00-03-01 شرح الزیارة الجامعة الکبیرة – المجلد الثالث – مقابله – الجزء الاول

شرح الزیارة  الجامعة الکبیرة

 

من مصنفات

الشیخ الاجل الاوحد الشیخ

احمد بن زین الدین الاحسائی

 

 

المجلد الثالث – الجزء الاول

 

بسم اللّه الرحمن الرحيم
و به نستعين .
قال العبد المسكين احمد بن زين‌الدين الاحساۤئي :
قال عليه السلم : بابي انتم و امي و اهلي و مالي و اُسْرتي
اقول بابي اصله معمول ثانٍ لافدي و انتم مفعول اوّل و المعني افديكم بابي و امي الخ فكثر استعماله و تداوله علي السنتهم في مخاطباتهم فحذفوا افدي اختصاراً لظهور معناه لكثرة الاستعمال حتّي انتقش في اذهانهم عند ذكر بابي انتم و ان لم‌يقصدوا تصوّره و ذلك لشدة حرصهم في طلب الاختصار فيقتصرون علي اقل ما يدلّ علي المقصود و ان لم‌يكن في المنطوق بل اكتفوا بما كان في محلّ النطق كدلالة الاقتضاۤء و التنبيه و الاشارة بل بالمفهوم و المجازات و الاستعارات و اللّوازم البعيدة و الامثال اذا امكن فهم المخاطب لها و لو بنصبِ قرينةٍ فلمّا حَذفوه لظهور المعني تمادَي بهم الحال و المداومة علي الحذفِ لكثرة الاستعمال حتي غفلوا عن المعني الفعلي الملحوظ فيه الحركة لعدم فاۤئدة التجدّد للفداۤء و دعاهم دوام الاستعمال الي دوام حضور الفداۤء نفسه في خيال المتكلّم عند لفظ بابي انتم فاقيم متعلّقه الذي هو بابي مقامه في التصدّر و لمّا كان ظرفا كان غير صالحٍ للابتداۤء الاصطلاحي مع انه المفعول الثاني كان المفعول الاوّل الذي هو انتم اولي بالابتداۤء الاصطلاحي لانه اسم و مقدّم علي بابي رتبة في الاصل فهو اولي برتبته و لمّا كان انتم لايصلح لنيابة افدي لانه المفدي جعلوا بابي نائباً عن افدي لانه متعلقه و معناه فيه و لمّا جعلوه ناۤئباً عنه لانه الفداۤء اوجبوا تقديمه لينزل في مرتبة الفعل و كان خبراً لان الخبر مسند الي المبتداۤء و الفداۤء مسند الي المفدي و لمّا كان انتم هو المبتدأ اُلْبِسَ حلّة المبتدأ و صورته لانه كان حين وجود الفعل ضمير المفعول و ضمير المفعول ان كان متّصلا كان كم و ان كان منفصلاً كان ايّاكم و ليستا من ضماۤئر الرفع ليصلح ان يجعل مبتدأ فاتي بضمير الرفع الذي هو بمعناه اي ضمير الجمع المخاطبين لان الصحيح عندي انّ الضماۤئر في الخطاب صورتان وضع الواضع للرفع صورة و هي اَنْ بسكون النون و الحقها علامات تميّز مَعُودها و هي الف بعد ان للمتكلم و حرّكت النون لالتقاۤء السَّاكنَيْن و تاۤء مفتوحة للمخاطب المذكر و مكسورة للمخاطبة و تاۤء و ميم و الف للمثني امّا التاۤء فاتي بها لئلّايزيد المفرد علي المثني و امّا الميم للفرق بينه و بين ضمير المخاطب اذا لحقته الالف الاطلاق و امّا الالف فللفرق بينه و بين ضمير الجمع و انما خصّ الالف بالمثني لانه ضميره في الغاۤئب و امّا الجمع فلما قلنا في المثنّي التّاۤء لئلّايزيد المفرد و الميم علامة الجمع و في المؤنث النون المشدّدة و للنّصب صورة و هي الكاف وحدها للمفرد علي الاصل و كسرت للمخاطبة للفرق و في المثني بزيادة الميم و الالف و في الجمع بزيادة الميم للمذكرين و النون المشدّدة للمؤنّث لما قلنا في الرفع و كل هذه الملحقات علامات فارقة و ليست اصلية و زيد في صورة الانفصال ايّا و هي دعامة يعتمد الضمير عليها عند انفراده عن فعله لا اصلية و هنا اختلافات للنحاة هل الضمير ايّا وحدها او الكاف وحدها او المجموع و كذلك في ضماۤئر الرفع و الاصح ما قلنا لك فلمّا عدلوا عن ضمير النصب اتوا بضمير الرفع و المعني فيهما واحد و انّما التغيير لاجل صورة الاعراب لصلوح كل صورة لما هي له لاسباب يطول ذكرها فقيل انتم فالضمير اَنْ و ما زاد علي اَنْ فعلامات فارقات فكان بابي خبراً مقدّما و انتم مبتدأً مؤخراً و لو اُخّر الخبر علي الاصل لماصح الاخبار لفساد المعني لاجل انقلابه لان صورة انتم بابي تدل علي كون المفدَّي فداۤء و بالعكس الّا بان يقدّر خبر يكون بابي معمولاً له اي انتم مفديّون بابي و تقديمُ بابي مع نيابته عن العامل المتقدّم اعني افدي اولي من اصالة عدم تقديم الخبر للموجب و لفساد المعني و انقلابه و من التقدير لزيادة الكلفة فالتزموا التقديم لما سمعتَ فان قلت لم قدم الاب ثم الام و هكذا قلتُ لانه اتي بها علي جهة الترقي و هو الانتقال من الاقوي الي الاضعف جرياً علي وفاق الغالب لان الغالب في الاثبات كذلك من الاقوي الي الاضعف و في النفي من الاضعف الي الاقوي الّا ان العكس قد يستعمل و ان كان خلاف الاغلب قال اللّه تعالي لاتأخذه سنة و لا نوم و في الدعاۤء ليلة الجمعة من الجمع الاربعين كما رواه ابن‌طاووس في مهج الدعوات و لايأخذك نوم و لا سنة و الام اضعف من الاب لانّها تقتل بالابن و لايقتل الاب و لاشتراط اذنه في مثل النذر و صوم المندوب دونها علي الاشهر و يلزم الابن القضاۤء عنه و لايلزم القضاۤء عنها علي المشهور لان الاب اصل للولد و الام فرع عليه و لهذا خلق من الاب العصب و العروق و المخ و العظم التي هي اصل الانسان و خلق منها اللحم و الدم و الشعر و الجلد و هي ظاهره و قشرهُ و ذلك لانّ ما منه الماۤدة و ما منها الصورة و حديثُ مَن اُبِرُّ قال عليه السلم امّك قال ثم من ابرّ قال امّك قال ثم مَنْ ابرّ قال امّك قال ثمّ مَنْ ابرّ قال ابُوكَ و لان الاب مقدّم في الوجود و التكليف الاول كما في عالم الذر و لانها خلقت من نفسه اي من فاضل طينة نفسه و انما نسبت الي النفس و لم‌تنسب الي العقل لقلّة ما منه و كثرة ما منها فانها ثلث من العقل و ثلثان من النفس و الاب بالعكس و مزاجه من الاصل في عقله و نفسه و مزاجها من الفاضل في عقلها و نفسها و وجوب اجابة ابنها لها في الصّلوة دون الاب محمول علي ملاحظة الضعف و عدم احتمالها ما يحتمله الاب فوجبت الشفقة بها و الرأفة و انما قيل بابي انتم و لم‌يؤخر انتم الي آخر الفداۤءات للاهتمام و الاعتناۤء بذكر المفدي بالمبادرة اليه و لئلّايتوهم مَن غفلَ عن بابي لبعده او يسهو فيجعل انتم خبراً للمذكورات او لما يقاربه منها فاذا وصل الي انتم و التفت الي ما قبله وجد مثلا اهلي و مالي انتم فيكون عنده خبرا و ما قبله مبتدأ و يختلّ المعني و ملاحظة الكلام من اوّله لئلّايختلّ المعني فيه مشقّة و كلفةٌ و مبني اللغة العربيّة علي السهولة و الخفّة كما هو مشاهد عند الاعلال و تَوالي الامثال و التقاۤء الساكنين و عدم الابتداۤء بالساكن و التزام المدّ و غير ذلك فالتزموا التقديم في انتم علي غير بابي لما قلنا و لايلزم احتمال الاستيناف و توهّمه في و امّي للفصل بانتم لظهور المعني و ذكر الام بعد الاب قرينة علي ارادة التشريك بينهما و لانه لو احتمل الاستيناف كان مبتدأ و لو كان كذلك لوجب ذكر الخبر و لايجوز حذفه لمعارضة العطف لذلك الاحتمال و لاصالة عدم الحذف و عدم ذكره دليل عدم احتماله و هذه العبارة تستعمل لبذل الحبيب و العزيز وِقايةً للاحب و الاعزّ بحيث يفني الحبيب و العزيز من كتاب الرعاية و المحافظة مطلقاً كما هنا لعموم الاحاطة و شمولها لجميع الاقتضاءات او في رتبة ما يقتضيه المقام عند توهّم محاذرة تغيّر الاحب و الاعز او تبدّله مطلقا او عن خصوص صفة الاحبّية و الاعزّية او فناۤئه عنها او مطلقا مثلا اذا وجدتَ مَن ظهر بصفةٍ حسنةٍ قد هانَ عند ظهورِها لَكَ كلّ جليل و عزيز عندك قلتَ بابي انت و امي الخ ، اي افدي تغيّرك عن هذه الصفة او تبدّلك بغيرها مما لم‌يستدعِ ميل قلبي اليها او فناۤءَك او فقدانك باحب الاشياۤء عندي و اعزّها عليَّ و هي ابي و امي و اهلي اي عشيرتي و ذوي قراباتي و الزوجات و الاولاد و البنات و الاصهار و مالي و اُسْرتي بالضم اي رهطي الادنون اي ابذلهم وقاية لكَ من كل مكروه و محذور و هذا تستعمله العرب عند الخطاب لمن يحترمون مقامه و يعظّمون اكرامه فلمّا اراد خطابهم بان يشهدوا علي ما انطوي عليه من الاعتقاد مما ابرزه باقراره الحتمي علي جهة المعاهدة بالعهد المؤكد و كان قد احلَّهم من قلبه محلّا اجلّ من ان يطلُبَ منهم الشهادة امّا لكونهم اجلّ قدراً من ذلك لعلوّ مرتبتهم كما كانت عادة المملوك القنّ الذليل الحقير انه لايحسن منه ان يقول لسيّده العظيم الجليل الشأن العالي المكان الشديد الاركان اُشهِدُك علي حسن حالي عندك مع ما يعلم من نفسه من وقوع كثير من التقصيرات في حق سيّده و مولاه الاجل و اِمّا لعلمه باطلاعهم علي حقيقة ما اشهدهم عليه فاستشهاده لهم سوۤء ادب و لم‌يكن له استغناۤء عنهم في حال من الاحوال مع انّهم امروا عليهم السلم بذلك و امثاله لان القول عبادةٌ اذا طابقَ الضمير و لمّا اراد تعظيمهم و التأدّب معهم قبل ان يطلب الشهادة المعلومة بذل اعظم ما يقدِر عليه و لم‌يقدر علي شي‌ء اعظمَ عنده من ان يدعو بان يكون اعزّ الاشياۤء عنده و عليه فداۤءً فداۤء لهم من كل مكروهٍ و محذورٍ فقال بابي انتم و امي و اهلي و مالي و اسرتي فان قلت اذا كانت علّة جعلِه۪ ابويه و غيرهما ممّن ذكر فداۤء لهم هي عِظَمُ منزلتهم عنده و كبر شأنهم لديه علي نحو ما ذكرت فهل يجري ذلك في تعظيم الله سبحانه و تعالي و اجلاله لأنه تبارك و تعالي شأنه اجلّ و اعظم منهم و من غيرهم و انما العظم و كبر الشأن بما افاض عليهم من آثار افعاله قلتُ هو اللّه سبحانه اجلّ من ان يساوَي و اكبر من ان يداني و اعزّ من ان ينسب الي نسبة شي‌ء من خلقه و لٰكنه لايصح ذلك القول الّا لمن يجوز ان تجري عليه المكاره او التغيّر او التبدّل او الفناۤء اوِ الفقدان و ان لم‌ير بعض خلقه انه يجده او في حال فهو سبحانه موجود حاضر في كلّ حال فوجوده حالَ وجدانِه كوجوده حال فقدانه فلايصحّ اَنْ يفرض عليه التحوّل عن حالٍ ليُدْعَا له بان يُفْدَي من ذلك بمن دونه و لايصح ذلك الّا علي مَن يجوز عليه التحوّل و التغيّر فلذا فدَي من يجوز عليه ذلك .
قال عليه السلم : اشهد الله و اشهدكم اني مؤمن بكم و بما امنتم به كافر بعدوّكم و بما كفرتم به
قال الشارح المجلسي (ره‌) اشهد الله لمّا اراد مخاطبتهم بالشهادة فداهم بابيه و امه و اشهدكم كما هو المتعارف عند العرب اشهد الله تعالي و اياهم بانه مؤمن بهم و بجميع ما امنوا به مجملاً و ان لم‌يعلم تفصيله و كافر اي جاحدٌ و عدو لاعداۤئهم كما قال تعالي فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي فانظر الي كلامه تعالي كيف قدّم الكفر علي الايمان لبيان انه لايمكن الايمان بدون عداوتهم كما ورد في الاخبار الصحيحة انه من قال انّي مؤمن بالائمة عليهم السلم و ليس لي شنأٰن بالمخالفين انه ليس بمؤمن بل هو من اعداۤئِنا فانّ المحبَّ من يحبُّ اولياۤء المحبوب و يبغض اعداۤءه انتهي .
اقول قوله اشهد اللّه و اشهدكم انّي مؤمن بكم الخ تجديد للعهد المأخوذ منه في التكليف الاوّل و موافاة منه اشهد اللهَ و اشهدهم عليها ليشهدوا له عند السؤال في القبر و علي الصراط بل ليشهدوا له الشهادة الفِعليّة بان يكتبوا في قلبه الايمان بنور ولايتهم و في اعماله قبولها و في حسناته مضاعفتها و في سيّئاته التّجاوز عنها و في القدر الجاري عليه صرفَ سُوۤئِه۪ و شرّه و جلبَ خيرِه و في كتاب عدادِه۪ انّه من حزبهم و في رتبته انه موصول بهم و في سلوكه انّه داخل مدخلَهُمْ و خارج مخرجَهُمْ و غير ذلك فان هذه و ما اشبهها مترتّبة علي الموافاة و قوله و بما امنتم به يعني اني مؤمنٌ بكم كما انتم عليه في المقامات التي اقامَكم اللّه فيها علي نحو ما اشير اليه فيما تقدم و بما امنتم به مما اطلعَكم اللّه عليه مما اراده لكم و لغيركم من الحقّ من صفاته و افعاله و عبادته و ممّا انزل من كتبه و وحيه و من جميع ملاۤئكته و رسله و انبياۤئه و اولياۤئه و اصفياۤئه من المصْطفين و اَتْباعِهم و ممّا اجراهُ عَلي اعداۤئه من قدره و قضاۤئه في ذواتهم و اعمالهم الي غير ذلك من كلِّ ما شاۤء و ارادَ وَ قدّر و قضي من مقتضياتِ فضله و عدله مجملاً و مفصَّلاً و قوله كافر بعدوِّكمْ يعني به انّي جاحِدٌ لما يدّعيه اعداۤؤكم من الاوّلين و الاخرين ممّا ليس لهم او يدّعيه لهم مدّع من اتباعهم ممّا اغتصبوه من مقامات غيرهم و من اموالهم و غير ذلك لا ان المراد اني كافر بوجود عدوّكم او بوجودِ ما صدر منهم من الدّعوي او التعدّي بمعني عدم وقوعه لان ذلك لا شك فيه و يجب الايمان به و لايجوز انكارُ ذلك و انما الواجب انكاره و جحوده منهم ذلك و هو ما يدّعونه و ما اغتصبوه و ما فعلوه من الاعمال الّتي لايَرْضاها اللّه سبحانه فَاُسُّ ولايتهم صلّي الله عليهم الايمان ظاهراً و باطنا بما ثبتَ لهم من الايمان بهم و بما آمنوا به كما تقدم و بما سُلِب عنهم من الاسماۤء السوءي بالكفر بعدوِّهم علي نحو ما اشرنا اليه فلهم عليهم السلم صفاتٌ ثبوتيّة و صفات سلبيّة كما قيل انّ للّهِ صفاتٍ ثبوتيّة و صفات سلبيّة و الصفات الثبوتيّة قسمان صفات ذات و صفات افعال و الصفات السلبية ترجع في ظاهر العبارة الي قسمين صفات ذات و صفات افعال اما الصفات الثبوتية الذاتية فهي في حقهم عليهم السلم في كل مرتبة من مراتبهم الاربع نفس الذات فيها و اما الثبوتية الافعالية فهي نفس ظهور الذات بها في تلك المرتبة و امّا السلبيّة الذاتية فهي نفي ظاهر الاشتراك و ظاهر الاشتراك ليس هو الذات و نفيه ليس هو الذات ايضا فلاتكون السّلبية نفس الذات و ان اطلق عليها الذاتية و ان وصفت بها الذات وصفا صناعيّا او تعريفيّا و قوله تعالي باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب من هذا المعني الذي اشرنا اليه فان ظاهر الباب اي ما كان وراۤءه و خلفه ليس هو الباب و ان نسِب اليه او كان به فانه ليس منه و لا اليه بخلاف باطنه فانه منه و اليه و امّا السلبية الفعلية ففي الظاهر حكمها بالنسبة الي الافعال حكم الذاتية بالنسبة الي الذات بمعني انها لاتكون صفة الّا كما اشرنا اليه بالوصف الصّناعي او التعريفي امّا في الباطن يعني في نفس الامر فالسلبية الفعليّة بحكم الثبوتيّة الفعلية لان نفي الممكن ممكن كما يقال في الظلمة انها عدم الضّوء عمّا من شأنه ان يكون مضيۤئا عند من يجعلها عدم النور و هي نفي و قد قال اللّه تعالي الحمد للّه الذي خلق السموات و الارض و جعل الظلمات و النور و لايكون الشي‌ء مجعولا و ليس بشي‌ء بل شي‌ء مخلوق و يؤيده ما رواه علي بن يونس بن بهمن قال للرضا عليه السلم جعلتُ فداك اَنَّ اصحابنا اختلفوا فقال في اي شي‌ء اختلفوا فتداخلني من ذلك شي‌ء فلم‌يحضرني الّا ما قلتُ جعلتُ فداءك من ذلك ما اختلف فيه زرارة و هشام ابن الحكم فقال زرارة النفي ليس بشي‌ء و ليس بمخلوق و قال هشام النفي شي‌ء مخلوق فقال لي قل في هذا بقول هشام و لاتقل بقول زرارة ه‍ ، و بيانه انّك تقول تركتُ فعل كذا لما لم‌تفعله لانّ فعله ممكن لك فتركتَ ما كان فعله ممكناً لك فقولك تركتُ و قولي تركتَ لما لم‌تفعل و تعبيرنا عن هذا العدم بالفعل الماضي مسنداً الي مَنْ لم‌يفعل دليل علي حدوث فعلٍ ممّن اُسْنِدَ اليه و هو حركة ضميره بالتّرك و قول اميرالمؤمنين عليه السلم لابي‌الاسود و الفعْل مَا دَلَّ عَلي حركةِ المسمّي يشمله للاتفاق علي انّ مثل ماتَ زيد و ظَنَّ عمروٌ و سَمِعَ بكرٌ و رأي خالد و ما اَشْبَهها افعال و انّها داخلة في كلامه عليه السلم لانّها حركة المسمّي كما في ماتَ زيدٌ فقوله كافر بعَدُوِّكم صفة سلبٍ و ثبوتٍ علي نحو ما اشرنا اليه هنا .
و قول الشارح (ره‌) انه لايمكن الايمان بدون عداوتهم يعني انّ الايمان بهم عليهم السلم لايمكن بدون عداوة اعداۤئهم و هو صحيح لان الايمان بهم هو الحق و هو لايجامع الباطل الذي هو ولاية اعداۤئهم و عدم البراۤءة منهم و هو قوله تعالي ذلك بانّ الّذين كفروا اتّبعوا الباطل و انّ الذين امنوا اتبعوا الحق من ربّهم قال القمّي ذلك بان الذين اتبعوا الباطل و هم الذين اتبعوا اعداۤء رسول اللّه (ص‌) و اميرالمؤمنين (ع‌) و قال في قوله و امنوا بما نزّل علي محمّد و هو الحق من ربهم عن الصادق عليه السلم قال بما نزّل علي محمد في علي هكذا نزلت و قال ايضا نزلت في ابي‌ذر و سلمن و عمار و المقداد لم‌ينقضوا العهد قال و امنوا بما نزّل علي محمد (ص‌) اي ثبتوا علي الولاية التي انزلها الله و هو الحق يعني اميرالمؤمنين (ع‌) ه‍ ، فلما كان عدم البراءة من اعداۤئهم باطلاً كانت البراۤءة من اعداۤئهم حقا و هي جزء الولاية لهم عليهم السلم لان البراۤية حق فاذا لم‌تنضم اليها البراۤءة لزمها عدم البراۤءة و هو الباطل و لايجتمع الحق مع الباطل و لايكون جزءا له و لا لازما و المراد بالاتيان بالايمان بهم و الكفر بعدوّهم لبيان انّ الايمان مركب منهما لا ان الايمان هو محبتهم و العمل بقولهم خاۤصّة من دون البراۤءة من اعداۤئهم فاذا قلنا البراۤءة شرط لايراد بالشرط هنا ما هو خارج عن المشروط الّا اذا اريد به السلب علي الظاهر او السلب الذاتي و هنا المراد به الفعلي علي الباطن كما ذكرنا و قولنا علي الباطن اذا لوحظ في الكفر بعدوّهم و البراۤءة منه السلب و اذا لم‌يلاحظ فيه السلب كان جزءاً علي الظاهر و الباطن و ظاهر كلام الشارح (ره‌) ان البراۤءة من عدوّهم شرط في قوله لايمكن الايمان بدون عداوتهم بقرينة قوله فانظر الي قوله تعالي كيف قدّم الكفر علي الايمان يعني في قوله فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله و فيه انه لو كان الامر كذلك مراداً لقال عليه السلم اني كافر بعدوّكم و بما كفرتم به مؤمن بكم و بما امنتم به و انما يراد به الجمع كما قلنا نعم كلامه يحتمل ما قلنا و لو قيل انه لم‌يرد بكلامه هذا الاستشهادَ علي كلامه عليه السلم ليلزم ما فيه قيل لو لم‌يرد ذلك لماحسن جعله شرحاً لكلامه عليه السلم .
قال عليه السلم : مستبصِرٌ بشأنكم و بضلالةِ مَنْ خالفكم موالٍ لكم و لاولياۤئكم مبغض لاعداۤئكم و مُعادٍ لهم
اي انّي مستبصر بشأنكم يعني مستبين لهُ و المراد به المعرفة بشأنهم و الشأن الخطب يخبر اني عارف بكم بالمعرفة النورانية يعني عرفت بدليل الحكمة و العيان انّكم المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و انّكم معادن كلمات الله و اركان توحيد اللّهِ و اياته و مقاماته و بيوت علمه و حكمه و غيبه و حقه و امره و انكم جنبه و يده و لسانه و عينه و اذنه و قلبه و وجهه و ظاهره و سرّهُ و انكم بابُهُ و خزاۤئنه و مَفاتِحُ غيبه الّتي لايعلمها الّا هو و كتابه المبين و صراطه المستقيم و انكم حججُه و اولياۤؤه و الدُّعاة اليه و خلفاۤؤه في ارضه و النذر الاولي و النُّذُرُ الاخري و الدّعاة الي اللّه و الي دينه الذين اوجب محبّتهم و فرض طاعتهم و عرفتُ ايضاً بدليل الحكمة و العيان انّ مَن خالفكم هم الضّاۤلّون عن سبيل الهدي في كلّ موضعٍ من كتاب اللّهِ ذكر الضّاۤلّين فانّما عَناهم و اتباعهم مثل قوله تعالي و من يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانا فهو له قرين و ذكر الرّحمن هو الولي اي و من يضعف نور بصيرته عن ولاية الولي بعد ظهور برهانها كالشمس في رابعة النهار او و من يعرض عن الولي او عن ولايته او و مَن يَعْمَ علي قراۤءة فتح الشين و انّهم ليصدّونهم عن السبيل و يحسبون انّهم مهتدون فالسبيل هو الولي اوْ ولايته و قرناۤؤهم من الشياطين يَصدونهم عنه و عن ولايته و هدَوهم الي سبيل الغيّ و يحسبون انهم مهتدون فضلّوا عن سبيل النجاة بمخالفة الوليّ من بعد ما تبيّنَ لهم الهدي فالضّلالة تستعمل في حقّ مَنْ خالفهم و في اتباعهم كما ذكر عليه السلم هنا فانّ المراد بمن خالفهم المضلّون لمن تبعهم و اقتدي بهم عن سبيل الرشاد الضّاۤلّون بانفسهم لاعراضهم عن ذكر الرّحمن و بصَدِّ اتباعهم عنه فهم اهل الضلالة بمخالفتهم سبيل الهدي فانّ الهدي ان يتّبع الحق عليه السلم و يدعو الي اتّباعِه۪ و هم علي العكس قال تعالي ذلك بان الذين كفروا اتبعوا الباطل و ان الذين امنوا اتبعوا الحقّ من ربّهم ، فان قلت قوله تعالي و يحسبون انهم مهتدون يدلّ علي انهم لايعلمون بضلالتهم و انما يظنون انهم علي الحقّ و اللازم من هذا عدم ضلالتهم لان اللّه تعالي يقول و ماكان الله ليضلّ قوما بعد اذ هديٰهم حتي يبيّن لهم ما يتّقون ، قلتُ انّهم انّما خلقوا بقبولهم الايجاد و ما قبولهم الّا موافقة ما امدّوا به من الوجود و ماامدّوا الّا بما هو هيئة فعله تعالي و ما هيئة فعله تعالي الّا صفة رضاه و ما صفة رضاه الّا اتباع اولياۤئه و موالاتهم و التسليم لهم و الردّ اليهم و محبّتهم بالقلب و اللسان و الجوارح و معاداة اعداۤئهم و البراۤءة منهم فاذا كان كل مخلوق هكذا لانّه انّما خلقه الله ليعرفه و لايعرفه الّا بما وصف به نفسه له و ماوصف نفسَهُ له الّا بنفسه و لهذا قال (ع‌) من عرف نفسه فقد عرف ربّه و هم عليهم السلم حقيقة كلّما وصف الله نفسه لخلقه من الدرّة الي الذرّة لانه سبحانه انّما وصف نفسه لكلّ شي‌ء من خلقه بهم عليهم السلم اي بصفةٍ من صفاتهم وجب ان يعرفهم و يعرف حقيّتهم كلّ شي‌ء لان فطرته صفةُ حقّيّتِهم ثم لمّا حسدهم اعداۤؤهم و استكبروا عن طاعتهم التي افترضها الله عليهم و علي جميع خلقه التوت فطرتهم و تلوّنت بلون استكبارهم و تقدّرت بهيئة حسدهم و علوّهم فكانت لهم صورتان صورة الفطرة التي هي الاجابة و هي الموافقة للوجود الذي هو المدد و بها عرفوا الولاة عليهم السلم و عرفوا حقيّتهم و صورة الاستكبار و العلوّ و الحسد التي هي الانكار و الجحود و هي المخالفة للوجود الموافقة للماهيّة التي هي منشأ الشرور و بهذه الصورة انكروا معرفة الولاة و انكروا حقيّتهم لان هذه الصورة الخبيثة صورة الباطل و لاتوافق شيئا من الحقّ لانها ضدُّه و هي التّغيّر و التبديل المذكوران في قوله تعالي فليغيّرن خلق اللّه و في قوله تعالي فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه و لمّا كانت دواعيها كلّها نفسانيّة داۤئرة مدار شهوتها كان عملهم بمقتضياتها و لمّا كانت الاولي دواعيها كلها عقلانية مخالفة لشهوات النفس و مقتضي انّيّتِها الذي حصل به التكبّر و العلوّ و الحسد لم‌يعملوا بمقتضياتها التي هي معرفة الحقّ و اهله و فروعها من الاعمال الصالحات تمكّنتْ في حقاۤئقهم و اعمالهم مقتضيات الصورة المغيّرة و المبدّلة حتي كانت ذاتيّة لهم من حيث مواظبتهم علي مقتضياتها فبصورة الفطرة الاوليّة عرفوا الحق بموافقته لها معرفةً قامت بها عليهم الحجة و كانوا ضاۤلّين بمخالفتها و بصورة الاستكبار و العلو و الحسد التي لبسوها و استبطنوها بالتغير و التبدّل انكروا الحق و اتّبعوا الباطل و تديّنوا به لموافقتها له و مطابقتها ايّاه حتّي ظنّوا انهم مهتدون الي طريق النجاة بها فهم في مشاعرهم بين داعِيَيْن متنازِعَيْنِ فبداعي الضّلالةِ جحدوا بها و بداعي الهداية استيقَنَتْها انفسهم ظلماً و علوّاً و هما معمولانِ لجحدوا بها لٰا لِاستيقنَتْها .
و قوله : موالٍ لكم و لاَوْلِيٰاۤئِكم
اي محبٌّ لكم و لاولياۤئكم و صديق و ناصر و متابعٌ بالقلب و اللسان و الاركان فالمحبّة التي تعقد علي الاخلاص و المتابعة في القلب بالمتابعة و التّسليم لهم و البغْض لاعْداۤئهم و في اللسانِ و الاركان بالاخذ عنهم و الاقتداۤء بهم و المجانبةِ لمَن جانَبُوا و هذا كله و امثاله حدودُ فطرة اللّه التي فطر الناس عليها و هي هيكل التوحيد كما مرَّ مكرّراً يعني انّ التوحيد له صورة و الصورة انّما هي الهندسة المشتملة علي الحدود كالمثلث المشتمل علي ثلاثة خطوط محيطة بسطحٍ و المربع المشتمل علي خطوط اربعة محيطة بسطح و هكذا و كذلك الاجسام فانها مواۤدّ اكتنفَتْها خطوط الصور و لا فرق في ذلك بين المعنويّة و غيرها مثلا الايمان له حدود كما تقدم حدّ التصديق بالقلب و الاعتقاد فيه بتوطين النفس علي القيام بمتعلّق مقتضاه من الخدمة وَ الاعمال و الاقوال و حدّ المجاهدة و حد الاخلاص و حدّ الانقياد و حدّ التسليم و حد عدم وجدان حرجٍ في النفس فيما اقتضاه ذلك التصديق من الاعمال و الاقوال و الاحوال و حدّ الزهد و حدّ الورع و حدّ اليقين و حدّ العلم وَ حدّ المعرفة و حدّ الصلاح و حدّ المروّة و حدّ الصبر و حدّ التوكّل و حدّ الثقة باللّه و ما اشبه ذلك من الحدود كذلك هيكل التوحيد اي صورته التي استقرّ غيبُه فيها لتمامها و كمالِها لَها حدود منها ما ذكر في حدود الايمان و منها الاخلاص في تفريد الذّات و تجريد الصفات و توحيد الافعال و قطع الجهات في العبادة و هذا جملة حدود التوحيد لانه من جهة اصول حدوده الكليّة له اربعة حدود الاول و قال اللّه لاتتّخذوا الهين اثنين انّما هو اله واحد و الثاني ليس كمثله شي‌ء و الثالث هذا خلقُ اللّه فاروني ماذا خلق الّذين من دونه و الرابع فمن كان يرجو لقاۤء ربّه فليعمل عملا صالحا و لايشرك بعبادة ربّه احداً و امّا فروعُ حدودِه فليسَ في الوجود ممّا في الوجدان و العيان و لا في الغيب و الفقدان شي‌ء يُرَي قبل الله او بدون اللّه قال اميرالمؤمنين عليه السلم مارأيتُ شيئا الّا و رأيتُ اللّٰهَ قبله او معه و معني قوله عليه السلم او معه ليس او للتقسيم بان يكون ما يراه قسمين احدهما يري الله قبله و الاخر يري اللهَ معه و لا للترديد بان يكون ما يراه متردّدا بين الحالين بل المراد شيئٰان كلٌّ منهما مرادٌ احدهما ان يكون المعني مارأيتُ شيئا الّا و اري اللّهَ قبله و معه و يلزم هذا في حكم المنطوق و محلّه و بعده اي يري اللّه قبلَ الشي‌ء و مع الشي‌ء و بعده و ثانيهما انه عليه السلم له حالتٰان حالة المقامات و في هذه الحالة كلّ شي‌ء يري الله قبله اي لايري الّا الله تعالي و حالة الامام عليه السلم و في هذه الحال كلّ شي‌ء يري الله معه فاو في الوجه الثاني للتقسيم لحال الراۤئي عليه السلم فانه حالتان و مثل قول اميرالمؤمنين عليه السلم قول ابنه الحسين عليه السلم في ملحقات دعاۤء عرفة في المناجاة ايكون لغيرك من الظهور ما لَيْسَ لك حتّي يكونَ هو المُظْهِرَ لَكَ مَتي غِبْتَ حتي تحتاجَ الي دليل يدل عليك و متي بعدْتَ حتي تكون الاشارة ( الٰاثار خ‌ل ) هي التي تدل عليك الدعاء ، فاذا فُقِد حدّ من حدود التوحيد الكلية الاصلية او الفرعيّة نقص هيكله و كانت فطرة اللّه فيها تبديل و خلق الله فيه تغيير و بنسبة هذا التبديل و التغيير تنقص الولاية ،
و قوله (ع‌) : مبغض لاعداۤئكم و معادٍ لهم
الفقرة الاولي عبارة للركن الايمن من الولاية ( المعبر عنه بالتولي ، نسخة ) و هذه الفقرة عبارة للركن الايسر من الولاية المعبّر عنه بالبراۤءة و لا ريب في تقابلهما تقابُلاً عاماً فهما معاً للتوحيد و للنبوة و للولاية و للشهادتين و للصلوة و للزكوة و للصيام و للحج و لساۤئر احكام الايمان كاليد اليمني و اليَدِ اليُسْرَي للانسان فان الدين انسان حقيقي معنوي ناطق باللسان العربيّ يسمع نطقه كلّ مَنْ عرفه و وجوهه متعدّدة باعتبار قوابله من المكلّفين فيختلف في الحسن و القبح و الكبر و الصغر و التمام و النقص باختلاف قابله بحسب اتصافه به كالوجه اذا قابل المرايا المختلفة في كمّها و كيفها و استقامتها و اعوجاجها و صفاۤئها و كدورتها و كبرها و صغرها و قربها و بُعْدِها فانّ صورته المنطبعة فيها مختلفة بسبب ذلك الاختلاف و لكن لا بدّ من مقابلة الوجه و من صقالة المرءاة اذ بدون احدهما لايحصل الانطباق ( الانطباع ظ ل ) في الاتفاق و الاختلاف نعم لو حصلت الصقالة و عدم مقابلة الوجه انطبع خلفه و ضدّه كذلك الايمان اذا توجّه الي المكلف بالتكليف به انطبع في المكلّف وصفه و صورته علي حسب استعدادِه و قابليّته كما اشرنا لك به و لو لم‌يكلّف به لم‌يحصل انطباع لعدم توجّه الايمان اليه و عدم حصول القابليّة الخاۤصّةِ التي هي الاستطاعة الفعلية لا العاۤمّة التي هي الاستطاعة الامكانيّة نعم لو حصلت الاستطاعة الخاۤصّة بالتكليف بالايمان الّا اَنَّ هذا المكلّف لم‌يقبل شيئا من الايمان بل قابل التكليف بالانكار و الردّ انطبع في قابليته خلف الايمان و ضدّه و هو الكفر فاذا فهمتَ الاشارة و التمثيل ظهر لك ان هذا الانسان الشريف الذي هو باطن الانسان المعلوم ان كان مؤمناً لان الانسان اذا لم‌يكن مؤمناً كان حيواناً او شيطاناً و الصورة الانسانيّة الظاهرة مُعارة تُنْتَزع منه حدودُهُ هي الانسانيّة الحقيقيّة الناطقة و هي و هو ماۤدّتها و المكلّف كلّما نقّص من تلك الحدود شيئا بتقصيره نقصت صورة ايمانِه۪ بما قصّر فيه سواۤء كان من جهة يمين الايمان التي هي الولاية و ما يتفرّع منها ام من جهة يساره التي هي البراۤءة و ما يتفرّعُ منها فاذا عرفتَ هذا عرفتَ ان الفقرة الثانية مع مطابقتها للاولي و تقوّم احديهما بالاخري علي عكس الاُولي في التعبير و بمعناها في التقدير فيكون معناها مبغِض لاعداۤئكم و لاولياۤئهم و عَدُوٌّ و خاذل و مخالف بالقلب و اللسان و الاركان فالبغض لهم يعقد علي الاخلاص و المخالفة بالقلب بالمخالفةِ في الاعتقادات و الانكار عليهم و بالمحبّة لاعداۤئهم الذين هم انتم و شيعتكم و في اللسان و الاركان بترك الاخذ عنهم و بالاخذ بخلافهم في الاقوال و الافعال و الاعمال و بترك الاقتداۤء بهم و التشبّه بهم في الملابس و ساۤئر الاحوال الّا لِتقيّةٍ لانها السدّ الذي ردمتموه بيننا و بينهم و بالموالاة لمن جانبوا و هذا كله و امثاله حدود فطرة الله التي فطر الناس عليها و هي هيكل التوحيد كما كان في الاولي و ليس الاولي خاۤصة هيكلاً تاماً للتوحيد و لا هذه ايضاً بل هما معاً تمام هيكل التوحيد لانّ الاولي متقوّمة بالثانية تقوّم ظهورٍ و الثانية متقوّمة بالاولي تقوّمَ تحقّق لانّ الاولي هي ماۤدة الايمان من النور و الثانية هي صورة الايمان من الرحمة التي هي صبْغة الله التي صبغ احبّاۤءه المؤمنين فيها و هو قوله تعالي الّا من رحم ربك و لذلك خلقهم فالتوحيد الحقّ ما هدي اللّه سبحانه اهل محبته اليه و هم الذين خلقهم للجنّة و خلق الجنّة لهم و لايتحقق و لايعرف الّا بحدوده التي تعرّف بها لاولياۤئه و هي الاعتراف بالوحدانية و الاستقامة عليها بالاعتراف بالنبوّة و الولاية لاولياۤئه و البراۤءة من اعداۤئه الذين هم اعداۤء اولياۤئه و شيعتهم و ما يتفرع علي هذه الحدود الكلية من جميع جزئيّاتها و اجزاۤئها و الي هذا الاشارة بقوله تعالي انّ الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملاۤئكة الّاتخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنّة التي كنتم توعدون ، و في تفسير القمي ثم استقاموا قال علي ولاية اميرالمؤمنين عليه السلم و في الكافي عن الصادق عليه السلم قال استقاموا علي الائمة واحداً بعد واحدٍ و قال علي عليه السلم في نهج‌البلاغة و اني متكلم بعدة اللّه و حجّته قال اللّه تعالي ان الذين قالوا ربّنا اللّه ثم استقاموا الاية ، و قد قلتم ربّنا اللّهُ فاستقيموا علي كتابه و علي منهاج امره و علي الطريقة الصّالحة من عبادته ثم لاتمرقوا منها و لاتبتدعوا فيها و لاتخالفوا عنها فانّ اهل المُروق منقطع بهم عند الله يوم القيمة و روي الطوسي في مجالسه باسناده الي ابي‌الصلت عبدالسلام بن صالح الهروي قال كنتُ مع الرضا (ع‌) لما دخل نيشابور و هو راكب بغلةً شهباۤء و قد خرج علماۤء نيشابور في استقباله فلمّا صاروا الي المربّعة تعلّقوا بلجام بغلته و قالوا يا ابن رسول اللّه (ص‌) حَدِّثنا عن اباۤئك الطّاهرين حدثنا عن اباۤئك صلوات الله عليهم اجمعين فاخرج رأسه من الهودج و عليه مطرف خزّ قال حدّثني ابي موسي بن جعفر عن ابيه جعفر بن محمد عن ابيه محمد بن علي عن ابيه علي بن الحسين عن ابيه الحسين بن علي سيد شباب اهل الجنة عن اميرالمؤمنين عن رسول الله (ص‌) قال اخبرني جبرئل الروح الامين عن الله عز و جلّ تقدست اسماۤؤه و جل وجهه قال اني انا الله لا اله الّا انا وحدي عبادي فاعبدوني و ليعلم مَن لقيني منكم بشهادة اَلّا اله الّا الله مخلصاً بها انه قد دخل الجنة حصني و من دخل حصني اَمِن عذابي قالوا يا ابن رسول الله و ما اخلاص الشهادة للّه قال طاعة الله و طاعة رسوله و ولاية اهل بيته عليهم السلم اقول و هذا الذي اشرنا اليه هو التوحيد الخالص الذي اشار اليه عليه السلم بقوله من قال لا اله الّا اللّه مخلصاً دخل الجنّة فانّ المراد بالاخلاص القيام بهذه الشروط التي هي في الحقيقة اركان التوحيد فافهم بل ليس التوحيد الّا هذا و الي هذا اشار سبحانه بقوله انّهم كانوا اذا قيل لهم لا اله الّا اللّه يستكبرون فانّ المراد بلا اله الّا الله ذلك لانه سبحانه قال و قفُوهم انّهم مسئولون ما لكم لاتناصرون بل هم اليوم مستسلمون و اقبل بعضهم علي بعضٍ يتساۤءَلُونَ قالوا انكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم‌تكونوا مؤمنين و ماكان لنا عليكم من سلطانٍ بل كنتم قوماً طاغين فحقّ علينا قول ربِنّا انّا لذاۤئقون فاغويناكم انّا كنّا غاوين فانهم يومئذ في العذاب مشتركون انّا كذلك نفعل بالمجرمين انّهم كانوا اذا قيل لهم لا اله الّا اللّه يستكبرون فتدبّر سياق الايات و ارتباطها بقوله و قِفوهم انهم مسئولُونَ فقد وَردَ من الطرفين انّ المراد انهم مسئولون عن ولاية علي بن ابي‌طالب عليه السلم فمن ذلك ما في الامالي و تفسير القمي قال عن ولاية اميرالمؤمنين عليه السلم و كذا في عيون الاخبار عنه صلي الله عليه و اله و في العلل عنه عليه السلم انه قال في تفسير هذه الاية قال لايجاوز عبدٌ قدماً حتي يسئل عن اربع عن شبابه فيما ابلاهُ و عن عمره فيما افناه و عن ماله من اين جمعه و فيما انفقه و عن حبِّنا اهل البيت و في السادسة‌عشرة من مناقب ابن‌شاذان باسناده عن ابي‌سعيد الخدري قال سمعتُ رسول اللّه صلي اللّه عليه و اله يقول اذا كان يوم القيمة امر الله الملكَيْن يقعدان علي الصّراط فلايجوز احد الّا ببراۤءة اميرالمؤمنين عليه السلم و من لم‌تكن له براۤءة اميرالمؤمنين عليه السلم اكبّه اللهُ علي منخريه في النار و ذلك قوله تعالي و قِفُوهم انهم مسئولُونَ قلتُ فداك ابي و امّي يا رسول اللّهِ (ص‌) ما معني براۤءة اميرالمؤمنين قال مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب وصيّ رسول اللّه صلّي الله عليه و اله اقول فحيث لم‌يأتوا بهذه البراۤءة اخبر عنهم انّهم اذا قيل لا اله الا الله يستكبرون فيدخل في الاياتِ كلّ من لم‌يأتِ بما اُمِرَ به الّا انّه اذا تمسّك بالاصل المأمور به جاز في الحكمة العفو عن التقصير في بعض فروعه فلايضرّه ذلك كما ان من ترك الاصل و تمسك بالضدّ المنهي عنه لم‌يجز في الحكمة القبول لشي‌ء ممّا اتي به من الفروع فلاينفعه ذلك و قد تقدمت الاشارة الي ذلك .
قال عليه السلم : سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربَكم
قال الشارح المجلسي تغمده اللّه برحمته اني صلح لمن صالحتم ايّاه بترك الجهاد معهم كما في زمان الغَيبة اي لااجاهد حتي تجاهدوهم اوْ انا محبّ لشيعتكم و عدوّ لاعداۤئكم انتهي .
اقول السِّلم الصلح و الطّاعة و بمعني الاستسلام و المحبّة و الولاية و الاسلام و المُسَالِم فعلي معني الصلح يكون بمعني المصالح ليستقيم المعني اي مصالح لمن صالحتم لاقتضاۤء المفاعلة المشاركة سواۤء كانت المصالحة بترك الجهاد كما ذكره الشارح ام بمعني ترك المحاۤجّة ام باستعمال التقيّة في مواضِعها ام بالرضي عمّن رضيتم عنه و رضيَ عنكم كما في بعض شيعتهم علي تأويلٍ يطول بيانه و علي معني الطاعة انّي مطيع لمن اطاعكم و اِنْ عَصاني لانّ طاعتكم موجبة لاتضرُّ مَعَها معصيةٌ لاتُنَافيها لان المعصية التي تنافي طاعتهم و طاعة اللّٰهِ هي عداوتهم و بغضهم و كلّ ما سوي هذه لاتضرّ مع طاعتهم نعم لو عصاه لأنه مطيع لهم لم‌يكن مطيعاً لهم و المراد بطاعة مَن اطاعهم طاعته فيما لهم اوْ منهم لأنّ المعني انه مطيع لمن اطاعهم فيما هو طاعة لهم و علي الاستِسْلام انّي منقادٌ لمن انقادَ لكم فيما لاينافي مرادكم الذي هو مراد الله و علي المحبّة انّي محبّ لمن احبّكم بهوي القلب و ثناۤء اللسان و عمل الاركان و علي الولاية اني وليّ لمن والاكم بالمعاني المذكور في الولي كما تقدّم و الاسلام كالطاعة و الاستسلام و المحبّة و الولاية و انّ مَنْ سلمتم منه فيما تريدون منه كما سَلِم منكم فيما يريد الله سبحانه منكم فانا اُوَاليه و اُصافيه و لااُجَانبه و لااُعٰادِيه فهو اي الاسلام كالمُسَالِم و هذه السبعة المعاني في سلم تجري في سالمكم فينضمّ كل واحدٍ منها في سلمٍ مع كل واحدٍ منها في سالمكم فتكون تسعةً و اربعين معني و كلّ واحدٍ منها يكون بالجنان و باللسان و بالاركان فتكون مائة و سبعةً و اربعين و ينضمّ الي ذلك الاحتمالات المتعدّدة فيما تعدّدت فيه كما ذكرنا بعضها في معني الصّلح و يلاحظ في كلّ شقٍّ منها الحقيقة في حق بعض المُسَالِم۪ين و المجاز في بعض و الاغلبيّة في بعضٍ و امثال ذلك فيشتمل علي جميع مراتب الايمان من كون السلم نفس المسالم في ولايتهم عليهم السلم اوْ اخاهُ اوْ انّه تَعارف معه عليها و علي جميع آحاد فروعها و لايشترط في كونه سلماً للمُسَالم الموافقة في كلّ شي‌ء ممّا اشير اليه و الّا لَماوُجد ذلك الّا في الاربعة‌عشر المعصوم عليهم السلم كما لاتكفي الموافقة في شي‌ء واحدٍ من ذلك حيثما اتّفق و الّا لَماوقع اختلاف بين احدٍ من الخلق و الشرط الموافقة في الاصل الاعظم و في معظم الاشياۤء بحيث لايكون جهة المخالفة ارجح اَوْ مُسَاويةً فافهم و حيث كان المراد من السلم حقيقةً الولاية و انّما ذكر له وجوهاً لأنّ هذه الوجوه من المعاني اللغويّة للسلم و كلّها عند اهل البيت عليهم السلم من الولاية فلذلك ذكرنا كثيرا منها هُنَا كان قوله عليه السلم و حرب لمن حاربَكم يراد به البراۤءة من اعداۤئهم علي نحو ما تقدّم في موافقةِ الرّكنيّة لقوله سلم لمن سالمكم و مخالفة الضّدّيّة له و الي ذلك الاشارة بقوله تعالي يا ايّها الّذين آمنوا ادخلوا في السلم كاۤفّة و لاتتّبِعُوا خطُوات الشيطان انّه لكم عدوّ مبين فان زللتم يعني عن الدخول في السّلم الآية ففي اصول الكافي قال في ولايتِنا و في تفسير علي بن ابراهيم قوله ادخلوا في السلم كاۤفّةً قال في ولاية اميرالمؤمنين عليه السلم و في امالي الشيخ قال الصادق (ع‌) في ولاية علي بن ابي‌طالبٍ عليه السلم و لاتتّبِعُوا خطوات الشيطان قال لاتتّبعوا غيره و في تفسير العيّاشي عن ابي‌بصير عن ابي‌عبدالله عليه السلم الي ان قال اتدري ما السلم قال قلتُ لااعلم قال ولاية علي و الائمة الاوصياۤء من بعده قال و خطوات الشيطان واللهِ ولاية فلان و فلان و عن ابي‌جعفر و ابي‌عبدالله عليه السلم في هذه الاية قالا اُمِرُوا بمعرفتِنا و عن ابي‌جعفر عليه السلم قال السلم هم آل‌محمد صلي الله عليه و اله امر اللّٰهُ بالدخول فيه و عن ابي‌جعفر عن ابيه عليهما السلم هو ولايتنا و قال اميرالمؤمنين عليه السلم و قد ذكر عترة خاتم النبيّين و المرسلين و هم باب السلم فادخلوا في السلم و لاتتّبِعُوا خطوات الشيطان ، اقول و الاحاديث متظافرة في هذه المعني بان السّلم الولاية و خطوات الشيطان ولاية اعداۤئهم و اذا وافقتَ في الضّدّيّة كان المؤمن حرباً لاعداۤئهم بالمجاهدة بالسّيف حيث يسوغ و بالمحاۤجّة بالبراهين و بالمداهنةِ و التّقيّة في مواضعهما و بالاعراض مطلقاً الي فتحِ سدِّ يأجوج و مأجوج او حتّي يخوضوا في حديث غيره او بالمغفرة لهم اي عدم الانتقام ليكون اللّه عز و جل هو الذي ينتقم منهم لأنه شديد الانتقام و هو قوله تعالي قل للّذين امنوا يغفروا للّذين لايرجون ايّامَ اللّهِ ليجزي قوما بما كانوا يكسبون و ايّام اللّه الائمة عليهم السلم اي لايوالونهم و لايقتدون بهم و اوّل وقت الانتقام قيام القاۤئم عليه السلم اللهم عجّل فرجَه و سهّل مخرجه و قولي حتّي يخوضوا في حديث غيره اُش۪يرُ به۪ الي انّ خوضهم في ايات اللّه عليهم السلم اتّخاذ اوْلياۤء من دونهم فحينئذٍ جهادُهم قبل قيام ولي اللّه عليه السلم الاعراض عنهم الَي ان يدخلوا في ولايةٍ اخري كامر معاشهم من بيعهم و شراۤئهم و زراعتهم و ما اشبه ذلك و ذلك لأنّ الحديث و القول و الكلمة و ما اشبه ذلك في التأويل رجالٌ طاهرون و عباد مكرمون كما نطقت به احاديث اهل العصمة عليهم السلم في تأويل كلام الله سبحانه قال تعالي و لقد وصَّلْنا لهم القول لعلّهم يتذكّرون اي امام الي امامٍ عن الكاظم عليه السلم اوْ امام بعدَ امامٍ عن الصّادق عليه السلم و قال تعالي بكلمةٍ منه اسمه المسيح و قال تعالي مانفِدت كلمات اللّه و قال تعالي لنفد البحر قبل ان تنفد كلماتُ ربّي و هم الائمة عليهم السلم و قال تعالي اللّه نزّل احْسَنَ الحديثِ كتاباً متَشابهاً مثاني الاية و قال تعالي فبشّر عبادي الَّذ۪ين يستمعون القول فيتّبِعون احْسنه و احسن القول هو احسن الحديث في الٰاية الثانية و هو الكتاب الناطق بالحقّ في قوله تعالي هذا كتابُنا ينطق عليكم بالحقِّ و الحاصل انّ من عرف التّأويل من كلامهم صلي اللّه عليهم ظهر له انّ القرءان يرجع تأويله و باطن تأويله۪ باجمعه فيهم و في شيعتهم و في اعداۤئهم “-٢” و في شيعتهم “٢-” و ان كلّ الخلق امّا معهم او مع اعداۤئهم و انّ ما اشرنا لك هنا من البيان و التلويح هو من وصف سلم لمن سالمهم حربٌ لمن حاربهم و اللّه الموفّق .
قال عليه السلم : محقّق لما حقّقتم مبطل لما ابْطلتم
قال الشارح المجلسي (ره‌) محقِّق اي اعتقد انه حقّ اوْ اسعي في بيان انه حق بالادلَّةِ كما في الاِبطال .
اقول انّي محقق لما حققتم اي اعتقد ان ما اثبتموه ثابت و ما ابطلتموه باطل او اعلم ذلك بالادلّة القاطعة فالاول متفرّع علي ما ثبت بالادلّة القطعية عقلا و نقلاً من انّهم عليهم السلم عالمون لايجهلون و معصومون لايكذبون و مسدَّدون لايُخْطِئونَ و مؤيّدون لاينزفون و ناصحون لايغشّون و حكماۤء لايتجاهلون و لايزهون و ذاكرون لاينسون و متيقِّظون لايغفلون و متوسِّمون لايُهْمِلُون خلقهم اللّه له و خلق الخلق لهم و اشهدهم خلق انفسهم و خلْقَ كلِ شي‌ءٍ من خلقه و اتّخذهم اَعْضاداً لخلقِه۪ و اشهاداً عليهم و مُنَاةً لهم و اذواداً لهم و حفظةً عليهم و رُوَّاداً لهم و جعلهم محاۤلَّ مشيّته و اَلْسِنةَ ارادَتِه۪ فلاينطقون الّا عن الله عز و جل و للّه و بامره لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فاذا ثبت لهم ما سمعتَ في حقّهم بالادلّة القاطعة ثبت انّ الحقّ ما حقّقوه و الباطل ما ابطلوه لايشكّ في شي‌ء من اقوالهم و احوالهم و افعالهم و اعمالهم مَن لم‌يشكّ فيهم و لا فيما لهم و الثاني انّ من عرف لهم ما ذكرنا في حقهم اتَاهُ اللّه علما و نوراً و شرح صدره حتي يشاهد الغيب و يعرف الحقّ حقّا كما عرّفوه و الباطل باطلا بما ابطلوه فان هذا هو الاحسان الذي وعد سبحانه من اتّصف به ان يؤتيه العلم قال تعالي و لمّا بلغ اشده و استوي آتيناه حكما و علما و كذلك نجزي المحسنين ، و قال صلي الله عليه و اله ليس العلم بكثرة التعلّم و انّما هو نور يقذفه اللّه في قلبِ من يشاۤء فينشرح فيشاهد الغيب و ينفسح فيحتمل البلاۤء قيل و هل لذلك من علامةٍ قال (ص‌) التّجافي عن دار الغرور و الانابة الي دار الخلود و الاستعداد للموت قبل نزوله و قال الباقر عليه السلم ما من عبدٍ حَبّنا و زاد في حُبِّنا و اخلص في معرفتِنا و سُئِل مسئلةً الا و نفَثْنا في رُوعِه۪ جواباً لتلك المسئلة ه‍ ، و قد ذكرنا فيما سبق معني ما اُش۪يرَ اليه ف۪ي هذا الحديث و غيره من الاخبار المتكثّرة من انّهم عليهم السلم ابوابُ اللّٰهِ وَ مَصْدَر الفيض من خزانته فلايصل الي احدٍ من الخلق شي‌ء الّا بواسطتهم و قد مرّ مكرّراً فمن حقّق متحقّقاً فبما حقَّقُوه له لأنّهم الادلّاۤء الي كُلّ خير و الهداةُ الي كلّ صوابٍ و كذلك مَنْ اَبْطَلَ باطلاً فانّما ابطله بما ابطلوه له و الي ما ذكرنا الاشارة بقوله تعالي و ان من شي‌ء الّا عندنا خزاۤئنُه و ماننزّلهُ الّا بقدَرٍ معلومٍ و نا الذي هو ضمير المتكلم و معه غيره اي هم عليهم السلم معه كما في كلام الصادق عليه السلم في قوله تعالي و من عنده لايستكبرون عن عبادته الٰاية قال نحن الذين عنده و معني معه في الكلام انّهم محلّ كلامه و تراجمته و الحاكون عنه اَوْ انّ نا ضمير المعظّم نفسه و هم تلك النفس المُتَكلِّمَةُ المحدَثَةُ و هم تلك العَظَمةُ و هم الصفة و هو الموصوف بهم وصفاً فِعْليّاً و هم الاسماۤء و هو المسمّي بهم تسمية التعريف و المحبّة فتكون المعني انّي باتّباعكم و الاخذ عنكم و الردّ اليكم و التسليم لكم و الاقتفاۤء لٰاثارِكم و الاهتداۤء بهُدَاكم و التفويض اليكم في كلّ شي‌ء محقّق لما حقّقتم مُبْطِل لما اَبْطَلْتم اذ ليس لي معرفة و لا علم الّا منكم و لا بَص۪يرة الّا بكم و لا نورٌ اَسْتضي‌ء به في طرق حقاۤئق الاشياۤءِ الّا مَا افدْتمونيه من فاضل اَنْواركم كما امركم الله سبحانه و الَّذ۪ي حقّقوه عليهم السلم معرفة اللّهِ بما وصَف به نفسه و توحيده بما دَلَّهُمْ عليه و معرفة ما وصَف به نفسه و عرّفَ به من اَفْعَالِه۪ و علّم من عبادته و اتِّباع اَوٰامره و اجتناب نواهيه و الاقرار بنبوّة الانبياۤءِ و وصيّة الاوصياۤء عليهم السلم خصوصا نبوّة نبيّنا محمد صلي اللّه عليه و اله و وصيّة اوصياۤئه و امامتهم عليهم السلم و الايمان بهم و الاقرار بفضاۤئلهم و التّسليم لهم و الردّ اليهم و التّفويض اليهم في كلّ شي‌ءٍ من التكاليف و الاحوال و الاعتقادات وَ جميع ما يريد اللّه من جميع خلقه في الدّنيا و الاخرة وَ اَنّ اللّٰهَ سبحانه اعطاهم عليهم السلم كلّ شي‌ء و جعل لهم الدنيا و الاخرة و قرن طاعتهم بطاعته و معصيتهم بمعصيته و رضاهم برضاه و سخطهم بسَخَطِه۪ فلايقبل طاعته من احدٍ من خلقه الّا اذا كانت مع طاعتهم و انّ التكليف تشييد لمجدهم و تأسيسٌ لطاعتهم و اظهار لفضاۤئلهم و نشر لممادحهم و دعاۤء الي سُلْطَانِهم و انّ الحَقّ لهم و معهم و فيهم و بهم و انّهم حججُ اللّهِ و ابوابه و بُيُوت الله و عَيْنهُ و وجهه و حكمه و امره و علمه و خزاۤئنه و مفاتح غيبه و جميع معانيه و ظاهرهُ في خلقه وَ سُفَراۤؤهُ الَيْهم فيما يجري عليهم من احكام قضاۤئِه۪ من خير او شرٍ محبوبٍ اوْ مكروهٍ و انّ ما انزل سبحانه من كتبه و اوامره و نواهيه الي انبياۤئه و رسله و المستحفَظ۪ين لدينه و احكامه و ما اخبروا به عنه سبحانه ممّا يريد من عباده مما يتعلّق باعمالهم و اعتقاداتهم كاحكام تكليفاتهم و حياتهم و مماتهم في الايّام الخمسة الذرّ و الدّنيا و الرجعة و البرزخ و الاخرة لم‌يكن شي‌ء مما ذكر و نحوه و لا شَيْ‌ءٍ من افراده و ما يتفرّع عليه الّا ذكروهُ و حقّقوه و اشاروا الي دليله عرف ذلك مَن عرفه و جهل من جهل و انكر مَن انكر فالمؤمنُ الثّابتُ الايمان محقق لما حقّقوه علي ثلاثة انحاۤءٍ مؤمن اعتقَد ذلك بالتسليم لهم و هو دليل اجمالي و مؤمن اعتقد ذلك مع التسليم لهم بسماعه ذلك من اقوالهم و ارشاداتهم عليهم السلم بحسب مفهومه و قد يسمّي دليلاً تفصيلِيّاً و الحقّ انّ هذا التفصيل في صورة الدليل لا في حقيقته و لا في المدلول و مؤمن اعتقد ذلك بعلمه كما اشار اليه سبحانه بقوله و لايملِكُ الَّذ۪ينَ يدعون من دونه الشّفاعة الّا من شهد بالحقّ و هم يعلمون و المراد بهذا العلم الخاۤص انّه قرأ الكتاب الكبير الذي كتب فيه القلم بيد اللّهِ عليه السلم كما امره عز و جلّ آياته و امثال ما شاۤء لما يشاۤء و الكتاب الكبير هو آفاقُ العَالَم و كذا الكتاب الصغير و هو الانسان كتب ما كتب في الكبير فلمّا قرأ فيهما بتِبيانهم عليهم السلم و شاهَدَ ما اَوْقفُوه عليه شاهَدَ المدلول في الدليل و في نفس المدلول و المدلول دَل۪يلاً و هذا هو التفصيلي حقيقة و صاحب هذه المعرفة هو الذي عنيناه اوّلا بقولنا الثاني انّ من عرف لهم ما ذكرنا في حقهم آتاه الله علما و نوراً و شرح صدره حتّي يشاهدَ الغيب و يعرف الحقّ حقّا كما عرّفوه الخ ، هذا في الحق و في الباطل علي هذا حرفاً بحرفٍ فقابل هذا بهذا في جميع التفاصيل .
قال عليه السلم : مطيع لكم عارف بحقكم مقرّ بفضْلكم
اقول قد تقدّمَ معني هذه ( هاتين ، ظاهر ) الفقرتَيْنِ مفرّقاً و لا بأس بالاشارة الي مجمل ذلك هنا لانّ ذكره هنا يكون مجتمعاً فيكون ادلّ و لئلّايحتاج الناظر الي التّتبّع في المراجعة و قد يحصل عنده بعض هذا الشرح و مطلوبه في البعض الاخر فلايتمّ مطلوبهُ مع انّ اعادته كما قال الشّاعر :
اَعِدْ ذِكرَ نَعْمانٍ لنا انّ ذكره       ** * **      هو المِسْكُ مَا كرَّرْتَهُ يَتَضَوّعُ
فاقول قد تقدّم فيما ذكرنا انّ الله سبحانه خلقهم عليهم السلم لهُ فلايقع منهم فعل او عمل او قول او اعتقاد حقيّة حقّ او بطلان باطل اَوْ حركة او سُكونٌ الّا له تعالي و ما لَهُ الّا ما امر به و ما من شي‌ءٍ لشَيْ‌ءٍ او عن شي‌ء او بشي‌ءٍ الّا به تعالي فهم عليهم السلم و ما مِنْهم و عنهم و بهم و لهم حمده و ثناۤؤهُ و معرفته و ذكره و آلاۤؤُه ثم خلق خلقه لهم و ذلك لِتَتْم۪يمِ ما لَهُ و تكميلِه فلايقبل الله سبحانه طاعة شي‌ءٍ من خلقه اِلّا بطاعتِهمْ و لايقبل شيئا من طاعتهم الّا له و لم‌يقبل شيئاً لهُ من طاعة خلقه الّا لهم فليس لهم من الطاعات و الاعمال الّا ما كان له منهم لانّهم عليهم السلم له و لايكون شَيْ‌ءٌ طاعةً له الّا ما كان لهم لَهُ فقوله مطيع لكم اي لكم للّهِ فاطاعَةُ المؤمِنِ لهم حقيقة ان يعمل للّهِ بكل ما اَمَرُوا بِه۪ و اَنْ ينتهي لِلّهِ عن كُلِّ ما نَهَوْا عنه و ذلك عاۤمّ في كلّ حقٍ و النهي عن كلِّ باطلٍ و من الاوّل مثلاً اَنْ يقول الخمسة ثلاثة و اثنان و من الثاني ان تقول الخمسة اثنان و اثنانِ و الي نحو هذا اشار تعالي حكاية عن بعض من عمل بالثاني الم‌تر الي الذين يُزكّون انفسهم بل اللّٰهُ يزكّي مَن يشاۤء و لايُظلمون فتيلاً انظر كيف يفترون علي اللهِ الكذبَ و كفي به اثما مبيناً ، ثم انّ الطاعة قد تكون صوريّة بان تكون العبادة مثلاً رياۤءً فصورتها طاعة و حقيقتها معصية و لذا قال تعالي يراۤؤن النّاس و لايذكرون الله الّا قليلاً اي ممّا لم‌يُرَاۤؤا فيه اوْ انّ ذكرَ اللّهِ في صلاتهم قليل اَوْ بصورة صلاتهم او بالذكرِ و النسيان و قد تكون غير ثابتةٍ بل تكون متزلزلةً كمن عبد سمعةً فعبادته واقفة بين القبول بنسبتها كما لو مات قبل اَنْ يطلِعَ عليها احداً و بين الرّدّ كما اذا اطلع عليها احداً و كاعتقاد المنافق فانّه و ان طابَق صورته الواقع كما اذا اقرّ بالحقّ و ربّما اثيب عليه بثواب الدنيا بمثل حقن الدماۤء و تحريم الاموال و الدماۤء ظاهرا و كالتناكح و التّوارث الّا انّ باطنه من ذلك المعتقِد غير مطابقٍ للواقع لانه منكر له و هو عالم به فكان في اقراره كاذباً كما قال تعالي حكاية عنهم قالوا نشهد انّك لرسول اللّه و اللّه يعلم انّك لرسوله و الله يشهد ان المنافقين لكاذِبُونَ لانّ اعتقاد المنافق في الحقيقة رؤية الحقّ و معرفته حَقّاً لا الثبات عليه بان يجري علي مقتضاه و لو بالعزم لانّ رؤية الحق و معرفة كونه حقّا لا غير لايثبت به الايمان الّذي هو الثبات علي الحقّ الّا باستعمال اركانه الثلاثة كلٌّ في محلّه و هي الاعتقاد الّذي هو جزء الايمان كما ذكرنا و الاقرار باللِّسان و العمل بالاركان و في الخصال عن الصادق عليه السلم في الحديث الطويل و الايمان هو معرفة بالقلب و اِقْرارٌ بِاللِّسان و عمل بالاركان فاذا حصلت هذه الثلاثة متطابقةً لايرد علي شي‌ء منها واردٌ من الٰاخر ينافيه بفعلٍ او عزم تحقّق الايمان و قول الاكثر منّا انه التصديق القلبي لا غير و انّ ما ورد عنهم عليهم السلم من انه تصديق بالجنان و اقرار باللسان و عمل بالاركان كما هو مذهب المعتزلة و جماعة منّا فتوجيه صحته امّا بان يراد به اقلّ ما يتحقّق به مصداقه مع اعتبار العزم علي الاقرار و العمل و الّا لكان هو المعرفة الّذي هو شرط قيام الحجة علي المكلّف لانه جحد ما استيقن و معني جحوده انه لم‌يجر علي مقتضي استيقانه و لو بالعزم و لهذا قال تعالي في حقهم و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم ظلما و علوّا ، اَوْ ان التّصديق اقوي اركانه و اعظمها فاذا صدّق فقد اتي بمعظم ما طُلِب منه اوْ لانّه مستلزم لهما غالباً او لانّهما تصديق لساني و اركاني كما انه عمل و اقرار قلبي فيشملهما اذا اُطلِق و امّا تحقّقه بهما مع التطابق فهو الايمان الكامل فالتصديق المُعرَّي عنهما و عن العزم عليهما ليس ايمَاناً و قد تكون الطاعة قبول التكليف الوجودي المسمّي بالشرعي الوجودي و هو ظاهر الشرعي و هذه في الحقيقة كلها يصدق عليها اسم الطاعة ظاهراً قال تعالي في رجلٍ من المنافقين يا ايّها الّذين امنوا لم تقولون ما لَاتفعلُونَ كبر مقتاً عند اللّهِ ان تقولوا ما لاتفعلون فوصفه بالايمان لعلمه و قوله مع انّه ماٰامن باللّهِ طَرفة عين و كذا ايمان صورته و هذه و امثالها تدخل في اسم الطاعة بوجهٍ لكن لمّا كانت لاتترتّب عليها نجاة مما اُر۪يدَتْ للنجاة منه لم‌تدخل في الطاعة حيث تطلق مع انّ ما قد يترتّب عليها من الثواب كلّه اَوْ جُلّهُ انّما هو في الدُّنْيا لايَكاد يصِل الي البرزخ منه شَيْ‌ءٌ فضلاً عن ان يصل الي الاخرة فلاتدخل في الطاعة حيث تطلق نعم لو كان شي‌ء من عملٍ يترتّب عليه ثواب الدنيا لا غير لكنه يترتّب عليه النجاة مما اُر۪يد للنجاة منه اَوْ حصول ما اُر۪يدَ له كالاوامر و النّواهي الارشاديّة امكن دخول الامتثال به في الطّاعة في قوله مطيع مثل ما استشار علي بن محمد علّان خال الكليني صاحب الزّمان عليه السلم في السفر للحج فنهاه عليه السلم فمضي و قُتِل فانّه يصدق علي ذلك المعصية و ان كان النهي ارْشادِيّا و لو لم‌يمض صدق عليه انه اطاعَ الّا انّ الطَّاعة يختلف باعتبار مراتب التكليف و المكلّفين و لايبعد ربط هذه الطَّاعةِ بقوله عارف بحَقِّكم لانّ الطّاعة باعتبار الاخلاص و محبّة القيام بخدمة الٰامر تكون علي حسب المعرفة بحقّه و لهم عليهم السلم في الوجود بحسب ما نُدِبُوا اليه اربع مراتب كما الاُولي مرتبة المقامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و حقّهم هنا معرفتهم يعني معرفة اللّه سبحانه بهم و هو قول الحجة عليه السلم في دعاۤء شهر رجب يعرفك بها مَن عَرفك و قولهم عليهم السلم من عرفَنا عرف اللّهَ و قولهم عليهم السلم من لم‌يعرفنا لم‌يعرف اللّه و قول علي عليه السلم نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الا بسبيل معرفتِنا الثانية مرتبة المَعاني و حقهم معرفة انّهم معانيه سبحانه يعني معاني افعاله فهم علمه و قدرته و حكمه و امره و عدله و عينه و اُذُنه و لسانه و قلبه و وجهه و نوره و يده و عضده و كتابه و خزاۤئنه و مفاتح خزاۤئنه و عيبة علمه و اسرار غيبه و محالّ مشيته و اَلْسِنةُ ارادته و صفاته العليا و اسماۤؤه الحسني و امثاله العُلْيا و نِعَمُهُ الَّت۪ي لاتُحْصَي الي غير ذلك من معاني افعاله و مظاهر اِبْدٰاعاتِه و اختراعاتِه۪ و معني معرفة انّهم معانيه مشاهدة ذلك في عبادتهم وَ دُعاۤئهم و ذكرهم و فكرهم و اعتبارهم و في جميع وُجْداناتهم و وجوداتهم فيتوجّه الداعي الي اللّه بهم و يخاطبه و يناجيه بهم و هكذا الثالثة مرتبة الابواب و معرفة حقهم فيها ان يعلم انّهم ابواب اللّه التي منها يُؤْتَي في ساۤئر العبادات و الدعوات و المناجاة و طريق قبول الاعمال و منها يُؤتي عباده ما يشاۤء من خلق و رزْقٍ و حيوة و ممات في غيبهم و شهادتهم و في ذواتهم و احوالهم و اقوالهم و افعالهم و اعمالهم وَ مٰا منه صادِرُون و اليه صاۤئِرون فلايخرج من الخزاۤئن خارج و لايَصْعَدُ اليها صَاعِدٌ اِلّا منهم و بهم فهذا و مثله من معرفته وَ اعتقاده۪ حقِهم عليهم السلم في هذه المرتبة الرابعة مرتبة ظاهر الامامة و حقّهم في هذه المرتبة فرض طاعتهم و الاقتداۤء بهم وَ الرَّدِّ اليهم و الاخذ عنهم و التسليم لهم و تفضيلهم علَي مَنْ سواهم و ان لايسوِّيَ بهم غيرهم في نسب و لا حسب و لا علم و لا شجاعة و لا كرم و لا تقوي و لا زهدٍ و لا صلاح و لا ديانة و لا عبادة و لا اخلاصٍ و لا قربِ منزلة من اللّهِ و لا في شي‌ءٍ من مَحاسِنِ الاحوال و الافعال و مكارم الاخْلاق لا نبي مرسل و لا ملك مقرّب و لا مؤمن ممتحن و انّ كلّ ما نُسِب الي غيرهم من المحاسن و المكارم و الصفات الحميدة فانّما هو ذرّة من تيّار متلاطِم بِحَار ما اُوتوا من الفضاۤئل كيف و قد سئل يحيي بن اكثم اباالحسن العالم عليه السلم عن قوله تعالي سبعة ابحرٍ مانفدت كلمات اللّهِ ما هي فقال هي عين الكبريت و عين اليمين و عين البرهوت و عين الطبريّة و جمّة ماسيدان و جمّة افريقيّة و عين ناجروان ( بلعوران خ ) و نحنُ الكلمات التي لاتُدْرَكُ فضاۤئلنا و لاتُسْتَقْصي و الحاصل حقّهم ان تعتقد انّهم اولياۤء اللّه علي جميع خلقه و اوصياۤء رسول الله صلي الله عليه و اله و خلفاۤؤه علي امته و القوّام بدينه بعده و حفظة شريعته القاۤئمون مقامه في كلّ شي‌ء اقامه اللّه فيه لخلقه ماعَدا النُبُوَّةَ فقولي لايبعد ربط هذه الطاعة بقوله عارف بحقِّكم لانّه اذا لم‌يعرف حقّهم رُبَّما اَطاعَ بما يُنافي حقهم فيكون تلك الطاعة معصيةً لهم و انّما قلتُ لايبعد لانّ كلام الامام عليه السلم يراد احد وجوه متعدّدة او يراد منه وجوه متعدّدة و قد وردت آثارهم عليهم السلم بما يدلّ علي الارادتين و ذلك لانّه قد يُلَاحَظ و يقصد احدها اي احد السبعين الوجه كما روي عنهم اِمَّا لِانّه المُتَعارَف فينصرف الاطلاق اليه عرفاً او يراد منه الابهام اَو التّعميم ليعلم كلّ اناس مشربهم و يتيسّر كلٌّ لما خُلِقَ لَهُ و ينال ما كُتِبَ له و غير ذلك فان اُر۪يدَ الاوّلُ مثلاً اتّجَه عدمُ ربطِ هذه الطاعة بمعرفة الحقّ و ان اريدَ الاخير تَعيّنَ الاَخيرُ و ان اريد الوسط احتمل الربط و عدمُه ،
و قوله عليه السلم مقرّ بفضلكم يحتمل بناۤؤه علي ما قبله لانّ مَن عرف حقّهم تبيّنَ له انّهم لايُسَاويهم خلقٌ فيلزمه الاعتراف و الاقرارُ بفضلهم و يكون المراد من هذا الفضل ما هو اعمّ من الظّاهر فيدخل فيه الاسرار و الفضاۤئل الظّاهرة لان بناۤءَهُ علي ما قبله يترتّب علي المراتب الاربع وَ يَظْهَرُ لَك انّ من فضاۤئِلِهمْ مَا لٰايَحْتَمِلُه سواهم كما هو مقتضي الاولي و بعض الثانية و منها ما لايحتمله الّا الخصيص من الشيعة الاخصّ فالاخصّ كالانبياۤء و المرسلين و الكَرُوبيّين و كبعض المؤمنين الممتحنين اولي المُدُنِ الحصينة و مَن شاۤؤا عليهم السلم تعليمهم و ذلك كالبعض الاخر من الثانية و بعض الثالثة و منها ما لايحتمله الّا الخواۤصّ من الشّيعة كبعض الثالثة الٰاخر و بواطن مقتضي الرابعة و منها ما يحتمله عواۤمّ الشيعة كظواهر مقتضي الرابعة و هذا المقرّ يعرف من فضلهم بقدر رتبته من الايمان و درجته من الاحسان هل جزاۤء الاحسان الّا الاحسان و قيمةُ كلّ امرءٍ ما يحسنه و رتبته ما يتحقّق و يستقرّ فيه و يستقيم عليه من درجات الايمان و يحتمل عدم بناۤئِه۪ علي ما قبله و يكون الاقرار علي حسب المعرفة و العزم علي الموافاة و الادراك و بدون المعرفة و الادراك و العزم علي الموافاةِ لاينفع بل ربّما يضرّ كما تقدمت الاشارة اليه في حق المنافقين نعم لو فقدت المعرفة و الادراك لم‌يتحتّم عليه العزم علي الموافاة اذا لم‌يفهم و لم‌يعزم علي عدم الموافاة لجهلٍ او لخبث ط۪ينَةٍ فاذا فقد هذه الاشياۤء كفاه التسليم في حفظ اصل ايمانه اذا لم‌يجد في نفسه المنافاة كما اشار سبحانه اليه بقوله الحق في خطاب وليّه الحقّ و خليفة رسوله المصدّق صلي اللّه عليه و اله فلا و ربّكَ لايؤمنون حتّي يحكّموكَ فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً ممّا قضيتَ و يسلّموا تسليماً فاذا لم‌يبن عليه ترجّحت ارادة الخصوص من الطاعة لان الاقرار بالفضل من اعظم افرادها لانه اطاعة المرءِ لعَقْلِه۪ فيما دلّه عليه من هذه الفضاۤئِل لانّ هذه الفضاۤئل آثار اَفْعالِ الربوبيّة بتراجمة العبوديّة في افعال اَلْسِنَةِ الرّبوبية و اَيْديهٰا و خلق اللّه المكلّفين فيما فطرهم عليه من صِبْغَتِه۪ علي هَيْئات تلك الٰاثار فمن لم‌يغيّر البُنْيةَ و لم‌يبدِّل الفِطرةَ لَزِمه الاقرار بفضاۤئلهم التي هي تلكَ الٰاثار وَ هو لب الطّاعة و مخّ العبادة لانّها هي الثّناۤء علي اللّه تعالي و تسبيحه و تحميده و تهليله و تكبيره و تمجيده بالسنةِ ارادته و اليه الاشارة بما في الزيارة الجامعة الصغيرة التي رَواها في المصباح قال انّي لمن القاۤئلين بفضلكم مقرّ برجعتكم لااُنكِر للهِ قدرةً و لاازعمُ الّا ما شاۤء اللّه سبحان اللّه ذي الملك و الملكوت يسبّح اللّٰهَ باسماۤئه جميعُ خلقه و السلام علي ارواحكم و اَجْسادِكم الخ ، و هم عليهم السلم اَسْماۤؤه الحُسْنَي التي امركم ان تدعوه بها و في تفسير العيّاشي عنه عليه السلم اذا نزلت بكم شِدّة فاستعينوا بنا علي اللّه و هو قول اللّه و للّهِ الاسماۤء الحسني فادعوه بها قال نحنُ واللهِ الاسماۤء الحسني الّذي لايَقْبَلُ اللّٰهُ عملاً الّا بمعرفتِنا ه‍ ، فتسبيحه تعالي باسماۤئه موالاتهم و البراۤءة من اعداۤئهم و الاقرار بفضاۤئلهم و اعتقادها و بنقاۤئص اعداۤئهم و اعتقادُهَا و التسليم لهم و الردّ اليهم و سؤال اللّهِ بهم و التسليم و الصلوة عليهم و زيارة قبورهم و ذكر ممادحهم و مثالب اعداۤئهم و ذكر مصاۤئبهم و رثاهم و البكاۤء عليهم و لهم و عند ذكر مناقبهم و ما خصّهم اللّه به فقد جعل سبحانه ذلك شعار الايمان و الخُضُوع لعرفان الحق من الملك الديّان فقال و اذا سمعوا ما اُنْزِلَ الي الرسول تري اعينهم تفيض من الدمع ممّا عَرفُوا من الحَقِّ يقولون ربّنا آمنا فاكتبنا مع الشّاهدين و قلتُ في ذكر فضاۤئلهم و مصاۤئِبهم في قصيدة رثَيْتُ بها سيّدالشهداۤء عليه و علي آباۤئه و ابناۤئه الصلوة و السلام :
فهَيْهات ماقضَّيْتُ من شَغَف۪ي بكم       ** * **      مُنَايَ و لا نَوْحي لكم و انقضي العمرُ
و قبله :
اَه۪يمُ ببلواكم اَه۪يمُ بحُبِّكم       ** * **      و دمعي علي الحَالَيْنِ من شَغَف۪ي غَمْرُ
و بالجملة فيما خُصِصْنا به انّ الطّاعة و الاقرار بالفضاۤئل متساويان لان المراد عندنا من الطاعة ليس مخصوصاً بما هو المعروف عند العواۤمّ و الاقرار بالفضاۤئل لَيْسَ مقصوراً علي اللّسان بل به و بالجنان و بالاركان و هو تأويل قوله تعالي و ان من شَيْ‌ءٍ الّا يسبّح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفوراً و قوله تعالي اولم‌يروا الي ما خلق اللّه من شي‌ء يتفيّأُ ظِلالُه عن اليمين و الشّماۤئِل سُجّداً للّهِ و هم داخرون و الاصل انّ المعبود الحق جل و عزّ انما يدعَي و يعبد و يسبَّحُ بما امر من اسماۤئه و هم اسماۤؤُه فانّك اذا قلتَ يا زيد فان المدعو هو الذات المسمّاة بهذا اللفظ و اللفظ هو الاسم هذا اذا كان الاسم اسم ذاتٍ و مرتجل فان كان اسم فعل كان الاسم في الحقيقة هو اللفظ و مفهومه و المسمي هو المعنيّ باللفظ و بمفهومه لان اللفظ ح اسم فعل و مفهومه الفعل و هما اسمان للذّات من حيث ظهورها بذلك الفعل الخاۤصّ كالقاۤئم اذا جعلناه اسما لزيدٍ فانا نريد باللفظ ما ظهر به زيد من القيام و المفهوم من هذا اللفظ هو ما ظهر به زيد من القيام فلفظ قاۤئم و معناه اي مفهومه اسمان لزيدٍ من حيث ظهوره بِالقيامِ فهم عليهم السلم اسماۤءٌ له تعالي من حيث ظهوره تعالي بفعله لما فعل حقاۤئقهم مفهوم الالفاظ التي يُدْعَي بها كما لوّحْنا لَكَ في المرتبة الثانية و ليسوا عليهم السلم اسماۤءً للذات البحت المقصودة بالعبادة لان الذات البحت لم‌يكن لها اسم يقع عليها و اسماۤؤه الحسني انّما هي لما دَلَّ به علي نفسه و عن ابن‌سنان قال سألتُ اباالحسن عليه السلم هل كان الله عز و جل عارفا بنفسه قبل ان يخلق الخلق قال نعم قلتُ يراها و يسمعها قال ماكان محتاجاً الي ذلك لانه لم‌يكن يسألها و لايطلبُ منها هو نفسه و نفسه هو قدرته نافذة فليس يحتاج ان يسمّيَ نفسه و لكنّه اختارَ لنفسِه اسماۤءً لغيره يدعوه بها لانه اذا لم‌يدع باسمه لم‌يعرف فاوّل ما اختار لنفسه العليّ العظيم لانه اعلي الاشياۤء انتهي ، فحيث ظهر لك انّه سبحانه انما سمّي نفسه لغيره و انهم اسماۤؤه الّتي تسمَّي بها لخلقه ليدعوه بها و يعبدوه بها ظهر لك انّهم معاني افعاله و اوامره و نواهيه و لو عرفتَ انطوي عليه ما ذكر في المرتبة الثانية رأيتَ ان جميع التكاليف و هيئات العبادات صفات معانيه و هيئات اوامره و نواهيه عرف مَن عرف و من جهل فاَمامَهُ اليقين ( سجين ظ ) .
قال عليه السلم : محتمل لعلمِكم محتجِبٌ بذمَّتِكم معترِفٌ بكم
قال الشارح المجلسي (ره‌) محتمل لعلمكم اي اعلم انه حق و ان لم‌تصل اليه عقولنا محتجِب بذمتكم اي مستتر و داخل في الداخلين تحت امانكم اوْ اجعل الدخول في امانكم مانعا من النار و الشياطين كما ورد عن النبي (ص‌) انه قال الله تعالي محبّة عليّ حصني من دخل حصني امِنَ من عذابي رواه الصدوق و غيره انتهي ، و قال السيد نعمت‌اللّه الجزاۤئري تغمده اللّه برحمته في شرح التهذيب محتمل لعلمكم قيل معناه اني ارويه و ان لم‌افهم معانيه ، اقول يجوز ان يكون اشارة الي ما روي عنهم عليهم السلم علمنا صعبٌ مستصعب لايحتمله الّا نبي مرسل او ملك مقرّب او عبدٌ امتحن الله قلبه للايمان و معناه ح انّي مصدّق بتفاصيل علومكم و انّ عندكم علم ما كان و ما يكون الي يوم الْقيٰمةِ و كما رُوي عن اميرالمؤمنين عليه السلم قال لولٰا آيةٌ في كتاب اللّهِ لاخبرْتكم بما كان و ما يكون الي يوم القيمة و هي قوله تعالي يمحو اللّه ما يشاۤء و يثبت و عنده امّ الكتاب ، محتجِب بذمّتكم اي احتجِبُ عن شرور الدّارَيْنِ بالدّخول في حماكم و جواركم و عهدكم انتهي ،
اقول ظاهر قوله محتمل لعلمكم انّي اعلم حقّيّة علمكم عن علمٍ و فهْمٍ لان الاحتمال في هذا المقام اغلب ما يستعملونه عليهم السلم في العلم به عن ادراكٍ و ان كان علمي لايسع تفاصيل علمهم و قد يستعملونه هنا بمعني التّسليم فانّه يطلق علي العلم الراسخ كما قال تعالي و الراسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا فسمّي اهل التسليم راسخين في العلم و اثني عليهم ثانياً فقال و مايذّكّر الّا اولوا الاَلْباب ، و قد يستعمل في الكتمان و الحفظ و ممّا يدلّ علي الأول قول الصادق عليه السلم انّ حديثنا صعبٌ مستصعَبٌ شريفٌ كريم ذكوان ذكي وَعِرٌ لايحتمله ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا مؤمن ممتحن قيل فمن يحتمله قال مَن شئنا و في رواية نحن نحتمله ه‍ ، لانّ الملك المقرب الخ ، لاينكرونه و الّا لكفروا فليس المراد بنفي الاحتمال الّا عدم العلم و الفهم و يؤيّده ما في الرواية الاخري من قوله نحن نحتمله لانّ المراد من احتمالهم لعلمهم فهمهم له و كذلك قال عمير الكوفي معني حديثنا صعبٌ مستصعب لايحتمله ملك مقرّب و لا نبي مرسل فهو ما رويتم انّ اللّه تبارك و تعالي لايوصف و رسوله لايوصف و المؤمن لايوصف فمن احتمل حديثهم فقد حدّهم و من حدّهم فقد وصفهم و من وصفهم بكمالهم فقد احاطَ بهم و هو اعلم منهم انتهي ، و مثله ما ورد عن الصادق عليه السلم في تفسيره للحديث الذي فيه لايحتمله الّا ملك مقرّب الخ ، قال (ع‌) ان من الملاۤئكة مقرّبين و غير مقرّبين و من الانبياۤء مرسلين و غير مرسلين و من المؤمنين ممتحنين و غير ممتحنين و ان امركم هذا عُرِضَ علي الملاۤئكة فلم‌يقرّ بِه۪ الّا المقرّبون و عرض علي الانبياۤء فلم‌يقرّ به الّا المرسلون و عُرِضَ علي المؤمنين فلم‌يقرّ به الّا الممتحنون فان قلتَ انّ قولك لانّ الملك المقرّب لايُنكره و الّا لكفر يشعر بانّ مَن انكره فقد كفر و يلزم من هذا ان الملك الغير المقرّب و النبي الغير المرسل و المؤمن الغير الممتحن الذين لم‌يحتملوا و لم‌يقروا منكرون له قلتُ انّ الانكار لايكون و لايتحقّق الّا بعد المعرفة كما قال تعالي ام لم‌يعرفوا رسولهم فهم له منكرون و قال تعالي يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها فمن لم‌يحتمل او لم‌يقبل لا عن معرفةٍ بل عن قصورٍ لايكون منكِراً كما كان ذلك في حق آدم عليه السلم قال تعالي و لقد عهدنا الي آدم من قبل فنسي و لم‌نجد له عزماً ، و في العلل عنه عليه السلم في حديث و اخذ الميثاق علي اولي العزم انّني ربّكم و محمد رسولي و عليّ اميرالمؤمنين (ع‌) و اوصياۤؤه من بعده وُلاةُ امري و خُزّان علمي و انّ المهدي انتصرُ به لد۪يني و اُظْهِرُ به۪ دَوْلتي وَ انتقمُ به من اعداۤئي و اُعْبَدُ به طَوْعاً و كرهاً قالُوا اقررنا يا ربِّ و شَهدْنا و لم‌يجحَدْ آدَمُ و لم‌يُقرَّ فثبتتِ العزيمةُ لهؤلاۤء الخمْسَةِ في المهدي و لم‌يكن لِآدمَ علي الاقرار به ( عزم ، نسخة ) و هو قوله و لقد عهدنا الي آدمَ من قبلُ فنسِيَ و لم‌نجِدْ له عزماً قال انما هو فَتركَ ه‍ ، اقول انّ الحجة عليه السلم كان حينئذٍ في بعض احوال الثّانية اوِ الاُولي ظاهراً به لِلْاَنْبياۤء عليهم السلم فعرفَ اولوا العزم و وحّدوا و اعترفوا بذلك العهد المأخوذ عليهم لمحمّد و اهل بيته و لمّا عرض عليهم العهد للقاۤئم عليه السلم و هو في تلك الحال قَبِلَ اولوا العزم و وقَف آدمُ فلم‌يقرّ لعدم احتماله لحال القاۤئم عليه السلم بالمعني الاوّل لعدم فهمه و لم‌يجحد لعلمِه۪ انّه عليه السلم من جملةِ مَنْ اَقرَّ لهم لأنّه محتمِل لعلمه عليه السلم بالمعني الثّاني فكان عدم احتماله بالمعني الاوّل لقصوره فلِذا قال (ع‌) و لم‌يجْحَدْ و قد مرّت الاشارة الي انّه ماابتُل۪ي احَدٌ من الانبياۤء الّا بتقصيره في احتمال علومهم و ما هم عليه و كلّ ما وقع من عدم الاحتمال من احدٍ من شيعتهم فانّما هو من المعني الاوّل و لاسيّما اهل العصمة من شيعتهم و امّا عدم الاحتمال بالمعني الثاني فلايقع من شيعتهم لأنّ ذلك من شعار اَعْداۤئِهم و ما وقعت العقوبة عليه في حقّ بعض الانبياۤء عليهم السلم كيونس و ايّوب و يعقوب و اشباههم عليهم السلم مع انه قصور فيهم و لم‌يجحدوا مع ذلك ليستحقّوا العقوبة علي عدم تسليمهم فانّما هو لاجل سؤالهم عن العلّة و عَن البيان اسْتِعجالاً و عدم صَبْرٍ منهم علي شدّة البلاۤء فكان السؤال و الاستعجال و عدم الصبر حيث لايراد منهم منافياً لمقامِهِمْ من تحمّلِ ولاية محمد و اهل بيته الطاهرين صلي اللّه عليه و آله۪ و عليهم اجمعين و ذلك بحكم حسنات الابرار سيّئات المقرّبين و ليس ذلك منافياً للتسليم لأنه في الحقيقة انّما هو قصور و قد علم بدليل الحكمة انّ للقصور عقوباتٍ بنسبة مراتبه يسرع الي اكثرها العفو و التجاوز اذا كانت مشوبةً بنوع اختيار لِتُنْسَبَ الي الافعال الاختياريّة فتكون دواعيها غير ثابتة الاصل للجهل و القصور بخلاف ما اذا لم‌تكن مشوبة بالاختيار فانّها لاحقة بالافعال الطّبيعيّة الجبلّيّة فانها قد لايسرع اليها العفو و قد لايعفي عنها و ان كانت في نفسها حقيرة فلاجلِ انّ للقصور عقوبات ابتُلِي الانبياۤء عليهم السلم بنسبة قصورهم و لاجل كونه مشوباً بنوع اختيار اَسْرعَ العفو اليها لكونها غير ثابتة الاصل في دواعيها و ما لم‌تكن مشوبةً كانت طبيعيّة ثابتة الداعي و ممّا يدلّ علي الثاني ما ذكر بعده من آيَة و الراسخون في العلم يقولون آمنا به الاية و قد تقدّم و الاخبار فيه كثيرةٌ و مما يدلّ علي الثالث و هو كونُ المراد بالاحتمال الكتمان و حفظ السِّرِّ ما رَوَاه في البَصاۤئر عن ابي‌الحسن عليه السلم في تفسيره انّما معناه انّ الملك لايحتمله في جوفه حتي تخرجَهُ ( يخرجه ظ ) الي ملكٍ مثله و لايحتمله نبيّ حتي يخرجه الي نبيّ مِثْلِه۪ و لايحتمله مؤمن حتّي يُخْرجَهُ الي مؤمنٍ مثله انّما معناه الّايحتملَه في قلبه من حلاوة ما هو في صدره حتي يخرجه الي غيره ه‍ ، فعلي هذه المعاني يجري قوله محتمل لعلمكم و يكون الزاۤئر بها عند هذه اللفظ يقصد ما هو عليه ان كان عرف نفسه انه من اهل ايِّ مرتبةٍ من المراتبِ الاربع امّا المرتبة الاولي فلهم عليهم السلم لم‌يشارِكهم في حقيقتها احدٌ الا ما يظهر من آياتها علي قلوب شيعتهم و حقاۤئقهم فانّها حقاۤئِقهُمْ و لهم و اما الثانية فيعثر بعض خص۪يص۪ي شيعتهم في بعض معانيها كما جري علي بعض الانبياۤء عليهم السلم مثل ايّوب عليه السلم لمّا سمع الكلام عند انبعاث المنطق شكّ و بكي و قال خطب جسيم و امرٌ عظيم و قد ذكر ذلك و قد يثبت في بعضٍ فيقصد احتمال علمهم هذا و ان كان من اهل المرتبة الثالثة فكذلك ما عرفه قصَد احتماله و كذلك ان كان من اهل الرّابعة و ما لم‌يعرفه من كل مرتبةٍ قصَد بالاحتمال المعني الثاني و هو التسليم و يقصده فيما عرَف ايضاً و ليعلم انّ ما عرف فبتَعْليمِهمْ و انّ ما سلَّم فيه فبتوفيق اللّهِ ببركتهم و بهم و عنهم و ان كان من اهل المعني الثّالث و هو انّه لايحتمله اي يقدر علي كتمانه حتّي يخرجه الي مثله فلا بأس فيه و لاينافي هذا قوله محتمل لعلمِكم لانّه يريد به الفهم و التّسليم و عدم اخراجه الي من ليس من اهلِه۪ ثم علي المعني الثالث كما فسّره ابوالحسن عليه السلم وقع احتمال اشكالٍ و هو انّه اذا وردَ هذا الحديث وجب علي من سمعه من الاصناف الثلاثة من الملٰۤئكة المقربين و الانبياۤء المرسلين و المؤمنين الممتحنين اعلامُ مثله فان كان هذا المثل اريد منه مطلق انه ملك مقرّب او نبي مرسل او مؤمن ممتحن من غير ان يعتبر فيه ما اعتبر في الاوّل من عدم الكتمان لزم خلاف الظاهر من الخبر لأن الظاهر منه انّ هذا مقتضي الحديث و لو اريد بعض من هذا النوع لقال انّ بعض اولٰۤئك لايحتمله و اطلاق الحديث و اطلاق حديث تفسيره يقتضي ذلك و يلزم من هذا ان يكون آخرهم يخرجه الي اوّلِهمْ و هو اوّل مَنْ سمعه و اخرجَهُ الي مثله و هو حينئذٍ لايحتمله فيخرجه الي مثله و هكذا الي ان لّايبقي لجميع هذه الاصناف الثلاثة وقت و لا عمل و لا حال الّا استماع حديثٍ واحدٍ من احاديثهم و اِسْماعه المثل فيشتغلون بحديث واحدٍ عن كلّ شي‌ءٍ بل علي نحوٍ من الاعتبار يقال و عن حديثٍ آخر من احاديثهم مقتضٍ لما اقتضاه الاوّل فيلزم في غير الاوّل انّه لو فرض استماعُه ماحصل اخراجه الي المثل لشغله بالاوّل و شغل المثل ايضاً فيلزم انهم عليهم السلم لم‌يريدوا بتلك الاوصاف الّا حديثاً واحداً و كلّ ما سمعتَ خلاف المعروف و المتبادر من مرادهم و دفعه هو انّ المراد انّ الملك المقرّب الذي لايحتمل قد يخرجه الي مثله ملك مقرّبٍ يحتمل فيكتمه و لايخرجه و لو كان غير محتمل اخرجه و لكن مراتب المقرّبين متفاوتة جدّاً و دفع ذلك النحو من الاعتبار انه انّما يفهم منه انه اذا اخرجه استراحَ و سكنَتْ سَوْرة الحَلاوة علي نفس الملك بحيث لو سمعه مرّة ثانياً لمااقتضي اخراجه ثانياً لأنّ المثل قد سمعه منه فلاتتوق نفسه الي استماعه ثانياً و اذا علم الاوّل ذلك من الثاني لم‌تَتُقْ نفسه الي اخراجه اليه و ليس ابداً اخراج مثل تلك الاحاديث و لو حصل اخراجُ آخر جري فيه كما جري في الاوّل فلايلزم شي‌ء ممّا ذكر مع انّ المراد بيان نوع هذه الصفة فقد تلزم في واحدٍ خاۤصّة فيخرجه الي مثله ثم لايلزم في المثل ذلك و قوله محتجبٌ بذمّتكم الاحتجاب الاستتار و المراد انّ الائتمام بكم و التسليم لكم و الردّ اليكم و الاعتماد و الاتّكال علي ذلك لأنكم باب القدر و القضاۤء و وسيلة القبول و الرّضا حصنٌ من۪يع لايُحَاول و ملجأ رفيع لايُطَاول و الذمّة و الذِّمام واحد و هو العهد و الامان و الضمان و الحرمة و الحق اَمّا علي معني العهد فانّ اللّهَ سبحانه حين خلق الخلق خلقهم علي صورة عهده اليهم و هو ما اخذه منهم من مقتضي احكام الولاية المطلقة الكبري التي ذكرها اللّه في كتابه فقال فاللّٰهُ هو الوَليّ و هو يحيي الموتي و قال هنالك الولاية للّهِ الحقّ هو خير ثواباً و خير عقباً و هي الولاية ظهر بها عليّ و اهل بيته الطّاهرين صلي اللّه علي محمد و عليهم اجمعين اللّهُ سبحانه اعطاها نبيّه صلي اللّه عليه و آله و هم ظهروا بها و هي لواۤء الحمد في قوله (ص‌) اُعطيتُ ثلاثاً و شاركني عليّ فيها اُعْط۪يتُ لواۤء الحمد و عليّ حاملُه و اعطيتُ الجنّة و النار و عليّ قسيمهما و اُعط۪يتُ الحوض و عليّ ساقيه و اُعط۪ي عليّ ثلاثاً و لم‌اُعْطَ مثلها اُعطِي زوجةً و لم‌اُعطَ مثلها و اُعطِي ولدَيْنِ و لم‌اُعطَ مثلهما و اُعطِي حمواً و لم‌اُعْطَ مثله ه‍ ، و الحَمو بفتح الحاۤء ابو الزوجة هُنَا و ح۪ين اخذ علي الخلق ذلك العهد الذي كرّم به و بقبوله عباده الصّالحين فقال الستُ بربّكم و معناه الستُ بربّكم و محمد نبيكم و عليّ وليّكم و اِمامكم و الائمة اولياۤؤكم و ائمتكم و معناه ما مر عليك من معرفة التوحيد و ما يتعلق به و نبوّة محمّد (ص‌) و ما يترتب عليها و امامة الائمة عليه و عليهم السلم و ما يتفرع عليها و احوال التكاليف الشرعية و الوجوديّة و العقلية و النفسانية و الطبيعية و المادية و المثاليّة و الجسمانيّة في الدنيا و في البرزخ و في الاخرة قالوا بلي فعاهدوه علي الوفاۤء و عاهدهم علي حسن الجزاۤء فقال و اوفوا بعهدي اوف بعهدكم ، فعهده المأخوذ هو ولاية محمد و آله صلي اللّه عليه و آله و هو اصل الوجود و لبّ الاسرار و سرّ الانوار و نور الاقتدار و امر الواحد القهار و كلّ شي‌ء من الخلق محتاج الي ذلك كلّ الينا راجعون و كلّ شي‌ء خاۤئف منه و هم من خشيته مشفقون و كلّ شي‌ءٍ قاۤئم به و من آياته ان تقوم السّماء و الاَرْض بامره و كلّ شي‌ءٍ في قبضته قل من بيده ملكوت كل شي‌ء و هو يُج۪يرُ وَ لَايُجٰارُ عَلَيْهِ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ و هو درع اللّهِ الحصينة التي يحفظ بها من يَشاۤء و من دخله كان آمناً من الشيطان و جنوده و كيدهم و مكرهم و خداۤئعهم و حيَلهم و اغواۤئهم و تزيينهم و كلّ شي‌ء من سلطانهم و هو الذمام المذكور في دعاۤء الصباح و المساۤء اصبحتُ اللّهم معتصماً بذِمامِك المنيع الذي لايطاول و لايحاولُ من شرّ كلّ غاشم و طارقٍ من ساۤئر ما خلقتَ من خلقك الصّامت منهم و الناطق في جُنّةٍ من كلّ مَخُوفٍ بلباسٍ سَابغةٍ وِلاۤءِ اهل بيت نبيّك محمد صلواتك عليه و عليهم محتجباً من كل قاصدٍ لي باَذِيَّةٍ بجدارٍ حصينٍ الاخلاصِ في الاعتراف بحقّهم و التمسّك بحبلهم موقناً بانّ الحقّ لهم و معهم و فيهم و بهم الخ ، و هذا الذمام ولايتهم عليهم السلم رفيع المكان و المكانة فلايطاوله شي‌ء من۪يع حصين لايحاوله شي‌ء و هو منيع من ساۤئِر ما خلق اللّه من خلقه الصامت و الناطق و هو الجُنَّة بضم الجيمْ اي الدرع الحصينة او المِجَنّ بكسر الميم و الجيم من كلّ مخوفٍ اي من كل ما يخاف منه من ذي روحٍ او نباتٍ او جمادٍ او عرضٍ او جوهرٍ او المٍ او هم او غم او وسواس او خاطر سوۤء او طبيعة او تخيّلٍ او تمثُّلٍ او تعرُّضٍ او شي‌ء من الحُمّيات و ساۤير الاوجاع و الٰالام و ضربان العروق و الارياح و الاختلاجات و سوۤء الاحلام و ما يخطر في اليقظة و المنام و مَا لايحسن من الكلام في الدنيا و الٰاخرة و اللباس السابغة الدرع الظافية التي تشمل جميع البدن ولاۤء اهل بيت نبيّك محمد (ص‌) ولاۤء مجرور علي البدل مِن لباسٍ سابغة يبيّن عليه السلم ان اللباس السابغة التي هي الدرع الظافية الحافظة لِلٰابِسها من جميع المكاره هي ولاۤء اهل بيت محمد (ص‌) و كذا قوله من كل قاصدٍ لي باذيّةٍ بجدارٍ حصين و هو ولايتهم عليهم السلم الاخلاص بالجر بدل من جدارٍ حصين يبيّن عليه السلم ان الجدار الحَص۪ين هو الاخلاص في الاعتراف بحقّهم بان يتولّاهم و يقتدي بهم في كلّ شي‌ء و يجعلهم الوسيلة بينه و بين اللّه سبحانه في كلّ شي‌ءٍ و ان يكون ذلك كلّه مشفوعاً بالبراۤءة من اعداۤئهم متلبّساً باللعن لاعدائهم معتقِداً انّ اللّه لايردّ عملاً علي هذه الطريقة و لايقبل عَملاً بدون شي‌ءٍ منها و هو قوله و التمسّك بحبلهم موقناً بان الحق لهم الخ ، فلمّا اخذ من الخلق العهد المؤكّد بما سمعتَ و نحوه علي ساۤئر خلقه قال شهدتُ عليكم بما عاهدتموني و قال يا اولياۤئي و يا ملاۤئكتي اشهدوا قال محمّد صلي اللّه عليه و آله شَهِدْتُ لكَ يا ربّ بذلك عليهم و قال عليّ عليه السلم شهدتُ بذلك و قالت الائمة عليهم السلم شهدنا بذلك و قال الانبياۤء و المرسلون شهدنا بذلك و قال المؤمنون شهدنا بذلك و قالت الملاۤئكة شهدنا فقال اللّه حكاية عن نفسه و عن اولياۤئه و ملاۤئكته شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انّا كنا عن هذا غافلين الٰايات ، فقال اللّه تعالي جرياً علي جميل عادته و ابتداۤء تفضّلِه۪ و منّه اوفوا بعهدِي الذي عاهدتموني عليه بمشهد الشاهدين اُوفِ بعهدكم اي انه اقسم بعزّته و جلاله انَّ مَن وَفي له بعهده اي اتي يوم القيمة موالياً لهم معادياً لاعداۤئهم انّه يقبل عمله و ينجّيه من النار و يدخله الجنّة فقال المجيبون لخطابه المستجيبون لدعوته علي لسان نبيّه صلي اللّه عليه و آله حين قال لهم الستُ بربّكم ربّنا انّنا سمعنا منادياً ينادي للايمان ان آمنوا بربّكم فٰامنّا ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا و كفّر عنا سيّئاتِنا و توفّنا مع الابرار ربّنا و آتنا ما وعدتنا علي رسلك و لاتخزنا يوم القيمة انّك لاتخلف الميعاد فاستجاب لهم ربّهم اني لااضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثي بعضكم من بعض لأنه سبحانه وعدهم بالوفاۤء مع الموافاة و اشهدَ علي وعدِه لهم عباده الصالحين فلذا اخبر عن حال الشيعة المسلّمين حين ذكّرهم هذا المحضر الشريف قال و اذا سمعوا ما انزل الي الرسول يعني ذكر ما اشرنا اليه ذكرُوا الموقف المكرّم تري اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحقّ بقلوبهم و السنتهم و اعمالهم كما جري منهم في ذلك الموقف و نسوه و ذكّرهم سبحانه علي لسان نبيّه و اولياۤئه صلي اللّه عليه و عليهم يقولون ربّنا آمنّا فاكتبنا مع الشّاهدين الذين اشهدتَهم علي عهد عبادك لك و عهدِك لهم مع الموافاة و انا اقول ربَّنا آمنّا بما انزلتَ و اتّبعنا الرسول و آل الرسول فاكتبنا مع الشاهدين و الحاصل معني الاحتجاب بذمّتهم التي هي عهدُ اللّه و عهد خلقه بالموافاة الاحتجابُ بالموافاة اي بان تستجيب له سبحانه بان تدخل في عهده بان يستجيب القلبُ له بما طلب منه و اللسان بما دعي اليه و الاركان بما امر به فاذا دخل في عهده بهذا الدخول فقد احتجب بذمّتهم و اَمِنَ من كلّ مخوفٍ لما اشرنا اليه قبل من ان هذه الذمّة هي اصل الوجود و لبُّ الاسرار و سرّ الانوار و نور الاقتدار و امر الواحد القهار الخ ، و لذلك كانت امناً من كلّ شي‌ءٍ و لايؤمن منها شي‌ء و هو يجير و لايجار ان كنتم تعلمون و قد كرّرنا هذا المعني و امثاله في هذا الشرح في مواضع متعدّدة تأكيداً للبيان و تكريراً عن النسيان و اذا فسّرت الذمّة بالامان الذي هو الحصن من كلّ مَخُوف عرفتَ ممّا ذكرنا ان الامان المطلق الذي لايكون معه خوف ابداً انّما هو ولايتهم عليهم السلم لأنّها طاعة اللّه فيما امر و دعي اليه و خوف مقام اللّه بما عرّف من عظمته و كبرياۤئه و عز جلاله و من اطاع اللّه في كل شي‌ء اطاعَهُ كلّ شي‌ء كما قال تعالي يا عبدي انا اقول للشي‌ء كن فيكون اطِعني اجعلْكَ مثلي تَقُولُ للشي‌ءِ كن فيكون و من خاف اللّهَ في كلِّ شَي‌ءٍ اَخافَ اللّهُ منه كلّ شَي‌ءٍ و لايُرَادُ مِنْ ولايتهم حقيقةً الّا طاعة اللّهِ في كلّ شَي‌ءٍ و خوفَهُ في كلّ شَي‌ءٍ فاذا احْتجَبَ بذمّتهم الّتي هي طاعة اللّهِ في كلّ ما اَمر به ظاهراً و باطناً و خوفُ مقام اللّه في كلّ ما نهي عنه ظاهراً و باطناً كان في امان اللّه و جوار اللّهِ و في بيتِ الذي من دخله كانَ آمِناً من جميع مكاره الدنيا و الٰاخرة الّتي فيها سخط اللّه و اَمّا المكاره الّتي فيها رضي اللّه فانّها محبوبات و انّما كرهها المؤمن لعدم علمه الاتري انّ القتل من اعظم المَكاره و اذ كان في سبيل اللّهِ كان محبوباً مطلوباً لكل مؤمن بل هو غاية ما يتمنّاه فاذا كان في بيت اللّه الحَرام هذا و جري عليه بعض البلايا التي هي هديّة اللّه الي عبده المؤمن كالفقر و كالقتل ظلماً و كموت من يحبّ و كالامراض لم‌يكن ذلك مكارِهَ حقيقةً انّما تجري علي المؤمن رفعاً لمقامه فانّ عند اللّه منازل في رضوانه لاتنال الّا بالْبلايَا في الدنيا و كيف لايكون المؤمن في حال البلاء آمِناً من المكاره و هو في سَلَامةٍ من دينه لانّ اللّه سبحانه اخبر انّ مَن دخل هذا البيت الشريف كان آمِناً فقال انّ اوّلَ بيتٍ وُضِعَ للنّاسِ لَلَّذي ببكّةَ مُبَاركاً و هديً للعالمين فيه آياتٌ بيّناتٌ مقام ابرٰهيمَ وَ مَنْ دَخله كانَ آمِناً و سلامةُ الدّين هي الاَمْنُ من مكاره الدنيا و الٰاخرة و بَلايا الدنيا مع سلامةِ الدين تكرمةٌ من اللّه تعالي لعبده المؤمن ليرجع اليه مُحِقّاً طاهراً مطهَّراً مستحقّاً للدَّرجات الرفيعة و لهذا ورد عن الكاظم عليه السلم مَن عاش في الدّنيا عيشاً هنيۤئاً فليتّهم في دينه فان البلايا اسرع الي المؤمن من اللمح بالبصر و عن الصادق عليه السلم المؤمن كثير البلوي قليل الشكوي و قال الباقر عليه السلم انّ اللّه ليتعاهد المؤمن بالبلاۤء كما يتعاهد الرجل بالهديّة و يحميه الدنيا كما يحمي الطّبيبُ المريضَ و قال النبي صلي اللّه عليه و آله مَن حسن ايمانه و كثر عمله اشتدّ بلاۤؤه و من سخف ايمانه و ضعف عمله قلّ بلاۤؤه و عن الصادق عليه السلم المؤمن مبتلي طُوبَي للمؤمن اذا صبر علي البلاۤء و سلّم للّه تعالي القضاۤء قال سعدان بن مسلم قلتُ جُعلتُ فداۤءكَ مَن المؤمن الممتَحَن قال الذي قد امتحن بوليِّه۪ و عدوِّه۪ اذا مرّ باخوانه اغتابُوه و اذا مرّ باولياۤئه لعنوه فصبر علي تلك المحنة كان مؤمناً ممتحناً و عن يونس بن يعقوب قال سمعتُ اباعبداللّه عليه السلم يقول ملعون كلُّ بَدنٍ لايُصابُ في كل اربعين يوماً قلتُ ملعونٌ قال ملعون قلتُ ملعون قال ملعون فلمّا رأني قد عظم ذلك عليّ قال يا يونسُ انّ من البليّةِ الخدشةَ و اللطمةَ و العثرةَ و النكبة و الهفوة و انقطاع الشِّسْع و اختلاج العين و ما اشبه ذلك ان المؤمن اكرم علي اللّه من ان يمرّ عليه اربعون يوماً لايمحّصه فيها من ذنوبه و لو بغمّ يُص۪يبُهُ مايدري ما وجهه واللّهِ انّ احدكم ليضع الدراهم بين يديه فيزِنُها فيجدُها ناقِصةً فيغتمّ بذلِك ثم يعيد وزنها فيجدها سواۤءً فيكون ذلك حَطّاً لبعض ذنوبه ه‍ ، و امثال ذلك كثير و قد تقدّم غير هذه فاذا وقفتَ علي هذه الاخبار و مثلها مع ما سمعتَ من سلامةِ دينِ مَن اقامَ الولاية و اَنّ اللّه لايغيّر ما بقوم حتّي يغيّروا ما بانفسهم علِمْتَ انَّ مَنْ غيّرَ اللّهُ ما بِه۪ معَ اَنّه لم‌يغيّر ما بنفسه فانّما هو رفعٌ لدَرَجتِه۪ و حَبْسٌ له عن الركون الي الدنيا الّتي حبّها رأس كلّ خطيئة ففي الحق۪يقة ما فعل اللّهُ به ليْس تغييراً بل اصلاحٌ و تحسين ،
و علي معني الضّمان يكون المعني انّي محتجبٌ بضمانكم اي باعتمادي علي وَعْدِكم علي اللّهِ سبحانه انّه اقسم بعزته و جلاله انّه يدخل الجنّة مَن احبّ عليّاً وَ اِنْ عصاه و لقد روي عن رضي‌الدين ابن طاووس (ره‌) انه قال سمعتُ القاۤئم عليه السلم بسرّمن‌رأي يدعو من وراۤء الحاۤئط و انا اسمعه و لااَراهُ و هو يقول اللهم انّ شيعتنا خُلِقوا منّا من فاضلِ طينتِنا و عجنوا بماۤء ولايتِنا اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلُوه اتّكالاً علي حبِّنا و وَلِّنا يوم القيٰمَةِ اُمورَهم و لاتؤاخذهم بما اقترفوه من السيِّئات اكراماً لنا و لاتقاصصهم يوم القيمة مقابل اعداۤئِنا و ان خفّت موازينهم فثقّلْها بفاضلِ حَسَناتِنا ه‍ ، اقول قوله عليه السلم اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتِّكالاً علي حبِّنا يراد منه حُسْنُ ظَنٍّ في انّ الذنوب لاتضرّ مع حبّهم و الحديث المَرْوِي من طرق الخاۤصة و العاۤمة انّ اللّه تعالي قال اقسم بعزّتي و جَلالي انّي اُدْخِلُ الجَنَّةَ مَنْ اَحَبَّ عليّاً وَ اِنْ عَصاني الحَد۪يث ، شاهِدٌ لما في الدّعاۤء و قد تقدّم هذا الحديث القُدْسيّ و جواب ما يرد عليه و المراد انّهم عليهم السلم عهدوا الي شيعتهم بذلك و الاخْبار فيما يفيد هذا المعني كثيرة فاِذَا وقع مِنْ مُحِبّهِمْ ذَنْبٌ ندم عَلَي ذٰلِكَ و رجا من اللّهِ العفو و المغفرة و لم‌يقنط من الرحمة رجاۤءً في حبّهِم و ولايتهم و اعتماداً علي اِخْبارِهمْ بذلك عن اللّهِ تعالي و هم لايَسبِقُونه بالقَوْلِ مَشْفُوعاً بما وَعَدَهُمْ بالشّفَاعَةِ لأهلِ ولايَتِهمْ فعهدُهُمْ الي محبّيهم ضمانٌ لهم بالنّجاة لمَنْ لَقِيَهُمْ مِنْهُمْ بذلك وَ هُوَ وَاللّهِ كذلك يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ وَ الاَبْصَارِ ثَبِّتْ قلبي علي دينِكَ و دينِ نبيّك صلّي اللّهُ عليه و آله و لاتزغ قلبي يا ربّ بعد اذ هَدَيْتَن۪ي و هب لي من لدنك رحمة انّك انت الوهّاب فلمّا كان اعظم المضاۤرّ و اشدّ المكاره القنوط و احسن الاعمال و احصن الحصون حسن الظنّ كان احتجابه بحسن الظّنّ بضمانهم لمحبّهم من اعظم المهلكات و هو القنوط عند عروض التقصيرات حصْناً منيعاً ممّا يخاف منه و يخشي لأنّه من جملة الذمّة اذ قد عهدوا الي شيعتهم بذلِك و في غوالي اللألي بسنده المتّصل الي المُعَمّر السُّنْبُسي قال سمعتُ من مولاي ابي‌محمّد الحسن العسكري عليه و علي آباۤئه وَ وَلدِه افضل الصلوة و السلام يقول اَحْسِنِ الظنّ و لو بحَجَرٍ يطرحِ اللّهُ فيه سرَّهُ فتَتناوَلَ نَص۪يبكَ منه فقلتُ يا ابن رسول اللّهِ و لو بحجر فقال اَلاتنظر الي الحجر الاسود ه‍ ، و الاخبار عنهم عليهم السلم في ترغيب شيعتهم و وعدهم ايّاهم بالشّفاعة و عدم المؤاخذة بذنوبهم و ان عظمت و قبول اعْمالهم و ان ضعفت و انّ حبّهم و ولايتهم متمّم لنقص اعمالهم و ان سيّئاتهم تبدّل حَسَناتٍ و غير ذلك كثيرة جدّاً و القرءان آياته تنطق بهذا و نحوه فهذا و نحوهُ عهده اليهم و قد احْتجب وليّهم بذلِك و اطمئنّ بعهدهم و ذمّتهم الناطق بضمانهم لهم بالنّجاة و للّه دَرُّ من قال :
ولايتي لامير النحل تكفيني       ** * **      عند المماتِ و تغس۪يلي و تكف۪يني
و ط۪ينَتي عُجِنَتْ من قبل تكويني       ** * **      في حبّ حيدر كيف النارُ تكويني
و علي معني الحُرمةِ انّ المحبّ العارف بحقّهم يصفهم بمثل ما اشرنا اليه في مواضع متعدّدة من هذا الشرح بحيث لايجدُ في ذلك حدّاً يقِف عليه الّا بما اجملوه لَنا من الحدّ الغير المتناهي كقول الصَّادق عليه السلم اجْعَلُوا رَبّاً نَؤُبُ اليه و قولوا فينا ما شئتم و لن‌تبلغُوا قال الساۤئل نقول ما نشاۤء فقال عليه السلم و ما عسي اَنْ تقولُوا واللّهِ ماخرج اليكم من علمنا الّا الف غير معطوفة ، اقول نقلتُ هذا الحديث الشريف بالمعني فقوله (ع‌) اجعلوا لنا ربّاً نؤب اليه تحديد بغير تناهٍ لأنّ المعني انّك تقول فيهم من العظمة و القدس و القهر و التسلّط و العلم و الاحاطة و التصرف و نحو ذلك بما لايتناهَي الّا اَنَّك تعتقد ان ذلك كله و هم عليهم السلم صادرون عن فعل اللّه تعالي و قاۤئمون به قيامَ صدورٍ فاذا كشفتَ عن الوصف فاذا هم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم و لايشفعون الّا لمن ارتضَي و هم من خشيته مشفقون فاذا جمعتَ بين هذه الٰايات التي معناها ما ذكرنا لك لا غير من انّهم قاۤئمون باللّهِ قيامَ صدورٍ و بين ما سمعتَ مراراً متعدّدة و انّهم مقامات اللّهِ التي لا تعطيل لها في كل مكانٍ يعرفه بها مَن عرفه لا فرق بينها و بينه الّا انّهم عباده و خلقه و انّهم معانيه و ظاهره في خلقِه و انّهم اَبْوابه و بيوتُه و انّهم حججه و آياته و سفراۤؤه الي خلقه و انّهم خلفاۤؤه و انّهم اَعْضَادُه لخلقه و اُمناۤؤه و اولياؤه عليهم و غير ذلك ظهر لك ظلّ الكبرياۤء و العظمة و العزّة التي اظهرها سبحانه عليهم و اَلْبَسَهم جلابيب صفاتها حتي صغر لكبرياۤئهم كلّ كبير و ذلّ لعزّتهم كلّ عزيزٍ و انحطّ لعلوّ مكانهم كل رفيع و استحقر لعظمتهم كل عظيم و شاهَدْتَ عزّةً و جلالةً و سلطنةً انقاد لها كلّ ما في الامكان و انّ كلّ شي‌ء واقف علي ذلك الباب و لاۤئذ بذلكَ الجناب احتجبتَ و لُذْتَ بذلك الحَرم و مددْتَ يدَ طمَعِك و عينَ رجاۤئك الي ذلك الكرم فكان احتجابُك من كلّ ما تكره في الدنيا و الٰاخرة بطمعِك و رجاۤئك في تلك الحرمة الظاهرة و ذلك عهدهم الي محبّيهم بقول اللّه سبحانه فيهم قال و من يقنط من رحمة ربه الّا الضّاۤلّونَ و هم عليهم السلم رحمة اللّه الّتي وَسِعَتْ كُلَّ شي‌ءٍ فاذا كان احتجابك بهذه الحرمة الّتي لايردّ اللّهُ سبحانه ساۤئِلاً بها و لايُخ۪يف مستجيراً بها و لايعذّب مَن اسْتظَلَّ بفَيْئِهَا و لايسخَطُ و لايغضب علي مَن لاذَ بها كنتَ سائِلاً بوجهه الباقي الذي يتوجّه اليه الاولياۤء و مستجيراً بكَنَفِه الذي لايُضَامُ و مستَظِلّاً بظِلّ عرشِه۪ المجيد العظيم الكريم و لاۤئِذاً برحمته الّتي وسعت داخِلاً في رحمته المكتوبة لعباده المتّقين و هم الّذين اتّقوا ولاية اوّل الظالمين و اجتنبوهَا كما قال تعالي و الّذ۪ينَ اجتنبوا الطاغوتَ اَنْ يعبدوها و اَنابوا الي اللّهِ لهم البشري و اجتناب عبادة الطاغوتِ هو اجتنابُ الولايةِ الاُولَي و الانابة الي اللّهِ هي الانابة و الرجوع الي الولاية الٰاخرة قال تعالي بل تؤثرون الحيوة الدنيا و الٰاخرة خير و ابقي ثم قال انّ هذا لفي الصحف الاُولَي صحف ابراهيم و موسي و لهذا روي ان الالواح التي نزلت فيها التورية تسعة الواح و انّ موسي اظهر لقومه سبعة و كتمَ اثنَيْن عن قومه لعدم احتمالهم لما فيهما و كان مما فيهما بيان ما اشرنا اليه من المراد بالدنيا و عبادة الطاغوت و المراد من الٰاخرة و الانابة الي اللّه تعالي فاذا كنتَ كذلك كنتَ آمِناً من جميع محذورات الدنيا و الٰاخرة لأنك احتجبتَ بحرمتهم و جاههم عند اللّه و انّه لقسم لو تعلمون عظيم ،
و علي معني الحق بمعني متعلّق الاستحقاق اي تقتضيه ذواتهم لا ضدّ الْبَاطل وَ اِنْ كٰان الاصْل واحِداً لأنّ المعروف من اِطْلَاقِ قولك لَهُ حَقٌّ عَلَي زيدٍ اَوْ بحقِّه۪ عليكَ اَنَّ لَهُ مُلْكاً اَوْ قدراً اَوْ جَاهاً لا اَنّ المراد منه ضدّ الْبَاطل و المراد من نسبة هذا الْحَقّ اليهم عند ربّهم و عند جميع خلقه بيان استحقاقهم اَمّا من جهة اللّهِ سبحانه فلأنّه اَجْرَي حكمتَهُ انّه يعطي كُلَّ ذي حقٍّ حقّه اي يعطي كلّ شي‌ءٍ ما تَقْتَض۪يه قابليّتُه و هو استحقاقُ قابليته من تفضّل الحكيم سبحانه اذ لايستحقُّ شي‌ءٌ شيئاً الّا بفضله و مَنِّه۪ و كرمه و جعل ما لايستحقه استحقاقاً له تفضّل ثانٍ فاذا اقتضَتْ قابليّة الشي‌ء مدداً جعله اللّه بتفضّله حقّاً له و قد اقتضت قابليّتهم صلي اللّه عليهم اجمعين انه تعالي يخلقهم له وحده لا شريك له حتّي من انفسهم كما مرّ مكرّراً و اقتضَتْ قابليّتهم مدداً من فضلِه۪ لايتناهَي بالتّدريج علي قدر احتمالها و هذا المدد حقّهم عليه بمعني الملك من جهة ابتداۤء التّفضّل و الحتم التّكرمي و هذا المدد هو اسمه الاكبر و هو مجمع صفاته و معانيه و اسماۤئه و جميع شؤنه فهو احبّ الاشيَاء اليه و اوجبها حقّاً عليه و الزمها اكراماً و تعظيماً عليه و اقربها اليه و قد اوجب علي جميع ما خلق من حيوان و نباتٍ و جمادٍ جوهرٍ و عرضٍ من غيبٍ و شهادةٍ طاعة ذلك و الانقياد له طوعاً و كرهاً لايخالف شي‌ء منها محبّته لانه سبحانه قد عرّفَ جميع الاشياۤء جلالة شأنه و عِظم خَطرِه۪ و حاجتها في وجودِها و بقاۤئها اليه و قِوامها به و هذا المدد المشار اليه هو حقيقتهم منه سبحانه و تعالي القاۤئمةُ بفعله تعالي ابداً قيام تحقّقٍ كقيام الانكسار بالكسرِ فافهم و هذا هو جاهُهُمْ عند اللّه و حقّهم عليه و معني هذا العِند انّه لايخرج عنه الي غيره اي ليس له اعتبار في غير ما لِلّهِ اوْ انّه لم‌يُخلِّه من يده و معني عليه ما اوجب علي نفسه من اعطاۤءِ كلّ ذي حقٍّ حَقَّهُ و الجَاهُ الوجه اي التّوجُه و الاقبال فانّ التوجّه و الاقبال منه تعالي فانما هو اليهم خاۤصةً لا الي سواهم الّا بالعرض و التبعيّة لهم لانّ ما سواهم خُلِقَ لهم و منهم عليهم السلم فانّما هو اليه تعالي لا الي سواه الّا بالعرض و التبعيّة لامتثال اَمْرِه۪ فوجهُهم اليه وجهه اليهم فلايكون شي‌ء اعظم و لا اعزّ من جاههم عنده تعالي و في العياشي عنه عليه السلم انّ عبداً مكثَ في النارِ سبعين خريفاً و الخريف سبعون سنةً ثم سئل اللّه عز و جل بمحمد و اهل بيته لمّا رحمتَن۪ي فاوحي اللّه جلّ جلاله الي جبرئل اَن اهبط الي عبدي فاخرجه قال يا ربّ و كيف لي بالهبوط في النار قال انّي امرتُها ان تكونَ عليكَ برداً و سلاماً قال يا ربّ فما علمي بموضعه قال انّه في جبّ من سجّين فهبط في النار فوجده و هو معقول علي وجهه فقال عزّ و جلّ يا عبدي كم لبثتَ تناشدني في النار قال مااحصي يا ربّ قال اما و عزّتي و جلالي لولا ما سألتَ به لاَطلتُ هوانك في النار و لكنّه حتم علي نفسي الّايسألني عبدٌ بمحمد و اهل بيته الّا غفرتُ له ما كان بيني و بينه و قد غفرتُ لك اليوم ه‍ ، فاذا احتجبَ المؤمن من شيعتهم بهذا الحقّ الذي لهم علي اللّه تعالي و الجاه الذي لهم عند اللّه اَمِنَ من جميع محذورات الدنيا و الٰاخرة و امّا من جهة ساۤئر الحقّ فلما سمعتَ من انّهم انّما خُلِقوا لهم و قد تقدّم في تفسير اَعْضادٌ و اَشهاد وَ مُناة و اذواد و حفظةٌ و روّاد من دعاۤء شهر رجب انهم عليهم السلم اعضادٌ لانّ اللّه سبحانَهُ اتّخذَهم اعضاداً لخلقِه۪ كما اشار اليه بالمفهوم في قوله و ماكنتُ متّخذَ المضِلّ۪ين عضداً اي انّما اتّخِذُ الهادين اَعْضاداً و قد علمتَ انّه عز و جل غني مطلق فلا حاجة به الي شي‌ء و انّما المحتاج خلقه فاتّخذهم اعضاداً لخلقه كما اتّخذ النجّار الخشبَ عَضُداً لعَملِ السرير و قد تقدّم انّ اللّه سبحانه بعد ان خلقهم لمّا اراد خلق الخلق قبض من فاضل اشِعَّةِ انوارهم فخلق منها وجودات الخلاۤئق و مواۤدّهم و خلق صور اهل الخير و طيّبي الاصل من ذي روح و غيره جوهر و عرض من هيئاتِ اشعّةِ انوارهم فالخلاۤئق صورهم و امثالهم و خلق صور اهل الشر و خبيثي الاصل من ذي روح و غيره جوهر و عرض من عكوس هيئات اشِعَّة انوارهم و لا ريب انّ الشي‌ء انّما يتقوّم بماۤدّته و صورتِه۪ فهم بهذا المعني اعضاد الخلق و علله و اَسْبابه و بهم قِوَامُه و هم حقاۤئق حقاۤئِق الخلاۤئِق و ذواتُ ذواتِهِمْ و انفسُ انفسِهم كما قال تعالي لقد جاۤءكم رَسُولٌ من انفسِكم ، و قول علي عليه السلم انا ذاتُ الذَّواتِ و الذاتُ في الذواتِ للذّاتِ ه‍ ، فحقّهم علي الخَلْقِ ما به قِوامُ الخلق و هو الوَجْهُ الباقي بعْدَ فناۤء الخلق المشار اليه في قوله كلّ شي‌ءٍ هالكٌ الّا وَجْهَهُ فكلّ شي‌ء “٣” خُلِقَ من وجهه “-٢” منهم و به “٢-” قوامه “٣-” و اليه عوده و هو نور اللّهِ في المؤمن المتفرّس لانّه انما ينظر به فاذا احتجب من المكاره و المحذورات في الدنيا و الٰاخرة بهذا الحقّ الذي هو ذمّة حجج اللّهِ و عهدهم اليه و هو الفطرة التي لا تبديلَ لها و الخلق الالهي الّذي لايغيّر و هو صبغة اللّهِ الحَسَنةُ و هو صبغةُ الرحمةِ المكتوبة و هو هيئة الولاية الّتي هي اخت النبوّة و هو حدودُ الايمان و هو بيت اللّهِ الحرام الذي من دخله كان آمِناً و هو كتابُ اللّهِ المبينُ الذي باحرُفِه يظهر المضمر كان آمناً من عقوبات الدّنيا و الٰاخرة و ينبغي اَنْ تعلم اَنّ ما كان من جهة اللّه تعالي فهو حَدُّ حقّهم و جاههم الاَعْلي و هو مسُّ النَّار و فَوّارةُ الاسرار و الانوار من سماۤء الاقتدار و ما كان من جهتهم فهو حدّه الاسفل و هو الزيتُ الذي يكاد يُضيۤ‌ءُ و لو لم‌تَمْسَسْهُ نار و انّ ما كان من جهة الخلق فهو بديعُ ما نَطقَتْ به ارادةُ اللّهِ بهم عليهم السلم من الدعوة الحسني التي ارادها اللّه من المكلّفين من اقامة الولاية التي بها صُنِعوا و علي هيئتها صُوِّروا و لها خُلِقُوا اوّلها التوصيف و اوسطها التكليف و آخرُها التعريف و جميعها التشريف فافهم ،
و قوله عليه السلم : معترف بكم
الاعتراف بهم الاعتراف بامامتهم و ولايتهم و كونهم خلفاۤؤ اللّه في ارضه و حججهُ علي بَريّتِه۪ و بفرض طاعتهم و بكونهم اولي بالمخلوقين من انفسهم و اَوْلي باللّهِ تعالي لانهم هم الذين له و هم الذين عنده و اوْلي برسوله صلي اللّه عليه و آله لانهم خلفاۤؤه و اُمَناۤؤهُ علي رعيّته و حُفّاظُ شريعتِه۪ و انصار دينه و انّهم معصومون مطهّرون مُسَدَّدون و انّ اللّه سبحانه رفع رتبتهم و مقامهم علي ساۤئر خلقه و اشهدهم خلْقَ ما خلَقَ و انهي اليهم العلم بهم و جعلهم اولياۤء علي جميع ما خلق و اخذ علي كلّ شي‌ء وجوبَ طاعتهم و فوّضَ اليهم امرهم بالمعني الصحيح من التفويض و انَّ اياب الخلق اليهم و حساب الخلق عليهم و انّهم ملوكُ الدّنيا و الٰاخرة و انّهم ابواب اللّه في الدنيا و الٰاخرة و مفاتح غيوبه و حملة كتابه و خزاۤئنه التي لاتفني و امثاله العليا و اسماۤؤه الحسني و نعمه الّتي لاتحصي و الاعتراف بما يجري لهم من ما ذكر من صفات المراتب الثلاث الاولي و الثانية و الثّالثة و قد تقدّم ذكر كثير من ذلك و ليس المراد الاعتراف باسماۤئهم بل الاعتراف بما انكره منهم الناصبون و اعداۤؤهم الظالمون من مقامهم و مراتبهم الّتي رتّبَهُمُ اللّهُ فيها و فضاۤئلهم الّتي اثني اللّهُ عليهم بهَا علي جميع اَلْسِنَةِ خلقه و الاعتراف بالشي‌ء انفعال العارف بمعرفته عن بصيرة حتَّي كانَتْ مَعْرِفَتُهُ صورةً لحقيقة العَارفِ به۪ لانّ الاعتراف مطاوعُ عرف و عرف يستعمل في اصل اللّغة ضدّ الانكار كما قال تعالي ام لم‌يعرفوا رسولهم فهم له منكرون و قال يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها و قد يستعمل في معني العلم فيقال ماعرفته اي ماعلّمته و اكثر استعماله في القرءان و احاديث اهل العصمة عليهم السلم بالمعني الاوّل فيقال ماعرفتُه اي انكرته و لاتستعمل غالباً في العلم بحقيقة الشي‌ء عن بصيرة و لهذا لايقابله الّا الانكار و اذا استعمل في معني العلم قابله الجهل و هو عدم الصورة كالعلم فقوله معترف بكم يراد به انّ معرفتي بكم علي نحو المعرفة المشار اليها من كون المراد منها معرفة صفاتهم و ما ينسب اليهم بنسبة احتمالِ العارف ممازجة لشعري و بشري و دمي و لحمي و عظمي و مخّي و قواي كلّها الظاهرة و الباطنة فانّ اعلي مشاعره الفؤاد الذي يستعمل غالباً في المعرفة المقابلة بالانكار و هو نور اللّه للمتوسّم المتفرّس منفعل بهذه المعرفة و ما دونه من المشاعر كالعقل و القلب الذي هو محلّ اليقين و ما دونه كالصدر الذي هو محلّ العلم و ما دونه من الوهم وَ الخيال و الفكر و الحسّ المشترك و المشاعر الظاهرة التي هي الحواۤس الخمس و محاۤلّها و ساۤئر الجسم منفعلاتٌ بها بالطريق الاولي و صدق الانفعال في جميعها العمل بمقتضاها لانّ العلم لايثبت و لايتحقّق و لايقبل الّا بالعمل بمقتضاه كما انّ العمل بغير علم لاينفع فعن الحسن بن زياد الصيقل سمعتُ اباعبداللّه الصادق عليه السلم يقول لايقبل اللّه عز و جل عملاً الّا بمعرفةٍ و لا معرفةَ الّا بعملٍ فمن عرف دلّته المعرفةُ علي العمل و من لم‌يعمل فلا معرفة له انّ الايمان بعضُه من بعضٍ و عن الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلم لا حسبَ لقرشيّ و لا عربيّ الّا بتواضع و لا كرم الّا بتقوي و لا عمل الّا بنيّةٍ و لا عبادة الّا بتفقّهٍ اَلا و انّ ابغض الناس الي اللّه عزّ و جلّ مَن يقتدي بسنّة اِمٰامٍ و لايقتدي باعمالِه۪ و عنهم عليهم السلم العلم يهتِفُ بالعملِ فان اجابَهُ و الّا ارتحل عنه ه‍ ، فاذا عمل بمقتضاه تصادقَتْ هذه الفقرة مع ما كان قبلها .
قال عليه السلم : مؤمن بايابكم مصدّق برجعتكم منتظر لامركم مرْتقب لدولتكم
قال الشارح المجلسي قدّس سرّه مؤمن بايابكم مصدّق برجعتكم تفسيره اني اعتقد انّكم ترجعون الي الحيوة في الدنيا في الرجعة الصغري كما قال تعالي و يوم نبعثُ من كلّ امّةٍ فوجاً ممّن يكذِّبُ بٰاياتِنا و لا رَيْبَ في انّ القيمة يبعث جميع الناس لا فوج منهم و قد ورد الاخبار المتواترة عن النبي و اهل البيت صلوات اللّه عليهم في الرجعة و انّهم صلوات اللّه عليهم يرجعون الي الدنيا في زمان المهدي و يرجع جماعة من خلّص المؤمنين و جماعة من اعداۤئهم سيما قاتلي الحسين عليه السلم صلوات اللّه عليه و صنّفَ كثير من العلماۤءِ كتباً كثيرةً في ذلك يظهر من فهرست الشيخ و النجاشي و اطبقَ العاۤمّة تعصُّباً علي خلافهم فمن ذلك ذكر مسلم في صحيحه انه لايعمل باخبار جابر بن يزيد الجعفي مع انه ذكر انه روي سبعين‌الف حديث عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلم لانه كان يقول بالرجعة مع انه ذكر اللّه تعالي رجعة عزير و اصحاب اهل الكهف و الملأ من بني‌اسراۤئيل بقوله تعالي الم‌تر الي الّذين خرجوا من ديارهم و هم اُلوف حذر الموتِ فقال لهم اللّه موتوا ثم احياهم ، و رووا انه يكون في هذه الامّة ما كان في بني‌اسراۤئيل حذو النعل بالنعل و القذّة بالقُذّة ، منتظر لامركم اي غلبتكم علي الاعادي في زمان المهدي عليه السلم او ظهور امامتكم مُرْتقبٌ لدَوْلتِكم و غلبتكم انتهي .
و قال السيّد نعمت‌اللّه الجزاۤئري (ره‌) في شرح التهذيب مؤمن بايابكم فيه دلالة علي انّ الائمة عليهم السلم كلهم يرجعون في الرجعة و كذلك رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و الاخبار مستَف۪يضةٌ في الدلالة عليه و قد وفّق اللّه سبحانه و له الحمد علي الوقوفِ علي ستّمائة حديثٍ و عشرين حديثاً داۤلّة علي هذا المطلوب انتهي ،
اقول قد تقدّمَ ما اشرنا اليه من معني الايمان و انّه التّصديق او مع القول باللسان و العمل بالاركان كما هو المعروف في الاخبار و هذا الايمان يراد منه ما يراد من الايمان حيث يطلق في كلّ موضعٍ فاذا اعتبرنا فيه التركيب كان المراد بالقول باللّسان الرواية لرجعتهم و الاخبار بها و الدعاۤء بالفرج و ما اشبه ذلك و المراد بالعمل بالاركان اصلاح العمل و كتمان الامر و الانتظار و اعداد السلاح للنُّصْرَةِ و الاستعداد لِلّقاۤءِ و ما اشبه ذلك و الاِياب بكسر الهمزة الرجوع يعني اني مصدّق برجعتكم فيكون معني مصدّق برجعتكم مؤمن بايابكم فعلي الظاهر يكون مصدّق اخصَّ من مؤمن ان اعتبرنا في الايمان القول باللسان و العمل بالاركان و علي الباطن في مصدّق بمعني انّ التصديق حقيقة لايتحقّق الّا بالاعتقاد بالجنان و القول باللّسان و العمل بالاركان يكون مساوياً للايمان مع الاعتبار و علي الظاهر في الاياب يكون اعمّ من الرجعة المذكورة لانّ المراد به ظاهراً مطلق الرجوع و علي المعني المقصود مساوٍ للرجعة لان المراد به الاياب المخصوص و هو رجعتهم الي الدّنيا و ملكهم في تلك المدّة الّتي قدرها علي ما يظهر من بعض الاخبار ثمانون‌الفَ سنةٍ او خمسون‌الف سنة و يأتي بعض الكلام في ذلك فيكون المعني في الفقرتَيْن واحداً و تغيير اللّفظ للتّحسين و الفاۤئدة في التكرير التّأكيد اوْ ما اشرنا اليه من العموم و الخصوص و المساواة في مؤمن و مصدِّق و في ايابكم و رجعَتِكم او التّرقّي علي فرض عموم الاياب ،
و اعلم انّ الرجعة اذا اطلقت علي جهة الحقيقة يراد بها رجوع مَنْ مات من الائمة عليهم السلم مع من يحشر معهم و اوّلها علي هذا خروج الحسين عليه السلم فروي حمران عن ابي‌جعفر عليه السلم قال انّ اوّل مَنْ يرجع لَجارُكم الحسين عليه السلم فيملك حتي يقع حاجباه علي عَيْنَيْهِ من الكبر و عن محمد بن مسلم قال سمعتُ حمران بن اعين و اباالخطّاب يحدّثانِ جميعاً قبل اَنْ يُحْدِثَ ما اَحْدَثَ اَنّهما سَمِعَا اَباعبداللّهِ عليه السلم اوَّل مَنْ يَنْشَقّ الارض عنه و يرجع الي الدّنيا الحسين بن علي عليهما السلم و انّ الرّجعة ليست بعامةٍ و هي خاۤصّة لايرجع الّا مَن مَحضَ الايمان محضاً او محض الشرك محضاً و عن المعلّي بن خنيس و زيد الشحام عن ابي‌عبداللّه عليه السلم قالا سمعناه يقول انّ اوّل من يكرّ في الرجعة الحسين بن عليّ عليهما السلم و يمكث في الارض اربعين‌الفَ سنةٍ حتّي يسقُط حاجباه علي عينَيْه و في تفسير العيّاشي عن رفاعة بن موسي قال قال ابوعبداللّه عليه السلم انّ اوَّلَ مَن يكرُّ الي الدّنيا الحسين بن علي عليهما السلم و اصحابه و يزيد بن معوية و اصحابه فيقتلهم حذو القذّة بالقُذّة ثم قال ابوعبداللّه عليه السلم ثم رَددْنا لكم الكرّةَ عليهم و امددْناكم باموالٍ و بنين و جعلناكم اكثر نفيراً ، و آخِرُ مَنْ يرجع علي ما ظهر لي رَسُول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و باقي الائمة عليهم السلم ما بين ذلك و ترتيب خروجهم لم‌اعثر علي جميعه من الاخبار و لم‌اسمع من احَدٍ شيئاً من ذلك و الذي وقفْتُ عليه و فهمته من الاخبار انّ اوّل من يظهر هو القاۤئم عليه السلم و يملك سبع سنين او تسع سنين علي اختلاف الروايات كلّ سنة قدر عشر سنين و في تفسير القمّي عسق عدد سني القاۤئم عليه السلم و قاف جبل محيط بالدنيا من زمرّدٍ اخضر فخضرة السماۤء من ذلك الجبل و علم عليٍّ كلّه في عسق ه‍ ، و في غيبة الطوسي عن ابي‌الجارود قال قال ابوجعفر عليه السلم ان القاۤئم عليه السلم يملكُ ثلثمائة و تسع سنين كما لبث اهل الكهف في كهفهم الحديث ، و فيها عن جابر بن يزيد الجعفي قال سمعتُ اباجعفر محمد بن علي عليهما السلم واللّه ليمكننَّ رجلاً منّا اهل البيت ثلثمائة سنةٍ يزداد تسعاً قال فقلتُ له متي يكونُ ذلك قال بعد موت القاۤئم عليه السلم قلتُ له و كم يقوم القاۤئم عليه السلم في عالمه حتي يموت قال تسع‌عشر سنة من يوم قيامه الي يوم موته و في غيبة الطوسي عن عبدالكريم بن عمر الخثعمي قال قلتُ لابي‌عبداللّه عليه السلم كم يملك القاۤئم (ع‌) قال سبع‍ سنة ( سبعين سنة ظ ) من سنيكم هذه و في غيبة النعماني عنه (ع‌) ان ملك القاۤئم (ع‌) تسع‌عشر سنة و اشهر و في آخر خطبة البيان يظهر و له من العمر اربعون عاماً فيمكثُ في قومِه۪ ثمانينَ ه‍ ، و قد نقل عن صَاحب البحار انّه يعتمد عليها و انها مشهورة بَيْنَ الفَر۪يقَيْنِ و في ارشاد المفيد عن الخثعمي قال قلتُ لابي‌عبداللّه عليه السلم كم يملك القاۤئم عليه السلم فقال سبع سنين تطول الايّام و الليالي حتي تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون ملكه سبعين سنة من سنيكم قال المفيد في الارشاد و هذا امر مغيّب عنا و انّما القي الينا منه ما يفعله اللّه تعالي يشرط يعلمه من المصالح المعلومة له جلّ اسمه فلسنا نقطع علي احدِ الامرين و ان كانت الرواية بذكر سبع سنين اظهر و اكثر ه‍ ، و قال في البحار و تلميذه الشيخ عبداللّه بن نوراللّه البحراني في كتابه العوالم اعلم ان الاخبار المختلفة الواردة في ايّام ملكه عليه السلم بعضها محمول علي جميع مدّة ملكه و بعضُها علي زمان استقرار دولته و بعضُها علي حساب ما عندنا من السنين و الشهور و بعضها علي سنيه و شهوره الطويلة و اللّه يعلم بحقاۤئق الامور اقول امّا السبع او التسع فظاهرة الرجحان و ان كان السَّبْع اَرْجح لكثرةِ روايتها مِنَ الفريقَيْن و امّا المقادير الباقية فالظّاهر انّها مدّة لغير القاۤئم عليه السلم بدليل رواية جابر المتقدّمة حين قال متي يكون ذلك قال بعد موت القاۤئم عليه السلم و ما ذكر فيها باسمه فيراد به غيره لانّ كلّاً منهم قاۤئم بالحقّ علي انّه لو سلّمنا انّه مراد فيجوز ان يكون المراد من الزيادة علي السبعين بَعْضاً قليلاً منهم يقوم مقام كثيرٍ بمعني انّ ما اقامَ في خمس مخصوصةٍ مثلاً لايقام الّا في خمسين اِمّا لكثرته او لِعظَمِه۪ او لعظَمِ خَطَرِه اوْ لعِظَمِ بركتها او باضافة ما اختُرِمَ من عمره عليه السلم لانّه يقتل و الظّاهر انّ المقتول يُقتل قبل اجله بحيث لو لم‌يقتَل لَعاش و اختلف في الباقي من عمر المقتول و الّذي فهمتُ من بعض الاخبار انه سنتان و نصف هذا في غير الامام عليه السلم و امّا الامام عليه السلم فيحتمل مُساواته لغيره و انه اكثر لانه (ع‌) لم‌تجر عليه المصيبة لاجل ذَنْبٍ ليكون هادِماً لبعضِ عمره و انّما ذلك لمحبّة اللّه للقاۤئه و محبّته للقاۤء اللّهِ و لعلّ ذلكَ ممّا يزيد في العمر و ان كان موجِباً للموت و يحتمل ما ذكره في البحار و يحتمل غير ذلك و ما في غيبة الطوسي عن المفضل بن عمر قال سمعت اباعبداللّه عليه السلم يقول انّ قاۤئمنا اذا قام اشرقت الارض بنور ربّها و استغني العباد عن ضوء الشمس و يعمّر الرجل في ملكه حتي يولد له الف ذكر لايولد فيهم انثي و يبني في ظهر الكوفة مسجداً له الف باب و تتّصل بيوت الكوفة بنهر كربلاۤء و بالحيرة حتي يخرج الرجل يوم الجمعة علي بَغلة سَفواۤء يريد الجمعة فلايدركها ه‍ ، فالظاهر انّ المراد بالقاۤئم مَن قام منهم اي ان الامام القاۤئم منا اذا قام اشرقت الارض الخ ، او يراد به رجوع القاۤئم عليه السلم بعد ان يقوم و يرجع الحسين عليه السلم و يقتل و يقوم الحسين (ع‌) بعده و ذلك عند رجوع علي عليه السلم آخر رجعةٍ و نزول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لانه (ع‌) ح يطول عمره فلايرفع الّا مع آباۤئه (ع‌) لانه قال و يعمّر الرجل في ملكه حتي يولد له الف ذكر و في رواية منتخب بصاۤئر سعد عن الخثعمي عن الصادق عليه السلم الف ولد من صلبه ذكر كل سنة ذكر الحديث و يأتي بتمامه انشاۤء اللّه تعالي و فيه ان ابليس يقتل فيها و هي آخر كرّة يَكُرُّها اميرالمؤمنين عليه السلم يقتله رسول اللّه (ص‌) في هذا الحديث المشار اليه بيان اكثر ما اشرنا اليه من المحامل و الترتيب و المدد فتدبّره اذا وقفتَ عليه انشاۤء اللّه تعالي ،
و علي فرض ما رجّحناه من السبع التي هي سبعون سنةً اذا مضي منها قدر تسعٍ و خمسين سنةً خرج الحسين عليه السلم و هو صامت الي ان تمضي احدي‌عشرة سنة تمام مدّة ملكِ الحجة عليه السلم فيُقتل تقتلُه امرأة من تميم لها لحية كلحية الرجل يقال لها سعيدة لعنها اللّه و ذلك انّه يتجاوز في الطريق و هي علي سطحها و تضربه بجاون صخرٍ علي اُمّ رأسه عليه السلم فتقتله و يتولّي امْرَ تجهيزه الحسين عليه السلم و يقوم بالامر بعده الي ان تمضي ثماني سنين فيخرج علي اميرالمؤمنين عليه السلم لنصرة ابنه فيكون بين خروجه و بين خروج الحسين عليهما السلم تسع‌عشرة سنةً و لعلّ ما روي ممّا تقدّم من ثلثمائة و ستّين سنة و ما يدانيها انّها مدة بقاۤء عليٍّ عليه السلم مع ابنِه الحسين عليه السلم ثم يقتل علي عليه السلم و لااعلمُ كيفيّة قتله و لا مَن يقتله و لٰكن سمعتُ مشافهة انّه يضرب علي مفرق رأسه في موضع ضربة ابن‌ملجم لعنه اللّه و يمكن الاستدلال علي هذا بما روي عن علي عليه السلم انه سأله ابن‌الكوّا ما ذوالقرنين أَملك ام نبي فقال (ع‌) ليس بملك و لا نبيّ و لكن كان عبداً صالحاً ضرب علي قرنه في طاعة اللّه فمات ثم بعثه اللّه فضرب علي قرنه الايسر فمات فبعثه اللّه و سمي ذاالقرنين و فيكم مثله ه‍ ، يعني عليه السلم نفسه الشريفة و كونه مثله يقتضي انه في قتلته الثانية يضرب علي قرنه ثم انّه عليه السلم يكرّ مرّةً ثانيةً مع جميع شيعته ممّن محض الايمان محضاً هذا و الحسين عليه السلم باقٍ و هو قوله عليه السلم انا الّذي اُقتل مرّتَيْن و احييَ مرّتَيْن و لي الكرّة بعد الكرّة و الرجعة بعد الرجعة كما روي عن ابي‌عبداللّه (ع‌) انّ لعليّ في الارض كرّةً مع الحسين (ع‌) الي ان قال ثم كرّة مع رسول اللّهِ (ص‌) و يأتي تمامه و هذا شي‌ء اختصَّ به صلوات اللّه عليه دون ساۤئر الائمة عليهم السلم و باقي الائمّة و القاۤئم عليهم السلم كلهم يرجعون بعد قتل عليّ و فاطمة ايضاً معهم و لااعلم ترتيب رجوعهم و هل هو دفعة ام كلّ بانفراده و ان كان قلبي يحدّثني انّهم يرجعون متفرّقين و يمكن الاستدلال علي تفرقهم بقول الصادق (ع‌) في حديث المفضل في حق اعداۤئهم قال و يجازون بافعالهم منذ وقت ظهر رسول اللّه (ص‌) الي ظهور المهدي مع امامٍ امامٍ و وقت وقتٍ و ينزل رسول اللّه (ص‌) آخرهم و هم مجتمعون و ذلك تأويل قول الحسين عليه السلم يوم كربلاۤء لانصاره لن‌تشذّ عن رسول لحمته هي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه (ص‌) و يأتي ابليس لعنه اللّه و شيعته ممن كان موجوداً في ذلك الزمان و من كان مات و قد محض الشرك محضاً فيقتتلون بالروحا ثم ينزل رسول اللّهِ صلي اللّه عليه و آله من السماۤء من ( في ظ ) ظللٍ من الغمام فيقتل ابليس و هو قوله تعالي هل ينظرون الّا اَنْ يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام و الملاۤئكة و قضي الامر رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و روي القمي في قوله تعالي و يوم تشقّق السماۤء بالغمام عن ابي‌عبداللّه عليه السلم قال الغمام اميرالمؤمنين عليه السلم و قال الصّادق عليه السلم في نزول رسول اللّه صلي اللّهُ علَيْه و آله فعند ذلك يَهبط الجبّار عز و جلّ في ظللٍ من الغمام و الملاۤئكة و قضي الامر رسول اللّهِ صلي اللّه عليه و آله امامه بيده حربة من نورٍ الحديث ، فامرُ اللّهِ هبط في عَليٍّ الذي هو الغمام امامه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و روي ان عمر الدنيا مائة‌الف سنة لٰال‌محمد صلي اللّه عليه و عليهم ثمانون‌الف سنة و ليس لهم الّا مدّة رجعتهم و اوّلها خروج القاۤئم عليه السلم و مدته قد سمعتَ الكلام فيها و قد قلنا انّ الرجعة تطلق علي رجوع من مات منهم عليهم السلم و قد تطلق علي مطلق دولتهم فيدخل فيها ملك القاۤئم عليه السلم و الاخبار بهذا ناطقة في كثير منها الّا انّ الذي يظهر لي من الاخبار ان قيام القاۤئم عليه السلم ليس من الرجعة و ان كان يطلق علي ذلك هذا الاسم باعتبار مَن يبعثُ معه من الاموات اوْ انّه يذكر مع الرجعة فيسمي تغليباً اوْ انّ وقته لمّا كان علي عكس وقت الدنيا في السعة و الطول و العدل و الرخاۤء و حمل الاشجار كل سنة مرّتين و اخراج الارض كنوزها و اجتماع الملاۤئكة مع الانس و الجنّ ظاهرين و كمال الدين و رفع التقية بالكليّة حتّي لايستخفي بشي‌ء من الحقّ مخافةَ احدٍ من الخلق و امثال ذلك سمّي رجوعاً و رجعة اوْ انه عليه السلم لمّا كان غاۤئباً كان خارجاً من الدنيا و عند ظهوره يرجع الي الدنيا و لكن علي كل تقدير فقيام القاۤئم عليه السلم غير الرجعة و ان ذكر في الرجعة فلعلّ المراد به رجوعه في الدنيا بعد القتل مع جدّه اميرالمؤمنين عليه السلم في الكرّة الثانية و يدلّ علي انه مغاير للرجعة ما روي في تفسير قوله تعالي و ذكّرهم بايّام اللّهِ في الخصال عن الباقر عليه السلم ايّام اللّهِ يوم يقوم القاۤئم عليه السلم و يوم الكرة و يوم القيمة و علي ايّ وجهٍ فكون ملك آل‌محمد (ص‌) ثمانين‌الف سنة لايتوجّه الّا علي بعض ما اشرنا اليه سابقاً او يكون منها بقاۤؤهم في الدنيا و ان لم‌يكونوا متمكّنين كمال التمكّن الّا انّ لهُمْ دولةً خافيةً بها حَفِظَ اللّهُ الدّين الي قيام قاۤئمهمْ عليهم السلم مع كثرة مَن يتصدَّي لمحوِ دينهم و يأبَي اللّه الّا ان يتمّ نوره لانّه روي في الاختصاص عن ابي‌عبداللّه عليه السلم انه قال حين سُئِلَ عن اليوم الذي ذكرَ اللّه مقدارَهُ في القرءان في يوم كان مقداره خمسين‌الف سنة و هي كرّة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فيكون ملكه في كرّته خمسين‌الفَ سنةٍ و يملك عليٌّ عليه السلم في كرتِه۪ اربعةً و اَرْبَع۪ينَ‌الف سنةٍ و روي انّ مدّة ملكِ الحسين عليه السلم خمسون‌الف سنة و تقدّم في رواية المعلّي و الشحّام اربعين‌الف سنة و روي غير ذلك و لم‌نقف علي خبر مُفَصِّلٍ لهذه الامور المبهمة و لا جامعٍ لهذه الاعداد المختلفة و الذي فهمته منها علي اختلافها انّ مدّةَ ملك الحسين عليه السلم و غيره من الائمة عليهم السلم هي بعينها مدّة ملك رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لانَّ المِلَّةَ ملّته و الدّ۪ين دينه و الدعوة دعوته و هم عُمَّالُه في سلطنته و حَفَظَةُ شريعته فما نسب اليهم فهو منسوبٌ اليه علي الحقيقة و الحسين عليه السلم خرج علي اوّل الدّولةِ لم‌يمض منها عنه الّا مدّة تسعٍ و خمسين سنةً اختصّ بها القاۤئم عليه السلم قبل خروجه (ع‌) و هي ايضاً للحُسَيْنِ عليه السلم لان القاۤئم عليه السلم طالبٌ بثار الحسين عليه السلم فالمدة تنسب اليه و هو قُتل يوم عاشوراۤء و ليْسَ لَهُ الّا ميتةٌ و هي رفعه مع آباۤئه و ابناۤئه الطاهرين صلي اللّه عليهم اجمعين و ليس بعد رفعِهِمْ الي اَنْ ينفخَ اسرافيلُ (ع‌) في الصّور نفخة الصعق الّا اربعون يوماً فنُسِبت الخمسون الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لانّها مدّة سلطنته و هؤلاۤء عمّاله وَ اِنْ تأخّرَ رجُوعُه عنهم و تقدّموا عليه لانّهم عمّاله كما في رواية جابر بن يزيد عن ابي‌عبداللّه عليه السلم و ظاهرها ان الضمير في عمّاله يعود الي عليّ عليه السلم و يحتمل انه يعود الي رسول اللّه (ص‌) لانه قال ثم كرّة مع رسول اللّه (ص‌) حتي يكون خليفة في الارض و تكون الائمة (ع‌) عمّاله و بعد هذا اللفظ يدلّ علي انه رسول اللّه (ص‌) قال و حتي يبعثه اللّه علانية فتكون عبادته في الارض كما عبد اللّه سرّاً في الارض ثم قال اي واللّهِ و اضعاف ذلك ثم عقد بيده اضعافاً يعطي اللّه نبيه (ص‌) ملك جميع اهل الدنيا منذ خلق اللّه الدنيا الي يوم القيمة حتي ينجز له موعده في كتابه كما قال ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون ه‍ ، و هو ظاهر بانه يعود الي الرسول (ص‌) و امّا انّ مدّة ملك علي عليه السلم اربعة و اربعون الف سنةٍ اوْ ستة و اربعون الفاً اوْ اَرْبَعُون‌الفاً فالّذي افهمه ايضاً انّه يخرج بعد قيام الحسين عليه السلم و موت القاۤئم (ع‌) بثماني سنين كما تقدّم و يبقي في نصرته و طلبِ ثاره ما شاۤء اللّه و ربّما هي ما حملنا عليه احاديث مدّة ملك القاۤئم عليه السلم علي روايات ثلٰثمائة وَ سِتّ۪ين سنة اَوْ يشابه ذلك بزيادة او نقيصةٍ ثم يُقْتَلُ لَعن اللّهُ قاتِلَهُ و يلي امره و تجهيزه الحسين عليهما السلم ان لم‌يكن اخوه الحسَنُ عليه السلم قد ظهر لانّا لانعلم ترتيب خروجهم و لا متي يخرج الراجع منهم الّا ما ذكرناه من انه يخرج القاۤئم (ع‌) اوّلاً ثم الحسين ثم عليّ عليهم السلم في كرّته الاولي ثم يكرّ الثانية اخيراً ثم ينزل السيد الاكبر رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و امّا باقي الائمة و فاطمة عليهم السلم فيخرجون ما بين خروج عليّ اوّلاً و خروجِه۪ آخِراً و لانعلم الترتيب و لا الكيفيّة و اللّه سبحانه اعلم و ما بين قتله الي كرّته الثانية لانقطع بقدرها و الّذي فهمتُ ممّا اشرنا لك من انّ مدّة ملكه اربعة و اربعون الف سنة و انّ مدّة ملك الحسين (ع‌) و رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله خمسون‌الف سنةً و انّ عليّاً عليه السلم قتل و بين قتله و خروجه ثانياً مدة البتّةَ و انّهم يرفعون من هذا العالم الي السماۤء في وقتٍ واحدٍ و انّ مدّة ما بين قتله و خروجه ثانياً اربعةَ‌آلٰاف سنة او ستّةٰ‌الٰاف سنة علي اختلاف الروايتين او عشرةٰ‌الاف علي رواية الاربعين‌الف سنة انها مدة ملكه و انّ نزولَ رسول اللّهِ صلي اللّه عليه و آله بعد خروج عليٍّ عليه السلم الثاني و انّ هذا النزول اوّل خروجه صلّي اللّه عليه و آله و فيه يقتل ابليس و امّا ما ذكرنا من مدة ملك الحسين عليه السلم من انّها خمسون‌الفاً مع ما ورد من انها اربعون‌الفاً و ترجيحنا للخمسين الالف فمن جهة انه خرج قبل عليّ عليهما السلم و يرفعانِ في وقتٍ واحدٍ و انّ عليّاً (ع‌) يقتل و الحسين (ع‌) حيّ فانه يلزم من هذا ان المراد هو الخمسون و الاربعون تحمل علي احد المعاني السّابقة في حمل اختلاف المدد الواردة و انّما قلتُ انّ رفعهم عليهم السلم من الارض الي السّماۤء في وقتٍ واحدٍ مع انّي لم‌اجد تصريحاً في ذلك لما وجدتُ تلويحاً من النّقل اطمئنّ الي اشارته القلب و ذلك ما روي ايّوب بن الحرّ عن ابي‌عبداللّه عليه السلم قال قلنا له الائمة بعضهم اعلم من بعض فقال نعم و علمهم بالحلال و الحرام و تفسير القرءان واحدٌ ، فانّه قد لوّح بتساويهم عليهم السلم في غير العلم الذاتي الرتبي الذي هو التلقّي و باختلافهم فيه و بهذا يجمع بين الاحاديث الداۤلّة علي التساوي و الداۤلّة علي التفاضل و هي كثيرة في الحكمين معاً و وجه اطمئنان القلب به سكونه الي ما ثبت عنهم من معني ان كلّ واحد منهم عليهم السلم علّة تاۤمّة لوجود العالم في صدوره و في بقاۤئه فهو باللّه علّة فاعلية و هم بامره يعملون و شعاعهم بمشيّة اللّه علّة ماۤديّة و من آياته ان تقوم السماۤء و الارض بامره و ظلّ هياكلهم بارادة اللّه علّة صوريّة و احوالهم بقدر اللّه علّة غاۤئيّة و لاينافي ما قلنا ما في منتخب بصاۤئر سعد عن ابي‌عبداللّه (ع‌) في الحديث القدسي الي اَنْ قال تعالي يا محمد علي اَوّل من آخذ ميثاقه من الائمة (ع‌) يا محمد عليّ آخِرُ مَن اقبض روحه من الائمة (ع‌) الحديث ، لأَنه لايلزم من تأخّره عنهم طول مدّة بقاۤئه بعدهم مع انّي لم‌ارد برفعهم في وقتٍ واحدٍ ان رفعهم دفعة و انما مرادي الّايكون بينهم تفاوت يُعَدّ بالٰالاف كما عدّت مُدَّة كل واحد منهم ،
فاذا عرفتَ هذا ظهر لك انّ حاجة جميع الخلق الي واحد منهم كحاجة الجميع الي الٰاخر و الي الكلّ و الي البعض و الّا لماصلح ان يكون الواحد منهم اماماً في زمانه و قطباً للعالم و محلّاً لنظر اللّه من العالم و غوثاً لكل شي‌ء و باباً لجميع فيوضات اللّه سبحانه علي خلقه و واسطة بينهم و بينه في اكوانهم و اعيانهم و آجالهم و جميع شؤن الخلق الي اللّه و تلقّياتهم منه فواحدهم بالنسبة الي الخلق ككلّهم و كلّهم كواحد منهم فيكون المقتضي لرفع واحدٍ عن ذاتيّات الخلق مقتضياً لرفع الجميع و ليس هذا جارياً في الدنيا لأن رفعه في الدنيا ليس رفعاً عن ذاتيّات المكلّفين لأنه اذا اراد اللّه رفعه اليه استناب مكانه مثلَهُ حافِظاً لذاتيّاتهم و بعد الرجعة لايستنيب فدلّ ما قلنا انهم يرفعون في وقتٍ واحدٍ قال في العوالم و الرجعة عندنا تختصّ بمن محض الايمان و محض الكفر دون مَن سوي هذين الفريقين فاذا اراد اللّه تعالي علي ما ذكرناه اوهَمَ الشياطينُ اعداۤء اللّه عز و جل انّهم انّما ردّوا الي الدنيا لطغيانهم علي اللّه فيزدادُوا عتوّاً فينتقم اللّه منهم باولياۤئه المؤمنين و يجعل لهم الكرّة عليهم فلايبقي منهم الّا من هو مغموم بالعذابِ و النقمة و العقاب و تصفو الارض من الطغاة و يكون الدين للّه تعالي و الرَجعة انما هي من ممحضي الايمان من اهل الملّة و ممحضي النفاق منهم دون من سلف من الامم الخالية انتهي ،
اقول اما ان الرجعة تختص بمن محض الايمان محضاً و محض الكفر محضاً فلا اشكال فيه و الاخبار منصبّة عليه لا تعارض فيها و لا اختلاف لايستثني من ذلك الّا من اهلك بالعذاب في الدنيا فانه لا كرّة له قال تعالي و حرام علي قرية اهلكناها انهم لايرجعون الّا ان يكون عليه قصاص نعم من كان له قصاص بُعث مع قاتله ليقتص منه فاذا اقتصّ منه بقي ثلاثين شهراً و هي ما اخترمه القاتل من عمره المكتوب له فانه لا بد ان يناله كما قال سبحانه اولۤئك ينالهم نصيبهم من الكتاب و لهذا يموتون كلّهم في ليلة واحدة لأنهم كلهم مقتولون و قد بقي لهم من آجالهم هذا القدر و هو سنتان و نصف و لم‌يكونوا من اهل الرجعة ليعيشوا بالضِعف من اعمارهم رواه في منتخب البصاۤئر عن ابي‌ابراهيم موسي بن جعفر عليهما السلم قال لترجعنّ نفوسٌ ذهبَتْ و ليقتصّ يوم يقوم و من عذّب يقتصّ بعذابه و من اغ۪يظ بغيظِه۪ و من قتل اقتصّ بقتله و يردّ لهم اعداۤؤهم معهم حتي يأخذوا بثارهم ثم يعمّرون بعدهم ثلاثين شهراً ثم يموتون في ليلة واحدة قد ادركوا ثارهم و شفوا انفسهم و يصير عدوّهم الي اشدّ النار عذاباً ثم يوقفون بين يدي الجبّار عزّ و جل فيؤخذ لهم بحقوقهم ه‍ ،
و اما قوله دون من سلف من الامم الخالية فليس بصحيح لان الرجعة المنزل الاوّل من منازل الٰاخرة اعني البرزخ و لهذا يجتمع الناس و الملاۤئكة و الجن و ذلك لكشف الغطاۤء و لم‌تكن مختصّة بهذه الامّة لأنّ الجنّة التي تأوي اليها ارواح المؤمنين من جنان الدنيا و لم‌تكن مختصّة بهذه الامّة و هي جنّة المقرّبين بعد الموت و هي الجنّتان المدهاۤمّتان فانّ اللّه سبحانه قال و لمن خاف مقام ربّه جنّتان الي آخر الٰايات و هي للمقرّبين ثم قال عز و جل و من دونِهما جنّتان و المراد بهذا الدُّونِ معنيان احدهما القرب لأنه تعالي لمّا وعدهم يوم القيمة بالجنّتين العظيمتين وعدهم بانّ لهم جنّتَيْنِ اقرب من الاوّليّتَيْن يعني في البرزخ بعد الموت و ثانيهما القِلّة و الضعف بمعني انّ نعيم جنّتي الدنيا في البرزخ انزل و اقلّ و اضعف من نعيم جنّتي الٰاخرة و عدم دوامهم فيها بخلاف الٰاخرة لأنّ النعيم يختلف شدّةً و ضعفاً بحسب اختلاف المتنعِّم۪ين في اللّطافة و البقاۤء و عدمهما و في لطافة الزمان و المكان و عدمها و ان كانت الجنّتان المدهاۤمّتان في الحقيقة هي جنّة الخلد فانّ المؤمنين اذا ماتوا راحت ارواحهم الي جنّة الدنيا التي هي المدهاۤمّتان فاذا كانت القيامة صُفِّيَتْ و كانت هي جنّة الخلد و راحوا اليها كما انّ هذه الاجساد و الاجسام في الدنيا هي اجسام الدنيا و اجسادُها فاذا رحلوا الي البرزخ كانت بعينها هي اجساد البرزخ و اجسامه فاذا كان يوم القيمة كانت بعينها هي اجساد الٰاخرة و اجسامِها فقال تعالي و لمن خاف مقام ربّه جنّتان في الٰاخرة و له من دونهما اي في البرزخ جنّتان مدهاۤمّتان و قد ذكر اللّه سبحانه ذلك بان الجنّتين في الدنيا هما الجنّتانِ في الٰاخرة فقال تعالي جنّاتِ عدنٍ التي وعد الرحمنُ عباده بالغيب انه كان وعده مأتيّا لايسمعون فيها لغواً الّا سلاماً و لهم رزقهم فيها بكرة و عشِيّاً تلك الجنّة التي نورثُ من عبادنا من كان تقيّاً فقوله بكرة و عشيّاً صريح بارادة جنّة الدنيا في البرزخ و قوله تلك الجنّة التي نورثُ من عبادنا من كان تقيّاً صريح بارادة جنّة الٰاخرة فقال في جنّة الدنيا تلك جنّة الٰاخرة فافهم و نظيره في النار فانّ النار في الدنيا نار البرزخ هي نار الٰاخرة قال تعالي و حاق بٰال فرعون سُوۤء العذاب النار يعرضون عليها غدوّاً و عشيّاً و يوم تقوم الساعة فاخبر انّهم يعرضون عليها في الدنيا بقوله غدوّاً و عشيّاً فانهما لايكونان في الٰاخرة و يعرضون عليها يوم تقوم الساعة يعني في الٰاخرة مع اتّفاق المفسّرين علي اَنّ ادخلوا آل فرعون كلام مستأنف و اتّفاق القرّاۤء علي الوقف علي الساعة و الابتداۤء بادخلوا حتي انّهم يرسمون عليها قف و ذلك لبيان كونها معمولاً ليعرضون فجنّة الدنيا بعد التصفية جنّة الٰاخرة و نار الدنيا بعد التصفية هي نار الٰاخرة و اجسام الدنيا بعد التصفية هي اجسام الٰاخرة ،
فاذا عرفتَ هذا عرفتَ انه لا اختصَاص لهذه الامّة بجنّة الدنيا بل كلّ من محض الايمان محضاً من الامم الخالية و من هذه الامّة سُئِل في قبره و راحت روحه الي جنّة الدنيا تتنعّم فيها و تأوي وادي السلام بظهر الكوفة في الجمع و الاعياد او كلّ يوم كما في بعض افراد المؤمنين و عليه تحمل روايته و يزورون مواضع حفرهم و اهاليهم الي رجعة آل‌محمد صلي اللّه عليه و آله فتظهر الجنّتان المدهاۤمّتان عند مسجد الكوفة و لا ريب انّ الارواح باقية حينئذٍ لاتبطل الّا بين النفختين و ذلك بعد الرجعة و ارواح جميع المؤمنين الماحضين للايمان يأوون اليها و هذه الجنّتان المدهاۤمّتان تظهرانِ في الرجعة كما يأتي ان شاۤء اللّه تعالي في رواية منتخب البصاۤئر قال الصادق عليه السلم و عند ذلك تظهر الجنّتان المدهاۤمّتان عند مسجد الكوفة و ما حوله بما شاۤء اللّه ه‍ ، و ايضاً قد دلّت الٰاثار علي رجوع الانبياۤء عليهم السلم في الرجعة كما في قصّة اصحاب الرسّ العجمي و انّهم رسّوا نبيّهم اسمعيل بن حزقيل عليهما السلم و هو الذي ذكره اللّه في كتابه انه كان صادق الوعد الٰاية و ان اللّه سبحانه اوحي اليه ان شئتَ اخرجتُك و نصرتك عليهم حتي تنتقم منهم فقال يا ربّ احبّ ان ارجع مع الحسين عليه السلم و انتقم منهم ، نقلته بالمعني مختصراً و فيه ايضاً ما هذا لفظه فاذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر ابليس لعنه اللّه في جميع اشياعه منذ خلق اللّه آدم الي يوم الوقت المعلوم و فيه ايضاً بعدُ فاذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ اميرالمؤمنين (ع‌) في اصحابه و جاۤء ابليس في اصحابه انتهي ، و يفهم منه انّ عليّاً يكرّ في جميع اصحابه كما كان لابليس اذ لا تخصيص لابليس و اصحابه و لا قاۤئل بالفرق و هو نصّ في ما نقوله من العموم و مثل ما روي في منتخب البصاۤئر عن ابي‌جعفر الباقر عليه السلم قال قال اميرالمؤمنين عليه السلم الي ان قال و اخذ ميثاق الانبياء بالايمان و النصرة لنا و ذلك قوله عز و جل و اذ اخذ اللّه ميثاق النبيين لما آتيتُكم من كتابٍ و حكمةٍ ثم جاۤءَكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمنُنَّ به و لتنصرُنّه يعني لتؤمنُنَّ بمحمد صلي اللّه عليه و آله و لتنصرُنَّ وصيّه و ينصرونه جميعاً و انّ اللّه اخذ ميثاقي معَ ميثاق محمد صلي اللّه عليه و آله بالنصرة بعضنا ببعضٍ فقد نصرتُ محمّداً صلي اللّه عليه و آله و جاهدتُ بين يديه و قتلتُ عدوّه و وفيتُ للّهِ بما اخذَ عليَّ من الميثاق و العهدِ و النصرة لمحمد صلّي اللّه عليه و آله و لم‌ينصرني احد من انبياۤء اللّه و رسله و ذلك لمّا قبضهم اللّه اليه و سوف ينصرونني و يكون لي ما بين مشرقها الي مغربها و ليبعثهم اللّه احياۤءً من آدم الي محمد صلي اللّه عليه و آله كل نبي مرسل يضربون بين يديّ بالسيف هام الاموات و الاحياۤء و الثقلين جميعاً فيا عجبا و كيف لااعجب من امواتٍ يبعثهم اللّه احياۤء يلبّون زمرةً زمرةً بالتلبيةِ لبّيك لبّيك يا داعي اللّهِ قد تخلّلوا سُكَكَ الكوفةِ قد شَهرُوا سيوفهم علي عواتقهم يضربون بها هام الكفرة و جبابرتهم و اتباعهم من جبابرة الاوّلين و الٰاخرين حتي ينجز اللّه ما وعدهم في قوله عز و جل وعد اللّه الذين آمنوا منكم الٰاية ، و امثال هذا من الاخبار المتكثّرة و ليس هذا خاۤصّاً بالنّبيّين فمن تدبّر ما اشرنا اليه من التعليل قطع بان الرجعة تشمل كل من محض الايمان محْضاً و محض الكفر محضاً مِن جميع الامم للاشتراك في العِلّة .
و اعلم ان القول بالرجعة مطلقاً مذهب الاكثر من الخاۤصّة و العاۤمّة امّا قيام القاۤئم عليه السلم فقد انعقد عليه الاجماع من الفريقين و الروايات من الفريقين مستفيضةٌ و المنكر له لايكاد يتحقّق الّا من غير المعتبرين و المعاندين و امّا القول ببعث الاموات معه فهو مذهب الاكثر من الشيعة و بعضهم انكر ذلك قال السيد المرتضي (ره‌) في الردّ علي من انكر ذلك قال و امّا مَن تأوّلَ الرجعة من اصحابنا علي انّ معناها رجوع الدولة و الامر و النهي من دون رجوع الاشخاص و احياۤء الاموات فانّ قوماً من الشيعة لمّا عجزوا عن نصرة الرجعة و بيان جوازها و انّها تنافي التكليف عوّلوا علي هذا التأويل للاخبار الواردة بالرجعة و هذا منهم غير صحيح لأن الرجعة لم‌تثبت بالاخبار المنقولة فتتطرّق التأويلات عليها فكيف يثبت ما هو مقطوع علي صحته باخبار الٰاحاد التي لاتوجب العلم و انما المعوّل في اثبات الرجعة علي اجماع الاماميّة علي معناها بان اللّه تعالي يحيي امواتاً عند قيام القاۤئم عليه السلم من اولياۤئه و اعداۤئه علي ما بيّناه فكيف يتطرّق التأويل علي ما هو معلوم فالمعني غير محتمل انتهي ، و مرادهم بانّ الرجعة تنافي التكليف انّ من مات ارتفع التكليف عنه فاذا بعث لم‌يثبت انه مكلّف الّا مع ظهور المعجزات الباهرة و الٰايات القاهرة بثبوت الوحي و قد انقطع بموت النبي صلي اللّه عليه و آله و هذا منهم كلام باطل لأن الرجعة انما تكون مع خليفة النبي صلي اللّه عليه و آله الحافظ لدينه الذي قد نصّ (ص‌) عليه بانّ قوله و حكمه قول اللّه و رسوله و حكمهما و الراۤدّ عليه راۤدّ علي اللّه و رسوله (ص‌) و هو آتٍ بمعجزات مثل معجزات النبي صلي اللّه عليه و آله تصدّقه و تشهد له كما فعل الحجة عليه السلم للحسني لمّا غرزَ له هراوة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله غرسها في الحجر الصلد فتورق و قال السيد (ره‌) بعد كلام طويل و نقل لروايات العاۤمة مستدلّاً بها علي رجعة اقوام عند قيام القاۤئم عليه السلم بما جري في الامم السالفة مثل الم‌تر الي الذين خرجوا من ديارهم و هم الوف حذر الموت فقال لهم اللّه موتوا ثم احياهم و امثالها باحاديث لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذّة الخ ، و لتتبعُنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبرٍ و ذراعاً بذراع الي ان قال (ره‌) و رأيتُ في اخبارهم زيادة علي ما تقوله الشيعة من الاشارة الي انّ مولينا عليّاً يعود الي الدنيا بعد ضرب ابن‌ملجم و بعد وفاته كما رجع ذوالقرنَيْن و نقل عن الزمخشري في الكشاف في حديث ذي‌القرنين قد ذكرنا بعضه فيما تقدّم من سؤال ابن‌الكوّا و ذكر الطبرسي (ره‌) في تفسير قوله تعالي و يوم نحشر من كل امّةٍ فوجاً ممّن يُكذِّبُ بٰاياتِنا فهم يوزعون نحو ما ذكر السيد في المعني الي اَنْ قال علي انّ جماعة من العُلماۤء تأوّلوا ما ورد من الاخبار في الرجعة علي رجوع الدولة و الامر و النهي دون رجوع الاشخاص لما ظنّوا انّ الرجعة تنافي التكليف و ليس كذلك لانّه ليس فيها ما يلجي الي فعل الواجب و الامتناع من القبيح و التكليف يصحّ معَها كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة و الٰايات القاهرة كفلق البحر و قلب العصا و ما اشبه ذلك و ان كانت الاخبار تعضده و تؤيّده انتهي ، قال الشيخ عبداللّه ابن نوراللّه البحراني في كتابه العوالم بعد نقل الاقوال بتمامها كما سمعتَ ممّا اختصرنا من بعضها قال و اذا عرفتَ هذا فاعلم يٰا اخي اني لااظنّك ترتاب بعد ما مهّدتُ و اوضحتُ لكَ في القول بالرجعة التي اجمعت الشيعة عليها في جميع الاعصار و اشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار حتي نظموها في اشعارهم و احتجّوا بها علي المخالفين في جميع اعصارهم و شنّع المخالفون عليهم في ذلك و اثبتُوه في كتبهم و اسفارهم
اقول و يأتي باقي كلامه و انت اذا تدبّرتَ كلامهم وجدتَ انه داۤئر مدار اثبات مطلق الرجعة و هي قيام القاۤئم عليه السلم و بعث بعض الاموات معه و مَنْ انكر ذلك فقد سمعتَ ردّهم عليه و امّا القول بالرجعة الخاۤصّة كما ذكرنا الاشارة اليها غير قيام القاۤئم عليه السلم بل رجوع جميع الائمة و القاۤئم معهم ثانياً بعد ان يقتل و رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و فاطمة عليها السلم اوّل راجع هو الحسين عليه السلم وَ آخر راجع هو رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كما هو صريح الروايات المتكثّرة المتواترة معناً و سنذكر بعضاً منها قليلاً لانها اكثر من ان يحصيها شرح مسئلة فظاهر عبارة السيّد و المفيد و العلّامة كما في خلاصته في ترجمة ميسر بن عبدالعزيز و قال العقيقي اثني عليه آل‌محمد (ص‌) و هو ممّن يجاهد في الرجعة انتهي ، انّهم انّما يعنون قيام القاۤئم (ع‌) خاۤصّة و عبارة السيّد المرتضي المتقدمة و هي و رأيتُ في اخبارهم يعني العاۤمّة زيادة علي ما تقوله الشيعة من الاشارة الي انّ مولينا عليّاً يعود الي الدنيا بعد ضرب ابن‌ملجم و بعد وفاته كما رجع ذوالقرنين انتهي صريحة في انّ مراده بدعوي الرجعة و الانكار علي منكرها هو قيام القاۤئم عليه السلم حتي انّه مارأي ما ورد في ذلك خصوصاً ممّا لايكاد يحصي كثرةً الّا من كلام الزمخشري في الكشاف كما سمعتَ ممّا ذكرنا و جعل هذا زيادة علي ما تقوله الشيعة و الشيخ عبداللّه بن نوراللّه البحراني جعل كلامهم الذي نقله في كتابه مما قد سمعتَ مختصر بعضه حجّة علي ثبوت الرجعة الخاۤصّة التي ندّعيها مع انّه استقصي الروايات الواردة في ذلك في مجلّد الرابع و العشرين من كتابه العوالم في احوال القاۤئم (ع‌) و لاادري ما اقول مع ان القاۤئل بهذا الذي نشير اليه كثير و ليس بعجيبٍ لكثرة النصوص الواردة في ذلك و عدم وجود شي‌ء من المعارض و القرءان ناطق بذلك في قوله و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم داۤبّةً من الارض تكلّمهم انّ الناس كانوا بٰاياتنا لايُوقِنُونَ اذا قرئت كما انزلت من تأخيرها عن آية و يوم نحشر من كل امة فوجاً الٰاية ، ليرتبطَ الكلام لعن اللّه من قدّم مَا اخّره اللّه و اخّر ما قدّمه اللّه و النظم الحق بين الٰايات هكذا و يوم نحشر من كلّ امّةٍ فوجاً ممّن يكذّبُ بٰاياتنا فهم يوزعون حتي اذا جاۤؤا قال اكذّبتم بٰاياتي و لم‌تحيطوا بها علماً ام مّاذا كنتم تعملون و وقع القول عليهم بما ظلموا فهم لاينطقون و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم داۤبّةً من الارض تكلّمهم انّ الناسَ كانوا بٰاياتنا لايوقنون فذكر اللّه الحشر الخاۤصّ و بعثَ بعضاً ممّن يكذّب بٰايات اللّه عليهم السلم و اذا وقعت عليهم الحجة و انقطعوا عن الجواب اخرج اللّه لهم داۤبّة الارض و قد انعقد الاجماع من المسلمين انّ خروج الداۤبّة قبل يوم القيمة و بعد انغلاق باب التوبة و انغلاق باب التوبة عند الشيعة بعد قيام القاۤئم عليه السلم لانه يستتيب اقواماً و اليهود و النصاري و ساۤئر الملل و لايقتل احداً الّا بعد ان يعرض عليهم التّوبة و الاحاديث فاذا ثبت ان غلق باب التوبة بعد القاۤئم عليه السلم قبل خروج داۤبّة الارض و خروجها قبل يوم القيمة و قد ثبتَ انَّ داۤبّة الاَرْضِ عند الشيعة علي بن ابي‌طالب عليه السلم و احاديثهم متواردة بذلِك ثبت ما ندّعيه عند من يع۪يه و هذا ليس بعجيب كما قلنا اِنّما العَجيب انكار رجعتهم و احاديثهم و ادعيتهم ناطقةٌ بذلك كما ورد من الناحية المقدسة الي القاسم بن العلا الهَمَذاني وكيل ابي‌محمد العسكري عليه السلم في دعاۤء اليوم الثالث من شعبان يوم مولد الحسين عليه السلم اللهم اني اسألك بحق المولود في هذا اليوم الموعود بشهادته قبل استهلاله و ولادته بكته السماۤء و مَن فيها و الارض و من عليها و لمّايَطأ لاۤبّتَيْها قتيل العبرة و سيّد الاسرة الممدود بالنصرة يوم الكرّة المعوّض من قتله انّ الائمة من نسله و الشّفاۤء في تُربته و الفوزَ معه في اَوْبته و الاوصياۤء من عترته بعد قاۤئمهم و غيبته حتي يدركوا الاوتار و يثأروا الثّارَ و يرضوا الجبّار و يكونوا خير انصار صلّي اللّه عليهم مع اختلاف الليل و النهار و في آخر الدعاۤء فنحنُ عائذون بقبره من بعده نشهد تربتَهُ و ننتظِر اَوْبتَه آمين ربّ العالمين ، اقول متي هذه الاَوْبة التي يدركون فيها الاوتار و يثأروا الثّار و ما معني الممدود بالنصرة يوم الكرّة و امثال ذلك و الزيارة التي نحن بصدد شرحها مشحونة بذلك و الادعية و الاخبار تزيد علي ستّمائة كما ذكره السيد نعمت‌اللّه فيما ذكرنا سابقاً و كلّ هذا ما وصل الي مَن انكر ذلك و قد نقل عن المفيد (ره‌) في شرح اعتقاد ابن‌بابويه انّه انكر الرجعة و جعل القول بهَا من خرافات الجهّال و وقفتُ علي قوله كما نقل الّا انّي الٰان لم‌يحضرني و الّا لاوردته و عبارته في آخر ارشاده تشعر بذلك و هي قوله و ليس بعد دولة القاۤئم عليه السلم لاحدٍ دَوْلَةٌ الّا ما جاۤءت به الرواية من قيام ولد ان شاۤء اللّهُ ذلك ( ان ثبت ذلك خ‌ل ) و لم‌ترد به علي القطع و الثبات و اكثر الروايات انه لن‌يمضي مهدي هذه الامّة الّا قبل القيٰمة اربعين يوماً يكون فيها الهرج و علامة خروج الاموات و قيام السّاعة للحساب و الجزاۤء و اللّه اعلم بما يكون اقول ان كان هذا الامر داۤئراً مدار مجيۤ‌ء الروايات فلايكون حكم من احكام الشرع ورد فيه مثل ما ورد في هذه المسئلة و هي نصوص مستفيضة متكرّرة في الكتب المعتبرة بل لايكاد يوجد كتاب من كتب الشيعة و كتب الاخبار خالياً عن شي‌ء منها وَ مَنْ تتبّع آثار اهل العصمة عليهم السلم حَصَلَ له القَطْع باَنَّ هذا مذهب الائمّة عليهم السلم وَ الَّذي دَعاهم الي ان يقولوا انَّ دَوْلةَ القاۤئم عليه السلم آخِرُ الدُّوَل و ليس بعد دولته دولةٌ و انّ بين دَوْلتِه۪ و نفخة الصُّورِ اَرْبَع۪ين يوماً ما فهموه من بعض الروايات و فيه انّ الائمة عليهم السلم يطلقون القاۤئم علي كلّ قاۤئِم منهم فيتوهم بعض الناظرين انهم ارادوا به محمد بن الحسن العسكري عليه السلم مع انّهم يقولون انّ كلّ واحدٍ منا قاۤئمٌ بالحق و ورد انّ ابليس يقتله القاۤئم عليه السلم و ورد انّ الذي يقتله رسول اللّهِ صلّي اللّه عليه و آله في آخر الرجعات و هو المطابق للاخبار الموافق للاعتبار و يصدق علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله انه القاۤئم بالحقّ بل هو بهذه الصفة احقّ من جميعهم و فيه ايضاً ان احاديثهم مصرّحة بانّ كل مؤمن له ميتة و قتلة انّ مَن ماتَ يبعثُ حتّي يقتل و مَن قتل يبعث حتي يموت و القاۤئم المنتظر عجل اللّه فرجه الي قيامه لم‌يمت و لم‌يقتل و لا بدّ له منهما و روي انّه اذا خرج و انتهت مدة ملكه يقتل تقتله سعيدة التميميّة لعنها اللّه و لا بدّ ان يبعث حتي يموت وَ موته مع آباۤئه الطاهرين عليهم السلم رفعه معهم من الارض الي السماۤء و قد تقدّم انّه في وقتٍ واحدٍ و اذا اجتمعوا عليهم السلم كان الملك و السلطان السيد الاكبر رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و الائمة وزراۤؤه حكّام مالكون متصرّفون بامره صلي اللّه عليه و آله في اقطارِ الارض فيجوز ان يقال ليس بعد دولته دولةٌ لاحدٍ و ليس بينها و بين النفخة الاولي الّا اربعين يوماً و يراد بها دولته الثانية و هذا ظاهر انشاۤء اللّه و ربّما جعل من انكر ذلك الاخبار الواردة فيما اشرنا اليه اخبار آحاد لاتوجب علماً كما تقدم في كلام السيد المرتضي رحمه اللّه حيث جعل العمدة في اثبات ما ثبت الاجماع و لنا ان نقول انّ الاجماع و ان لم‌يثبت في ذلك الزمان الّا علي ما خصّصه من خروج الصاحب عليه السلم جاز ان يثبت فيما بعده لانّ كثرة المخالف في ذلك الزمان تغطّي كثيراً من الامارات و ربّما غرست الشبهة في القلوب بايراد الاحتمالات و في هذا الزمان حين زالت تلك الغواشي و لم‌يوجد من ذكرها في مواضع المجادلة و المعارضة شي‌ء و انّما تذكر في الاحاديث و الادعية و مجالس الذكر و طلب الفرج ظهرت الامارات و تراكمت حتي اطمأنّتِ النفوس و سكنت الافكار حين اضمحلّت المعارضات و الموانع سهل اثبات الاجماع علي هذا المدّعَي مع ما ورد فيه من النصوص الكثيرة منها ما تقدّم ذكره عن السيد نعمت‌اللّه الجزائري انه قال وقفت علي ستمائة و عشرين حديثاً في هذا الباب و الشيخ عبداللّه بن نوراللّه البحراني الذي تقدّم ذكره و بعض كلامه و قلنا يأتي تمامه قال و كيف يشكّ مؤمن بحقيقة الائمة الاطهار عليهم السلم فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح رواها نيف و اربعون من الثقات العظام و العلماۤء الاعلام في ازيد من خمسين من مؤلفاتهم كثقة الاسلام الكليني و الصدوق محمد بن بابويه و الشيخ ابي‌جعفر الطوسي و المرتضي و النجاشي و الكشّي و العياشي و علي بن ابراهيم و سليم الهلالي و الشيخ المفيد و الكراجكي و النعماني و الصفّار و سعد بن عبداللّه و ابن‌قولويه و علي بن عبدالحميد و السيد علي بن طاووس و ولده صاحب كتاب زواۤئدالفراۤئد و محمد بن علي ابن ابراهيم و فرات بن ابراهيم و مؤلف كتاب التنزيل و التحريف و ابي‌الفضل الطبرسي و ابي‌طالب الطبرسي و ابراهيم بن محمد الثقفي و محمد بن العباس بن مروان و البرقي و ابن‌شهراشوب و الحسن بن سليمن و القطب الراوندي و العلّامة الحلّي و السيد بهاۤءالدين علي بن عبدالكريم و احمد بن داود بن سعيد و الحسن بن علي بن ابي‌حمزة و الفضل بن شاذان و الشيخ الشهيد محمد بن مكي و الحسين ابن حمدان و الحسن بن محمد بن جمهور العمّي مؤلف كتاب الواحدة و الحسن بن محبوب و جعفر بن محمد بن مالك الكوفي و طهر بن عبداللّه و شاذان بن جبرئل و صاحب كتاب الفضاۤئل و مؤلف الكتاب العتيق و مؤلف كتاب الخطب و غيرهم من مؤلفي الكتب التي عندنا و لم‌نعرف مؤلّفه علي التعيين و لذا لم‌ننسب الاخبار اليهم و ان كان موجوداً فيها و اذا لم‌يكن مثل هذا متواتراً ففي ايّ شي‌ء يمكن دعوي التواتر مع ما روته كاۤفة الشيعة خلفاً عن سلفٍ و ظني انّ من يشكّ في امثالها فهو شاۤكّ في ائمة الدين و لايمكنه اظهار ذلك من بين المؤمنين فيحتال في تخريب الملّة القويمة بالقاۤء ما يتسارع اليه عقول المستضعفين من استبعاد المتفلسفين و تشكيكات الملحدين يريدون ليطفئوا نور اللّه بافواههم و اللّه متم نوره و لو كره المشركون .
اقول لايذهب وهمك انه يعرّض بذلك للشيعة المأوّلين لتلك الاخبار بل للمنكرين من العاۤمة كما يدل عليه كلامه قبل هذا ثم قال و لنذكر لمزيد التشييد و التأكيد اسماۤء بعض من تعرّض لتأسيس هذا المدّعي و صنّف فيه او احتجّ علي المنكرين او خاصم المخالفين سوي ما ظهر مما قدّمناه في ضمن الاخبار و اللّه الموفق فمنهم احمد بن داود بن سعيد الجرجاني قال الشيخ في الفهرست كتاب المتعة و الرجعة و منهم الحسن بن علي بن ابي‌حمزة البطاۤئني و عدّ النجاشي من جملة كتبه كتاب الرجعة و منهم الفضل بن شاذان النيسابوري ذكر الشيخ في الفهرست و النجاشي انّ له كتاباً في اثبات الرجعة و منهم الصدوق محمد بن علي بن بابويه فانه عدّ النجاشي من كتبه كتاب الرجعة و منهم محمد بن مسعود العياشي ذكر النجاشي و الشيخ في الفهرست كتابه في الرجعة و منهم الحسن بن سليمن علي ما روينا عنه الاخبار و اما ساۤئر الاصحاب فانهم ذكروها في ما صنّفُوا في الغيبة و لم‌يفردوا لها رسالة و اكثر اصحاب الكتب من اصحابنا افردوا كتاباً في الغيبة و قد عرفتَ سابقاً مَن روي ذلك من عظماۤء الاصحاب و اكابر المحدّثين الذين ليس في جلالتهم شك و لا ارتياب و قال العلّامة (ره‌) في خلاصة الرجال في ترجمة ميسّر بن عبدالعزيز فقال العقيقي اثني عليه آل‌محمد (ص‌) و هو ممّن يجاهد في الرجعة انتهي ، اقول اذا نظرتَ في الاخبار و في كلام العلماۤء فيها و ما الّفوا فيها من الكتب و كثرة الجدال فيها بينهم و بين مخالفيهم ظهر لك انّ هذه حال ما هو متواتر بين الفرقة لا حال اخبار الٰاحاد هذا و قد قال الشيخ في العدّة ان خبر الواحد اذا كان وارِداً من طريق اصحابنا القاۤئِلين بالامامة و كان ذلك مرويّاً عن النبي (ص‌) او عن وَاحدٍ من الائمة (ع‌) و كان ممّن لايطعن في روايته و يكون سديداً في نقله و لم‌تكن هناك قرينة تدلّ علي صحة ما تضمّنه الخبر لانه ان كان هناك قرينةٌ تدلّ علي صحّة ذٰلِك كان الاعتبار بالقرينة و كان ذلك موجباً للعلم و نحنُ نذكر القراۤئن فيما بعد جاز العمل به و الّذي يدلّ علي ذلك اجماع الفرقة المُحِقّة فانّي وجدتُها مجتمِعةً علي العمل بهذه الاخبار التي رووها في تَصان۪يفهِمْ و دوّنُوهَا في اصُولهم لايتناكرون ذلك و لايتدافعونه حتي انّ واحداً منهم اذا افتي بشي‌ء لايعرفونه سألوه من اين قلتَ هذا فاذا احالهم علي كتابٍ معروفٍ اوْ اصلٍ مشهور و كان راويه ثقةً لاينكر حديثه سكتُوا و سلّموا الامر في ذلك و قبلوا قوله هذه عادتهم و سجيتُهُم من عهد النبي (ص‌) و من بعده من الائمة (ع‌) و من زمن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلم الذي انتشر العلم عنه و كثرت الرواية من جهتِه فلولا انّ هذه الاخبار كان جائزاً لمااجمعوا علي ذلك و لانكروهُ لانّ اجماعهم فيه معصوم لايجوز عليه الغلَطُ و السهو الي آخره ، فاذا كان خبر واحد يقبلونه و يعملون به اذا كان صحيحاً فكم من خبر صحيح في هذه المسئلة موجب علي هذه القاعِدة للعمل بمقتضاه و المقام ليس محلّاً للاِطناب و انّما ذكرت هذه الكلمات تنبيهاً علي اثباتِ ما اثْبتَهُ اللّه و اثبته اولياۤؤه عليهم السلم و انما دعا المنكر له الي الانكار عدم احتماله و هو حقّ لايحتمله الّا ملك مقرّب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان كما قال اميرالمؤمنين عليه السلم في خطبته التي تسمّي بالمخزون قال فيما نحن فيه ان امرنا صعبٌ مستصعب لايحتمله الّا ملك مقرّب او نبي مرسل او عبد امتحنَ اللّه قبله ( قلبه ظ ) للايمان لايَع۪ي حديثنا الّا حصون حصينة او صدورٌ اَم۪ينَة اوْ اَحلامٌ رزينَة يا عجبَا كلّ العجب بين جمدي و رجب فقال رجل من شرطة الخميس ما هذا العجب يا اميرالمؤمنين قال و ما لي لااعجب و سبَق القضاۤءُ فيكم و ماتفقهونَ الحديثَ اِلّا صوتاتٌ بينهن موتاتٌ حصدُ نباتٍ و نشرُ امواتٍ الخ ، و في معاني‌الاخبار بسنده الي الشعبي قال قال ابن‌الكوّا لعليّ صلي اللّه عليه يا اميرالمؤمنين ارأيتَ قولك العجب كل العجب بين جمدي و رجب قال وَيْحك يا اعور هو جمع اشتاتٍ و نشر امواتٍ و حصد نبات و هنات بعد هناتٍ مهلكات مبيرات لستُ انا و لا انت هناك و منه بسنده عن عباية الاسدي قال سمعتُ اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه و هو متّكي و انا قاۤئم عليه لاَبْنِيَنَّ بمصر منبراً و لانَقُضَنَّ دمشق حجراً حجراً و لاُخْرِجنّ اليهود و النصاري من كل كور العرب و لأَسوقنَّ العرب بعصاي هذه قال قلتُ له يا اميرالمؤمنين كأنّك تخبر انّك تحيي بعد ما تموت فقال هيهات يا عباية ذهبتَ في غير مذهبٍ يفعله رجل منّي قال الصدوق (ره‌) ان اميرالمؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه اتّقي عباية الاسدي في هذا الحديث و اتقي ابن‌الكوّا في الحديث الاوّل لانهما كانا غير محتملَيْن لاسرار آل‌محمد عليه و عليهم السلم و هذا صريح في هذه الدعوي و امثاله اصرح و اصح و الحمد للّه ربِّ العالمين .
خاتمة و لنورد بعضاً من آثارهم عليهم السلم ممّا يدلّ علي ذلك و علي بعض كيفيته و وقته ففي الاختصاص بسنده عن ابي‌عبداللّه عليه السلم سُئِل عن الرجعة احقّ هي قال نعم فقيل له مَن اوّل مَن يخرج قال الحسين عليه السلم يخرج علي اثر القاۤئم عليه السلم فقلتُ و معه الناس كلهم قال لا بل كما ذكره اللّه تعالي في كتابه يوم ينفخ في الصور فتأتون افواجاً قومٌ بعد قومٍ ، اقُول المسئول عنه الرجعة الخاۤصة لا قيام القاۤئم عليه السلم و لهذا قال اوّل من يخرج الحسين عليه السلم يخرج علي اثر القاۤئم عليه السلم يعني انّ اوّل من يخرج في الرجعة و ذلك بعد قيام القاۤئم عليه السلم و عنه عليه السلم و يقبل الحسين عليه السلم في اصحابه الذين قتلوا معه و معَهُ سبعون نبيّاً كما بعِثوا مع موسي بن عمران (ع‌) فيدفع اليه القاۤئم عليه السلم الخاتم فيكون الحسين عليه السلم هو الذي يلي غسله و كفنه و حنوطه و يواريه في حفرته اقول فيه دلالة علي انّ الرجعة لاتختصّ بهذه الامّة كما توهّمه بعضهم لان هؤلاۤء الانبياۤء (ع‌) ليسوا من هذه الامّة و في الاختصاص عن جابر الجعفي قال سمعتُ اباجعفر عليه السلم يقول الي ان قال (ع‌) ثم يخرج المنتصرُ الي الدنيا و هو الحسين عليه السلم فيطلب بدمه۪ و دم اصحابه فيقتل و يسبي حتي يخرج السّفّاح و هو اميرالمؤمنين عليه السلم و في الخراۤئج و الجراۤئح بسنده عن جابر عن ابي‌جعفر عليه السلم قال قال الحسين عليه السلم لاصحابه قبل ان يقتل انّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لي يا بنيّ انّك سَتُساقُ الي ارض العراق و هي ارض قد التقي بها النبيون و اوصياۤء النّبيّين و هي ارض تدعَي عمورَا و انّك تستشهد بها و يستشهد معك جماعة (ظ) من اصحابك لاتجدون الم مسِّ الحديد و تلا قلنا يا نار كوني برداً و سلاماً علي ابراهيم تكون الحرب برداً و سلاماً عليك و عليهم فابشِروا فواللّهِ لئن قتلونا فانّا نرد علي نبيِّنا صلي اللّه عليه و آله قال ثم امكثُ ما شاۤء اللّه فاكون اَوّلَ من تنشقّ الارض عنهُ فاخرج خرجةً يوافق ذلك خرجة اميرالمؤمنين (ع‌) و قيام قاۤئمنا و حيوة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ثم لينزلنَّ عليّ وفدٌ من السماۤء من عند اللّه لم‌ينزلوا الي الارض قطّ و لينزلنّ اليّ جبرئل و ميكاۤئيل و اسرافيل و جنود من الملاۤئكة و لينزلنَّ محمّد و عليّ و انا و اخي و جميع مَن منّ اللّه عليه في حَمولاتٍ من حمولات الربّ خيل بلقٌ مِن نورٍ لم‌يركبها مخلوق ثم ليهزّن محمّد (ص‌) لواۤءَه و ليدفعنّه الي قاۤئمنا مع سيفه ثم انّا نمكثُ من بعد ذلك ما شاۤء اللّه ثم انّ اللّه يخرج من مسجد الكوفة عيناً من دُهنٍ و عيناً من ماۤءٍ و عيناً من لبنٍ ثم انّ اميرالمؤمنين عليه السلم يدفع اليّ سيفَ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و يبعثني الي المشرق و المغرب فلاٰاتي علي عدوٍّ للّه الّا اهرقتُ دمَهُ و لاادَعُ صنماً الّا احرَقته حتّي اقعَ الي الهند فافتحها و انّ دانيال و يوشع يخرجان الي اميرالمؤمنين عليه السلم يقولان صدق اللّه و رسوله و يبعثُ اللّه معهما الي البصرة سبعين رجلاً فيقتلون مقاتليهم و يبعثُ مبعثاً الي الروم فيفتح اللّه لهم ثم لاقتُلنّ كلّ داۤبّة حرم اللّه لحمها حتي لايكون علي وجه الارض الّا الطيّب و اعرض علي اليهود و النّصاري و ساۤئر المللِ و لاخيّرنّهم بين الاسلام و السيف فمن اسلم مننتُ عليه و من كره الاسلام اهرق اللّه دمَهُ و لايبقي رجل من شيعتِنا الّا انزل اللّهُ اليه ملكاً يمسح عن وجهه التراب و يعرّفه ازواجه و منزلته في الجنّة و لايبقي علي وجه الارض اعمي و لا مُقْعَدٌ و لا مبتلَي الّا كشف اللّهُ عنه بلاۤءَهُ بنا اهل البيت وَ لينزلنَّ البركة من السماۤء الي الارض حتّي انّ الشجرة لتقصف بما يزيد اللّه فيها من الثمرة و لتأكلنّ ثمرةُ الشّتاۤء في الصيف و ثمرة الصيف في الشتاۤء و ذلك قوله تعالي و لو انّ اهل القري آمنوا و اتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماۤء و الارض و لكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون ثم انّ اللّه ليَهَب لشيعتِنا كرامةً لايخفي عليهم شي‌ء في الارض و ما كان فيها حتي ان الرجل يريدُ ان يعلم علم اهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعملونَ .
اقول و ليدفعنّه الي قاۤئمنا يعني ان رسول اللّه (ص‌) يدفع لواۤءه الي القاۤئم عليه السلم و الظاهر انّ هذا في رجعة القاۤئم عليه السلم بعد قتله و رجوعه لانّ هذه الحالة اوّل خروجه الي الدنيا و قد دلّت الاخبار انّ اوّل من يخرج الحسين عليه السلم و هو بعد القاۤئم (ع‌) و رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله آخر مَن يرجع فلايراد به قيامه الاول لانّ قيام الاوّل قبل خروج الحسين عليه السلم الذي اوّل من يرجع فافهم و فيه ايضاً اشارة انّ ترتيب الاخري كترتيب الاولي فانّ القاۤئم (ع‌) اوّل من يخرج و يقوم بالامرِ ثم من بعده الحسين عليه السلم يقوم وَ يَلي الامر فكذلك اذا رجع القاۤئم عليه السلم و الحسين عليه السلم حيّ و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بعد اَنْ نَزلَ من السَّمَاۤءِ في ظلل من الغمام و الملاۤئكة و قضي الامر يبعث ثم يبعث الحسين عليه السلم و ليس ذلك لانه افضل من الحسين عليه السلم لان الحسين عليه السلم افضل منه و لكنّها مراتب جرت بها الحكمة الالهية و قوله (ع‌) قبل فاخرج خرجة يوافق ذلك خرجة اميرالمؤمنين و قيام قاۤئمنا و حيوة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يريد به و اللّه و رسوله (ص‌) و اوْصياۤؤه اعلم انّ خروجه مستمر من قيام الحجة عليه السلم اوّل مرّة الي خرجة اميرالمؤمنين عليه السلم الاولي الي خروجه ثانياً الذي ينزل فيه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فهو موافق باستمرارِه۪ لهم و اعرض علي اليهود و النصاري و ساۤئر الملل الخ ، فيه دلالة علي قبول التوبة الي ذلك الوقت الّذي هو خروج علي عليه السلم الثاني الّذي ينزل فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و بعد استقرار الملك يغلق باب التوبة فتسم داۤبّة الارض عليّ عليه السلم المؤمن بخاتم سليمن بن داود عليه السلم في جبينه فيبيضّ بها وجهه و تسِمُ الكافر بعصي موسي عليه السلم علي خرطومه فيسودّ بها وجهه فقوله تعالي وعد اللّه الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضَي لهم و ليبدّلنّهم من بعد خوفهم امْناً يعبدونني لايشركون بي شيئاً و من كفر بعد ذلك فاولٰۤئك هم الفاسقون ورد فيه انّها في حقّ القاۤئم عليه السلم في قيامه و ورد في رجوعه و رجوعِ آباۤئه عليهم السلم ، و الثاني لتأويل آخرها و هو قوله تعالي و من كفر بعد ذلك الخ اَوْلَي جمعاً بين الادلّة لانّ الظاهر من آخرها معني لاينفع نفساً ايمانُهَا لم‌تكن آمنت من قبلُ لان غلق باب التوبة لايكون قبل ذلك كيف و هو في الرجعة الاخري يعرض علي اليهود و النّصاري و اهل الملل قبل استقرار دولتهم فمن قبل الاسلام قبل توبته .
و اقول ايضاً قوله و ليدفعنّه الي قاۤئمنا يعني انّ رسول اللّه صلي اللّهُ عليه و آله يدفع لواۤءه الي القاۤئم عليه السلم انّه في قيام القاۤئم عليه السلم اوّل ظهوره بعد غيبته قبل خروج الحسين عليه السلم و ذلك لانّ كلّ قاۤئم منهم لايقوم الّا باذنٍ من اللّه تعالي و من رسوله (ص‌) و من وليّه اميرالمؤمنين عليه السلم و الائمة عليهم السلم فلايقوم حتي يحضروه و لايغيب حتي يحضروه و لايموت حتّي يحضروه كما حضروا الحسين عليه السلم يوم كربلاۤء و قالوا له عجّل الينا فانا مشتاقون اليك فعند خروج القاۤئم عليه السلم لا بدّ ان يحضروه و ليس حضورهم هذا هو قيامهم في ذلك الوقت بل اذا هيّئوه و تهيَّأ غابوا و اذا قاموا لم‌يغيبوا فاذا هيّأهُ رسول اللّهِ و عليّ صلي اللّه عليهما و آلهما و قضي ما امر به و قُتِل و رجع بعد موته هيّأٰه كما هيّأٰه اوّل مرّة فالحديثُ المذكور ظاهر في التَّهيئةِ في رجوعِه۪ و حديث الانوار المضيۤئة في رواية ابي‌بصير عن ابي‌جعفر عليه السلم في قيامه فاذا قلنا اِنّ علياً عليه السلم يخرج بعد الحسين عليه السلم و الحسين عليه السلم يخرج بعد قيام القاۤئم (ع‌) و رسولَ اللّه صلي الله عليه و آله يخرج اخيراً نريد به قيامَه لنفسه فيما هو مكلّف به و حديث الانوار المضيۤئة المشار اليه الي ان قال ابوجعفر عليه السلم يقول القاۤئم عليه السلم لاصحابه يا قوم انّ اهل مكّة لايريدونني و لكني مرسل اليهم لاحتجّ عليهم مما ينبغي لمثلي ان يحتج عليهم فيدعو رجلاً من اصحابه فيقول له امض (ظ) الي اهل مكّة فقال ( فقل ظ ) يا اهل مكّة انا رسول فلانٍ اليكم و هو يقول لكم انا اهل بيت الرحمة و معدن الرسالة و الخلافة و نحن ذريّة محمد و سلالة النبيين و انّا قد ظُلِمنا و اضطُهِدْنا و قُهِرنا و ابْتُزَّ منّا حقّنا منذُ قُبِض نبيّنا الي يومنا هذا فنحنُ نستنصِركم فانصرونا فاذا تكلّم هذا الفتي بهذا الكلام اتوا اليه فذبحوه بين الركن و المقام و هي النفس الزكيّة فاذا بلغ ذلك الامام عليه السلم قال لاصحابه الااخبرتكم ان اهل مكة لايُريدوننا فلايدعونه حتي يخرج فيهبط من عقبة طوي في ثلثمائة و ثلاثة‌عشر رجلاً عدّة اصحاب بدرٍ حتي يأتي المسجد الحرام فيصلّي فيه عند مقام ابراهيم اربع ركعات و يسند ظهره الي الحجر الاسود ثم يحمد اللّه و يثني عليه و يذكر النبي صلّي اللّه عليه و آله و يصلّي عليه و يتكلّم بكلام لم‌يتكلم به احد من الناس فيكون اوّل من يضرب علي يده و يبايعه جبرئل و ميكاۤئيل و يقوم معهما رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و اميرالمؤمنين عليه السلم فيدفعانِ اليه كتاباً جديداً هو علي العرب شديد بخاتم رطبٍ فيقولون له اعمل بما فيه و يبايعه الثلٰثمائة و قليل من اهل مكة حتي يكون في مثل الحَلقة قلتُ وَ ما الحلقة قال عشرٰالافِ رجلٍ جبرئل عن يمينه و ميكاۤئيل عن شماله ثم يهزّ الراية الجليّة و ينشرها و هي راية رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله السحاب و درع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله السابغة و يتقلّد بسيف رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ذي‌الفقار ه‍ ، و في خبر آخر ما من بلدة الّا يخرج منهم طاۤئفة الّا اهل البصرة فانه لايخرج منها احد ه‍ ،
اقول الظاهر انّ المراد من هذا الخبر الاخير انّ كلّ بلدة يتبع القاۤئم عليه السلم منها احد هو من يتبعه من العشرة‌الٰالاف او ممّا زاد عليها لا انّ المراد به من الثلثمائة و الثلاثة‌عشر لانّ اولۤئك مخصوصون و ليسوا من كلّ بلدة و لم‌اجد لذلك حديث معيّن ( حديثاً معيّناً ظ ) الّا مَا في خطبة البيان و هي كما تري نعم وجدنا بعض النقل عن بعض تلامذة المجلسي (ره‌) بخطّه هكذا سمعتُ من استادي علّامة العلماۤء و المجتهدين مولانا محمدباقر المجلسي (ره‌) ان اهل الخلاف نقلوا خطبة البيان ه‍ ، اقول و هي و ان لم‌تكن اغرب من كثير من الخطب المنسوبة اليه الّا انّا ماوجدنا نسختين متفقتين اَوْ متقاربتين و كان هذا هو الباعث علي ردّ بعض العلماۤء لها اَوْ انكارها و الحاصل نحن لسنا بصدد هذا علي انّ عدّتهم مما لايختلف فيه اثنان من القاۤئلين بقيام الحجة عليه السلم و ربّما تكون المصلحة في عدم التعيين و امّا غير هذه الخطبة ففي كثير من الخطب و الاخبار ذكر بعضهم من بعض البلدان و اللّه اعلم و في منتخب بصاۤئر سعد بن عبداللّه للحسن بن سليمن الحلّي بسنده الي عبدالكريم بن عمروٍ الخثعمي قال سمعتُ اباعبداللّه عليه السلم يقول ان ابليس قال انظرني الي يوم يبعثون فابي اللّه ذلك عليه فقال انّك من المنظرين الي يوم الوقت المعلوم فاذا كان يوم الوقت المعلوم ظهر ابليس لعنه اللّه في جميع اشياعه منذ خلق اللّه آدم الي يوم الوقت و هي آخر كرّة يكرّها اميرالمؤمنين عليه السلم فقلتُ و انّها لكرّاتٌ قال نعم انها لكرّاتٌ و كرّاتٌ ما من امامٍ في قرنٍ الّا و يكرّ معه البرّ و الفاجر في دهره حتي يديلَ اللّهُ المؤمن من الكافر فاذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ اميرالمؤمنين عليه السلم في اصحابه و جاۤء ابليس في اصْحَابه و يكون ميقاتهم في ارضٍ من اراضي الفرات يقال لها الرَّوحا قريب من كوفتكم فيقتتلون قتالاً لم‌يقتل مِثلهُ منذ خلق اللّه عز و جل العالمين فكأني انظر الي اصحاب علي اميرالمؤمنين عليه السلم قد رجعوا الي خلفِهم القهقري مائة قدم و كأنّي انظر اليهم و قد وقعت بعض اَرجُلِهِمْ في الفرات فعند ذلك يهبط الجبار عز و جلّ في ظلل من الغمام و الملاۤئكة و قضي الامر رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اَمامَه بيده حربة من نور فاذا نظر ابليس رجع القهقري ناكصاً علي عقبه فيقولون له اصحابه اين تريد و قد ظفرتَ فيقول اني اري ما لاترون انّي اخاف اللّهَ ربَّ العالمين فيلحقه النبي صلي اللّه عليه و آله فيطعنه طعنةً بين كتفيه فيكون هلاكه و هلاك جميع اشياعه فعند ذلك يعبد اللّه عز و جلّ و لايشرك به شيئاً و يملك اميرالمؤمنين عليه السلم اربعة و اربعين الف سنة حتي يلد الرجل من شيعة عليّ عليه السلم الف ولد من صلبه ذكر في كل سنةٍ ذكر و عند ذلك تظهر الجنّتان المدهاۤمّتان عند مسجد الكوفة و ما حوله بما شاۤء اللّه ه‍ ، اقول اعلم انّ الاخبار “٦” التي لها تعلّق بذكر قيام القاۤئم و رجعة آباۤئه و رجعته عليهم السلم كثيرة لايمكن ايرادُها في هذا الشرح مع انها “٦-” مختلفة اختلافاً كثيراً متبايناً لايمكن الجمع بينها “٦-” الّا بتكلّفاتٍ بعيدة اكثر الناظرين اليها “٦-” ينكرونها “٦-” و مع هذا و لايمكن بتطويل ممل و لكني احببتُ ان اذكرَ بعضَ معاني ذلك علي سبيل الاقتصارِ و احيله علي الاخبار فمن طلب المأخذ و وجد في كلام واحد فحسن و الّا فهو مجموع من اشياۤء متفرقة لانّي استفدتُ شيئاً منها و انا اذكر ما استفدته و اللّه سبحانه المسدّد للصواب و اليه المرجع و المأب فاقول انّ اللّه سبحانه قال ماكان اللّه ليذر المؤمنين علي ما انتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب ، أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنّا و هم لايفتنون و في القرءان كثير من هذا و قال اميرالمؤمنين عليه السلم لَتُبَلبَلُنّ بَلبلة و لتغربلن غربلةً و لتُساطُنّ سوط القِدر حتي يعود اعلاكم اسفلَكم و اسفلُكم اعلاكم و ليسبقُنّ سبّاقون كانوا قصّروا و ليقصِّرُنّ مقصِّرون كانوا سبقوا ه‍ ، و غيبة الحجة عليه السلم من اعظم الابتلاۤء لطول المدة و عدم التوقيت مع شدّة الحاجة و هي السّاعة التي قال اللّه تعالي يسألونك عن الساعة ايّان مرسيٰهٰا قل انما علمها عند ربي لايجلّيها لوقتها الّا هو ثقلت في السموات و الارض لاتأتيكم الّا بغتةً الٰاية ، و قال عليه السلم كذب الموقّتون يكرّرها ثلاثاً ، الّا انّ لظهوره علامات منها خروج الدجّال من اصفهان و السفياني عثمن بن عنبسة من دمشق و هو من ذريّة يزيد بن معوية لعنهم اللّه في يوم واحد لعشر مضين من جمدي‌الاولي في السنة التي يخرج فيها القاۤئم عليه السلم عجل اللّه فرجه بين خروجهما و خروجه عليه السلم ثمانية اشهر لاتزيد و لاتنقص و هما من المحتوم و يكون قبله غلاۤء و قحط شديد و قلّة الامطار سبع سنين كسني يوسف (ع‌) و ليس من المحتوم و هي سبع شداد و بعدها قيام القاۤئم عليه السلم فيه يغاث الناس و فيه يعصرون يمطر الناس اربعين يوماً متوالية او اربعين مطرة او اربعاً و عشرين مطرةً علي اختلاف الرّوايات اوّل المطر لعشرين مضين من جمدي‌الاولي و جمدي‌الثاني الي اول شهر رجب او اوّل جمدي‌الثانية و عشرة من شهر رجب علي اختلاف الروايتين حتي تقع اكثر البيوت و به تنبت لحوم الاموات الذين يرجعون ينشرون من القبور حتي يرجعوا الي الدنيا فيتعارفون فيها و يتزاوَرُونَ ثم يختم ذلك باربع و عشرين مطرة تتّصل فتحيَي بها الارض من بعد موتها و تعرف بركتها و تزول بعد ذلك كل عاهةٍ من معتقدي الحق من شيعة المهدي (ع‌) فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجّهون لنصرته و هو قول علي عليه السلم يا عجبا كل العجب بين جمدي و رجب و قد تقدّم و خروج وجه علي (ع‌) و صدره في عين الشمس في شهر رجب و كسوف الشمس في نصف شهر رمضان و خسوف القمر في آخره اَوْ في الخامس منه علي اختلاف الرّوايتين و عند ذلك يبطل حساب المنجّمين و يصبح كل رجل من انصاره الثلاثمائة و ثلاثة‌عشر يوم الثالث و العشرين من شهر رمضان هذا و عند رأسه رقعة مكتوب فيها طاعة معروفة و في هذا اليوم يصيح جبريل (ع‌) اول النهار من السماۤء اَلا انّ الحق في عليّ و شيعتِه و يصيح ابليس في ذلك اليوم في الارض اَلا انّ الحق في السّفياني و شيعته فيرتاب عند ذلك المبطلون و الصيحة من المحتوم و قتل النفس الزكيّة بين الركن و المقام و هو رجل هاشمي اسمه محمد بن الحسن في الرابع و العشرين من ذي‌الحجة و هو من المحتوم و ليس بينه و بين قيام القاۤئم عليه السلم الّا خمس‌عشرة ليلة و في رواية ابي‌بصير قال قال ابوعبداللّه عليه السلم ينادي باسم القاۤئم في ليلة ثلث و عشرين من شهر رمضان و يقوم في يوم عاشوراۤء و هو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عليهما السلام لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم بين الركن و المقام و جبرئل عن يمينه ينادي البيعة للّه فتصير اليه شيعته من اطراف الارض تطوي لهم طيّاً حتي يبايعوه فيملأ اللّه به الارض عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً كل هذه في سنة واحدة و هي السنة التي يقوم فيها و لايخرج الّا في وتر من السنين سنة احدي او سنة ثلث او خمس او سبع او تسع و يكون ذلك اليوم العاشر من المحرم يوم النوروز و هو يوم الجمعة و ما روي كما سمعتَ انه يوم السبت فالذي فهمت انه يخرج يوم الجمعة كما روي يدخل مكة عليه بردة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و علي رأسه عمامة صفراۤء و في رجليه نعلا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله المخصوفة و في يده هراوته (ص‌) يسوق بين يديه اعنُزاً عجافاً حتي يصل بها نحو البيت ليس ثَمَّ احد يعرفه و يظهر و هو شاۤبٌّ اقول و نقل انه يدخل البيت و الخطيب علي المنبر فيقتله ثم يغيب و يظهر عشيّة ذلك اليوم و هي ليلة السبت عشية الجمعة ان الجمع بينهما احد وجهين الاوّل ان تكون الجمعة تاسوعاۤء و السبت عاشوراۤء و ظهوره في الجمعة غير معروف و يتعرف للناس يوم السبت الثاني انّ عاشوراۤء الجمعة و عشيتها ليلة السبت التي يدعو فيها انصاره و هي ليلة احدعشر و هو يوم السبت و انّما قيل فيه العاشر لانّ حكم ظهوره عليه السلم في العاشر انما هو فيه و الاول اقرب قال عليه السلم يظهر كيف شاۤء و بأَيّ صورة شاۤء قال المفضّل يا سيدي و من اين يظهر و كيف يظهر قال عليه السلم يا مفضل يظهر وحده و يأتي البيت وحده و يلج الكعبة وحده و يجنّ عليه الليل وحده فاذا نامت العيون و غسق الليل نزل اليه جبرئل و ميكاۤئيل و الملاۤئكة صفوفاً فيقول له جبرئل يا سيدي قولك مقبول و امرك جاۤئز فيمسح يده علي وجهه و يقول الحمد للّه الذي صدقنا وعده و اورثنا الارض نتبوّءُ من الجنّة حيث نشاۤء فنعم اجر العاملين و يقف بين الركن و المقام فيصرخ صرخةً فيقول يا معشر نقباۤئي و اهل خاۤصّتي و من ذخرهم اللّه لنصرتي قبل ظهوري علي وجه الارض ائتوني طاۤئعين فترد صيحته عليهم و هم في محاريبهم و علي فُرشهم في شرق الارض و غربها فيسمعونه في صيحةٍ واحدة في اُذنِ كلِّ رَجُلٍ ( كصيحة واحدة في اذن رجل واحد خ‌ل ) فيجيئون ( يجيبون جميعهم خ‌ل ) نحوها و لايمضي الّا كلمح البصر حتي يكونوا كلهم بين يديه بين الركن و المقام فيأمر اللّه عز و جل النور فيصير عموداً من الارض الي السماۤء فيستض۪يۤ‌ء به كل مؤمن علي وجه الارض و يدخل عليه نور من جوف بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور و هم لايعلمون بظهور قاۤئمنا اهل البيت (ع‌) ثم يصبحون وقوفاً بين يديه و هم ثلاثمائة و ثلٰثة‌عشر رجلاً بعدة اصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يوم بدر اقول و في حديث عن المفضل ابن عمر عن الصادق عليه السلم غير الحديث الاوّل قال عليه السلم لقد نزلت هذه الٰاية في المفتقدين من اصحاب القاۤئم عليه السلم قوله عز و جل اينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعاً انهم ليفتقدون من فرشهم ليلاً فيصبحون بمكة فبعضهم تطوي له الارض و بعضهم يسير في السحاب يعرف اسمه و اسم ابيه و حليته و نسبته قال قلت جعلتُ فداك ايهم اعظم ايماناً قال الذي يسير في السحاب نهاراً و عنه قال قال ابوعبداللّه عليه السلم كأني انظر الي القاۤئم عليه السلم علي منبر الكوفة و حوله اصحابه ثلٰثمائة و ثلٰثة‌عشر عدة اصحاب بدر و هم اصحاب الالوية و هم حكّام اللّه في ارضه علي خلقه حتي يستخرج من قبلته كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فيجفلون عنه اجفال الغنم فلايبقي منهم الّا الوزير و احدعشر نقيباً كما بقوا مع موسي بن عمران (ع‌) فيجولون في الارض فلايجدون عنه مذهباً فيرجعون اليه فواللّهِ انّي لاعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به ه‍ ، و من الحديث الاوّل قال عليه السلم يا مفضّل يسند القاۤئم عليه السلم ظهره الي الحرم و يمد يده المباركة فتري بيضاۤء من غير سوۤء و يقول هذه يد اللّه و عن اللّه ( و يمين اللّه خ‌ل ) و بامر اللّه ثم يتلو هذه الٰاية ان الذين يبايعونك انّما يبايعون اللّه يد اللّه فوق ايديهم فمن نكث فانّما ينكثُ علي نفسه و من اوفي بما عاهد عليه اللّه فسيُؤتيه اجراً عظيماً فيكون اوّل من يقبّل يده جبرئل ثم تبايعه الملاۤئكة و نجباۤء الجن ثم النقباۤء و يصبح الناس يقولون من هذا الرجل الذي بجانب الكعبة و ما هذا الخلق الذين معه و ما هذه الٰاية التي رايناها الليلة و لم‌نر مثلها فيقول بعضهم لبعضٍ هذا الرجل هو صاحب العنيزات فيقول بعضهم لبعض انظروا هل تعرفون احداً ممن معه فيقولون لانعرف احداً منهم الّا اربعة من اهل المدينة و هم فلان و فلان و يعدّونهم باسماۤئهم و يكون هذا اوّل طلوع الشمس في ذلك اليوم فاذا طلعت الشمس و اضاۤءت صاح صاۤئح بالخلاۤئق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمع من في السموات و الارضين يا معشر الخلاۤئق هذا مهدي آل‌محمد (ص‌) و يسمّيه باسم جدّه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و يكنّيه و ينسبه الي ابيه الحسن الحادي‌عشر الي الحسين بن علي صلوات اللّه عليهم اجمعين بايعوه تهتدوا و لاتخلّفوا عنه فتضلّوا فاوّل من يلبّي نداۤءه الملاۤئكة ثم الجنّ ثم النقباۤء فيقولون سمعنا و اطعنا و لايبقي ذو اُذنٍ من الخلاۤئق الّا سمع ذلك النداۤء و تقبل الخلاۤئق من البدو و الحضر و البر و البحر يحدّث بعضهم بعضاً و يستفهم بعضهم بعضاً ما سمعوه نهارهم كله فاذا دنت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغربها يا معشر الخلاۤئق قد ظهر ربكم بوادي اليابس من ارض فِلَسْط۪ين و هو عثمن ابن عنبسة الاموي من ولد يزيد بن معوية لعنهم اللّه فبايعوه تهتدوا و لاتخالفوا عليه فتضلّوا فترد عليه الملاۤئكة و الجن و النقباۤء قوله و يكذّبونه و يقولون سمعنا و عصينا و لايبقي ذو شك و لا مرتاب و لا منافق و لا كافر الّا ضلّ بالنداۤء الاخير و سيّدنا القاۤئم عليه السلم مسند ظهره الي الكعبة و يقول يا معشر الخلاۤئق اَلَا و من اراد ان ينظر الي آدم و شيث فها انا ذا آدم و شيث الا و من اراد ان ينظر الي نوح و ولده سام فها انا ذا نوح و سام الا و من اراد ان ينظر الي ابراهيم و اسمعيل فها انا ذا ابراهيم و اسمعيل الا و من اراد ان ينظر الي موسي و يوشع فها انا ذا موسي و يوشع الا و من اراد ان ينظر الي عيسي و شمعون فها انا ذا عيسي و شمعون الا و من اراد ان ينظر الي محمد و اميرالمؤمنين صلي اللّه عليهما و آلهما فها انا ذا محمد و اميرالمؤمنين صلي اللّه عليهما و آلهما الا و من اراد ان ينظر الي الحسن و الحسين فها انا ذا الحسن و الحسين عليهما السلم الا و من اراد ان ينظر الي الائمة من ولد الحسين عليهم السلم ( فها انا ذا الائمة عليهم السلم ، نسخة ) فها انا ذا و يعدّ واحداً بعد واحدٍ الي الحسين عليه السلم فلينظر و ليسألني فانّني اُنبئ بما انبؤا به اجيبوا الي مسئلتي فاني انبّئُكم بما نُبِّئتُمْ به و بما لم‌تُنَّبَئوا به الا و من كان يقرأ الكتب و الصحف فليسمع منّي ثم يبتَدِئ بالصحف التي انزلها اللّه علي آدم و شيث عليهما السلم فتقول امّة آدم و شيث هذه واللّه الصحف حقاً و لقد ارَانا منها ما لم‌نكن نعلمه فيها و ما كان خفي علينا و ما كان اسقط منها و بدّل و حُرِّف ثم يقرأ صحف نوح و صحف ابراهيم عليهما السلم و التورية و الانجيل و الزبور فيقول اهل التورية و الانجيل و الزبور هذه واللّه صحف نوح و ابراهيم عليهما السلم و ما اسقط منها و بدّل و حرِّف هذه واللّه التورية الجامعة و الزبور التاۤمّ و الانجيل الكامل و انّها اضعاف ما قرأنا منها ثم يتلو القرءان فيقول المسلمون هذا واللّٰه القرءان حقّاً الذي انزله اللّه علي محمدٍ صلّي اللّه عليه و آله و ما اُسْقِطَ منه و حُرِّفَ و بُدِّلَ ثم تَظهر الداۤبّة بين الركن و المقام فتكتب في وجه المؤمن مؤمن و في وجهِ الكافر كافر .
اقول قد تقدّم انّ الداۤبّة هو اميرالمؤمنين عليه السلم و انّه يخرج مرّتين الاولي بعد قيام الحسين عليه السلم بثمان سنين يطالب بدم ابنه الحسين عليهما السلم و ينتقم من قاتليه و يقتل و يمكثُ ما شاۤء اللّه و قد تقدّم احتمالُ مدّة المكث ثم يخرج الخرجةَ الثّانية الّتي ينزل فيها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و يجتمع معه جميع شيعته و في هذه يقتل ابليس و فيها يغلق باب التوبة و فيها يكتب في جبين المؤمن بخاتم سليمن بن داود (ع‌) و يسم علي خرطوم الكافر بعصي موسي (ع‌) و في رواية بالعكس و في الخرجة الاولي لايكتب اذا كتب غلق باب التوبة و باب التوبة مفتوح الي يوم الوقت المعلوم الذي يقتل فيه ابليس فيحمل هذا الكلام علي الخرجة الثانية و ان ذكر في سياق الخرجة الاولي بل ذكر قبل خروج الحسين عليه السلم في ظاهر هذا الكلام بل قبل مسير القاۤئم عليه السلم من مكة و لو اريد به الاولي امكن اَن يراد بالكتب في وجه المؤمن و الكافر الكتْب علي مَن قُتِل منهما ح لانّ من قُتِلَ حينئذٍ حقت عليه الكلمة قال عليه السلم ثم يُقبل علي القاۤئم عليه السلم رجل وجهه الي قفاه و قفاه الي صدره فيقف بين يديه و يقول يا سيدي انا بشير امرني ملك من الملاۤئكة اَن الحقَ بك و ابشِّرَك بهلاك سرايا ( جيش خ ) السفياني بالبيداۤء فيقول له القاۤئم عليه السلم بيّن قصّتَك و قصّة اَخ۪يك فيقول الرجل كنتُ و اخي في جيش السفياني و خربنا الدنيا من دمشق الي الزوراۤء و تركناها جمّاۤء و خربنا الكوفة و خربنا المدينة و كسرنا المنبر و راثَتْ بِغالُنَا في مسجد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و خرجْنا منها و عددنا زها ثلٰثمائة‌الف رجل نريد اِخراب البيت و قتل اهله فلمّا صرنا في البيداۤء عرّسنا فيها فصاح بنا صائحٌ يا بَيداۤءُ اَب۪يدي القوم الظالمين فانفجرت الارض و ابتلعَتْ كلّ الجيش فواللّه مابقي علي وجه الارض عقال ناقةٍ فما سواه غيري و غير اَخ۪ي فاذا نحن بملَكٍ قد ضربَ وجوهَنا فصارت الي وراۤئنا كما تري فقال لاخي ويلك يا نذير امضِ الي الملعون السفياني بدمشق فانذره بظهور المهدي من آل‌محمد عليه و عليهم السلم و عرّفه انّ اللّهَ قد اهلك جيشه بالبيداۤء و قال لي يا بشير الحَقْ بالمهدي بمكّة و بشّره بهلاك الظالمين و تُبْ علي يده فانه يقبل توبتك فيمرّ القاۤئم عليه السلم يده علي وجهه فيردّه سوياً كما كان و يبايعه و يكون معه قال المفضّل يا سيدي و تظهر الملاۤئكة و الجنّ للناس قال اي واللّه يا مفضّل و يخاطبونهم كما يكون الرجل مع حاشيته و اهله قلتُ و يسيرون معه قال ا۪ي واللّه يا مفضل و لينزلنّ ارض الهجرة ما بين الكوفة و النجف و عدد اصحابه عليه السلم ستّة و اربعون الفاً من الملاۤئكة و ستّةٰ‌الاف من الجنّ و في رواية اخري و مثلها من الجنّ بهم ينصره اللّه و يفتح علي يديه قال المفضّل فما يصنع باهل مكّة قال يدعوهم بالحكمة و الموعظة الحسنة فيطيعونه و يستخلف فيهم رجلاً من اهل بيته و يخرج يريد المدينة قال المفضّل يا سيدي فما يصنع بالبيْت قال ينقضه فلايدع منه الّا القواعد التي هي اوّل بيتٍ وضع للنّاسِ ببكّة في عهد آدم عليه السلم و الّذي رفعه ابراهيم و اسمعيل عليهما السلم منها و انّ الّذي بُنِي بعدهما لم‌يبنِه نبيّ و لا وصيّ ثم يبنيه كما يشاۤء اللّه تعالي و ليعفِيَنَّ آثار الظالمين بمكة و المدينة و العراق و ساۤئر الاقاليم و ليهدمنَّ مسجد الكوفة و ليبنِيَنَّهُ علي بناۤئه الاوّل و ليهدمنَّ القصر العتيق ملعون ملعون مَن بناهُ قال المفضّل يا سيدي يقيم بمكة قال يا مفضّل بل يستخلف فيها رجلاً من اهله فاذا سار منها وثبوا عليه فيقتلونه فيرجع اليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤسهم يبكون و يتضرّعون و يقُولون يا مهدِيَّ ال‌محمد التوبة التوبة فيعظهم و ينذرهم و يحذّرهم و ثم يستخلف عليهم خليفة و يسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيَرجعُ اليهم فيخرجون اليه مجزّزي النواصي يصيحون و يبكون و يقولون يا مهدي آل‌محمد غلبَتْ علينا شقوتنا فاقبل توبتَنا و ارحم جيرانَ بيت ربك فيعظهم و ينذرهم و يحذّرهم و يستخلف عليهم منهم خليفةً و يسير فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيردّ عليهم انصاره الجن و النقباۤء و يقول لهم ارجعوا فلاتبقوا منهم بشراً الّا مَن وسم ( الّا مَن آمن ، نسخة ) في وجهه بالايمان فلولَا انَّ رحمة ربّك وسعَت كلّ شي‌ءٍ و انا تلك الرحمة لرجعتُ اليهم معكم فقد قطعوا الاعذار بينهم و بين اللّهِ و بيني و بينهم فيرجعون اليهم فواللّه لايسلم من المائة منهم واحد لا واللّهِ و لا من الالف واحد قال المفضّل قلت يا سيّدي و اين يكون المهدي و مجتمع المؤمنين قال دار مملكته الكوفة و مجلس حكمه جامعها و بيت ماله و مقسم غناۤئم المسلمين بيت السهلة و موضع خلواته الذكوات البيض من الغرِيّين قال المفضّل يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة قال اي واللّهِ لايبقي مؤمن الّا كان بها او حواليها و ليبلغنّ مربط شاة ( مجالس فرس خ ) الفي درهم اي واللّهِ و ليودّنّ اكثر الناس انه اشتري شبراً من ارض السَّب۪يع بشبرٍ من ذهَبٍ و السَّب۪يع خطّة من خطط همدان و ليصيِرَنَّ الكوفةُ اربعة و خمسين ميلاً و ليجاوزنّ قُصورُهَا كَرْبَلَاء و ليصيّرنّ اللّهُ كربلاۤء مَعْقلاً و مقاماً تختلف فيه الملاۤئكة و المؤمنون و ليكوننّ لها شأن من الشأن و ليكوننّ فيها من البركات ما لو وقَف مؤمن و دعا ربّه بدعوةٍ لاعطاه بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا الف مرّة ثم تنفّس ابوعبداللّه عليه السلام و قال يا مفضّل ان بقاعَ الارض تفاخرت ففخرت كعبة البيت الحرام علي بقعة كربلاۤء فاوحي اللّه اليها ان اسكني كعبة البيت الحرام و لاتفتخري علي كربلاۤء فانّها البقعة المباركة التي نُودِي موسي منها من الشجرة و انّها الربوة التي آوَتْ اليها مريم و المسيح عليهما السلم و الدالية التي غسل فيها رأس الحسين عليه السلم و فيها غسلت مريم عيسي عليهما السلم و اغتسلت من ولادتها و انها خير بقعة عرج رسول اللّه عيسي صلي اللّه عليه منها وقتَ غيبته و ليكوننّ لشيعتِنا فيها خيرة الي ظهور قاۤئمنا عليه السلم قال المفضّل يا سيدي ثم يسير المهدي الي اين قال عليه السلم الي مدينة جدي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فاذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين و خزي الكافرين قال المفضّل يا سيدي ما هو ذاك قال يرد الي قبر جدّه صلّي اللّه عليه و آله فيقول يا معشر الخلاۤئق هذا قبر جدي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فيقولون نعم يا مهدي آل‌محمد فيقول و من معه في القبر فيقولون صاحباه و ضجيعاه ابوبكر و عمر فيقول و هو اعلم بهما و الخلاۤئق كلهم جميعاً يسمعون من ابوبكر و عمر و كيف دُفِنَا من بين الخلق مع جدي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و عسي المدفون غيرهما فيقول الناس يا مهدي آل‌محمد (ص‌) ما هيٰهُنا غيرهما انهما دُفِنا معه لانهما خليفتا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و ابوا زوجتيه فيقول للخلق بعد ثلاثٍ اخرجوهما من قبريهما فيخرجان غضّين طرِيَّيْن لم‌يتغيّر خلقهما و لم‌يشحب لونهما فيقول هل فيكم من يعرفهما فيقولون نعرفهما بالصفة و ليس ضَجيعا جدك غيرهما فيقول هل فيكم احد يقول غير هذا او يشكّ فيهما فيقولون لا فيؤخّر اخراجهما ثلاثة ايّام ثم ينتشر الخبَرُ في الناس فيفتتن من والاهما بذلك الحديث و يجتمع الناس و يحضر المهدي و يكشف الجدران عن القبرين و يقول للنقباۤء ابحثوا عنهما و انبشوهما فيبحثون بايديهم حتي يصلوا اليهما فيخرجانِ غضّين طريّين كصورتهما فيكشف عنهما اكفانهما و يأمر برفعِهما علي دَوحة يابسةٍ نخرة فيصلبهما عليها فتحيَي الشجرة و تورق و تونع و يطول فرعها فيقول المرتابون من اهل ولايتهما هذا واللّهِ الشرف حقّاً و لقد فزنا بمحبّتهما و ولايتهما و يخبر مَن اخفي نفسه ممّن في نفسه مقياس حبّة من محبّتهما و ولايتهما فيحضرونهما و يرونهما و يفتتِنون بهما و ينادي منادي المهدي عليه السلم كلّ مَن احبّ صاحبي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و ضجيعيه فلينفردْ جانِباً فيتجزّأ الخلق جزئين احدهما موالٍ لهما و الٰاخَر متبرّئ منهما فيعرض المهدي عليه السلم علي اولياۤئهما البراۤءة منهما فيقولون يا مهدي آل رسول اللّه نحن لم‌نتبرّأ منهما و لسنا نعلم انّ لهما عند اللّه و عندك هذه المنزلة و هذا الذي بدا لنا من فضلهما اَنَتَبَرّأ الساعة منهما و قد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما و غضاضتهما و حيوة الشجرة بهما واللّه نبرأ منك و ممّن آمَن بك وَ ممّن لايؤمن بهما و مَن صلبَهما و اخرجهما و فعل بهما ما فعل فيأمر المهدِي عليه السلم ريحاً سوداۤء فتهبُّ عليهم فتجعلهم كاعجاز نخل خاوية ثم يأمر بانزالهما فينزلان اليه فيحييهما باذن اللّه تعالي و يأمر الخلاۤئقَ بالاجتماع ثم يَقُصُّ عليهم قصصَ فعالهما في كلّ كَورٍ و دَوْرٍ حتي يقصّ عليهم قتل هابيل بن آدم و جمع النار لابراهيم (ع‌) و طرح يوسف في الجُبّ و حبس يونس (ع‌) في الحوت و قتل يحيي (ع‌) و صلب عيسي (ع‌) و عذاب جرجيس (ع‌) و دانيال (ع‌) و ضرب سلمن الفارسي و اِشعال النار علي باب اميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلم لاحراقهم بها و ضرب يد الصديقة الكبري فاطمة بالسوط و رفْس بطنها و اسقاطها مُحَسِّناً و سم الحسن و قتل الحسين عليهم السلم و ذبح اَطْفالِه۪ و بني عمه و انصاره و سبي ذراري رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و اراقة دماۤء آل‌محمد (ص‌) و كلّ دَمٍ سُفِك و كل فرجٍ نُكِحَ حراماً و كل رِباً و خبثٍ و فاحشةٍ و اثمٍ و ظلمٍ و جورٍ و غشمٍ منذُ عهدِ آدم عليه السلم الي وقت قيام قاۤئمنا عليه السلم كلّ ذلك يعدّه عليهما و يلزمهما ايّاه و يعترفان به ثم يأمر بهما فيتقَصُّ ( فيقتصّ ظ ) منهما في ذلك بمظالِم مَن حضر ثم يصلبهما علي الشجرة ثم يأمر ناراً تخرج من الارض فتحرقهما و الشجرة ثم يأمُر ريحاً فتنسفهما في اليم نسفاً قال المفضّل يا سيدي ذلك آخر عذابهما قال هيهات يا مفضّل واللّهِ ليردَنّ و يحضرنَّ السيّد الاكبر محمد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و الصديق الاكبر اميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الائمة عليهم السلم و كلّ من محض الايمان محضاً و محض الكفر محضاً و ليقتصّنَّ منهما لجميعهم حتي انهما ليقتلان في كلّ يوم و ليلة الف قتلةٍ و يردان الي ما شاۤء ربّهما ثم يسير المهدي (ع‌) الي الكوفة و ينزل ما بين الكوفة و النجف و عدّة اصحابه في ذلك اليوم ستة و اربعون الفاً من الملاۤئكة و مثلها من الجن و النقباۤء ثلٰثمائة و ثلاثة‌عشر نفساً قال المفضّل يا سيدي كيف تكون الزوراۤء دار الفاسقين في ذلك الوقت قال في لعنة اللّه و سخطه تخربها الفتن و تتركها جمّاۤء فالويل لها و لمن بها كلّ الويل من الرايات الصفر و رايات المغرب و من كلب الجزيرة و من الرايات التي تسير اليها من كل قر۪يب او بعيدٍ واللّه لينزلنّ بها من صنوف العذٰاب ما نزل بساۤئِر الامم المتمردة من اول الدهر الي آخره و لينزلنّ بها من العذاب ما لا عين رأت و لا اُذن سمعَتْ بمثله و لايكون طوفان اهلها الّا بالسيف فالويل لمن اتّخذها مَسْكناً فانّ المقيم بها يبقَي في شقاۤئِه۪ و الخارج منها برحمة اللّهِ واللّه يا مفضّل ليصيرنّ امرهَا في الدنيا حتي يقال انّها هي الدنيا و ان دورهَا و قصورها هي الجنّة و انّ نساۤءَها هي الحور العين و انّ ولدانها هم الولدان و ليظننّ الناس انّ اللّه لم‌يقسم رزق العباد الّا بها و ليظهرنّ فيها من الافتراۤء علي اللّه و علي رسوله صلي اللّه عليه و آله و الحكم بغير كتابه و من شهادة الزور و شرب الخمور و الفجور و اكل السحت و سفك الدِّماۤء ما لايكون في الدنيا كُلِّها الّا دونه ثم يخربها اللّه بتلك الفتن و تلك الرايات حتي ليمرّ عليها الماۤرّ فيقول هيٰهنا كانت الزوراۤء ثم يخرج الحسني الفتي الصبيح الذي من نحو الديلم يصيح بصوتٍ له فصيح يا آل احمد اجيبوا الملهوف و المنادي من حول الضّريح فتجيبُه كنوز بالطالقان كنوزٌ و ايّ كُنوزٍ ليست من فضّة و لا من ذهب بل هي رجال كزُبُرِ الحديد علي البراذينِ الشهب بايديهم الحراب و لم‌يزل يقتل الظلمة حتّي يرد الكوفة و قد صفا اكثر الارض فيجعلها له معقلاً فيتّصل به و باصحابه خبر المهدي عليه السلم و يقولون يا ابن رسول اللّه مَن هذا الذي نزل بساحتِنا فيقول اخرجوا بنا اليه حتي ننظر ما هو و ما يريد و هو واللّهِ يعلم انه المهدي و انّه ليعرفه و لم‌يرد بذلك الامر الّا ليعرّف اصحابه من هو فيخرج الحسني في امر عظيم بين يديه اربعون‌الف رجلٍ في اعناقهم المصاحِفُ حتّي ينزل بالقرب من المهدي عليه السلم ثم يقول لاصحابه انا نحن اهل بيتٍ علي هُديً ثم يخرج من معسكره و يخرج المهدي عليه السلم و يقفانِ بين العسكرينِ فيقول الحسني ان كنتَ مهدي ال‌محمّد صلي اللّه عليه و آله فاين هراوة جدّك رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و خاتمُه و بردتُه و درعه الفاضل و عمامته السحاب و فرسه اليربوع و ناقته العضباۤء و بغلته الدلدل و حماره اليعفور و نجيبه البراق و مصحف اميرالمؤمنين عليه السلم فيخرجُ له ذلك ثم يأخذ الهراوة فيغرسُها في الحجر الصلد فتورق و لم‌يرد بذلك الّا ان يُري اصحابه فضل المهدي عليه السلم حتي يبايعوه فيقول الحسني اللّه اكبر مُدَّ يَدَكَ يا ابن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حتّي نبايعك فيمدّ يده فيبايعه و يبايعه ساۤئر العسكر الذي مع الحسني الّا اربعين‌الفاً اصحاب المصاحف المعروفون بالزيديّة فانهم يقولون ما هذا الّا سحر عظيم فيختلط العسكران فيقبل المهدي عليه السلم علي الطاۤئفة المنحرفة فيعِظُهُم و يدعوهم ثلاثةَ ايّام فلايزدادون الّا طغياناً و كفراً فيأمر بقتلهم فَيُقْتَلون جميعاً ثم يقول لاصحابه لاتأخذوا المصاحِف و دَعُوها تكون عليهم حسرة كما بدّلُوها و غيّروها و حرّفوها و لم‌يعملوا بما فيها قال المفضّل يا مولاي ثم ماذا يصنع المهدي عليه السلم قال يثوّر سرايا علي السفياني الي دِمَشق فيأخذونه و يذبحونه علي الصخرة ثم يظهر الحسين عليه السلم في اثني‌عشرالف صدّيق و اثنين و سبعين رجلاً اصحابه يوم كربلاۤء فيا لك عندها من كرّة زهراۤء بيضاۤء ثم يخرج الصديق الاكبر اميرالمؤمنين علي بن ابي‌طالب عليه السلم و تنصب له القبّة بالنجف و يقام اركانها ركن بالنجف و ركن بهجر و ركن بصنعاۤء و ركن بارض طيبة لكأني انظر الي مصابيحها تشرق في السماۤء و الارض كاَضوء من الشمس و القمر فعندها تبلي السراۤئر و تَذْهَلُ كُلُّ مُرضِعةٍ عمّا اَرْضَعَتْ الٰاية ، ثم يخرج السيد الاكبر محمد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في انصاره و المهاجرين و من آمَن به وَ صَدَّقه و استشهد معه و يحضر مكذّبوه و الشاۤكّون فيه و الراۤدّون عليه و القاۤئلون فيه انه ساحر و كاهن و مجنون و ناطق عن الهوي و من حارَبَهُ و قاتله حتي يقتصّ منهم بالحقّ و يجازَون بافعالهم منذ وقت ظهر رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الي ظهور المهدي عليه السلم مع امامٍ امامٍ و وقتٍ وقتٍ و يحقّ تأويل هذه الٰاية و نُريدُ اَنْ نَمُنَّ علي الذين استُضْعِفوا في الارض و نجعلَهم ائمة و نجعلَهم الوارثين و نمكّنَ لهم في الارض و نُرِيَ فرعونَ و هامان و جنودَهُما منهم ما كانوا يحذرون قال المفضّل يا سيدي و مَن فرعَوْن و هامان قال ابوبكر و عمر قال المفضل يا سيدي و رسول اللّه و اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليهما و آلهما يكونان معه فقال و لا بد ان يطأٰ الارض اي واللّه حتي ما وراۤء الحاۤفّ الحاف جبل قاف المحيط بالدنيا ، ١٢ .
اي واللّهِ و ما في الظلمات و ما في قعر البحار حتي لايبقي موضع قدم الّا وطئٰاه و اقاما فيه الدين الواجب للّه تعالي ثم لكأني يا مفضل انظر الينا معاشر الائمة بين يدي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نشكو اليه ما نزل بنا من الامّة بعده و ما نالنا من التكذيب و الرد علينا و سبِّنا و لَعْنِنا و تخويفنا بالقتل و قصد طواغيتهم الولاة لامورهم من دون الامة بترحّلنا عن حرم جدّنا ( عن حرمه خ‌ل ) الي دار ملكهم و قتلهم ايّانا بالسمّ و الحبس فيبكي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و يقول يا بَنِيّ مانزل بكم الّا ما نزل بجدّكم قبلكم ثم تبتدئ فاطمة عليها السلم و تشكو ما نالها من ابي‌بكر و عمر و اخذ فدك منها اليه في مجمع من المهاجرين و الانصار و خطابها له في امر فدك و ما ردّ عليها من قوله انّ الانبياۤء لاتورّث و احتجاجها بقول زكريّاۤ و يحيي عليهما السلم و قول عمر هاتي صحيفتك التي ذكرتِ انّ اباكِ كتبَها لكِ و اخراجها الصحيفة و اخذهِ ايّاها منها و نشره لها علي رؤس الاشهاد من قريش و المهاجرين و الانصار و ساۤئر العرب و تفلِه۪ فيها و تمزيقه ايّاها و بكاۤئها و رجوعها الي قبر ابيها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله باكية حزينة تمشي علي الرمضاۤء قد اقلقتها و استغاثتها باللّه و بابيها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و تمثّلها بقول رقيّة بنت صفي :
قد كان بعدك انباۤءٌ و هنبثَةٌ       ** * **      لو كنتَ شاهدَها لم‌تكثرِ الخطبُ
انّا فقدناك فَقْد الارض وابلَها       ** * **      و اختلّ قومك فاشهدهم فقد لعبوا ( لَغِبُوا خ‌ل )
ابدَتْ رجال لنا فحوي صدورهم       ** * **      لمّا مضيت و حالت دونك التربُ ( الحجبُ خ‌ل )
و كل قوم لهم قُربي و منزلة       ** * **      عند الاله علي الادنين تقتربُ
قد كان جبريل بالٰايات يونِسُنا       ** * **      فغاب عنا فكل الخير محتجَبُ
تَهضّمتنا رجال و استُخِفَّ بنا       ** * **      لما مضيت و حالت بيننا الكُثُبُ
يا سيدي يا رسول اللّه لو نظرَتْ       ** * **      عيناك ما فعلَتْ في آلك الصحبُ
يا ليت قبلك كان الموتُ حل بنا       ** * **      امّا اُناسٌ ففازوا بالذي طلبوا
و تقصّ عليه قصّة ابي‌بكر و انفاد خالد بن الوليد و قنفذ و عمر بن الخطاب و جمع الناس لاخراج اميرالمؤمنين عليه السلم من بيته الي البيعة في سقيفة بني‌ساعدة و اشتغال اميرالمؤمنين عليه السلم بنساۤء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و جمع القرءان و قضاۤء دينه و انجاز عِداته و هي ثمانون‌الف درهم باع فيها تليده و طارفه و قضاها عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و قول عمر اخرج يا علي الي ما اجمع عليه المسلمون و الّا قتلناكَ و قول فضّة جارية ( فضّة امة ، نسخة ) فاطمة انّ اميرالمؤمنين عليه السلم مشغول و الحَقُّ له اِنْ انصَفْتُم من انفسكم و انصفتموه و جمعهم الجزل و الحطب علي الباب لاحراق بيت اميرالمؤمنين عليه السلم و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و ام‌كلثوم و فضّة و اضرامهم النار علي الباب و خروج فاطمة عليها السلم اليهم و خطابها لهم من وراۤء الباب و قولها ويحك يا عمر ما هذه الجراۤءة علي اللّه و رسوله تريد ان تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفئ نور اللّه و اللّه متم نوره و انتهاره لها و قوله كفّي يا فاطمة فليس محمد حاضراً و لا الملاۤئكة آتيةٌ بالامر و النهي و الزجر من عند اللّه و ما عليٌّ الّا كأَحدٍ من المسلمين فاختاري ان شئتِ خروجَهُ لبيعة ابي‌بكر او احرٰاقكم جميعاً فقالت و هي باكية اللهم انا نشكو اليك فقْد نبيّك و رسولك و صفيّك و ارتداد اُمَّتِه۪ علينا و منعهم ايّانَا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل علي نبيّك المرسل فقال لهٰا عمر دَع۪ي عنك يا فاطمة حمقات النساۤء فلم‌يكن اللّه ليجمع لكم النبوّة و الخلافة و اخذت النار في خشب الباب و ادخال قنفذ يده لعنه اللّه يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط علي عضُدِها حتّي صار كالدملج الاسود و ركْلِ الباب برجله حتّي اصاب بطنها و هي حاملة بالمُحَسِّن لستّة اشهر و اسقاطها ايّاه و هجوم عُمَر و قُنفذ و خالد بن الوليد و صفقِه خدّها حتي بَدا قرطاها تحت خمارِها و هي تجهر بالبكاۤء و تقول وا ابتاه وا رسول اللّه ابنتك فاطمة تكذّب و تضرب و يقتل جنين في بطنها و خروج اميرالمؤمنين عليه السلم من داخل الدار مُحْمرّ العين حاسراً حتّي القي ملاۤءه عليها و ضمّها الي صدره و قوله لها يا ابنت رسول اللّه قد علمتِ ان اللّه قد بعث اباكِ رحمة للعالمين فاللّهَ اللّهَ ان تكشفي خمارك و ترفعي ناصيتك فواللّه يا فاطمة لئن فعلتِ ذلك لاابقي اللّه علي الارض من يشهد ان محمداً رسول اللّه و لا موسي و لا عيسي و لا ابراهيم و لا نوح و لا آدم و لا داۤبة تمشي علي الارض و لا طاۤئر في السماۤء الّا اهلكه اللّه ثم قال يا ابن خطّاب لك الويل من يومك هذا و ما بعده و ما يليه اخرج قبل ان اشهر سيفي فاُفْن۪ي غابرَ الامّة فخرج عمر و خالد بن الوليد و قنفذ و عبدالرحمن بن ابي‌بكر فصاروا خارج الدار و صاح اميرالمؤمنين عليه السلم بفضّة يا فضّة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساۤء فقد جاۤءها المخاض من الرفسة و ردّة الباب فاسقطت مُحَسِّناً عليه السلم فقال اميرالمؤمنين عليه السلم فانه لاحق بجدّه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فيشكو اليه و حمل اميرالمؤمنين عليه السلم لها في سواد الليل و الحسن و الحسين و زينب و ام‌كلثوم الي دور المهاجرين و الانصار يذكّرهم اللّه و رسوله و عهده الذي بايعوا اللّه و رسوله و بايعوه عليه في اربعة مواطن في حيوة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و تسليمهم عليه بامرة المؤمنين في جميعها فكلٌّ يعِده بالنصر في يومه المقبلِ فاذا اصبح قعد جميعهم عنه ثم يشكو اليه اميرالمؤمنين عليه السلم المحن العظيمة التي امتحن بها بعده و قوله لقد كانت قصّتي مثل قصة هرون مع بني‌اسراۤئيل و قولي كقوله لموسي يا ابن امِّ انّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني فلاتشمت بي الاعداۤء و لاتجعلني مع القوم الظالمين فصبرتُ محتسباً و سلّمتُ راضياً و كانت الحجّة عليهم في خلافي و نقضهم عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول اللّه (ص‌) و احتملتُ يا رسول اللّه ما لم‌يحتمل وصي نبي من ساۤئِر الاوصياۤء من ساۤئر الامم حتي قتلوني بضربة عبدالرحمن بن ملجم لعنهم اللّه و كان اللّه الرقيب عليهم في نقضهم بيعَتي و خروج طلحة و الزبير بعايشة الي مكة يظهران الحج و العمرة و سيرهم بها الي البصرة و خروجي اليهم و تذكيري لهم اللّه و ايّاك و ما جئتَ به يا رسول اللّه فلم‌يرجعا حتّي نصرني اللّه عليهما حتي اهرقت دماۤء عشرين الفاً من المسلمين و قطعت سبعون كفاً علي زمام الجمل فمالقيتُ في غزواتك يا رسول اللّه و بعدك اصعب منه يوماً ابداً لقد كان اصعب الحروب التي لقيتُها و اهولها و اعظمها فصبرتُ كما ادّبَني اللّهُ بما ادّبك به يا رسول اللّه في قوله عز و جل فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل و قوله و اصبر و ما صبرك الّا باللّه و حقَّ واللّهِ يا رسول اللّه تأويل الٰاية التي انزلها اللّه في من بعدك في قوله و ما محمد الّا رسول قد خلَتْ من قبله الرسل افائن مات او قتل انقلبتم علي اعقابكم و من ينقلب علي عقبيه فلن‌يضرّ اللّه شيئاً و سيجزي اللّه الشاكرين و يقوم الحسن عليه السلم الي جدّه صلي اللّه عليه و آله فيقول يا جداه كنتُ مع اميرالمؤمنين عليه السلم في دار هجرته بالكوفة حتي استشهد بضربة عبدالرحمن بن ملجم لعنه اللّه فوصّاني بما وصّيتَه يا جدّاه و بلغ اللعين معوية قتل ابي فانفذ الدعي اللعين زياداً الي الكوفة في مائة‌الف و خمسين‌الفَ مقاتلٍ فامر بالقبض عليّ و علي اخي الحسين و ساۤئر اخواني و اهل بيتي و شيعتنا و موالينا و ان يأخذ علينا البيعة لمعوية فمن يأبَي منّا ضربَ عنقه و سيّر الي معوية رأسه فلمّا علمتُ ذلك من فعل معوية خرجتُ من داري فدخلتُ جامع الكوفة للصلوة و رقيتُ المِنبر و اجتمع الناس فحمدتُ اللّهَ و اثنيتُ عليه و قلتُ ايّها الناس عفت الديار و محيت الٰاثار و قلّ الاصطبار و لا قرار علي همزات الشياطين و حكم الخاۤئنين الساعة واللّه صحّت البراهين و تفصّلت الٰايات و بانت المشكلات و لقد كنّا نتوقّع تمام هذه الٰاية بتأويلها قال اللّه عز و جلّ و ما محمد الّا رسول قد خلت من قبله الرسل اَفأِن مات او قتل انقلبتم علي اعقابكم و من ينقلب علي عقبيه فلن‌يضرّ اللّه شيئاً و سيجزي اللّه الشاكرين و لقد مات واللّه جدّي رسول اللّه و قتل ابي عليهما السلام و صاح الوسواس الخناس في قلوب الناسِ و نعق ناعق الفِتْنة و خالفتم السنّة فيا لها من فتنةٍ صمّاۤء عمياۤء لاتسمع لداعيها و لايجاب مناديها و لايخالف واليها ظهرت كلمة النفاق و سيّرت رايات اهل الشقاق و تكالبت جيوش اهل المراق من الشام و العراق هلمّوا رحمكم اللّه الي الافتتاح و النور الوضّاح و العلم الجَحْجاح و النور الذي لايطفأ و الحق الذي لايخفي ايّها الناس تيقّظوا من رقدة الغفلة و من تكاثيف ( تكانيف خ ) الظلمة فو الذي فلق الحبّة و برأ النسمة و تردّي بالعظمة لئن قام اليّ منكم عصبة بقلوب صافية و نيّات مخلصة لايكون فيها شَوب نفاق و لا نية افتراق لاُجاهدنّ بالسيفِ قدماً قدماً و لاصبغَنّ من السيوف جوانبها و من الرماح اطرافها و من الخيل سبابكها ( سنابكها ظ ) فتكلّموا رحمكم اللّه فكأَنّما الجموا بلجام الصمت عن اجابة الدعوة الّا عشرون رجلاً فانهم قاموا اليّ فقالوا يا ابن رسول اللّه لانملك الّا انفسنا و سيوفنا فها نحن بين يديك لامرِك طاۤئعون و عن رأيك صادرون فمرنا بما شئتَ فنظرت يمنة و يسرة فلم‌ار احداً غيرهم فقلتُ لي اسوة بجدي رسول اللّهِ صلي اللّهُ عليه و آله حين عبد اللّه سرّاً و هو يومئذٍ في تسعة و ثلاثين رجلاً فلمّا اكمل اللّه له الاربعين صار في عدة و اظهر امر اللّه فلو كان معي عدّتهم جاهدتُ في اللّه حق جهاده ثم رفعت رأسي نحو السماۤء فقلتُ اللهم انّي قد دعوتُ و انذرتُ و امرتُ و نهيت و كانوا من اجابة الداعي غافلين و عن نصرته قاعدين و عن طاعته مقصّرين و لاعداۤئه ناصرين اللهم فانزل عليهم رجزَك و بأسك و عذابك الذي لايردّ عن القوم الظالمين و نزلتُ ثم خرجتُ من الكوفة راحلاً الي المدينة فجاۤؤني يقولون ان معوية اسري سراياه الي الانبار و الكوفة و شنّ غاراته علي المسلمين و قتل من لم‌يقاتله و قتل النساۤء و الاطفال فاعلمتهم انّهم لا وفاۤء لهم فانفذتُ معهم رجالاً و جيوشاً و عرّفتهم انهم يستجيبون لمعوية و ينقضون عهدي و بيعتي فلم‌يكن الّا ما قلتُ لهم و اخبرتهم ثم يقوم الحسين عليه السلم مخضّباً بدمه هو و جميع من قتل معه فاذا رءاه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله بكي و بكي اهل السموات و الارض لبكاۤئه و تصرخ فاطمة عليها السلم فتزلزل الارض و من عليها و يقف اميرالمؤمنين و الحسن عليهما السلم عن يمينه و فاطمة عن شماله و يقبل الحسين عليه السلم فيضمّه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الي صدره و يقول يا حسين فديتُك قرّت عيناكَ و عيناي فيك و عن يمين الحسين عليه السلم حمزة اسد اللّه في ارضه و عن شماله جعفر بن ابي‌طالب الطيّار وَ يأْتي مُحَسِّن تحمله خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت اسد ام اميرالمؤمنين و هن صارخات و امّه فاطمة تقول هذا يومكم الذي كنتم توعدون اليوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً و ما عملت من سوۤء تودّ لو انّ بينها و بينه امداً بعيداً قال و بكي الصادق عليه السلم حتي اخضلّت لحيته بالدموع ثم قال لاقرّت عين لاتبكي عند هذا الذكر قال و بكي المفضّل بكاۤءً طويلاً ثم قال يا مولاي ما في الدموع يا مولاي فقال ما لايحصي اذا كان من محقّ ثم قال المفضّل يا مولاي ما تقول في قوله تعالي و اذا الموءودة سُئِلت بأَيّ ذنبٍ قتلت قال يا مفضّل و الموءودة واللّه مُحَسِّن لانه منّا لا غير فمن قال غير هذا فكذبوه قال المفضّل يا مولاي ثم ماذا قال الصادق عليه السلم تقُوم فاطمةُ بنتُ رسولِ اللّهِ (ص‌) صلوات اللّه عليها فتقول اللهم اَنْجِزْ وَعْدَك و موعدك لي فيمن ظلمني و غصبني و ضربني و جرَّعني ثكل اولادي فتبكيها ملاۤئكة السموات السبع و حملة العرش و سكّان الهواۤء و من في الدنيا و من تحت اطباق الثري صاۤئحين صارخين الي اللّه تعالي فلايبقي احد ممن قاتَلنا و ظلَمنا و رضي بما جري علينا الّا قُتِل في ذلك اليوم الف قتلةٍ دون من قتل في سبيل اللّه فانّه لايذوق الموت و هو كما قال عز و جل و لاتحسبنّ الذين قتلوا في سبيل اللّه امواتاً بل احياۤء عند ربهم يُرزَقون فرحين بما آتيٰهم اللّه من فضله و يستبشرون بالّذين لم‌يلحقوا بهم من خلفهم اَلّا خوفٌ عليهم و لا هُم يحزنون قال المفضّل يا مولاي انّ من شيْعتِكم مَن لايقول برجعتكم فقال عليه السلم اماسمعوا قول جدّنا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و نحن ساۤئر الائمة نقول و لنذيقنّهم من العذاب الادني دون العذاب الاكبر قال الصادق عليه السلم العذاب الادني عذاب الرجعة و العذاب الاكبر عذاب يوم القيمة الذي فيه تبدّل الارض غير الارض و السموات و برزوا للّه الواحد القهّار قال المفضّل يا مولاي فامانتكم باللّه عند شيعتكم و نحن نعلم انّكم اختيارُ اللّه في قوله نرفع درجاتٍ من نشاۤء و قوله اللّه اعلم حيث يجعل رسالته و قوله ان اللّه اصطفي آدم و نوحاً و آل ابراهيم و آل عمران علي العالمين ذرّيّة بعضُها من بعض و اللّه سميع عليم قال الصادق (ع‌) يا مفضّل فاين نحن عن هذه الٰاية قال المفضّل قول اللّه ان اولي الناس بابراهيم للّذين اتّبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا و اللّه ولي المؤمنين و قوله ملة ابيكم ابراهيم هو سمّيٰكم المسلمين و قوله عن ابراهيم و اجنبني و بَنِيّ ان نعبد الاصنام و قد علمنا انّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و اميرالمؤمنين عليه السلم ماعبدا صنماً و لَا وثناً و لااشركا باللّه طرفة عينٍ و قوله و اذِ ابتلي ابراهيم ربّه بكلمات فاتمهنّ قال اني جاعلك للناس اماماً قال و من ذرّيّتي قال لاينال عهديَ الظالمين و العهد عهد الامامة لايناله ظالم قال يا مفضّل و ما علمك بانّ الظالم لاينال عهد الامامة قال المفضّل يا مولاي لاتمتَحِنّ۪ي بما لا طاقةَ لي به و لاتختبرني و لاتبتليني ( لاتبتلني ظ ) فمن علمكم علمتُ و من فضل اللّه عليكم اخذتُ قال الصادق عليه السلم صدقتَ يا مفضّل و لولا اعترافك بنعمة اللّه عليك في ذلك لماكنتَ هكذا فاين يا مفضّل الٰايات من القرءان في ان الكافر ظالم قال نعم يا مولاي قوله تعالي و الكافرون هم الظالمون و الكافرون هم الفاسقون و من كفر و فسق و ظلم لم‌يجعله اللّه للناسِ اماماً قال الصادق عليه السلم احسنتَ يا مفضّل فمن اين قلتَ برجعتنا و مقصّرةُ شيعتِنا تقول معني الرجعة ان يردّ اللّه الينا ملك الدنيا و ان يجعله للمهدي ويحهم متَي سُلِبنا الملك حتّي يردّ علينا قال المفضّل لا واللّهِ ماسُلبتموه و لاتُسلبونه لانّه ملك النبوة و الرسالة و الوصية و الامامة قال الصادق عليه السلم يا مفضّل لو تدبّر القرءان شيعتنا لماشكّوا في فضلنا اماسمعوا قوله عز و جل و نريد ان نمنّ علي الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم ائمة و نجعلهم الوارثين و نمكّن لهم في الارض و نري فرعون و هامان و جنودهما منهم ما كانوا يحذرون واللّه يا مفضّل ان تنزيل هذه الٰاية في بني‌اسراۤئيل و تأويلها فينا و انّ فرعون و هامان تيم و عدي اقول ثم استطرد المفضل الكلام و السؤال في النكاح الداۤئم و التمتع و ذكر كثير من احكامهما الي ان قال الصادق عليه السلم ثم يقوم جدي علي بن الحسين و ابي الباقر عليهما السلم فيشكوانِ الي جدِهما ما فُعِل بهما ثم اقومُ انا فاشكو الي جدي رسول اللّه صلي اللّه عليه ما فعل المنصور بي ثم يقوم ابني موسي فيشكو الي جده رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ما فعل به الرشيد ثم يقوم علي بن موسي فيشكو الي جده رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ما فعل به المأمون ثم يقوم محمد بن علي فيشكو الي جده رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ما فعل به المأمون ثم يقوم علي بن محمد فيشكو الي جده رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ما فعل به المتوكل ثم يقوم الحسن ابن علي فيشكو الي جده رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ما فعل به المعتزّ ثم يقوم المهدي سميّ جده رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و عليه قميص رسول اللّه (ص‌) مضرّجاً بدم رسول اللّه (ص‌) يوم شجّ جبينه و كسرتْ رَباعيته و الملاۤئكة تحفّه حتي يقف بين يدي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فيقول يا جداه وصَفتَن۪ي ( نصَصْتَ عليّ خ‌ل ) و دللتَ عليّ و نسبتَني و سمّيتني و كنّيتَني فجحدتني الامّة و تمرّدت و قالت ماوُلِد و لاكان و اين هو و متي كان و اني يكون و قد مات و لم‌يُعْقِب و لو كان صحيحاً مااخّره اللّه تعالي الي هذا الوقت المعلوم فصبرتُ محتسِباً و قد اَذِنَ اللّه لي فيها ( و قد اذن اللّه لي بامره فيها خ‌ل ) باذنه يا جداه فيقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الحمد للّه الذي صدقنا وعده و اورثنا الارض نتبوّء من الجنّة حيثُ نشاۤء فنعم اجر العاملين و يقول جاۤء نصرُ اللّه و الفتح و حقَّ قول اللّه سبحانه و تعالي هو الذي ارسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كرهَ المشركون و يقرأ انا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك اللّه ما تقدّم من ذنبك و ما تأَخّر و يتم نعمته عليك و يهديك صراطاً مستقيماً و ينصرك اللّه نصراً عزيزاً فقال المفضل يا مولاي اي ذنب كان لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال الصادق عليه السلم يا مفضّل ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال اللهمّ حمّلني ذنوب شيعة اخي وَ اولادي الاوصياۤء ما تقدم منها و ما تأخر الي يوم القيمة و لاتفضحني بين النبيين و المرسلين في شيعتنا فحمّله اللّه ايّاها و غفر جَميعَها قال فبكيتُ بكاۤءً طويلاً و قلتُ يا سيدي هذا بفضل اللّه علينا فيكم قال الصّادق عليه السلم ما هو الا انت و امثالك بلي يا مفضّل لاتحدّث بهذا الحديث اصحاب الرخص من شيعتنا فيتّكلون علي هذا الفضل و يتركون العمل فلانغني عنهم من اللّه شيئاً لانا كما قال اللّه تعالي فينا لايشفعون الّا لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون قال المفضل يا مولاي فقوله ليظهره علي الدين كله ماكان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ظهر علي الدين كله قال يا مفضل لو كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ظهر علي الدين كله ماكانت مجوسية و لا يهوديّة و لا نصرانية و لا صابئيّة و لا فرقة و لا خلاف و لا شك و لا شرك و لا عبدة اصنام و لا اوثان و لا اللات و لا العزّي و لا عبدة الشمس و القمر و لا النجوم و لا النار و لا الحجارة و انما قوله ليظهره علي الدّين كله في هذا اليوم و هذا المهدي و هذه الرجعة و هي قوله و قاتلوهم حتي لاتكون فتنة و يكون الدين كله للّه قال المفضل اشهد انكم من علم اللّه علمتم و بسلطانه و بقدرته قدرتم و بحكمه نطقتم و بامره تعملون ثم قال الصادق عليه السلم ثم يعود المهدي علي الكوفة و تمطر السماۤء بها جراداً من ذهب كما امطره في بني‌اسراۤئيل علي ايّوب و يقسم علي اصحابه كنوز الارض من تبرها و لُجَينها و جوهرِها قال المفضل يا مولاي من مات من شيعتكم و عليه دين لاخوانه و لاضداده كيف يكون قال الصادق عليه السلم اوّل ما يبتدئ المهدي عليه السلم ان ينادي في جميع العالم الا من له عند احدٍ من شيعتِنا دَين فليذكره حتي ترد ( يؤدي ظ ) الشومة ( الثومة ظ ) و الخردلة فضلاً عن القناطير المقنطرة من الذهب و الفضّة و الاملاك فيوفّيه ايّاه قال المفضّل يا مولاي ثم ماذا يكون قال يأتي القاۤئم عليه السلم بعد ان يطأ شرق الارض و غربها الكوفة و مسجدها و يهدم المسجد الذي بناه يزيد بن معوية لعنهما اللّه لمّا قتل الحسين بن علي عليهما السلم و مسجد ليس للّه ملعون ملعون من بناه قال المفضّل يا مولاي فكم تكون مدة ملكه عليه السلم فقال قال اللّه عز و جل فمنهم شقي و سعيد فامّا الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير و شهيق خالدين فيها ما دامت السموات و الارض الّا ما شاۤء ربّك ان ربّك فعّال لما يريد و اما الذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السموات و الارض الّا ما شاۤء ربك عطاۤء غير مجذوذ و المجذوذ المقطوع اي عطاۤء غير مقطوع عنهم بل هو داۤئم ابداً و ملك لاينفد و حكم لاينقطع و امر لايبطل الّا باختيار اللّه و مشيته و ارادته التي لايعلمها الّا هو ثم يوم القيمة و ما وصفه اللّه عز و جل في كتابه و الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي خير خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين و سلم تسليماً كثيراً ،
اقول لاينافي هذا ما قدّمناه لان ذكره (ع‌) هذا في جواب سؤال المفضل عن مدة ملكه عليه السلم يراد منه ملكه الثاني بعد رجعته لان الاوّل قد تقدم بعض الاحاديث بانه سبع او تسع او تسع‌عشرة سنة او غير ذلك كما تقدم فراجع و انما قلنا هذا لما ثبت عنهم عليهم السلم ان لكل مؤمن ميتة و قتلة و هو عليه السلم اذا ظهر ملك سبع سنين كل سنة بقدر عشر سنين ثم يقتل و يمكث ما شاۤء اللّه ثم يرجع و يكون ملكه هذا الي ما قبل نفخ الصور نفخة الصعق اربعين يوماً كما ذكرنا سابقاً و انما وصف ملكه بالدوام المؤبّد مع انه من الظاهر اذا رفعهم اللّه قبل نفخة الصعق انقضت مدّة ملكهم في الدنيا و بعد اربعين يوماً ينفخ اسرافيل نفخة الصعق و تفني الخلاۤئق في قدر ما كانوا من المدد ثم يمكث الكون راكداً اربعمائة سنة ثم يبعث اللّه اسرافيل و ينفخ في الصور نفخة النشور يوم القيمة لان ملكه و ملك آباۤئه عليهم السلم في الحقيقة باقٍ ابد الٰابدين لايخرج عنهم ابداً لانّهم موجودون لايجري عليهم ما يجري علي من سواهم و انما يرفعهم اللّه اليه و يكسر هذا الوجودَ لهم و يصفّيه لهم و يصوغه لهم فهم مالكون لما ملّكهم ربّهم في حال وجود الملك مصوغاً صيغةً تحتمل الفساد كما في دار التكليف و في حال كسره و تصفيته لهم كما في البرزخ و في حال صوغه الصيغةَ التي لاتحتمل الفساد و بقاۤئه لهم كما في الٰاخرة فلايكونون باللّه تعالي فاقدين لما وجدوا باللّهِ ابداً فافهم .
و اعلم انه يكون قبل خروج الحجة عليه السلم علامات منها محتوم و منها غير محتوم و ما ذكرناه سابقاً علامات تقع في سنة قيامه عليه السلم و انا اذكر بعضاً منها ليكون هذا الشرح مشتملاً علي كثير من احوال ما يتعلّق بقيامه عليه السلم و احوال رجعتهم عليهم السلم و هي كثيرة لاتكاد تحصي و المصرّح به في احاديثهم انه من العلامات اقلّ ممّا اشاروا اليه انه من العلامات و لكن اشير لك الي ما اشارُوا اليه مجملاً اعلم انّ قيامهم و رجعتهم صلّي اللّه عليهم هي الساعة و هي القيامة الصغري قال اللّه تعالي فارتقب يوم تأتي السماۤء بدخان مبين يغشي الناس هذا عذاب اليم ربّنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون الٰايات ، هذا من علامات القيامة الصغري المشار اليها و قوله تعالي يوم نبطش البطشةَ الكبري انا منتقمون هذه هي القيمة المعروفة عند العواۤمّ فكل واقعة جرت كليّة او جزئيّة و كلّ حادثة و ملحمة مما كان و مما يحدث فهو من علامات قيامهم و رجعتهم عليهم السلم و قد اشرتُ الي شي‌ء من ذلك في قصيدة رثيتُ بها الحسين عليه السلم قلتُ في آخرها في خطاب بني‌امية و ما فعلوا به عليه السلم و باهله و اصحابه قلتُ :
ان لِنتُمُ ( نلتم ظ ) منهُمُ ما لايَحِلُّ لكم       ** * **      فَذَا اليهم بحكم اللّهِ معدُولُ
و كان ذلك من اشراط ملكهِمِ       ** * **      و قطع دابرِكمْ ما فيه تعذيلُ
و اما ( ما ظ ) ذكروه عليهم السلم في احاديثهم صريحاً فكثير منه ما ذكرنا سابقاً و منه اختلاف بني‌العباس في ملك الدنيا و خسْف بالمشرق و خسف بالمغرب خسف قرية بالشام تسمّي بالجاميّة و خسْف بالبيداۤء كما ذكر في حديث المفضّل و ركود الشمس من عند الزوال الي اوسط اوقات العصر و طلوعها من المغرب و قتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين و هدم حاۤئط المسجد ( سور الكوفة خ‌ل ) و اقبال رايات سود من ناحية خراسان و خروج اليماني و ظهور المغربي بمصر و تملكه الشامات و نزول الترك الجزيرة و نزول الروم الرملة و طلوع نَجم بالمشرق يضيۤ‌ء كما يضيۤ‌ء القمر و ينعطف حتي تكاد يلتقي طرفاه و حمرة تظهر في السماۤء و تنتشر في آفاقها و نار تظهر بالمشرق طولاً و تبقي في الجوّ ثلاثة ايّام او سبعة ايّام و خلع العرب اعنّتها وَ تملّكها البلاد و خروجها علي سلطان العجم و قتل اهل مصر اميرهم و خراب الشام و اختلاف ثلاث رايات راية الاصهب و راية الابقع و راية السفياني و في رواية بريد العجلي عن ابي‌جعفر عليه السلم قلتُ ما الاصهب قال الابقع قلتُ ما الابقع قال الابرص ، ١٢ .
فيه و دخول رايات قيس و العرب الي مصر و رايات كندة الي خراسان و ورودُ خيل من قبل المغرب حتي تربط بفناۤء الحيرة و اقبال رايات سود من المشرق نحوَها و تنشق الفرات حتّي يدخل الماۤء ازقّة الكوفة و خروج ستّين كذّاباً كلّهم يدّعي النبوّة و خروج اثني‌عشر من آل ابي‌طالبٍ كلّهم يدّعي الامامة لنفسه و احراق رجل عظيم القدر من شيعة بني‌العبّاس بين جلوجاۤء و خانقين و عقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة بغداد و ارتفاع ريح سوداۤء بها في اوّل النهار و زلزلة حتي ينخسف كثير منها و خوف يشمل اهل العراق و موت ذريع و نقص من الاموال و الانفس و الثمرات و جراد يظهر في اوانه و في غير اوانه حتي يأتي علي الزرع و الغلّات و قلّة رَيع لما تزرعه الناس و اختلاف صنفين من العجم و سفك دماۤء كثيرة فيما بينهم و خروج العبيد عن طاعة ساداتهم و قتل مواليهم و مسخ القوم ( و مسخ قوم ظ ) من اهل البدع حتي يصيروا قردة و خنازيرَ و غلبة العبيد علي بلاد السادات و موت احمر بالسيف و موت ابيض بالطاعون و عن ابي‌بصير و محمد بن مسلم قالا سمعنا اباعبداللّه عليه السلم يقول لايكون هذا الامر حتي يذهب ثُلُثَا الناس فقلنا له فاذا ذهب ثلثا الناس فما يبقي قال اماترضون ان تكونوا الثلث الباقي ،
اقول قد وردت اخبار عنهم عليهم السلم بالموت الاحمر و الموت الابيض حتي يهلك اكثر الناس و المراد بهذا الهلاك الموت المعلوم و هذا الحديث يحتمل ان المراد بذهاب الناس فيه من الموت الموت المعلوم فيكون قوله اماترضون ان تكونوا الثلث الباقي يحتمل انه تسلية لشيعته اوْ انهم حيث كانوا ممن محض الايمان محضاً يرجعون او حيث انّهم مستقيمون علي الطريقة يجتنبون الفتن و يلزمون بيوتهم فيسلمون اوْ انّ اللّه سبحانه يدفع عنهم لنصرة الحجة عليه السلم اوْ انّه يريد به اناساً مخصوصين او علي حذف حرف الجر اي من الثلث الباقي و ما اشبه ذلك و هذه الوجوه و ان كانت بعيدة من ظاهر الحديث لٰكنّها ليست بعيدة من احد السبعين الوجه كما هو شأنهم عليهم السلم في اراداتهم من كلامهم و يحتمل هذا الحديث ان يراد بذهاب الناس هلاك دينهم و فسادهم في معتقداتهم و لايراد منه ما يراد من الاخبار الاُخر و شيعته لايضرّهم ما يجري في ذلك الزمان من الفتن و الامتحان و الابتلاۤء فهم الثلث الباقي علي الحقّ و صحة الاعتقاد في انتظار الفرج و هذا اظهر و اقرب من ظاهر الحديث و في غيبة النعماني عن جابر الجعفي قال سألت اباجعفر محمد بن علي عليهما السلم عن قول اللّه تعالي و لنبلونّكم بشَيْ‌ء من الخوف و الجوع فقال يا جابر ذلك خاص و عام فامّا الخاۤص من الجوع فبالكوفة يخص اللّه به اعداۤء آل‌محمد فيهلكهم و امّا العام فبالشام يصيبهم خوف و جوع مااصابهم به قطّ و امّا الجوع فقبل قيام القاۤئم عليه السلم و اما الخوف فبعد قيام القاۤئم صلوات اللّه عليه و اعلم ان العلامات المذكورة في الروايات كثيرة جدّاً و نحن نقتصر علي ما ذكرنا و هيهنا خبر روي في جامع‌الاخبار عن النبي صلي اللّه عليه و آله من مشكلات الاخبار فيحمل علي حكم البداۤء اوْ انّ العددَ يراد به معني غير ما يعرف كجعل الٰاحاد عشرات او اقل او علي عد الزبر و البينات مربّعاً او مكعباً او علي حكم التَّضَارُب كعدّ العشر مائةً و العشرين اربعمائة و الثلاثين تسعمائة او غير ذلك من هذا النّوع او انّ ابتداۤء العدد من وقتٍ معلوم عندهم عليهم السلم كأَن يريد بالست المائة بعد الالف او بعد الالفين او بعد الثلاثة الٰالاف و ما اشبه ذلك او يكون توقيتاً لحكم الاقتضاۤء و ذلك لاينافيه تغيّره بحكم الوضع كحصول حوادث و ملاحم و دعواتٍ و غيرها من الاسباب السفلية او العلويّة كالاوضاع الفلكيّة من نحو اقترانِ العلويات و تسبيحات المدبّرات و ما اشبه ذلك و اللّه سبحانه و نبيه و اوصياۤؤه عليه و عليهم السلم اعلم و هو انه روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله انّ في العشر بعد ستّمائة الخروج و القتل و يمتلي الارض ظلماً و جوراً و في العشرين بعدها يقع موت العلماۤء لايبقي الرجل بعد الرجل و في الثلاثين ينقص النيل و الفرات حتي لايزرعَ الناس علي شطّهما و في الاربعين بعدها يمطر السماۤء الحجر كامثال البيض فهلك البهاۤئم فيها و في الخمسين بعدها يسلّط عليهم السباع و في الستين تنكسف الشمس فيموت نصف الجن و الانس و في السبعين بعدها لايولد المؤمن من المؤمن و في الثمانين بعدها تصير النساۤء كالبهم و في التسعين بعدها تخرج داۤبّة الارض و معها عصي آدم و خاتم سليمن و في السبعمائة تطلع الشمس سوداۤء مظلمة و لاتسئلوا عما وراۤءها و في خبر آخر و في سنة ثمانين و سبعمائة تظهر امرأة يقال لها سعيدة مع لحيةٍ و سبالٍ مثل الرجال تأتي من الصعيد في مأتَيْ‌الف عنان و تسير الي العراق و هذه قصّة طويلة عظيمة و في سنة سبع و ثمانين و سبعمائة يظهر من الروم رجل يقال له المزيد في سبعمائة قنطارية و هي علَم علي كلّ عَلمٍ قنطارية صليبٌ تحت كل صليبٍ الف فارس افرنجي و نصراني و هذه قصّة عظيمة طويلة و في زمانه يخرج اليهم رجل من مكة يقال له سفيان بن حرب و في خبر آخر من وقت خروجه الي ظهور قاۤئم آل‌محمد (ص‌) ثمان اشهر لاتكون زيادة يوم و لا نقصان اقول و هذا الحديث مقطوع مرسل و كتاب جامع‌الاخبار الذي نقلت منه هذه الاخبار قد استثناه الشيخ محمد بن الحسن الحر رحمه اللّه مع ما استثني من الكتب فلم‌ينقل في الوساۤئل منها شيئاً و قال هذه كتب غير معتمد عليها لعدم ثبوت اسانيدها و عدم العلم بثبوت مؤلّفيها الخ كلامه و علي تقدير صحّتها فقاۤئله اعلم بما قال لانه لاينطق عن الهوي ان هو الّا وحي يوحي صلي اللّه علي محمد و آله و يحمل علي نحو ما ذكرنا او بعضها او غير ذلك و حيث ثبت بما سمعتَ و ما لم‌تسمع قيامهم و رجوعهم الي الدنيا و ثبتَ بما تقدّمَ و غيره من عدم الاطّلاع علي وقت القيام و الرجوع لغير الملك الْعَلّام و انّما لذلك الوقت علامات و دلاۤئل حتّي قال اميرالمؤمنين عليه السلم حين سئل عن ذلك ما المسئول باعلم من الساۤئل و انّما هي علامات و دلاۤئل و الحجّةُ عليه السلم لايعلم متي يقوم و انّما يعرف ذلك اذا جاۤء الوقت انْسَلَّ ذوالفقار من غمْدِه۪ و نظر في الاصلاب فلم‌ير في صلبِ كافرٍ مؤمناً فاذا كان كذلك ظهر و عن الصادق عليه السلم انه سُئِل الم‌يكن علي عليه السلم قويّاً في بدنه قوياً في امر اللّهِ فقال بلي قيل فما يمنعه ان يدفع او يمنع قال (ع‌) سألتَ فافهم الجواب منع عليّاً عليه السلم من ذلك آية في كتاب اللّه ( من كتاب اللّه ن ) عز و جل فقيل و اي آية فقرأ لو تزيّلوا لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذاباً اليماً انه كان للّهِ عز و جلّ وداۤئع مؤمنون في اصلاب قوم كافرين و منافقين فلم‌يكن علي عليه السلم ليقتل الٰاباۤء حتي تخرج الوداۤئع فلمّا خرجت ظهر علي من ظهر و قتله و كذلك قاۤئمنا اهل البيت لن‌يظهر ابداً حتي تخرج وداۤئع اللّه فاذا خرجت يظهر علي من يظهر فيقتله ه‍ ، فان قلتَ انّ الامام عليه السلم يعلم فيما وصل اليه عن النبي صلي اللّه عليه و آله و في ليالي القدر و في الوقت بعد الوقت و ما تضمنت الواح الموجودات و ما اشتمل عليه القرءان الذي فيه تفصيل كل شي‌ء ما كتب في الالواح من آجال هذه الوداۤئع و آجال نزولها في الاصلاب و خروجها منها و هو قوله تعالي و كلّ شي‌ء احصيناه في امامٍ مبين ، قلنا قد ذكرنا مراراً في مواضعَ متعددةٍ من هذا الشرح و غيره انّهم عليهم السلم لايعلمون الغيب بمعني انّ كلّ ما اطّلعوا عليه فبتعليم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن اللّه تعالي و توقيفه علي كل جزئي جزئي و انّ معني ان عندهم علم ما كان و ما يكون الي يوم القيمة هو ما ذكرنا سابقاً علي التفصيل المتقدم فراجعه و انّ المراد بما كان ما وجد و ما يكون ممّا حُتِم كونه و لم‌يكن مشروطاً و آجال هذه الوداۤئع من المشروط و احكامه داۤئماً تتجدّد بتجدّد المقتضيات الموجبة للمحو و الاثبات فلايعلمون المحتوم منها قبل ان يُحتَم و يصل اليهم فاذا وصل اليهم بتنصيص الحتم علموه و ان وصل اليهم لا بالتنصيص فقد يكون ما وصل اليهم علمه محتوماً في عالم الغيب لانّه الموجب للاخبارِ به۪ موقوفاً في عالم الشهادة لجواز الموانع كالصدقة و الدعاۤء و البر و الاعمال الصالحة و كالزنا و الذنوب التي تهدم العمر و يقرّب البعيد من الاجل فقد تقع الموانع فلايقع و قد لاتقع فيَقَعُ فهم حينئذٍ يقفون و لايقولون لانهم لايعلمون و في هذا و مثله ترد ليالي القدر و النقر في القلوب و الوقر في الاسماع و نطق ما في الالواح و ما يرد في الوقت بعد الوقت و في آجال هذه الوداۤئع مقتضيات من الٰاباۤء و الامّهات و من المطاعم و المشارب و الاوقات و الامكنة و المربّيات من الارواح و الروحانيات و آلٰاتها و محاۤلّ تصرّفاتها ممّا يطول ببيانه الكلام فاذا فهمتَ ما لوّحنا لك فيه عرفتَ انّهم عليهم السلم يقولون كما قالت الملاۤئكة سبحانك لا علم لنا الّا ما علّمتنا انّك انت العَليم الحكيم و هو سبحانه يطلعهم علي ما يشاۤء من غيبه فحَيْثُ ثبتَ هذا كان افضل الاعمال الايمان به و التسليم في كلّ ما يرد عنهم و انتظار فَرَجِهمْ و مَدُّ عَيْنِ الرجاۤء الي قيامهم و الاستعداد لنصرتهم فانه هو الجهاد معهم في غيبتهم فعن الباقر عن آباۤئه عليهم السلم قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله افضل العبادة انتظار الفرج و عن ابي‌جعفر عليه السلم قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ذات يوم و عنده جماعة مِنْ اصحابه اللّٰهُمَّ لَقِّن۪ي اخواني مرّتين فقال مَنْ حوله من اصحابه اَمَا نحنُ اخوانك يا رسول اللّه فقال لا انّكم اصحابي و اخواني قومٌ في آخر الزمان آمنوا ( بي ظ ) و لم‌يروني لقد عرّفنيهم اللّه باسماۤئهم و اسماۤء آباۤئهم من قبل ان يخرجهم من اصلاب آباۤئهم و ارحام امّهاتهم لَاَحدُهم اشدّ يقينُه ( بقيّته خ ) علي دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماۤء او كالقابض علي جمر الغضاۤ اولٰۤئك مصابيح الدُّجا ينجّيهم اللّه من كلّ فتنَةٍ غبراۤء مظلمة و في المحاسن عن عبدالحميد الواسطي قال قلتُ لابي‌جعفر عليه السلم اصلحك اللّه واللّهِ لقد تركنا اسواقنا انتظاراً لهذا الامر حتي اوشك الرجل منّا يسأل في يديه فقال يا عبدالحميد اتري من حبس نفسه ( علينا ظ ) و علي اللّه لايجْعل اللّه له مخرجاً بلي واللّه ليجعلنّ اللّه له مخرجاً رحم اللّه عبداً حبس نفسه علينا رحم اللّه عبداً اَحْيَي امرنا قال قلتُ فان مُتُّ قبل اَن ادرك القاۤئم (ع‌) فقال القاۤئل منكم ان ادركتُ القاۤئم عليه السلم نصرته كالمُقَارع معه بسيفه و الشهيد معه شهادتانِ و من غيبة النعماني عن جابر بن يزيد عن ابي‌جعفر الباقر عليه السلم انه قال اسكنوا ما سكنت السموات و الارض اي لاتخرجوا علي احد فانّ امركم ليس به خفاۤء اَلَا انها آية من اللّه عز و جل ليس من الناس اَلَا انّها اضوء من الشمس لاتخفي علي بَرّ و لا فاجر تعرفون الصبح فانه كالصبح ليس به خفاۤءٌ و من غيبة النعماني عن محمد بن مسلم قال سمعتُ اباجعفر عليه السلم يقول اتّقوا اللّه و استعينوا علي ما انتم عليه بالورع و الاحتمال في طاعة اللّه و انّ اشدّ ما يكون احدكم اغتباطاً بما هو فيه من الدين لو قد صار في حد الٰاخرة و انقطعت الدنيا عليه فاذا صار في ذلك الحد عرف انّه قد استقبل النعيم و الكرامة من اللّه و البشري بالجنّة و اَمِن ممّا ( ممّن ل ) كان يخاف و ايقن انّ الذي كان عليه هو الحق و انّ مَن خاف دينه علي باطل و انه هالك فابشروا ثمّ ابشروا اما الذي تريدون الستم ترون اعداۤءكم يقتلون في معاصي اللّه و يقتل بعضهم بعضاً علي الدنيا دونكم و انتم في بيوتكم آمنين في عزلة عنهم و كفي بالسفياني نقمة لكم من عدوكم و هو من العلامات لكم مع ان الفاسق لو خرج لمكثتم شهراً او شهرين بعد خروجه و لم‌يكن عليكم منه بأْس حتي يقتل خلقاً كثيراً دونكم فقال له بعض اصحابه فكيف نصنع بالعيال ( قال ظ ) اذا كان ذلك يتغيّب الرجال منكم فان خيفته و شرّته فانما هي علي شيعتنا فامّا النساۤء فليس عليهن بأْس انشاۤء اللّه قيل الي اين يخرج الرِّجَال و يهربون منه فقال من اراد ان يخرج منهم الي المدينة او الي مكة او الي بعض البلدانِ ثم قال ما تصنعون بالمدينة و انّما يقصد جيش الفاسق اليها و لكن عليكم بمكة فانّها مجمعكم و انما فِتنتُه حملُ امرأةٍ تسعة اشهر و لايجوز انشاۤء اللّه ه‍ ،
و اعلم انا قد خرجنا بالاطالة بذكر بعض ما يتعلّق بهذا اليوم العظيم الذي كان عند ربك مقداره خمسين‌الف سنة عن نمط ما نحن بصددِه۪ من الشرح و لكن لمّا كان فيها اشياۤء مجملة و اشياۤء مجهولة احتجنا الي بعض التبيين و التنبيه لانّ الشي‌ء اذا كلّف الشارع به المكلّف علي ان يعتقده او يتهيّأ للعمل به فلا بدّ من تبيينه للمكلّف ليكون ذلك منه موافقاً لمراد الشارع سواۤء كان ذلك المكلّف به من اركان الاسلام او الايمان ام من مكمّلاتهما و اخبار الرجعة ليس فيها تصريح و لا ترتيب و اكثر ما ورد فيها مختلف متنافٍ لايمكن الجمع بينه الّا باحتمالات بعيدة اكثر مَن يقف عليها لايقبلها نعم تدلّ بكلّها علي امرٍ حقٍّ لا شك فيه مجمل لاتمكن معرفته الّا علي جهة الاجمال فهي في دلالتها علي هذا الامر المجمل متواترة معني و لمّا كان بعض التكاليف فيها اجمال نبّه عليه بقوله عليه السلم ابهمُوا ما ابهمه اللّه فالايمان بالرجعة شرط في كمال الايمان و باب يوصل المؤمن الي اليقين و الاطمئنان فمن شكّ في شي‌ء من ذلك لم‌يكمل ايمانه و لم‌تلجه روح اليقين و من شكّ في ذلك كله لم‌يكن مؤمناً قطعاً و انّما الشك في اسلامه لان من جملة ذلك قيام القاۤئم عليه السلم و لايكاد ينكره احد من المسلمين الّا شذّاذ دعاهم الي ذلك العناد لبعض الشيعة و مكابرة لان النصوص من الطرفين مع كثرتها كلّها مقبولة من الفريقين و انّما يتكلمون و يؤلّون لبعْضها لِمَا يظهر لهم من منافاة بعض منها لبعض في خصوص جزئيّاتٍ منها و الايمان بكل ما ورد فيها فما ظهر له عرفه و ما امكنه الجمع بين المتنافيين اَلِفَهُ و ما تعذّر عليه اوقفه هو في الحقيقة التسليم و الاخبات و شرح الصدر للاسلام و ذلك علامات الخصيصين من اصحاب اميرالمؤمنين و الائمة الطاهرين سلام اللّه عليهم اجمعين و في الحديث من لم‌يقل برجعتنا فليس منا اي ليس من شيعتِنا الخصيصين و قد يكون من الشيعة الخاۤصّين و هذا الحديث صريح بانّ المراد فيه الرجعة الخاۤصّة التي يرجعون هم عليهم السلم فيها بانفسهم و لو اريد العموم كان المعني ليس من شيعتِنا اصلاً بل هو من اعداۤئنا و ارشدك انهم صلي اللّه عليهم انّما خالفوا بين احاديثهم تقيّة من اعداۤئهم و من كثير ممّن يحبّهم و يقول بامامتهم و يتبرّء من اعداۤئهم فاذا فتحتَ علي نفسك باب التسليم في كل ما يرد عنهم و بنيتَ امرك علي قبول ذلك و استقمتَ علي ذلك بحيث لايعترض لقلبك خلافه و لاتلتفِت ابداً و مضيتَ حيث تؤمر في قوله تعالي و يسلّموا تسليماً زال التنافي عنها بالكليّة عندك و ظهر لك انّها قول واحدٌ من قاۤئلٍ واحدٍ في وقتٍ واحدٍ و مايلقّيها الّا الّذين صبروا و مايلقّيها الّا ذُو حَظٍّ عظيم و كلّ شي‌ء من التكاليف الشرعية و الوجود من هذا القبيل و لاسيما ما نحنُ بصدده .
و قوله عليه السلم : منتظر لامركم
اي منتظر لما كنتُ مؤمناً به من اِيابكم و مصدّقاً به من رجعتكم و هذا الانتظار توقّع الفرج من اللّهِ و مَدُّ عَين الرجاۤء الي جهة كرم الوهّاب بتعجيل فرجِهِمْ .
و قوله عليه السلم : مرتقب لدولَتكم
معناه مثل معني منتظر لامركم اذا اريد بالامر هنا الدّولة او اريد بالدولةِ الولايةُ فانّ امرهم كما يراد به الولاية يراد به الدولة و كذلك الدولة و الانتظار و الارتقاب واحد الّا انّ الانتظار مشتق من النظر لانّ المنتظِر بكسر الظاۤء لايزال ماۤدّاً بَصَرَهُ و الارتقاب مشتق من الرقيب بمعني الحافظ او بمعني الحارس لانّ المرتقب يحارس ما يرتقبه و يتوجّه اليه لايشتغل عنه بشي‌ء غيره و يحفظه لايهمل ملاحظته و يكون هذا الانتظار و الارتقاب بالقلب و باللسان و بالاركانِ عَلَي نحو مٰا مَرّ في اوّل الكلام .
قال عليه السلم : آخِذ بقولكم عامل بامركم
اعتراف منّي بانّي لااَئْتَمُّ بغيرِكم اذا قال القاۤئلون و حكم الحاكمون و تشرّع المتشرّعون و لاٰاخُذُ بقول احدٍ سواكم اي لاادين اللّهَ في جميع ما ارادَ منّي من التَّكاليف الّتي تقتضيها الرّبُوبيّة من العبوديّة من اَمْرِ التّوحيد فما دونه الي ارش الخدش فما فوقه فاعتقادي لما اثبتّم و معرفتي بما عرّفتم و علمي بما علّمتم و قولي عن قولكم و عملي علي ما علّمتم و دللتم فاذا وقع منّي ما وافق ما عنكم حمدتُ اللّهَ بالثّناۤء عليكم و اثنيتُ عليه بالصلوة عليكم و اذا وقع منّي ما لايطابق ما عنكم استغفرتُ اللّهَ و اشهدتُه و اشهدتكم علي ذنوبي و تقصيري لمٰا اَجِدُ في سرّي و علانيتي و قولي و فعلي انّ الحق و الصلاح و السعادة وَ النجح بكلّ ما هو خير و محبوب عند اللّه لكم و بكم و معكم و فيكم و عنكم و لما اجد في سرّي و علانيتي و قولي و فعلي انّ هذا الذي اشهدت اللّهَ و اشهدتكم عليه هو حقيقة الاخذ بقولكم وَ لِما اجِدُ في نفسي في سري و علانيتي و قولي و فعلي انّ ما خالفَ هذَا الذي اشهدتُ اللّه و اشهدتكم عليه مخالف للاخذ بقولكم فانا فيما يجري عليّ بِه القضاۤء من التوفيق و الخذلان آخذ بقولكم لاني عامل بامركم معترف فيه بان المنّةَ للّه و الفضل للّه ثم لكم في التوفيق للمتابعة و بالتقصير و الانقطاع و الالتجاۤء في المخالفة .
و قوله عليه السلم : عامل بامركم
مثل معني قوله آخذ بقولكم اذا جعلنا الامر بمعني القول و بمعني ما دعَونا اليه و ندَبُونا اليه من احكام الدين و الاسلام و اذا جعلناه بمعني الولاية قدّرنا مضافاً محذوفاً اي عامل بمقتضي ولايتكم و هو ما تقتضيه الربوبيّة من العبودية فيكون المراد من الْعِبَارتَيْن واحداً و ذكر بعض احكام الولاية فيهما يرجع الي ما تقدّم فقد ذكرنا كثيراً منه مكرّراً فلا فاۤئدة في ذكره .
قال عليه السلم : مستجير بكم زاۤئر لكم عاۤئذ بكم لاۤئذ بقبوركم
اقول المستجير الطالب للحفظ ممّا هَرَب منه و العارف بهم المحب لهم يستجير بهم اي يميل اليهم ليجيروه من مكاره الدّارَيْن و ليبلّغوه ما تقرّ به العين و الميل اليهم بنحو ما تقدم بان يعتقد انهم حجج اللّه علي خلقه و معانيه لدُعَاتِه۪ و ظاهره للمستجيبين له و ان يحبّهم بحقيقة قلبه و حقّ فؤاده و نُطق لسانه و اعمال اركانه و هذه الثلاثة انّما تكون محبّةً لهم و محبوبةً لهم اذا كانت عنهم و بهم و لهم مشفوعة بالتّسليم لهم و الاغتباط بذلك و الرضي بالمطلوب و الاغتنام بالخير المرغوب فاذا عرف فؤاده بهم و تيقّنَ قلبه عنهم و شرح صدرَهُ بالعمل بالاخذ عنهم و التسليم و الرد اليهم و الرضي بما رضوه و رأٰه مغنماً و غبطة و تشبّه بهم في كلّ ما يقدر عليه و تبرّأ من اعداۤئهم و من كل وليجةٍ دونهم في معرفة فؤاده و يقين قلبه و علم صدره و نطق لسانه و اعمال اركانه يَعني علي نحو ما يتولّي به اَوْلياۤئه ممّا اشرنا اليه في الاعتقادات و الاقوال و الاعمال يتبرّأ به من اعداۤئهم في الاعتقادات و الاقوال و الاعمال فاذا استجار بهم عليهم السلم بهذه الاستجارة الحقيقية التي هي الاعتصام بذمام اللّهِ فهو جارهم حَقيقة فاذا قال مستجير بكم فقد طابق ظاهره باطنَهُ و قوله فِعلَهُ .
و قوله (ع‌) : زاۤئر لكم
اي قاصدٌ اليكم و القصد علي انحاۤءٍ شتّي منها انه يقصدهم عليهم السلم في حال ظهورهم ليأْخذ عنهم ما يحتاج اليه من امور دينه من الاعتقادات و الاعمال الشرعيّة و التأدّبات الالهية التي تتم بها الصورة الانسانية و تكمل بها الهيئة الملكيّة و تصدق بها حقيقة العبوديّة و هذه هي اللباس الذي يواري سَوْءَة المكلّف عن الملكين الحافظَيْن و هي الريش الّذي يتزيّن به للقاۤئهم و للقاۤءِ ربّهم و رَبّه و هي لباس التقوي الذي هو زينة للمؤمن و خير عند اللّه في الدّنيا و الٰاخرة و منها انه يقصدهم بالائتمام بهم و التسليم لهم و الردّ اليهم و المجانبةِ لمخالفيهم مجانبةً تَنْطَبِقُ علي الائتماۤم بهم عليهم السلم و التسليم لهم و الردّ اليهم انطباقَ موافقةٍ و تدلّ علي صدق ولايتهم و صحّةِ محبّتهم عليهم السلم دلالة مطابَقةٍ كما هو حكم الاضدادِ في الاَفْعال و الاستعداد و منها انه يقصدهم بامتثال ما قرّروا من اوامر اللّه و اجتناب ما حدّدوا من نواهي اللّه و ذلك لانهم صلّي اللّه عليهم لمّا كانوا وجهَ اللّه الذي يتوجّه اليه الاولياۤء و بابَ اللّه الذي تظهر منه احكام القضاۤء و اسرار البداۤء و كانوا انّما يأمرون بامر اللّه و ينهون بنهي اللّه و لايريدون شيئاً لانفسهم و لا لمخلوق الّا مراد اللّه لانهم محاۤلُّ مشيته و السنةُ اِرٰادتِه۪ لايسبقونه بالقولِ و هم بامره يعملون و قد جعلهم سبحانه لجميع ما خلق سبيله اليهم في جميع الامدادات من التكاليف و الايجادات و سبيلهم اليه تعالي في الامتثالات و الاستعدادات كان القصد اليهم لايكون في حالٍ من الاحوال الّا بامتثال اوامر اللّه في الوٰاجبات و المتممات كالنوافل مثلاً للصلوات اليومية في بعض الاحوال علي بعض الاعتبارات و المكمّلات كالنوافل مثلاً للصلوات اليوميّة علي البعض الٰاخر و كالٰاداب الشرعية و الاخلاق الالهيّة و ان لم‌يكن القصد كما قلنا كان امّا بخلاف ذلك و هو قصدٌ لاعداۤئهم اَوْ ليس لواحدٍ منهما و هو قصدٌ لصُورتهم و مثالهم عنده و هذا حالُ مَن يميل مٰا مَالَتْ به الريح و هم فريقان في مأل امرهم اتباع لغيرهم الذين قال تعالي فيهم فريق في الجنّة و فريق في السعير .
و قوله عليه السلم : عاۤئذ بكم
اي لاجٍ و مستجير بكم و معني ذلك ما تقدّم مكرراً من انه لايتحقّق ذلك الّا بولايتهم و لاتتحقّق ولايتهم الّا بمحبّتهم و لاتتحقّق محبتهم الّا بمتابعتهم في الاقوال و الافعال و الاعمال ظاهراً و باطناً كالاعتقادات و لاتتحقّق متابعتهم الّا بمعرفتهم و لاتتحقّق معرفتهم الا بتصديقهم و لايتحقّق تصديقهم الّا بالتّسليم لهم كما مرّ و اليه الاشارة بقول الصادق عليه السلم انكم لاتكونون صالحين حتّي تعرفوا و لاتعرفون حتي تصدّقوا و لاتصدّقون حتي تسلّموا ابواباً اربعةً لايصلح اوّلُها الّا بٰاخِرها ضلّ اصحاب الثلاثة و تاهوا تَيْهاً بع۪يداً ان اللّه تبارك و تعالي لايقبل الّا العمل الصالح و لايتقبّل الّا بالوفاۤء بالشروط و العهود و من وفي للّه بشروطه و استكمل ما وصف في عهده نال ما عنده ، اقول يريد و استكمل ما وصف في عهده ما اراد سبحانه بقوله الست بربّكم قالوا بلي فقولُه بَلي هو ما وصف في عهدِه۪ الذي هو من اللّه الستُ بربّكم و منه بلَي و استكمالُه بالموافاة و القيام بالشروط و العهود و هي ما ذكرناه و هو التسليم الحقيقي و هو الاسلام الذي هو الدين عند اللّه و هو الايمان الكامل و هو امتثال جميع الاوامر و اجتناب جميع النواهي و هو قوله عليه السلم و قال اللّه انّما يتقبّل اللّهُ من المتّقين فمن اتّقي اللّه تعالي فيما امرَهُ لقي اللّهَ مُؤمناً بما جاۤء به محمد صلي اللّه عليه و آله الحَد۪يث و قد تقدَم .
و قوله عليه السلم : لاۤئذ بقبوركم
اي ملتجِئ فهو بمعني عاۤئذ اَوْ اَحدِ مَعْنَييه فعلي الاوّل يراد ان الالتجاۤء و الاستجارة انما هي بهم صلي اللّه عليهم و الالتجاۤء اليهم نفس الالتجاۤء الي اللّه تعالي و الاستجارة بهمْ نفس الاستجارة باللّه سبحانه و هو سبحانه يجير و لايجار عليه و لا ملتجأ منه الّا اليه و انّما اتّحد الالتجاۤء بهم و الالتجاۤء باللّه لانّه لايوجد سبحانه الّا حيث وُجِدوا و لايظهر الّا حيث ظهروا و ذلك لانه عز و جل انّما وَجَدهُ مَن عَرَفهُ بهم و انما ظهر بهم و انما عُرِف بهم لانهم عليهم السلم كما مر مكرّراً معانيه و ابوابه و ظاهره في خلقه و اركانُ مقاماتِه۪ و علاماتِه۪ و صفاتُهُ و اسماۤؤهُ و ذلك لان جهة الالتجاۤء اليه اذا طلبها العارفُ بهم لم‌يجدها الّا اِيّاهم و ذلك لتقدس ذاته السبحانية عن النسب و الانتسابات و جهاتُ الخلقِ في الخَلْقِ و هو قول علي عليه السلم الحقّ انتهي المخلوق الي مثله اي مخلوقٍ مثله فنزّهَ الحَقّ سبحانه عمّا سِوَاهُ و قرنَ المخلوق بما سَاواه فتكون المغايرة بين عاۤئذ و لاۤئذٍ للتحسين و انما ذكرت القبور مع انّ الالتجاۤء انما هو اليهم لانّهم الٰان لم‌يوجدوا لنا و انما توجد قبورهم و الالتجاۤء الي قبورهم انما هو لاجل انّها ابواب غيبَتهم كما ان الغاۤئب في بيته انّما ينتظر وَ يرتَقَبُ عند الباب و علي الثاني يراد انّ الالتجاۤء و الاستجارة اللّذين هما طلب الاَمْن من مكاره الدارين انما هما الدخول للبيت الذي جعله عز و جل اَمْناً لداخليه حيث يقول و من دخله كان آمِناً و هم صلي اللّه عليهم البيتُ المشار اليه لا هذه البنية المشرّفة الظّاهر فكم من داخلٍ فيه لم‌يأمن علي نفسه فقد قتل ابن الزبير فيه و دخل القرامطة لعنهم اللّه الي مكة المشرّفة ايام الموسم في سنةِ عشرٍ و ثلٰثمائة من الهجرة و اخذوا الحجر الاسود و قتلوا خلقاً كثيراً من الطاۤئفين و غيرهم و ممّن قتلوه علي بن بابوَيْه و كان يطوف فاقطع طوافه فضربوه بالسيف فوقع علي الارض و انشد :
تري المحبّين صرعي في ديارهم       ** * **      كفِتيَةِ الكهف لايدرون كم لبِثوا
و نقلوا الحجر الي القطيف و بقي عندهم عشرين سنة و ردّ الي مكة في سنة ثلاثين و ثلثمائة و قيل بقي تسع‌عشرة سنة و في امالي الصدوق قال تعالي للنبي (ص‌) في حق عليّ عليه السلم و جعلته العَلَم الهادي من الضّلالة و بابي الَّذ۪ي اُوتيَ منه و بيتي الَّذ۪ي مَن دخله كانَ آمِناً من ناري فهم عليهم السلم ذلك البيت و ولايتهم ذلك البيت و معرفتهم ذلك البيت فالالتجاۤء اليهم دخول هذا البيت و امّا الالتجاۤء الي قبورهم فلانّها مدافنهم و تُرَبُهُمْ فهو التجاۤء الي قبورهم و كونُ الالتجاۤء الي قبورهم التجاۤء اليهم لانهم فيها او لانّها حفرهم لانهم ليسوا فيها بل رفعهم اللّه اليه احتمالان و الاحاديث عنهم عليهم السلم اكثرُهَا يدلّ علي الثاني فانّ الاخبار منها ما يدلّ علي انهم لايبقون في قبورهم الّا ساعة و منها لايبقون الّا ثلٰاثة ايّام و منها انهم اوّل الامر يبقون ثم يرفعون كما في رواية كامل‌الزيارة و غيره لمّا سئل الصادق عليه السلم عن الحسين عليه السلم لو نُبش وُجد في قبره قال ما معناه امّا في الاوّل فنعم و امّا الٰان فلا لانّه الٰان متعلّق بالعرش و هو داۤئماً ينظر الي زُوّاره و انّما يُزَار موضع حفرته و امّا ما يدلّ علي انّهم في حفرهم فكثير مثل ما يروَي انك تأتي الحسين عليه السلم مثلاً و تزورُه في قبره و تشير الي قبره و تخاطبه و تقول اشهد انّك تري مقامي و تسمع كلامي و تردّ عليّ سَلامي و احتمال المجاز تعارضه اصليّة استعمال الحقيقة و الذي اعرف و اعتقد ان مدلولي النوعين من الاخبار صحيحان علي ظاهرهما و انّما الاشكال و الصعوبة في الجمع بينهما مع تنافيهما ظاهراً و ذلك لغموض معني رفعهما علي الافهام قبل التنبيه عليه و انا انشاۤء اللّه تعالي آتيك ايّاه فخذه و كن للّه من الشاكرين .
اعلم ان اجسادهم و اجسامهم عليهم السلم في غاية اللطافة بحيث لاتدركها الابصار بل و لا البصاۤئر فقد روي عنهم (ع‌) انّ اللّه خلق قلوب شيعتهم من فاضل اجسامهم و في رواية ان اللّه خلق ارواح شيعتهم من فاضلة طينتهم او اجسامهم و خلق ارواحهم من فوق ذلك و خلق ارواح شيعتهم من دون ذلك و قد تقدّم الاشارة الي ذلك مراراً و انما ظهروا للناس بما لبسوا من الصورة البشريّة التي هي محلّ التغيير و التبدُّل و هي صورة كثيفة من العناصر الاربعة التي تحت فلك القمر و انّما لَبِسُوها ليتمّ ما ارادَ اللّهُ مِن انتفاع المكلّفين بهم و لولاها لماقدر احدٌ من الخلق ان يراهم او يدركهم او ينتفع بهم من قوله تعالي و لو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً و للبَسْنا عليهم ما يلبسون و كانت الصورة البشريّة و ان كانت لهم عارضيّةً لانها ليست منهم و انما هي من آثار آثارهم فلمّا انتهت الحاجة اليها و انقضت و لم‌يكن لها فاۤئدة و لا مصلحة القَوْها في اصولها الاربعة كلّ في اصله فلمّا القوها كشِف منهم ما اخفته البشريّة بكثافتها ظاهراً فكانوا كما كانوا في اعالي عالم الانوار معلّقين في اوَاۤئل عللهم من الامر الذي قام به كلّ شي‌ء و مثال ظهورهم بالبشريّة و ما بعده مما اشرنا اليه الصورة التي ظهرَتْ منك في المرءٰاة فانّ جرم الشيشة الصقيل للصورة بمنزلةِ الصورة البشريّة لهم اي لظهورهم عليهم السلم اذ لولا جرم الشيشة و صقالته لماظهرت الصورة مع انها موجودة في ظلّك و انما توقّف ظهورها علي الصورة البشريّة التي هي الشي‌ء الصقيل كالمرءاةِ و الماۤء و ما اشبههما فالصورة شبَحُك معلّق بك مستقرّ في ظلّك عارض لك لا ذاتي لانه نورك و شعاعُكَ فاذا ذهبت المِرْءٰاةُ خفي الشبَحُ لعدم شرط ظهوره فكان كما كان في اعالي عالم ظهورك الذي هو عالم انوارك اي انوار افعالك معلّقاً في اواۤئل علله من الامر الذي من فعلك اي ظهورك الذي قام به كل شي‌ء من آثار ذلك الفعل فافهم هذا بيان الجوابِ علي كشف جميع الاسباب و رفع الحجاب و امّا قشر الجواب فاعلم انّهم انوار لا كثافةَ في اَجْسَامِهم بوجهٍ بحيث لاتدركها الابصار بل اكثر البصاۤئر و هي حينئذٍ في رتبة لطافة العرش فاذا زالت الكثافة البشرية التي هي علّة الادراك قلنا انّهم معلّقون بالعرش و هم في حفرهم كما قد تقرّر عند علماۤءِ الفَنّ انّ الصورة التي تراها في المِرْءاة من عالم المثال و هو يعني عالم المثال في الاقليم الثامن اسفله علي اعلي محدّد الجهات يعني ان الصورة المرئيّة اذا نسبت في الرتبة و اللطافة تكون فوق محدَّب مجدّد الجهاد ( محدّد الجهات ظ ) لانّه الطف الاجسام و الصورة اي عالم المثال فوقه في الرتبة لا الجهة اذ ليس وراۤء محدّب محدّد الجهات شي‌ء محدَث فقول الحكماۤء الاوّلين المستمدّين من مشكوة الوحي و النبوة ليس وراۤءه خلاۤء و لا ملاۤء يريدون انه لم‌يخلق اللّه سبحانه شيئاً من الاشياۤء خارجاً بالمكان و الشيئيّة عن المحدد فلا وراۤء له لا انه له وراۤء خالٍ او لا خالٍ و لا ممتلٍ كما توهّم بعضهم ان وراۤءه المجردات و هي لاتوصف بالخلاۤء و الملاۤء بل المراد انه ليس له وراۤء و اذا اردت ان تري آيته و مثاله فانظر الي نفسك فتري انه ليس وراۤءك شي‌ء منك فاذا قلتَ ان الروح وراۤء هذا الجسد لاتريد به الّا انها غيب فيه بلا تحيّز لا انها خارجة عنه ليكون وراۤء جسمك شي‌ء منك لك فافهم التمثيل فاجسادهم عليهم السلم في قبورهم في رتبة الاجساد من اللطافة و هو معني تعلّقها بالعرش اي في الرتبة و اللطافة فلو وجدت الصورة البشرية الأن وجدتهم في قبورهم فلمّا خلعُوها في اصولها لم‌يجدهم في قبورهم احد الّا ان يكون واحداً منهم عليهم السلم فانه يدرك ذلك لكونه من هنالك و لايمنعه ما فيه من الصورة البشريّة التي بها نجدُه لانَّها اذا نسبت الي نوريّته كانت كالذرّة في هذا العالم و لهذا صعد النبي صلي اللّه عليه و آله ليلة المعراج بجسْمه الشريف مع ما فيه من البشرية الكثيفة و بثيابه التي عليه و لم‌يمنعه ذلك عن اختراق السموات و الحجب حجب الانوار لقلّة ما فيه من الكثافة الاتراه يقف في الشمس و لايكون له ظلّ مع ان ثيابه عليه لاضمحلالها في عظيم نوريّته و كذلك حكم اهل بيته الثلاثة‌عشر المعصوم صلي اللّه عليهم اجمعين و مثال ذلك انك لو وضعتَ مثقالاً من التّراب في مثقال من الماۤء او اقل او اكثر بقليل كان الماۤء كدراً لكدورة كثافة التراب و لو وضعتَ مثقال التراب المذكور في البحر المحيط لم‌يظهر للمثقال التّراب اثر بل يكون وضعه و عدمه بالنسبة الي البحر المحيط سواۤء نعم لو نظرت الي المثقال التُّراب في قدره من البحر المحيط قبل تموّجه و استهلاكه ادركته كذلك هم عليهم السلم حال تعلّق البشريّة تدرِك منهم ما تلبّست به الكثافة البشريّة حال ارادتهم التلبّس و الأن لم‌يريدوا التلبّس و خلعوها في اصولها فاجسادهم في قبورهم معلّقون بالعرش و عبارة اخري اجسادهم في السماۤء في قبورهم و حفرهم المعلومة التي تأتي اليها زوّار شيعتهم المؤمنين اللهم ارزقنا زيارتهم و ادخلنا بِرحمتك في شيعتهم يا ارحم الراحمين فالنّاس حيث لم‌يدركوهم و لو نبشوا قبورهم لم‌يروهم يزورون مواضع آثارهم و لعمري انهم صلي اللّه عليهم فيها في السماۤء او معلّقون بالعرش و في كامل‌الزيارة لجعفر بن محمد بن جعفر بن قولويه باسناده عن عبداللّه بن بكر الاَرْجاني في حديث طويل عن الصادق عليه السلم و فيه قلت جعلتُ فداك اخبرني عن الحسين عليه السلم لو نبش كانوا يجدون في قبره شيئاً قال يا ابن بكر ما اعظم مساۤئلك الحسين مع ابيه و امه و الحسن في منزل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يُحبَون و يرْزقون فلو نُبش في ايّامِه لوجد فامّا اليوم فهو حيّ عند ربّه ينظر الي معسكره و ينظر الي العرش متي يُؤمَر ان يحملَهُ و انه لعلي يمين العرش معلّق يقول يا ربّ انجز لي ما وعدتني و انّه لينظر الي زوّاره و هو اعرف بهم و باسماۤئهم و باسماۤء آباۤئهم و بدرجاتهم و منزلتهم عند اللّه من احدِكم بوُلدِه۪ و ما في رحلهم و انه ليري مَن يبكيه فيستغفر له رحمة له و يسئل اباه الاستغفار له و يقول لو تعلم ايّها الباكي ما اُعِدَّ لك لَفرِحْتَ اكثر ممّا جَزِعتَ و يستغفر له كل من سمع بكاۤءه من الملاۤئكة في السماۤء و في الحاۤئر و ينقلبُ و ما عليه من ذنبٍ و فيه عن زياد بن ابي‌الحلال عن ابي‌عبداللّه عليه السلم قال ما من نبيّ و لا وصيّ يبقي في الارض اكثر من ثلاثة ايّام ثم يرفع روحه و عظمه و لحمه الي السماۤء و انّما يؤتي مواضع آثارهم و يبلّغونهم من بَعيدٍ السّلامَ و يسمعونهم في موضع آثارهم من قريبٍ قوله عليه السلم يبلّغونهم من بعيد السّلامَ يعني به انّ الزوّار يبلّغون الائمة عليهم السلم من بعيدٍ السلامَ فضمير الجمع الفاعل للزوار و المفعول للائمة عليهم السلم و انما كان التبليغ من بعيد لبُعدهم عن الادراك و عن وجدانهم لانّهم في السماۤء اي الخلوص و الصفاۤء الذي لايدركونه و هم عليهم السلم يسمَعون زوّارهم و هم في قبورهم من قريب لانهم حاضرون في قبورهم فضمير الفاعل في يسمعون لهم عليهم السلم و المفعول لشيعتهم و زوّارهم فقوله عليه السلم لاۤئذ بقبوركم المراد منه انّي لاۤئذ بقبوركم لانكم فيها ترون مقامي و تسمعون كلامي و تردّون عليَّ سَلَامي فانا لاۤئذ بكم فيصير بمعني عاۤئذ بكم لاۤئذ بكم فيختلف المعني في العبارتين فيكون اني عاۤئذ بكم اي معتصم بكم لاۤئذ اي مستجير بكم فاذا جمعت بين الخبرين فرّقتَ بين المتعلّقَين و اذا جمعتَ المعلّقَيْن فرّقتَ بين الخبرين لئلايصير في الكلام تكرار و التأسيس خير من التأكيد .
قال عليه السلم : مستشفع الي اللّه عز و جلّ بكم و متقرّب بكم اليه و مقدّمكم امام طلبتي و حواۤئجي و اراداتي في كل احوالي و اموري
قال الشارح المجلسي (ره‌) مستشفع الي اللّه عز و جلّ بكم اي اجعلكم شفعاۤئي الي اللّه تعالي و اسأله بحقكم في قضاۤء حواۤئجي و متقرّب بكم اليه اي اجعلكم وساۤئل قربي اليه او اتقرّب اليكم حتي اتقرّب اليه تعالي فان قربكم قرب اللّه تعالي و مقدّمكم امام طلبتي اي اسألُه بحقّكم او اصلي عليكم قبل الدعوات حتي تصير مستجابة كما ورد في الاخبار المتواترة ان الدعاۤء لايقبل بدون الصلوة علي محمد و اهل بيته انتهي .
اقول يراد بالاستشفاع بهم اَنْ يتوجّه الي اللّه تعالي باحضارِ صورهم اَمام قلبه المتوجّه الي اللّهِ و هم اَمام توجُّهِه متوجّهون الي اللّه تعالي له فيدعو اللّه بتوجّههم الي اللّه في استجابة دعاۤئه و قبول توبته و ان يقبلَهُ علي ما هو عليه من تقصيره و يدخِلَهُ في عباده الصالحين فهم المستشفعون له او هو المستشفع بهم بان يدعو اللّه عز و جل و يقسم عليه تعالي بحرمتهم و بحقّهم و بجاههم عنده ان يستجيب دعاۤءَهُ فيما يطلب من مالك الدنيا و الٰاخرة فالسين في مستشفع للطَّلَب منهم ان يطلبوا من اللّه له مطالبه فانه تعالي لايردّهم او للطّلب من اللّه تعالي بحقّهم و بجاههم فهو علي الحالين مقدِّم لهم اَمامَ توجهه اليه تعالي فعلي الاوّل هم الشافعون له و علي الثاني هو المستشفِع من اللّه بهم و حرمَتُهم المقسم بها علي اللّه هي ما اقامهم منه تعالي لعباده بان جعلهم اركان توحيده و آياته و مقاماته الّتي ظاهرُها انهم عليهم السلم ظاهرُه في خلقه و بان جعلهم معانيه اي معاني اسماۤء افعاله من علمه و قدرته و سمعه و بصره وَ ارادته و محبّته و امره و كتابه و سرّه و مفاتح غيبه و اَلْسنة ارادته و محاۤلَّ مشيته و عيبة علمه و خزاۤئن جميع آثار افعاله من عرفهم فقد عرف اللّه و من انكرهم فقد انكر اللّه و من احبّهم فقد احَبَّ اللّه و من ابغضهم فقد ابغض اللّه فهم اقطاب جهات مطالب الخلق من اللّه سبحانه كيف يحبّ اللّه من يبغض جهة محبّتِه۪ من اللّهِ او قطبها الذي عليه دارَتْ اَوْ سببها الذي به كانت و كيف يعرف اللّهَ من ينكر جهةَ مَعْرِفتِه۪ لِلّهِ و حقهم علي اللّه ان اللّه سبحانه خلقهم لَهُ كما هم له فخلصوا له فحقّهم عليه خلقُه ايّاهم له كما هم له فكان بهذا الحق اَنْ كان لهم كلّ ما كان له و كل ما يكون له و ذلك جميع ما كوّنَ في ملكه و ما يُكوّن فلايكون له من ذلك ما ليس لهم و لايكون لهم من ذلك ما ليس له لانه في الحالَيْن انّما كان له ليكون لهم فحقهم عليه حقّه عليهم لا فرق بينك و بينها الّا انهم عبادك و خلقُك الدعاۤء ، و جاههم عنده هو جاهُه عندهم لانّهم اَمْثَالُه العليا فلمّا اراد ان يُعْرَف سبحانه تعرّف لهم بانفسهم فعرفوه بما وصف به نفسه من انفسهم فذلك هو الجاه قال اللّه سبحانه كل مَنْ عليها فانٍ و يبقي وجه ربّك ذي الجلال و الاكرام و قال تعالي فاينما تُوَلّوا فثَمّ وجه اللّه ان اللّه واسع عليم ، و هو الجهة ايضاً كما في الدُّعَاۤء عنهم عليهم السلم وجهُك خير الوجوه و جاهُك خَيْر الجاهِ و جهتُك اكرم الجهات الدعاۤء .
و قوله عليه السلم : و متقرِّبٌ بكم اليه
التقرّب اليه سبحانه القيام باوامره و اجتناب نواهيه و التأَدُّب بٰادابه و التخلّق باخلاق الروحانيين علي النحو الذي دعا اليه و دلّ عليه و هو ان يأخذ الاوامر الالهيّة و المناهي الجبّاريّة عنهم عليهم السلم و يمتثل بالاوامر و يجتنب المناهي علي سنن تعليمهم و عملهم و يأخذ التأَدّبات و التّخلّق باخلاق المجرّدات عن كدورات البشريّة عنهم عليهم السلم و يستعمل اَعْمَال علومه بذلك علي نحو استعمالهم لذلك مقدِّماً لهم امامَ علومه و اعماله و استعماله ليقتفي بهم لانّهم الهادون و يستدل بهم و بدلالتهم لانهم الادلّاۤء الراشدون معتقِداً ان هذا النحو هو مراد اللّه من عباده و لذلك خلقهم وَ اسكنهم في بلاده لايقبل منها الّا ما وافق رضاهم و لايوافق الّا ما اخذ عنْهم علي جهة الانقياد و التسليم المحض الذي يكون فيه المطيع كالميت و كالجماد لايعتبر من شؤن نفسه في وجدانه الّا ما اعتبروه له لطاعة اللّهِ فاذا كان هكذا طهر ظاهره و باطنه و توافقا و صدق مع ربّه خلف ساداته في جميع المواطن و زكا و زكّاه اللّه سبحانه و طَهّره بما وفّقه له من اتّباعهم حتي كان قريباً منه فشابه وجهه في كتاب اللّه المحفوظ و هو قول علي عليه السلم و خلق الانسان ذا نفسٍ ناطقةٍ انْ زكّاهَا بالعلم و العمل فقد شابهت جواهرَ اواۤئل عللِها يعني انه يكون مثل عقله الذي هو رأسٌ من العقل الكلي الذي هو عقل الكل في التقدّس و عدم التلوّث بشي‌ء من شائبَة الاجسام و الجسمانيات لا ملابسة و لا مقارنة فيكون كالعقل شهوده و وجوده و رؤيته و دعوته و قوله و عمله و جميع احواله داعيةً الي عبادة الرحمن كاسبةً مُكْسِبَةً للجنان و هو القريب الي اللّهِ تعالي و حقيقة تقرُّبِه انّما هو بهم عليهم السلم كما سمعتَ و الدليل علي هذٰا ان الاخبار المتكثرة من الفريقين حتي انه يمكن دعوي تواترها معنيً انه لو عمل هذا العمل و اعظم منه من لم‌يتولّ بهم ماكانت اعماله الّا هباۤءً منثوراً و عن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي بن الحسين عن ابيه عن اميرالمؤمنين قال قال رسول اللّه (ص‌) يا علي انت اميرالمؤمنين و امام المتّقين يا علي انت سيد الوصيين و وارث علم النّبيين و خير الصديقين و افضل السابقين يا علي انت زوج سيّدة نساۤء العالمين و خليفة خير المرسلين يا علي انت مولي المؤمنين يا علي انت الحجة بعدي علي الناس اجمعين استوجب الجنّة من تولّاك و استحق دخول النار من عاداك يا علي و الذي بعثني بالنبوة و اصطفاني علي جميع البرية لو ان عبداً عبد اللّه الف عام ماقبِل اللّه ذلك منه الّا بولايتك و ولاية الائمة من ولدك و ان ولايتك لايقبلها اللّه الّا بالبراۤءة من اعداۤئك و اعداۤء الائمة من ولدك بذلك اخبرني جبريل (ع‌) فمن شاۤء فليؤمن و من شاۤء فليكفر ، اقول و قد تقدم بعض هذا الحديث و بعض غيره اقول و معني القرب انه لمّا فعل ما امر به كما امر به طهرت جملته ظاهراً و باطناً فكان بعظيم تزكّيه و طاهِريّته۪ من نوع الروحانيين و من شكل جواهر العلل فكان بطهارته و صفاۤئه قريب المكانة من المبدء الفيّاض لشدّة قابليّته و عظيم استمداده و تلقّيه فانّ القريب من المنير اشدّ استنارة من البعيد و مرادنا بالقريب شديد الصقالة و الصَّفاۤء لا قريب المكان من المنير فانّ المِرءاة اشدّ استنارة من الجدار بنور السراج و ان كان الجدار اقرب الي المنير من المرءاة و ليس الّا لصفاۤئها فهو اذا تقرّب بهم نال القرب من اللّه بهم لانّ مَنْ تولّاهم و تبرأ من اعداۤئهم علي نحو ما ذكرنا مراراً كان تابعاً لهم و قابلاً لوصلهم يتمّمون له ما نقصَ من قابليّته و مقبوليّته عن نيل درجات المقرّبين بفاضل حَسَناتهم و اعمالهم و فاضل انوارهم فبذلك منهم يلحق بالمقرّبين .
و قوله عليه السلم : و مقدّمكم امام طلبتي و حواۤئجي و اراداتي في كل احوالي و اموري
يراد من التقديم معني الاستشفاع و التقرب بهم كما ذكرنا سابقاً و معني آخر سنذكره بعدُ لا انه يتخيّل عند العبادة صورهم و يتمثلهم كما يفعلونه اهل التصوّف الذين يأمرون مريديهم به يقول الشيخ منهم لمريده اذا اردتَ ان تصلّي فرض الظهر تتصوّر صورتي اَمام نيّتك و تمثّل هيئتي عند قصدك لانك قاصدٌ الي معبود بينك و بينه مسافة طويلة و انت لم‌تقطعها و انا قد قطعتها و وصلتُ اليه و انت تابع لي و سالك مسلكي لاتصل الّا باتّباعي فاذا تخيّلتَ صورتي اَمامَ قصدِك و صورتي في خيالك هي حقيقة ظاهري الذي تشاهده ببصرك لان الخيال هو اصل الوجود و الظاهر من آثارِه۪ قاۤئم به و حقيقتي قد اتّصلت بمعبودك و انت بخيالك اتّصلتَ بحقيقتي وصلتَ الي معبودك بدلالتي و هدايتي و كذب لعنه اللّه لانّ مريدَه اذا تخيّل صورته اَمام قصده كانت الصورة المحدودة بالابعاد هي معبوده المقصود بعبادته او وجه معبوده فان قيل انه يدّعي انها ليست مقصودة بالعبادة قلنا اذا لم‌تكن مقصودة بالعبادة فهي امّا دليل علي المقصود بالعبادة اوْ لا فان كانت دليلاً فهي انّما تدلّ بهيئتها فيلزمه ان يكون مدلولها علي تلك الهيئة من التحديد و التخطيط و ان لم‌يكن مدلولها كذلك فبأَي شي‌ء تدلّ عليه اذا لم‌تدلّ بهيئتها و ان لم‌تكن دليلاً و لا مدلولاً فهي صورة شيطانية تشغله عن التوجّه الي معبوده الذي ليس كمثله شي‌ء بملاحظتها و انّما المراد بتقديمهم عليهم السلم امامه في كل احواله لانّ المعبود الحق جل و علا هو المقصود بالعبادة وحده و المطلوب منه كل خير وحده لا شريك له و لمّا كان سبحانه لايشبههُ شي‌ء و لايعرف كيف هو في سرّ و علانية الّا بما دلّ علي نفسه و لايدلّ علي نفسه بغيره لان ذلك يضلّ المدلول فانك لو دللتَ علي الطويل بالقصر لضلّ المدلول و انّما يدلّ علي نفسه بما يهدي المدلول و ذلك لايكون الّا باسماۤئه و صفاته و هم صلي اللّه عليهم اسماۤؤه و صفاته و الذات لايمكن القصد اليها و الارادة لها الّا باسماۤئها و صفاتها و مع هذا فلايجوز ان تتصوّر صورة النبي صلي اللّه عليه و آله او علي عليه السلم او الائمة عليهم السلم عند توجّهك الي اللّه تعالي لان هذا شرك و كفر لان ما تتصوّر لايدلّ عليه و ما يدلّ عليه تعالي لايمكن تصوّره اذ لا صورة له و الّا لعُرِف تعالي بصورة فليس معني التقديم لهم اَمام كل شي‌ء للّه تعالي من عبادة و دعاۤء و ذكر و غيرها الّا ان تدعوه وحده باسماۤئه و هم تلك الاسماۤء الاتري انّك اذا اردتَ ان تخاطب زيداً و تقصده و هو متعيّن قاعد عندك لم‌تقدر علي ذلك الّا باسماۤئه و صفاته فتقولُ يا زيد و لا تريد الاسم و لاتتصوّره و انّما تعني المعني المدعو و لكن لاتقدر ان تتوصل الي جهة توجّهه و اقباله اليك الّا باسمه او صفته فتقول يا قاعد و لست تريد القعود و لاتلاحظه و لاتتصوّره الّا ان مقصودك هذا المعني المعلوم عندك بصفة القعود اَوْ بالاشارَة اليه فتقول هذا غير ناظرٍ الي الاشارة فاذا دلّك الاسم و الصفة و الاشارة علي زيدٍ في حالٍ منك قد خلي وجدانك منها و ملاحظتُك و نظرك فهي اسماۤؤه و صفاته و آياته الدّاۤلة عليه و لايدلّ شي‌ء منها عليه حين وجدانه لانه حينئذٍ حجاب جلالٍ لِوجْدٰانك انّيّتَهُ كما امر به الصوفي من تصوّر صورته اَمام تَوَجُّهِه۪ و لكن لمّا كان علم التّصوّف عندهم شرطه ان يكون جارياً علي مذهب السّنّة و الجماعة كما صَرَّحَ به عبدالكريم الجيلاني في اول كتابه الانسان الكامل و نظرهم بهذا العلم الخبيث علم الضلالة و الكفر و مقصدهم المعارضة و المباهاة لائمة الهدي صلي اللّه عليهم ليصرفوا وُجوهَ الناس اليهم و لتصغي اليه افئدة الذين لايؤمنون بالٰاخرة و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون و اللّه سبحانه بلطيف تدبيره يضلّ به كثيراً ممّن مال اليهم و اتّبعهم و اقتدي بهم و يهدي به كثيراً ممّن ردّ عليهم و انكرهم و تبرّأ منهم و من اتباعهم وَ مايضلّ به الّا الفاسقين الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه يعني الميثاق الذي اخذ عليهم اَلّايقولوا علي اللّه الّا الحق و يقطعون ما امر اللّه به ان يوصل و هو ما امَرَ به من اتّباع اهل البيت عليهم السلم و الردّ اليهم و التسليم لهم في قوله تعالي يا ايّها الذين آمنوا اتّقوا اللّه و كونوا مع الصادقين ، و يفسدون في الارض اولٰۤئك هم الخاسرون لانهم قد ضلّوا باعتقاداتهم الفاسدة كما اشرنا الي بعضها سابقاً و اضلّوا كثيراً ممن اصغي اليهم و ضلّوا عن سواۤء السبيل اي عن وسط الحق في قوله تعالي و كذلك جعلناكم امةً وسطاً فافهم فلما كان علمهم مبنياً علي غير الصراط المستقيم اضلّهم الشيطان عن طريق الحق ليجعل ما يلقي الشيطان فتنةً للّذ۪ين في قلوبهم مرض و القاسية قلوبهم و ان الظالمين لفي شقاقٍ بَع۪يدٍ و زيّن لهم ان هذا التصور هو الدليل الي اللّه كما ان ذا الصورة هو الذي يدلّك بعلمه عليه و بنَفَسِه و اخلاقه كذلك صورته تدلّ خيالك علي اللّه فزيّن لهم الشيطان ان يتصوّروا صنَماً يحدثونه باوهامهم يتوجهون اليه في عبادتهم مع انه مكنوفٌ بالحدود و المقادير فلمّا تنبّه بعضهم الي هذه الحدود نطق له الشيطان علي اَلْسِنةِ مشاۤئخهم و كبراۤئهم بانّ الوجود واحد يتكثّر و هو واحد في كثرته و يتحدّد و هو غير متعيّن في تعيّنه و تشخّصه فقال شعراً :
كلّ شي‌ءٍ فيه معني كلّ شي‌ء       ** * **      فتفطّنْ و اصرفِ الذّهنَ الَيّ
كثرة لاتتناهي عَدَداً       ** * **      قد طوتها وحدة الواحد طي
و الحاصل لا حاجة الي التطويل في بيان مَخازيهم و قبيح معتقداتهم و نحنُ مرادُنا بتقديم ائمّتِنا عليهم السلم اَمامَ عبادتنا و ذكرنا و دعاۤئنا انّا نعبد اللّه علي نحو عبادتهم و بما عبدوه و نعرفه بما عرّفوه و نصفه بما وصفوه و ندعوه سبحانه باسماۤئه و صفاته و معانيه كما مثّلنا سابقاً و معني ذلك انا مثلاً اذا قلنا يا رحيم فانّا ندعو معبوداً وصف نفسه برحمة حادثة خلقها و اشتقّها من لطفه و هم عليهم السلم تلك الرحمة الحادثة و لانريد بها الرحمة التي هي ذاته لان تلك لا عبارة لها و لا كيف لانها هي هو بلا اعتبار تعدّد و لا كثرة و لا مغايرة فلاتقع عليه العبارة و لاتعيّنه الاشارة و لاتميّزه الصفات و لاتكتنفه الاوقات و انّما الرحمة التي هي معني من معاني اسماۤئه احدثها و تعبّد بها خلقه قال تعالي و للّه الاسماۤء الحسني اي ملكه و خلقه فادعوه بها فتقول يا رحيم يا كريم يا جواد يا غفور و هكذا الي ساۤئر اسماۤئه و هي هم عليهم السلم ففي تفسير العياشي عنه عليه السلم قال اذا نزلت بكم شدّة فاستعينوا بنا علي اللّه و هو قول اللّه وَ للّه الاسماۤء الحسني فادعوهُ بها قال نحنُ واللّهِ الاسماۤء الحسني الذي لايقبل اللّه عملاً الّا بمعرفتِنا و في التوحيد عن ابي‌عبداللّه عليه السلم قال اللّه غاية من غيّاه و المغيّي غير الغاية و وصف نفسه بغير محدوديّة فالذاكر اللّهَ غير اللّهِ و اللّهُ غير اسماۤئه و كل شي‌ء وقع عليه اسمُ شي‌ء سواه فهو مخلوق الاتري الي قوله العزّة لِلّٰهِ العظمة لِلّهِ و قال و للّه الاسماۤء الحسني فادعوه بها و قال قل ادعوا اللّهَ اوِ ادْعوا الرحمن ايّاً ما تدعو فله الاسماۤء الحسني فالاسماۤء مضافة اليه و هو التوحيد الخالص ، اقول قوله عليه السلم فالاسماۤء مضافة اليه هو ما ذكرتُ لك اي منسوبة اليه لانها ملكه و اسماۤؤه و خلقُهُ و قوله عليه السلم اوّلاً و كلّ شي‌ء وقع عليه اسم شي‌ء سواه فهو مخلوق هو ما ذكرنا سابقاً فانّا ندعوا معبوداً وصف نفسه برحمة حادثةٍ خلقها و اشتقّها من لطفه و اشتقّ هذا اللطف من رأفته و اشتقّ هذه الرأفة من قدرته اي من اقتداره و ليس المراد من هذه القدرة عين ذاته فانّ ذاته لايشتَقّ منها شي‌ء و ليس المراد من قوله عليه السلم سواه في قوله عليه السلم و كل شي‌ء وقع عليه اسم شي‌ء سواه استثناۤء من الموقوع عليه اسم شي‌ء ليكون المعني انه تعالي وقع عليه اسم شي‌ء و ما سواه وقع عليه اسم شي‌ء الّا انّه مخلوق بل المراد من سواه البيان للموقوع عليه و المعني و كلّ شي‌ء وقع عليه اسم شي‌ء ممّا سواه فافهم لانه تعالي لايقع عليه شي‌ء و لايقع علي شي‌ء اذ ليس بينه و بين ما سواه نسبة و ليس بين ما سواه و بينه نسبة الّا نسبة الاحتياج الي صنعه و مدده و فيضه في كلِّ ما ينسب له فقولي في قوله تعالي و للّه الاسماۤء الحسني انهم هم الاسماۤء الحسني و قولي في قوله فادعوه بها فتقول يا رحيم يا كريم يا جواد يا غفور و هكذا الخ ، اريد به انهم عليهم السلم تلك الرحمة المحدثة التي هي ركن رحيم و الكرم المحدَث الذي هو ركن كريم و الجود المحدَثُ الذي هو ركن جواد و المغفرة المحدثة التي هي ركن الغفور و هذه الاسماۤء تقوّمت بهذه المعاني المحدثة لان هذه الاسماۤء اسماۤء افعالِ الذاتِ العليّة و هي التي امرنا ان ندعوه بها فكريم اسم فاعل الكرم فهو اسم فعل و الكرم ركنه الذي تقوّم به و هم عليهم السلم ذلك الكرم الذي هو ركن اسم كريم و متقوّم به و انما كان كريم اسماً لِتقوُّمِه۪ بالكرم و كريم هو دليلنا علي المعبود و المدعوّ سبحانه و المقصود بالعبادة و بالسؤال و الدعاۤء هو مدلول كريم و مسمّاه علي وجهٍ تضمحلّ فيه هذه الاسماۤء الداۤلّة و المطالب و الطالبين عن الوجدانِ بلا اشارة و لا كيفٍ و هكذا في جميع اسماۤئه سبحانه و الي هذه الرتبة و هي رتبتهم في المعاني الاشارة بقولهم عليهم السلم حيث يقولون عليهم السلم نحنُ معانيه يعني معاني افعاله لانه تعالي لم‌يعرف الّا بما عرّف به نفسه و لم‌يتعرّف لاحدٍ من خلقه الّا بصفاتِ افعاله و صفات افعاله آثارها الدالّة عليها كما تدلّ آثار افعال النار من الحرارة و الاحراق علي افعالها و افعالُهَا تدلّ بما تقومت به علي نفس النار من جهة القصد اليها و المعرفة لها و لانريد ان تلك الاَسْماۤء اي اسماۤء افعالها كالمحرق و المسخّن و المحرِّر بكسر الراۤء الاُولَي تدلّ عليها اي علي كنهها دلالة تكشِفُ عن حقيقتها و انما نريد انها تدلّ عليها من جهة ما ظهرت به لنا من افعالها اي تعرّفَتْ لنا به لانّها لم‌تظهر لنا بذاتها و انّما ظهرت بافعالها فافهم فانّ هذا آيةُ ما اشرنا اليه من معني انهم هم الاسماۤء الحسني التي امرنا ان ندعو اللّه بها مثل يا كريم يا رحيم كما مر و هو حقيقة معني و مقدِّمُكم اَمامَ طلبتي و حواۤئجي الخ ،
و اعلم انّ التوحيد الخالص له مراتب و ليس وراۤء هذه المرتبة التي هي رتبة المعاني مرتبةً اعلي منها علي ما وصل اليّ في اسرار اهل العصمة عليهم السلم الّا مرتبة المقامات و هذا فيما اعرف و اعتقد بالنسبة الي ما دون العصمة و اما اهل العصمة عليهم السلم فلهم مراتب لايصل اليها احد سواهم بكل وجهٍ فلاندّعيها و لانريدها باطلاقات عباراتنا لانّا لانعرفها نعم قد تصلح عباراتنا لها عند من يعرفها و يصل اليها و لهذا تراهم عليهم السلم يعبّرون بهذه العبارات الّتي نعبِّر نحنُ بها عن مقاصدنا امّا انا فٰاخذ من عباراتهم عليهم السلم اذا حضرتني اذَا امكنني الاداۤء بها عن مطلبي و اللّه سبحانه وليّ التوفيق و اعلم انّي في كلِّ موضعٍ من هذا الشرح و غيره اذا اقتضي المقام ذكر هذا المعني ذكرته و بيّنته كلّ ذلك لعلمي بصعوبة معرفته و انّ الاكثر لايعرفون شيئاً من هذا و انّما الناس يحومون حول القول بالغلوِّ او عدم معرفة مقام اهل البيت عليهم السلم من اللّه تعالي فاذا نظرتَ في اكثر الخلق لم‌تكَدْ تجدُ الّا غالياً اوْ قالِياً فلهذا كثيراً ما اُكَرِّرُ ذِكرَهُ لعلّ اللّه سبحانه ان يُفَهِّمَ مَنْ ينظر في هذا الشرح طالباً للاعتقاد الحق و يهديه سواۤء السبيل و كأَني باقوامٍ يقولون اِنْ حَسَّنُوا القَوْلَ :
و كلٌّ يدّعي وصلاً بليْلَي       ** * **      و ليلَي لاتُقِرُّ لهم بذاكا
فاقول لهم :
اذا انبجسَتْ دموعٌ في خدودٍ       ** * **      تبيّن مَن بكي ممّن تَباكا
و اقول لهم ايضاً :
فهَبْ انّي اقول الصبح ليل       ** * **      أَيعمي الناظرون عن الضياۤءِ
و اعلم انّ الافهام و المعارف قسمَها عدل حكيم عليم بين خلقه كما قسم بينهم ارزاقهم و آجالَهُمْ و قد اشار سبحانه الي ذلك بقوله أهم يقسمون رحمة ربّك نحن قسمنا بينهم مَع۪يشتهم في الحيوة الدنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات الٰاية لكنّه سبحانه جعل المقسوم من جميع ذلك علي قسمين قسم لاينال الّا بالسعي و الطلب من الجهة المجعولة لذلك و قسم لاينال بالسعي و انما ينال بالعناية الالهيّة و هو سبحانه اعلم حيث يضع احسانه و امّا القسم الاول فينال بالطلب و اقرب الطرق الي تحصيله و اصحها و انجحها اصلاح النية و العمل و الصدق مع اللّه في جميع المواطن و بنسبة ما تحسن تدرك و امّا القسم الثاني فاللّه يرزق من يشاۤء بغير حساب .
و قوله عليه السلم : و حواۤئجي و ارادتي في كل احوالي و اموري
يريد به انّي مقدّمكم علي النحو الذي ذكرنا اي بكلّ تقديم من استشفاع و توجّه و استهداۤءٍ و انتهاۤءٍ اليكم في كل نحو من انحاۤء وُجوداتي وَ وجْدَانَاتي في حواۤئجي وَ ارادتي بمعني اني اطلبها بكم من اللّه سبحانه او منكم باللّه اي باللّه تفعلون و بامره تعملون او عنكم اي اتوصّل الي ادراكها عنكم اي انتم باللّه توصلونني الي نيلها اوْ لكم لأنّي لكم لأن اعمال شيعتهم زيادة في جاههم كما تحصل زيادة الثواب في الصلوة باللباس الابيض و بالطيب فان الزيادة عرضيّة قال (ص‌) تناكحوا تناسلوا فانّي مباهٍ بكم الامم الماضية و القرونَ السالفة يوم القيمة و لو بالسقط الحديث ، و قوله (ع‌) اعينونا بورعٍ و اجتهادٍ الحديث ، و هذا كلّه في جميع ما اُر۪يدُ و يُرَادُ منّي مما يتعلّق بالاركان و اللسان من جميع الاعمال للدنيا و الدين من جميع حواۤئجي و مما يتعلّق بالجنان من جميع الاعتقادات و المعارف و العلوم للدنيا و الدّين من جميع اراداتي و هو قوله (ع‌) في كلّ احوالي و اموري لأنه (ع‌) جمع فيه كلّما اشرنا الي تفصيله .
قال عليه السلم : مؤمن بسرّكم و علانيتكم و شاهدكم و غاۤئبكم و اوّلكم و آخركم
قال الشارح المجلسي تغمّده اللّه برحمته مؤمن بسرّكم و علانيتكم اي باعتقاداتكم و اعمالكم انّها للّهِ حقاً او باسراركم مجملاً و شاهدكم من الائمة الاحدعشر و غاۤئبكم من المهدي (ع‌) و اوّلكم انه علي بن ابي‌طالب عليه السلم و آخركم بانّه المهدي (ع‌) لا كما تقوله العاۤمّة و الواقفية و غيرهما او الحيوة الاولي و الرجعة انتهي .
قد تقدّم معني الايمان و انّه اعتقاد بالجنان و عمل بالاركان و قول باللسان و يصدُقُ علي اَحدِهَا كما هو المتعارف في اصطلاح المتكلّمين انّه التصديق باللّه و بالرسول صلي اللّه عليه و آله و بجميع ما جاۤء به الرسول (ص‌) مما علم ضرورة مجيّه (ص‌) به و علي الاوّل كاۤفّة المعتزلة و جماعة من الاماميّة و اكثر المتقدّمين منّا و الاخبار منصبّة عليه و مبني كلامِنا في هذا الشرح عليه سواۤء قيل بان ذلك هو الايمان او الكامل منه و السرّ قال في النهاية فيه صوموا الشهر و سِرَّه اي اَوّلَهُ و قيل مستهَلَّهُ و قيل وسطه و من كل شي‌ء جوفه فكأَنه اراد الايام البيض و في مجمع‌البحرين و السرّ الذي يكتم و منه هذا من سر آل‌محمد اي من مكتوم آل‌محمد الذي لايظهر لكلِّ احدٍ قال بعض شرّاح الحديث اعلم انّ سرّ آل‌محمّدٍ صعبٌ مستصعبٌ فمنه ما تعلمه الملاۤئكة و النبيّون و هو ما وصل اليهم بالوحي و منه ما يعلمه هم و لم‌يجرِ علي لسانِ مخلوقٍ غيرِهِمْ و هو ما وصل اليهم بغير واسطةٍ و هو السرّ الذي ظهرت به آثار الربوبيّة عنهم فارتابَ لذلكَ المبطلون و فاز العارفون فكفر به فيهم مَن انكر و فرَّط و غلَا فيهم مَن تجاوز (ظ) و افرط و فاز مَن ابصر و تبع النَّمطَ الاوسط انتهي ، فعلي معني كلام النهاية يكون المعني انّي مؤمن باوّلِكم اي اوّل كَونكم و علي هذا لايراد مطلق السرّ لانه قد يطلق و يراد به ما يقابل العلانية و يصدق علي كلّ مرتبةٍ لهم من المقامات و المعاني و الابواب و كذلك مرتبة الاشباح فاذَا فسّرنا السرّ بالاوّل لم‌نعرف لهم اوّلاً اعلي من المقامات التي اشار اليها الحجّة عليه السلم في دعاۤء كل يوم من شهر رجب في قوله فجعلتَهُم معادنَ لكلماتك و اركاناً لتوحيدك و آياتك و مقاماتك التي لا تعطيل لَها في كل مكانٍ يعرفُكَ بها مَن عرفك لا فرقَ بينكَ و بينها الّا انهم عبادُك و خلقُك فتقها و رتقها بيدِك بدؤُهَا منكَ و عودُهَا اليكَ اعضاد و اشهاد و مُناةٌ و اذوادٌ و حفظةٌ و رُوّاد فَبِهِمْ مَلَأْتَ سماۤءَك و ارضَك حتي ظهر اَلّا اله الّا انتَ الدعاۤء ، فقوله عليه السلم و مقاماتك يراد منه اوّل كونهم في الوجود الراجح المعبّر عنه بالوجود المطلق و برزخ البرازخ و هذا هو السرّ المقنّع بالسرّ في قول الصادق عليه السلم علي ما رواه في البصاۤئر قال (ع‌) انّ امرنا هو الحق و حق الحق و هو الظاهر و باطن الظاهر و باطن الباطن و هو السرّ و سرّ السّرّ و سرّ المستسرّ و سرّ مقنّع بالسرّ ه‍ ، و قد تقدّم و معني كونه مقنّع بالسرّ ما قلنا انّ السرّ يُرَاد منه في الاطلاق ما يقابل العلانية فيكون المرتبة العليا منه التي هي المقامات مقنّعةً بالسرّ الذي هو مرتبة المعاني لهم عليهم السلم و هي مقنّعة بالسرّ الذي هو مرتبة الابواب لهم عليهم السلم و هي مقنّعة بالسرّ الذي هو مرتبة الاشباح لهم عليهم السلم و الاظلّة المعلّقة بالعرش اي الصاۤفّون الحاۤفّون حول العرش المسبّحون و عن الصادق عليه السلم كنا انواراً صفوفاً حول العرش نسبّح فيسبح اهل السماۤء بتسبيحنا الي ان هبطنا الي الارض فسبّحنا فسبّح اهل الارض بتسبيحنا و انّا لنحن الصاۤفّون و انا لنحن المسبّحون الحديث ، و انّما حفّت الملاۤئكة بعرش ربّهم ائتماماً بهم عليهم السلم حيث رأوهم قد حفّوا بعرش ربّهم و صفّت كما صفّوا و سبّحت كما سبّحوا و هذه المقامات المشار اليها المذكورة في الدعاۤء هي الصفة المنسوب اليها جميع احْكام الافاعيل و الموجودات و اليها تنتهي جميع الٰاثار و المكوّنات و الفيوضات و هي اسم للفاعل الذي ابدَع بها كلّ شي‌ء و تعرّف بها لكل شي‌ء و الفاعل هو المسمّي بها سمّي نفسَهُ بها حين احدث بها مَنْ احدث لمن احدث ليدعوه بها و بتلك الصفة التي هي المقامات التي هي اسم الفاعل ظهر الفاعل للخلق بهم لان الفاعل ظهر باسمه لكلّ مبتدعٍ به و لذلك قال عليه السلم في الدعاۤء لا فرق بينك و بينها اي في جميع الفيوضات و الصدورات و الٰاثار و الوجودات اِذْ بها فعل ما فَعَلَ و عنها اظهر ما اظهر كما قال اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه و القَي في هويّتها مثاله فاظهر عنها افعاله و المراد بالمثال هنا اسمه كقاۤئم اسم فاعل القيام فانه في القيام كالصورة في المرءٰاةِ و في الظاهر جعل طاعتهم طاعته و معصيتهم معصيته و رضاهم رضاه و سخطهم سخطه و قوله عليه السلم الّا انّهم عبادُك و خلقك يعني انّ تلك الصفة التي هي المقامات و اسم الفاعل الذي احدث ما احدث و تعرّف لمن تعرّف خلقه و صنعه يعني احدثه بنفسه و اقامه بنفسه و صنع به ما صنع فهو سبحانه هو الفاعل وحده لا شريك له و هو بحكمته يفعل ما يشاۤء بما يشاۤء كما يشاۤء لا اله الّا هو العزيز الحكيم كما زرع سبحانه الحنطة بزيدٍ الحارث من بذرها بالماۤء و الارض في الفصل الصالح للزرع و هو سبحانه يقول افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون ، و في قرب‌الاسناد للحميري باسناده عن ابي‌الحسن الرضا عليه السلم الي ان قال (ع‌) قال ابوجعفر عليه السلم في النطفة قال فاذا تمّت الاربعة الاشهر بعث اللّه تبارك و تعالي اليها ملكَيْن خلّاقَيْنِ يصوّرانه و يكتبان رزقه و اجله و شقياً و سعيداً الحديث ، و في الكافي في صحيح زرارة عن ابي‌جعفرٍ عليه السلم الي ان قال ثم يبعث اللّه ملكَيْن خلّاقَيْنِ يخلقانِ في الارحام ما يشاۤء اللّه يقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان الي الرحم و فيها الروح القديمة المنقولة في اصلاب الرجال و ارحام النساۤء فينفخان فيها روح الحيوة و البقاۤء و يشقّان له السمع و البصر و جميع الجوارح و جميع ما في البطن باذن اللّه تعالي ثم اوحي اللّه الي الملكَيْن اكتبا عليه قضاۤئي و قدري و نافِذَ امري و اشترطا لي البداۤء فيقولان يا ربّ ما نكتب قال فيوحي اللّه عز و جلّ اليهما ان ارفعا رؤسكما الي رأس امّه فيرفعان رؤسهما فاذا اللوح يقرع جبهة امّه فينظرانِ فيه فيجدانِ في اللوح صورته و زينته و اَجَلَه و ميثاقه شقيّاً او سعيداً و جميع شانه قال فيملي احدهما علي صاحبه فيكتبان جميع ما في اللوح و يشترطان البداۤء فيما يكتبان ثم يختمان الكتاب و يجعلانه بين عينيه ثم يقيمانه قاۤئماً في بطن امّه قال فربّما عتَا فانقلب و لايكون ذلك الّا في كل عاتٍ او ماردٍ الحديث ، و غير ذلك من الاخبار الدالّة علي انه سبحانه يخلق ما تشاۤء بما يشاۤء كيف يشاۤء و اذا اشتبه عليك ما اشرنا اليه فانظر الي ما في هذا العالم من الاشياۤء التي يعملها العامِلون و اللّه سبحانه هو الفاعل لها كما مثّلنا لكَ بالزّرع و اعلم ان كلّ ما هنا فهو آية ما هنالك و دليله اماتسمع قول اللّه سبحانه سنريهم آياتنا في الٰافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انّه الحق ، و قول الرضا عليه السلم قد علم اولوا الالباب انّ الاستدلال علي ما هناك لايُعْلم الّا بما هيهُنا ه‍ ، و لولا خوف الاطالة لشرحتُ كلمات هذا الدعاۤء الشريف و ان مدّ اللّه و مكّن شرحتُ الدعاۤء كلّه و بيّنتُ ما فيه من الاسرار التي لايحتملها الّا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و اياك ان تنسب اليهم (ع‌) او الي احدٍ من الخلق من ملك او نبي او غيرهما شيئاً من افعاله تعالي بعد ما بيّن لك سبحانه فقال تعالي اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات و قال قل اللّه خالق كلّ شي‌ء و هو الواحد القهّار كما انّك لاتقول انّ الارض و الماۤء هما اللذان يزرعان الزرع و انّما المعني انه سبحانه ماامرك بامرٍ و لانهاك عن شي‌ء من جميع ما كلّفك به الّا علي لسان محمدٍ و آله صلي اللّه عليه و آله و قد اخبروك و انت تعلم انه سبحانه هو الٰامر و هو الناهي وحده و لا شريكَ له في شي‌ء من ذلك و ان كانوا هم الحاملين لامره و نهيه و المُبَلِّغ۪ين عنه لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فكذلك في جميع ما تسمع مما ننسبه اليهم من افعاله هو الفاعل علي ايدي من يشاۤء من خلقه من الانبياۤء و الملاۤئكة و الحيوانات و النباتات و الطباۤئع و العناصر فمن شاۤء من خلقه جعلهم تراجمة لفعله لمن شاۤء من خلقه و ذلك حكمه و قضاۤؤُه في صنعه و في وحيه و امره و نهيه علي حد سواۤء فافهم و لاتتوهّم غير هذا فتكون من الكافرين و اللّه يحفظك في هذه الغمرات ،
و الحاصل السرّ الاوّل الاسم الذي استقر في ظلّ اللّهِ اي في نفس ذلك الاسم فلايخرج منه الي غيره و الضمير في منه و غيره يعود الي اللّه بمعني انّ اللّه سبحانه خلقه له فلايكون لغيره كما ذكرنا سابقاً مراراً كثيرة و هذا احد معاني جَعْلِ الضميرين يعودانِ الي الظلّ الذي هو ذلك الاسم نفسه او معني جَعْلِ الضميرين يعودانِ الي الظل احد معاني انّه خلقه له وحده لا شريك له فاذا قال المعصوم عليه السلم و خصيص شيعته مؤمن بسرّكم جاز ان يريدَ هذا السرّ و امّا مَن سواهم و سوي خصيص شيعتهم لايمكن ان يريدَهُ و ان سمع وصفه و سلّم فانه لايمكن ان يريده لانه لو كشف له ما يراد منه انكره فكيف يمكن ان يؤمن به او يكون تسليمه ايماناً به اماسمعتَ قول الصادق عليه السلم في حق انصار القاۤئم عليه السلم الثلثمائة و الثلاثة‌عشر الّذين اختارهم اللّه من اهل الارض لنصرته و هم اصحاب الالوية و حُكّام اللّهِ في ارضه علي خلقِه۪ و ذلك لمّا دعاهم اوّل ما يخرج ليلة عاشوراۤء و هم في مشرق الارض و مغربها اجابوه فاتوه كلمح البصر منهم من تنطوي له الارض و منهم من تحمله السحاب فلما اجتمعوا حوله قال عليه السلم استخرج من قبلته كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فيجفلون عنه اجفال الغنم فلم‌يبق منهم الّا الوزير و احدعشر نقيباً كما بقوا مع موسي بن عمران (ع‌) فيجولون في الارض فلايجدون عنه مذهباً فيرجعون اليه فواللّهِ انّي لاَعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به ه‍ ، انظر كيف كفروا بذلك المقام الذي ظهرَ به لهم و هم من عرفتَ فكيف يحتمله الّا اهله كالوزير عيسي بن مريم عليه السلم و احدعشر نقيباً الذين امتحن اللّه قلوبهم للايمان و عند من عرف هذا السر الذي هو سرّ مقنّع بالسرّ اذا كمل ايمانه به نوع من الايمان به لو علم ابوذرّ ما في قلب سلمٰن لقتله او لكفّره و هو تأويل قوله تعالي و مانقموا منهم الّا ان يؤمنوا باللّهِ العزيز الحميد و هذا هو جوهر علمٍ لو ابوح به لقيل لي انت ممّن يعبد الوثَنا ،
و لاستحلّ رجال مسلمون دمي       ** * **      يرون اقبح ما يأتُونَهُ حَسَناً
و الحاصل الايمان بهذا السرّ لايكون اِلَّا بالاعتقاد بالجَنان و العمل بالاركان و القول باللسان و لو تكلّفنا ان نستعمل الايمان الذي هو التصديق كما تقدّم ذكره في هذا السّرّ الخاص فارق المعرفة و اليقين و العلم و فارق الايمان الحق الذي هو شرط الشّفاعة و عبارة مجمع‌البحرين التي نقلها ابن‌طريح رحمه اللّه عن بعض شُرّاح حديث ان سرّ آل‌محمد صعب مستصعب و هي قوله و منه ما يعلمه هم و لم‌يجر علي لسان مخلوقٍ غيرِهم و هو ما وصل اليهم بغير واسطةٍ و هو السرّ الذي ظهرت به آثار الربوبيّة عنهم فارتاب لذلك المبطلون و فاز العارفون فكفر به فيهم من انكر و فرّط الي آخر ما تقدّم تصلح لهذا السر الذي نعنيه و لانعلم ما في ضمير صاحبها فلعلّه عرف و لعلّه ماعرف و انما هو كما قال الشاعر :
قد يُطْرِبُ القمريُّ اسماعَنٰا       ** * **      و نحن لانفهمُ اَلْحانَهُ
هذا اذا اريد به السرّ الاول و ان اريد به الوسط و الجوف فكذلك لانا لانريد بالوسط و الجوف الّا الاوّل في البَدْء و لانريد بالاوّل الّا الوسط و الجوف الذي هو قلب الشي‌ء و لُبُّهُ و ان اريد به ما يقابل العلانية كما مثّلنا به بانه كونهم معانيه و ابوابَهُ و عبادَه المكرمين الذين لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فالايمان الكامل علي نحو ما مرّ و امّا هذا السرّ فقد قلنا اوّلاً انه كونهم معانيه سبحانه اي معاني اسماۤئه و افعاله كما تقدّم و كونهم ابوابه تعالي التي منها يؤتي و منها يمنع و يعطي و يفقر و يغني و يُضحِك و يُبكي و يقبض و يبسط و يميت و يحيي و يأمر و ينهي الي غير ذلك من اَفاعيله و كونهم اشباحاً و هي ابدانٌ نُورانيّة لا اَرْوَاحَ فيها كما رُوِي عنهم عليهم السلم و الشّبَح ظلّ النّور و قد مَضي تفسير هذه و الكلام في الايمان بهذه الاسرار كما مرّ و انّ الا۪يمان الحقيقي لايتحقّق من غير اهل العصمة عليهم السلم و شيعتهم الخصيصين كما مرّ و امّا الخاۤصّون من شيعتهم فمنهم مَن قد يتمكّن من الايمان ببعضٍ من مراتب بعض هذه الاسرار و اكثرهم لايتمكّنون من ذلك و امّا الخصيصون فربّما عرفوا تلك الاسرار مجملةً و لكن الاشكال في الاتيان بالايمان الكامل بها و مَا اكثر المقصّرين في ذلك او بعضه لانّ الايمان بالقلب و بالْجَوارح وَ باللِّسَان بأَن يصرفها فيما خلقت له امرٌ صعب قد عثر في مواضع من ذلك كثير من الانبياۤء عليهم السلم مع عصمتهم حتي انه ورد عن اهل البيت عليهم السلم ما معناه انّ علي الصّراط لعقباتٍ كَؤُداً لايقطعها بسهولةٍ الّا محمد و اهل بيته صلّي اللّه عليه و آلهِ و امّا اذا اقتصرنا علي ما تعرفه العوام او علي ما يظهر من الكلام صدق لغةً علي المصَدِّق بمفهوم لفظ السّرّ لا كما ذكره الشارح تغمّده اللّه برحمته في تفسيره السرّ بالاعتقاد قال مؤمن بسرّكم و علانيتكم اي باعتقاداتكم و اعمالكم انّها للّهِ حقّاً ففسّر السرّ بالاعتقادات و العلانية بالاعمال يعني اني معتقِد انّ اعتقاداتكم حقّة و اعمالكم صحيحة و انت اذا عرفتَ اخبارهم ظهر لك انّ هذا المفهوم لايكون مصداقاً للسّرّ لانّ المفهوم ان كان هو المصداق في نفس الامر كان حقّاً و الّا فهو اما دليل المصداق و آيته اَوْ هو موهوم و لايكون دليلاً و آيةً فهو موهوم بل يعتقد انّ عندهم علوماً وَ اعتقاداتٍ صحيحة مطابقة لما عند اللّهِ و في نفس الامرِ لايعرفها غيرهم و لايطّلع عليها احد سواهم و انّ اللّه سبحانه اظهر عليهم من آثار الربوبيّة كالاطّلاع علي الضّماۤئر و احياۤء الموتي و ابراۤء الاكمه و الابرص و غير ذلك اَسْراراً لم‌يظهرها علي غيرهم فيصدّق بهذه و امثالِها مجملةً فيصدق مفهوم السرّ علي ذلك ظاهراً و ينال حظّه من ثواب ذلك الايمان بنسبته ،
و قوله عليه السلم : و علانيتكم
يراد منه ظاهرهم عليهم السلم و هو كونهم ائمة هديً مفترضِيَ الطاعة و خلفاۤء اللّه في ارضه و حججه علي عباده و اُمَناۤءَهُ في بلاده و هو قول علي عليه السلم ظاهري امامة و باطني غيبٌ لايدرك و لوازم هذه العلانية ما ذكرناه سابقاً من وجوب الردّ اليهم و الاخذ عنهم و وجوب متابعتهم و التسليم لهم في كل ما يرد عنهم و هذه العلانية هي ظاهر الامامة و الولاية و الخلافة اي انّي عاهدتُ اللّهَ ح۪ين قال لي الستُ بربّكم بقولي بَلَي علي الايمانِ بظاهرِكم و باطنِكم بالايمان الذي ذكرناه ،
و قوله عليه السلم : و شاهدكم و غاۤئبكم
اي مؤمن بِشاهدكم اي الائمة الاحدعشر و غاۤئبكم الحجّة عليه السلم او شاهدكم اي الناطق منكم يعني قطب الوقت و محلّ نظر اللّه من العالم المسمّي بالغوث علي اصطلاح اهل التصوف و يسمّيه افلاطون مدبّر العالم و ارسطو انسان المدينة و هو الفَارِقْل۪يطا اي مظهر الولاية او الموجود المقابل لمن مضي و لمن يأتي او الحاضر او الشاهد علي المكلّفين او لاعمالهم او العالم بالشهادة او المدبر الي الخلق او بالملَكِ المُحدِّثِ المُدَبِّرِ لهم او عنهم علي الاحتمالَيْن او القاۤئم علي كلّ نفسٍ بما كسبت الي غير ذلك و غاۤئبكم اي الامام الصّامت و لا بُدّ لكلّ زمانٍ من ناطقٍ و صامت و الصّامت موقوف علي الاذن من الناطق فغيبوبته بغيبوبة الاذن فهو ناطق بالناطق و حاضر شاهدٌ به اي باذْنِ الناطق و يتوقف الاذن علي وجود الناطق الّا في الحسن و الحسين عليهما السلم فانّ الحسين عليه السلم ناطق مع وجود الحسن “٢” عليه السلم و انّما هو صامت مع حضوره و مشاهدته فيتوقّف الاذن علي حضوره “٢-” خاۤصّة في حق الحسين عليه السلم او الغاۤئب غير الموجود ممن مضي منهم (ع‌) و ممّن سيأْتي اوْ مَن غاب عن مشاهدة المؤمن به اوْ مَن هو في حال المراقبة منهم فانه حينئذٍ غاۤئب عن الخلق كلهم و عن نفسه فلايكون حينئذٍ شاهداً علي احدٍ من المكلّفين و لا مشاهداً لاعمالهم و لا عالماً بالشهادة بل و لا الغيب من الخلق او المراد بالغاۤئب المدبر الي الخلق او عنهم علي الاحتمالين علي حكم العكس في الشاهد المقبِلِ او غير القاۤئم علي كل نفسٍ بما كسبت و ذلك اذا تجلّي لهم بلا واسطة و في اكمال‌الدين و اتمام‌النعمة سئل الصَّادق عليه السلم عن الغيبة التي كانت تأخذ النبي صلّي اللّه عليه و آله كانت تكون للنبي صلي اللّه عليه و آله عند هبوط جبرئل (ع‌) فقال لا ان جبرئل (ع‌) كان اذا اتي النبي صلي اللّه عليه و آله لم‌يدخل عليه حتّي يستأذنه فاذا دخل قعد بين يديه قِعْدَة العبد و انّما ذلكَ عند مخاطبة اللّه ايّاه بغير تَرجُمَان و لا واسطة ه‍ ، اخبر عليه السلم ان تلك الغيبة انما تكون لمحمد صلي اللّه عليه و آله عند مخاطبة اللّه ايّاه بغير ترجمان و لا واسطة و انّما الترجمان له نفسه يترجم الوحي حين القاۤئه عليه لَهُ به ،
و قوله عليه السلم : و اوّلكم و آخركم
يراد منه انّي مؤمن باوّلكم الذي هو سرّكم كما مرّ و آخركم الّذي هو علانيتكم التي هي ظاهركم في الأَكوان الوجوديّة و في التكوينات الشرعيّة اوْ اوّلكم علي بن ابي‌طالب عليه السلم قال تعالي انّ اوّل بيت وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركاً و هدي للعالمين اي وضع ببكّة و هو موضع البيت الظاهر شرّفه اللّه و وضع فيه البيت الباطن عليه السلم او رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و عنهم عليهم السلم اوّلنا محمّد و اوسطُنا محمّد و آخرنا محمد او القاۤئم عليه السلم لانه اوّل مَن يظهر منهم و يقوم بالحق او الحسين عليه السلم لانه اوّل مَن يرجع و ينشق التراب عن راسِه۪ و آخركم القاۤئم عليه السلم او الحسن العسكري عليه السلم اذا جَعَلْنَا القاۤئم عليه السلم افضل التسعة او فاطمة عليها السلم لانّها علي قولٍ آخرهم في الرتبة و الفضل و هو الذي يظهر لي او علي بن ابي‌طالب عليه السلم لانّه آخر مَن يرجع في كرّته الاخيرة او رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لانّه آخر مَن ينزل من السماۤء في الرجعة او المراد اوّلكم في الدنيا اي يومكم الاوّل في الدنيا و آخركم في الرجعة اي يومكم الٰاخر اوْ اوّلكم عليّ بن ابي‌طالبٍ عليه السلم لانّه اوّل مَن آمَن باللّه و رسوله صلي اللّه عليه و آله و آخركم عليّ بن ابي‌طالبٍ عليه السلم لانّه آخِر مَن فارقَ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عند موته اوْ اوّلكم علي عليه السلم لانه القاۤئد و آخركم هو لانه هو السَّاۤئق اوْ اوّلكم اي اوّليّتكم في كلّ خير و آخركم اي آخريّتكم كذلك اوْ اوّلكم اي بكم فتح اللّهُ و آخركم اي بكم يختم اوْ اوّلكم اي اوّل مَن وُجد و آخركم اي آخر من يبقي اوْ اوّلكم اي النشأة الاولي و آخركم اي النشأة الاخري اوْ علي معني لكم الاولي و لكم الاخري الي غير ذلك .
قال عليه السلم : و مفوِّض في ذلك كله اليكم و مسلِّم فيه معكم
قال الشارح المجلسي (ره‌) و مفوِّض في ذلك كله اليكم اي اعتقد الجميع من قولكم اوْ اسلِّم جميع اموري اليكم حتّي تصلحوا خللَها حيّاً و ميتاً و مسلِّم فيه معكم اي كما سلّمتم للّه تعالي اوامره عارفين ايّاها فانا ايضاً مسلِّم و ان لم‌يصل عقلي اليها اوْ كالسابق تأكيداً انتهي .
و قال السيد نعمت‌اللّه الجزاۤئر في شرح التهذيب و مفوّض في ذلك كله اليكم يعني ان ما طلبتُ منكم من الشفاعة و اللجاۤء اليكم مفوّضة اليكم ان شئتم فافعلوه اوْ اني مفوّض اُموري اليكم بسبب ذلك التصديق لتصلِحُوها و مسلِّم فيه معكم مسلّم بالتشديد اي مفوّض اموري الي اللّه تعالي مع اموركم التي سلّمتموها اليه انتهي . اقول قال في النهاية في الدعاۤء فوّضتُ امري اليك اي رددتُه يقال فوّضَ الامر اليه تفويضاً اذا ردّه اليه و جعله الحاكم فيه انتهي .
اقول معني التفويض في اللغة كما سمعتَ و علي هذا يكون المعني انتهاۤءً بعد التّصديق او مبالغةً فيه او تفريعاً عليه انّي في استشفاعي الي اللّه عز و جلّ بكم و تقرّبي بكم اليه و تقديمي لكم اَمام طلبتي و حواۤئجي و اراداتي في كلّ احوالي و اموري و كذا في ما ذكر قبل ذلك مفوّض و راۤدّ في ذلك كلّه اليكم اي اني رضيتُ بكم حاكمين في كلّ احوالي و اموري و بحكمكم في جميع ذلك كلّه لانّي مؤمن بسرّكم و علانيتكم و شاهدكم و غاۤئبكم و اوّلكم و آخركم او بسبب ايماني هذا اوْ انّ مقتضي ايماني هذا و استقامتي عليه لااشكّ و لاارتاب تفويض جميع اموري و جميع احوالي مما قضي لي و عليّ و ممّا يراد مني و مما خُلِقْتُ له اليكم مسلِّم جميع ذلك اليكم و لكم تسليماً و اعلم انّ التفويض عرفاً له معنيان : احدُهمَا القول بنسبة الافعال او بعضها و لو فعلاً واحداً الي احدٍ من الخلق علي جهة الاستقلال و المفوّضة من قال بذلك اوْ من يؤل قوله الي ذلك سواۤء المنسوب الي فعل العبد علي الاستقلال من الذوات او الصفات او الافعال فمنهم مَن قال انّ اللّه تعالي خلق محمّداً صلي اللّه عليه و آله و فوّض اليه خلق الدنيا فهو الخلّاق لما فيها و قال بعضهم فوّض ذلك الي علي عليه السلم و منهم المخمّسة قالوا ان اللّهَ فوّضَ الامر الي سلمن و ابي‌ذر و المقداد و عمار و عمرو بن اُميّةَ الضمري فهم المدبّرون للدنيا و ممّن قال بالتفويض المعتزلة قالوا ان اللّهَ فوّضَ افعال العباد اليهم و في مجمع‌البحرين و من القدريّة المعتزلة لانهم شهروا انفسهم بانكار ركن عظيم من الدين و هو كونُ الحوادث بقدرة اللّهِ تعالي و قضاۤئه و زعموا انّ العبد قبل ان يقع منه الفعل مستطيع تامّ يعني لايتوقّف فعله علي تجدّد فعلٍ من افعاله تعالي و هذا معني التفويض يعني ان اللّه تعالي فوّض اليهم افعالهم انتهي ، و قال في قدر و في الحديث ذكر القدريّة و هم المنسوبون الي القدر يزعمون انّ كل عبدٍ خالقٌ فعلَهُ و لايرون المعاصي و الكفر بتقدير اللّهِ و مشيّته فنُسِبوا الي القدر لانه بدعتهم و ضلالهم و في شرح المواقف قيل القدريّة هم المعتزلة لاسنادِ افعالهم الي قدرتهم و في الحديث لايدخل الجنّة قدري و هو الذي يقول لايكون ما شاۤء اللّه و يكون ما شاۤء ابليس انتهي و قال الشيخ محمد بن ابي‌جمهور الاحساۤئي في كتابه كشف‌البراهين في شرح زادالمسافرين للعلّامة ادام اللّه اكرامه و مذهب المعتزلة يسمّي بالتفويض بمعني ان العبد مفوّض في افعالِه۪ مختارٌ فيها و ان اللّه تعالي فوّضه في اختيار الطاعة و المعصية و جعل زمام الاختيار بيده و قالت الاشاعرة مذهب المعتزلة يسمّي بالقدر لانّهم يقولون انّ فعل العبد مستند الي قدرته و جعلوا للعبد قدرة فهم القدريّة و هو غلط لان القدريّة هم الذين يقولون ان افعال العبد بتقدير اللّهِ و قضاۤئه و هم الاشاعرة لا المعتزلة و لهذا انه روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله ان قاۤئلاً قال له انّ قوماً من الذين يرتكبون القباۤئح و المعاصي و يقولون ذلك بتقدير اللّهِ عز و جلّ فقال عليه السلم القدريّة مجوس هذه الامّة فشابه بين القدريّة و بين المجوس من وجوهٍ ثلثة الاول ان المجوس اعتقدوا اعتقادات سخيفة و قالوا بمقالات فاسدة لزمهم منها محالات كثيرة و القدريّة كذلك الثاني ان المجوس نكحوا امّهاتهم و بناتهم و اخواتهم و نسبوا ذلك الي انه في شرعهم منزّل من اللّه تعالي فنسبوا اليه ما ليس من فعله و القدريّة نسبوا افعالهم القبيحة الي اللّه تعالي فشابهوهم الثالث ان اعتقاد المجوس مثل اعتقاد القدريّة في نسبة الافعال القبيحة الي آلة الشّر و الافعال الحسنة الي آلةِ الخير و انه لا فعل لهم كذلك القدريّة فشابهوهم انتهي ، اقول امّا المفوّضة فمعلوم انهم المعتزلة و من قال بمثل مقالتهم و امّا الجبريّة فمعلوم انهم الاشاعرة و امّا القدرية فقد يطلق هذا اللفظ في الاخبار علي المفوّضة مرة و علي الاشاعرة اخري الّا انّ اكثر الاطلاقات يراد منه المفوّضة كما قال (ع‌) لا جبر و لا قدر و لكن منزلة بينهما الحديث و عنهما عليهما السلم فسُئِلا عليهما السلم هل بين الجبر و القدر منزلة ثالثة قالا نعم اوسعُ مما بين السماۤء و الارض ه‍ ، امّا علي معني نسبتهم افعالهم الي قدرتهم علي الاستقلال او علي معني تركهم القدر سمّوا بالقدريّة كما قال ابوالمظفّر من علماۤء العاۤمّة ما معناه انّ العرب ربّما يسمّون الشي‌ء بخلاف ما عرف به فسمّوا الغُرَاب اعور لشدّة ابصارِه۪ و قوّته و كان رجل في الْعَرب لايحبّ الخبز فسمّوه آكِلَ الخُبْز و سمّوا القدريّة بهذا لتركهم القول بالقدرِ و نخاف انّما سُمّ۪ينَا السّنّة لتركِنا السُّنَّة ، انتهي معني كلامه و هذا متعارف و يجوز الاطلاق علي المجبرة لقولهم بالقدر لكن الاكثر في الاطلاق علي المفوِّضة و الاحاديث دالّة علي ان القول بالتفويض كفر و شرك لانّهم اذا اسندوا فعلاً الي شي‌ء علي الاستقلال فقد جعلُوه شريكاً للّهِ في سلطانه و اثبات الشريك انكار و جحود للواجب الحق تعالي لانّ التشريك انّما يكون بين الحوادث المتشابهة و في التوحيد عن الصادق عليه السلم قال ان النّاس في القدر علي ثلاثة اوْجُهٍ رجل يزعم انّ اللّه عز و جل اجْبر الناس علي المعاصي فهذا قد ظلّم اللّهَ في حكمه فهو كافِرٌ و رجل يزعم ان الامرَ مُفَوَّضٌ اليهم فهذا اوهَن اللّهَ في سلطانه فهو كافر و رجل يزعم انّ اللّه كلّف العباد ما يطيقون و لم‌يكلّفهم ما لايطيقون و اذا احسن حمِد اللّهَ و اذا اساۤء استغفر اللّه فهذا مسلم بالغٌ ه‍ ، فجعل حكم المجبر و المفوّض واحداً و قال عليه السلم مَن قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر مشرك ه‍ ، فيحكم علي المفوّض بالشرك كالمُجْبِرِ بالطّريق الاولي و في عيون‌الاخبار عن الرضا عليه السلم الي ان قال (ع‌) و القاۤئل بالجبر فهو كافِرٌ و القاۤئل بالتفويض مشرك و الحاصل المَأٰل واحد و عن اميرالمؤمنين عليه السلم قال انّ ارواح القدريّة تعرض علي النّار غدوّاً و عشِيّاً حتي تقوم الساعة فاذا قامت الساعة عُذِّبوا مع اهل النار بانواع العذاب فيقولون يا ربّنا عذّبتَنا خاۤصّةً و تُعذِّبُنَا عاۤمّةً فيردّ عليهم ذُوقوا مسَّ سقر انّا كلّ شي‌ء خلقْناه بقَدَرٍ و عن ابي‌عبداللّه عليه السلم قال ماانزل اللّه هذه الٰايات الّا في القدريّة انّ المجرمين في ضلالٍ و سُعر يوم يسحبون في النار علي وجوههم ذوقوا مسّ سقر انّا كل شي‌ء خلقناه بقدر ه‍ ، اقول و الٰايات ظاهرة في ان القدريّة هم المفوّضة لان المجبرة من اقوي ادلّتهم عندهم بانّ كلّ شي‌ء مخلوق للّهِ وحده بقدره و قضاۤئه و الٰاية يتوهّم منها كلّ من لم‌يقتد بمحمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و اهل بيته انّها صريحة في مطلوب المجبرة و امّا مَن اقتدي بهديٰهم عليهم السلم عرف انّها ردّ علي المفوّضة و من سلك مسلكهم خاۤصّة و قول صاحب مجمع‌البحرين المتقدّم و زعموا انّ العبد قبل ان يقع منه الفعل مستطيع تام يعني لايتوقّف فعله علي تجدّد فعلٍ من افعاله تعالي غير منَقّح و لايمكن تقرير الحال و تبيينه الّا ببيان حقيقة المسألة و هي المنزلة بين المنزلتين و لسْنا بصددها و لكن الامر انّ التكليف لايتوجّه الّا الي مَن كان مستطيعاً للفعل علي الوجه المأمور به لكن الاستطاعة قسمان : الاستطاعة الامكانية و هي شرط صحة توجّه الخطاب اليه بالتكليف و هي كما قال الرضا عليه السلم في الكافي حين سَئَلَه علي بن اسباط عن الاستطاعة فقال يستطيع العبد بعد اربع خصال ان يكون مخلّي السرب صحيح الجسم سليم الجوارح له سببٌ وارد من اللّه اقول هذا السبب الوارد هو القدر في فعل العبد و هو مدد الطاعة بالمعونة و النور الذي مادتها و ايجادها من تلك الماۤدة و من صورة فعل العبد و مدد المعصية بالتخلية و الخذلان الذي هو ماۤدة المعصية و ايجادها من هذه الماۤدة و من صورة العبد قال يعني علي بن اسباط جعلتُ فداك فسِّر لي هذا قال ان يكون العبد مخلّي السرب صحيح الجسم سليم الجوارح يريد ان يزني فلايجد امرأة ثم يجدُها فامّا ان يعصم نفسه فيمتنع كما امتنع يوسف عليه السلم او يخلّي بينه و بين ارادته فيزني فيسمّي زانياً و لم‌يطع اللّه باكراهٍ و لم‌يعصِه۪ بغلبة ه‍ ، و القسم الثاني الاستطاعة الفعليّة و هو قول ابي‌عبداللّه عليه السلم عن الاستطاعة تستطيع ان تعمل ما لم‌يكوّن قال لا قال فتستطيع ان تنتهي عما قد كُوِّن قال لا فقال له ابوعبداللّه عليه السلم فمتي انت مستطيع قال لاادري قال فقال ابوعبداللّه عليه السلم ان اللّه خلق خلقاً فجعل فيهم آلة الاستطاعة ثم لم‌يفوّض اليهم فهم مستطيعون للفعل وقت الفعل مع الفعل اذا فعلوا ذلك الفعل فاذا لم‌يفعلوه لم‌يكونوا مستطيعين ان يفعلوا فعلاً لم‌يفعلوه لان اللّه تعالي اعزّ من ان يضاۤدّه في ملكه احد قال البصري فالناس مجبورون قال لو كانوا مجبورين كانوا معذورين قال ففوّض اليهم قال لا قال فما هم قال علم منهم فعلاً فجعل فيهم آلة الفعل فاذا فعلوا كانوا مع الفعل مستطيعين قال البصري اشهد انه الحق و انكم اهل بيت النبوة و الرسالة ه‍ ، فاذا اراد صاحب مجمع‌البحرين بقوله مستطيع تام ان استطاعة العبد قبل الفعل امكانية و انّ تمامها الّذي اشار اليه بتجدّد فعل من افعاله تعالي هو ما اشرنا اليه في ذكر الوارد من اللّه الذي به تتم الاستطاعة من معونة المطيع بالمدد و معونة العاصي بالتخلية و الّا لم‌يكن متمكّناً من فعل المعصية و اذا لم‌يتمكّن من فعلها لم‌يتمكّن من فعل الطاعة و اذا لم‌يتمكّن من فعل الطاعة لم‌يحسن تكليفه و اذا لم‌يحسن تكليفه قبح ايجاده و من ايجاد الطاعة بفعل المطيع و المعصية بفعل العاصي فهو حسن و حق و الّا فهو باطل لانه يلزم منه التشريك في الفعل بينه و بين اللّه تعالي اللّه عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً و ذلك لان المنزلة الحق بين المنزلتين الباطلتين احدّ من السيف و ادقّ من الشعر و لكنّها لمن علّمه الامام عليه السلم ايّاها اوسع مما بين السماۤء و الارض و اثبت من الجبال الرواسي و في الكافي عن ابي‌عبداللّه عليه السلم قال سُئِل عن الجبر و القدر فقال لا جبر و لا قدر و لكن منزلة بينهما فيها الحقّ لايعلمها الّا العالم او مَن علّمها اياه العالم ه‍ ، اقول و هذه المنزلة ليست كما يذهب اليه كثيرون فانّ مَن وفّق لمعرفتها علم بانّهم قاۤئلونَ بالتفويض لان ادراكها صعب و ان كان اللفظ عنها سهلاً ففي التوحيد عن مهزم قال قال ابوعبداللّهِ اخبرني عما اختلفَ فيه مَن خلّفتَ من موالينا قال قلتُ في الجبر و التفويض قال فاسألني قلتُ اَجْبَرَ اللّهُ العباد علي المعاصي قال اللّه اقهر لهم من ذلك قال قلتُ ففوّض اليهم قال اللّه اقدرُ عليهم من ذاك قال قلتُ فأَيّ شي‌ء هذا اصلحك اللّهُ قال فقلّبَ يَدهُ مرّتينِ ثم قال لو اجَبْتُك فيه لكفرتَ ه‍ ، فقوله عليه السلم لو اجبتُك فيه لكفرتَ صريح في انّ المنزلة الحق ليست مجرّد لفظ لا جبر و لا قدر و لا معني ذلك انه تعالي امرهم و نهاهم و قوله (ع‌) لو فوّض اليهم لم‌يحصرهم بالامر و النهي انّما هُوَ لبيان الدليل للساۤئل اَنّ المفوّض اليه لم‌يؤمر و لم‌ينه بل يترك و هواه و للتنبيه علي الاستدلال بان المحدّد عليه في افعاله لم‌يفوّض فيها و لا معني ذلك انه خلق لهم الٰالَة لانه لو خلقَ لهم آلة الفعل و خلّاهم من يده لم‌يكونوا شيئاً لِما قَدْ تقرّر بانّ الموجودَ الباقي محتاج في بقاۤئه الي المدد و المعني الثّاني ما ذكر في احاديث اهل العصمة عليهم السلم في حقّ النبي و اهل بيته صلي اللّه عليه و آله من انّ اللّه تعالي خلقهم ثم خلق الخلق و اشهدهم خلق جميع خلقه و انهي اليهم علومهم و فوّض اليهم امر خلقه علي ما تسمع من الاخبار فمن ذلك ما في كشف‌الغمة عن مناقب الخوارزمي عن جابر قال قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله ان اللّه لمّا خلق السموات و الارض دعاهن فاجبنه فعرض عليهنّ نبوّتي و ولاية علي بن ابي‌طالب (ع‌) فَقبِلْنَهُمَا ثم خلق الخلق و فوَّض الينا امرَ الدّينِ فالسعيد من سعِد بنا و الشقي مَن شقي بنا نحنُ المحِلّونَ لحلاله و المحرّمون لحرامه و في بصاۤئرالدرجات عن ابي‌جعفر عليه السلم قال انّ اللّهَ خلق محمّداً عَبْداً فادَّبَهُ حتي اذا بلغ اربعين سنة اوحي اليه و فوّض اليه الاشياۤء فقال ما آتيٰكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا و منه عن ابي‌جعفر عليه السلم قال وضع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله دية العين و دية النفس و دية الانف و حرّم النبيذ و كلّ مسكرٍ فقال له رجل فوضع هذا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من غير ان يكون جاۤء فيه شي‌ء قال نعم ليعلم من يطيع الرسول و من يعصيه و في تفسير العياشي عن جابر الجعفي قال قرأت عند ابي‌جعفر عليه السلم قول اللّه عز و جلّ ليس لك من الامر شي‌ء قال بلي واللّهِ انّ له من الامر شيئاً و شيئاً و شيئاً و ليس حيث ذهبتَ و لكني اخبِرك انَّ اللّه تبارك و تعالي لما امر نبيه “-٢” (ص‌) ان يُظْهِرَ ولاية علي “٤” عليه السلم فكّرَ في عداوةِ قومه “-٥” “٢-” له “٤-” و معرفته “٢-” بهم “٥-” و ذلك للّذي “٦” فضّله “٤-” الله به “٦-” عليهم “٥-” في جميع خصالِه “٤-” كان “٤” اوّلَ مَن آمن برسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و بمن ارسل و كان “٤” انصرَ الناسِ للّه و لرسوله و اقتلَهم لعدوِّهما و اشدَّهم بغضاً لمن خالفهما و فضل علمه الذي لم‌يساوِه۪ احدٌ و مناقبه التي لاتحصي شرفاً فلمّا فكّر النبي صلي اللّه عليه و آله في عداوة قومه له في هذه الخصال و حسدهم له عليها ضاق من ذلك فاخبر اللّه انه ليس له من هذا الامر شي‌ء انّما الامر فيه الي اللّه اَن يصيّرَ علياً عليه السلم وليّ الامر بعدَهُ فهذا عني اللّه فكيف لايكون له من الامر شي‌ء و قد فوّضَ اللّهُ اليه اَن جعلَ ما احلّ فهو حلال و ما حرّم فهو حرامٌ قوله ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا و من الاختصاص للمفيد (ره‌) عن جابر بن يزيد قال تلوتُ علي ابي‌جعفر عليه السلم هذه الٰاية من قول اللّه ليس لك من الامر شي‌ء فقال ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حرص علي ان يكون عليٌّ وليّ الامر من بعده فذلك الذي عني اللّه ليس لك من الامر شي‌ء و كيف لايكون له من الامر شي‌ء و قد فوّض اللّه اليه فقال ما احلّ النبي صلي اللّه عليه و آله فهو حلال و ما حرّم النبي صلّي اللّه عليه و آله فهو حَرامٌ و مِنه و من بصاۤئرالدرجات عن الثمالي قال سمعتُ اباجعفر عليه السلم يقول مَن احللنا له شيئاً اصابه من اعمال الظالمين فهو حلال لان الائمة منّا مفوّض اليهم فما احلّوا فهو حلال و ما حرّموا فهو حرام و من الاختصاص عن محمد بن سنان قال كنتُ عند ابي‌جعفر عليه السلم فذكرتُ اختلاف الشيعة فقال ان اللّه لم‌يزل فرداً متفرِّداً في الوحدانيّة ثم خلق محمداً و عليّاً و فاطمة عليهم السلم فمكثوا الفَ دهرٍ ثم خلق الاشياۤء و اشهدهم خلقَها و اجري عليها طاعتهم و جعل فيهم ما شاۤء و فوّضَ امرَ الاشياۤء اليهم في الحكم و التصرّف و الارشاد و الامر و النهي في الخلق لانهم الولاة فلهم الامر و الولاية و الهداية فهم ابوابه و نوّابه و حجّابه يحلِّلُونَ ما شاۤؤا و يحرّمُونَ ما شاۤؤا و لايفعلون الّا ما شاۤءَ عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فهذه الديانة من تَقدّمها غرق في بحر الافراط و مَن نقّصهم عن هذه المراتب التي رتَّبهُمُ اللّه فيها زهق في برّ التفريط و لم‌يُوَفِّ آل‌محمدٍ حقّهم فيما يجب علي المؤمن من معرفتهم ثم قال خذها يا محمّد فانّها من مخزون العلم و مكنونه ، اقول و الاخبار الواردة بهذا المعني كثيرة غير ما ذكر و قد كثرت فيها اقاويل العلماۤء بين راۤدٍّ لها و بين واقفٍ عنها غير باحثٍ فيها و انّها من المتشابه لتواردها مع مخالفتها في العقل لمقتضي التوحيد و بين مُئَوّلٍ لها و الحقّ انها غير منافية للعقول السّليمة المستنيرة بنور هداية اهل العصمة عليهم السلم و ذلك ان التفويض المنافي للتوحيد هو كون المفوَّض اليه مستَقِلا بما فوِّض فيه و نسِبَ اليه و لا شكّ انّ هٰذَا شرْكٌ باللّهِ مُنَافٍ لِلتَّوْح۪يد و لم‌يرد عن اهل البيت عليهم السلم ما يَدُلّ علي ذلكَ في حقهم و لا حقِّ مخلوقٍ غيرِهمْ بل ورد عنهم نفيه عنهم و عن كلّ احدٍ من الخلق فمن ذلك ما في نوادر محمد بن سِنان قال قال ابوعبداللّه عليه السلم لا واللّهِ مافوّضَ اللّهُ الي احدٍ من خلقه لا الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و لا (ظ) الي الائمة عليهم السلم فقال انّا انزلنا اليك الكتاب لتحكم بين الناس بما اريٰك اللّه و هي جاريةٌ في الاوصياۤء (ع‌) و في الاختصاص للمفيد (ره‌) عن عبداللّه ابن سنان مثله و في عيون‌الاخبار عن يزيد بن عمير بن معوية الشامي قال دخلتُ علي علي بن موسي الرضا عليه السلم بمرو فقلتُ له يا ابن رسول اللّه (ص‌) روي لنا عن الصادق جعفر ابن محمد عليهما السلم انه قال لا جبرَ و لا تفويضَ بل امرٌ بين امرين فما معناه قال من زعم ان اللّه عز و جل يفعل افعالَنا ثم يُعذِّبُنا عليها فقد قال بالجبر و من زعم ان اللّه عز و جلّ فوّض امرَ الخلق و الرزقِ الي حُججه۪ عليهم السلم فقد قال بالتفويض و القاۤئل بالجبر فهو كافر و القاۤئل بالتفويض مشركٌ و فيه عن ياسر الخادم قال قلتُ للرضا عليه السلم ما تقول في التفويض فقال ان اللّه تبارك و تعالي فوّضَ الي نبيّه (ص‌) امرَ دينه فقال ما اتيٰكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا فامّا الخلق و الرزق فلَا ثم قال عليه السلم ان اللّه عز و جل خالق كل شي‌ء و هو يقول عز و جل الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركاۤئكم من يفعل من ذلكم من شي‌ء سبحانه و تعالي عما يشركون و في غيبة الطوسي عن كامل بن ابراهيم المدني حين وجّهه قوم من المفوّضة و المقصّرة الي ابي‌محمّد يعني الحسن العسكري عليه السلم ليسأله عن مقالتهم الي ان قال فسلّمتُ و جلستُ الي بابٍ عليه سترٌ مرخيً فجاۤءت الريح فكشفَتْ طرفه فاذا انا بفتيً كأَنّه فَلقةُ قمرٍ من ابناۤء اربع سنين او مثلها فقال يا كاملُ بنَ ابراهيم فاقشعررتُ من ذلك و اُلْهِمْتُ اَن قلتُ لبّيكَ يا سيّدي فقال جئتَ اِلي وليّ اللّه و حجّته و بابه تسأله هل يدخل الجنّة الّا مَن عرف معرفتك و قال بمقالتك فقلتُ ا۪ي واللّهِ قال اِذَنْ واللّه يقِلّ داخلُها واللّهِ انه ليدخُلها قومٌ يقال لهم الحقّيّة قلتُ يا سيدي و مَن هم قال قوم من حبّهم لعليٍّ يحلفُونَ بحقِّه و لايدرون ما حقّه و فضله ثم سكتَ (ع‌) عنّي ساعةً ثم قال و جئتَ تسأله عن مقالة المفوّضة كذبوا بل قلوبُنَا اوعية لمشيّةِ اللّهِ فاذا شاۤء شئنا و اللّهُ يقول و ماتشاۤؤن الّا ان يشاۤء اللّه ثم رجع الستر الي حالته فلم‌استطع كشفه فنظر اليّ ابومحمد عليه السلم متبسّماً فقال يا كامل ما جلوسُك قد انبأك بحاجتك الحجة من بعدي فقمتُ و خرجتُ و لم‌اعاينه بعد ذلك الحديث ، و فيه توقيع خرج من صاحب الامر عليه السلم نسخته انّ اللّهَ تعالي خلق الاجسام و قسم الارزاق لانه ليس بجسم و لا حاۤلّ في جسم ليس كمثله شي‌ء و هو السميع البصير فامّا الائمة عليهم السلم فانهم يسئلون اللّه تعالي فيخلق و يسئلونه فيرزق ايجاباً لمسئلتهم و اعظاماً لحقّهم و روي زرارة انه قال للصادق عليه السلم انّ رجلاً من وُلدِ عَبْدسَبَا يقول بالتفويض فقال و ما التفويض قال ان اللّه تعالي خلق محمّداً و عليّاً ففوّضَ اليهما فخلَقَا و رزقَا و امَاتَا و اَحْيَيٰا فقال عليه السلم كذب عدوُّ اللّهِ اذا انصرفتَ اليه فاقرأ عليه هذه الٰاية هذه الٰاية في سورة الرّعد ام جعلوا للّهِ شركاۤءَ خلقوا كخلقِه۪ فتشابَه الخلق عليهم قلِ اللّٰهُ خالقُ كُلِّ شي‌ءٍ و هو الواحدُ القَهّار فانصرفتُ الي الرّجل فاخبرته فكأَنّما القمتُه حجراً او قال فكأَنما خرسَ و قد فوّض اللّه عز و جلّ الي نبيّه صلّي اللّه عليه و آله اَمْرَ دينِه۪ فقال اللّه عز و جلّ ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا و قد فوّض ذلك الي الائمّة عليهم السلم و غير ذلك من الاخبار الصّريحة الداۤلّة علي نفي التفويض عنهم و عن جميع الخلق الناطقة بعدم وروده عنهم في حق جميع الخلق فيكونُ التفويض المذكور في الاخبار السابقة يراد به غير هذا المعني الباطل الّذي هو الشرك بالله و انّما معناه هو التفويض الحقّ علي معانٍ كلّها صحيحة :
احدُهَا انه سبحانه اوْحَي اليهم علوم ما يحتاج اليه الخلق و احكامهم ممّا شاۤء جملة و تفصيلاً منها ليلة المعراج علي محمد صلي اللّه عليه و آله و منها ما ينزل في ليالي القدر و منها القذف في القلوب و النقر في الاسماع و منها علم ما كان و علم ما يكون اي غابر و مزبور و هو قول موسي بن جعفر عليه السلم مبلغ علمنا علي ثلاثة وجوهٍ ماضٍ و غابر و حادث فاما الماضي فمفسر و امّا الغابر فمزبُور و امّا الحادث فقذفٌ في القلوب و نقر في الاسماع و هو افضل علمنا الحديث ، و اعلمهم جهات التحمّل و التبليغ فهم المؤدّون الي مَن اُمِروا بالاداۤء لا غيرهم فقد فوّض اليهم تبليغ ما امرهم بتبليغه كما حدّد لهم فهم بامره يعملون و ليس معني كلامنا انّه فوّض اليهم تبليغ ما امرهم بتبليغه و رفع يده لانّ هذا من التفويض الباطل الذي هو الشّرك باللّه لانّ كلّ شي‌ء سواه تعالي انما هو شي‌ء بكونه في قبضته اذ لا وجود لشي‌ء و لا قوام الّا بامره بل مرادُنَا بانّه فوّضَ اليهم ذلك التبليغ انّهم حملة امره و نهيه بقدْرته و تراجمة وَحْيِه۪ بقوّته و مشيته فافهم و انّما سمّي هذا تفويضاً لانه تعالي خصّهم به دون غيرهم لانّ غيرهم لايقدر علي تحمّل ذلك و اليه الاشارة بقوله تعالي ماوسعني ارضي و لا سماۤئي و وسعني قلبُ عبدي المؤمن اي لم‌تقدر الارض و السماۤء علي تحمّل اوامره و نواهيه و جهات تصرّفات نظام عالمه و انما قدر علي ذلك قلبُ عبده محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و آله و ذلك لقرب كونهم من محدّب كرة الوجود الراجح و لهذا خلقهم قبل الخلق بالف دهر كما تقدّم في رواية الاختصاص .
و ثانيها انه تعالي خلقهم علي هيئة مشيّته و هي صورة مقتضاها اذا لم‌يحصل لها قاسر عن مقتضاها ان تجري علي طِبق مشيّته و انّما خلقهم ليجروا علي مشيّته فاذا انهي اليهم علماً ليبلّغوه الي مَنْ شاۤء كانت ارادتهم ترجمان ارادته و لذلك خلقهم و مع هذا لم‌يرفع يده كما تقدّم في جميع اقوالهم و اعمالهم و حركاتهم و سكناتهم فهم بامره يعملون لا بشي‌ء من ارادتهم و لا ميل انفسهم و هذا معني حديث البصاۤئر المتقدم في قوله ان اللّه تعالي خلق محمّداً عبداً فادّبَهُ حتي اذا بلغ اربعين سنة الحديث ، و كذا قوله تعالي و انّك لعلي خُلقٍ عظيم و انا اضرب لك مثلاً لهذا المعني اذا كان عندك ماۤء في الارض فاذا اردتَ ان تُجريَهُ الي جهة الشرق حفرتَ له في الارض طريقاً منخفِضاً الي الجهة التي تريد اجراۤءَهُ اليها علي قدر ارادتِكَ و صرفته اليها فيجري علي حسبِ ما حفرتَ له فهو حين صرفته فجري فانّك لم‌تمنعه ممّا صرفته اليه فانت قدْ فوّضتَ اليه جريانه فيما صرفته اليه و لكن هو بنفسه لم‌يجر و انما المُجري له انت بما حفرتَ له فكذلك هم عليهم السلم خلقهم اللّه علي صورة مشيّته فمقتضي بنيتهم و فطرتهم الجريان علي مشيّته لانّ الاثر لايخالف في صفته صفة مؤثره فلايكون ظل الطويل قصيراً و لا العكس و لا المعوجّ مستقيماً و لا العكس و انّما خلقهم علي تلك الهيئة ليجروا عليها فهو اجراهم علي ما يَشاۤء كما انّك اجريتَ الماۤء علي ما تشاۤء بما صنعتَ له من هيئة جريانه فيما حفرتَ له مع انه تعالي لم‌يخلّهم في جميع احوالهم من قبضته كما تقدّم و كيف يقال بانّ هذا تفويض اوِ استقلال و انتَ لايقال لكَ فيما صنعتَ بالماۤء حين قدّرتَ له جريانه انّك فوّضتَ اليه الجريان مع ان الماۤء في جريانه ليس في قبضتِك بل هو قاۤئم بنفسه و انما حصرته علي سبب الجريان و هو تعالي حصرهم علي سبب الجريان علي ارادته بما خلقهم عليه من هيئة ارادته و مع هذا لم‌يخلّهم من يده۪ في جميعِ احوالِهمْ و وجودهم و انّما قوامهم و قوام جميع الخلق بامره تعالي كقوام الصورة في المرأٰة بظهور الشاخص و مقابلته فافهم .
و ثالثها انه تعالي خلقهم له لا لسواه و لا لانفسهم فجعلهم اَلْسِنَةَ ارادته و محاۤلّ مشيّته ففي الحقيقة ليس لهم مشيّة و انّما مشيّتهم مشيّة اللّهِ فاذا شاۤءوا فانّما شاۤء اللّه كما قال تعالي و مارميتَ اذ رميتَ و لكن اللّهَ رمَٰي و قال تعالي و ماتشاۤؤن الّا ان يشاۤء اللّهُ فهو تعالي يشاۤء بهم ما شاۤء و لا مشيّة لهم و ليس لمشيّته محلّ غيرهم و جميع ما يجريه علي خلقه من جميع الاشياۤء فانّما هو بمشيّته تعالي و هم محلّ تلك المشيّة و هم اَلْسِنَةُ تلك الارادة و هذا معني قول الحجة عليه السلم في جوابه المتقدم لكامل بن ابراهيم المدني قال (ع‌) بل قلوبُنا اوعية لمشيّة اللّهِ فاذا شاۤء شئنا و اللّه يقول و ماتشاۤؤن الّا ان يشاۤء اللّه ه‍ .
و رابعُها انّهم عليهم السلم اطاعوه في كل حال و صدقوا معه في كل موطن فاوجب علي نفسه تعالي اجابتهم في كل ما سألوا و ارادوا جزاۤء بما كانوا يعملون فمعني فوّض اليهم الامر انّ كل ما ارادوا فعله لهم و اجراه علي حسب ارادتهم و العلّة انّهم باستقامة عقولهم و استواۤء فطرتهم لايشاۤؤن الّا ما هو محبوب له تعالي مراد له عز و جل و ذلك كما تقدم في التوقيع انَّ اللّه تعالي خلقَ الاجسام و قسم الارزاق لانه ليس بجسم و لا حال في جسم ليس كمثله شي‌ء و هو السميع البصير فامّا الائمة عليهم السلم فانهم يسئلون اللّه فيخلق و يسئلونه فيرزق ايجاباً لمسئلتهم و اعظاماً لحقّهم ه‍ .
و خامِسُهَا المراد بالتَّفْويض الاذن فيما ولّيهم عليه و صرّفهم فيه ممّا حَدَّدَ لهم فانّه انزل عليهم الكتاب الذي فيه تفصيل كل شي‌ء فقال انّا انزلنا عليك الكتاب لتحكم بين الناس بما اراك اللّه و عناهم في هذا بقوله هذا عطاۤؤنا فامْنُنْ اَوْ اَمْسِكْ بغير حساب و قد يكون بعض الاشياۤء معلقةً علي شروطٍ او موقّتة باوقاتٍ فيمنعون من فعل ذلك الي ان يقع ما علّق عليه مثل و تخفي في نفسِك ما اللّهُ مُبديه و مثل لاتحرّك به لسانك لتعجل به و مثل و لاتقولنَّ لشي‌ء انّي فاعل ذلك غداً الّا ان يشاۤء اللّه فاذِنَ له فيما لم‌يُعَلّق علي شي‌ء هذا عطاۤؤنا فامنن او امسك بغير حساب و مُنِع ممّا هو معلّق او موقت و لاتعجل بالقرءان من قبل ان يقضي اليك وحيه فجعل الاذن و الرخصة في امضاۤء ما امر بتبليغه تفويضاً لانه قبل الاذن ( كان ، نسخة ) محصوراً بالمنع من الامضاۤء .
و سادسُها ان الاشياۤء لمّا كانت لهم مخلوقة و احكامها التي بها صلاح نظامها في النشأتين عندهم لانّهم عليهم السلم هم خزاۤئن تلك الغيوب و هم الاولياۤء علي الاشياۤء التي لم‌تخلق الّا لهم و لم‌يكونوا لذواتهم عالمين بوضع الاسباب لمسبّباتها و الاجزاۤء في مواضعها المشخّصة لها الّا بتعليمه و هدايته انهي اليهم ما يتوقف عليه التأدية الي ما شاۤء تتميماً للنّعمة و اكمالاً للتّفضل ليؤدّوا بقوته و مدده و توقيفه لهم علي ما خفي عنهم و ذلك هو التفويض الحقّ بتسبيب الاسباب و رفع الموانع .
و سابعها انّ اللّه سبحانه هو الوليّ و هو يحيي الموتي و هو علي كلّ شي‌ء قدير قال تعالي هنالك الولاية للّه الحق هو خير ثواباً و خير عقباً ثم لمّا كان الحق جل و علا كنهه تفريق بينه و بين خلقه متعالياً عن كل مجانسة و مناسبة لم‌يمكن للمخلوقات التلقّي عنه تعالي و القبول و لم‌يمكن ان يكون شي‌ء مفعولاً بغير فعل فاحدثَ الفعل بنفسه اي نفس الفعل و الفعل لايتقوّم الّا بمحلٍّ و متعلّقٍ و يجب في الحكمة ان يكون اوّل متعلّقٍ للفعل مناسباً له و قريباً منه و حاملاً له و مؤدّياً عنه فان كان بخلاف ذلك كان الفعل و الصنع علي خلافِ ما ينبغي و خلافُ ما ينبغي خلافُ الكمال و خلافُ الكمال دليلُ الحاجة و العجز و الجهل و الواقع خلاف ذلك كله فوجب ان يكونوا عليهم السلم مناسبين للفعل لانهم اوّل متعلّقٍ للفعل و بهم تقوَّمَ كما تقوّمَتْ استضاۤءة نور الشمس بالارض لانّها متعلّق الاستضاۤءة فوجب ان يكونوا الواسطة في كلّ شي‌ء لكلّ شي‌ء فللحكمة جعلهم اولياۤء علي خلقه و تراجمة وحيه و الولاية هي التفويض الحق الّذي سمعتَ فافهم .
و هذا الّذي ذكرنا اليه من اول الكلام الي هيهنا اشارة الي بيان التفويض العرفي منه الباطل المنفي في الاخبار الاخيرة و منه الحقّ المثبت في الاخبار الاوّلة و انّما ذكرتُ هذا مع ان المحتاج اليه في شرح و مفوّض في ذلك كله اليكم انّما التفويض اللّغوي و هو الردّ اليهم و التسليم لهم علي كلّ حالٍ لاجل الاشارة الي تبيين التفويض الحقّ في الجملة تقوية لكثيرٍ ممّن يطرح الاخبار الصحيحة الصريحة لشبهة ان التفويض باطل و يزعم انها مخالفة للعقول و انت اذا فهمتَ ما ذكرنا لك عرفتَ انها موافقة للعقول و ان انكارها تقصير و تفريط في حقّهم صلّي اللّه عليهم اجمعين .
و قوله عليه السلم : و مسلّم فيه معكم
يراد منه معني التفويض اليهم و التسليم هو الاخبات و لايكمل ايمان المؤمن الّا بالتسليم فيما علم و فيما لايعلم يقول الصادق عليه السلم فيما تقدّم من حديث الكافي انكم لاتكونون صالحين حتي تعرفوا و لاتعرفون حتي تصدّقوا و لاتصدّقون حتي تسلّموا ابواباً اربعة لايصلح اوّلها الّا بٰاخرِها ضلّ اصحاب الثلاثة و تاهوا تيهاً بعيداً الحديث ، اقول الصلاح بدون المعرفة هو الكوكب الذي رءاه ابراهيم الخليل عليه السلم حين اراه اللّه ملكوت السموات و الارض و المعرفة بدون التصديق هو القمر الذي رءاه و التصديق بدون التسليم هو الشمس التي رءاها فكان الصلاح و المعرفة و التصديق طرق ضلالة اذا لم‌ترتبط بالتّسليم و في الكافي عن الكاهلي قال قال ابوعبْدِاللّه عليه السلم لو انّ قوماً عبدوا اللّه وحده لا شريك له و اقاموا الصلوة و آتوا الزكوة و حجّوا البيت و صاموا شهر رمضان ثم قالوا لشي‌ءٍ صنعه اللّه او صنعه النبي صلي اللّه عليه و آله الاصنع خلاف الذي صنع او وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلكَ مشركين ثم تلا هذه الٰاية يعني قوله تعالي فلا و ربّك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيتَ و يسلّموا تسليماً ثم قال ابوعبداللّه عليك بالتسليم و فيه عن سديرٍ قال قلتُ لابي‌جعفر عليه السلم انّي تركتُ مواليك مختلفين يتبرّأ بعضهم من بعض قال فقال و ما انت و ذاك انما كلّف الناس ثلاثةً معرفة الائمة و التسليم لهم فيما ورد عليهم و الردّ اليهم فيما اختلفوا فيه ه‍ ، و فيه عن الشحّام عن ابي‌عبداللّه (ع‌) قال قلتُ له انّ عندنا رجلاً يقال له كليب فلايجيۤ‌ء عنكم شي‌ء الّا قال انا اسلّم فسمّيناه كليب تسليم قال فترحّم عليه ثم قال اتدرون ما التسليم فسكتنا فقال هو وَاللّهِ الاخباتُ قول اللّه عز و جل الذين آمنوا و عملوا الصّالحات و اخبتوا الَي ربّهم و فيه عن يحيي بن زكريّاۤء الانصاري عن ابي‌عبداللّه عليه السلم قال سمعته يقول من سرّه ان يستكمل الايمان كلّه فليقل القول مني في جميع الاشياۤء قول آل‌محمد (ص‌) فيما اسرّوا و ما اعلنوا و فيما بلغني عنهم و فيما لم‌يبلغني ه‍ ، و فيه عن ابي‌بصير قال سألت اباعبداللّه عليه السلم عن قول اللّه عز و جلّ الّذين يستمعون القول فيتّبعون احسنه الي آخر الٰاية قال هم المُسَلِّمونَ لٰال‌محمد الّذين اذا سمعوا الحديث لم‌يزيدوا فيه و لم‌ينقصوا منه جاۤؤا به كما سَمِعُوهُ ه‍ ، فقد ظهر لمن نظر في احاديثهم و اعتبر انّ التسليم اعلي درجات الايمان و به كماله و لاتثبت الاستقامة اِلّا به لشدّة الابتلاۤء و الاختبار اذ لايبقي احد من الخلق بعدهم عليهم السلم اِلّا و يرد عليه من الابتلاۤء الالهي ما لايسلم له دينه معه الّا بالتسليم حتي الانبياۤء و المرسلون و لذلك ابتُلوا و اُص۪يبوا حتي يرجعوا الي القبول و التسليم لمحمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و آله و ينيبُوا كما تقدّمت الاشارة في حقّ يونس عليه السلم و انه انّما التقمه الحوت لتردّده في ولاية اميرالمؤمنين عليه السلم و ذلك لما امر بالايمان به فقال كيف اؤمن به و لم‌اره و ايّوب عليه السلم حين شكّ شكّ ايّوب في ملكي ، هكذا في بعض نسخ الحديث ، ١٢ .
و بكي عند سماع انبعاث المنطق و قال امر عظيم و خطب جسيم و قد تقدّم ذكر ذلك فلمّا تابا و رجعا و اعترفا قبلت توبتهما و كذلك ساۤئر الانبياۤء عليهم السلم و المؤمنون فيما ابتلوا به عند التوقّف و قبلت توبتهم بالتسليم و كماله ان تكون في كل ما يرد عنهم عليهم السلم فانياً عن كلّ ما سواه و اليه الاشارة بتأويل قوله تعالي و لايلتفت منكم احد و امضوا حيثُ تؤمرون اللهم بلّغنا و وفّقنا لذاك و لاتُخْلِنا طرفة عينٍ من رضاك .
قال عليه السلم : و قلبي لكم مُسَلِّم و رأيي لكم تبع و نُصْرتي لكم معدّة
قال الشارح المجلسي (ره‌) و قلبي لكم مسلّم بالاسلام او التسليم اي سلم بمعناه او بمعني الصلح اي لا اعتراض لقلبي علي افعالكم و لايخطر ببالي اعتراض لانّي اعلم يقيناً انكم للّه و من اللّه و رأيي لكم تبع اي لا رأي لي مع رأيكم و نصرتي لكم معدّة اي انتظر خروجكم و الجهاد في خدمتكم مع اعداۤئكم اوْ اعددتُ نصرتي لاعلاۤء دينكم صورة و معنيً بالبراهين و الادلَّة مع اعاديّ ما امكن انتهي .
اقول القلب يطلق و يراد به العقل و الفؤاد او هو العقل و الفؤاد و قد يفرق بينها فالقلب هو وسط الشّي‌ء و قد يطلق علي الجسم الصّنوبري الّا اذا كان في مقام الادراك فانه ح يراد به ما يتعلّق به تعلّق التّدبير و لا شَكَّ اَنّ الانسان اي النفس النّاطقة المعبّر عنه بانا انّما هو المتعلق بالصنوبري لا بالدماغ الاتري انّك اذا اشرتَ الي نفسك و قلتَ هذا شي‌ء عندي اومأتَ الي صدرك الي جهة الصّنوبري و لم‌تؤمِ الي رأسك و المفهوم من الاخبار انّ القلب هُوَ العقل و هو خزانة المعاني المجرّدة عن المادة العنصريّة و المدّة الزمانيّة و الصورة النفسانيّة و المثاليّة و هو متعلق بالجسم الصنوبري بوساۤئط تعلّق التدبير فاقربها الي الصنوبري العلقة الدم التي في تجاويفه الي الجانب الايسر اكثر و فوقها الدم الاصفر التي تقوّمت العلقة به و فوقه الابخرة المتألّفة من عناصرك بامداد عناصر العالم الكبير المعتدلة بان تكون جزءاً من الحرارة الناريّة و من الهوائية جزءاً و من المائيّة جزئين و من الترابيّة جزءاً فنضجت نضجاً معتدلاً بكرّ الكواكبِ باشعّتها و العناصر بدورها حتي شابهت الافلاك فتحرّكت بتبعية حركتها لمساواتها لها و اتّحادِها بها رتبةً و هي النفس الحيوانيّة الحسيّة و فوقها ما تنزّلَ عليها من النفس الكليّة الذي هو مركب العقل المشار اليه و هو القلب في قوله تعالي و لكن تعمي القلوب التي في الصدور و الصدر هو ما تنزّل من النفس الكليّة و هو فيك بمنزلة اللوح المحفوظ في العالم الكبير و هذا هو مقرّ العلم الذي هو الصورة المجرّدة عن الماۤدة العنصريّة و المدّة الزمانيّة و الفؤاد هو النور الذي ينظر به المؤمن المتوسّم في قوله (ع‌) اتّقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور اللّه و المراد به الوجود و هو اعلي مشاعر الانسان و هو يدرك الشي‌ء لا في جهة و لا بهيئة و لا باشارة و لا كيف و هو مقرّ المعارف الالهيّة و مقتضاه حبّ اللّه سبحانه و ايثاره علي ما سواه و لهذا نسبه الامام عليه السلم الي نور اللّه و لم‌يقل وجود المؤمن مع ان الصادق عليه السلم فسّره بالوجود في قوله اي بنوره الذي خلق منه و لكن لمّا كان هو العارف باللّه و الداعي الي محبة اللّه و الي ايثاره علي ما سواه نسبه اليه تعالي فقال ينظر بنور اللّه و يقابله الماهية و الانّية و مقتضاها الانكار لان المعرفة يقابلها الانكار و هو ضدّها العام قال تعالي ام لم‌يعرفوا رسولهم فهم له منكرون و قال تعالي يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها و لايقابله الجهل و الشك الّا اذا اريد بالفؤاد القلب او النفس و القلب مقرّ اليقين و ضده العام الشك و لايقابله الجهل الّا اذا اريد به النفس و امّا الصدر فهو مقرّ العلم و ضدّه العاۤم الجهل و لايقابله الشك الّا اذا اريد به القلب و لا الانكار الّا اذا اريد به الفؤاد فالعلم في النفس المعبّر عنها في الٰاية بالصدر و قد يطلق عليه الفلك الثامن اي باطنه و مثالها اي صفتها التي يقال لها في النحو اسم الفاعل كالقاۤئم لزيد في الفلك السادس فلك المشتري اي نفسه و عيناها اللتين ( اللتان ، ظاهر ) تبصر بهما في الفلك الثالث الذي هو فلك الزهرة فلك الخيال اي نفسه .
بقي بيان العقل و ما اشتهر انه في الدماغ و ان القلب في الصدر و قد قلنا انهما شي‌ء واحد الّا ان المنسوب الي الدماغ هو التعقل لا العقل فانه هو القلب الذي في الصدر و القلب انسان مثلك بجميع ما لك من الهيئات و الطباع الظاهرة و الباطنة فلو ظهر عقلك لكان كل من رأٰه عَرف ان هذا هو انت لايفرق بينكما الّا انّك انت تخبر عن نفسك و هو يخبر عنك و كذلك علمك و خيالك و فكرك و وجودك و جميع ما لك و لهذا سمي الانسان قرية كما ورد في تفسير قوله تعالي و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و هذا الانسان الشريف الذي هو القلب متعلقه و كرسيّه هو الصدر منك و رأسُه و تَعَقُّلُه في الدّماغ منك الاتحسّ انّك اذا اردت ان تتعقّل معني انّما تنظره بعينَيْنِ في دماغك كما ان عينيْك في رأسك كذلك قلبك عيناه في رأسه لان الباطن طبق الظاهر ثم اعلم انه في اللغة يطلق القلب علي العقل و اللّبّ و الفؤاد و كذلك الفؤاد و كذلك الحقيقة العقلية و الشرعية التفرقة كما بيّنّا لك نعم نسبة الفؤاد الي العقل كنسبة العقل الي التعقل فان الاصل الفؤاد و العقل وزيره و كرسيُّه و عيناه فيما دون مقامه فاذا نظر بنفسه ادرك الشي‌ء لا في جهة بلا كيف و لا اشارة و لا تعدّد فيما يدرك و انما يدرك مثالاً لايشبهه شي‌ء نعم اذا نظر بالعقل ادرك ما ادركه العقل و به و بالنفس ادرك ما ادركته النفس و اما العقل فيدرك الشي‌ء في جهة معنوية بكيف معنوي و اشارة معنوية و لهذا تعقل معني السكني من البيت في جهة غير الجهة التي فيها تدرك معني الزينة من الخاتم بحيث تميّز هذا من هذا بكيف معنوي و اشارة معنويّة و جهة معنوية غير ما يميّز بها الٰاخر و اما العلم فيدرك صورة المعلوم الخارجي ينتزعها منه و تكون هي معلومَهُ يعلمها بها فاذا حضر الخارجي انطبقت تلك الصورة عليه لانها صورته اخذها منه الخيال عارية فاذا حضر كان هو اولي بها فاذا حضر الخارجي كان هو بعينه معلومَهُ يعلمه به نفسه لا بصفةٍ غيره و اليه الاشارة بقول علي (ع‌) لاتحيط به الاوهام بل تجلّي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و قال الشاعر :
رأت قمر السماۤءِ فذكَّرتني       ** * **      لياليَ وصلِنا بالرقمتَينِ
كِلانا ناظرٌ قمراً و لٰكِنْ       ** * **      رأيتُ بعَيْنها و رَأَتْ بعيني
و القلب هو العقل و هذا النور الشريف خير كله يسمي بالقلب امّا لتقلّبه في المعاني اوْ انّه داۤئماً يتقلّب في احواله و لهذا امر اهل العصمة عليهم السلم شيعتهم انهم يقولون كل يوم يا مقلّب القلوب و الابصار ثبّت قلبي علي دينك و دين نبيّك (ص‌) و لاتزغ قلبي بعد اذ هديتني و هب لي من لدنك رحمة انّك انت الوهّاب و اِمّا لانّ المعاني تقلب فيه اي تفرغ فيه و يسمّي بالعقل لانه يعقل صاحبه ان عمل بمقتضاه و لم‌يكابره عن جميع معاصي اللّه اي يحبسه عنها و لهذا ورد عن الصادق عليه السلم انّ العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان فقيل و الذي في معوية قال (ع‌) تلك النكراۤء تلك الشيطنة و هي شبيهة بالعقل و ليست بعقلٍ و ليس العقل شرعاً التمييز الذي هو مناط التكليف بل هو النور الحق المكتسب من العمل الحقّ و من هنا قال جعفر بن محمد صلوات اللّه عليه بالعقل يستخرج غورُ الحكمة و بالحكمة يستخرج غور العقل و المراد بالحكمة العلم العملي اي المقرون بالعمل فانه هو الّذي يزيد في العقل كما قال تعالي في الحديث القدسي مازال العبد يتقرّب اليّ بالنوافل حتّي احبّه فاذا احببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكتَ ابتدأته الحديث .
فقوله عليه السلم و قلبي لكم مسلّم
يراد من القلب النور الحق المكتسب من العمل الحق سواۤء اردتَ به القلب و العقل اذ هما شي‌ء واحد ام العلم لان العلم المقرون بالعمل هو ثمرة العقل المستنير كما قال تعالي هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون انّما يتذكر اولوا الالباب يعني مايعلمون العلم الحق الّا اصحاب العقول ام الفؤاد لانه هنا اوْلا قال تعالي و اجعل افئِدة من الناس تهوي اليهم و ذلك لانّها هي الكنه الاصلي فاذا مالت و هوت دلّ ذلك علي انّ صاحبها مخلوق ممّن مالت اليه و هوت فيكون تسليمُه لهم عن علمٍ منه و كشفِ موانعَ غريبةٍ ليست من النّور لانه صفة مالت الي موصوفها و فرع التَفَّ الي اصله فاذا مال ذلك القلبُ اليهم و التفَتَ الي شي‌ء من احكامهم اوْ آدابهم او اعتقاداتهم او اعمالهم اوْ اقوالهم اوْ احوالهم او شي‌ء منهم او عنهم انضمّ الي ملاۤئمه و مطلوبه و باب مطلوبه فلاتحصل له نفرة في شي‌ء هذا ان عرف و ان لم‌يعرف استهلكَتْ طبيعتُه وجدانَه في وجودهم عليهم السلم فيصدق علي الفرضين صدق كون القلب مسلِّماً لهم علي جهة الحقيقة لانّه خلق من فاضل طينتهم فهو يحنّ الي اصله و يميل الي ما منه بُدِئ و يطمئنّ و يسكن في مقرّ كنهه فاذاً قلبي لكم مسلِّم مفوّض في كلّ شي‌ءٍ مما يكون منكم و يرد عنكم لانّ قلبي من فاضِل طينتكم خلق و اليها يعود و لمّا كان بدء قلب المؤمن مخلوقاً من فاضل طينتهم عليهم السلم كما دلّت عليه الاخبار و المراد بالفاضل هو الشعاع و هو في اللطافة و الشرف و النوريّة من طينتهم نسبته اليها نسبة الواحد الي السبعين فطينتهم كالسّراج مثلاً و قلوب شيعتهم كالاشعّة و رتبة الاشعة من السراج في النّورية و الشرف و القوة نسبة الواحد من السبعين فلمّا كانت قلوب شيعتهم كذلك قد وجب في الحكمة و هي ايجاد الشي‌ء علي ما هو عليه مما ينبغي له ان يكون الشعاع عند المنير لايجد نفسه و لا شعور له الّا بما اعطاه المنير و كذا ما خلق من الشعاع بالطريق الاولي كانت قلوب شيعتهم اذا اتّصلت بجهتهم و توجّهت الي احوالهم لاتجد انفسها و لاتشعر بما لها من الاحوال و هذا معني التسليم و التّفويض الحقّ المراد هنا فافهم و تحمّل الاسرار فقد كشفتُ لَكَ الاستار .
و قوله عليه السلم : و رأيي لكم تبع
الرأي هو نظر القلب و اختياره يقال هو علي رأي زيد اي يقول بقوله و يذهب مذهبه يريد ان قلبي لايري اعتقاداً و لا مذهباً و لا عملاً الّا بما ترون من ذلك اي انّه تابع لكم في كلّ شي‌ء لا انّه في رأيه موافقٌ لرأيِهم لانّ ذلك دليل الاستقلال و عدم الاحتياج و هذا لايكون ممّن خُلِق من شعاعهم و فاضل طينتهم بل يكون رأيه تَبعاً لرأيهم لانّه في الحقيقة ناشٍ عن رأيهم بل هم سلكوا به ما سلك كما اشار اليه اميرالمؤمنين عليه السلم في حديث ابي‌الطفيل عامر بن واثلة قال قلتُ يا اميرالمؤمنين اخبرني عن حوض النبي صلي اللّه عليه و آله في الدنيا ام في الٰاخرة قال بل في الدنيا قلتُ فمَنِ الذاۤئدُ عليه قال انا بيدي فليردنّه اولياۤئي و ليصرفنّ عنه اعداۤئي و في روايةٍ و لاُوردنّه اولياۤئي و لاصرفنّ عنه اعداۤئي الحديث ، و المراد به الدين الحق الذي مَنْ شرِبَ منه شربةً لم‌يظمأْ بعدها ابداً فلم‌يصدّق بالحقّ مصدِّق الّا من اوردوه حوض التّصديق و لم‌يعمل عامل عملاً صالحاً الّا مَنْ سدَّدوهُ و اوردوه حوض الاعمال الحقّة و هو الاسلام و الاستسلام و في الحقيقة اعمال شيعتهم فاضل اعمالهم و الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ماكنا لنهتدي لولا ان هدانا اللّه و قد اشار الي التبعيّة التي اشرنا اليها و هي التبعيّة الخاۤصّة بهم من ائمّتهم عليهم السلم العاۤمة لكل شي‌ء محمد بن علي الباقر عليهما السلم في ما رواه في العلل عن ابي‌اسحق الليثي قال قلتُ لابي‌جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلم في حديث طويل الي ان قال اخبرني يا ابراهيم عن الشمس اذا طلعَتْ و بَدا شعاعها في البلدان اهو باۤئن من القرص قلت في حال طلوعه باۤئن قال اليس اذا غابت الشمسُ اتّصل ذلك يعود كل شي‌ء الي سنخه و جوهره و اصله و روي ابوالفتوح الرازي في كتاب اداۤء الحقوق في الاخوان سأل المفضل الصادق عليه السلم ما كنتم قبل ان يخلق اللّه السموات و الارضين قال كنا انواراً حول العرش نسبّح اللّه تعالي و نقدّسه حتي خلق اللّه سبحانه الملاۤئكة فقال لهم سبّحوا فقالوا يا ربّنا لا علم لنا فقال لنا سبّحوا فسبّحنا فسبّحتِ الملاۤئكة بتسبيحنا الّا انا خلقنا من نور اللّه و خلق شيعتنا من دون ذلك النور فاذا كان يوم القيٰمة التحقت السفلي بالعليا ثم قرن عليه السلم بين اصبعيه الوسطي و السّبّابة و قال كهاتَيْنِ ثم قال يا مفضّل اتدري لم سمّيت الشيعة شيعة يا مفضّل شيعتنا منا و نحن من شيعتِنا اماتري هذه الشمس اين تبدو قلتُ من مشرق قال و الي اين تعود قلت مغرب قال عليه السلم هكذا شيعتنا مِنا بُدِءوا و الينا يعودون ه‍ ، فقد ظهر لك ممّا ذكرنا و ممّا استشهدنا به من الاخبار معني تبعيّة الرأي علي جهة الحقيقة فمن كان كذلك فهو صادق في دعواه و من لم‌يكن كذلك فقد يكون مراده بالتبعيّة الموافقة بل لايعرف سواها كما شاهدنا من اكثر الخلق من عالمٍ و جاهل و ان كان يقول انّ رأيي تبعٌ لرأيهم فليس كذلك كيف و نحن نجده يصرف اكثر احاديثهم اذا لم‌يفهمها امّا لقصوره و لاجل قاعدةٍ عنده ربّما لاتنطبق الّا علي مذهب غيرهم و لايرضي بالوقوف عند ما لايعرفه من احاديثهم مع انّي وجدتُ كثيراً ممّا يردّها و يطّرحُها هو الحقّ الصريح و هو مذهب ائمته عليهم السلم فان كان صادقاً في قوله و رأيي لكم تبع فلِمَ يردّ اخبارهم و يصرفها الي قاعدته و الواجب عليه امّا الوقف و ردّها اليهم و الاقرار بعدم فهمها او تصحيح قاعدته عليها لا تصحيحُها علي قاعدته و في نهج‌البلاغة انّ رجلاً قال لاميرالمؤمنين عليه السلم صف لنا ربّك لنزداد له حبّاً و به معرفةً فغضِب عليه السلم فخطب الي ان قال فانظر ايّها الساۤئل فما دلّك القرءان عليه من صفته فائتمَّ به و استضِئْ بنور هدايته و ما كلّفك الشيطان علمه ممّا ليس في الكتاب عليك فرضه و لا في سنة النبي صلي اللّه عليه و آله و ائمة الهدي (ع‌) اَثَرُهُ فكِلْ علمَهُ الي اللّه سبحانه فانّ ذلك منتهي حقّ اللّه عليك و اعلم انّ الراسخين في العلم هم الذين اغناهم عن اقتحامِ السدد المضروبةِ الاقرارُ بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فمدح اللّه تعالي اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم‌يحيطوا به علماً و سمَّي تركهم التعمّقَ فيما لم‌يكلّفهم البحث عن كنهه رُسوخاً فاقتصر علي ذلك و لاتقدر عظمة اللّه سبحانه علي قدر عقلك فتكون من الهالكين ه‍ ، فان كان علي بن ابي‌طالب عليه السلم اِمَاماً لك تأتمُّ بِه۪ فاقبل قولَهُ هذا و الّا فانت ذاك الذي قلنا .
و قوله عليه السلم : و نصرتي لكم معدّة
اعلم انّك قد عاهدتهم علي اَنْ تنصرهم في كل موطنٍ علي عدوّهم و ذلك حين اخذ اللّه عليك العهد بذلك في عالم النفوس فاحضرك في ذلك المشهد مع جميع الخلاۤئق فاوْقف كُلّاً في رتبة كونه مع من كان في رتبته فاخذ عليك العهد معهم هنالك علي ان تنصروهم كلّاً بما يستطيع فقال الستُ بربّكم فعاهدتموه علي النصرة لهم علي عدوهم اذا دعَوكم في كل كرّة فقلتم بلي و شَهِد عليكم جل و علا و اشهدهم و اشهدَ ملاۤئكته و انبياۤءَهُ و رسله و المؤمنين و انا علي ذلكم من الشاهدين فانزل صَكَّ الشهادةِ بقوله تعالي شهدنا ان تقولوا يوم القيمة انّا كنا عن هذا غافلين الٰايات ، فدعوكم عليهم السلم الي النصرة في توحيده تعالي بانّ } ١ { مَن اراد اللّهَ بَدَأ بهم و } ٢ { من وحّده قبِلَ عنهم و } ٣ { من قصده توجّه بهم و معني الاول انهم ابوابه و الادلاۤء عليه و معني الثاني انهم اركان توحيده و الواصفون له اي لم‌يقبل من الوصف اِلّا ما وصفوه به و معني الثالث انهم معانيه و اسماۤؤه و الشفعاۤء عنده لمن ارتضي دينه و دعوكم الي النصرة في ان تصفوه بما وصف به نفسه علي السنتهم و تعرفوه بما تعرّفَ به علي ايديهم و ان تؤمنوا به و بملاۤئكته و كتبه و رسله و انبياۤئه و اولياۤئه و بما جاۤؤا به من عند ربّهم من احوال النّشأَتينِ و ان تؤمنوا بعبده و رسوله محمد بن عبداللّه صلي اللّه عليه و آله و بخلفاۤئه و اهل بيته عليهم السلم علي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي و محمد و جعفر و موسي و علي و محمد و علي و الحسن و الحجة عليهم السلم و انّهم كما وصفهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و عليهم عن اللّه بما هم اهله علي نحو ما مرّ عليك مراراً و ان تؤمنوا بالمَوْت و ما بعده من احوال البرزخ و ان تؤمنوا باليوم الٰاخر و ما اخبروا به من احواله و بالجنّة و النار و ان تؤمنوا بما بين ذلك من قيام قاۤئمهم و من رجعتهم الي دار الدنيا و اقامتهم الحق و اظهارهم علي الدّين كله حتي يملئوا الارض قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً و حتي لايُسْتَخْفَي بشي‌ء من الحق مخافةَ احدٍ من الخلق و ان تؤمنوا بجميع ما جاۤء به محمد صلي اللّه عليه و آله من عنده من امور الاعتقادات و التكاليف في الاعمال و الاقوال من جميع ما يتعلّق باحوال الدنيا و الٰاخرة و اَنْ تؤمنوا بان الحق لهم و معهم و منهم و فيهم و بهم و ان طاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه و رضاهم رضي اللّه و سخطهم سخط اللّه و وليّهم وليّ اللّه و عدوّهم عدوّ اللّه بالجنان و الاركان و اللسان و دعوكم الي ان تنصروهم بالجَنان باَنْ تعتقدوا ما اعتقدوا و تروا ما رأوا و توالوا من والَوا و تجانبوا من جانبوا علي معني ما تقدّم في و رأيي لكم تبع و بالاركان بان تقتدوا بهم في اعمالهم فتعملوا ما عملوا و تتركوا ما تركوا و تنصروهم بالسيف اذا دعوكم الي ذلك و باللسان بان تقولوا ما قالوا و تسكتوا عمّا سكتوا و تنصروهم بنشر فضاۤئلهم و قباۤئح اعداۤئهم ما استطعتم و بالاحتجاج لاقامة اقوالهم و دينهم و مذهبهم و ابطال اقوال مخالفيهم بحججهم عليهم السلم و تنصروهم بالولاية لهم و لاولياۤئهم و بالبراۤءة من اعداۤئهم و ان تنصروا بالصلوة عليهم و الدعاۤء لهم و لشيعتهم و بلعن اعداۤئهم و بالبراۤءة منهم و من اتباعهم و في تفسير الامام عليه السلم فقال رجل يا ابن رسول اللّه اني عاجز ببدني عن نصرتكم و لستُ املك الا البراۤءة من اعداۤئكم و اللعن لهم فقال له الصادق عليه السلم حدثني ابي عن ابيه عنْ جدّه عليهم السلم عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم انه من ضعف عن نصرتنا اهل البيت فلعن في خَلَواته اعداۤءنا بلّغ اللّه عز و جل صورته جميع الاملاك من الثري الي العرش فكلّما لعن هذا الرجل اعداۤءنا لعناً ساعَدُوه و لعنوا مَنْ يلعنُه ثم ثنوا فقالوا اللهم صل علي عبدك هذا الذي قد بذل ما في وسعه و لو قدر علي اكثر منه لفعل فاذا النداۤء من قبل اللّه عز و جلّ قد اجبتُ دعاۤءكم و سمعتُ نداۤءَكم و صلّيتُ علي روحه في الارواح و جعلته عندي من المصطفَيْنَ الاخيار الابرار ه‍ ، اقول هذا نصرهم بلعن اعداۤئهم فكلّ حق و كلّ ما يريده اللّه من خلقه من الواجبات و المندوبات و الاخلاق الحسنة من احوال الغيب كساۤئر الاعتقادات و المعارف و العلوم و من احوال الشهادة كساۤئر الاعمال و الاقوال من افعالٍ و تُرُوكٍ فهم الدّاعون اليه و المجاهدون في سبيله و قد دعَوا جميع الخلق الي نصرتهم في ذلك كله فمن عمل بما امروه به عن اللّه فقد نصرهم و جاهد معهم و اذا مات علي ذلك فهو شهيد داخل في عناية اللّه سبحانه و ارادته بقوله تعالي و الشهداۤء عند ربّهم لهم اجرهم و نورهم و مَن ترك ذلك او شيئاً منه فقد فرّ عن معسكر جند اللّه و حِزْبه و من فعل ذلك الّا متحرّفاً لقتالٍ او متحيّزاً الي فئة فقد باۤءَ بغضب من اللّه فاذا ترك واجباً او فعل محرّماً و هو مقرّ بالاساۤءة و التقصير فقد تحيّز الي فئة و يرجي له الخير و من ندم و عزم علي الطاعة و علي عدم العود في المعصية فهو متحرف لقتال و هو ناج ايضاً فالنصرة المعدّة لهم يكون صاحبها عاملاً للطاعات تاركاً للمحرمات مُقِرّاً بالتقصيرات عازماً علي ترك المعاصي و تدارك الطاعات فلايفقد من مواضع الخير و مجالس الذكر و اماكن محبّة اللّه امّا باطناً و ظاهراً و امّا باطناً فذلك الذي نصرته لهم معدّة فان كان ذلك ظاهراً و باطناً فهو المجاهد حقّاً و ان كان مرة كذلك و مرة باطناً لا غير فهذا مرابط و الحاصل مَنْ بذل جهده في نصرتهم فيما يجاهدون فيهِ للّه من جميع مَراضيه فانّ نصْرته لهم معدّة و اذا قال ذلك فهو صادقٌ فيما ادّعاه و الّا فلا .
قال عليه السلم : حتي يحيي اللّه دينه بكم و يردّكم في ايّامه و يظهركم لعدله و يمكِّنكم في ارضه
قال الشارح المجلسي (ره‌) حتي يحيي اللّه دينه بكم في الرجعة مع المهدي (ع‌) و يردّكم بالرجعة في ايامه اي ايّام ظهور دينه فانه ايّام اللّه و يمكِّنكم في ارضه بالدولة الباهرة كما قال تعالي و ليمكّنَنّ لهم دينهم الذي ارتضي لهم انتهي .
اقول حيوة الدين الاتيان به علي طبق ما امر اللّه تعالي به و هذا ظاهر و انّما الخفاء في تبَيُّنِه۪ علي جهة الحقيقة فنقول مطابقة العمل للامر قد يتحقّق بصورة العمل بان تكون صورته مطابقةً للامر اذا اتي بها مقرونة بشرط الصحة فصلوة الظهر اذا اتي بها علي الهيئة المعروفة ان كانت مقرونة بشروط الصحة كالطَّهارة و السّتر و الوقت و الاستقبال مع التّمكّن و الظاهر عندي انّ مع التمكّن قيداً للاربعة علي بعض الاحوال ليدخل وجوب صلوة فاقد الطَّهُورَيْنِ في الوقت و ان وجب القضاۤء بعد التمكن يقال لها في الجملة انّها حيّة اذا كانت مسقِطةً للقضاۤء و قد لايقال لها حيّة باعتبارِ انّها قد لاتقبل كما لو لم‌يقبل عليها بقلبه و قد تقبل باعتبارِ انّها مجزئة لصدقِ الامتثال فيها فتكونُ حيَّة اما لو اتي بها مطابقة للامر مقبِلاً عليها بقلبه فانّها انشاۤء اللّه تعالي حيّةٌ فالحيوة الموجبة للقبول متحقّقة و غير الموجبة متحقّقة الاجزاۤء و المتحققة القبول اقوي من المتحقّقة الاجزاۤء و منشأ الاولي من صحة الصورة و حصول الاقبال و منشأ الثانية من صحة الصورة خاۤصّة و المراد من قوله حتّي يحيي اللّه دينَهُ بكم من نوع الحيوة الاولي اذ لو اريد من نوع الحيوة الثانية لماحَسُنَ ان يقال حتّي يحييَ اللّهُ دينَهُ بكم لانّ هذا لايقال الّا علي فرض انّ دينه الأن ميتٌ و لايعتبر مطلق الحيوة الموجودة الأن و الّا لماقال ذلك مع انها الأن موجودة قطعاً فيكون مراده الحيوة الكاملة لما دلّت عليه النصوص انه اذا قام قاۤئمهم عليه السلم وضع يده علي رؤس العباد فكَمُلَتْ بذلك احلامهم و ايمانهم و لايكون قبل قيامه عليه السلم فاذا قام عليه السلم اخذ ايمان المؤمنين في الاستكمال و ينتهي في رجعتهم بعد ظهوره عليه السلم و هو بعد القتل راجع معهم كما تقدّم او يراد بالحيوة وجودهم و ظهورهم بين الخلاۤئق متمكّنين من التّصرف نافذي الامر لانّ الحيوة انما تكون بهم و في قوله تعالي اومن كان ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ، روي في الكافي عن بريد قال سمعت اباجعفر عليه السلم يقول في هذه الٰاية ميتاً لايعرف شيئاً و نوراً يمشي به في الناس اِماماً يأتمّ به كمن مثله في الظلمات الذي لايعرف الامام و عنه قال سألتُ اباجعفر عليه السلم عن هذه الٰاية فقال الميت الذي لايعرف هذا الشأن يعني هذا الامر و جعلنا له نوراً اِماماً يأتمّ به يعني علي بن ابي‌طالب (ع‌) كمن مَثله في الظلمات قال بيده هكذا هذا الخلق الذين لايعرفون شيئاً ه‍ ، فالميت الذي لايعرف وِلَايتهم (ع‌) و احييناه عرّفناه ولايتهم عليهم السلم و اظهرنا له اماماً يأتمّ به يتديّن بين اديان الناس بهداه فيجوز ان يكون ذلك في الدنيا و لكن لايكون كاملاً و يصدق عليه الموت في بعض الاحوال و لاتصدق عليه الحيوة حقيقةً الّا اذا كان كاملاً في الولاية و لايكون ذلك الّا اذا كانوا ظاهرين متمكّنين آمنينَ كما قال تعالي وعد اللّه الّذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الارض كما استخلف الّذين من قبلهم و ليُمكِّننّ لهم دينهم الذي ارتضي لهم و ليبدِّلنّهم منْ بعد خوفهم آمناً يعبدونني لايشركون بي شيْئاً فالوعد من اللّهِ سبحانه لهم بالتمكينِ لهم في الارض حيث لا مانع و لا مدافع و لا منازع و ليبدّلنهم من بعد خوفهم في هذه امْناً فاذا اراد ان يحيي اللّه تعالي دينَهُ كما يُحِبُّ ردّهم اي رجعهم في ايّامه اي الرجعة و خروج قاۤئمهم عليهم السلم و اظهرهم لعدله فيُظْهِر بهم عدله كما يحبّ حتّي يملأَها بهم قِسطاً و عدلاً كما مُلِئت باعداۤئهم جوراً و ظلماً و مكّنهم في اَرْضِه۪ في مشرِقها و مغرِبهَا فقوله عليه السلم حتّي يحييَ اللّهُ د۪ينه بكم نهاية لصبرِ المؤمنِ و تسليمِ قلبه لهم فيما يرد عليه و علي المؤمنين و علي الديْنِ من جَوْر الظالمين و تحريف المبطلين و تبديل المعاندين مِمّا يُغَيِّرون به مقتضيات ولايتهم عليهم السلم و حدود د۪ينهم مع علم المؤمن المُسَلِّم لهم بانّهم لَوْ سألُوا اللّه تعالي اَنْ يُزيلَ ذٰلِكَ لفَعل لهم ما طلبوا منه فرضي ذلك المؤمن بما صدر عنهم و بما اَصابه و اصاب المؤمنين بمسمعٍ منهم و بمنظرٍ و بما حدث في الدين من المعاندين و قد كان بعين اللّه سبحانه و هم يعلمون و اللّه قادر علي اصلاح دينه و هم باللّهِ قادرون فصبر ذلك المؤمن و رضي عن اللّه سبحانه و عن اولياۤئه و سلّم و لم‌يجد في نفسه حرجاً مما قضي اللّه و رسوله صلي اللّه عليه و آله لما قلنا سابقاً من اضمحلال وجدانه في وجودهم ،
و قوله (ع‌) : و يردّكم في ايّامه
يراد منه انكم بعد ما خرجتم من الدنيا او من التمكين فيها و استيلاۤء اعداۤئكم الظالمين علي سلطانكم يحلّلون ما حرّم اللّه و يحرّمون ما حلّله اللّه و يقرّبون من بعّده اللّه و يبعّدون من قرّبه اللّه و يبدّلون كلام اللّه و يغيّرون احكام اللّه يردّكم الي ايّامه اي الدنيا اوْ الي التمكين فيها حتي يرجع اليكم سلطانكم و ايّام اللّه ثلاثة الدنيا و الرجعة او قيام القاۤئم عليه السلم و القيمة الكبري فامّا القيمة و الرجعة فظاهر و اَمّا الدنيا التي مضت و لاتعود مع انها قد تكون كناية عن دولة الفاسقين و دولة الفاسقين لو عادَتْ لم‌يتمكّنوا عليهم السلم من العدل في الارض فكيف تراد من الايام هنا فلعلّ المراد بالردّ الي الدنيا باعتبار مقابلة الٰاخرة لانّها هي الدنيا اي الاولي او المراد بالردّ اليها استدراك ما فاتهم فيها من اصلاح رعيّتهم فانهم يستدركون ذلك بان يحيي من له مظلمة و يحيي معه ظالمه فيقتص منه او قصاص فيقتصّ منه و يبعث من نقص ايمانه ليستكمله و من لم‌يحصل له ما طلبه من العلوم للّهِ تعالي ليتعلّم ما احَبَّ و اَمْثال ذلك او المراد بالاَيّام الاعم و نسبت اليه لظهور عدله و حيوة دينه فيها او المراد بالايّام الائمة عليهم السلم و في الحديث لاتعادوا الايام فتعاديكم و المراد بها هم عليهم السلم فالاحد اميرالمؤمنين عليه السلم و الاثنين الحسن و الحسين و الثلاثا علي بن الحسين (ع‌) و الباقر و الصادق عليهم السلم و الاربعاۤء الكاظم و الرضا و الجواد و الهادي و الخميس الحسن العسكري (ع‌) و الجمعة هو القاۤئم عليه السلم و اليه تجتمع الامم و السبت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و ردّهم في الايام المراد به انهم خرجوا الي الدنيا مظلومين مضطهدين لم‌يخرجوا فيها علي ما هم عليه لانهم سلاطين الدنيا و الٰاخرة و اليهم ترجع الامور كلّها فلما غُصِبُوا سلطانَهُمْ و ازيلوا عن مقامهم حتي غيّر اعداۤؤهم الدين و حرّفوا الكتاب المستبين و اراد اللّه اظهار دينه و اعلاۤء كلمته ردّهم في ايّامه اي ردّهم الي الدنيا فيما هم عليه من ظهورهم برفع الموانع عنهم و اذلال اعداۤئهم الناصبين لهم الغاصبين لحقّهم و تمكينهم من مراتبهم التي خلقهم فيها و خلقها لهم فهم ايّام اللّه و ردّهم في ايّامه اي علي ما هم عليه من كونهم ملوك الدنيا و الٰاخرة او المراد بالايّام اوقات ظهور افاعيله في خلقه من خلق و رزقٍ و حيوة و مماتٍ كليّات او جزئيات حيث كانوا ابوابه لجميع فيوضاته فان قلت علي هذا لا معني للردّ لانهم اذا كانوا ابواب فيوضاته لم‌يخرجوا عن تلك الايام ليقال انّه في الرجعة يردّهم فيها و لو كانوا خرجوا تعطّل الفيض قلتُ انّهم لم‌يخرجوا بالكليّة اصلاً و الّا لفسدت السموات و الارض و من فيهن و لكنهم عليهم السلم لمّا لم‌يكونوا متمكّنين من جهة اقامة الدين علي ما ينبغي كان غاية وساطتهم في اصلاح الوجود الكوني بما فيه من الشرع الكوني و هو ظاهر التكوين فلايكون الوجودُ الكوني مستقيماً علي ما ينبغي بظاهر التكوين و انما يستقيم بباطنه و سرّه و باطن التكوين و سرّه هو الكون الشرعي و لم‌يكونوا في دولة الباطل متمكّنين من اقامته فاذا رجعوا ذهبت بظهورهم و تمكّنهم دَوْلةُ الباطل و اضمحلّت و اقاموا الكون الشرعي و استقامت الاشياۤء علي كمال ما ينبَغي و استدار الفلك كهيئته يوم خلق اللّه السموات و الارض لانّهم اقاموا العوج بان اعطوا كلّ شي‌ءٍ مدد معونته علي ما يراد منه فهنالك صدق ان اللّه تعالي ردّهم في ايّامه اي اوقات ظهور افاعيله من جميع الخلق و الرزق و الحيوة و المَوْت ،
و قوله عليه السلم : و يمكّنكم في ارضه
من قوله تعالي و نريد ان نمنّ علي الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم ائمة و نجعلهم الوارثين و نمكِّن لهم في الارض و نري فرعون و هامان و جنودهما منهم ما كانوا يحذرون و عن اميرالمؤمنين عليه السلم قال هم آل‌محمد صلي اللّه عليه و آله يَبعث اللّه مهديّهم بعد جهدهم فيعزّهم و يذلّ اعداۤءهم و في نهج‌البلاغة قال عليه السلم لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسِها عطف الضّروس علي ولدِها و تلا عقيب ذلك و نريد ان نمن علي الّذين استضعفوا في الارض الٰاية ، و في معاني‌الاخبار عن الصادق عليه السلم انّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نظر الي علي و الحسن و الحسين عليهم السلم فبكي و قال انتم المستضعفون بعدي فقيل للصادق عليه السلم ما معني ذلك يا ابن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال معناه انكم الائمة بعدي ان اللّه تعالي يقول و نريد ان نمنّ علي الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم ائمة الٰاية ، فاذا كانت الفقرة مقتبسةً من قوله تعالي و نمكّن لهم في الارض كان معناها ان اللّه تعالي يجعلهم ائمة يقتدي بهم و انّه لايكون بعد ملكهم ملكٌ لمخلوقٍ و الّا لَماتَمَّ التمكينُ اذا تمكّن بعدهم في الارض غيرهم لانّ المعني ظاهر في الٰاية حيث قال و نجعلهم ائمة يقتدي بهم اي لايُقتدَي بغيرهم الّا عنهم و نجعلهم الوارثين للارض فلو تمكَن بعدهم في الارض احد كان هو الوارث للارض لانه هو الاخير لا هم فلعلّ العطف في و نمكن لهم في الارض في الٰاية تفسيري .