00-02-02 شرح الزیارة الجامعة الکبیرة – المجلد الثانی – مقابله الجزء الثانی

 

شرح الزیارة  الجامعة الکبیرة

 

من مصنفات

الشیخ الاجل الاوحد الشیخ

احمد بن زین الدین الاحسائی

 

 

المجلد الثانی – الجزء الثانی

 

قال عليه السلام : و نوره و برهانه عندكم و امره اليكم ،
قال الشارح (ره‌) و نوره من العلوم و الحقاۤئق و الهدايات و برهانه من الدلاۤئل و المعجزات عندكم و امره من الامامة و اظهار العلوم اليكم كما روي في الاخبار ان الواجب عليكم ان تسئلوا و لم‌يجب علينا ان نجيبَكم كما قال اللّه تعالي هذا عطاۤؤنا فامنن اوْ امسك بغير حسابٍ و الظاهر انه في غير الواجبات او التقيّة التي خصّهم اللّٰهُ و شيعتهم بها او يكون من خصاۤئِصهم و لذلك يسمّون باولي الامر او يكون المراد بالامر الفعْل بان يكونوا ناۤئبين عن اللّه تبارك و تعالي في الشريعة بحسب ما تقتضيه عقولهم المقدّسة كما يظهر من الاخبار الكثيرة الواردة في التفويض الي النبي و الائمّة صلوات اللّهِ عليهم او يعم الفعل بالدعوات او بالتفويض كما يكون للملاۤئكة و يظهر من الاخبار الكثيرة لكن منع الاصحاب من روايتها و العمل بها لئلّايؤدي الي القول بالُوهيّتهم كما وَقَع لبعض الناقصين من الغلاة كما ورد النّهي عن النجوم لذلك كما سيجيۤئ انتهي .
اقول النور قيل هو كيفيّة ظاهرة بنفسها مظهرة لغيرِها و تلك امّا من ذات الشي‌ء كالشمس اَو من غيره كالجدار المستنير بنور الشمس و الظلمة قال محقّقوا المتكلمين و المشّاۤؤن من الفلاسفة انها عدم الضوء عمّا من شأنه ان يكون مضيئاً فهي تقابل النور تقابل العدم للملكة و قال قوم انها كيفيّة وجوديّة فهي تقابل النور تقابل التضاۤدّ و قال ابن ابي‌جمهور في المجلي و امّا اهل الباطن و الاشارات فقالوا ان كان في الوجود ما لايحتاج الي تعريف و شرح فهو الظاهر الجلي في نفسه المظهر لغيره و لا شي‌ء في الوجود اظهر من النور فلا شي‌ء اغني منه عن التعريف فالنور هو الظهور و ذلك امّا لذوات قائمة بنفسها كالعقول و النفوس او هيئات نورانيّة قائمة بالغير روحانياً و لمّا كان الوجود بالنسبة الي العدم كنسبة الظهور الي الخفاۤء و النور الي الظلمة كانت الموجودات من حيث خروجها من العدم الي الوجود كالخروج من الخفاۤء الي الظهور و الظلمة الي النور فيكون الوجود كله نوراً و العدم كلّه ظلمة و النور و الضوء عندهم واحد و ينقسم الي ما هو نورٌ و ضوء في نفسه و الي ما ليس بنورٍ في حقيقة نفسِه۪ و الاول ينقسم الي ما هو ليس بهيئةٍ لغيره بل قائماً بنفسِه و تسمّي بالانوار المجرّدة و النور المحض و الانوار الالهيّة كالعقول و النفوس و الي ما يقوم بغيره و يكون هيئةً عارضةً له و يُسمّي الانوار العرضيّة و هي ما لاتقوم بذاتها بل يفتقر الي محلّ تقوم به سواء كان محلها الانوار المجرّدة او الاجسام و تسمّي بالهيئة و النور العارض و الثاني و هو ما ليس بنور في حقيقة نفسه ينقسم الي مستغن عن المحل و هو الغاسق اعني الجوهر الجسماني المظلم في ذاته من حيث جسميّته فانه مظلم لا نور فيه و الي ما هو محتاج الي المحلِّ فهو هيئة لغيره و هو الهيئة الظلمانيّة و هي المقولات التسع العرضيّة فليست الظلمة الّا عدم الضوء و النور حسب علي ما هو رأي الاشراقيين من الحكماۤء و ليست الظلمة من الاعدام التي يشترط فيها امكان الاتّصاف بالضوء كما هو رأي المشاۤئين و محقّقي المتكلمين فانّهم قالوا انّها عدم الضوء عن محلٍّ يمكن اتّصافه بالنّور و لهذا لم‌يكن الهواۤء عندهم مظلِماً لامتناع قبوله النور لشفيفه و عند الاشراقيّين هو مظلم لانّه ليس بمضي‌ء و تمسّك الاوّلون بالعرف و يكذّب ادّعاۤء العرف انّ من كان سليم البَصر و فتح عينيه في الليلة الظّلماۤء و لم‌ير شيئاً سمّي ما عنده ظلمةً جداراً كان او هواۤءً او غيرهما انتهي .
اقول ما ذكره الفريقان في حقيقة النور و الظلمة مدخول يرد عليهم المنع في كثير ممّا قالوا نعم يمكن تصحيح ذلك او بعضه بالبناۤء علي الظاهر و امّا اذا بني الامر علي ما هو الواقع كما يحكم دليل الحكمة به فيتبيّن الخلل العظيم كقول الاوّلين الظلمة عدم الضوء بزعمهم انها ليست شيئاً لانّها عدم و كيف ذلك و اللّه سبحانه خلقها و امّا الٰاخرون القاۤئلون بانها كيفيّة وجوديّة فاصابوا في كونها وجوديّة و هي كيفيّةٌ علي بعض الوجوه لا في كلّ حالٍ و قول اهل الباطن و لا شي‌ء في الوجود اظهر من النور فيه انّ الوجود اظهر منه و اذا لم‌تلحظ الظهور الظاهري الذي عند العوام و انّما تنظر بعين الحقيقة رأيتَ جميع افراد الوجود متساوية في الظهور فان النور كما يظهر بنفسه فالظلمة تظهر بنفسها و كما يظهر النور غيره كذلك تحجبه الظلمة فالفعلان في نفسيهما سواۤء و المظهر و المحجوب كان الوجود فيهما علي السواۤء و الاظهار و الحجب من غيرهما و ليس الاظهار اظهر من الحجب فافهم هذه الدقيقة التي اشرنا اليها علي انّ الظهور ان ارادوا به كالمنسوب الي النور عندهم لزمهم ان يكون هذا النور اظهر من خالقه تعالي و تقدّس ان يكون شي‌ء اظهر منه حيث قالوا لا شي‌ء في الوجود اظهر من النور فان قالوا هو سبحانه نور بهذا المعني قيل لهم هو ليس ظاهراً لغيرِه بنفسه لانّا لانريد بقولنا ظاهر بنفسه عند نفسه و لا عند من فوقه لان كلّ شي‌ء بهذا المعني ظاهر بنفسه يعني عند نفسه و عند من فوقه وَ اِنّما نريد بالظاهر بنفسه عند مَن يساويه او من هو دونه فان قيدوا الوجود ايضاً بالممكن قيل العقول ممكنة و ليست ظاهرة بنفسها فان قالوا المراد تحقّقه في نفسه قلنا الغاسق المحجوب متحقّق في نفسه فان قيل المراد ظهوره باثره قلنا يصدق علي مَن تكلّم في ظلمة تحجبه عن الرؤية و ليس النور و الضوء واحداً بل الضوء اقوي و لهذا قال تعالي جعل الشمس ضياۤء و القمر نوراً ، و المروي عنهم (ع‌) ان النور شعاع الضياۤء و الضياۤء هو المنير و هو البهاۤء و النور سناۤء و قولهم امّا لذوات قاۤئمة بنفسها كالعقول و النفوس فهو ايضاً جارٍ علي الظاهر و امّا علي الحقيقة فليس شي‌ء قاۤئم بنفسه الّا اللّه سبحانه و ما سواه فقاۤئم به قيام صدورٍ و قولهم او هيئات نورانيّة الخ ، فيه انّ كلّ حادثٍ علي الحقيقة ذات لما دونه هيئة لما فوقه فهي ذوات اضافية و هيئات اضافيّة لاشتراكها في افتقارها الي ما فوقها و افتقار ما تحتها اليها فكل محدث عرض بالنسبة الي ما فوقه جوهر بالنسبة الي ما دونه نعم هذا صحيح علي الظاهر و قولهم فالوجود كله نور و العدم كُلّه ظلمة انما يتمشي علي الظاهر ايضاً و الا ففي الحقيقة ان ارادوا بالعدم الّا شي‌ء فليس ظلمةً بل لا عبارة عنه حقيقةً و الظلمة شي‌ء مخلوق و الّا فالعدم محدثٌ فهو من الوجود فالظلمة وجود لا عدم فالاولي لهم اَنْ يعرّفوا الظلمة بغير العدم و بغير الخفاۤء ان ارادوا التعريف علي الحقيقة و انّما هي تعرّف بالنّقص و ذلك انّ الاشياۤء علي ثلاثة اقسام قسم تزيد لطيفته من الفيض و خصوصيّته من عناية ربّه تعالي علي نفس وجوده و هو الكامل كالسراج فانه بتماميّته لايحتاج في ظهوره الي ما يعينه و بكمالِه يتمّم نقصَ الغاسق عن الظهور بنفسه كالحجر مثلاً و قسم خصوصيّته من العناية بقدر وجوده و هو التّام كالجمرة مثلاً فانّها بتماميّتها لاتحتاج في ظهورها بنفسها الي ما يعينها و لكنها لاتتمّم غيرها لعدم فاضل خصوصيّتها عن نفس وجودِها و قسم خصوصيته من العناية انقص من وجودِه كالحجر و هذا القسم يحتاج في ظهوره بنفسه الي ما يعينه و المظلم من هذا القسم و المنير من القسم الاول و النور و الظلمة من القسم الثاني لانّ هذا القسم وجهه الاعلي الي المنير فهو منه و هو النور و وجهه الاسفل الي المظلم فهو منه و هو الظّلمة فكمال النور من المنير و نقص الظلمة من المظلم و كمال المنير لكونه واجداً و نقص المظلم لكونه فاقداً و النور هو ظهور المنير به يعني ان ظهور المنير هو النور لا انّ الظهور مغاير للنور لانه ليس شيئاً الّا ظهور المنير للغير لكن المنير لم‌يظهر بذاته و قيام تلك الصفة بموصوفها قيام صدور لا قيام عروض كما يدل كلامُهم في قولهم وَ اِلٰي ما يقوم بغيره و يكون هيئةً عارضةً له فنور الشمس مثلاً كلمتُها المتّصلة المتتابعة فهو الفقير المطلق اللائذ بجناب المنير و الساۤئل الواقف ببابه و وجهه هو المرئيّ من المنير و الظلمة نفسه و ماهيته من حيث هو هو و خلفه المقابل لوجهه فان قلتَ قولكم لاتعرّف بالعدم و انّما تعرّف بالنقص متناقض لان النقص هو عدم شي‌ء و يدل عليه قولكم و نقص المظلم لكونه فاقدا فيصير المعني تعرّف بالعدم لاتُعرّفُ بالعدم قلتُ ان اردتم بالعدم المعني الوجودي قلتُ به و انّما منعته لانكم تريدون به معني عدم لا شي‌ء فغيّرتُ العبارة لاثبات الشيئية و لمّا كان هذا الشي‌ء المشار اليه لا عبارة له الّا عدم او نقص او فقدان مثلاً و نفينا العدم الذي هو اظهر في لاشي‌ء بقي انّ المراد بالنّقص شي‌ء وجودي لانا لانريد بالظلمة الّا انّيّة النور و هي موجودة و ان كان وجودها مترتّباً علي وجود النور فهي شي‌ء و لو لم‌تكن شيئاً لم‌يكن النور شيئاً فجعلناها نقصاً لِانّ تحقّقها اِنّما هو بالنور و تمامها و شرط وجودها و تَمام قابليّتها للوُجودِ هو النّور فهي نقص النور و هو تمامُها و اَثرُ كَمالِ المنير و لمّا كان النور اثر المنير و صفته و فعله و من فعله و منسوباً اليه اطلق علي فعل اللّه تعالي و فضله و نعمه و جميع ما منه تعالي و الظلمة و ان كانت وجوديّة فهي ايضاً عن فعله و بفعله الّا انها ليست من فعله و لا منسوبةً اليه لانّها ماهيّة اثر فعله و اِنّيَّتُهُ فلاتطلق علي فعل اللّه تعالي و فضله و نعمه و جميع ما منه و انما تنسب الي ما مِنه بُدئت و هو نفسُهَا قالَ اللّهُ تعالي وَ عَلَي اللّهِ قصدُ السبيل و منها جاۤئر فيقال نورُ اللّهِ و يراد منه فعله و هدايته و فضله و نعمه و عبده المطيع له الداعي اليه و لايقال ظلمة اللّه و ان كانت تنسب الي فعله ايضاً لكن لمّا كان تأثير فعله علي مقتضي القوابل و كانت قوابل النور و الخيرات موافقةً لامره و رضاه لانّها اشباح امره و رضاه و هياكله نسبت الي فعله فيقال من فعله و قوابل الظلمة و الشرور لمّا كانت مخالفة لامره و رضاه لانها اشباح عكوس اوامره و مضاۤدّاته و هياكلها و خلاف محبّته لم‌يَجُزْ نسبتها الي فعله فلايقال من فعله و انّما يقال بفعله لا منه و لا اليه الّا انّها لاتكون الّا عن نفسه ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً و اذا عرفتَ هذا لم‌تعترض علي ما قدّمناه من ان الظلمة موجودة كالنور و انّ الوجود خير كلّه او انّها تنسب الي الفعل كما ينسب النور اليه و لمّا كان النور موافقاً لامر اللّه و محبّته و رضاه و ارادته اطلق علي كل خير فقيل في قوله تعالي اللّه نور السموات و الارض يعني مدبّر امرها بحكمة بالغةٍ او منوّرهُما بمعني ان كلّ شي‌ء استضاۤء به و المروي عن الرضا عليه السلام هادٍ لاهل السموات و هادٍ لاهل الارض و روي البرقي هُدَي من في السموات و هُدَي من في الارض و في قوله تعالي و من لم‌يجعل اللّه له نوراً فما له من نور قيل من لم‌يجعل اللّه له نوراً بتوفيقه و لطفه فهو في ظلمة الباطل لا نور له و عن الصادق عليه السلام اماماً من ولدِ فاطمة عليها السلام فما له من نور و في التوحيد في آية النور عن مولينا الصادق عليه السلام هو مثل ضربهُ اللّٰهُ لنا و عنه عليه السلام اللّهُ نور السّموات و الارض قال كذلك اللّه عز و جلّ مثل نوره قال محمد صلي اللّه عليه و آله كمشكوةٍ قال صدر محمد صلي اللّه عليه و آله فيها مصباح قال فيه نور العلم يعني النبوة المصباح في زجاجة قال علم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله صدر الي قلبِ علي عليه السلام الزجاجة كأنها قال كأنه كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونةٍ لا شرقيّةٍ و لا غربيّة قال ذاك اميرالمؤمنين علي بن ابي‌طالب عليه السلام لا يهودي و لا نصراني يكاد زيتها يضيۤ‌ء و لو لم‌تمسسه نار قال يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل‌محمد (ص‌) من قبل ان ينطق به نور علي نور قال الامام في اثر الامام و في الكافي عن الباقر عليه السلام يقول انا هادي السموات و الارض مثل العلم الذي اعطَيتُهُ و هو نوري الذي يهتدَي به مثل المشكوة فيها المصباح فالمشكوة قلبُ محمد (ص‌) و المصباح نوره الذي فيه العلم و قوله المصباح في زجاجة يقول انّي اريد ان اقبضَكَ فاجعل الذي عندك عند الوصيّ كما يجعل المصباح في الزجاجة كأنها كوكب دري فاُعْلِمُهم فضل الوصي يوقد من شجرة مباركةٍ فأصل الشجرة المباركة ابراهيم عليه السلام و هو قول اللّه عز و جل رحمت اللّه و بركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد و هو قولُ اللّه عز و جل ان اللّه اصطفي آدم و نوحاً و آل ابراهيم و آل عمران علي العالمين ذرّيّة بعضها من بعض و اللّه سميع عليم لا شرقيّة و لا غربيّة يقول لستم بيهود فتصلّوا قبل المغرب و لا نصَاري فتُصَلّوا قِبَل المَشرِقِ و انتم علي ملّة ابراهيم و قد قال اللّهُ عز و جلّ ماكان ابراهيم يهوديّاً و لا نصرانياً و لكن كان حنيفاً مسلماً و ماكانَ من المشركين و قوله يكادُ زيتها يضيۤ‌ء مثل اولادكم الذين يولدون منكم مثل الزيت الذي يعصر من الزيتون يكادون ان يتكلّموا بالنبوة و لو لم‌ينزل عليهم مَلك و روي القمّي عن الصادق عليه السلام عن ابيه عليه السلام في هذه الٰاية اللّه نور السموات و الارض قال بدء بنور نفسه مثل نوره مثل هداه في قلب المؤمن كمشكوةٍ فيها مصباح المشكوة جوف المؤمن و القنديل قلبه و المصباح النور الذي جعله اللّه فيه يوقد من شجرة مباركة قال الشجرة المؤمن زيتونةٍ لا شرقيّةٍ و لا غربيّة قال علي سواۤء الجبل لا غربيّة لا شرق لها و لا شرقية لا غربَ لها اذا طلعت الشمس طلعت عليها و اذا غربت غربَت عليها يكاد زيتها يعني يكاد النور الذي جعله اللّه في قلبه يضيۤ‌ء و ان لم‌يتكلم نور علي نور فريضة علي فريضة و سنّة علي سنّةٍ يهدي اللّه لنوره من يشاۤء قال يهدي اللّه لفراۤئضه و سُننِه من يشاۤء و يضرب اللّه الامثال للناس قال فهذا مثل ضربه اللّه للمؤمن قال فالمؤمن مَن يتقلّب في خمسةٍ من النور مدخله نور و مخرجه نور و علمه نور و كلامه نور و مصيره يوم القيمة الي الجنّة نور قال الراوي قلتُ لمولينا جعفر الصادق عليه السلام انهم يقولون مثل نور الربّ قال سبحان اللّه ليس للّهِ مَثَلٌ اماقال فلاتضربوا للّه الأمثٰال في بيوتٍ اي كمشكوة في بعض بيُوتٍ او يوقد في بيوتٍ يعني ذلك النور المضروب له المثل المذكور في الٰاية في بيوتٍ اذن اللّه ان ترفع و تعظّم كما قال تعالي لتؤمنوا باللّه و رسوله و تعزّروه و توقِّروهُ فانه سبحانه اخبر انّ تلك البيوت رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و اقام الصلوة و ايتاۤء الزكوة اي قاۤئمون بفرائض اللّه الّتي هي ولايتهم و فروعها و سُننه التي هي الموالاة في اللّه و المعاداة في اللّه و المراد بها هنا غير ما هو من الفراۤئض كموالاة وليّهم و معاداة ولي عدوّهم و كونها سُنَناً لكونها تابعة لموالاتهم و معاداة عدوهم فلاتلهيهم ولاية الاول و الثاني و لَا شَي‌ء من فروعهما عن النبي صلي اللّه عليه و آله و متابعته في كل ما جاۤء به عن اللّه و هذا ذكر اللّه و لا عن الوصيّ عليه السلام و لا عن شي‌ء من فروعه و هذا هو اقام الصلوة و لا عن احد من شيعتهم فيما عرفوا من الحق و قاموا بموجبه بشكر ما اَتَوا و هو ايتاۤء الزكوة و لا عن ظواهر هذه البواطن لانّ الظواهر فروع هذه البوَاطِنِ كما ذكرنا و هذا علي قراءة مَن لم‌يقف علي اسمه و يقف علي الٰاصال كما هو قراءة اهل البيت و قرأ به بعض القرّاۤء السبعة فاذا كان هذا النور الممثل به في هذه الٰاية في بيوت و هم الائمة عليهم السلام كما سمعت كان معني الظرفيّة علي نحو ما ذكرنا في قوله عليه السلام ان الحق معهم و فيهم بجميع الاعتبارات فراجع ،
و البرهان هو الحجّة علي نحو ما تقدّم ذكره و يجوز الاتّحاد كما هو في الاصل في الأيجاد و التعدد بالاعتبار و يحتمل بينهما العموم و الخصوص المطلق او من وجهٍ فاذا عرفتَ ما ذكرناه في جميع حروفه ظهر لك ان نور اللّه و برهانه علي كل معني تقدمت الاشارة اليه عندهم فاذا عرفتَ هذا فَاعْلَمْ اَنَّ بَيْنَ النور و البرهان المشار اليهما و بينهم عليهم السلام النِّسَب المشار اليها اي الاتِّحاد باعتبار و التعدد باعتبار آخر و يحتمل باعتبار ان يكون بينهما العموم المطلق او من وجه و العند المذكور ان اريد منه معني الظرفية لزمه حكم المتقدم في ان الحقّ فيهم و ان اريد به معني القرب المعنوي الذي بمعني لدي اعتبر في المذكور حكم لدي اي الموافق له من النور و البرهان و ان اريد به الظاهري اعتبر فيه منهما ما يوافق مقامه فالاتحاد في الاول ذاتي و التعدّد و العموم بمعنييه اعتباري و في الثاني الاتحاد و العموم بمعنييه اعتباري و التعدد ذاتي و في الثالث الاتّحاد و العموم و التعدد كالثاني في الجملة لانَّ هذِهِ الاعتباراتِ المذكورةَ فيها تَسٰامُحٌ و اِجْمالٌ لئلّايؤدي الي الملال .
و قوله عليه السلام : وَ اَمْرُهُ اِليكم ،
يُرادُ مِنه عند الاطلاق الشأن و الشأن يستعمل في اَشياۤء مُتَعدِّدَةٍ اَعْظمُهَا قدراً و سعةً و قُرْباً و شمولاً الولاية وَ ليْسَ ورَاۤءَ عَبّٰادَانِ قَرْيَةٌ لاِشْتِمَالِهَا عَلَي جميع جهات مشية اللّهِ وَ ما ترتَبِطُ به ممّا دخل في الامكان مما قضي و امضي او قضي و لم‌يمض و اختُرِم او قدِّر و لم‌يُقضَ اوْ اُر۪يدَ و لم‌يُقَدّر اَوْ كُوِّنَ وَ لم‌يُرَدْ اوْ اَمْكَنَهُ سُبْحَانه و لم‌يُكَوِّنْهُ وَ هُوَ مجموع شئون المعبود جلّ و عَلَا فيما سِوَاهُ قال تعالي هُنالِكَ الولاية للّهِ الحقّ هو خير ثواباً و خير عُقْباً و هذه الولاية المذكورة في هذه الٰاية الشريفة علي تفسير الظاهر صعبة الادراك لايعرف المراد الّا المؤمن الممتحن الذي هو اقلّ من الغراب الاعصم و اَعَزُّ من الكبريت الاَحْمر و ذلك لانّ الافهام انّما تتوجَّهُ الي حقٍّ بَحْتٍ و علي هذا لايحسن هنالك لِاقتضاۤئها المغايرة بين الولي و الولاية و المغايرة مُنْتَفِيَةٌ في رتبة الذّاتِ البحتِ وَ عَلَي التّفسير الباطن يهون الخطب علي الافهام لاجل تقدير المضاف اي لوليِّ اللّهِ الحقّ فان جعل الحق صفة للولي اريد منه الحقّ المخلوق علي الوجوه المتقدمة في شرح قوله عليه السلام و الحقّ مَعَكم و فيكم الخ ، و ان جعل صفةً للّهِ كان ظاهراً علي الحقيقة اِلّا انّ فيه اشْعاراً انّ ولاية الوليّ من الحقّ الذي هو اعلم حيثُ يجعل وَلايته فانّه تعالي لايجعلُها عند من يقع منه باطل قطّ لا قليل و لا كثيرٌ و انّما هُوَ الحَقُّ مِنَ اللّٰهِ الحقِّ و هو قوله تعالي و هو الحقّ من ربّهم اَيْ انّ الولاية هي ظهور الولي الحق سبحانه و تعالي لخلقه بما لهم و عليهم في كل شي‌ء و هو قوله تعالي الرحمن علي العرش استوي و محلّها الذي يسعها قلبُ محمّدٍ صلي اللّه عليه و آله كما قال تعالي ماوسعني ارضي و لا سماۤئي و وسعني قلبُ عبدي المؤمن و قلب الولي من قلب النّبي (ص‌) كالضوء من الضّوء و الي هذا اشار صلي اللّه عليه و آله بقوله اُعط۪يتُ لواۤءَ الحمد و عليٌّ حامله و قلبه هو العرش الذي تجلّي عليه و اسْتَوي برَحْمٰانِيّته ،
و اما علي تفسير باطن الباطن فهو سهل جدا بعد ما يعرف ذلك لان الولاية معني اضافي فلايعقل الّا في الخلق و ذلك كله في قوله تعالي و اليه يرجع الامر كله فاعبده و توكّل عليه اي فاعبد اللّه باقامة ولاية الولي عليه السلام و هي القيام بجميع ما يريد اللّه سبحانه من المكلّف و توكّل علي ولاية الولي عليه السلام بمعني الاعتماد علي وعدِ اللّه لمن قام بولاية الوليّ عليه السلام بالنجاحِ و الفلاح لانّها كما قال صلي اللّه عليه و آله حبّ علي حسنة لاتضرّ معها سيّئة و بغض علي سيّئة لاتنفع معها حسنةٌ و قال تعالي اقسم بعزّتي و جلالي انّي اُدْخِل الجنّة مَن اَحَبَّ عَلِيّاً و ان عصاني و انّي اُدخِل النار مَن ابغض عليّاً و ان اطاعني و معني الحديث الاول انّ مَن ماتَ علي حبّه دخل الجنّة لانه مات شهيداً كما قال سيدنا الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالي و لئن قتلتم في سبيل اللّه او متّم لمغفرة من اللّهِ و رحمة خير ممّا يجمعون و لئن متّم او قتلتم لالي اللّه تحشرون و الشّهادة تكفّر كلّ ما سبقها من السّيئات و معني الثاني انّ مَن احبّ علياً فقد اتي اللّه تعالي باكبر طاعاته عنده فاذا عصاه كان عاصياً فيما لايعدل تلك الطاعة فهو من ثقلت موازينه فاولٰۤئك هم المفلحون و مَن ابغض علياً فقد اتي اللّهَ تعالي باكبر معاصيه عنده فاذا اطاعه فيما سواها لم‌تعدل تلك المعصية و هو حينئذ ممن قال اللّه تعالي و من خفت موازينه فاولٰۤئك الذين خسروا انفسهم فاذا عرفتَ هذا ظهر لك معني رجوع الامر كلّه الي اللّه سبحانه فمن احبَّ علياً للّه تعالي نجي و من احبّه لغير اللّهِ و لو لعليٍّ نفسه من غير ما يرجعُهَا للّه هلك كما في محبّة الغلاة و ان جعلتَ ضمير اليه يعود الي الوليّ صحّ ذلك بشرط التقييد فانّ اللّه سبحانه حيث خلق الاشياۤء فوّض امر خلقه الي وليّه علي خلقه و حيث فوّض ذلك الي وليّه لم‌يرفع يده سبحانه عن شي‌ء من ذلك بل هي و وليّه عليها في قبضته يتصرّف فيها كيف شاۤء و يتصرّف فيها الوليّ كيف شاۤء اللّه سبحانه لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون الٰايات ، فاللّهُ هو الوَليُّ ثُمَّ مِنْ دُونِه۪ باِذنه وليّه عليه السلام فالوليّ و وَلايته قاۤئمان بمددِ اللّهِ كقيام الصورة في المِرْءٰاةِ بالشّاخص و هَذٰا هُو سرّ قوله عليه السلام و اَمرهُ اليكم اي امرهُ الذي لايشاركهُ فيه غيره في كلّ حال اليكم اي تعملونَ فيه بامره و لو جاز استقلالهم به و لو كان قيامهم به باذن اللّه جاز استغناۤؤه عن الامرِ الحق سبحانه و هو باطل لان الخلق لايستغني عن الحق و لانّه لو كان كذلك لم‌يكن امراً لَهُ بل هو امرهم و تسقط ح فاۤئدة اليكم هذا كله و امثاله اذا اريد بالامر الولاية و لو اريد به شي‌ء ممّا يتفرع عنها كالامر الذي هو ضدّ النهي دخل في المعني الاوّل الكلّي بالطريق الاوْلَي و كذلك كل معني حقٍّ يطلق عليه لفظ الامر فانّه من فروع الولاية و هو راجع اليهم باذن اللّهِ رجوع الصفة الي الموصوف و الفعل الي الفاعل بل انّهم العضد في ايجاده و اللّه سبحانه انما اقامه بهم و هذا حكم جار في كل شي‌ء من الحقّ و امّا الامر الباطل فكلّ شي‌ء منه ليس منهم و لا اليهم و ان كان انّما يوجد بخلاف ما هم عليه و اليه الاشارة بقوله تعالي باطنه فيه الرحمة و هو الامر الحق و ظاهره من قبله العذاب وَ هو الامر الباطل و قول الشارح (ره‌) او يكون المراد بالامر الفعل بان يكونوا ناۤئبين عن اللّه تبارك و تعالي في الشريعة بحسب ما تقتضيه عقولهم المقدسة الخ ، قول ليس بمستقيم علي ظاهره لان من تدبّر كلامهم وَ وُفِّقَ لفهمه عرف بعقله و بالكتاب و السّنة انّ المراد بالامر الفعل و انه ليس المراد منه الفعل الخاۤصّ بالشريعة بل بها و بساۤئر الافاعيل و انّهم ليسوا ناۤئبين عنه لان النيابة تقتضي عزله عن ملكه تعالي عن ذلك علواً كبيراً و انّما المراد بذلك انه سبحانه يفعل بهم ما شاۤء لا انّهم نوّابه في الفعل بل هو الفاعل وحده لا شريك له في فعله و انما هم محاۤلّ فعله و اعضاد خلقه لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون علي حدّ ما ذكر في حكم الاماتة فانه قال تعالي الذين تتوفّيٰهم الملاۤئكة و قال تعالي قل يتوفّيٰكم ملك الموت الذي وكل بكم فظهر ان الملاۤئكة يفعلون باذن ملك الموت و له القيوميّة عليهم في جميع افعالهم و قال تعالي اللّه يتوفّي الانفس حين موتها فحين اخبر تعالي بانّ ملك الموت موكّل دلّ ذلك عَلَي اَنَّ مَنْ دونَهُ من الملاۤئكة اعوانه و اتباعه و انّه سُبْحانَهُ هو الفاعِل لايُشرِكهُ في فعلِه۪ احَدٌ كما يشعر به قوله اللّه يتوفي الانفس اذ لم‌يقلْ يتوفَّي اللّهُ الانفسَ لانه لمّا كان ملك الموت موكّلاً من اللّه علي تَوَفِّي الانفس و اللّه هو الذي يتوفي الانفس دلّ علي نفي النيابة و تفرّده بتوفِّي الانفس اذ لو ثبت ناۤئب عنه في ذلك لم‌يكن يفْعل شيئاً لان الفاعل هو الناۤئب و الّا لم‌يكن ناۤئباً فتفسير الفعل عنه بان يكونوا ناۤئبين ليس بصحيح الّا ان يريد المجاز و هو لايقتضي الالوهيّة و قولهُ بحسب عقولهم فيه انّ الظاهر من مراده انّهم فوّض اليهم الامر فوضعوا الاحكام علي حسب ما تدركه عقولهم و هذا ليس بصحيح لا لأنّ عقولهم لاتبلغ مدارك الاحكام و مقتضيات موضوعاتها لان مدارك الاحكام و تلك المقتضيات انّما هي شؤن عقولهم و صفات افعالهم و احكامها بل لانّ ذلك يستلزم عزل الحقّ عن الخلق المقتضي للالوهيّة و انّما جُعِلَ اليهم ما فعلوه باذن اللّه تعالي لوجوه : الاوّل انّهم مَحاۤلّ مشيّة اللّهِ فَمٰا صَدَر عنهم فهو عن اللّه و بمشيّةِ اللّهِ قال تعالي و مارميتَ اذْ رَمَيْتَ و لكنّ اللّهَ رمَي ، الثّاني انّهم بعد ان غمسهم في انوار فيوضاته القدسيّة استولت الانوار علي ذواتهم فمحقَتْ انّيّاتهم فلم‌يصدر عنهم شي‌ء الّا ما صَدَر عن اللّهِ لانّهم في كلّ حالٍ من احوالهم لم‌يكن لهم اعتبار من انفسهم الّا بقدر ما بقي من صافي انّيّاتهم مما يمسك وجوداتهم عن التلاشي فهم الذين لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النّهار لايفترون كما تقدّم فليس يصدر عنهم شي‌ء الّا بما شاۤء او بمشيّة ما شاۤء يعني في الحقيقة بما شاۤء و في الصورة بمشيّة ما شاۤء الثالث انّ اللّه سبحانه خلقهم علي هيئة ارادته و هيكل وحدته و صورة كينونته و لهذا قال عليّ عليه السلام انا الذي لايقع عليه اسم و لا صفة و قال عليه السلام ظاهري امامةٌ و باطني غيبٌ لايدرك و الهيئة و الهيكل و الصّورة المراد منها واحد و هو المعبّر عنه في لسان الشارع عليه السلام بالطّينة الّتي تجْري الاَفْعَال و تقع الاعمال علي وفق مقتضاها فاذا كانت ماهيّتهم هيئة الارادة وَ وُجُودهم نور المشيّة جرَتْ افعالهم و اقوالهم علي ما يوافق مراد اللّهِ و هو يقول سبحانه اللّه اعلمُ حَيْثُ يجعل رسالته ، الرّابع انَّ حَقَاۤئِقَهُمْ هي تراجمة مشيّة اللّه فافعالهم معنَي مشيّتِه امّا في الوجود التشريعي فظاهر و اما في الوُجُودِ التّكويني فلما تقرّر من انّ العلّة الفاعلية يتوقّف ظهور تأثيرها علي العلّة الماۤدّية و الصوريّة و الغاۤئيّة و قد تقدّم انّهم عليهم السلام هم العلل الثلاث لجميع الخلق بل الرابعة باعتبار توقّف الظهور عليهم اوْ انّهم بهم التمكين الذي هو علّة القابليات و هو وجه العلة الفاعليّةِ فلهذا قال علي عليه السلام في خطبته يوم الغدير و الجمعة في ذكر خلقهم عليهم السلام قال فجعلهم اَلْسُنَ اِرَادَته ففعلهم فعل اللّه اظهره عنهم و كلامهم كلام اللّهِ تكلّم بهم و هكذا ، الخامس انه سبحانه فرّغهم له عز و جل فاخلا افئدتهم و جميع مشاعرهم ممّا سواه ثُمّ ملأ ما فرّغ له من افعاله و اوامره و نواهيه فجعلهم خزاۤئن علمه و غيبه و حكمه و اقتداره و حفظهم له و سدّدهم و عصمهم عما ليس له فامرهم ففعلوا بامره و هم بامره يعملون و هو قوله لنبيّه صلي اللّٰه عليه و آله لتحكم بين الناس بما اريٰك اللّه و لاتكن للخاۤئنين خصيماً فقوله بما اراك اللّهُ يريد به بما اعطاه من الفهم في كتابه و هو و ان كان رأيه (ص‌) الّا انّه الرأي الذي اوحي به اليه فانّه مجمل كلّي محفوف بالعصمة و التسديد من اللّه تعالي و لهذا قال تعالي بما اراك اللّه و لم‌يقل بما تري و ان كان المقصود منه هذا لكن لمّا كان رأيه صلي اللّه عليه و آله ليس منه و لا مستنِداً الي خصوص نفسه بل هو من اللّه مستند الي نفسه باذن اللّه قال بما ارَاك اللّٰهُ و في الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الٰاية واللّهِ مافوَّض اللّهُ الي احدٍ من خلقه الّا الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و الي الائمة عليهم السلام قال اللّه تعالي انّا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك اللّه و هي جارية في الاوصياۤء عليهم السلام و في الاحتجاج عنه عليه السلام انه قال لابي‌حنيفة و تزعم انّك صاحب رأي و كان الرأي من رسول اللّه (ص‌) صواباً و من دونه خطاۤءً لانّ اللّه قال فاحكم بينهم بما اراك اللّه و لم‌يقل ذلك لغيره ، اقول انّما كان رأيه صلي اللّه عليه و آله و رأي اوصياۤئه عليهم السلام صواباً لمَا قلنا من انهم اذا فعلوا انّما فعل اللّه تعالي عنهم او بهم و لا فعل لهم من نحو ذاتهم الّا علي نحو ما قررنا فافهم و امّا مَن ردّ الاخبار الواردة بهذا التفويض مع كثرتها و عدم قبول اكثرها للتّأويل الّا علي نحو ما قرّرنا حذراً من ان يلزم القول بالُوهيّتهم عليهم السلام فدعواه صحيحة علي ما فهم من التفويض المستلزم لعزل الحق تعالي عن ملكه و فهمه للاخبار ليس بصحيح فالذي عليه ان يقف و ينفي عنهم الربوبيّة و لايردّ الاخبار مع كثرتها و شهرتها و صراحتها بل يقول هم اعلم بما قالوا لئلّايكون من اهل هذه الٰاية بل كذّبوا بما لم‌يحيطوا بعلمه مع انّ كلامَنا هذا اذا فهِمتَه فتح لك الابواب المقفلة و كشف لك عن الاسْرارِ المعضلة فافهمه راشداً .
قال عليه السلام : مَنْ وَالاكم فقَدْ وَالي اللّٰهَ و مَنْ عادَاكم فقد عادي اللّٰه و مَن احبّكم فقد احبَّ اللّٰهَ و من ابْغضَكم فقد ابْغَضَ اللّٰهَ و من اعتصم بكم فقد اعتصم باللّه ،
قال الشارح (ره‌) مَنْ والاكم فقد والَي اللّه لأنّ اللّه تعالي امر بموالاتكم و محبّتكم و قرنكم بنفسه في آيات كثيرة اوْ انّهم لمّا اتّصفوا بصفات اللّهِ و تخلّقوا باخلاق اللّهِ صارُوا كأنّهم هو كما قال اللّه تعالي انّ الّذين يُبَايعونك انّما يبايعون اللّهَ فماظلمونا اي اولياۤءَنا و لكن انفسهم يظلمون و لقوله صلي اللّه عليه و آله من رءاني فقد رأي الحق و لقوله (ص‌) متواتراً حربُ عليٍّ حرب اللّهِ و لقوله صلي اللّه عليه و آله فاطمةُ بضعة مني من آذاها فقد آذاني و مَن آذاني فقد آذي اللّهَ الي غير ذلك من الٰايات و الاخبار و كذلك البواقي من العَداوة و المحبّة و الاعتصام انتهي .
اقول قوله لان اللّه تعالي امر بموالاتكم و محبّتكم و قرنكم بنفسه اما في امر فلأنّ مَن والاهم فقد امتثل امر اللّه و من امتثل امر اللّه فقد والاه لانّه اذا لم‌يمتثل امره فقد عاداه و امّا في قرَنَ فلانه تعالي ساوَي بينهم و بينه في تكليف خلقه بالطّاعة له و لهم كما اشار اليه الحجة عليه السلام في دعاۤء شهر رجب لا فرق بينك و بينها الّا انهم عبادك و خلقك و من المراد من ذلك مَن والاهم فقدْ وَالي اللّه و من عاداهم فقد عادي اللّه و مَن اطاعهم فقد اطاع اللّهَ و مَنْ عصاهم فقد عصي اللّه فلا فرق بينهم و بينه في هذا و نحوه لا في الذات و لا في الصفات و لا في الافعال و لا في العبادة و لهذا قال الّا انّهم عِبَادُك و خلقك و في الكافي و التوحيد عن الصّادق عليه السلام في قوله تعالي فلمّا آسفونا انتقمنا منهم قال انّ اللّه تبارك و تعالي لايأسف كاسَفِنَا و لكنه خلق اولياۤء لنفسه يأسفون و يرضون و هم مخلوقون مربوبون فجَعَلَ رضاهم رضا نفسه و سخطهم سخط نفسه و ذلك لانّه جعلهم الدعاةَ اليه و الادِلّاۤء عليه فلذلك صاروا كذلك و ليس انّ ذلك يصل الي اللّه كما يصل الي خلقه و لكن هذا معني ما قال من ذلك و قال من اهان لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة و دعاني اليها و قال ايضاً من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و قال ايضاً انّ الّذين يُبايعونك انّما يبايعون اللّه ، و كل هذا و شبهه علي ما ذكرتُ لك و كذا الرضا و الغضب و غيرهما من الاشياۤء ممّا يشاكل ذلكَ و لو كان يصل الي المكوّن الاسف و الضجر و هو الذي انشأهما و احدثهما لجازَ لقاۤئلٍ ان يقول انّ المكوّن يبيدُ يَوْماً ما لانه اذا دخله الضّجر و الغضب دخله التغيير فاذا دخله التغيير لم‌تؤمن عليه الاِبادة و لو كان ذلك كذلك لم‌يعرف المكوِّن من المكوَّن و لا القادر من المقدور و لا الخالق من المخلوق تعالي اللّه عن هذا القول علوّاً كبيراً هو الخالق للاشياۤء لا لحاجة استحال الحد و الكيف فيه فافهم ذلك انشاۤء اللّه ،
اقول قوله او انهم اتّصَفُوا بصفاتِ اللّهِ و تخلّقوا باخلاق اللّه صاروا كأنّهم هو الخ ، فيه شيئان احدهما انّ المراد منه هو معني قرنكم بنفسه فجعلهُ مُغاۤئراً له لا معني له الثاني قوله صاروا كأنّهم هُوَ لايصحّ لان تشبيههم به باطل ممنوع من اسْتعماله و اعتقاده حرام باطل و ذلك لانّه ان ارادَ منه انّهم عليهم السلام كأنهم ذاتُه البَحْت وقع التشبيهُ الممنوع منه وَ اِنْ اراد منه كأنهم معاني افعاله و مُثله بضمّ الميم و الثاۤء مثل قاۤئم و قاعد من زيد اَو معانيه المغايرة لذاته البحت كالعلم و الحكم و القدرة و الامر و ما اشبه ذلك فهم ذلك المراد و لا مغايرة كما هو ظاهر مراده فالاَولي ان يقول و لانّهم لمّا اتّصفوا الخ ، ليكون من قوله و قرنكم بنفسه لا قسيماً و لايقول كانهم هو بل يقول فهم هو و هم غيره كما قال الصادق عليه السلام لنا مع اللّه حالات نحن فيها هو و هو نحن و نحن نحن و هو هو و قول الحجة عليه السلام في دُعَاۤء شهر رجب لا فرق بينك و بينها الّا انهم عبادك و خلقك الخ ، فان اراد بقوله كأنهم هو هذا المعني صحّ المعني لكنه غير مستعمل عند اهل الشّرع لما يظهر من فساد ظاهره المتضمّن للتشبيه ،
و امّا توهم حصول المغايَرة من قوله قرنكم و قوله لمّا اتّصفوا بصفات اللّهِ الخ ، فمردود لِانّه سبحانه انما قرنهم لجهةِ الجامعية التي هي علة الاقتران و هو اتّصافهم بصِفات اللّه فانّهم لمّا اتّصفوا بصفات اللّه كما اتّصفت الحديدة المحمية في النار فانّها لما قاربت النار ظهرت صفتها فيها حتي كانت تفعل فعلها و لا فعل للحديدة و انّما الفِعل للنّار فان تأثيرها بصفتها ظهر علي الحديدة و الحديدة حافظة للصفة و محلّ لها فاثرت بواسطة الحديدة الحافظة ظهر فعل اللّه فيهم بواسطة الصفة ففعل اللّه بفعله بواسطتهم لانّهم محالّ المشيّة وَ لا فِعْلَ لَهُمْ و انّما الفِعْلُ للّهِ تعالي بفعله و هم حافظون للفعلِ المؤثر كما حَفِظت الحديدة لحرارة النار التي هي فعلها و الصفة ظهرت فيهم كما ظهرت صفة النّار في الحديدة و لهذا نسَب فعلهم اليه علي الحقيقة قال تعالي و مَارَمَيْتَ اِذْ رَمَيْتَ و لٰكنَّ اللّهَ رَمَي فهذا علّةُ قَرْنِه ايّاهم بنفسه و هذا بدعوة رسولِ اللّهِ صَلّي اللّهُ عليه و آلِه۪ يَوْمَ الغديرِ و غيره في هذا العَالم و في كلِّ عالَمٍ مِنْ مَراتبِ الوُجُود فاِنّه صَلّي اللّهُ عليه و آله قال يوم الغدير الستُ اَوْلَي بكم من انفسكم قالوا بَلي يا رَسُولَ اللّهِ قال مَن كُنْتُ مَوْلاهُ فعليّ مَوْليٰهُ اللهمّ وال مَنْ والاه و عَادِ مَنْ عَادَاهُ و انْصُرْ مَنْ نَصَرهُ و اخذل مَنْ خَذَلهُ و قد تواتر هذا الحديث معنيً عند جميع المسلمين اما عندنا معاشر الشيعة فهو اشهر من ان يذكر و اظهر من ان يسطر اذ لايختلف فيه اثنان بل لايجهله واحدٌ و امّا عند غيرنا من العامة فقد نقله علماۤؤهم نقلاً متواتراً و اعترفوا بتواتره و صحّته و ممن ذكر ذلك منهم محمد بن يحيي بن بهران في شرحه للقصيدة الموسومة بالقصص الحقّ في مدح خير الخلق صلي اللّه عليه و آله لشرف‌الدين يحيي بن شمس‌الدين قال في شرح قوله :
لاسيّما عند قرب الحادثِ الجَللِ المُر۪يع للدين و الاسلام باد۪يه۪
من مثل ما كان في حج الوداع و في       ** * **      يوم الغدير الذي امسي يُنبّيه۪
ابانَ في نصِّه۪ مَن كان خالِقُنَا       ** * **      له يوالي و من هذا يُعٰاد۪يهِ
و هو الحديث اليقينُ الكونِ قد قطعت       ** * **      بكونه فرقةٌ كانت تُوَهّ۪يهِ
قال و اما حديث يوم الغدير فهو من الاحاديث المتَواترة عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و قد روي من طرق كثيرة عن خلق كثير من الصحابة رضي اللّه عنهم بعضها روايات اهل البيت عليهم السلام و بعضها رواياتُ غيرهم من علماۤء الحديث و في بعض الروايات زياداتٌ و ماينكره الا مكابر مباهِتٌ فمن روايات اهل البيت و شيعتهم ما رووه بالاسناد عن البراۤء بن عازب قال اقبلت مع النبي صلي اللّه عليه و آله في حجة الوداع فكنّا بغدير خم فنُودِي فينا انّ الصلوة جامعة و كُسِحَ للنبيّ صلي اللّه عليه و آله تحت شجرتين فاخذ بيد علي بن ابي‌طالب رضي اللّه عنه و قال الستُ اوْلَي بالمؤمنين من انفسهم قالوا بلي يا رسول اللّه قال هذا مولي مَن انا موليٰهُ اللهم والِ مَن والاه و عادِ من عاداه فلقيه عُمر فقال هنيۤئاً لك يا ابنَ ابي‌طالبٍ اصبحت و امسيت مولي كلّ مؤمن و مؤمنة و رووا بالاسناد الي زيد بن ارقم قال نزل رسولُ اللّه صلي اللّه عليه و آله بين مكةَ و المدينة عند سمراتٍ خمس دوحَاتٍ عظام فقام تحتهنّ و اناخ (ص‌) عشيّة فصلّي ثم قام خطيباً فحمد اللّهَ و اثني عليه ثم قال ما شاۤء اللّهُ اَنْ يقول ثم قال ايّها الناس اني تارك فيكم امرين لن‌تضلّوا ما اتّبعتموهما القرءان و اهل بيتي عترتي ثم قال تعلمون انّي اولي بالمؤمنين من انفسهم قالوا نعم فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من كنتُ موليٰهُ فانّ عليّاً موليه فقال رجل من القوم مايألوا ان يرفع ابن عمه و روي بعضهم من طريق الحاكم ابي‌سعد المحسّن بن كرامة فقام رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله خطيباً بغدير خم و اخذ بيد عليّ فرفعها حتي رأي بعضهم بياض ابطه ثم قال الست اولي بكم من انفسكم قالوا اللهمّ نعم فقال من كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه اللهم والِ مَن والاهُ و عاد من عاداه و انصر من نَصره و اخذُل من خذله فقام عمر فقال بخ‌بخ يا ابن ابي‌طالب اصبحتَ مولاي و مولي كل مؤمن و مؤمنة قال الحاكم ابوسعد و حديث الموالاة و غدير خم قد رواه جماعة من الصحابة و تواتر النقل به حتي دخل في حد التواتر فرواه زيد بن ارقم و ابوسعيد الخدري و ابوايوب الانصاري و جابر بن عبداللّه الانصاري ثم ذكر رواية بعضهم و هي تتضمّن ما تقدم مع زيادات و روي بالاسنادِ الي عبدخير قال حضرنا علياً ينشد الناس في الرحبة فقال انشدُ مَنْ سَمع النبي صلي اللّه عليه و آله يقول من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهم وال مَنْ والاه و عادِ من عاداه فقام اثناعشر رجلاً كلّهم من اهل بدرٍ فيهم زيد بن ارقم فشهدوا انّهم سمعوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقول ذلك لعليّ بن ابي‌طالب عليه السلام و اما روايات غير اهل البيت و شيعتهم فقد روي عن الرسالة النافعة للامام المنصور باللّه عن مسند الامام احمد بن حنبل هذا الحديث المذكور من طرق كثيرة بنحو ما سبق و حكاه ايضاً عن جامع رزين و عن مناقب ابن‌المغازلي الشافعي و ذكر انّه رفع الحديث المذكور الي مائة من اصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال و قد ذكر محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ خبر يوم الغدير و طرقه من خمسة و اربعين طريقاً و افرد له كتاباً سمّاه كتاب الولاية و ذكر ابوالعباس احمد بن عقدة خبر يوم الغدير و افرد له كتاباً و طرقه من مائة طريق و خمس طرق و لا شك في بلوغه حدّ التواتر و حصول العلم به و لم‌نعلم خلافاً ممّن يعتدّ به من الامّة و هم بين محتجّ به و متأوّلٍ له الّا من ارتكب طريقة البهت و مكابرة العيار تَمّ كلامُه و في المستدرك بالاسناد الي زيد بن ارقم قال لمّا رجع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من حجّة الوداع و نزل غدير خم اَمر بدَوْحاتٍ فَقُمَّنَّ قال كأني دُعيتُ فاجبتُ اني تركتُ فيكم الثقلين احدهما اكبر من الٰاخر كتاب اللّه و عترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فانهما لن‌يفترقا حتي يردَا عَلَيّ الحوض ثم قال انّ اللّه جل و عزّ مولاي و انا وليّ كلّ مؤمنٍ و مؤمنةٍ ثم اخذ بيد علي فقال مَن كنتُ وليَّهُ فهذا وليّه اللهمّ والِ و ذكر الحديث بطوله هذا حديثٌ صحيح علي شرط الشيخين و لم‌يخرجاه بطوله و فيه عن زيد بن ارقم نزلَ رَسُول اللّه (ص‌) بين مكة و المدينةِ عند سمراتٍ خمس دوحاتٍ عظامٍ فكنس الناس ما تحت السمرات ثم راح رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عشيّة فصلي ثم قام خطيباً فحمد اللّه و اثني عليه و وعظ فقال ما شاۤء اللّه ان يقول ثم قال ايّها الناس انّي تارك فيكم امرين لن‌تضلوا ان اتبعتموه ( اتبعتموهما ظ ) و هما كتاب اللّه و اهل بيتي عترتي ثم قال اتعلمون انّي اولي بالمؤمنين من انفسهم ثلث مرات قالوا نعم فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من كنتُ مولاه فعلي مولاه انتهي ، و لفظ انتهي من قول محمد بن يحيي ابن بهران و انّما نقلتُ كلامه كلّه عند ذكر دعوة النبي صلي اللّه عليه و آله مع انّ ثبوتها لاتحتاج الي استشهادٍ فانه اظهر من الاستشهاد عليه لان كلامه هذا حجة علي من انكر النص علي علي عليه السلام يوم الغدير و احببتُ ان انقله في كل رسالة و كتاب من كتبنا حتي لايعزّ تحصيله علي طالبه و الحاصل ان اللّه سبحانه خلق الف‌الفِ عالم و الف‌الفِ آدم كلّ عالم منها اقام فيه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عليّاً عليه السلام في هذا المشهد و دعا بهذه الدعوة التي هي علّة قرن اللّهِ تعالي اياهم بنفسه او من جملة علل ذلك و هي قد تكون علة سابقة باعتبارٍ او مساوقةً باعتبارٍ آخر اوْ لاحقة كما ان من العلل ما هو كذلك .
بقي شي‌ء هو انّ ما في حديث الكافي و التوحيد المتقدّم من انّ المراد من قوله تعالي فلما آسفونا و ماظلمونا و امثال ذلك هو هم عليهم السلام لان الأسف و الظلم و غير ذلك لايجري عليه يدلّ علي انّه يجري عليهم و فيه اشكال و هو انّهم اذا جري عليهم كيف يحسن في هذه الحال ان يقرنهم بنفسه التي لايجري عليها ذلك و الجواب انهم عليهم السلام لهم جهتان جهة بشريّة و جهة الٰهيّة فمن حيث الجهة البشريّة تجري عليهم هذه الامور و الحوادث و تستفزّهم الامور و من حيث الجهة الالهيّة قرنهم بنفسه لانّهم في هذه الحال لاتجري عليهم هذه الامور و الحوادث و كيف تجري عليهم و هم الذين اجروها علي من شاۤؤا كما شاۤؤا و لمّا جاز نسبة ما لحق الجهة البشريّة بالحقيقة الي الجهة الالهيّة بالمجاز جاز نسبة ما لحق الجهة الالهية بالمجاز اليه سبحانه بمجاز المجاز لانه سبحانه و تعالي كما ان الجهة الالهيّة له كذلك الجهة البشريّة له لانّها للّذي له فهي له فيجوز نسبة ما لحق التّابع الي متبوع المتبوع كما ينسب الي المتبوع لان التابع تابع بما لحقه و المتبوع تابع كذلك و معني مجاز المجاز انّ المتبوع تابع لمتبوعه .
قال عليه السلام : انتم السبيل الاعظم و الصراط الاقوم و شهداۤءُ دارِ الفناۤءِ و شفعاۤءُ دار البقاۤء ،
قال الشارح (ره‌) فانّ طريق متابعتهم في العقاۤئد و الاعمال اقوم الطرق و امْتَنُهُ ( اَمْتَنُهٰا ظ ) بل هو الطريق او طرقهم في مراتب القرب الي اللّهِ و ان كان لغيرهم من اهل الحقّ طرقٌ اُخر و شهداۤءُ دار الفناۤء كما تقدّمَ و شفعاۤء دار البقاۤء للاخبار المتواترة بشفاعتهم لاصحاب الكباۤئر كما هي لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انتهي .
اقول قوله عليه السلام انتم السبيل الاعظم يريد انهم عليهم السلام سبيل اللّه الي خلقه في كل ايجاد او تكليفٍ فلايُوجِد شيئاً و لايمدّ شيئاً “٢” بما لهُ اوْ بما به لمنْ دونَهُ “٢-” الّا بواسطتهم فهم سبيل الايجاد و الفيض من فعل اللّه سبحانه فلايستمدّ شي‌ء من الخلق في صدورٍ او بَقاۤءٍ الّا بهم و منهم و لهم كَما لَايستمدّ شي‌ء من اشعّة السّراج من فعل النار في صدورٍ او بقاۤءٍ الّا بالشعلة المرئيّة و منها وَ لها كذلك هم عليهم السلام فانّ آية اللّه تعالي هي النار الغاۤئبة اعني الحرارة و اليبوسة الجوهرين و حرارة النار الغاۤئبة هي فعلها و هي آية مشيّة اللّه تعالي و الشّعلة المرئيّة التي الدخان المستحيل من الدهن بحرارة النار المنفعل بالاضاۤءَةِ عن حرارة النار هي آية الحقيقة المحمّديّة فالشعلةُ هي سبيل النار الي ايجاد جميع الاشعّة و اضاۤءَتها بها وَ منها و لها كذلك لايستمدّ شي‌ء من جميع الخلق من الذوات و الصفات الجواهر و الاعراض الاجسام و غيرها من فعل اللّه تعالي الّا بواسطة الحقيقة المحمديّة التي هي الماۤء الذي جعل اللّه منه كل شي‌ء حيّ و منها و لها و هي حقيقتهم عليهم السلام و هي السبيل الاعظم و وصف هذا السبيل بخصوص العِظَم دون الكِبَر لاختصاص الكبر بالظاهر و عموم العِظَم للظاهر و الباطن و علي جهة التفضيل لانه في مقامٍ من العِظَم يقصر عنه ادراك كلّ مخلوقٍ سواهم كما قال تعالي و انك لعلي خلق عظيم استعظمه اللّه سبحانه في الكون بل و الامكان و صورة التفضيل لبيان ان سُبُلَ اللّه الي خلقه متعدّدة متفاوتة بعدد انفاس الخلاۤئق و كل واحد منها عظيم بالنسبة الي ما يتوقّف عليه و فيها الكلي و الجزئي و الاضافي و ليس فيها ما يسَعُ جميع شؤن الالوهيّة الّا حقيقتهم عليهم السلام و قد لوّح سبحانه بذلك في تأويل قوله تعالي يا اهل الكتاب لاتغلوا في دينكم و لاتقولوا علي اللّه الّا الحقّ انما المسيح عيسي بن مريم رسول اللّه و كلمته الٰاية فلاتنسبوه الي الالوهيّة و لا الي جامعيّة شؤنها و انما جامع شؤنها الحق المخلوق و صرّح سبحانه به في الحديث القدسي قال تعالي ماوسعني ارضي و لاسماۤئي و وسعني قلب عبدي المؤمن فهم السبيل الاعظم في كلّ خير نازلٍ من خزاۤئنه تعالي و في كل خيرٍ صاعدٍ من اعمال الخلاۤئق و ذلك لان السبيل هو الطريق و اعلم اني نسيتُ شرح هذه الكلمة حين شرحت هذه الزيارة فذكّرني بها بعض المشاۤئخ ذكره اللّه برحمته في الدنيا و الٰاخرة فرحم اللّهُ مَن وقفَ علي هذه الكلمات و الحقها باصل الشرح في محلّها لاني جعلت هذه الكلمات من الشرح بعد ما تعددت نسخه ،
و تفسير الشارح لكلام الامام عليه السلام في قوله و الصراط الاقوم بان طريق متابعتهم اقْوم الطرق و هو تعريف بالمجاز المستلزم للحذف و التقدير و هو خلاف الاصل بل الحق انّهم في كنه حقيقتهم صراط اللّه المستقيم بمعني انه لايصل من اللّه سبحانه شي‌ء الي احد من خلقه الّا بواسطتهم من عطاۤءٍ و منع و تعرّفٍ و تعريف و ارشاد و تكليف و لايصل الي اللّه سبحانه من احد من خلقه شي‌ء من عمل او دعاۤء او غير ذلك مِنْ حالٍ او مقالٍ الّا بهم فهم عليهم السلام طريق اللّه الي ساۤئر خلقه و طريق الكلم الطيب و الصفات الحميدة و الاعمال الصالحة من الخلق الي اللّه و قد تقدّم من هذا كثير فلا فاۤئدة في الاطناب فيه و معني الاقوم انّ الخطّ المستقيم الذي هو اقصر الخطوط الواصلة بين نقطتين قد تختلف باختلاف تحقّق القصر عند المعتبر و في نفس الامر و في حالٍ دون حال فيصحّ التفضيل بينها في هذه الاعتبارات و بانّ ما به استقامة ساۤئر الخلق اقوم و بانّ الاستقامة علي ما يوافق جميع متعلقاته في الماۤدة و الصورة و في جميع الاحوال لمراد اللّهِ و محبّته اقوم منها علَي ما يخالف مراد اللّه و محبّته في جميع الاحوال او في بعضها و الي هذا المعني اشار عليه السلام في خلق ادم فاغترف جل جلاله من الماۤء العذب الفرات غرفة بيمينِه۪ و كلتا يديه يمين فصلصلها فجمدت و قال اللّه تعالي منك اخلق النّبيّين و المرسلين و عبادي الصالحين و الائمة المهديّين الدعاة الي الجنّة و اتباعهم الي يوم القيمة و لااسئل عمّا افعل و هم يُسْئلون ثم اغترف من الماۤء المالح الاجاج غرفةً فصَلْصَلها فجمدت فقال تعالي و منك اخلق الفراعنةَ و الجبابرة و اخوان الشّياطين و العُتاة و الدعاة الي النار و اشياعهم الي يوم القيمة و لااُسْئَل عما افعل و هم يسئلون الحديث ، فجعل غرفة اليمين الي الجنّة و غرفة الشمال الي النّار مع انّه قال و كلتا يَدَيْهِ يمين .
و قوله عليه السلام و شهداۤء دار الفناۤء ،
تقدّم في بيانِ قوله و اياب الخلق اليكم و حسابهم عليكم ما يدلّ علي حقيقة هذا و الاحاديث عنهم عليهم السلام كما مضي و ما لم‌نذكره في ذلك اكثر من اَنْ تُحْصي و اشهر من ان تخفي و من ذلك ما رواه في الكافي قال قال ابوعبداللّه عليه السلام في قوله تعالي فكيف اذا جئنا من كلّ امةٍ بشهيد و جئنا بك علي هؤلاۤء شهيداً قال نزلت في امّة محمّد صلّي اللّهُ عليه و آله خاۤصّة في كل قرن منهم امامٌ منّا شاهد عليهم و محمد صلي اللّه عليه و آله شاهدٌ عليْنا يعني انهم عليهم السلام يشهدون علي الانبياۤء انّ اللّه تعالي ارسلهم و يشهدون للانبياۤء (ع‌) انهم ابلغوا رسالاتِ ربهم و يشهدون لمن اجابهم و اطاعهم باجابته و اطاعته و علي من اعرض و عصي باعراضه و عصيانه و يشهدون علي محمّد صلّي اللّه عليه و آله ان اللّه ارسله و يشهدون له صلّي اللّه عليه و آله انه بلّغ ما امر بتبليغه و علي امّته و لهم كذلك و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بما حمّلهم اللّه من امر الخلافة و لهم بما ادّوا ما حُمِّلوا و بلّغوا و لمن اجاب بما اجاب و علي من اعرض باِعْراضه و منه ما تقدّم في رواية عبداللّه بن بكر الارجاني الطويلة عن الصادق (ع‌) و فيها و ما من ليلة تأتي علينا الّا و اخبار كل ارض عندنا و ما يحدث فيها و اخبار الجنّ و اخبار اهل الهواۤء من الملاۤئكة و ما من ملك يموت في الارض و يقوم غيره الّا اُتِينا بخبره و كيف سيرته في الذين قبلَهُ و ما من ارض من ستّ اَرضين الي السابعة الّا و نحن نؤتي بخبرهم .
اقول ظاهر كلامه عليه السلام هذا و ما اشبهه انّ ما شهدوا به من احوال الخلاۤئق ممن سبَقهم او كانَ في زمانهم او من بعدهم انّه من اخبار الملاۤئكة و الجنّ ايّاهم و المعروف من الٰاية الشريفة و قل اعملوا فسيري اللّه عملكم و رسوله و المؤمنون و الاحاديث الاخر انّ جميع اهل الارض لايخفي عليهم شي‌ء من احوالهم و يرونهم بنور اللّه و ذلك لانّ اللّه سبحانه اعطي الامام عليه السلام عموداً من نور يري فيه اعمال الخلاۤئق كرؤية الشخص في المرءاة و ان الدنيا باسرها و جميع ما فيها بل و العالم العلوي و ما فيه عند الامام عليه السلام كالدرهم في يد احدكم يقلّبه كيف شاۤء فهم يعاينون جميع ما في العالم و هو تأويل قوله تعالي و كل شي‌ء احصيناه في امامٍ مبين و قوله تعالي و عنده مفاتح الغيب لايعلمها الّا هو و يعلم ما في البرّ و البحر و ما تسقط من ورقة الّا يعلمها و لا حبّة في ظلماتِ الارض و لا رطبٍ و لا يابسٍ الّا في كتابٍ مبين ، و قول الصّادق (ع‌) في رواية عبداللّه بن بكر الارجاني المتقدم ذكرها قال عبداللّه قلتُ جعلتُ فداءك فهل يري الامامُ ما بين المشرق و المغرب قال يا بن بكر فكيف يكون حجّةً علي ما بين قطريها و هو لايراهم و لايحكُمُ فيهم و كيف يكون حُجّةً علي قوم غُيّبٍ لايقدر عليهم و لايقدِرون عليهم ( عليه ظ ) و كيف يكون مؤدِّياً عن اللّه و شاهداً علي الْخلق و هو لايريٰهم و كيف يكون حجّة عليهم و هو محجوب عنهم و قد حيل بينهم و بينه ان يقوم بامر ربّه فيهم و اللّه يقول و ماارسلناك الّا كاۤفّة للنّاس يعني به من علي الارض و الحجّة من بعد النبي صلي اللّه عليه و آله يقوم مقام النبي صلي اللّه عليه و آله و هو الدليل علي ما تشاجرَتْ عليه الامة و الٰاخِذُ بحقوق الناسِ و القاۤئم بامر اللّه و المنصِف لبعضهم من بعضٍ فاذا لم‌يكن معهم مَنْ يُنْفِذُ قوله و هو يقول سنريهم آياتِنا في الٰافاق و في انفسهم فأيّ آيةٍ في الٰافاق غيرنا اراها اللّه اهلَ الٰافاقِ و قال مَانريهم من آيةٍ الّا هي اكبر من اختها فايّ آيةٍ اكبر منا الحديث ، و قد تقدّم و هذا صريح في المعاينة بغير اخبار الملاۤئكة و توجيه اخبار الملاۤئكة لهم و الجمع بين الاخبار من وجهينِ :
الاوّل انّ الشخص اذا نظر شيئاً و ادركه فانّ حقيقة ذلك انّ اللّهَ سبحانه لمّا خلق المشاعر المدركة و جعلها مقتضية لذلك قيّض لذلك الاقتضاۤء ملاۤئِكةً من جنس ذلك المشعر ينقلون صُور المدركات و اَشْبٰاحَهَا و معانيها اليها فالملاۤئكة العقليون ينقلون معاني المدركات الي العقول باقتضاۤئها لذلك و النّفسانيّون ينقلون صورها الي النفوس و المثالِيُّونَ يَنْقلون اشباحها الي الحسّ المشترك و الخيال اوْ اِلَي مٰا بينهما فلايظهر شي‌ء من المدركات في شي‌ءٍ من المشاعر اِلّا في وقتِه الذي قدّره اللّه تعالي له فاذا جاۤء وقته و تمّت مقتضياته انزلَتْهُ الملاۤئكة الموكّلون به باذن اللّه تعالي من خزاۤئنه الي محلّه الذي يظهر فيه كما قال تعالي و ان من شي‌ء الا عندنا خزاۤئنه و ماننزّله الّا بقدرٍ معلوم .
الثاني انّ الملاۤئكة الذين يأتونهم بما يرونه و يطّلِعُونَ عليه لهم بمنزلة الخواطر للانسان فانّ الخاطر و الوارد من الانسان هو الذي يأتي الانسان بمَا يتوجّه اليه قلبه و مع ذلك فهو من قلبه كالالتفاتة من الانسان فانّه لايري مَن خلفه مثلاً الّا اذا التفت اليه فالتفاتَتُهُ هي الّتي ارَتْهُ مَن خلفه و ان كان في الحقيقة انّما رءاه الانسان لكن الالتفاتة تتوقّف عليها المقابلة التي هي سبب الرؤية كذلك الخاطر و لذا تقول خَطر علي قلبي او خيالي كذا و انما الخاطر مِن قلبه فافهم العبارة المكرّرة المردّدة للتفهيم فاذا عرفت هذا ظهر لك انّهم يشاهدون كلّ شي‌ءٍ معاينَةً و اَنَّ البُعْدَ و الحجب لاتحجب ابصارهم و انّ ابصارهم تدرك ما لاتدركه عقول مَنْ سِوَاهم و قوله شهداۤء دار الفناۤء يراد منه انّهم الشهداۤء في دار التكليف لانّهم محاۤلّ امرِ اللّه في قوله افمن هو قاۤئم علي كُلِّ نفسٍ بما كسبَتْ و القاۤئم الولي عليه السلام باذن اللّه تعالي و قوله و عندنا كتاب حفيظ و الكتاب الحفيظ نفس الولي عليه السلام و قوله ان كل نفس لمّا عليها حافظ و الحافظ الولي عليه السلام فما دام التكليف فهم يشهدون لمن وَفَي بما وفَي و علي من نكث بما نكث و المراد من دار التكليف هذه الدنيا و قيام القاۤئم عليه السلام و الرجعة و ما سبق هذا من التكليف الاول في الذرّ الاوّل و الذّرّ الثاني و ذلك قوله تعالي شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انّا كنا عن هذا غافلين و ان اختلفت احوالها فانّها يجمعُهَا الفناۤء و التكليف و اما في الٰاخرة فليس فيها فناۤء و ليس فيها ظاهِراً تَكْل۪يفٌ ليحتاجَ الي الشهداۤء نعم فيها الجزاۤء فيحتاج الي الشفاعة لبعضِ مَنْ يَسْتَحِقُّهٰا مِمّن ارتضَي دينَهُ فلهذا فرق (ع‌) بين العبارتين و قولي ليس فيها تكليف ظاهراً اش۪يرُ فيه اِلي اَنَّ فيها تكْل۪يفاً و لكنه للمؤمنين بكل ما يشتهون و للكافرين بكل ما يكرهونَ وَ التكليف في الدنيا بما فيه مَشَقَّةٌ مِمَّا تُحِبُّهُ النفوس و تكرهه و لكن العقول تحبّ جميع تكاليف الدُّنيا فمن قام بحكم الدنيا صفت له الٰاخرة فيكون تكليفه بكلّ ما يشتهيه و من خالف الامر في الدنيا و اتبع شهوة نفسه كان حكم التكليف عليه بكل ما يكره قال تعالي اذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون و الاصل في ذلك كله انّ الانسان لمّا خُلِق مركّباً ممّا من اللّه و ممّا من نفسه جري عليه حكم الحكمة بالتكليف الشاۤقّ علي ما من نفسه ليخلص عن هذه الانّيّة و يكون بقبوله الامر عاملاً بعقله فيطيب له العمل و يلتذ بالمشاۤق كما هو محبة العقل قال اميرالمؤمنين عليه السلام و استلانوا ما استوعره المترفون و انسوا بما استوحش منه الجاهلون فجاۤء يوم القيمة بحسنه من ربّه و احسانه من نفسه راضياً مرضياً فلمّا كان هكذا الّا انّه لايخرج بهذا عن الامكان و الحاجة المقتضيين لدوام المدد المقتضي للتكليف لانه تمكين من اللّه و قبول منه جري عليه حكم الحكمة بالتكليف بكل ما يشهيه لانه انما هو حسن و احسان و ليس عند اللّه في دار ثوابه الّا ما يلايم هذا و يوافقه و الٰاخر العاصي يكون بمخالفته الامر جاهلاً عاملاً بجهله و شهوة نفسه فيتصَعّب عليه العمل و يتألم بالمشاۤق كما هو محبّة النفس فجاۤء يوم القيمة باساۤءته من نفسه منسيّاً من رحمة اللّه تعالي لانّ جهته من ربه اضعفها و محقها حتّي لايبقي منها الّا ما يحفظ بقاۤءه لانّها حادثة لا بقاۤء لها الّا بالمدد و لا مدد لها الّا بالاعمال الصالحة و لمّا لم‌يمدّها اضمحلّت امّا ما بقي منها فقد استخبَثَ لغلبة الظلمة لانّه لها فساوَرها و اغتذي بغذاۤئها فحقّ عليه القول في اُمَمٍ قد خلت من قبله من الجنّ المستولين عليه و الانس هي قد تشوّهت من صورته بمساورتها و اغتذاۤئها بغِذاۤئها فقال اللّهُ تعالي القيا في جهنّم كلّ كفّارٍ عنيد منّاع للخير معتد مريب الّذي جعل مع الله الهاً آخر فالقياه في العذاب الشديد و قال تعالي احشروا الذين ظلموا و ازواجهم و ما كانوا يعبدون من دون اللّه فاهدوهم الي صراط الجحيم و قال تعالي و لن‌ينفعكم اليوم اذ ظلمتم انكم في العذاب مشتركون فكان في الجنّة تكليف للمؤمنين بكل ما يشتهون و يُحبّون و في النّار تكليف للمنافقين و الكافرين بكلّ ما يكرهون يعني انه ليس لاهل الجنّة شهوة و محبّة غير ما يجري لهم و ليس لاهل النار كراهة و منافرة غير ما يجري عليهم و محمد و اهل بيته الطيبون صلي اللّه عليه و عليهم يقدِّرونَ ذلك كله و يوصلون استحقاقَ كلٍّ الي مستحقه و هو قوله تعالي و انا لموفّوهم نصيبهم غير منقوص و هم شهداۤء ذلك كله فهم شهداۤء دار الفناۤء و دار البقاۤء و لكن عبّر عليه السلام في كلامه بما يظهر لانهم لايخاطبون النّاس الّا بما يعرفون .
قوله عليه السلام : و شفعاۤء دار البقاۤء ،
و ذلك انّ محمداً صلي اللّهُ عليه و آله قد اعطاه اللّه تعالي الشفاعة باذنه لمن رضي اللّه دينه فيشفع في اهل بيته عليهم السلام للأذن لهم في الشفاعة لشيعتهم الّذين يشهدون بالحق اي بانّ الحق لهم و فيهم و معهم و بهم و هم يعلمون ذلك بالعلم و الهدي و الكتاب المنير لانّهم مستحقّون لان يشفع لهم كما قال تعالي و لايملك الذين يدعون مِن دونه الشفاعة الّا من شهد بالحق و هم يعلمون و هذه الٰاية لعلي و اهل بيته عليه و عليهم السلام و من دونهم لشيعتهم بشفاعتهم فيشفعون لهم ليشفعوا فيمن شاۤؤا من اهاليهم و اقاربهم و جيرانهم و اخوانهم ممّن ارتضي اللّه دينه في قوله تعالي و لايشفعون الّا لمن ارتضي و ذلك من قوله تعالي و الذين آمنوا و اتّبعَتْهم ذريّتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم و ما التناهم من عملهم من شي‌ء فعَلي الاصالة و الحقيقة قال الصادق عليه السلام في هذه الٰاية الّذين آمنوا النبي و اميرالمؤمنين و ذريّته الائمّة و الاوصياۤء الحقنا بهم و لم‌تنقص ذريّتهم الحجة التي جاۤء بها محمد في علي (ع‌) و حجّتهم واحدة و طاعتهم واحدة و علي التبع عن النبي صلي اللّه عليه و آله ان اللّهَ يرفع ذرّيّة المؤمن في درجته و ان كانوا دُونَهُ لِتقرّ بهم عينه ثم تلا هذه الٰاية و عن الصادق عليه السلام في هذه الٰاية قصرت الابناۤء عن عمل الٰاباۤء فالحقوا الابناۤء بالٰاباۤء لتقرّ بذلك اعينهم و عنه عليه السلام قال اطفال المؤمنين يهدون الٰي آباۤئهم يوم القيمة .
و امّا انّهم لايشفعون الّا لمن ارتضي دينه فلانّ الشفاعة لَيْسَتْ في الحقيقةِ اِمْداد من لايحسن له الامداد و لا في ترك حَقٍّ يقبحُ تركه و انّما هي لمن يحسن اعطاۤؤه او في ترك حقّ لايقبح و لا لمن تحسن الشفاعة في حقِّه۪ و يستحقّها لما في امكان قابليته مع المعينِ لها من الشفيع او في تمكينها فالاوّل من العدل و ان كان ما من المعين من الفضل و الثاني من الفضل و كذا في ترك حقّ لايقبح تركه لوقوع مقتضي ذلك الحقّ في طرفٍ من تلك الحقيقة مرجوحٍ فتحسن المطالبة به و يحسن تركه فاذا توجّهت الشفاعة المقبولة يعني باذن اللّه لمن ارتضي دينه الذي به ذلك للترجيح حسن في الحكمة ترك ذلك الحق و قبح في الحكمة المطالبة به فالشفاعة في تركه من الفضل لانّ راجحيّة ما كان مرجوحاً من الفضل و من العدل باعتبار استحقاق القابل كما في الدعاۤء و جعل ما امتنّ به علي عباده كفاۤء لتأدية حقّه وَ يحمل عليه قوله تعالي و ان ليس للانسان الّا ما سَعَي و اذا لم‌يرتض دينه بان كان منكراً لولايتهم قبحت الشفاعة له في الحكمة لانّها حينئذ امّا اِمْدادٌ و معونة بما يقبح في الحكمة او ترك حق يقبح فيها تركه ثم هي جائزة لاهل الكباۤير من المحبّين و في الخصال عن الصادق عليه السلام و اصحاب الحدود فساق لا مؤمنون و لا كافرون و لا يُخلّدون في النار و يخرجون منها يوماً و الشفاعة جٰاۤئِزة لهم و للمستضعَفين اذا ارتضي اللّه دينهم و في التوحيد عن الكاظم عليه السلام عن ابيه عن آباۤئه عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال انّما شفاعتي لاهل الكباۤئر من امّتي و امّا المحسنون منهم فما عليهم سبيل قيل يا ابن رسول اللّهِ (ص‌) كيف تكون الشفاعة لاهل الكباۤئر و اللّه تعالي يقول و لايشفعون الّا لمن ارتضي و من يرتكب الكبيرة لايكون مرتضي فقال ما من مؤمن يرتكب ذنباً الا ساۤءه ذلك و ندم عليه و قال النبي صلّي اللّه عليه و آله كفي بالندم توبة و قال صلي اللّه عليه و آله من سرّته حسنةٌ و ساۤءته سيئة فهو مؤمن فمن لم‌يندم علي ذنب يرتكبه فليس بمؤمن و لاتجب له الشفاعة و كان ظالماً و اللّه تعالي ذكره يقول ما للظالمين من حميم و لا شفيع يطاع فقيل له يا ابن رسول اللّه (ص‌) و كيف لايكون مؤمناً من لم‌يندم علي ذنب يرتكبه فقال ما من احد يرتكب كبيرة من المعاصي و هو يعلم ان سيعاقب عليها الّا ندم علي ما ارتكب و متي ندم كان تاۤئباً مستحقاً للشفاعة و متي لم‌يندم عليها كان مصِرّاً و المصر لايغفر له لانه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب و لو كان مؤمناً بالعقوبة لندم و قد قال النبي صلي اللّه عليه و آله لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الاصرار و اما قول اللّه تعالي و لايشفعون الّا لمن ارتضي فانهم لايشفعون الا لمن ارتضي دينه و الدين الاقرار بالجزاۤء علي الحسنات و السّيئات فمن ارْتضي اللّه دينه ندم علي ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيمة .
فقوله عليه السلام و شفعاۤء دار البقاۤء يشعر بالحصر لمكان الثناۤء عليهم و هو كذلك و من سواهم من ملك الشفاعة فعنهم شفع و عن الصادق عليه السلام في قوله تعالي فما لنا من شافعين و لا صديق حميم قال الشافعون الائمّة و الصديق من المؤمنين و عن الباقر و الصادق عليهما السلام واللّه لنشفعنّ في المذنبين من شيعتنا حتي يقول اعداۤؤنا اذا رأوا ذلك فما لنا من شافعين و لا صديق حميم و عن الباقِر عليه السلام و ان الشفاعة لمقبولة و لاتقبل في ناصبٍ و انّ المؤمن ليشفع في جاره و ما له حسنة فيقول يا ربّ جاري كان يكف عني الاذي فيشفع فيه فيقول اللّه تعالي انا ربّك و انا احقّ من كافي عنك فيدخله اللّه تعالي الجنّة و ما له من حسنةٍ و ان ادني المؤمنين شفاعة ليشفع في ثلاثين انساناً فعند ذلك يقول اهل النّار فما لَنٰا مِن شافعين و لا صديقٍ حميم و عن النبي صَلّي اللّه عليه و آله انّ الرجل يقول في الجنة ما فعل صديقي فلان و صديقه في الجح۪يم فيقول اللّه تعالي اَخْرِجوا له صديقه في الجنة فيقول من بقي في النار فما لنا من شافعين و لا صديق حَم۪يم فاذا عرفتَ ما اشرنا اليه ظهر لك انّ الشفاعة كلّها من اللّه تعالي لهم بواسطة محمد صلّي اللّه عليه و آله و هم يشفعون لمن يشاۤؤن من شيعتهم ليشفعوا فيمن شاۤؤا فكلّ شافعٍ من دونهم فشفاعته بشفاعتهم فهم شفعاۤء دار البقاۤء لا غيرهم .
قال عليه السلام : و الرحمة الموصولة و الٰاية المخزونة ،
قال الشارح (ره‌) و الرحمة الموصولة من اللّه الي الخلق كما كان لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في قوله و ما ارسلناك الّا رحمة للعالمين فهم رحمة لهم في الدنيا و الٰاخرة و بهم تصل رحمة اللّه تعالي الي العباد و تشعر به الصلوة عليه و آله صلوات اللّه عليهم و الٰاية المخزونة لخلّص عباده و هم العارفون ببعض رُتبهِم انتهي .
اقول الرحمة الموصولة يعني باللّهِ اي بفعله و فعله الخير و هو النور الذي تنوّرت منه الانوار كما تقدّم و هو نور محمد صلي اللّه عليه و آله و انوار اهل بيته عليهم السلام من نوره كالضوء من الضوء و هو اسمه المكنون الاكبر الاعز الاجَل الاكرم الذي يحبّه و يهواه و يرضي به عن مَن دعاه و استجاب له دعاۤءَه و حق عليه اَلّايردّ ساۤئله به فوصل ذلك النور الذي هو الرحمة به تعالي فجعل طاعتهم طاعته و معصيتهم معصيته و رضاهم رضاه و سخطهم سخطه و هكذا في جميع ما ينسب اليه تعالي فمن وصلهم وصله اللّه و من قطعهم قطعه اللّه و قال ابومحمد الحسن العسكري عليه و علي آباۤئه و ابنه الحجة السلام في تفسيره لقوله عز و جل الرحمن ان الرحمن مشتق من الرحمة و قال قال اميرالمؤمنين صلوات اللّهِ عليه سمعت رسول اللّهِ صلي اللّه عليه و آله يقول قال اللّه تعالي انا الرحمن و هي من الرحم شققتُ لها اسماً من اسمي مَن وصلها وصلتهُ و من قطعها بَتَتُّهُ ثم قال اميرالمؤمنين عليه السلام ان الرحم التي اشتقّها اللّه تعالي من اسمه بقوله انا الرحمن هي رحم محمد صلي اللّه عليه و آله و انّ من اعظامِ اللّه اعظامَ محمد و انّ من اعظام محمدٍ اعظامَ رحم محمّدٍ و ان كلّ مؤمنٍ و مؤمنةٍ منْ شيعتِنا هو من رحم محمد صلّي اللّه عليه و آله و ان اِعْظامَهُمْ من اِعْظامِ محمد (ص‌) فالويل لمن استَخفَّ بشي‌ء من رحم محمّد صلي اللّه عليه و آله و طوبي لمن عظّم حرمته و اكرم رحمه و وصلها ه‍ ،
اقول قد مضي بعض البيان في معني الرحمة و ذكر في هذا الحديث انّ الرحم قد اشتقّها من اسمه يعني الرحمن و الاشتقاق يحتمل اللفظي و المعنوي اما اللفظي فلاتّحاد ماۤدّتيهما ظاهراً و امّا في الحقيقة فراۤء رحم صفة راۤء رحمن و حاۤء رحم صفة حاۤء رحمن و ميم رحم صفة ميم رحمن كما نقول في اخذ حروف ضرباً المصدر من حروف ضربَ الفعل علي ما نختاره من انّ الاسم مشتق من الفعل و لو عَكَسْنا عكَسْنا فالاشتقاق علي ما قلنا في الحقيقة في اللفظ و في المعني كاشتقاق نور الشمس من جرم الشمس او كاشتقاق القمر من الشمس او كالاشتقاق الاوّل في اللفظي و الثاني في المعنوي او بالعكس و امّا المعنوي فلان الرحمن استوي برحمانيّته علي العرش و الرحم حملة العرش و العرش قلب العبد المؤمن صلّي اللّه عليه و آله فالرحم مظهر رحمانيّة الرحمن و متعلّقها فالرحم صفة الرحمن او حملة الصفة او مظهر الصفة فعلي الاوّل هي الصفة و علي الثاني هي المؤدّية لٰاثارها الي القوابل و علي الثالث ان فتحتَ الميم و الهاۤء هي محلّ ظهورها فالرحمانية قاۤئمة بالرحم قيام ظهور و الرحم قائمة بالرحمانيّة قيام تحقّقٍ و ان ضممتَ الميم و كسرتَ الهاۤء هي مثل الرحمنِ الاعلي و الذي لا فرق بينه و بينها الّا انّها عباده و خلقه و معانيه اركانها فهي مظهرة الرحمانية و آثارها علي الواح القابليات و اعيان الموجودات فاشتقاقها من اسمه علي الاول انها صفة الرحمن يعني صفة فعله اي اسمه الاكبر و علي الثاني انها اولياۤء افاعيل ذلك الاسم و مَحَاۤلّهُ و علي الثالث انّها عضد اسمِه في اظهاره اَوْ في ظُهُوره فامّا اشتقاق الصِّفةِ من الموصوف كما في الاول فظاهر و امّا اشتقاق اولياۤء افاعيل الشي‌ء منه فلانّ اولياۤءَهُ ان كانوا مشتقين منه اي صدروا عنه و ولّاهم ما دونهم من افعاله صحّ انّ ذلك الشي‌ء فاعل لتلك الافاعيل حقيقة بواسطة اَولياۤئه و لو لم‌يكونوا مشتقّين منه لماجاز ان يكون فاعلاً لِمٰا فَعَل اولياۤؤُهُ و ان كان فعلهم باذنه و من المعلوم انّ الرحمن فاعل لافاعيله حقيقةً و لا فاعل سواه و لا شي‌ء الّا ما كان عنه فاولياۤؤه انّما هم شي‌ءٌ به۪ وَ المفعول انّما يكونُ مَفْعُولاً للفاعِل حقيقةً اذا كانَتْ حقيقته تأكيداً لفعلِه۪ و غايةً مِنْ غَايٰاتِه۪ فانّ ضرباً حقيقة مفعول لزيدٍ لانه تأكيدٌ لفعله و غاية مِنْ غَايٰاته في قولك ضربَ زيدٌ ضَرْباً بخلاف عمرواً في قولك ضَرَبَ زيدٌ عمرواً فانّه ليس مفعولاً له و انّما وقع ضربه عليه فليس تأكيداً لضربه و لا غايةً من غاياته و امّا اشتقاق المحلّ من الحاۤلّ فلانّ المحَلّ من مشخِّصات الحاۤل الخاۤصّة و المشخصات الخاۤصة لاتوجد قبل ما شخّصته و الّا لماكانت خَاۤصة لان الخصوص فرع المختص فصحّ اشتقاق المحلّ و امّا اشتقاق عضد الشي‌ء منه فلانّ المراد به ما يتوقّف عليه الشي‌ء في ظهوره او فعله في اظهاره امّا توقّفه في ظهوره علي العضد فكما في المحل الذي يتوقّف ظهور الحال عليه مثل المتساوقين كالكسر و الانكسار فانّ الكسر الحاۤلّ يتوقّف ظهوره علي المحل الذي هو الانكسار و يقال انّه قاۤئم بالانكسار قيام ظهور و الانكسار قاۤئم بالكسر قيام تحقّقٍ فهو مشتق من الكسر و عضد للكسر لتوقّف الكسر عليه في ظهوره و المراد انّ الرحمن الذي هو الاسم انّما تظهر التسمية به للمعبود جل و علا الذي احدث الرحمة اذا تحقّقت الصفة التي هي منه كالقاۤئم لايسمي به زيد الذي صدر من فعله القيام الّا اذا تحقّق القيام اذ بدونه لايسمي قاۤئماً كذلك بدون الرحم التي هي الرحمة او محل الرحمة او مظهر الرحمة لايطلق اسم الرحمن الذي هو اسم الصفة في التعريف و التعرّف علي المعبود الحقّ تعالي من حيث هو مصدر الرّحمة لانّ الرحمٰن اسم له تعالي من حيث هو مصدر الرحمة و المعبود و المعروف تعالي يعبد و يعرف ليس من هذه الحيثية و ان كان طلب الرحمة منه من تلك الجهة و طلب الرزق من جهته و المغفرة من جهتها فالجهة وجه الطالب و المعني تعالي بالجهة و غيرها غير ذلك كله كمال توحيده نفي الصفات عنه كنهه تفريق بينه و بين خلقه و غيوره تحديدٌ لما سواه .
و امّا توقّف اظهاره علي العضد فلانّ ما يريد اظهاره الذي هو متعلق الاظهار يتوقّف علي العلّة الماديّة و الصُّوريّة و الغاۤئيّة و العلل الثلاث لكلّ محدثٍ من كل ما سواهم عليهم السلام منهم فالماۤدّة من فاضل نورهم و الصورة مثال هياكلهم و الغاية في كل شيْ‌ء لهم و حاجتهم قال تعالي في الحديث القدسي خلقتكَ لاجلي و خلقتُ الاشياۤء لاجْلِك فلو لم‌تكن العضد في الظهور و الاظهار مشتقاً منه صادراً عنه لكان فعل الفاعل متوقّفاً علي ما ليس منه و لا به و يكون ناقِصاً محتاجاً الي الغير تعالي اللّه ان يكون مفتقراً الي غيره و تعالي فعله ان يكون متوقفاً علي ما ليس منه و لا به فمحصّل كلام اميرالمؤمنين عليه السلام اَنَّ الرحم التي اشتقّها من اسمه الرحمن الخ ، انّ الرحم هي الصّفة العاۤمّة و هي صفة الرحمن التي قال تعالي فيها و رحمتي وسعت كلّ شي‌ء و هي خاۤصّة بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و التّسعة الاطهار من ذريّة الحسين صلّي اللّه عليهم اجمعين و من ساۤئر الخلق ممن سبقت له العناية باتّباعهم فله من تلك الرحمة و من تلك الرّحم الماۤسّة بنسبةِ قبوله من ذلك المقام اعْني مقام المتابعة و المشايعة و هو رتبة الشعاع من ذلك كمّاً و كيفاً و هو السر في قوله عليه السلام و ان كلّ مؤمنٍ و مؤمنةٍ من شيعتِنا هو من رحم محمدٍ صلي اللّه عليه و آله و اعلم ان الاحاديث الداۤلة علي انّ المراد بالرحمة هم عليهم السلام بكل معني و انّ ما ظهر من الرحمة و آثارها فمنهم و من آثارهم لاتكاد تحصي فلا حاجة الي ذِكْر شي‌ء منها لشهرتها و عدم الخلاف بين المؤمنين في دلالتها علي ذلك المعني و قوله عليه السلام الموصولة اي موصول بعضها ببعض باللّه تعالي فالشيعة موصولون بائمّتهم عليهم السلام و الائمة موصولون بمحمد صلّي اللّٰهُ عليه و آله و محمّد (ص‌) موصولٌ باللّٰهِ و هو قول اميرالمؤمنين عليه السلام حين قال اتّقوا فراسة المؤمن فانه ينظُر بنور اللّه فسأله ابن‌عباس كيف ينظر بنور اللّه قال عليه السلام انّا خُلِقنا من نور اللّه و خلق شيعتنا من شعاع نورِنا و قول الصّادق عليه السلام حين سأله المفضل ما كنتم قبل ان يخلق اللّه السموات و الارضين قال كنّا انواراً حول العرش نسبّح اللّه تعالي و نقدِّسه حتي خلق اللّه سبحانه الملاۤئكة فقال لهم سبّحوا فقالوا يا ربّنا لا علم لنا فقال لنا سبِّحوا فسبّحنا فسبّحت الملاۤئكة بتسبيحِنا الا انّا خلِقنا من نورِ اللّه و خلق شيعتنا من ذلك النور فاذا كان يوم القيمة التحقتِ السفلي بالعليا ثم قرن (ع‌) بين اصبعيه الوسطي و السّبّابة و قال كهاتين ثم قال يا مفضّل اتدري لم سمّيت الشيعة شيعة يا مفضّل شيعتُنَا منَّا و نحْنُ من شيعتِنا اماتري هذه الشمس اين تبدو قلتُ من مشرق قال و الي ايْن تعود قلت مغرب قال عليه السلام هكذا شيعتنا منّا بُدِءوا و الَيْنا يَعُودون و قال الصّادق عليه السلام لسليمن يا سُلَيْمٰن اِنّ اللّهَ تعالي خلَقَ المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته و اخذ ميثاقهم لنا بالولاية و لعليّ اميرالمؤمنين فالمؤمن اخو المؤمن لابِيه۪ و امه ابوهُ النور و امّه الرحمة و انّ المؤمن ينظر بنور اللّه قال الصّادق عليه السلام انما ينظر بذلك النور الذي خلق منه .
اقول الاحاديث في هذه المعاني كثيرة و هو انّ المؤمن خلق من نورهم و انما سُمّي شيعيّاً لانه خلق من شعاع نورهم و انّهم متّصلون بهم كما اتّصل الشعاع بالشمس و قد تقدّم انّهم عليهم السلام هم الرحمة و هي الرحم اي انّهم الرحم المشتق من اسم الرحمن و هي الرحمة و ان شيعتهم تبع لهم في ذلك الاشتقاق فكلّ مؤمن و مؤمنة من رحم محمّد صلي اللّه عليه و آله بهذا المعني فهم من الرحمة الخاۤصّة المكتوبة التي هي صفة الرحيم و كان بالمؤمنين رحيماً و الرحيم صفة الرحمن و مشتق منه علي الاصح فهم و شيعتهم الرحمة الموصولَةُ باللّهِ اي بمشيّته و محبّتهِ و ارادته يعني ان شيعتهم منهم و هم من محمد صلّي اللّه عليه و آله و هو (ص‌) محلّ فاحببتُ اَن اُعْرَف و معنيً آخر مَنْ وصلهم وصله اللّه برحمته و رضوانه و محبّته و مَن قطعَهم قطعَهُ اللّه من رحمته و وصله بغضبه و قطعَهُ من رضوانه و وصله بسَخَطِه و قطعَهُ من محبّتِه و وصله بمقتِه۪ و معني آخر انّ وَصْلهم طاعتهم و التولّي بهم و التبرّي من اعداۤئهم و التسليم لهم و الرّد اليهم و الاعتراف بحقّهم و انّ ذلك من حقهم و ان تدعو اللّه بهم و ان تعبده بحبّهم و بطاعتهم مخلصاً للّهِ وحْدَهُ في عبادته بطاعتهم و بما ذكرنا كلِّه۪ فكل ما يكون للّه فهو عنهم و منهم و هو موصول بالرّحمة و الرّضا و المحبّة و كل ما ليس للّهِ فهو قطعهم و قطعهم موصول بالغضب و السخط و المقت فان قلتَ هذا الكلام يدل علي انّ كل ما كان عن الرحمة فهو موصول كالرحمة لاحق بها و هو ظاهر قوله تعالي و رحمتي وسعت كل شي‌ء و من المعلوم الذي لا شبهة فيه انّ ما لم‌تتناوله الرحمة ليس بموجود فلايكون مقطوعاً لانه ليس شيئاً يقطع و ما تناولته الرحمة فهو موصول فمن قطعهم موجود فيلزم ان يكون موصولاً قلتُ ان الرحمة الواسعة منها الفضل و منها العدل و الكلّ داخل في الوجود هو و ما تناوَله فالموصول من الفضل و المقطوع من العدل و المراد من الوصل ما كان من الفضل الذي هو صفة الرحيم و هي الرحمة المكتوبة الخاۤصّة بالمؤمنين لاتّصاله بالثواب الذي هو المدد الثابت الاصل النوراني لاتّصاله بالظهور السرمدي الذي لا غاية له و لا نهاية في البقاۤء الامكاني الراجح و لا في الحسن و الجمال و اللّذة و الملايمة و المطابقة في آثاره من حيث ربّه تعالي و المراد من القطع ما كان من العدل الذي هو قسيم صفة الرحيم من صفة الرحمن لما يترتّب عليه من القصاص و المجازاة الذي هو الخذلان و الترك و هو المجتثّ الاصل الظلماني لتوجّهه الي نفس النوراني الذي هو ضدّه من حيث نفسه فكان ما من الرحمة الخاۤصّة موصولاً لاتّصاله بما للّه و ما من اللّه تعالي و كان القطع مَفْصُولاً لاقتصاره علي نفسه فقوله عليه السلام و الرحمة الموصولة يحتمل وجهين احدهما انّ ما كان عقاباً و عذاباً و ما لايلاۤئم النفس لايسمي رحمةً لان المفهوم منها المحبوب و الملايم فيجوز ان تكون الصفة لبيان ما هو الواقع بحسب العرف و ثانيهما ان الصفة ليست لبيان ما هو الواقع و انما هي للتخصيص لان المنافر و المنافي ايضاً من الرحمة الواسعة لانه مقتضي العدل الّا انه رحمة مقطوعة عن الخير و المحبّة بسبب سوۤء الاعمال و اليه الاشارة بما في رواية ايّاكَ اثيبُ و ايّاك اعاقِب في شأن العقل اذا لم‌يقبل فلمّا كان للرحمة الواسعة جهتان جهة موصولة باللّه تعالي لما تشتمل علي آثارِها من الامور المحبوباتِ التي لا غايَة لها و جهة مفصولة عن الخير لما تشتمل عليه آثارها من الامورِ المكروهات الّتي لٰا غَايَةَ لَهٰا وَصَفَهُمْ عليهم السلام بِانَّهُم الرّحْمة المَوْصُولة يَعْني اِيّاهُمْ وَ شِيعَتَهُمْ خٰاۤصّةً .
و قوله عليه السلام : و الٰاية المخزونة ،
الٰاية بمعني العبرة و العَلامة و العجيبة و الشّخْص و الامٰارة و من القرءان كلام متّصل الي انقطاعه و يختلف المراد منها باختِلاف الاطلاقات بسبب اختِلَافِ المقامات مثل قوله تعالي لقد كان في يُوسُفَ و اخوته آياتٌ للسّاۤئِلينَ اي دلاۤئل قدرة اللّه تعالي و حكمته و علامات لنبوّتِك يا محمد و قوله تعالي ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الٰايات ليسجنُنَّه حتّي حينٍ يعني الدلالات علي براءته من شهادة الصبي و قَدّ القميص منْ دُبُرٍ و استباقها الباب حتي سُمِع مجاذبتها اِيّاهُ علي البابِ و قوله تعالي لنريَهُ من آياتِنا انّه هو السميع البصير اي من عجاۤئب قدرتِنا كذهابه الي بيت‌المقدس في برهة من الليل مسيرة شهرٍ و مشاهدته بيت‌المقدس و تمثيل الانبياء و وقوفه علي مقاماتهم و قوله تعالي فيه آيات بيّنات مقام ابراهيم اي علامات واضحات كأثرِ قدَمَيْ ابراهيم عليه السلام و الحجرالاسود و منزل اسمعيل و قوله تعالي سنريهم آياتنا في الٰافاق اي العبر و العلامات كالكسوف و الخسوف و الزلازل و ما يعرض في السَّماۤءِ و في انفسهم كالجوع و الشبع و العطش و الرِّيّ و المرض و الصحة و الغني و الفقر و قوله تعالي و جعلنا ابن مريم و امه آيةً اي عجيبة و انّما لم‌يقل آيتين لان قصّتهما واحدة و قيل لان الٰاية فيهما واحدة و هي الولادة من غير فحل و قال في سفينة نوح (ع‌) و لقد تركناها آية فهل من مدّكِر نُقِل انّه ابقي اللّهُ سفينة نوح حتّي ادركها اواۤئل هذه الامة اي شيئاً من اجزاۤئها الي زمان بعثة النبي (ص‌) و في الحديث عنه صلّي اللّٰهُ عليه و آله بلّغوا عنّي و لو آيةً و المراد بالٰاية هنا الكلام المفيد و ان كان قليلاً و قوله تعالي في تسع آيات اي المعجزات و هي العصا و اليد و الطوفان و الجراد و القمّل و الضفادع و الدم و الطمس علي اموالهم و السنين اي الجدب و قيل التّسع غير اليد و العصي و هي السبع المذكورة و فلق البحر و نقص من الاموال و الانفس و الثمرات و الٰايات المشتركة بين آل فرعون و بني‌اسراۤئيل الٰايات المذكورات و فلق البحر و الحجر و رفع الطور و غيرها مختصة و الحاصل انّ هذه المعاني في الحقيقة متقاربة يرجع بعضها الي بعض و علي اي فرض كان فليس للّه آية اظهرها لعباده الّا هم او منهم او لهم او عنهم كما دلّت عليه اخبارهم منها ما في الكافي عن اسباط بن سالم قال سألت اباعبداللّه عليه السلام و انا عنده عن قول اللّهِ تعالي و علامات و بالنجم هم يهتدون فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله النجم و العلامات الائمة عليهم السلام و فيه عن داود الرقي قال سألتُ اباعبداللّه عليه السلام عن قوله تبارك و تعالي و ماتغني الٰايات و النذر عن قوم لايؤمنون قال الٰايات الائمة و النذر الانبياۤء صلوات اللّه عليهم اجمعين و فيه عن يونس بن يعقوب رفعه عن ابي‌جعفر عليه السلام في قول اللّه كذّبوا بٰاياتِنا كلها يعني الاوصياۤء كلّهم و قول علي عليه السلام انا عصي موسي انا ناقة صالح و اذا اردت ان تقف علي حقيقة ما اشرت لك فانظر الي خطب عليّ عليه السلام كالخطبة المشتملة علي معرفته بالنورانية و غيرها و لاسيما خطبة البيان فانها قد اشتملت علي كثير من ذلك و هي و ان كانت نسخها مختلفة الّا انّها مشهورة لاتكاد تخفي حتي انه نقل عن العلّامة الفاخر محمدباقر المجلسي (ره‌) انه قال انّ اهل الخلاف نقلوا خطبة البيان و بالجملة هذه الدعوي التي ندّعيها عليهم مسلّمة عند العارفين المؤمنين فجميع العجاۤئب و المعاجز و الدلاۤئل و العلامات و العبر و الٰايات فالمراد بها هم و آياتهم كما قال السجاد عليه السلام في قوله تعالي و كانوا بٰاياتنا يجحدون و هي واللّه آياتنا و هذه احدها و هي واللّه ولايتنا و اعلي كل آية و اعظمها هم عليهم السلام و هو ما رواه ابوحمزة عن ابي‌جعفر عليه السلام قال قلتُ له جعلتُ فداءك ان الشيعة يسئلونك عن تفسير هذه الٰاية عمّ يتساۤءلون عن النبأ العظيم قال ذلك اليّ ان شئت اخبرتهم و ان شئتُ لم‌اخبرهم ثم قال لكني اخبرُكَ بتفسيرها قلتُ عمّ يتساۤءلونَ قال هي في اميرالمؤمنين عليه السلام كان اميرالمؤمنين عليه السلام يقول ما للّهِ تعالي آية اكبر مني و لا للّهِ نبَأٌ اعظم مني ه‍ ، و يجري لٰاخر الائمة ما يجري لاوَّلِهِمْ فهم الٰاية الكُبري كما قال تعالي لقد رأي من آيات ربّه الكبري اذا جعَلْنا الكبري مفعول رأي لا صفة لِآيٰاتٍ و ذلك حين خاطبه اللّهُ سبحانه ليلة المعراج بلسان علي عليه السلام فانّه صلي اللّه عليه و آله رأي ح انه ليس للّهِ آية اكبر من علي عليه السلام لانّه صلي اللّه عليه و آله رأي عليّاً عليه السلام لِسَاناً علِيّاً في المقام الاَعْلي ينطق بما اوحَي سبحانه علي عبده الذي يؤمن باللّهِ و كلماته صلي اللّه عليه و آله و ذلك وراۤء ما سمع ايّوب من الانبعاث عند المنطق فشكّ و بكي و قوله عليه السلام المخزونة يعني التي لايعلمها الّا اللّهُ و هم لانهم ذلك الاسم المخزون المكنون الذي استقر في ظل اللّهِ فلايخرج منه الي غيره و ذلك الظل هو الولي كما قال عليه السلام السّلطان ظلّ اللّهِ في ارضه و المراد بعدم خروجه منه الي غيره انّه لايعرفه غيره و انه لايكون الّا له تعالي لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون و انّه لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه اي لايكون لغير اللّه فيما مضي منه و من جميع احواله و لا فيما يأتي منه و لا من احواله و يجوز ان يكون المراد به الكناية عن عزّتها فان الشي‌ء العزيز عند الشخص يخزنه و يصونه عن غيره و لقد قال شاعر في هذا المعني في محبوبه يبالغ في ستره عن غيره قال :
اخافُ عليك من غيري و منّي       ** * **      و منك و من مكانك و الزمانِ
و لو انّي جعلتك في عيوني       ** * **      الي يوم القيمة ماكفان۪ي
و يجوز ان يكون انهم الٰاية التي يجب ان تكون مخزونة عنده سبحانه لانّها لو ظهرت انمحق من نورها كلّ من انتهي اليه شي‌ء من نورها فيجب خزْنها و سَتْرُهَا لاجل ذلك او لانّها لايسَعُهَا مكان من دون ما هي مخزونة فيه لاحاطتها بكل ممكن فلايسَعُهَا ممكن او لانّ رتبة وجودها لايمكن ان يوجد قبلها شي‌ء و لا فيها و لا معها ليكشِفَها و لايدانيها شي‌ء ليعرفها فاقتضي حالها في الحكمة ان تكون مخزونة او لانّ صلاح نظام العالم لايتوقّف علي اظهارها فاقتضت الحكمة سترهَا و قول الشارح رحمه اللّه المخزونة لخلّص عباده و هم العارفون ببعض رتبهم ظاهره انّها مدَّخرةٌ لهم فان اراد اَنّ اِثابتهم و تقريبَهم و رفعَهُمْ لدرجات الخلّص مدّخرة امكن صحته علي بعدٍ لمخالفته للظاهر و اشتماله علي المجاز و الحذف و الّا فلا معني له و انّما المراد ما سمعتَ ممّا ذكرنا و ما اشبهه .
قال عليه السلام : و الامانة المحفوظة و الباب المبتلي به الناس ،
قال الشارح (ره‌) و الامانة المحفوظة الواجب حفظها علي العالمين ببَذْل انفسهم دون نفوسهم و اموالهم دون اموالهم و اَعراضهم او اِمامتهم تجوّزاً لقوله تعالي انّا عرضنا الامانة الخ ، و قوله تعالي ان اللّه يأمركم ان تؤدوا الامانات الي اهلها و روي في الاخبار الصحيحة انّ المراد بها الامامة و ان المخاطب بها في الاخيرة الائمة عليهم السَّلام بان يؤدوها الي الامام الذي بعده من اللّه تعالي و الباب المبتلَي به الناس كباب حطّة ابتلِي به بنوااسراۤئيل بدخولها سجّداً و قولهم حطّة فدخله جماعة فقالوا حطّة اي حُطّ ذنوبنا و نجوا و بعضهم قالوا حنطة و هلكوا كذلك من دخل في باب متابعتهم نجي و من لم‌يدخل هلك كما ورد في الاخبار الكثيرة و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله انا مدينة العلم و عليّ بابها و قال اللّه تعالي و اتوا البيوت من ابوابها انتهي كلامه .
اقول الامانة هم عليهم السلام انزلهم اللّه سبحانه من غيب قدسه الي عباده نوراً يستضيئون به روي القمّي في قوله تعالي فٰامنوا باللّه و رسوله و النور الذي انزلنا قال النور اميرالمؤمنين عليه السلام و في الكافي عن الكاظم عليه السلام الامامة هي النور و ذلك قوله تعالي آمنوا باللّه و رسوله و النور الذي انزلنا قال النور هو الامام و عن الباقر عليه السلام في هذه الٰاية فقال النور واللّه الائمة عليهم السلام لنور الامام في قلوب المؤمنين انور من الشمس المضيۤئة بالنهار و هم الذين ينوّرون قلوب المؤمنين و يحجب اللّه نورهم عمّن يشاۤء فتظلم قلوبهم و يغشيهم بها ه‍ ، فحيث انزلهم الي الخلق الزم خلقه الوفاۤء بما عاهدوهُ من الوفاۤء بحفظ ما انزل اليهم حين قال لهم الستُ بربّكم قالوا بلي و قد ترجم هذا العهد لهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يوم الغدير للنّاس بلسانهم ليبيّن لهم فقال الستُ اولي بكم من انفسكم قالوا بلي فقال من كنتُ موليٰهُ فعليّ موليٰهُ اللهم والِ مَن والاه و عادِ من عاداه و انصر من نصرَهُ و اخذل مَنْ خذله و في مختصر بصاۤئر سعد الاشعري عن موسي بن جعفر (ع‌) قال قال الصادق عليه السلام مَن صلّي علي النبي صلي اللّه عليه و آله فمعناه اني علي الميثاق و الوفاۤء الذي قبلتُ حين قوله الستُ بربّكم فانزل عليه شاهد الترجمة قرءاناً ناطقاً بلسانٍ عربيّ مبين يفهم مرادَهُ مَنْ سبقت له العناية بفهمه قال تعالي و قوله الحقّ انّما وليّكم اللّه و رسوله و الّذين آمنوا الّذين يقيمون الصَّلوة و يؤتون الزكوة و هم راكعون فلمّا كلّفهم سبحانه و ترجم ذلك التكليف محمد صلّي اللّه عليه و آله لهم بقوله الستُ اولي بكم من انفسكم و شهد اللّه لترجمته بقوله انّما وليكم اللّه الٰاية ، و اكمل لهم الدين بالمراد من تبيين نبيه صلي اللّه عليه و آله انزل في عباده اية الجزاۤء فقال تعالي فمن نكث فانّما ينكثُ علي نفسه و من اَوفي بما عاهَد عليه اللّه فسيؤتيه اجراً و الوفاۤء بما عاهدهم عليه من حفظ الامانة المنزلة اليهم و هو النور و هو الائمة عليهم السلام و هو ولايتهم و هو الدين الخالصُ للّهِ و حفظهم الواجب من اللّه علي خلقه ان يحفظوا انفسهم عليهم السلام و ما لَهم و عرضَهم و دينَهم و معرفتهم و حبّهم و الولاية بهم و البراۤءة من اعداۤئهم و الردّ اليهم و التّسليم لهم في كلّ حالٍ و التزام حدودهم و القيام باوامرهم و اجتناب نواهيهم علي حسبِ ما حَدّدوا ببذلِ انفسهم دونَهُمْ و مالهم و اهليهم بالسنتهم و ايديهم و قلوبهم و جميع جوارحهم لايعصونهم في شي‌ء يمتثلون اوامرهم و يجتنبون نواهيهم و يؤثرونهم علي انفسهم في كلّ شي‌ء فمعني المحفوظة التي امر اللّه بحفظها علي هذا الوجه و نحوه و معني المحفوظة ايضاً انّه سبحانه حفِظها و سترها علي نحو ما ذكرنا في المخزونة و معني المحفوظة ايْضاً انّه سبحانه جعلها في حفظِه و رِعايته۪ فلايقدر احد من الخلق ان يخفض قدرهم او يغيّرهم عن مراتبهم التي رَتَّبَهُم اللّٰهُ فيها و هو معني قوله تعالي يريدون ليطفِئوا نور اللّه بافواههم و اللّه متم نوره و لو كره المشركون ، و في الكافي عن الكاظم عليه السلام يريدون ليطفِئوا ولاية اميرالمؤمنين عليه السلام بافواههم و اللّه متم الامامة لقوله الّذين آمنوا باللّه و رسوله و النّور الّذي انزلنا فالنور هو الامام (ع‌) و القمي و اللّهُ متم نوره بالقاۤئم من آل‌محمد عليهم السلام اذا خرج يظهره اللّه علي الدين كله حتي لايعبد غير اللّه ه‍ ، و معني المحفوظة ايضاً انه سبحانه حفظها بالعصمة و التأييد و التّسديد و الامدادِ بالنّور الحقِّ الذي لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و معني قولنا انّهم الامانة لِانَّ اللّه سبحانه انْزلهم من غيب قدسِه۪ الَي عبادِه نوراً يستضيئوۤن به اَنّهم اِنّما صنعهم لاجله و صنع من سواهم لهُمْ فَلمّٰا كان من سواهم لاينتفعون به الّا مع بقاۤئه و صلاحه و بقاۤؤه و صلاحه لايمكن الّا بالاستمداد من النور و الاستمداد من النور لايكون الّا منهم عليهم السلام و بواسطتهم و لايمكن وصول من سواهم الي مقامهم انزلهم تراجمةً عنه نوراً يستضي‌ء به مَنْ سواهم فكانوا عليهم السلام امانتهُ عند عباده لانهم له وحده كما قال تعالي في الحديث القدسي خلقتُ الاشياۤء لاجلك و خلقتُكَ لاجلي و قربي ه‍ ، و لك ان تفسّر الامانة بولايتهم و كل ما ذكر فيهم يذكر في ولايتهم بلا فرق الّا انّ الكلام يكون فيه مجاز علي الظّاهر لانهم غير الولاية و لك ان تجعلهم اصل الولاية فتكون هي صفة لهم و هو معني التفويض الصحيح الذي ذكروه في اخبارهم كما اشرنا اليه سابقاً لا التفويض الباطل المستلزم رفع سلطان الحق تعالي عن ملكه بل معني التفويض الحقّ هُوَ مَا فوّض سبحانه الرميَ الي محمد صلي اللّه عليه و آله و بيّن حقيقة هذا التّفويض الحق بقوله الحقّ و مارَمَيْتَ اِذْ رَميْتَ و لكن اللّهَ رَمَي فحاصل هذا التّفويض و معناهُ جَعلهم اولياۤء علي جميع خلقه يتصرّفون فيهم بامر اللّه كما شاۤءَ اللّهُ اَنْ يفعلوا فهم اِذا شاۤؤا شاۤء اللّهُ و لايشاۤؤن الّا ان يشاۤء اللّه و هو قوله تعالي هذا عطاۤؤنا فامنن اَوْ اَمْسك بغير حساب فالسر الجامع لانهم يفعلون ما شاۤؤا و لا يشاؤن اِلّا اَنْ يَشاۤء اللّه هو قوله هٰذا عطاۤؤنا اي بمشيتنا و قوله فامنن اوْ اَمْسِكْ اي بمشيّتك فهذا ولايتهم التي هم اصلها و لك ان تجعل الولاية اصلاً لهم و ذلك لانّ الولاية هي ولاية اللّه الازليّة قال تعالي هنالك الولاية للّه الحق هو خير ثواباً و خير عقباً و هُم مَظَاهِرُ تلك الولاية و ذواتُهُمْ صِفَتُها و مثلها و دليلها فما هم اِلّا آيتُها قال عليّ عليه السلام انا صاحب الازَلِيّة الاوّليّة فعلي اعْتِبارِ اَنَّها الاصْل قال تعالي وَ مٰارَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمَي و علي اعتبارِ اَنَّها الفرع قال تعالي اذْ رَميْتَ فعلي الفرعيّة هي المجاز و علي الاصلية هم المجاز و هو قول الباقر عليه السلام في قوله تعالي و لئن قتلتم في سبيل اللّه او متّم فقال يا جابر اتدري ما سبيل اللّهِ قلتُ لا واللّه الّا اذا سمعتُ منك فقال القتل في سبيل علي عليه السلام و ذرّيّتهِ فمن قتل في ولايته قتل في سبيل اللّهِ الحديث ، و هذا الحديث جار علي فرعية الولاية فعلي فرعيّتها هي الامانة المحفوظة بما قلنا و فيهم اعتبارانِ حينئذ فباعتبار انّهم المقامات العُليا هم المودِعون و المستحفِظون بالبناء للفاعل و باعتبار اَنّهم الْمَعاني او الابواب هم ايضاً الامانة المُسْتَحْفَظَةُ بالبناء للمفعول و علي اصليّتها هم الامانة المستحفَظَةُ بالبناء للمفعول و هي المستحفِظة بالبناء للفاعل و الامانة المحفوظة هي الامانة المعروضة في قوله تعالي انّا عرضنا الامانة علي السموات و الارض و الجبال فابَيْنَ ان يحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان انّه كان ظلوماً جهولاً و قال الرضا عليه السلام الامانة هي الولاية من ادّعاها بغير حقٍّ كفر و في البَصاۤئر عن الباقر عليه السلام هي الولاية ابين ان يحملنها كفراً و حملها الانسان و الانسان ابوفلان و في المعاني عن الصادق عليه السلام الامانة الولاية و الانسان ابوالشرور المنافق فهذه الروايات تدلّ علي انّ الامانة هي الولاية و يجوز ان يكون المعروض هم الائمة عليهم السلام فعن الصادق عليه السلام ما معناه ان اللّهَ عرض ارواح الائمة علي السموات و الارض و الجبال فغشِيَها نورهم و قال في فضلهم ما قال ثم قال فولايتهم امانة عند خلقي فايّكم يحملها باثقالها و يدّعيها لنفسه فابت من ادّعاۤء منزِلتها و تمنّي محلّها من عظمة ربهم فلمّا اسكن اللّهُ آدَم و زوجته الجنّة و قال لهما ما قال حملَهُما الشيطان علي تمنّي منزلتهم فنظَرا اليهم بعين الحسد فخُذِلا حتّي اَكَلا من شجرة الحنطة الي ان قال فلم‌تزل انبياۤء الله بعد ذلك يحفظون هذه الامانة و يخبرون بها اوصياۤءهم و المخلصين من اُمَّتِهِمْ فيأبون حملها و يشفقون من ادّعاۤئِها و حملها الانسان الذي قد عرف باصل كل ظلمٍ منه الي يوم القيمة و ذلك قول اللّه تعالي انّا عرضنا الامانة الٰاية ، فدلّ علي ان المعروض الائمة و الامانة ولايتهم و الٰاية تدل علي انّ المعروض هو الامانة و المراد واحد لانّ عرضهم لقبول ولايتهم وَ التكليف بها فعرضهم لعرضِها و عَرضُها بعرضهِمْ .
قوله عليه السلام : و الباب المبتلي به الناس ،
المراد بالباب باب حطة قيل هو باب القرية التي امروا بدخولها و هي اَرِيحا قرية من قري الشام و قيل باب القبة التي كانوا يصلون اليها و قيل باب حطّة من بيت المقدس و هو الباب الثامن و ذلك بعد التّ۪يه و في تفسير العسكري عليه السلام و كان خلافهم انّهم لما بلغوا الباب رأوا باباً مرتفِعاً قالوا ما بالُنا نحتاج ان نركع عند الدخول هيهنا ظننّا انه باب متطامِن لا بد من الركوع فيه و هذا باب مرتفع و الي متي يسخر بنا هؤلاۤء يعنون موسي ثم يوشع بن نون و يسجدُونَنا في الاَباطيل و جعلوا اَسْتاههم نحو الباب و قالوا بدل قولهم حطّة ما معناه حنطة حمراۤء فذلك تبديلهم اقول قالوا حِطاسُمْقَاثا اي حنطة حمراۤء بلغة القبط و قيل طُوطِئَ لهم الباب اي خُفِضَ ليخفضوا رؤسهم فلم‌يخفضوها و دخلوا مُتَزَحِّف۪ينَ علي اَوْراكِهم و علّة ذلك ان اللّه سبحانه مثّل علي الباب مثال محمد و علي صلي اللّه عليهما و امرهم ان يسجدوا تعظيماً لِذلك و يجدّدوا علي انفسهم بيعتهما و ذكر موالاتهما و يذكروا العهد و الميثاق المأخوذَيْنِ عليهم لهما لان اللّه تعالي امر نبيّه عليه السلام ان يأخذ العهد و الميثاق لمحمد و عليٍ صلي اللّه عليهما علي بني‌اسراۤئيل في اصل اسلامهم و بيّن لهم انّ النصر علي الجبّارين و الفتح انما يحصل من اللّه تعالي بالتوجّه اليه تعالي بهما و الاخلاص لهما و القيام بولايتهما فلمّا فتح بهما عليهم و دخلوا القرية مثّل صورتهما علي باب القرية و امرهم بالسجود للّه تعظيماً لَهُمَا و شكراً لنعمته عليهم بهما ثمّ ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لوّحَ بالسر لاهله بقوله لتركبُنَّ سنَنَ من كان قبلكم حذْوَ النعل بالنعل و القذّة و القُذّة ( بالقُذّة ظ ) حتّي لو سلكوا جُحْرَ ضَبٍّ لسلكتمُوه و اظهر هذا المعني للخاۤصّة و العاۤمّة ليكون حجّة علي الجاحِد۪ين و في عيون‌الاخبار عن علي بن ابي‌طالبٍ عليه السلام قال قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لكل امّةٍ صدّيق و فاروق و صدّيق هذه الامّة و فاروقها علي ابن ابي‌طالبٍ ان عليّاً سفينة نجاتها و باب حطّتها و في الخصال قال علي عليه السلام و امّا العشرون فانّي سمعتُ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول مثلك في امّتي مثل باب حطّة في بني‌اسراۤئيل فمن دخل ولايتك فقد دخل الباب كما امر اللّه عز و جل و فيه يقول اميرالمؤمنين عليه السلام في حديث طويل و نحن باب حطّة و في كتاب التوحيد عنه عليه السلام قال انا باب حطّة و في روضة الكافي قال عليه السلام الا و انّي فيكم ايها الناس كهٰرون في آل فرعون و كباب حطّة في بني‌اسراۤئيل و عن الباقر عليه السلام عنه عليه السلام انه قال نحن باب حطّتكم و الاحاديث في هذا المعني كثيرة و المراد بالباب المبتلي به الناس كما ذكرنا باب حطّة و هم باب حطّة هذه الامة كما قال عليه السلام نحن باب حطّتكم بل باب حطّة كلّ الخلق من الحيوانات و النباتات و الجمادات لانهم هم ذمام اللّه المنيع الذي لايطاول و لايحاول الّذي ذلّ لهُ كلّ شي‌ء و قد اخذ اللّه سبحانه الميثاق علي جميع خلقه الصامت منهم و الناطق بقبول ولايتهم فمن قبلها صلح و من لم‌يقبلها فسد و باب حطّة الذي في بني‌اسراۤئيل مثلهم لبني‌اسراۤئيل و لهذا مثّلَ سبحانه عليه مثال محمد و عليّ صلي اللّه عليهما و آلهما هذا ما يظهر للنّاس و الذي يشاهده الخواص انّ مثال محمد و علي و آلهما صلّي اللّه عليهما و آلهما القيٰه اللّه سبحانه في هويّةِ كلّ مخلوق من الصامت و الناطق و اليه الاشارة بقول جعفر بن محمد عليهما السلام :
فيا عجَبا كيف يعصي الاله       ** * **      ام كيف يجحده الجاحدُ
و في كلّ شي‌ء له ايةٌ       ** * **      تدلّ علي انه واحد
و ذلك من قوله تعالي سنُريهم آياتنا في الٰافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحقّ فقال الصادق عليه السلام نحن الٰايات التي اراكم اللّه ايّاها لانه عليه السلام قال لعبداللّه ابن بكر الارجاۤئي و هو يقول سنريهم آياتنا في الٰافاق و في انفسهم فاي آيةٍ في الٰافاق غيرنا اراها اللّه اهل الٰافاق و قال مانريهم من آية الّا هي اكبر من اختها فايّ آية اكبر منّا فنفي كلّ آية في الٰافاق غيرهم مع نصّ القرءان علي اثباتها فليس المراد بالٰايات غيرهم فاذا كان في الحجر آية تدل علي انّه تعالي واحد ثبت انّ تلك الٰاية مثالهم لانّهم عليهم السلام هم هياكل التوحيد و آثار النور من الوجود تلوح علي هيئة تلك الهياكل اي تظهر علي تلك الهيئة و تلك الهيئة هي مثالهم الذي القيٰهُ اللّه سبحانه في هويّات الاشياء ثم لمّا كان التكليف علي حسب مقتضي ذوات المكلفين و افعالهم لانه سبحانه انّما كلّفهم بطاعته لما هم عليه في ذواتهم و في انبعاثِ اَفْعالهم عنهم و ذلك تأويل قوله تعالي و لو اتّبع الحق اهواۤئهم لفسدت السموات و الارض و مَن فيهن بل اَتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون اي انّا مااتيناهم من الايجاد و التكليف الّا بما هم عليه من مقتضي ذواتهم و افعالهم وجب ان تكون تلك المقتضيات التي هي كينونات ذواتهم و افعالهم مرتبطةً بوجوهها من صفاتهم عليهم السلام التي هي مبادي هيئات اولۤئك المكلفين و تلك المبادي هي ابواب حطّتهم اي المكلِّفين بكسرِ اللام و امثال هذه الابواب معارِفُ و آدابٌ و اوامرُ و نواهي و ارشاداتٌ و دلاۤئل و هي ابواب حطتهم اي حطة المكلَّفين بفتح اللام و اشباحُ الابواب الاولي ممثّلةٌ علي ابواب حطّة المكلفين بفتح اللام التي هي المعارف و الٰادابُ و الاوامرُ و النواهي و الارشاداتُ و الدلاۤئلُ فامر اللّه عز و جل عباده اجمعين بالدخول في هذا الباب سُجّداً خاضعين للّه تعالي و تعظيماً لتلك الامثال التي هي معلقة علي ابواب حطتهم التي هي تكاليفهم و شكراً لتلك النعمة العظمي التي هي الهداية و التبصرة و التمكين و التوفيق و الدلالة علي تلك الابواب الموصلة الي بيوته التي اذن اللّه ان ترفع شأناً و قدراً عن النظاۤئر و الاشباه و يذكر فيها اسمه بان ينزّل مقامها عن مقام الاله الذي لايعبد سواه و اعتقاداً لولايتهم عليهم السلام و ان يقولوا حطّةٌ لذنوبنا و محو لسيّئاتِنا فمن قام بحكم هذه الولاية فله خير منها كما قال تعالي من جاۤء بالحسنة فله خير منها و هم المحسنون الذين لهم الزيادة من اللّه علي قدر احسانهم و من ظلمهم حقّهم و بدّل قولاً اي امام جورٍ و ضلالةٍ غير الذي قيل له اي امر به من اتّباع امام الهُدَي و الحقّ فقد هلك فجرت سنّة اللّه في هذه الامة كما جرت في الذين خلوا من قبل و لن‌تجد لسنة اللّه تبديلاً و انّما ابتُلي النّاس بدخول هذا الباب مع انّه باب السّعادة في الدنيا و الٰاخرة لايشكُّ فيه احد منهم لانّ التكليف جري عليهم بالاختيار ليهلكَ من هلك عن بيّنةٍ و يَحْيَي مَنْ حَيَّ عن بَيّنةٍ و هو مخالفٌ لهوي النفس و شهوتها و خُلِّي بينهم وَ بين الشيطان فزيّنَ لهم ما بين ايديهم و ما خلفهم لانه فتح عليهم باب هوي انفسهم فطابقَتْ دعوته هوي انفسهم فتسلّط عليهم فصدّهم عن السبيل و ماكان له عليهم من سلطان الا لنعلم مَن يؤمن بالٰاخرة اي ولاية اميرالمؤمنين (ع‌) ممن هو منها في شكٍ و قول النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام مثلك في امّتي مثل باب حطّة في بني‌اسراۤئيل مع ان مقتضي ما قرّرنا ان يقال مثل باب حطة في بني‌اسراۤئيل مثلك في امّتي يريد به انّهم لمّا كانوا عالمين بقصّة باب حطة و كانوا مُصوِّبين رأي مَن دخل في ذلك ساجداً للّه تعالي ممتثلاً لما امر به من قول حطّة مقرّين بنجاته منكرين علي من لم‌يسجد مخطّئين لرأيه معتقدين لهلاكه و ذلك لانّهم لم‌يُبْتَلوا به و انّما ابتُلِي به غيرهم كانت الحكمة في ان يدعوهم الي ما جهلوا امرَهُ بان يشبِّهَهُ بما اقروا به و اعتقدوه بعد ما بيّن اللّه لهم من الامثال و الادلّة فيما رأوا باعينهم و سمعوا باذانهم و فهموا بقلوبهم من جريان افعال من تأخّر من الامم علي سننِ مَن مضي و طباعهم و اخلاقهم حتي عرفوا في انفسهم انّ الطبيعة تقتضي وجود مثل باب حطّة في هذه الامة اوْ اذا وُجد في هذه الامّة نظيره لم‌يكن مستغرباً بل هو جارٍ علي ما ينبغي لتشابه الطباع بين ساۤئر الامم فخاطبهم بالتنظير بما عرفوه لتلزمهم الحجة فان قلتَ من اين قلتَ انّهم فهموا ذلك مع انّهم اعراب و جهّال لايعرفون مثل هذا الذي لايعرفه الّا آحاد العلماۤء قلتُ انّما قلتُ ذلك و حكمتُ به لمّا ثبت عند كلّ احد انّ من لم‌يقبل ما دعاهم اليه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقد ضَلّ عن طريق الحقّ و قد قال اللّه تعالي و ماكان اللّه ليضلّ قوماً بعد اذ هداهم حتي يبيّن لهم ما يتقون فلو لم‌يبيّن لهم ذلك لمَاحكم عليهم بالضّلالة حين ردّوا تنظير رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لهم لانّهم لايعلمون و ليس علي العباد اَنْ يعلموا حتّي يعلّمهم اللّه .
قال عليه السلام : من اَتيٰكم نَجي و مَن لم‌يأتكم هَلك ،
المراد باتيانهم معرفتهم و الرّد اليهم و معرفة فرض طاعَتِهم و وجوب النصيحة لهم و اللزوم لجماعتهم و موالاتهم و الاقتداۤء بهم و الكون معهم و التسليم لهم في كل حال و ذلك لما ذكرنا سابقاً انّهم باب وجود الخلاۤئق و باب التكليف لهم بالشراۤئع و الطراۤئق و الحقاۤئق و هم في ذلك كلّه وجه الاله الخالق سبحانه من توجّهَ الي اللّه بهم فقد توجّه الي اللّه تعالي و مَنْ توجّهَ الي اللّه تعالي بدونهم فقد خرّ من السماۤء سماۤء الحقّ و الهداية و هوي في سُبُل الباطل و الضلالة فتخطفه الطير اي الشياطين او تهوي به الرّيح اي هوي النَّفْس الاَمّارَة بالسُّوء في مكان من الضلالة سحيق بعيد لا غاية له من الخذلان كما قال تعالي قل من كانَ في الضلالة فليمدُدْ له الرحمن مدّاً و انّما قال تعالي الرحمن و لم‌يَقل اللّه مع انّ الفاعل في الحقيقة واحد لانه سبحانه يفعل ذلك بهم بوليّه عليه السلام لانه يذودهم بانكارهم له و لاهل بيته عليه و عليهم السلام عن الكوثر و يوردهم الحميم و هو قوله تعالي و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم داۤبّةً من الارض تكلّمهم انّ النّاس يعني المنكرين للائمة عليهم السلام كانوا بٰاياتنا لايوقنون يعني يشكون في امامة الائمة عليهم السلام من بعد ما تبيّن لهم الهدي و ممّا ورد عنهم في وجوب معرفتهم علي جميع الخلق في الكافي عن زرارة قال قلت لابي‌جعفر عليه السلام اخبرني عن معرفة الامام منكم واجبة علي جميع الخلق فقال انّ اللّه تعالي بعث محمّداً صلّي اللّه عليه و آله و سلم الي النّاسِ اجمعين رسولاً و حجّة للّه علي جميع خلقه في ارضه فمن آمن باللّه و بمحمد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و اتّبعه و صدّقه فانّ معرفة الامام منا واجبة عليه و من لم‌يؤمن باللّهِ و برسوله و لم‌يصدّقْه و يعرف حَقّهُمٰا فكيف تجب عليه معرفة الامام و هو لايؤمن باللّه و رسوله و يعرف حقّهما قال قلتُ فما تقول فيمن يؤمن باللّه و رسوله و يصدّق رسوله في جميع ما انزل اللّهُ يجب علي اولۤئك حقّ معرفتكم قال نعم اليس هؤلاۤء يعرفون فلاناً و فلاناً قلتُ بلي قال اتري انّ اللّه هو الذي اوقع في قلوبهم معرفة هؤلاۤء واللّهِ مااوقع ذلك في قلوبهم الّا الشيطان لا واللّهِ ما الهمَ المؤمنين حقّنا الّا اللّه اقول قد دلّ هذا الحديث و امثاله علي وجوب معرفتهم و قوله (ع‌) فكيف تجب عليه معرفة الامام الخ ، لايلزم منه انّ معرفة الامام لاتجب الّا علي المسلمين خاۤصّة كما توهّمه بعضهم مثل الملّامحسن في الوافي حيث استدلّ به علي ان الكفار ليسوا مكلّفين بشراۤئع الاسلام قال كما هو الحق خلافاً لما اشتهر بين متأخري اصحابنا انتهي ، و الحق وجوب ذلك علي الكفار و قد ادّعي كثير منهم الاجماع علي انهم مكلفون بشراۤئع الاسلام و هذا الحديث ليس المراد منه هذا الظّاهر بل المراد بيان التلازم لانه من لم‌يؤمن باللّه و رسوله كيف يؤمن بهم اي لايثبت له ايمان بهم و لايقبل منه و من لم‌يؤمن بهم و انكرهم كيف يؤمن باللّه و رسوله اي لايثبت له ايمان بهما و لايقبل منه و يؤيده ما رواه جابر قال سمعتُ اباجعفر عليه السلام يقول انما يعرف اللّه و يعبده من عرف اللّه و عرف امامه منا اهل البيت و من لايعرف اللّه تعالي و يعرف الامام منا اهل البيت فانما يعرف و يعبد غير اللّه هكذا واللّه ضُلّالاً فقولي بيان التلازم ان المراد انه لايعرف اللّه من لايعرفهم و لايعرفهم من لايعرف اللّه و هذا واضح و شرط الايمان المعرفة فاذا توقف الايمان بهم علي الايمان باللّه و الايمان باللّه علي الايمان بهم لزم انه لايجب الايمان بهم حتي يؤمن باللّه و لايجب الايمان باللّه حتي يؤمن بهم و الّا لماكان الايمان بهم شرطاً في الايمان باللّهِ و احاديثهم كما سمعتَ و تسمع ان شاء اللّه ناصّةٌ علي الشرطيّة بلا خلافٍ بينهم عليهم السلام في ذلك مع ما روي عنهم عليهم السلام ما معناه و عن علي عليه السلام و عن النبي صلي اللّه عليه و آله مثل مااختلفوا في اللّه و لا فيّ و انّما اختلفوا فيك يا عليّ و انّ جميع الامم الماضية الذين اهلكوا بالعذاب انّما اهلكوا لانكارهم ولاية الائمة عليهم السلام فلو قيل بانه لايجب الايمان بهم الّا علي مَن آمَن باللّهِ لماجاز اهلاك الكفار بانكارهم الولاية مع انهم لم‌يؤمنوا باللّه و هذا معني احاديثهم و ليس هذا محلّ هذه المسئلة لننقل الاحاديث و كلام العلماۤء و نبيّن كيفيّة الاستدلال و انما نبّهْتُ علي هذا استطراداً في الجملة حين ذكرتُ الحديث في الاستدلال علي وجوب معرفتهم و الرّد اليهم و فرض طاعتهم و كان مشتملاً علي ما يوهم هذه الشبهة و فيه ايضاً عن مقرن قال سمعتُ اباعبداللّه عليه السلام يقول جاء ابن‌الكوّا الي اميرالمؤمنين عليه السلام فقال يا اميرالمؤمنين و علي الاعراف رجال يعرفون كُلّاً بسيمٰيهم فقال نحن علي الاعراف نعرف انصارنا بسيمٰيهم و نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الّا بسبيل معرفتنا و نحن الاعراف يُعَرِّفنا اللّه تعالي يوم القيمة علي الصراط فلايدخل الجنّة الّا من عرفنا و عرفنَاه و لايدخل النار الّا من انكرنا و انكرناه انّ اللّه تعالي لو شاۤء لعرَّف العباد نفسه و لكن جعلنا ابوابه و صراطه و سبيله و الوجه الّذي يُؤتي منه فمن عدل عن ولايتِنا او فضّل علينا غيرنا فانّهم عن الصراط لناكبون فلا سواۤء من اعتصمَ النّاسُ به و لا سواۤء حيثُ ذهب الناسُ الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و ذهب مَن ذهبَ الينا الي عيون صافيةٍ تجري بامر ربّها لا نفاد لها و لا انقطاع و فيه عن عبدالحميد بن ابي‌العلا قال دخلتُ المسجد الحرام فرأيتُ مولي لابي‌عبداللّه عليه السلام فملتُ اليه لاسأله عن ابي‌عبداللّه عليه السلام فاذا انا بابي‌عبداللّه عليه السلام ساجداً فانتظرته طويلاً فطال سجوده علي فقمتُ و صلّيتُ ركعاتٍ و انصرفتُ و هو بعدُ ساجد فسألتُ موليه متي سجد فقال من قبل ان تأتينا فلمّا سمع كلامي رفع رأسه ثم قال يا ابامحمد ادنُ مني فدنوتُ منه فسلّمتُ عليه فسمع صوتاً خلفه فقال ما هذه الاصوات المرتفعة فقلتُ هؤلاۤء قوم من المرجئة و القدريّة و المعتزلة فقال ان القوم يريدونني فقم بنا فقمتُ معه فلمّا رأوه نهضوا نحوه فقال لهم كفّوا انفسكم عني و لاتؤذوني و تعرّضوني للسلطان فانّي لستُ بمُفْتٍ لكم ثم اخذ بيدي و تركهم و مضي فلمّا خرج من المسجد قال لي يا ابامحمّد واللّه لو ان ابليس سجد للّه تعالي بعد المعصية و التكبّر عمر الدّنيا مانفعه ذلكَ و لاقبله اللّه تعالي ما لم‌يسجد لٰادَم (ع‌) كما امره اللّه تعالي ان يسجد له و كذلك هذه الامّة العاصية المفتونة بعد نبيّها صلي اللّه عليه و آله و بعد تركهم الامام الذي نصبه نبيّهم (ص‌) فلن‌يقبل اللّه لهم عملاً و لن‌يرفع لهم حسنة حتي يأتوا اللّٰهَ من حيث امرهم و يتولَّوُا الامام الذي اُمِروا بولايته و يدخلوا في الباب الذي فتحه اللّٰهُ و رسوله لهم يا ابامحمد انّ اللّه افترض علي امّةِ محمّد صلّي اللّه عليه و آله خمس فراۤئض الصلوة و الزكوة و الصيام و الحج و ولايتنا فرخص لهم في اشياۤء من الاربعة و لم‌يرخّص لاحدٍ من المسلمين في ترك ولايتِنا لا واللّهِ ما فيها رخصةٌ و فيه عن ابن ابي‌يعفور عن ابي‌عبداللّه عليه السلام انّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلم خطب الناس في مسجد الخيف فقال نَضَّر اللّه عبداً سمِع مقالتي فَوَعاها و حفِظها و بلّغَها مَن لم‌يسمعها فرُبَّ حامل فقهٍ غير فق۪يهٍ و رب حامل فقهٍ الي من هو افقه منه ثَلٰثٌ لايغلّ عليهنّ قلبُ امرءٍ مسلمٍ اخلاص العمل للّهِ و النّصيحة لائمةِ المسلمين و اللزوم لجماعتهم فانّ دعوتهم محيطة من وراۤئهم المسلمون اخوة تتكافَي دماۤؤهم و يسعَي بذمّتهم ادناهم هذا برواية البزنطي و برواية حماد بن عثمن عن ابان عن ابن ابي‌يعفور مثله و زاد فيه و هم يد علي من سواهم الحديث .
و قوله صلّي اللّه عليه و آله لايغلّ من الغلول او الاغلال يعني لايخون او من الغِلِّ بمعني الحقد وَ الشحناۤء اي لايدخله حِقْدٌ يُزيله عن الحقِّ و بالجملة انّ الاحاديث في وجوب معرفتهم و الردّ اليهم و فرض طاعتهم و وجوب النّصيحة لهم و اللزوم لجماعتهم و موالاتهم و الاقتداۤء بهم و الكون معهم و التّسليم في كل حالٍ و انّ من كان معهم نجي و كان من المفلحين و انّ مَنْ لم‌يأتهم او ردَّ عليهم او اعترض عليهم او عدل بهم سواهم او تقدّمهم او تأخّر عنهم او قدّم عليهم غيرهم او شكّ فيهم او في شي‌ء من فضاۤئلهم اوْ مال بقلبه الي مَن فعل شيئاً من ذلك و كان ذلك منه بعد ان تبيّن له الهدي فهو هالك و هو من الخاسرين .
قال عليه السلام : الي الله تدعون و عليه تدلّون و به تؤمنون و له تسلّمون و بامره تعملون و الي سبيله ترشدون و بقوله تحكمون ،
قال الشارح (ره‌) الي اللّه تدعون بالحكمة العمليّة و عليه تدلّون بالحكمة العلمية من المعارف و الحقاۤئق و له تسَلِّمُون بالتخفيف و التشديد و الي سَبيلِه۪ ترشدون الخلقَ باتمّ الارشاد و الحمل لبيان احوال حياتهم او مع اخبارهم المنقولة المُتَواترة عنهم انتهي ،
اقول انّهم عليهم السلام يدعون الَي اللّٰهِ بما دعا به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله دعا الي اللّه بما امره به ربّه سبحانه و تعالي قال عز و جلّ ادع الي سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن فالحكمة هي الهدي و هو العلمي الذوقي فمنه ما يتعلق بالعمل و هو الحكمة العملية و منه ما هو معقول و هو الحكمة العلميّة فهم يدعون الي اللّه تعالي بالحكمة علي المعنييْنِ العلمي و العَملي امّا العلمي فمدركه بالفؤاد و هو يستند الي الكتاب و السنة و هو طريق التوسم كما قال عليه السلام اتّقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللّهِ و ذلك هو الذي خلق منه كما قال الصادق عليه السلام انّ اللّٰهَ خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته و اخذ ميثاقهم لنا بالولاية و لعليّ اميرالمؤمنين عليه السلام فالمؤمن اخو المؤمن لأبيه و اُمِّهِ ابوه النور و امّه الرحمة و انّ المؤمن ينظر بنور اللّه قال الصادق عليه السلام انما ينظر بذلك النور الذي خلق منه ، اقول قد تقدّم هذا الحديث و بهذا العلم يحصل الهدي الي المعارف الحقّة و امّا العملي فهو ايقاع الافعال و الاقوال و الاعمال علي حسب ما يريد اللّه تعالي بحدوده المشفوعة بالاخلاص لوجه اللّه الكريم بالتّولّي لهم و التّبرّي مِنْ اعْداۤئهم و التسليم لهم و الرّدّ اليهم و الاقتداۤءِ بهم و الانتظار لفرجهم و بهذا يحصل الهدي الي ثمرات تلك المعارف و بهذا العملي يزكو العلمي و ينمو و بالعلمي يمحض العملي للّه سبحانه فالعلمي هو دليل الحكمة ظاهراً و العملي هو دليل الحكمة باطِناً و ان شئت بالعكس و احدهما يكون منشأ للٰاخر او مُصْلِحاً او يزيد فيه و الي هذا المعني اشار الصادق عليه السلام بقوله بالحكمة يُسْتَخْرَجُ غورُ العقل و بالعقل يُسْتَخْرَجُ غورُ الحكمة و الموعظة الحسنة هو الكتابُ المنير و هو نور اليقين و مدركه العقل و هو يستند الي الكتاب و السُّنة و منه قوله تعالي قل ارأيتم ان كان من عند اللّه ثم كفرتم به مَن اضلّ ممّن هو في شقاق بعيد و قوله تعالي افمن يهدي الي الحقّ احقّ ان يتّبع ام من لايهدّي الّا اَنْ يهدي فما لكم كيف تحكمونَ وَ فاۤئدة دليله تحصل بالتوفيق و حجّيته ملزمة للمكلّفين و هو اجْلي الاَدلّة عند المنصفين الطالبين للحقّ المبين و هو الدليل المنبّه للغافلين علي آيات ربّ العالمين فهو حاكم من اللّهِ لايردّ حكمه الّا القوم الضّاۤلّون و المجادلة بالّتي هي احسن هو العلم و هو ما يتركّب من المقدّمات سواۤء كانت قطعيّة كما في البرهان الذي قد يطلق عليه الحكمة في اللغة و الظاهر ام مقبولة ام ظنيّة مع الترتيب الصحيح كما في الخطابة لينجذب العامي بالتدريج الي البرهان القاطع كما استجرّ سبحانه المنكرين للبعث حين قالوا ائذا كنا عظاماً و رفاتاً ائنا لمبعوثون خلقاً جديداً قال اللّه تعالي لنبيّه صلّي اللّه عليه و آله قل لهم كونوا حجارة او حديداً او خلقاً مما يكبر في صدوركم فقرّر لهم دعويٰهم علي اعظم ممّا فرضوه فاطمأنّوا بهذا الفرض لانّ الحديد و الحجارة و ما اشبه ذلك ابعد في الاعادة من العظام و الرّفات اي الحطام فلم‌يحيلوا الاعادة و انّما طلبوا معرفة المعيد سبحانه فقرّر لهم انّه المبتدئ اوّلاً فجوّزوا ذلك لانه في اذهانهم اصعب من الاعادة و هم معترفون بالمبدئ سبحانه و لكنّهم مارأوا الاعادة فقالوا هذا الوعد لم‌نره فمتي يكون فنقلهم من استبعاد ما جوّزوه الي تجويز استقرابه بقوله قل لهم عسي ان يكون قريباً حين فرض لهم امكان قربه و هو يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده فروّعَهم بحالة الطاعة بعد الانكار الموجبة للاستيصال و حلول النكال لانها ليست عن اختيارٍ و رِضيً بل لقوّة الدعوة و عظم الخطب ثم اردفه بما يدلّهم علي تحقّق الوقوع في صورة شدّة القرب و ان كان في نفس الامر بعيداً لانّه آتٍ فانّهم يظنّون انهم مالبثوا الّا يوماً او بعض يوم فانظر بعين البصيرة كيف نقلهم مع عظيم انكارهم من حال الي اخري الي ملزوم اقراره و هذا شأن المعجز الذي هو تنزيل من حكيم حميدٍ و فاۤئدة هذا نافعة جدّاً لانّ من الناس مَن لايحتمل البرهان ابتداۤءً ام مسلّمة ام مشهورة مع الترتيب الصحيح كما في مقام الجدَل و منه قوله تعالي و جادلهم بالتي هي احسن و ان لم‌يكن المجادلة مختصّة بهذا الصنف لانّه معني اصطلاحي بل هو لغةً و اصطلاحاً خاصاً يشمل الاقسام كلّها لانّها قسيمة لدليل الحكمة و دليل الموعظة الحسنة في الاصطلاح الخاۤصّ و فائدة هذا الصنف قطع اهل العناد في الدّ۪ين و الخلاف فيه و ابطال شبههم او الاحتراس عن سوۤء اِضْلالهم و فيه حفظ الدّين عن تغيير المنتحلين و تأويل المبطلين كما فعل الرضا عليه السلام بالنّصراني حيث قال له و ماننقم علي عيساكم الا ضعفه و قلّة صيامه و صلاته قال الجاثليق افسدتَ واللّهِ عليك و ضعّفتَ امرك و ماكنتُ ظننتُ الّا انّك اعلم اهل الاسلام قال الرضا عليه السلام و كيف ذلك قال الجاثليق من قولك انّ عيسي كان قليل الصيام و قليل الصلوة و ماافطر عيسي يوماً قطّ و لانام ليلاً قطّ و مازال صاۤئمَ الدهر و قاۤئم الليل قال الرضا عليه السلام فلمن كان يصوم و يصلّي قال فخرس الجاثليق و انقطع ام مخيّلةً كما في مقام الشعر و فاۤئدته انبساط النفس بالمَدْح او انقباضها بالذمّ و ذلك في انحاۤء شتي و منه ما قال علي عليه السلام في ذم الجماع عورات تجتمع و حياۤء يرتفع و قال فيه ايضاً مبَالٌ في مَبٰالٍ و ربّما يترتّب علي الصنف منافع كثيرة وَ رُبّما يُحْدِث اخلاقاً حميدةً كالكرم و الشجاعة و الديانة و قد يؤثر الحزن و البكاۤء و اضدادهما و النوم و السهر و غير ذلك خصوصاً اذا حسن الترتيب متوافق الكلم و موزونه و كان بالحانٍ موافقةٍ للحال فانه يؤثّر تأثيراً بليغاً جِدّاً و هذا هو العِلْم و مُدْركه النّفْس و مستنده الكتاب و السُّنَّة و قد يراد من المجادلة بالتي هي اَحسن الهدي و بالعلم الحكمة و قد يراد من المجادلة الكتاب المنير يعني قد يطلق احدها و يراد به واحد من تلك الثلاثة التي هي العلم و الهدي و الكتاب المنير و الفارق بينها الاعتبار و الحاصل انّهم عليهم السلام الي اللّه يدعون بالحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي احسن و هذه الثلاثة الطرق مجملة هي الهدي و الكتاب المنير و العلم التي اشار سبحانه اليها في حق اعداۤئهم الذين يجادلون بالباطل و يصدّون عن سبيل اللّه قال تعالي و من الناس من يجادل في اللّهِ بغير علم و لا هديً و لا كتاب منيرٍ ، فان قلتَ اذا اريد من هذه الثلاثةِ الثلاثةُ الاول لم‌يجر علي طبق ما ذكر سبحانه لانه ذكر انّ بعض المنافقين يجادل في اللّه بغير واحدٍ من هذه الثلاثة فجعل هذه الثلاثة آلةً للمجادلة و انتَ جعلت آلة المجادلة العلم خاۤصة قلتُ اراد سبحانه و هو العالم انّ من لم‌يستعمل واحداً من هذه الثلاثة في الاستدلال علي دعواهُ فهو المجادل بالباطل و امّا اذا استعمل واحداً منها فان كان دليل الحكمة فهو حكيم عليم و ان كان دليل الموعظة الحسنة فهو نذير و ان كان دليل المجادلة بالتي هي احسن فهو عالم و ليس واحدٌ منهم يجادل بغير علم و لا هديً و لا كتاب منير بل الاول يجادل بالهدي كما مر و الثاني بالكتاب المنير و الثالث بالعِلْمِ و المجادِل بواحدٍ منها في الحقيقة داعٍ الي اللّهِ و انّما قال الي اللّه تَدْعُون و لم‌يقل تدعون الي اللّه ليدلّ علي الحصر بمعني انهم لايدعون الي غيره في حالٍ من الاحوال و هذه خاۤصّة لهم اذ كلّ من سواهم فله حال من احواله يَدْعو اِلَي غيره و ان ندرت فان قلتَ فالانبياۤء غيرهم و هم معصومون فكيف تكون لهم حالة غير الدعاۤء الي اللّه تعالي قلتُ ان غير محمد و اهل بيته الطاهرين صلي اللّه عليهم اجمعين من جميع الخلق قد تجري عليهم الغفلة و السهو و هو في هذه الحال من جهة الكون داع الي اللّه اذ لايقوم احد من الخلق و لا بقاۤء له الّا بهذه الدعوة و هذه الحال لاتغفل عن اللّه تعالي طرفة عين و هي في الحقيقة حال من احوال محمد و اهل بيته عليه و عليهم السلام و هي لهم و امّا من جهة الشرع فهو في حال غفلته داع الي نفسه او الي طبيعته و جبلّته فلاتنحصر احوال غيرهم في اللّه تعالي ابداً يعني في رضاه و محبّته لا فيما يصير اليه اذ كلّ شي‌ء صاۤئر اليه اَلا الي اللّه تصير الامور فعنهم عليهم السلام كانت دعوة الوجودي الكوني و مَا يلزمه من الاحكام الشرعيّة الخمسة لجميع من سواهم و كانت دعوة الشرع لهم ايضاً و ما يترتّب عليه من الوجودات الدّهرية وَ مَا فوقَها من السرمدية و ما دونها من الزمانيّة و الشارح (ره‌) جعل دعاۤءهم الي اللّه بالحكمة العمليّة و الدلالة عليه تعالي بالحكمة العلميّة و هو كذلك في الظاهر لا غير و امّا في الحقيقة فكلّ من الحكمتين صالح لكلّ من المقامَيْن و يكون الدّعاۤء الي اللّه تعالي بالحكمة العلميّة و تكون الدلالة علي اللّهِ بالحكمة العمليّة كما في العكس الّا انه باطن و ذلك ظاهر .
فقوله عليه السلام و عليه تدلّون يجوز فيه انّهم يدلّون عليه بالحكمة العلمية الشاملة لدليل الحكمة و دليل الموعظة الحسنة و دليل المجادلة بالتي هي احسن بطرقه المتقدّمة و انهم يدلّون عليه بالحكمة العملية الشاملة عند العارفين باللّه للاكوان الوجوديّة و شرعيّاتها و للاكوان الشرعيّة وَ وُجوداتها و تفصيل هذه تقدّم مكرّراً و كذلك و عليه تدلّون انّما قدّم الظرف ليدلّ علي الحصر لانّهم لايدلّون علي غيره بل انّما يدلّون عليه او علي ما يدلّ عليه .
و قوله عليه السلام و به تؤمنون يعني انّهم يؤمنون بوجوده و احديّته و ساۤئِر صفاته في افعاله و بافعاله في مفعولاته و انّ كل ما سواه فمنه و به و لَهُ و اليه و بما تعرّف لهم به من وصفِه و تعرّض لهم به من رحمته و لطفه و بما وصف به نفسه و بوعده و وعيده و بكتبه و رسله و ملاۤئكته و ان الدين كما وصف و انّ الاسلام كما شرع و ان القول كما قال و انّ القرءان كما انزل و انه هو الحق المبين و ان محمّداً صلّي اللّه عليه و آله عبده و رسوله و انهم حجج اللّه علي خلقه و معانيه في بلاده و ظاهره في عباده و ابوابه في افعاله و بُيوته في ملكوته و خزاۤئن عِلْمه و حفظة سرّه و تراجمة وحيه و اركان توحيده و اصل الايمان به و اساس التسليم له و وداۤئعه عند خلقه و ما اشبه ذلك من انحاۤء الايمان و كل ذلك في الحقيقة هو الايمان باللّه فكلّ موضعٍ ذكر المؤمنون فهم المعنيّون بذلك او الايمان فلهم و كل من سواهم تابع في الاصل و الفرع و في تفسير العيّاشي عن سلام عن ابي‌جعفر عليه السلام في قوله آمنّا باللّهِ وَ ما انزل الينا قالَ عني بذلك علياً و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و جرت بعدهم في الائمّةِ عليهم السلام ثم رجع القول عن اللّهِ في النّاسِ فقال فان آمَنُوا يعني الناس بمثل ما آمنتم به يعني علياً و فاطمة و الحسن و الحسين و الائمة من بعدهم عليهم السلام فقد اهتدوا و اِنْ تولّوا فانّما هم في شقاقٍ و فيه عن المفضل بن صالح عن بعض اصحابه في قوله قولوا آمنّا باللّه و ما انزل الينا و ما انزل الي ابراهيم و اسمعيل و اسحق و يعقوب و الاسباط اما قوله قولوا فهم آل‌محمد عليهم السلام لقوله فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا ه‍ ، و لما كان حقيقة الايمان العُليا التصديق بكلّ حقٍ و القيام به و النفي لكلّ باطلٍ و التجنُّب له كان اكمل الايمان باللّهِ الايمان بكلّ حق و القيام به و النفي لكلّ باطل و التجنّب له لانه ايمان لاتكون معه حالة منافية فكان اللّه اولي بالحق الخالص لانّه سبحانه استخلصه لنفسه فقال اَلا للّه الدينُ الخالص و لايقوم كما ينبغي لوجهه الكريم مَنْ يشوبه التغيير او يلحقه التظنين لان من يأخذه سهو الغفلة يتغيّر حين اخذته الغفلة عن الاذعان الي عدمه و هذا قد نفاه عليه السلام عنهم بقوله و به تؤمنون فافهم .
و قوله عليه السلام و له تسلّمون بالتشديد و التخفيف بمعني الانقياد و الاذعان و تفويض الامور كلها اليه سبحانه و الاسلام الذي هو الاقرار بالشهادتين من المخفّف و علي ما بيّن صلي اللّه عليه و آله من صفة مقتضاه من قوله (ص‌) المسلّم من سلم النّاس من يده و لسانه انه من السلامة الّا ان يكون من باب ظاهر الظاهر و علي ما نسبه اميرالمؤمنين عليه السلام من قوله لانسبن الاسلام نسبة لم‌ينسبه احد قبلي و لاينسبه احد بعدي الا بمثل ذلك الاسلام هو التسليم و التسليم هو اليقين و اليقين هو التصديق و التصديق هو الاقرار و الاقرار هو العمل و العمل هو الاداۤء الحديث ، هو الدين الخالص في قوله تعالي اَلا لِلّه الدّين الخالص و هو العبادة العاۤمّة لاشتمالها علي كل ما يريد اللّه الخاۤصّةُ لخلوصها عن شاۤئبة الشرك بما سوي اللّه و هو قوله تعالي اِنَّ الدّينَ عندَ اللّهِ الاسلام و هذا الاسلام في الحقيقة هو معني الايمان المراد في قوله و به تؤمنُونَ بالمعني الّذي ذكرنا و اشرنا اليه و علي المشدّد يراد به منهم خلعُ اِنّيّٰاتِهِمْ عن التّحقّق و محق ذواتهم عن التذوُّتِ عند ذكره تعالي في ظهوره و مناجاته و دعاۤئهم و اجابتهم و امره و نهيه و بعثه في جميع اكوانهم به في كونهم اُذنَهُ و عينه و لسانَهُ و يَدهُ و قلبه و حكمه و علمه و امره و معانيه كلها و ابوابه و بيُوتَهُ و مساجده و غير ذلك كما هم حَيْثُ اقامَهُمْ لَهُ و اصطَنَعَهم لنفسه لم‌يبق منهم الّا فعلُهُ و صفتُهُ و اسمُهُ و آيَتهُ و لذا قال تعالي و هم بامره يعملون و قال تعالي فلم‌تقتلوهم و لكنَّ اللّه قتلَهُمْ و مَارميتَ اِذْ رميتَ و لكنّ اللّهَ رمَي و هذانِ المعنيان من المخفّف و المشدّد علي ما اشرنا اليه يجتمعان بالاتّحادِ و يفترقان بالتَّرادُفِ ،
و قوله عليه السلام و بامره تعمَلُون يرادُ منه نفي جميع اعمالهم الجَنَانيّة و الاركانيّة و اللِّسٰانية بما لهم و لغيرهم لمن سِوَاه سبحانَهُ و هو قوله تعالي لايسبقونَهُ بالقولِ و هم بامره يعملُونَ ، و القول يُرَادُ مِنْهُ كلّ ما يقومُ باَمْرِ اللّهِ ممّا يصدر عن فعله فَاِنَّ كُلَّ شي‌ء كلمةٌ له سبحانه فالمشيّة كَلِمتُه الّتي انزجَر لها الْعُمُق الاكبر و العقل كلمته و اللوح كلمته و عيسي كلمة منه اي من كَلمتِه و هم عليهم السلام الكلمات التاۤمات التي لايتجاوزهن بَرٌّ و لا فَاجرٌ و بالجملة انّ الالفاظ قسمان ظاهرة و هي المشتملة علي الحروف التي هي الاصوات المخْصوصة و باطنة و هي الذوات و الصفات و الاعمال و الحركات المشتملة علي الحُروف الكونيّة الكليّة و الجزئيّة مما جاۤءَتْ لمعنيً بنفسها اَوْ مع انضمامِ غيرها اليها من جميع ذرّات الوجود في كلّ شي‌ءٍ بحَسَبِه من الجواهر و الاعراض و آجٰالُها مقدّرة بنسبة بقاۤء الكلمات الّتي تركّبت منها فتفني بفناۤئها فاذا فنِيَتْ فنِيَتْ عن وقتِها الذي قامَتْ فيه و لم‌تفنَ مِن الذي قبله و قد يَبْقَي شي‌ء منها في وقته و يكون فناۤؤُه باعتبار تجاوُزِ مَنْ فَنِيَ عنه كامثال الاشخاص و احوالهم و اعمالهم و ازمنتهم فانّ اَمْسِ انّما فنِيَ عنّا اليومَ مثلاً لانّا سرنا عنه الي اليوم و امسِ باقٍ في مكانه بما فيه من الامثال و الاحوال و الاعمال اَلاتري انّك اذا الْتَفَت اليه خيالُكَ رأيته بما فيه من الامثال و الاحوال و الاعمال و لو كانت معدومة لم‌تجدْها لان المعدومَ لايُوْجد و ذلك لان خيالك و نفسك مِرْءٰاةٌ تنطبع فيها صورة المقابل لها و لو كانت تلك فانيةً لماانطبعَ في خيالك صُوَرها كما انّ المِرْءٰاة لاينطبع فيها صورة بدون مقابلٍ لها مع القطع بانّ ما في الخيال و المِرْءاة ليس ذاتاً و انّما هو صفة و الصفة لاتتحقّق بغير موصوف علي انّك لاتقدر ان تذكر انّ زيداً رأيتَهُ يصلّي في المسجد في العام الماضي حتّي يلتفِتَ خيالك الي ذلك المكان في ذلك الوقت المخصوص فكلّ مرّة ذكرته انّما تذكره بعد الالتفاتِ الي الزمان و المكان المخصوصَيْن و المثال المعيّن فان شككتَ فيما بيّنتُ لكَ فاذكره بغير ذلك الالتفات فانك لاتقدر ابداً لان ذكراك انما هي انتقاش تلك الصُّوَر في مرءٰاتِك فالاشياء باقية في رتبتها التي رتّبها اللّه تعالي فيها لانها حين دخلت في ملكه بايجاده لها كانت عنده في كتابه الحفيظ فكيف تخرج عن ملكه و هو قوله تعالي قال فما بال القرون الاولي قال علمها عند ربّي في كتاب لايضلّ ربي و لاينسي و قوله تعالي قد علمنا ما تنقص الارض منهم و عندنا كتاب حفيظ و قد تقدم من هذا كثير و الحاصل الذوات كلماتُه بفعله و الكلمات اللفظيّة خلقه و عباده و ان من شي‌ءٍ الّا يسبّح بحمده فالحروف اللفظية في جميع اللغات عالم برأسه و ابوهم آدم عليه السلام و هو في اللفظ الالف الليّنة طوله ثلاثة و ثلاثون ذراعاً بذراع الشارع عليه السلام و في اولاده مثل ما في اولاد ابينا آدم عليه السلام من التناكح و التناسل و التحابب و التباغض و التواخي و التشابه و النّموّ و الانس و الوحشة و غير ذلك لانها عالم تامّ مماثل لعالَمِنا الّا انه مثالنا و ظاهرنا كما قال الرضا عليه السلام الاسم صفة موصوف و كما اشار اميرالمؤمنين عليه السلام الروح في الجسد كالمعني في اللفظ و لقد تَلطّف في الاشارة نفسي فداۤؤه فاذا عرفتَ ما اشرنا اليه فاعلم انّ قوله لايسبقونه بالقول يراد ما يشتمل اللفظي و المعنوي علي نحو ما ذكرنا و قوله و هم بامره يعملون اي للقولين ثم اعلم ان قوله تعالي لايسبقونه بالقول علي حدّ قوله تعالي فلم‌تقتلوهم و لكن اللّه قتلهم الٰاية و قوله و هم بامره يعملون علي حدِّ و مارميتَ اِذْ رَميتَ و لكن اللّه رَمي قال تعالي اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات و قال تعالي هذا خلقُ اللّه فاروني ماذا خلقَ الذينَ من دونه فابان في هاتين الٰايتين و فيما اشبههما من آيات كتابه المجيد تفرّدَهُ بالصّنع وحده لا شريك له الا له الخلق و الامر فلم‌يكن لاحدٍ سواه شي‌ء من الخلق الّا باذنه يعني هو المتفرّد بالخلق الحق الّا باذنه و الذين من دونه اي من دون اذنه انّما يخلقون افكاً باطلاً ثم لوّحَ لاهل الاشارة بان من كان يعمل باذنه يعمل الحق قال في حق عيسي عليه السلام و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني و لكن عيسي عليه السلام و ان كان خلق باذن اللّه ما هو حقّ لكنّه من الطّين الذي لم‌يخلقه و نفخ فيه من الروح التي لم‌يخلقها فالماۤدّة خلقها اللّهُ و الصورة التي احدثها عيسي بحركات يديه و ضميره خلقها اللّه بيدي عيسي و ضميره و يدا عيسي و ضميره خلقها اللّه و حركاتهما خلقهما اللّه و عيسي خلقه اللّه و كلّما قلنا فيه و في ضميره و يديه و حركاته فهي قائمة بامر اللّه سبحانه قيامَ صُدورٍ فاللّه يخلق بما شاۤء ما شاۤء كيف شاۤء قل اللّه خالقُ كل شي‌ء و هو الواحد القهّار فاذا سمعت منّا انّا نقول بانّهم عليهم السلام بامره يعملون كل شي‌ء فمرادنا به انّ ذلك علي حدِّ ما ذكرنا هنا في حقّ عيسي عليه السلام فاذا عرفتَ فقل ما شئت ان قدَرْتَ و هو قولهم الحق اجعلوا لنا ربّاً نَؤُبُ اليه و قولوا فينا ما شِئتم و لن‌تبلغوا فقال الساۤئل نقول ما شئنا فقال و ما عسي ان تقولوا واللّهِ ماخرج اليكم من علمنا الّا اَلِفٌ غيرُ معْطوفَةٍ ه‍ ، هذا معني قول الصَّادق عليه السلام ،
و قوله عليه السلام : و الي سبيله تُرْشِدون
السَّبيل الطَّريق يذكّر و يؤنّث و المراد بسبيل اللّه معرفته و طاعته و دينه و وليّه وَ وَلايته و قد تقدّم من هذا كثير و لعلّ هذه الفقرة بَيَانٌ لما قبلها فانّ معني الي سبيله ترشدون الي اللّهِ تدعون اي الي معرفته و طاعته و امتثال اَوامِره و اجتناب نواهيه و هو معني و عليه تدلّون و به تؤمنون و له تسلّمون و بامره تعملون و كلّ ما اريد منها فيما اشرنا اليه يراد هُنَا و فيه زيادة تراد هنا و لاتراد فيما قبلها الّا بتكلّف لا فاۤئدة فيه و هي انّهم عليهم السلام سبيله فاذا اريد بسبيله غيرهم فظاهر و ان اريد به هم فيجب ان تعتبر مغايرة الداعي و المدعوّ اليه بان يكونوا يدعون العباد الي انفسهم من حيث هم سبيل اللّه لئلّاترجع الدعوة الي انفسهم خاۤصّة لانّه كفرٌ و كذلك ينبغي هذا الاعتبار في و بامره تعملون لانهم امر اللّه فاذا اريد بالامر في هذه الفقرة هم فلا بُدَّ من ملاحظة انّهم يعملون بانفسهم من حيث انهم امر اللّه و كذا بقوله تحكمون فانهم قوله تعالي فاذا ارَدْناهم بالقول في مثل هذه الفقرة فلا بدّ من ملاحظة انّهم قولهُ لا انّهم قَوْلٌ مطلق لاستلزامه المحذور ،
و قوله عليه السلام : و بقوله تحكمون
يراد منه ما اشرنا اليه من المراد بالقول من اللفظي و المعنوي و يراد من الحكم الحكم الشرعي و حكم ايجاده و الحكم الايجادي و حكم شرعه و يراد من القول اللفظي ما نزل اليهم و ما نزل عنهم و ما نزل بهم و من القول المعنوي ما نزل بهم و ما نزل منهم و امّا ما ينزل اليهم فمنهم في الحقيقة و ذلك لانّ الممكن لا بقاۤء له و لاتقوّم بدون المدد فهو ابداً يتلاشَي و يضمحل بالتدريج و ابداً يصاغ و يعاد بالتدريج و المدد الوارد عليه ليس لغيره و انما هو له لانه ممّا يمكن له بخصوصه و مما مضي منه بمعني انّ ما مضي منه يعود اليه لانّ ما اضمحلّ من وجوده يلحق بالعدم الامكاني في وجهه من الامكان الرّاجح فاذا نزل عليه ذلك المدد من وجهه من الامكان الراجح وُجِدَ بوجوده و بيانه انّ وجه زيد من الامكان الراجح اي المشيّة و ما تقوّمت به و تحقّقت و ظهرت به هو كنهه الذي لايفني و وجهه الذي لايهلك و لا غاية له في الامكان و لا نهاية و زيد ظاهره و باطنه من غيبه و شهادته مثال ذلك الوجه و صورته كالصورة في المرءاة بالنسبة الي الوجه المقابل للمِرْءٰاةِ و جعل المدد يجري من الوجه و يتّصل بالصورة و به تقوّمُها و بقاۤؤها و لو وقف لحظة فُقِد زيد كما انّ الصورة في المِرءٰاة لو فقدت مقابلة الوجه لحظة فقدت لانّ بقاۤءها بذلك و قد وكّل اللّه بذلك ملاۤئكة تمكين التكوين كلّما اعوجّت قوابل جزء من ذاتِ زيد عن مقابلة وجه ذلك الجزء حتي فنِيَ و لحق بالامكان الاصلي من ذلك الوجه اقامت الملاۤئكة ما اعوجّ من تلك القوابل حتي قابلت وجهه فظهر في زيد مثل ما فقد منه و كلّما تجدّدت له قوابل لم‌تكن عنده وجّهتها الملاۤئكة الي وجه زيد من الامكان الراجح فيعطيها ما سألته بلسان استعدادِها فتحمله الملاۤئكة الي تلك القوابل المتجدّدَة بعدَ اقامتها للمقابلة و يكون اوّل ظهور ذلك المدد الي الكون و تحقّقه مقابلة القوابل للوجه فلايرد عليه شي‌ء من المدد الّا ما كان له مما يمكن له و ما مضي منه هو مما يمكن له فهو عاۤئد اليه فالعاۤئد من المدد هو ما ذهب عنه في اصل الماۤدة و هو غيره في ظاهر الصورة و امّا في باطنها فهو هو و هذا معني قولنا و امّا ما ينزل اليهم فهو منهم في الحقيقة لانه جل و عز يقول سيجزيهم وصفهم ، و ان ليس للانسان الّا ما سعي هذا باطنه و امّا ظاهره فلو كان ما ذهب من زيد لايعود و ان ما يأتيه جديد لكان زيد ابداً جديداً لم‌يكن له عمل يثاب عليه و لايعاقب به لان المباشر للعمل ذهب و اتي جديدٌ لم‌يعمل شيئاً و هذا في كل لحظة كما تري في النهر الجاري ما ذهب منه لم‌يعد و ما اتي فجديد و ليس كذلك بل ما ذهب منه يعود بعد العدم الي الوجود كما بَدَأكم تعُودُون فان كان ما عاد حين ذهبَ طاۤئعاً عادَ مُسْفِراً مستبشِراً و ان كان حين ذهب عاصياً و اتبع بالتوبة النصوح عاد منه كالاوّل و منه خالياً من الصِّفةِ و ان لم‌يتبع بالتّوبة النصوح عاد عليه غبرة ترهقه قترَة قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدّاً ثم لمّا كان ما يمكن للشي‌ء غير متناهٍ في الامكان ابداً وجب ان يكون المدد غير متناهٍ لان خزاۤئنه سبحانه لاتتناهي و لايظهر فيها النقص بكثرة الانفاق بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاۤء و لا رَيْبَ لانّها من الممكن و لو كانت من القديم لماجاز الانتقال علي القديم و التغيّر فما ينزل اليهم عليهم السلام فهو منهم لانه ممّا يمكن لهم و الشي‌ء حقيقةً انّما هو شي‌ء بما يمكن له فان قلتَ انّ الشي‌ء شي‌ء بالفعل قبل ان ينزل اليه ما ينزل اليه قلتُ انّما كان شيئاً بما نزل اليه و لايمكن قيامه لحظةً بدونِ ما ينزل اليه ليتحقّق له شَيْئيَّةٌ بدون المدد و حيث قلنا انّ ما ينزل اليه هو ما ذهب عنه اَوْ مٰا لَهُ وجب ان يكون علي هيئة نهرٍ يجري مستديراً يرجع عودُه علي بَدْئِهِ الّا انّه كرةٌ تدور لَا الي جهةٍ يظهر عليها ما خفي منهَا فاذا عرفتَ ذلك فيعتبر عند ارادة القول المعنوي اذَا عنيتَهم به انّهم قوله يحكمون به من حيث انهم قوله لئلّايرجعَ الحكم الي انفسهم فافهم .
قال عليه السلام : سَعِدَ مَن والاكم و هلَك مَن عاداكم و خاب مَنْ جحدكم و ضلّ من فارقكم و فازَ من تمسّكَ بكم و امِنَ مَن لجأ اليكم و سَلِمَ مَنْ صدَّقكم و هُدِيَ مَن اعْتَصَمَ بكم
قال الشارح (ره‌) و خاب مَن جحدكم و لم‌يؤمن بامامتكم فانه من الخاسرين الهالكين و ضلّ من فارقكم و ترك متابعتكم في الاعمال او من كان من المستضعفين فانّهم الضاۤلّون و روي انّ للّه فيهم المشيّة و فاز و نجا من تمسّك بكم علماً و عملاً و امِن من العذاب من لجأ اليكم بالاعتقاد و المتابعةِ و الاستشفاع و سلم من الهلاك من صدّقكم في الامامة و غيرها و هُدِي علي صيغة المجهول مَن اعتصم بكم كما قال اللّه تعالي و اعتصموا بحبل اللّهِ و هو الائمة عليهم السلام كما في الاخبار المتكثّرة انتهي .
اقول السعادة ضدّ الشقاوة و المراد من ضدّ السعادة هنا هلاك الدين الذي هو الشقاوة الحقيقيّة في الدّارين فيراد بقوله سعِد من والاكم حيِيَ حيوة طيّبة في الدارَيْنِ لِانه في مقابلة هلك من عاداكم فسَعادَتُهُ في الدُّنْيٰا توفيقُه لاَفْعالِ الخير و قبول اعماله و ان كانت ناقصةً لانّ ولايتهم تتمّ ما نقص من اعمال محبِّيهم و اثابتُه علي القليلِ بالكثير و دفع البلايا عنه الّا البلايا الجميلة فانّها قد ترد علي محبّيهم هديّةً من اللّه سبحانه امّا لرفع درجته فانّ عند اللّه مقاماتٍ لاولياۤئه شريفة لاتُنال الّا بالمحن و البلايا في هذه الدنيا و امّا لتكون كفّارةً لذنوبه و امّا لِتدفعَ بلايا اعظم منها كما رُوي عن اميرالمؤمنين عليه السلام حين اتاه سلمن الفارسي و هو مُغطٍّ رأسه فقال لَهُ ما معناهُ ما لك يا اباعبداللّه مُغطٍّ رأسك فقال انّ فيّ زُكاماً فقال ما معناه انّ في كل شخص ستّة عروق عرق الجنون و عرق الجذام و عرق العمي و عرق الطاعون و عرق البرص و عرق البواسير فاذا تحرّك عرق الجنون ارسل اللّه عليه الزكام فيبطله و اذا تحرّك عرق الجذام انبت اللّه الشعر في الانف فيبطله فلاتأخذه بالمنقاش و خذه بالمقراض لطيفاً و اذا تحرّك عرق العمي ارسل اللّه عليه الرمد فيبطله و اذا تحرّك عرق الطاعون ارسل اللّه عليه السعال فيخرجه بلغماً و اذا تحرّك عرق البرص ارسل اللّه عليه الدّمامل فيخرجه قيحاً و اذا تحرّك عرق البواسير ارسل اللّه عليه شقوق الاعقاب فيبطله فهذه و امثالها بلايا من الله ليصلح بها عبده و يدفع بها عنه ما هو اعظم منها مع ما فيها لوليه من الاجر العظيم و امّا البلايا الجميلة فقد ورد فيها كثير من الاحاديث و احب ان اذكر شيئاً منها هنا لانّها من اعظم ما ينبغي للمؤمن ان يعرفه ليشكر اللّه علي نعمة البلاۤء و ليعرف انّها اعظم النعم فمنها ما روي عن الكاظم عليه السلام من عاش في الدنيا عيشاً هنيئاً فليتّهم في دينه فان البلاۤء اسرع الي المؤمن من اللمح بالبصر و عن الصادق عليه السلام المؤمن كثير البلوي قليل الشكوي و روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله من حسن ايمانه و كثر عمله اشتد بلاۤؤه و من سخف ايمانه و ضعف عمله قلّ بلاۤؤه و قال الباقر عليه السلام انّ اللّه ليتعاهد الرجل بالبلاۤء كما يتعاهد الرجل بالهديّة و يحميه عن الدنيا كما يحمي الطبيب المريض و عن الصادق عليه السلام ما من مؤمنٍ الّا و هو يذكر في كلّ اربعين يوماً ببلاۤء يصيبه امّا في ماله او في ولده او في نفسه فيؤجر و هو لايدري من اين هو و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ما مِنْ شي‌ء يصيب المؤمن من تعبٍ و لا نصبٍ و لا همّ و لا اذيً الا كفّر اللّه عز و جل به خطاياه و عنه صلي اللّهُ عليه و آله طينة المؤمن من كلّ شي‌ء الا الكذب و الخيانة و عنه (ص‌) ان وليّ عليّ عليه السلام لَنْ‌تَزُولَ له قدَمٌ حتي تثبت لهُ اخري و عن سعدان بن مسلم عن الصّادق عليه السلام المؤمن مبتلَي طُوبي للمؤمن اذا صبر علي البَلاۤء و سلّم للّهِ تعالي القضاء قلتُ جُعِلتُ فداۤءَك من المؤمن الممتحن قال الذي امتحن بوليّه و عدوّه اذا مَرَّ باخوانه اغتابوه و اذا مرّ باعداۤئه لعنوه فصبر علي تلك المحنة كان مؤمناً ممتحناً و من كتاب التمحيص عن يونس بن يعقوب قال سمعتُ اباعبداللّه عليه السلام يقول (ظ) ملعونٌ كل بدنٍ لٰايُصَابُ في كل اربعين يوماً قلتُ ملعون قال ملعون قلتُ ملعون قال ملعون فلما رءاني قد عظم ذلك عليّ قال يا يونس انّ من البليّة الخدشة و اللّطمة و العثرة و النكبة و الهفوة و انقطاع الشسع و اختلاج العين و اشباه ذلك انّ المؤمن اكرم علي اللّه من ان يمر عليه اربعون يوماً لايمحّصه فيها من ذنوبه و لو بغمّ يصيبه مايدري ما وجهه واللّهِ انَّ اَحدَكم ليَضع الدّراهم بين يديه فيزنها فيجدها ناقصةً فيغتمّ بذلك ثم يعيد وزنها فيَجدُهَا سواۤء فيكون ذلك حطّاً لبعض ذنوبه و في كتاب مسكّن الفؤاد عند فقد الاَحبَّةِ و الاولاد لشيْخِنا الشهيد الثاني رُوِيَ انّ اَسْماۤء بنت عُميس رضي اللّه عنها لمّا جاۤءَها خبرُ ولدِها محمد بن ابي‌بكرٍ انه قُتِل و احرق بالنار في جيفة حمار قامَتْ الي مسجدها فجلسَتْ فيه و كظمت غيظها (ظ) حتي شخبت يداها دماً و فيه ايضاً عن ابي‌عبداللّه عليه السَلام قال دُعِيَ النبي صلّي اللّه عليه و آله الي طعَامِ فلما دخل الي منزل الرجل نظر الي دجاجةٍ فوق حَاۤئِطٍ قد باضت فتقع البيضة علي وتدٍ في حاۤئطٍ فتثبتُ عليه و لم‌تسقط و لم‌تنكسِر فعجب النبي صلّي اللّه عليه و آله منها فقال له الرجل اعجبتَ من هذه البيضة فو الذي بعثك بالحق نبيّاً مارُزِيتُ شيئاً قطّ فنهض رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و لم‌يأكل من طعام الرجل (ظ) شيئاً و قال (ص‌) مَنْ لم‌يُرْزَ فما للّه فيه من حاجةٍ ه‍ ، اقول و هذا قليل من كثير فتأمّل في هذه الاحاديث فانّها تدلّ علي انّ البلايا من اعظم نعم اللّه علي عبده المؤمن فيَجب شكرها و انّ الرخاۤء من اللّه لعبده فان كان بعد بلاۤء و شدّةٍ فهو محمود لانّه ترويح له و تفريح و تذكير له ليرجو في الشّدةِ الرخاۤءَ ثم لايديم له الرخاۤء لئلّايركن الي دار الفناۤء و هكذا حاله مع محبِّ علي و اهل بيته عليهم السلام و هو معني قوله تعالي ماتردّدت في شي‌ء انا فاعله كتردّدي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت و اكره مساۤءته و لا بد له منه فهذا من سعادة محبي عليّ عليه السلام و هو من البلاۤء الحسن في قوله تعالي و ليبلي المؤمنين منه بلاۤءً حسناً و منها توفيقه لاصابة الصواب في الاقوال و الافعال و الاعمال و الاعتقادات و العلوم و منها دفع الشُّبَه و الشكوك عنه بنور يقذفه اللّه في قلبه لمحبّتِه۪ لَهُ اَوْ يُقدِّر لهُ مَنْ يُعَلِّمهُ اَوْ يُلْقِي مَا يشاۤء اليه من الامداداتِ في المنامِ و غيره و منها ظهوره علي اعداۤء الدّين بتلقينه الحجّة كما قال تعالي انّا لننصر رُسُلَنا و الّذين آمنوا في الحيوة الدّنيا و هو وعد منَ اللّه سبحانه بنصر الحجّة و لن‌يخلف اللّه وعده و منها ان يجعل اللّه له بولايتهم قلباً ذاكراً تخطب عليه الملاۤئكة و تنقر فيه بالالهامات و الافكار الصاۤئبة حتي يعرف آياتِ اللّه في الٰافاق و في نفسه و يعقِلُها و يعرف موصوله و مفصوله و يعرف حيث و كيف و لم و يخلص للّه الوحدانية في افكاره و اطواره و اعماله و اقواله كما قال تعالي يؤتِ الحكمة من يشاۤء و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً و مايذّكّر الّا اولوا الالباب و هم شيعتهم عليهم السلام خاۤصّةً و ليس لغيرهم من ساۤئر الناس لبٌّ بل لهم قلوبٌ لايفقهون بها الحكمة و لهم اعين لايبصرون بها الٰاية و لهم آذان لايسمعون بها الموعظة فالحكمة نورهم و الٰاية صفتهم و الموعظة فعلهم صلّي اللّه عليهم اجمعين اولۤئك يعني الناس غير شيعتهم كالانعام بل هم اضل اولۤئك هم الغافلون يعني عن ذكر اللّه محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و آله بدليل قوله بعد هذا و للّه الاسماۤء الحسني فادعوه بها اي فاعبدوه بها و اعرفوه بها و اطيعوه بها و اسئلوه بها و في قوله و للّه الاسماۤء الحسني نُكْتَةٌ و هي انّ اعداۤءهم هم الاسماء السُّوٰاۤي و ليست للّه و لايُدْعَي بها و انما يدعي بها الشّيطان و منها ان يجعل اللّه تعالي له لساناً ذاكراً اي مشتغلاً بذكر اللّهِ مثل اللهم صل علي محمد و آل‌محمد و مثل سبحان اللّه و الحمد للّه و لا الهَ الّا اللّهُ و اللّٰهُ اكبر و مثل الكلام في العلوم النّافعة للّهِ او فيما للعلوم النافعة و المواعظ و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و الاصلاح بين الناس و الكلام في اَمْر معيشتِه۪ عَلي الوجه المشروع و بالجملة جميع ما يعنيه من الكلام الراجح في ظاهر الشرع و باطنه و منها ان يجعل اللّٰهُ لَهْ بدَناً علي البلاۤء صابراً علي نحو ما اشير اليه في الاخبار المتقدّمة من الرّضَا و عدم الشكوي لِيُبَدِّلَهُ اللّٰهُ لَحْماً غير لحمِه۪ و دماً غير دمِه و بَشَراً غير بشره يعني لايعصي اللّه فيها و منها ان يقدّر اللّهُ له زوجةً صالحة تسرّه اذا نظر اليها و تطيعه اذَا امرها و تحفظه اذا غَابَ عَنْهَا في نفسِها و ماله كما في الخبَر و منها ان يبصِّرَهُ اللّه بعيوب نفسِه حتي يشتغِلَ بها عن عيوب غيره و يكون بما اطّلع به علي نفسه ابداً ماقِتاً لَها يري نفسَهُ مقصِّراً في طاعة ربه فهو مستحٍ منه خاۤئف وجل غير آمنٍ من العقوبةِ و هو لعلمه بكرم ربّه راجٍ للمثوبة و منها ان يظهر اللّه اعماله الصالحة للنّاسِ ليكون محبوباً عند القلوب بمعني انّ كل مَن رءاه استحسن معاملته مع ربّه من صديق و عدوٍّ و في عيون‌الاخبار قال حدثنا ابوالصلت عبدالسلام بن صالح الهروي قال سمعت علي بن موسي الرضا عليه السلام يقول اوحي اللّه الي نبي من انبياۤئه اذا اصبحتَ فاوّل شي‌ء يستقبلك فكُلْهُ و الثاني فاكتمهُ و الثالث فاقبله و الرابع فلاتؤيسْهُ و الخامس فاهرب منه قال فلمّا اصبح مضي فاستقبله جبل اسود عظيم فوقف و قال امرني ربّي عز و جل ان آكل هذا و بقي متحيّراً ثم رجع الي نفسه فقال انّ ربّي جل جلاله لايأمرني الّا بما اُطِيق فمشي اليه ليأكله فكلّما دنا منه صغر حتي انتهي اليه فوجده لقمةً فاكله فوجدَها اطيب شي‌ء اكله ثمّ مضي فوجد طشتاً من ذهبٍ فقال امرني ربّي ان اكتم هذا فحفر له و جعله فيه و القَي عليه التراب ثم مضي فالتفتَ فاذاً الطشتُ قد ظهر قال فعلتُ ما امرني عز و جل فمضي فاذا هو بطَيْرٍ و خلفه بازي فطاف الطير حوله فقال امرني ربّي ان اقبل هذا ففتح كُمَّه فدخل الطير فيه فقال له البازي اخذتَ صيدي و انا خلفه منذ ايّام فقال امرني ربّي ان لااُؤيس هذا فقطعَ من فخذه قطعةً فالقيٰها اليه ثم مضي فلمّا مضي فاذا هو بلحم مَيتةٍ مُنتِنٍ مُدَوِّدٍ فقال امرني ربّي عز و جل ان اهربَ من هذا فهرب منه و رجع و رأي في المنام كانه قد قيل له انّك قد فعلتَ ما اُمِرتَ به فهل تدري ما ذلك قال لا قيل له امّا الجبَل فهو الغضب ان العبد اذا غضِبَ و دخل النار لم‌ير نفسه و جهل قدرَهُ من عظم الغضَب فاذا حفظ نفسه و عرف قدره و سكن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبّة التي اكلها و اما الطشت فهو العمل الصالح اذا كتمه العبد و اخفاه اَبي اللّه الّا ان يظهره ليزيّنه به مع ما يدّخر له من ثواب الٰاخرة و اما الطير فهو الذي يأتيك بنصيحةٍ فاقبله و اقبل نصيحته و اما البازي فهو الرجل الذي يأتيك في حاجة فلاتؤيسه و اما اللحم المنتِن فهي الغيبة فاهرب منها انتهي ، فمثّل سبحانه العمل الصالح اذا كتمه صاحبه للّه تعالي فانّه يظهره ليزيّنه بين عباده و ذلك من سعادة الدنيا و منها ان يحييَهُ حيوة طيبةً بان يرزقه الرضي بما قسم له و ذلك اثر صدق المحبّة لهم و في قوله تعالي من عمل صالحاً من ذكر او انثي و هو مؤمن فلنحييَنَّهُ حيوة طيّبَة قال القمّي القنوع بما رزقه اللّه و سئل علي عليه السلام عنها اي الحيوة الطيّبة فقال هي القناعة و عن النبي صلي اللّه عليه و آله انّها القناعة و الرّضا بما قسم اللّه تعالي و امثال ذلك مما يخصّ اللّه سبحانه به عبادَهُ الصَّالحين و سعادته بين الدنيا و الٰاخرة ان لايقبض روحَهُ الّا برضاه ليكون باختياره محبّاً للقاۤء اللّهِ لان من كره لقاۤءَ اللّهِ كَرِه اللّهُ لقاۤءَهُ فان علم انه محب للبقاۤء في الدنيا ابتلاه بالمحن في الدنيا حتّي يكره البقاۤء فاِن خ۪يف عليه القنوط رُوِّحَ بالرخاۤء فاذا خيف عليه الركون شُدِّد عليه حتّي يكره البقاۤء فيها و هو معني ماترددتُ في شي‌ء انا فاعله كترددي في قبض رُوح عبدي المؤمن يكره الموت و اكره مساۤءته الحديث ، يعني اكره ان اقبض رُوحَهُ و هو غير راض فاكون قد اَسَأْتُهُ او اكره مساۤءَتَهُ بمعني اني اذا قبضتُ روحه و هو غير راضٍ ختم له بالسُّوۤء فاذا قرب اجله و حضر اتاه مُحمّدٌ و اهل بيته و الملاۤئكة وَ مَلكُ الموت و كلّ يوصي ملك الموتِ به و يكون عليه اشفق من الام الشفيقة ثم تأتيه ريح مُنْسِيَةٌ من الجنّة تنسيه اهله و ما يحب في الدنيا ثم ريح مسخية حتي يسخي بنفسه و اهله و ما يحبّ للقاۤء اللّه ثم يظهر له ملك الموت بصورة رضا ائمّتِه عنه و يخاطبه بِصُورةِ لحْنِهِمْ فيمدّ الاوّل الي مادةِ رُوحِه۪ و الثّانِي الي هيئتِها فتنجذب اليهما انجذاب اشتياقٍ كانجذاب الصفة الي موصوفها و الحديد الي المغناطيس فتنسلّ من اقطار بدنه كانسلال الشعرة من العجين لما تستنشق من طيب نسيم اللّقاۤء في دار البقاۤء و هو قوله تعالي فروح و ريحان و جنّة نعيم ثم تنقل الي جوار ائمته في الجنّتين المدهاۤمتين و الي وادي السلام الذي هو دار السلام و سعادته في الٰاخرة بما يتنافس فيه من الدرجات في الجنان و النعيم فلاتعلم نفس ما اخفي لهم من قرّة اعين جزاۤء بما كانوا يعملون حيث لاترد عنهم شهوة الّا بما يحب اللّه و رسوله و الائمة صلي اللّه عليه و آله فهو مكلّف بما يشتهي نفسه و هذا الذي سمعتَ من نوع السعادة انما هي لمَنْ وَالاهم اي لمن آمن بهم بسرّهم و علانيتهم و احبّهم و جحد اعداۤءَهم و ما يَدَّعُونه من مقامهم و ابغضهم و هذا الايمان بولايتهم علي الفتح فانّها بمعني التصرّف المطلق كما مرّ مكرراً و علي الكسر فانها بمعني الملك و السلطان و المعنيان جاريان في قوله تعالي هنالك الولاية للّه الحقّ هو خير ثواباً و خير عقباً اي الولي الذي جعله اللّه مظهراً لهذه الولاية خيرٌ ثواباً اي لمحبّيه و المتوالين به المتّبعين له و هو قوله عليه السلام نحن العمل و محبّتنا الثواب و ما جري له في هذه الولاية جري للحامل لها لا فرق بينه و بينهم الّا انّهم عباده و خلقه اي بينه فيما نسب الي افعاله و بينهم فيما نسب اليهم بامره فانّه انّما يفعل بما شاۤء من محاۤلّ افعاله و متعلّقاتها و هم محاۤلّ افعاله و بهم فعل ما فعل كما في قوله تعالي و مارميتَ اذ رميتَ و لكنّ اللّهَ رمي و قوله عليه السلام و هلك من عادَاكم معناه علي الضد ممّا سمعتَ في مَن والاهم يجريان علي نمطٍ واحدٍ هذا في الخير و ذلك في الشر فراجع و تفهّم ،
و قولهُ عليه السلام : و خابَ مَنْ جَحدَكم
اي خسِرَ الدُّنْيٰا و الٰاخرة ذلك هو الخسران المُبينُ اَمَّا خسران الدّنيا فلما يَرِدُ عليه من ظلماتِ الباطلِ و الشكوك الموجب للرَيْن عَلي قلوبهمْ و الطَّبْع حتي لايوفَّقُوا لشي‌ء من الحقّ لا في اعتقادٍ و لا في عملٍ و لا في طَهَارة مولدٍ و لَا لرِزْقٍ حلالٍ و ذلك لجحودهم ولاية آل‌محمد صلي اللّه عليه و آله لانهم اطاعوا الشّيطان و ذلك تأويل قوله تعالي تاللّهِ لقد ارسلنا الي اممٍ من قبلك فزيّن لهم الشيطان اعمالهم فهو وليّهم اليوم من قوله تعالي و اتقوا الذي خلقكم و الجبلّة الاولين و قوله تعالي و ان يعودوا فقد مضت سنة الاوّلين و قوله تعالي سنة اللّه في الّذين خلوا من قبل و لن‌تجد لسنّةِ اللّه تبديلاً لانّ اولٰۤئك لمّا اتتهم رسلهم بالتوحيد و النبوة و الولاية جحدوا ولاية محمد و آلِه۪ صلّي اللّه عليه و آله و زيّن لهم الشيطان ولاية غيرهم فقبِلوها لما بينهم من المشاكلة في الجور و الضّلالة فالشيطان وليهم في الدنيا يخرجهم من النور الذي اتت به الانبياۤء من الدعوة الي قبول الولاية الي الظلمات التي هي ولاية اعداۤئهم و هو وليّهم اليوم يصوّر لهم الشيطان في قبورهم عيناه من نحاسٍ و لهم عذاب اليم هذا لمن جحد الولاية و من جحد الولاية من هذه الامة بعد ظهور الٰايات القاطعات في الٰافاق و في انفسهم بتبيين سيّد المرسلين صلي اللّه عليه و آله حتي حصل لهم اليقين بالحقّ كما قال تعالي في حقّهم و جحدوا بها وَ اسْتيقنتها انفسهم ظلماً و عُلوّاً بعد البَيان كما جحدها الاولون فقال اللّه تعالي فقد مضت سنّة الاوّلين الذين زيّن لهم الشيطان و هؤلاۤء وليّهم الشيطان يخرجهم من نور الولاية و الهداية الي ظلمات الضلالة و الغواية كما ذكرنا بخلاف مَن تولّي بهم فانّ اللّه وليّه يخرجه من ظلمات الجَهْل و الضّلالة و الغواية الي نور العلم و الولاية و الهداية و اما خسرانهم في ما بين الدنيا و الٰاخرة فلِمٰا يلقَون من الشدة من حضور اولياۤءِ اللّه و امرهم الملاۤئكة النازعات غرقاً بالتشديد عليهم يوم يرون الملاۤئكة لا بشري يومَئِذٍ للمجرمين و ذلك عند النزع و عند السؤال و من الضرب بالمِرْزَبَةِ و من الدخان في قبورهم و فورة الحميم و امّا خُسرانهم في الٰاخرة فنزل من حميم و تصلية جحيم لايقضي عليهم فيموتوا و لايخفّف عنهم مِنْ عذابِها و معني جحدكم اي جَحَدَ كونهم ائمّة و اولياۤء و اوصياۤء رسول اللّه صلي اللّه عليهم فان قلت كيف يكونون جاحدين و هم لايعلمون و من المعلوم انّ الجحود لايكون الا بعد المعرفة و قد قال الله قل هل نُنَبِّئُكُم بالاخسرين اعمالاً الذين ضلّ سعيهم في الحيوة الدنيا و هم يحسبون انّهم يحسنون صُنْعاً ، قلتُ قد ثبت ان اللّه سبحانه عدل لايجور و صادق لايكذب فقال في كتابه الناطق علي لسان نبيه الصادق صلي الله عليه و آله و ماكان اللّه ليضلّ قوماً بعد اذ هديهم حتّي يبيّن لهم ما يتّقون و قال تعالي و ماكنّا معذّبين حتي نبعث رسولاً و امثال ذلك من القرءان و من الاحاديث فيجب بمقتضي الادلّة القطعية ان تكون الٰاية الاولي محكمة و ان تكون الثانية متشابهة و بيان ردّها الي المحكم فيه الجمع بين المختلفات من الٰايات و الروايات فان في الروايات ما يطابق الثانية كما تقدم من قول الصادق عليه السلام هيهات فات قوم و ماتوا قبل ان يهتدوا و ظنّوا انّهم آمنوا و اشركوا من حيث لايؤمنون هو ان اللّه سبحانه خلق الخلق باجابتهم دعوته اذ قال الستُ بربّكم فخلقهم كما اجابوه و ان اختلفت اجابتهم و لا ريبَ انّ هؤلاۤء لم‌يجيبوا كما دُعُوا الّا ظاهراً و قلوبهم منكرة و هم مستكبرون فكانت صورة ظواهرهم كهيئة هيكل الحق فاذا سمعوا الحقّ استيقنوا به و كانت قلوبهم بسبب انكارِها باعثة لهم علي انكار الْحَقّ فلمّا فعلوا خلاف ما اسْتيقنوا به حدثت فيهم صورة الانكار التي هي ثمرة تغيير خلقِ اللّه فَكٰانُوا بمقتضي صورة انكارهم يميلون الي الباطل الذي هو ولاية ائمّة الجور و يَرْضَوْنَ بها و يعملون بمقتضاها حتّي تشَوَّهُوا بصور الباطِلِ و بمقتضَي هيئة ظواهرهم التي هي الصورة الاِنْسانِيّة الناشيَة من الاجابة الظّاهرة يستيقِنُونَ الحقَّ و لايعملون بمقتضاها لانّ آلات العمل تملّكتها صورة الانكار و كانت اَوْلَي بها من صورة الاجابة لسبقِ صورة الانكار الي استعمال الٰالات في مقتضاها حَتّي اَنست بها بخلافِ صُورةِ الاجَابَةِ فبصورة الانكار احبّ الباطل وَ مال اِلَيْه و بصورة الاجابة التي هي الفطرة استيقنَ بحقيّةِ الحقّ و بصورة الانكار انكر الحقّ و بصورة الاجابة انكر الباطل فهو بين المتجاذبَيْن متردّدٌ بين الطرفَيْن فهم في ريبهم يتردّدون قد جعل اللّه بهما صدرَهُ ضيّقاً حرجاً كأنّما يَصَّعَّدُ في السّماۤءِ كذلك يجعل اللّهُ الرجس علي الذين لايؤمنون فلو لم‌يَعْرِفِ الحَقَّ لَمْ‌تَقُمْ عليه الحجة بتركه و لَوْ لم‌يعرف الباطل لم‌يستحقّ ثواباً علي تركِه۪ و في حال الانكار و العمل بموجبه يحسب انّه يحسن صنعاً و في حالِ الاجابةِ و استيقان الحقّ مع ترك العمل بموجبه يقطع بضلالته فهو علي جميع الاحوال مضطرب الْاعتقادات و الاقوال و الاعمال ،
قوله عليه السلام : و ضلّ مَن فارقكم
اي ضاع و تَاهَ وَ لَمْ‌يَدر اين طريقه اَوْ اَين مطلبه و لم‌يهتدِ الي طريق نجاته او مقصوده و بمعني بطل قال تعالي وَ الّذينَ كفروا فتعساً لهم و اضلّ اعمالهم و بمعني الْهَلَاك قَالَ تعالي انّ المُجْرمين في ضَلالٍ و سُعُرٍ يَعْن۪ي اَنَّ مَنْ فَارقهم و لم‌يَقْتَدِ بِهمْ وَ يُقِّر بِامامِهِمْ وَ يَتَولّاهُمْ و يتبرّأ مِنْ اعْدَاۤئِهمْ بَلْ تولّي باعداۤئهم و اقتدَي بهم و دانَ اللّهَ بحُبِّهِمْ و نَصَبَ لائمّةِ الهدي العَداوَة و البَغْضاۤءَ فقد ضَلّ و تاهَ و لم‌يدرِ اين طريق نجاته لانحصار طريق النجاةِ في اتّباع ائمّة الهدي عليهم السلام فاذا لم‌يتّبع سبيلهم عليهم السلام و اتّبع غيرهم تفرّقت بهم السُّبُلُ عن سبيله فاِمّا الي اليهوديّة اَوْ اِلي النصرانيّة او الي المجوسية او الي الدهريّة او الي الثنوية او الي عبدة الكواكب اوْ الي غير ذلك و كلُّها تَصُدُّ عَنْ سبيلهِ الحَقّ و لم‌يدر ايْنَ مقصوده بل اذا جاۤء مقصوده لم‌يجده شيئاً لانه بدون ولاية اولياۤء اللّه كسراب بقيعةٍ يحسبه الظمٰان ماۤءً و بطلت اعماله لانّ شرط الصّحةِ مطابقتها لامر اللّٰه تعالي و امر اللّه لايعرف الّا من نبيّه صلّي اللّٰهُ عليه و آله قال تعالي ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتَهُوا و قال تعالي من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و مَن توَلّي فماارسلناك عليهم وكيلاً و امرهم امر رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و اللّه و رسوله و هم عليهم السلام امروا باتِّباعهم و مجانبة اعداۤئهم ارشاداً للمؤمنين و انّ شرط صحّة الاعمال و قبولها ولايتهم و طاعتهم فيما امروا به و نهوا عنه و محبّتهم و ترك ولاية عدوّهم و مخالفتهم فيما امروا به و نهوا عنه لانّ الرشد في خلافهم و بغضهم بالجنان و الاركان و اللسان بحسب الامكان روي القمّي عن الباقر عليه السلام في قوله تعالي و قدمنا الي ما عملوا من عمل فجعلناه هباۤءً منثوراً قال اما واللّهِ انهم كانوا يصومون و يصلّون و لكن كانوا اذا عرض لهم شي‌ء من الحرام اخذُوه و اذا ذكر لهم شي‌ء من فضل اميرالمؤمنين عليه السلام انكرُوه قال و الهباء المنثور هو الذي تراه يدخل البيت في الكوّة من شُعاع الشمس و في الكافي عن الصادق عليه السلام انه سُئِل عن هذه الاية قال ان كانت اعمالهم لاشدُّ بياضاً من الْقباطي فيقول اللّه عز و جلّ لها كوني هباۤءً و ذلك انهم كانوا اذا شرع لهم الحرام اخذوه ، اقول القباطي بالفتح جمع القُبطيّة بالضم علي غير قياس و قد يكسر ثياب بيض رقيقة تنسب الي القِبط بالكسر و هم اهل مصر لانهم يعملونها و انّما غيّرت النِّسبة للاختصاص كما غيّرت في الدُّهري بالضم منسوب الي الدهر بالفتح هذا في نسبة الثياب للفرق بينه و بين الانسان و لو نسب الانسان قيل قبطي بالكسر علي الاصل و قوله عليه السلام و ذلك انهم كانوا اذا شرع لهم الحرام اخذُوه فيه اشارة الي انهم يأخذون بحكم ائمة الضلال يريدون ان يتحاكموا الي الطاغوت و قد امروا ان يكفروا به و يريد الشيطان يعني ابليس او الثاني ان يضلّهم ضلالاً بعيداً يعني يصدّهم عن ولاية اولياۤء اللّه و ذلك هو الضلال البعيد الذي لاينتهي الي خيرٍ ابداً و لاينتهي ابداً بخلاف ما لو كانوا متَوالين و اخذوا الحرام فانّ ذلك لايوجب لهم الضَّلال البعيد و انّما كانت اعمال اولۤئك هباۤءً منثوراً لانهم والوا اعداۤء اللّهِ و عَادَوْا اوْلياۤءَ اللّهِ و في البصاۤئر عن الصادق عليه السلام انه سئل في هذه الٰاية اعمالُ مَن هذه فقال اعمال مبغضينا و مبغضي شيعتِنا ه‍ ، فبطلان اعمال من فارقهم و جعلها هباۤء منثوراً انّما هو لمفارقتهم و عدم محبّتهم و الاقتداۤء بهم و ميلهم الي اعداۤئهم لان شرط الصحة و القبول هو محبتهم و الاقتداۤء بهم عليهم السلام و لهذا كانت شيعتهم و محبّوهم تقبل منهم اعمالهم لان الشرط متحقّق بل لو وقعت منهم السيئات بُدّلَتْ لهم حَسناتٍ امّا لانّ سيّئاتهم في الحقيقة ليست منهم بل هي من لطخ اعداۤئهم كما دلّ عليه حديث ابي‌اسحق الليثي الطويل حديث الطينة عن الباقر عليه السلام من ان اللّه يأمر يوم القيمة ان تؤخذ حسنات اعداۤئِنا فتردّ علي شيعتِنا لانّها من طينتهم و تؤخذ سيّئات محبّينا فتردّ علي مبغضينا قال و هو قوله تعالي فاولٰۤئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ ، و اِمّا لاقرارهم بذنوبهم فانه في حقّ محبي علي و اهل بيته عليهم السلام توبة منها كما روي عن الباقر عليه السلام قال يؤتي بالمؤمن المذنب يوم القيمة حتي يوقف موقف الحساب فيكون اللّه هو الذي يتولي حسابه لايطّلع علي حسابه احد من الناس فيعرّفه ذنوبه حتي اذا اقرّ بسيئاته قال اللّه تعالي للكتبة بدّلوها حسناتٍ و اظهروها للنّاس فيقول الناسُ ح ماكان لهذا العبدِ سيئة واحدة ثم يامر اللّه به الي الجنّة فهذا تأويل الٰاية و هي في المذنبين من شيعتِنا خاۤصّة و امّا لحبّهم اهل البيت عليهم السلام فانه يكفّر الذنوب لانه حسنة لايضر معه سيّئة و امّا لان اللّه يتحمّل عنهم سيّئاتهم جزاۤءً لطاعتهم له تعالي في اعظم الطاعات قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حبّنا اهل البيت يكفر الذنوب و يضاعف الحسنات و ان اللّه ليتحمّل عن محبّينا اهل البيت ما عليهم من مظالم العباد الّا ما كان منهم علي اصرارٍ و ظلمٍ للمؤمنين فيقول للسيئات كوني حسناتٍ و اما لخوفهم من معصية اللّه و المجازاة عليها فانه ندَمٌ و توبة و لو كان يوم القيمة كما في جهّالهم الذين ماتنبّهوا الّا يوم القيمة و هم عند اللّه من المحبين فروي القمي عنه اي عن الرضا عليه السلام قال اذا كان يوم القيمة اوقف اللّه عز و جل المؤمن بين يديه و عرض عليه عمله و نظر في صحيفته فاوّل ما يري سيّئاته فيتغيّر لذلكَ لونه و ترتعد فراۤئصه ثم تعرض عليه حسناته فتفرح لذلك نفسه فيقول اللّه بدِّلوا سيئاته حسنات و امّا لانّ سيّئاتهم لمّا تحمّلها ائمّتهم عنهم و كانوا عليهم السلام قد استغفروا اللّه منها فغفَرهَا لهم و هم لايعلمون بذلك بل مازالوا خاۤئفين منها فاذا كان يوم القيمة وجدوا سيّئاتهم مكفّرة و حسنات خوفهم مُوَفَّرةً فكان ما ظنوا انّهم مأخوذون به من السيئات حسنات و امّا لِما يشرقُونَ به من فاضل حسناتهم علي شيعتهم فانّها تقلبُهَا حَسَنات كما لو تصرّف شخص في مال زيدٍ بغير اذنه فانّه سَيّئةٌ ثم انّ زيداً بعد ذلك اباحَ له تصرّفه و ابرأه من التصرف فانّه ح ينقلب ذلك الحرام حلالاً و امثال ذلك من الشفاعات و هجران المعاصي مع غلبة الطاعات و من مغفرة اللمم لمن اجتنب كباۤئر الأثم و الفواحش و من الاتّكال علي حبّهم و من حسن الظنّ في اللّهِ و من مدّ بصر العاصي الي جهة ربه تطلُّعاً الي مغفرته و من الشهادة في سبيل اللّه و من تحمّل القاتل و من الانتقال من الاسلام الي الايمان و امثال ما ذكر و كلّ هذا فانّما هو لمحبّيهم الذين حقّت لهم من اللّه سبحانه الكلمة الحسني اذ قال تعالي للجنّة و لااُبالي و قال تعالي فمن يعمل من الصالحات و هو مؤمن فلا كفران لسعيه و انّا له كاتبون و كذلك ضلّ بمعني هلك فانّ من فارقهم فقد هلك هلاكَ الشَّقاۤء الذي لا سعادة بعدَهُ ابَد الٰابدين لانّه يفقد كلّ خير و كلّ راحةٍ و كلّ سرورٍ و كلّ نعمةٍ و كلّ تنعّم و كلّ فرحٍ و كلّ فرجٍ و كلّ رَوْحٍ و كلّ اُنْسٍ و كلّ استغناۤءٍ و كلّ شبَعٍ و كلّ رِيٍّ و كُلّ نومٍ و كل ادراكٍ و كل ملايم و كلّ موافقٍ و كلّ سَعْدٍ و بالجملة يفقد كلّ ما يحبّ و لايفقد شيئاً مما يكره لايقضي عليهم فيموتوا و لايخفّف عنهم من عذابها كذلك نجزي كلّ كَفُورٍ بانعم اللّه تعالي ،
و قوله عليه السلام : و فازَ من تمسّك بكم
فاز اي نجي و ظفر بالخير و تمسّكَ اي اعتصَم يعني انّ من اعْتَصَمَ بولاۤئهم فقد نجي مِنَ النّارِ و من غضبِ الجبّار و نجي من الضلالة لانّ اتّباعهم هُديً من الضلالةِ و نورٌ في الظلمات و ظَفِر بسعادةِ الدنيا و سعادة الٰاخرة كما مر و المراد بالتمسُّكِ بهم الاعتصام بذمامهم و هو ولايتهم و هو ذمام اللّهِ المنيع الذي لايطاوَلُ و لايُحَاوَلُ و الذمام هو العهد حين قال لهم في التكليف الاوَّل الستُ بربّكم و محمّد نبيّكم و عليّ و الائمة من بنيه عليهم السلام اولياۤؤكم و حججي عليكم قالوا بلي فقال اللّه تعالي يا اولياۤئي عليهم اشهدوا عليهم فقالوا شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انّا كنّا عن هذا غافلين او تقولوا انّما اشرك آباۤؤنا من قبل و كنّا ذريّةً من بعدهم افَتُهْلِكُنَا بمَا فعل المبطلون ثمّ اخذ عليهم العهد ثانياً كما مرّ بمشهد انبياۤئه و رسله فقالوا بلي فقال يا انبياۤئي و رسلي اشهدوا عليهم فقالوا شَهدْنا الخ ، ثم اخذ عليهم العهد ثالثاً بمشهد عباده المؤمنين العَارفين فقالوا بلي فقال يا عبَادي اشهَدُوا عَليهم فقالوا شَهدْنا الخ ، ثم اخذ عليهم العهد رابعاً بمشهد الملاۤئكة فقالوا بَلَي فقال يا ملاۤئكتي اشهدوا عليهم فقالوا شهدنا الخ ، و كذلك اشهد عليهم ساۤئر خَلقه فشهد عليهم كلّ شي‌ء من حيوانٍ و نباتٍ و جَمادٍ و هذا الذّمام الذي مَنْ تَمَسَّكَ به۪ فاز هو ولايتهم الكليّة و هي التي اُخِذَتْ لهَا العهود و المواثيق من جميع الخلق و هي معرفة اللّه سبحانه و معرفة اولياۤئه و انبياۤئه و الايمان بسرّهم و علانيتهم و ما دلّوا عليه من التوحيد و العدل و النبوة و الامامة و المعاد و الصلوة و الزكوة و الصوم و الحج و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و جميع التكاليف الشرعيّة و الٰاداب الالهيّة فهذه هي الولاية التي فازَ من تمسّك بها و امّا الولاية الخاۤصّة الّتي هي التّولّي بهم و التبرئ من اعداۤئهم فمن تمسّكَ بها فاز الّا انّ بعض مَن تمسّك بهذه يفعل الكباۤئر و ربّما لاتناله شفاعة فيطهّر بالنّار قبل ان يدخل الجنّة و ذلك لانّ الولاية الخاۤصّة قد تغيّرها المعاصي لان المعاصي هي من ولاية عدوّهم فاذا اجتمعا في شخصٍ فان لم‌تزل الولاية الخاۤصة كانت مقتضية للنجاة موجبةً للجنة سواۤء كان ذلك بعد التطهير بالنار كما في بعض المحبّين الفاعلين للكباۤئر ام بعد العفو بنحو شفاعة او عناية سبقت له او غيرهما كما مر و ان اعتاد المعاصي حتي انِستْ بها نفسه و كانت طبيعة له و لم‌تتداركهُ رحمة بل خُلِّي و نفسه و رضي بها حتّي رانت علي قلبه و تَبذّخَ بها و لم‌ينكرها قلبه بل اطمأنّ بها اخذ في بغض اهل البيت عليهم السلام فكان عاقبة امره خسراً بخلاف صاحب الولاية الكليّة فانه في الدنيا ماخرج عن الوَلاية من المعرفة و العُلوم النَّافِعة و الاعمال الصالحة و الٰادٰاب الشرعيّة من التقوي و الحلم و الوَرع و الزهد و الكرم و الشجاعة و الفهم و النباهة وَ حُسْن الخلق و غير ذلك و امّا في الٰاخرة فانه منذ خرجَتْ روحُه دخلها اي الجنّة الي نفخة الصّعق و يوم الحشر هو في ظلّ عرش الرحمن ثم يدخل لايري ما يكرهه في جميع المواقف و امّا ما بين النّفختَيْنِ فانّه في الجنّة ايضاً و ان بطل تركيباته و الجنّة هي ولايتهم كما دلّت عليه احاديثهم فعن الصادق عليه السلام ما معناه انه سمع رجلاً من محبّيه يقول اللّهم اَدْخِلنا الجنّة فقال عليه السلام انتم في الجنّة و لكن سلوا اللّه اَلّايخرجكم منها انّ الجنّة هي ولايتنا و هو تأويل قوله تعالي و امّا الّذين سُعِدُوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السموات و الارض الّا ما شاۤء ربّك عطاۤءً غير مجذوذ علي احد وجوه الاستثناۤء فيها ،
قوله عليه السلام : و امِنَ مَن لجَأَ اليكم
اي اَمِنَ من المعاصي ببركة ولايتهم اوْ انّ الالتجاء اليهم مانع من المعاصي او انّ المراد بالالتجاۤء اليهم انّما هو في الاقتداۤء بهم و لا رَيْب ان ذلك مانع من المعاصي صغيرها و كبيرها اذ لا شي‌ء منهما فرع لهم عليهم السلام و انّما هو فرع لاعداۤئهم او المراد الامن من الخطاۤء في الاعتقاد او الاحكام لان من اقتصر في جميع احواله علي الالتجاۤء اليهم فهو آمِنٌ من الجهالة و الضّلالة و الخطاء و ذلك تأويل قوله تعالي و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و ايّاماً آمنين ، ففي الاحتجاج عن الباقر عليه السلام في حديث الحسن البصري و قد تقدّم في هذه الٰاية قال عليه السلام بل فينا ضرب اللّه الامثال في القرءان فنحن القري التي بارك اللّه فيها و ذلكَ قول اللّه عز و جلّ فيمن اَقَرّ بفضلِنا حيثُ امرهم ان يأتونَا فقال و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها اي و جعلنا بينهم و بين شيعتهم القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و القري الظاهرة الرّسل و النّقلة عنّا الي شيعتنا و فقهاۤء شيعتِنا و قوله تعالي و قدّرنا فيها السير فالسير مثل للعلم سير به ليالي و اياماً مثل لما يسير من العلم في الليالي و الايام عنا اليهم في الحلال و الحرام و الفراۤئض و الاحكام آمنين فيها اذا اخذوا عن معدنها الذي امروا ان يأخذوا منه آمنين من الشك و الضلال و النّقْلة من الحرام الي الحلال و عن السجاد عليه السلام الي اَنْ قال آمِن۪ين من الزَّيْغِ ه‍ ، و ذلك علي نحو ما تضمّنت هذه الاحاديث و امثالها عنهم عليهم السلام اوْ انّ المراد الاَمْن من خطوات الشيطان و وسوسته و تزيينه لقوله تعالي انّ عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتّبعك من الغاوين ، اِمّا انّه لايقدر علي من التجأ اليهم عليهم السلام ان يخرجهم من الايمان او من الاسلام الي الكفر و ان زيّن لهم بعض المعاصي لان قلوبهم بولاية ائمتهم مطمئِنّة لايتسلّط عليها الشيطان كما في معاني الاخبار باسناده الي ابي‌عبداللّه عليه السلام في هذه الٰاية قال ليس علي هذه العصابة خاۤصّة سلطان قال قلت و كيف جعلت فداك و فيهم ما فيهم قال ليس حيث تذهب انما قوله ليس لك عليهم سلطان ان يحبّب اليهم الكفر و يبغّض اليهم الايمان و في روضة الكافي عنه عليه السلام انه قال لابي‌بصير يا ابامحمد لقد ذكركم اللّه في كِتابه فقال ان عبادي ليس لك عليهم سلطان واللّه مااراد بهذا الا الائمة عليهم السلام و شيعتهم و امّا انه لايتسلّط علي قلوبهم لانّ قلوبهم منيرة بحبّ ائمتهم و ولاۤئهم و اتّباعهم و التسليم لهم و الردّ اليهم او لانّ قلوبهم خلقت من فاضل اجسام ائمتهم عليهم السلام و قد اشترط اللّه تعالي علي ابليس قضاۤء بمقتضي الحكمة لان الانوار تمحق الظلمات و الظلمات ليس لها سلطان علي النور لعدم طاقتها به و لبُعدِ رتبتِه عنها و لانّ قلوبهم حِزب اللّه و جنده و حزب اللّه و جنده هم الغالبون و لانَّ الشيطان انما يتسلّط في اغواۤئه و اضلاله بجهة ظلمته المجتثّةِ الاصل فيأتي مَن يغويه من الجهة المناسبة لجهته من الجهل و الغفلة عن ذكر اللّه و الشهوة و الغضب و الحسد و التكبّر و امثال ذلك لانه يزرع شبهته في المحل المناسب فتنمو حتّي تعظم تلك الجهة الخبيثة فتستولي علي اضدادها من جنود العقل فتذهب ملاۤئكتها الي مراكزها من النور فتستولي اَضْدادهم من الشياطين علي منابر تلك الملاۤئكة من قلب ذلك الشخص فيطبع علي قلبه فمن لم‌تكن هذه الجهات و امثالها فيه او كٰانَتْ ضعيفةً مهجورةً لم‌يقدر الشيطانُ اَنْ يتسلّط عليه لانّه لايَجِدُ باباً يدخل عليه منه و لو دخل و لم‌يجدْ مناسِباً كان ما فيه من نور الوجود الذي تقوَمَتْ به ظلمته مناسباً لنور المؤمن فيكون سبباً و وُصلةً لاشراق نورِ المؤمنِ علي ظلمة الشيطان فيحترق باشراق نور المؤمن و لاجل ما ذكرنا كان مَن لجأ اليهم عليهم السلام آمِناً من حيل الشيطان لانّه اخذ من النور و استمدّ من النور و اعتصم بالنور و احتجب بتفويضِ امره اليهم بالنور قال اللّه تعالي انه ليس له سلطان علي الذين آمنوا يعني بمحمد و آله صلي اللّه عليه و آله و علي ربّهم يتوكلون اي اعتصموا بذمّة اللّه التي لاتخفر و هي ولايتهم و البراۤءة من اعداۤئهم بالجنان و الاركان و اللسان انّما سلطانه علي الذين يتولونَهُ و الّذين هم به مشركون اي يتولّون غير ولي اللّه فان ذلك هو تولّي الشيطان و ادخالهم في ولاية آل‌محمد صلي اللّه عليه و آله هو عبادة الشيطان مع اللّه تعالي و الحاصل انّ من لجأ اليهم علي ما اشرنا اليه فانه آمِنٌ من جميع ما يكره اللّه سبحانه لعباده المؤمنين في الدنيا و الٰاخرة ،
قال عليه السلام : و سلم من صَدّقكم
اي انّ من صدّقهم سلم من الخطاء و الزيغ و الشكّ و الضلالة و النفاق و من المعاصي كلها و الفواحش ما ظهر و ما بطن لانه فعل موافق لامر اللّه كما قال تعالي يا ايّها الذين آمنوا اتقوا اللّه و كونوا مع الصادقين لانهم لاينطقون الّا عن اللّه و لهذا امر بالكون معهم ارشاداً لبريّته الي طريق النجاة و في الاحتجاج عن اميرالمؤمنين عليه السلام في حديث طويل قال و قد جعل للعلم اهلاً و فرض طاعتهم بقوله اتقوا اللّه و كونوا مع الصادقين اي امر الخلق بالكون معهم و التولي بهم و التبرئ من اعداۤئهم و الردّ اليهم و الاخذ عنهم و التسليم اليهم في كل شي‌ء و في التهذيب في دعاۤء صلوة يوم الغدير ربّنا انّك امرتنا بطاعة ولاة امرك و امرتنا ان نكون مع الصادقين فقلتَ اطيعوا اللّه و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم و قلتَ اتّقوا اللّه و كونوا مع الصادقين فسمعنا و اطعنا ربّنا فثبِّت اقدامنا و توفّنا مسلمين مصدّقين لاولياۤئك و لاتزغ قلوبَنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انّك انت الوَهّاب و في تفسير العياشي عن ابي‌حمزة الثمالي عن ابي‌جعفر عليه السلام قال قلتُ اصْلحَكَ اللّهُ اي شي‌ء اذا عملته استكملتُ حقيقة الايمان قال توالي اولياۤء اللّه محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين ثم انتهي الامر الينا ثم ابني جعفر و اومَأ الي جعفر و هو جالس فمن والي هؤلاۤء فقد والي اولياۤء اللّه و كان مع الصّادقين كما امره اللّه الحديث ، فمن صدّق مَن اخبر اللّهُ بصدقهم و امر بالكون معهم فقد سلم من جميع المضاۤرّ و المكاره في الدّنيا و الٰاخرة و معني سلم انّه لايصيبه منها شي‌ء كما في الدعاۤء و تخرجني من الدنيا آمناً و تدخلني الجنّة سالماً اي من النار بان لايكون من الذين اصيبُوا بشي‌ء من النار و لو بدخول الضحضاح من نار و يحتمل انه يكون سالماً من نار جهنّم و ان طُهِر في الضحضاح من نار لانه ليس من حقيقة النار و انّما هو من ظِلّها و يحتمل ان يكون سالماً منها في البرزخ اوْ سَالِماً ممّا هو منها من جميع مكاره الدنيا و الٰاخرة كالهمّ و المرض و الفقر و الحر و البرد الزاۤئدين علي ما يلايم الطباع و ما اشبه ذلك و من ظاهرها في البرزخ و منها يوم القيمة و حديث ابي‌حمزة داۤلّ علي ان المراد بالموالاة الحقيقيّة هي القيام بجميع ما امر اللّه و اراد و الاجتناب عن جميع ما نَهٰي و كرِهَ لانّ بِه اسْتِكمالَ حقيقةِ الايمان و الكون مع الصَّادق۪ين و هٰذا لايكون الّا باقامة الولاية بالقلب و الفؤاد من المعرفة و حُسْن الاعتقادِ و ثباته و بِاللّسان من الاقوال الخالصة في الثناۤء عليهم من صلوة و قراۤءة و دعاۤء و تسبيح و من كلِّ ما يعني محبّهم من الاقوال في مصالحِ دُنياه و آخِرتِه۪ و بالجوارح من الاعمال الصَّالحةِ كما سَنُّوا و اَسَّسُوا و هو كذلك لان اللّه سبحانه يقول انا عَرَضْنا الامانةَ علي السمواتِ و الارضِ و الجبال فابينَ اَنْ يحملنها و اشفقن مِنْها الٰاية ، مع انّ السموات و الارض و الجبال قَدْ قَبِلْنَ منها ما يقدرن عليه و هو قوله ثم استوي الي السماۤء و هي دخان فقال لها و للارض ائتيا طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طاۤئعين ، و الحاصل انّ من صدّقكم في جميع ما قالوا عن اللّه عز و جل من اعتقادٍ و قولٍ و عملٍ و آداب فقد سلم من جميع مكاره الدنيا و الٰاخرة لانهم للّهِ تعالي فلايتقوّلون عن اللّه و لايَتَكلّفون ما لم‌يرده اللّه سبحانه ،
قال عليه السلام : و هُدِيَ مَنِ اعْتصَمَ بكمْ
هٰذِه الفقرة تصلح شاهداً للّتي قَبْلَها يعني انّ الّذي صَدَّقهم ظاهراً بالاقرار وَ بَاطِناً بالعَمَلِ و المتابعة فقد سلم ممّا يكره اللّه سبحانه في الدُّنْيا و الٰاخِرة و هو معني هُدِيَ مَن اعتَصَم بهم لِأنّ مَنِ اعْتَصَم بهم ظاهراً بالاقرار و باطِناً بالعَملِ و المتابَعَةِ فقد هدي الي كلّ ما يحبّ اللّه سبحانه في الدنيا و الٰاخرة وَ انْ كان الاول في النفي و الثاني في الاثباتِ لاستلزام كلٍّ منهما الٰاخر و المراد بهذهِ الهداية الهداية للّتي هي اقوَمُ يعني انّ مَن اعتصم بهم علي ما هو المتعارف من الاعتصام هُدِي اليهم اي الي معرفتهم و هدي الي ولايتهم اي الي القيام بمقتضاها في متابعتهم كما امروا و كما عملوا و في قوله تعالي ان هذا القرءان يهدي للتي هي اقوم في الكافي عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال يهدي للامام و فيه عنه عليه السلام قال يهدي اي يدعو و في تفسير العيّاشي قال يهدي الي الولاية فعلي الاول يهدي الي معرفة الامام عليه السلام و علي الثاني يدعو اليه اي الي معرفته و الائتمام به و الاتّباع له و الاخذ عنه و علي الثالث يَهْدِي الي الولاية العاۤمّة الشاملة لجميع ما احبّ للعبد مما يريد منه كما تقدّم و انّما قلنا المراد بهذه الهدايةِ الهداية للّتي هي اقوم المفسّرة في الٰاية بما سمعتَ و قلنا يعني انّ منِ اعتصَم بهم علي ما هو المتعارف الخ لانّ من اعتصم بالقرءان هدي الي ولايتهم و اليهم و التي هي اقوم ولايتهم و هم يعني معرفتهم عليهم السلام فمن اعتصم بهم هُدِيَ الي ذلك بطريقٍ اولي لانّ القرءان كتاب اللّه الصامت و هو حبل طرفُه بيد اللّه و طرفه الٰاخر بيد خلقه الّا انه نزل علي طبق الخلق و الخلق فيهم النص و المحكم و الظاهر و المأول و المتساوي حاله و المشتبه و النسخ و الاختلاف و التضايف و ما لايكون منه كل ما يمكن له اِلّا بمُتمِّمٍ و ما يكون منه الخير باضافة الخير و الشر باضافة الشر و منهم السابق بكلّه و اللاحق بكلّه او بالبعض فيهما و المرجوّ و في الباطن دون الظاهر و بالعكس و ما اشبه ذلك و القرءان كذلك و ما كان هذا حاله لايستقلّ بالاصلاح الّا بكتاب اللّهِ الناطق المطابق له في كل شي‌ءٍ و الكتاب الناطق و ان كان ينبئ عن الصّامت الّا انّه يستقِلّ بالاصلاح فلذا قلنا من اعتصم به هدي للّتي هي اقوم اي معرفته و ولايته بطريق اولي لانّ القرءان انما يهدي اليهم و الي ولايتهم و في معاني‌الاخبار عن علي بن الحسين عليه السلام قال الامام لايكون الّا معصوماً و ليسَت العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها و كذلك لايكون الّا منصوصاً فقيل يا ابن رسول اللّه (ص‌) فما معني المعصوم فقال هو المعتصم بحبلِ اللّه و حبلُ اللّه هو القرءان يهدي الي الامَام و ذلك قول اللّه عز و جل انَّ هذا القرءان يهدي للّتي هي اقوم ه‍ ، هذا علي ظاهر يهدي وَ عَلي تأويله بمعني يدعو كما تقدّم في حديث الكافي يكون اعمّ من الهداية فيكون القُرْءان يهدي الي الاعتصام بهم و بولايتهم اَوْ يَدْعُو وَ عَلي كل تقدير فالمعتصم بهم اولي بالهداية من المعتصم بما يدعو اليهم او يهدي اليهم و لما قلنا من انّ الاعتصام بالناطق اقوم من الاعتصام بالصّامت فافهم .
قال عليه السلام : من اتّبعكم فالجنّة مأويٰهُ و من خالفكم فالنّار مثواه
اقول هذان الحكمان لاتختلف فيهما الشيعة و كثير من العاۤمّة قاۤئلون بهما من جهة النصوص الواردة في هذا المعني من الفريقين و انما يدّعون انّهم من اتباعهم و محبّيهم و ان ما هم عليه هو مذهب محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و آله كذا قاله بعضهم و قد رووا احاديث لاتكاد تحصي بطرقهم عن النبي صلي اللّه عليه و آله و عن الصحابةِ و عن ائمّتنا عليهم السلام في هذا المعني فمنها ما رووه انّ اميرالمؤمنين عليه السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يا علي انت اميرالمؤمنين و امام المتقين يا علي انت سيد الوصيين و وارث علم النبيين و خير الصديقين و افضل السابقين يا علي انت زوج سيّدة نساۤء العالمين و خليفة خير المرسلين يا علي انت مولي المؤمنين يا علي انت الحجة بعدي علي الناس اجمعين استوجب الجنّة من تولّاك و استحقّ دخول النار مَن عَاداك يا عليّ و الذي بعثني بالحق بالنبوّة و اصطفاني علي جميع البريّة لو اَنّ عبداً عبد اللّه الفَ عام ماقبل اللّه ذلك منه الا بولايتك و ولاية الائمة من ولدِك و انّ ولايتك لايقبلها اللّه الّا بالبراۤءة من اعداۤئك و اعداۤء الائمة من ولدك بذلك اخبرني جَبرئل (ع‌) فمن شاۤء فليؤمن و من شاۤء فليكفر رواه ابوالحسن محمد بن احمد بن علي ابن الحسين بن شاذان في مناقبه من طرقهم و فيه عن ابي‌سعيد الخدري قال سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول اذا كان يوم القيمة امر اللّه الملكين يقعدانِ علي الصراط فلايجوز احد الا ببرَاءة اميرالمؤمنين عليه السلام و من لم‌تكن له براءة اميرالمؤمنين اكبه اللّه علي منخريه في النار و ذلك قوله تعالي و قفوهم انهم مسئولون قلتُ فداك ابي و امي يا رسول اللّه ما معني براءة اميرالمؤمنين قال مكتوب لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه اميرالمؤمنين علي بن ابي‌طالب وصي رسول اللّهِ و فيه عن اميرالمؤمنين قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سُئِل عن قوله تعالي القيا في جهنم كلّ كفار عنيد يا علي اذا جمع اللّه الناس يوم القيمة في صعيد واحد كنتُ انا و انت يومئذ عن يمين العرش فيقول اللّه تعالي يا محمد و يا علي قوما و القِيا من ابغضكما و كذّبكما في النار و فيه عن ابن‌عباس قال قال (ص‌) الي ان قال عن اللّه تعالي و اني آليتُ بعزّتي اَن لاادخل النار احداً تولّاه يعني علياً (ع‌) و سلّم له و للاوصياۤء من بعده و لااُدخل الجنّة من تركَ ولايته و التسليم له و للاوصياۤء من بعده و حقَّ القول مني لاملئنّ جهنم و اطباقها من اعداۤئه و لاملئنّ الجنة من اولياۤئه و شيعته و في امالي الطبرسي باسناده عنه (ص‌) انه قال مثل اهل بيتي مثل سفينة نوح (ع‌) من ركبها نجي و من تخلّف عنها زُخَّ في النار و روي القمّي في قوله تعالي وجوه يومئذٍ خاشعة عاملة ناصبة تصلي ناراً حاميةً تسقي من عينٍ آنيةٍ قال هم الّذين خالفوا دين اللّه وَ صَلّوا و صاموا و نصبوا لأميرالمؤمنين عليه السلام علموا و نصبوا فلايقبل منهم شي‌ء من افعالهم و تصلي وجوههم ناراً حامية و في الكافي عن الصّادق (ع‌) قال لايُبَالي الناصب صلّي ام زني و هذه الٰاية نزلت فيهم و عن اميرالمؤمنين (ع‌) كلّ ناصب و ان تعبّد و اجتهد فمنسوب الي هذه الٰاية و روي القمّي كل من خالفكم الخ و بالجملة فالاحاديث من الطرفين في هذا المعني اكثر من ان تحصي و السر في هذا الحكم قد اشرنا اليه فيما مضي و منه انّهم عليهم السلام هم الرحمة الّتي وسعت كلّ شي‌ء المشتملة علي الفضل الذي هو الرحمة المكتوبة لمحبّيهم و شيعتهم و دارُها الجنة و علي العدل الذي يترتّب عليه في حق اَعداۤئهم دخول النار و غضب الجبّار و ذلك لان اللّه سبحانه خلق الجنّة و ما اعدّ لاهلها من حبّهم و اتّباعهم و التسليم لهم و خلق النار و ما اعدّ لاهلها من عداوتهم و بغضهم و لاجل هذا كان علي عليه السلام قسيم الجنّة و النّار لانّ اللّه عز و جل لمّا خلقهم و اشهدهم خلق جميع عباده و انهي اليهم امرهم و القيام عليهم بما كسبوا و اعلمهم علم ذلك و جعلهم المانين لكل شي‌ء باذنه كما امرهم و كان قد خلقهم من نوره اي اوّل نورٍ احدثه و ارتضاه و نسبه اليه تشريفاً له و لم‌يخلق نوراً غيره الّا منه اي من اشِعّته كشيعتهم و محبّيهم من الانس و الجن و الملاۤئكة و ساۤئر الحيوانات الخيّرة و النباتَاَت العذبة و الجمادات الطيّبة اوْ عنه اي من عكوس اشعته و هي اظلّتها و ظلماتِ نفوسها كاعداۤئهم و اتباع اعداۤئِهم من الانس و الجنّ و الشياطين و ساۤئر الحيوانات الشريرة و النباتات المرّة و الحامضة و المسوِّسة و الجمادات الخبيثة و السبخة كان علي عليه السلام قسيم الجنّة بين اهل الجنّة بان يضع كل شخص في درجته و يجزيه بقدر طاعته و محبّته و قسيم النار بين اهل النار بان يضع كل شخص من اهلها في دركه و يجزيه بقدر معصيته و بغضه و شركه و ما ربك بظلام للعبيد و هو تأويل قوله تعالي هذا كتابُنَا ينطق عليكم بالحق انّا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون و قوله تعالي و قل اعملوا فسيري اللّه عملكم و رسوله و المؤمنون و قوله تعالي يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لايغادر صغيرة و لا كبيرة الّا احصيها و وجدوا ما عملوا حاضراً و لايظلم ربّك احداً و لقد نزل كتاب اللّه سبحانه كله لهم و علي اعداۤئهم و الامام عليه السلام هو صاحب ذلك المقام و القيام علي كلّ نفس بما كسبت باذن اللّه تعالي و لمّا كانت الجنة مخلوقة من ولايتهم و حبّهم و اهلها خلقوا منها كلّا انّ كتاب الابرار لفي علّيّين و النار خلقت من بغضهم و ولاية مبغضيهم و اهلها خلقوا منها كلّا ان كتاب الفجّار لفي سجّين و كان قد جرت حكمة الحكيم و عدله المستقيم علي ان كلّ شي‌ء يرجع الي اصله و يميل بطبعه الي ما منه خلق و كلّ ميسّر لما خلق له وجب ان يكون من اتّبعهم فالجنّة مأويه و من خالفهم فالنّار مثويٰهُ لانّ ذلك هو مقتضي العدل و ضدّه ظلم و ما ربّك بظلّام للعبيد لان المخلوق انّما سئل من خالقه في رتبة امكانه قبل تكوينه ان يخلقه علي ما يتحقّق به و يوافق له فاعطاهم ما سألوه و مقتضي طلبتهم ان يكون المطيعون في الجنّة و العاصون في النار اَلاتري ان الشمس يكون منها النور و يكون عنها الظلّ و اذا عادت الاشياۤء الي اصولها عاد النور الي الشمس و لو عاد الي الجدار فني لانّه لايوافقه الّا الشمس و لايتحقّق الّا بها و عاد الظلّ الي الجدار و لو عاد الي الشمس فني لانه لايوافقه الّا كثافة الجدار و لايتحقّق الّا بها فان قلتَ انّ مَن له عقل و اختيار لايطلب بعقله و اختياره ما يشقيه فلو كانوا مختارين لطلبوا ما يسعدهم قلتُ الامر كما قلنا من انّهم باختيارهم و رضاهم طلبوا منه ما يشقيهم و هم يعلمون و دليل هذا القطعي الذي لا شك فيه عند كلّ من له ادني ادراكٍ اذا طلب الحق انّ هؤلاۤء الظلمة في الدنيا يطلبون ذلك و هم يعلمون انه يشقيهم و يقتلون انفسهم في طلب ما يشقيهم و هم يعلمون ان السعادة في ترك ذلك و يقدرون علي تركه فاذا رأيتَ هذا و عرفته فيهم مع كمال تمييزهم و تمام اختيارهم فقل فيهم في اصل الخلق لانّ هذا آية ذلك و دليله كما قال عز من قاۤئل سنريهم آياتنا في الٰافاق و في انفسهم بحيث لايجحده الّا مكابر و الظاهر دليل الباطن و صنع لايختلف ماتري في خلق الرحمن من تفاوت ما خلقكم و لا بعثكم الّا كنفس واحدة ، فان قلتَ لو انّ اللّه هديٰهم لماضلّوا السبيل و لكنّه منعهم اللطف و المعونة علي طاعته لانه وكلهم الي انفسهم قلتُ انّ اللّه تعالي لم‌يُطَعْ باكراهٍ لمنافاة الاكراه للطاعة و انّما يطاع بالاختيار و قد طلب منهم الهداية الي سبيله باختيارهم بان بيّن لهم ما يحبّ و دعاهم اليه و ما يكره و نهاهم عنه و حذّرهم بطشه علي المخالفة كما قال تعالي و اما ثمود فهديناهم بالبيان و التعريف و الترغيب و الترهيب فاستحبّوا العمي علي الهدي بعد ما تبين لهم ما فيه نجاتهم و هذا هو اللطف بهم الذي لايبلغ جبرهم و اكراههم علي الطاعة لئلّاتبطل الطاعة لان المكره علي الطاعة ليس بمطيع و امّا المعونة فهي قسمان معونة البيان و التعريف و الهداية و هذه واجبة في الحكمة علي اللّه لكل مكلف لان ذلك شرط التكليف و معونة المدد و تلك لاتحسن الّا لمن طلبها و استعدّ لها و طلبها و الاستعداد لها لايتحقّق الّا بالميل الي الطاعة و طلب اسبابها فاذا مال و طلب و استعدّ اَتاه منها بقدر ميله و استعداده و طلبه شيئاً فشيئاً لئلّايقع المقبول علي غير قابلٍ فلايكون المقبول مقبولاً فيقع العبث الاتري الي الشمس في اشراقها لو لم‌يكن كثيف يظهر فيه الاشراق لماامكن منها الاشراق لان اشراقها و عدمه علي السواۤء فلمّا امدّهم بالمعونة الاولي التي هي هداية البيان و التعريف و الترغيب و الترهيب و لم‌يميلوا الي القبول منه و لم‌يريدوه بل طلبوا خلاف ما اراد منهم تركهم و هو الخذلان و هو المدّ بالتخلية قال تعالي قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدّاً و هو قوله عز و جل و نذرهم في طغيانهم يعمهون فان قلتَ انما ضلّوا لانه سبحانه خلقهم من الظلمة و لو خلقهم من النور لاهتدوا لانّ كلّ شي‌ء يميل الي اصله قلتُ لو خلقهم من النور لم‌يكونوا هم الذين من الظلمة بل يكونوا هم الذين من النور ثم لايخلو هَل يخلق من النور اي من عكسه ظلمة ام لا فان خلق ظلمةً فان خلق منها خلقاً رجع الكلام علي ما هو الواقع و يعود السؤال و ان لم‌يخلق منها خلقاً لم‌يحسن ان يخلق من النور خلقاً لانّه ضدّه و ظلّه و لايكون الضدّ الا بتمام المقابلة و كمال المكاثرة و لايكون الظل الّا علي صفة شاخصه فلايكون ظل المتعدد متّحداً و لا ظلّ الطويل عريضاً و بالعكس و لا الدقيق غليظاً و بالعكس و الّا لم‌يكن ضداً او ظِلّاً بل يكون شيئاً و جوابه في الشق الثاني و هو قولنا ام لا يعني لم‌يخلق ظلمة اي خلق نوراً و لم‌يجعل له ضدّاً سواۤء كان معه شي‌ء آخر ليس له ضدّ ام لا و هذا لايقع في الحكمة ايجاد مخلوقٍ لا ضدّ له و اليه الاشارة بقول الرضا عليه السلام و اعلم ان الواحد الذي هو قاۤئم بغير تقدير و لا تحديد خلق خلقاً مقدراً بتحديد و تقدير و كان الذي خلق خلقين اثنين التقدير و المقدور فليس في كل واحدٍ منهما لون و لا وزن و لا ذوق فجعل احدهما يدرك بالٰاخر و جعلهما مدركين بانفسهما و لم‌يخلق شيئاً فرداً قاۤئماً بنفسه دون غيره للذي اراد من الدلالة علي نفسه و اثبات وجوده و اللّه تعالي فرد واحد لا ثاني معه يقيمه و يعضده و لايمسكه و الخلق يمسك بعضه بعضاً باذن اللّهِ و مشيته الحديث ، و هو قول اللّه عز و جل و من كل شي‌ءٍ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ، فان قلتَ اذا سلّمنا هذا في الخلق لم‌نسلّمه في التكليف و ما يترتّب عليه لانّ من خلق من النّور يميل الي الطاعة و تهون عليه و من خلق من الظلمة بالعكس فينبغي الّا يكون التكليف يجري عليهما علي السواۤء لانّ مَن خلق من الظلمة اذا عصي معذور لقلّة نوريّته فلايميل بطبعه الي الطاعة التي هي من النور بخلاف من خلق من النور قلتُ انّ هذا انّما يتوجّه لو كان التكليف فيهما علي حسب ما في مَن خلق من النور من النوريّة امّا اذا كان التكليف فيهما علي حسب بعض ما في من خلق من الظلمة من النوريّة فانه يتساوي ميلهما في الامكان و الاستطاعة الي الطاعة لانّ من فيه عشرة اجزاۤء من النور و تسعون جزءاً من الظلمة اذا كلّف علي قدر جزء واحد من النور يساوي من فيه تسعون جزءاً من النور و عشرة اجزاۤء من الظلمة في هذا التكليف اذ لايختلف الحال فيهما بالنسبة الي التكليف في الاستطاعة و الامكان مضافاً الي تساوي الانذار و الاعذار و الترغيب و الترهيبِ و الاِمهال و الاناة الاتري انّك لو كُلِّفتَ بحمل مثقال صيرفي و كُلِّف جبرئل بحمله لماكان لك ان تعتذر عن حمله بان جبرئل اقوي منك علي حمله لانكما في حمله متساويان نعم لو كلّفكما بحمل الجبل لكان لك ان تقول اني لااَسْتطيعه و جبرئل يستطيعه او كلّفكما بما لاتقدر انت عليه الّا بمشقّةٍ لكان لك ان تقول هذا يشقّ عليّ و يخفّ علي جبرئل و لكن التكليف علي دون الوسع و الطّاقة و هو الوسع الذي ذكره سبحانه في قوله لايكلِّف اللّه نفساً الا وسعها بخلاف الوسع الّذي الجهد فافهم ،
ثم اعلم انّ هنا ابحاثاً شريفة تكشف لشبهات ترد علي العلماۤء قد تصعّب الكشف عنها علي اكثر الافهام و لكن المقام لايقتضي ذكرها لانه يحتاج الي تطويل كثير و ارجو من اللّه سبحانه ان يوفّق لذكرها في خلال هذا الشرح مفرّقةً لان جمعها في هذا الشرح يخرجه عما يليق به و الحاصل انّ من اتّبعهم في الجنة البتّة علي اي حالٍ كانت منه اذا خرج من الدنيا علي الاسلام محبّاً لهم و انّ من خالفهم في النار البتّة علي اي حالٍ كانت منْه اذا خرج من الدنيا عَلَي مُخَالفَتِهمْ لاينفعه توحيده و لا عبادته و ذلك لان مَنِ اتّبعهم خلق في الخلق الثاني من علّيّين و اليها يعود و مَنْ خالَفُهمْ خُلِقَ في الخلقِ الثاني من سجّين و هي طينة خَبال و اليها يعود و انّما خلق المتّبعون من عليّين لاجابتهم و قبولهم حين قال لهم الست بربّكم و محمّد نبيكم و عليّ وليّكم و الائمة من ذرّيّته اولياۤؤكم قالوا بلي و طينة عليين هي صورة الاجابة و هي صبغهم في الرحمة كما قال جعفر بن محمد عليه السلام و كذلك خلق المخالفون لهم من سجين لان طينة سجين هي صورة الانكار لذلك العهد و هي صبغهم في الغضب الذي هو تبديل خلق اللّه و تغييره .
قال عليه السلام : و مَن جحدكم كافر و مَن حاربكم مشرك و من ردّ عليكم في اَسفلِ دركٍ من الجحيم ،
قال الشارح (ره‌) و من ردّ عليكم اقوالكم و ان لم‌تكن موافقة لعقله النّاقص انتهي .
اقول الجحود الانكار بعد العلم كما قال تعالي و جحدوا بها و استيقنَتْها انفسهم ظلماً و علوّاً و الكفر علي خمسة وجوه كما في حديث الصّادق عليه السلام الكفر في كتاب اللّه علي خمسة اوجه كفر الجحود و هو علي وجهين جحود بالربوبية و الّا جنّة و لا نار كما قاله صنف من الزنادقة و الدهريّة الذين يقولون و مايهلكنا الّا الدهر و الوجه الٰاخر من الجحود هو ان يجحد الجاحد و هو يعلم انه حق و استقرّ عنده كما قال اللّه تعالي و جحدوا بها و استيقنَتْها انفسهم و الثالث كفر النعمة قال تعالي لئن شكرتم لازيدنّكم و لئن كفرتم انّ عذابي لشديد الرابع ترك ما امر اللّه به و عليه قوله تعالي افتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببَعْضٍ الخامس كفر البراۤءة و عليه قوله تعالي في قول ابراهيم لقومه كفرنا بكم اقول هذه الوجوه الخمسة فيمن جحدهم امّا الاوّل فلان مَن جحدهم فقد كفر باللّه و باليوم الٰاخر كفر جحود لانّ الايمان باللّه و ربوبيّته و اياته و كتبه و رسله و اليوم الٰاخر مقرون بالايمان بهم فمن لم‌يؤمن بهم لم‌يؤمن باللّهِ و لا بربوبيّته و آياته و كتبه و رسله و اليوم الٰاخر و النصوص في ذلك لاتكاد تحصي من الفريقين حتي انّ مما رواه اعداۤؤهم كما في مناقب ابن‌شاذان في الثانية و التّسعين عن اميرالمؤمنين عليه السلام الي ان قال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن اللّهِ عزّ و جل اِلَي اَنْ قال تعالي و ان لم‌يشهد الّا الهَ الّا انا وحدي اَوْ شَهِدَ بذلك و لم‌يشهد ان محمّداً عبدي و رسولي او شهد بذلك و لم‌يشهد انّ عليّ بن ابي‌طالبٍ خليفتي او شهد بذلك و لم‌يشهد انّ الائمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي و صَغّر عظمتي و كفَر بٰاياتي و كتبي و رسلي ان قَصدني حجبته و ان سألني حرمته وَ اِنْ نَادَاني لم‌اسمع نداۤءَه و ان دعاني لم‌اَسْتجب دعاۤءَهُ و ان رجاني خيّبْتُهُ و ذلك جزاۤؤه مني و ما انا بظلّام للعبيد الحديث ، و لقد كان كثير من اعداۤئهم يصرّحون في خلواتهم بانكار البعث و الرسالة و الربوبيّة و ذلك لان حبّهم و الاتّباع لهم و الاقتداۤء بهم جمع جميع انحاۤء الايمان و الاسلام فلم‌يخرج عن ولايتهم شي‌ء منهما كما انّ عداوتهم و خلافهم قد جمعا جميع انحاۤء الكفر و احواله لايخرج عنهما شي‌ء منه بل ليس للكفر معني في الحقيقة الا عداوتهم و مخالفتهم لانّ العارف بولايتهم يُعَاين هذا رأي العين فليس للّه معصية الا معصيتهم و لا طاعة الا طاعتهم و لا معرفة الّا معرفتهم و الي ذلك يشير قوله صلي اللّه عليه و آله ليلة اسري بي الي السماۤء قال لي الجليل جل جلاله الي ان قال تعالي و عرضتُ ولايتكم علي اهل السموات و اهل الارضين فمن قبلها كان عندي من المؤمنين و من جحدها كان عندي من الكافرين يا محمد لو انّ عبداً من عبيدي عبدني حتّي ينقطع و يصير كالشن البالي ثم اتاني جاحداً لولايتكم ماغفرتُ له حتّي يقرّ بولايتكم الحديث ، و هو السابع‌عشر من مناقب ابن‌شاذان و في المناقب الحديث الخمسون عن عبداللّه بن مسعود قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لمّا اَن خلق اللّهُ آدم و نفخ فيه من روحه عطس آدم فقال الحمدُ للّه فاوحي اللّه تعالي اليه حمدتَني و عزتي و جلالي لولا عبدانِ اريدُ اَن اخلقهما في دار الدنيا ماخلقتُك يا آدم قال الهي فيكونانِ منّي قال نعم يا آدم ارفع رأسك و انظر فرفع رأسه و اذا مكتوب علي العرش لا اله الّا اللّه محمد نبي الرحمة و علي مقيم الحجة مَن عرف حقّ عليّ زكا و طاب و مَن انكر حقّه لُعِنَ و خاب اقسمتُ بعزّتي ان ادخل الجنّة مَن اطاعه و اِنْ عصَاني و اقسمتُ بعزّتي ان ادخل النار من عصاه و ان اطاعني و لعلّةِ ما اشرنا اليه من انّ عداوتهم لاتجتمع مع التوحيد و الاسلام و الايمان و الاقرار بالبعث في قلب واحد قال الاعرابي الكبير حين عاتبَتْه زوجته علي شرب الخمر في شهر رمضان نهاراً فقال :
دَعينا نصطبح يا ام‌بكرٍ       ** * **      فان الموت نفّثَ عن هشام
و نَفّث عن ابيك و كان قرماً       ** * **      شديد البأس في شربِ المدامِ
ايُوعدنا ( ايُخبرنا خ ) ابن كبشة سوف نحيي ( اَنْ سَنَحَيَي خ )       ** * **      و كيف حيوة اشلاءٍ ( اصداۤءٍ خ ) وَ هامِ
اذا ما الرّاس زايَل منكبَيْه       ** * **      فقد شبع الانيس من الطعامِ
و يقتلُني اذا ما كنتُ حيّاً       ** * **      و يُحْ۪ييني اذا رُمَّتْ عظامي
و لم‌يكتَف بجمعِ المالِ حتّي       ** * **      امرنا بالصّلوة و بالصيامِ
الٰا مَن مبلغ الرحمن عنّي       ** * **      بانّي تاركٌ شهر الصِّيَام
و تاركُ كلِّ ما اوحَي الينا       ** * **      حديثاً من خُرافاتِ الانامِ
فقل للّهِ يمنعني شرابي       ** * **      و قل لِلّهِ يمنعُني طعامي
و لكنّ الحكيم رأي حميراً       ** * **      فالْجَمها فتاهَتْ باللّجامِ
و هذا صريح في جحوده للّهِ تعالي و ربوبيّتهِ و كتبهِ و رسله و اليوم الٰاخر و امّا قوله الا مَن مبلغ الرحمن عني و قوله فقل للّهِ فقد قاله علي ما هو المتعارف الجاري علي الالسن او لانّ الطّبيعة و الفطرة تغلب صاحبها عند بداهتِه۪ علي الاقرار بالصانع و لعلّه يري انه الدهر او الطبيعة او النور و الظلمة او الكواكب كالدهريّة و الثنوية و المزدكية و الصاۤئبة و غيرهم و تلفّظه بصورة قول اهل الاسلام اما بطبعه او لتحفّظه و تستّره ،
و امّا قولي لعلَّهُ يري الخ ، فذلك من قوله تعالي ضرب اللّه مثلاً رجلاً فيه شركاۤءُ متشاكسون و رجلاً سَلماً لرجل هل يستوِيان مثلاً الحمد للّه بل اكثرهم لايعلمون ، ففي المعاني عن اميرالمؤمنين عليه السلام الا و اني مخصوص في القرءانِ باسماء احذرُوا ان تغلبوا عليها فتضلّوا في دينِكم انا السَّلَم لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول اللّه عز و جل و رجلاً سَلماً لرجل ، و روي العيّاشي عن الباقر عليه السلام الرَجل السَّلَم للرَّجُل حقّاً علي و شيعته و في الكافي عنه عليه السلام امّا الذي فيه شركاۤء متشاكسون فلان الاوّل يجمع المتفرّقون ولايته و هم في ذلك يلعن بعضهم بعضاً و يبرَءُ بعضهم من بعض و امّا رجل سَلَم لرجل فانه فلان الاوّل حقّاً و شيعته ه‍ ، فانّ قوله عليه السلام يجمع المتفرقون ولايته الخ انّ كل ذي رأي و مذهب و بدعة ممّن يدخلون في اسم الاسلام و غيرهم من كلّ ما لايحبُّ اللّهُ تعالي فانَّه يستند الي ولايته كما تدلّ عليه احاديث قيام القاۤئم عليه السلام و سيرته و نبشه للقبرين و حسابهما علي جميع ما حدث في الدنيا ممّا لايرضي به اللّه سبحانه منذ سكن آدم عليه السلام الارض الي قيام القاۤئم عليه السلام و انه منهما و اعترافهما بذلك و اقامته عليه السلام الحدّ عليهما علي جميع ذلك لانهما هما السبب في كل ذلك و المؤسِّسان له مع انّ كلّ طاۤئفةٍ تبرأ من الاخري و من عملها و ان كان طرق جميع الباطل و اعمال اهله من ولايتهما و انما سمّي علي و شيعته بالسلم لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فلانّهم له (ص‌) اي للّه و لرسوله صلي اللّه عليه و آله لم‌يكن للشيطان فيهم نصيبٌ و ليس له عليهم سلطان و هو تأويل قوله تعالي و امّا ان كان من اصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين و اليمين علي عليه السلام و في ربيع‌الابرار للزمخشري انّ الابيات المتقدّمة قد تمثل بها عمر و هو سكران و الظاهر انّها للاوّل و يحتمل انه تمثّل بها عمر ايضاً ،
و امّا الاعرابيّون الذين بعده فقد وقع منهم من هذا كثير و نُقِل اَنَّ الثّاني قال حين اُمِرَ بالصِّيام :
ءَاُوعَدُ في الجنان بشربِ خَمرٍ       ** * **      و اُنْهَي الٰانَ عن ماۤءٍ و تمرِ
اَحَشْرٌ ثم نَشْرٌ ثمّ بَعْثٌ       ** * **      حَديث خُرَافةٍ يا اُمَّ عَمْرِ
و دخل ابوسفيان علي الاعرابي الثالث حين بُويع في مسجد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال يا ابن اخي هل علينا من عين فقال لا فقال ابوسفيان تداولوا الخلافةَ فِتيان بني‌امية فو الذي نفس ابي‌سفيان بيده ما من جنّةٍ و لا نارٍ و قال الاعرابيّ الرابع حين قالت زوجته انها لاتنكح زوجاً بعده :
اذا متُّ يا اُمَّ الحُمَيْر فانكحي       ** * **      فليس لنا بعد الممات تلاقيا
فان كنتِ قد اُخْبِرتِ عن مبعثٍ لنَا       ** * **      احاديث لهو تجعل القلبَ واهِيَا
و قد جري مَن تبعهم علي منهاجهم الاتسمع ما قاله يزيد لعنه اللّه :
لعبت هاشم في الملك فلا       ** * **      خبر جاۤء و لا وحيٌ نزل
و لعِبْنا نحن في دَوْلتِنا       ** * **      و كذا الأيّام و الدّهر دُوَل
فمايزيدهم الا طغياناً كبيراً و ممّا يكفي في هذا المقام الصحيفة التي كتبها الثاني للرابع و هي التي اخرجها يزيد لعنه اللّه لما عاتبه عبداللّه ابن عمر علي قتل الحسين عليه السلام و اقرأه ايّاها و عرفها بخطّ ابيه و لقد رأيتُ في كتاب عتيق من تأليفات بعض اصحابنا المتقدمين ما معناه ان الاعرابي اباالشرور اصحر مع بعض اصحابه فظهر لهم الرجيم و سجد لابي‌الشرور و اقسم له باللّات و العزّي انك معبودي و ناصري ثم انشأ يقول بابيات قدر اثني‌عشر بيتاً ماحفظتُ منها الا قوله :
انت الذي صيّرتَن۪ي       ** * **      بعد الصغار مكبّرا
و تركتَ احمد في الخلافة هاجِراً فيما يَري
و منعتَ فاطمةَ الوراثةَ بالحديث المُفْترَي
الي آخر كلامه ثم ان اباالشرور سجد للغَرور و اقسم باللّات و العُزَّي و الهُبَل الاعلي اني ماعبدتُ معبودهم الّا خوفاً من اسيافهم و انما انت معبودي ثم انشأ يقول :
اُعْلُ هُبَل اُعْلُ هُبَل
اُعْلُ اَبُونا انت من       ** * **      نارٍ من الطين اجلّ
اعزّ من امر الوري       ** * **      بالخلاف لم‌تزل
و ان (خ‌) رماك بالبلا       ** * **      علي الجحيم لم‌تُبَل
يا ملِكاً دولَتُهُ       ** * **      بالارض تجتاحُ الدُّوَل
و يا عزيزاً تاهَ بالفخر علي شيخ الرسل
يا باطلاً في اكثر الناسِ به الحقّ بطل
و يا مطاعَ الأمر بين الٰاخر۪ينَ و الاُوَل
بالنقدِ اسعفتَ و شانيك علي الوعد حصل
حسبُك فخراً ان يقول اللّهُ ابليس فعل
حسبي رضاك و قِلَا الربّ و ارباب الملل
فاعتبر يظهر لك ان مَن جحدهم عليهم السلام و جحد ولايتهم و مقامهم فهو من القسم الاول لما قلنا من تغييرهم فطرة اللّه فهم لايعلمون و من القسم الثاني لعلمهم بما انكروا كما قال تعالي و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم ظلماً لٰال‌محمد صلي اللّه عليه و آله حقهم و علواً عليهم فانظر كيف كان عاقبة المفسدين و اسئل عنهم جَبَل الكمِد و عيون بَقَر و مطلع الشمس و عين برهوت و عين الكبريت ،
و امّا الوجه الثالث و هو كفر النعمة فهو قوله تعالي لئن شكرتم نعمتي التي انعمتُ بها عليكم و هم الاوصياۤء عليهم السلام و ولايتهم التي هي سبب سعادتكم في دنياكم و آخرتكم بان تتولّوهم و تقتدوا بهم و تسلّموا لهم و تردّوا اليهم جميع اموركم و تحبّوهم و تنصروهم بقلوبكم و ايديكم و السنتكم و تؤثروهم علي انفسكم و اهليكم و تعبدوا اللّهَ باقتفاۤء آثارهم و الاخذِ عنهم و تتبرءوا من اعداۤئهم لازيدنّكم من العلوم و الحكم و التّوفيقِ للاعمال الصّالحة و رفع ثقل العمل عنكم و الهداية لمحبّة اللّه و رضاه عنكم و من دفع البلاۤء السوۤء عنكم و سعة الرزق الحلال الذي يحصل به الكفاف و الرخاۤء و العيش الهني و هو قوله تعالي و لو انّ اهل القري آمنوا بعلي و اهل بيته الطاهرين و بولايتهم و اتقوا ولاية اعداۤئهم لفتحنا عليهم بركات من السماء و الارض ، و لئن كفرتم انّ عذابي لَشد۪يد اي وَ لئِنْ جحَدْتُمْ نعم اللّه عليكم و هم آل‌محمد صَلَّي اللّهُ عليه و آله بان نصبتم لهم العداوة و الحرب او قدّمتم عليهم غيرهم او انكرتم فضاۤئلهم الظّاهرة او ردَدْتم عَليْهمْ او اقتديتم بغيرهم وَ ما اشبه ذلك عن معرفة كما قال تعالي و جحدوا بها و استيقنَتْها انفسهم ظلماً و علوّاً انّ عذابي اياكم علي كفركم نعمتي لشديد و لذا قال تعالي و لكن كذّبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون من انكارهم لنعمة اللّه و كفرهم بها بعد الاستيقان قال اللّه تعالي الم‌تر الي الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفراً و احلّوا قومهم دار البوار جهنم يصلونَها و بئس القرار ، و روي القمي عن الصّادق عليه السلام نزلَتْ في الافجرينِ من قريش بني‌المغيرة و بني‌اميّة فاما بنوالمغيرة فقطع اللّه دابرهم و امّا بنوامية فمتّعوا الي حين ثم قال و نحنُ واللّهِ نعمة اللّه الّتي انعم بها علي عباده و بنا يفوز من فاز و روي عن اميرالمؤمنين عليه السلام ما بال اقوام غيّروا سنة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و عدلوا عن وصيّه لايتخوّفون ان ينزل بهم العذاب ثم تلا هذه الٰاية قال نحن النّعمة الّتي انعم اللّه بها علي عباده و بنا يفوز من فاز يوم القيمة و عن الصّادق عليه السلام يعني بها قريشاً قاطبة الذين عادوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و جحدوا وصيَّهُ فكان كفر النِّعمة الكبري كفر جحودٍ كما تقدم في الوجه الثاني و كفر النّعمة الصُّغْرَي كفر شكرٍ اَمَّا الكبري فقد سمعتَ ما اشرنا اليه و اَمّا الصُّغْرَي فانْ ذكر نعمةً عليه في نفسِه۪ من سمع و بصرٍ و ذوق و لمس و شمٍّ و قوّة و لذّةٍ و عافِيةٍ و عَقْلٍ و اِدْراكٍ و اَمْنٍ و صحّةٍ و طَعَامٍ وَ شَرابٍ و غير ذلك فعرفها بقلبه من اللّهِ فقد شكرها و استحقَّ من اللّهِ سبحانه الثواب علي ذلك فيما يتعلّق بنفسه من المعرفة و الهداية و فيما يتعلّق بمعاشه بنسبة تأثر ظاهره بما في نفسه وَ اِنْ حَمِدَ اللّه بلسانِه۪ استحق المزيد علي ذلك في المقامين و في الكافي عن الصادق عليه السلام مَن عرف نعمة اللّه بقلبه استوجب المزيدَ من اللّهِ من قبل ان يظهر شكرها علي لسانه و فيه عنه عليه السلام ماانعم اللّهُ علي عبد من نعمةٍ فعرفها بقلبه و حمد اللّه ظاهراً بلسانه فَتَمّ كلامُه حتي يؤمر له بالمزيد و فيه عنه عليه السلام ماانعم اللّه علي عبد بنعمة صغرت او كبُرَتْ فقال الحمد للّه الّا ادّي شكرها و ان لم‌يعرف انّها نعمة فان كان جاهلاً بكونها نعمة فليس علي العباد ان يعلموا حتي يعلّمهم اللّه و الّا فاِنْ كَانَ غافلاً فهو حينئذٍ ممَّنْ رفع عنه ذلك حين غفلته و ان كان تقصيراً منه و قصوراً في رُتْبتِه۪ و ان لم‌يكن غافلاً و لا جاهلاً بل عرف بفطرته كونها نعمةً من خالقه تعالي و جحدَها بسوۤء عمله و تطبُّعه من بعد ما تبيّن له الحق فانه يكون بذلك جاحداً للربوبيّة و يكون ممن جحَد النعمةَ الكبري لانّه يدخل في قوله تعالي يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها و اكثرهم الفاسقون و في قوله عليه السلام فيأخذ في بغْضِنا اهلَ البيت ،
و امّا الوجه الرابع و هو ترك ما امر اللّه به و هو قوله تعالي الي ان قال افتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض الٰاية ثم قال عليه السلام فكفّرهم بترك ما اَمر اللّٰهُ عز و جلّ و نسبهم الي الايمان و لم‌يقبله منهم و لم‌ينفعهم عنده فقال فما جزاۤء من يفعل ذلك منهم الّا خزي في الحيوة الدنيا و يوم القيمة يردّون الٰاية ، فنقول اذا ترك المكلّف ما امر اللّه به فلايخلو اما ان يكون ترك و هو عند نفسه انه مقصِّر فهو ماقتٌ لنفسه في تركه ما اوجبَ اللّهُ عليه فهذا لايكون كافراً بهذا الترك و لايدخل في قوله تعالي اولئك لهم خزي في الحيوة الدنيا و يوم القيمة يردّون الي اشد العذاب بل يرجي له الخير لانّه مؤمن كما تقدّم سابقاً و انْ تركَ ما علم وجوبه منكِراً له او متهاوناً بحكمِ اللّه بعد العلم فهو من اعداۤئِهم و ممن يدخل في هذه الٰاية لانّه امّا جاحِدٌ او يلزمه الجحود فقوله عليه السلام فكفّرهم بترك ما امر اللّه عز و جل يراد منه الترك عن انكارٍ او تهاون و قوله عليه السلام و نسبهم الي الايمان و لم‌يقبله منهم و لم‌ينفعهم عنده يرادُ منه انّهم بتركهم ما اَمَر اللّهُ به انكاراً اوْ تهاوناً خرجوا عن الايمان حقيقة و الّا لقبله منهم و نفعهم عنده و انّما نسبهم الي الايمان لفعلهم بعض ما امروا به لغرض انفسهم كما تركوا البعض الاخر لغرض انفسِهم فالنسبة للصورة الظاهرة كما سمّي اللّه ثالثهم مؤمناً في قوله تعالي يا ايها الّذين آمنوا لم تقولون ما لاتفعلون كبر مقتاً عند اللّه ان تقولوا ما لاتفعلون و لم‌ينفعهم عنده لانّهم ماامنوا له تعالي فلم‌يقبل ما ليس له لانّ ترك ما امر به من فروع اعداۤئهم عليهم السلام فاذا ترك المكلّف ما اوجب اللّه انكاراً دلّ علي انه ليس ممّن يتولاهم اذْ لايجتمع ذلك مع ولايتهم ابداً ،
و اما الوجه الخامس و هو كفر البراۤءة و هو قوله تعالي كفرنا بكم اي برِئنا منكم جحدناكم و انكرناكم و تبنا عن الميل اليكم فمن برئ منهم عليهم السلام فقد كفَر باللّه و جحَد وجوده تعالي و توحيده و ربوبيّته و كتبه و رسله و اليوم الٰاخر لانّ الاقرار بهذا كلّه من وَلايتهم كما اشرنا اليه في مواضع من هذا الشرح فهذه الوجوه الخمسة في حقّ عدوّهم ترجع الي كفر الجحود كما مَرَّ اِلّا مَنْ وقعت منه عن غير علم و في الخصال عن الاصبغ بن نباتة قال قال اميرالمؤمنين عليه السلام و الكفر علي اربع دعاۤئم علي الفِسق و العتوّ و الشك و الشبهة و الفسق علي اربع شعب علي الجفاۤء و العمي و الغفلة و العتوّ فمن جفا حقّر الحقّ و مقت العلماۤء و اصرّ علي الحنثِ العظيم و من عمي نسيَ الذكر و اتّبع الظنَّ وَ اَلَحّ عليه الشيطان و من غفل غرّته الاماني و اخذته الحسرة اذا انكشفَ الغطاۤء و بدا له من اللّه ما لم‌يكن يحتسِب و من عتا عن امر اللّه تعالي تعالي اللّهُ عليه ثم اذلّه بسلطانه و صغّره بجلاله كما فرّط في جنبه و عتا عن امر ربّه الكريم و العتو علي اربع شعب علي التعمق و التنازع و الزيغ و الشقاۤء فمن تعمّق لم‌يُنِب الي الحقّ و لم‌يزدد الّا غرقاً في الغمرات فلم‌تحتبس عنه فتنة الّا غَشِيَتْهُ اخري و انخرق دينه فهو يهيم في امرٍ مَريج و من نازع و خاصم قطع بينهم الفشل و ذاقوا وبال امرهم و ساۤءَتْ عنده الحسنة و حسنت عنده السيئة و من ساۤءَت عنده الحسنة اعتورَتْ عليه طرقه و اعترض عليه امره و ضاق مخرجه و حري ان يرجع من دينه و يتّبع غير سبيل المؤمنين و الشك علي اربع شعب علي الهول و الريب و التردّد و الاستسلام و هو قوله عز و جل فباي آلاۤء ربك يتماري المتمارون فمن هاله ما بين يديه نكص علي عقبيه و من تردّد في الريب سبقه الاوّلون و ادركه الٰاخرون و قطعته سنابك الشياطين و من استسلم لهلكة الدنيا و الٰاخرة هلك فيما بينهما و من نجي فباليقين و الشبهة علي اربع شعب علي الاعجاب بالزينة و تسويل النفس و تأويل المعْوَجّ و تلبيس الحق بالباطل ذلك بان الزينة تزيل عن البيّنة و انّ تسويل النفس يقحم علي الشهوة و ان المعوج يميل بصَاحِبِه۪ ميلاً عظيماً و اِنَّ التّلبيس ظلمات بعضها فوق بعض فهذا الكفر و دعاۤئمه و شعبه انتهي ، اقول انّ هذه الشعب السّت‌عشرة شعبةً للكفر كلّها موجودة في اعداۤئهم و اتباع اعداۤئهم لايخرج احد عن شي‌ء منها لان الكون منحصر في الحق و الباطل و الحقّ منحصر في آل‌محمد صلي اللّه عليه و آله و في شيعتهم و الباطل منحصر في اعداۤئهم نعم من خالفهم و مال الي اعداۤئهم عن جهل قد يصدر منه حقّ دنياوي او برزخي او اخروي و يرجع علي ما سَبق له في الكتاب و امّا من كان منه ذلك من بعد ما تبيّن له الهدي فلايقع منه حق ابداً لان الحق لايتحقّق وجوده الّا باستناده اليهم عليهم السلام فاذا مال عنهم من بعد ما تَبيّنَ له الهدي ظلماً و عُلوّاً لم‌يجد في خلافهم شيئاً من الحقّ اللّهم الّا ان نَقول انهم قد يصدر عنهم اعمال تشابه الحق في صورته و هو تأويل قوله تعالي يحسبه الظمٰان ماۤءً و الظَّمْآنُ هو الكافر الْجٰاحِدُ لوَلَايتهم فهذه الصُّوَر قَدْ ينالُونَ به بَعْض ثواب الدّنيا اِمّا لاقتضاۤء الصورة اوْ لانّها قابليّةُ نَصِيبِهمْ من الكتاب السابق فيعافَي من البلاۤء في الدنيا ان شاۤء اللّه و يرزق ان شاۤء اللّه و هكذا و ذلك لما قلنا من الانحصار المذكور و في الكافي عن ابي‌جعفر عليه السلام قال ان اللّه تعالي نصب علياً علماً بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً و من انكره كان كافراً و من جهله كان ضاۤلّاً و من نصب معه شيئاً كان مشركاً و من جاۤء بولايته دخل الجنّة و من جاء بعداوته دخل النار و فيه عن ابي‌ابراهيم عليه السلام قال انّ عليّاً باب من ابواب الجنة فمن دخل بابه كان مؤمناً و من خرج من بابه كان كافراً و من لم‌يدخل فيه و لم‌يخْرج منه كان في الطبقة التي للّه تعالي فيهم المشية و في اخري عنه عليه السلام ان علياً باب من ابواب الهدي الحديث السابق فافهم .
و قوله عليه السلام : و من حاربكم مشرك
اقول المراد بالمحارب لهم مَنْ شهر سيفه لقتالهم في طاعة اولياۤء الشيطان و يدخل فيه من اطلق لسانه في سبّهم و سبّ محبّهم لاجل حبّه ايّاهم و الرّد عليهم و المعارضة لهم فيما يحكمون به و يأمرون به و ينهون عنه اذا صدر ذلك عنه من بعد ما تبيّن له الهدي و مَن ابغضهم بقلبه لرِضا عدوّهم بعد المعرفة و الشرك شرك طاعةٍ و شرك عبادةٍ و المراد هنا شرك العبادة و هو الّذي لايغفر و هو انكار عليٍّ و ولايته و في تفسير العياشي عن جابر عن ابي‌جعفر عليه السلام قال امّا قوله ان اللّه لايغفر ان يشرك به يعني انه لايغفر لمن يكفر بولاية علي عليه السلام و فيه عن جابر عن ابي‌جعفر عليه السلام قال قوله ان اللّه لايغفر ان يشرك به انه لايغفر لمن يكفر بولاية علي (ع‌) و اما قوله و يغفر ما دون ذلك لمن يشاۤء يعني لمن والَي عليّاً عليه السلام و في عيون‌الاخبار عن الرضا عليه السلام باسناده قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان اللّه يحاسب كل خلق الّا من اشرك باللّهِ فانه لايحاسب و يرمَي به في النار و يغفر ما دون ذلك اي ما دون الشّرك صغيراً كَانَ او كبيراً و قوله الّا من اشرك فانه لايحاسب الخ ، يراد به انّ الحساب انما هو لتمييز اعماله بالوزن فترجح الحسنات فيدخل الجنّة او السيّئات فينظر فيها فان كانت السَّيِئات ليست ذاتيّات لوجوده و لا لقلبه نظر فيها فان بلغت في تطهيرها مكث ثمانين سنة وضع في الطبَقة العليا من النار اي في حظاۤئرها حتي يتخلّص من نجاستها و اخباثِها ثم يدخل الجنّة و يغسل في عين الحيوان هٰذَا اذا لَمْ‌تَنله شفاعة من اِمَامِه۪ او من صديقه و ان لم‌تبلغ مكث ثمانين سنة فرُوِي انه يُعْفَي عنه و ذلك اما في عرصة المحشر باهوال يوم القيمة او بالعرض علي النّار او بمناقشة الحساب او بعذَاب البرزخ او عند الموت او ببلايا الدنيا و ان كانت ذاتيات لوجوده او لقلبه فلاتطهر الّا بذهاب بنيته الذاتيّة فلايكون هو اياه فلايحاسب لِانَّ حَسناتِه۪ حينئذٍ لاتكون ذاتيّة له بل يجب ان تكون عارضة امّا من لطخ المؤمن او من البرزخ الذي يتقوّم به اللطخ و هذه يُجزي بها في الدنيا من دفع بلاياها و توسعة رزقه و اظهار جاهه في الناس و استيلاۤئه علي غيره او دفع شدّة النزع عنه عند الموت اَوْ في البرزخ او يوفّي اجرها عند اول دخوله النار مفرّقاً عليه بحيث لايحسُّ بالتخفيف و لايسئل يوم القيمة و لايوضع له ميزان و هو قوله تعالي فيومئذٍ لايسئل عن ذنبه انس و لا جاۤنّ فباي آلاۤء ربكما تكذّبانِ يعرف المجرمون بسيميٰهم فيؤخذ بالنّواصي و الاقدام لعدم الفاۤئدة في حسابه و انما جعل سبحانه من لم‌يتولّ بهم مشركاً به سبحانه لانّ ولايتهم ولاية اللّه و هم وجهه في الامكان الذي يتوجّه اليه الاولياۤء و هم ظاهِرُهُ في الخلق كما تقدّم في حديث جابر بن يزيد قال علي بن الحسين عليه السلام و اما المعاني فنحنُ معانيه و ظاهره فيكم الحديث ، لانه جلّ و علا جعلهم عينه النّاظرة في عباده و ولّاهم امر خلقه و انهي اليهم علمهم فمن اشرك غيرهم في ولايتهم فقد اشركه في ولاية اللّهِ و ايضاً هم عليهم السلام امرهم امر اللّه و حكمهم حكم اللّه و طاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه فاذا اطاع عدوّهم فقد اشرك في طاعة اللّه و ايضاً حكمهم حكم اللّهِ في خلقه فاذا اخذ بغير حكمهم فقد وضع لخلقِ اللّهِ حكماً غير حكم اللّه و قد تقدم ان حكم اللّه مادة الوجود الشرعي فاذا حكم بغير حُكْمِ اللّه جعل للوجود الشرعي ماۤدة من غير امر اللّه و ايضاً حكم اللّه هيكل توحيده و هو وصفه نفسَهُ لخلقه و اذا عمل بحكم غيرهم وصف اللّه بوصف اعداۤئهم و وصفهم بوصف اللّه فعرف اللّه بهم و هو قوله تعالي حكاية عنهم تاللّه ان كنا لفي ضلالٍ مبين اذ نسوّيكم بربّ العالمين حيث امرنا باتّباع اولياۤئه و امرتمونا بترك اتّباعهم فاطعناكم و تركنا امْرَ اللّه ربِّ العالمين فهذه المعاني و ما اشبهها شرك عبادة فمن كان منه شي‌ء منها بعد البيان فانّ اللّه تعالي لايغفره و كل ذلك من ولايتهم حقيقةً لانّ مراد اللّه سبحانه تعلّقَ بخلقه علي قسمين :
احدهما ذاتيّ و هو ما تعلّقَ بمحمد و آله الطاهرين صلّي اللّه عليه و آله و مرادُه منهم انّهم له وحده لا شريك له و لذلك خلقهم و ما اراد منهم فهو لهم فهم ذلك المراد ماۤدةً و صورةً و غايةً فهم حقيقة تلك العلل الثلاث و ركنُ العلّةِ الفاعليّةِ قال تعالي لنبيّه صلّي اللّه عليه و آله و لقد آتيناكَ سبعاً من المثاني و القرءان العظيم فهو اوّل السبعة و القرءان العظيم لاتمدّنّ عينيْك الي ما متّعنا به ازواجاً منهم ممّا لايخرج عنك و عن ملكك الّا باذنك و عفوك الي اجل مسمّي فيما نزل عليك من قولنا لم اذنتَ لهم و من قولنا و لقد عفا عنكم و لاتحزن عليهم حيث اخذوا بعفوك بغير اذنك و لم‌يعلموا انّه باذنِك العفو فلاتحزن علي ضلالتهم و عدم اهتداۤئهم حين اغتصبوا ما جري لهم به القضاۤء و هذا العفو هو المغفرة في قوله تعالي قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لايرجون ايّام اللّه ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون و هو عفو الوعيد لا عفو الفضل المستعقب لاذن الندب بمعنييه و لاذن الرخصة .
و ثانيهما عرضي و هو ما تَعلّقَ بمَنْ سِوٰاهم فانّ مَن سواهم من ساۤئر الخلق خلقهم اللّه تعالي لهم عليهم السلام و اليه الاشارة بقول سيد الوصيّين صلوات اللّه عليه نحن صناۤئع ربّنا و الخلق بعدُ صَناۤئِعُ لنا اي صنعهم اللّه لنا و في الحديث القدسي قال تعالي خلقتُ الاشياۤء لاجلك و خلقتك لاجلي و قربي الحديث ، فما اراد اللّهُ من ساۤئر خلقه في ايجادهم و شرعه و في تكليفهم و وجوداته من ساۤئر الحيوانات و النباتات و الجمادات من الغيب و الشهادة فهو اصلاح لمن اراد منه ذلك و ايجادٌ له و تتميم و تكميل ليبلغ الكتاب فيهم اجله و كلّ ذلك لهم و لشئونهم عليهم السلام يوم ظعنهم و يوم اقامتهم جعله تعالي لهم اثاثاً و متاعاً الي حين من صحبة كلّ شي‌ء منها حتي يرجعوا ليس معهم غيرهم فيمحض المراد الذاتي وحده و لا غاية له في نفسه و في ما دونه و اللّه من وراۤئهم محيط فمراد اللّه من خلقه يدور علي ولايتهم فلا شركَ الّا الشرك بهم و بولايتهم و لا كفر الّا الكفر بهم و بولَايتهِمْ و اذا اريد بالشرك شرك الطاعة فانّ الشرك في طاعتهم شرك بطاعة عدوّهم و علي ما تقدّم من ان طاعتهم عين طاعة اللّه تعالي و طاعة عدوّهم شرك باللّه شرك عبادة يتّحد المعنيان في حقهم فمَنْ حاربهم علي ايّ معنيً بعد المعرفة شركٌ عظيم لايغفره اللّه سبحانه .
قوله عليه السلام : و من ردّ عليكم في اسفل درك من الجحيم
اي مَن ردّ عليكم من ساۤئر خلق اللّه من الصامت و الناطق حكمكم و كذّب قولكم و ترك امركم و نهيكم استكباراً و عُلوّاً بعد المعرفة بكم و بمقامكم فهو في النار فقوله عليكم يعني انّه ردّه للحكم ليس لعدم فهمه او لاستثقاله علي نفسه او لشهوته بل عليكم ظلماً و علوّاً و هذا و ان كان يتحقّق الرّد عليهم من النباتات و الجمادات ظلماً و عُلوّاً في كلٍّ بحسبِه الّا ان قوله عليه السلام في اسفل درك من الجحيم لايتحقّق المراد هنا الّا في حقّ رؤس ائمة الضّلالَة الذين هم طلع شجرة الزقّوم كما قال تعالي طلعها كانّه رؤسُ الشياطين اي طلعها هو رؤس الشياطين لان المشبّه نفس المشبّه به في القرءان و في احاديثهم المتلقّاة عنهم في التفسير الباطن و ذلك من حكم اسفل لانه للتّفضيل و يؤيد ان المراد بهم رؤس ائمة الضلال الذين هم في اسفل درك من الجحيم ما في الاحتجاج عن النبي صلّي اللّه عليه و آله في حديث طويل في خطبته يوم الغدير يقول فيه معاشر الناس سيكون من بعدي ائمة يدعون الي النّار و يوم القيمة لاينصرون معاشر الناس انّ اللّه و انا بريئاۤنِ منهم معاشر الناس انهم و انصارهم و اشياعهم و اتباعهم في الدّرك الاسفل من النار و لبئس مثوي الظالمين و انّما قيل للنار دركات لان طبقاتها متتابعة متداركة بعضها فوق بعض و قد يقال لها درجات باعتبار اختلاف مراتبها لاختلاف مراتب اهلها و في تفسير علي بن ابراهيم بلغني و اللّه اعلم ان اللّه جعلها سبع درجات اعلاها الجحيم يقوم اهلها علي الصفا منها تغلي ادمغتهم فيها كغلي القدر بما فيها و الثانية لظي نزاعة للشّوي تدعو من ادبر و تولّي و جمع فاوعي و الثالثة سقر لاتبقي و لاتذر لوّاحة للبشر عليها تسعة‌عشر و الرابعة الحطمة و منها يثور شرر كالقصر كانه جمالات صفر تدقّ من صار اليها مثل الكحل فلاتموت الروح كلّما صاروا مثل الكحل عادوا و الخامسة الهاوية فيها ملوك يدعون يا مالك اغثنا فاذا اغاثهم جعل لهم آنيةً من صفر من نارٍ فيه صديدُ ما يسيل من جلودهم كانه مُهْل فاذا رفعوه ليشربوا منه سقط لحم وجوههم فيها من شدّة حرِّها و هو قول اللّه تعالي و ان يستغيثوا يغاثوا بماۤء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب و ساۤءَتْ مرتفقاً و من هوي فيها هوي سبعين عاماً في النار كلّما احترق جلده بُدِّلَ جلداً غيره و السادسة هي السعير فيها ثلثمائة سرادق من نار في كل سرادق ثلٰثمائة قصرٍ من نار في كل قصر ثلثمائة بيت من نارٍ في كلّ بيت ثلثمائة لون من عذاب النار فيها حَيّاتٌ منْ نارٍ و عقارب من نار و جوامع من نارٍ و سلاسل من نارٍ و اغلال من نارٍ و هو قول اللّه انا اعتدنا للكافرين سلاسل و اغلالاً و سعيراً ، و السَّابعة جهنّم و فيها الفلق و هو جبّ في جهنّم اذا فتح اسعر النارَ سعراً و هو اشدّ النار عَذَاباً و امّا صعود فهو جبل من صفر من نار وسط جهنّم و امّا الٰاثٰام فهو وادٍ من صفر مُذَابٍ يجري حوَل الجبَل فهو اشدّ النار عذاباً ه‍ ، فدلّ هذا علي انّ الجحيم هي العُليا من النارِ و عليه امّا ان يكون المراد بمن ردّ عليهم الاتباع لا ائمّتهم وَ ظاهر قوله في اسفل درك من الجحيم يدلّ ان المراد بهم ائمّتهم لا الاتباع و في حديث اسحق بن عمار من كتاب الخصال عن ابي‌الحسن موسي عليه السلام يقول ان في النار لوادياً يقال له سقر لم‌يتنفس منذ خلقه اللّه عز و جل لو اذن اللّه عز و جل له ان يتنفس بقدر مخيطٍ لاحترق ما علي وجه الارض و ان اهل النار يتعوّذون من حر ذلك الوادي و نتنِه۪ و قذَرِه و ما اعدّ اللّهُ فيه لاهله و انّ في ذلك الوادي لجبلاً يتعوّذ جميع اهل الوادي من حر ذلك الجبَل و نَتْنِه۪ و قذَرِه و ما اعدّ اللّه فيه لاهله و انّ في ذلك الجبل لشعباً يتعوّذ جميع اهل ذلك الجبل من حرّ ذلك الشعب و نتْنِه و قذَرِه و ما اعدّ اللّهُ فيه لاهله و ان في ذلك الشعب لَقليباً يتعوّذ جميع اهل ذلك الشعب من ذلك القليب و نتْنِه۪ و قذَرِه و ما اعدّ اللّه فيه لاهله و انّ في ذلك القليب لحيّةً يتعوّذ جميع اهل ذلك القلِيب من خُبْثِ تلك الحيّة و نتنِها و قذَرِها و ما اعدّ اللّه في انيابها من السّمّ لاهلِها و انّ في جوف تلك الحيّة لسبعة صناديق فيها خمسةٌ من الامم السالِفة و اثنان من هذه الامّةِ قال قلتُ جُعِلتُ فداۤءك مَنِ الخمسةُ و الاثنانِ قال (ع‌) امّا الخمسة فقابيل الذي قتل هابيل و نمرود الذي حاۤجّ ابراهيم (ظ) في ربه قال انا احيي و اميتُ و فرعون الذي قال انا ربّكم الاعلي و يهود الذي هوّد اليهود و بولس الذي نصّر النصاري و من هذه الامة اعرابيّان ه‍ ، و هذا يدل ظاهره انّ الحيّة و ما فيها من الصناديق لائمة الضلال كلها في سقر و من المعلوم انّ هؤلاۤء المذكورين لايكون احدٌ اشدّ عذاباً منهم فلاتكون نار اسفل منها و فيه دلالة ايضاً علي انّ الجحيم ليست هي السفلي و هذا يعطي انّ من ذكرهم الهادي عليه السلام في الزيارة هم الاتباع و في الخصال عن الصادق عن ابيه عن جده عليهم السلام قال ان للنّار سبعة ابواب باب يدخل منه فرعون و هامان و قارون و باب يدخل منه المشركون و الكفّار و مَن لم‌يؤمن باللّه طرفة عين و باب يدخل منه بنواميّة هو لهم خاۤصّةً لايزاحمهم فيه احد و هو باب لظي و هو باب سعير و هو باب الهاوية يَهْوي بهم سبعين خريفاً فكلّما هوي بهم سبعين خريفاً فارَ بهم فَوْرةً قذَف بهم في اعلاها سبعين خريفاً ثم هوي بهم كذلك سبعين خريفاً فلايزالون هكذا خالدين مخلّدينَ و باب يدخل منه مبغضونا و محاربونا و خاذلونا و انّه لاعظم الابواب و اشدّها حرّاً ثم قال و الباب الذي يدخل منه بنواميّة هُوَ لأبي‌سفيان و معاوية و آل مروان خاۤصّة يدخلون من ذلك الباب فتحطمهم النار حَطماً لايسمع لهم واعية و لايحيون فيها و لايموتون اقول ذكر عليه السلام هنا اربعة ابواب و الظاهر انّ الاول منها هو اعلاها و عليه فيكون الباب الذي يدخل منه مبغضوهم هو الرابع يعني الوسط من السبعة فيحتمل ان يراد بالاسفل الاوسط الذي احاطت به الابواب هذا ظاهر اللفظ ان الاصل في الابتداۤء الابتداۤء بالاول و الاظهر من المقام و بعض ما يستفاد من اخبارهم عليهم السلام انه عليه السلام ابتدأ بالرابع فيكون الباب الذي يدخلون فيه بنواميّة هو السادس و هو الاربع النيران سقر و سعير و الحطمة و الهاوية و لهذا ذكرها كذلك اما لأنّ الباب لسقر و يؤدّي الي السعير و منه الي الحُطمة و منه الي الهاوية او لأنّ كل باب يسمّي باسم الاخر لاشتماله علي ما في الاخر من انواع العذاب و ان كان بطورٍ ثانٍ فهو ما في الٰاخر في النوع فيطلق عليه و غيره في الشخص فيسمّي بغيره و في رواية ان النار اسفلها الهاوية و علي هذا يكون المراد بمبغضيهم ائمة الضلال و في المجمع عن اميرالمؤمنين عليه السلام ان جهنّم لها سبعة اطباق بعضها فوق بعضٍ و وضع (ع‌) احدي يديه علي الاخري فقال هكذا و انّ اللّه وضع الجنان علي العرض و وضع النيران بعضها فوق بعضٍ فاسفلها جهنّم و فوقها لظي و فوقها الحطمة و فوقها سقر و فوقها الجحيم و فوقها السعير و فوقها الهاوية و في رواية اعلاها جهنّم و اسفلها الهاوية اقول لعل كون جهنم اعلاها انّها اعلي طبقاتها فقد روي انّها ثلاث طبقات اَسْفلها الفلق و فيه الصّناديق و لا ريبَ انّ الصَّناديق في اسفل طبقةٍ من النار و كون الهاوية اَسْفلها انّها اسْفلُ من بعضِ الطبقات كما تشير اليه ما قدّمنا من الاخبار و لاسيّما حديث الخصال حيث جعل بابَها لبني‌اميّة خاۤصّةً و من المعلوم انّ في النار مَن هو اسوءُ حالاً منهم فيجب ان تكون ناره اسفل من الهاوية و في المعاني عن الصادق عليه السلام انه سئل عن الفلق قالَ صدع في النار فيه سبعون‌الف دارٍ في كل دارٍ سبعون‌الف بيت في كلّ بيتٍ سبعون‌الف اسود في كلّ اسود سبعون‌الف جرّة سمٍّ لا بدّ لاهل النار ان يمرّوا عليها .
اقول قوله ان يمرّوا عليها يدلّ بظاهرِه۪ علي انّ الفلق طريق لاهل النار و انّ فيها اسْفَل منه و يحتمل ان المراد باهل النار اصحاب التوابيت و ان المرور عليها هو المصير فيها و هو الذي يظهر لي و لايقال لو كانَت الفلق اسفل لَمٰاعرضت علي اهل التكليف يوم القيمة من الاطفال و المجانين و الجهّال و المستضعفين و ما اشبههم ممن لم‌يمحض الكفر و الايمان محضاً لأنا نقول انّما تعرض عليهم تشديداً للتّكليف كما عرضت اوّل مرة في الذر ليتحقّق صدق المطيع لامر اللّه بدخولها و روي القمي قال الفلق جبٌّ في جهنم يتعوّذ اهل النّار من شدّة حرّه سئل اللّه اَن يأذن له ان يتنفّس فاذِنَ له اَنْ يتنفسّ فاحْرق جهنّم الحديث ، و هذا مؤيّد لما اشرنا اليه من انّ الفلَق في جهنّم و انه يتعوّذ من حرّه النار التي منها جهنّم فهي اسفل الطبقات و محل الصناديق لانها هي الجب و الصناديق اختلف ظاهر الروايات في عددها فروي واحد و هو يراد به النوع او الجب الجامع لها او اعظمها و روي اثنان لاعرابيّين فيراد به الاعظم او العلّة فيها و روي اربعة او ستة لاربعة من الاولين و اثنين من الٰاخرين و روي سبعة كما تقدّم و روي ثمانية لاربعة من الاولين و اربعة من الٰاخرين و روي اثناعشر لستّة من الاولين و ستة من الٰاخرين و الجمع بينها علي نحو ما ذكرنا و اذا اطّلعتَ علي ما ذكرنا فاعلم انّ الظاهر من المراد من قوله و من ردّ عليكم انّهم الاعرابيان و مَن اتّبعهم علي بيان من امره فيكون المراد باسفل درك من الجحيم امّا ان المراد مطلق النار او انّ المراد باسفل دركٍ منها ما نزلَ عنها سواۤء فرضت الجحيم هي الاعلي او الوسطي او السفلي فانّ مراده عليه السلام انهم لعنهم اللّه و ابعدهم من رحمته الواسعة اشدّ عذاباً من جميع اهل النار من المنافقين و المشركين و الكفار و انما استحقّوا ذلك لان محمّداً صلّي اللّه عليه و آله قد بَيّن لهم الحقّ في افئدتهم و قلوبهم و نفوسهم و سرهم ( و ظ ) علانيتهم و باطنهم و ظاهرهم بما لم‌يقدر احد من خلق اللّه ان ياتي بمثله في الظهور و رفع الشبه و الجهل و الغفلة عنهم حتي جعل لهم تلك الخفايا ضروريّات لايشكّون فيها و مع هذا فقابلوه بالانكار و الجحود و العداوة الشديدة و سعوا غاية جهدهم في اَذيٰهُ و اذَي اهل بيته بما لايقدر علي مثله احد من المنافقين و المشركين و الكافرين فكانت امثالهم و صفاتهم و بدعهم قاۤئمة باحْقادهم و باطلهم ما دام النظام قد ملئت جميع الظلمات و اسّست الشبهات و العناد و الجحود لجميع البريّات ممّن كان او يكون الي يوم القيمة فاذا حشر الناس كانوا لهم اعداۤء و كانوا بعبادتهم كافرون ( كافرين نسخه ) يصلونها يوم الدين و ما هم عنها بغاۤئبين فثمرات تلك الامثال الباقية ابد الدهر يعذّبون بها بقدر مبلغها من سخط اللّه و غضبه و يعذّب بفاضلها جميع اهل النار من الاوّلين و الٰاخرين و يعذّبون ايضاً بمثل عذاب مَن عُذِّب بسببهم من الاوّلين و الٰاخرين و ليحملنّ اثقالهم و اثقالاً مع اثقالهم و ليسئلُنَّ يوم القيمة عمّا كانوا يفترون .
قال عليه السلام : اشهد ان هذا سابق لكم فيما مَضَي و جارٍ لكم فيما بقي
قال الشارح (ره‌) اشهد ان هذا اي وجوب اتباعكم او كل واحدٍ من المذكورات سابقٌ لكم فيما مضي من الائمةِ اَوْ في الكتب المتقدّمة انتَهي .
اقولُ قَدْ مَضَي مَعْني اَشْهَدُ و امّا هذا فهو اسم اشارَةٍ الي القريب و القرب المستعمل فيه اعمّ من القُرْب الحَقيقي فيستعمل فيه و في القرب العرفي او المستحضر في الذّهن عند المتكلّم و اِنْ توَقّفَ فهْمُهُ عند المخاطَبِ عَلَي نَصْبِ قرينةٍ من المتكلّم لو اقتضي الحَالُ ذلك فاذَا فهمتَ معني هذا بنحو ما ذكرنا فيَحْتمل اَنْ يَكُونَ المشار اليه مَن اتّبعَكم فالجنّة مأواهُ الي اَشْهَدُ و هذا بناۤء علي اعتبارِ القرب الحقيقي و ان يكون من قوله سعِد مَن والاكم الي قوله اشهد و هو الظاهر من سياق الكلام و ان يكون من قوله مَن اتاكم نجي و هذا اقرب من احتمال ان يكون من قوله الي اللّه تدعون و ان يكون من قوله انتم الصراط الاقوم و ان يكون من قوله مَن والاكم فقد وَالَي اللّهَ و ان يكون من قوله و اشهد انّكم الائمة الراشدون المهديّون الخ ، و ان يكون مِنْ اوّلِ الزيارة و ان كان بعيداً و انّما احْتملنا هذا لانّ ما ذكر من الاحتمال الاوّل الحقيقي او ما يقرب منه في القرب انّما هو من فروع ما ذكر من الزيارة من الاوصاف التي استحقّوا بها ما يشهد بثبوته لهم عليهم السلام في كل وقت و مكانٍ ثم انّ قوله عليه السلام اشهد انّ هذا سابق لكم الخ ، شهادة منه بحقيقة ما ذكر في نفس الامر و تعليم لِشيعتِه لا مجرّد خصوص التعليم و لاينافي هذا قوله و اَنَّ اَرْوَاحَكُمْ و نورَكم و طينتكم واحدة لِمٰا ثبتَ عنهم عليهم السلام انّهُم يتَفَاضلون في مراتبهم لانّهم و ان كانوا متفاضلين في مَراتبِهمْ من جهة اختلاف القرب الي المبدء و ترتّب بعض مراتبهم علي بعض فانّ طينتهم و ارواحهم و انوارهم شي‌ء واحِدٌ و هو نور واحد تعدّدت هياكله باعتبار تغاير جهاتهم من حيث احاطتهم بمبدئهم كما قال عليه السلام فجعلكم بعرشه محدقين و ليس ذلك الترتّب و التغاير في مراتبهم و جهاتهم الا علي نحو ما قال علي عليه السلام انا من محمد كالضوء من الضوء فقد جمعتهم حقيقة واحدة في رتبة واحدة فلايكون قوله اشهد مخصوصاً بالتعليم .
و قوله عليه السلام : سابق لكم فيما مضي اي فيما مضي من الدهور الالف الدهر كما مر و الازمنة و هي زماننا هذا الجسماني و دهورنا فانها لهم ازمنة و قد ذكرنا مراراً انّ قلوب شيعتهم التي وقتها الدهر من فاضل اجسامهم التي وقتها زمان لهم و ان كان دهراً لغيرهم و انّما قلنا و الازمنة بالجمع لانّ دهر الانبياۤء زمان لهم و للانبياۤء عليهم السلام زمان لهم هو دهرٌ للمؤمنين و للمؤمنين زمان هو دهر لمن دونهم من الحيوانات او من بحكمهم و كل ما سوي دهرهم صلّي اللّه عليهم فهو لهم زمان فلهم دهور تفرّدوا بها و شاركوا غيرهم في اوقاتهم فهم مع كل طبقةٍ في وقتهم يشاركونهم في دهرهم اذا كانوا فيهم و في زمانهم و اذا لم‌يكونوا فيهم كان ذلك الدّهر زماناً لهم فلهم مع غيرهم حالتانِ و لهم مع ربهم سبحانه حالتان و لهم مع انفسهم حالة واحدة فلهم مع غيرهم دهور و ازمنة و لهم مع اللّه تعالي سرمد و دهورٌ و ازمنةٌ و لهم مع انفسهم دهور و زمان و ان شئت قلتَ دهر و زمان و ان شئتَ قلتَ دهر و ازمنة فهذا المشار اليه سابق لهم ثابت هو او حكمه او مع حكمه في كلّ وقتٍ من السرمد الي هذا الوقت اي من الفعل الي الماۤء و الارض الجرز في الاكوان النورانية الي العقول في الاكوان الجوهريّة الي الارواح في الاكوان الهوائيّة الي النفوس في الاكوان المائية الي الطباۤئع في الاكوان النّارية الي المواۤدِّ و الاشكال في اكوان الاظلّة و الذّرّ انّهم كذلك كما وصفوا به انفسهم و انّ من خالفهم و انكرهم و ردّ عليهم كما وصفوه و انّما جري لهم ذلك فيما مضي و فيما يأتي لانّ ذلك فرع لحكم ذاتي يقتضي ما ذكره عليه السلام اقتضاۤء لايردّه حكم من احكام الامكان ممّن دونهم لانّ كل من دونهم ملكوته في قبضة امر اللّهِ الّذي هو ذلك الحكم الذّاتي الذي هو مقتضي ذواتهم و اليه الاشارة بقوله عليه السلام في دعاۤء الصباح و المساۤء اصبحت اللّهم معتصماً بذِمامك المنيع الذي لايطاول و لايحاول الخ ، و في الدعاۤء اللهم اجعلنا في درعِك الحصينة الّتي تجعل فيها من تريد فان قلتَ ظاهر ما استدللتَ به اقتضاۤؤه لبعضِ ما ذكر و هو في اتباعهم و محبّيهم لان قوله بذمامك المنيع و قوله درعك الحصينة انما يدلّ علي حفظ من التجأ بهم دون هلاك من خالفهم و ردّ عليهم و المدّعي هو الامران كلاهما قلتُ انّ الشي‌ء اذا ثبت له انّه حافظ لكلّ من التجأ به من كلّ مخوف ثَبت له في دليل الحكمة انّه لا ملجأ سواه و الّا لعادله الملجأ الٰاخر فلم‌يكن حافظاً لمن حاد عن ذلك الملجأ لانه قد فرض انه مساوٍ له و اذا حفظ عنه لم‌يساويه ذلك الٰاخر بل يكون ناقصاً عنه و اذا ثبت انه ناقص لم‌يكن مجيراً من التام و تنحصر النجاة في التام فيهلك من حاد عن التام لانه لا ملجأ دونه لقيام الكل به او عنه فان قلت عموم قولك هذا يدلّ علي انّ اللّه تعالي لايجير منهم عليهم السلام قلت هذا كلام لايقال لانّا قد بيّنا فيما مضي في مواضع كثيرة انّهم عليهم السلام ليسوا اغياراً لحكم قضاۤءِ اللّه بل حكمهم عين حكم اللّه اذ لا حكم لهم الّا ما حكم اللّه بهم عليهم و علي مَنْ دونهم فما ذكر عليه السلام فيما سبق من قوله سعِد من والاكم و هلك من عاداكم و امثاله معناه حقيقة سعِد من والي اللّه تعالي و هلك من عادي اللّه تعالي و مَن والي اللّه هو من والاهم اذ ليس للّه ولاية في خلقه غير ما جعل لهم و من عادي اللّه تعالي هو من عاداهم اذ ليس للّه عداوة غير ما جعل لهم و الّا لماصح قولهم الحقّ من والاهم فقد والي اللّه و من عاداهم فقد عادي اللّه فافهم لانه سبحانه و تعالي انّما احبّ ما كان له و انّما ابغض ما كان لعدوّه الشيطان و الذين له هم محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و آله و اتْباعهم من كلّ شي‌ء و الذين للشيطان هم اعداۤؤهم و اتباع اعداۤئهم من كلّ شي‌ء و هو قوله تعالي حكاية عن عدوّه الشيطان الرجيم و تسلّطه علي اولياۤئه لاقعدنّ لهم صراطك المستقيم ثم لٰاتينّهم من بين ايديهم و من خلفهم و عن ايمانهم و عن شماۤئلهم و لاتجد اكثرهم شاكرين و انّما قلنا انّ ذلك فرع لحكمٍ ذاتيّ لان الشي‌ء الذي به شيئيِّة اشياۤء يجب له اَلّايكون لشي‌ء منها شيئيّة بغيره و الّا لم‌تكن به شيئيّتُه بل بغيره سواۤء استقلّ ذلك الغير بها او شاركه و هذه الشيئيّة هي فرع ذلك الحكم و هذا الفرع مركّب من اثباتٍ و نفي في كلّ فردٍ و الّا لم‌يتميّز عن ضده فمن والاهم و تبرّأ من اعداۤئهم تحقّقت فيه شيئيّة السّعادة و مَن عاداهم تحقّقت فيه شيئيّة الشقاوة و من تولّي و لم‌يتبَرّأ لم‌يتولّ لانّه لم‌يتميّز عن العدو و لم‌يتزيّل و مَنْ تولّي عدوّهم و لم‌يتبرّأ منهم لم‌يتولّ عدوّهم لانّه لم‌يتميّز عن الولي و لم‌يتزيّل و هذا مستضعف او في حكمه كما ذكره الحسن بن علي بن ابي‌طالب عليهما السلام كما في الاحتجاج قال عليه السلام انما الناسُ ثلاثة مؤمن يعرف حقّنا و يسلّم لنا و يأتم بنا فذلك ناجٍ محبٌّ للّه وليٌّ و ناصب لنا العداوة يتبرّء منّا و يلعنُنَا و يستحلّ دماۤءنا و يجحد حقّنا و يدين اللّه بالبراۤءة منّا فهذا كافر مشرك فاسق و انّما كفر و اشرك من حيث لايعلم كما يسبّوا اللّه عدواً بغير علم كذلك يشرك باللّه بغير علم و رجل اخذ بما يختلف فيه و ردّ علم ما اشكل عليه الي اللّه مع ولايتِنا و لايأتم بنا و لايُعَادينا و لايعرف حقّنا فنحن نرجو اَنْ يغفر اللّه له و يدخله الجنة فهذا مسلم ضعيف ، قوله عليه السلام مع ولايَتِنا اي ردّ علمها الي اللّه تعالي لانها عنده ممّا اشكلت عليه .
قال عليه السلام : و انّ ارواحَكم و نُورَكم و طينتكم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعضٍ
قال الشارح (ره‌) كما ورد في الاخبار الكثيرة انّ ارواحهم مخلوقة من اعلي عليّين و ابدانهم من عليّين و انوار علومهم و كمالاتهم واحدة طابت الارواح و طهرت الابدان او الجميع بعضها من بعض كما قال اللّه تعالي ذريّة بعضها من بعض اي من طينةٍ واحدةٍ مخلوقة من نور عظمته تعالي انتهي .
اقول الرّوح الكلّي واحد و هو روحهم عليهم السلام و انّما تعدَّدُوا بتعدّد الهياكل التي هي هياكل التّوحيد لاختلاف الجهات التي هي جهات قبولهم لا المراتب فانّها بالنسبة الي مبدئهم سواۤء في القرب الّا ترتّب بعضهم علي بعض و لا الكمّ الا بتفاضلهم في الترتب و لا في الكيف الّا ما نشأ منه عن تفاضل الترتّب و لا الوقت و المكان الّا ما نسب الي التّرتّب و اعلم ان للروح في مقام ذكرهم عليهم السلام اطلاقين يطلق و يراد به العقل الكلّي و القلم و هو الركن الايمن الاعلي من العرش و يطلق و يراد به الروح الكلّي المتوسّط رتبةً بين العقل الكلّي و النفس الكليّة و هو الركن الايمن الاسفل من العرش و قد اشار اليهما اميرالمؤمنين عليه السلام كما في الكافي عن ابن‌رياب ( رئاب ) رفعه الي اميرالمؤمنين عليه السلام انّه قال انّ لِلّهِ نهراً من دون عرشه و دون النهر الذي دون عرشه نورُ نورِه۪ و انّ في حافتي النهر روحين مخلوقين روح القدس و روح من امره و ان للّه عشر طينات خمسة من الجنّة و خمسة من الارض ففسّر الجنان و فسّر الارض ثم قال ما من نبي و لا ملك من بعده جبلَهُ الّا نفخ فيه من احدي الروحين و جعل النبيّ من احدي الطينتين قلتُ لابي‌الحسن الاول ما الجَبْل قال الخلق غيرنا اهل البيت فان اللّه عزّ و جلّ خلقنا من العشرِ طينات و نفخ فينا من الرّوحين جميعاً فَاَطْيِبْ بها طيباً .
اقول الظّاهر اَنّ المراد بالنهر نهر الوجود المقيّد لانه يفيض من العرش و الروحانِ و الطينتان تفصيل العرش اذا اريد بالطينتين الباطنتانِ فروح القدس هو النور الابيض من العرش و الروح من امره هو النور الاصفر من العرش و يطلق علي كليهما روح من امر اللّه و الطينتان اذا اريد بهما الباطنتان يطلق عليهما و علي احدهما الروح الذي علي ملاۤئكة الحجب اي مُوكّل عليهم و هما النور الاخضر الاعلي عن يَسار العرش و النور الاحمر الاسفل عن يسار العرش و ظاهر الطينتين من عليين العليا الاولي جنّة عدن و جنّة المأوي و جنّة النعيم و جنّة الفردوس و جنّة الخلد و هي طين الجنان و السُّفْلَي طين الارض و هي مكة و المدينة و الكوفة و بيت المقدّس و الحاۤئر و قوله عليه السلام ما من نبي و لا مَلكٍ الخ يُراد منه و اللّه اعلم ان كل نبي و كل ملك ينفخ فيه من الرّوح الثانية الّتي هي روح من امره و بها العصمة فمن شعاعها كانت الانبياۤء معصومين و من نور شعاعها كانت الملاۤئكة معصومين و محمد وَ اهل بيته الطاهرون صلّي اللّه عليه و آله نفخ سبحانه فيهم من الروحين جميعاً يعني فيهما جميع الرُّوحَيْن و من سواهم نفخ فيهم من شعاع الثانية و هي روح من امرِه۪ روح العصمة و امّا الاولي التي هي باب اللّهِ فلم‌ينفخ منها في احدٍ و لم‌تكن عند خلقٍ الّا عند محمد و آله صلي اللّه عليه و آله فماكانت لأحدٍ من الانبياۤء وساطةٌ و سفارَةٌ في شي‌ءٍ قليلٍ او كثير في الدنيا و الٰاخرة لانفسهم اَوْ لاحَدٍ من اُمَمهم الّا اِلي محمّدٍ و اهل بيته عليه و عليهم السلام فاذا سَمِعْتَ انّ احداً من الانبياۤء عليهم السلام كان بَاباً بينَ اللّهِ و بين امّته فاِنّما هو بين اُمَّتِه۪ و بين محمد و اهل بيته عليهم السلام الذين هم شفعاۤء جَميعِ الخَلْق و كذلك حكم الطينتين و من الدليل علي انّ من سواهم لاينفخ فيه من ذات ما ينفخ فيهم و انما هو من شعاعها ما رواه في البصاۤئر عن جابر الجعفي قال كنتُ مع محمد بن علي عليهما السلام فقال يا جابر خلقَنَا نحنُ و محبّينا من طينةٍ واحدةٍ بيضاۤء نقيّة من اعلي علّيّين فخلقنا نحن من اعلاها و خلق محبّينا من دونها فاذا كان يوم القيمة التقت العليا بالسفلي و اذا كان يوم القيمة ضربنا بايدينا الي حجزة نبيّنا (ص‌) و ضربَ اشياعنا بايديهم الي حجزتنا فاين تري يصيّر اللّه نبيّه و ذرّيّته و اَيْن تري تصير ذرّيّته محبّيها فضرب جابر يده علي يده فقال دخلناها و ربّ الكعبة ثَلٰثاً و منه عن ابي‌الحجّاج قال قال لي ابوجعفر عليه السلام يا اباالحجّاج انّ اللّه خلق محمّداً و آل‌محمد من طينة عليّين و خلق قلوبهم من طينةٍ فوق ذلك و خلق شيعتَنا من طينةٍ دون علّيّين و خلق قلوبهم من طينة عليّين فقلوبُ شيعتِنا من ابدانِ آل‌محمّد و انّ اللّه خلق عدوّ آل‌محمّد من طينة سجّين و خلق قلوبهم من طين اخبث و خلق شيعتهم من طين دون طين سجّين و خلق قلوبهم من طين سجين فقلوبهم من ابدان اولٰۤئك و كلٌّ يُجَرّ الي بدنه ، اقول قد ذكرنا مراراً ان المراد بقولهم عليهم السلام من دون ذلك او من فاضل طينة كذا كما في بعض الاخبار هو الشعاع و كذلك اذا قيل من نضح كذا و منْ عرق كذا و قد يستعمل النضح و الفضل بمعني الجزء و القسيم و الادلّة الخارجة فارقةٌ و ذلك كما في البصاۤئر عن بشر بن ابي‌عقبة عن ابي‌جعفر و ابي‌عبداللّه عليهما السلام قالا انّ اللّه تعالي خلق محمّداً من طينةٍ من جوهرة تحت العرش و انه كان لطينته نضحٌ فجبَل طينة اميرالمؤمنين عليه السلام من نضح طينة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و كان لطينة اميرالمؤمنين (ع‌) نضح فجبل طينتنا من فضل طينة اميرالمؤمنين عليه السلام و كان لطينتِنا نضح فجبل طينة شيعتنا من نضح طينتنا فقلوبهم تحنّ الينا و قلوبنا تعطف عليهم تعطّف الوالد علي الولد و نحن خير لهم و هم خير لنا و رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لنا خير و نحن له خير ه‍ ، فاستعمل عليه السلام النضح و الفضل في الجزء و القسيم و علي الاصل من كون المراد منه الشعاع في قوله فجبل طينة شيعتنا من نضح طينتنا فلَايشتبه عليك بعد التنبيه و ايضاً لايذهب عليك ما في بعض الاحاديث كما في هذا الخبر من انّهم اذا خلقوا من رسول اللّه او من اميرالمؤمنين عليهما السلام كانوا مُتَأخّرين عن مقامِهما مع انّا نقول انّهم في مقام واحدٍ و قد ورد هذا عنهم ذلك و انّهم خُلِقوا من نور وَاحدٍ روي الصدوق في كتاب المعراج عن رجاله الي ابن‌عباس قال سمعتُ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و هو يخاطب عليّاً صلوات اللّه عليه و يقول يا علي انّ اللّه تبارك و تعالي كان و لا شي‌ء معه فخلقني و خلقك روحين من نور جلاله فكنّا اَمام عرش ربّ العالمين نسبح اللّه و نقدسه و نحمده و نهلّله و (ظ) ذلك قبل ان يخلق السموات و الارضين فلما اراد ان يخلق آدم خلقني و ايّاك من طينةٍ واحدةٍ من طينة علّيّين و عجَنَنا بذلك النور و غمَسنا في جميع الانوار و انهار الجنّة الحديث ، و في رياض‌الجنان باسناده مرفوعاً الي جابر بن يزيد الجعفي قال قال ابوجعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يا جابر كان اللّه و لا شي‌ء غيره و لا معلوم و لا مجهول فاوّل ما ابتدأ من خلقٍ خلقه ان خلق محمّداً و خَلقَنا معه من نور عظمته فاوقفنا اظِلّةً خضراۤء بين يديه حيث لا سماۤء و لا ارض و لا مكان و لا ليل و لا نهار و لا شمس و لا قمر يفصل نورنا من نور ربِّنا كشعاع الشمس من الشمس نسبّح اللّه و نقدّسُه و نحمده و نعبده حق عبادته ثم بدا لِلّهِ تعالي ان يخلق المكان و كتب علي المكان لا اله الّا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين و وصيّه به ايّدته و نصرته ثم خلق اللّه العرش فكتب علي سرادقات العرش مثل ذلك الحديث ، فذكر في الحديث الاوّل انهما من طينة واحدة و في الثاني انهم خلقوا معَهُ لان المراد بكونهم معه صلي اللّه عليه و آله من طينة واحدة في وقتٍ واحدٍ من السرمد و ما دلّ علي تأخّرهم عنه (ص‌) فالمراد به ترتّبهم عليه و لا ريبَ انّهم متاخرون عنه رتبةً لا وقتاً مغايراً بل هم معه في سرمد واحدٍ و ان كان له اوّله حتي انّه مقدّر عندهم عليهم السلام بثمانين‌الف سنة و هو وقت الحرف الذي فضل عليّاً عليهما السلام من العلم و به كان افضل منه روي ذلك جابر بن عبداللّه في تفسير قوله تعالي كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف قال قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله اول ما خلق اللّه نوري ابتدعه من نوره و اشتقّه من جلال عظمته فاقبل يطوف بالقدرة حتي وصل الي جلال العظمة في ثمانين‌الف سنة ثم سجد للّه تعظيماً ففتق منه نور علي عليه السلام فكان نوري محيطاً بالعظمة و نور علي محيطاً بالقدرة ثم خلق العرش و اللوح و الشمس و ضوء النهار الحديث ، فاخبر انّ نوره صلي اللّه عليه و آله بقي يطوف بالقدرة ثمانين‌الف سنة و الظاهر ان المراد منه ان يطوف علي حكم الولاية هذه المدّة التي هي مقدار سبق ظهور الولاية علي النبوّة التي هي العظمة و جلال العظمة فلمّا وصل نازلاً الَي مَقامِ النبوّة سجد للّه تَعْظيماً لانّه هو شأن النبوة بخلاف الحال الاوّل الذي هو شأن الولاية فانّه مقام ربوبيّة لا مقام عبوديّة فقامَ بالنبوّة و قام عليّ بالولاية بعد محمّد صلي اللّه عليه و آله و هو قوله فكان نوري محيطاً بالعظمة اي النبوّة و نور عليّ محيطاً بالقدرة اي الولاية و الاِحاطة في المقامَيْنِ لهذين العظيمين القيام بموجب ما يرادُ منه في حكمه فعبّر عن القيام بجميع احكامها بالاحاطة بِهَا فظهر مما اوردنا و ممّا نبّهنا عليه انّ ارواحهم و نورهم و طينتهم واحدة و ان تعدّدوا و انّما ذلك كنور السّراج لا كالسراج و نوره كما اذا نسب اليهم من سواهم بل هم كالسراج من السراج كما قال علي عليه السلام انا من محمّد كالضوء من الضّوء و هذا هو شأن البدل و اليه الاشارة بقوله تعالي ما ننسخ من آية او نُنْسِها نأت بخير منها او مثلها الم‌تعلم ان اللّهَ علي كلّ شي‌ء قدير ، و مما يشير الي انّ طينة شيعتهم من شعاع طينتهم و فرعٌ عنها لا من حقيقتها ما تقدّم في حديث محمد بن مروان في من (كذا) الكافي عن ابي‌عبداللّه عليه السلام في قوله لم‌يُجْعل لاحدٍ في مثل الذي خلقنا منه نصيب و خلق ارواح شيعتِنا من طينتنا و ابدانهم من طينة مخزونة مكنونة اسفل من تلك الطينة الحديث ، و ما في رياض‌الجنان عن ابن‌عباس انه قال قال اميرالمؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه اتّقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه قال فقلتُ يا اميرالمؤمنين كيف ينظر بنور اللّه قال عليه السلام لانّا خلقنا من نور اللّهِ و خلق شيعتنا من شعاع نورنا فهم اصفياۤء ابرار متوسمون نورهم يُضيۤ‌ء علي من سواهم كالبدر في الليلة الظلماۤء ، اقول و يدخل في اسم الشيعة الانبياۤء عليهم السلام بل لهم الاسم و هم الشعاع و ساۤئر المؤمنين من شعاع نور الانبياۤء عليهم السلام روي في البصاۤئر عن عبدالغفار الجازي عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال انّ اللّه خلق المؤمن من طينة الجنّة و خلق الناصب من طينة النار و قال اذا اراد اللّه بعبدٍ خيراً طيَّبَ روحه و جسده فلايسمع شيئاً من الخير الّا عرفه و لايسمع شيئاً من المنكر الّا انكره قال و سمعته يقول الطينات ثلاثة طينة الانبياۤء و المؤمن من تلك الطينة الّا ان الانبياۤء هم صفوتها و هم الاصل و لهم فضلهم و المؤمنون فرع من طينٍ لازبٍ كذلك لايفرّق اللّه بينهم و بين شيعتهم و قال طينة الناصب مِنْ حمأٍ مسنون و امّا المستضعفون فمن تُرابٍ لايتَحوّلُ مُؤْمِنٌ عن ايمانِه۪ و لا نَاصِبٌ عن نصبه و للّه المشيّة فيهم جميعاً ه‍ ، اقول ظاهر هذا الكلام الاخير و هو قوله و لِلّهِ المشيّة فيهم جميعاً ينافي قوله لايتحوّل مؤمن عن ايمانه و ذلك لانّ روايات تكليف الذر دالّة علي ان اللّه تعالي قال لاصحاب اليمين للجنّة و لاابالي و لم‌يشترط فيهم البداۤء و قال لاَصْحَاب الشمال للنار و لاابالي و اشترط فيهم البداۤء و لم‌يشترط في اصحاب الجنّة فقوله و للّه فيهم المشية جميعاً منافٍ لهذا و رفع الاشكال ان عدم اشتراط البداۤء في المؤمنين من الفضل و الجود فجرَت الحكمة مطابقةً لمقتضي الفضل و الجود كما جرت علي ذلك المقتضي باشتراط البداۤء في الناصبين و في الواقع ان الحكم الغير المشروط و المشروط هما من الممكنات المقدورات له تعالي و الشرط فيهما و في كل شي‌ء حكم قيام الاشيَاۤء به قيام صدورٍ و عدم الاشتراط في اصحاب الجنّة من الفضل و الجود وَ لو شاۤء صَرَفَ ما شاۤءَ اِلَي مٰا شاۤء كما شاۤء فلا منافاة بين الحَد۪يثَيْنِ ،
و قوله عليه السلام : طابت و طهرت لانّ المراد بالطّيب و الطهر التخلّص من الرذاۤئل و النَقاۤئص الظّاهرة وَ الباطنة من الذنوب النفسانيّة و الجسمانيّة في التكليفات الشرعيّة او التكليفات الوجوديّة من السّفاح الظاهري كما وقع عقد النكاح علي غير الوجه الشّرعي لخلل في لفظ العقد او في القصد كما لو وقع علي غير المقصود انكاحه او نكاحه او بغير رضي الطرفين او احدهما او من يعتبر رضاه او قصده في الطرفين اوْ احدهما او لكونه ممّن قد حَصل له النّصاب قبل ان يفارق منهنّ شيئاً او لكونها في عدة الغير او نكاحه او فاقدينِ للوليّ الّذي يتوقف النكاح عليه او احدهما او لكونهما محرمين او احدهما او احدهما كافر او بينهما رضاع او مصاهرة محرّمان او جمع محرم كالاختين او علي العمة و الخالة بغير رضاهما او كونهما مِنَ المحَارِمِ او نكح الزوجة بظنّ انّها اجنَبِية او المطلقة ثلاثاً قبل ان تنكح زوجاً غيره او تسعاً للعدة او متلاعِنَيْنِ او ظهارٍ قبل التكفير اوْ ايلاۤء كذلك او خلع او مبارأة قبل الرجوع في البذل في العدة و غير ذلك او السّفاح الباطني كما لو كان الصداق المعيّن من حرام علي اشكال او كانا او احدهما مبغضين لائمّة الهدي او احدهم عليهم السلام عن بصيرة او معتقدَيْن او احدهما كون العقد و النكاح علي الكتاب و السنّة و الولاية و البراۤءة غير مبيحٍ للنكاح مع البصيرة و ما اشبَه ذلكَ او نكح زوجته بظنّ انّها اجنبيّةٌ او بشهوة الاجنبيّة و ما اشبه ذٰلك و من ترك شي‌ءٍ من الواجبات و المندوبات و فعل شي‌ء من المحرمات و المكروهات من جميع ما يريد اللّه من عباده من امر التوحيد فما دونه الي ارش الخدش فما فوقه بحيث يكون الطيب الطاهر الخالص من هذه النقائص و ما اشْبَهها لطيب طينته و طهارة طبيعته في جميع احْواله و اعماله و اقواله و اعتقاداته ينطبق طريقه علي الصراط المستقيم بغيرِ تَكَلُّفٍ بل باستقامة فطرته و طهارة خِلْقته فيكون في جميع احواله لايفقده اللّه سبحانه حيث يحبّ ابداً و لايجده حيثُ يكره ابداً فذلك الطيّب الطّاهرُ فقوله طابت و طهرت يريد الارواح و النور و الطينة و ارواحهم هي ماۤء الحيوة و النور الاصفر و هي واحدة و انّما تعدَدَتْ رقاۤئقها لما قلنا سابقاً من تعدّد جهَات التمكين و التمكن اللّذين بهما ترتّب بعضهم علي بعض في دهرٍ واحدٍ لهم هو لغيرهم سرمد اضافي و طيبُها لحقيقةِ ما هم اَهْله من نحو ما ذكرنا و نورهم هو وجودهم المعبّر عنه بالفؤاد و الكنه و الحقيقة و النفس و هو واحد لعدم تمَايزهم فيه او يراد به العقل و هو ايضاً لهم واحِدٌ و انْ حَصَل لهم تمايز معنوي فيه باعتبارِ تعدّد جهات التمكين و التّمكن كما في الارواح و هو النور الابيض و طيبُه كَما اَشَرْنا اِليه و لانّه لاينظر الَي نفسِه۪ بل الي جهة ربّه كما انّ الفؤاد لاينظر الّا الي ربّه فالروح قَدِ اسْتَوْلَي عَلَيْهَا نورُ ربِّها حتّي لم‌يَبْقَ منها الّا صورة حدودها و العقل قدِ اسْتولي عليه نورُ ربّه حتّي لم‌يبقَ منه الّا معني حدوده و قال السهروردي في قصيدته في صفة الواصلين :
منهمُ مَن عَفا و لم‌يبقَ للشكوي و لا للدموع فيهِ مَقيلُ
ليس الّا الانفاس تخبر عنه       ** * **      و هو عنها مُبَرَّءٌ معزولُ
و الفؤاد قد اضمحَلّ في النور فهو نور ربّه ، قال صفي‌الدين :
انحلَني الحبُّ في هواك فلو       ** * **      تَفَقّدتْني المنون لم‌ترني
و اليه الاشارة بقول اميرالمؤمنين عليه السلام اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّهِ و طينتهم طيبها و طهرُها لانها هندسة الايمان باللّه و هيئات امتثال امر اللّه و اجتناب نهيه و حدود مراقبة اللّه و كيفيّة الصّدق مع اللّه في كل المواطن و هيكل توحيد اللّه و صورة عبادة اللّه و طاعته و ما كان هكذا لايكون الّا هكذا كما وصفنا سابقاً ،
و قوله عليه السلام : بعضها من بعض يريد انّها شي‌ء واحد فاذا فرضتَ بعضاً منها فهو من البعض الٰاخر و ذلك الٰاخر من ذلك البعض لانّ ما لايكون هكذا لاتتحقّق فيه الوحدة الحقيقيّة لانّك اذا فرضتَ بعضاً لشي‌ء و هو حين فرض فصْله مغاير للبعض الٰاخر بمعني انه لم‌يكن منه بل هما معاً من شي‌ء آخر غيرهما فهذا ليس واحداً حقيقيّاً حين الاجتماع لان اجزاۤءَهُ مغايرة بعضها لبعض حين الفصل بخلاف ما اذا كان كلّ واحدٍ من الٰاخر فان هذا شي‌ء واحد لايتكثّر بالفصل بل هو واحد في الفصل كما هو قبل الفصل فتأمّل و تفهّم فانّه دقيقٌ جدّاً و المراد انّ ارواحهم و نورهم و طينتهم في الطيب و الطهر ممّا اشرنا اليه من النّقاۤئص واحدة لا تفاضل فيها بوجه من الوجوه ثم اكّد هذا الاتّحاد بقوله بعضها من بعض و هذا المعني يظهر منه انه لايريد بالنور الفؤاد و انما يريد به العقل اذ لو اريد به الفؤاد لزم تساويهم في الفضل و قد ثبت عنهم تفاضلهم في الدرجات فان النبي صلّي اللّه عليه و آله افضل منهم باجماعهم و نصوصهم المتواترة معنيً و اجماع شيعتهم الّا ما يظهر من بعض الجهّال منهم ممن لايعدّ من العلماۤء بل و لا من شيعتهم العارفين فان منهم من يجعل الاربعة‌عشر سواۤء و منهم من يجعل محمداً و علياً صلي اللّه عليهما و آلهما سواۤء و منهم من يفضّل علياً علي محمد صلي اللّه عليه و آله و هذا ملحق بالغُرابية الكفرة القاۤئلين محمد بعليّ اشبَهُ من الغُراب بالعِراب و الذُّباب بالذِّئاب و قالوا بُعِث جبرئل الي علي فغلط الي محمد و يلعنون لعنهم اللّه صاحبَ الريش يعنون به جبرئل عليه السلام و منهم من يستثني محمداً و علياً و يسوّي بين الباقين و امّا المعتبرة اقوالهم من العلماۤء فاجمعوا علي فضل النبي صلي اللّه عليه و آله علي الكل و بعده علي علي الباقين ثم اختلفوا فمنهم من قدّم فاطمة عليها السلام علي الباقين كما هو في الذكر و منهم من فضّل الحسنين عليهما السلام عليها و علي التسعة من ذريّة الحسين و التسعة سواۤء و منهم من جعل فاطمة عليها السلام بعد الائمة عليهم السلام و هم سواۤء الّا علي فانه افضل و منهم من جعل محمّداً صلي اللّه عليه و آله افضل الخلق اجمعين ثم علي عليه السلام ثم الحسن ثم الحسين ثم القاۤئم ثم الائمة الثمانية ثم فاطمة عليهم السلام و هذا هو الذي يترجّح عندي و منشأ اختلاف الكل اختلاف الاحاديث ظاهراً ثم القائلون بالتفاضل اختلفوا هل ذلك لزيادة العلم او له و للعمل او عناية من اللّه تعالي او لزيادة ساۤئر الصفات في بعضهم علي بعض كالقوّة و الشجاعة و الكرم و غير ذلك و ليس هذا محل بيان هذا و ايراد ادلة القاۤئلين و الاصح عندي ان التفاضل لزيادة جميع الصفات للفاضل و من فتّش عن ادلة ذلك وجدها في احاديثهم و كان ممّا يشتبه فيه كثيراً حتي خفي علي فحول العلماۤء زيادة علم بعضهم علي بعض لورود احاديثهم بان نورهم سواۤء و علومهم سواۤء و انّ اللاحق منهم يحيط بجميع ما عند السابق عند آخر دقيقة من عمر السابق و الحقّ انّها مخصّصة و ان العلوم التي يتساوون فيها هو ما يحتاج اليه جميع الخلق و يتفاضلون فيما يخصّ كل واحد روي الحسن بن سليمن الحلي في مختصر بصاۤئر سعد بن عبداللّه الاشعري باسناده الي ايوب بن الحر عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال قلنا الائمة بعضهم اعلم من بعض فقال نعم و علمهم بالحلال و الحرام و تفسير القرءان واحد ه‍ ،
اقول و هذا ما قلنا من ان ما يتساوون فيه من العلوم هو ما يحتاج اليه الخلق لان كلّاً منهم حجّة مستقل علي ساۤئر الخلق فلايجوز ان يكون حجة عليهم و ليس عنده جميع ما يحتاجون اليه و امّا ما يتفاضلون فيه فهو ما يخصهم من معرفة اللّه سبحانه لان معرفة كلّ شخص هو كنه ما ظهر له اللّه سبحانه و تعالي به و هو حقيقته التي هي آية ربّه الكبري له و لا ريب انه ظهر لمحمد قبل ان يظهر لعلي فعند محمد صلي اللّه عليه و آله حرف من العلم لايعلمه علي و قد تقدّم الايماۤء الي طول ذلك الحرف و عرضه و انه ثمانون‌الف سنة في وقت القدرة من السرمد و ظهر سبحانه لعلي قبل الحسن و للحسن قبل الحسين و للحسين قبل القاۤئم و للقاۤئم قبل الثمانية و لهم قبل فاطمة صلي اللّه عليهم اجمعين فهم فيما ينتقل و يحوّل من العلوم سواۤء و امّا ذات الشي‌ء فلاينتقل الي غيره فافهم و لاينافي هذا كونهم سواۤء فانهم سواۤء آمنا باللّه و ما انزل الي نبيه صلي اللّه عليه و آله و ما انزل اليهم لانفرّق بين احد منهم و نحن له مسلمون و الحاصل ان هذه الحقيقة التي هي آية اللّه الكبري و بها التفاضل هي الوجود المعبر عنه بالفؤاد فينبغي ان يحمل قوله و نورهم علي العقل و ذكرنا في تفسير النور انه هو العقل او الفؤاد لبيان انّ النور قد يطلق علي كل واحد منهما و قد يقال للعقل نور و للفؤاد سرّ كما في بعض الاخبار و لو ابقينا الكلام علي اطلاقه او عمومه و لم‌يخصّص النور بالعقل امكن حصول الوحدة في الفؤاد و لاينافيه التفاضل كما نقول انّ النور المتشعشع من السراج واحد حقيقة و ان اختلفت مراتبه باختلاف القرب الي السراج و ان حملنا الاختلاف علي ترتب بعضهم علي بعض لانا لانريد به الّا ذلك الترتب الذي قدّر وقته في السرمد بالنسبة الي الزمان او الدهر ثمانين‌الف سنة .
قال عليه السلام : خلقكم اللّه انواراً فجعلكم بعرشه محدقين ،
قال الشارح (ره‌) مطيفين اي مستفيضينَ من علمه او طاۤئفين بالعرش الصّوري في الاجساد المثالية كالطواف بالبيت انتهي .
اقول امّا ان اللّه تعالي خلقهم انواراً من نوره قبل ان يخلق شيئاً من خلقه فهو معلوم متواتر معني في احاديثهم و امّا انه سبحانه جعلهم بعرشه محدقين فهو ايضاً لا اشكال فيه انّما الاشكال في جعلهم بعرشه محدقين بعد ان خلق العرش فهم قبل خلق العرش يسبحونه في الكان و المكان ام خلق العرش قبل ان يخلقهم فلمّا خلقهم جعلهم محدقين بالعرش ام ظهروا مع العرش اي خلقوا مع خلقه فلم‌يظهر العرش في الوجود الّا بهم او لم‌يظهروا في الوجود الّا في العرش ام فيه تفصيل كما يأتي و المعروف من اطلاقات رواياتهم ان العرش يطلق و يراد به احد معاني نذكر بعضها يتميّز بعضها من بعض بالمقام اي بخصوص مقام الاطلاق فيطلق و يراد به الملك و ملكوت الاشياۤء و اسبابها و العلم الباطن و اصل مطلع البدع و علم الكيف و الكون و القدر و الحد و الاين و المشية و صفة الارادة و علم الالفاظ و الحركات و الترك و علم العود و البَدْئ و عرش الاحديّة علي ما اصطلحنا عليه كما هو المفهوم من اخبارهم من ان الاحديّة المعروفة صفة فعلٍ و عرش الوحدانية و المثل الاعلي بمعني التقدس و المثل الاعلي بمعني الالوهيّة و الربوبية و الرحمانية و المثل الاعلي بمعني الٰاية الكبري و النبأ الاعظم و الاسم الاكبر و الاسماۤء الحسني و الخلق و الرزق و الحيوة و الممات و علي اللّوح المحفوظ و علي الواح المحو و الاثبات و علي كل فرد فيما تحته من الافاعيل و علي محدد الجهات و علي كل فلك فيما تحته و كل عنصر فيما تحته فسبحان الذي بيده ملكوت كل شي‌ء و اليه ترجعون و ممّا يدل صريحاً علي تعدد المراد ما رواه في التوحيد باسناده الي حنان بن سدير قال سألتُ اباعبداللّه عليه السلام عن العرش و الكرسي فقال ان للعرش صفاتٍ كثيرة مختلفةً له في كل سببٍ وضع في القرءان صفة علي حدةٍ فقوله ربّ العرش العظيم يقول الملك العظيم و قوله الرحمٰن علي العرش استوي يقول علي الملك احتوي و هذا ملك الكيفوفية في الاشياۤء ثم العرش في الوصْل متفرّد من الكرسي لانّهما بابان من اكبر ابواب الغيوب و هما جميعاً غيبان و هما في الغيب مقرونان لانّ الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع و منه الاشياۤء كلها و العرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف و الكون و القدر و الحد و الاين و المشية و صفة الارادة و علم الالفاظ و الحركات و الترك و علم العود و البدئ فهما في العلم بابان مقرونان لان ملك العرش سوي ملك الكرسي و علمه اغيب من علم الكرسي فمن ذلك قال ربّ العرش العظيم اي صفته اعلم من صفة الكرسي و هما في ذلك مقرونان قلتُ جعلت فداءك فلم صار في الفضل جار الكرسي قال انه صار جاره لان علم الكيفوفيّة فيه و فيه الظاهر من ابواب البداۤء و اينيّتها و حد رتقها و فتقها فهذان جاران احدهما حمل صاحبه في الظرف و بمثل صرف العلماۤء و يستدلوا علي صدق دعواهما لانه يختصّ برحمته من يشاۤء و هو القويّ العزيز فمن اختلاف صفة العرش انه قال تبارك و تعالي ربّ العرش عما يصفون و هما وصف عرش الوحدانية لان قوماً اشركوا كما قلتُ لك قال تبارك و تعالي ربّ العرش ربّ الوحدانية عما يصفون ، و قوم وصفوه بيدين فقالوا يد اللّه مغلولة و قوم وصفوه بالرجلين فقالوا وضع رجله علي صخرة بيت المقدس فمنها ارتقي الي السماء وَ وصَفوه بالانامل فقالوا ان محمداً قال اني وجدت برد انامله علي قلبي فلمثل هذه الصفات قال ربّ العرش يقول رب المثل الاعلي عما به مثّلوه و للّه المثل الاعلي الذي لايشبهه شي‌ء و لايوصف و لايتوهّم فذلك المثل الاعلي و وصف الذين لم‌يؤتوا من اللّه فواۤئد العلم فوصفوا ربهم بادني الامثال و شبّهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به فلذلك قال و ما اوتيتم من العلم الّا قليلاً فليس له شبه و لا مثل و لا عدل و له الاسماۤء الحسني التي لايسمّي بها غيره و هي التي وصفها في الكتاب فقال فادعوه بها و ذروا الذين يلحدون في اسماۤئه جهلاً بغير علم فالذي يلحد في اسماۤئه بغير علم يشرك و هو لايعلم و يكفر به و هو يظن انه يحسن فلذلك قال و مايؤمن اكثرهم باللّه الّا و هم مشركون فهم الذين يلحدون في اسماۤئه بغير علم فيضعونها غير مواضعها يا حَنَان ان اللّه تبارك و تعالي امَر انْ يتّخذ قوم اولياۤء فهم الّذين اعطاهم اللّه الفضل و خَصَّهم بما لم‌يخصّ به غيرهم فارسل محمّداً صلي اللّه عليه و آله فكان الدليل علي اللّه باذن اللّه عز و جلّ حتي مضي دليلاً هادياً فقام من بعده وصيّه عليه السلام دليلاً هادياً علي ما كان هو دلّ عليه من امر ربّه من ظاهر علمه ثم الائمة الراشدون عليهم السلام ، اقول آخر هذا الحديث الشريف ليس فيه ظاهراً استشهاد علي ما ذكرنا من امر العرش و انّما ذكرته لبيان ان المراد بهذا الكلام هو بيان بعض ما يطلق عليه العرش من مراتب اطلاقاته العليا فان قوله تعالي سبحان اللّه ربّ العرش عما يصفون ان المراد بالعرش هنا المثل الاعلي كما ذكر عليه السلام و اشار بهذا الكلام الي انّ من دعاه باسماۤئه الحسني فقد وصفه بما له تعالي من صفاته و سمّاه باسماۤئه التي ظهر بها لمن عرفه بها و هو تأويل قوله الرحمن علي العرش استوي اي وصف نفسه لعباده الصالحين بصفاته و سمّي نفسه لهم باسماۤئه عليهم السلام ليعرفوه بها و اسماۤؤه الّذين سمّي نفسه بها و امر عباده اَنْ يدعوه بها هم محمد و آله المعصومون صلي اللّه عليه و آله و صفاته التي وَصف نفسه بها لمن احب ان يعرفه كما يحبّ هي ولايتهم عليهم السلام و من الحَد في اسماۤئه تعالي بان وَصَفَهُ بولاية اعداۤئهم التي هي صفات النقص تعالي اللّه عن ذلك و سمّاه باعداۤئهم الذين هم الاسماۤء السوءۤي و زعم ان اللّه تعالي امر ان يدعي بها فقد اشرك من حيث لايعلم لانه اتّخذ رجالاً اولياۤء و قد نهي اللّه تعالي عن ولايتهم و اتّباعهم و امر بالبراۤءة منهم و عدلَ عمّن جعلهم اللّه اولياۤء و ادلّاۤء هادين و امر بولايتهم و اتّباعهم و نهي عن عداوتهم و عن البراۤءة منهم و امرَ بالبراۤءة من اعداۤئهم فمعني العرش هنا المثل الاعلي اي سبحان اللّه ربّ العرش اي ربّ المثل الاعلي الذي هو ما وصف نفسه به من ولاية اولياۤئه و سمّي نفسه بهم لمن ارادَ ان يدعوه بها اي اُنزّهه بهذا الوصف و بهذه التسمية عما يصفه الملحدون به من تلك الاوصاف القبيحة و سمّوه بتلك الاسماۤء السوءۤي الذين هم اعداءُ اولياۤءِ اللّه و اسماۤئِه الحسني و هذا المعني الذي ذكرته لك من هذا الحديث صريح ظاهر لمن خاطبَهُ به اولياۤؤه صلواتُ اللّه عليهم فاذا كانَ هٰذَا المعني الذي هو المثل الاعلي الذي هو العرش في بعض اطلاقاته كما ذكره الصادق عليه السلام في هذا الحديث صريحاً و تلويحاً فمعني استواۤئه تعالي علي هذا العرش ظهوره تعالي بتلك العزّة المرادة من هذا المثل الاعلي و هو العرش هنا و هو قوله تعالي سبحان ربّك ربّ العزّة عما يصفون و لقد اجاد عبدالحميد بن ابي‌الحديد في هذا المعني بنسبة معرفته حيث قال في مدح علي عليه السلام في قصيدته الراۤئيّة :
صفاتُكَ اسماۤء و ذاتُكَ جوهرٌ       ** * **      بريۤ‌ء المعاني عن صفات الجواهرِ
يجلّ عن الاَعْراض و الاين و المتي       ** * **      و يكبرُ عن تشبيهه۪ بالعناصِر
يعني انّ صفاتك اسماۤء للّه تعالي و ذاتك جوهر منزّهٌ عن صفات الجواهر من الاعراض و الوقت و المكان و المواۤدّ و لهذا قال بعض اعداۤء الدين منهم ان الشيخ عبدالحميد غَلَا في عَلِيٍّ عليه السلام في هذين البيتين و انا اقول انّه قصّر في هذين البيتين و في غيرهما و معني استواۤئه علي هذا العرش ايضاً ظهوره بعزّته فيهم حتي تكرّموا و تقدسوا عن كل ما ليس له سبحانه قال تعالي و للّه العزّة و لرسوله و للمؤمنين و لكنّ المنافقين لايعلمون ، و معني استواۤئه علي هذا العرش ايضاً ظهوره بهم لمن سواهم بما شاۤء كيف شاۤء لانهم ابوابه الي خلقه و اعضادُهُ لهم و وساۤئله اليه و قد تقدّم انّ المثل الاعلي بمعني الٰاية و الدليل و بمعني التقدس كما ذكرنا هنا و في كلّ واحدٍ اطلاق العرش يصدق عليه باعتبارٍ و ما ذكرنا مما اشير اليه في الحديث صريحاً و تلويحاً و من غيره ممّا يطلق عليه العرش باعتبارٍ كل واحد قد كتبت عليه اسماۤؤهم عليهم السلام و روي عن ابي‌سلمن راعي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول ليلة اسري بي الي السماۤء قال لي الجليل جل جلاله آمن الرسول بما انزل اليه من ربه قلتُ و المؤمنون قال صدقتَ يا محمد من خلّفتَ في امتك قلتُ خيرها قال علي بن ابي‌طالب قلتُ نعم يا ربّ قال يا محمد اني اطّلعتُ الي الارض اِطّلاعةً فاخترتك منها فشققتُ لك اسماً من اسمي فلااذكر في موضع الّا ذُكِرْتَ معي فانا المحمود و انت محمد ثم اطّلعتُ الثانيةَ فاخترتُ منها عليّاً و شققتُ له اسماً من اسمٰاۤئي ( اسمي ظ ) فلااذكر في موضعٍ الّا ذكر معي فانا الاعلي و هو علي يا محمد اني خلقتُك و خلقتُ علياً و فاطمة و الحسن و الحسين و الائمة من ولده من سنخ نوري من نوري ( من نور ظ ) و فرضتُ ولايتكم علي اهل السموات و اهل الارض فمن قبلها كان عندي من المؤمنين و من جحدها كان عندي من الكافرين يا محمد لو ان عبداً من عبيدي عبدني حتي ينقطع او يصير كالشن البالي ثم اتاني جاحداً ولايتكم ماغفرتُ له حتي يقرّ بولايتكم يا محمد تحب ان تراهم قلت نعم يا ربّ فقال لي التفت عن يمين العرش فالتفتُّ و اذا انا بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسي بن جعفر و علي بن موسي و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي و المهدي في ضحضاحٍ من نور قيام يصلّون و هو في وسطهم يعني المهدي كأنه كوكب درّي فقال يا محمد هؤلاۤء الحجج و انه يعني المهدي عليه السلام الحجة الواجبة لاولياۤئي و المنتقم به من اعداۤئي ه‍ ، اقول قد بيّن في هذا الحديث معني كتابتهم علي العرش و علي الاشياۤء و معني كونهم محدقين هو كونهم في ضحضاحٍ من نورٍ قياماً يصلّون لانّ المراد بكتابتهم اثبات صورهم و اشباحِهم اَوْ في اَشْباحِهم لا اثبات حقيقتهم لانّها فوق مراتب الصور و الاشباح و معني الضحضاح هو سناۤءُ النور و المراد به نور شفّافيّة العرش و صقالته التي تنطبع فيه الصور و الاشباح كما تري في المرءاة لانّ الصور انّما تظهر في صقالتها و هو ضحْضاح من نورها و شفّافيّتها و انّما ظهرت صورهم في ضحضاحٍ من نور العرش لانّ العرش حقيقتهم هنا و له اطلاق آخر و هو عبارة عن معانيهم و رقاۤئقهم و صورهم و طباۤئعهم و هذه الاربعة الاشياء هي اركانُهُ فالعرش كالشجرة و الاركان كاصلها و اغصانها و هذه الصور ضحضاح بالنسبة الي تلك الحقيقة و قد اشار علي بن الحسين عليه السلام الي هذه الاركان كما رواه في التوحيد عنه عليه السلام قال ان اللّه عز و جل خلق العرش ارباعاً لم‌يخلق قبله الّا ثلاثة اشياء الهواۤء و القلم و النور ثم خلقه من انوار مختلفة فمن ذلك النور نور اخضر اخضرت منه الخضرة و نور اصفر اصفرّت منه الصفرة و نور احمر احمرّت منه الحمرة و نور ابيض و هو نور الانوار و منه ضوء النّهار ثم جعله سبعين‌الف طبقٍ غلظ كل طبق كاوّل العرش الي اسفل السافلين ليس من ذلك طبق الّا يسبح بحمد ربّه و يقدّسه باصواتٍ مختلفة و اَلْسِنَةٍ غير مشتبهةٍ و لو اذن للسانٍ منها فاسمع شيئاً مما تحته لهدم الجبال و المداۤئن و الحصون و لخسف البحار و لأهلك ما دونه له ثمانية اركان علي كل ركن منها من الملاۤئكة ما لايحصي عددهم الّا اللّه عز و جل يسبّحون الليل و النهار لايفترون و لو حسَّ شي‌ء مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين بينه و بين الاحساس الجبروت و الكبرياۤء و العظمة و القدس و الرحمة و العلم و ليس وراۤء هذا مقال ه‍ ، اقول بناۤء علي ما قرّرنا مراراً انّ العرش في هذا الحديث ثالث رتبة للحقيقة المحمدية و الهواۤء الذي هو العمق الاكبر و القلم الذي هو الوجود المسمي بالماۤء الاول الحامل للعرش و كان عرشه علي الماۤء و هذا باعتبارٍ انه الاسم المربّي و هو اسمه البديع و النور هو الدواة الاولي و ارض الجرز او هو الماۤء الحامل للعرش ثاني مرتبة للحقيقة المحمّدية و الاولي نفس المشيّة و صورتها و عالم فاحببت اَنْ اُعْرَف و الانوار الاربعة اعني الابيض معانيهم و الاحمر طباۤئعهم و الاصفر رقاۤئقهم و الاخضر اشباحهم و صورهم هي الخامسة من مراتب العرش ان جعلنا قوله ثم خلقه بمعني جعله و ان جعلناه تفسيراً للاول كان مرتبة رابعة للعرش و ضمير ثم جعله ضمير العرش و هذه الاطباق و هذه الالسن مظاهر تلك الاشباح و شؤنها تسبح اللّه و تقدّسه و تعبده بالثناۤء عليهم و نشر فضاۤئلهم و هو تأويل قوله تعالي و ان من شي‌ء الّا يسبّح بحمده اي بحمد اللّه يعني يسبّح اللّه بنشر مداۤئحهم علي الواح الموجودات و قوله و بينه اي بين الشي‌ء من كل ما دون العرش الي الثري من جميع الافراد و بين احساسه بشي‌ء من تلك الانوار الذي هو علة فناۤئه و اضمحلاله الجبروت اي العقول الحاۤئلة بتعقّلها لمعانيها عن الاحساس بتلك الانوار و الكبرياۤء من عجاۤئب الملك الدالة علي القدرة و هي اعظم حاۤئل بينه و بين الاحساس بتلك الانوار و العظمة من اشعّة الملكوت المانعة من الاحساس بتلك الانوار و القدس الظاهر من نطق السنة الحوادث بشهادة نقاۤئِصها و فقرها كذلك و الرحمة الظاهرة بالحيوة التي هي الحجاب الاعظم كذلك و العلم الذي تحصل منه هذه المراتب الخمس في كل شي‌ء بنسبته و هو اشدّها و اغلظها و لهذا قال عليه السلام و ليس وراۤء هذا مقال و ممّا يدل علي ان اسماۤءهم مكتوبة علي كل شي‌ء احاديث لاتكاد تنضبط من الفريقين و لم‌يوجد حديث يشتمل علي جميع الاشياۤء اجمالاً فضلاً عن التفصيل لكنها متفرقة في الاحاديث و لنورد منها واحداً و به يعرف مَنْ عرَف و هو ما رواه في الاحتجاج عن القاسم بن معوية بن عمّارٍ قال قلتُ لابي‌عبداللّه عليه السلام هؤلاۤء يروون حديثاً في معراجهم انه لمّا اسري برسول اللّه صلي اللّه عليه و آله رأي علي العرش لا اله الّا اللّه محمد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ابوبكر الصديق فقال سبحٰن اللّه غيّروا كلّ شي‌ء حتّي هذا قلتُ نعم قال ان اللّه عز و جل لمّا خلق العرش كتب علي قواۤئمه لا اله الّا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عز و جل الماۤء كتب علي مجراه لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عز و جل الكرسي كتب علي قواۤئمه لا اله الّا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عز و جل اللوح كتب فيه لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عز و جل اسرافيل كتب علي جبهته لا اله الّا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين و لما خلق اللّه عز و جل جبرئل كتب علي جناحيه لا اله الّا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عز و جل السموات خلق علي اكنافها لا اله الّا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين و لما خلق اللّه عز و جل الارضين كتب في اطباقها لا اله الّا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عز و جل الجبال كتب في رؤسها لا اله الّا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين و لما خلق اللّه عز و جل الشمس كتب عليها لا اله الّا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عز و جل القمر كتب عليه لا اله الّا اللّه محمد رسول اللّه علي اميرالمؤمنين و هو السواد الذي ترونه في القمر فاذا قال احدكم لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه فليقل علي اميرالمؤمنين ولي اللّه (ص‌) اقول قد دلّ هذا الحديث و امثاله علي ان اسماۤءهم مكتوبة علي كل شي‌ء و العنوان في ذكر الكتابة انما هو للعرش و قد اشرنا الي ان كلّ شي‌ء يطلق عليه اسم العرش باعتبار و ذكر هذا الحديث و غيره لخصوص علي اميرالمؤمنين عليه السلام لايدل علي التخصيص بل احاديثهم الصحيحة علي ان كلما يجري لواحد منهم يجري للٰاخر هذا في الظاهر و اما في الباطن فالمراد باميرالمؤمنين هو علي عليه السلام و الائمة الّا في امرة المؤمنين فانها لاتصح لغيره صلوات اللّه عليه و لعن اللّه من تسمّي بها غيره من جميع الخلق فقوله عليه السلام خلقكم اللّه انواراً فجعلكم بعرشه محدقين يريد به ما اشرنا لكم من الكتابة ككتابة الصورة في المرءاة و النور في السراج و الحركة في المتحرك و القوة في ذي القوة و الادراك في ذي الادراك و الطعم في ذي الطعم و الحيوة في الحي و الصوت في الصاۤئت و منه و ما اشبه ذلك و في الاختصاص عن سماعة قال كنت عند ابي‌عبداللّه عليه السلام فارعدت السماۤء و ابرقت فقال ابوعبداللّه عليه السلام اما انه ما كان من امر هذا الرعد و من هذا البرق فانه من امر صاحبكم فقلنا من صاحبنا قال اميرالمؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه ه‍ ، اقول و قد اشرنا فيما تقدم و دلّت عليه احاديثهم انهم يظهرون في الصور كيف ما شاۤؤا و هذا الظهور في كلّ شي‌ء لكلِّ شي‌ء ففي العرش كونهم محدقين به ظهورهم فيه باشباحِهِم و بايجاداتهم و تأثيراتهم باللّهِ و بايجادِ اللّه و صنعه لما صنع بهم من خلقٍ و رزقٍ و حيوة و ممات فافهم ،
و اما كونهم انواراً فهو معلوم و قد تقدم بعض الاشارة الي ذلك و ملخّص البيان انّ المراد بالانوار الانوار الوجوديّة يعني ان اللّه سبحانه خلقهم من النور لم‌يكن فيهم شي‌ء من الماهيّة و الانيّة الا ما يقوّم به الوجود تقوّم الظهور في اصل وجودهم و كذا في وجوداتهم الشرعية فهم انوار لا ظلمة فيهم لا في اكوانهم الوُجودية و لا في اكوانهم الشرعيّة لانّ الاكوان مطلقاً لاتتقوّم الّا بمقوّمٍ من الاعيان لانّ ظهورها يتوقّف علي شي‌ء من الانيّة تتخصَّصُ به و هذا الشي‌ء المقوِّم بكسر الواو و ان كان ظلمة في حقيقته الّا انه بالنسبة الي نورية ذلك الكون و قوته و سعته يكاد ذلك المقوِّم بكسر الواو يضمحلّ و يفني في نفسه و امّا في حكمه فليس له ذكرٌ و لا اعتبار له لفناۤئه و استيلاۤء الانوار العظيمة عليه فلايكون نور في الامكان اخلص في النوريّة من جميع الشّواۤئب و النقاۤئص منهم بعد المشيّة فلذا قال عليه السلام خلقهم اللّه انواراً فافهم ما اشرنا اليه و محدقين اي مطيفين يعني محيطين بالعرش اما بمعني انهم مكتوبون علي كل جهةٍ من جهات العرش بحيث يصدق عليهم انهم محيطون به حقيقةً بالاجتماع او التفريق و امّا بمعني انّ كل واحد علي الانفراد حامل للعرش و امّا بمعني استنارته بانوارهم او بمعني انّهم المظهرون لما اودع اللّه فيه لانّه خزانة الفيض و هم الخزنة و الحفظة و هم المفاتيح او انّهم الخازنون باذن اللّه تعالي فيه او عندهم لما ظهر به من صفة رحمانيته فيه و من اثرها الذي به قام كل شي‌ء او بمعني انّهم مستفيضون من علمه مما ظهر به فيه قال الشارح (ره‌) او طاۤئفين بالعرش الصوري في الاجساد المثالية كالطواف بالبيت انتهي ، اقول يجوز ان يكون بمعني طوافهم بالعرش المعنوي العقلي علي المعاني التي ذكرناها كلها و بالعرش الروحي و النفسي و الطبيعي و الهيولاني و المثالي و الجسمي و الجسماني و في كلها علي المعاني المذكورة كلها الّا ان الطواف في المعنوي معنوي و في الصوري صوري و هكذا كل شي‌ء بحسبه لان التحصيل من شي‌ء و الحفظ له و الفتح لخزاۤئنه و خزن نفاۤئسه فيه و الحمل له و الانفاق علي الغير مما خزن فيه و ما اشبه ذلك طواف به و كذا اذا كان المراد بالعرش قلبهم او ذاتهم او ذاتياتهم اوْ ظاهرهم او افعالهم و تخصيص طوافهم بالعرش الصوري و في الاجساد المثالية غفلة او قصورٌ في معرفتهم .
قال عليه السلام : حتي مَنّ علينا بكم ،
قال الشارح (ره‌) بان جعلكم ائِمتَنٰا . اقول قد ثبت انهم النعمة الكبري و آلاۤء اللّه العظمي علي كلّ من سواهم في كل مقام و لمّا خلقهم اللّه سبحانه في التعين الاوّل حيث احبّ ان يعرف بان يعرفوه بما عرّفهم من نفسه و ان يعرفه من سواهم بهم و بسبيل معرفتهم جرت حكمته علي ان خلق ما شاۤء من خلقه علي ما هم عليه فخلقهم ليس معهم شي‌ء من الخلق فبقوا يوحّدونه الف دهر قبل ان يخلق شيئاً غيرهم و في رواية الف‌الفِ دهرٍ و هم اذ ذاك يوحّدونه و يعبدونه بتوحيده صاعدين و يعبدونه و يوحدونه بعبادته نازلين الي ان خلق لهم اهل محبّته و طاعته من الانبياۤء و المرسلين و اتباعهم من المؤمنين و من الصاۤفّين المسبحين بصناۤئِعه و افعاله من الملاۤئكة الحاۤفين حول عرشه و مَنْ منهم علي ارجاۤء سمواته و ارضيه و ساۤئر خلقه فاشهدهم امر مَنْ خلقَهُمْ لِاَجْلهم و اَنهَي اليهم العلم بهم و جعلهم الهداة لهم الي ما فيه نجاتهم و اَعْضَادُهُمْ الي كلّ خَيْرٍ مِنْ سَعٰادَةِ الدّنيا و الٰاخرة بحيث لايسعد من سعِد الّا بهِمْ و لايشقي من شقي الّا بمخالفتهم و ترك متابعتهم فبفضل وجودهم اوجد اللّه من سواهم و بفاضل عقلهم عقلوا و بهداهم اهتدوا و بمتابعتهم نجوا من الهلكات و بهم يرزقون و بهم تقبل اعمالهم و يدفع عنهم ما يكرهون من البلايا الّتي استحقّوها باعمالهم فهم اصل كل خير و بهم يدفع كل شرّ فلا منّةَ اعظم من منّةِ اللّه تعالي بهم علي عباده المؤمنين فقول الشارح (ره‌) بان جعلكم ائمّتنا يمكن ان يراد منه كلّما اشرنا اليه فان اراد ذلك فبها و الّا فقد ذكرنا لك فيما اشرنا اليه اصول المنن الّذين تنزّلوا بها لاصلاحِ انعامهم في دار التكليف و ليستعدّوا فيها بالزاد المبلّغ الي دار الجزاۤء و المعاد الي ان يستقرّ كلّ شي‌ء في دارِ قراره التي لايظعن عنها و هو تأويل قوله تعالي و اللّه جعل لكم من بيوتكم سكناً و جعل لكم من جلود الانعام بيوتاً تستخفّونها يوم ظعنكم و يوم اقامتكم و من اصوافها و اوبارها و اشعارها اثاثاً و متاعاً الي حين و كذلك اذا استقر الفريقان المؤمنون في الجنّة و الكافرون في النارِ قدّروا لاهل الدارين مقتضي اعمالهم من ثمار امثالهم ممّا لايتناهي من فيض الفضل و قدر العَدْلِ فقد منّ اللّه علينا بهم من اوّل ذكرِنا الذي لا نهاية له الي آخر ذكرنا التي لا غاية له فافهم .
قال عليه السلام : فجعلكم في بيوتٍ اذن اللّهُ ان ترفع و يذكر فيها اسمه ،
قال الشارح (ره‌) اشارة الي ان هذه الٰايات التي بعد آية النور وردت فيهم كما ان الٰايات التي بعدها وردت في اعداۤئهم كما ورد في الاخبار المتكثرة و المراد بالبيوت البيوت المعنويّة التي هي بيوت العلم و الحكمة و غيرهما من الكمالات و الذكر فيها كناية عن الاستفاضة منهم او الصوريّة التي هي بيوت النبي صلي اللّه عليه و آله و الائمة عليهم السلام في الحيوة و مشاهدهم بعد الوفاة انتهي .
اقول يجوز ان تكون المراد انّ تلك الانوار التي كانت محدقة بعرشه انزلها في هذه الاجساد الشريفة و هي بيوت تلك الانوار و مخازنها التي اذن ان يرفع شأنها و يعلّي قدرُهَا علي ما سواها بما حلّ فيها من تلك الانوار و انّما كانت الاجساد بيوتاً لانّها مَساكنُ تلك الانوار كلّ نور في مخزنٍ فالنور العقلي في الدماغ و هو رأس القلب و مَساكن احساسه و النور النفسي في الصّدر اي صدر القلب و وجهه الخيال و النّور الروحي بين الصدر و الدماغ في الهواۤء الذي بينهما و النور الطّبيعي تحت الصدر في الدخان الحامل للروح الحيواني و النور المادّي في الدم الاصفر في الجانب الايسر من القلب الصنوبري و تلك الانوار هي النجوم المذكورة في قوله تعالي فلااقسم بمواقع النجوم و هذه البيوت هي مواقعها يعني انّها تتعلق بتلك الاجساد و يجوز ان يكون المراد بالبيوت هي تلك الانوار و معني جعلها في بيوتٍ جعلها بيوتاً و هو كناية عن تنزّلها و جمودها و ظهورها كما تقول نزل المطر في الثلج اي جمد فكان ثلجاً و يشير الي هذا المعني ما رواه في الكافي عن الصادق عليه السلام و قد تقدّم و هو في قوله وصل اللّه طاعة ولي امره بطاعة رسوله و طاعة رسوله بطاعته فمن ترك طاعة ولاة الامر لم‌يطع اللّه و لا رسوله و هو الاقرار بما انزل من عند اللّه خذوا زينتكم عند كل مسجد و التمسوا البيوت التي اذن اللّه ان ترفع و يذكرَ فيها اسمه فانه قد خبّركم انهم رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و اقام الصلوة و ايتاۤء الزكوة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب و الابصار الحديث ، فانه قال عليه السلام و التمسوا البيوت يعني بها البيُوت المذكورة في الٰاية و في هذه الزيارة ثم قال فانه يعني اللّه تعالي قد خبّركم انهم رجال الاۤية و هذا صريح في المدّعي لمن وَعَي و هذا علي قراۤءة من لم‌يقف علي اسمه و قرأ يسبّح بالبناء للمفعول و وقف علي الٰاصال و يبتدئ بقوله رجال اي هم رجال فاخبر الصادق عليه السلام ان رجال خبر و ان المبتدأ الذي هو هم يعود اي البيوت لانه عليه السلام قال التمسوا البيوت التي اذن اللّه ان ترفع و يذكر فيها اسمه ثم قال عليه السلام فانه يعني اللّه تعالي قد خبّركم انهم يعني البيوت رجال و هذا ظاهر صريح صحيح فانه كثير الاستعمال في القرءان و في كلام سادات الزمان عليهم السلام مثل و أتوا البيوت من ابوابها و مثل قوله تعالي و تلك القري اهلكناهم لمّا ظلموا فقد سمّي الرجال قري و سماهم بيوتاً و سمّاهم ابواباً و مثل ذلك قوله تعالي ان اوّل بيت وضع للناس اي اوّل امامٍ وضع حجةً و اماماً للناس لَلامام الذي وضع اي وُلِد ببكة اي وضعته امه في وسط الكعبة و هو علي بن ابي‌طالب اميرالمؤمنين و سيد الوصيّين صلوات اللّه عليه لانه اوّل خليفةٍ نُصِبَ اماماً و هادياً للناس بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فابانَه عمّن يلتبس به عند الجهّال بقوله تعالي للّذي ببكة اي وضع ببكة مباركاً له في ذرّيته الطيبين عليهم السلام و هديً للعالمين كما قال تعالي انما انت منذر و لكل قوم هاد ، فيه آيات بيّنات اي فيه الائمة الاطهار عليهم السلام آيات بيّناتٌ و هو قوله تعالي سنريهم آياتنا في الٰافاق و في انفسهم قال الصادق عليه السلام و قد تقدّم مكرراً قال عليه السلام فايّ آية في الٰافاق غيرنا اراها اللّه اهل الٰافاق و قال عليه السلام و قال و مانريهم من آية الّا هي اكبر من اختها فاي آية اكبر منا الحديث ، فهذا من معني بيّنات و قوله مقام ابراهيم هو قول اللّه عز و جل حكاية عن دعوته و اجعل لي لسان صدقٍ في الٰاخرين و هم الائمة عليهم السلام و قوله تعالي و جعلها اي ابراهيم كلمة باقية في عقبه و هم الدعوة و الكلمة الباقية في عقبه الي يوم القيمة و في الكافي عن الباقر عليه السلام ان قتادة قال له واللّه لقد جلستُ بين يدي الفقهاۤء و قدامهم فمااضطرب قلبي قدّام واحدٍ منهم ما اضطرب قدّامك فقال له اتدري اين انت انتَ بين يدي بيوت اذن اللّه ان ترفع الخ الٰاية ، فانت ثَمّتَ و نحن اولٰۤئك فقال له قتادة صدقتَ واللّهِ جعلني اللّه فداۤءك واللّه ما هي بيوت حجارة و لا طين اقول و قد تقدم ان البُيوت تطلق عليهم و علي ولايتهم و يجوز ان يكون المراد بالبيوت المساكن الظاهرة و المشاهد المنوّرة كما ذكره الشارح (ره‌) و يدل عليه ما رواه القمي عن الباقر عليه السلام هي بيوت الانبياۤء و بيت علي (ع‌) منها و روي من افاضِلها و عنه عليه السلام هي بيوتات الانبياۤء و الرسل و الحكماۤء و ائمة الهدي رواه في اكمال‌الدين و في الكافي عن الصادق عليه السلام هي بيوت النبي صلي اللّه عليه و آله ، و قوله (ع‌) اذن اللّه ان ترفع يراد بالاذن المعني الظاهري و هو الامر يعني امر اللّه برفع شأنها و تعظيمها و بناۤئها و المراد بالبناۤء عمارتها لا رفع بنيانها و تعليته في الصورة اذ لا فائدة فيه الّا اذا اقتضي الحال توقّف التعظيم عليه فانه يدخل في الامر به هذا اذا اريد بها المساكن الظاهرة و المشاهد المنوّرة و لو اريد بها انوارهم و حقاۤئقهم كما تقدم او اجسامهم كذلك كان الامر بتعظيمها و رفع شأنها واجباً في الحكمة فهو اولي لانه هو المقصود بالذات و اما تعظيم المشاهد و المساكن فانّما هي بالعرض و اذا اريد بالاذن المعني الباطني فهو القدر و القضاۤء و الحكم اي ايجاد ذلك في اللوح المحفوظ و الرخصَة لذلك في ظهوره في الاكوان و الاعيان الوجودية و في الاكوان و الاعيان الشرعية سواۤء اريد بالبيوت الحقاۤئق ام الانوار ام الاجسام ام البيوت التي هي المساكن الظاهرة و المشاهد المنوّرة فانه سبحانه قد قدر و قضي و امضي ما حكم و حتم بما سمعتَ منها و رأيتَ و ما لم‌تسمع و لم‌تر حتي كان من ذلك ما نصّ تعالي علي تكوينه و كونه في محتوم حكمه مما كان و ما يكون في قوله تعالي يريدون ليطفئوا نور اللّه بافواههم و اللّه متم نوره و لو كره الكافرون هو الذي ارسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون و هو قوله الحق الكاۤئن الذي لا مردّ له من اللّه ،
و قوله عليه السلام و يذكر فيها اسمه اقتباس من الٰاية و بيان للمراد منها و المراد من الذكر الفعل و التلقّي و القول و العمل بالجنان و اللسان و الاركان و المراد من الاسم صفة مستحق التسبيح و التقديس و التحميد و التهليل و التكبير و ما اشبه ذلك من الدال علي الاسم و الصفة كسبحن اللّه و سبحن رب السموات و الارض سواۤء كان باللسان في المقال ام بالطبيعة في الحال ام بالجنان في الاعتقادات و المراقبات و التلقيات ام بالاركان في الاعمال فكل واحدٍ من الذكر و الاسم منه تمكين و تمكّن و ايجادٌ و شرعٌ وجودي و وجود كوني فعلي و انفعالي و حكم في قدرٍ و قضاۤءٍ و امضاء و عمل و قول و حال و وجود شرعي فعلي و انفعالي و حكم تكليفي و حكم في قدر و قضاۤء و امضاۤء و عمل و قول و حال و كلّ واحدٍ من الشرع الوجودي و من الوجود الكوني و من الوجود الشرعي و الحكم التكليفي تجري فيه الحكمة و العناية الالهية علي جهتين احديهما انه يأمر و يريد الامر به و وقوع متعلقه و هو واقع كاۤئن و كذا نهي و يريد النهي عنه و عدم وقوع متعلّقه و هو ايضاً غير واقع و ثانيتهما انه يأمر و يريد الامر به و لايريد وقوع متعلقه و هو غير واقع و ينتهي و يريد النهي عنه و لايريد عدمَ وقوعِ متعلّقِه۪ و هو واقع و هذان الحكمان لمشيته و ارادته في امره و نَهْيِه۪ جاريَان في الكون الوجودي و شرعه و في الكون الشرعي و وجوده في المراتب السبعة باعتبار متعلقاتها المشية و الارادة و القدر و القضاۤء و الاذن و الاجل و الكتاب فالتمكين لطف الفاعل و هو عرشه الذي يظهر عليه بالعلّة الفاعلية و هو استواۤؤُه عليه و التمكن قدرة القابل و هي كرسيّه و ظاهر علمه تعالي و هو الذي وسع ذلك العرش و اليه الاشارة بما رواه في التوحيد عن زرارة قال سألت اباعبداللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل وسع كرسيّه السموات و الارض السموات و الارض وسعن الكرسي ام الكرسي وسع السموات و الارض فقال بل الكرسي وسع السموات و الارض و العرش و كل شي‌ء في الكرسي ه‍ ، و الايجاد هو العلّة الفاعلية و هو فعله تعالي قال علي عليه السلام في خطبته المعروفة باليتيْمة علّةُ ما صنع صُنْعهُ و هو لا علّة له و الوجود الكوني فعل و هو ماۤدة الموجود و انفعال و هو صورة الموجود فالوجود هو المادة و الماهية هي الصورة فالماۤدة من التمكين و الصورة من التمكن فالفعل هو العلة المادّية و هو المقبول و الانفعال هو العلّة الصوريّة و هو القابل و الحكم في الكاۤئن منها في خلقه الثاني سواۤء طابقت الارادة الرضا ام خالفت في قدر و قضاۤء و امضاۤء و اذن و اجل و كتاب و العمل من الفاعل تمكين و صنع و قول و من المفعول تمكن و قول و قبول و القول من الفاعل سؤال و صنع و عمل و من المفعول جواب و فعل و امتثال و الحال من الفاعل وقوع فعله و تعلّقه بمفعوله و من المفعول تعلق الاطوار باَوْطارِهَا و الوجود الشرعي فعل و هو الامر و النهي الذاتيّانِ و العرضيّان و ذلك ماۤدة الثواب و العقاب و توابعهما في التتميم و التكميل و انفعال و هو القبول و الامتثال و العمل المطابق للامر و النهي او عدم القبول و عدم الامتثال و العمل المخالف للامر و النهي و ذلك صورة الثواب و العقاب و توابعهما في التتميم و التكميل و له تمكين و تمكّن و ايجاد كما في الوجود الكوني قال تعالي فمن يرد اللّه ان يهديه يشرح صدره للاسلام و من يرد ان يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنما يصّعّدُ في السماۤء كذلك يجعل اللّه الرجس علي الّذين لايؤمنون و هذا صراط ربّك مستقيماً يخلق بالعمل الموافق لامره و نهيه الثواب علي صورة ذلك العمل و يخلق بالعمل المخالف لامره و نهيه العقاب علي صورة ذلك العمل و هذا صراطه المستقيم و لايظلم ربك احداً و قالوا قلوبنا غلف بل طبع اللّه عليها بكفرهم و الحكم التكليفي الذي هو مادة الثواب مع الموافقة و العقاب مع المخالفة امر و نهي ذاتيان لوجود الغاية التي لاجلها جري التكليف في كل فرد من افرادهما و عرضيّان قسمان ما كان متمّماً فكالذاتيّين الّا انه تابع فهو عارض و ما كان مكمِلاً فقد توجد الغاية في بعض افراده و قد لاتوجد و هو قسمان احدهما ما شُرِعَ لوجودها في بعض افراده و هو الموظف المستدرك عند فواته الّا اِذَا كَان للوقتِ و قد خرج و ثانيهما ما شرع لمحض التكميل و ليس من حقه الاستدرَاك لانه و ان وجد في بعض افراده تلك الغاية علي جهة الاتفاق او لانه من مكمّلات القابل لها فقد يكون له مدخل في ذلك في الجملة الّا انه ليس بمراد علي جهة الطلب و اما الاباحة فما كان منها فيه الرخصة باصل الخلق للامتنان و مصالح النظام فعمل العامل به للرخصة لاحق بعمله بالامر العرضي و التارك للاحتياط كذلك و عمله و تركه للاهمال لاحق بالنهي العرضي و ذلك لان احكامها معلومة في الكتاب الحفيظ و انّما دخلت في الاباحة لان الناس في سعةٍ ما لم‌يعلموا و ليس علي العباد ان يعلموا حتي يعلّمهم اللّه فلاتظهر احكامها الّا بعد التكليف لا انّها لا حكم لها اصلاً كما قد يتوهم من انها خلقت هكذا مهملة ثم حدّدت بالاحكام بل كانت الاحكام في الاسباب و العلل و الكليّات قبل قوابلها الجزئية و ظهرت الاحكام الخاۤصة في الوجود مع متعلّقاتها و قوابلها علي جهة التساوق و التّضايف و ما كان منها فيه الرخصة بتَسْوية الشّارع فالعملُ بهِ و الترك له مع العلم بالتسوية لاحق بالامر العرضي و ليس لهذا حكم في اللّوح الحفيظ غير هذه التسوية في هذا الوقت و يجوز تبدّله باختلاف الوقت او الموضوع و الحكم الالهي في الكاۤئن منها في خلقه الثاني سواۤء طابقت الارادةُ الرضا ام خالفت في قدرٍ و قضاۤء و امضاء و اذن و اجل و كتاب كما في الوجود الكوني لانه وجود مثل هذا الوجود ففي هذا اولي و الاولوية في الشدّة و الضعف و العمل من الفاعل تمكين و صنع و امر و نهي و من المفعول تمكّن و امتثال وَ دُعاۤء و القول من الفاعل دعوة و صنع و امر و نهي و من المفعول استجابة و امتثال و عمل و فعل و الحال من الفاعل وقوع تكليفه و تعلّقه بالمكلّف و من المفعول عمل معنوي و قول وصفي و هو مطابقة صفات الاطوار للاوطار و الحاصل ان الوجود الشرعي كالوجود الكوني و ان اختلفت العبارة في بعض المواضع ففي الحقيقة المراد واحد الّا ان الوجود الكوني في الحقيقة كالوجود الشرعي لان الاصل و العلّة و الباطن و اللّبّ و العلّة الماديّة و العلة الصوريّة و العلة الغاۤئيّة بل و العلّة الفاعلية باعتبار توسّط الشرعي بين الفاعل و بين الكوني هو الوجود الشرعي و اما الوجود الكوني هو الفرع و المعلول و الظاهر و القشر فكلّ هذه المراتب في الحقّ ذكر اللّه تعالي علي اختلافها فيذكرون بهذه المراتب اسم اللّه سبحانه في تلْك البيوت باسماۤئه التي هي وجوه هذه المراتب المذكورة و معني آخر هذه الامور المذكورة هي اسماۤؤه تعالي التي يذكرونه بها في البيوت الّتي هي مواقع هذه الامور المذكورة و التي هي مَأٰخذها و التي هي اظلّتها و التي هي حقاۤئقها و التي هي مشارقها و التي هي مغاربها و التي هي تطوّرُهَا اولم‌يروا الي ما خلق اللّه من شي‌ء يتفيؤا ظلاله عن اليمين و الشماۤئل سجّداً للّهِ و هم داخرون و معني آخَرُ انّ هذه الامور المذكورة بجميع السنتِها تسبّح اللّه تعالي و تذكر اسمه الذي هو الثناۤء عليهم بنشر فضاۤئلهم و بثّ ممادحهم صلوات اللّه عليهم في بيوت هي ما اشرنا اليه و هي ولايتهم و هي آثار رحمة اللّه الّتي هي ذواتهم و هي هذه الامور ذواتها و احوالها فالتمكين اسم للّه تعالي و التمكن اسم للّه تعالي و الاثنان اسم واحد له تعالي و الايجاد اسم واحد له تعالي و الثلاثة التمكين و التمكن و الايجاد اسم واحد له تعالي و هكذا كل واحد من هذه الامور المذكورة اسم و الكل اسم و بعضها اسم و كل واحد منها ذكر و الاثنان ذِكْرٌ للّٰهِ واحد و الكل ذكر واحد و البعض ذكر واحد و كلها و كل واحد منها ذاكر و مذكور به و مذكور فيه .
قال عليه السلام : و جعل صلواتنا عليكم و ما خصّنا به من ولايتكم طيباً لخلقِنا و طهارةً لانفسِنا و تزكيةً لنا و كفارةً لذنوبنا
قال الشارح (ره‌) و جعل عطف علي اذن بالخبرية او الانشائية الدعاۤئيّة و لا بأس به لكونه بصورتها كما في قوله تعالي حسبنا اللّه و نعم الوكيل ، صلواتنا عليكم و ما خصّنا به من ولايتكم طيباً مفعول ثانٍ لجعل لخُلقنا بالضّم اي جعلكم اللّه في بيوت تصير الصلوة فيها و اظهار الولاية سبباً لكرامة اللّه علينا بالاخلاق الحسنة او يكون عطفاً علي منَّ و هو اظهر و طهارة لانفسنا مِنَ الرذاۤئل كما حلّانا بالفضاۤئِل و تزكيةً لنا من الاعمال القبيحة او في القِيمة انتهي .
اقول يجوز اَنْ يُرَاد بالصَّلوات المجعولة عليهم قولنا اللهم صل علي محمد و آل‌محمد ظاهراً بان نسئل اللّه تعالي لهم ان يرحمهم و ان يرحم بهم و ان يصلهم برحمته و ان يمدّهم بمدده الذي استوي به عَلَي عرشه لجميع خلقه بهم من جميع رحمانيّته التي غيّبتِ العرش بظهوره بها عليه و باطِناً بان يكون نريد من قولنا اللهم صل علي محمد و آل‌محمد هو انا نسئلُكَ يا ربّنا الصلوة عليهم اجابة لما اخذتَ علينا من العهد المؤكد لهم بان نعبدَك بحبّهم و بالقيام بحدود فروعهم و اوامرهم و نواهيهم بالتي ندبتهم بها الينا وَ نَدبْتنا الي اجابتهم في دَعْوتهم اليك في كلّ ما دلّوا عليه كما اشار اليه موسي بن جعفر عليهما السلام قال قال الصادق عليه السلام من صلّي علي النبي و آله فمعناه اني انا علي الميثاقِ و الوفاۤء الذي قبلتُ حين قوله الستُ بربّكم ه‍ ، رواه في مختصر بصاۤئر سعد الاشعري و ظاهر هذا الوجه هو المراد من قوله عليه السلام هنا ظاهراً و ما ذكره الشارح (ره‌) ليس مراداً ظاهراً لانّه لايتّجه الّا علي معني لايريده (ره‌) و سنذكره ان شاء اللّه تعالي و امّا باطن هذا الوجه كما دَلَّ عليه هذا الحديث الشريف فهو مرادٌ له عليه السلام قطعاً بل حقيقة الارادة له و اما ظاهرهُ الذي قلنا انه المراد ظاهراً فانّما كان مراداً له عليه السلام ظاهراً لانه جزئيٌّ لهذا الباطن او جزءٌ لانّ معني هذا الباطن تعاهُدٌ منّا لما اخذ علينا من الميثاق لهم بالقيام بجميع التكاليف التي هي صُوَرُ ولايتهم و هياكلها و اداۤء منّا لتلك الامانة فقولنا اللّهم صل علي محمد و آل‌محمد من ذلك و الطهارة من الحدث الاصغر و الاكبر الظاهرين و الباطنين من ذلك و الطهارة الترابية ايضاً من ذلك في مواضعها المشروعية و الصلوة بجميع اصنافها ظاهرة و باطنة من ذلك و الزكوة ظاهرة و باطنة من ذلك و الصيام ظاهراً و باطناً من ذلك و الحج و الجهاد و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و احكام اللّه في جميع ابواب الشريعة من ذلك و آداب اللّه في جميع فراۤئضه و سننه و ما دَعا اليه من معرفته بصفاته التي وصف بها نفسه لعباده و معرفة انبياۤئه و رسله و حججه و كتبه و ملاۤئكته و آياته و امثاله و النظر في عجاۤئب مصنوعاته في الٰافاق و في الانفس بل جميع ما للّهِ فيه رضاً من اعتقاد و اجتهاد و عملٍ و قولٍ و حال و فعل من احوال الدنيا و الٰاخرة من ذلك و امّا انّ جعل صلواتنا عليهم بمعني ان اللّه جعلهم في بيوت تصير الصلوة فيها و اظهار الولاية سبباً للكرامة من اللّه الخ فمِمّا لا معني له الّا علي تأويلٍ بعيد و وقوع مثل هذا المعني من مثل الشارح مستغرب نعم لو ارادَ جَعلهم في مقاماتٍ لِلّهِ بان جعلهم اركاناً لمقاماته تعالي و كون الصلوة فيها عبارة عن توجّهنا الي تلك المقامات في جميع احوال عباداتنا و معارفنا و دعاۤئنا ليكون المعني انّهم ذلك الوجه الذي يتوجّه اليه الاولياۤء في كل حال من الطاعات و اظهار الولاية لهم من المحبّة لهم و الاقتداۤء بهم و الرد اليهم و التسليم لهم و البراۤءة من اعداۤئهم سبباً لكرامة اللّه كان معنيً صحيحاً الّا انه لايريده بوجهٍ و هنا معني آخر انّ الصّلوات يجوز ان يراد بها الصلوات اليومية و كونها عليهم بمعني انّها لَهُمْ فانّ الصلوة و ان رجّحنا ثبوت الحقيقة الشرعية علي مصطلح اهل الاصول كما هو الحق في المسئلة لكنا قد قرّرنا هناك انّها قد نقلها الشارع من اللغة عن معناها اللغوي المعروف و استعملها بوضع جديدٍ و انما اخذ هذا اللفظ نقلاً من اللغة و استعمله في مراده بعد ان هجر المعني الاوّل ليكون ادلّ علي فهم مراده مما لو وضع لفظاً لم‌يعرفوه في لغتهم و اقرب تناولاً لهم و آنَسَ لهم باستعمال لغتهم في لغته و ابلغَ استمالةً لقلوبهم و اشرنا الي ان هذا تحقيق هذه المسئلة في الظاهر و امّا في الحقيقة قلنا فيه سر عجيب لايعرفه الّا من لطف حسُّه و كشف عن عين بصيرته الغطاۤء و الاشارة اليه ان الواضع واحد و هو اللّه تعالي علي الصحيح و هو الذي وضع الالفاظ الشرعية و اللغوية فوضع لفظ الصلوة علي ذات الاركان المخصوصة و علي الدعاۤء من باب التشكيك و قلنا بعد ذلك و لنقبض العنان فللحيطان آذان و تعيها اذن واعية و انما قلنا هناك هذا الكلام لانه من العلوم الظاهرة و نحن في هذا الشرح لم‌نسلك فيه الّا كشف الاسرار لانه هو المطلوب منا في هذا الشرح فنقول مرادنا هناك ان لفظ الصلوة وضع علي ذات الاركان المعلومة لانّها في الحقيقة دعاۤء و صلوة و علي الدعاۤء المعروف لانّه صلوة و لكن تحقق الدعاۤء في الصلوة التي هي صورة الولاية باطن و عاۤم في ذات الاركان و تحقق الصلوة في الدعاۤء المعروف باطن و خاۤص يعني ان معني الدعاۤء في ذات الاركان باطن عام كمعني ذات الاركان في الدعاۤء المعروف الّا انّه خاۤص فكان المعني من مدلول لفظ الصلوة يوجد في ذات الاركان قوياً شاملاً لكل خير و كل مطلب و في الدعاۤء ضعيفاً خاۤصّاً ببعض الخير و المطلب فلِذا كان الوضع فيهما من باب المشكِّك و قد قلنا ايضاً انّ معني صلّي معدّيً بعلي هو معني دعا معدّي باللّام لدفع اعتراض مشهور فاذا عرفتَ هذا فلك ان تجعل قوله (ع‌) و جعل صلواتنا عليكم اي الصلوة اليومية عليكم اي دعاۤءنا لكم فانّها باللّسان و الاركان و الجنان لانها طلب من اللّه بكلّ مشعرٍ و جارحةٍ و حركة و سكونٍ و هيئة كل نوعٍ و صنفٍ من انواع المدد و صنفِه و انّما كانت الصلوة اليوميّة و ساۤئر الصلوات الواجبات و المندوبات مجعولةً عليهم صلوات اللّه عليهم لانّها في الحقيقةِ صورةُ ولايتهِم و حكايةُ مَدْحِهمْ و ذكْرُ ثَنٰاۤئِهِمْ فمعني عليهم لهم او الصلوة عليهم بمعني الدعاۤء لهم و معني لهم ما قلنا انها صورةُ ولايتهم و حكاية مدحهم و ذكر ثناۤئِهِمْ او انها من فروعهم او ان اللّه تعالي تعبّد عباده بطاعتهم و طاعتهم عبارة عن امتثال الخلق اوامر اللّه و الاخلاص في عبادته تعالي كما امر سبحانه و معني كون ذلك هو طاعتهم انهم للّه سبحانه وحده فطاعتهم طاعته و عبادته و انّما لم‌نقل انّ عبادتهم عبادته لان عبادتهم ان كانت عبارة عن عبادته تعالي وحده لا شريك له فهي عبادته لانهم ينطقون عن اللّه و من استمع الي ناطق فقد عَبده فان كان الناطق ينطق عن اللّه فقد عبد اللّه الحديث ، و ان اعتبر كونهم فيها معه او كون العبادة لهم بمعني انها ليست له كان شركاً او كفراً و كان ذلك معصيتهم لان العبادة لاتكون طاعة للّه تعالي و لاتكون تلك العبادة طاعتهم حتي تقع للّه وحده لا شريك له علي الوجه الذي اسّسُوه كما تقدم من كونهم اسماۤءه التي يدعي بها و وجهه الّذي يتوجه اليه من قصده سبحانه و بابه الذي يؤتي منه و دليلهم اليه و شرط قبوله للاعمال من العباد فعبادة الخلق للّه سبحانه التي يقبلها و امرهم بها هي وقوعها علي الوجه الذي اسّسوه فاذا كانت كذلك خالصة للّه سبحانه وحده لا شريك له صح كونها عبادة اللّه حقاً و صح كونها طاعتهم لان اللّه سبحانه خلقهم له لا لانفسهم و لا لغيره و هذه الوجوه التي فسّرنا بها معني لهم مجملة و تفصيلها ان اللّه سبحانه منزّه عن كل ما سواه من كل شي‌ء ثم انه اصطفي مما خلق صَفوة ليس في جميع خلقه ما يساويهم عنده و لايدانيهم ليعرفوه بما عرّفهم من انفسهم و خلق لهم خلقه ليمدّهم من ثمرات اعمالهم من خيراتٍ وصفهم بها قال تعالي و جعل افئدة من الناس تهوي اليهم و قال تعالي اليه يصعد الكلم الطيب اي اليهم و لهم كما قال تعالي الطيبات للطيبين و من شرورٍ وصف بها اعداۤءهم و بَرَأهم منها قال تعالي و الخبيثاتُ للخبيثين ثم قال اولۤئك اي الطيبون مبرّءون ممّا يقولون و معني اليه يصعد الكلم الطيب انه الي اولياۤئه لانّ الحوادث لاتداني الازل سبحانه فاذا كانت الصلوات كما سمعت زكت و طابت و كانت طيباً لخلق العاملين لَه و طهارة لانفسهم الخ ، و قول الشارح (ره‌) بالضم خلاف المعروف و خلاف ما في النسخ المشهورة بل لم‌اقف في شي‌ء من النسخ الصحيحة مما وقفت عليه علي الضم و لم‌اسمع من احدٍ ذلك و ان كان يجوز وقوعه و لم‌اقف عليه و معناه ايضاً يجوز و لكن المعروف المشهور في النسخ الذي يقبله العقل السليم و الطبع المستقيم هو الفتح هنا و المراد به طيباً لمَوْلِدنا لانّ غير شيعتهم لم‌تطب مواليدهم كما نطقت به اخبارهم فاذا تألّفت البنية من الطينة الطيّبة التي قبلت ولايتهم و الماۤء العذب الذي هو الماۤء الثجاج النازل منهم علي هيئة ولايتهم و صورة صفتهم طاب خلقهم بالفتح و اذا طاب خلقهم بالفتح طاب خلقهم بالضم لانه صفة البنية و لمّا اخذ علي الخلق الميثاق بالطاعة لهم عليهم السلام و الردّ اليهم و التسليم لهم في كل شي‌ء و كان الخلق كلهم متساوين في رتبة القبول و عدمه كان الناس امّة واحدة كان مَن قبل طيّب المعدن و العنصر لانّ قبوله صلاته عليهم بكلِّ معني فجعل اللّه سبحانه تلك الصلوات عليهم و قبول ولايتهم سبباً لطيب مولدهم و طينتهم و خلقهم بالضمِّ و طهارة لانفُسِهم لطيب الماۤء الذي خمّرت به طينتهم و هو ماۤء ولاية ائمتهم عليهم السلام و تزكية لهم لانهم بانقيادهم و التسليم لائمتهم عليهم السلام قبلت اعمالهم علي ما هم عليه من المعاصي و الذنوب بمجرد عملهم ببعض الطاعات لايمانهم بالحق و اهله و براۤءتهم من الباطل و اهله و تلك التزكية من قوله تعالي فمن يعمل من الصالحات و هو مؤمن فلا كفران لسعيه و انّا له كاتبون و قوله تعالي الّا من تاب و عمل صالحاً فاولئك يبدّل سيّئاتهم حسنات و قوله تعالي انّ عبادي ليس لك عليهم سلطان الّا من اتبعك من الغاوين ، و روي زكريا ابن آدم قال دخلتُ علي ابي‌الحسن الرضا عليه السلام فقال يا زكرياۤء بن آدم شيعة علي رفع عنهم القلم قلتُ جعلت فداۤءك فمن اي العلّةِ في ذلك قال انّهم اخّروا الي دولة الباطل يخافون علي انفسهم و اموالهم و يحذرون علي امامهم يا زكرياۤء بن آدم ما احد من شيعة علي اصبح صبحةً اتي بسيئة و ارتكب ذنباً الّا امسي و قد ناله غم حطّ عنه سيئتَهُ فكيف يجري عليهم القلم رواه ابراهيم ابن سليمن القطيفي في رسالته في الفرقة الناجية و فيها عن فرات بن احنف قال كنت عند ابي‌عبداللّه عليه السلام اذ دخل رجل من هؤلاۤء الملاعين فقال واللّه لاَسُوءنّه في شيعته فقال يا اباعبداللّه اقبل اليّ فلم‌يُقبِل و اعاد عليه فلم‌يقبل فاعاد الثالثة فقال ها انذا مقبل فقل و لن‌تقول خيراً فقال ان شيعتك يشربون النبيذ فقال و ما بأس بالنبيذ اخبرني ابي عن جابر بن عبداللّه ان اصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يشربون النبيذ قال ليس اعنيك النبيذ انما اعنيك المسكر فقال شيعتنا ازكي و اطهر ان يجري للشيطان في امعاۤئهم رسيس و ان فعل ذلك المخذول فيجد ربّاً رؤفاً و نبيّاً بالاستغفار عطوفاً و ولياً عند الحوضِ ولوفاً ثم قال له عليه السلام اخبرني ابي عن علي بن الحسين عن ابيه عن علي بن ابي‌طالبٍ عليهم السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن جبرئل عن اللّه تعالي انه قال يا محمد اني حظرتُ جنّة الفردوس علي جميع النبيين حتي تدخلها انت و عليّ و شيعته الّا من اقترف منهم كبيرة فاني ابلوه في ماله او بخوفٍ من سلطانه حتي تلقاه الملاۤئكة بالروح و الريحان و انا عليه غير غضبان فيكون ذلك جزاۤء لما كان منه فهل عند اصحابك هؤلاۤء شي‌ء من هذا فَلُمْ اَوْ دَعْ ه‍ .
و من الادلة علي قولنا في تعليل تزكية شيعتهم لانهم بانقيادهم الي آخره من الرسالة المذكورة روي ابن‌عباس زيادة علي الحديث الذي رواه ابوهريرة عن النبي صلي اللّه عليه و آله منها قال ابن‌عباس فقلتُ يا رسول اللّه اوصني فقال عليك بمودة علي بن ابي‌طالب و الذي بعثني بالحق نبيّاً لايقبل اللّه من عبدٍ حسنةً حتي يسئله عن حب علي و هو تعالي اعلم فان جاۤء بولايته قبل عمله علي ما كان منه و ان لم‌يأت بولايته لم‌يسئله عن شي‌ء و امر به الي النار ه‍ ، و مثله ما رواه الصدوق بسنده الي ميسّر قال سمعتُ اباالحسن الرضا عليه السلام يقول لايُرَي منكم في النار اثنان لا واللّهِ و لا واحد قال قلتُ فاينَ ذا من كتاب اللّه فامسك هنيّةً قال فانّني معه ذات يوم في الطواف اذ قال يا ميسّر اليوم اُذِن لي في جوابك عن مسئلتك كذا قال قلتُ فاين هو من القرءان قال في سورة الرحمن و هو قول اللّه عز و جل فيومئذٍ لايسئل عن ذنبه منكم انس و لا جاۤن قال انّ من قد غيّرها ابن‌اَرْوَي و ذلك انها حجة عليه و علي اصحابه و لو لم‌يكن فيها منكم لسقط عقابُ اللّه عن خَلْقه اذ لم‌يسئل عن ذنبه انْسٌ و لا جاۤن فلم‌يعاقب اذاً يوم القيمة ه‍ ، وَ كفّارة لذنوبهم لانّ قبولهم الولاية دخولهم في الرحمة الّتي هي تلك الصلوات التي جعلها اللّه منهم عليهم تزكية لهم فلم‌تكن في حقيقتهم ظلمةٌ تقتضي مقارفة الذنوب و لكن حين كسروا بعد التكليف الاوّل و رجعوا الي الطين اصابهم لطخ من مجاورة اهل النار و بذلك اللطخ قارفوا الذنوب و لمّا كانت هذه الذنوب ليست من حقيقتهم و انّما هي من لطخ طينة اعداۤء ائمّتهم عليهم السلام اقتضت الحكمة ان ترجع تلك الذنوب علي اولٰۤئِك الاعداۤء لانها من طينتهم كما هو شأنُ العدل نعم انّ ذلك اللطخ انّما جاز ان يتعلق بالمؤمن الذي حقيقته من نور مع انّ ذلك اللطخ ظلمة لانّ في المؤمن شيئاً من الظلمة و هو الذي تقوّم به وجوده و هو و ان كان قد استولي عليه نور الوجود بحيث لايقتضي من نفسه الذنوب الّا بمعونة غيره الّا انه قد بقيت فيه شائبة الظلمة و السواد فلذا يكون لونه ازرق و هذه الزرقة من لون تلك الظلمة المشوبة بالنور فكان بينه و بين ذلك اللّطخ مناسبة فتعلق به اللطخ المقتضي للمعصية فكان ذلك الشي‌ء بضمه الي ذلك اللطخ صالحاً للمعصية فكانت هذه الذنوب وقعت بمقتضيَيْن مقتض ذاتي و هو اللطخ و مقتضٍ عرضي و هو ذلك الشي‌ء من المؤمن فما كان من الذاتي رجع الي الكافر و ما كان من العرضي رجع الي المؤمن فلمّا انبسط علي المؤمن نور الولاية و تخلله ماۤء المحبّة زال عنه ذلك العرضي لانه كالثوب لمّا اصابته نجاسة من بول الغير و اصابه الماۤء الجاري زالت عنه النجاسة فرجع الثوب الي اصله من الطهارة و روي الفقيه ابومحمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة قدس اللّه روحه في كتابه المسمي بالتمحيص عن عمر النيسابوري قال قلت لابي‌عبداللّه عليه السلام اني لاري من اصحابنا من يرتكب الذنوب الموبقة فقال لي يا عمر لاتشنّع علي اولياۤء اللّه انّ ولينا ليرتكب ذنوباً يستحق بها العذاب فيبتليه اللّه في بدنه بالسقم حتي يمحّص عنه الذنوب فان عافاه ابتلاه في ولده فان عافاه ابتلاه في اهله فان عافاه في اهله ابتلاه بجار سوۤء يؤذيه فان عافاه من بواۤئق الدهر شدّد عليه خروج نفسه حتي يلقاه و هو عنه راضٍ قد اوجب له الجنّة ه‍ ، و عن ابي‌الصباح الكناني قال كنت انا و زرارة عند ابي‌عبداللّه عليه السلام قال لايطعم النار من وصف هذا الامر فقال زرارة ان ممن يصف هذا الامر من (ظ) يعمل بالكباۤئر فقال اوماتدري ما كان ابي يقول في ذلك انه كان يقول اذا ما اصاب المؤمن من تلك الموبقات شيئاً ابتلاه اللّه ببليّة في جسده اَوْ بخوفٍ يدخله عليه حتي يخرج من الدنيا و قد خرج من ذنوبه ه‍ ، و الاحاديث في ذلك كثيرة و انما كان طهر المؤمن من الذنوب بالبَلَايا لان البلايا قسمان قسم بلاۤء حسن و قسم بلاۤء سوء فالاوّل هو الذي به يبتلي اللّه المؤمن قال تعالي و ليبلي المؤمنين منه بلاۤءً حسناً و هو التمحيص و التخليص من الذنوب و انّما يجد المؤمن اَلمَهُ لانّ الذنوب من فيح جهنم فاذا انفصلت عنه تألّمَ بالانفصال بعد الاتّصال به للزومها له فهي كالجزء من صفته او منه و انما لم‌يتألم بها قبل التوبة منها او الابتلاۤء بسببها لانه قبل ذلك حال الاتّصال كانت كالجزء منه و الشي‌ء لايتألّم بجزئه و انما يتألم بانفصاله منه و عليه تأويل ما روي اَنّ من يخرج من النار يتألّمون بها عند خروجهم منها و قد تقدم في بيان سَعِدَ مَنْ وَالاكم انّ البلاۤء منه سعادة المؤمن و انه من ولاية آل‌محمد صلي اللّه عليه و آله و الصلوة عليهم من ولايتهم فظهر لك سرّ انه سبحانه جعل صلواتنا عليهم و ما خصّنا به من ولايتهم كفّارةً لذنوبنا اِن جعلنا اَنَّ البلاۤء هو المكفر لان الولاية هي الربوبيّة و الولي يصلح ما هو وَلِيٌّ عليه كلّ شي‌ءٍ بما يناسبه كما يصلح الصيقل السيف بالصّقالة و الصَائغ الذهب المَغشوش بالتّصفية و هذا للسيف و الذهب من البلاۤء الحسن و هو مِنْ تدبير الولي لِمٰا هو وَليّ عليه لان الولي له ربوبيّة علي ما هُوَ وليّ عليه فهو له فلذا قلنا انّ هذا البلاۤء للمؤمن من ولايتهم فلذا يكفر الذّنوب اما انه عليه السلام مع ما ابطن اظهر فانه قال و جعل صلواتنا عليكم وَ ما خصّنا به من ولايتِكم طيباً لخلقنا و طهارة لانفُسِنا و تزكية لنا فابطن فيها ثم اظهر فقال و كفّارة لذنوبنا فبناۤء علي ان ذنوب شيعتهم تكفّرها البلايا في الدنيا كما تقدم في الاحاديث لِانّهم عليهم السلام فسّروا ذلك التكفير بالبلايا في الدنيا و هذا المعني ظاهر في ظواهرِ اَحاديثهم و في بواطنها ان حبّهم و ولايتهم تكفّر الذنوب و السرّ في ذلك انّ حبّهم و ولايتهم نورٌ من كلِّ ظلمة و حيوة من كلِّ موتٍ و طهر من كلِ دنسٍ و رجس و شفاۤء لما في الصدورِ و هدي و رحمة للمؤمنين فاذا تفضّل اللّه بهما علي عبدٍ كان منيراً ظاهره ببعض الاعمال الصَالحات و باطنه بحسن الاعتقاد و الاقتصاد و السّداد فاذا وقعت منه سيئة فلم‌تصدر من قلبه بل وقعت منه و قلبه منكر عليه فتكون مجتثةً ليست متأصِّلةً فيه مع تأصّل النور فيه لانه خلق من طينة ائمتهم و هي نور و من ماۤءِ ولايتهم و هو نور و حين خاطبهم في الذر اجابه فغمسه في رحمته و هي نور فالانوار متأصلة فيه و لا نفاد لها و ظلمة السيّئة مجتثة نافدة لعدم تأصّلها و قلّتها فاذا وقعت منه و ندم عليها استولت عليها تلك الانوار فمحقتها بواسطة الندم لانّ الندم علي فعل السيئة من نور ولايتهم اذ معناها تجديد العهد المأخوذ عليه و كذا عدم الاصرار و منه عدم العزم علي البقاۤء علي المعصية فان تلك الانوار تمحوها كما نقول في النهر الجاري اذا تنجّس موضع منه فتغيّر بالنجاسة فزال التغير بتدافعه فانه يطهر و لايحتاج الي نزح ما فيه النجاسة الذي هو مثل البلاۤء للمؤمن الذي يكون مكفّراً للسيّئة بل تلك الانوار التي اشرنا اليها هي انهار تجري من الكوثر و هي بكثرة جريانها و تدافعها تزيل التغير الذي حدث من المعصية المجتثة فيطهر صاحبها و لايحتاج الي البلاۤء الذي هو نزح المتنجّس و ازالة النجاسة لان حبهم يستهلك الذنوب كما ان الماۤء الذي له ماۤدة تجري يستهلك النجاسة فلاتحمل خبثاً كما هو حكم الكر اذا لم‌يتغير منه ما لايبقي بعده كر لم‌يتغيّر و كالجاري اذا لم‌تتغيّر الماۤدة فالتغير في المؤمن الذي لايبقي معهُ كرّ غير متغيّر هو ولاية اعداۤئهم فان من كان كذلك و العياذ باللّه كان نجساً لايطهر اولٰۤئك الذين لم‌يرد اللّه ان يطهّر قلوبهم و اما الذي يبقي معه حال المعصية اصل الايمان الذي هو بمنزلة بقاۤء كرّ طاهر يطهر بزوال النجاسة كما مثلنا لان المحب خلقه اللّه من النور و غمسه في الرحمة فيعود الي الرحمة و في الكافي بسنده الي ابي‌عبيدة الحذاۤء قال سألتُ اباجعفر عليه السلام عن الاستطاعة و قول الناس بها و تلا هذه الٰاية و لايزالون الي قوله خلقهم قال يا اباعبيدة الناس مختلفون في اصٰابة القول و كلهم هالك قال قلتُ قوله الا من رحم ربك قال هم شيعتنا و لرحمته خلقهم و هو قوله و لذلك خلقهم يقول لطاعة الامام الرحمة التي يقول و رحمتي وسعت كل شي‌ء يقول علمُ الامام وسع علمه الذي هو من علمه كل شي‌ء ه‍ ، و امثال ذلك فاذا ابطن الامام عليه السلام في قوله و كفارة لذنوبنا كان مما يريد ما ذكرنا لك .
قال عليه السلام : فكنا عنده مسلمين بفضلكم و معروفين بتصديقنا اياكم ،
قال الشارح (ره‌) فكنا عنده في علمه بانّا من المصلّين عليكم او الموالين لكم او مطلقاً مسلّمين بالتسليم القلبي الحقيقي بفضلكم علي العالمين و معروفين بتصديقنا اياكم بالامامة و الفضيلة و هذه فضيلة لنا يجب علينا شكرها و التحدّث بها انتهي .
اقول يقول فكنا تفريع علي جعله لصلاتنا و ما خصّنا به الخ ، و قوله عنده اي في كتابه الحفيظ يعني كنّا عنده مكتوبين باسماۤئنا و صفاتنا في اللوح المحفوظ بانّا مسلّمون بتشديد اللام اي منقادون لطاعتكم و للاقتداۤء بكم و الولاية لكم و البراۤءة من اعداۤئكم و وفّقنا لذلك بسبب تفضلكم علينا بما انتم اهله من النور و الهداية و النصيحة و الدعاۤء لنا بذلك او بسبب تفضّل اللّه علينا بكم حين جعلنا لكم موالي وَ اَتْباعاً الحمد للّه رب العالمين او الباۤء بمعني اللّام اي منقادين ندين بفضلكم علي جميع الخلق و انّما خلق خلقه لكم و يؤيد نسخة تشديد اللّام قوله بتصديقنا ايّاكم و علي نسخة تخفيف اللّام يكون المعني كنا بسبب ما اجراه علينا من فضله مما ذكر سابقاً و لاحقاً مسلمين منقادين اي يسلّم منّا الناس لما بنا من العدل و الانصاف و عدم التعدّي علي احد و عدم التجاوز لحدود اللّه ممّا امدّونا من فضلهم من التأييدات و التوفيقات او يسلم منّا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لم‌نؤذِه في اهل بيته و لا احكام شريعته كما في تأويل قوله تعالي و اما ان كان من اصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين او بمعني ان من لم‌يتول و لم‌يتبرأ و لم‌يتابع الائمة عليهم السلام في افعالهم و اعمالهم و اقوالهم ليس بمسلم اي ليس بكامل الايمان الذي هو الاسلام الكامل كما قال تعالي ان الدين عند الله الاسلام او ليس بمسلم بل هو كافر كفر الجاهليّة الاولي و انما كنا عند اللّه مسلمين بفضلهم و انما يقال ان كل من سوي شيعتهم كافر لما روي في كثير من الاخبار مثل ما رواه في الخصال بسنده عن مالك الجهني قال سمعت اباعبداللّه عليه السلام يقول ثلاثة لايكلمهم اللّه يوم القيمة و لاينظر اليهم و لايزكيهم و لهم عذاب اليم من ادعي اماماً ليست امامته من اللّه و من جحدَ اماماً امامته من عند اللّه و من زعم انّ لهما في الاسلام نصيباً ه‍ .
و قوله (ع‌) : و معروفين بتصديقنا اياكم اي معروفين عند الناس بانّا اتباعكم و شيعتكم المصدّقين لكم فيما قلتم و فعلتم و عملتم او معروفين عند الامم الماضية بذلك او في كتبهم فانها نزلت من السماۤء بوصفِ محبّيهم و وصف اعداۤئهم كما اخبر اللّه تعالي في كتابه بل تؤثرون يعني اعداۤءهم الحيوة الدنيا اي ولاية الاول و تصديقه اي تسميتهم له بالصّديق و الٰاخرة اي ولاية علي عليه السلام لمحبّيه خير و ابقي فانه عندهم هو الصديق الاكبر و الفاروق الاعظم او معروفين عند اهل السماۤء من الملاۤئكة المستغفرين لشيعتهم و محبّيهم لايحصي عددهم الّا اللّه روي القمّي في قوله تعالي الذين يحملون العرش و من حوله الي قوله و ذلك هو الفوز العظيم عن ابي‌عبداللّه عليه السلام انه سئل هل الملاۤئكة اكثر ام بنوٰادم فقال و الذي نفسي بيده لملاۤئكة اللّه في السموات اكثر من عدد التراب في الارض و ما في السموات موضع قدم الّا و فيها ملك يسبّحه و يقدّسه و لا في الارض شجرة و لا مدر الّا و فيها ملك موكل (ظ) بها يأتي اللّهَ كل يوم بعملها و ما منهم احد الّا و يتقرب كل يوم الي اللّه بولايتنا اهل البيت و يستغفر لمحبّينا و يلعن اعداۤءنا و يسئَل اللّه ان يرسل عليهم العذاب ارْسَالاً و انما خص عليه السلام ملاۤئكة الارض بهذا مع انه لايختص بهم فان اللّه سبحانه يقول الذين يحملون العرش و من حوله يسبّحون بحمد ربّهم و يؤمنون به و يستغفرون للّذين آمنوا الخ ، و قد قال ابوجعفر عليه السلام و الذين يحملون العرش يعني رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و الاوصياۤء من بعده يحملون علم اللّه و من حوله يعني الملاۤئكة يسبّحون بحمد ربّهم و يؤمنون به و يستغفرون للّذين آمنوا يعني شيعة آل‌محمد (ص‌) ربّنا وسعتَ كل شي‌ء رحمةً و علماً فاغفر للذين تابوا من ولاية فلان و فلان و بني‌اميّة و اتبعوا سبيلك اي ولاية ولي اللّه و قهم عذاب الجحيم الي قوله ربّنا و ادخلهم جنات عدن التي وعدتهم و من صلح من آباۤئهم و ذرّيّاتهم انك انت العزيز الحكيم يعني عليّاً عليه السلام فذلك صلاحهم و قهم السيئات و مَن تق السيئات يومئذ فقد رحمته يعني يوم القيمة و ذلك هو الفوز العظيم لمن نجّاه اللّه من هؤلاۤء يعْني ولاية فلان و فلان الحديث ، و امثال ذلك ممّا يدل علي ان جميع الملاۤئكة يستغفرون لمحبيهم لانّ السؤال ليس بهذا الصّدد و انما هو بصدد كثرتهم و انهم يسبّحون اللّه و يقدّسونه و ربّما اقتضي المقام استغراب ان جميع الملاۤئكة انّما تسبيحهم هو الثناۤء عليهم و الاستغفار لشيعتهم بل للثناۤء علي شيعتهم بمثل ما هو مذكور في الٰايات المذكورة كقوله تابوا و اتّبعوا سبيلك و كقوله و ادخلهم جنات عدن التي وعدتهم بل قد يقتضي الانكار فاذا كان المقصود لهم من احاديثهم مفرّقاً فيها خفّ علي الناس من اعداۤئهم و من ضعفاۤء شيعتهم و قول الباقر صلوات اللّه عليه و الذين يحملون العرش يعني رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الي آخره لايراد منه اختصاص الاستغفار للشيعة بمن حول العرش من الملاۤئكة اذا فسِّر الذين يحملون العرش بمحمد و اهل بيته و ان كان لو فُسِّر الذين يحملون العرش بالملاۤئكة كانوا من المستغفرين لان ذكره عليه السلام لذلك لبيان باب اعظم و فتح قفلٍ مقفلٍ محكم من العلم و ادرج مَن حول العرش من الملاۤئكة معهم عليهم السلام و اخبر ان الذين يحملون العرش علي اي تفسير و من حول العرش يعني ممّن دونه الي ما تحت الثري اذ كل ذلك حول العرش يستغفرون لشيعتهم فان قلتَ ان علياً عليه السلام داخل في الاوصياۤء بل هو اوّلهم و اخصّهم بذلك و هو السبيل في الٰاية فيلزم ان يكون المعني في حقّه عليه السلام رب اغفر للذين تابوا و اتّبعوني و هذا النمط من الخطاب قد يتوحّش منه بعض الناس و قد يتخذه بعض الاعداۤء دليلاً للطعن عليه صلوات اللّه عليه و علي المذهب قلتُ هذا المعني لا بأس به و لا مطعن علي المحقّ و من وجب عليه تعريف نفسه لتوقف الدعوة و الهداية و التوفيق عليه مع انّ مثل هؤلاۤء الذين تجوّز عليهم الاعتراض عليه يقنعون ان يقال لهم ان السبيل هو الاسلام و الايمان و ما امر اللّه به و ان كان يقال لهم ان الاسلام و الايمان و ما امر اللّه به لايتم الّا بولايته فانه يكون اخفّ علي نفوسهم علي انه يقال ايضاً يجوز ان يكون المراد من السبيل هي ولاية محمد و اهل بيته عليهم السلام و لايلزم ان يعني كل واحد منهم ما يخصّ نفسه بل ما يشترك فيه هو و غيره او ما يخص غيره و لا محذور في شي‌ء مع انّا نقول انهم كثيراً ما يستغفرون لشيعتهم و يدعون لهم و لايكادون يتّقون فيه و لايستترون به و اعداۤؤهم يسمعون ذلك و امثاله و لايتوهّم فيهم احدٌ شيئاً لانّ الحقّ لهم و معهم و فيهم و بهم فلايجد الناقد فيهم مايكره و امّا النفوس التي عرّقت فيها الوساوس و الشياطين فلا عبرة بما يوسوسون به و الحاصل انّ الذين يحملون العرش مطلقاً اي سواۤء كان المراد بهم الملاۤئكة او الملائكة العالين او محمداً و اهل بيته عليه و عليهم السلام و سواۤء كان المراد بالعرش العرش الاعلي الذي هو المشية فهم عليهم السلام يحملونها لانهم محاۤلّها او ما دونه من نحو ما تقدّم يستغفرون للشيعة و الاخبار مشحونة بذلك فهم معروفون في السماۤء عند محمدٍ و آله صلي اللّه عليه و آله و عند العالين من الملاۤئكة و عند المقرّبين منهم و عند ساۤئرهم و انما كانوا معروفين بتصديقهم ائمتهم و اتباعهم اوْ هم معروفون عِند اللّه بذلك التصديق و معني كونهم معروفين عِند اللّه انّه تعالي ميّزهم بما قبِلوا ممّا دَعا اليه او من المعرفة التي هي علّة المحبّة اي محبوبين عنده تعالي اَوْ انّه سبحانه اعطاهم بتصديقهم محبّته و التصديق هنا هو بالصّلاح و المعرفة و التصديق بمتابعة الاقوال و الاحوال و الاعمال و الافعال و الاعتقاد و بالتسليم لهم و الردّ اليهم .
قال عليه السلام : فبلغ اللّه بكم اشرف محل المكرمين و اعلي منازل المقربين و ارفع درجات المرسلين ،
قال الشارح (ره‌) اشرف محل المكرمين و افضل مراتبهم و اعلي منازل المقرّبين من المرسلين و ارفع درجات المرسلين و هي درجات نبيّنا صلي اللّه عليه و آله فيلزم منه افضليتهم علي الانبياۤء كما ذكره العلّامة النيسابوري في تفسير قوله تعالي و انفسنا و انفسكم بانه لاتزال الشيعة قديماً و حديثاً يستدلّون بهذه الٰاية علي افضلية عليٍّ عليه السلام علي جميع الانبياۤء عليهم السلام بانه نفس النبي (ص‌) و هو افضل و قال و يؤيّده ما روي عنه (ص‌) انه قال مَن اراد ان ينظر الي آدم في علمه و الي نوح في عبادته و الي ابراهيم في خلّته و الي موسي في هيبته و الي عيسي في زهده و الي يحيي في ورعه فلينظر الي علي بن ابي‌طالب فان فيه سبعين خصلة من خصال الانبياۤء بان كل واحدٍ منهم امتاز عن ساۤئرهم بخصلةٍ واحدة بهذه الخصال فمن اجتمع فيه جميعها فهو افضل و الاخبار عندنا متواترة بذلك في جميع الائمة (ع‌) انتهي .
اقول قوله عليه السلام فبلّغ اللّه بكم يجوز فيه معنيان احدهما ما ذكره الشّارح (ره‌) من انّ اللّه تعالي بلّغهم عليهم السلام اشرف محل المكرمين الخ ، فتكون الباۤء زائدةً علي هذا الوجه و هو و ان كان بعيداً عن مفاد هذا الكلام الّا انّه محتمل عَلَي بُعْدٍ امّا انّه محتمل فلانه يجوز ان يكون معطوفاً علي قوله خلقكم اللّه انواراً فجعلكم بعرشه محدقين فرتّب علي خلقهم و جعلهم محدقين بعرشه اَنْ بلّغهم سبحانه من جزيل فضله ما الحقهم بمقام نبيه محمد صلي اللّه عليه و آله الذي هو اشرف محل المكرمين و اعلي منازل المقرّبين و ارفع درجات المرسلين علي الحقيقة لانّ هذا الاشرف و الاعلي و الارفع متفاوت المراتب و الحقيقي منهَا مرتبة محمد صلي اللّه عليه و آله و امّا انّه علي بعدٍ فلانّه عليه السلام انّما ذكر هذا لانه جعله غاية لطاعتهم و الاقتداۤء بهم و الولاية لهم و البراۤءة من اعداۤئهم و هو قوله عليه السلام و جعل صلواتنا عليكم و ما خصّنا به من ولايتكم طيباً لخلقنا الخ بمعني انّ اللّه سبحانه و تعالي بلغ بهم محبّيهم الدرجاتِ الرفيعةَ كما يأتي و ثانيهما ان المراد انّه سبحانه حين جعل الصلوات عليهم و الولاية لهم طيباً لخلق محبّيهم المصلّين عليهم المتوالين بهم و طهارة لانفسهم و تزكية لهم و كفارة لذنوبهم حتي قبل من شيعتهم القليل من اعمالهم و اثابهم عليه الجزيل من ثوابه فقال تعالي فمن يعمل من الصّالحاتِ و هو مؤمن فلا كفران لسعيه و انّا له كاتبون بلّغ بهم اشرف محلّ المكرمين الخ ، ثم لمّا كان تبليغ اللّه سبحانه لعباده المؤمنين المتوالين بهم المحبين لهم اعالي الدرجات انما هو علي حسب قيامهم بواجب حق ساداتهم عليهم السلام و طاعتهم و محبتهم و ولايتهم و البراۤءة من اعداۤئهم و كانت تلك الاعالي متفاوتة لاتكاد تتناهٰي في مقامها وجب ان يعتبر فيها باعتبار المبلّغين بفتح اللام و باعتبار تلك المراتب في العلوّ و الدنو و في الذاتي و العرضي وجهان : احدهما ان نقول يراد بالمبلّغين بفتح اللام الانبياۤء و المرسلون بعد محمد و آله صلي اللّه عليه و آله فانّهم مستثنون لانّهم اما ان نقول هم المبلّغ بهم بفتح اللام من سواهم او هم المبلِّغون بكسر اللام باذن اللّه مَن سواهم و معني ان اللّه سبحانه بلّغ الانبياء و المرسلين اعلي الدرجات يعني اعلا درجات التابعيّة ممّا لكل واحد من امكانه بان يبلّغ الانبياۤء اعلي درجات النبوّة التابعيّة كلّ واحد منهم ما يمكن في حقّه علي حسب قيامه بمقتضي ولايتهم و ان يبلّغ المرسلين اعلي درجات الرسالة التابعية كل واحد منهم ما يمكن في حقّه علي حسب قيامه بمقتضي ولايتهم فبلّغ بهم و بطاعتهم الانبياۤء اقصي مراتب الانبياۤء و المرسلين اقصي مراتب المرسلين و الاوصياۤء اقصي مراتب الاوصياۤء يعني اقصي ما يقتضيه امكانُ كلّ واحدٍ من مقامه بعمله فان كل واحد منهم بلّغه اللّه تعالي بهم ما اقتضاه امكانه من رتب التّابعيّة لانّهم اجمعين اتباع محمد و آله صلي اللّه عليه و آله و المتبوعيّة في كل مرتبة عالية له و لاهل بيته صلي اللّه عليه و آله و ثانيهما ان يراد بالمبلّغين بفتح اللام المؤمنون و الصالحون من شيعتهم و تبليغ اللّه لهم علي حسب قابليتهم بمحبّة ائمتهم وَ ولايتهم لهم و الاقتداۤء بهم من التّابعيّة فعلي هذا الوجه و هو انّ المبلّغين بفتح اللام هم المؤمنون و الصالحون يكون المراد من قوله اشرف محلّ المكرمين انّ المكرمين هم المؤمنون الخواۤصّ و الخصيصون و هم الّذين اكرمهم باتّباع ائمتهم و رفعهم بهم عن مقام من سواهم من ساۤئر خلق اللّه من الطاۤئع و العاصي لانّه جعلهم بذلك مكرمين قد بلغوا ما خلقهم اللّه له من الخير يعني انّه بَلَّغهُمْ ببركة ائمتهم اقصي ما يمكن في حقهم من المراتب العليا و اِنْ اُر۪يد بالمكرمين اهل العصمة من الانبياۤءِ و المرسلين بقرينة عطف مقاميهما علي مقامهم كان المراد بالتبليغ الانضمام اليهم و المجاورة لهم و ايصالهم الي صفاتِ ما وصلَهُ الانبياۤء و المرسلون و اليه الاشارة بقوله تعالي فاولۤئك مع النبيّين و الصدّيقين و الشهداۤء و الصالحين و حسن اولۤئك رفيقاً فاشار تعالي هنا الي هذا المعني المشار اليه بقوله مع و بقوله رفيقاً و امّا التبليغ فيراد منه انه سبحانه بلّغ مَنْ شاۤءَ ما شاۤء من الدرجات العاليات بمحمد و آله صلي اللّه عليه و آله او انّ محمّداً و آلَهُ صلي اللّه عليه و آله بلّغوا مَن شاۤؤا ما شاۤؤا من الدرجات العاليات علي حسب ما اقتضته قوابلهم باللّه سبحانه كما علّمهم و امرهم و اذن لهم و اعانهم و هو الفعّال لما يريد فهو سبحانه هو المبلّغ بكسر اللام وحده لا شريك له بهم في الفرضين .
قال عليه السلام : حيث لايلحقه لاحق و لايفوقه فائق و لايسبقه سابق و لايطمع في ادراكه طامع ،
قال الشارح (ره‌) حيث لايلحقه لاحق ممن هو دونكم و لايفوقه فاۤئق منهم علي الانبياۤء كاولي العزم و ان فاقوا علي غيرهم لايفوقون عليكم و النبي (ص‌) و اميرالمؤمنين (ع‌) مستثنيان بالاخبار و لايسبقه سابق في فضيلةٍ من الفضاۤئل عليكم و لايطمع في ادراكه طامع لانهم يعلمون انها موهبة خاۤصّة من اللّه تبارك و تعالي بكم لايمكن الوصول اليها بالسّعي و الاجتهاد انتهي .
اقول يحتمل هذا الكلام معنيين احدهما و هو الظّاهر ان الضمير البارز في يلحقه و يفوقه و يسبقه و ادراكه يعود الي اشرف محل و اعلي منازل و ارفع درجات لان المراد به شي‌ء واحد و هذا ظاهر علي الوجه الذي ذكره الشارح (ره‌) و هو الّذي قلنا انه بعيد عن مفاد الكلام مع انه يخالف ما اراد هنا ان اريد بمَعُود الضمير في يلحقه واحد منهم عليهم السلام كما هو محتمل علي ما يأتي و ان اريد به اشرف و اعلي و ارفع ارتبط الاول مع الثاني الّا انّ فيه بُعْد الاول كما ذكرنا سابقاً فعلي ظاهر ما اراد هنا مرتباً علي ما ذكر في الاول يكون المعني انّ اللّه تعالي بلّغكم محلّاً عالياً بحيث لايلحقه لاحق اي لايدركه لاحق يعني لايصل اليه غيرهم اوْ لايكون محلّ لاحدٍ غيرِهمْ يساويه في الشرف و الرفعة و لايفوقه فاۤئق اي لايكون محلّ و مقام اشرف منه و لا خيراً منه و لايسبقه مكان سابق باعتبارِ سبق اهلِه۪ ايّاهم و لايطمَعُ احد اي لايكونُ اَحَدٌ يُؤهِّلُ نفسَه لادراكِ مَحلِّهم بل الخلق كلهم يجد كلّ واحدٍ منهم في نفسه القصور عن ادْراكِه۪ فلايطمع فيه طامع و معني ادراكه هو ما يراد من يلحقه فلعلَّهُ اتَي بالثاني في الادراك لبيان اللحوق و في يطمع لانّه اَخص مَنْ يلحق لان لايلحقه يشمل من طمِعَ و عجز و من لم‌يطمع و امَّا لايطمع فلايعم و يحتمل ان بينهما عموماً و خصوصاً من وجهٍ لانّ بعض من لم‌يلحق يطمع و بعض من لم‌يطمع يلحق فتخصّص احدهما بالٰاخر حتي كان المراد مِنْ اَحَدِهما هو المراد من الٰاخر و انّما اتي بهما ليجمع بين عدم الطمع لظهور القصور من كلّ احدٍ و عدم اللّحوق لانحطاط كل من سواهم عن ذلك المقام .
و ثانيهما انّ الضمير البارز في يلحقه و يفوقه و يسبقه و ادراكِه۪ يعود الي الواحد منهم و هذا مبني علي ان المبلّغ بفتح اللام يراد به محبّهم الذي يصلّي عليهم و يتوالَي بهم الذي جعل اللّه تعالي صلاته عليهم و ما خصّه به من ولايتهم طيباً لخلقه و طهارة له الخ ، كما هو الظاهر كانوا عليهم السلام هم الذين بلّغ اللّهُ بهم محبهم اشرف محلّ المكرمين الي آخر الكلام فيحتمل راجحاً اَلّايُرادَ بقوله حيث لايلحقه اي بمعود الضماۤئر البارزة ذلك المحلّ لانّ ذلك المحل الذي بلغه المحبّ المذكور يلحقه لاحق و يفوقه فاۤئق و يسبقه سابق و يطمع في ادراكه طامع و انّما يراد به الامام عليه السلام الّذي هو واحدٌ منهم عليهم السلام فانّه حقيقة هو الذي لايلحقه لاحق و لايفوقه فاۤئق و لايسبقه سابق و لايطمع في ادراكه طامع و كلام الشارح (ره‌) في هذا معلوم لانه ظاهر في هذا حيثُ يقول كاولي العزم و ان فاقوا علي غيرهم لايفوقونَ عليكم و النبي (ص‌) و اميرالمؤمنين (ع‌) مستثنيان بالاخبار انتهي ، و يؤيد هذا المعني الثاني ما بعد هذا من الزيادة من قوله (ع‌) حتي لايبقي ملك مقرّب الخ و قوله (ره‌) و النبي (ص‌) و اميرالمؤمنين (ع‌) مستثنيان بالاخبار ليس بجيّد لانّ المراد بهذا المقام او بهذا الولي ما يجتمعون فيه لانّ لهم حالتين حالة يجتمعون فيها الاربعة‌عشر المعصوم عليهم السلام و هي ما يحتاج اليه جميع الخلق فانّهم فيه سواۤء لايزيد احد منهم علي احد و لاينقص و هذه الحالة هي المشار اليها في هذه الزيارة في جميع فَقَراتهَا و حالة يزيد بعضهم علي بعض و ينقص بعضهم عن بعض و في هذه الحالَة لايختص الاستثناۤء بالنبي و علي صلّي اللّه عليهما و آلهما لان مقاماتهم متفاوتة كتفاوتهم فالنبي صلي اللّه عليه و آله سبقهم و لايبلغ احد منهم مقامه و علي عليه السلام بعد النبي (ص‌) سبقهم و لايبلغ احد منهم بعد النبي (ص‌) مقامه و كذلك الحسن بعد علي ثم الحسين ثم القاۤئم ثم الائمة الثمانية ثم فاطمة عليهم اجمعين صلوات اللّه و سلامه و هذه الحالة ليست مرادةً هنا فلايتّجه استثناۤؤه و الّا توجّه استثناۤء آخر ايضاً و آخر و يحتمل مرجوحاً انه اراد بمعود الضماۤئر محلهم العالي المذكور و ان قوله لايفوقون عليكم مجاز اي لاتفوق محاۤلّهم عَلي مَحلِّكم و انما جعلناه مرجوحاً مع انه هو الظاهر من كلامه السابق حيث جعلهم هم الذين بلّغهم اللّه اشرف محلّ المكرمين الخ ، لانّ الظاهر من كلامه الاخير الذي نحن بصدده انه هو المعني الذي جعلناه راجحاً بدليل قوله و ان فاقوا علي غيرهم لايفوقون عليكم اذ الاصل في الاستعمال الحقيقة و قولهم ان الاستعمال اعم من الحقيقة احتمال مرجوح لايخرج عن الاصل ما لم‌يكن راجحاً او مساوياً و احتمال انّه اَرادَ لايدفع الايراد .
ثم انا قد اشرنا سابقاً انّ هذا المحل الذي لايلحقه لاحق اذا اريد به الذاتي جَازَ باعتبارٍ ان يراد به الحاۤلّ به اي الذي بلّغه اللّه ذلك المحلّ و هو كنايةٌ عَنْ تقريبه اليه و باعتبارٍ آخر يراد به مرتبته و هو صفته التي جزَاهُ اللّه ايّاهَا فعلي الاعتبَار الاوّل يجوز ان يراد به المقامات المعبّر عنها بانا كما في الحديث القدسي قال تعالي خلقتُ الاشياۤء لاجلك و خلقتكَ لاجلي باطنُكَ انا و ظاهرك للفنا ه‍ ، و نقل في الانجيل قال تعالي اعرف نفسَك ايّها الانسان تعرف ربك ظاهرك للفنا و باطنك انَا ه‍ ، و اَنْ يُرادَ به معَانيه سبحانه و علي الاعتبار الثاني يجوز اَن يراد به معانيه بالنسبة الي مقامه او ابوابُه بالنِّسبة الي مَعَانيه و اذا اريد به العرضي جاز اَنْ يُرادَ به الذّاتي الاضافي فيفيد معني قوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربّه لانّه من المقامات الدنيا و المعاني الجزئيّةِ و الابواب الخاۤصّة في كلٍّ بحسبِه۪ و اَنْ يُرادَ منه نسبته الي مَن بلغوا تبعيّتَهُ مِنَ الاتباع لان الحكم العرضي انّما هو في نسبتهم اليه لان المراد منها بلوغهم المحلّ الذي ينسب اليه بالتّبعيّة كما تَقَدّمَ لانّه ذاتي بالنِّسبة اليهم و هو الاضافي المذكور لا فرق بينهما الّا انّ الاول اريد فيه من الذّاتي الحقيقي عند الاطلاق في رتبة الاتباع هو الذاتي الاضافي لانه يصدق عليه انّه لايلحقه لاحق و لايفوقه فاۤئق الخ لعظيم التوفية منهم عليهم السلام لمحبّيهم و كمال التّصفية و في الثاني اُرِيدَ نسبة الحقيقي اليهم و هي و ان كان الواقع منه هو الاضافي الّا انه لمّا اريد المبالغة في الاكرام و الترغيب ذكروا الذاتي الحقيقي كما ورد عنهم عليهم السلام في كثير من ترغيْباتهم لشيْعتهم بانّ من كان كذا او فعل كذا فهو معنا في درجتنا و لمّا دلّ الدليل العقلي و النقلي القطعيان علي انّ بلوغ الذاتي الحقيقي لغيرهم مستحيل وجب ان يصار الي اقرب مثالٍ و صفة يمكن اَنْ يبلغَها التابع بحسن اعماله علي ما ذكرنا سابقاً مكرّراً فافهم .
قال عليه السلام : حتي لايبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا صدّيق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دنيّ و لا فاضِل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبّار عنيد و لا شيطان مَريد و لا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرّفهم جلالة امركم و عِظم خطرِكم و كبر شانكم و تمام نوركم و صدق مقاعدكم و ثبات مقامكم و شرف محلِّكم و منزلتكم عنده و كرامتكم عليه و خاصّتكم لديه و قرب منزلتكم منه ،
قال الشارح (ره‌) حتي لايبقي اي لم‌يبق احد في عالم الارواح و الاجساد الّا عرّفهم في الكتب المنزلة و علي السنة الانبياۤء و المرسلين و صدق مقاعدكم انكم صادقون في هذه المرتبة و انّها حقّكم كما قال تعالي في مقعد صدق عند مليكٍ مقتدرٍ انتهي ،
اقول قول الشارح (ره‌) اي لم‌يبق احد في عالم الارواح و الاجساد يوهم حصر تعريفه تعالي لهم عليهم السلام في هذين العالمين و هو رحمه اللّه مقامه اعلي من ان يقتصر فَهْمُهُ علي حصر تعريف اللّه ايّاهم في اهل هذين العالَمين فيحتمل انّه اقتصر عليهما علي جهة التمثيل اوْ جَرياً علي ما تعرفه العواۤم و يمكن ان يعتذر له بانه اقتصر عليهما لانّ ما سواهما داخل فيهما امّا من باب التبعيّة او انّ كلّ شي‌ء له روح و جسم بحسبه و لايختصُّ الجسم بهذا المعروف بل كثيراً ما يقال روح الارواح و ذات الذوات و يراد ان الارواح جسم لتلك الروح و الذوات جسم لتلك الذات و فيما تقدّم في حديث جابر بن يزيد من الكافي عن ابي‌جعفر عليه السلام قال يا جابر اِنّ اللّهَ اوّل ما خلق خلق محمداً و عترته الهداة المهتدين فكانوا اشباحَ نورٍ بين يدي اللّهِ قلتُ و ما الاشباح قال ظلُّ النورِ اَبْدَانٌ نورانيّة بلا ارواح الحديث ، فسمّي الاشباح و هي مقادير لا مادّة تحلّها اَبْدٰاناً و البدن محركة من الجسد ما سوي الرأس كذا في القاموس و فسّر الجسد بالجسم و انما سمّي بدناً لانه بدن للماۤدة روحه المادة فهو جسدها و لاجل انّ روحه الماۤدة قال عليه السلام ظل النور اي هيئته كما ان الصورة في المرءاة ظلّ الشاخص و هيئته و هي بدن له فكذلك ما في هذا الحديث و الحاصل انه (ره‌) ان اراد ما اشرنا اليه و الّا فهو المراد لانّ اللّه سبحانه بفضله علي جميع خلقه عرّف كل شي‌ء مما خلق من حيوان و نبات و جماد من جوهر و عرضٍ مقام محمد و اهل بيته الطاهرين صلي اللّه عليه و آله و اخذ عليه الميثاق بالطاعة لهم كما دلّت عليه الاخبار و من ذلك ما تقدّم في حديث حمران بن اعين في ذكر عبداللّه بن شداد الليثي حين مرض و عاده الحسين عليه السلام فلما دخل من باب الدار طارت الحمّي عن الرجل فقال قد رضيت بما اوتيتم به حقاً حقاً و الحمّي لتهرب منكم فقال له واللّه ماخلق اللّه شيئاً الّا و قد امره بالطاعة لنا يا كبّاسَةُ قال فاذا نحن نسمع الصوت و لانري الشخص يقول لبّيك قال اليس امرك اميرالمؤمنين عليه السلام اَلّا تقربي الّا عدوّاً او مذنِباً لكي يكون كفارة لذنوبه فما بال هذا الحديث ، فقد نطقت الحمّي بلسان عربي مبين حين ناداها الحسين عليه السلام و هي ليست في الظاهر من الجواهر و الكلام المسموع منها فعل الاجسام و قد اقسم عليه السلام و اخبر انّه ماخَلَق اللّه شيئاً الّا و قد امرَهُ بالطّٰاعةِ لهم فكيف يأمر اللّه شيئاً بطاعتهم و لم‌يعرّفه مقامهم منه و قد ذكرنا مراراً في هذا الشرح ان اللّه تعالي خلقهم له و خلق الخلق لهم و ان اللّه سبحانه اشهدهم امر خلقه و كل ذلك و امثاله صريح في انّه عزّ وَ جلَّ عرّف كُلَّ شي‌ء ايّاهم و اما ما ذكره عليه السلام فانه جارٍ علي المتعارف في الظاهر و يعلم من الادلّة الخارجة انه يريد كلّ شي‌ء لانهم ذكروا في احاديثهم العموم فلايجوز ان يريد هنا الخصوص لئلّاتختلف احَاديثهم باطناً و في الواقع علي انه عليه السلام قد اجمل ذلك كله بقوله و لا خلق فيما بين ذلك شهيد اي فيما بين كلّ ما ذكر من الوساۤئط و الاعراض و الفواضل و النسب و الاوضاع و الاسباب و الشروط و الموانع و المسببات و هو ما ذكر من الاثني‌عشر المذكورة و ما بينها كالملك المقرب و الشيطان المريد فانّ الملك في الطرف الاعلي من الغيب الجزئي و الشيطان المريد في الطّرف الاسفل من الغيب الجزئي و ما بينهما من ذرّات الوُجود من الغيب و الشهادة من البساۤئط من الجواهر و الاعراض و كالنبي المرسل و الجبّار العنيد فان النبي المرسل في الطرف الاعلي من النور الجامع و الجبار العنيد في الطرف الاسفل من الظلمة الجامعة و ما بينهما من ذرّات الوجود من الغيب و الشهادة من المركبات و الكليات من الجواهر و الاعراض و كذلك ما بين كل متخالفين من المراتب في الذوات و الصفات فانها كلّها خلق شهيد يعني اشهده اللّه معرفتهم باخذ الميثاق عليه لهم كما سمعتَ من كلام الحسين عليه السلام في شأن الحمّي و ممّا اشرنا اليه حركتك و سكونك و نومك و يقظتك و فرحك و حزنك و ضحكك و بكاۤؤك و شبعك و جوعك و ريُّكَ و عطشك و صحّتك و مرضُك و نموّك و ذُبُوْلك و طاعتُكَ و معصيتك و امثَالك و طبايعك و اطوارك و اوطارك و احوالك و وجودك و عقلك و علمك و جهلك و موتك و حياتك و كل شي‌ء منك من عين او معني فانه خلق فيما بين ظاهرك وَ باطنك و اوّلِك و آخرِك و ذاتك و صفاتك و دنياك و آخرتك شهيد اي اشهده اللّه معرفتهم و اخذ عليه الميثاق لهم بالطاعة و هو تأويل و لا رطب و لا يابس الا في كتابٍ مبينٍ و قوله تعالي وَ كُلّ شي‌ء اَحْصَيْناهُ في امامٍ مبين و تأويل وَ حَشرناهم فلم‌نُغادِرْ منهم اَحداً و قالوا يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لايغادر صغيرة و لا كبيرةً الّا اَحْصيٰها مع قوله تعالي هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون .
قوله : الّا عرّفهم جلالة امركم اي لم‌يبق مما ذكر شي‌ء الّا عرّفهم عظم اَمْرِكم اي وِلايَتكم و سلطانكم و السلطان الذي لهم عليهم السلام هو ما اقامَهُمْ فيه من انّ اللّه سبحانه انما خلقهم له لا لانفسهم و لا لغيرهم و هذا المقام اعلي مقاماتهم و خلقَ ما سواهم لهم و هو معني انّا للّه و انا اليه راجعون في حقّهم لانّهم خلقهم له عزّ و جل و في حقّنا لانّه تعالي خلقنا لهم و من خلقهم لهم حقيقة فهم له بعين تلك الحقيقة لانّهم له تعالي و حين خلقَ ما سِواهم اشهدهم خلقهم كما اشهدهم خلق انفسهم اي انّ اشهاده تعالي لهم خلق خلقه فرع و صفة لاشهاده تعالي لهم خلق انفسهم و هو سر التشبيه في قولنا كما اشهدهم و انهي تعالي اليهم علم خلقه و علم امرهم به في خلقه من صنعٍ و تقديرٍ و تبليغٍ و اداۤء في التكوينات و التشريعات فترجموا لهم امرَ اللّه تعالي علي حسب قوابلهم في التكوينين في متقن التّدبير في تربيتهِم و اِصْلَاحهم استنطاقاً لهم بما اودعَ اللّه سبحانه في حقاۤئقهم من تسبيحه و تهليله و تقديسه و عبادته بطاعتهم و الولاية لهم و البراۤءة من اعدائهم و بمحبتهم و التسليم لهم و الردّ اليهم و نشر فضاۤئلهم و بَثِّ مداۤئِحهم و الثناۤء عليهم و هو قوله تعالي و ان من شي‌ء الّا يسبّح بحمده و قولهم عليهم السلام في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبّح اللّٰهَ باسماۤئه جميع خلقه و قد ذكرنا هذا المعني فيما مَضَي مراراً في المواضع المختلفة تنبيهاً عَلَي اتحادها فتدبّر معني ما اَوْردتُه هنا و تفهّمه فانّك تري امراً عظيماً جليلاً كبيراً لاتحتمله عقول اولي الالباب و هذا هو الوصف الظاهر من سلطانِهم و امرهم اماسمعتَ ما قدّمنا من قول الصّادق عليه السلام انّ امرنا هو الحق و حق الحقّ و هو الظاهر و باطن الظاهر و باطن الباطن و هو السر و سرّ السِّرِّ و سرّ المستسرّ و سرّ مقنّع بالسّرّ فان قلتَ اذا كان هذا الذي اشرتَ اليه لايكاد ان يدركه من لطف حسّه و صَفي ذهنه و كشف عن عين بصيرته مع انه ظاهر امرهم فشأن باطن امرهم لايدركه غيرهم و هو كما ذكرتَ و لكن كيف يصح ان يقال انه لم‌يبق شي‌ء من خلق اللّه تعالي كما تضمّنه كلامه عليه السلام الّا عرّفهم جلالة امرهم لان ما اشرتَ اليه لايفهمه الّا آحٰاد شيعتهم الخصيصُون و هو ظاهر امرهم و قد بَيَّنْتَ انّ المعرّفين بفتح الراء هم جميع الخلق من الحيوانات و النباتات و الجمادات من الذوات و الصفات الذاتية و الفعلية و اكثرهم لايعرفون ممّا وصفتَ حرفاً واحداً قلتُ المراد بقوله عليه السلام الّا عرّفهم جلالة امركم انّه تعالي عرّف كلّ شي‌ء جلالةَ امرهِم بان يعرف ممّا يظهر له من ظاهرهم جلال و عظمة لايحتمله و هذا المعني يتساوَي فيه جميع من سواهم فانّ الانبياۤء و المرسلين يظهر لهم من شأنهم ما لايحتملونه و ليس ذلك منتهاهم و لا جزءٌ من مائةِ‌الفِ جزءٍ و انما يعرفون منه ما يحتملونه و مايحتملون منه الّا بقدرهم و اليه الاشارة بقوله تعالي انزل من السماۤء ماۤء فسالت اودية بقدرها و ذلك كما تقبل المِرءاة من ضوء الشمس و الذي احتملوه من شعاعهم هو ما كتبوه في حقاۤئقهم الّتي هي نفس ذلك المكتوب و كذلك الجمادات ظهر لها من شأنهم ما لاتحتملُه لانّها انما احتملت من شعاعهم ما كتبوه في حقاۤئِقها الَّتي هي نفس ذلك المكتوب و ذلك كما يحتمله الحجر من ضوء الشمس فقد عرّف سبحانه كل واحدٍ مِنْ خلقه جلالة امرهم عليهم السلام علي نحو ما اشرنا اليه و كيف لايعرف مخلوق و هو مخلوق لانّه انّما خُلِقَ بما قَبِلَ و انّما قبِلَ بما عَرَفَ و انّما عَرفَ بما قَبِلَ فلو لم‌يعرف لم‌يقبل و لو لم‌يقبل لم‌يخلق و الخطَر محركة مثل الشي‌ء و عديله و لايستعمل الّا في الشي‌ء الذي لَهُ قدرٌ و مَزِيّة و الشأن الخطب و هو الامر تقع فيه المخاطبة و الحال و المراد من عظم الخطر عظم القدر في علوّ الذات او الصفات علي نحو ما اشرنا اليه لان كل احد و كل شي‌ء اراه اللّه تعالي عِظَماً بكسر العين و فتح الظاء المعجمة من علوّ ذواتهم لايقدر علي اكتناهه و من سموّ صفاتهم لايعرف قدره و يراد من كِبَرِ الشأن بكسر الكاف و فتح الموحّدة انّه سبحانه اوصل الي كل شي‌ء تعريفاً لشأن ذواتهم و صفاتهم لاينال احد من معناه الّا ما احتملته قابليته من آثار معني ذلك التعريف ففي الحقيقة نزل التعريف من اللّه سبحانه لخطرهم وَ شأنهم علي حقيقة ما هما عليه في حقّهم فهم قبلوا التّعريف كما اراد لم‌يشركهم في ذلك شي‌ء من خلق اللّه في شي‌ء من تلك الحقيقة وَ لَاحَتْ آثارُهُ علي هياكل ما سواهم علي حسب قوابلهم و قوله عليه السلام فيما يأتي مواليّ لااُحْصي ثناۤءكم و لاابلغ من المدح وصفكم و من الوَصْفِ قدركم حكايةٌ و تعليم لمن سواهم و الّا فانّه عليه السلام يحصي ثناۤء نفسه و آباۤئه السّتة و ابنه العسكري و فاطمة عليهم السلام و مدحَ وصفهم و وصفَ قدرهم و الباقي يبلغ من كنههم ما اجتمع معهم فيه و ما دونه و انّما كلامه هنا لغيرهم .
و قوله عليه السلام و تمام نوركم يريد به انّ نورهم تاۤمّ ليس فيه في رتبة الامكان نقص و المراد من النور حقاۤئقهم و صفاتهم و افعالهم و اعمالهم و كلّ ما لهم و اليهم و منهم و عنهم و بهم فان قلت كيف لايكون في نورهم نقصٌ بقول مطلق و قد قلتَ كما مر انّ بعضهم اعلم من بعض و بعضهم افضل من بعض و قد قلتَ انهم كلّهم محتاجون الي المدد من اللّه تعالي ابداً فهم داۤئماً في الزيادة و ذلك يدل علي نقص فيهم قبل الزيادة بها تمّوا و قبل الزيادة الثانية هم ناقصون و بها تمّوا و هكذا فلايفارقهم النقص قلتُ مرادنا بنفي النقص في وجوه احدُهَا انهم في كل مقام تاۤمّون قبل الزيادة و بعدها لانّهم قبل الزيادة الجديدة لم‌يكن شي‌ء ينبغي ان يكون لهم فلايكون بل كلّما ينبغي فهو حاصل لهم و ما لم‌يحصل قبل حصوله لاينبغي لتوقّفه علي اسباب كونه و عينه و قدره و قضاۤئه و لايراد منهم شي‌ء يتوقّف علي ما لاينبغي ليحصل النقص بفقده و فاقد ما لاينبغي له ليس ناقصاً بسبب فقده و ثانيها انّ الزيادة المتجدّدة ليست للتتميم ليكونوا قبلها ناقصين و انما هي للتكميل و الزيادة للتكميل لاتستلزم النقص قبلها و ان فرض في مراتب الكمال لاينافي التمام لان التمام راجع الي الذّات و التكميل راجع الي الصفات و ثالثها ان التمام المذكور اضافيّ اي بالنسبة الي من دونهم من ساۤئر الخلق فانهم لم‌يجعلهم اللّه اولياۤء علي ما خلق و ابواباً لاحكام سلطانه و فيهم نقص عما يرادُ منهم فعله او تبليغه اوْ اَداۤؤه و ان قلنا بتفاوت ما بين حالتيهم قبل الزيادة و بعدها و رابعها انّ المراد بقولنا ليس فيه في رتبة الامكان نقص ان ذلك النور التام ليس فيه في رتبة الامكان المُسَاوي الّذي تَساوَي فيه الوجود و العدم و هو مقام الكون اي المشاۤء مشيّة الكون لِاَنّه في هذه تام ليس فيه نقصٌ و الّا لظهر النقص في ما تحته من آثاره و افعاله فلمّا وجدنا افعاله و مصنوعاته و آثارُ افعالِه۪ و صفاته سبحانه و تعالي ليس فيها نقص في شي‌ء بل هي محكمة في غايةِ الاتقان و كمال الصّنع قطَعْنا بانَّ عِللَها التي هي العلّة المٰاۤدّية و العلّة الصوريّة و العلّة الغاۤئيّة بل ما هو فوق ذلك و كلّ ذلك هم عليهم السلام و منهم و ما تترتّب عليه يجب ان تكون تاۤمّة بل اتمّ من معلولاتها قطعاً و تفضل عليها لا اقل من سبعين مِثْلا و انما كان كذلك لانه سبحانه انما خلق الاشياۤء علي حسب اسبابها و ما تترتب عليه و كل ذلك من نورهم و لانريد بالامكان الامكان الراجح الذي هو مظهر البدع و الافاضات المخترعة لا من شي‌ء التي لا نهاية لها و لا غاية قال سبحانه و لايحيطون بشي‌ء من علمه الّا بما شاۤء اي لايحيطون بشي‌ء من علمه الذي هو راجح الوجود الّا بما شاۤء اي انّ علمه المساوي الوجود و هو المشاۤء بالمشية الكونية المتعلقة بالاكوان يحيطون به لانّهم محلّ تلك المشيّة لا المشاۤء بالمشيّة الامكانية المتعلّقة بالامكان الذي هو محل الرجحان و في هذه الٰاية وجه آخر و هو ان المراد بالعلم الذي لايحيطون بشي‌ء منه هو العلم الواجب الذي هو ذاته سبحانه و تعالي و المحاط به هو العلم المشاۤء الحادث فعلي هذا الاستثناۤء منقطع و علي الاول يحتمل ثلاثة وجوه احدها انّه متّصل لانّ العِلمَيْن حادثان و ثانيها انه منقطع لان الثاني ليس من الاول و لايطلق عليه حقيقة و لايدخل في مفهومه الّا لفظاً بل لايكاد يتناوله ليحتاج الي اخراج ما لولا الاستثناۤء لدخل فيه في حال انه لم‌يكن داخلاً في الواقع و انما اتي به لبيان ما يحيطون به و ثالثها انه ليس بمتصل و لا منقطع و انه قسم ثالث و انما لم‌يتعرض له اهل العربية لانهم لايعرفونه و انما يعرفه من عرف حقيقة هذا المشار اليه فاذا نظر الي ما قرّره علماۤء العربيّة وجده لايدخل في واحد منهما و وجب عليه في دليل الحكمة ان يجعله قسماً ثالثاً كما هو شأنُ جميع احوال برزخ البرازخ لانه لايدخل في حكم الوجوب و لا حكم الحدوث و لهذا قال الاكثر منهم بالوجوب و قال اهل العصمة عليهم السلام بالحدوث و دلّت اخبارهم باشاراتها علي انه لا اوّل له الّا عين ذاته اوجده اللّه بنفسه و لم‌يكن قبله شي‌ء الّا الازل الحق تعالي و لا معه شي‌ء غيره و اللّه سبحانه بكل شي‌ء محيط و انما اذكر هذه الاشياۤء و امثالها و ان لم‌اكن بصددها تنبيهاً لطالب الحكمة علي بعض الاسرار الالهيّة و العلوم المخزونة المكنونة لعلّه يقرع باب الحكمة علي النحو الذي لايفتح لاحدٍ بابها الّا به .
و اما ان بعضهم اعلم من بعض و افضل من بعض فلايستلزم نقص المفضول هنا لانّ المراد بالمفضول هو من لم‌يوجد في وقت الفاضل و رتبته فاذا وجد ساواه في جميع ما وصل اليه من ربّه الّا هذا الحرف و هو سبق الوقت و الرتبة مثالُهُ اذا كان عندك سراج ثم اشعلتَ منه سراجاً مساوياً له في القدر في النور و الفتيلة وَ الدهن فانه مساوٍ له و الاوّل وجد قبله و الثاني و ان ساواه و لكنه اشعل منه فهو افضل من الثاني فهذا مرادنا بذلك و هو قول علي عليه السلام انا من محمد كالضوء من الضوء فافهم .
و اما ان كلهم محتاجون الي المدد فحق و لكن لايستلزم النقص كما قلنا في الوجه الاول لانه سبحانه لايمدّهم بشي‌ء كان عنده مكوّنٍ قبل الامداد ليكونوا فاقدين لما يحتاجون اليه لوجوده في رتبة اعلي من رتبتهم فينزل عليهم و انّما يوجد اللّه سبحانه الامداد في ظهوره عليهم كما توجد الشمس مدد نورها المشرق علي الارض في اشراقه علي الارض لا قبله لانه لا قابل له غيرها فهو متوقف علي وجود الارض توقّف ظهورٍ اذ ليس له كون قبل ظهوره عليها الاتري الي صورتك في المرءاة فانّها حين ظهرت في المِرءٰاة تامّةً لا نقص فيها و تبقي موجودة مدّة مقابلتِكَ لها و في تلك المدة لاتتصوّر نقصاً فيها غير افتقارها اليك مع انّها لاتقوم لحظة الّا بما تُمِدُّهَا من ظهورِك لها بها فهي في كلّ لحظة طريّة جديدة بَل في الحقيقة انّما تقوّمَتْ بالمددِ تقوّم صُدُورٍ و مع هذا فلاتمدّها بما ليس منها و لها بل عدمها لازمٌ لوجودِها فما فُقِدَ من كونها لحق بامكانها فكمن فيه بعد انخلاع لباس الكون و ما وُجِدَ لها بالمدد فهو ما كمن في اِمْكانِها بعد ما البستَهُ ما نسجتَ له منه بتعيّناته و تشخّصاته حلّة الكون المناسبةَ للمستمدّ فظهر لها علي حسب حالها من الوقت و المكان و الرتبة و الجهة و الوضع بِمَعْنيَيْهِ الاخيرين اعني نسْبة الاجزاۤء بعضها الي بعضٍ و نسبة الاجزاۤء الي الامور الخارجة و من الكيف و الكمّ و غير ذلك فاذا عرفتَ ما اشرنا اليه هنا و سابقاً ظهر لك انّ الصورة لاتستغني عن المدد لحظة و الّا لاستغنَتْ ابداً و ان المدد كلّ لحظة جديد ماكان قبل الٰان و انه لايكون من غير ما لَها و لا منها و انّ الصُّورة بذلك نهر مستدير علي نفسه يعني كرة مجوّفة تدور علي وجه ظهورك بها لها لا الي جهة فاذا عرفتَ هذا في الصورة مَعَ انّها ابدا ليْسَت ناقصةً الّا نقص الافتقار الي ظهورك لَهٰا بهَا عرفتَ اَنّهم عليهم السلام ابداً تاۤمّون مع استمرار استمدادهم من فيضه تعالي الاعلي الذي هم به متقوِّمون علي نحو ما اشرنا لك به منَ التمثيل بالمِرءٰاةِ فتفهّم و اقْرَأ وَ ارْقَ .
و قوله : و صدق مقاعدكم المقاعد جمع مقعد و هو مكان القعود و المراد بها مراتبهم الّتي رتّبَهُم اللّه فيها مثلاً رتّبَهُم اللّه في المقامات يعني ان اللّه سبحانه و له الحمد كان و الّا تعيّن له بل هو كنز مخْفي فاوّل ظهوره فيما احبّ من تعريفِه نفسَهُ بهم و كلّ ما سوي هذا المقام لايعرف الّا شؤن هذا المقام و هو الذي عناه الحجة عليه السلام في دعاۤء شهر رجب في قوله و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك و هو قول النّبي صلّي اللّه عليه و آله اعرفكم بنفسه اعرفكم بربّه و قول علي عليه السلام من عرف نفسَهُ فقد عرف ربّه و ذلك لان اوّل هذه المقامات و اشرفها مقام النّبي صلّي اللّه عليه و آله فهو اعرف الخلق باللّه سبحانه فيعرفون اي الخلق المعبود جل و علا بصفات الصِّفَات و هي صفات افعاله و صفات مظاهره و امّا هم صلوات اللّه عليهم فيعرفونه تعالي بهذه الصفات و المظاهر انفسها لانهم انفسها و ليس في الامكان معرفة اعلي من هذه و لم‌يتعرّف تعالي بمقام اعلي منه و لهذا قال في دعاۤء شهر رجب لا فرق بينك و بينها الّا انهم عبادك و خلقك و المراد من المستثني هو المراد من المستثني منه و انما ذكّر الضمير في المستثنَي للبيان بتعريفها بما تظهر فيه آثار الخلق و الّا فالمراد واحد و لهذا لمّا اخذ في تبيين المستثني المنصوص عليه بالعبودية و الخلق انّث الضمير ليعلم انّ المراد منهم تلك بقوله فتقها و رتقها بيدك بدؤها منكَ و عودُها اليك فاذا عرفتَ هذا المقعد الحق الذي كلّما يُدّعا من دونه هو الباطل عرفتَ انه في غاية الصدق في الامكان و كيف لا و قد نص عليه الحجة عليه السلام بقوله لا فرق بينك و بينها و المقعد الثاني فيما دون ذلك و هو معانيه الّتي لاتعرف الا هي و لايعرف الّا بها و المقعد الثالث فيما دون الثاني و هو مقعد الابواب و هم في هذا المشهد سبيل اللّه الي خلقه و سبيل خلقه اليه و المقعد الرابع فيما دون الثالث و هو كرسي الامامة و القاعد عليه الامام المفترض الطاعة من الخالق سبحانه و الحجة علي الخلق و المقعد الخامس فيما دون ذلك مقعد الافعال و الاعمال و منها الاداۤء و التبليغ و الصدق في هذه المقاعد و ان كان في نفسه مختلفاً اختلافاً شديداً الّا انه يجمعه شي‌ء واحد و هو الصدق مع اللّه في كلّ المواطن علي حدٍّ لايبلغه من سواهم بحيث لايفقدهم حيث يحبّ و لايجدهم حيث يكرَهُ و ذلك لان هذا الصدق في هذه المقاعد الخمسة هو ما عناه الصّادق عليه السلام و ادني حَدِّ الصّدق اَلَّايخالفَ اللسانُ القلبَ و لا القلبُ اللسانَ و مَثل الصّادق الموصوف بما ذكرنا كمثل النازع روحه ان لم‌ينزع فماذا يصنع و هذا مثال لهم لا لغيرهم فان كان اَحَدٌ من غيرهم بهذه الصّفة فانّه بنسبة مقامه لم‌يبلغ غاية الصّدق لانّ ما يدل عليه هذا اللفظ اذا اريد به المفهوم يكون مُشَكِّكاً متفاوتَ المراتب و امّا اذا اريد به المعني فلايزاحمهم فيه احد .
و قوله عليه السلام : و شرفَ مَحلِّكم و منزلتكم عنده الشّرف الرفعة و العلو و القدر و المحلّ بفتح الحاۤء المكان و بفتحها و بكسرها المكان و الوقت و المنزلةُ مَكان و مكانة و رتبةٌ و وقتٌ فقد عرَّفَ كل خلقه علوّ مكانهم و رفعته و سبق وَقتِهِمْ و قُرْب مكانتهم فالمكانةُ في الامكان كمُحدَّبِ مُحَدِّدِ الجهات في الاجسام و الرتبة فيه كالمُحدد في الاجسام و الوقت فيه من السرمد في المكانة كالزمان في محدَّبِ المحدّد و في الرّتبة كالزمان في المحدِّدِ و امّا المكان فالمكانة فيه كالمحدّب في المكانِ و الرّتبة فيه كالمُحدِّدِ في المكان و الوَقْت في المكان كالمكان في الوقتِ يعني انهما متساوقانِ و كل رتبة من احدهما في رتبةِ مُسَاوقِه كما ذكرنا في بعض رَساۤئلنا في الزمان و المكان و الجسم فانّا بَيَّنّا ان زمان محدّب محدّد الجهات في اللطافة كالمحدّب و كَمكانِه۪ و زمان المحدد في اللطافة كالمحدّد و مكانه و زمان فلك البروج فيها كفلك البروج و مكانه و زمان السموات السبع في اللطافة مثلها و مثل مكانها بل كل سماۤء مكانه و زمانه مثله و زمان الارض و ساۤئر الجمادات مثلها و مثل مكانها كذلك فكلما لطف الجسم لطف زمانه و مكانه بنسبة لطافته و كلّما كثف كثف فكذلك حكم وقت مراتبهم و مكانها في مقامِ او ادني حرفاً بحرف لان الامكان الراجح الذي هو مكان الابداع و الحقيقة المحمديّة و فلك الولاية المطلقة و السرمد الذي هو وقت هذه الثلاثة و هذه الثلاثة كلها من شبهٍ واحد يعني كل مرتبةٍ من واحدٍ منها كمثل مساويها من الٰاخرين في اللطافة و الشرف و الرتبة و الرفعة .
و قوله عليه السلام : و كرامتكم عليه الكرامة بمعني العزازة اي عدم النظير او قلّة النظير لا بمعني ضد الذلِّ فكرامتهم عليه انهم عنده ليس لهم مثل و لا نظير .
و قوله عليه السلام : و خاصتكم لديه اي عنده اَو ان لدي اخصّ من عند لانّ لدي قد تستعمل لاقرب مراتب ما تصدق عليه العند اَوْ لأعْلَي من اعلي مراتب ما تصدق العند لانّ لدي يقال لما يختصّ به من دون كل ما سواه كما في قوله عليه السلام و باسمك الذي استقرّ في ظلّك فلايخرج منك الي غيرك و امّا عند فلما في ملكه و خزاۤئنه و في كل ما تحت يده فلدي للاشرف و الاقرب فهي اخص من عند فلذا ذكر الخاۤصّة بلَدَي لا بعند و معني خاصتكم لديْه انّهم له قد استخلصه لهم في القدم من بين ساۤئر الامم كما قال علي عليه السلام في خطبة الغَدير و الجمعة فيؤل معني و كرامتكم عليه الي معني و خاۤصتكم لديه و بالعكس و قد تقدّم بيان ذلك مراراً .
و قوله عليه السلام : و قرب منزلتكم منه حتي قال من اطاعهم فقد اطاعني و من عصاهم فقد عصاني و قال عليه السلام لا فرقَ بينك و بينها الّا انهم عبادك و خلقُكَ و ذلك لانه سبحانه خلقهم في القرب و اقامهم في القرب حتي جعلهم معانيه و ابوابه و بيوته و معرفته و عبادته و الثناۤء عليه كما اشار اليه في الزيارة الجامعة الصغيرة التي اوّلها السلام عليك ايها النبي و رحمة اللّه و بركاته السلام عليك ايّها النبي المرسل و الوصي المرتضي و السيدة الكبري و السيدة الزهراۤء و السبطان المنتجبان و الاولاد الاعلام و الامناۤء المنتجبون قال في آخرها اشارة الي انهم الثناۤء عليه يسبّح اللّهَ باسماۤئه جميع خلقه و السلام علي ارواحكم و اجسادكم و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته ه‍ ، و جعلهم ظاهره في خلقه و اسماۤؤه ( اسماءه ظ ) و صفاته و نعمه و حججه علي خلقه و مظاهر صفاته و افعاله في خلقه صلي اللّه عليهم اجمعين .
تم الجزء الثاني من شرح الزيارة الجامعة و يتلوه الجزء الثالث و الحمد لله رب العالمين ، تمت .