقهم في الامكان غير متناهية و علي انّهم رضوا عن اللّه تعالي يكون المعني انهم رضوا عن اللّه تعالي ما اقامهم فيه حين اشهدهم خلق السّموات و الارض و خلقَ انفسِهم و اتخذهم اعضاداً لخلقِه۪ و اشهاداً عليهم و مناة لذواتهم و اعمالهم و آجالهم و ارْزاقهم و جميع احوالهم و حياتهم و مماتهم و مبتلون لهم و بهم و اذواداً لشيعتهم عن المعاصي و الرذاۤئل و لاعداۤئهم عن الطاعات و الفضاۤئل علي نحو ما ذكرناه مرَاراً و حفظة لهم و عليهم و رُوَّاداً لخلقه يقدمون شيعتهم الي الجَنّة ينْزِلُون كُلّاً مَنْزِلَهُ و يسوقون اعداۤءهم الي جهنم ينزلون كلّاً منزلَهُ فلم‌يبق كمال في الامكان الّا جعله لهم ممّا كان او يكون فقد رضوا عن اللّه سبحانه رضي وجدان .
و قول الشارح و ان لم‌يكن اظهارها كما تُحِبُّونَ جارٍ علي الظاهر من احوال البشرية و كذلك ما استشهد به من قوله (ع‌) و سلّمتم له القضاۤء و الّا فلو شاۤء و اجري علي ما يحبّون ظاهراً كما جري علي ما يحبّون باطناً بل جعل ذلك اليهم فهم اجروا باذن اللّه ما جري من محبوب و مكروه راضين بكلا الحالَيْنِ و ما يظهر منهم عليهم السلام مِن التّألّم و الشكوي عند جميل البلاۤء و عظيم الخطب فشي‌ء لاحق للبشريّة و لازم فهم في هذا المقام يجري عليهم كما يجري علي غيرهم و يتألّمون كما يتألّم غيرهم و حيث كانوا عالمين بما لقوا و صاروا اليه يرجح عندهم ذلك الجانب حتّي يتنعّمون بذلك التّألم في جنب اللّه لانغماسهم في ما يرضيه و لايجري عليهم من مكاره الدنيا الّا بما يرضيه سبحانه كما سمعتَ مما رُوي عنهم عليهم السلام انّ الحسين عليه السلام و انصاره عليهم السلام لم‌يجدوا اَلم الحديد و انهم في شدّة عطشهم قلوبهم ثلجةٌ باردة و ذلك لانصراف جميع حواسّهم و مداركهم الي المحل الاعلي فجرت عليهم الٰالام و القتل الذي ازهق انفسهم و هم متنعمون بنعيم اليقين و المعاينة يا ليتني كنتُ معهم فافوز فوزاً عظيماً فاذا عرفت ما بيّنّا لك ظهر لك انّ رضاهم بكل ما جري عليهم من محبوب و مكروه رضي وجدان لا رضي فقدان و كذلك في منع الطواغيت لهم من اظهار شعاۤئر اللّه تعالي كما ينبغي و انا اضرب لك مثلاً بياناً لو ارادوا منع الطواغيت عن التسلّط بل قتلهم جميعاً حتي لايبقي منهم احد علي وجه الارض اكانوا متمكّنين من ذلك ام لا فان قلتَ لم‌يتمكنوا قلتُ لك انّي اتكلّم مع مَن يعرفهم و انت لم‌تعرفهم و ان قلتَ انهم متمكنون من ذلك قلتُ يجوز لهم ان يتمكنوا من منع الظالمين و لايمنعونهم فيكونون قد اعانوهم علي الظلم فان قلتَ لو منعوهم لم‌يحصل التمكين من المعصية و اذا لم‌يحصل لم‌يتمكن المكلف من الطاعة و ايضاً يرتفع حكم قوله تعالي ليَميز اللّه الخبيث من الطيّب و قوله تعالي ليهلك من هلك عن بيّنَةٍ و يحيي مَن حيّ عن بيّنة و قوله تعالي الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا و هم لايفتنون و ما اشبه ذلك قلتُ هذا حقّ و لكن يلزم من ذلك انّهم راضون بما يكرهون كما يرضي المريض بالكي طلباً للعافية و يلزم من هذا ان الرضا كما يتعلّق بالمظلوميّة كما قال الشارح يتعلّق بالظلم من باب فعل الضرر لدفع الاضرّ و وجوب القبيح لدفع الاقبح كوجوب الكذب لنجاة المؤمن و لايريد ان الرضا يتعلّق بالظلم اَوّلاً و بالذات لان الرضا به لذاته رضا فُقدانٍ و قوله (ره‌) او بما قدّره اللّه تعالي من ان لايكون التكليف بالالجاۤء بل يكون بالاختيار الخ ، صحيح كما اشرنا اليه قبل هذا الّا انه لاينحصر التعلق فيه كما هو ظاهر اَوْ و قوله (ره‌) و صدّقتم من رسله من مضي اي جميعهم مفصّلاً الخ ، هذا بيان ظاهري قشري لان تصديقهم للانبياۤء ليس بمجرّد معرفة عددهم و اسماۤئهم و الاقرار بانّهم اَنْبِيَاۤء كما هو ظاهر كلام الشارح بل بالادلّة القاطعة و الحجج الواضحة و اظهارِ المعجزات لهم اي للانبياۤء الدالة علي صدقهم او للمنكرين لهم الداۤلّة علي صدق المصدّقين للانبياۤء في نبوتهم و ما اشبه ذلك و منها معرفة اسماۤئهم و احوالهم و اعدادهم و بيان ما اوتوا من الوحي و المعجزات فافهم .
قوله عليه السلام : فالراغب عنكم مارق و اللازم لكم لاحق و المقصّر في حقكم زاهق ،
قال الشارح (ره‌) فالراغب عنكم مع ظهور ذلك عنكم مارق عن الدين و ان لم‌يكن معتقداً لمذهب الخوارج لان من لم‌يقل بامامتهم فهو كافر كما ورد به الاخبار المتواترة عن العاۤمة و الخاۤصّة و اللازم لكم بالقول بامامتكم او مع متابعتكم لاحق بكم بل هو مسلم كما روي ان سلمٰن منا اهل البيت او لاحق بالحقّ و المقصّر في حقكم و امامتكم او رتبتكم العالية او متابعتكم او الجميع زاهق باطل انتهي .
اقول رغب المتعدّي بعن بمعني زهد و المارق هو الذي مرق من دين اللّه كما يمرق السهم من القوس اي تجاوز بغير مهلة اي من زهد فيكم و لم‌يطلبكم بفؤاده و حقيقته مارق عن دين اللّه بمجرّد عدم الرغبة بعد ما تبيّن له الحقّ و هو المعرفة بهم و هو معني قوله تعالي و من يشاقق الرسول اي يعاديه بسبب نصبه لعلي و الائمة من ولده عليهم السلام خلفاۤء من بعده و يخالفه في نصّه و يخالفهم و ينصب لهم العَداوة بان يقاتلهم او يردّ قولهم او يصغّر قدرهم او ينكر فضاۤئلهم الظاهرة او يصرف وجوه الناس عنهم او يقدّم عليهم غيرهم اوْ يُعادي محبّهم لاجلهم او يوالي عدوّهم لاجلهم اَوْ يحكم بخلاف حكمهم متعمِّداً كل ذلك عن علمٍ منه بما فعل انّه خلاف الحقّ من بعد ما تبيّن له الهدي و يتّبع غير سبيلِ المؤمنين عليهم السلام و هو سبيل اللّه و هو الحق من اللّه نولِّه ما تولّي من سلوك سبل الضلالة و الغيّ و موالاة اعداۤء اللّه و معاداة اولياۤء اللّه اي نخلّي بينه و بين نفسه و شيطانه المقيّض له حين عَشا عن ذكر الرحمن و نصلِه۪ جهنم و ساۤءت مصيراً فانّ هؤلاۤء من حيث انهم عالمون بالحقّ كان خروجهم منه ليس لشبهة ليتوقّفوا في الخروج و مروقهم من دين اللّه الّذي هو ولايتهم عليهم السلام كما يمرق السّهم من القوس لسرعةِ انْتِقالهم من الحقّ لانّهم من نوع الباطل و قد اشربوا في قلوبهم اتّباعه و الميل في عالم الاظلة و انكروا هناك الحقّ و اهله فَمٰاكَانُوا ليؤمِنُوا بما كذّبوا به من قبل .
و اللازم لكم الخ ، يعني انّ من لزمهم بالائتمام بهم و الرّد اليهم و الايمان بظاهرهم و باطنهم و سرهم و علانيتهم و حيّهم و ميّتهم و اولهم و آخرهم و التسليم لهم فيما يعلمون و ما لايعلمون بحيث لايجدون منهم و من كل ما صدر عنهم حرجاً كما قال سبحانه في شأن محمّد صلي اللّه عليه و آله ظاهراً و في شأن علي بن ابي‌طالب عليه السلام باطناً فلا و ربّكَ لايؤمنون اي لايكمل ايمانهم ان اريد بهذا الايمان ايمان الخصيصين و لايتمّ ايمانهم ان اريد به ايمان الخواۤصّ و لايؤمنون مطلق الايمان الخاۤصّ ان اريد به ايمان المحبّين و لايسلمون ان اريد به مطلق الايمان لغةً اي اريد به مطلق الخروج عن الكفر كما قال سبحانه يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لاتفعلون كبر مقتاً عند اللّه ان تقولوا ما لَاتفعلون فاِنها نزلت في شخص من المنافقين الذين اظهروا الاسلام و ابْطنوا الكفر و هو ابوالملاهي حتّي يحكّموك فيما شجر بينهم مما يختلفون فيه و اختلط عليهم امره ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيتَ و يسلموا تسليماً و ينقادوا بظاهرهم او بظاهرهم و عدم انكار باطنهم او بظاهرهم و بباطنهم فالتسليم شرط في الايمان الاول اذا اختلفوا في اسرار الاعتقادات و في الخطرات وَ الواردات بل قد يحصل هذا التسليم لاهلِ هذا الايمان بمجرّد حضورهم عِند الامام عليه السلام لاستنارة قلوبهم بمقابلته او بحديثه او بتعريفه او بارادته اَوْ بذكرِه عِنْدَ غيبته بَلْ قَد يكون ذلك لهم برؤيته في المنام اَوْ بذكرِه۪ كذلك و هذا هو الذي اشار اليه الصادق عليه السلام في قوله انكم لاتكونون صالحين حتي تعرفوا و لاتعرفون حتّي تصدّقوا و لاتصدّقون حتّي تسلّموا ابواباً اربعة لايصلح اَوَّلُها الّا بٰاخرها ضلّ اصحاب الثلاثة و تاهوا تيهاً بعيداً و خسروا خسراناً مُبيناً فجعل هذا التسليم نهاية الايمان من الابواب و روحها و به قوامُها فانّ الثٰالث الذي هو الصلاح بلا معرفة يكون خايناً و الثاني الذي هو المعرفة بلا تصديق يكون انكاراً و منكراً و الاول الذي هو التصديق بلا تسليم يكون نفاقاً و من الشواهد علي ذلك اعدادها فالاول عدده اي عدد نفاق مائتان و احد و ثلاثون و الثاني ثلاثمائة و عشرة و الثالث ستّمائة و احد و ستّون .
و في الثاني و هو ايمان الخواۤص شرطه التسليم في الاعتقادات و في الاحكام الشرعية فيما يتعلق بالمقاصد النفس و العقل و النسب و المال و الدين و تشير الي هذا حسنة الكاهلي قال قال ابوعبداللّه عليه السلام لو ان قوماً عبدوا اللّه وحده لا شريك له و اقاموا الصلوة و آتوا الزكوة و حجّوا البيت و صاموا شهر رمضان ثم قالوا لشي‌ءٍ صنعه اللّه او صنعه النبي صلي اللّه عليه و آله الَا صنع خلاف الذي صنع او وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين ثم تلا هذه الٰاية ثم قال ابوعبداللّه عليه السلام فعليك بالتسليم و رواية الشحّام عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال قلتُ له ان عندنا رجلاً يقال له كليبٌ فلايجيۤئ عنكم شي‌ء الا قال انا اسلّم فسميناه كليبَ تسليم قال فترحّم عليه ثم قال اتدرون ما التسليم فسَكتنا فقال هو واللّهِ الاخباتُ قول اللّهِ عز و جلّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات و اخبتوا الي ربّهم ه‍ ، و عن جابرٍ الجعفي عن ابي‌جعفر عليه السلام في حديث طويل فيه و لايسئل عما يفعل و هم يسئلون قال جابر فقلت له يا ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و كيف لايسئل عما يفعل قال لانه لايفعل الّا ما كان حكمةً و صواباً و هو المتكبر الجبار و الواحد القهار فمن وجد في نفسه حَرجاً في شي‌ء مما قضي كفر و من انكر شيئاً من افعاله جحد ه‍ ،
و في الثالث و هو مطلق الايمان الخاص و هو ايمان المحبّين من هذه الفرقة و هم علي ظواهر الخواص كما ان الخواۤص علي ظاهر الخصيصين و هؤلاۤء علي ظواهر ائمتهم عليهم السلام كما قال علي عليه السلام لكميل حين قال له اولستُ صاحب سرّك قال بلي و لكن يرشح عليك ما يطفح منّي ، و هؤلاۤء اذا اختلفوا شرط ايمانهم التسليم اذا كان الامام عليه السلام حاضراً او كان من الضروريات بين المسلمين لان ما فيه نوع دقّةٍ او شبهة لو كلّفوا بمحض التسليم لكانوا غير مستطيعين لذلك لان احدهم انّما يكون مسلماً اذا لم‌تنبِّهه علي ما كان يجهل فهو مسلم حين غفلته و سكوته لانّه اذا التفت تصوّر الكفر و لقد سمعت من شخص من صلحاۤئهم و نحن نعلّمهم معرفة اللّه فسبقني الي الكلام فبادرته و قلت له اسكت لاتتكلم لما فهمت من سوۤء كلامه فسبقني و قال البارحة رأيتُ ربّي و عنده جروانِ جبريل و ميكاۤئيل و يريد بالجروَين كلبَيْن صغيرين و لقد حضرتُ شخصاً من كبارهم فذكروا الحسين عليه السلام و العرش فقال ابنه الحسين افضل من العرش فقال استغفر اللّه العرش موضع الربّ و حج واحد منهم فقال لشخص و هو يطوف بالكعبة نحن نطوف بقبر ربّنا و امثال ذلك مما لايحصي لكثرته فهؤلاۤء علي ظاهر الايمان و المحبّة لاهل البيت عليهم السلام و هم في غفلتهم و سكوتهم مؤمنون بل ورد في الحديث ما معناه حين قال رجل للصادق عليه السلام كيف يقبل من هؤلاۤء مع ما هم عليه من الجهل قال عليه السلام ما معناه ان لم‌يقبل منهم حتي يكونوا مثلكم لايقبل منكم حتي تكونوا مثلنا مِما يدل علي انه يقبل منهم و ان اللّه تعالي يدخل محبي عليّ عليه السلام و محبي محبّيه الجنة فاذا اختلفوا لايشترط في ايمانهم التسليم الّا مع حضور الامام عليه السلام او في الضروريّات المجمع عليها بين المسلمين لان غير ذلك لاتقوم الحجة عليهم به و كثير من هؤلاۤء يرجي امرهم الي يوم القيمة و منهم المعار الايمان نعوذ باللّه فان قلتَ كيف تجعلون المستعار من الشّيعة و هو بادني شي‌ء ينقلب قلتُ انّه لايخرج من الايمان الّا اذا انقلب و قبل ان ينقلب يجوز ان يثبت ايمانه اذا جرَتْ له العناية بخاتمة الخير فهو من المؤمنين و في الكافي عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال انّ اللّهَ جَبلَ النّبيّين علي نبوّتهم فلايرتدّون ابداً و جبل الاوصياۤء علي وصاياهم فلايرتدون ابداً و جبلَ بعض المؤمنين علي الايمان فلايرتدّون ابداً و منهم مَن اُعِير الايمان عارية فاذا هو دعا و الحّ في الدعاۤء مات علي الايمان فقوله و جبل بعض المؤمنين و قوله منهم صريح في انَ مِنَ المعارين من المؤمنين مَنْ هُو اِذا لم‌يرتد و الحّ في الدعاۤء مات علي الايمان بل هو اصرح في المدّعا لانهم اذا جاز دخولهم في المؤمنين حال كونهم معارين ما لم‌يصدر عنهم ما يسلبه منهم ففي لحاظ ثبوته بالالحاح في الدعاۤء جاز بطريق اولي .
و في الرابع و هو مطلق الايمان لغةً يعني مطلق الخروج عن الكفر و هو ايمان المنافقين و شرطه التسليم في الحكم عليهم من الامام عليه السلام فانهم اذا سلّموا بظاهر اقوالهم و اعمالهم حصل لهم هذا الايمان و هو الاسلام المغاير للايمان و ان سلموا بظاهرهم و باطِنهِمْ كانوا من اهل الثالث و في الكافي عن ابي‌جعفرٍ عليه السلام قال لقد خاطب اللّه اميرالمؤمنين عليه السلام في كتابه قال قلتُ في اي موضع قال في قوله و لو انهم و تلا الي قوله حتّي يحكّموك فيما شجر بينهم فيما تعاقدوا عليه لئن امات اللّه محمّداً صلي اللّه عليه و آله لايردّوا هذا الامر في بني‌هاشم ثم لايَجِدُوا في انفسهم حرجاً ممّا قضيت عليهم من القتل او العفو و يسلموا تسليماً و بالجملة فاللازم لهم بالتسليم لهم علي اختلاف مراتبه لاختلاف مراتبهم و بالاخذ بقولهم و الردّ اليهم و المحبّة لهم ظاهراً و باطناً و سلوك رضاهم بالجنان و الاركان و اللسان لاحق بهم و معهم حيثما كانوا الّا انهم في اللحوق بهم و الكون معهم و المجاورَةِ لهم في مراتبهم عندهم عليهم السلام علي حسب مراتبهم في الايمان بهم و الاخلاص لهم و فيهم و لكلٍّ درجات ممّا عملوا و ليوفّيَهُمْ اعمالهم و هم لايظلمون و هو قوله تعالي فاولۤئك مع النبيين و الصّدّيقين و الشهداۤء و الصالحين و حسن اولٰۤئك رفيقاً فاللزوم لهم مختلف علي مراتب لاتكاد تحصي و اللحوق بهم علي حسب اللزوم و شرط اللزوم للشي‌ء ان يكون اللازم مع الملزوم سواۤء كان لزوم مساوقةٍ كلزوم بعضهم لبعض او متابعةٍ و نسبةٍ و اضافة و لحوق و اختصاص و ما اشبه ذلك كساۤئر شيعتهم ممّا سواهم من دون الدُّرَّةِ الي الذّرّة فان تقدّم عليهم فهو زاهق و ان تقدّم بهم فهو مارق فالمفرط فيهم حتّي يتجاوز بهم الي مقام الازل بان لايجعل لهم ربّاً يؤبُون اليه زاهق اي هالك و هو قوله عليه السلام هلكَ فيَّ اثنان محبٌّ غال و مبغض قال و هو المُقَصِّر في حقّهم بان يعدل بهم غيرهم من سَاۤئر الخلق او يتقدّم عليهم في قول او فعلٍ و هو هالك و هو المقصّر في حقهم فان حقّهم علي جميع الخلق ان يرفعوا مقامهم عن جميع الخلاۤئق و يضعوا مقامهم عن مقام الخالق جل و علا فمن ازالهم عن مقامهم الذي اقامهم اللّه فيه بوضعٍ او برفعٍ فهو هالك و الي هذا المقام اشار علي عليه السلام بقوله نحنُ صناۤئع اللّه و الخلق بعدُ صناۤئع لنا ، اي نحن الذين اصطنعنا اللّه سبحانه لنفسه و اختصّنا و جعلنا مَحاۤلّ مشيّته و خزنة علمه و حفظة حكمه و الخلق بعد اَنْ خلقَنا سبحانه لذلك و لندعو اليه بالحق خلقهم سبحانه لنا اي ان الخلق صنعهم اللّه لنا و جعلنا اوليَاۤءَهُ فيهم و هذا في بيان مقامهم و ابانتِه من مقام الخالق بالوضع لانهم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و من مقام الخلاۤئق بالرفع لانّ اللّه خلق الخلق لهم فكيف يعدل بهم غيرهم من الخلق الذين انّما خُلِقوا كرامة لهم و هذا هو المقصّر في حقهم و هو زاهق اي هالك و دينه بذلك باطل زاهق اي زاۤئل و باطل و جاۤء فيهم تأويل قوله تعالي اخباراً عن حالهم يوم القيمة فكُبكِبُوا فيها هم و الغاون يعني الذين اغووهم حتّي صدّوهم عن علي و اهل بيته عليهم السلام و جنود ابليس اجمعون يعني جنوده شياطين الانس و الجنّ شياطين الانس اهل النفاق و شياطين الجن اهل المنكر لانهم ذريّة ابليس قالوا و هم فيها يختصمون اي يلعن بعضهم بعضاً و يقول الاتباع لائمتهم تاللّه ان كنا لفي ضلالٍ مبين في دار الدنيا حيث اتانا الداعي من اللّه النذير المحذّر من عذاب اللّه فدلنا علي سبيل اللّه الذي في سلوكه النجاة فتركناه و اتّبعناكم عالمين بان اتّباعكم لاينجي من عذاب اللّه تاللّهِ ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسوّيكم بربّ العالمين اي انّ النذير اوضح لَنَا انّ طاعة ولي اللّهِ هي طاعة اللّه فمن اطاعه فقد اطاع اللّه و من عصاه فقد عصي اللّه و خالفناه و اطعناكم و هو قد اخبرنا انّ طاعتكم معصية اللّه و معصيتكم طاعة اللّه تعالي فسوّيناكم باللّهِ حين اطعناكم في معصية وليّ اللّه و خذلانه و هو الذي طاعته طاعة اللّه و معصيته معصية اللّه و وليه ولي اللّه و عدوّه عدوّ اللّه و هؤلاۤء يهود هذه الامة و نصاراها و من الدليل علي ذلك قوله صلي اللّه عليه و آله المجمع عليه بين العامة و الخاصة لتركبن سنَن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذّة بالقُذّة حتي لو سلكوا جُحر ضبٍّ لسلكتموه فقد كان من الامم الماضية يهود و كان بعدهم نصاري و بيانه في الكافي عن الباقر عليه السلام يعني المشركين الذين اقتدوا بهم هؤلاء فاتّبعوهم علي شركهم و هم قوم محمد صلي اللّه عليه و آله ليس فيهم من اليهود و النصاري احد و تصديق ذلك قول اللّه عز و جل كذّبت قبلهم قوم نوح ، كذّب اصحاب الايكة ، كذّبت قوم لوط ليس هم اليهود الذين قالوا عزير بن اللّه و لا النّصارَي الذين قالوا المسيح ابن اللّه سيدخل اللّه اليهود و النّصاري النار و يدخل كل قوم باعمالهم و قولهم و مااضلّنا الا المجرمون اذ دعونا الي سبيلهم ذلك قول الله عزّ و جل فيهم حين جمعهم الي النار قالت اخريهم لاوليهم ربّنا هؤلاۤء اضلّونا فٰاتهم عذاباً ضعفاً من النار و قوله كلّما دخلت امة لعنَتْ اختها حتي اذا ادّارَكوا فيها جميعاً تبرّأ بعضهم من بعض و لعن بعضهم بعضاً يريد بعضهم ان يحج بعضاً رجاۤء الفلج فيفلتوا لعظم ما نزل بهم و ليس باوان بلوي و لا اختِبار و لا قبول معذرة و لا حين نجاة .
قال عليه السلام : و الحق معكم و فيكم و منكم و اليكم و انتم اهله و معدنه ،
قال الشارح (ره‌) كما قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الحق مع علي و هو مع الحق اينما دار و قال (ص‌) اللهم ادر الحقّ معه حيثما دار كما رواه العامة في صحاحهم و من طرق الخاۤصّة متواتراً عن النبي (ص‌) و الائمة عليهم السلام عنه صلي اللّه عليه و آله انه قال الحق مع الائمة الاثني‌عشر و فيكم اي في متابعتِكم و منكم كما رُوي متواتراً انَّ كلّ حقّ بايدي الناس فهو منّا و كل باطلٍ فهو منهم و ذكر جماعة من العلماۤء انتساب جميع العلماۤء الي اميرالمؤمنين عليه السلام حتي الخوارج و مرادهم انّ كلّ حق يوجد في كلامهم فهو منه عليه السلام و اليكم اي ان ذكر الحق غيرهم فهو يرجع اليهم اوْ انِ استنبطوا شيئاً من الحقّ فهو يرجع الي استنباطهم مثله حتي اهتدوا الي استنباطه و يظهر ذلك كلّه من تَتبّعِ آثارهم فانّ الكلمات الحقّة التي تذكرها الصوفيّة في كتبهم فالكلّ منهم امّا تقيّةً من شيعتهم و امّا سرقة من مخالفيهم كما يظهر من كلمات الحسن البصري و غيره فان جميعها منقولة من اميرالمؤمنين عليه السلام و انتم اهله لان جميع علوم الانبياۤء الي نبيّنا صلي اللّه عليه و آله و منه (ص‌) اليهم مع امامتهم و عصمتهم و معدنه كما ذكر انتهي .
اقول في القاموس الحق من اسماۤئه تعالي او من صفاته او ضد الباطل و الامر المقضي و العدل و الاسلام و المال و الملك و الواجب و الموجود الثابت و الصدق و الموت و الحزم و واحد الحقوق انتهي ،
فعلي الاوّل في المسمي انّ اللّه معهم بالاصطناع و الاختيار و الرحمة و العناية و اللطف و غير ذلك من جهات الفضل لا مطلق المعيّة فان ذلك لايختصّ بهم بل اللّه سبحانه مع كل شي‌ءٍ و انما المراد بهذا المع انّهم لمّا جاهدوا في اللّه في جميع ما اراد منهم مجاهدة لايقوم بها احدٌ من الخلق غيرهم شكر اللّه مجاهدتهم و هداهم سبيل رضاه اي رضاهم عنه و رضاه عنهم فلايغفلون عنه طرفة عين لانهم هم الذين عنده في قوله تعالي و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون كما تقدّم عن الصادق عليه السلام انهم هم من عنده و حيث كانوا كذلك كان معهم في كل حالٍ حيث يحبّ و يرضي و شهد لهم بانهم محسنون فقال و ان اللّه لمع المحسنين فهذا المع لا نهاية له و لا غاية لانه ظاهر ربوبيّةٍ لاتُثَنَّي و عبوديّة بها لاتُمنَي و ذلك كالقاۤئم فان ربوبيّته لاتثنّي بالقيام بل توحّد باحداثه و القيام لايقدّر بالقاۤئم و انما يقدّر بنفسه لا غيره و هو غير مقدّر في الامكان يعني انه غير مقدّر الّا بانّه غير مقدّر و هذا هو المع الخاص العام بخلاف المع العام الخاصّ فانه ظاهر رُبوبيّة مقدّرة التعلّق و عبوديّة مقدرة التحقّق و الي الاول اشار الصادق عليه السلام بقوله لنا مع اللّه حالات نحن فيها هو و هُوَ نحن الّا انّه هو هو و نحن نحن و بالاستثناۤء الي بعض الثاني و هو حالهم الثاني و امّا فيكم فلايصح علي المعني الاوّل الّا علي تأويل مشيّة اللّه فيهم لانهم محاۤل مشيّته و علمه و حكمه و اوامره و نواهيه و امثال ذلك بمعني عندهم و فيهم علي حدّ معني قوله تعالي في الحديث القدسي ماوسعني ارضي و لا سماۤئي و وسعني قلب عبدي المؤمن اي وسع امري و نهيي و احكامي علي خلقي و ظهوري علي عرشي برحمانيّتي و اما منكم و اليكم فيمكن تصحيحه كالذي قبله علي معني ان اللّهَ منكم اي من نوركم بدأ خلقه و اليكم ايابهم او من انواركم قدّر الاعمال الصالحات و اليكم تعود و من ظاهركم و خلافكم و خلفِكم قدر الاعمال الطالحات و الي جهات ظهورها من خلفكم و خلافكم و ما اشبه ذلك مما يصح ان ينسب اليه و اما و انتم اهله فلا بأس به فانهم اهل اللّه علي المعني المجازي لانّهم عليهم السلام مجاز الحقّ الي الخلق و مجاز الخلق الي الحق و امّا معدنه فلايجوز و ان صحّ تأويله يعني معدن علمه و حكمه و ما اشبه ذلك لان اطلاق ذلك عليه ظاهراً ممنوع منه فلايجوز التأويل الصحيح فيه هذا اذا اريد به الواجب الوجود سبحانه و امّا اذا اريد به الاسم الحق المخلوق فيصح المعني في الستة الوجوه فانّ ذلك الاسم الحق المخلوق الذي هو ذو الجلال و الاكرام معهم لايفارقهم و لايفارقونه لانهم امر اللّه اماتسمع قوله تعالي انما امره اذا اراد شيئاً ان يقول له كن فيكون و لانهم شرط ظهوره كما انه شرط تحققهم مبني احدهما علي صاحبه و هو ايضاً فيهم لانهم محاۤلّه و القوّام باحكامه و منهم تظهر آثاره في متعلّقاتها و اليهم يرجع بٰاثاره و هم اهله لانّهم ظاهره في جميع الاشياۤء و معدنه لانّهم قابليات ظهوره و هم زيت مصباح نوره و هذا الاسم هو الصّفة و الفرق بينهما اذا نسبا اليه تعالي انما هو بالاعتبار لانه ان لوحظ فيه معني الاسميّة و هو جهة القصد و التعيين فهو اسم و ان لوحِظ فيه معني الفعليّة و هو جهة الكيف و الاحداث فهم ( فهو ظ ) صفةٌ و هذا الاسم اسم للظاهر بكلّ شي‌ء و هذه الصفة صفة للاظهار لكلّ شي‌ء و لايقصد منهما ما يقع علي الذّات و انّما يعيّن جهة الذات الي الخلق و تلك الجهة نفس ذلك الاسم لا غير لان الذات البحت غيب مستور عن غير ذاته البحت و ليس هناك اسم و مسمي و انّما هو الهٌ واحِدٌ و لا كلام لاحد من خلقه فيه بصوابٍ بل مَن تكلم فيه فانما يقول بالباطل و ذلك لانه المجهول المطلق لايعرفه احد الّا من حيث يجهله و اذا قيل اسمه فليس الّا فعله المخلوق بنفسه و ليس له صفة لذاته غير نفس ذاته بلا اعتبار تعدّد و لا كثرة و لا مغايرة بكل فرضٍ و اعتبارٍ فانّ التعدّد و الكثرة و المغايرة و الفرض و الاعتبار و الامكان و الحيث و اللِّمّ و الاين و المتي و الوقوع و ما اشبه ذلك خلقه محدثة بفعله و لايجري عليه ما هو اجراه و ما بيّنَهُ بالحدود لايبيّنُهُ تعالي اللّه سبحان ربّك ربّ العزة عما يصفون و اذا قيل صفته فليس الّا فعله لان الفعل صفة نفسه و الّا صفة فعله من الوحدة و السرعة و ما امرنا الّا واحدة كلمح بالبصر و انقياد كل شي‌ء لفعله ما شاۤء اللّه كان و ما لم‌يشأ لم‌يكن و ما اشبه ذلك و علي اعتبار هذا الاسم و هذه الصفة يصح المعني في الاحوال الستة بمعني انّ الاسم الذي هو الحق المخلوق و صفته ايضاً معهم و فيهم و منهم و اليهم و هم اهله و معدنُه فمعهم كونه و فيهم وقوعه و منهم بدؤ آثاره و تعلّقاته و اليهم مَرَدّ آثارِه۪ و احكامها و هم علي هذا اهله لانهم محلّه و علّة ظهوره و عضد تعلّقاته و متعلقاته و هم معدنه اي معدن ظهوره او مدد ظهوره .
و علي الثاني و هو ان المراد بالحق ضدّ الباطل انّ الولاية في قوله تعالي هنالك الولايةُ للّهِ الحقّ علي قراۤءة رفع الحق هي ولايتهم و هي الحق من ربهم كما قال تعالي و آمنوا بما نزّل علي محمد و هو الحقّ من ربّهم كفّر عنهم سيّئاتهم و اصلح بالهم ذلك بان الّذين كفروا اتّبعوا الباطل و انّ الَّذين آمنوا اتّبعوا الحق من ربّهم كذلك يضرب اللّه للنّاس امثالهم فالحق المنزّل علي محمّد صلي اللّه عليه و آله هو ولاية علي عليه السلام علي الباطن و علي باطن التأويل الحقّ عليّ عليه السلام او مع لحاظ ظاهر الظاهر المنزّل علي محمّد صلي اللّه عليه و آله و هو الٰاية الكبري آية نبوته او آية توحيد اللّه الكبري كما قال تعالي لقد رأي من آيات ربه الكبري علي انّ الكبري مفعول رأي لا صفة آيات قال علي عليه السلام ليس للّهِ آية اكبر منّي و لا نبأ اعظم مني و قوله (ع‌) هذا يتوجّه علي احد معنيين امّا ان يراد ليس للّه آية علي نبوة محمّد صلي اللّه عليه و آله و اختياره من ساۤئر خلقه اكبر مني او ليس للّه آية علي توحيده و وجوده بعد محمد صلي اللّه عليه و آله اكبر مني لان محمداً صلي اللّه عليه و آله آية اكبر منه و علي الوجهين و هما باطن التأويل او مع لحاظ ظاهر الظاهر في قوله تعالي و الذين آمنوا و عملوا الصالحات و آمنوا بما نزل علي محمد و هو الحقّ من ربّهم روي القمي انها نزلت في ابي‌ذر و سلمٰن و عمّار و المقداد لم‌ينقضوا العهد قال و آمنوا بما نزّل علي محمّد اي ثبتوا علي الولاية التي انزلها اللّه و هو الحق يعني اميرالمؤمنين عليه السلام فعلي الوجه الاوّل يكون الباطل ولاية من تقدّم عليه و علي الثاني يكون الباطل من تقدّم عليه و يجوز ان يراد بالحق الذي هو ضد الباطل ما هو اعم من الوجهين و هو قوله صلي اللّه عليه و آله علي مع الحق و الحق مع عليّ يدور معه حيثما دار فاذا قلنا الحق معهم يكون المعني ان الولاية معهم او انّ عليّاً عليه السلام مع اهل بيته و مع نفسه الطاهرة و اهل بيته معه لايفارقهم و لايفارقونه و علي العموم كما هو ظاهر الكلام كذلك كما تقدّم من رواية الشارح (ره‌) ان كلّ حق بايدي الناس فهو منا و كل باطل فهو منهم فهذا الحق علي المعاني الثلاثة معهم و فيهم يكون علي المعني الاوّل فيهم اي عندهم و ان قلنا الولاية هي النور كان الكلام علي ظاهره و علي المعني الثاني انه عليه السلام واحد منهم او ملازم لهم و ملازمون له علي هَدْيٍ واحدٍ و علي المعني الثالث ظاهر و منهم علي المعني الاول انّ الولاية منهم انّ آثارها و احكامها و ما يترتّب عليها في الحقيقة صفتهم لانّ الولاية التي عندهم من ولاية اللّه و هو قوله تعالي و هو الحق من ربّهم اي انّ ولايتهم هي الحق منَ اللّه يعني من ولاية اللّه تعالي لان اللّه سبحانه هو الولي و لم‌يكن له ولي من الذلّ فاختار له اولياۤء من العزّ و التكرم و اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار فجعلهم حملة لواۤء ولايته و اقامَهم في ساۤئر عالمه فالولاية الحق ذات اللّه تعالي و مظهر هذه الولاية يعني فعلها و محلّ فعلها و اثر فعلها ذواتهم عليهم السلام و هو قول عليّ عليه السلام ظاهري ولاية و باطني غيب لايدرك اي و باطني ولي و ما ظهروا به من الولاية من الحق تعالي علي الخلق هو صفتهم و شأنهم و فعلهم و قولهم و عملهم و هي اثر ربُوبيّة العالم اذمربوب و هي الامانة التي عرضت علي السموات و الارض و الجبال فابين ان يحملنها الٰاية ، علي بعض الوجوه فيها فما ظهروا به من الولاية منهم و اليهم مصير امورها و هم اهله و معدنه و هو ظاهر و علي المعني الثاني انهم نور واحد و طينتهم واحدة فكلّ من كُلٍّ و فيهم و مِنهم و اليهم و هم اهله و معدنه كما تقدّم علي التأويلات المذكورة و علي المعني الثالث اظهر .
و علي الثالث و هو اذا اريد بالحق الامر المقضي و هو الاكوان الوجوديّة المقضيّة في كل مرتبةٍ من مراتب الفعل من الكون و العين و القدر و القضاۤء و الاذن و الاجل و الكتاب سواۤء تحقّق شي‌ء منها في مرتبة او اكثر و الاكوان التشريعيّة المقضيّة في كل مقام من مقام التكليفِ الالهي كذلك سواۤء كان مطابقاً للواقعي الوجودي الشرعي المتحدّ ام الواقعي التكليفي المتعدّد و سواۤء كانت الاكوان الاولي فيها ام في شرعها و الثانية فيها ام في وجودها كل ذلك معهم اي عندهم او مصاحب لهم قاۤئم بهم كقيام النور بالمنير و فيهم و هم محلّه و عيبة ملكوته و خزنة سرّه و منهم بدا او بُدِئَ لانّهم علته و اصله لانه صفتهم و نورهم و فرعهم و اليهم مردّه او ينتهي امده او هم غايته لانّهم علّته الغاۤئيّة و هم اهله الذين لهم خُلِق و شُرِع او بهم خلق و شرع او فيهم كذلك او اليهم ينتهي او هم اسّسوه او قاموا به او اظهروه او نشروه او قرّروه او ثبّتوه بالحجج او حفظوه و هم معدنه اي اصله الذي بُنِيَ عليه او منه استخرج او به تقوَّم او علّته الفاعلية باذن اللّه او الماۤدّية او الصورية او الغاۤئيّة .
و علي الرابع وَ هُوَ العَدْل انّه معهم اي انّه صفتهم و ظاهرهم وَ ظَاهِرُه مِنْ قبله العذاب او شمالهم و كلتا يديه يمين او مصاحبهم لايفارقهم وَ لٰايفارِقونه او سيرتهم و طريقتهم و ممّن خلقنا امّة يهدون بالحقِّ و به يعدلون او هم خزّانه القوّام به او حملة مباديه و اسبابه و منشأ احكامه و فيهم انهم مطارح اسباب احكامه من اللّه تعالي و مظاهر اسباب مقبولاته و اواۤئلها و جعل قابليّاتها او عندهم اوْ بهم او عنهم كذلك و منهم بدا لانهم مظاهر علله او بُدئ لانّه صفتهم اَوْ اُبْدِئ لانه فعلهم او انهم خزنته او حملته او القوّام به و اليهم تنتهي ثمرته او لهم اُقيمَ و لاَجْلِهمْ شُرِعَ و هم اهله الّذين شيّدوا اركانه و عَلَّوْا بُنْيانه في سبيلَي اللّه التكويني و التشريعي و هم معدنه اي ليس عندهم ظلم و لا فسق فهم معدن العدل و الصلاح .
و علي الخامس و هو الاسلام و للاسلام اطلاقات يطلق علي الأقرار بالشهادتين و هو مغاير للايمان اذا كان الاقرار باللسان خاۤصّة علي ما هو المعروف قال تعالي قالَت الاعراب آمنا قل لم‌تؤمنوا و لكن قولوا اسلمنا و لمّايدخل الايمان في قلوبكم و لو وافقه الاعتقاد بالشهادتين صدق عليه الايمان لهذا الاعتقاد و لو كان مع عدم اعتقادهما بمعني عدم نفيهما و اثباتِه۪ صدق عليه الاسلام و هل يصدق عليه الايمان لاجل الصورة احتمل العدم لظاهر الٰاية المذكورة و احتمل الجواز لانه مع اعتقاد عدمهما سمي في القرءان فاعل ذلك مؤمناً و هو اسوء حالاً ممن لم‌يعتقد العدم كما قال يا ايها الّذين آمنوا لم تقولون ما لاتفعلون كبر مقتاً عند اللّه ان تقولوا ما لاتفعلون فانها نزلت في منافقين اظهروا الشهادتين فسمّاهم اللّه مؤمنين بذلك مع انّه قد ورد فيهم انهم ماٰامنوا بالله طرفة عين و في تفسير القمّي مخاطبة لاصحاب رسول اللّهِ صلي اللّه عليه و آله الذين وعدوه ان ينصروه و لايخالفوا امره و لاينقضوا عهده في اميرالمؤمنين عليه السلام فعلم اللّه انهم لايفون بما يقولون و قد سمّاهم اللّه المؤمنين باقرارهم و ان لم‌يصدِّقوا انتهي ، و الاحتمال الثاني اقوي عندي و الاخبار ظاهرها ان الاسلام مغاير للايمان و تدلّ ايضاً علي اتّحادهما في مادّة و افتراقهما في اخري امّا الافتراق فظاهر و امّا الاتحاد ففي قوله تعالي ان الدّين عند اللّهِ الاسلام و هو الايمان او الكامل منه و في الكافي قال قال اميرالمؤمنين عليه السلام لانسبنّ الاسلام نسبةً لم‌ينسبه احد قبلي و لاينسبه ( ينسبها في الموضعين خ ) احد بعدي الّا بمثل ذلك انّ الاسلام هو التسليم و التسليم هو اليقين و اليقين هو التصديق و التصديق هو الاقرار و الاقرار هو العمل و العمل هو الاداۤء انّ المؤمن ( مَن خ ) لم‌يأخذ دينه عن رأيه و لكن اتاه من ربّه فاخذه انّ المؤمن يُرَي يقينه في عمله و الكافر يُرَي انكارُه في عمله فو الذي نفسي بيده ماعرفوا امرهم فاعتبِروا انكار الكافرين و المنافقين باعمالهم الخبيثة ه‍ ، فالايمان الكامل هو الاسلام الكامل الحقيقي و اوّل ما يخرج الكافر من دار الكفر يدخل دار الاسلام و بين هذه المرتبة و المرتبة الكاملة منه مراتب متعددة يجتمعان في بعضها في الجملة و يفترقان في بعضٍ علي ما هو المعروف و اذا اطلق الحقّ علي الاسلام فيراد به الخالصُ سواۤء كان كل احوال الشخص ام بعضها كما لو اعتقد و عرف و اقرّ و عمل ام كان منه بعضها من اَبْعٰاضها و كلّ خالصٍ منه معهم عليهم السلام سواۤء كان تمام الاعتقاد الحق و المعرفة و الاقرار و العمل الحقّة او بعضها او ابعاضها او بعض بعضها علي نحو المعيّات السابقة و سواۤء كان ذلك كله اصل الاصول كالذي هم قاۤئمون به و يراد منهم ام فروعه كما قامت به الانبياۤء و المرسلون و الملاۤئكة المقربون و الصديقون و فروع فروعه كما يكون من الخصيصين و الخواۤصّ من المؤمنين ام من تبعية ذلك كما كان من ساۤئر المؤمنين ام من تبعيّة الاتباع و هكذا كما يكون من الحقِّ من ساۤئر الخلق الي الجمادات المجيبةِ و كون الاسلام الذي هو الحق انه صفتهم و لازمهم او احدهما لازم الٰاخر الحق مع علي و علي مع الحق يدور معه حيثما دارَ و فرعهم لكونهم علة او موصوفين به او انه فعلهم اوْ اثر فعلهم او انّ احدهما مبنيّ علي صاحبه و فيهم علي نحو ما تقدّم من نظاۤئر هذه الظرفية او بمعني انحصاره فيهم و دخول اتباعهم معهم فيه بالتبعيّة حال الاتّباع و روي القمّي عن الصادق عليه السلام ان الصراط ادقّ من الشعر و احدّ من السيف فمنهم من يمرّ عليه مثل البرق و منهم من يمرّ عليه مثل عدو الفرس و منهم من يمرّ عليه ماشياً و منهم من يمرّ عليه حبْواً و منهم من يمرّ عليه متعلقاً فتأخذ النار منه شيئاً فتترك شيئاً ه‍ ، و هذا الاخير هو من يدخل معهم عليهم السلام في هذا الحق في حال الاتّباع دون حال المعصية فانّ المعصية هي متاع النّار و ما تتعلق به من الشخص و تصدر عنه هو البعض الذي تأخذه و هو حكمه تعالي في قدره قال تعالي معاذ اللّه ان نأخذ الّا من وجدنا متاعنا عنده ، و منهم بدؤه لانّ اوّل التّسليم علي نحو ما تقدّم في حديث اميرالمؤمنين عليه السلام ما صدر عنهم قبل خلق جميع الخلق حين كوّنهم قبل الخلق و التكوين و قبل مواقع صفات تمكين التكوين تكوَّنوا بتمكينِه۪ مسلمين بتَسْل۪يمهم له سبحانه و المعني انّه جل و عزّ خلقهم بكينونته فهم غير مكوّنين كتكوين مَن سواهم لانّ تكوين مَن سواهم لايكون الّا بعد وقوع رؤس المشِيّة علي تقديراتِ الهيئات لتمكينات تكوينات الاشيٰاۤء فالتقديرات هي مواقع نجوم المشيّة و بهذه المواقع تتمكن تلك النجوم من التكوينات و هذه هي سُبُل العلّةِ الفاعليّة و سبل العلة القابليّة علي طبق كل رتبة من سبل العلة الفاعلية ففي التقدير تَقَدُّرٌ و في الهيئة تهيُّأ و في التمكين تمكّن و في التكوين تكوّن و لمّا كان التقدير انّما يكون في تعدّد جهات الاجزاۤء و الهيئة تكون عند تغاير الصفات و التمكين يكون في ربط المختلفات و التكوين يكون في احداث المسبوق المماثل و المركب و لو بجهتين كالوجود و الماهية مثلاً كان جميع الخلاۤئق ممّن سواهم داخلين في هذه القيود فيشملهم الوجود المقيّد و هم عليهم السلام في اصل حقيقتهم قد سبقوا تعدّد جهات الاجزاۤء اذ لا تركيب في تلك الحقيقة الّا بالاعتبار فهي قبل التقدير و لا صفات لها متغايرة لعدم التركيب فهي قبل التغاير و قبل الاختلاف و قبل المسبوقية المتماثلة فلايصدق عليهم التكوين المعروف و يصدق عليهم انهم كانوا بكينونته قبل التكوين و ان كانوا حادثين اقامهم بمشيّته و فتقهم و رتقهم بيده و هذا قول الصادق (ع‌) في استشهاده علي هذا المعني بقول اميرالمؤمنين عليه السلام الحمد للّه مدهّر الدهور و قاضي الامور و مالكِ نواصي حكم المقادير الذي كنّا بكينونيّته قبل الخلق و التمكين و قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكوّنين موجودين ازليّين منه بدأنا و اليه نعود لان الدهر فينا قسمت حدوده و لنا اُخِذت عهوده و الينا برزت شهوده الخطبة ،
فقوله عليه السلام غير مكوّنين يعني به غير مكوّنين بالتكوين المقيّد ذي الحدود و الاجزاۤء و الكثرة بل مكونين بالتكوين المطلق و هو خلق النفس الواحدة في باطن قوله تعالي ما خلقكم و لا بعثكم الّا كنفسٍ واحدة ، و قوله ازليّين يعني به الازل الاضافي فانه يصدق علي كل سابق كالقدم كما تقدم و اذا قيل ازل الٰازال اختصّ بالواجب الحق جل و علا ثم اَبان حدوثهم و فقرهم اليه تعالي بقوله منه بدأنا اي بفعله اخترع وجودنا لَا من شي‌ء و اليه نعود اي نستند اليه في كل حالٍ من احوالنا و الحاصل منهم الاسلام لانه التسليم و اول تسليم خلقه اللّه هو تسليمهم له و رضاهم بكل ما يرد عليهم منه تعالي خلقه عنهم بل بهم اذ هو قابليّتهم الطاهرة الزاهرة و هي الزيت الذي يكاد يضي‌ء و يسلّم الي اللّه تعالي في كل شي‌ء و لو لم‌تمسسه نار اي يكاد يسلّم قبل ان يخلق و هذا مرادنا من قولنا تكوّنوا بتمكينه مسلمين بتسليمهم له اوْ انّه صفتهم او فعلهم او اثرهم او انه في كلّ احكامه في الدنيا و الٰاخرة عبارة عن التسليم لهم او الثناۤء عليهم او الثناۤء علي اللّه تعالي بهم او بفعلهم او بكلِّ ما لهم او عنهم و هو قوله و اليهم و هم اهله اي القوّام به او المستحقّون له او لاَنّه لهم شُرِع او لانه اثرهم او صفتهم او طاعتهم او الطّاعة لهم او طريقهم و ما اشبه ذلك و معدنه لانه فرعهم و هم اصله او بيّنات جدهم صلي اللّه عليه و آله و هو زبره او كما مر من صفة غيره .
و علي السَّادسِ و السَّابع يكون المعني انّ المالَ و الملك معهم لانهم يد اللّه في قوله تعالي قُلْ مَنْ بيده ملكوتُ كلِّ شي‌ءٍ اَوْ اَنّهُمٰا خُلِقٰا لهُمْ و ان كان غيرهم قد شاركهم في شي‌ء فان كان الغير من اعداۤئهم فهو غاصب معتدٍ يدخل في قوله تعالي و سيعلم الذين ظلموا اي منقلبٍ ينقلبون اي ظلموا آل‌محمد حقَّهم و روي لوْ اَنَّ غير وليّ عليّ عليه السلام اتي الفُرات و قد اشرفَ ماۤؤه علي جنبيه و يزُخُّ زخ۪يخاً فتناوَل بكفّه۪ و قال بسم اللّه فلمّا فرغ قال الحمدُ لِلّهِ كان دماً مسفوحاً و لحم خنزيرٍ ه‍ ، و ان كان من مواليهم فلهم ان يتناولوا منهما ما شاؤا بشرط موالاةِ المالكينَ لهما و متابعتهم في احوالهم فحينئذٍ يلحقون بهم عليهم السلام في التملّك التّبَعي و ان كانوا في الحقيقة انّما خُلِقوا و خُلِقَا لهم صلّي اللّه عليهم و قد صرّح سبحانه في كتابه بالاشتراط و كنّي عن الشرط بالتقوي و الايمان و العمل ثم بالتقوي و الايمان ثم بالتقوي و الاحسان قال تعالي ليس علي الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتّقوا و آمنوا و عملوا الصالحات ثم اتّقوا و آمنوا ثم اتّقوا و احسنوا و اللّه يحبّ المحسنين و قد اشرنا فيما تقدّم الي بيان التقوي و الايمان و الاحسان اوْ انهم عليهم السلام في مقام الابواب هم المانون فيهما باذن اللّه و هم بامره يعملون اوْ انهم الذادة القادة فيهما بتسبيب الاسباب وَ الموانع ذلك تقدير العزيز العَليم و فيهم علي معني معهم و منهم لانّهم هم حقائق النعم و اصول الكرم او علي معني القادة الذادة و اليهم بمعني العلة الغاۤئيّة لانه سبحانه خلق الخلق لهم و خلق المال و الملك وَ ما يتعلّق بهما لهم و لتتمّ حاجات الخلق فاذا تم نظامهم انتفعوا بهم فيما يريدون من اقامةِ دين اللّهِ و اعلاۤء كلمته و قد لوّح سبحانه لمن اغترف من بحر تعريفهم الي انتِفاعِهمْ بساۤئر الخلق و بما خلق لهم من كلّ شي‌ء في قوله تعالي و اللّه جعل لكم من بيوتكم سَكناً و جعل لكم من جلود الانعامِ بيوتاً تستخفّونها يوم ظعنكم و يوم اقامتكم و من اصوافها و اوبارِها و اشعارِها اَثاثاً و متاعاً الي حين فانّ من سواهم انعامهم و جلودهم ظواهِرُهم من الاعمال و الاحوال و الاقوال من افعال ذواتهم و عقولهم و ارواحهم و نفوسهم و اشباحهم و اجسامهم و بيوتهم مقتضيات ما ذكرنا من تلك الجبال و الشجر و ممّا يعرِشون و هي بيوتُ افكارِهمْ لِتجمعَ اليها ما تلتقطه من متعلقات تلكَ المقتضيات و ترتّبه انظارهم و يترجمونه علوماً و احكاماً و هذه البيوت هي بواطن هذه الانعام من نفوسهم و اشباحهم و اجسامهم و هذه الجلود الّتي هي ظواهِرُهُمْ من الاعمال و الاحوال و الاقوال افعالهم و هي صفاتهم و هي الاصواف و الاوبار و الاشعار و لهم عليهم السلام في ذلك متاع يتوصّلون به الي متعلّقات احكام شرعيّة تترتب عليها قوابلُ لايجاداتٍ بها تتمّ اشعّة انوارهم و نهاياتُها علي ما به يستقيم النظام عنهم لهم فيمجّدون كرمَهُ و يعظّمون شأنه و يُدمنُون ذكره و يؤكّدون ميثاقه كما يحبّ ان يكون ذلك و هذا هو المتاع الي حين اي الي انّهم يملئون السموات و الارض حتّي يظهر اَلّا الٰهَ الّا هو و هم اصله و معدنه لانّ المال و الملك انّما يتكوّنان مِن ماۤدّةٍ و صورة فالماۤدّة وُجودهُما من اشعّة انوارهم و الصورة ماهيّتهما من اشعّة صفاتهم كما مر .
و علي الثامن و هو الواجب اذا اريد به المعبود بالحقّ فكما مرّ و اِنْ اُرِيدَ به الامر اللازم فكونه معهم انّما هو لانهم هم الذين يعرفون مواقعه او يحكمون به او هم الملزمون به باذن اللّه تعالي لانه تعالي هو المالك اوْ لانّهم هم المملّكون و ان اريد به مطلق الثبوت فكذلك لان كلّ شي‌ء من الخلق سواهم ليس ثابتاً و لا ثبوت معه ما لم‌يكن عنهم او بهم قال تعالي كل شي‌ء هالك الّا وجهه ، و في الدعاۤء و ان كل معبود مما دون عرشك الي قرار ارضك السابعة السفلي باطل مضمحلّ ماعدا وجهك الكريم الخ ، و لايجوز استعمال معناه الضدي هنا يعني بمعني السقوط الّا علي تأويل الاسقاط كما اشار اليه سبحانه و تعالي و ماتسقط من ورقة الّا يعلمها و لا حبّة في ظلمات الارض و لا رطب و لا يابس الّا في كتابٍ مبين فالساقط معهم اي بمعني انّهم يُسْقِطونه بمُوجبِ اسقاطِه او برفع ما قام به و التخلية من الاخير و الاذن في السقوط من الأخير ايضاً و في تسبيح شهر رمضان وَ يُسْقِطُ الورقَ بعلمه برفع الورق و فتحها فالنسختان مبنيّانِ علي هذين المعنيين و فيهم اذا اريد به المعبود بالحق سبحانه يعرف مما تقدّم و ان اُريد به الامر اللازم كان المعني انه عندهم او لاجلهم او بمعني انّه منحصر فيهم اذ كل حكم وجودي او شرعي لم‌يكن لهم لم‌يكن و ان كان فهو باطل مع انّه بهم ايضاً لانه لايكون شي‌ء الّا باللّه فان كان حقاً فمن اللّه و باللّه و ان كان باطِلاً فباللّه لا منه و لايكون شي‌ء باللّه الّا بهم و عنهم لانّه سبحانه جعلهم اعضاداً لخلقه فلايتقوّم شي‌ء من ساۤئر الخلق بدونهم كما مرّ مكرراً و في الزيارة بكم يمحو اللّه ما يشاۤء و بكم يثبت او استقراره او في شأنهم او لهم ملكه او منهم منشأوه و مثله مطلق الواجب بمعني الثابت و بمعني الساقط علي التأويل المذكور و منهم و اليهم اذا اريد به المعبود بالحق قدّر السبيل اي سبيل اللّه منهم و اليهم بمعني انّ ما اظهر لخلقه و اعطاهم من كل شي‌ء فهو منهم كما مر و اليهم كذلك لانه سبحانه خلق خلقه و ما اعطاهم من كلّ شي‌ء لهم عليهم السلام فهم الصّراط الاعظم للّه سبحانه ثم من دونهم ساۤئر ما خلق منهم اليهم اي خلقهم من فاضل انوارهم و اليهم يعودون كما بَدَأهم فالخلق سبيل اللّه من السبيل الاعظم اليه انّ الينا ايابهم وَ اذا اريد به الامر اللّازم فالمعني انه باللّه يعني ما منهم باللّهِ اوْ مِنَ اللّهِ عنهم او بهم و يجوز مِنَ اللّٰهِ ثم منهم او من اللّهِ و منهم اما بمعني اَنَّ ما مِنَ اللّه فهُو هُمْ و هم اصل كلّ خير و كل خير منهم و ما منهم فهو ما سواهم و امّا بمعني انّ ما منهم هو ما مِنَ اللّهِ او باللّه و امّا بمعني ما من اللّهِ سبحانه فهو ما مِنهم لانهم خزاۤئن جميع امداداته و ان كانت الامداداتُ تدريجيّة الظهور و قبل الظهور ليست شيئاً الّا ان اسباب ايجاداتها و علل اكوانها صفات ذواتهم و صفات اَفعالِهمْ و لم‌تتعلّق المشيَّة بشي‌ء الّا بهم و عنهم فصح انهم خزاۤئن جميع اِمْدٰادٰاتِه۪ فاذا ظهر لك هذا ظهر لك انّ ما لزم وجوده لتمام مقتضياته و انتفاۤء موانعِه۪ من الكونينِ الوجودي و الشّرعي انّما لزم بهم او عنهم او بالزامهم باذن اللّهِ و انّ ما اريد به الثابت فهو فرع ثبوتهم و ما اريدَ به السّاقط فعلي نحو التوجيه المتقدّم و هم اصلُه و مَعْدِنُه علي معني ما تقدّم في امثاله و نظاۤئره .
و علي العاشر و هو الموجود الثابت ان اريد به المعبود سبحانه كان كما مر في كلّ الصُّوَر و كانَ وصفه بالثابت لبيان ما هو الواقع او ان الموجود بالوصف يختصّ به تعالي و ان اريد به غير اللّه تعالي كان احقّ ما يطلق علي الحق المخلوق لاسيّما مع الوصف المذكور لانّه بالنسبة الي جميع الخلق احق بالموجود الثابت لعدم تغيره فانه بالنسبة الي جميع الخلق ساكن و جميع الخلق تدور عليه لاتقف ابداً و هو قد يراد به المشيّة و هو الحق الّذي خلق به السّموات و الارض و قد يراد به المقام الاول و هو الشاۤئي و هو قول الحجة عليه السلام في دعاۤء شهر رجب لا فرقَ بينك و بينها الّا انهم عبادك و خلقُك و قد يراد به محلّه و هو الحقيقة المحمدية و هي الزيت باعتبارٍ كما قال تعالي يكاد زيتها يضيۤ‌ء و لو لم‌تمسسه نارٌ او الماۤء باعتبارٍ آخر كما قال تعالي و جعلنا مِنَ الماۤءِ كلّ شي‌ءٍ حيٍّ او قابليّة المشيّة نفسها بنفسِها علي اعتبار آخر ففي الاعتبار الاخير هو المشية و هو الحق المخلوق و هو الحق الذي خلق به السموات و الارض و علي هذه الوجوه فلا منافاةَ في كونه معهم لانّ الشي‌ء يكون مع محلّه و مع معلوله و مع مفعوله و مع نفسه و قد يطلق الحق المخلوق علي الماۤء الثاني و المصباح الذي استنار به الكون و هو العقل الاوّل و الروح الّذي هو من امرنا و كونه معهم ظاهر و فيهم و منهم و اليهم و هم اصله و معدنه كذلك ايضاً لان العقل هو القلم و ورد عنهم عليهم السلام انّه اوّل غصنٍ اُخِذ او نبت من شجرة الخُلْدِ و هي شجرتهم فهو معهم و فيهم و منهم و اليهم و هم اصله و معدنه و قد يطلق و يراد بالموجود الثابت ما يغاير الموجود بعد فناۤئه و الثابت قبل ان يوجد علي رأي من يري انّ الثّابت اعم من الموجود مثل من يقول انّ الاعيان ثابتة في العين غير موجودة كما يقوله اهل التصوف مثل قول الملّامحسن في الكلمات المكنونة فان الكونَ كانَ كامناً فيه معدومَ العين و لكنه مستعدّ لذلك الكون بالامر و لمّا امر تعلّقت ارادة الموجد بذلك و اتّصل في راي العين امْرُهُ به ظهر الكون الكامن فيه بالقوّة الي الفعل انتهي ، فهي عنده في عين ذاته بالقوة موجودة لكنها معدومة يعني غير متميّزة كقطرة الماۤء في البحر و لايصح ان يريد بها انها معدومة ليست شيئاً بل يري انّها ثابتة ثبوتاً مخالفاً للعدم و انّما لم‌يقل موجودةً لانه يريد بالوجود و الايجاد هذه التشخّصات و الحدود لانه في موضع آخر منها قال ان هذه الاعيان الثابتة ليسَتْ اموراً خارجة عن الحق بل هي نسب و شئون ذاتيّة فلايمكن ان تتغيّر عن حقاۤئقها فانها حقاۤئق ذاتيّات و ذاتيّات الحقّ سبحانه لاتقبل الجعل و التغيير و التبديل و المزيد و النقصان انتهي كلامه ، و لو اراد انها ليست شيئاً لما جعلها ذاتيات الحق اللاتي لاتتغيّر لان ذاتيات الحق ليسَتْ معدومات و لا عجب ممّا يعتقده فانه مذهب امامِه۪ مميت الدين ابن‌عربي و مثل من يقول انّ الاعيان ثابتة في العلم غير موجودة و يجعلها صوراً علميّةً معلّقة بالقديم تعالي و مثل من يقول انها ثابتة في الامكان لم‌تلبس حلة الوجود فهي كالاواني الموضوعة في المكان المظلم فان الناظر اليها لايري شيئاً و ان كانت في نفس الامر متحققةً فاذا اشعلتَ سراجاً و اشرق عليها ظهرت و اهل هذه الاقوال الثلاثة كلّهم اخطأوا الحق و قالوا بما ليس موجوداً في نفس الامر و لا ثابتاً ان هم الّا يخرصون و من قال بان الممكن لايمكن ان يكون ممكناً لغيره و انما هو ممكن لذاته يلزمه القول باحد القولين الاوّلين البتّة و امّا اهل القول الثالث فان ارادوا انّها ثابتة بنفسها في الامكان فهم كالاوّلين و ان ارادوا انّها لم‌تكن شيئاً اصلاً لا موجودة و لا ممكنة بل كان اللّه سبحانه واحداً متفرداً في وجوده ليس معه غيره ثم انّه جعلها ممكنة فاذا اراد ايجاد ما شاۤء اوجده كما شاۤء فهو حق و لكنهم لايقولون به لانهم يخبطون في القول و المعني و يقولون المعقولات خمسة واجب لذاته و هو اللّه تعالي و واجب لغيره و هو المعلول عند وجود علته التاۤمّة و ممتنع لذاته و هو شريك الباري و ممتنع لغيره و هو المعلول عند عدم علته و ممكن لذاته و لم‌يقولوا و ممكن لغيره لئلايلزمهم انّه قبل فعل ذلك الغير اما واجب او ممتنع و لم‌يهتدوا الي الحق سبيلاً فانّ الحق انّ المعقول لايكون الّا مخلوقاً و انه ليس الّا اللّه وحده لا شريكَ له ثم احدث فعله و احدث به مفعوله لانه سبحانه امكنه في مشيّته و لم‌يكن قبل ذلك ممكناً اذ ليس قبله الّا الوجوب الحق فاذا ارادَ اَحْدَث مَا اراد كيفَ اراد و لكن اكثر النّاس لايعلمون فاذا اريد بالحقِّ الموجود الثابت مط و هو ما يغاير الموجودَ بعد فناۤئه و الثابتَ قبل اَنْ يوجد فيتناول الابداع و المبدَع الاول و هو الماۤء الاوّل و العقل الذي هو المصباح و قد مرّت الاشارة اليها و الرُّوح و النفس و الطبيعة و جوهر الهبا و هذه معهم و فيهم و منهم و اليهم اما انّها معهم فلانّها متقوّمة بهم فلاتفارقهم و امّا انها فيهم فلانّها ارواحهم القاۤئمون باركان الوجود الموكّلون بحمل العرش وَ ما دونه و امّا انّها منْهم فَلانّها اَغْصٰانٌ مِنْ شَجَرةٍ هي حقيقتهم و امّا انّها اليهم فلانَّ ثمرتها ممّا هي قاۤئمة به و موكّلة عليه من خدمة اللّهِ في اقامة تسبيحه و تقديسه و اظهار توحيده و عبادته في خلقه و ما الامر عليه من عذرٍ اوْ نذرٍ انّما هي عنهم كما اشار اليه الحسن العسكري عليه السلام في شأن العقل الذي هو اوّلها قال و رُوح القدس في جنانِ الصّاقورة ذاقَ مِنْ حداۤئِقنا الباكورة يَعْني انّا عمرنا ارضنا ارض الامكان و غرسنا في تلك الجنان باسِقات الاغصان و سقيناهُ بماۤء الوُجودِ الذي هُوَ حياتنا فاوّل مَنْ قَبِلَ النموّ من تلك الاغصان روح القدس و ذلك القبول هو اكل اوّل ثمرة الوجود فهم اصلها و معدنها كذلك و انّما حصرنا الموجود الثابت في هذه بناۤء علي معتقد القوم و مصطلحهم من انّ المجردات الدّهريّة قاۤرةُ الذّات باۤتّةُ الثّباتِ و التحقيق ان المخلوق ليس له ثبات الّا بالاضافة الي ما دونه و الّا فحاجة المجرّد الي علّته و مبدئه اشدّ من حاجة مَن دونه و كلّما قربَ من المبدأ كان اشدّ حاجةً و فقراً و اسرع حركةً حول مركز علته حتي يكاد يفني عن نفسه فلذا كان اشدّ تحقّقاً مِمّن هو دونه و كلّما كان كذلك كان اشدّ تقلّباً في ثباته و تغيّراً في بقاۤئه و كلّما بعد كان اضعف حاجةً و فقراً عند نفسه فلذا كان اضعف تحقّقاً ممّن هو فوقه و اليه الاشارة بقوله تعالي ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارَةِ اوْ اشدّ قسوةً الٰاية ، هذا حكمه في نفسه و عند مثله و الّا ففي الحقيقة جميع الخلق في الحاجة و الفقر و التغيّر سواۤء و انّما تختلف الاشياۤء باختلاف اوقاتها و آجٰالها في الطول و القِصَر فاذا نظر الناظر الي المجرّد وجدَهُ في بادي الرأي ساكناً ثابتاً لطول اجله الذي يضمحل عند انقضاۤئه و اذا نظر الي الماۤدي وجدَهُ متغيّراً متبدِّلاً لقصر مدّته فيري ان المجرد ثابتٌ و المادي متغيّر و ليْسَ ذٰلِكَ اِلّا لاختِلَاف مدّة البقاۤء .
و علي الحادي‌عشر و هو الصِّدق اعني ما يطابق الواقع من القول مطلقاً سواۤء كان لفظِيّاً اَوْ معنوِيّاً فيدخل فيه جميع الاعمال و الافعال و الحركات الحسيّة و النفسِيّة و العقليّة و السّرمديّة و هو معهم اما السرمديّة فمنها السابق ذاتاً و منها المساوق و منها اللاحق و صدق المعيّة علي اللّاحق انّما هو باعتبار لزومه لهم ان كان متعلِّقاً بما تحت حقيقتهم او باعتبار مساوقته لبعض تكميلات تلك الحقيقة فيكون لاحقاً باعتبار ما سبق منها عليه او من تكميلاتها عليه و امّا العقلية و النفسيّة و الحسيّة و ساۤئر الاقوال المعنويّة و اللفظيّة فتصحّ المعيّة لكلّ نوع في رتبته من مراتبهم و ما دونها مع المشاركة لصاحبة المرتبة فالعقليّة معهم في رتبة العقول و في رتبة الارواح مع مشاركة الروحيّة و في رتبة النفوس مع مشاركة الروحية و النفسية و في رتبة الطباۤئع مع مشاركة الروحية و النفسية و الطبيعيّة و هكذا الي رتبة الاقوال الظاهريّة بل الي رتبة الاقوال الحيوانية و النباتية و الجماديّة فكل شي‌ء منها طابق الواقع فهو معهم في تلك الرتبة لانّ لهم ظهوراً مع كل شي‌ء فيترجمون ما يصل اليه من المدد الالهي بلسانه لانهم تراجمة وحي اللّه سبحانه و تعالي لكلّ مذروۤءٍ و مبروۤءٍ و فيهم يعني ان كل ما طابق الواقع من جميع مراتب الصدق فهو لهم او لاجلهم او عنهم و منهم و اليهم اي ان الصدق بكل نوع من انواعه منهم لانه فرعهم و فعلهم و صفة فعلهم و اثره و اليهم مردّه او نفعه يعود او ينتهي حيث يعود كل شي‌ء الي اصله و هم اصله و معدنه اي انهم اصل الصدق لانّ الصدق في الاصطلاح هو القول الذي يطابق الواقع فالواقع هو الموجود في الكتاب الوجودي الالهي المعبّر عنه باللوح المحفوظ و ذلك هو نفسهم القدسيّة او نور نفسهم او نفسهم و نورها علي اختلاف التعبيرات و القول اذا طابق في الاخبار به ذلك المعني الموجود فهو الصدق اِن اريد به محض المطابقة و كان فاعله صادقاً و ان لم‌يرد به ذلك كان القول في نفسه صدقاً بل كان حقاً و لم‌يكن صدقاً الّا علي تأويل الحقّ لانهما في اللغة شي‌ء واحد و انما يفرق بينهما في الاصطلاح بانه ان طابق الواقع القول كان حقاً و ان طابق القول الواقع كان صدقاً فاذا لم‌يرد به الفاعل مطابقة الواقع كان حقاً لمطابقة الواقع له و كان فاعله كاذباً و المراد بهذا القول قول كل لسان بكل لغة كما اشرنا اليه فاذا كان صدقاً كان بارزاً عن رضا اللّهِ و محبّته و رضا اللّه و محبّته فيهم لايخرج شي‌ء منهما عنهم لانهم هم الناطقون بالصدق علي ذلك اللّسانِ بل بهم و بفضلهم ترجم ذلك اللسان لكلامهم بنطقه عن نفسه لنفسه و لغيره فاذا عرفتَ هذا ظهر لك انّهم اصل الصدقِ و معدنه .
و علي الثاني‌عشر و هو الموت يكون معني كون الموت معهم هنا هو عدم وجدانِهم انفسهم حين وَجدُوا ربّهم و لايجوز ان يراد به الهلاك المعروف و لا الهلاك في الدين و لا العدم لانهم وجه اللّه الباقي بعد فناۤء كلّ شي‌ء كما قال تعالي كلّ شي‌ء هالك الّا وجهَهُ و قال تعالي كلّ من عليها فانٍ و يبقي وجه ربِك ذي الجلال و الاكرام و قرئ ذو الجلال و الاكرام و لايختلف المعني باختلاف القراۤءة عندنا لانّ الوجه المضاف يراد منه المضاف اليه اِذ الاضافة بيانيّة علي قراۤءة الجرّ و يجوز ان يكونوا هم المضاف و المضاف اليه هو الفعل او الوصف الاعلي و المقام الاوّلي وَ هُوَ الربّ المذكور في كلام الصادق عليه السلام كما في الكافي عن الصادق (ع‌) انه سُئِل كم عرج برسول اللّه صلي اللّهُ عليه و آله فقال مرّتين فاوقفه جبرئل موقفاً فقال له مكانك يا محمد فلقد وقفتَ موقفاً ماوقفه قطّ ملك و لا نبي انّ ربّك يصلّي فقال يا جبريل و كيف يصلّي قال يقول سبّوح قدّوس انا ربّ الملائكة و الروح سبقت رحمتي غضَبي فقال اللهم عفوك عفوك الحديث ، يعني الاسم الاكبر المُرَبّي له صلي اللّهُ عليه و آله و هو عند علماۤء العرفان الاسم البديع و هو المربّي للعقل الكلي و الذي يظهر لي انه المقام الاعلي و الوصف الاوّلي و هو في باب الٰايات من المعبود بالحق جل و علا كالقاۤئم من زيد و هو الشاۤئي او المشيّة و المشاۤء و لمحمد و آله صلّي اللّه عليه و آله مع ذلك حالات هو هم و هم هو الا انّه هو هو و هم هم لانهم محلّه كالقيام و القاۤئم فانهما معاً صفة زيد صفة فعل ففي حالة اعتبار القيام في القاۤئم و تقوّم القاۤئم بالقيام في الظهور و القيام بالقاۤئم في التحقّق هو هو و في حالة اعتبار المغايرة احدهما غير الٰاخر فكان الموصوف بذي الجلال و الاكرام هو الوجه الذي هو المقام الاعلي ففي الرفع يجوز ان يكون المراد بربك الاسم المربّي فتكون الاضافة بيانيّة و يجوز هذا المعني علي الجرّ تبعاً للّفظ و ان يكون المراد بربك المعبود بالحقّ جل و علا و يجوز الجر و يراد بذي الجلال و الاكرام هو الوجه يعني انه سبحانه وصف نفسه لخلقه بذلك الوجه ذي الجلال و الاكرام ليعرفوه به اذ لايعرف الّا به و لا سبيل لاحدٍ من خلقه ان يعرفه الّا به و هو قول علي عليه السلام نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الا بسبيل معرفتنا ه‍ ، و لو قلتَ ان قوله ذي الجلال و الاكرام بالجرّ صفة للمعبود بالحقّ لقلنا هذا حقّ لا شك فيه الّا انّه ان اردتَ بهذه الصفة صفته القديمة فليس لها عبارَةٌ لانّها ذاته تعالي و ان اردتَ بها صفته الاولي المحدثة فليست غير ذلك الوجه فافهم و المرادُ بالمَقام الاعلي الذي هو الوجه المذكور المثل الاعلي الذي ليس كمثله شي‌ء و الفناۤء و الموت و الهلاك احدثها اللّٰهُ بهذا الوجه فلاتجري عليه و انّما معني كونه معهم و فيهم عدم وجدانِهم اَنْفُسَهُمْ حيث وجدوا ربّهم كما تقدّم و امّا ان الموت منهم فان اريد به خروج الروح او الفناۤء يعني تفرق الاجزاۤء او عدم وجدان النفس عند وجدان الرب تعالي لمن دونهم اوْ لهم فلهذا اختارهم اللّه علي جميع العالمين فظاهر لانه سبحانه يفعل ذلك بهم لان اركان الوجود الاربعة الخلق و الرزق و الموت و الحيوة من اشعّة انوارهم او لوازمها علي اعتبار ان الموت و الفناۤء من المجتثّات و اما بالنظر الي الحقيقة فكلّ الاربعة من اشعّة انوارهم او عنهم لان اللّه سبحانه اتّخذهم اعضاداً لخلقه و ان اريد به هلاك الدين فمنهم ايضاً لانهم كما كانوا يوردون المؤمنين طريق النجاة باعمالهم و محبّتهم كذلك هم يذودون الكفّار و المنافقين عن طريق النجاة و يوردونهم طريق النار باعمالهم و بغضهم و اما معني كونه اليهم فانه يثني عليهم بالثناۤء الجميل اذ به تقع الاشياۤء مواقعها و تنعطف الفروع علي اصولها و ان من شي‌ء الّا يسبّح بحمده و في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبّح اللّه باسماۤئه جميع خلقه و امّا معني انهم اصله و معدنه فيعرف مما سبق حيث تجعل المعاني في مواقِعها .
و علي الثالث‌عشر و هو الحزم و الحزم لغة ضبط الامر و الاخذ فيه بالثقةِ و معني كون الحزم معهم انّ هذا المراد منه و هو ضبط الامر و الأخذ فيه بالثقة انّ اللّه سبحانه خلقهم كذلك في حقاۤئقهم و امداداته ايّاهم في وجوداتهم و قوابلهم في مراتب التكوين و التشريع ممّا اعطاهم و انزلهم منه هذه المنازل التي لايحتمل الامكان اعلي منها كلّ ذلك بحقيقة ما هم اهله حين خلقهم و كذلك ما ترجموا لمن دونهم من فاضل ما امدّهم و اعطاهم و فيهم مما اقامهم به من ذلك و استحفظهم عليه لهم و لمن دونهم كما انزله سبحانه عليهم في كتابهِ الاوّل و الٰاخر و منهم الحزم في ارشادهم و تبليغهم و اداۤئهم لكل ما يريد اللّهُ لعباده او من عباده بما استُحفِظوا من كتاب اللّه و كانوا عليه شهداۤء حيث امرهم فقال و زنوا بالقسطاس المستقيم و لاتبخسوا النّاس اشياۤئهم و هو نصيبهم من الكتاب الذي قضي اللّه ان ينالهم علي ايديهم و اليهم كما تقدّم في نظاۤئره و هم اصله و معدنه كما اشير اليه في بيان معهم و فيهم لانه لغيرهم فرعٌ مِنْ فُروعهم فهم اَصْله و معدنه و حيث يكون لهم فهو صفتهم و امّا علي الرابع‌عشر فلايراد هُنَا الّا علي تأويل انّه فرد من افراد الوجود و كلّ الوجود بهم .
قال عليه السلام : و ميراث النبوّة عندكم ،
قال الشارح (ره‌) من علوم جميع الانبياۤء و كتبهم و اخلاقهم الكاملة حتّي انه كان عندهم الواح موسي و عصَاهُ و حَجَرُهُ و خاتم سليمن و قميص يوسف و ذوالفقار سيف رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و درعُه و عمامته و رايته و عَنَزتُه و غيرها و كان عندهم من الكتب الجامعة التي كان من املاۤء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و خطّ علي عليه السلام بيده و الجفر الذي فيه علوم الانبياۤء و المرسلين و المشهور انه الكتاب المعروف المرموز الذي بيننا و قيل غيره و هو عند صاحب الامر عليه السلام و مصحف فاطمة (ع‌) الذي فيه علومُ ما سَيأتي و كان باملاۤءِ جبريل عليه السلام و خطّ اميرالمؤمنين عليه السلام و كان ذلكَ بعد وفاة الرسول صلي اللّه عليه و آله لدفع حزنها عليها السلام و المشهور انه الجفر الابيض الذي عندنا و هو كالجفر الاحمر في التركيب الّا ان الجفر الاحمر من جميع حروف التهجّي و الابيض من الحروف النورانيّة التي في اوائل السور و يجمعها صراط عليّ حق نمكسه ( نمسكه ظ ) و قيل غيره و هو ايضاً عند الصاحب عليه السلام و يظهر من بعض الاخبار انّ الجفر الابيض غير مصحف فاطمة عليها السلام و انه ايضاً كان عندهم و كان عندهم كتاب فيه اسماۤءُ شيعتهم و كتاب فيه اسماۤء مخالفيهم و بالجملة كل نبي ورّث علماً او غيره كما في الاخبار المتواترة فقد انتهي اليهم صلوات اللّهِ عليهم انتهي كلامه .
اقول ميراث الانبياۤء علي قسمين قسم يعدّونه ميراثاً و قسم لايعدونه ميراثاً و الثاني هو ما تركوا ممّا يعدّ من حطام الدنيا من الدراهم و الدنانير و الخيل و الانعام و الحرث و ما اشبه ذلك و لهذا ورد ان الانبياۤء لم‌يُورثوا درهماً و لا ديناراً و انما ورّثوا العلم فمن اخذ منه فقد اخذ بحظٍّ وافرٍ و ورد ان العلماۤء ورثة الانبياۤء و المراد من نفي ما سوي العلم عدم اعتدادهم به مع انه قال اللّه تعالي مخبِراً عن سؤال زكرياۤء من ربّه وارثاً يرثه و عن سليمٰن انه ورث من ابيه داود الصَّافنات الجيادَ و لكنّهم لايعدّونه ميراثاً لعدم التفاتهم الي الدنيا و ما فيها و القسم الاول و هو ما يعدّونه ميراثاً قسمان احدهما العلم و ثانيهما ما تركه الانبياۤء من آثار النبوة كنعل شيث و قميص يوسف و هذان يرثونهما لانّهما عَلامة الامامة و الولاية المطلقة و كلّ مَن كان عنده سلاح رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كان عنده العلم و ميراث جميع الانبياۤء عليهم السلام و في البصاۤئر عن ابي‌جعفر عليه السلام قال انّ السِّلاحَ فينا بمنزلة التابوت في بني‌اسراۤئيل يدور الملك حيث دار السلاح كما كان يدور حيث دار التابوت ، اقول المراد بالملك المذكور الامامة كما قال تعالي و آتيناهم ملكاً عظيماً و هو الامامة و فيه عنه عليه السلام قال السلاح فينا بمنزلة التابوت اذا وقع التابوت علي باب رجل من بني‌اسراۤئيل علم بنواسراۤئيل انه قد اوتي الملك و كذلك السلاح حيثما دار دارت الامامة و في ارشاد المفيد و الاحتجاج عن سعيد السمان قال كنتُ عند ابي‌عبدِاللّهِ عليه السلام اذ دخل عليه رجلانِ من الزيديّة فقالا له امنكم امام مفترضٌ طاعته قال فقال لا فقالا له و قد اخبرنا الثقاةُ انّك تقول به سَمّوا قوماً و قالوا هم اصحاب ورع و تشمير و هم ممّن لايكذبُ فغضب ابوعبداللّه عليه السلام و قال ماامرتُهم بهذا فلمّا رأيا الغضَب بوجهه خرجا فقال لي تعرف هذين فقلتُ هما من اهلِ سُوفَ و هما من الزيديّة و هما يزعمانِ انّ سيف رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عند عبداللّه ابن الحسن فقال كذبا لعنهم اللّهُ واللّهِ مارأه عبداللّه بن الحسن بعينيه و لا بواحدةٍ من عينيه و لارءاه ابوه اللّهم الا ان يكون رءاه عند علي بن الحسين عليهما السلام فان كانا صادقين فما علامةٌ في مقبضه و ما اَثرٌ في موضع مضربه و ان عندي لسيف رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و ان عندي لراية رسول اللّهِ صلي اللّه عليه وَ آله و درعه و لاۤمّته و مِغْفَرهُ فان كانا صادقين فما علامة في درع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و ان عندي لراية رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله المغلبة و ان عندي الواح موسي و عصاه و ان عندي لخاتم سليمن بن داود (ع‌) و ان عندي الطشت الذي كان موسي يقرّب بها القربان و ان عندي الاسم الذي كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا وضعه بين المسلمين و المشركين لم‌يصل من المشركين الي المسلمين نشّابَةٌ و ان عندي لمثل التابوت الذي جاۤءت به الملاۤئكة و مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني‌اسراۤئيل في ايّ بيتٍ وُجدَ التابوت علي ابوابهم اوتوا النبوة و مَن صار اليه السلاح منّا اوتي الامامة و لقد لبس ابي درع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فخطّت علي الارض خطَطاً و لبستها انا فكانت و قاۤئمنا مَن اذا لبِسَها ملأها انشاۤء اللّه و في البصائر عن ضريس الكناسي قال كنت عند ابي‌عبداللّه عليه السلام فقال ابوعبداللّه ان عندنا صحف ابراهيم و الواح موسي فقال له ابوبصير ان هذا لهو العلم قال يا ابامحمد ليس هذا هو العلم انما هو الاثرة انما العلم ما يحدث بالليل و النهار يوم بيوم و ساعة بساعةٍ و في العلل عن الصّادق عليه السلام في ذكر قميص يوسف عليه السلام قال المفضّل بن عمر قلتُ جعلتُ فداكَ فالي من صار هذا القميص قال الي اهله و كلّ نبيّ ورّث علماً او غيره فقد انتهي الي محمّدٍ و آلِه۪ اقول و الاحاديث في ذلك كثيرة جدّاً في الخصوص و العموم و يكفي في ذلك الاشارة مع ان هذا معلوم من احاديثهم عند الشيعة و هي كثيرة مثل ما رواه في الكافي عن عبدالرحمن بن كثير عن ابي‌جعفرٍ عليه السلام قال قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ان اوّل وصي كان علي وجه الارض هبة‌اللّه بن آدم (ع‌) و ما من نبيّ مضي الّا و له وصيّ و كان جميع الانبياۤء مائة‌الف نبي و عشرين‌الف نبي منهم خمسة اولوا العزم نوح و ابراهيم و موسي و عيسي و محمد صلي اللّه عليه و آله و انّ علي ابن ابي‌طالب (ع‌) كان هبة اللّه لمحمد (ص‌) و ورث علم الاوصياۤء و علم ما كان قبله اما ان محمّداً ورثَ علم ما كان قبله من الانبياۤء و المرسلين الحديث ، و من ذلك ما تقدّم في حديث ابان بن عثمٰن عن ابي‌عبدِاللّه عليه السلام حين حضرت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الوفاة وَ دَعَا عمه العبّاس بن عبدالمطلب و اميرالمؤمنين عليه السلام و عرض عليهما الوصية و اعتذر العباس و قبل عليّ عليه السلام فسلّم اليه خاتمه و المغفر و الدرع و الراية و القميص و ذاالفقار و السحاب و البرد و الابرقة و القضيب و النعلين و القميصين و القلانس الثلاث و البغلتين الشهبا و الدُّلدل و الناقتين العضباۤء و القصوي و الفرسين الجناح و حيزوم و حماره عفير و غير ذلك و كلّ ذلك معهم عليهم السلام مع ما ترك جميع الانبياۤء عليهم السلام مما يعدّونه ميراثاً من علم وَ اَثرٍ و قد تقدّم و الابرقة ثوب طويل من الجنّة يضي‌ء بنور يكاد يخطف الابصار يشد بها وسطه مكان المنطقة و تفسير الشارح (ره‌) الجفر الاحمر انه من جميع حروف التهجي بخلاف الابيض فانه من النورانية المذكورة في اواۤئل السور لاينطبق علي اكثر رواياتهم ففي الكافي عن الحسين بن ابي‌العلا قال سمعتُ اباعبداللّه عليه السلام يقول انّ عندي الجفر الابيض قال قلتُ و اي شي‌ء فيه قال فيه زبور داود و توريٰة موسي و انجيل عيسي و صحف ابراهيم و الحلال و الحرام و مصحف فاطمةَ عليها السلام ماازعم انّ فيه قرءاناً و فيه ما يحتاج الناس الينا و لانحتاج الي احد حتي فيه الجلدة و نصف الجلدة و ربع الجلدة و ارش الخدش و عندي الجفر الاحمر قلتُ و اي شي‌ء في الجفر الاحمر قال السلاح و ذلك انّما يفتح للدّم يفتحه صاحبُ السيف للقتل الحديث ، و ما دلّ عليه هذا الحديث مخالف لما ذكره لانه قال عليه السلام انّ الجفر الابيض فيه كتب الانبياۤء (ع‌) و هو رحمه اللّه مال الي انه ما اخذ من الحروف النورانية خاصة و ذكر عليه السلام ان الجفر الاحمر فيه السلاح يعني حكم القصاص و اقامة الحدود و احكام الجهاد و انه بعد ما ختمه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لايفتحه الا صاحب السيف و هو القاۤئم عليه السلام و السيف ذوالفقار و هو كناية عن الجهاد في سبيل اللّه او سيف الحدود و القصاص او كناية عن القدرة و التسلط او عن انه لاتأخذه في اللّه لومة لاۤئمٍ و هو رحمه اللّه جعله المأخوذ من جميع حروف التهجي .
قال عليه السلام : و اياب الخلق اليكم و حسابهم عليكم ،
قال الشارح (ره‌) اي رجوعهم في الدنيا لاجل المساۤئل و الزياراتِ و في الٰاخرة لاجل الحساب كما روي عنهم عليهم السلام انّهم الميزان اي الحقيقي او الواقعي او في الٰاخرة بقرينة و حسابهم عليكم كما قال تعالي انّ الينا اي الي اولياۤئنا بقرينة الجمع ايابهم ثم انّ علينا حسابَهُم و روي في الاخبار الكثيرة انّ حِسابَ الخلاۤئق يوم القيمة اليهم و لا استبعاد في ذلك كما ان اللّه تعالي قرّر الشهود عليهم من الملاۤئكة و الانبياۤء و الاوصياۤء و الجوارح مع انه قال تعالي و كفي باللّه شهيداً و هو القادر الديان يوم القيمة و يمكن ان يكون مجازاً باعتبار حضورهم مع الانبياۤء عند محاسبة اللّه ايّاهم انتهي .
اقول قد تقرّر في ادلّة الكتاب و السّنة في بواطن التفسير و في دليل الحكمة انّ اللّه سبحانه لايجري افعاله في المفعولات الّا علي ما هي عليه ممّا ينبغي لها و يمكن فيها حين كونها و ذلك لايجري علي جهة قسرها بل تكون في تكوينه لها مختارة و يلزم من ذلك انّ اَفْعالها تصدر عنها علي جهةِ الاختيار و ما تراهُ في بعضها من الاضطرارِ اَوِ الجَبْل بسكون الباۤء فهو ما يظهر لك في بادي الرأي و لو نظرتَ بالعين الحديدة ظهر لك انّه ليس في شي‌ء من الموجودات قسر اصلاً بل كلّها علي الاختيار في صنع اللّه تعالي لها و في صنعِها لافعالها و ما يَصْدُرُ عنها و ذلِكَ شي‌ء تكون به و تكون فيه وَ لَيْسَتْ شيئاً قَبْلَ بدئِها و اَوّلُ ذكرها و هو سبحانه ذكرها بالاختيار و اذا اردتَ معرفة كونها مختارة في كل حال فعليك بما كتبناه في الفوائد فاطلبه لتعرف حقيقة ما ذكرنا ثم انه جلّ و علا نزّلها من منازل ذكرها الاوّل في مراتب التكوين علي حسب قبولها من عطاۤئه لم‌تعدِم في جميع احوالها اوامِرَهُ بما فيه نجاتها و نواهيه عما فيه هلاكها و هي كما كانتْ مختارة في نفسِها لانها صنع المختار بالصنع الاختياري كذلك افعالها مختارة في نفسها و في تعلّقاتها لانها صنع المختارين بالصنع الاختياري و لمّا كان الشي‌ء المختار اذا لم‌يمنعه مانع من مقتضي اختياره لايميل الّا الي ما يلايمه و كان لايلايم الشي‌ء الّا ما كان احدهما من الٰاخر او لازماً له او متقوّماً به او مستمدّاً منه و مستعيناً به و كان كل ما سواهم عليهم السلام من ساۤئر الخلق امّا لازماً لهم متقوِّماً بهم مستمدّاً من فضلِ خَيْرهم مستغنِياً بهم او متقوّماً باللازم لهم لازماً له كساۤئر اعداۤئهم فانّهم ماوجدوا اِلّا بفاضِل وُجُودِ شيعتهم من جهة شماۤئلِهِمْ وجب في الحكمة رجوع الخلق اليهم كل واحد من الخلق يرجع بحكم التمكين و الاختيار الي مبدئه منهم عليهم السلام و لمّا ثبت بالدليل كما اشرنا اليه فيما تقدم و قد يأتي انّ المخلوق من حين ذكره الاوّل الذي هو مبدء شيئيّته الي ان يعودَ اليه محتاج في بقاۤئه الي المدَدِ و في جميع تلك المراتب في كل ذرّة و حالٍ هو مكلّف محصورٌ بالاوامر و النَّواهي في غيبِه۪ و شهادَتِه۪ وَ بَيَّنَّا سَابقاً اَنَّ كلّ ذرّة في الوجود التكويني و التشريعي انّما يوجدُها اللّه سبحانه عنهم و لهم و قد انهي علمها اليهم في كلّ شي‌ء من الوجودين و قد جعلهم سبحانه مان۪ينَ لكلّ ما شاۤء اي مقدّرين كما تقدّم عند ذكر بعض دعاۤء شهر رجب في بيان و مناة و اذواد وجب في الحكمة الالهيّة ان يكون حسابهم عليهم و هذا بحمد اللّه لمن وفّقه اللّه لفهم ما كشفنا له من السرّ واضح ليس عليه غبار بل ضروري لاولي الابصار الذين يفرقون بتوفيق اللّه بين الليل و النهار و ذلك لبيانهم لهذا المعني في احاديثهم في بواطنها و في ظواهرها الاخبار عنه كثير فمنه ما في الكافي عن الباقر عليه السلام اذا كان يوم القيمة و جمع اللّه الاولين و الٰاخرين لفصل الخطاب دُعِيَ رسول اللّه (ص‌) و اميرالمؤمنين (ع‌) فيُكسٰي رسول اللّه (ص‌) حلّة خضراۤء تضيۤ‌ء ما بين المشرق و المغرب و يكسي عليّ (ع‌) مثلها و يكسي رسول اللّه (ص‌) حلّةً ورديّة يضيۤ‌ء لها ما بين المشرق و المغرب و يكسي عليّ (ع‌) مثلها ثم يصعدان عندها ثم يُدعَي بنا فيدفع الينا حساب النّاس و نحن واللّهِ ندخل اهلَ الجنةِ الجنّةَ و اهلَ النارِ النارَ و عن الكاظم عليه السلام الينا اياب هذا الخلق و علينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم و بين اللّه عز و جل حتمنا علي اللّه في تركه لنا فاجابَنا الي ذلك و ما كان بينهم و بين الناس استوهبناه منهم و اجابوا الي ذلك و عوّضهم اللّه عز و جلّ و في الامالي عن الصادق عليه السلام قال اذا كان يوم القيمة وكّلنا اللّه بحساب شيعتنا فما كان للّهِ سألنا اللّٰهَ ان يهبه لنا فهو لهم و ما كان لنا فهو لهم اقول و الاحاديث في هذا المعني متكثّرة و انّهم عليهم السلام اليهم يرجع حكم الٰاخرة كما يرجع حكم الدنيا و قد دل عليه العقل السليم و النقل في الكتاب العزيز ورد في تأويل قوله تعالي و اليه يرجع الامر كلّه ما معناه ان الضمير في اليه للولي و الضمير في فاعبده للّه سبحانه و معني ذكر عبادته تعالي بعد ذكر رجوع الامر كله الي الولي عليه السلام ان المراد فاعبد اللّه بهذا الاعتقاد و هذه المعرفة لان ذلك افضل عبادةِ اللّه تعالي و اشرفها و احبّها اليه فانه جل و علا يقبلها من العبد الأتي علي ما هو عليه و روي الفقيه ابوالحسن محمد بن احمد بن علي بن الحسين بن شاذان رحمه الله في كتابه الذي جمع فيه مائة منقبة و فضيلة لاهل البيت عليهم السلام كلها من طرق العاۤمّة باسناده الي الحارث و سعد بن قيس عن علي بن ابي‌طالب (ع‌) قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انا واردكم علي الحوض و انت يا علي الساقي و الحسن الراۤئد و الحسين الٰامِر و علي بن الحسين الفارط و محمد بن علي الناشر و جعفر بن محمد الَسائق و موسي بن جعفر محصي المحبّين و المبغضين و قامع المنافقين و علي بن موسي الرضا منير المؤمنين و محمد بن علي منزل اهل الجنّة في درجاتهم و علي بن محمد خطيب الشيعة و مزوّجهم الحورالعين و الحسن بن علي سراج اهل الجنّة يستضيۤئون به و الهادي شفيعهم يوم القيمة حيث لايأذن اللّه الا لمن يشاۤء و يرضي و باسناده قال حدثنا محمد بن عبداللّه بن عمر بن الخطّاب قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لعلي بن ابي‌طالب (ع‌) يا علي انا نذير امّتي و انت هاديها و الحسن قائدها و الحسين ساقيها و علي بن الحسين جامعها و محمد بن علي عارفها و جعفر بن محمد كاتبها و موسي بن جعفر محصيها و علي بن موسي الرضا معبّرها و مُنجيها و طارد مبغضيها و مُدني مؤمنيها و محمد بن علي قاۤئمها و ساقيها و علي بن محمد ساۤئِرها و عالمها و الحسن بن علي الهادي ناديها و معطيها و القاۤئم الخلف ساقيها و مناشدها انّ في ذلك لٰاياتٍ للمتوسّمين ،
اقول ما دل عليه هذان الخبران و غيرهما مما يوهم اختصاص كلّ واحد منهم عليهم السلام بشي‌ء من انواع الحساب و المجازاة و الاعمال ليس لعدم صلوحه لغيره و عدم احاطته لان كل واحد منهم يقوم بكل شي‌ء لانه الهيكل الاعلي و القلب الواسع في قوله تعالي ماوسعني ارضي و لا سماۤئي و وسعني قلبُ عبدي المؤمن و لكن لمّا ظهروا في الهياكل المتعدّدَةِ مع انهم شي‌ء واحد لا كثرةَ فيه الّا من جهة تغاير المكان و الوقت و الجهة و الرتبة بنسبة بعضهم الي بعض و الّا ففي الحقيقة كما ان كمهم و كيفهم واحد كذلك هذه الاربعة بل لو قلتَ مع كمال التساوي و التعادل ان كمهم و كيفهم ايضاً مختلفان بالنسبة صدقتَ فقد روي عن الصادق عليه السلام و قد سُئِل عن الائمة (ع‌) بعضهم اعلم من بعض فقال نعم و علمهم بالحلالِ و الحرام و تفسير القرءان واحد رواها الحسن بن سليمن الحلي في مختصر بصاۤئر سعد بن عبدالله فلمّا ظهروا في الهياكل المتعدّدةِ لاختلاف المشخصات في الجملة اقتضت تلك الخصوصيّات ترجيح صفةٍ من صفاته تقتضي الحكمة اغلبيّة ظهوره بها و قد يظهر بغيرهَا لانَّ ساۤئر الصفات كلّها تقتضيها تلك الخصوصيّات ايضاً الّا انّ الترجيح لارجحية بعض المشخصات عَلَي بَعْضٍ في الجملة و الّا فكلّها عنده سواۤء لانّ حكمه عليه السلام مع باقيهم عليهم السلام ليس كحكم واحد من الناس مع الباقي لانّ المشخصات المقتضية فيهم للتعدّد ضعيفة جدّاً لشدّة الاتحاد بينهم لانهم نور واحد و عقلهم واحد و نفسهم واحدة و لهذا لايَقَعُ بَيْنهم اختلاف اصلاً لا في علم و لا اعتقاد و لا حكم و لا قول و لا عمل و لا حال من الاحوال و انما يظهرون الاختلاف لحكمةٍ يقصدونها و ذلك لشدّة وحدتهم كالذات الواحدة هي واحدة و فعلها واحد و انّما يتعدد الفعل و يختلف باختلاف المتعلقات وَ الٰاثار بخلاف ساۤئر الناس و كون بعضهم اعلم من بعض لاينافي اتّحاد ذواتهم لانهم في مقَام التساوي شي‌ء واحد و الزيادة شي‌ء آخر كالتسعة فانّها عين التسعة التي في العشرة و زيادة الواحد لاتوجب تغاير التِسعتَيْنِ فاذا عرفتَ ما ذكرناه ظهر لك ان المراد من قوله (ع‌) و اياب الخلق اليكم و حسابهم عليكم الأياب اليهم يعني الي كل واحد و كذلك الحساب لا ان المراد ان الخلق يؤبون الي بعض او بعض الخلق الي بعض و بعض الي بعضٍ آخر و لا ان حساب الخلق علي بعض منهم او بعض الخلق علي بعض و بعض علي بعضٍ آخر و ان آب البعض او الكل الي بعض منهم او حاسب البعض او الكل بعض منهم لما قلنا في ترجيح بعض الصفات باعتبار المتعلّق لانّ الواحد منهم عين الكل و البعض نفس البعض الٰاخر و كل واحد منهم عليهم السلام علّة تاۤمّة لجميع الخلق اذ لا كثرة فيهم اصلاً لانهم نور واحد فلو قال كل واحدٍ منهم اياب الخلق اليّ و حسابهم عَلَيّ لكان قوله صدقاً بل حقّاً ثم اذا قلنا لك ان اياب الخلق اليهم نريد به ان كل فردٍ من جميع من سواهم من جماد و نبات و حيوان متوجّه في سيره اليهم لانهم باب اللّه سبحانه وَ ذلك كالاشعة من السراج فان كل جزءٍ متوجّه الي الشعلة المضيئة التي هي وجه النار الغاۤئبة التي لاتدرك و ليس لها تحقّق و لا وجودٌ الّا بذلك التوجّه لانّ الشعلة التي هي وجه النار الغاۤئبة تمد الاشعة بما به بقاۤؤها فكذلك ساۤئر الخلق فانهم عليهم السلام يمدونهم بما به بقاۤؤهم لانهم عليهم السلام وجه اللّهِ الغاۤئب عن ادراك الابصار و كذلك اذا قلنا ان عليهم حسابهم نريد ان كلّ فرد من الخلق من جماد و نبات و حيوان حسابه عليهم لانه تنقّلاتُه في الاياب اليهم حتّي انّك لتحاسب نفسك عن شي‌ء ما او يحاسبُك مثلك كذلك و لو كشف لك رأيت الذي يحاسبُك الوليّ باذن اللّه الخاۤصّة و هو تأويل قوله تعالي و لقد خلقنا الانسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن اقرب اليه من حبل الوريد اذ يتلقّي المتلقّيان عن اليمين و عن الشمال قعيد مايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد و بالجملة فهنا اسرار لاتسعها الدفاتر و لا تكاد تميّزها الخواطر .
قال عليه السلام : و فصل الخطاب عندكم و آيات اللّٰه لديكم و عزاۤئمه فيكم ،
قال الشارح (ره‌) و فصل الخطاب عندكم اي الخطاب الذي يفصل به بين الحق و الباطل كما كان لاميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه في الوقاۤئع و الاحكام فانه كان يحكم في كل واقعةٍ بخلاف حكمه في الٰاخرة و روي عنهم انّ للّه تبارك و تعالي في كل واقعة حكماً خاۤصّاً بها و سيجي‌ء بعضها و يمكن التعميم بحيث يشمل جميع المساۤئل فانّه كان لهم في كل مسئلةٍ دليلاً قطعيّاً يفرق بين الحق و الباطل كما يظهر من الاخبار و آيات اللّه لديكم و هي اما المعجزات التي اعطيت جميع الانبياۤء (ع‌) و غيرها التي كانت بايديهم و يظهرونها بحسب المصالح او الٰايات القرءانية كما انزلت مع تفاسيرها و محل نزولها و ناسخها و منسوخها و غير ذلك او الاعم لو لم‌ندخل الٰايات في المعجزات و الّا فكل آية بما فيها من الحقاۤئق الكثيرة تدلّ علي انها من اللّه تعالي و علي صدق من ارسل اليه و من يبيّنها و كتب العاۤمّة و الخاۤصّة مشحونة بذكر معجزاتهم مع ان ما وصل الينا بالنظر الي ما لم‌يصل الينا باعتبار حرق كتبنا كالقطرة بالنظر الي البحر و كذا ما اظهروه بالنظر الي ما لم‌يظهِرُوهُ و عزاۤئمه فيكم اي الجدّ و الصّبر و الصدع بالحقّ او كنتم تأخذون بالعزاۤئم دون الرّخص او الواجبات اللازمة غير المرخّص في تركها من الاعتقاد بامامتهم و عصمتهم و وجوب متابعتهم و موالاتهم بالٰايات و الاخبار المواترة او الاقسام التي اقسم اللّه تعالي بها كالشمس و القمر و الضحي بكم او لكم او السور العزاۤئم او آياتها نزلت فيكم او قبول الواجبات اللّازمة بمتابعتكم او الوفا بالمواثيق و العهود الالهيّة في متابعتكم انتهي .
اقول فصل الخطاب الفَصل بين اثنين و الخطاب توجيه الكلام نحو الغير للافهام و قد ينقل الي الكلام الموجّه نحو الغير و قيل فصل الخطاب هو فصل الخصام بتمييز الحقّ عن الباطل و قيل الكلام المفْصول الّذي لايشتَبِهُ علي السَّامِع و روي في عيون‌الاخبار عن الرّضا عليه السلام انّه معرفة اللُّغَاتِ و في الجوامع عن عليّ عليه السلام هو قول البَيِّنة عَلي المُدَّع۪ي و اليمين علي المدّعَي عليه و في الكشاف و قيل للكلام البيّن فصل بمعني المفصول كضرب الامير لانّهم قالوا كلام ملتبس و في كلامه لبس و الملتبس المختلط فقيل في نقيضه فصل اي مفصول بعضه من بعضٍ فمعني فصل الخطاب البيّن من الكلام الملخّص الّذي يتبيَّنهُ من يخاطب به لايلتبس عليه و من فصل الخطاب و ملخّصه اَن لايخطي صاحبه مظاۤنّ الفصل و الوصل فلايقف في كلمة الشهادة علي المستثني منه و لايتلو قولَه فويل للمصلّين الّا موصولاً بما بعده و لا و اللّهُ يعلم و انتم حتّي يصله بقوله لاتعلمون و نحو ذلك و كذلك مظاۤنّ العطف و تركه و الاضمار و الاظهار و الحذف و التكرار و ان شئت كان الفصل بمعني الفاصل كالصوم و الزور و اردتَ بفصلِ الخطاب الفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الصحيح و الفاسد و الحقّ و الباطل و الصواب و الخطاۤء و هو كلامه في القضايا و الحكومات و تدابير الملك و المشورات و عن علي بن ابي‌طالب (ع‌) هو قوله البيّنة علي المدّعي و اليمين علي المدّعَي عليه و هو من الفصل بين الحقّ و الباطل و يدخل فيه قول بعضهم امّا بعد لانه يفتتح اذا تكلّم في الامر الذي له شأن بذكر اللّه و تحميده فاذا اراد اَنْ يخرج الي الغرض المسوق اليه فصل بينه و بين ذكر اللّهِ بقوله اما بعد و يجوز ان يراد بالخطابِ القصدُ الذي ليس فيه اختصار مخلّ و لا اشباع مملّ و منه ما جاۤء في صفة كلام رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فصْلٌ لا نزْرٌ و لا هَذْر انتهي .
اقول جميع ما نقل في معني فصل الخطاب صحيح عندي لا ريب فيه لكن له معانٍ ظاهرة و معان باطنة فالظاهرة كما ذكر من الفصل بين شيئين من الكلام عند الانتقال من الكلام الاوّل الي الثاني سواۤء كان باَمَّا بعدُ و بعدُ اَمْ لا و الباطنة علي انحاۤءٍ متعدّدةٍ منها ما روي انه قال اميرالمؤمنين عليه السلام البّينة علي المدّعي و اليمين علي المدّعي عليه فانّ معناه يفصل بين الحقّ و الباطل لان المعني علي ظاهره انّ خطاب المدّعي للمدّعي عليه بطلب ما يدّعيه و انكار المدعي عليه لذلك متلازمان علي الثبوت و النفي فيفصل هذا الحكم بين هذين المتلازمين و هو خطابُ كُلٍّ منهما للٰاخر و علي انّه معرفة اللغات انه معرفة المراد منها امّا بترجمة اللغة بلغةٍ يفهمُها من يوجّه الخطاب اليه من لغته او غيرها ممّا يفهمها او معرفة حال ذلك الخطاب و هو ترجمة ذلك الخطاب بخطاب يكون صدقاً بمطابَقته للواقع اوْ حقّاً بمطابقة الواقع لَهُ سَواۤء كان الوَاقِع واقعيّاً وجوديّاً او شرعيّاً مثلا انّهُ عَلي قول اميرالمؤمنين عليه السلام اَنَّ خِطابَ المدّعي طلب الشي‌ء و المنكر ينفيه و حال الخطاب فيهما الصَّادق المطابق للواقع الوجودي اَوِ الشّرعِي هو ما يقتضي ايراد البيّنة من المدّعي لاثبات طلبه و ايقاع اليمين منَ المنكِر عندَ عدمِ بيّنةِ المدّعي لنفي دعواه و البيّنة المقبولة من المدّعي او اليمين مِنَ الْمنكِرِ ترجمتا تلك الحال و الحاكم هو العارف بهذه اللغات فاِنْ توفّرت دواعي النور كان الواقعي الوجودي و الّا كان الشرعي و علي انه فصل الخصام فالمراد به ما هو اعمّ من الدعاوي فيدخل فيه ما اختُلف فيه انه حقّ او باطل كما في قوله تعالي هذان خصمان اختصَمُوا في ربّهم و المميّز للحقّ من الباطل بالحجة او بانقطاع الباطل او سلطانه او بظهور الحقّ او بقتْل القاۤئلين بالباطلِ جميعاً وَ اَمْثال ذلك هو فصل الخطاب المميّز بين الحقّ و الباطل و كلّ ما كان بهم او منهم او عنهم ممّا اشير الي ذكره في مقام الابواب بل و ما فوقه و ما تحته ممّا لهم من امرٍ و نهيٍ و صنع و تقديرٍ في كُلّ شي‌ءٍ فهو من فصل الخطاب الذي عندهم لانّه قولهم عن اللّهِ و باللّهِ او هو قول اللّهِ الحقّ انّه لقول فصل و ما هو بالهزل اي انّه لقولٌ هُوَ فصل الخطاب فان كان بلفظٍ من اللفظ المعروف فهو الظاهر المشار اليه و ان كان بلفظٍ من اللفظ الذي لم‌يكن مركّباً من الحروف الهجاۤئيّة و انما هو من الحروف الكونيّة علي اي نحو كان فهو الباطن .
و قول الشارح (ره‌) فانه يعني اميرالمؤمنين عليه السلام كان يحكم في كل واقعة بخلافِ حكمه في الٰاخرة مدخول لانه ان اراد بقوله بخلاف مطلق المغايرة او بعكس الحكمِ لم‌يصح معناه لانه ان اراد بالٰاخرة هي الواقعة الاولي من غير اختلاف لم‌يصحّ مثل ذلك لان هذا خلاف الصواب كيف و قد روي عنه عليه السلام انه قال ما معناه لو سألتني عن مسئلة و سألتني عنها بعد سنة لم‌احكم فيها الّا بما حكمتُ فيها اَوّلاً و ان اختلفت الواقعتان و لو باختلاف موضوعها او محمولها او وقتها او غير ذلك مما يوجب تغيير متعلّق الحكم و لو بشي‌ء ما وجب تغيير الحكم و ليس في مثلِ هذا عظيم امرٍ يصلح دليلاً لكون كلامه يفصل به الخطاب لتمييز الخطأ و الصّواب و ان كانت جميع احكامه كذلك لكن لايقال اِنّ كلامه يفصل بين الحق وَ الباطل لانّ له في كل واقعةٍ حكماً غير حكم الاخري نعم يقال ان له في كل واقعةٍ حكماً يفصل به بين الحق و الباطل لا ان له حكماً فيها مخالفاً لحكمه في الاخري .
و قول الشارح (ره‌) في بيان قوله عليه السلام و آياتُ اللّهِ لدَيْكم و كذا في قوله عليه السلام و عزاۤئمه فيكم صحيح متين و ان كان علي ما سلكنا في هذا الشرح يكون ما ذكره ظاهريّاً و هذا يفهم ممّا ذكرناه مراراً و نحن نشير الي شي‌ء يكون اصلاً لكلامه و ان كنّا ذكرناه سابقاً فنقول قوله (ع‌) و آياتُ اللّهِ يعني بها المعجزات الّتي اجراها عَلٰي اَيْدي اَنْبياۤئه عليهم السلام مُصَدِّقَةً لدعويٰهُمْ و الّتي لم‌يظهرها لاحدٍ من الانبياۤء و اجراها لهم و جعلهم يتصرّفون في الوجود كيف شاۤؤا بل ورد عنهم عليهم السلام اذا شئنا شاۤء اللّه و ذلكَ من اثر ما آتيٰهم اللّه من الاسْم الاكبر الذي لاتسعه الارضُ و لا السّماۤءُ لِاَنَّهُ هو الاسم الَّذي استوي به الرحمن علي العرش فصار العرش غيباً فيه فاعطي ذلك الاسمُ باللّهِ كلّ ذي حقٍّ حقّه و ساقَ باِذْنِه الي كلِّ مخلُوقٍ رزقهُ و هو مقامه الاعلي الذي لا فرق بينه و بينه الّا انه عبدهُ و خلقه و هو علّة اقتضاۤء ذواتهم عند ميلها الي شي‌ء من الاشياۤء انفعاله بما شاۤءت كيف شاۤءت و ان كان خارقاً للعَادة لان الجاري علي العادة انّما تسهّل صدوره علي النفوس لانسِها بوقوعه بتوفّر اسبابه و الخارق للعادة انّما استصعبت النفوس صدوره لعدم امكان اَسْبَابِه۪ عَادةً فاذا كانت الذاتُ كاملةً بقابليّتها او بمُتَمّمٍ لاقتضاۤئها سببيّة ذلك بحيث تكون بما فيها تاۤمّةً للعلّيّة الموجبة لصدوره كان وقوع ذلك الشي‌ء من المعتاد و دلّ وقوعه علي كمال مُقتضي ذلك كمالاً خارجاً عن ابناۤء ذلك النوع و علي ان ذلك لو كان من نفس ذلك المقتضي لماكان من ابناۤء ذلك النوع لعدم تجويز وقوع مثل ذلك مِنْ شخص من ابناۤء ذلك النوع فلما وقع من ذلك الشخص امرٌ خارِق لايمكنُ وقوعُه من مثله من ابناۤء جنسِه دلّ علي انّ ذلك ليس من فعله بنفسِه۪ وَ انّما هو من فعل اللّه سبحانه تصديقاً لذٰلك الشخص فيما يدَّع۪يه لانه سبحانَه اذا اراد من عباده شيئاً من التكاليف لا بُدّ من تعريفهم و لايمكن علي مقتضي الحكمة في الخلق الّا بواسطة من هو من جنسهم و لولا ذلك الامر الخارق للعادة لماحصل فرق بين المحق و المبطل و لايجوز اجراۤؤه علي يد المبطل لان ذلك تفويت للغَرض المطلوب و ذلك الكمال المقتضي لما ذكر لو جاز ان يوضع في محلٍّ لايكون صالحاً له لكانت افعاله جارية علي خلاف الحكمة و يلزم منه بطلان التكاليف و النظام بل يجب ان يكون المحلّ مجانساً للحال كما قال تعالي اللّه اعلم حيثُ يجعل رسالَته ، فٰايات اللّه التي هي المعجزات اظهرهَا بِهمْ لانبياۤئه عليهم السلام لتصديقهم في اظهار امر ولايتهم اوْ لهم لاعلاۤء كلمتهم و تأسيس مداۤئحهم الّتي تُتلي باَلْسِنَةِ اعمالِ الخلاۤئق و حركات اجسامهم و نفوسهم و عقولهم بنشر الثناۤء عليهم فتكون لديهم لانّها صفاتهم و آثار افعالهم بل مظاهرهم و صور افعالهم و امثالهم و هي آياتهم و صورهم قال علي عليه السلام في بيان معرفته بالنورانيّة بعد كلام طويل و صار محمّد صاحب الجمع و صرتُ انا صاحب النشر و صار محمد صاحب الجنّة و صرتُ انا صاحب النار اقول لها خذي هذا ( وَ ذَري هذا ظ ) و صار محمد صاحب الرجفة و صرتُ انا صاحب العدّة و انا صاحب اللوح المحفوظ الهمني اللّهُ عز و جل علم ما فيه نعم يا سلمن و يا جُنْدَب و صار محمد يس و القرءان الحكيم و نۤ و القلم و طه ماانزلنا عليك القرءان لتشقي و صار محمد صاحب الدلالات و صرتُ انا صاحب الٰايات و صار محمد خاتم النبيين و صرتُ انا خاتم الوصيّين و انا الصراط المستقيم و انا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و لا احد اختلَف الّا في ولَايتي الي ان قال يا سلمٰن و يا جندب قالا لبيك يا اميرالمؤمنين قال (ع‌) انا الذي حملتُ نوحاً في السفينة بامر ربّي و انا الذي اخرجتُ يونس من بطن الحوت باذن ربي و انا الذي جاوزتُ موسي ابن عمران باذن ربّي و انا الذي اخرجتُ ابراهيم من النار باذْن ربّي الي ان قال و انا عذاب يوم الظلّة و انا المنادي من مكان قريب قد سمعها قد سمعها اي الصيحة اشارة الي قوله تع يوم يسمعون الصيحة بالحق ، ١٢ .
الثقلان الجن و الانس و فهمه قوم انّي لَاُسْمِعُ كلَّ قومٍ الجبّارين و المنافقين بلغاتهم و انا الخِضر عالم موسي و انا معلّم سليمن و داود و انا ذوالقرنين الي ان قال و انا تكلّمت علي لسان عيسي بن مريم في المهد و انا آدم و انا نوح و انا ابراهيم و انا موسي و انا عيسي و انا محمّد انتقلتُ في الصور كيف اشاۤء مَن رءاني فقد رءاهم و من رءاهم فقد رءاۤني و لو ظهرتُ للناس في صورةٍ واحدةٍ لهلكَ فِيَّ الناس و قالوا هو لايزول و لايتغيّر و انّما انا عبد من عباد اللّه لاتسمّونا ارباباً و قولوا في فضلنا ما شئتم فانكم لم‌تبلغوا كنهَ ما جعله اللّه لنا و لا معشار العشر لانّا آياتُ اللّهِ و دلاۤئله و حجج اللّهِ و خلفاۤؤه و امناۤء اللّه و ائمّتهُ و وجه اللّه و عين اللّهِ و لسان اللّهِ بنا يعذّب اللّه عباده و بنا يثيبُ و من بين خلقه طَهّرنا و اختارنا و اصْطفانا و لو قال قاۤئل لمَ و كيف و فيم لكفر لانه لايُسئل عما يفعل و هم يسئلون يا سلمن و يا جندب قالا لبّيك يا اميرالمؤمنين (ع‌) قال (ع‌) مَن آمن بما قلتُ و صدّقَ بما بيّنتُ و فسّرتُ و شرحتُ و اوضحتُ و نوّرتُ و برهنتُ فهو مؤمن ممتحنٌ امتحن اللّهُ قلبه للايمان و شرح صدره للاسلام و هو عارف مستبصر قد انتهي و بلغ و كمل و من شك و عَنِد و جحد و وقف و تحيّر و ارتاب فهو مقصّر و ناصب يا سلمن و يا جندب قالَا لبّيك يا اميرالمؤمنين قال (ع‌) انا احيي و اميتُ باذن ربّي و انا انبّئكم بما تأكلون و ما تدّخرون في بيوتكم باذن ربّي و انا عالم بضماۤئر قلوبكم و الائمة من اولادي (ع‌) يعلمون و يفعلون هذا اذا احبّوا و ارادوا لانا كلنّا واحد اوّلنا محمد و آخرنا محمّد و اوسطنا محمد و كلّنا محمد فلاتفرقوا بيننا فانا نظهر في كل زمانٍ و وقت و اوانٍ في اي صورة شئنا باذن اللّه عزّ و جلّ كنا و نحن اذا شئنا شاۤء اللّه و اذا كرهنا كره اللّه الويل كل الويل لمن انكر فضلنا و خصوصيّتنا و ما اعطانا اللّه ربّنا لانَّ من انكر شيئاً مما اعطانا اللّه فقد انكر قدرة اللّه عز و جل الحديث .
و قول الشارح (ره‌) او الٰايات القرءانيّة لايريد باو الترديد بل المراد به معني العَطْف و كونها عندهم انّ تفاسيرها المتعددة من ظاهرٍ و ظاهرِ ظاهرٍ الي سبعةٍ و من باطنٍ و باطنِ باطنٍ الي سبعةٍ و من تأويلٍ و باطنٍ كذلك و ما يراد منها من امر و نهي و دعاۤء و ترغيب و ترهيب وَ قصص و امثال و اخبار و حدٍّ و مطلع و عبارة و اشارة و تلويح و تصريح و ايماۤء و مجمل و مبين و عام و خاصّ و ناسخ و منسوخ و ماضٍ و مستقبل و شي‌ء لشي‌ء و شي‌ء من شي‌ء و شي‌ء الي شي‌ء و شي‌ء في شي‌ء و شي‌ء بشي‌ء و شي‌ء بدل شي‌ء و حقيقة و مجاز و حقيقة بعد حقيقة و مجاز بعد مجاز و مجاز بعد حقيقة و حقيقةٍ بعد مجاز و محكم و ظاهر و متشابه و مرجوح و متساوي و ابهام و ايهام و اختبار و تعمية و فتنةٍ و مخادعةٍ و غير ذلك مما اشتملت عليه آيات القرءان عندهم لان القرءان وجه الفعل في ايجاد الاشياۤء بخلقٍ و جعلٍ و تقديرٍ و في رواية العياشي باسناده عن حمران بن اعين عن ابي‌جعفر عليه السلام ظهر القرءان الذين نزل فيهم و بطنه الذين عملوا بمثل اعمالهم ، اقول لهذا الحديث الشريف ظاهر و باطن فالظاهر في قوله ظهر القرءان هو ان معناه ان الظاهر حكم النزول كما نزلت انّما الخمر و الميسر و الاَنْصاب و الازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحُونَ في تحريم هذه الاشياۤء و الباطن فيها انه سبحانه نهي عن اتّباع رجلٍ اعرابي و ثانٍ مثله و ثالثٍ و رابعٍ و موالاتهم و حرّمها علي كلّ مسلم و علّل ذلك بقوله انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة و البغضاۤء لمحمد و اهل بيته عليه و عليهم السلام في الخمر و الميسر و يصدّكم عن ذكر اللّه محمدٍ صلي اللّه عليه و آله كما قال تع ذكراً رسولاً و عن الصلوة ولاية علي عليه السلام و انّها لكبيرة الّا علي الخاشعين و الظاهر في قوله و بطنه الذين عملوا بمثل اعمالهم هو انّه اذا ذكر سبحانه قوم شعيب مثلاً و انهم عذّبوا بعذاب يوم الظلّة لانهم يبخسوا المكيال يريد بهم من بَخِسَ المكيال من هذه الامّة و انهم يعذبون بعذاب يوم الظلّة بمعني انه لايموت شخص من هذه الامة كان يبخس في الكيل و هو غير تائب توبة نصوحاً الّا بعذاب يوم الظلة و ان لم‌يشاهده اهل الدنيا لحكم قوله تعالي ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعَي هذا ظاهر ما اراد من هذا البطن و امّا باطنه و هو ما يدلّ عليه فهو من معناه و من دلالاته ما ذكرنا من بعض معاني الفاظه الاحد و العشرون التفسير الداۤئرة علي امور ذكرنا منها ستّة و اربعين يعني انّهم يعملون بمثل قوابلهم اي بنفس قوابلهم لاثر “٢-” القرءان “٣” حيث كانت عنه مقبولاتهم “-٢” لانّه “٣-” وجه الفعل “٤” و مقبولاتهم “-٢” اثره “٣-٢” لانّ الفعل “٤” و ان كانت شيئيّة المفعول من شيئيّته “٤-” الّا انه “٤-” لاضمحلاله “٤-” في ظهور الفاعل به “٤-” و ظهور المفعول به “٤-” كأنه “٤-” امر اعتباري بالنّسبة الي توهّم الاوهام و الي ما يظهر في لفظ معني التكوين اذا قال كن فيكون فانّ فاعل امر الفاعل هو المكوَّن “٢” لان ضمير كن يعود اليه “٢-” و ان كان كن امراً لِلّهِ تعالي فهو “٢-” ذو التحقّق و الظهور في التكوُّن عند خفاء التكوين لشدّة البساطة و المغايرة لٰاثاره “٤-٢” فلاتدركه “٤-” لانه “٤-” انّما يظهَرُ بها “٢-” بل لايكاد يعرف له “٤-” تحقّق الّا بها “٢-” و ان كان في الواقع لاتحقّقَ لها “٢-” الّا به “٤-” بل انما هي “٢” عبارة عن ظهوره “٤-” فهي “٢-” تأكيدٌ له “٤-” كمثلِ ضرْباً فانّه تأكيدٌ لِضَرَبَ فحيثُ كانت “٢” علّة مدركيّته “٤-” صحّ ان تكون باطنه “٤-” كأنَّهُ “٤-” بِدُونِها اعتبارِيّ اَوْ انّ تبيانه لكونها اي لكون هذه الامة ، ١٢ .
عاملة بمثل اعمالها او باعمالها باطنٌ لتبيانه “٣-” ما ذكر او لِاَنّ كونَ باطن ارادةِ الاوّل۪ينَ بالذكر هو ارادةُ مَنْ عَمِلَ عملهم من هذه الامّةِ اوْ انّ ايجاد هذه الامّة باطنُ ايجادِ الاوّلينَ ممن هو علي سنَنهم اوْ ان ذكرهم باطنُ ذكرِ الاوّلين كذلك او انّ المقصود هؤلاۤء بالذاتِ و اولۤئك انّما قصدوا بالعرض اِمّا لان هؤلاۤء المقصودون بالخطاب و الانذار و التبشير و ذكر اولۤئك علي جهة التمثيل كما ذكرنا بالعرض او من جهة انّ هؤلاۤء في الخير و الشر اصل اولۤئِك و ممّا يشير الي بعض ما ذكرنا ما روي عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال نزل القرءان بايَّاك اعني و اسمعي يا جارة و عنه عليه السلام قال ما عاتب اللّه فهو يعني به من قد مضي في القرءان مثل قوله و لولا ان ثبّتناك لقد كدتَ تركن اليهم شيئاً قليلاً عني بذلك غيره ، اقول ورد في هذه الٰاية اخبار كثيرة بعضها يدلّ علي ان المراد به النبي (ص‌) و بعضها المراد به غيره و الكل له وجه و تفصيل ذلك يطول و لكن اشير الي قليل منه يعرف المراد بالتعريف منه انّه (ص‌) عني بذلك لرفع التهمة عنه بانّه مفترٍ اذ لو كان مفترياً لماتهدّد نفسه و عاتبها و ليدل علي انه عبد مأمور او علي فرض المسئلة لو لم‌نجعلك معصوماً لوقع ذلك منك او لبيان وجه معذوريته فيما يفعل من اوامر اللّه او في خصوص امر الولاية او فرض ذلك فِتنة لمن يتّهمه لينطق بما اضمر او لبيان حكم العبودية عند الربوبيّة و لهذا نقل في مجمع البيان قيل لما نزلت هذه الٰاية قال النبي صلي اللّه عليه و آله اللهم لاتكلني الي نفسي طرفة عين ابداً و ما اشبه ذلك و منه انه لم‌يعن بذلك و انما هو من باب ايّاك اعني و اسمعي يا جارة كما روي و في هذا اشكال و هو ان ظاهر هذه الرواية كما تقدم انه انّما عاتبَ غيره ممن هو من المذمومين و علي هذا كيف يصح انه ثبّته اللّه لان ذلك الغير ممن خذله اللّه حتي تولّي غير ولي اللّه و يمكن ان يراد بهذا الغير ساۤئر المؤمنين من الممدوحين بل الانبياۤء عليهم السلام كما دلّت عليه النصوص و هذا الركون القليل الصادق بمجرد الميل و الالتفات لاينافي العصمة كما دلّت عليه النصوص في ابتلاۤء الانبياۤء بتردّدهم او توقّفهم في الولاية و بيان هذا التوقف قد اشرنا اليه فيما تقدّم بما لاينافي العصمة بوجه ما لانّه في الحقيقة التفاتٌ مجرّد او تنبّهٌ في التفهّم او باقتضاۤء البشريّة او مطلق القصور كما ورد انّ العقل مااكمله اللّه الا فيمن يحبّ و هو محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و آله و منه انّ المعني بذلك هو النبي صلي اللّه عليه و آله بسبب ما ضُمّ اليه من محبّيهم و شيعتهم كما قيل انّما نسي آدم عليه السلام حين عهد اللّه لما في صلبه من الذرّية الّذين شأنهم النسيان او يقع منهم النسيان و كذلك لمّا رأي ذريّته في الذرّ و رأي ابنه داود عليه السلام قصير العمر عمره اربعون سنة و استقلّه و وهبه من عمره ستّين سنة و كُتِبَ عليه كتاب بذلك و شهد عليه فيه جبريل و ميكاۤئل فلمّا حضرته الوفاة قال قد بقي من عمري ستّون سنة قالوا انت وهبتها داود فانكر ذلك و شهد عليه جبرئل و ميكاۤئل فقبض روحه ملك الموت فاِنكارُهُ لما في صلبِه۪ من ذرّ المنكرين فلمّا تحمّل صلي اللّه عليه و آله تقصيرات شيعة اهل بيته و فيهم من كاد يركن الي الذين ظلموا آل‌محمد حقهم لما فيه من اللطخ لولا ان ثبّته اللّه فخوطب صلّي اللّه عليه و آله بحالهم لتحملّه عنهم او عُنُوا بخطابه لانضمامهم اليه كذلك و عن الفضيل بن يسار قال سألتُ اباجعفر عليه السلام عن هذه الرواية ما في القرءان آية الّا و لها ظهر و بطنٌ و ما فيه حرف الّا و له حدّ و لكلّ حدٍ مطَّلع ما يعني بقوله ظهر و بطن قال ظهره تنزيله و بطنه تأويله منه ما مضي و منه ما لم‌يكن بعدُ يجري كما تجري الشمس و القمر كلما جاۤء منه وقع قال اللّه تعالي و مايعلم تأويله الا اللّه و الراسخون في العلم نحن نعلمه اقول البطن الذي هو تأويله منه ما مضي اي وقع تأويله و المراد ما ظهر في هذا العالم من المفعولات و الاحكام و ما وجد في الاعتقادات كما في تفسير قوله تعالي كلّ شي‌ء هالك الّا وجهه فان من باطنه انّ كلّ شي‌ء ضاۤلٌّ باطِلٌ دينه الّا وجهه و هو محمد و آله الطّاهرون صلي اللّهُ عليه و آله و شيعتهم فمعني الهلاك هلاكُ الدين او انّ المراد منه كلّ شي‌ءٍ ميتٌ اَوْ فانٍ الّا وجهه محمد و آله صلي اللّهُ عليه و آله فانّهم باقون ان ماتوا لم‌يموتوا و اِن قُتِلوا لم‌يُقتلُوا و لقد روي في قوله تعالي لمن الملك اليوم للّه الواحد القهّار ما معناه اَنّه اذا نفخ اسرافيل في الصور نفخة الصعق مات كلّ ذي روح و بطلت كل حركة و بقيت الافلاك ساكنة عاطلة اربعمائة سنة فينادي الجبّار جل جلاله يا ارض اين ساكنوكِ اين المتكبرون اين الجبّارون اين من اكل رزقي و عبد غيري اين الجبّارون اين الذين ادَّعوْا معي الٰهاً آخر لمن الملك اليوم فلايجيبهُ احد فيردّ علي نفسه فيقول للّه الواحد القهار و روي ثم تنطق ارواح انبياۤئه و رسله و حججه فيقولون للّه الواحد القهّار و روي عنهم عليهم السلام ما معناه نحن السّاۤئلون و نحن المجيبون و هذا و نحوه مما وجد في الاعتقادات من البطن و امّا ما لم‌يكن بعدُ من الحوادِث و الاحكام فمنه ما ينزل محتومه علي امام العصر عليه السلام في ليالي القدر و في الوقت بعد الوقت و الساعة بعد الساعة و امّا ما كان من الاعتقادات فاكثره لم‌يظهر في اهل الدنيا الي ان يقوم القاۤئم عليه السلام عجّل اللّه فرجه لانّ الناس لا يطيقونه فاذا قام عليه السلام و اشرقت الارض بنور ربّها استنارت قلوبهم و احتملوه و منه ما رواه محمد بن مسلم عن ابي‌عبداللّه عليه السلام في حديث جابلقا و جابرصا الي ان قال عليه السلام يَتْلُونَ كتاب اللّهِ عزّ و جلّ كما علّمناهُمْ وَ اَنّ ما في تَعَلُّمِهم مَا لَو تُلِيَ علي الناسِ لكفروا به و لانكروهُ ه‍ ، اقول و الحدّ الحكم و المطّلع بتشديد الطّاۤء و فتح اللّام محلّ الاطّلاع من موضع عالٍ يعني مصعَداً يصْعَد اليه مَن عَلِمَهُ و عنه عليه السلام انّ للقرءانِ ظهراً و بطناً و لبطنِه بطناً الي سبعة ابطن و عن اميرالمؤمنين عليه السلام ما من آية الا و لها اربعة معانٍ ظاهر و باطن و حدّ و مطّلَع فالظاهر التلاوة و الباطن الفهم و الحدّ هو احكام الحلال و الحرام و المطّلع هو مراد اللّهِ من العبد بها و من طريق العاۤمّة عن الصادق عليه السلام انه قال كتاب اللّه علي اربعة اشياۤء العبارة و الاشارة و اللطاۤئف و الحقاۤئق فالعبارة للعوام و الاشارة للخواۤصّ و اللطاۤئف للاولياۤء و الحقائق للانبياۤء ،
و الحاصل انّ كل شي‌ء فبيانه بكلّ ارادة في القرءان قال اللّه تعالي ماكان حديثا يفتري و لكن تصديق الذي بين يديه و تفصيل كل شي‌ءٍ و هدي و رحمة لقوم يؤمنون فقول الشارح (ره‌) فكلّ آية بما فيها من الحقاۤئق الكثيرة الخ ، يراد منه ما اشرنا اليه و كلّ ذلك عندهم او المراد بالٰايات ما اودعه اللّه سبحانه في ساۤئر خلقه من الامثال التي ضربها للخلق ممّا فيه اعتبارهم و تعليمهم و تعريفهم و جميع ما يراد منهم ممّا نصبها آية مبيّنةً مبصرةً في الٰافاقِ و في انفسِ الخلق كما قال تعالي و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الّا العالِمُون و كأيّن من آية في السموات و الارض يمرّون عليها و هم عنها معرضون و ضربنا لكم الامثال سنر۪يهم آياتنا في الٰافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحقّ و كل ذلك لديهم امّا بمعني انهم العالمون الذين يعقلونها او انّها ضُرِبَتْ لهم او انها صدرَتْ عنهم او انها آياتهم اوْ انّها آيات محامدهم و الثناۤء عليهم او انها من صفاتهم و آياتهم او انّهم المُعَرِّفون بها او الدّاۤلُّون عليها اَو المُورِدُون حياض الانتفاع بها و الذاۤئدون عَنْها اوْ انّها هُمْ و كونهم لديهم لان الشي‌ء عند نفسه ما دام هو ايّاه و يتقوّم بنفسه و يمسكه اللّه به فهو لدي نفسه ما شهدها و اذا فقدها لم‌يكن لدي نفسه و لو في الوجدان ،
و قول الشارح (ره‌) في و عزائمه فيكم صحيح مليح و لكن في بعضه اجمال يحتاج الي تفصيل و في بعضه تسامح و اقتصار و الكلام في كل كلمة يطول به المسلك زيادة عمّا سلكناه فنقتصر في ما ذكر علي ما ذكر بقي حرف اغفله كما هي عادته او مَبلغهُ و هو انه من معاني العزاۤئم هُنَا اَحْتامُهُ في الاكوان بماضي مشيّته و نافذ حكمه فيما كان و ما يكون مما انطوت عليه خزاۤئن عرشه من الخلق و الرّزقِ و الموتِ و الحيوة بمقتضي اعمالهم الشرعيّة و الكونيّة وَ اِلْزامُهُ في الاحكام التشريعيّة و هي ما توعّد علي تركها بالعقابِ لا انّها ما قابل الرخص كما يظهر من عبارة الشارح علي بعض وجوهه اذ من الرخص ما يكون عزيمة كالقصر للمسافر بل كلّ رخصةٍ نصّ اللّه عليها فقد عزم بها الّا ما اخرجَها بدليل من نصّ في كتابٍ او سُنّةٍ او دليل عقلي قطعي اوْ اجماع و لذا روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله انّ اللّه يحبّ ان يُؤخَذَ برُخَصِه۪ كما يحبّ ان يؤخذ بعزاۤئمه اوْ قال بفراۤئضه فخذوا برُخصِ اللّه و لاتشدّدُوا علي انفسكم ان بني‌اسراۤئيل لمّا شدّدوا علي انفسهم شدّد اللّه عليهم اقول و التشديد منهم ترك الرخص و منه تعالي ايجاب الاخذ بها او دليل لايجاب الاخذ بها فالعزيمة الالزام بالحكم سواء كان للاقتضاۤء او الوضع او بالرخص و سواۤء كان مطابقاً للواقعي الوجودي المتحد او الواقعي التشريعي المتعدّد ،
و امّا ما كان مطابقاً للاعتقاد مطلقاً او الرّاجح او الظَّنّ او الشك او الوهم او المرجوح او الريب او الوسوسة او النجوي او السفسطة فعلي الظاهر انّ العزيمة لاتنزل لاقتضاۤء شي‌ء منها لانّها علي الظّاهر لا حقائق لما تَعلَّقَتْ به في الواقع و ان دارَت بين ثابت و غيره امّا الاعتقاد فان كان عن علمٍ كانَ علماً و الا فهو دعوي علم و ان طابق الواقع عن غير علم او لم‌يطابق و هو معني الاطلاق في عبارتنا فلا متعلّق لها ظاهراً و امّا الراجح و الظن فان كانا ممن له الاستيضاح فهما علم لا انهما ظاهر او ظنّ قاۤئمان مقام العلم عَلَي ما حقّقناه في الفواۤئد التي كتبناها في اصول الفقه و الّا فلم‌يتحقّق متعلقهما تحقّقاً متعيّناً يصلح لانزال العزيمة و الفرق بينهما مع اشتراكهما في الرجحان ان الراجح هو ما تظهر امارات تحقّقه في نفسه بنفسه و انتفاۤء الطرف المقابل له و الظنّ تظهر امارات تحقّقه و انتفاۤء الطرف المقابل له في نفس الظاۤنّ او من خارج غير جهة المظنون و امّا الشك فهو تردّد النظر في الطرفين و انتقاله من واحد الي الٰاخر قبل استقراره و ان قوي ميله الي احدهما دون الٰاخر ما لم‌يكن ذلك الميل سبباً لزهده في ذلك لان مجرّد الميل لايخرجه عن التساوي في الجملة و ما هذا شأنه لم‌يستقرّ له متعلّق يستقرّ فيه فلاتقتضي الحكمة انزال العزيمة في مثل ذلك و لو فسّرناه بقول من جعل الشك عدم تحقّق شي‌ء او نفيه لكان عدم التحقق اولي و امّا الوهم و هو الطرف المرجوح من الظنّ و المرجوح و هو الطرف المرجوح من الراجح فاولي بعدم التحقق المقتضي لعدم تعلّق العزيمة و امّا الريب و هو احتمال الطرف المقابل للطرف المتحقّق باستقرار النظر القلبي و اطمئنانه عليه و لا تحقّق في متعلّقه اذا كان الطرف المتحقق عن علمٍ او لاحِقاً بالعلم كظن المستوضح بادلّة الحق و ترجيحه و لو كان الطرف المتحقّق عن اعتقاد بغير علم او عن علم و انس نظره بذلكَ الريب فهو اوّل مبادي الشّك و لايزيد في كل احواله عن الشك و في الحديث النبوي عنه صلي اللّه عليه و آله لاترتابوا فتشكّوا و لاتشكّوا فتكفروا ،
و امّا الوسوسة فهو ان يلتفت النظر الي الطرف المقابل للحقّ او الي ما نُهي عن الالتفات اليه غير مريدٍ للالتفات و لا مُحِبّاً له و انّما ذلك لانه عوَّد نفسَهُ بالالتفات الي مثل ذلك من خدع الشّيطان بواسطة الغفلة عن ذكر اللّه تعالي فتبعثُ النفس نظرها الي ذلك بما تعوّدته مما علّمها الشيطان و علامة هذا انه اذا وقع ذلك منه تضجّر و تأوّهَ و تألّم لانه لايحبّ وقوعه منه و لهذا قال صلي اللّه عليه و آله لمن وقع منه ذلك التأوّه لاجل ما وقع منه ذلك محض الايمان و متعلّق هذا ايضاً كذلك لايعزم علي المكلّف به لعدم تحقّقه بل قد يعزم عليه باعتقاد عدم تحقّقه و عدم ضرره و لهذا قال صلي اللّه عليه و آله رُفع عن امّتي تسعة الخطأ و النسيان و ما اُكرِهوا عليه و ما لايعلمون و ما لايطيقون و ما اضطُرّوا اليه و الحسد و الطيَرَة و التفكّر في الوسوسة و في الخلق ما لم‌ينطق بشفةٍ اقول قوله صلي اللّه عليه و آله و التفكّر في الوسوسة يريد به ما كان في اللّه تعالي اذا تفكر فيما لايجوز عليه تعالي كما تفكّر الرجل الذي اتاه (ص‌) فقال يا رسول اللّه هلكتُ فقال له هل اتاك الخبيثُ فقال لك من خلَقك فقلتَ اللّه تعالي فقال لك اللّهُ من خلقه فقال له اي و الذي بعثك بالحق لكان كذا فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ذاك واللّهِ محض الايمان قال ابن ابي‌عمير فحدّثتُ بذلك عبدالرحمن بن الحجّاج فقال حدّثني ابي عن ابي‌عبداللّه عليه السلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انما عني بقوله هذا واللّه محض الايمان خوفه ان يكون قد هلك حيثُ عرض ذلك في قلبه انتهي ، و قوله و في الخلق اذا ظَنّ خلاف مقتضي الشرع في احدٍ اذا لم‌يتكلّم به و كان ذلك ايضاً وسوسةً بغير تعمّد و قصدٍ ،
و امّا النّجوي فهو ان يذكّره الشيطان شيئاً ينافي الحق او المحبّة في اليقظة او في النوم و ربّما استجرّه الي ما يناسبه فيذكّره القاۤئل به و ربّما قادَهُ الي انه لو كان القاۤئل كيف كان يكون فيدخل همّاً من ذلك عليه و ربّما يكون ذلك الهمّ شاغلاً عن حظّه من ذكر اللّه و ربّما يكون منشأ للوسوسة فمثال ما ينافي الحقّ كأن يذكّره ولاية الغير و يستجرّه الي ان تلك ولاية تدعو الي النار لمناسبتها لدخول النار ثم يذكّره فلاناً الذي تولي ذلك الامام الضاۤلّ المضلّ و يقوده الي ان يفرض نفسه لو كان هو المتولّي فيدخل عليه من ذلك همّاً يشغله عن ذكر اللّه و ممّا ينافي المحبّة مثلاً انه اذا كان يقرأ في قوله تعالي و لكن تعمي القلوب الّتي في الصدور يسبّب له سبباً حتي يمسّ صدره عند قرائة هذه الٰاية فيذكّره انّ ذلك المس قد يكون سبباً لان يدخل قلبه في اطلاق هذه الٰاية فيدخل عليه من ذلك حزناً يشغله عن ذكر اللّه و في النوم كما يصوّر له ما ينافي الحق او محبّته بحيث يحزنه كذلك قال اللّه تعالي انّما النجوي من الشيطان ليحزن الّذين آمنوا و ليس بضاۤرّهم شيئاً اِلّا باذن اللّٰهِ و علي اللّٰهِ فليتوكّل المؤمنون يعني بان يذكر اللّه كما تقدّم سابقاً و يعتقد انّ ذلك لايضرّه الّا اَن يشاۤء اللّه فيستريح من ذلك الهم و الحزن فيذهب عنه طاۤئف الشيطان و هذه النجوي بجميع انواعها لاتحقق لمتعلقها فلا عزيمة فيها و الفرق بين النجوي و الوسوسة ان النجوي يقدر المكلّف علي الخروج عنها ما لم‌تعتد نفسه بها فتكون من الوسوسة لانّ الوسوسة بسبب اعتياد النفس بها لايكاد يتمكّن من تركها لظهور الشيطان في النفس التي تعوّدَتْ بذلك حتّي ملكَ قيادَها فهو يأمرها و ينهاها فهي تطيعه كارهة لهُ و لطاعتِه۪ ،
وَ امَّا السّفسطة فهو اعتقاد انّ كلّ ما يمكن موجود او يجوز ان يوجد في عالم الاَجْسَام علي جهة التمايز و لا تزاحم بين شي‌ء منها بحيث يكون الف جَبلٍ مَثلاً كلّ واحدٍ منها طوله خمسة فَراسخ و عَرْضُهُ فرسخ قد حلّت كلّها في بيت حيوانٍ اصغر من النملة فلمّا كانت تلك الجبال الجسمانية في هذه المحلّ الصغير الجسماني بقي منه مكان يسع اجرام السموات و الارض و يدخل ذلك الحيوان في بيته و لايحسّ بشي‌ء من تلك و هي اجسام محسوسة في مكان محسوس وَ لَا شَكَّ اَنَّ هذه لاتَحقُّقَ لشي‌ءٍ مِنْهَا فلايَعْزِمُ فيها فهذا الكلام و مثله في هذه الاشياۤءِ المذكورة عَلَي الظّاهِرِ ،
و امّا علي جهة البَاطِنِ فَكُلُّ شي‌ءٍ من هذِه۪ الاُمورِ فلَهٰا تحقّقاتٌ لكلٍّ بنسبته فكما انّ المعلوم متحقّق كذلك المعتقَد بفتح القافِ و الرّاجح و المظنون و المشكوك و الموهوم و المرجوح و المستراب فيه او به و الموسوس فيه و المناجَي فيه او به و المسفسط فيه فانّ لكلٍّ تحقّقاً في محلّه و كذلك فعل فاعله و كذلك حكم فاعلها معها و حكم فعله لها و حكم ما يترتّب فيها من التكوينات بحسب ملاۤئكتها او شياطينها و حكم ثوابها او عقابها او عدم المؤاخذة بها و التأثر بها و عدمه كمّاً و كيفاً في الوجود و شرعه و في الشرع و وجوده فَتَجري عزاۤئمه سبحانه فيما توفّرت قوابله و اسبابه منها بما احبَّ منها و كرِهَ في تمكينها و تكوينها و كلّ ذلك عندهم كما دلت عليه رواية محمد بن سنان و غيرها كما تقدم عن ابي‌جعفر عليه السلام في قوله ثم خلق محمداً و علياً و فاطمة فمكثوا الف دهر ثم خلق الاشياۤء و اشهدهم خلقها و اجري عليها طاعتهم و جَعَل فيهم ما شاۤء و فوّض امر الاشياۤء اليهم في الحكم و التصرف و الارشاد و الامر و النهي في الخلق لانهم الولاة فلهم الامر و الولاية و الهداية فهم ابوابهُ و نوّابه و حُجّابه الحديث .