00-04-01 شرح الزیارة الجامعة الکبیرة – المجلد الرابع – مقابله – الجزء الاول

شرح الزیارة  الجامعة الکبیرة

 

من مصنفات

الشیخ الاجل الاوحد الشیخ

احمد بن زین الدین الاحسائی

 

 

المجلد الرابع – الجزء الاول

 

امّا بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين‌الدين الاحسائي هذا الجزء الرابع من شرح الزيارة الشريفة الزيارة الجامعة الكبيرة :
قال عليه السلام : بابي انتم و امّي و نفسي و اهلي و مالي ذكركم في الذّاكرين و اسماۤؤكم في الاسماۤء ،
قال الشارح المجلسي رحمه اللّه ذكركم في الذاكرين اي اذا ذكره الذاكرون فانتم فيهم او ذكرُكم للّهِ في جنب الذاكرينَ ممتازٌ اوْ كالشمس اذا ذكروا فانتم داخلون فيهم لٰكن ايّ نسبةٍ لكم بهم لقوله فما احلي اسماۤؤكم و كذلك البواقي انتهي . و قال السيد نعمت‌اللّه الجزاۤئري رحمه اللّه في شرح التهذيب ذكركم في الذاكرين الخ ، مبتدأ و خَبر اي ذكركم موجود بين الذاكرين كما انّ اسماۤءكم موجودة بين الاسماۤء الّا انّ ذكركم لَا نِسْبَةَ لَهُ اِلي ذكر الذاكرين و كذلك اسماۤؤكم بل هي احلي و اشرف من كل ذكر و من كل اسم و هكذا باقي صفاتكم فانّها مشاركة لصفات البشر في الاسم مفترقةٌ عنها بالمعني انتهي .
اقول قد تقدّم الكلام في بأبي انتم و امّي و انّ بأبي خبر مقدّم وَ اَنْتُمْ مُبْتدأ مؤخّر و انّه اَيْ بِاَب۪ي كان معمولاً ثانياً لِاَفْد۪ي و انتم كان معمولاً اَوّلاً له فلمّا حُذِفَ لكثْرةِ الاِسْتعمالِ حَتَّي انَّهُ غلَب حُضورُ مَعْنَاهُ بالبَالِ ضمِن مَعناهُ المعمول الثَّاني لانّهُ ثَمرةُ عَامِله۪ فَنَابَ عَنْهُ وَ لِاَنّه نفسُ الْفِدَاۤءِ فيكون اَوْلي مِنْ اَنتم بالتضمنِ وَ بالنِّيَابةِ و لِاَجْلِ هٰذَا تَصَدَّرَ و تقدّم و تأخّر المبتدأ وَ ذِكْرُكُمْ بَدَلٌ مِنْ اَنْتُمْ بَدَل اشْتِمالٍ اَيْ بابي و امي و نفسي و اهلي و مالي اَفدِي ذكرَكُمْ في الذّاكِر۪ينَ الموجود في اَلْسُنِ الذاكِر۪ين او في نفوسهم او في قلوبهم او المسموع من اَلْسِنَتِهم او المرئيّ في اعمالهم فانّ اتّباع سبيلهِمْ و الأخذ عنهم و الرّدّ اليهم و الرضي بهم و التسليم لهم اَعظم ما يذكرهم به شيعتُهم و اتباعهم او المعلوم من معتقداتِ ذاكريهم من شيعتهم و اتباعهم فانه اعلي ما يُذْكَرُونَ به كما اذا اعتقد المؤمن العارفُ توحيدَ اللّه بتعريفِهم عليهم السلام و بسبيل معرفتِهم و بمعرفتِهم فانّ هذا اَعلَي ما يُذكَرُونَ به نفسي لساداتي و مواليّ الفِداۤء فان شِئتَ اسمعتك اَلْحٰانَهُمْ و اَلْحَانَ شيعتهم الاوّل۪ين الّذين جعلهم اللّه خلف العرش فاقول او يكون المعني بابي و امي و نفسي و اهلي و مالي اَفْدي ذكرَكم للّهِ ما بين الذّاكرين باسراركم و عقولكم و اَنْفسكم و اشباحكم و اجسامكم و اجسادكم و الفاظكم و اعمالكم و احوالكم و الوانكم و جميع ما لكم و ذكركم لانْفُسِكم في هذه المراتب و ذكركم لش۪يعَتِكم في ما لهم من هذه المراتب و ذكرَكم لاعداۤئِكم باعمالهم و بما لهم من هذه المراتب و ذكركم لمن دونهم الي التُّراب و الثَّرَي او ذكر اللّهِ ايّاكم فيما ذكر و فيما لم‌يذكر فصار المعني ان المصدر الذي هو المفدي بهذه الامور التي احبّ الاشياۤء و اعظمها عندي بعد اللّهِ و بعدكم يا مواليَّ يجوز ان يكون مضافاً الي المفعول اوْ الي الفاعل فعلي انّه مضاف الي المفعول يكون ذاكركم هو اللّه سبحانه و تعالي في كلّ مرتبةٍ من مراتب وجوداتكم من الحقيقة المحمدية الي التراب الطّيّب مما هو منسوب الي باطنكم و فيما هو منسوب الي ظاهرِكم من الجهل الي الارض السبخة و ذلك يومَ اتّخذكم اعضَاداً و اطواداً فبَسط بكم عواملَ افعاله كما قال تعالي اولم‌يروا الي ما خلق اللّه من شي‌ء يتفيّؤ ظلاله عن اليمين و الشّماۤئل سُجّداً للّهِ و هم دٰاخرون و قال تعالي و للّه يسجد ما في السّموات و ما في الارض طوعاً و كرهاً و ظلالهم بالغدوّ و الٰاصال حتي اعلن كلّ شَي‌ءٍ بتوحيده و تمجيده و تسبيحه و تحميده فبذلك ذكركم خير الذّاكرين حين ذكرتموه بذلك فانزل فيكم و بكم فاذكروني اذكركم اَوْ علي انّه مضاف الي المفعول ايضاً ذكركم الذاكرون فاللّه سبحانه ذكركم بما ذكر به نفسه فجعل طاعتكم طاعته و معصيتكم معصيته و رضاكم رضاه و سخطكم سخطه و ذكر بكم مَن سواكم من خلقه و ذكركم الذاكرون و ذكروا بكم مَن عرفوا فباحب الاشياۤء عندي افدي ذكر اللّهِ تعالي لكم من بين ما ذكر تعالي من سواكم و افدي ذكر الذاكرين لكم من بين ما ذكروا ممن عرفوا و افدي ذكر اللّه تعالي بكم مَن سواكم من بين ذكر اللّهِ بسواكم مَن سواكم و افدي ذكر الذاكرين بكم مَن سواكم مِن بين ذكرِهم بسواكم مَن سواكم و افدي ذكر اللّه تعالي لكم فيما احبّ من ملكه و بما ابغضَ من ملكه و افدي ذكر الذاكرين لكم فيهم و في جميع مراتب وجوداتِهم من الافئدة و العقول و الارواح و النفوس و الطباۤئع و المواۤدّ و الاشباح و الاجسام و الاجساد و الاعتقادات و المتيقّنات و العلوم و الاعمال و الاقوال و الاحوال و عَلَي انّه مضاف الي الفاعل يكون المعني فباحبّ الاشياۤء عندي افدي ذكركم للّهِ تعالي بما ذكركم به في كل مقامٍ ظهر بكم لكم و لمن سواكم من بين ذكر الذاكرين للّه تعالي في كل مقام و بكل كلام و افدي ذكركم باللّه تعالي لكلّ من شاۤء اللّهُ بما شاۤء كما شاۤء من بين ذكر الذاكرين باللّه تعالي لمن شاۤء اللّه بما شاۤء كما شاۤء و افدي ذكركم للّه تعالي فيما شاۤء من خلقه الذاكرين لٰالاۤئه الشاكرين لنعماۤئه و افدي ذكركم باللّه تعالي فيما شاۤء من خلقه الذاكرين لٰالاۤئه الشاكرين لنعماۤئه فهذه الاشياۤء التي ذكرتها صور اغصان سدرة المنتهي و اغصان شجرة طوبي في جنة‌المأوي و علي هذه الغصون اطيار علي صور الطواويس من امثالهم في قوالب الصّاۤفّين و الكروبيّين و المسبّحين لااقدر اَنْ اُسَمّيَ باسماۤئهم و لاينقشَ قلمي هيئاتَ الحانهم لئلايسمعَ من الناس صنفانِ فيهلك قوم و يخرّ صعِقين قومٌ و لقد قال سلمٰن الفارسي عليه سلام اللّهِ لعلي اميرالمؤمنين صلي اللّه عليه و آله يا قتيل كوفان لولا ان تقول النّاس واش واه رحم اللّه قاتل سلمن لقلتُ فيك مقالاً تشمئزّ منه القلوب يا محنةَ ايّوب و انا اقول لولا هذه العلّة لبيّنتُ بعض تلكَ الاطيار و اريتُك الوانها كالوان الطواويس و اسمعتُكَ بعض الحانها المهلكة و المسكرة لحسن اصواتها و نغماتها علي انّ الاوراق تكاد تضيق عن بيانها و انّ سلمن الفارسي رحمنا اللّه به و بحبّه لمّا اشار الي هذه الاطيار و الحانها و نغمات سجعها علي اغصان الشجرة نقشتُ لك بقلمي في هذا الشرح كثيراً من صور اغصانها و اشجارها و اوراقها و اطيارها ، و اعلم انّ في لغة اهل البيت عليهم السلام فيما يتخاطبون به و يخاطبون به مَن علّموه بعض لغاتهم معاني لاتجري علي ظاهر اللغة العربيّة لان المعروف عنهم عليهم السلام ان اللّغة تصرف علي سبعين وجهاً في الكلمة الواحدة فقد يسمّون الشي‌ء بما يخالف المعني المصطلح عليه ففي مثل ما نحن بصدده و هو انّا قلنا ان قوله عليه السلام ذكركم في الذاكرين بدل اشتمالٍ و قد يطلقون عليه بدل بعض من كل سواۤء قلتَ انه مجرّد اصطلاح ام لمناسبة قويّة فانك اذا قلتَ نفعني زيد علمه يقولون علمه بدل من زيد بدل اشتمال و هم عليهم السلام يطلقون عليه ما هو حكم بدل بعضٍ من كلّ كما في رواية حمران بن اعين عن الصادق عليه السلام حين سأله فقال يا حمران كيف تركتَ المتشيّعين خلفك قال تركتُ المغيرة و بُنان البيان احدهما يقول العلم خالق و يقول الٰاخر العلم مخلوق قال فقال (ع‌) لحمران فايّ شَي‌ء قلتَ انت يا حمران قال فقال حمران لم‌اقل شيئاً قال فقال ابوعبداللّه عليه السلام افلاقلتَ ليس بخالقٍ و لا مخلوقٍ فقال ففزع لذلك حمران قال فقال فاَيْشٍ هو قال فقال من كمالِه۪ كيدِك منك ه‍ ، فجعل عليه السلام العلم بعضاً من الشئ فعلي هذا اذا قلتَ نفعني زيد علمه يكون علمه بدل بعضٍ من كلٍّ و هذا معني صحيح لان علماۤء العربيّة انما قالوا بدل اشتمال لانّ زيداً مشتمل علي علمه و علي قوله عليه السلام ان زيداً جملةٌ بعضها الجسم و بعضها العلم و بعضها العقل و بعضها الحواس الظاهرة و الباطنة و غير ذلك و لايعني ببدل البعض الّا كون البدل بعضاً من جملة اُسْند العامل اليها اوّلاً فظنّ السامع ان حكم العامل واقع علي الجملة فبيّن المتكلّم ان الجملة لم‌يسند العامل الّا الي بعضها و انّما اَتينا بالكلِّ لكونه مقوِّماً للمسندِ اليه بخلاف بدل الاشتمال و ان كان بهذا النحو يَعني انه لم‌يسند الي الكل و لكن الجملة لم‌تكن مقوّمةً للمسنَدِ اليه و انما هي ظرف له و هذا الاختلاف راجع الي المعني لا الي اللّفظ فانّ العلم اذا كان بدل بعض لم‌يُرَدْ منه كونه صورة انتزاعيّة ليكون مظروفاً فيتحقق الاشتمال و انّما هو ركن الذّات و الصورة انّما هي علامة كما قيل في الاعراب انه تغيير الٰاخر و امّا الحركات فهي علامات ففي ما نحن فيه علي الظاهر يخلص المعني في بدل الاشتمال و امّا علي الباطن و التّأويل يجوز ان يكون بدل بعضٍ من كلٍّ او بدل كلٍّ من كلٍّ فعلي المعني الظاهري بالقول بالاشتمال فالمراد بالذكر ما يحضر عند الذاكر من ذات المذكور او صفته و يحصل له او يقع عليه او يحصل له من ذات المذكور او صفته من قول او عمل او تصوّر او حضور ذهني او حسي عند وجودِ مقتضٍ له و امّا علي الباطن و التّأويل فعلي ارادة بدل البعض نقول ان الذاكر لم‌يحط منهم عليهم السلام بجميع مايقتضي المذكوريّة و انّما يحيط بالبعض من جهاتهم فتتّجِهُ ارادة البعض لارادة جهةٍ واحدةٍ من جهات كثيرة هي كل الشي‌ء لا انّ المراد هو الصِفاتُ ليُقال هذا هو الاشتمال و انّما يراد بالجهاتِ الابعاض كما يقال جهات الشئ لاجزاۤء ماهيّتِه۪ مثلاً للانسان جهتان جهة حيوانيّته و جهة نَاطِقِيَّتِه۪ فتقول الٰان عرفتُ زيداً حيوانيّته او ناطقيّته و هذا علي الاضافة الي المفعول و كانَ الذاكر مَن سواهم من الخلق فان كان هو الخالق سبحانه كان علي هذا بدل كلٍّ من كُلٍّ لانه تعالي محيطٌ بهم في كل رتبةٍ من مراتب وجوداتهم فاوّل مرتبة ذكرهم فيها ذكرهم بهم فبكلِّ ما يعزّ عَليّ اَفْدي ذكر اللّهِ تعالي لكم بكم من بين ذكره لجميع خلقه بهم بل و بمحمد و آله صلي اللّهُ عليه و آله اي من بين ذكر اللّه تعالي لخلقه بهم و من بين ذكر اللّه تعالي لخلقه بكم و لو قدّرنا في معني ذكر اللّه ارادة الاوصاف و الاحوال فانه كما يذكرهم بهم يذكرهم باوصافهم و باحوالهم كان بدل اشتمال كما مرّ و هل يتمشي بدل كلٍّ من كلٍّ علي تقدير الاضافة الي الفاعِلِ الظاهر المعلوم من المذهب علي ظاهر المذهب انّه لايتمشّي و ظاهر الروايات تنفيه منها ما رواه الكشّي في رجاله بسنده عن علي بن حسّان عن عمه عبدالرحمن بن كثير قال قال ابوعبداللّهِ عليه السلام يوماً لاصحابه لعن اللّه المغيرة ابن سَع۪يد و لعن اللّهُ يهوديّةً كان يختلف اليها يتعلّم منها السِّحر و الشعبذة و المخاريق انّ المغيرةَ كذبَ علي ابي عليه السلام فسلبه اللّه الايمان و ان قوماً كذبوا عَليّ ما لهم اَذاقهم اللّه حرّ الحَديد فواللّهِ ما نحن الّا عَب۪يدُ الذي خلقَنا و اصطفانا مانقدِرُ علي ضرٍّ و لا نفعٍ و ان رحمنا فبرحمته وَ اِنْ عذّبَنَا فبذُنُوبِنا واللّهِ ما لنا علي اللّه من حجّةٍ و ما معَنا من اللّهِ براۤءة و انّا لميّتُون و مقبورون و منشَرُون و مبعوثون و موقوفون و مسئولون ويلهم ما لهم لعنهم اللّه لقد آذَوُا اللّه و آذَوْا رسوله في قبرِه و اميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي صلواتُ اللّه عليهم و ها انا ذا بين اظهركم لحم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و جلد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اَبيتُ علي فراشي خاۤئفاً وجِلاً مرعوباً يأمنون و افزع ينامون علي فرشهم و انا خاۤئفٌ ساهر وَجلٌ اتقلقلُ بين الجبالِ و البراري ابْرأ الَي اللّهِ ممّا قالَ فِيّ الاجدع البَرّاد عبد بني‌اسد اَبُوالخَطَّاب لعَنه اللّهُ واللّهِ لو ابتُلوا بنا و امرناهم بذٰلك لكان الواجب اَلَّايقبَلُوه فكيفَ و هم يروني خاۤئفاً وَجِلاً اَسْتَعْدِي اللّهَ عليهم و ابرأ الي اللّه منهم اشهدكم انّ۪ي امرُءٌ ولدني رسول اللّه صَلّي اللّهُ عليه و آلِه۪ و مَا معي براۤءة من اللّه ان اطعتُه رحمني و ان عصيتُه عذّبَني عذاباً شديداً او اشدّ عذابه ه‍ ، و امثال هذا كثير في رواياتهم و امّا بَواطن اخبارهم فداۤلّة علي ذلك تصريحاً و تلويحاً اَمّا التّلويح فمثل ما في الاختصاص بسنده الي الحسن بن عبداللّهِ عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال خطب اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه فقال ايّها النّاسُ سَلُون۪ي قبل ان تفقِدُوني ايها النّاس انا قَلْبُ اللّهِ الواعي و لسانه الناطق و ام۪ينُه علي سرِّه۪ و حجّته علي خلقه و خليفتُه علي عباده و عينه الناظرة في بريّتهِ و يده المبسوطة بالرأفة و الرحمة و دينه الذي لايُصَدِّقُني الّا مَن محض الايمان محضاً و لايكذّبُن۪ي الّا مَن محضَ الكفرَ محضاً ه‍ ، و امثال هذا كثير و امّا التّصريح فممنوع منه وَ مَا اكثر ما كتبته في شرحنَا هَذَا ،
بقي شي‌ء من مكنون العلم علي تقدير الاضافة الي المفعول و كون الذاكر هو اللّه سبحانه و هو ذكر اللّه لكم بخلقه و ذكر اللّه لخلقه بكم فان المذكور في الاوّل افضل من الذكر و الذكر في الثاني افضل من المذكور فان اريد بالذكر المصدر من غير تأويل بالمفعول كان المعني بكلّ ما يعزّ علَيّ افدي ذكر اللّهِ تعالي لخلقه بكم من بين ذكر اللّهِ تعالي لكم بخلقه و ان اريد بالمصدر المفعول كان المعني بكل ما يعزّ عليّ افدي ذكر اللّه تعالي لكم بخلقه من بين ذكر اللّهِ تعالي لخلقه بكم هذا اذا اريد بالذكر الذكر الظاهر و هو ما يحضر عند الذاكر و يحصل له من ذات المذكور او صفته او يقع عليه و يحصل له من ذات المذكور او صفته من قول او عمل او تصوّرٍ او حضورٍ ذهني او حسّي عند وجودِ مقتضٍ له و امّا اذا اريد به الباطن و التأويل كما تقدّم فهو كالوجه الاوّل و هو عدم تأويل المصدر بالمفعول الّا انّ في فهم المراد من قولي ذكر اللّه تعالي لكم بخلقه اشكالاً و في قولي ذكر اللّه تعالي لخلقه بكم دقّةً و غموضاً و قد بيّنتُه في مواضع من هذا الشرح و لكن اشير اليه هنا كما هو عادتي بالتكرير للبيان و الايضاح ،
فامّا الاشكال فاعلم انا نريد بالذكر في الباطن و التأويل هو الايجاد بالمشيّة التي هي الذكر الاول للمشاۤء كما في حديث يونس بن عبدالرحمن عن الرضا عليه السلام حين سأله عن المشيّة و الارادة و القدر و القضاۤء و الامضاۤء قال عليه السلام تعلم ما المشيّة قال لا قال عليه السلام هي الذكر الاوّل تعلم ما الارادة قال لا قال (ع‌) هي العزيمة علي ما يشاۤء الحديث ، و اراد عليه السلام بقوله هي الذكر الاول انّ المشاۤء قبل ذلك موجود بالوجود الامكاني و لم‌يكن شيئاً مذكوراً بالتكوين يعني انه كان ممكناً و لم‌يكن مكوَّناً فاوّل ما يذكر بالايجاد ان يشاۤء اللّه تعالي كونه فكونه يَعني وجوده بدون ماهيته هو اوّل ما ذكر به فالكون في المشية و ايجاد العين في الارادة فالمحدَثُ بالمشيّة هو الكون اي الوجود و المحدث بالارادة هو العين اي المتقوّم بمادته و صورته سواۤء كانتا مجرّدتَيْن ام جسمانيَّيْن و الوجود هو المادة البسيطة و لكن لايظهر الّا بالماهيّة و متمّماتها من المشخِّصات فاذا قلنا ان المراد بقوله ذكركم في الذاكرين انّ هذا الذكر هو ايجادكم فاذا قلنا ايجاد اللّه لكم بخلقه صار المعني ان اللّهَ سبحانه اوجدهم بخلقه و هذا في غاية الاشكال ،
و رفع الاشكال ان نقول انّهم عليهم السلام قد خلقهم اللّه سبحانه قبل الخلق بالفِ دهرٍ و في روايةٍ بالفِ‌الفٍ و الذي فهمتُ من وجه الجمع بين هاتين الروايتين ان الخلق في الاولي الانبياۤء عليهم السلام و في الثانية ساۤئر المخلوقاتِ فكانوا عليهم السلام يعبدون اللّه عز و جلّ و يسبّحونه و لم‌يكن في الوجود الكوني غيرهم و كانوا عنده تعالي و كان ظهورهم في الوجود مساوِقاً لتحقّق الامكان الراجح في حجُب الغيوب و لم‌ينزلوا الي هذا العالم و لم‌يظهروا فيه لانه لم‌يخلق بعد فلم‌يمكن ظهورهم في لاشئ فلمّا خلق هذا العالم اوجدهم فيه و لم‌يكونوا موجودين في هذا العالم الّا بوجود هذا العالم و هذا الخلق فكان اللّه تعالي موجداً لهم في هذا الخلق بهذا الخلق و اضرب لك مثلاً تعرف به المراد و هو من الامثال التي ضربها رب العباد و هو انّ الشمس اذا طلعت طلعت بنورها و اشراقها غير مفارقٍ لها و لا فاقدة له فلو لم‌تقابلها الارض بكثافتها لم‌يظهر لها نور كما تراها في الليل فانها مقابلة للسموات و لم‌يظهر لها نور لعدم كثافة السموات و يظهر نورها في القمر و الكواكب لكثافتها فاذا طلعت من الافق لو فرض عدم الارض او عدم كثافتها رأيتها كالجمرة لا نور فيها فاذا ظهرت الارض ظهر نور الشمس فاوجد اللّه سبحانه نور الشمس بالارض مع انّ نور الشمس معها و مثال آخر انت سميع في ذاتك فاذا لم‌يقع بقربك صوت لم‌يظهر سمعُك فاذا تكلّم عندك متكلّم وجد سماعُك بوجود الصوت اي وجد ظهوره بوجود الصوت و لم‌يكن سماعك في نفس الامر معدوماً و انّما اُحدث حال كلام الغير بل شرط وجوده في الظاهر و تعَلّقِه بمدركه وجود مُدرَكِه و شرط وجود نور الشمس في الارض وجود الارض مع انه قبل ذلك لم‌يكن معدوماً و امثال ذلك كثير كالكسر و الانكسار و كصورتِك في المِرْءاة و غير ذلك و هذا معني ان اللّه سبحانه اوجدهم عليهم السلام بخلقه و لا ريبَ انّ ايجادَ اللّه تعالي لهم عليهم السلام بخلقه كما سمعتَ لايساوي ايجادَ اللّه تعالي للخلق بهم عليهم السلام اِذْ لا فضيلةَ لهم عليهم السلام في كون ايجادهم بالخلق بل قد يتوهم من هذا حُصول النّقص في ظاهر حاجتهم الي مَن هو دونهم بخلاف كون ايجاد الخلق بهم فان فيه كمال الفضيلةِ و معني ايجاد الخلق بهم ان اللّهَ سبحانه خلق مواۤدّ جميع مَن خلق و ما خلق من فاضل اشعّة انوارهم و خلق صور الخلق كلهم من هيئات احوالهم و اعمالهم هذا في صور المؤمنين و الملاۤئكة وَ النّبِيّ۪ينَ و ما لَحِقَ بهم و اما صور الكافرين و الشّياطين و المنافقين و مَا لَحِقَ بهم فمن هيئاتِ خلافِ اَحْوَالِهم و اعمالِهم و قد تقدّم هذا المعني في مواضع من هذا الشرح فان قلتَ كيف تفرض ما لم‌يكن في الواقع و هو ان اللّه سبحانه اوجدهم بخلقه فان هذا لايكون لانّه يلزم منه انّهم يتكمّلون بمن دونهم مع انّه لا دليل عليه قلتُ نعم قد كان هذا و هم كذلك يحتاجون لمن دونهم و يتكمّلون بهم الّا ان حاجتهم الي من دونهم و تكمّلهم بهم ليس راجعاً الي ذواتهم عليهم السلام لِانَّ ذوَاتهم كاملةٌ بل مَن دونهم محتاجون اليهم و متكمِّلون بهم و انّما ذلك التكمّل و تلك الحاجة رَاجعَانِ الَي ما يكون لهم و الي من ينتسِب اليهم و ذلك كالشجرَة فانّها تحتاج اِلَي الوَرق الّذي لايوجد و لا بقاۤء له الّا بمددها الّا انّها يحسن منظرها بوجود الورق و كالوَزِير فاِنّه اذَا صَلُحَتْ رعيّته كَانَ بذلك وجيهاً عند السُّلْطان و اذا عصت رَعيّة الوزير كانَ ذٰلِكَ مُبَعِّداً لَهُ عند السُّلْطَان و ان لم‌يقع منه تقصير فَكذلك هم عليهم السلام فانّهم ينتفِعُون بصلاح شيعتِهم فيما يرجع الي كونهم ذوي اتباعٍ صالحين بصلاحهم و هو زيادة في حسن ظاهرهم بحيث يكون ذلك فضيلة لهم نِسْبيّةً لا ذاتيّةً كما مثّلنا بالشجرة و الورق و لاجل هذا قالوا صلي اللّه عليهم لشيعتهم اعينونا بورعٍ و اجتهاد يعني اعينونا فيما تريدونَ منّا من الشفاعة و العَفْو و ترك حقوقِنا فانكم اذا تورّعتم و اجتهدتم لم‌تحتاجوا الي ان نستشفع فيكم و قال صلي اللّه عليه و آله تناكحوا تناسلوا فانّي مُباهٍ بكم الاممَ الماضيةَ و القرونَ السالفة يوم القيمة و لو بالسِّقْطِ الحديث ، فان قوله صلي اللّه عليه و آله مُبَاهٍ بكم الامم الماضيةَ الخ مشعر بالانتفاع و لكنه كما قلنا لايرجع الي تكمُّلِ ذواتهم بذلك بل يَرجع الي بعض الاحوال الظاهرة منهم ،
و قوله عليه السلام : و اسماۤؤكم في الاسماۤء
يراد منه بما ذكرتُ مما يعزّ علي افدي اسماۤؤكم في الاسماۤء اي من بين الاسماۤء و الاسم انّما وضع علامة للشئ قال في القاموس و اسم الشئ بالكسر و الضم و سِمَةٌ و سِمَاةُ مُثَلَّثَيْن علامته انتهي ، و ذكره في ماۤدة سَما تنبيهاً علي انه من السموّ لا من الوسم و تفسيره ينافي تنبيهَهُ الّا ان اختياره ما دلّ عليه تنبيهه كما هو اختيار البصريين في الاشتقاق و التفسير مقتضي معني الاسم و لذا جرت به طبيعته كما هو اختيار الكوفيّين و هو اولي لمطابقة الاشتقاق للمعني لان الاسم انما وضع لتمييز المسمي فهو علامة له و العلامة من الوسم اليق بها من السمو لان الرفعة المعنيّة لايراد بها المسمّي و لا فاۤئدة في ان يراد بها الالفاظ و دليلهم بالجمع و التصغير لاينهض بالحجة لانه اذا قام الاحتمال بطل الاستدلال و الاحتمال القاۤئم المساوي بل الراجح لاجل صحة معناه هو انّهم انما قال الصرفيّون بانهما يردان الاسماۤء الي اصولها غالباً بقي فيه غير الغالب و لايقال ان غير الغالب لايعارض الاستدلال لانا نقول اذا رجعنا الي المعني و كان معَنا لا مع البصريّين و رجعنا الي السبب الموجب لكون الجمع و التصغير يردان الاسماۤء الي اصولها غالباً شهد بصدق غير الغالب و كان غالباً في مورده و ذلك لان شويكِياً تصغير شاكٍ مقلوب شاۤئك انما لم‌يردّه التصغير الي اصله لمعلوميّة اصله انّه شاۤئِكٌ و انّما يردّ ما كان اصله مجهولاً لان ما كان اصله في الغالب مجهولاً لو لم‌يردّ الي اصله في التصغير و التكسير لجهل اصله بخلاف ما كان اصله معلوماً فانه لايجب مع احدهما الردّ و ان جازَ لاسرارٍ في الوضع يطول بها الكلام اذ لايمكن تبيينها الّا بذكر كثير من الامثال ليتبيّن الحال و الاسم لمّا كان كثير الدوران في الكلام و الاستعمالات و المحاورات و كان معلوم الاصل بشهادة معناه و انه علامة علي المسمي التي لايناسب معناها الّا الاخذ و الاشتقاق من الوسم لا من السموّ لم‌يغيّره التصغير و التكسير لان التغيير لما لايستعمل الّا علي هذه الهيئة خلاف الاصل و خلاف الاستعمال و خلاف المأنوس و لو كان مجهول الاصل بحيث لو لم‌يردّ الي اصله في بعض الاحوال لجهل اصله وجب ردّهُ الي الاصل في التصغير و التكسير حفظاً لاصله و ان خالف غالب الاستعمال بحيث لو كان الردّ مصادِماً لغالب الاستعمال بحيث يحصل من الردّ مجهوليّة الاستعمال و لو في بعض الاحوال وجب نصب قرينة لرفع هذا الاختلال و لمّا زال المحذور من جهل اصل الاسم و حصل المحذور من تغيير اصل سلاسة الاستعمال و خلاف المأنوس ابقي علي اصل استعماله لمعلومية اصل وضعه و هذا مع حسنه و ظهور دليله موافق لمعناه فيجب المصير اليه و الشهرة ليست في مثل هذا الذي يخالف اصل معناه دليلاً اذ رُبَّ مشهور و لا اصل له و في عيون‌الاخبار و معاني‌الاخبار عن الرضا عليه السلام في تفسير بسم اللّه قال عليه السلام يعني اَسِمُ نفس۪ي بسمةٍ من سماتِ اللّه و هي العبادة قيل له ما السمة قال العَلَامة ه‍ ، فتدبّر هذا الحديث من حجة اللّه تعالي عليك هل ابقي للسموِّ المدّعَي رسماً اوْ اثراً و ايضاً سُئِل عليه السلام عن الاسم ما هو قال صفةٌ لموصوفٍ ه‍ ، و لا ريبَ ان العلامة صفة للشئ و السمو لا معني له اما في المسمي فظاهر و امّا في اللفظ بان الاسم مرتفع علي اخويه الفعل و الحرف فاظهر في البطلان فاذا عرفت ما اشرنا اليهِ من ارادة كون الاسم علامة للمسمّي و وقفتَ علي ما قرّرنا في اصول الفقه من ان بين الاسماۤء و المعاني مناسبة ذاتية لانّه علامة للمسمّي و مميّز له فاذا كان الواضع عالماً بالمناسبة و قادراً عليها كان العدول عنها الي عدمها فيما يريدُ تمييزه عن الاشتباه مخالفاً للحكمة و لاتقان الصنع لانّ العلامَة اذا كانت مناسبة لذي العلامة في مادّتها و صورتها كانت دلالتها ذاتية و ارتباطها ارتباطاً مع الموافقة فتكون اَدلّ في التعريف و اظهر في التمييز فان عثر عليها المُخَاطَبُونَ فذلك و الّا فكان الواضع لم‌يهمل الحكمة و لم‌يظلمها و لم‌يضع في غير ما جعلها مقتضيةً له فمن شاۤء اِطْلاعَهُ علي علل الاشياۤء و اسبابها علّمه ذلك بتفهيمه او بوضع القراۤئن له و الامارات و الّا فهو يحبّ من المخاطب في غير ما يريد منه من ايقاع الافعال موافقةً للامر التسليم و الانقياد و منه انه لايسئل عمّا يفعل و هم يسئلون علي انّه كما عرّف كثيراً من خلقِه۪ و ترك كثيراً ممّا خلق علي ابهامِه۪ علي اكثر المكلّفين لانّ الانقياد و التسليم في حقّهم خير لهم من التعريف في كثير من الاشياۤء لانّ العباد خلقهم تعالي مختلفين منهم من يحسن تفهيمه كما يحسن تكليفه و منهم من لايحسن تفهيمه و ان حسن تكليفه فان قلتَ هذا انّما يتم علي القول بانّ الواضع هو اللّه سبحانه و امّا علي القول بانّ الواضع غيره فلا قلتُ لو قلنا بانّ الواضع غير اللّهِ لم‌يكن محذور في انّ الاَلْفاظ بينها و بين المعاني مناسبة ذاتيّةٌ لانّ الوضع لايمكن الّا ممّن له قوّة المعرفة التي لاتنقص عن المعرفةِ بالمناسبة و اعتبارها يدل علي هذا انّا وجدنا في اللّغة و اشتقاق الالفاظ بعضها من بعض و نظمها علي ما يوافق الحكمة ما يبهر العقول مع ما عرفنا من قصورنا عن اكثر اسرارها و لايكون ذلك الّا ممّن يقدر علي المناسبة و يعرف كمال حسنها و شرفها علي عدمها و اذا كان قادراً علي العلم بها و علي فعلها مع معرفته بانّها اكمل و ادلّ علي المطلوب و اوفق بالحكمة كان العدول عن ذلك نقصاً في الكمال و عدولاً الي الاهمال عن الحكمة لان الاسماۤء في الحقيقة صفات المسمّيات فلو لم‌يكن بين الصفة و موصوفها مناسبة ذاتيّة و مطابقة حقيقية لكانت صفة زيدٍ التي يطلب بها تمييزه تصلح لعمرو و اذا صلحت لعمرو كان وصف زيد بها للتمييز عن عمرو يزيد في التباسه بعمرو فافهم و لايلزم علي كون الواضع غير اللّه لو اريد المناسبة ان يعرفها غيره لوجود المماثِلِ له فيعلم مراده لان الشخص اذا صنع شيئاً قد تكون له ارادات و ملاحظات و مناسبات لايعرفها غيره بل ربّما لايعرفها هو في وقتٍ آخر و هذا ظاهر لا شبهة فيه و اذا ثبت هذا قلنا لو فرضنا ان الواضع غيره تعالي يكون وضعه للمناسبة و لايعثر علي اكثر اراداته غيره فلزم الواضع ان يعرّف غيره ما عني بالاسماۤء من المسمّيات بالتّرديد و التكرار حتّي يعرفوا المقصود منها و لايلزمه تفهيم المناسبات لان مطلوبه و هو التفهيم حاصل من دون تعريف المناسبات و معرفة المناسبات و ان كان اكمل للمخاطبين لكنّه لو التزمها في تفهيم المعاني لتعذّر اكثرها علي اكثر المخاطبين اذ ليس كلهم اولوا ( اولي ظ ) افهام دقيقة و الباب عميقة علي انّا لانريد بالواضع الّا اللّه سبحانه لانه تعالي اخبر في كلامه الصدق بذلك فقال تعالي و علّم آدم الاسماۤء كلّها و الجمع المحلّي بالالف و اللام يفيد العموم ثم اكّد بكلها لئلّايتوهم العموم العرفي ثم عرضهم اي المسمّيات علي الملاۤئكة فقال انبئوني باسماۤء هؤلاۤء و الجمع المضاف يفيد العموم ليتطابق العاۤمّانِ و يرتفع الاحتمال و لم‌يكن حينئذٍ احدٌ من الخلق يمكن ان يكون واضعاً فاخبر بانه تعالي علم آدم الاسماۤء كلها من جميع اللغات و الّا لم‌يكن المعلّم كلّ الاسماۤء و في المجمع و تفسير العياشي عن الصادق عليه السلام انه سُئل ماذا علّمه قال الارضين و الجبال و الشعاب و الاودية ثم نظر الي بساطٍ تحته فقال و هذا البساط مما علّمه ه‍ ، و في تفسير العسكري عليه السلام عن السجّاد عليه السلام علّمه اسماۤءَ كلّ شئ ه‍ ، و الحاصل مَن يريد العلم لايشكّ في ان الواضع هو اللّه فان اللّه سبحانه خالق كلّ شئ و قد بيّنّا جميع هذا في فواۤئد الاصول مَن اراد البَيان وقف عليه هناك و الحاصل لمّا ثبت بالاشارة انّ المراد من الاسماۤء هي العَلامات المميّزات و الصفات المعيِّنَاتِ للمسمّيات تَبيَّن لمن عرف المراد ان المراد بها الاعمّ من اللفظيّة و المعنويّة لان العلامة و التمييز يحصل بكلّ منهما و الاسم كما يسمي صفة كما في قول الرضا عليه السلام الاسم صفة لموصوف كذلك تسمي الصفة اسماً كقول اميرالمؤمنين عليه السلام رواه الحسن بن سليمن الحلي في المختصر قال رواه بعض علماۤء الامامية في كتاب منهج التحقيق الي سواۤء الطريق باسناده عن سلمن الفارسي رضي اللّه عنه في حديث طويل معروف بحديث السحابة عنه عليه صلوات اللّه حين قال له سلمن و اصحابه يا اميرالمؤمنين كيف تملك و تعلم بهذه الاشياۤء قال عليه السلام اعلم (ظ) ذلك بالاسم الاعظم الذي اذا كتب علي ورق الزيتون و القي في النار لم‌يحترق و باسماۤئنا التي كتبت علي الليل فاظلم و علي النهار فاضاۤء و استنار و انا المحنة النازلة علي الاعداۤء و انا الطاۤمّة الكبري اسماۤؤنا مكتوبة علي السموات فاقامت و علي الارض فانسطحت و علي الرياح فذرَتْ و علي البرق فلمع و علي النور فسطَع و علي الرعد فخشع الحديث ، فان المراد بالاسم هنا الصفة كما تقول كُتبَ اسم الشمس علي وَجه الارض فاسْتَنار يعني انّ نور الشمس الذي هو صفتها حين اوقعه اللّه تعالي و اوجده علي وجه الارض استنار و كتب بمعني اوجد و خلق كما قال تعالي اولۤئك كتب في قلوبهم الايمان و ايّدهم بروحٍ منه ، عن الباقر عليه السلام في قول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا زني الرجل فارقه رُوح الايمانِ قال هو قوله و ايّدهم بروح منه ذاك الذي يفارقُه ه‍ ، فبحضور هذا الملك الذي هو روح الايمان يكتب اللّه الايمان بواسطة فعل الطاعة اي يثبته في قلب المؤمن فيبيضّ و يستنير و بغيبته يحضره الشيطان المقيَّض فبحضورِ ذلك الشيطان يكتب اللّه الكفر و النفاق بواسطة فعل المعصية الموجبة لذلك في قلب الكافر و المنافق و في الكافي و تفسير العياشي عن الباقر عليه السلام قال ما من عبد مؤمن الّا و في قلبه نكتة بيضاۤء فاذا اذنب ذنباً خرج في تلك النكتة نكتةٌ سوداۤء فان تاب ذهب ذلك السواد و ان تمادَي في الذنوب زاد ذلك السّواد حتّي يغطّي البياض فاذا غطّي البياض لم‌يرجع صاحبه الي خيرٍ ابداً و هو قول اللّهِ عز و جل كلّا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون ه‍ ، و امّا انّ الكتابة بالملك بواسطة الطاعة و بالشيطان بواسطة المعصية فما رواه في الكافي في قوله تعالي بروح منه عنهما عليهما السلام هو الايمان ه‍ ، اي انّ الروح روح الايمان اي المكتوب به و عن الصادق عليه السلام ما من مؤمن الّا و لقلبه اُذُانِ ( اذنان ظ ) في جوفه اذُن ينفثُ فيها الوسواس الخنّاس و اذن ينفث فيها الملك فيؤيّد اللّه المؤمنَ بالملك و ذلكَ قوله و ايّدهم بروح منه ه‍ ، و فعلُ اللّهِ تعالي انّما هو بمقتضي الاسْبَاب للفعل من تَهيُّأِ المكلّف و ميله و ترجيحِه للفعل و اخذِه۪ في الفِعلِ و روي في المجمع قد وردت الرّواية الصَّحيحة انّه لمّا نزلت هذه الٰاية يعني قوله تعالي فمن يرد اللّه ان يهديه يشرح صدره للاسلامِ سُئِل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن شرح الصدر ما هو فقال نورٌ يقذفهُ اللّه تعالي في قلب المؤمن فينشرح صدره و ينفسح قالوا فهل لذلك امارة يعرف بها فقال نعم الانابة الي دارِ الخلود و التجاف۪ي عن دار الغرور و الاستعداد للموت قبل نزول الموت ه‍ ، و في التوحيد و العيّاشي عنه (ع‌) ان اللّه تبارك و تَعالي اذا ارادَ بعبدٍ خيراً نكتَ في قلبه نكتةً من نورٍ و فتح مسامع قلبه و وكّل به ملكاً يسدّده و اذا اراد بعبدٍ سوۤءاً نكتَ في قلبه نكتة سوداۤء و سَدَّ مسامع قلبه و وكّل به شيطاناً يُضِلُّه ثم تلا هذه الٰاية ه‍ .
فاذا فهمتَ هذه الاخبار ظهر لكَ انّ الايمان الذي يكتبه اللّه تعالي في قلب المؤمن هو النور الذي يستنير به قلبه فيكون باعثاً له علي طاعة الرّحمن و يكتسب به الجنان و هو النكتة البيضاۤء التي كتبها اللّه علي يد ذلك الملك المسدِّد له بواسطةِ طاعة المكلف حتّي ابيضّ قلبه و اتّصفَ بالبياض و سُمِّيَ به۪ و هو الايمان الذي كتب تعالي في قلب المؤمن فاذا عرفتَ هذا الكتْبَ عرفتَ قوله عليه السلام و باسماۤئِنا التي كُتِبَتْ علي الليل فاظلم و علي النهار فاضاۤء و استنار و لم‌يكتب علي الليل علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الائمة عليهم السلام و كذلك علي النهار و انّما كُتِبَتْ اسماۤؤهم التي هي صفاتهم و كذلك كُتِبَتْ علي قلب المؤمن فاضاۤء و استنار و علي قلب الكافر و المنافق فاظلم فان قلتَ كيف يظلم قلب المنافق و الكافر اذا كتبت عليه مع انّ اسماۤءهم نور قلتُ انّ استنارة القلب باَسْمَاۤئِهم اذا قَبِلَها و ظلمته اذا لم‌يَقْبَلْها لان الاسماۤء المرادة هي ولايتهم و محبّتهم و طاعتهم فاذا عرضت محبّتهم و ولايتهم علي القلوب و الليل و النهار مثلاً و غير ذلك قبِلها قلبُ المؤمن و النّهار فاستضاۤءا وَ استنارٰا و انكرها الليل و قلبُ المنافق و قلب الكافر فاظلمت و ذلك ما اشار اليه تعالي بقوله بابٌ باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فالباب هو علي عليه السلام باب مدينة العلم باطنه الولاية اي اذا قبلها مَن عرضت عليه و ظاهره يعني انكار ولايته ممن لايقبلها و هو العَذاب فان قلتَ كيف يكون النور ظلمة و الرحمة عذاباً قلتُ هذا ظاهر فان قبول النور نور و عدم قبوله ظلمة و قبول الرحمة رحمة و عدم قبولها عذابٌ لانهما ضدّان و مثال ذلك ما قال الشاعر :
اري الاحسانَ عند الحُرِّ دَيْناً       ** * **      و عند النَّذْلِ منقصَةً و ذمَّا
كقطر الماۤء في الاَصْدَافِ دُرٌّ       ** * **      و في بَطْن الافاعي صَارَ سَمَّا
و حقيقة ولايتهم هي امتِثال اوامر اللّهِ وَ اجْتِنَاب نواه۪يهِ و ذلك هو الرحمة و سبب الرحمة و هو الجنّة و سبب الجنّةِ و هو النُّورُ وَ سَبَبُ النّور و هو الخير كلّه و انكار ولايتهم هو تركُ اوامر اللّهِ و فعل نواهيه و ذلك هُو العذاب و سببُ العذاب و هو النار و سبب النار و هو الظلمة و سبب الظلمة و هو الشرّ كلّه و الولاية المشار اليها و انكارها يجري كل منهما في الاعتقادات و الاعمال و الاقوال و قبولُها هو الخير خلقه اللّه فطوبَي لمن اجراه علي يديه و انكارُها هو الشرّ خلقه اللّه فويل لمن اجراه علي يديه فكلّ ما تسمع من كل خيرٍ و كل ما تري من كل خير و كل ما تجد من كل خير الذي اعني به ولايتهم هي اسماۤؤهم التي كتبَها اللّه علي الواح المكلفين من اوْلياۤئه من الاعتقادات الصَّح۪يحة كتبها كتب علي الواح افئدةِ اولياۤئِه معارفها و في قلوبهم معانيها و في نفوسهم صورها و في اشباحهم مُثُلَها و من الاعمال الصالحة كتبها كتبَ في جوارحِهم صُوَرَها و في نفوسهم مُثُلَها و في قلوبهم معانيها و من الاقوال الطيّبة كتبها كتب اصواتها في السنتهم و في آذانهم هياكلها و في خيالاتهم صورها فاستنارت هذه الالواح بما جرت به اقلام الحق عليها من اسماۤئهم صلّي اللّهُ عليهم اجمعين و هو تأويل قوله تعالي و اشرقت الارض بنور ربّها و وضع الكتابُ ، و كل ما تسمع من شرّ و كل ما تري من شرٍّ و كل ما تجد من كل شرٍ الذي اعني به ترك ولايتهم و هو ولاية اعداۤئهم هي اسماۤء اعداۤئِهم التي كتبها اللّه سبحانه علي الواح المكلّفين من اعداۤئهم بانكارهم لانواع ولاية محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و عليهم من الاعتقادات الباطلة و من الاعمال السيئة و من الاقوال المنكرة علي تفصيل ما ذكرنا في حق اهل الحقّ و كل ما تسمع و تري و تجد من خير او شرّ او حلوٍ او مرّ او منير او مظلم او حسن او قبيح في جميع الخلق من المكلّفين و غيرهم من الحيوانات و النباتات و المعادن و الجمادات و ما بين ذلك من البرازخ فهي اسماۤؤهم في كلّ محبوب و اسماۤء اعداۤئهم في كلّ مكروهٍ كتبها العدل الحكيم باقلام الحق المستقيم علي حسب قوابلها و ذلك قوله عز و جل انّا عرضنا الامانة علي السموات و الارض و الجبال فابينَ ان يحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان انه كان ظَلوماً جَهُولاً ، ففي البصاۤئر عن الباقر عليه السلام هي الولاية ابين ان يحملنها كفراً و حملها الانسان و الانسان ابو فلان ه‍ ، و هو ابوالدواهي و في المعاني عن الصادق عليه السلام الامانة الولاية و الانسان ابوالشرور و قول علي عليه السلام هي الصلوة لان الصلوة هي صورة الولاية و الركن الاعظم من ظاهرها و من صورتها فما وجدتَ من جمال او رأيتَ او سمعتَ فهو اسمهم كُتِب علي ذلك الجميل و اسم ولايتهم و كذا ما سمعتَ او رأيتَ او وجدتَ من نور او حلاوة او قوّة او اعتدال او شفاۤء او دواۤءٍ او اصابةٍ او توفيق او غير ذلك من كلّ مستحسنٍ في كل شئٍ فهو اسماۤؤهم و ولايتهم كتبت في ذلك الشئ بقبوله لها و كل ما سمعتَ او رأيتَ او وجدتَ من اضداد ذلك كله في شئ فهو اسماۤءُ اعداۤئهم و ولايتهم و عداوة محمد و اهل بيته صلّي اللّه عليه و آله كتبت في ذلك الشئ بانكاره لولاية محمد و آله صَلَّي اللّه عليه و آله و بقبوله لولاية اعداۤئهم التي هي انكار ولاية النبي و آله صلي اللّه عليه و آله فما تَجد من حلاوة السُّكّر فهي اسم من اسماۤئهم و ما تجدُ من مُرورة الصّبر فهي اسم من اسماۤء اعداۤئهم و عن انس بن مالك قال دفع علي بن ابي‌طالب عليه السلام الي بلالٍ درهماً ليشتري به بطّ۪يخاً قال فاشتريتُ به فاخذ بطّيخةً فقوّرهَا فوجدَها مرّة فقال يا بلال رُدّ هذا الي صاحبه و ائتني بالدرهم ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لي ان اللّه اخذ حُبَّكَ علي البشر و الشجر و الثمر و البذر فما اجاب الي حُبِّك عَذُبَ و طاب وَ ما لم‌يُجب خَبُثَ و مَرّ و اني اظنّ ان هذا ممّا لايُجيبني اخرجه الملّا في سيرته قال بعدَ هذا و فيه دلالة علي ان العيب الحادث اذا كان مما لايُطّلع به علي العيب القديم لايمنع من الردّ انتهي ، و في الاختصاص بسنده عن قنبر مولي اميرالمؤمنين عليه السلام قال كنتُ عند اميرالمؤمنين عليه السلام اذ دخل رجل فقال يا اميرالمؤمنين انا اشتهي بطّيخاً قال فامرني اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه بشراۤء البطّيخ فوجّهتُ بدرهم فجاۤؤنا بثلاث بطّيخاتٍ فقطعتُ واحدة فاذا هو مُرٌّ فقلتُ مرّة يا اميرالمؤمنين فقال ارمِ به من النار الي النار قال و قطعتُ الثاني فاذا هو حامض فقلتُ حامض يا اميرالمؤمنين فقال ارمِ به من النار و الي النار قال فقطعتُ الثالث فاذا هو مُدَوِّدٌ فقلتُ مدوِّدة قال ارمِ به من النار و الي النار قال ثم ذهبتُ بدرهمٍ آخر فجاۤؤُنا بثلاث بطّيخات فوثبتُ علي قدمي و قلتُ اعفني يا اميرالمؤمنين عن قطعه كأنه تأثّم بقطعه فقال له اميرالمؤمنين اجلس يا قنبر فانّها مأمورةٌ فجلستُ فقطعتُ فاذا هي حلوة فقلتُ حلوةٌ يا اميرالمؤمِن۪ين فقال كُل و اطعمنا فاكلتُ ضلعاً و اطعمتُه ضلعاً و اطعمتُ الجليس ضلعاً فالتفتَ اليّ اميرالمؤمِن۪ين صلوات اللّه عليه فقال يا قنبر انّ اللّه تبارك و تعالي عرض ولايتنا علي اهل السمٰوات و اهل الارض من الجنّ و الانس و الثمر و غير ذلك فما قبل منه ولايتنا طاب و طهر و عذب و ما لم‌يقبل منه خبث و ردي و نتن ه‍ ، و مثل معناه ما في بشارة‌المصطفي بسنده الي ابي‌هريرة و ما في العلل بسنده عن سليمن بن جعفر عن الرضا عليه السلام فهذه الحلاوة اسم ولايتهم اي صفتها وَ المرورة و الحموضة و التدويد اسم ولاية عدوهم يعني انكار ولايتهم و المراد بهذه الفقرة الشريفة مثل ما قبلها يعني بما يعزّ عليّ افدي اسْماۤءَكم من بين الاسماۤء فانّ اسماۤءَكم حبيبَةٌ عند جميع الخلاۤئق من محبّيهم و مبغضيهم علموا اوْ لم‌يعلموا فان لم‌يعلموا فظاهر فانّهم يحبّون اكل السّكّر لحلاوته و اكل المطاعم اللذيذة و شرب الماۤء البارد في ايام الصيف و لبس الثياب الحسنة و الذهب و الفضّة و الجواهر النفيسة و امثال ذلك و الصفات الحسنة كالعلم و الشجاعة و الكرم و الحلم و العقل و ما اشبه ذلك و لايعلمون ما هذه الصفات المحبوبة و من اين نشئت و الي مَن انتسبت و يكرهون اضدادها و هي اسماۤءُ ساداتهم و كبراۤئهم و اسماۤؤهم يلعن بعضهم بعضاً و ان علموا فكذلك فلايَرَوْن صفةً و لا حٰالاً من ائمتنا عليهم السلام الّا و هو محبوب عندهم و انما يعادونهم حَسداً مِنْ عنْدِ اَنْفُسِهمْ من بعدِ ما تبَيَّن لَهُم الْحقّ وَ الْحٰاصل انّ اَسماۤءهم التي اشار اليها منها ما ذكرنا من اَسْمَاۤئهم الصفاتيّة و ما لم‌نذكر و منها اللّفظية فانّها مشتقّة من اسماۤئِه۪ تعالي يَعني خلقها سبحانه من اسماۤئِه۪ كما خلق صفاتهم و اسماۤئها من صفاته الفعلية و اسماۤئِها و كما خلق انوارهم اي وجوداتهم من نوره يعني النور الذي احدثه بنفس مشيّته بغير واسطةٍ غيره و نسبه الي نفسه تعالي و اقرَّهُ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره و هذا معني ما روي عن علي بن الحسين عليه السلام قال حدثني ابي عن ابيه عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الي ان قال قال اللّه يا آدمُ هذه اشباح افضل خلاۤئقي و بريّاتي هذا محمد و انا الحميد المحمود في فعالي شققتُ له اسماً من اسمي و هذا عليّ و انا العلي العظيم شققتُ له اسماً من اسمي و هذه فاطمة و انا فاطر السموات و الارض فاطم اعداۤئي من رحمتي يوم فصل قضاۤئي و فاطم اولياۤئي عمّا يعرّهم و يشينهم شققتُ لها اسماً من اسمي و هذا الحسن و هذا الحسين و انا المحسن المجمل شققتُ اسميهِما من اسمي الحديث ، فتأمل في هذا الحديث يظهر انّه سبحانه يريد بالاسم ما هو اعم من اللّفظ و لو اراد خصوص اللفظ لَمٰاقال تعالي و هذه فاطمة و انا فاطر السموات و الارض و لو اراد خصوص المعني لماعلّقه بالالفاظ و لكنه تعالي يريد الاسماۤء المعنويّة و الاسماۤء اللفظيّة و هو المفهوم من احاديثهم الكثيرة ما ذكرنا و ما لم‌نذكر فيكون المراد بقوله عليه السلام و اسماۤؤكم في الاسماۤء عَلي هذا ما ذكرنا في قوله (ع‌) ذكركم في الذاكرين من المعنيَيْن احدهما ما ذكرنا هنا و الثاني الظرفيّة الظاهرة مِن في ، ثم ان اعتبرنا اللفظيّة في اللفظية كانت اَسْمَاۤؤهم عليهم السلام في ساۤئر الاسماۤء كالواحدِ في الاعدادِ و كالفِعْلِ في ما اشْتُقَّ منه كضَرَبَ محرّكاً في الضَّرْبِ و كالصوت في الصَّدا و ما اشبه ذلك فانّ الاعداد متقوّمة بامثال الواحد المتكررة فيها و المصادر متقوّمةً بمواۤدّ افعالها و ما فيها من الحروف كالضادِ في المصدر مثال لما في الفعل الذي هو ضَرَبَ محركاً يعني ان الضاۤدّ في المصدر مثال الضاد في الفعل و الراۤء مثال للراۤء و الباۤء مثال للباۤء فيه و الصداۤء مثال للصوت مع انّك تري الواحد في الاربعة مثل الواحد و المادة في المصدر مثل مادة فعله و الصداۤ مثل الصوت و كذلك هي في الاسماۤء كصورة المقابل للمِرءٰاة في الصورة التي في المرءاۤة و هكذا و كذلك اذا اعتبرنا المعنويّة مع المعنويّة علي نمطٍ واحد و الاصل في ذلك ما ثبت بالادلّة القطعيّة من ان الظاهر صفة الباطن و آيته و دليله فهو مطابق و الشهادة شاهدُ الغيب و سفيره قال الصادق عليه السلام العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة فما فُقِدَ في العبوديّة وُجد في الربوبيّة و ما خَفِي في الربوبيّة اُص۪يبَ في العبوديّة قال اللّه تعالي سنريهم آياتنا في الٰافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحقّ اولم‌يكف بربك انه علي كلّ شئ شهيد يعني موجود في غيبتك و في حضرتك انتهي ، او كما قال و ان اعتبرنا اللفظية في المعنوية فهي باعتبار كونها محلّاً لمعنويّتها بمنزلة كن في المكوّنات و ان اعتبرنا المعنوية في المعنوية فكاللفظيّة في اللفظيّة و ان اعتبرناها في اللّفظيّة لم‌يجز ذلك الاعتبار الّا مجازاً يعني باعتبار توسُّطِ الاسباب المتعدّدة و الّا لاحترقت اللّفظيّة و في الحديث انّ للّه سبعين‌الف حجاب و روي سبعمائة و روي سبعين و روي غير ذلك من نور و ظلمة لو كشف حجاب منها اوْ لو كُشِفَتْ لاحرقت سبحاتُ وجهه ما انتهي اليه بصره من خلقه او كما قال (ص‌) ه‍ ، و انّما قُلْنَا ذلك كله لانّ الصانع عز و جل واحد و الصنع واحد و المصنوع واحدٌ او كواحدٍ قال اللّه تعالي ما خلقكم و لا بعثكم الّا كنفسٍ واحدةٍ فلذا قلنا من عرف شيئاً من جميع جهاته فقد عرف الاشياۤء و اللّه سبحانه يرزق من يشاۤء بغير حساب .
قال عليه السلام : و اجسادُكم في الاجساد و ارواحكم في الارواح و انفسكم في النفوس و آثاركم في الٰاثار و قبوركم في القبور
اقول الجسد لغةً هو الجسم اوْ اخص منه و في القاموس محرّكةً جسم الانسان و الجنّ و الملاۤئكة و الزعفران و عجل بني‌اسراۤئيل و الدم اليابس ه‍ ، و في مجمع‌البحرين قوله تعالي عجلاً جسداً اي ذا جسَدٍ اي صورة لا حراكَ فيها انما هو جسد فقط او جسدا بدَناً ذٰا لحمٍ و دَمٍ ثم قال و الجسد من الانسان بدنه و جثّته و الجمع اجساد و في كتاب الخليل لايقال لغير الانسان من خلق الارض جسد و كل خلق لايأكل و لايشرب نحو الملاۤئكة و الجنّ فهو جسد و عن صاحب البارع لايقال الجسد الّا للحيوان العاقل و هو الانسان و الملاۤئكة و الجنّ و لايقال لغيره جسد انتهي ، و قال في القاموس الجسم جماعة البدن او الاعضاۤء من الناس و ساۤئر الانواع العظيمة الخَلق كالجُسمان بالضم الجمع اجسام و جُسوم انتهي ، و في مجمع‌البحرين تكرّر في الحديث ذكر الجسم قيل هو كل شخص مدركٍ و في كتاب الخليل نقلاً عنه الجسم البدن و اعضاۤؤه من الناس و الدواۤبّ و نحو ذلك مما عظم من الخلق و عن ابي‌زيد الجسم الجسد و كذلك الجسماني و الجثماني و قد مر الفرق بينهما في كلام الاصمعي في جثم و الجسم في عرف المتكلمين هو الطويل العريض العميق فهو ما يقبل القسمة في الابعاد الثلاثة انتهي ، و كلام الاصمعي الذي اشار اليه هو الجثمان الشخص و الجسمان الجسم ه‍ .
اقول هذا بعض ما ذكره اهل اللغة و غيره من هذا النوع و المعروف المحصّل من كلام اهل اللغة و العلماۤء و المفسّرين ان الجسد هو جسم الحيوان الظاهر المشاهد و قد جري اصطلاح اهل الصناعة الداۤئر علي السنتهم في محاوراتهم ان الجسد هو المعدن كالمعادن السبعة الذهب و الفضة و الرصاصَيْن و النحاسين و الزيبق و كأنّ اطلاق الجسد في اصل اللّغة علي جسم الحيوان من حيث كونه لا روح فيه اغلبي او فيما تأخّر من لغة العرب و الّا فيطلق علي غيره كما ذكر في القاموس في اطلاقه علي الزعفران و كاستعماله في ذي الروح كقولك جسد زيد و منه ما في هذه الزيارة الشريفة الّا ان يقال انّما يطلق علي ذي الروح من حيث هو بدون روح اي يراد به عند الاطلاق غير الرّوح لا الرّوح و لا المركّب منهما و لعلّ اخْتصَاص اَهْلِ الصَّناعةِ به في المَعٰادِنِ من هَذا القبيل امّا لانّها لا ارواحَ فيها اوْ لانّهم فرضوا ناقصها كالرصاصين و النحاسَيْن و متوسّطها كالفضّة و كالزيبق و تاۤمّها كالذّهب بالنِسبَةِ الي الاكسير الذي يكمّلها كالستّة الاُوَل او يجعلها مكمّلةً لغيرها كالذهب كالاجساد من غير ارواح و الرّوح هو الاكسير و لعلَّ اختصاص اصحاب الافلاك بالجسم للطافتها كالارواح او لفرض ملازمة نفوسها لَها علي الدوام كما هو رأي اهل الطبيعة و جري اصطلاح المسلمين منهم علي ذلك لكون كلامهم معهم في مطلق تلك الاجرام و امّا الجسم بقول مطلق فهو المتحيّز الذي يقبل القسمة في الجهات الثلاث و هو اما مطلق بسيط اي لا تركيب فيه كما قيل و هذا يسمّي جسماً من حيث جوهره و ذاته و يسمي هيولَي من حيث قبوله للصورة النوعية و امّا تعليمي و هو ما يعتبر فيه المقدار خاۤصّة سمّوه بذلك لانهم يعلمون فيه اولادهم الهندسة التي الحدود و الخطوط لا غير و امّا طبيعي لتعلّق البحث فيه من حيث الطبيعة و احاديث اهل العصمة عليهم السلام و ادعيتهم تارة يستعمل فيها اجسامهم و تارة اجسادهم و تارة اجسادهم و اجسامهم و تارة اجسامهم بدل اجسادهم و لهم صلّي اللّه عليهم في مخاطباتهم للمكلّفين اعتبارات لايطّلع علي كلِّها الّا هم و المعروف عند من يعرف شيئاً من لغاتهم سلام اللّه عليهم انّ الاجساد يطلق في مقابلة الارواح و الاجسام في اطلاقها اَعَمُّ من ذلك و الاشباح كالاجساد و الارواح كالاجسام و اعلم وفّقك اللّهُ انّ الانسان له جَسَدانِ و جسمانِ فامّا الجسد الاوّل فهو ما تألّف من العناصر الزمانيّة و هذا الجَسَد كالثوب يلبَسُه الانسان و يخلعه و لا لذّة له و لا الم و لا طاعة و لا معصية الاتري اَنَّ زَيْداً يمرض و يذهب جميع لحمه حتي لايكاد يوجد فيه رطل لحم و هو زيد لم‌يتغيّر و انت تعلم قطعاً ببد۪يهتك ان هذا زيد العاصي و لم‌تذهب من معاصيه واحدة و لو كان ما ذهب منه اوْ له مدخل في المعصية لذهب اكثر معاصيه بذهاب محلّها و مصدرها و هذا مثلاً زيدٌ المطيع لم‌تذهب من طاعاته شئ اذ لا ربط لها بالذاهب بوجه من الوجوه لا وجه علّيّة و لا وجه مصدريّة و لا تعلُّقٍ و لو كان الذّاهب من زيدٍ لذهب بما يخصّه من خير و شرّ و كذا لو عفِن و سمن بعد ذلك هو زيد بلا زيادة في زيدٍ بالسمن و لا نقصان ف۪يه بالضعف لا في ذاتٍ و لا في صفاتٍ و لا في طاعة و لا في معصية و الحاصل هذا الجسَد ليس منه و انّما هو فيه بمنزلة الكثافة في الحجر و القلي فانهما اذا اُذ۪يبا حصل زجاج و هذا الزجاج بعينه هو ذاك الحجر و القلي الكثيفانِ لمّا ذاب زالَتْ عنه الكثافة و ليست من الارض فان الارض لطيفة شفّافة و انّما كثافتها من تصادم العناصر الاتري الماۤء اذا كان ساكناً كان صافياً تري ما تحتَهُ فاذا حرّكته لم‌تر ما فيه و هو يتحرك لتصادم بعض اجزاۤئه ببعض مع قليل من الهواۤء فكيف بتصادم الطباۤئع الاربع و هذا الجسد كالكثافة في الحجر و القلي ليست من ذاتهما و مثال آخر كالثوبِ فانه هو الخيوط المنسوجة و امّا الالوان فهي اعراض ليست منه يلبس لوناً و يخلع لوناً و هو هو و لعل قول علي عليه السلام في جوابه للاعرابي في النفس الحسّية الحيوانية يشير الي ذلك حيث يقول فاذا فارقت عادت الي ما منه بُدِئَتْ عود ممازجة لا عودَ مجاورة فتعدم صورتها و يبطل فعلها و وجودُها و يضمحلّ تركيبُها ه‍ ، حيث صرّح بعدم صورتها و بطلان وجودها و اضمحلال تركيبها و اما الجسد الثاني فهو الجسد الباقي و هو الطينة التي خلق منها و يبقي في قبره اذا اكلت الارض الجسد العنصري و تفرّق كل جزء منه وَ لحق باصله فالناريّة تلحق بالنار و الهواۤئيّة تلحق بالهواۤء و الماۤئيّة تلحق بالماۤءِ و التّرابيّةُ تلحق بالترابِ يبقي مستديراً كما قال الصّادق عليه السلام و قد قال علي عليه السلام في النفس الناميّة النباتيّة فاذا فارقَت عادت الي ما منه بُدِئَتْ عود ممازجةٍ لا عودُ مُجَاورَةٍ و عني بها هذا الجسد العنصري الذي ذكرنا و امّا الثَّاني الباقي هو الذي ذكره الصادق عليه السلام تبقي طينته التي خلق منها في قبره مستديرة اي مترتّبة علي هيئة صورته اجزاۤء رأسه في محل رأسه و اجزاۤء رقبته في محلها و اجزاۤء صدره في محلّه و هو تأويل قوله تعالي و ما منّا اِلّا لَهُ مقامٌ مَعْلُوم و هذا الجسد هو الانسان الّذي لايزيد و لاينقص يبقي في قبره بعد زوال الجسد العنصري عنه الذي هو الكثافة و الاعراض فاذا زالت الاعراض عنه المسمّاة بالجسد العنصري لم‌تره الابصار الحسّيّة و لهذا اذا كان رميماً و عدم لم‌يوجد شئ حتي قال بعضهم انه يعدم و ليس كذلك و انما هو في قبره الّا انّه لم‌تره ابصار اهل الدنيا لما فيها من الكثافة فلاتري الّا ما هو من نوعِها و لهذا مثّل به الصادق صلوات اللّه عليه بانه مثل سحالة الذهب في دكّان الصّاۤئغ يعني ان سحالة الذهب في دكّان الصاۤئغ لم‌ترها الابصار فاذا غسل التراب بالماۤء و صفّاه استخرجها كذلك هذا الجسد يبقي في قبره هكذا فاذا اراد اللّه سبحانه بعث الخلاۤئق امطر علي كل الارض ماۤء من بحرٍ تحت العرش ابرد من الثلج و راۤئحته كراۤئحة المني يقال له صاد و هو المذكور في القرءان فيكون وجه الارض بحراً واحداً فيتموّج بالرياح و تتصفّي الاجزاۤء كل شخص تجتمع اجزاۤءُ جسده في قبره مستديرة اي علي هيئة بُنْيَتِه۪ في الدنيا اجزاۤء الرأس ثم تتّصل بها اجزاۤء الرقبة ثم تتّصِل اجزاۤء الرقبة باجزاۤء الصدر و الصّدر بالبطن و هكذا و تمازجُها اجزاۤء من تلك الارض فينموا في قبره كما تنمو الكُماءةُ في نبتها فاذا نفخ اسرافيل في الصور تطايرت الارواح كلّ روح الي قبر جسدها فتدخل فيه فتنشق الارض عنه كما تنشق عن الكُماءةِ فاذا هم قيام ينظرون و هذا الجسد الباقي هو من ارض هُورقليا و هو الجسد الذي فيه يحشرون و يدخلون به الجنّة او النار فاِنْ قلتَ ظاهر كلامِك ان هذا الجسد لايبعث و هو مخالف لما عليه اهل الاسلام من انّها تبعث كما قال تعالي و ان اللّه يبعثُ من في القبور ، قلتُ هذا الّذي قلتُ هو ما يقوله المسلمون قاطبة فانهم يقولون ان الاجساد التي يحشرون فيها هي هذه التي في الدنيا بعينها و لكنّها تصفّي من الكدورة و الاعراض اذ الاجماع من المسلمين منعقد علي انّها لاتبعث علي هذه الكثافة بل تصفّي فتبعثُ صافيةً و هي هي بعينها و هذا الذي قلتُ و ايّاه اردتُ فانّ هذه الكثافة تفني يعني تلحق باصلها و لا تعلّق لها بالروح و لا بالطاعة و المعصية و لا باللذّة و الالم و لا احساس لها و انّما هي في الانسان بمنزلة ثوبه و هذه الكثافة هي الجسد العنصري الذي عنيتُ فافهم و ما ورد عن اهل البيت من ان اجسادهم الٰان رفعتْ الي السماۤء فانّ الحسين عليه السلام لو نُبِش في اوّل دفنه لرُئيَ و الٰان لم‌ير و انّما هو الٰان معلق بالعرش ينظر الي زوّاره الي آخر معني ما روي فمحمول علي مفارقة الاجساد العنصريّة التي هي البشريّة للاجساد الاصليّة فلم‌تدركها بعد مفارقة البشريّة ابصار اهل الدنيا و قد تقدّم فراجع ،
و امّا الجسمان فالاوّل هو ما تخرج به الروح و هو مع الروح و يفارق الجسدَ الباقي و الموت يحول بينهما و هو مع الروح في جنّة الدنيا عند المغرب و تأتي فيه الي وادي السلام و تزور فيه بيته و محلّ حفرته و روح المنافق مع ذلك الجسم في نار الدنيا عند مطلع الشمس و عند غروبها تأوي فيه الي برهوت و تسري فيه في وادي الكبريت في المركّبات المسخوطات الملعونات و ذلك حال الفريقَيْن الي نفخة الصعقِ ثم تبطل الارواح فيما بين النفختين و تبطل كل حركة من الافلاك و من كلّ ذي روح و نفس حيوانيّة او نباتيّة و ذلك مدة اربعمائة سنةٍ ثم يبعثون في الاجسام الثانية و ذلك لان تلك الاجسام تصفّي و تذهب كثافَتُها و هي الاجسام الاولي كما قلنا في الاجساد حرفاً بحرفٍ و يحشرون في الاجسام الثانية و هي هذه الّتي في الدنيا بعينها لا غيرها و الّا لذهب معها ثوابهم و عقابهم و لكن هذا الجسم الذي في الدنيا هو بعينه هذا المرئيّ لطيف و كثيف فامّا الكثيف فيُصَفّي و تفني كثافته التي سمّيناها الجسد الاول العنصري و يبقي لطيفه في قبره و هو الجسد الثاني الباقي و امّا اللطيف فيظهر به في البرزخ و هو مركب الروح و هيكلها الي نفخةِ الصور فيُصَفّي و تذهب كثافته الّتي سمّيناها جسماً اوّلِيّاً و يبقي لطيفه في الصور في ثلاثة مخازن و تذهب الكثافة بالتصفية من ثلاثة مخازن و هذه الستّة المخازن في ثقبة تلك الروح فتأتي الروح بما في المخازن الثلاثة العليا اذا نفخ اسرافيل نفخة النشور و تنزل الي القبر و تلج بما معها في ذلك الجسد اللطيف فيحشرون و اعلم بانّك لو وزنتَ هذا الجسدَ في الدنيا و صُفِّيَ بعد الوزن حتّي ذهب منه الجسد العنصري و بقي الجسد الباقي الذي من هورقليا ثم وزنْتَهُ وجدتَهُ لم‌ينقص عن الوزن الاوّل قدر حبّة خردل لان الكثافة التي هي الجسد العنصري عرض و الاعراض لاتزيد في الوزن دخولاً و لاتنقص خروجاً فلاتتوهّم انّ المحشور و المثاب و المعاقب شئ غير ما هو موجود في الدنيا و ان غُيِّر و صفّي بل هو واللّهِ هذا بعينه و هو غيره بالتصفية و الكسر و الصوغ كما قال الصادق عليه السلام في قوله تعالي كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ، في الاحتجاج للطبرسي و عن حفص بن غياث قال شهدتُ المسجد الحرام و ابن ابي‌العوجاۤء يسأل اباعبداللّه عليه السلام عن هذه الٰاية فقال ما ذنب الغير قال ويحك هي هي و هي غيرها قال فمثِّل لي في ذلك شيئاً من امر الدنيا قال نعم ارأيتَ لو ان رجلاً اَخَذَ لَبِنَةً فكسرها ثم ردّهَا في ملْبنِها فهي هي و هي غيرها و في تفسير علي بن ابراهيم قيل لابي‌عبداللّه عليه السلام كيف تبدّل جلودهم غيرها قال ارأيتَ لو اخذتَ لِبنةً فكسرتها و صيّرتها تراباً ثم ضربتها في القالب اهي كانت انّما هي ذلك و حدثَ تغيّر آخر و الاصل واحد ه‍ ، فبيّن عليه السلام انّ هذه الجلود المبدّلة غير جلودهم و هي جلودهم فالمغايرة مغايرة صفة فكذلك ما نحن فيه فانّ الجسدَ الذي في الدنيا المرئي بعينه هو المحشور بعد التصفية كما ذكرناه مكرّراً فاذا فهمتَ ما ذكرنا فاعلم ان المراد بالاجساد المذكورة الاجساد الباقية لا الاجساد العنصريّة التي هي نفس الكثافة لانّ هذه ليست شيئاً معتبراً في حقيقة الاجساد الّا كاعتبار العصف في الحب و قوله تعالي و من آياته ان خلقكم من تراب ثم اذا انتم بشر تنتشرون يراد به انه تعالي خلق الانسان من نطفة امشاج اي من نطفة ابيه و نطفة امّه و تلك النطفة خلقها تعالي منْ صفوة الغذاۤء و خلق تعالي الغذاۤء من صفوة التراب فكان هذا التراب الظاهر المعروف هو محلّ قوي العناصر و مطرح اشِعّة الكواكب الحاملة لقُوَي طباۤئعها الحاملة لاشعّة نفوسها فالوجود الفاۤئض بفعل اللّه تعالي من كتم غيب الامكان كامن في جواهر الوجود و هي مجتمع ذلك الوجود الفاۤئض بقوابله و انفعالاته و هذه الجواهر كامنة في رقاۤئق تنزّلاته المعبّر عنها بورق الٰاس الاَخْضر و هي كامنة في الصور النفسيّة المعبّر عنها بالذرّ و عالم الاظلّةِ و هذه كامنة في الطباۤئع و الهيولي المتقوّمة في ظهورها بالاشباح و هذه كامنة في طباۤئع الكواكب و نفوسها و تؤدّي الكواكب ما استُودِعَتْ بمن جعله اللّه سبحانه قاۤئماً عليها و مدبّراً لها و وكيلاً علي نفوسها و افعالها و حركاتها و جميع ما يراد منها بخلقها من الملاۤئكةِ المدبّرة امرها في احكام العِلِّيّة و امرَ مطارِحِ اَشِعَّتِها و اَحْكام سَبَبِيَّتِها و امرَ مسبَّباتِ مواليدِها الي مطارحها من التُّرَابِ و المعادن و النبات و الحيوانات ثم من الاغذية وَ النُّطَف الَي اَنْ تتكوَّنَ الاجساد من العناصر و هي اكمام الاجساد الباقية و هي مراكب الاجسام الحاملة للارواح فاذا قيل الاجساد يراد منها الباقية لا الفانية العرضيّة التي صحبت آدم عليه السلام عند نزوله من الجنّة و لزمت ذرّيته لمحل الخطايا و التقصيرات و امّا الائمة عليهم السلام فمالحقهم ذلك الّا مجازاً لاجل اهل التقصيرات و لو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً و بهذا يظهر لك جواب ما قيل انه قد ثبت عن الصادق عليه السلام ما معناه ماذهب مال في برٍّ او بحرٍ الّا و للّهِ فيه حق و لَا ص۪يدَ صَيْد في برٍّ او بحرٍ الّا بتركِ الذكر ذلك اليوم فكيف هذا و قد قُتِل الائمّة عليهم السلام و نُهِبَتْ اموالهم و الجواب ما اشرنا اليه انّ ما لحقهم من ذلك فليس علي الحقيقة و انما هو علي المجاز حيث انضمّ اليهم و احتُسِب عليهم من ضعفاۤء شيعتهم و محبّيهم اهل المعاصي و الذنوب و التزموا عليهم السلام بتقصيرات محبّيهم فلحقهم ما سمعتَ و يحتمل ان يراد بالاجساد الاعمّ فارادة الفاني لكونه حامِلاً للباقي و الحاصل الامر الجامع لهذه الفقرات شئ واحدٌ و هو انّ اجسادهم عليهم السلام في اجساد ما سواهم كالسّراج في اشعّته و عكوسات الاشعّة من الاظلّةِ اللازمة لها التي هي امثلة اجساد اعداۤئهم و ارواحهم في ارواح من سواهم و نفوسهم في نفوس مَن سواهم بنسبةٍ واحدةٍ هذا علي ظاهر الحال و الّا فالامر اعظم من هذا لما ذكرنا مراراً فيما تقدّم مما روي عنهم صلي اللّه عليهم انّ قلوب شيعتهم خلقت من فاضل اجسامهم يعني ان قلوب شيعتهم خُلِقَتْ من اشعّةِ اجسامهم و مَن عرف هذا و تبيّن له اِن وُفِّق له انّ قلوب شيعتهم المدركة للكلّيّات نسبتُها ف۪ي نوريّتِها الي نوريّة اَجْسامِهم صلي اللّه عليهم كنسبَةِ الواحد الي السَّبْع۪ين و هذه نسبة الشّعاع الي المُنير فاذا غمض عليك هذا فاعتبر بما روي عن سيّدالشهداۤء عليه السلام لعن اللّهُ قاتِلَهُ و ظالمَهُ ان رأسه الشريف يقرأ القرءان و هو علي رأس السِّنَانِ حتي سُمِع يقول ام حسِبتَ انّ اَصْحَاب الكهفِ و الرقيم كانُوا من آياتِنا عجباً فاسألُكَ باللّهِ هل تعرف من نَفْسِك انّك اعلم بكتابِ اللّهِ و بمعناه و ظاهره و باطنه و تأويله من رأسِ الحسين عليه السلام و هو جزءُ جِسمِه۪ ام لا فان قلتَ اجد في نفسي ذلكَ فلسْتَ من شيعتِهم و مُحِبّ۪يهم و العياذ باللّهِ و ان قلتَ لااجد ذٰلِكَ فذٰلِك ما قلتُ لكَ الّا اَنّ المخاطبات و ما يجري مجراها من الادعية و الزيارات تجري علي المتعارف فلذا قلنا اَنَّ اجسادهم عليهم السلام في اجسادِ مَن سواهم كالسراج في اَشِعّته و الامر الواقع ان اجسادهم في اجساد مَن سِواهم كجرم الشمس في شعاع القمر يعني مثل ما هو اربعةٰ‌الاف و تسعمائة في واحدٍ من افراد ذلك العدد ثم انّ المعني هنا مثل ما تقدّم في نظاۤئره في الفداۤء يعني بابي انتم و امي و نفسي و اهلي و مالي افدي اجسادكم في الْاَجساد اي ما بين الْاَجساد اعني بما هو عزيز عليَّ و حبيبٌ لديّ و ابذله وقايةً لاجسادكم من كل محذورٍ و مكروه علي كل حالٍ يوافقُ مرادَكم فعلي هذا المعني مَن قال ذلك من شيعتهم و زاۤئريهم غير عاملٍ بما امروا به كذّبوه في ما يدّعيه الّا ان يتجاوَزُوا و يتركوا حقّهم فانّ ذلك اليهم لانّ الاعمال الصالحة بالنيّة المخلصة علي نهج ولايتهم و ولاية اولياۤئهم و البراۤءة من اعداۤئهم و ممّن رضي بفعالهم و اقوالهم الي يوم القيمة هي جُلّ نُصرتهم و المجاهدة بين ايديهم لاعداۤئهم الظاهرة و الباطنة بل كل نصرتهم و وقايتهم عَنْ كُلِّ ما يكرهُونَه نعم لو قال ذلك بنيّة التوبة او متلبساً بالنّدَم او بالخضوع و الحياۤء معترِفاً في نفسه بالتقصير قبلوا منه هديه فيتصدّق بثلثه علي شيعتهم المستحقّين فان تمكّن ان يجعل هذا الثّلث الذي تصدّق به من هديه مواخاة لهم فذلك المطلوب وَ الغاية و الّا فتَعارُفٌ و هو اقلّ المجزي و ثلث من ذلك الهدي يهديه اليهم صلّي اللّه عليهم و هو التسليم لهم و الردّ اليهم و التفويض اليهم كما تضمّنَتْه الزيارة التي رواها الشيخ رحمه اللّه في المصباح في شهر رجب التي اوّلها الحمد للّهِ الذي اشهدنا مشهد اولياۤئه في رجب الي ان قال فيها انا ساۤئلكم و آمِلُكم فيما اليكم التفويض و عليكم التعويض فبِكُمْ يُجْبَرُ المهيض و يُشْفَي المريض و عندكم ما تزداد الاَرْحام و ما يغيض اني بسرّكم مؤمن و لقولكم مُسَلِّمٌ الخ ، و من ذلك الاعتماد و الاتّكال كما في الدعاۤء المنقول عن السيد رضي‌الدين علي بن موسي بن طاووس قدّس اللّه سرّه عن الحجة عليه السلام اللهم ان شيعتنا خُلِقوا منّا من فاضل طينتِنا و عُجِنُوا بماۤء ولايتِنا اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فَعلوه اِتّكالاً علي حُبِّنَا و ولِّنا يوم القيمة امورهم و لاتؤاخذهم بما اقترفوه من السيّئاتِ اكراماً لَنا و لاتُقَاصِصْهُم يوم القيمة مُقَابل اعداۤئِنا و ان خفّت موازينهم فثقِّلْها بفاضِل حسناتِنا انتهي ، فافهم الاشارة و اتّخذها بشارةً و اعلم مع ما سمعتَ انّه قَدْ جاۤءَتِ الاخبار الصحيحةُ عنهم عليهم السلام انّ اللّه سبحانه لايتجاوز ظلم ظالم و جاۤء ايضاً انه لاينجي الّا العمل الصالح مع عفو اللّه و غير ذلك فتخلّص من التنافي من غير انكار فان الانكار هو الكفر و عليك فيما اشكل عليك الردّ اليهم فان الردّ اليهم نصفه من الاعتماد و الاتّكال و النصف الٰاخر من ثلث الهدي الباقي و هو الذي تأكل منه و لكن لاتأكل منه الّا ان تذكر اسم اللّه عليه اللّهم صلِّ عَلي محمد و آل‌محمد كما صلّيت علي ابراهيم و آل ابراهيم انك حميد مجيد فباَحبِّ الاَشْيَاۤء اليّ و اعزِّها لَديّ افدي اجسادكم من بين الاجساد و اخُصُّها لشَرفِهَا و علّيّتها و بقاۤئها و تأصّلها و تقدّسها و طهرها اذ كلّ ما سواها من جميع الاجساد بل و النفوس ناقص منحطّ الرّتبة في كل مقامٍ هذا كله علي ظاهر الحال و لو سلكتَ طر۪يقَ التَّأويل و ظاهر الظاهر جاز لك اَنْ تُر۪يدَ بالاجسادِ المَفْدِيّةِ مَا لَهُمْ من اَجْسَادِ غيرهم فانّ حقاۤئق اجساد ما سواهم لهم و هم اولي بها من غيرهم فانّهم يلبسون ما شاۤؤا و يخلعون ما شاۤؤُا فَهُمْ اولي بجسَدِ زيدٍ منْه لان ذلك الجسد من شعاعهم اعطوه زيداً عاريةً فَهُمْ اوْلَي به من زيدٍ لانَّ الماۤدّة لهم و منهم و قد تقدمت الاشارة الي هذا مِراراً فراجع و انّما جاز هذا بمعني انهم اختصّوا ببعضٍ منها دون بعض مع انّ كلّها لهم لانهم انّما يلبسون احسنها لبُعْدِه عن التغيير او لقلّة التغيير فيه لاستقامة طبيعة مَن البسوه ايّاه اوْ لصلاحه و عمله المُوَافق لسنّتهم فَقَلَّ تغييرُه فكانَتْ صورته اقربَ الي حاله حَالَ بُروزِه عنهم عليهم السلام فلذا حَسُنَ ان يفدي لشرفه و ارادتُه مع انه خلاف الظّاهر لتنزيه اجسادهم الاصليّة عن الذكرِ او لعدم الاطّلاع عليها من ساۤئر الخلق فارادة امثالها اولي و مثال ذلك في الاستشهاد بكلام قيس بن الملوّح مجنون ليلي حسَنٌ قال :
سَلامي علي جيرانِ ليلَي فاِنّها       ** * **      اَعَزُّ علي العُشّاقِ مِنْ اَنْ يُسَلَّمَا
فانّ ضياۤءَ الشمسِ نورُ جَبينِها       ** * **      نعم وجهُها الوَضّاحُ يُشْرِقُ حَيْثُما
و انّما قلنا انهم يلبسون احسنها اذا لم‌يحصل صارف عن الاحسن من سبب القابليّة كما كان جبرئل عليه السلام في كل وقت ظهر فيه لاحد من الانبياۤء او حين ظهر لمريم عليهم السلام فانه يظهر في اجمل صورة في ذلك الزمان كما كان يظهر لمحمد صلي اللّه عليه و آله في صورة دحية بن خليفة الكلبي لانه اجمل اهل زمانه و ذلك لما قلنا من ان اجمل صورة توجد في زمان الظهور تكون اقرب الي تلك الحقيقة الطاهرة الطيّبة لاعتدال مزاجها و ان كانت لاتبلغ اعتدال تلك الحقيقة الطيّبة فانه لو خرج محمد صلي اللّه عليه و آله او الائمة عليهم السلم السلام علي ما هو عليه من جمال صورته المطابقة لحقيقته لما رءاها احدٌ من ملك او نبيّ او غيرهما الّا و صعق لوقته و لكنّ اللّه سبحانه قدّر ظهورهم علي قدر احتمال مَن دونهم ممن يظهرون له كما اشرنا فيما تقدم من ان نورهم يزيد علي الشمس بالفِ‌الفِ‌الفِ مرّة و اربعةٰ‌الافِ‌الف مرّة و سبعمائة‌الف مرّة و عشرةٰ‌الافِ مرّة و انّما قلنا اذا لم‌يحصل صارف عن الاحسن من سبب القابليّة لانه لو حصل صارف كذلك لبِسوا ما اقتضته القابليّة المتغيّرة الّا انّه في ظاهرهم بان يُري ظاهرهم في ذلك و من لم‌يكن علي عينيه غطاۤء رءاهم علي ما هم عليه في هذه الحال كما تري الشمس اذا اشرقت علي المرايا المتلوّنة بالخضرة و الحمرة و الصفرة مثلاً و بالاعوجاج و الصغر ظهر نورُهَا بلون القابل و البصير لايري في نورها تغييراً لان التغيير انّما هو في القابل و من ذلك ما رواه ابن ابي‌جمهور الاحساۤئي في المجلي و رواه صاحب كتاب انيس السُّمَرَاۤءِ و سمير الجلساۤء في كتابه عن جابر بن عبداللّه الانصاري قال شهدتُ البصرة مع اميرالمؤمنين عليه السلام و القوم قَدْ جمّعوا معَ المرأةِ سبعين الفاً فما رأيتُ منهم منهزماً الّا و هو يقول هزمني عليّ و لا مجروحاً الّا يقول جرحني عَليٌّ و لا مَن يجود بنفسِه الّا و هو يقول قتَلن۪ي عليٌّ و لاكنتُ في الميمنة الّا و سمعتُ صوتَ عليٍّ و لا في الميسرة الا و سمعتُ صوتَ عليٍّ و لا في القلبِ الّا و سمعتُ صوته و لقد مررتُ بطلحةَ و هو يجود بنفسه و في صدره نبلةٌ فقلتُ له مَن رماك بهذه النبلةِ فقال علي بن ابي‌طالبٍ فقلتُ يا حزب بلقيس و يا جندَ ابليس انّ عليّاً لم‌يرم بالنبلِ و ما بيده الّا سيفُهُ فقال يا جابر اماتنظر اليه كيف يصعد في الهواۤء تارة و ينزل في الارض اخري و يأتي من قبل المشرق مرّة و من قبَلِ المغرب اخري و جعل المغارب و المشارق بين يديه شيئاً واحداً فلايمرّ بفارس الّا طعنَهُ و لايلقَي احداً الّا قتله او ضربَهُ او اكبَّهُ لوجهه او قال مُت يا عدوّ اللّهِ فيموت فلايفلت منه احدٌ فتعجّبت ممّا قال و لا عجبَ من اسرار اميرالمؤمنين عليه السلام و غراۤئب فضاۤئله و باهر معجزاته ه‍ ، و روي في المجلي ايضاً عن المقداد بن الاسود الكِندي انّ علياً عليه السلام يوم الاحزاب و قد كنتُ (ظ) واقفاً علي شفير الخندق و قد قتل عمراً و تقطّعت بقتله الاحزاب و افترقوا سبع‌عشرة ( سبعة‌عشر ، في‌خ ) فرقة و انّي لاَري كلّ فرقةٍ في اعقابها عليّاً يحصدُهم بسيفه و هو عليه السلام في موضعه لم‌يتّبع احداً منهم لانه عليه السلام من كريم اَخلاقه انّه لايَتّبعُ منهزِماً ه‍ ، فهذانِ الحديثان صريحان في ظهوره عليه السلام فيما شاۤء و تعدّد مظاهره و لاسيّما الثاني حيث قال فيه يحصدهم (ع‌) بسيفه و هو (ع‌) في موضعِه۪ و امّا الاوّل فالاستشهاد به ظاهر حيث انه ظهر في الصورة القبيحة و هي صورة مروان بن الحكم للاتّفاق علي انّ طلحة انّما رماه بالنبلة مروان بن الحكم و لمّا كان طلحة قد حضره الموتُ و عاين الملاۤئكة كشف عنه غطاۤءه فبصره حينئذٍ حَد۪يدٌ فشاهدَ الحقيقة انّ الّذي رماه هو عليٌّ عليه السلام في صورة مروان بن الحكم لكونه آلةَ هلاكه فاقتضت قابليّةُ هلاكِه۪ علي يديه ظهوره عليه السلام في صورته لان مقتضي قوابل افعاله سبحانه و تعالي ان تظهر اسباب تعلّقها بالمفعولات علي ما اقتضَتْه تلك القوابل تمْشِيةً لاحكام الحكمة الالهيّة علي النظم الطبيعي فظهرت صورة رضوان خازن الجنان عليه السلام علي احسن صورة كما هو مقتضي النعيم و ظهرت صورة مالك خازن النيران عليه السلام علي اقبح صورة كما هو مقتضي التعذيب و التّأليم و انّ عليّاً صلوات اللّه عليه ليظهر في احسن صورة لاولياۤئه و آنِسها و يظهر في اوحش صورة لاعداۤئه و هذا مقتضي الحُبّ و البُغْضِ فلمّا كان طلحة في حالة النزع و المعاينة و هي حالة كشف الغطاۤء لم‌ير مروان بن الحكم و انّما رأٰي علِيّاً عليه السلام و مَن لم‌يكشف عنه الغطاۤء لكمالٍ او لاحتضارٍ لَمْ‌يَرَ علِيّاً عليه السلام و انّما يُعَايِن مَرْوان بنَ الحَكم فعلي عدم وجود الصّارف عن الاحسن فلا اشكال في جواز الفداۤء لتلك الاجساد لتَشَرُّفِها بهِمْ و لاجل هذا استشهدنا بكلام مجنون ليلي حيث يقول سلامي علي جيرانِ ليلي و قد تقدّم و امّا مع الصارف عن الاحسن و وجود المقتضي لِلَبْسِ غير الاَحْسن فالطّريق فيه مثل توجيه الثّناۤء علي جهة العَدْلِ و الحكمة في خلقِ ابليس و خلق الشرّ بعمل العاصي و خلق الكفر بعمل الكافر فافهم ،
و قوله عليه السلام : و ارْواحُكم في الارواح
يراد منه انّ الروح هنا غير النفس لذكر النفوس بعد ذٰلك نعم قد يراد منه ما هو اعم من ذلك فيشمل العقول الّا ان يقال ان العقول في حقهم عليهم السلام غير متعدّدةٍ و انّما عقلهم واحد و هو العقل الكلّي و ليس بشئ فانّه كما ان عقولهم غير متعدّدة كذلك ارواحهم غير متعدّدة و انما هو روح واحدة و الجواب للاحتمالين المتعارضين معاً ان تعدّد الارواح في حقهم من حيث ظهوره في المتعدّد ظاهراً و كذلك العقول و الاتّحاد فيهما من وحدة حقيقة عقلهم و حقيقة روحهم فتشمل الارواح العقول لاطلاقِ الاَرْواحِ عليها و امّا النفوس فلاتراد من الارواح هنا لذكر النّفوس و ذلك لانّ الروح قد يطلق و يراد منها النفس كما يقال قبَض روحه اي نفسه و قد يراد بها العقل كما قال صلّي اللّه عليه و آله اوّل ما خلق اللّه روحي اي عقلي هذا ما يراد من معني الرّوح من حيث اللّفظ باعتبار استعمال لفظِه۪ و امّا ما يراد منه من معناه من حيث الوضع فالعقل هو الكون الجوهري و هو المعاني المجرّدة عن المادة العنصريّة و المدّة الزمانية و الصورة النفسيّة و المثالية و هو محل المعاني ايضاً و هو مدرك المعاني كذلك بنفسه و يدرك الصور النفسانية بالنفس و المثالية بالخيال و الاشباح الماديّة بالحواۤسّ الظّاهرة فاذا ادرك المعاني بنفسه فهو حينئذٍ كتابٌ في قرطاس فهو هي في نوره و امّا النفس فهي الصور المجرّدة عن المادة العنصرية و المدّة الزمانية و ليست مجرّدة عن الصور النّفسيّة و علي الحقيقة مجرّدة عن الصور المثاليّة فزيد في العقل معني لا صورة له بل هو كالنطفة اي كما هو في النّطفة و العلقة و في النفس مثله اذا كسي لحماً و انشي خلقاً آخر و امّا الروح فهي برزخ بين العقل و النفس فزيد فيها كالمُضْغةِ و العظام فالعقل صورته الالف القاۤئم هكذا و النفس صورتها الالف المبسوط هكذا و الروح صورته الالف القاعد هكذا علي هيئة قاۤئم الزاوية فقيام العقل كناية عن بساطته و انبساط النفس كناية عن انتشاره لكثرة الصور و قعود الروح عبارة عن بَرْزخيّته۪ فانّه بين بين لا كبساطة العقل لانه لا هيئة له الّا المعنويّة و لا ككثرة النفس لانّها عبارة عن الصور بل هي علي هيئة وَرَق الٰاس فاِذا قيل ورق الٰاس في الاخبار فالمراد به الرقاۤئق الرُّوحية يعني المُضَغ المجردة و هي الارواح و امّا الذر فهي الصور النّفسانية فَانَّها عَلَي صُوَرِهمْ في الدُّنيا و انما كانت الروح بصورة ورق الٰاس لانّها كاملة في نفسها و كل كاملٍ مستديرٌ استدارة صحيحة و لمّا لم‌تكن تاۤمّة في التجرّد مطلقاً بل لها نوع ارتباطٍ ببعض افعالها بالجسم و هي في ذاتها و في بعض افعالها مجرّدة مفارقة كان وجهها الاعلي متوجِّهاً الي العقل بكل ذاتها و ببعض افعالها كان ما يلي الجهة العليا منها يعني ما يلي العقل دقيقاً للطافته و مفارقته للارتباط و كان اسفلها واسعاً لِغلَظِه۪ و تعلّقه في الجملة بالاجسام فلمّا ارتبطَت ببعض افعالها السفليّة بالاسفل الذي هو الجسم و مالت بطبعها الي جهة العقل صاعدة الي نحوه امتدّت فكانت صورتها باعتبار فعلَيْها العلوي المفارق و السفلي المقَارِن كصورة وَرق الٰاس و الرُّوح هي الكون الهواۤئي و النفس هي الكون الماۤئي كما روي عن جعفر بن محمد عليهما السلام و العقل في انوار العرش هو الابيض و الروح هو الاصفر و النفس هو الاخضر و مثل هذا قوله عليه السلام و انفسكم في النّفوس ، امّا الاشارة الي المعني المراد من النّفس فقد ذكرناه قبل هذا و هنا مع ذكر الرّوح علي جهة الاشارة الي بعض احْوالها و نقول هنا النفس المذكورة يراد منها صدر العقل و مركبه لان النفس اذا اطلقت يراد منها احد امور :
احدها الكلّيّة الاوليّة و هي بقولٍ مطلق حقيقة الشئ من حيث ربّه و يراد منها الوجود و النور الذي خلق منه و الفؤاد و النفس التي مَن عرفها فقد عرف ربّه و حقيقته من حيث نفسه و يقال لها الماهيّة و هذه خلقت من نفس الاولي من حيث نفسها اي من جهة انفعالها و قبولها للايجاد و هي حقيقة الظلمة فيه و اصل الشرور و المعاصي كما ان الاولي حقيقة النور فيه و اصل الخيرات و الطاعات و حقيقته مطلقاً و هي العَيْن و الماۤئيّة و مجمع البحرين و هي النفس النّاطقة المشار اليها في تمييزها باَنَا و ذلك قول علي عليه السلام كما رواه في الغرر و الدُّرَر الشيخ عبدالواحد بن محمد بن عبدالواحد الايدي قال عليه السلام و خلق الانسان ذا نفسٍ ناطقة ان زكّاهَا بالعلم و العمل فقد شابهَتْ اَواۤئلَ جواهِرِ عِلَلِها فاذا اعتدَلَ مزاجُها و فارقَت الاضدادَ فقَد شاركَ بها السَّبع الشِّدَاد ه‍ ، اقول و تمام اعتدال مزاجها و كماله كما قال عليه السلام اذا كان نصفها الاسفل نفساً كاملةً كما يأتي و لايكونُ كذلك الّا اذا كان الاعلي هو الماۤء الذي كان العرش عليه فاذا كانَ كذلكَ كانت به هي قلب العبد المؤمن الذي قال تعالي فيه ماوَسِعَني ارضي و لا سماۤئي و وسعني قلبُ عبدي المؤمن ،
و ثانيها النفس الامارة بالسُّوۤء المعبّر عنها بالجهل و لها سبع مراتب : الاولي الامّارة بالسّوۤء شأنها الخروج عن الطاعة و فعلها المعاصي و الثانية الملهمة و هي الاولي بعد اَنْ تُعَلّم بعض الخيرات يكون لها تَروُّحٌ و انتباهٌ مع ما هي فيه من الحالة الاولي و الثالثة اللوّٰامة و هي الاولي بعد ان تُعَلّم بعض الخيرات و تتعلّم و تعمل فتكون لها حالتانِ وَ مَيْلانِ مَيْلٌ بحقيقتها فهي حالة الامّارة بالسوۤء و ميل بالحالة الثانية من تَطبّعِها و فعْلِها بعض الخيرات فتلومُه علي فعل الخير بطبعها و علي فعل الشرّ بتَطَبُّعِهَا و الرابعة المطمئنّة و هي اذا تركت طبعَها و تطبّعت باطباع العقل و كانت اخته حين علّمها ممّا علّمه اللّه فتعلّمت و تخلّقَتْ بالخيراتِ كما قال تعالي في التّأويل فان تابُوا و اقاموا الصلوة و آتوا الزكوة فاخوانكم في الدين فحينئذٍ يرضي بفعلها العقل و يأكل من صَيْدِها كما في تأويل قوله تعالي تعلِّمونَهُنَّ ممّا علّمكم اللّهُ فانّ اللّه سبحانه علّم العقل بانّ العبد لايملك شيئاً بل كلّما كسب و حصّل فهو لسَيِّدِه لايأكل منه الّا مَا اطعمه منه و لايمضي حتي يأذنَ له و يترك اذا امره بالتّرك فهذا حال العقل في معاملته مع ربّه و هو حال العبد المطيع مع سيّده فلذا قال تعالي في ذكر الكلاب المعلّمة للصّيد قال و ما علّمتم من الجوارح مكلّبين تعلّمونهُنَّ ممّا علّمكم اللّه فان اللّه علّمهم بانّ العبد لايكون صادقاً مع سيّده الّا بما ذكرنا و نحوه فعلّموا كلابكم بنحو ما علّمكم اللّه بانهنّ لايأكلن ما يصِدْنَ و لايمضين اذا رأينَ الصيد الّا بامر صاحبهن و اذا امرهُنَ بالتّركِ تركن فاذا كنّ كذلك فقد تعلّمن فكلُوا ممّا امسكن عليكم فكذلك النفس اذا علّمها العقل بانّها لاتفعل شهوتها اِلّا بامره و اذا امرها بالتركِ تركت و اذا فعلَتْ شهوتَها بامرِه۪ انما فعَلَتْها له فكذلك هذه النفس اذا فعَلَتْ ما امرَها به العقل من مقتضي ماتعلّمتْه منه فقد سكنَتْ فيما تطبّعت عليه من اَخْلاقِ الْعَقْلِ و قَرَّتْ فهي مطمئِنَّةٌ و الخامسة النفس الراضيَة و هي بعد ما اطمئنَّتْ و استقامت علي الاطمئِنانِ فتح اللّه عليها باب الرّضا فرضيَتْ بما اجري عليها من فضل او عدلٍ و ذلك هو حال صدق العبوديّة فاذا استقامَت علي ذلك حتّي كانت تلقي كلّما يجري عليها من احكام القدر بالرّضَي رضيَها اللّهُ و رضي عنها و هي السّادسة المسمّاة بالمرضِيّة لانّ اللّه سبحانه رضي عنها و رضيَهَا لنفسِه۪ و اصطنعَها له و السّابعة النفس الكامِلة الّتي اعْتَدلَ مزاجُهَا و فارقت الاضداد كما تقدّم عن علي عليه السلام و هي بما قامت مظهر الرحمانيّة في النَّشْأتَيْنِ الّتي وَسِعَتْ كلّ شَيْ‌ءٍ ،
و ثالثها اللّاهوتيّة الملكوتيّة الكليّة و هي قوّة لاهوتيّة و جوهرة بسيطة حيّة بالذاتِ اصلها العقل منه بدءت و عنه وَعَتْ و اليه دَلَّتْ و اشارَتْ و عودُهَا اليه اذا كملت و شابهته و منها بدءت الموجوداتُ و اليها تعود بالكمال فهي ذاتُ اللّه العليا و شجرة طوبَي و سدرة المنتهي و جنّة المأوي مَن عرفها لم‌يشقَ و مَن جَهِلها ضلّ و غوي كما قال علي عليه السلام للاعرابي حين سأله عن النفس و هذه النفس هي المسماة باللّوح المحفوظ و هي نفس فلك البروج و كتاب الابرار فيه لانّه علّيّون و كتاب الابرار صورهم و صور اعمالهم و اقوالهم و كثير من معتقداتهم فيها يعني في ظلِّها و شعاعها و هي في الحقيقة نفس الامام عليه السلام و هي النفس التي نسبها اللّه تعالي اِليْه و سَمَّيها نَفْسه و لهذا قال عليه السلام فهي ذاتُ اللّهِ العُلْيَا و قوله عليه السلام اصلها العقل دَل۪يلٌ عَلَي ما قُلْنَاه و قول عيسي بن مريم عليه السلام تعلم ما في نفسي و لااعلَم ما في نفسك في تفسير التّأويل هذه هي النفس التي لايعلم ما فيها عيسي و يظهر من كلامه عليه السلام في قوله و عودُها اليه اذا كملت ان المراد بهذه النفس هي التي وسعت الرحمانيّة و هو ما ذكرناه في الكاملة من النفس المقابلة للعقل و هذه هي مركب العقل فهي منه لانّها اوّل مظاهره و تنزّلاته بدليل قوله و منها بُدِئَت الموجودات و لا بأس بذٰلكَ الّا انّ هذه ركن من مظهر الرَّحمانيّة من اربعة اركانٍ فمجموع الاربعة هي العرش بخلاف تلك فانّها مع ما قامت به تمام المظهر و هذه الاركان الاربعة التي هي العرش اركان تلك مع ما قامت به فانها مع ما قامت به كزيدٍ مثلاً و هذه الاربعة كالجاذبة و الهاضمة و الدافعة و الماسكة في زَيْدٍ فانّ حقيقةَ زيدٍ مرَبّعةٌ بهذه الاربع و هذه النفس هي الّتي اشار اليها اميرالمؤمنين عليه السلام في جوابه لكميل بن زياد قال عليه السلام و الكليّة الالهيّة لها خمس قويً بقاۤء في فناۤءٍ و نعيم في شقاۤء و عزّ في ذلٍّ و فقر في غناۤءٍ و صبر في بلاۤء و لها خاصيّتان الرضا و التّسليم و هذه التي مبدؤها من اللّهِ تعالي و اليه تعود قال اللّه تعالي و نفختُ فيه من روحي و قال تعالي يا ايّتُها النفس المطمئِنَّةُ ارجعي الي ربِّكِ راضيةً مرضيّةً الحديث ،
و رابعها الناطقة القدسيّة و هي قوّة لاهوتيّةٌ بدؤ ايجادِها عند الولادة الدنيويّة مقرّها العلوم الحقيقيّة الدينيّة موادُّها التأييدات العقليّة فعلُهَا المَعارف الرّبّانيّة سبب فراقها عند تحلّل الٰالاتِ الجسمانيّة فاذا فارقَتْ عادت الي ما منه بُدِئَتْ عودَ مُجاورَةٍ لا عَوْد مُمَازَجةٍ قال عليه السلام هذا في جوابه للاعرابي و في جوابه لكُمَيْل بن زياد لَها خمس قُويً فكرٌ و ذِكرٌ و علم و حلم و نباهة وَ ليس لها انبعاثٌ و هي اشبه الاشياۤء بالنفوس الملكيّة و لها خاصيّتان النزاهة و الحكمة ه‍ ، اقول يجوز ارادة الاتّحاد بين هذه و بين الماۤئيّة المتقدّمة المعبّر عنها بِاَنَا فانّ هذه قد يُعَبّر عنها باَنا و يجوز ارادة المغايرة بين الماۤئيّة و بين هذه فان المراد بتلك العَيْن اي الحقيقة الجامعة لهذه و للوجود و المراد بهذه القوّة المتقوّمة بذٰلك الوُجود المعبّر عنه بالماۤدّة اي الحصّة الحيوانيّة و هي صورة اجابة تلك الحصّة لدعوة الحقّ و هيئتها المتميّزة بالحدود الشّريفة و المشخّصات الكريمة اللطيفة كالعلم و الحلم و الصدق و الخير و التقوي و المروّة و الطاعة و السّخاۤء و غير ذلك من حدود التقدّس و الحكمة ،
و خامسها النفس الحيوانية و هي قوّة فلَكيّة و حرارة غريزيّة اصلها الافلاك و بدءُ ايجادها عند الولادة الجسمانيّة فعلها الحيوة و الحركة و الظلم و الغشم و الغلبَة و اكتساب الاموال و الشهوات الدنيويّة مقرّها القلب سبب فراقها اختلاف المتولّدات فاذا فارقت عادت الي ما منه بُدِئَت عودَ ممازجةٍ لا عودَ مجاورة فتعدم صورتها و يبطل فعلُها و وجودُها و يضمَحِلُّ تركيبها هذا كلامه عليه السلام في حديث الاعرابي و في جواب كميل قال عليه السلام و الحسيّة الحيوانيّة لها خمس قوي سمعٌ و بصر و شمّ و ذَوق و لمسٌ و لها خاصيتان الرضا و الغضب و انبعاثها من القلب ه‍ ، فقوله عليه السلام اصلها الافلاك اي اصل حركتها و جرمها لانها بخارٌ تكوّنَ عن الطباۤئع الاربع المتعلّقة بالدَّمِ الاصفر المتعلق بالعلقةِ الدم التي في تجاويف القلب الصنوبري من الجانب الايسر اكثر و ذلك البخار تألّف من بُخَارٍ حار يابسٍ جزؤ و من بخارٍ حار رطبٍ جزؤ و من بخار بارد رطبٍ جزءانِ و من بخارٍ بارد يابسٍ جزؤ فامتزجت و طبختها الحرارة و الرطوبة بمعونة تأثيرات اشعّة الكواكب و العناصر حتي نضجت نضجاً معتدلاً و تلطّفت حتي ساوت فلك القمر في التلطّف و الاعتدال فاثّرت فيها نفسه فتحرّك بحركته مثاله اذا قرّبت خشبةً يابسةً من الجمر بحيث لايصل الجمر اليها و لايماۤسّها و لكن بحرارته اصفرّت الخشبة و اسودّت لشدّة حرارة الجمر فلمّا كلّستها حرارة الجمر حتي وصلت الي رتبة الفحميّة اشتعلت بالنار و ان لم‌تماسّها لقربها منها في الرتبة و مساوَاتها لما تعلّقت به النار فكذلك هذه الابخرة فكما ان تلك الخشبة كان وجهها المقارب للحرارة حتي شابَه ما اشتعلت به قد تعلّقت به النار حتي كان ناراً كذلك تلك الابخرة لمّا نضجت و تلطّفت حتي شابهت فلك القمر تعلّقت نفسه بها فتحركت بحركته و قال عليه السلام في النفس الناطقة و بدؤ ايجادها عند الولادة الدنيويّة و قال عليه السلام هنا و بدؤ ايجادها عند الولادة الجسمانيّة لانّ النَّاطقة هيئة الادراك و المعرفة و العلم و الفهم فتوجد عند مبادي اَسْبَاب التمييز المعبّر عنه بالولادة الدّنيويّة و امّا الحيوانية الحسّيّة فهي من لوازم الجسم لان الجسم الحيواني لايكادُ يَنْفَكُّ عن الحركة الحسيّة فلاجل ذلِك ذكرها عليه السلام معه فقال وَ بَدْؤ اِيْجادِها عند الولادة الجسمانيّة ،
و سادسها النفس النباتيّة قوة اصلها الطباۤئع الاربع بدءُ ايجادِها عند مسقط النّطفة مقرّها الكبد ماۤدّتُها من لطاۤئف الاغذية فعلها النموّ و الزيادة و سببُ فراقها اختلاف المتولدات فاذا فارقت عادت الي ما منه بُدِئَتْ عودَ ممازجةٍ لا عودَ مجاورةٍ هذا كلامه عليه السلام للاعرابي و جوابُه لكميل لها خمس قويً مَاسكة و جاذبةٌ و هاضمةٌ و دافعة و مربّيَةٌ و لها خاصيّتان الزيادة و النقصان و انبعاثُها من الكبد ه‍ ، اقول هذه النفس تتألّف من العناصر علي نحو ما ذكرنا من حال الحيوانيّة الحسّيّة في التأليف فلا بُدَّ من وجود جزءٍ من الحرارة و جزء من الهواۤء و جزءين من الماۤء و جزءٍ من التراب فتجتمع الاجزاۤء في ارْضِها فتنحلّ بمعونة حرارة الفصل و رطوبته و تكون الاربعة غذاۤءً واحداً فتتحرَّك حركة النموّ بما فيها من الحرارة و الرطوبة فاذا فارقت عادَت الي مَا منْه بُدِئَتْ عَوْدَ مُمازجةٍ لا عَوْدَ مجاورة يعني انّ ما فيها من الاجزاۤء النّاريّة تلحَقُ بالنار العنصريّة فتمتزجُ بها و تلحق الاجزاۤء الهواۤئيّة بالهواۤء فتمتزج بها و الاجزاۤء الماۤئيّة تلحق بالماۤء و الترابيّة بالتراب فتضمحلّ مميّزات الاجزاۤء و مشخّصاتها و يمتزج كلّ جزءٍ باصله و الظاهر ان المراد بها هنا هي الثالثة و هي اللّاهوتيّة الملكوتيّة الكليّة المسماة باللوح المحفوظ و هذه النفس كما وصفها اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه فيما نقلنا عنه هي نفسهم الشريفة فلذا قال عليه السلام فهي ذاتُ اللّهِ العُلْيَا و شجرة طُوبَي و جنة المأوي الي آخر ما قال (ع‌) و انما قال فهي ذات اللّه لانّه يريد انها ذاتٌ خلقها اللّه تعالي و نسبها الي نفسِه۪ تشريفاً لها و لانّها لاتكون في حالٍ من احوالها لغيره تعالي و ذلك قوله تعالي و اصطنعتُك لنفسي و في الانجيل خلقتُكَ لاجلي و خلقتُ الاشياۤء لاجلك الخ و قال اميرالمؤمنين عليه السلام نحن صناۤئع اللّهِ و الخلق بعد صناۤئع لنا اي نحن الذين اصطنَعنا لَهُ و صَنَع الخلق لَنَا و جميع الاَنْفُس منها كالشعاع من المنير فهي نفس النفوس كما رُوِي عنه عليه السلام انا ذاتُ الذوات و الذَّاتُ في الذَّواتِ للذَّاتِ و بالجملة يكون المعني كما تقدّم علي الوجه الْاَوّلِ يعني بما يعزّ عليّ افدي انفسكم مَا بين نفوس ما سواكم او في نفوس الخلق كما تقول اَفْدي نفسكَ في جَسَدكَ فعلي الوجه الاوّل تصدق المغَايَرةُ الصَّالحة للتّخصيص بالمماثلة و علي الثاني انَّما تكمل الظّرفية اذا اعتبرت الربوبيّة فان فرض الظرف نفوس الخلق مع اعتبار الربوبية كان المفروض مظروفاً افعال نفوسِهم و آثارها المتعلقة بنفوس الخلق بالصنع و بالمواۤدّ و الصور لشؤنهم عليهم السلام اي افدي افعال نفوسهم و امداداتهم او ثأثيراتها في نفوس ما سواهم فقد احكموا باللّهِ سبحانه الصنع و الصنيع كما قال تعالي فاسلكي سبل ربّكِ ذُللاً فانّ النحل بما اوحي سبحانه اليها و الهمها قد احكمت الصنع و الصَّنيع حيث سَلكَتْ سُبُلَ ربِّها ذُلُلاً فيما علّمها من عمل العسل و الشمع و هذا مثالهم و مثال صنعهم و صنيعهم فبتَسْب۪يحهم سبّحت الملاۤئكة و بتهليلهم و تمجيدهم هلَّلُوا و مَجَّدوا و كذلك ساۤئر الخلاۤئق و لولاهم ماعُبِد اللّه و لولاهم ماعرف اللّه و لولاهم مَاخَلَقَ اللّهُ خلقاً و حَيْثُ خلق فَبِهِمْ خلقَ ما خلق و بهم رزق ما رزَق و بهم يمسِك السماۤء اَنْ تَقعَ علي الاَرْض الّا باذنِه۪ و بهم يحيي و بهم يميت و بهم يحشر الاموات و بهم ينبت النَّباتَ و بهم ينزل الماۤء من السّماۤء و بهم فتح اللّه الخلق و بهم يختم و لم‌يكلهم الي انفسهم فيفعلون بانفسهم بل يفعلونَ باللّهِ لايَسْبقونه بالقول و هم بامره يعملون و لم‌يتّخذ اللّه سبحانه غيرهم اعضاداً لخلقه فيفعل بدونهم بل يَفْعَلُ بهم ما شاۤء و لايفعل الّا بهم لانهم محالّ مشيّته و اَلْسِنَةُ ارادتِه۪ ،
و قوله عليه السلام : و آثارُكم في الٰاثار و قبوركم في القبور ،
اقول قال اللّه سبحانه سنكتبُ ما قدّموا و آثارهم الٰاثار هي اعمالهم و سُننهم او آثار اقدامِهم في سعيهم في اعمالهم يعني انّا لانترك شيئاً من احوالهم حتّي آثار اقدامِهم او المراد آثار اعمالهم في ارزاقهم و آجالهم و اعمارهم و قلوبهم و ارواحهم و نفوسهم و اجسامهم و جميع احوالهم حتي لانغادر صغيرة و لا كبيرة الّا احصيناها اوْ آثار هَدْيهم و تعلّمهم و تعليمهم و علومهم و هدايتهم و اضلالهم و غير ذلك فقوله عليه السلام و آثاركم يراد منه كما في الٰاية لانّه اقتباس منها و المَعْني افدي اَعْمالَكم ما بين الاعمال و اقوالكم ما بين الاقوال و احوالكم ما بين الاَحْوال و علومَكم ما بين العلوم و ما اشبه ذلك لانّ آثارهم صلي اللّه عليهم تُقال علي جميع آثار افعالهم الباطنة كالاعتقادات التي هي المَعارف للتوحيد من معرفة صفات افعال الحق سبحانه و آثارِها و نبوّةِ الانبياۤء و ولاية الاولياۤء و ما يتبعه من احوال النشأتين و علي جميع آثارِ افعالِهم الظّاهرة من الاَوامر و النَّواهي و الٰاداب و مَا يتَرتّب علي شَئٍ مِنْ ذلك موجبات ثوابٍ او عقابٍ او استنارة قلوبٍ عن اعمال صالحة و سواد قلوبٍ عَنْ اعمالٍ طالحةٍ و من علوم اَسَّسُوها و سُنَنٍ اَقامُوها و غير ذلك من الكلم الطيّب و السعي المشكور من حركة او سكون او تحريك او تسكين مما يتعلّق بالقلوب و الاعمال و الاقوال للدنيا و الٰاخرة لهم و لاولياۤئهم و لاعداۤئهم ظاهراً و باطناً فانّهم عليهم السلام في ذلك كلّه المبدء و المعاد فالعلّة الفاعليّة بهم و العلّة الماديّة منهم اي من شعاعهم و ظلّهم و العلّة الصورية بهم علي حسبِ قوابل الاشياۤءِ من خيرٍ و شَرٍّ و العلّة الغاۤئيّة هم لِاَنَّ الاشياۤء خلقت لاجلِهمْ امّا اولياۤؤهم و محبّوهم و اتباعهم و ساۤئر الطاعات و انواع الخيرات فظاهر و امّا اعداۤؤهم و مبغضوهم و اتباعهم و ساۤئر المعاصي و انواع الشرور فلانّ وجودَها شرط لوجود اضدادِها فكما انّ اصلهم عليهم السلام نور و اصل شيعتهم و محبيهم و اَتْباعِهم نور و كذلك الطاعات و انواع الخيرات نور و هم اصل نور شيعتِهم و محبّيهم و اتباعهم بذواتهم و نور الطاعات و ساۤئر انواع الخيراتِ فرْع نور اعمالهم كذلك اعدَاۤؤهم و مبغضوهم اصلهم ظلمة و ظلمة اصل اتباعهم فرع ظلمة اعدائهم و ظلمة اصل المعاصي و انواع الشرور فرع ظلمة اعمالهم مثلاً الامام نور و نور اصلِ شيعتهم فرع نور ذواتهم و شعاعهُ و اصلُ الصلوةِ نورٌ و هو اي اصل الصلوة فرع نور اعمالهم اي فرع نور ولايتهم و اصل عدوهم ظلمة و اصل الفحشاۤء ظلمة متفرّعة من ظلمة اعمال عدوّهم و غصبهم مقامهم و انّما اتّبعهم اتباعهم علي الفحشاۤء لان اولۤئك الاتباع ظلمة اصلهم متفرّعة من ظلمة ذوات متبوعيهم فلذا اتّبعوهم في الاعمال لان ذلك فرع اتّباعهم في الذوات و قد ذكر بعض ما ذكرنا الامام جعفر بن محمد عليهما السلام ان الاعمال فروع الرجال ذكره في الحديث الطويل الذي كتبه للمفضل بن عمر كما رواه الحسن بن سليمن الحلي في مختصر بصاۤئر سعد بن عبداللّه الاشعري بسنده الي المفضل و ذلك حين سأله عن اقوام يزعمون ان الدين هو معرفة الرجال فمن عرف ان الصلوة رجل فقد اقام الصلوة و ان لم‌يصل و كذلك من عرف ان الزنا رجل فقد اقام الدين و ان زنا و الحديث طويل في هذا المعني فكتب له الجواب مفصلاً فكان مما كتب عليه السلام ان قال اخبرك انه من كان يدين بهذه الصفة التي كتبتَ تسألني عنها فهو عندي مشرك باللّهِ تبارك و تعالي بَيِّنُ الشركِ لا شكّ فيه و اخبرك ان هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم‌يعقِلوهُ عن اهله و لم‌يُعْطَوا فهمَ ذلك و لم‌يعرفوا حدَّ ما سمعوا فوضعوا حدودَ تلك الاشياۤء مقايسةً برأيهم و منتهي عقولهم و لم‌يضعوها علي حدودِ ما امروا كذباً و افتراۤءً علي اللّهِ و رسوله و جراۤءة علي الوصي فكفي بهذا لهم جهلاً الي ان قال (ع‌) و اخبركَ ان اللّه تبارك و تعالي اختار الاسلام لنفسه ديناً و رضي من خلقه فلم‌يقبل من احدٍ الّا به و به بعثَ انبياۤءه و رسله ثم قال و بالحق انزلناه و بالحق نزل فعليه و به بعثَ انبياۤءه و رسله و نبيّه محمداً صلي اللّه عليه و آله فافضل الدين معرفة الرسل و ولايتهم و طاعتهم هو الحلال فالمحلّل ما احلّوا و المحرّم ما حرّموا و هم اصله و منهم الفروع الحلال و ذلك سعيهم و من فروعهم اَمْرُهم شيعتَهم و اهل ولايتهم بالحلال من اقام الصلوة و ايتاۤء الزكوة و صوم شهر رمضان و حج البيت و العمرة و تعظيم حرمات اللّه و شعاۤئره و مشاعره و تعظيم البيت الحرام و الشهر الحرام و الطهور و الاغتسال من الجنابة و مكارم الاخلاق و محاسنها و جميع البر ثم ذكر بعد ذلك فقال في كتابه ان اللّه يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاۤء ذي القربي و ينهي عن الفحشاۤء و المنكر و البغي يعظكم لعلّكم تذكّرون . . . ( فعدوّهم اهم المحرم ، كذا ) و اولياۤؤهم هم الداخلون في امرهم الي يوم القيمة فهم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الخمر و المَيْسر وَ الزنا و الربا و الدم و الميتة و لحم الخنزير فهم الحرام المحرّم و اصل كل حرام و هم الشرّ و اصل كل شرّ و منهم فروع الشرّ كلّه و من ذلك الفروع الحرام و استحلالهم ايّاها و من فروعهم تكذيب الانبياۤء و جُحود الاوصياۤء و ركوب الفواحش الزنا و السرقة و شرب الخمر و المسكر و اكل مال اليتيم و اكل الربا و الخدعة و الخيانة و ركوب الحرام كلها و انتهاك المعاصي و انّما يأمر اللّه بالعدل و الاحسان و ايتاۤء ذي القربي يعني مودّة ذي القربَي و ابتغاۤء طاعتهم و ينهي عن الفحشاۤء و المنكر و البغي و هم اعداۤء الانبياۤء و اوصياۤء الانبياۤء و هم المنهي عن مودّتهم و طاعتهم يعظكم به لعلّكم تذكرون و اُخبرك اني لو قلتُ لك ان الفاحشة و الخمر و الميسر و الزنا و الميتة و الدم و لحم الخنزير هو رجل و انا اعلم انّ اللّه قد حرّم هذا الاصل و حرّم فرعه و نهي عنه و جعل ولايته كمن عبدَ من دون اللّهِ وثناً و شركاً و من دعا الي عبادة نفسه فهو كفرعون اذ قال انا ربّكم الاعلي فهذا كله علي وجهٍ ان شئتُ قلتُ رجل و هو الي جهنم و من شايَعهُ علي ذلك فانهم مثل قول اللّهِ انما حرّم عليكم الميتة و الدّم و لحم الخنزير لصدقتُ الحديث ،
اقول و هذا الحديث مشتمل علي ما هو من هذا النّوع و غيره ممّا هو صريح في كثير ممّا نذكره و ذكرناه في هذا الشرح ممّا قد تَشْمَئِزُّ منه القلوب من اسرارِ محمدٍ و اهلِ بيته الطاهرين صلي اللّه عليه و آله و انّما تشمَئِزُّ منه القلوب من ضعْفِ الايمانِ وَ اِلّا فالواجب علي المحبِّ الّذي يدّعي امامتهم و وجوب طاعتهم و انّهم اولي بالمؤمنين مِنْ اَنْفُسِهِمْ انّه اذا ورَد عليه منهم الخبر الوارد بالطريق الذي ورد به خبر الوضوء فعمل به عَلَي جهة الوجوب في كِتابٍ وَاحدٍ اَنْ يقبلَهُ و يعتقد مضمونه فان انكره عقله لدليلٍ معمولٍ عليه ردّه الي اهله و قال هم اَعْلَمُ بما قالوا و اِنْ اَنْكَرهُ لا لِدليلٍ فعليه اَنْ يُخالفَ هوي نفسِه۪ اذِ الواجب اَنْ يعتقد انّهم اعلم منه و لايقولون بٰاراۤئهم و انّما هو عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و في البصاۤئر بسنده عن عنبسة قال ( سئل ظ ) رجل اباعبداللّهِ عليه السلام عن مسئلةٍ فاجابَه فيها فقال الرجل اِنْ كان كذا و كذا ما كان القول فيها فقال له مهما اجبتُكَ فيه بشئٍ فهو عن رسولِ اللّه صلي اللّه عليه و آله لسنا نقول برأيِنا مِنْ شَيْ‌ءٍ و روي في البحار عن سُلَيم ابن قيسٍ في كتابه ان علي بن الحسين عليه السلام قال لابان بن ابن ابي‌عياش يا اخا عبدقيس فان وضح لك امر فاقبله و الّا فاسكت تسلَم و رُدَّ علمه الي اللّهِ فانك في اوسع مما بين السماۤء و الارض ه‍ ، و الاحاديث بهذا المعني مستفيضة في ذلك فاذا لم‌تقبل عنهم (ع‌) اِلّا مَا قبِلَهُ عَقْلُكَ لم‌تقبل من رسول اللّهِ صلّي اللّهُ عليه و آلِه۪ وَ لَا مِنَ اللّهِ سبحانه و تعالي فلَيْسَ لَكَ عُذْرٌ مع دعوي التشيّع في عدم القبول الّا اَنْ تحتَمِلَ عَدم صحّةِ الْوُرودِ بان تردّ الخبر بضعف السَّند و بمخالفة المذهب و بجهالة الكتابِ وَ هذا قد يتّفقُ لك في خبرٍ لا داۤئماً فاذا ورد في كتاب الكافي مثلاً حديثٌ في الوُضوءِ وَ لَهُ مُعَارِضٌ الّا انّ سند الاوّل اصحّ مثلاً عملتَ بالاوّلِ و لاتتوقّف في ذلك و ليس لك مرجّح الّا صحّة السّند و الحال انّك لاتُدْرِكُ الصِّحّةَ بعقلك ليَكون ما رددتَه غير موافقٍ لعقلك و اذا ورد حديث في الكافي بل عشرة احاديثَ في الكافي صحيحة السَّند و ليْسَ لها مُعَارِضٌ الّا انّ عقلَكَ لايُدْرِكُ معناه فينبغي منك كما قبلتَ حديثاً لهُ مُعَارِض مَعَ انّكَ لَمْ‌تدرك معناه و انّما قبِلتَهُ لصحّةِ سندِه۪ اَنْ تَقْبَلَ العشرة الاحاديثَ الصحيحة التي لا مانع لها الّا عدم ادراكِكَ لها و هذا كحديثِ الوضوء الذي قَبلْتَ مع وجود المعارض و عَدمِ الاِدْرٰاكِ بل هذه العشرة اولي بالقبول لعدم المعارض و وجود المعارض في حديث الوضوء مع انّك في احكام الشريعة التي لاتعرف بعقلِك منها شيئاً تثبت الحكم بحديثٍ واحدٍ له معارض و تدين اللّه به و تقول هذا حكم اللّه في حقّي و حق مقلّدي و تؤسّس حكماً تقول هو حكم اللّه و تجريه عليك و علي غيرك و تنكر احاديث متكثّرة لنفسك خاۤصّة فان قلتَ العقل ينكرها قلتُ ان اردتَ عقلك انت و مثلك فقل انا لااعرفه و لاتقل اضرب به عرض الحاۤئط او هذا من احاديث الغلاة او المفوّضة لأنّ مَن يُؤمن به و يعرفه اكثر من اَنْ يحصي فان اردتَ معرفته فاطلبه منهم و تعلّم منهم و لاتري في نفسك انّك كبير مستغنٍ عن التّعلّم كما يرونك العوامّ و الجهّال و انت في نفسك و عند اللّه سبحانه صغير محتاج للتّعلّم و ذلك لانك تقرّ بتلك الاحاديث و تصدّق كلّ حديثٍ يؤيّدُها علي جهة الاجمال فاذا فُصِّلَ لك ما صدّقتَ بمجمله انكرته و ذلك انّك تسمع من الاحاديث الصحيحة الواردة في الكُتب المعتبرة احاديث كثيرة لاينكر مجملها احد بل كل احدٍ يقبلها علي سبيل الاجمال و تقبلها بلا شكٍّ منك و لا تردّد و ذلك مثل قولهم عليهم السلام ان امرنا هو الحق و حق الحق و هو الظاهر و باطن الظاهر و باطن الباطن و هو السرّ و سرّ السّرّ و سرّ المستسرّ و سرّ مقنّع بالسرّ ه‍ ، بهذا المعني احاديث كثيرة و مثل قولهم ان حديثنا صعب مستصعَبٌ لايحتمله الّا ملك مقرّب او نبي مرسل او عبد امتحن اللّه قلبه للايمان و قولهم ان حديثنا صعب مستصعب وعِرٌ و في آخر اجرد ذكوان ثقيل مقنّع لايحتمله ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان قيل فمن يحتمله قال عليه السلام نحن و في رواية مَن شِئنا او مدينةٌ حصينة قيل فما المدينة الحصينة قال القلب المجتمع و في آخر ان حديثنا صعب مستصعب خشِنٌ مخشوش فانبذوا الي الناسِ نبذاً فمن عرف فز۪يدوهُ و مَنْ انكر فامسكوا لايحتمله الّا ثلٰث ملك مقرّب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و في حديث آخر في معاني الاخبار عن ابي‌عبداللّه عليه السلام انه قال حديث تدريه خير من الف ترويه و لايكون الرجل منكم فقيهاً حتي يعرف معاريض كلامنا و ان الكلمة من كلامنا لتنصرف علي سبعين وجهاً لنا من جميعها المخرج و في البصاۤئر عن ابي‌جعفر او عن ابي‌عبداللّه عليهما السلام قال لاتكذِّبوا بحديثٍ اتيٰكم به احد فانكم لاتدرون لعلّه من الحق فتكذّبوا اللّهَ فوق عرشه و فيه عن ابي‌الحسن عليه السلام انه كتب اليه في رسالته و لاتقل لما بلغك عنّا او نُسِب الينا هذا باطل و ان كنتَ تعرفُ خلافه فانّك لاتدري لِمَ قلنا و علي ايِّ وجهٍ و صفةٍ ه‍ ، و فيه عن ابي‌جعفر عليه السلام قال سمعته يقول اَما واللّهِ انّ احبَّ اصحابي الَيَّ اورعهم و افقَهُهُمْ و اكتمهم لحديثنا و ان اسوءهم عندي حالاً و امقتهم اليّ الذي اذا سمع الحديثَ ينسب الينا و يُرْوَي عنّا فلم‌يعقله و لم‌يقبله قلبه اشمأزّ منه و جحده و كفر بمن دانَ به و هو لايدري لعلّ الحديثَ من عندنا خرج و الينا اسند فيكون بذلك خارجاً مِن ولايتنا و فيه عن سفيان بن السمط قال قلتُ لابي‌عبداللّه عليه السلام جُعِلتُ فداك ان الرجل ليأتينا من قِبَلِك فيخبرنا عنك بالامر العظيم فتضيق بذلك صدورنا حتي نكذّبَهُ قال فقال ابوعبداللّه عليه السلام اليس عني يحدّثكم قال قلتُ بلَي قال فيقول للّيل انه نهار و النهار انه ليل قال فقلتُ له لا قال فقال ردَّهُ الينا فانّك ان كذَّبتَ فانّما تكذِّبُنا و فيه عن المفضل بن عمر قال قلتُ لابي‌عبداللّه عليه السلام بايّ شئ عَلِمت الرسل انّها رُسُلٌ قال قد كُشف لها عن الغطاۤء قال قلتُ لابي‌عبداللّه عليه السلام بايّ شئٍ عَلِم المؤمن اَنّه مؤمنٌ قال بالتسليم للّهِ في كل ما ورد عليه ه‍ ، و الاحاديث بهذا المعني كثيرة جدّاً و انت تقبَلُها و تنكر تفص۪يلها و ما معناهُ الّا انّه يرد عنهم الحديث الذي لايدرك العقل معناه فيقبله المؤمن بالتسليم و يردّه مَن ليس بمؤمن و ليس معني المقبول هو ما يدركه العقل فانَّ ما يدركه العقل يقبله و ان كان حديثَ كافرٍ و دهري لانّ الحكمة ضاۤلّة المؤمن حيثما وجدها اخَذَها و انّما المراد به ما يقبله من باب التسليم لهم و الردّ اليهم باعتقادِ انّه ليس كلّما قالوه تدركه عقولنا و ان لم‌يجب علينا اعتقاده اذا خالف ظاهر الاعتقاد و ليس لك ان تقول هذا الذي نردّه مخالف لظاهر الاعتقاد لان الّذي نردّه موافق في الاجمال كما تعتقده و يخالف تفصيلك لانّك تفصّل علي ما يخالف الاجمالي الذي تعتقده مثلاً قالوا عليهم السلام اجعلوا لنا رَبّاً نَؤُب اليه و قولوا فينا ما شئتم و لن‌تبلغوا الحديث ، و معناه في كل ما تنسب اليهم اي اجعل لهم ربّاً يرجعون اليه في كلّ ما تنسبون الينا لا مطلقاً يعني ليس المراد اجعلوا لنا ربّاً نرجع اليه في العلم بمعني لانعلم الّا به الّا انا نقدر بدونه و نسمع بدونه و هكذا بل المراد انّا لانعلم شيئاً حتي في الٰانِ الثاني ممّا علّمنا الّا به و لانقدر علي شئ الّا به و لانحكم علي شئ الّا به و لانريد شيئاً الّا به و لانترك شيئاً الّا به و لايكون لنا من الامر شئ في قليل و لا كثير لا في الدين و لا في الدنيا و لا في الٰاخرة الّا به و هذا معني اجعلوا لَنا ربّاً نَؤُب اليه و قولوا فينا ما شئتم و لن‌تبلغوا الحديث ، فتفهّم و تدبّر في هذه الكلمات و ما قبلها من كلّ هذا الشرح و ما يأتي منه فانه جارٍ علي هذا النحو و هو تفصيل كثير ممّا سمعتموه مجملاً فانّ هذا من المستصعب الذي لايحتمله الّا ملك مقرّب اوْ نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و شرح صدره للاسلام و هذا الذي عليَّ في النصيحة و كلٌّ ميسّر لما خلق لهُ و كلٌّ عامل بعمله و اللّه يهدي من يشاۤء الي صراط مستقيم فقوله عليه السلام و آثاركم في الٰاثار يراد منه علومهم و اعمالهم و ما اقاموه عن امر اللّه من كلّ ما اشرنا اليه فيما يعزّ عليَّ افدي آثاركم في الٰاثار اي ما بين الٰاثارِ افديها من كلّ شَئٍ حتي من عدم قبول المكلّفين لها و الاقتداۤء بها و الاخذ بها و السلوك مسلكها و من الدثورِ و الاضمحلال و ان كان في نفس الامر لا دثور يعتريها و لا اضمحلال لها فان اللّه سبحانه هو الحافظ لها و كيف لاتقبل ايضاً و اللّه عز و جل جعل حيٰوة الخلق و رزقهم و معاشهم و بقاۤءهم بها بل بها يمطرون و بها يرحمون و بها يدخل الجنّة من قبلها و يدخل النار مَنْ رَدَّها مع ان كلّ شئٍ يقبلها فهل تري اَحداً يكره بقاۤءه و حياته و رزقه و دفع المكاره عنه و ما اشبه ذلك و كل ذلك ممّا ذكرنا لك و انّما يردّها الحاسدون المتكبرون علي نحو ما سبق و امّا علي معني الظرفيّة فكَونُ آثارهم في الٰاثار ظاهر علي نحو ما تقدّم من انّه لايكون حقّ في ايدي جميع المكلّفين الّا ما كان عنهم و لا باطل الّا ما لم‌يكن عنهم روي المفيد في المجالس بسنده عن محمد بن مسلم عن ابي‌جعفر عليه السلام قال اَما انه ليس عند احدٍ من الناسِ حقّ و لا صوابٌ الّا شئ اخذوه منّا اهل البيت و لا احدٌ من الناسِ يقضي بحقٍّ و لا عدلٍ الّا و مفتاح ذلك القضاۤء و بابُه و اوّله و سُنَّتُه اميرالمؤمنين علي بن ابي‌طالب عليه السلام فاذا اشتبهت عليهم الامور كان الخطأ من قِبَلهم اذا اخطأوا و الصواب من قِبَلِ علي ابن ابي‌طالبٍ اذا اَصابُوا و فيه بسنده عن يحيي بن عبداللّه بن الحسن قال سمعتُ جعفر بن محمد عليهما السلام يقول و عنده ناس من اهل الكوفة عجباً للناس يقولون اخذوا علمهم كلّه عن رسولِ اللّه صلي اللّه عليه و آله فعملوا به و اهتدوا و يَروْن انّا اهلَ البَيْت لم‌نأخذ علمه و لم‌نقتدِ به و نحنُ اهلُه و ذرّيّتُه في منازلِنا انزل الوحي و من عندِنا خرج الي النّاسِ العلمُ افتراهم علموا و اهتدَوْا و جهِلنا و ضلَلنا انّ هذا محال ه‍ ، امَّا لانّهم عليهم السلام كما كانوا اسبَاباً في الاسباب اي اسباب الاسباب في كلّ مقامٍ من مراتب وجودات الجواهر كذلك آثارهم اسباباً لٰاثارِ مَن سواهم قد تقوّمَتْ بٰاثارهم في مواۤدِّها و هيئاتها و امّا لانّهم مُعَلّمون بتعليمٍ كلّيٍ فلم‌يبق كلّي في الخلق و لا جزئيّ الّا اَوقَفوا كلّ من له اهليّة العَمَل في شئٍ من الاشياۤء مما يتصور في حق احدٍ من الخلق عليه اِمَّا بقوْل وَ اِمّا بعَمَلٍ و امّا لانّهم هادون بهداية اللّه و امّا بمعني التّوفيق فانَّ اللّهَ سبحانه بهم حبّب الي شيعتهم الايمان و زيّنه في قلوبهم اذ الحبّ من اللّه عز و جلّ و التّحبيب بهم و التّزيين انما هو اظهار آثار جمالهم عَلي ما شاۤء كما شاۤء لمن شاۤء هذا في آثار الطيّبين الطيّبات ظاهر و امّا كون آثارهم عليهم السلام في آثارِ الخبيثين الخبيثات فعلي نحو ما اشرنا اليه فيما سبق من نظاۤئرها لانّهم بما آتيٰهم اللّه من فضله سبقوا اهل الخيرات فيما عملوا من الاعمال الصّالحات فعملوا اعمالهم الصالحة بتعليمهم و هدايتهم و اتّباعاً لهم و اقتفاۤءً لٰاثارهم بل هم المُنَاة المقدّرون لكلّ شَئٍ منهم الموردون لهم حوض هدايتهم و ولايتهم الذّاۤئدُون لهم عن ورود حياض اعداۤئهم الشياطين الداعين الي النار و سبقوا اهل الشرور فيما عملوا من الاعمال الطالحة الخبيثة فعملوا الاعمال الطيّبة الصالحة تعليماً لهم ليقتدوا بهم فخالفوهم استكباراً عن امرهم و استنكافاً عن اتّباعهم فهم عليهم السلام المُناةُ المقدّرون لكلّ شئ منهم الذاۤئدون لهم عن ورود حوضهم باعراضهم لانّ حوضهم لايردُه احدٌ الّا بطاعتهم و امتثال امرهم و الاقتداۤء بهم اذ ليس له طريق الّا ذٰلكَ و ذلك لمّا قال تعالي لهم لعنهم اللّه في قوله تعالي و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرةً و قدّرنا فيها السّير قال تعالي لهم لعنهم اللّه سيروا فيها ليالي وَ ايّاماً آمنين فقالوا ربّنا باعِد بين اسفارنا يعني اجعل لنا طريقاً اليك و الي رضاك غيرهم لنصل اليك بدونهم و بغير واسطتهم فاخبر اللّه عنهم فقال و ظلموا انفسهم اي ارادوا من انفسهم ما لايمكن في حقّها او ظلموا وساۤئطهم عليهم السلام الي كلّ خير بارادة تأخيرهم عن مراتبهم الّتي رتّبهم اللّه فيها فان اللّه سبحانه بفضله عليهم جعلهم الدعاة اليه و الي رضوانه و لم‌يجعل لاحدٍ مِن خلقه طريقاً الي شئ من الخير الّا بواسطتهم فحاولوا تأخيرهم عن مرتبة الوساطة العاۤمّة و البابيّة المطلقة فظلموهم بدعواهم مراتبهم او ظلموا انفسهم بارادتهم منها ما لايمكن في حقّها الا بالوساطة المخصوصة فكان تركهم الاقتداۤء بهم مستلزِماً لضلالتهم لانّ مَن ترك الهِدَاية ركب الضلالة اذ لا واسطة بينهما و مستلزماً لكون الائمة صلّي اللّه عليهم ذاۤئدين لهم عن طريق الهداية باعراضهم عن طريقها و موردين لهم طريقَ الضّلالة باستحبابهم لها و ميلِهم اليها و ذلك كله باذن اللّه تعالي اما الاستلزام الاول فظاهر و امّا الاستلزام الثاني فلما ثبت انّه لايكون شئ الّا باذن اللّه و قدره و قضاۤئه و قد جعلهم عليهم صلوات اللّه اجمعين اولياۤء امره و قدره و قضاۤئه فهم بامره يعملون و هذا هو المراد من كلام الحجة عليه و علي آباۤئه الطاهرين صلوة اللّه و سلامه في دعاۤء شهر رجب المشهور الذي مرّ الاستشهاد به مراراً كثيرةً حيث يقول اعضاد و اشهاد و مُناةٌ و اذواد و حفظة و رُوّاد و قد تقدّم بعض بيان هذه الكلمات فقوله مُناة جمع ماني اي مقدّرون و اذواد جمع ذاۤئد اي يذودُون مَنْ شاۤؤا بامر اللّه و اذنه عمّا شاۤؤا الي ما شاۤؤا و قد تقدّم ذكر حديث ابي‌الطفيل عامر بن واثلة قال قلتُ يا اميرالمؤمنين اخبرني عن حوض النبي صلّي اللّه عليه و آله في الدنيا ام في الٰاخرة قال بل في الدُّنيا قلتُ فمن الذاۤئد عليه قال انا بيدي فليردنّه اولياۤئي و ليصرفن عنه اعداۤئي و في رواية و لاُوردَنَّهُ اولياۤئي و لاَصْرِفَنَّ عنه اعداۤئي الحديث ، و اوصيك وصيّة ناصح اَلَّاتستغرب هذه الاشياۤء اَوْ تنكرها فانّا لانريد بذلكَ انهم عليهم السلام فاعلون او خالقون او رازقون بل نقول اللّه سبحانه هو الخالق و الرازق و هو الفاعل لما يشاۤء وحده عز و جل لم‌نجعل له شريكاً في شئ الّا انّا نقول انه سبحانه لايفعل شيئاً بِذاته لتكرّمه و تنزّهه عن المباشرة و انّما يفعل ما يشاۤء بفعله و بمفعوله من غير تشريكٍ بل هو الفاعل وحدَهُ امّا فعلُه للشئ بفعله فهو انّه اذا اراد شيئاً كان ما اراد كما اراد من غير حركةٍ و لا مَيْل و لا انبعاثٍ و لا تفكّرٍ و لا رَوِيّة و ليس معه شئ يفعل به ما يفعل زاۤئدٌ علي فعلِه۪ لما فعل اذ ليس شئ غير ذاته المقدّسة و فعله و مفعوله فلا شئ يصح عليه اطلاق الشيئيّة الّا ذاته ثم فعله شئ بشيئيّة ذاتِه اي ان فعلَهُ انّما هو شئ بذاته تعالي و مفعوله انّما هو شئ بِفعلِه۪ و امّا مفعوله فهو تعالي يفعل بما شاۤء من مفعولاتِه ما شاۤء مِن صنعه مثلاً اذا اراد ان ينبت الحنطة خلق لها الارض بفعله او شئ من مفعوله و خلق الماۤء كذلك و خلق زيداً مثلاً يزرعها و خلق لزيد جميع ما يتوقّف عليه عمله من القوي و العلوم و تسليطه علي البذر و الماۤء و الارض فاذا القي البذر في الارض و سقاه كما علّمه اللّه و الهمه انبت اللّه سبحانه بهذه الاشياۤء التي هي مفعولاته ما شاۤء من صنعه فقال تعالي افرأيتم ما تحرثون ءَانتم تزرعونه ام نحن الزارعون و اللّه سبحانه هو الزارع وحده من غير تشريك مع غيره و كذلك ما خلق في الارحام كما روي انّه خلق ملكين خلّاقين يقتحمان الي البطن من فم امّه فهما يقدّرانه كما امرهما و كذلك ميكاۤئل جعله موكّلاً بالارزاق و هو تعالي وحده هو الرزاق ذو القوة المتين و كذلك ملك الموت جعله موكّلاً علي قبض الارواح قال تعالي قل يتوفّيكم ملك الموت الذي وُكِّلَ بكم مع انه تعالي قال اللّه يتوفّي الانفس حين موتها و اذا قلنا هو الفاعل سبحانه نريد انه يفعل بفعله لا بذاته لانّ كلّ فاعل لايفعل الّا بفعله و مرادنا بفعله الذي يفعل به ما شاۤء هو فعله و مفعوله فان مفعوله يفعل به كما يفعل بفعله لا فرق بينهما الّا بشيئين احدهما ان فعله احدثَهُ بنفسه و مفعوله احدثه بفعله و ثانيهما انّ فعله يفعل به كل ما سواه تعالي فهو عاۤم و كلّي و غير متناهٍ في تعلّقاته و لا اوّلَ له في الامكان و مفعوله خاۤصّ و جزئي و متناهٍ في تعلّقاتِه۪ بالنسبة الي الفعلِ لا مطلقاً فانه ايضاً غير متناهٍ بالنسبة الي نفسه و لَهُ اوّل في الامكان فانّ اوّله الفعل الذي به كان و هذا المقام من غامض الاسرار و سرّ الاقدار فان اتي له ذكر فيما بعد فتحتُ بابه الذي مافتح قبلي و مرادنا ان هذه الاشياۤء من الفاعلين و المفعولات و الافعال كلّها قاۤئمة في وجوداتها و في كل ما يصدر عنها و تفعله بفعله تعالي قيام صدور يعني كقيام الكلام بالنسبة الي نفَس المتكلّم و شفتيه وَ اضراسه و لهاته و حلقه و حركته فيها مع قيامه بالنسبة الي الهواۤء فلو صحّ عنهم عليهم السلام انّهم قالوا انا نفعل شيئاً من ذلك فليس فيه اشكال كما سمعتَ قوله تعالي في حق عيسي عليه السلام و اذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذني و لايلزم منه غلوّ و لا جبر و لا تفويض و لا شئ ينافي الحق بوجهٍ مَا لانه اذا ورد شئ من ذلك فمرادنا منه ما ذكرنا اوّلاً و هو كمال العبوديّة و الادلّة من الكتاب و السنّة جارية علي ذلك متواردةٌ فيه و انّما نتوقّف في صحة ورود ذلك عنهم و انت اذا عرفتَ هذه الجملة و امثالها لاترد عليك شبهة قطّ ،
و امّا كلام بعض العلماۤء بنفي كثير من هذا و حكمه بكفر مَن اتَي بشئ منه و لو بلفظة و ان لم‌يعرف المراد منها و تصحيح بعضهم لبعض الوجوه فليس الامر الواقعي كما قال النافي معمّماً و لا كما قال المصحّح مخصِّصاً لانَّ الصراط المستقيم ادق مما ذهبا اليه و انا انقل لك بعض عباراتهم و بعض ما كتبتُ عليها ليتبيّنَ لك اذا عرفتَ انّ الاستقامة في الدين في غير ما ذكروا و ان كان في بعض ما ذكروا حقّ اوْ حقّ للضعفاۤءِ و قد ذكرنا سابقاً شيئاً في ذلك و هنا احببتُ ايراد بعض كلامهم لما في نفسي مما اسمع من الجهّال لعلّ ناظراً في ذلك يذّكّر او يخشي قال الشيخ عبداللّه ابن نوراللّهِ البحراني في كتابه عوالم‌العلوم و هو من تَلامذة محمدباقر المجلسي و كلّ كلامِه او جلّه من البحار قال بعد نقله لاعتقاد الصدوق (ره‌) و نقل كلام المفيد (ره‌) عليه قال تتميم و تحقيق اعلم انّ الغلوّ في النبي و الائمة عليه و عليهم السلام انّما يكون بالقولِ بالُوهِيّتهم او بكونهم شركاۤء للّه تعالي في المعبوديّة او في الخلق او في الرزق او انّ اللّه تعالي اتّحد بهم اَوْ انّهم يَعْلمون الغيب بغير وحي او بالقول في الائمة عليهم السلام انهم كانوا انبياۤءَ او القول بتناسخ اَرواح بعضهم الي بعض او القول بان معرفتهم تغن۪ي عن جميع الطاعات و لا تكليف معها بتركِ المَعاصي و القول بكلٍّ منها الحاد و كفر و خروج عن الدّين كما دلّت عليه الادلّة العقلية و الٰايات و الاخبار السّالفة و غيرها و قد علمتَ انّ الائمّة عليهم السلام تَبرّؤا منهم وَ حكموا بكفرهم و امروا بقَتْلِهم و ان قَرَعَ سمعَك شئ من الاخبار الموهمة لشَئٍ من ذلك فهي امّا مُأوَّلة او هي من مفتريات الغلاة و لٰكن افرط بعض المتكلّمين و المحدّثين في الغلوّ لقصورهم عن معرفة الائمة عليهم السلام و عجزهم عن ادراك غراۤئب احوالهم و عجاۤئب شؤنهم فقدحوا في كثير من رواياتِ الثقات لنقلِهمْ بعض غراۤئب المعجزات حتّي قال بعضهم من الغلوِّ نفي السَّهْو عنهم او القول بانّهم يعلمون ما كان و مَا يكون و غير ذلك مع انه قد وردَ في اخبارٍ كثيرة لاتقولوا فينا ربّاً و قولوا فينا ما شئتم و لن‌تبلغوا و وَرد انّ امرنا صعب مستصعبٌ لايحتمله الا ملكٌ مقرّب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و ورد لو علم ابوذرٍّ ما في قلب سلمن لقتله و غير ذلك مما مرّ و سيأتي فلا بدّ للمؤمن المتديّن اَلّايُبادرَ بردّ ما ورد عنهم من فضاۤئِلهم و معجزاتهم و معالي امورهم الّا اذا ثبت خلافه بضرورة الدين بقواطع البراهين او بالٰايات المحكمة او بالاخبار المتواترة كما مرّ في باب التسليم و غيره ،
و امّا التفويض فيطلق علي معانٍ بعضُها منفي عنهم عليهم السلام و بعضها مثبَتٌ و الاوّل التفويض في الخلق و الرزقِ و الربوبيّة و الاِماتة و الاحياۤء فانّ قوماً قالوا انّ اللّه خلقهم و فوّضَ اليهم امرَ الخلق فهم يخلقون و يرزقون و يميتون و يحيُون و هذا الكلام يحتمل وجهين احدهما ان يقال انهم يفعلون جميع ذلكَ بقدرتهم و ارادتهم و هم الفاعلون حقيقة و هذا كفر صريح دلّت علي استحالته الادلّة العقليّة و النقليّة و لايستريبُ عاقل في كفرِ مَن قال به و ثانيهما ان اللّه تعالي يفعل ذلك مقارناً لارادتهم كشق القمر و احياۤء الموتَي و قلب العصي حيّةً و غير ذلك من المعجزاتِ فانّ جميع ذلك انما يحصل بقدرته تعالي مقارناً لارادتهم لظهور صدقهم فلايأبي العقل من ان يكون اللّه تعالي خلقهم و اكملهم و الهمهم ما يصلح في نظام العالم ثم خلق كلّ شَئٍ مقارِناً لارادتهم و مشيّتهم هذا و انْ كان العقل لايعارضه كفاحاً لكن الاخبار السالفة تمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهراً بل صراحاً مع ان القول به قولٌ بما لايعلم اذ لم‌يرد ذلك في الاخبار المعتبرة فيما نعلم و ما ورد من الاخبار الدالّة علي ذٰلك كخطبة البيان و امثالها فلم‌يوجد الّا في كتب الغلاة و اشباههم مع انه يحتمل ان يكون المراد كونهم عِلَلاً غاۤئيّة لايجاد جميع المكوّناتِ و انه تعالي جعلهم مُطاع۪ين في الارض و السموات و يُطيعهم باذن اللّهِ تعالي كلّ شئ حتي الجمادات و انهم اذا شاۤؤا امراً لايَردّ اللّهُ مشيتهم و لٰكنّهم لايشاۤؤن الّا ان يشاۤء اللّه و امّا ان الاخبار في نزول الملاۤئكة و الروح بكلّ امرٍ اليهم و انه لاينزل ملك الي السّماۤء لامرٍ الّا بدأَ بهم فليس ذلك لمدخليّتهم في ذلك و لا للاستشارة بهم بل له الخلق و الامر تعالي شأنه و ليس ذلك الّا لتشريفهم و اكرامهم و اظهار رفعة مقامهم ،
الثاني التفويض في امر الدين و هذا ايضاً يحتمل وجهين احدهما ان يكون اللّه تعالي فوّض الي النبي (ص‌) و الائمة (ع‌) عموماً ان يُحِلّوا ما شاۤؤا و يحرّموا ما شاۤؤا من غير وحي و الهام او يغيّروا ما اوحي اليهم بٰاراۤئهم و هذا باطل لايقول به عاقل فانّ النبي صلي اللّه عليه و آله كان ينتظر الوحي ايّاماً كثيرة لجواب ساۤئل و لايجيب من عنده و قد قال تعالي و ماينطق عن الهوي ان هو الّا وحي يُوحٰي ، و ثانيهما انه تعالي لما اكمل نبيّه (ص‌) بحيثُ لم‌يكن يختار من الامور شيئاً الّا ما يوافق الحق و الصواب و لايحلّ بباله مايخالف مشيّته تعالي في كل بابٍ فوّض اليه تعيين بعض الامور كالزيادة في الصلوة و تعيين النوافل في الصلوة و الصوم و طعمة الجد و غير ذلك مما مضي و سيأتي اظهاراً لشرفه و كرامته عنده و لم‌يكن اصل التعيين الا بالوحي و لم‌يكن الاختيار الّا بالالهام ثم كان يؤكد ما اختاره (ص‌) بالوحي و لا فساد في ذلك عقلاً و قد دلّت النصوص المستفيضة عليه فيما تقدم في هذا الباب و في ابواب فضاۤئل نبينا (ص‌) و لعلّه رحمه اللّه ايضاً انّما نفي المعني الاوّل حيث قال في الفقيه و قد فوّض اللّه عز و جل الي نبيّه (ص‌) امر دينه و لم‌يفوّض اليه تعدّي حدوده و ايضاً هو (ره‌) قد روي كثيراً من اخبار التفويض في كتبه و لم‌يتعرّض لتأويلها ،
الثالث تفويض امور الخلق من سياستهم و تأديبهم و تكميلهم و تعليمهم و امر الخلق باطاعتهم فيما احبّوا و كرهوا و فيما علموا جهة المصلحة فيه ( و ما لم‌يعلموا ظ ) و هذا حقّ لقوله تعالي و ما آتيٰكم الرسول فخذوه و ما نهيٰكم عنه فانتهوا و غير ذلك من الٰايات و الاخبار و عليه يحمل قولهم نحن المحلِّلون حلاله و المحرّمون حرامه اي بيانهما علينا و يجب علي الناسِ الرجوع فيها الينا و بهذا الوجه وَرد خبر ابي‌اسحق و الميثمي ،
الرابع تفويض بيان العلوم و الاحكام بما ارادُوا و رأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقولهم او بسبب التقية فيفتون بعض الناس بالواقع من الاحكام و بعضهم بالتقية و يبيّنون تفسير الٰايات و تأويلها و بيان المعارف بحسب ما يحتمل عقل كلّ عاقل و لهم ان يبيّنوا و لهم ان يسكتوا كما ورد في اخبار كثيرة عليكم المسئلة و ليس علينا الجواب كل ذلك بحسب ما يُريهم اللّه من مصالح الوقت كما وردَ في خبر ابن‌اشيم و غيره و هو احد معاني خبر محمد بن سنان في تأويل قوله تعالي لتحكم بين النّاس بما اريٰك اللّه و لعلّ تخصيصه بالنبي (ص‌) و الائمة (ع‌) لعدم تيسّر هذه التوسعة لساۤئر الانبياۤء و الاوصياۤء (ع‌) بل كانوا مكلّفين بعدم التقية في بعض الموارد و ان اصابهم الضرر و التفويض بهذا المعني ايضاً حق ثابت بالاخبار المستفيضة ،
الخامس الاختيار في ان يحكموا بظاهر الشريعة او بِعلمِهم و بما يلهمهم من الواقع و مخ الحقّ في كل واقعةٍ و هذا اظهر محامل خبر ابن‌سنان و عليه ايضاً دلّت الاخبار ،
السادس التفويض في العطاۤء فان اللّه تعالي خلق لهم الارض و ما فيها و جعل لهم الانفال و الخمس و الصفايا و غيرها فلهم ان يعطوا من شاۤؤا و يمنعوا من شاۤؤا كما مرّ في خبر الثمالي و سيأتي في مواضعه فاذا احطتَ خُبرا بما ذكرنا من معاني التفويض سهل عليك فهم الاخبار الواردة فيه و قد عرفتَ ضعف قول مَن نفي التفويض مطلقاً و لمّا لم‌يحط بمعانيه و اللّه يهدي من يشاۤء الي صراطٍ مستقيم انتهي كلامه ، و امّا ما كتبتُ عليه فقد كتبتُ عليه كلاماً قليلاً علي قدر هامشة الكتاب مجملاً يجمع لك ان فهمته طرق الحق في اقوال الفريقين من الغلاة و المفوّضة لان كثيراً ممّن يقال فيه بالغلوّ و هو في الواقع مقصّر في شأنهم عليهم السلام و امّا التفويض فالاخبار فيه كثيرة جداً بين نفي و اثباتٍ و انت اذا عرفتَ الامر الواقع من فعل الخالق و من الخلاۤئق عرفتَ التخلّص بطورٍ غير ما ذكره رحمه اللّه لانه نقل الاقوال و قدّر فيها بميزانه و كلّ احدٍ كذلك لان العيار الذي تزِن به العلماۤء واحد لايتعدّد و انّما يتعدّد بحسب افهامهم و لو خلص الحق لم‌يخف علي ذي حِجيً فكتبتُ هكذا : الحقّ الاَولي بالقبول هو ان جميع الاشياۤء لايستغني عن مدد اللّه تعالي في وجودها و بقاۤئها و في جميع احوالها فاعلةً او مفعولةً ذاتاً او صفةً جوهراً او عرضاً فلايكون شئ الّا باللّهِ و لايحدِثُ شئ شيئاً الّا باللّه و مع هذا كله فالعباد مستقِلّون بافعالهم لم‌يفعلوها مع اللّهِ و لايستغنون في شئ من افعالهم عنه تعالي فلم‌يفعلوا شيئاً بدون اللّه تعالي لا فرق في شئ من هذا كلّه بين محمد و آله صلي اللّه عليه و آله و لا بين غيرهم افهمتَ هذا ام لا فان فهمتَ جميع هذه الاشياۤء فقد كنتَ علي الحق فلاتكون غالياً اذ لاتري لاحدٍ فعلاً بدون اللّه و لا مشركاً اذ لاتري انهم فاعلون مع اللّهِ و لا كافراً كذلك اذ لاتري انهم فاعلون بدون اللّه و لا مفوّضاً اذ لاتري انهم بنعم اللّه فاعلون علي الاستقلال كما يفعل الوكيل عن موكّله و ان لم‌تفهم ما ذكرتُ لَك فان سكتَّ فربما تنجو و الّا فلا بدّ ان تقول باحد هذه الامور المهلكة اذا فارقتَ ما حدّدتُ لَك ، انتهي ما كتبتُ مختصِراً مقتصِراً لضيق الهامشة و اعلم ان جميع الامور من هذه و امثالها لاتستقيم منها شئ علي شئ من الحق الّا اذا كان مبنيّاً علي هذه الحدود الّتي حدّدتُ لك بقي فيما ذكر رحمه اللّه اشياۤء ربّما لاتبني علي هذه الحدود في ظاهر القول و هي قوله في الغلوّ انّ منه القول بانهم عليهم السلام كانوا انبياۤء ، و هذا حق من جهة التسمية و دعوي الوحي اليهم علي جهة التأسيس بغير واسطةٍ من البشر و من كون محمد صلي اللّه عليه و آله غير خاتم النبوّة و في كل ذلك ارتفاع لايخفي ،
و امّا القول بتناسخ ارواح بعضهم فهذا معني ليس فيه ارتفاع ليكون من الغلو الّا علي ارادة قدم نفوسهم و ذلك شئ آخر نعم القول بالتناسخ في نفسه و ان كان باطلاً لايوجب الكفر لكونه غلوّاً و لايكون باطلاً لذلك و انّما كان باطلاً موجباً للكفر لانّ من قال به يريد به قدم النفوس و انتقالها من جسم الي جسم و انه لا جنّة و لا نار و لا معاد فمن هذا كان باطلاً و القول به كفراً ،
و امّا القول بان معرفتهم تغني عن جميع الطاعات فكذلك ليس من الغلوّ بقولٍ مطلقٍ فانّ مِمَّن قال بذلك يريد به انّ الدّين الذي اراده اللّه من خلقه هو معرفة الرجال و الاعمال انّما هي اسماۤء الرجال و لهذا يقول به في اعداۤئهم و يري ان الفحشاۤء فلان عدوّهم فاذا عرفه اتي بما امره اللّه و ان زَنَي و يقول انّ معني صلّوا اي توالوا الامام عليه السلام لا ذات الاركان فاذا توالي كفاه ذلك و ان لم‌يصل و ان معني لاتزنوا اي لاتتوالوا فلاناً فاذا تبرّأ منه كفاه و ان زني فهؤلاۤء ليسوا من الغلاة و ان حكم عليهم بالكفر من جهة انكارهم لضروريات الدين نعم لو انّ شخصاً رأي بان معرفة الامام عليه السلام تغني عن العمل لانه عليه السلام هو المعبود و معني عبادته معرفته كان غالياً ،
و امّا قوله في الردّ علي المقصّرين فيهم عليهم السلام حتّي قال بعضهم من الغلوّ نفي السهو عنهم او القول بانهم يعلمون ما كان و ما يكون الخ ، فليس بصحيح علي عمومه امّا في نفي السهو عنهم فان اُريد انّهم لايسهون بتأييد اللّه و تسديده و عصمته لهم فهو حسن و ان اريد به ان ذلك من انفسهم فهو باطل و كذلك في العلم و ما ورد من الاخبار التي يشير اليها فالمراد منها هذا فان المخلوق لايستغني عن الخالق سبحانه طرفة عين في كلّ شئ فمن لم‌يلاحظ هذا المعني فيهم في جميع احوالهم فهو غالٍ ملعون ،
و امّا قوله في التفويض و ثانيهما ان اللّه تعالي يفعل ذلكَ مقارِناً لارادتهم كشق القمر الخ ، فهذا و ان كان في معني التفويض في الجملة يمكن قبوله علي وجهٍ لكنه كلام ليس بصحيح لان قوله يفْعل ذلك مقارناً لا معني له في التفويض و لا في نفس الامر امّا في التفويض فيراد منه انه تعالي فوّضَ اليهم شيئاً اي اوصل و انهي و امّا انه يفعل مقارناً فايّ معني للتفويض في هذا و امّا نفس الامر فلا معني للمقارنة بافعاله تعالي فانه تعالي اذا جعل شيئاً سبباً لشئ ليس المراد انه يفعل ذلك الشئ مقارناً لذلك السبب لان المقارن لا سببيّةَ لَهُ بوجهٍ ما و انّما المراد انّه تعالي يفعل ذلك الشئ بذلك السبب كأَنْ يكون سبباً ماۤدّيّاً او سبباً صوريّاً كالمشخصات السّتّة و ما يلزمها و يلحق بهَا و قوله و ان كان العقل لايعارضه كفاحاً الخ ، فان الاخبار السابقة انما تمنع منه اذا اريد منه علي النحو الذي ذكر و لو اريدَ به ما اشرنا اليه سابقاً كانت الاخبار السابقة و اللاحقة داۤلّة عليه و داعية اليه و ذلك لان اللّه سبحانه خلقهم علي هيئة مشيّته و صورة ارادته و اودعهم اسمه الاكبر الذي هو سرّ سلطنتِه في بريّته و اخذ علي جميع الاشياۤء الميثاق بطاعتهم التي هي شرط تكوّنها كما اشار اليه الحسين عليه السلام في الحديث المذكور في ترجمة عبداللّه بن شدّاد حين عاده و هو مريض فهربت الحمّي من عبداللّه فقال قد رضيتُ بما اوتيتم به حقاً و الحمّي لتهرب منكم فقال عليه السلام له واللّهِ ماخلق اللّه شيئاً الّا و قد امرهُ بالطاعة لنا يا كبّاسة فاذا نحن نسمع الصوتَ و لانري الشخص يقول لبّيك قال اليس اَمركِ اميرالمؤمنين عليه السلام اَلّاتقربي الّا عدوّاً او مذنِباً لكي يكون كفارة لذنوبه الحديث ، و قد تقدّم فقول الحمّي له عليه السلام لبّيك حين ناديها و قوله عليه السلام لها الم‌يأمركِ اميرالمؤمنين عليه السلام بيان لقوله عليه السلام واللّهِ ماخلق اللّه شيئاً الّا و قد امره بالطاعة لنا و ذلك ظاهر في ان جميع الاشياۤء تمتَثِل امرهم و قوله (ره‌) في تعليله انه لم‌يرد ذلك في الاخبار المعتبرة ، ليس بشئ لانّ الاخبار المعتبرة فيه لاتكاد تحصي مثل امر الهادي عليه السلام لصورة السبع التي في مسند المتوكل فقام سبعاً فاكل الساحر الهندي و امر الرضا عليه السلام لصورتي السبع اللتين في مسند المأمون فقاما سَبُعَيْن فاكلا خادم المأمون حين سبّ الرضا عليه السلام و امثال هذا في الاخبار المعتبرة كثير جدّاً و في القرءان المجيد و هم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم و كيف ينكر هذا و امثاله و يقبل ما هو اعظم في حقّ الملاۤئكة الذين هم من سَاۤئر خدّامهم و بنحو ما تجوّزه في الملاۤئكة الذين فيهم موكّل بالسحاب و تصريف الرياح و تقدير الموت و الحيوة و الرّزق و الخلق و غير ذلك تجوّزه فيهم بالطريق الاولي اذ لايجوز شئ من ذلك لاحد من الملاۤئكة مع كثرة وروده في حقهم و صحته و ثبوته عند جميع المسلمين الّا بشرط ان يكون علي وجه لايلزم منه الغلوّ و لا التفويض كما انا لانجوّز شيئاً في حقّهم حيث يرد عنهم الّا علي وجهٍ لايلزم منه الغلوّ و لا التفويض ثمّ انّي اراك تقبل كل ما وردَ من هذا النحو في شأن الملاۤئكة غافلاً عن اشتراطِ هذا الشرط و تتوقّف في قبول شئ مما ورد في شأنهم عليهم السلام مع اشتراط هذا الشرط هذا مع انّك تظهر انّهم افضل من الملاۤئكة و ان الملاۤئكة خدامهم و خدّام شيعتهم تلك اذاً قسمة ض۪يزَي و قوله فيما عدا المعجزات لا معني له لان ما عدا المعجزات هو ما يعمله عاۤمّة الناس و انّما يتوقّف مَن يتوقّف فيما تعجز عنه البشر و هو المعجز و امّا غير المعجزات فهو ما تعمله العاۤمّة من الاكل و الشرب و النكاح و الكتابة و امثال ذلك مما يعمله ابْناۤء النوع من غير الخارق للعادة فلعلّ توقُّفك انّما هو في تمكّنهم من الاكل و الشرب و عدمه لئلّايلزمَك اذا نسبتَ اليهم فعل الاكل و الشرب القول بالغلوّ او التفويض ماادري كيف هذا الكلام و ما اعجبَهُ و امّا احتماله ارادة كونهم عللاً غاۤئيّة للايجاد الخ ، فيمكن تصحيحه علي طورٍ آخر غير ما ذكره و كذا قبول طلبتهم و ارادتهم و ما ذكره من الوجه الثاني من المعني الثاني فصحّته علي طورٍ فوق ما ذكره فاذا اردت حقيقة ذلك فاطلبه فيما سبق من كلامنا في هذا الشرح و كذلك باقي ما ذكر من المعاني لان فهمه لهذه الاشياۤء بعقل النقل عن القاۤئلين بذلك لا بعقل النقل عنهم عليهم السلام و اعلم اني ذكرتُ هذه الكلمات في غير محلها لان محلها ما سبق في قوله عليه السلام و مفوّض في ذلك كله اليكم الّا اني هناك اقتصرتُ و هُنا حصل موجب في وقت الكتابة فاستطردت هذه النبذة و لا حول و لا قوة الّا باللّه ،
و قوله عليه السلام : و قبوركم في القبور ،
المعني فيه كالمعني المراد مما قبله و المراد من القبور هذه الاجداث الظّاهرة و الرموس الطاهرة التي دفنوا فيها و يحتمل ان يراد بها الطّباۤئع التي استجنّت فيها العقول و الارواح و النفوس متمازجةً غير متمايزة ظاهراً و ذلك قبل التفصيل الثاني لان هذه الامور الثلاثة كانت في الهيولي الاولي الجوهرِيّة بالقوّة متمايزة و بالفعل متمازجة و قبلها كانت متمايزة بالفعل لم‌تسبق هذه الحال لها حال كانت فيه متمازجة لا بالفعل و لا بالقوة لانها في توحّدها الاوّل لا تكثّر فيها تكثّر تعدّدٍ و انّما خصصنا بالنفي تكثر التعدّد لا مطلقاً اذ لم‌تخلق بسيطةً كما قال الرضا عليه السلام و لم‌يخلق شيئاً فرداً قاۤئماً بنفسِه دون غيره للذي اَرادَ من الدلالة علي نفسِه۪ و اثبات وجوده ه‍ ، بل انّما برز كلّ شئ في الوجود متكثّراً تكثّر تركيبٍ اذ لا بدّ لكلّ موجودٍ من ان يكون له اعتبارانِ اعتبار من ربّه و هو وجوده و اعتبار من نفسه و هو مائيّتُه و هذا اشدّ الاشياۤء المكوّنة بَساطةً فهو واحدٌ في الكون الجوهري ثمّ تنزّل الي الكون الهواۤئي ثم تنزّل الي الكون الماۤئي فكان في الكون الاوّل عقله وحده و في الكون الثاني روحه فحصل اثنان متمايزان و في الكون الثالث نفسه فحصلتْ ثلاثة متمايزة بالفعل لم‌تسبق بتمازج قطّ لا بالفعل و لا بالقوة فلمّا نزلت الي هذه المنزلة كانت فيها متمازجة بالقوّة و متمايزة بالفعل فلما نزلت الي الطبيعة المسمّاة بالقبر المعنوي كانت الثلاثة فيها متمازجة بالفعل متمايزة بالقوة فالثلاثة في الدنيا كالثلاثة قبل الطبيعة و هي في القبور بعد الدنيا كهي في الطبيعة هذا بقول مطلق في الجملة و الّا ففي الحقيقة انّما يكون هذا التشبيه و يجري فيمن لم‌يمحض الايمان محضاً و الكفر محضاً و اما من محض الايمان محضاً و الكفر محضاً فامتزاج الثلاثة انّما يكون في الرّحلتين رحلة الخروج من الدنيا الي القبور و رحلة الخروج من القبور الي المحشر مثل دخولك في النوم الي ان تنام فيعود التمايز و خروجك من النوم الي اليقظة فيعود التمايز و كذلك في الرحلتين الاوّلتين رحلة الدخول في الطبيعة و رحلة الخروج منها فالطبيعة هي القبر الاوّل قبل الدّنيا و هو المشار اليه بقوله تعالي كيف تكفرون باللّه و كنتم امواتاً فاحيٰكم ثم يميتكم ثم يحييكم يعني و كنتم امواتاً قبل هذه الدنيا و ذلك بعد ان كلّفهم في عالم الذّرّ فقال لهم الستُ بربّكم قالوا بلي فاجاب من اجاب و انكر من انكر و سكتَ من سكتَ ثم كسرهم في الطبيعة فكانوا طيناً و تراباً ثم احياكم اي بعثكم من قبور طباۤئعكم كما قال تعالي اومن كانَ ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في النّاسِ نزلت في شأن مَن كانوا اَمْوَاتاً بالكفرِ وَ النفاق و قولنا اَنَّ المعني في هٰذَا كالمعني يشمل كلّما ذكرنَا هنا فيكون المعني افدي قبوركم ما بين القبور و علي الظَّرْفيّة يكون المراد ان قبورهم الطَّبيعيّة في ساۤئر القبور الطبيعيّة لغيرهم بالقيوميّة اما الطّبيعية الطيّبة فبباطن طباۤئعهم و امّا الخبيثة فبظاهرهَا من قبلها و لهذا اخبر تعالي عن موت طباۤئع مَنْ سواهم الّا مَن جعل له نوراً من طباۤئعهم عليهم السلام احياه به و جعله يمشي به في الناس ففي الكافي بسنده الي بُرَيْد قال سمعتُ اباجعفر عليه السلام يقول في هذه الٰاية ميتاً لايعرف شيئاً و نوراً يمشي به في الناسِ اماماً يأتمّ به كمن مثله في الظلمات لايعرف الامام و في تفسير العياشي مثله و فيه عن بريد العجلي قال سألتُ اباجعفر عليه السلام عن هذه الٰاية قال الميت الذي لايعرف هذا الشأن يعني هذا الامر و جعلنا له نوراً اماماً يأتمّ به علي بن ابي‌طالب كمن مثله في الظلمات قال بيده هكذا هذا الخلق الذين لايعرفون شيئاً و في مناقب ابن‌شهراشوب قال الصادق عليه السلام كان ميتاً عنّا فاحييناه بنا و في تفسير علي ابن ابراهيم قال جاهلاً عن الحق و الولاية فهديناه اليها و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس قال النور الولاية و في الكافي عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال في حديث طويل و قال اللّه عز و جل يخرج الميت من الحي و يخرج الحي من الميت فالحيّ المؤمن الذي يُخرج طينته من طينة الكافِر و الميت الذي يخرج من الحيّ الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن فالحيّ المؤمن و الميت الكافر و ذلك قوله عز و جل اومن كان ميتاً فاحييناه فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر و كانت حياته حين فرق اللّه عز و جل بكلمته كذلك يخرج اللّهُ عز و جل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها الي النور و يخرج الكافر من النور الي الظلمة بعد دخوله في النور و ذلك قوله تعالي لينذر من كان حيّاً و يحق القول علي الكافرين و قوله تعالي احييناه و جعلنا لاينافي ما اشرنا اليه من القيّوميّة المرادة من الظرفيّة لِاَنّ قيوميّة الخلقِ انّما هي شئٌ و قيّوميّةٌ بامر اللّه و فعله و قوله عليه السلام حين فرّق اللّهُ بينهما بكلمته المراد بالكلمة فيه هي الفعل و هي المشيّة و الارادة المعبر عنهما بِكُنْ بلْ علي قوله حين فرّق الي آخره تكون تلك القيوميّة قيوميّة فعله امّا لانّ القيوميّة حقيقة انّما هي قيوميّة فعله عز و جل او لأنّ طبايعهم عليهم السلام ايضاً فعله لأنا قد بيّنّا فيما سبق ان فعله لما شاۤء ليس بذاته و انما هو بفعله او بمفعوله و انّ مفعوله فعله لمفعولات ذلك المفعول و هو المشار اليه بقوله عليه السلام و القي في هويّتها مثالَهُ فاظهر عنها افعالَهُ ه‍ ، اذ لو لم‌تكن افعال مفعوله مفعولاتٍ له تعالي بفعله الذي هو مفعوله لكانت مفعولاتٍ لمفعوله بدونه تعالي فيلزم التفويض المستلزم لأثباتِ الشريك له في ملكه تعالي عمّا يشركون كما انّه لو كانت مفعولاتٍ له بدون مفعوله لزم الجبر سبحان اللّه عمّا يَصِفُونَ و ليس قولنا انها مفعولاتٌ له تعالي بمفعوله انا نريد انّها حدَثَتْ به۪ تعالي مع مفعوله بل هُوَ عزّ و جلّ واحد في فعله لايشرك احداً و المفعول مستقِلّ بفعله وحده و لايفعل الّا ما شاۤء اللّهُ و المراد ان اللّه سبحانه يحدثُ مادة الفعل بالعبد و العبد يحدثُ صُورة الفعل باللّهِ و اللّه سبحانه يخلق العمل من تلك المادة و تلك الصورة و ذلك العمل المخلوق من تلك المادة و تلك الصورة هو الثّواب و العقاب و لذلك اختصّ ذلك الثواب او العقاب بذلك العبد دون غيره انّ في ذلك لعبرةً لاولي الالباب كلّ هذا و امثاله ممّا تقدم مبْني علي الصنع بالاسباب لاجل التعريف و البيان و ترجيحاً لجانب اللطف بالعباد و الّا فانه عز و جل سبب مَن لا سبب لَهُ و سبب كلِّ ذي سَبَبٍ و مسبّبُ الاسباب من غير سبب ما شاۤء اللّه كان و ما لم‌يشأ لم‌يكن حسبنا اللّه و نعم الوكيل .
قال عليه السلام : فما احلي اسماۤءكم و اكرم انفسكم و اعظم شأنكم و اجَلّ خَطَركم و اوفي عهدَكم
قال في القاموس الحُلو بالضم ضدّ المرّ حلي كرضي و دَعا و سرق حلاوةً و حلواً و حُلواناً بالضمّ و احلولَي و حلِي الشئ كرضِيَ و استحلاه و تحلّاه و احلولي بمعنيً و قولٌ حَلِيٌّ كغنيٍّ يحلولَي في الفم و حلي بعيني و قلبي كرضِيَ و دعا حلاوةً و حَلْواً و حُلواناً او حلي في الفم و حلي بالعين انتهي ، و في غيره ما يقرب من معناه فالحلاوة هي ما يلايم في كلّ شئ بحسبه و ما يلذّ له و تستعمل للحسّيّة و المعنويّة فالحسّيّة تدرك باللسان للقوّة الذاۤئقةِ و بالانف للقوّة الشّاۤمّة و بالعين للقوّة الباصرة و بالاذن للقوّة السامعة و بالبشرة للقوّة اللامسة فالملايم لها حلاوة و المنافر لها ضدها ، و المعنويّة قسمان باطنة و معنوية فالباطنة خمس الحس المشترك و فعله ادراك الخيالات الظاهرة و المراد انه قوة مركّبة من بين الحِسَّيْن الظاهر و الباطن و هو معني كونه مشتركاً فتدرك به كونَ الشئ الواحد اذا ادَرْتَهُ كرةً و هذا الشَخص المسمّي بالحس المشترك له عينان العين اليمني من الحواس الباطنة و العين اليُسْري من الحواس الظاهرة لان اليمني تنظر بالماۤء الذي وضع الخيال كرسيّه عليه مثلاً اذا نظرتَ الي شئ ادرتَهُ انطبعت صورة ذلك الشئ نفسه في عين هذا الشخص اليسري و انطبعَتْ دَوْرَتُهُ في عينه اليمني فرأيتَ دائرة لم‌يجدها هذا الشخص الّا في ذلك الماۤء الذي وضع الخيال كرسيَّهُ فيه فيستحلي ما لايَمهُ و الثاني الخيال قيل انه واضع كرسيّه علي الماۤء و طبعه ماۤئل الي الرطوبة و هو كثير النسيان لكنه سريع الانفعال بما يرد عليه و الثالث الوهم قد وضع كرسيّه علي النار و طبعه ماۤئل الي اليبوسة قيل انه بعيد الفهم الّا انه اذا فهم لاينسي كذا قيل و هذا الشخص مثل منه من ظاهره فيما يسطو به علي اعداۤئه و امّا حقيقته فانه قد وضع كرسيّه علي النهر الذي يصبّ في الحوض و طبعه بارد فيما يلقي به اولياۤءه و الرابع الفكر قيل انه وضع كرسيّه في الهواۤء و طبعه ماۤئل الي البرودة يكذب و يتّهم و يفتري فيها و يحكم علي الذي لايعرف فلايلتفتُ اليه و قيل ان لونه اشهب و طبعه يتقلّب و هو مظهر عطارد الكوكب فهو ابداً يكتبُ و الخامس الحفظ قيل هو شخص قد وضع كرسيّه علي الارض و طبعه ماۤئل الي الاعتدال و هو يحفظ افعال البوّابين كلّها قيل و هو الشخص الذاكر الذي قد وضع كرسيّه علي الماۤء و طبعه ماۤئل علي ( الي ظ ) الحرارة و الظاهر انّ وجه اختلاف الطبعين و محلّ الكرسي انّما هو بالنظر الي حالتي هذا الشخص فانه انما سمي ذاكراً لانّه لايكون حافظاً مع النسيان و اذا لوحظ كونه ذاكراً انّما يلاحظ في حالة تَلَقّ۪يه من البوابين و هذه حالة يضع فيها كرسيه علي الماۤء لان الماۤء منه القوّة الدافعة و هذه الحالة ايضاً تقتضي الحرارة لانها حالة الطلب و الاخذ من البوابين و اذا لوحظ كونه حافظاً انّما يلاحظ في حالة اطمئنانه و سكونه عن الاخذ و الطلب و هو في هذه الحالة قد وضع كرسيه علي الارض لان القوّة الماسكة منها و طبعه حينئذٍ الاعتدال يعني عدم حرارة الطلب و التلّقي فهذه الخمسة حلاوتها ما يلايمها بنسبته و المعنويّة عندنا ما يجدها العقل و يدركها بغير واسطة من الروح و النفس و غيرهما و امّا ما تدركه الروح فله اعتباران من حيث عدم تمام الصورة يقال له معنوي اذا ادركته بغير واسطة و من حيث انّ ما فيها انّما هو المُضَغ المعنويّة و هي مخلّقة و غير مخلّقة يقال له باطني فيلحق بالاعتبار الاوّل بالعقل و بالاعتبار الثاني بالنفس ثم انه قد تقدّم انّ الاسم يطلق علي اللفظي و غيره و هو النقشي و التصوّري و العددي و المعنوي الذي هو الصفة كالنور للشمس فاللسان يدرك الاسم المعنوي و يجد حلاوته بالقوّة الذاۤئقة و قد تقدّم الاشارة الي ذلك عند قوله عليه السلام و اسماۤؤكم في الاسماۤء مما دلّت عليه الاحاديثُ المتكثّرةُ و قد ذكرنا فيما مضي بعضاً منها في البطّيخ و غيره من طرق العاۤمّة و الخاۤصّة بانهم عليهم السلام عرضت ولايتهم علي كلّ شَئٍ فما قبلها استحلي و ما لم‌يقبلها مرّ و خبث مع قول علي عليه السلام كما مر لسلمٰن انا الذي كُتب اسمي علي العرش فاستقرّ و علي السموات فقامت و علي الارض فرست و علي الريح فذرت ( فدارت خ ) و علي البرق فلمع و علي الودق فهمع و علي النور فسطع و علي السحاب فدمع و علي الرعد فخشع و علي الليل فدجَي و اظلم و علي النهار فانار و تبسّم ه‍ ، و الاسم هو الصفة كما تقدم عن الرضا عليه السلام لما سئل ما الاسم فقال صفة موصوف فان قلتَ انّ هذه الاخبار من موضوعات الغلاة و لو سُلِّمت كان معناها غير هذا لانّ ما تقول غير معقول قلتُ الاحاديث الدالّة علي هذه المعاني روتها اعداۤؤهم الذين يبالغون في اطفاۤء نورهم و محو فضاۤئلهم و انت يا محبّهم الذي عرّضكَ اللّه لخيرهم و خلقك لتكون مظهراً لفضاۤئلهم حاولتَ في اطفاۤء انوارهم و محو فضاۤئلهم بطَوْرٍ لم‌تصل اليه اَعْداۤؤهم فلعلّك لستَ الصديقَ الذي قال فيه الشاعر :
احذر عدوَّكَ مرّةً       ** * **      و احذر صديقَكَ الفَ مرّة
فلربّما انقلَبَ الصديق فكان اعلَم بالمضرّة
و ايضاً سلّمنا انّ فيها احاديثَ مكذوبة لكن لانسلّم انها كلّها مكذوبة بل اكثر ما فيها متواتر المعني و الحكمة ضالَّةُ المؤمن حيثما وجدها اخذها ثم فأيّ ضررٍ تخافه و اي محذورٍ تخشاه في ذلك فان كنت تقول اخاف الكفر و الغلو فتدبّر ما بيّنتُ لكَ في مواضعَ كثيرةٍ من هذا الشرح يظهر لك علي جهة القطع و الضرورة انّك مع هذا القول من المقصّرين لا من الغالين فان قلتَ من اين لك هذه التوجيهات الغريبَة و التأويلات البعيدة قلتُ لك ليسَتْ بعيدة و انّما استبعدتها لعدم انسِك بها انهم يرونه بعيداً و نراه قريباً علي انّك تدبّر كلامي و لاتستعجل فان اللّه سبحانه يقول بل كذّبوا بما لم‌يحيطوا بعلمه و لمّايأتهم تأويله و الشاعر يقول :
فهب انّي اقول الصبح ليلٌ       ** * **      ايعمَي الناظرون عن الضياۤءِ
و انا انّما قلتُ عن الدليل القطعي الضروري و دليلي علي هذه الدعوي انّك تأمّل كلامي من غير معارضة حتّي تفهمه فاذا فهمته كما اردتُ فيما اوردتُ و لم‌يحصل لك القطع البديهي فاعلم اني مفترٍ كذاب و الميعاد يوم الحساب ان افتريته فعليّ اجرامي و انا بريۤ‌ء ممّا تجرمون و الانف يشمّه و لقد روي ما معناه انّ فاطمة عليها السلام لمّا وضعتها خديجة رضي اللّه عنها بل عليها سلام اللّه لانها وعاۤء السلام و نورِ دار السلام لمّا وضعتها فاحَ الطيب حتّي ملأ جميع الارض و الٰافاق كلّها كما ان الشمس اذا طلعت اشرق اسمها علي جميع الٰافاق كذلك الحوريّة القدسية صلي اللّه عليها و علي ابيها و بعلها و بنيها لما طلعت في هذه الدار فاح الطيب الذي هو اسْمُهَا علي ما قرّرنا لكَ و العين تدرك بالقوّة الباصرةِ الاسم المعنوي و الاسم النَّقشي اما ادراك العين لحلاوة الاسم المعنوي فظاهر لانّ الاَلوان الجميلة و الرياش من اللباس و الهيئات الحسنة و الصُّور الجَميلة المستحسنة في ساۤئر الحيوانات و ساۤئر النباتات و ساۤئر المعادن و الجمادات من جميع الصّفات من الالوان و المقادير الهندسيّة و الاشكال و الصقالة و الشّفافيّة و الصلابة فيما يستحسن فيه و اللّ۪ين كذلك و الخفّة فيما تستحسن فيه و الثقل كذلك و الحاصل جميع الصفات و اضدادها فيما يستحسن فيه و تدرك الاذن بالقوّة السَّامعة ما كان صوتاً او ظلّ صوتٍ كالصدا و كذلك البشرة تدرك بالقوّة اللامسة ما كان كيفيّة من حرارة و برودة و رطوبة و يبوسة و مَا كان صلابة و ليناً و ما كان هندسة و الحاصل ما اشير اليه من كونه مدركاً عند ذكر العين منه مدرك للباصرة و اللّامسة و منه مدرك للباصرة و منه مدرك للّامسة و كلّ ذلك اسماۤؤهم و اسْمَاۤء اسماۤئهم فما كان مستحسناً بنسبة ملايمة المدرك اَدْرك حلاوته و كذلك الحواۤسّ الباطنة فانَّها لاتُدرِك في محاۤلّها الّا الاسماۤء المنتزعة من الجواهرِ وَ الاَعْراض و هي اسماۤؤهم و اسماۤء اَسْماۤئهم علي نحو ما ذكرنا في الحواۤسّ الظاهرة فاسماۤؤهم اللّفظيّة يدرك حلاوتها اللسان لسلامتها من الغرابة و التعقيد و التنافر و ما اشبهها المتعلّقة بمواۤدّ الاسماۤء و هيئاتها فلايكون اسلس منها عند النطق بها و الاذن كذلك في اصواتها في مواۤدّها و هيئاتها فاللفظية للأذن و الرقمية للعين و الصورية للخيال و المعنوية للعقل و العددية و المعنوية فكرية او عقلية روح الرقميّة و اللفظية فالعدديّة قوي اللفظية و كميّة تنزل المعنويّة فاذا تنزّلت في الاستنطاق ظهرت باسماۤئها كما قيل ان بيّنات اسم محمد صلي اللّه عليه و آله زبر اسلام فلمّا تنزّلت اعداد بيّناته ظهرت باسمها و هو اسلام الذي هو صفة النبوة و اثرها لانّ البيّنات صفة الزُّبر و اسمه فبيّنات اسم محمد صلي اللّه عليه و آله : ي م ا ي م ا ل ، و عددها مائة و اثنان و ثلاثون و هو عدد زُبر اسلام لانّه واحد و ستون و ثلاثون و واحد و اربعون و هي مائة و اثنان و ثلاثون و بيّنات اسم عليّ عليه السلام زُبر ايمان لان بيّنات اسمه : ي ن ا م ا ، و ذلك مائة و اثنان و انّما كان نفس بيّنات اسم عليّ عليه السلام ايمان من غير جمع و لا استنطاق بخلاف بينات اسم محمد صلي اللّه عليه و آله فيحتاج في ظهور اسلام منها الي جمع اليائين الي م ليكون سيناً لظهور الايمان من صفته عليه السلام لاختصاصه و عدم اشتراكه بغير المؤمنين بل هو علامة المؤمنين و محَكّ الايمان و النّفاق لانه الميزان الحقّ حتي انه روي انّ عايشة قالت :
اذا ما التّبرُ حُكَّ علي مَحَكِّ       ** * **      تبيّنَ غِشُّه من غير شَكِّ
و فينا التّبْرُ و الذهبُ المُصَفَّي       ** * **      عَلِيٌّ بينَنا شِبْهُ المحَكِّ
و هو اليمين التي قبض سبحانه بها قبضةً فقال للجنّة و لااُبَالي و لم‌يشترط لنفسِه۪ في ذلك البداۤء و امّا محمّد صلي اللّه عليه و آله و ان كان اصل الخير و الهدي و انّما عَلَا عليٌّ عليه السلام بعُلوِّ محمد صلي اللّه عليه و آله و تشرف بشرفه فانه كان في الظاهر مشترك الاتّباع فلم‌تكن نفس بيّنات اِسمه۪ اسلام الّا بالجمع لان من اتباعه مَن ليس من الاسلام في شئ فاذا جمع اي ضمّ كلّ شئ الي اصله خلص به الاسلام الذي يجري عليه ظاهر الشريعة و لاجل هذا الاشتراك قالَ صلي اللّه عليه و آله ما اختلفوا في اللّهِ و لا فِيَّ و انّما اختلَفُوا فيك يا عليّ فاذا جرت اعداد اسماۤئهم كما سمعت علي الخيال وجد لذّة الاستقامة في الاستنطاق لموافقته الطبع من غير تكلّف فلاجل ما يجد من حلاوة اسماۤئهم ينشرح الصدر بحلاوة المعرفة و طعم الايمان و ان كان قد اختلفوا في حلاوة الايمان هل هي معقولة ام محسوسة في قوله عليه السلام حرام علي قلوبكم ان تجد حلاوة الايمان حتي تذهب في الدنيا و ظاهر الحديث في قوله علي قلوبكم انها معقولة و الحقّ انها في العقول في ما يتعلّق بالجنان معقولة و فيما يتعلق باللسان و الاركان محسوسة و ليس الشرح الّا بالهدي كما قال تعالي فمن يرد اللّه ان يهديَهُ يشرح صدره للاسلام و هو تأويل قوله تعالي اللّه نزّل احسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم الي ذكر اللّهِ ذلك هدي اللّه يهدي به من يشاۤء و قال تعالي فبشّر عبادي الذين يستمعون القول فيتّبعون احسنه اولۤئك الذين هداهم اللّه و اولۤئك هم اولوا الالباب و احسن القول هو الامام كما في قوله تعالي و لقد وصّلنا لهم القول لعلّهم يتذكرون ، في الكافي في هذه الٰاية عن الكاظم عليه السلام امام الي امامٍ و في تفسير علي بن ابراهيم عن الصادق عليه السلام امام بعد امامٍ و امّا المعنوية فما تدرك به عقول شيعتهم من البصاۤئر فممّا كتب عليها من اسماۤئهم كما كتب اسم الشمس علي الارض فاشرقت بذلك الاسم اي بنورها و كذلكَ ما تدركه ارواحهم و نفوسهم و ساۤئر مشاعر الانسان و حواۤسُّهُ فكلّه امّا اسماۤؤهم اوْ اسماۤءُ اسماۤئهم و ليس في شئ ممّا ادركه من اسماۤئهم اوْ اسماۤءِ اسماۤئهم منافرة له بل كلها ملايمة محبوبة و هي الحلاوة المرادة و قد توجد الملايمة في شئ غير ما ينسب لهم الّا انه بحالٍ دون حالٍ كما في بعض ما علي الارض الذي جعله اللّه زينةً لها ليبتَلي به عباده ايّهم احسن عملاً فان امثال ذلك قد يستحسن في حال النّظر الي زينة الدّنيا و لو نظر الي زوالها و فناۤئها لم‌يستحسن فحلاوته لايتعجّب منها و امّا ما ينسب اليهم صلي اللّه عليهم فهو مستحسن في كلّ حال فلذا صحّ علي الحقيقة ان يتعجّب من كمال ملايمته و لزومها فيقال ما احسن ذلك و ما احلاه فلذا قال عليه السلام فما احلي اسماۤءكم و مرادنا باسماۤءِ اسماۤئهم ما كان اسماً لافعالهم الحقيقيّة و افعال شيعتهم التي اخذوها عنهم و تابعوهم بها فانها و ان كانت اسْماۤء شيعتهم الّا انّها اسماۤء اسماۤئهم لأنّ مسمّياتها امّا شيعَتهم او افعالهم و كلُّ ذلكَ اسماۤؤهم فاذا صح ان يراد بالاسماۤء ما هو اعم من اللفظيّة كما دلّت عليه الروايات و غيرها و عرفتَ المراد من الحلاوة العموم فهي في كلّ مدركٍ بنسبته و عرفتَ انّ المدركات انّما تدرك بنسبة رتبته من الشعور و حلاوته بنسبة ملايمته لما ادرك فهي باعتبار قوّة الملايمة و ضعفها مشكِّكةٌ و عرفتَ انّ الملايمة من اسماۤئهم عليهم السلام اعظم من غيرها من ساۤئر الاسماۤء امّا اسماۤء الخلق فظاهر و امّا اسماۤء الخالق عز و جل فاعظمها ذواتهم و اسماۤؤهم عليهم السلام المعنويّة لانّ اسماۤءه ( ئهم خ ) المعنويّة هي ذواتهم و صفاتهم و اسماۤؤهم المعنويّة و اسماۤءهُ تعالي اللّفظيّة مسمياتها ذواتهم و اسماۤؤهم المعنوية اذ ليس له تعالي اسماۤء الّا اسماۤء افعاله و هم معاني افعاله فاذا تبيّن لك هذه الامور عرفت ما اَردْنا من معني قوله عليه السلام فما احلي اسماۤءَكم و ربّما وجدتَ حلاوة اَسْماۤئِهم في بعض مشاعِرك و مَدارِكِك اَوْ كلّها و اللّه يرزق من يشاۤء بغير حِسَابٍ ،
و قوله عليه السلام : و اكرم انفسَكم
المتعجّب منه كرمُ نفوسهم بمعني سخاۤئها الشامل لجميع الموجودات من جميع الخلاۤئق بل جميع الممكنات امّا المكوّنات فلما تقدّمَ مما اشرنا اليه من ان جميع الكاۤئنات انّما تكوّنت باربع عللٍ الاُولي الفاعلية و هي انّما تقوّمت بهم لانهم محاۤلّ مشيّة اللّه و اَلْسِنةُ ارَادتِه۪ و امّا الثانية فالعلّة الماديّة و كلّ مكوّنٍ انّما خُلِق من فاضلِ انوارهم لان فاضل انوارِهم اي شعاعها هو الوجود المقيّد الذي خلق منه مادة كلِّ مكوّنٍ و هذا معني قول الحجة عليه السلام في دعاۤء شهر رجب اعضاد يعني انّ اللّه تعالي اتّخذهم اعضاداً لخلقه اشار عليه السلام بذلك الي مفهوم قوله تعالي و ماكنتُ متّخِذَ المضلّ۪ين عضداً يعني انّي انّما اتّخذتُ الهادين عضداً صلي اللّه عليهم و هو عضد الخلق كما اتّخذَ النجّار الخشب عضُداً لعمل السرير فافهم و قد تقدّم هذا المعني مكرراً فراجع و الثالثة العلّة الصوريّة لانّ اللّه سبحانه خلق صُوَر المكوّنات من اشباحِ صورهم يعني صور امثالهم و مقاماتهم في اعمالهم و اقوالهم عن باطنهم الذي فيه الرحمة و اتباعهم صُبِغوا في هذه الهياكل الشريفة الّتي هي صبغ الرحمة الّذي اليه اشار جعفر بن محمد عليهما السلام في قوله انّ اللّه خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فهذا النور هو المادة الذي هو الفاضل المذكور سابقاً و الصبغ هو هذه الهياكل و امّا اعداۤؤهم فصورُهم من صور امثالهم و مقاماتهم في اعمالهم و اقوالهم عن ظاهرهم الّذي من قبله العذاب و معني هذا انّ مَن اجاب دعوة اللّه في الذرّ الي طاعتهم خلقه من حدود اعمالهم لايجاده و تلقينهم له كلمة القبول و انَّ مَن لم‌يجب دعوة اللّه سبحانه في الذرّ الي طاعتهم خلقه من حدود ذَوْدِهم له و تركهم له و منعهم المعونة فقبِل بداعي انّيَّةِ نفسِه۪ و هو الانكار و هو ظاهرهم الذي من قبله العذاب و اَز۪يدُكَ بياناً في هذين انّك تلقَي مَن احبّك و اطاعك بباطن رحمةٍ مِنْك و عطفٍ عليه و لطفٍ به فيظهر له من باطنك الرحمة و اللطف البشري فاذاً انت قد ظهرتَ له في احسن صورةٍ و اجمل صفة و تلقي مَن ابغضَك و عصاكَ بغضبٍ وَ اِعْراضٍ عنه و وجهٍ عَبُوسٍ فحالتُك الّتي لقيتَهُ بها مثالُكَ و مقامُكَ اي ظهورك بالغضب و هو ظاهر من قبلك لان الرحمة سبقت الغضب في الوجود فهي باطن و ذاتي و الغضب انما عرض للمنافي فهو ظاهر و لهذا تنسب الرحمة الي الذات و ينسب الغضب الي الفعل فيقال انّ اللّه هو الغفور الرحيم و لايقال الغَضُوب قال تعالي ان ربَّك سريعُ العِقَاب و انّه لغفُورٌ رحيم و الرابعة العلّةُ الغاۤئيَّةُ و لوْلاهُمْ لم‌يخلق اللّه شيئاً مِن خلقِه۪ و انّما خلقهم لاجلهم فكلّ مَن سواهم من الخلق لهم فانظر الي خيرهم الوَاصِل الي كلّ واحدٍ من الخلق في اصلِ تكوّنه و امّا الممكناتُ فكل واحدٍ منها لاۤئذ بما هو فيه من الفقْر بجنابِ الغَنِي الحميد سبحانه و تعالي و هم عليهم السلام ذلك الجناب المنيع و الشّأن الرفيع كما في دعاۤئه عليه السلام الهي وقف الساۤئلون ببابك و لاذ الفقراۤءُ بجنابكَ و هذا كلّه في الوجود الّذي هو ظاهر الشَئ و اَمّا مَا يَتَعلّق بالاعتقادات و الاعمال الصّالحة التي لاجلها جاۤء التكليف و هم اَصْله و هُوَ فرعهم و ذلك لانّهم هم المعلّمون للخلاۤئق معرفة الخالق و كيفيّة طاعته و عبادته و تسبيح الملاۤئكة و تهليلهم و تمجيدِهم للّه سبحانه و ساۤئر الخلق قال عليّ عليه السلام نحنُ الاعراف الّذين لايعرف اللّه الّا بسَبيلِ معرفتِنا و قد ذكر اللّه سبحانه ذلك في كتابه فقال تعالي و اذ تقول للّذي انعَم اللّه عليه و انعمت عليه فاخبر تعالي بانّ نبيّه صلي اللّه عليه و آله منعِمٌ و ذو فضلٍ في قوله تعالي الّا اَن اغناهم اللّه و رسوله من فضله و يجري لهم ما يجري لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و قد تواردَتْ اخبارهم عليهم السلام بخيرهم الفاۤئض علي ساۤئر الخلق و المؤمنون يعرفون ذلك هذا علي معني الكرم بمعني السخاۤء و علي معني الرّضا و الحسن كما في قوله تعالي انه لقرءان كريم اي حسن مرضي يكون المعني التّعجب من حسن انفسكم في ذاتها و في طباعها فانّ كلّ مَن عرف من ذلك استحسنه و ارتضاه من اولياۤئهم و من اعداۤئهم وَ انما يعادونهم حسداً لهم علي ما يشاهِدونَهُ و علي معني النفع يدخل في الاول لانّ المعني فيه ما اعمّ نفع انفسكم و اشدّه و علي معني التفضيل كما في قوله تعالي ارأيتك هذا الذي كرّمتَ عَلَيَّ اي فضّلتَ علَيَّ يكون المعني ما اشدّ تفضيله سبحانه ايّاكم علي مَنْ سِوَاكم حتّي اغناكم بما آتيٰكم عن جميع خلقه و جعل جميع خلقه محتاجين اليكم في كلّ شئ و كذلك علي معني التفضيل بحسن الصورة و اعتدال المزاج و اعتدال القامة و التمييز بالعقل و الافهام بالنطق و الاشارة و الخطّ و الهداية الي اَسْباب المعاش و المعاد و التَّسلُّط علي ما في الارض و التمكن من الاعمال و الصناعات و انسياق الاسباب و المسبّبات الي ما يعود اليه عملهم بالمنافع الي غير ذلك كما في قولِه تعالي و لقد كرّمنا بني آدمَ فانه يكون المعني انّكم في هذه الاشياۤء التي كرِّم بها بنوٰادم علي ما سواهم في اقصي مراتب امكانها في اصل وجودِها و مع انضمام ما ن۪يطت به تبلغ كمالاً علي وجهٍ غير متناهٍ في امكانِها فلذا حسن التعجّب علي الحقيقة مع مشاركة بني النوع فيها ظاهراً ليتمكن بالمقايسةِ من مقتضي التعجّب و قولي ظاهراً قيد للمشاركة و للنّوع لان الحقيقة انّ ما كان لهم عليهم السلام من هذه الامور لم‌يشركهم فيه اَحدٌ اذ لم‌يصل احدٌ من الخلق الي رتبتهم ليشاركهم و كذلك النوع فانّهم انّما يدخُلون في النوع ظاهراً و الّا ففي الحقيقة هم خلق آخر فوق بني آدم و انما بنوٰادم بمنزلة الاسماۤء مثل لفظ زيدٍ و معناه اذ لايقال في الحقيقة ان اللفظ من نوع زيد الذي هو الحيوان الناطق و انّما دخلوا في النوع ظاهراً كما دخل روح القدس الذي هو من امر اللّهِ في نوع الملاۤئكة مع انه ليس من نوعهم و لهذا قال عليه السلام انه خلق اعظم من الملاۤئكة و لهذا لمّا اَمرَ اللّه تعالي الملاۤئكة بالسجود لٰادم فقال لهم اسجدوا لٰادم فلمّا سجدوا اخبر عن ذلك فقال فسجد الملاۤئكة كلهم اجمعون الّا ابليس فلم‌يستثنِ الّا ابليس مع انّ روح القدس و روح من امر اللّه و الروح الّذي علي ملاۤئكة الحجب الاثنان لم‌يسجدوا فلمّا عاتب ابليس بعدم السجود قال له استكبرتَ ام كنتَ من العالين و هم هؤلاۤء الاربعة و لو كانوا من الملاۤئكة لسجدوا هذا و كثيراً ما يطلق علي احدهم الملك فقال اميرالمؤمنين عليه السلام لمّا سئل عن العقل الذي هو روح من امر اللّه قال ملك له رؤس بعدد الخلاۤئق الحديث ، فدخولهم (ع‌) في نوع بني آدم كدخول هؤلاۤء العالين في نوع الملاۤئكة فلا مشاركةَ في هذه الامور الّتي فضّل اللّه بها من شاۤء بمعني انهم عليهم السلام خلقهم اللّه سبحانه قبل الخلق بالف دهر علي هذه الصفات المحمودة فلمّا اراد ان يخلق ساۤئر خلقه اخذ من فاضل شعاعهم مواۤدّ الخلق و صورهم و اخذ من فاضل شعاع هذه الامور المذكورة و هو اسماۤؤها فخلق عليها ساۤئر بني آدم اعني هذا النوع كما انّ حقيقة هذا النوع مواۤدّهم و صورهم خلقها من اسماۤء مواۤدّهم عليهم السلام و صُوَرِهمْ و انّما شركنا في ما فيهم من هذه الصفات غيرهم لاجل ظاهر التّسمية فلك ان تقول ان ما في بني آدم من هذه الصفات مجازات تلك الحقاۤئق كما ان حقيقة بني آدم مجازات حقاۤئقهم عليهم السلام و هم مجازات الحق عز و جل اماتري قوله تعالي في حق علي عليه السلام و ان هذا صراطي مستقيماً ، و انّهم ليصدونهم عن السبيل و الائمة عليهم السلام كذلك و لك ان تقول انّ ما فيهم حقيقة و ما في بني آدم حقيقةٌ بعد حقيقةٍ و علي هذا التوجيه يكون التعجّب ممّا لايدرك كنهه و لا صفته الّا من جهة ادراك الاسماۤء و علي معني الايمان كما روي خير الناس مؤمنٌ بين كَر۪يمين اي بين ابوَيْن مؤمنين لانّه يكتسب مع ايمانه من ايمانهما فالتعجّب كذلك كما قال تعالي في حق جدّهم صلي اللّه عليه و آله فٰامنوا باللّه و رسوله النبي الامي الذي يؤمن باللّهِ و كلماته الاۤية ، فانهم قد حذوا حذوَهُ و جري لهم ما جري لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و علي معني مكارم الاخلاق كما روي انه صلي اللّه عليه و آله خص بها و هي عشرة و هي من شعب الايمان اليقين و القناعة و الصبر و الشكر و الحلم و حسن الخلق و السخاۤء و الغيرة و الشجاعة و المروّة و التّعجب حينئذٍ في كمالها لهم و اجتماعها فيهم و علي معني التقوي كما قال تعالي ان اكرمكم عند اللّه اتقيٰكم اي اشدّكم تقوي للّهِ او اشدّكم عملاً بالتّقيّة فظاهر و كذا اذا اخذ من القُدْس فما اكرم انفُسهم و اطهَرَها ،
و قوله عليه السلام : و اعظم شأنكم و اَجلَّ خطركم
يراد به ما اعظم امرَكم او حالكم اي ما اعظم ما تكونون فيه من شأن لانّ اللّه سبحانه خلقهم له لا لانفسهم و لا لشئ غيره تعالي فهم محاۤلّ مشيّته و الْسِنةُ ارادته ففعلهم فعله تعالي و قولهم قوله تعالي فكيف توصف عظمةُ شأنهم و هم ابداً في حالٍ للّهِ فيهم و في خلقه و لهم في هذين الحالَيْن حال خاۤصةٌ امّا في المقامات اَوْ في المعاني او في الابواب في كلِّ رُتْبَةٍ بنسبةِ ما يخصها و تلْكَ الحال الخاۤصّة يقال عليها المقامات امّا داۤئماً كالاولي التي هي المقامات او في حال الاتصاف و الظهور كما في الثانية اعني رتبة المعاني و الثالثة اعني رتبة الابواب و في هذه الحال الخاصة قال الصادق عليه السلام لنا مع اللّه حالات نحن فيها هو و هو نحن و هو هو و نحن نحن و في بعض نسخ الرواية الّا انه هو و نحن نحن ه‍ ، و هذا شأنهم في المقاماتِ فلا شئ اعظم من شأنهم في مراتبِ جميع المخلوقات و هذا اذا اُريدَ بالامر هذا الحالُ وَ اِنْ اُر۪يد به الولاية التي هي ملزوم هذا الشأن المذكورة فاشدّ عظماً لانّها هي ولاية اللّهِ التي ذكرها في كتابه فقال تعالي هنالكَ الولاية للّهِ الحقّ هو خير ثواباً فالولاية الحق هي ذاته المقدّسة فولاية اللّه بذاته هي ذاته بلا مغايرة لا في نفس الامر و لا في الفرض و الاعتبار و ولايةُ اللّهِ بفعله و مشيّته هم محلّها لانّها هي مشيته و ولاية اللّه بهم هي ولايتهم و ما اشدّ عِظَمَها ،
و قوله عليه السلام : و اجلّ خطركم
قد تقدم بيان هذا في بيان قوله عليه السلام الّا عرّفهم جلالة امركم و عظم خطركم و كِبَرَ شأنكم بما يناسب هذا الترتيب فذكر هناك العظم للخطر و الكبر للشأن و الجلالة للامر و هنا ذكر العظم للشأن و الجلالة للخطر و يفهم من الموضعين اتّحاد العظم و الجلالة و الكبر و اتحاد الشأن و الامر و الخطَر و المعني في اللغة في الموضِعَيْن متّحد او متقارب و الاتّحاد الظاهر من الموضعين امّا بِاعْتبارِ ما تَعْرِفُه اَهْلُ اللُّغَةِ اَوْ بِاعتبارِ استعمال واحدٍ في شئ حقيقةً و في غيره مَجَازاً و لايُستنكَر لتقارُبها ففي اللّغة الشأن الامر و الحال و فيها الامر بفتح الهمزة و سكون الميم بمعني الشأن و الحال و فيها الخطر القدر و العظمة و المنزلة و فيها اكبر اي اعظم قال تعالي اكابر مجرميها يعني عظماۤء فلمّا رأينه اكبرنه اي استعظمنه و فيها الجلال العظمة و الحال انّ المعني بحسب اللغة متقارب و في النهاية و من اسماۤء اللّه تعالي ذو الجلال و الاكرام الجليل و هو الموصوف بنعوت الجلال و الحاوي جميعها هو الجليل المطلق و هو راجع الي كمال الصفات كما ان الكبير راجع الي كمال الذات و الصفات و العظيم راجع الي كمال الذات انتهي ، و امّا اهل العرفان و اهل التصوّف ففرقوا بين الجلال و العظمة و الكبرياۤء فجعل بعضهم الجلال صفة الذات و الجمال صفة الجلال و بعضهم عكس و مرادهم انّ العظمة و الجمال صفة للجلال لان الجلال التقدس و العزّة و العلوّ و العظمة صفته و من عكس جعل الجلال صفةً للعظمة فجعل التقدّس و العزة و العلوّ الصفة و بعضهم جعل الجلال من صفات القهر و الجبروت و المفهوم من ظاهر الاخبار و الادعية مساواة العظمة للجلالِ مثل قوله عليه السلام في دعاۤء يوم الاحد من مصباح‌المتهجد لَطُفتَ في عظمتِك دون العظماۤءِ فقوله لطُفتَ في عظمتك مشعِر بأن العظمة ضدّ اللُّطْفِ و قال عليه السلام بعد ذلك يا لطيف اللطفاۤء في اجلّ الجلالة فجعل الجلالة ضدّ اللّطف و ظاهر هذا اتّحاد العظمة و الجلالِ و انّما قلنا انه ظاهر لانه يمكن مطابقته لما في النهاية بان نقول اللطف يكون في الصّفاتِ و يكون في الذات فيكون قوله عليه السلام لطُفتَ في عظمتك يُرَادُ منه اللّطف في الذَّاتِ و قوله عليه السلام يا لطيفَ اللطفاۤء في اجلّ الجلالة يراد منه اللطف في الصفاتِ و وصفُ الكبرياۤء بالعظمة و العظمة بالكبرياۤء في قوله و الكبرياۤء العظيم الذي لايوصف و العظمةُ الكبيرة يشعر بالمغايرةِ و كذا الاضافة في قوله في جلالِ عظمتِك وَ كبرياۤئِكَ و المغايرة تُؤيِّدُ الفَرْقَ ،
بقي الكلام في هذا الفرق الذي ذكره ابن‌الاثير و غيره هل هو الفرق المذكور في الاخبار و الادعية ام الفرق غير ما ذكره اهل اللغة و الذي فهمتُ بعد ثبوت ان جميع الصّفات كلّها راجعةٌ الي الافعال و معاني الافعال لانّ الذات صفاتها عينها فلا تعدّد و لا مغايرة و لهذا يكون معناها واحداً فهو تعالي يسمع بما يبصر به و يبصر بما يعلم به فحياته عين قدرته و سمعه و بصره و هكذا لان المراد بمعني هذه الالفاظ هو الذّات فلا تغاير فيها باعتبار و لا حيث لا في نفس الامر و لا في الفرض انّ الكبرياۤء ابعد من العظمة و الجلال بالنسبة الي المبدء لانها صفة ظاهرها عالم الْمُلْكِ مِنْ ذَواتِه۪ و صِفاته و لهذا ورد وصفُها بالعرض كما في الدعاۤء عريض الكبرياۤء و العرض من صفات الاَجْسَام و مَبَادي الاَجْسَام و لايقال عريض العَظَمة او الجلال و امّا الجلال فَاِنْ اُر۪يدَ منه مَعْنَي العزِّة كانَ رَاجعاً الي كمال الذّات و كان اخصّ من العظمة لانّ العظمة راجعة الي صفات الاضافة و العزة راجعة الي صفات القدس و ان اريد منه معني العظم ضدّ القلّة و الحقارة و الصّغر كان رَاجِعاً الي كمال الصفات كما في النّهاية و اِنْ امكنَ رجوعه الي كمال الذات بتكلّفِ معني العَظَمة و امّا العَظمةُ فراجعةٌ الي كمال الذّات و كمال الصفات فورد ما معناه كان عظيماً قبْلَ عَظَمتِه۪ و هذه العظمة المسبوقة يُرَادُ منها ما يرجع الي الصفات الفعليّة لانه سبحانه كما قال اميرالمؤمنين صلوات اللّهِ عليه لم‌يسبق له حال حالاً فيكون اوّلاً قبل ان يكون آخراً و يكون ظاهراً قبل ان يكون باطناً ه‍ ، فقوله عليه السلام و اجلَّ خطرَكم معناه متفرّع علي ما يراد من الجَلالة فان شئتَ قلت معناه ما اعظم قدركم او ما اكبر قدركم او ما اعزّ قدركم ،
و قوله عليه السلام : و اوفي عهدكم
اي ما اوفي عهدكم الّذ۪ي عاهدتم عليه اللّه حين خلقكم له بقوله تعالي الستُ بربّكم اي الم‌اخلقكم لي لا لغيري و لا لِانفسكم او الستُ خلقتكم لي وحدي اوْ اخلقُكم لي قالوا بلَي بوجوداتهم و عقولهم و ارواحهم و نفوسهم و طباۤئعهم و اشباحهم و اجسامهم و اجسادهم و جواهرهم و اعراضهم و اعمالهم و اقوالهم و احوالهم اي عاهَدْناك بِكلِّ جهَاتِنا عَلَي اجابَتِكَ الَي ما اَرَدْتَ منّا فاِنّا لَكَ و انّا اليكَ راجعون فكانوا له كما ارادَ مِنْهم فصحّ علي الحقيقة ما اوفي عهدكم لانّ كل واحدٍ من مشاعرهم و كل واحدٍ من ظاهرهم و باطنهم من غيبهم و من شهادتهم من الحواس الخمس و اعضاۤئهم من اجسامهم و من احوالهم عاهد اللّهَ سبحانه علي ما اراد منه و خلقه لاجله وَفَي للّهِ تعالي علي اكمل وَجْهٍ يراد منه فلذلك قال عليه السلام علي الحقيقة فما اوفي عهدكم هذا فيما عاهدوا اللّه عليه و مثله فيما عاهدوا عليه رعيّتهم لمن وفي لهم بالولاية لانهم اذا وعدوا علي اللّهِ تعالي انْجَزَ لهم و لايردّهم و لايكون ذلك لغيرهم من الخلق فمن اوفَي بعهده منهم بعدَ اللّهِ سبحانه و هذا ظاهرٌ و في بعض نسخ الزيارة و اصدق وعدكم و علي هذه النسخة يكون قوله عليه السلام فما اوفي عهدكم خاۤصّاً بالعهد الظاهر و في الباطن كالاجابة في قوله تعالي قالوا بلي و كذا في ايّاك نعبد و ايّاك نستعين و امثاله لانّ اجابة دعاۤءِ اللّه سبحانه عهد لا وَعْدٌ لانه تعالي يطلب حقه علي جهة الحتم و يؤكّد الدعوة بالميثاق الغليظ فلذا قلنا انه عهد باطن لانه لم‌يكن فيه لفظ العهدِ و يكون ما تبرّع به المكلف او نُدِبَ اليه و لم‌يوجبه عليه كساۤئر النوافل هو الوعد نعم لو تبرّعَ به و الزم نفسه به فانّه من العهد كما قال تعالي و رهبانيّة ابتدعوها ماكتبناها عليهم الا ابتغاۤء رضوان اللّه فمارعوها حق رعايَتِها الٰاية ، و الوعد علي المشهور الصحيح ليس بواجب و ما ورد فيه ممّا ظاهره الوجوب لوجود لفظ الوجوب فيه فمحمول علي معناه اللغوي اي الثبوت او الوجوب المعتبر في الكمال بمعني عدم تحقّق كمال الايمان بدونه كما مدح اللّه تعالي به اسمعيل بن حزقيل في قوله تعالي انه كان صادق الوَعْدِ ، و امّا علي عدم اعتبار هذه النسخة فيكون قولُه فما اَوْفَي عَهْدَكُمْ شاملاً للعهد و للوَعْدِ وَ اِنْ اُر۪يدَ بالعهد الخاۤصِّ الوجوب و الوعد عدمُ الوُجوب لِعدم المنافاةِ بَيْنَ ارادةِ معنيين مختلفَيْنِ بلفظٍ واحدٍ علي الاصح لانّ هذه الارادة متضمّنة لارادتين لكلٍّ ارادةٌ يُعْلَمْ ذلك بقرينة وضع اللّفظ للمعنَيَيْن او صلوحه لهما بالحقيقة و المجاز فاذا ورد هذا اللّفظ الذي هذه حالُه و لم‌يدلّ دليل علي ارادةِ احدهما فيتعيّن او نفيه فيتعيّن الٰاخر دَلَّ علي ارادتهما معاً فان كانا حقيقيّين و تنافيا ففي وقتِ الحاجة يجب علي الٰامِر اَنْ يعيّن احدهما و في غير وقت الحاجة لا محذور فيه و الفاۤئدة فيه تهيّؤ المكلّف للامتثال بما يُعَيَّن عليه عند الحاجة و لا بدّ اَن يعيّن الحكيم علي المكلّف و لو فرض وقت الحاجة و عدم التعيين فلا مَناص عن القول بالتخيير اذا لم‌يحتمل عدم التكليف لانّ الناس في سعةٍ ما لم‌يعلموا و التخيير من وجوه العلم و احتمال عدم التّكليف مع وُرود ما يدلّ علي التكليف ليس الّا بدليل صارفٍ و يقع بينهما التّرجيح حينئذٍ و ان كان حقيقةً و مجازاً و لم‌يكن صارف عن الحقيقة تعيّن الحقيقة و ان حصل التّكافؤ للقراۤئن و الامارات فلا مانع من ارادتهما مثل قوله تعالي و لاتنكحوا ما نكح آباۤؤكم علي جعل النكاح حقيقةً في الوطي مجازاً في النكاح او بالعكس و امّا علي القول بانه حقيقة فيهما معاً فمن الاوّل و الحاصل انّ الوَعْد ملحوظٌ فيما نحن فيه لانهم صلي اللّه عليهم اولي بصدق الوعد من جميع مَن سواهم فان صحّت النسخة و الّا فهو مرادٌ من العَهْدِ و لاينافيه انّ الوعد يخبر عنه بالصدق و العهد بالوفي لان الوفي و الصدق يصدق احدهما علي الٰاخر في المعني و هذا ظاهرٌ .
قال عليه السلام : كلامُكم نور و امركم رشد و وصيّتكم التقوي و فعلكم الخير و عادتكم الاحسان و سجيّتكم الكرم
قال الشارح المجلسي كلامُكم نورٌ علم و هداية من اللّه تعالي و الرشد الهداية و الخير و السّجيّة الطبيعة انتهي .
اقول من كون كلامهم عليهم السلام نوراً انه هداية لمَنْ طلب الهداية و دليلٌ لمن اراد الاستدلال لان النور هو الدليل و البرهان الذي به تثبت حقيقة الشّئ كما قيل انّ القرءان نورٌ لانه الدليل علي كلّ ثابت و البرهان علي حقّيةِ كُلِّ حقٍّ وَ بطلانِ كلّ باطلٍ و ذلِك لاَنّهم صلّي اللّهُ عليهم لايتكلّمون اِلَّا عن القرْءانِ لان اللّه عز و جل قال في كتابه في شأنِ جدِّهم نبيّه صلي اللّه عليه و آله و ماينطق عن الهوي ان هُو الّا وحيٌ يوحي فاخبر انه صلي اللّه عليه و آله ماينطق عن هوي نفسه و انما ينْطق بالوحي او عن الوحي و هم صلّي اللّه عليهم يحذون حذوه فلاينطقون الّا عن اللّه و رسوله صلي اللّه عليه و آله فكلامهم نورٌ اَيْ حقّ لايأتيه الباطل من بين يديه اي فيما اَخْبَرُوا به عمّا مضي و لا مِنْ خلفِه۪ فيما يُخْبرون به عمّا يأتي و كلامهم نور اي هداية و برهانٌ به يتحقّق المتحقِّق و يزهق الباطل و كلامهم نور تَسْتن۪يرُ به قلوبُ المسلّمين لهم القَابلين عنهم و النّور هو الظاهر في نفسِه المُظْهِر لغيره و كلامهم عليهم السلام هكذا ظاهر في نفسه اي بيّنُ التّحقّق و الحقيّة لعدم اختلافه من حيث معناه الَّذي يريدونه منه و عدم منافاة بعضِه۪ لبعضٍ مع اختلاف ظاهره لاجل مَصالح رعيّتهم فمن اخذ بكلّ كلامِهمْ و فهِمَ مرامَهُم بالتسليم لهم و الردّ اليهم بحيث يجعل فهمَهُ تابعاً لمرادهم من كلامهم وجدَهُ كلّه نوراً اي حقّاً و صواباً و اصابة للحقّ و الهداية و الرشاد و ما هو الّا كالقرءان لانه مثاله و منه اخذ مبنيّ علي معانيه و الفاظه و اشاراته و تلويحاته و جميع مأٰخذه و انحاۤئه و في حديث اميرالمؤمنين عليه السلام في تقسيم ما في ايدي الناس من الحديث قال عليه السلام و ان امر النبي صلي اللّه عليه و آله مثل القرءان ناسخ و منسوخ و عامّ و خاصّ و محكم و متشابه و قد كان يكون من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الكلام له وجهان كلام عام و كلام خاۤصّ مثل القرءان و قال اللّه عز و جل في كتابه ما آتيٰكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا فيشتبه علي من لم‌يعرف و لم‌يدرِ ما عني اللّه به و رسوله (ص‌) الحديث ، و الي ما ذكرنا الاشارة بقوله تعالي و يُحِقّ الحقَّ بكلماتِه۪ يعني اَنَّ كلماته تظهر الحَقَّ و تُبَيِّنُه لانّها نورٌ و النور هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره فعلي الظّاهر الكلمات هي القرءان و ما انزل تعالي من الوحي علي رسله و اولياۤئه و لا شكّ انّ كلام محمد و اهل بيته صلّي اللّه عليه و آله منها اي من بعضها اَوْ اُخِذ منها و علي الباطن الكلمات هي محمد و آله صلي اللّه عليه و آله و علي هذا فالمظهر للحقّ اي الذي اظهر اللّه به الحق و احَقّهُ به هو وجودهم و ذواتهم و اعمالهم و اقوالهم و احوالهم و هذه الخمسة كلّها كلمات اللّهِ اما الاوّل و الثاني فهما كلام اللّه و يجوز ان يقال هما كلامهم باعتبار القابليّة كما مر سابقاً مراراً من ان المفعول هو فاعل فعل الفاعل كما اذا قلتُ لكَ اضرب فان اضرب فعل امرٍ و هو فعلي و امري و انت فاعله لانّك المأمور بالضرب ففاعل اضرب ضمير يعود اليك تقديره انت و لايعود اليّ فلايقال تقديره اَنَا و كذلك ما نحنُ فيه فانّ امرَهُ تعالي في ايجادك كن و فاعله ضميرك اي انت فهو سبحانه المكوِّن فمنهُ التكوين و ليس جزءاً من المفعول و منك التكوّن و هو جزؤك المعبّر عنه بالماهيّة و القابليّة لانّك مركب من شَيْئين من الوجود اي المقبول و هو اثر فعله تعالي لا فعله و من الماهيّة و هي القابل و هو فعلك فانت فاعلُ فعل فاعلِك و صانِعِك بمعني القابل الذي هو جزؤك و بذلك خلقهم و به اخْتلفوا و قد سبقت كلمته الحسني لمن استجاب له الاستجابةَ الحُسْنَي و امّا الثلاثة الاُخَر فهي كلامُ اللّهِ تعالي بهم عليهم السلام و كلامُهم باللّه سبحانه و كلّها نور بكلّ معني يرادُ منه و قد يستعمل بمعني القول الذي هو الفِعل و ذلك كما في قوله تعالي و وقع القول عليهم بما ظلموا اي العذاب و هو ممّا اشرنا اليه من الخمسة التي هي كلماتهم باعتبار فعلي هذا فكونه نوراً مطلقاً انّما هو علي ما قرّرنا مراراً من اَنّ فعل الثواب و النعيم بالفضل و العدلِ نورٌ لانّه حقّ و صوابٌ و رشدٌ وَ هِدَايةٌ و لِأَنَّهُ مُظْهِرٌ لما اقتضَتِ الحكمةُ الالهيّة اظهاره من الممكنات لكونه سبباً للتّكوين علي نحو الحكمة و مِنْ اَنَّ فعل العقاب و التّأليم بالعَدْلِ نورٌ لانَّه حقّ و صَوَابٌ لكونه جارياً علي مقتضي قوابل الاَشْياۤءِ و دَوَاع۪يها علي نحو قوله تعالي فمن يردِ اللّهُ اَن يهديَهُ يشرح صدرَهُ للاسلام و مَن يرد اَن يُضِلَّه يجعل صدرَهُ ضيّقاً حرجاً كأَنّما يصّعّد في السَّماۤء كذلك يجعل اللّه الرجسَ علي الّذ۪ينَ لايُؤْمنُونَ و هذا صراطُ ربّك مستقيماً يعني في شرحِه صدر مَن يريد هدايتَهُ للاسلام وَ جَعْلِ صدرِ مَن يريدُ اَنْ يُضِلَّهُ ضيّقاً حرجاً فانّ صراطه في فعلِه تعالي شرح الصدر للهداية و جعله ضَيّقاً حرجاً للضّلالة مستقيم اَيْ جارٍ علي اكمل وجهٍ يقتضيه العدل و الحق لا اعوجاج فيه بوجهٍ ما لانّه اعطي علي حسب السؤال و صنع علي مقتضي القبول منه تعالي فكلامهم صلي اللّه عليهم نورٌ اذا اريد منه الفعل علي هذا النحو و لايعني بالنور الّا هذا و نَحوُه ،
و قوله عليه السلام : و امركم رُشْدٌ
يراد منه انهم لايأمرون الّا بما فيه الهداية و الصلاح للمأمور في الدّنيا وَ الْآخرة و انّهم سلام اللّه عليهم يلاحظون فيه الترجيح لَوْ تعارضَ صلاح الدنيا و صلاح الدين كما هو شأن الطبيب الماهر العليم بالمعالجة و هذا شئ معلوم عند جميع المسلمين ظاهراً بل كان ذلك في هويّات جميع الخلاۤئق و طباۤئعهم تدركه افكارهم و تصوراتهم و ان جهل الاكثرون في التصديق و ذلك بانّ في الوجود الخارجي او الذهني علي اختلاف الانظار من الخلاۤئق مَنْ يكون هذا شأنه بمعني انّه لايأمر الّا بما فيه الصلاح او الاصلح لوْ تَعارَضَ الصلاحانِ و ان ذلك يكون منه عن علمٍ و بصيرة بالاصلح و عن قصدِ نصحٍ و عدم غشٍّ للرَّعيَّة و عدم مجازفةٍ في المعالجة بل علي نحو قوله تعالي و زنوا بالقسطاس المستقيم ، و لاتَبْخَسُوا النّاسَ اَشْياۤءَهُمْ و ذلك التّرجيح في الاصلح كثير فيما ورد عنهم عليهم السلام كمن استخار عند النبي صلي اللّه عليه و آله في السفر الي الشام للتجارة فاخبره بانّها نهي فخالف و مضي و اصاب مالاً كثيراً فلمّا رَجَع اخبر النّبيّ صَلّي اللّه عليه و آله فقال (ص‌) له لعلّك قد فاتَكَ واجبٌ فاخبر انّه فاتته صلوة العشاۤء فقال صلّي اللّه عليه و آله له ما معناه ما فاتك من خير الصلوة اعظم مما اصبتَ من المال و كما نهي الحجة عليه السلام عجّل اللّه فرجه علي بن محمد علّان عن الحج فخالف و مضي الي الحج فقُتِل و غير ذلك فان الاوّل رجّح فيه الدين و الثاني رجّح فيه النفس علي الدين و قد يكون بالعكس كما قال تعالي و الفتنَةُ اشدّ من القتل و لَيْس هذا مختصّاً بشئ دونَ شَئ بل جميع اَوامِرِهمْ و نواهيهم لانّها لم‌تكن من هوي اَنْفُسِهم و انّما تكون بمشيّة اللّهِ و ارادته و امره لانهم محاۤلّ مشيّة اللّهِ و اَلْسِنَةُ ارادته و حملةُ اَمْرِه۪ و نَهْيِه و التكاليف الالهيّة الّتي هي علّةُ ايجادات الموجودات كلّها معتبر فيها ما هو الاصلح علي نحو ما اَشرْنَا اليه و بذلك صَنَعَهُمْ و لذلِك خَلَقَهُمْ و به امرهم و الَيْه دَعاهم و هم عليهم السلام خزنةُ حُكمِه و اَمْرِه۪ و نَهْيه و هم لايسبقونَهُ بالقول و هم بامره يعملون ،
و قوله عليه السلام : و وصيّتكم التّقوي
يراد منه انّهم لايوصُونَ الّا بتقوي اللّه كما يفيده تقديم الوصيّة و المراد بالتّقوي تقوي اللّه فيما يتعلّق بمعرفته و صفاته و افعاله و عبادَته فدعوا الي توحيد اللّهِ سبحانه فقالوا انّه تعالي خلقَ كلَّ شَئٍ لَا مِنْ شئٍ يكونُ معَهُ لانّه سبحانه انّما هو الٰه واحد ليس معه شئ فكلّ شئٍ ممكن او موجود في نفس الامر اي في الخارج او الذهن او بالفرض و التقدير فهو مخلوق له تعالي لان كلّ ما يُسَمّي او يشار اليه او يتصوّر او يفرض وجوده او امكانه او يحتمل فهو شئ قد صنعه تعالي في مكانِ حدوده و وقتِ وُجودِه۪ مَاعدا وجهه الكريم و انّما استثنينا بناۤءً علي الظاهر المتعارف من انّه تعالي يسمي باسماۤئه و يفرض وجوده و يمكن بالامكان العام و في الحقيقة انّما الموجود آياته و مظاهره و المسمّي بالاسماۤء مقاماتُه و آياته و اسماۤؤه لان ذاته المقدّسة لاتقع عليها الاسماۤء و لا شئ من جهات التعاريف اذ كل ما سواه خلقه و لذا قال ابوجعفرٍ عليه السلام كما في الكافي قال (ع‌) ان اللّه خلو من خلقه و خلقه خلو منه و كلّ ما وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ماخلا اللّه و في آخر قال عليه السلام و كل ما وقع عليه اسم شئ ماخلا اللّه فهو مخلوق و اللّه خالقُ كلِّ شئٍ و في حديث ابي‌عبداللّه عليه السلام زيادة تبارك الذي ليس كمثله شئ و هو السميع البصير فقوله عليه السلام ماخلا اللّهَ جارٍ علي المُتَعارف مِنْ انّه تعالي يسمّي باسماۤئه و يوصف بما وصف به نفسَهُ لخلقه و يُعْرَفُ بذلك و يُعْبَدُ بذلك و بذلك امرَ خلقَهُ و طلب منهم ذلك اذ لايمكن لهم ما وراۤءه و كلُّ هذه اشياۤءُ محدثةٌ لانّها بالضرورة غيره و كل شئٍ غيرِه۪ فهو مخلوقٌ له تعالي و معلوم انّ المخلوق لايقع علي الخالق لانّه لايقع عليه الّا ما يصل الي الازل و لايصل المصنوعُ الي الازل و لاينزل الازل في الحدوث لانّ الازل هو ذاته الحقّ سبحانه و لكن يعرف بها المعرفةَ الرسميّة و قد رضي من عباده بذلك لانهم لايقدرون علي غيرها و انّما يعرف بها معرفةَ استدلالٍ عليه لا معرفةً تكشِفُ لَهُ كما اذا وجدت الاثر دَلَّكَ علي وجود المؤثّر و اذا وَجدْتَ الصّفةَ دَلَّتْك علي وجود الموصوف و بهذا النحو يعرف بما وصف به نفسه تعالي لخلقه بالاشياۤء الحادثة مع انّها في الحقيقة لاتقع عليه و هو قول الرضا عليه السلام حين قال له عمران الصابي يا سيدي الاتخبرني عن اللّه تعالي هل يوحّد بحقيقةٍ او يوحّد بوصفٍ قال الرضا عليه السلام ان اللّه المبدئ الواحد الكاۤئن الاوّل لم‌يزل واحداً لا شئ معه فرداً لا ثاني معه لا معلوماً و لا مجهولاً و لا محكماً و لا متشابهاً و لا مذكوراً و لا منسيّاً و لا شئ يقع عليه اسم شئ من الاشياۤء غيره و لا من وقتٍ كان و لا الي وقت يكونُ و لا بشئٍ قام و لا الي شئ يقوم و لا الي شئ استند و لا في شئ استكن و ذلك كلّه قبل الخَلق اذ لا شئ غيره و ما اوقعت عليه من الكل فهي صفاتٌ محدثة و ترجمة يفهم بها مَن فهم ه‍ ، فاخبر عليه السلام بانه لايقع عليه شئ لانها صفات محدثة و ترجمة يعني انّ ما اراده سبحانه منّا ترجَمهُ لنا في ايجاده و وصفه نفسه لنا بما نعرف ممّا هو من نحونا و نوعِنا من صفاتِ الخلق و بها نفهم ما يريده منا و هو متعالٍ عن كلّ شئٍ الّا انّها تدلّنا عليه كما قلنا و هو قول الرضا عليه السلام و لو كان صفاته جل ثناۤؤه لاتدلّ عليه و اسماۤؤه لاتدعو اليه و المعلمة من الخلق لاتدركه بمعناه كانت العبادة من الخلق لاسماۤئه و صفاته دون معناه فلولا انّ ذلك كذلك لكان المعبود الموحّد غير اللّه لانّ صفاته و اَسْماۤءَهُ غيره ه‍ ، و ايضاً دعوا عليهم السلام الي توحيده بصفته بما وصف به نفسه من انّه ليس كمثله شئ فلايقترِنُ بشئ و لايقترن به شئ لانّ الاقتران صفة خلقه فلو صحّ عليه لشابَه الاشياۤء في اقترانِ بعضها ببعضٍ وَ لايخْرجُ مِنْ شَئٍ و لايخرج منه شئٌ بِاَيّ نَوْعٍ فُرِضَ لاَنّ ذلِكَ وِلادةٌ و هو تعالي لم‌يلد و لم‌يُوْلد فمَن قال بانّ الخلقَ مِنه بالسِّنْخ او الظلّ فقد شبّهه بخلقه و مَنْ قال بانّ الخلق تنتَه۪ي اليه فقد اَثْبتَ له الاقتران بغيره لانه يكون نهايةً لغيره و هو اقتران يمتنع من الازل و كذلك قول مَنْ قال بانّ بينه و بين شئ من الحوادث ربْطاً بوجهٍ ما و كذا دعوا عليهم السلام الي توحيده في فعله تعالي يعني انّه متفرّد بالايجاد فكلّ شئ صنعه او يصنعه قال تعالي اروني ماذا خَلقُوا منَ الارض ام لهم شركٌ في السموات و قال تعالي ام جعلوا للّهِ شركاۤء خلَقُوا كخلقه فتشابَه الخلق عليهم قلِ اللّهُ خالقُ كلّ شئ و هو الواحد القهّار فكلّ مُحْدَثٍ فمادّتُهُ من فعله و امّا صورتُهُ فَاِمَّا من فعله او بفِعْله كالمعاصي فانّها و اِنْ كانَتْ من فعلِ العبادِ علي جهة الانفراد من غير مشاركةٍ معه تعالي الّا انّها بفعل اللّه كتحريكِ الشاخِص لظلّه فانّه و ان كان منه و التحريك منه الّا انّه بالنور اذ بدون النور لايمكن له تحريكٌ لعدم وجود ظلٍّ يحرّكه فكلّ شئٍ من اللّهِ او باللّهِ فما كان منه فالامر فيه ظاهر و ما كان به فماۤدّته و قُوَي فاعِله من آلاته۪ و من اراداته و افكارِه۪ و تصوّراته و جميع مداركِه۪ من اللّهِ و مَا اختصّ به۪ من الفعلِ فباللّهِ فمن ادّعَي انَّ اَحداً غيره تعالي يخترع شيئاً من المواۤدِّ فهو مشرِكٌ و مَنِ ادّعَي اَنَّ غيرَهُ يختَرِعُ شيئاً من الصُّوَرِ بدونِ اللّهِ تعالي اي لا من اللّهِ و لَا باللّهِ فهو مُفَوِّضٌ و المفوّضُ مشرك و كذا دَعوا عليهم السلام الي توحيده۪ في عبادته كما قال تعالي فمن كان يرجو لقاۤءَ ربّه فليعمل عملاً صالحاً و لايُشرِكْ بعبادَةِ ربّه اَحداً و هذا التوحيد اذا اُر۪يدَ به الحقيقي يُعْتَبر فيه توحيده تعالي في كلِّ ما يصدق عليه انّه عبادةٌ او عبوديّةٌ فيوحّده في جميع العبادات الاصطلاحيّة المعروفة و في الخلق بجميع جهاته و في الرزق كذلك و في الحيوة كذلك و في الممات كذلك فيوحّده في التوكّل و في الاعتماد و في الحفظ و في رعايةِ كلّ شئ علي نحو ما مرّ من انّ المُراعَي اِمّا منه اَوْ به و هنا تنبيه علي حقيقةٍ من حقاۤئق التوحيد و هو انَّ قولنا هذا الشئ منه نريد به انه من فعله اي اثر من فعله اي من المحلّ الممكن الامكان الراجح لفعله فحقيقته مخترعة بتبعيّة اختراع فعله تعالي يعني انها محل فعله و متعلّقه فهي متقوِّمة بالفعل تقوّم تحقّق و الفعل متقوّم بها تَقَوُّمَ ظهور و الشئ المكوّن من تلك الحقيقة متقوّم بالفعل تقوّم صدورٍ ابداً فلا حقيقة له الّا بفعله تعالي و لا وجود له الّا من فعله تعالي اي من اثر فعله و قولنا هذا الشئ بِه۪ نريد به انّ حقيقته من نفس ما منه تعالي مِنْ حيثُ نفسِه۪ و وجودُه من اَثرِ شُعَاع فعله تعالي فما به تعالي مبني علي ما منه تعالي و الشئ بحقيقة الشيئيّة واحدٌ لا شريك له تعالي و ما سواه شئ بفعله تعالي و امّا فعله تعالي فشئ بفعل اللّهِ الذي هو ذلك الفعل اي بنفسه من حيث هو فعل اللّه تعالي فهذا مختصر ما اوصوا عليهم السلام به من تقوي اللّهِ تعالي فيما يتعلّق بتوحيده في ذاته و توحيده في صفاته و توحيده في افعاله و توحيده في عبادته باَن يجتنبَ مخالفة شئ من ذلك في قليلٍ او كثيرٍ و ما اشرنا الَيْه علي جهة الاجمال و وصيّتهم صلي اللّه عليهم مجملاً و مفصّلاً و كذا بتقوي اللّهِ فيما تتعلّق به اوامره و نواهيه ممّا هو من جهة النفس و ممّا هو من جهة الخلق و ذلك كما هو مفصّل في احاديثهم و افعالهم و اعمالهم و اقوالهم و احوالهم ممّا اشتملت عليه شريعة جدِّهم محمد بن عبداللّه صلي اللّه عليه و آله فانَّ اللّه سبحانه قد امر بذلك و سمّي الأخذ به و ترك مخالفته تقوي فقال تعالي و ما آتيكم الرسول فخذُوه و ما نهيكم عنه فانتهوا و اتّقوا اللّه و انما ذكرتُ الاشارة الي ما يتعلّق بالتوحيد لغموضه و كثرة المذاهب فيه المخالفة لوصيّتهم عليهم السلام و قلّة العبارة و امّا ما يتعلّق بالاوامر و النواهي من التقوي مما اشتملت عليه الشريعة الغراۤء من المفروض و المندوب و الجاۤئز و المرجوح و الممنوع منه فيلزم من ذكر بعضه التطويل الطويل الذي ليس هذا محلّه مع ظهوره و قلّة الاختلاف فيه و تصدّي الاصحاب رضوان اللّه عليهم لذكره و تفصيل ابوابه و يجمع ذلك كله انهم عليهم السلام اوصوا ان تتّقي اللّه تعالي بفعلِ جميع اوامره و ترك جميع نواهيه و بالميل الي ما احبّ و عمّا كَرِهَ و ان اخذتَ بما جوّز فبقصد الاخذِ برخصته و كذا اِنْ تركْتَ فبهذه و امثالها كانت وصيّتهم و لم‌يأمروا بشئ قليلٍ او كثيرٍ من اضداد هذه بل نهوا عنه بقلوبهم و اَلْسنتهم و ايديهم و افعالهم و اعمالهم و احوالهم و ما وقع من خلاف تقوي اللّه تعالي من هذا الخلق المتعوس فانّما وقع ردّاً عليهم صلوات اللّه عليهم وَ خلافاً لامرِهم و علي اللّه سبحانه اعلاۤء دينه و اظهار كلمته بهم بان يمكّنهم في ارضه و يستخلفهم في ساۤئر عالمه و اللّه منجز وعده و متمّ نوره و لو كره المشركون اللهم عجّل فرجهم و سهّل مخرجهم و اسلك بنا مَحجّتهم و منهاجهم يا كريم ،
و قوله عليه السلام : و فعلكم الخير
يراد منه انّهم لايفعلون الّا الخير لحصر المبتدا في الخبر و المراد من الفعل ما هو اعم من عمل الجوارح كما هو مقتضي العصمة و التسديد و التوفيق اما مشاعرهم الباطنة فهي مستغرقة في العبودية فعلاً و في العبادة بَعْثاً يعني انّهم ببَواطنهم من الافئدة و القلوب و الارواح و النفوس و الطباۤئع مستغرقون في الرضي بما يرد عليهم من محبوب النفوس و مكروهها بل هم بها طالبون لما يرد عليهم منه سبحانه كما قال اميرالمؤمنين صلي اللّه عليه و آله الطيّبين اَمٰا آنَ لِاَشْقيٰها ان يخضب هذه من هذا و اشار الي لحيته و رأسه فذلك و امثاله هو الصدق في العبوديّة و هي الرضا بما يفعل و هم بها باعثون لجوارحهم و السنتهم علي العمل بما يرد و القيام بوظاۤئفه كما اُمِروا علي اكمل وجهٍ اراد سبحانه منهم و هذا و امثاله هو الصدق في العبادة و هي الفعل لما يرضي و اما جوارحهم و ظواهرهم فهم بها ابداً مشتغلُون بخدمة ربّهم لاتأخذهم سهو الغفلات لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون اللّيل و النّهار لايفترون كما روي عن الصادق عليه السلام في هذه الٰاية و له من في السموات و الارض و مَن عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون الي قوله مشفقون قال يا مفضّل الستم تعلمون انّ من في السموات هم الملاۤئكة و من في الارض هم الجن و البشر و كلّ ذي حركةٍ فمن الذين قالَ و من عنده قد خرجوا من جملة الملاۤئكة و الجن و البشر و كلّ ذي حركة فنحن الذي كنّا عنده و لا كونَ قبلَنا الحديث ، فلايوجد لهم لحظة في غير فعل الخير لانّ اللّه سبحانه ديموم ديّوم قيّوم فلا فترة تعتريه و لاتأخذه سنة و لا نوم و في كلّ ذلك داۤئم الفيض و هو قوله تعالي و ماكنّا عن الخلق غافلين و في كل آنٍ من فعله قابل لفيضه داۤئم في خدمته و هم القابلون للفيض الداۤئم بدوام التسبيح و التقديس الداۤئمون بكمال الخدمة و كل مَن سواهم لايقومون بخدمة قبول كلّ الفيض كما قال تعالي ماوسعني ارضي و لا سماۤئي و وسِعني قلبُ عبدي المؤمن و لايصحّ ان يفضل منهم وقت او مكان لفعل الشرّ و انّما فضل ذلك منّا لانّا لم‌نسع الفيض فنعصي حال عدم القبول و المراد من الخير ما هو اعم من الخير الذي هو احد جنود العقل الخمسة و السبعين كما هو مذكور في احاديث جنود العقل بل المراد به ما يشمل العقل و جنوده فان جميع تلك من فعلهم فان اللّه سبحانه قد جمعها فيهم و بهم قسمَ فواضِلها علي ساۤئر خلقه و هم بامره يعملون فالعقل الكلّي الذي هو عقل الكلّ و هو آدم الرّابع علي جهة الاجمال هو عقلهم و قد اَكْمَلَهُ فيهم و بهم قسم فاضِله علي ساۤئر اولياۤئه من اَنْبياۤئه و رسله علي حسب قوابلهم من فاضله الّذي هو اشِعّته و تلك الاشعّة هي اولاده فان اللّه سبحانه قد خلقَ الف‌الفِ عالم و الْف‌الفِ آدمَ و نحن الٰان في آخرِ العَوالم و آخر الٰادميين فعلي جهة الاجمال عقول المرسلين و الانبياۤء عليهم السلام اولاد آدم الرابع الذي هو عقل محمد و اهل بيته صلي اللّه عليه و آله و عقول المؤمنين اولادُ هؤلاۤء الاولادِ فلذا قال صلي اللّه عليه و آله انا و علي ابَوا هذه الامة و الاصل في هذه الابوّة هذا و ذلك لانّ كلّ مولود فله ستّة آبٰاۤءٍ ابَوانِ لعقله و هما محمد و عليّ صلّي اللّه عليهما و آله محمد (ص‌) اب العقل اي مادّته فانّ مادّته من صفة نوره صلي اللّه عليه و آله وَ عليّ عليه السلام الاب الثاني فاِنّ صورة العقل من صفة نوره عليه السلام و الصورة هي الاب الثاني اي الام و له ابوان لنفسه الامارة بالسّوۤء و هما الاَعْرابيّانِ ابوالدواهي اب النفس الامارة بالسوۤء و ابوالشرور الاب الثاني و هو امُّها و له ابوان لجسده فاشار تعالي الي ابوي العقل بقوله و وصّينا الانسان بوالديه حسناً و الي ابوي الامارة بالسوۤء بقوله و ان جاهداك علي ان تشرِك بي ما ليس لك به علم فلاتُطِعْهما و الي ابوي الجسد بقوله و صاحبهما في الدنيا معروفاً فقولنا و بهم قسمَ فَاضلَهُ لانّ هذا الفاضل اولاد عقلهم كما ذكرنا فيصدق توليدهم و القِسْمةُ بهم علي فعلهم و يصدق علي العقل و جنوده الخير الذي هو فعلهم لانّ العقل الكلّي قد يصدق عليه انه فعلهم امّا علي اعتبار قابليّتهم له عند ايجاد اللّه سبحانه له فيهم اوْ لأنّه تربيتهم و زرعهم كما اشار اليه العسكري صلوات اللّه عليه في نسبتهم بقوله عليه السلام و الكليم اُلْبِسَ حلّة الاصطفاۤء لمّا عَهِدْنا منه الوفاۤءَ و روح القدس في جنان الصاقورة ذاقَ من حداۤئِقنا الباكورة ، و روح القدس هذا هو العقل المشار اليه فاخبر انّه اوّل مَنْ ذاقَ ثمرة الوجود من حداۤئِقنا و انّ ذلك الذوقَ بهم لا غير بقرينة قوله في الكليم عليه السلام لمّا عهدنا منه الوفاۤء فافهم و كون العقل خيراً فمِمّا لا ريبَ فيه لانه نور لا ظلمة فيه الّا قدر ما يقيمه من مسمّي الضّدّيّة و لأجل صفاۤئه و خلوصه لربّه لم‌يكن له جهة مخالفةٌ فكانت الجنان ثماني و كانت النيران سبعاً لأنّ الوجه في ذلك ما قلنا و ذلك لأنّ الحواس الخمس في العالم الصغير و النفس و الجسم اذا استعملت كل واحدة منها في الخير كانت باباً من اَبْوَابِ الجنان و آيةً لنظيرها في العالم الكبير و جنّاته سبع جناتٍ و ان استعملت كل واحدة منها في الشرّ كانَتْ باباً من اَبْوَاب النّيران و آيةً لنظيرها في العالم الكبير و نيرانه سبع فكل واحد من هذه السبعة يصلح للخير فيكون باباً من الجنان و يصلح للشرِّ فيكون باباً من النيران و امّا العقل في العالم الصغير فيصلح ان يستعمل في الخير فيكون باباً اعلي من ابواب الجنان و آيةً لنظيره في العالم الكبير و هو جنّة عدنٍ و هي الثامنةُ الْعُلْيَا و لايصلح ان يستعمل في الشرِّ لأنه خير و نور و لهذا لم‌يكن باباً في النيران فكانت الجنان ثماني و النيران سبعاً و لهذه العلّة قال الصّادق عليه السلام حين سُئِل عن العقل العقلُ ما عُبِدَ به الرحمن و اكْتُسِبَ به الجنان و لمّا سُئِل عمّا في معوية قال تلك النكراۤء تلك الشيطنةُ و هي شبيهةٌ بالعَقْل و ليْسَتْ بعقل ، يعني انّها ادراك يشابهُ ادراك العقل و لكن العَقْل لايمكن استعمالُه في الشَّرِّ لأن الشرّ ظلمة و هو من جنود الجَهل الذي هو ظلمة لا نورَ فيه الّا قدر ما يقيمه من النّور الذي هو ضدّه بحيث لايكون لما فيه من النور تأثير لاضمِحلٰالِه۪ كما انّ ما في العقل من الظلمة لايكون له تأثير لِاضْمِحلٰالِه۪ و اذا كان العقل خيراً كما سمعتَ لم‌تكن له جنود الّا من نوعه فكلّ جنوده خيرٌ و لايجوز ان يكون في جنوده شئ من الشرّ لان وجود ذلك في جنوده انما يكون لو كان في العقل شاۤئبة من الشرّ لها تَأثير و تعيّن لينسب ذلك الذي من الشر اليها فاذا كان خيراً محضاً علي نحو ما ذكرنا كانت جنوده كذلك و هم عليهم السلام لايفعلون بانفسهم الّا الخير و كذلك فعلهم بما منهم و بما ينسب اليهم من حيث هو منسوب اليهم نعم قد يفعلون بغيرهم اي بدواعي غيرهم ما هو شرّ و هو قوله تعالي و ظاهره من قبله العذاب و قد يفعلون بمن ينسب اليهم لا من حيث ينسبون اليهم ذلك ايضاً فان من ينسبون اليهم كشيعتهم قد يفعلون المعاصي الموجبة للعذاب و لكنهم انّما فعلوا ذلك من حَيْثُ مَيْلهم الي طريقة اعداۤئهم فيأكل المؤمن العاصي بمعصيته من شجرة الزّقوم من بعض اوراقها و هو من هذه الحيثيّة ليس مشايعاً لهم و انّما هو ماۤئل الي اعداۤئهم و هم عليهم السلام من وراۤء المقصّرين من اشياعهم بالتلافي من الاستغفار و الذود عن المعاصي و الدعاۤء لهم حتي يأكل ذلك العاصي من طلع شجرة الزقوم اعوذ باللّه من سخط اللّه فيخرج من حزبهم و يلحق باعداۤئهم استجير باللّه من غضب اللّه و من غضبهم و انّما قلنا قد يفعلون بغيرهم اي بدواعي غيرهم ما هو شرّ لأن ذلك الفعل القاۤؤهم للْعَاصي و تخليتهم له يعني انّ اللّه سبحانه انّما يعصي مَنْ عَصَاهُ اذا لم‌يقبل منه تعالي اذا خَلّاهُ مِنْ يدِه۪ و هم عليهم السلام يده ففعل تعالي به مَا فَعلَ هو بنفسِه۪ و هم مَحاۤلُّ فعله صلّي اللّهُ عَلَيْهم اجمعين و قولنا يفعلون بغيرهم ما هو شرّ مثل قوله تعالي في الحديث القدسي و انا اللّه لا اله الّا انا خلقتُ الخير فطوبَي لمن اجريتُه علي يدَيْه و انا اللّهُ لا الٰه الّا انا خلقتُ الشرّ فويلٌ لمَنْ اَجْريتُه علي يدَيْه ، و ذلك لان اللّه تعالي يفعل الاشياۤء بقابليّاتها كما قال تعالي و قالوا قلوبُنا غلفٌ بل طبعَ اللّه عليها بكفرهم و هم خزاۤئن حكمه علي عباده فيحكمونَ باذنِ اللّهِ علي فاعل الشرّ بفعل الشرّ و انّما ردَّدْتُ هذا المعني لسُوۤء ظني بفهم اكثر الناس و لكن اكثر الناس لايعلمون و لكن اكثرهم يجهلون و لكن اكثرهم لايعقِلون ،
و قوله عليه السلام : و عادَتكم الاِحْسَان
اقول قد تقدّم فيما ذكرنا سابقاً و فيما ذكرناه في كثيرٍ من رساۤئلنا انّ المخلوق لايكون الّا مركباً كما قال تعالي و من كلّ شئ خلقنا زوجين و كما قال الرضا عليه السلام و لم‌يخلق شيئاً فرداً قاۤئماً بنَفْسِه۪ دون غيره للّذي اراد من الدلالة علي نفسِه۪ و اثباتِ وُجُودِه۪ ه‍ ، فكل محدَثٍ مركبٌ مِن ماۤدةٍ و صورة و ان شئتَ قلتَ من وجودٍ وَ ماهيّةٍ و المعني واحد و الوجود نورٌ اَحْدثه اللّهُ بفعله فهو اثر فعلِه۪ و نور منه يجري مجراه لأنّه ابداً في طاعةِ ربِّه۪ لايَجِدُ نَفْسَهُ و لهذا اطلق عليه نورُ اللّهِ في قوله عليه السلام اتّقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللّه فقال الصادق عليه السلام يعني من نوره الذي خلق منه و العقل وجهٌ منه و اللّه سبحانه المحسن و قد اظهر احسانه و جميله اللذين هما صفة فعله بفعله فيما عاملَ به بريّتَهُ من ذلك الجميل و الاحسان و اجري بذلك عادته و انّما يجري علي العصاة احكام الغضب لأنّهم لم‌يقبلوا جميله و احسانه فعاملهم بفعلهم و هو ردّ جميله و احسانه فكان ردّ الجميل قبيحاً و ردّ الاحسان اساۤءةً قال تعالي و ماظلمناهم و لكن كانوا هم الظالمين و للّهِ درّ من قال :
اَري الاحسان عند الحرّ ديناً       ** * **      و عند النذلِ منقصةً و ذمّاً
كقطر الماۤءِ في الاصدافِ دُرّ       ** * **      و في بطن الاَفاعي صار سَمَّاً
فلمّا اجري سبحانه عادته بفعله و مشيّته و ارادته علي الاحسان كانوا صلي اللّه عليهم عادتهم الاحسان لأنّهم لايفعلون الّا بامره و هم محاۤلّ مشيّته و اَلسنة ارادَتِه۪ و حملة امره و هم باَمره يعملون فلما كانوا كذلك لم‌تكن الاساۤءة عادتهم لأنّ الاساۤءة مبدأوها الماهية و هم عليهم السلام لاينظرون الي انفسهم قطّ و لا الي ما سوي اللّهِ و الماهيّة ظلمة احدثها اللّه سبحانه بفضل فعله الذي احدث به الوجود لفاۤئدة تقوّم الوجود الّا انّهم عليهم السلام ليس فيهم من الماهية الّا قدر ما يمسك وجودهم فماهيتهم فانية الاعتبار مضمحلّة الوجدان و التعيّن فلا اعتبار لها فلايقع منهم شئ من مقتضي الماهيّةِ فلاتكون لهم الّا عادة الاحسان و ما رُوي في الدعاۤء الهي عادتك التفضل و الاحسان و عادتُنا الاساۤءة و العصيان و لاتغيّر عادتك بتغيير عادتِنا بجاه محمد و آله الطاهرين يُشعر بانّ ما سوي اللّه عادته الاساۤءة و العصيان لانه مِنْ حيث نظره الي نفسِه۪ كان سالكاً طريق ماهيّته الّتي هي ظلمة لاتقتضي من شأنها الّا الاِسَاۤءة و العصيان و هذا ظاهر و لكن فيه اشكال في قوله بتغيير عادتِنا اذِ المعني انّا غيّرنا عادتنا من الفضل و الاحسان الي الاساۤءة و العصيان من وجهين احدهما قوله عادتنا الاساۤءة و العصيان و ثانيهما انّ المناسب للكلام السابق انّا غيّرنا عادتنا وَ هي الاساۤءة و العصيان الي الفضل و الاحسان و هذا ينافي قوله لاتغيّر عادتك لأن المعني انّ الداعي الي تغيير عادتك انما هو تغيير عادتنا الي الاساۤءة و العصيان و امّا اذا غيّرناها الي الفضل و الاحسان فليس بموجبٍ لتغيير عادته بل موجب لاستمرار عادته سبحانه و تعالي و حلّه انّ للمخلوق عادةً من حيثُ فعل خالقه و هي الفضل و الاحسان و هي جهة وجودِه۪ لأنه اثرُ فعلِ خالقِه المتفضّل المحسن سبحانه و تعالي و عادةً من حيث نفسه و هي الاساۤءة و العصيان لأن هذا هو مقتضي الماهيّة و حيثيّته من جهة فعل ربّه وجوديّة و لها اولويّة الاعتبار فلهذا صحّ قوله بتغيّر عادَتِنا لأنّها وجوديّة و الاعتبار بالوجودي اَوْلي من العَدمي و حيثيّتُه منْ جهة نفسه عدميّة و لها اولويّة الالتفات الي النفس و ان كانَتْ عَدميّة فلهذا صحّ قوله و عادتنا الاساۤءة و العصيان لأنهم بنظرهم الي انّيّتهم غالباً كانت عادةً لهم غالبةً و ان كان من حيث الوجود وَ انّه ينبغي و انّ اللّه تعالي انّما خلقهم لهذا اوّلاً و بالذاتِ و انما خلق ماهيتهم و انيّتهم لاستقامة ما خلقهم لاجله فالماهية و الانّيّة انما خلقهما تعالي ثانياً و بالعرض الّا انّهم تعوّدوا بعادة الوجود اوّلاً ثمّ بعد ذلك تغيّروا و تعوّدوا بعادة انّيّتهم فلذا قالوا باعتبار الاولي بتغيّر عادتِنا و باعتبار الثانية قالوا عادتنا الاساۤءة و العصيان و امّا محمّد و اَهْل بيته الطاهرون صلي اللّه عليه و عليهم اجمعين فانّهم لم‌يتغيّروا عن العادة الاولي لانّ ماهيّاتهم و انّيّاتهم لعدم التفاتهم اليهما في حالٍ ضَعُفتا و كادتا تفنيان في نور وجودهما فلَمْ‌يتعيّنا ليكونا داعِيَيْنِ الي مايناسبهما من الاعمال فلم‌تتغير عادتهم الاولي فلذا قال عليه السلام و عادتكم الاحسان ،
و قوله عليه السلام : و سجيّتكم الكرم
يُراد من السَّجية الغريزة و الطّبيعة التي جُبِل عليْها الاِنْسان و وَرَد في وصف النبي صلي اللّه عليه و آله خُلقُهُ سَجيّةٌ اي طبيعة من غير تَكلُّفٍ و هذا منه و اعلم انّ الطبيعة قد تكون من الحقيقة الاوليّة الّتي هي الامكان و قد تكون من الماۤدّة و قد تكون مِن الصُّورة و قد تكونُ من مجموعهما و الصورة قد تكون من القابليّة الكونيّة التكوينيّة و قد تكون من القابلية الكونيّة الشّرعيّة لأن قوابل الاشياۤء للوجود انّما هي اعمال المصنوعين الّا انّ منها ظاهرةً كالاولي و منها باطنةً كالثانية و ما يكون من المجموع قد يكون مركباً من الماۤدّة و الاولي و قد يكون منها و من الثانية و قد يكون كلٌّ منها من الجبروت او من الملكوت او من الملك او ممّا بينها اي بين الجبروت و الملكوت او بين الملكوت و الملك يعني من احد البرزخين بين الذّرَّيْنِ و الطبيعة للشخص تكون من واحد من هذه اي الحقيقة الاولية و من هذه الاحد و العشرين او من اكثر و قد تكون له من كلّها و لاتكون من جميعها في الخيرات و الفضاۤئل الّا في خير الخلق و لاتكون من جميعها في الشرور و الرذاۤئِل الّا في شرّ الخلق فهم صلي اللّه عليهم سجيّتهم الكرم و الحلم و الرفق و الرحمة و ساۤئر الفضاۤئل علي اكمل وجهٍ يمكن لأنّ جميع المراتب اذا صلحت كانت المرتبة الواحدة منها اصلح فيها منها في غيرها اي في غير اجتماعها لأن كل واحدة مع الاجتماع تعين ما قبلها بنصف قوّتِها و يعين ما بعدها بنصفِ قوّتها بخلاف انفرادها او مع اجتماع بعضها فانّ القوي لاتتضاعف كما تتضاعف مع اجتماع الكلّ و قد يراد بالطبيعةِ الطّبيعةُ الاصطلاحيّة و هي الرابعة العشرة التي يشار اليها في اركان العرش بالنور الاحمر الذي احمرّت منه الحمرة و هذه يكون فيها الكسر الاول بعد الصوغ الاوّل الذي هو الخلق الثاني و منشأ السعادة و الشّقاوة و في هذه الطبيعة استقرار الطّباۤئع الذاتية و الاكتسابيّة و في هذه قال تعالي للمجيبين للجنة و لاابالي و قال للمنكرين للنّار و لااُبَالي لما قلنا من استقرار الطباۤئع هُنا لأنّ الطباۤئع المفارقات بالذات استقرّت بالاجابة المقترنة بالافعال بالطباۤئع المادّيات بواسطة او بغير واسطة الّا ان الظاهر ان المراد هنا بالطبيعة ما يعمّ هذه و غيرها و لمّا كانوا عليهم السلام محاۤلّ مشيّة اللّه سبحانه و اَلْسِنةَ ارادته و ابواب اوامره و نواهيه و خزاۤئن كرمه و جوده و مفاتح خزاۤئنه لزم ان تكون سجيّتُهم الكرم لأنّهم في جميع افاعيله جعلهم الوساۤئل و الوساۤئط بينه و بين خلقه فكل الوجود خير و كل خير فهو منهم بامر اللّه تعالي يعني انّ اللّه سبحانه خلق كلّ ما في الوجود بهم لأن جميع ما في الوجود امّا خير و اللّه خلقه من فاضل انوارهم و اما شرٌّ و اللّه خلقه بمقتضي قابليّته و قابليّته نشأت من انكار صاحب الشرّ لولايتهم لمّا عرضت عليه فهم اصل الكرم و فرعه و مبدؤه سبحان من خلقهم علي قبول كلّ خير منه و جعلهم كذا فضلاً منه و منّاً عليهم و لقد قلتُ في قصيدة نظمتها في مرثية سيدالشهداۤء ابي‌عبداللّه الحسين عليه السلام في ذكر بعض الثناۤء عليهم صلي اللّه عليهم قلتُ :
جادوا و سادوا و شادوا المجدَ ثُمَّ همُ       ** * **      لطالبي كلِ معروفٍ مَغاييلُ
معارفٌ في البرايا عارفونَ بهمْ       ** * **      هادونَ و الغير جُهّالٌ مَجاهيلُ
فشأنُهمْ نُسُكٌ و الفَتْكُ فِعلُهُمُ       ** * **      و ذاك لِلّهِ تعزيزٌ و تَذْل۪يلُ
سُحبُ الحَيا هاطلاتٌ مِن عَطاۤئِهِم       ** * **      اليهِمُ مدَّتِ الأيدي المَحاص۪يلُ
فراحتا الدهرِ مِن فَضْفَاضِ جُودِهِم       ** * **      مَمْلُوءَتان و ما للفيض تَعْط۪يلُ
اقول و الشاهدُ في البيت الاخير فانّ رَاحَتيِ الدّهر راحة اليد اليمني هي مجموع ما في عالم الغيب من الممكنات و راحة اليد اليسري هي مجموع ما في عالم الشهادة مملوءتان من فيض كرمهم وَ جُودهم و الفضفاض الكثير الذي بعضه علي بعض و الواسع فان جميع مَن في هذين العالَمين قد غمرهم كرمهم و اليه الاشارة بقوله تعالي و ان تعدّوا نعمةَ اللّهِ لاتحصُوها و المراد من قولي و ما للفيض تعطيل انّ نعم اللّه و عطاياه سبحانه لاتتناهي لا في الدنيا و لا في الٰاخرة فلا غاية لنعيم الٰاخرة و كل ذلك من اثر فعل اللّه عز و جل و هم محاۤلّ فعله و ارادته و علي ايديهم اجري نعمه لمن يشاۤء لا سواهم لانّهم ابواب فعله و فضله و كرمه و بهم اظهر كرمه و بهم اوصل سيوب فضله و شٰابيب كرمه الي من يشاۤء و هذا حكم الدنيا و الٰاخرة فان خيرات الجنان لا غاية لها و لا نهاية لا في الاتّصال و الاستمرار و لا في الزيادة و التضاعف و لا في تجدّد النعيم مما لا عين رأت و لا اُذنَ سمعت و لاخطر علي قلب بشر و ممّا لاتعلم نفس ما اخفي لهم من قرّة اعين فان كل ذلك و ما اشبهه من كرم اللّه الذي اجراه عليهم و نسبَهُ اليهم و وصفهم به كما اجري الرأفة و الرحمة علي نبيّه صلي اللّه عليه و آله و نسبهما اليه و وصفه بهما فقال تعالي حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم فاذا فهمت ما ذكرنا ظهر لك حقيقة ان سجيّتهم الكرم علي كلّ من في ملك اللّهِ و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاۤء و اللّه ذو الفضلِ العظيم .
قال عليه السلام : و شأنكم الحقّ و الصّدق و الرّفق و قولكم حكم و حتم و رأيُكم علم و حزم
الشأن الامر و الحال و المراد في ظاهر العبارة هنا الحال يعني ان مقتضي ذاتكم و طبيعتكم و خلقكم بضم الخاۤء و اللام و يجوز بفتح الخاۤء و سكون اللام اي بُنيتكم و نشؤ مواۤدّكم و تخطيط صُوركم و تركيبكم الحق و هو الثابت يعني مطابقة ما في نفس الامر من كل شئ لشأنهم لانّ كلّ ما في الكون من سواهم فهو ممادحهم و مناقبهم و ثناۤؤهم لانّ الٰاثار و الصفات اذا كانت حقّاً فهي ممادح الموصوف و المؤثر و الصدق و هو مطابقةُ شأنهم عليهم السلام لما في نفس الامر من افعاله تعالي و صفاته العليا و اسماۤئه الحسني فانَّهُ عزَّ و جلَّ لمّا خلقهم له و اصطنعهم لنفسه لم‌يكونوا في حالٍ ما من احوالهم غيباً و شهادةً لانفسهم و لا لاحدٍ سواه سبحانه فكانوا اَلسِنةَ صدقٍ نطقوا بوجوداتهم و بماۤئياتهم و بعقولهم و ارواحهم و نفوسهم و طباۤيعهم و مواۤدهم و اشباحهم و اجسامهم و اجسادهم و اعمالهم و اقوالهم و حركاتهم و سَكناتهم بذكره و الثناۤء عليه بما هو اهله فكانوا بكلّهم ذكر اللّه تعالي و الثناۤء عليه فنطقوا بهذه الالسنة بما طابق ما اراد منهم و خلقهم له و مَنْ كان في حال لغيره تعالي فقد كذب اذ لم‌يطابق ما في نفس الامر لانّ غير اللّه تعالي ان اعتُبِرَ انَّه شئ فانما هو شئ بفعل اللّهِ تعالي شيئيّة صُدورٍ فشأنهم الحق علي اعتبار مطابقة الواقع لهم و شأنهم الصّدق علي اعتبار مطابقتهم للواقع او فشأنهم الحق باعتبار انّهم باللّه و شأنهم الصدق باعتبار انّهم لِلّهِ او فشأنهم الحق باعتبار اَنَّهُمْ متلقّون و شأنهم الصدق باعتبار انّهم مؤدُّون او فشأنهم الحق باعتبار اَنَّهُمْ مقاماتُه و علاماتُهُ و شأنهم الصدق باعتبارِ انّهم كلماتُه و آياته او فشأنهم الحق باعتبار ذواتهم و حقاۤئقهم و شأنهم الصدق باعتبار اقوالهم و احوالهم او فشأنهم الحق باعتبار ولايتهم و شأنهم الصدق باعتبار عبوديّتهم و هذا الفرض جامع لما ذكر و لما لم‌يذكر و لما لم‌يخطر علي قلب بشرٍ سواهم و ماابتلي احد من الانبياۤء و المرسلين عليهم السلام و مَن دونهم من الصالحين الَّا باحتمال التَّخْص۪يص في حقيّة عموم ولايتهم و صدق شمول عُبُوديّتهم و ان عمّمت المراد من الشأن بما يشمل الامر فان اردتَ به امركم الكلّي العام كنتَ مُر۪يداً به ولايتهم الكلّيّة و عليه فالحق و الصّدق و الرفق و كُلُّ صفةٍ ربّانيةٍ و خُلُقٍ الٰهيٍّ آثارها و مظاهر تأثيراتها و شؤنها و افرادُها و صفاتها و امثالُها و هو قول الصادق عليه السلام كما في البصاۤئر انّ اَمْرنا سِرٌّ مستسرٌّ و سِرٌّ لايفيده اِلّا سرٌّ و سِرٌّ علي سرٍّ و سِرٌّ مقنَّعٌ بسرٍّ و عنه عليه السلام اِنَّ اَمْرنا هذا مَسْتُورٌ مُقَنَّعٌ بالم۪يثاقِ مَنْ هَتكه اَذلَّهُ اللّهُ و عنه عليه السلام انَّ اَمْرنا هو الحَقّ و حَقُّ الحقِّ و هو الظّاهِرُ و باطِنُ الظّاهِرِ و باطِنُ الباطِن و هو السّرّ و سرّ السِّرِّ و سرّ المُسْتَسِرِّ و سرّ مقنّع بالسرّ ه‍ ، وَ انْ ارَدْتَ به الخاۤصّ من الامر و هُو الحكم بين الناس او الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ان اللّه سبحانه يقول و لو ردّوه الي الرّسول و الي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، و في التوحيد عن اميرالمؤمنين عليه السلام اعرفوا اللّهَ باللّهِ و الرَّسُول بالرسالةِ و اولي الامر بالمعروف و العدل بالاحسانِ و في رواية و اولي الامر بالامر بالمَعْرُوفِ و النّهي عن المنكر ه‍ ، و هٰذَا الامر بعض ذلك الامر الكلي لان المراد بالكلي هو ما قال تعالي هنالك الولاية للّه الحق هو خير ثواباً و خير عقباً و هذا الامر الجزئي هو الحكم بين الناس بحكم اللّه الذي انهاه اليهم و في تفسير قوله تعالي فان تنازعتم في شئٍ فردّوه الي اللّه و الرسول ، في تفسير القمّي قال الصادق عليه السلام فان تنازعتم في شئ فردّوه الي اللّه و الي الرسول و الي اولي الامر منكم و في نهج‌البلاغة في معني الخوارج لمّا انكروا تحكيم الرجال قال (ع‌) انّا لم‌نحكّم الرجال و انّما حكّمنا القرءان و هذا القرءان انما هو خطّ مسطور بين الدفّتين لاينطق بلسانٍ و لا بُدَّ له من تَرْجُمان و انّما ينطق عنه الرجال و لمّا دعانا القوم الي ان نحكِّم بيْنَنا القرءانَ لم‌نكن الفريقَ المتولِّيَ عن كتاب اللّهِ تعالي و قال اللّه سبحانه فان تنازعتم في شئ فردّوهُ الي اللّهِ و الرسول فَرَدُّهُ الي اللّهِ اَن نحكم بكتابه و رَدُّهُ الي الرسول ان نأخذَ بسنّته فاذا حُكِم بالصدق في كتاب اللّهِ فنحنُ احق الناسِ و ان حكم بسنّة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فنحنُ اولاهم به ، و غير ذلك ممّا يدلّ علي ان المراد باولي الامر اولياۤء الحكم بالحق بين الناسِ و هو بعض الاول لان الحكم ينقسم الي شرعي و الي وجودي و الاوّل الكلّي يشمل القِسمين و قد مرّ بيان “٢” هذا في مواضع متعددة و كونُ “٢” الثاني حقّاً و صدقاً كما تقدّم في الاول في المطابقة و امّا الرّفق الذي هو لين الجانب و المعالجة بما هو اسهل و اخفّ فانّما ذكر مع الحق و الصدق و ان كان لاينافي غيرهما لانه اوفق بتحسين الكلام من جهة اتّحاد آخرِها في حرف واحد و من جهة تساويها في الحروف لكون كل ثلاثة و التحسين ملحوظ في هذه الزيارة الشريفة كما هو مطلوب الساۤئل له عليه السلام مع انه معهما اليق و اوفق لانّ المراد من هذا الشأن كما ذكرنا سابقاً من المطابقة و من التّلقّي و التّأدية و غيرها و الرفق فيها اتمّ و اكمل امّا المطابقة المذكورة فهي متفرّعة علي التّلقي و التأدية لانهما اصل لجميع الوجوه المذكورة و غيرها و هذا الاصل مقرون بالرفق من الفاعل سواۤء كان هو اللّه سبحانه لانه عز و جل حليم ذو اناة لايعجل امّا انه حليم فلرحمته الواسعة المشتقة منه اي من الحلم يعني انه رحيم لانه حليم و هو حليم لانه رؤف و هو رؤف لانه قادر فيَتَأنّا عباده في ايجادهم ليقبلوا عنه باختيارِهم و في ما يريد منهم اقامةً للحجة عليهم و اتماماً لنعمته عليهم و رأفةً بهم لعلمه بضعفهم و ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون و لايعجل لانه تعالي لايخاف الفوتَ لانه لايكون شئ الّا بامره و اذنه و هذا شأنُه عز و جل في معاملته لخلقه ام هم صلّي اللّه عليهم لأنهم في التأدية الوجودية و التشريعيّة منه تعالي باذنه الي خلقه يجرون علي اخلاقه تعالي التي اجراها عليهم كما اخبر عن نبيّه صلي اللّه عليه و آله عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم حتي انتهي بهم الحال بسبب ما افاض عليهم من رحمته حتّي جعَلهم خزاۤئن رحمته و كرمه و فضله وَ لطْفه الي اَنْ تَحمّلُوا عن شيعتهم جميع ذنوبهم و تقصيراتهم و فدوهم بانفسهم و انّما لم‌يتحمّلوا عن اعداۤئهم مع عموم صفحهم و عفوهم فراراً من الوقوع في القبيح و مخالفة الحكمة لان مخالفة الحكمة منافٍ للمقام الرفيع الذي بلّغهم اللّه عز و جل ايّاه لانّهم انما بلغوا هذا المقام لملازمتهم للحُسْن و الحكمة في كلّ حالٍ و لو فارقوا ما اراد منهم من ملازمة الحق و الحسن و الحكمة و المعاذ باللّه لانحطّوا عن مقامهم الي اخسّ المراتب و هو قول النبي صلي اللّه عليه و آله و لو عصيتُ لهويتُ و اشار سبحانه الي هذا لاهل الجهل بهم عليهم السلام قال تعالي بل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم و لايشفعون الّا لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون و من يقل منهم اني الٰه من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين و هو سبحانه لم‌يرتض دين اعداۤئهم فلو عفوا عنهم و شفعوا لشفعوا لمن لم‌يرتضِ و هو قول اني الٰه من دونه فافهم و انما كان العفو عنهم قبيحاً لانهم لم‌يقبلوا العفو لِسَدِّهم ابوابَهُ باعمالهم و منعِهم اسبابَه بافعالهم و انما قلتُ لاهل الجهل بهم عليهم السلام لانّ اهل العلم بهم و المعرفة لهم يعلمون ان المراد بمن يقل منهم اني الٰه من دونه هم اعداۤؤهم علي حدّ ما ذكرنا سابقاً في رفع شبهةٍ ترد علي قوله تعالي تاللّهِ ان كنا لفي ضلال مبين اذ نسوّيكم بربّ العالمين اذا فسّرت الٰايتان بما ورد عنهم عليهم السلام في هؤلاۤء القاۤئلين انهم اعداۤؤهم يقولون في الجحيم لمن اضلّهم من ساداتهم و كبراۤئهم تاللّهِ اِن كنا يعني في الدنيا لفي ضلال مبين حيث عدلنا بكم ولي اللّه الذي امرنا بطاعته ربّ العالمين سبحانه فامرتمونا انتم بمعصيته فقبلنا امركم و تركنا امر ربّ العالمين فسوّيناكم برب العالمين و هذا الذي فعلوه عليهم السلام بشيعتهم غاية الرفق و اللطف فكان التّكليف من الفاعل للامر سبحانه و التّأدية من الفاعلين للتبليغ عليهم السلام مقرونين بالرفق و الحلم و الرأفة و سواۤء كان القابل المتلقي عن اللّه تعالي هو ايّاهم صلّي اللّه عليهم ام المكلّفين المُتلَقّين عنهم فلا بدّ من الرفق و لهذا كثيراً ما يأمر اللّه سبحانه نبيَّهُ صلي اللّه عليه و آله بالتأني و الصّبر و عدم الاستعجال فقال تعالي فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل و لاتستعجل لهم ، و ذكّر فان الذكري تنفع المؤمنين ، فاصبر لحكم ربّك و لاتكن كصاحب الحوت و غير ذلك من الٰايات و كذلك الروايات ما لايكاد يحصي و لقد قال عليه السلام في هذا المعني كلاماً جامعاً قال عليه السلام انّ هذا الدين مَت۪ين فاَوغِلُوا فيه برفق فانّ المُبِتَّ لا ظَهْراً ابقي و لا ارضاً قَطَع ه‍ ، يعني انّكم تعمّقوا في هذا الدين المتين في العلم و العمل برفقٍ علي حسب مقتضي المطلوب من علم او عمل بالمبادرة و عدم التسويف فيما يصلح بذلك اي بقدر ما يصلحه بغير زيادة و بالتّأنّي و عدم الاستعجال فيما تفسده المبادرة و العجلة بقدر ما يصلح به بغير زيادة مهلة يفوتُ به المطلوب في كل شئ بحسبه في استقامة الحال في الطلب ثم ضرب عليه السلام مثلاً للطالب بالمُسَافر و قال انّ المُبِتّ الذي يحثّ داۤبّته باكثر مما تقدر عليه حرصاً علي سرعة قطع المسافة لا ظهراً ابقي و لا ارضاً قطع يعني انه تموتُ داۤبّته فلم‌يبق له ظهر يركبه و لاقطع ارضاً لموت داۤبّته و الداۤبّة في المثل هي نفسك التي تحمل اثقالك الي بلد لم‌تكن بالغاً له الّا بشقِ الانفس و المسافة طريقك الي ما دعيتَ اليه و الذي دعيتَ اليه لقاۤء اللّه سبحانه و الدار الٰاخرة فافهم ،
و قوله عليه السلام : و قولكم حكم و حتم
يراد منه انّهم عليهم السلام لمّا لم‌يتقوّلُوا علي اللّه عز و جل بعض الاقاويل و انّما قولهم عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن اللّه سبحانه و عن اميرالمؤمنين عليه السلام و عن الملك المحدّث و من ذلك تفصيل لكلّ جزئي جزئي و منه جمل و كُلّيّات تنطبق علي جميع جزئيّاتها مفصلةً و هم باذن اللّه سبحانه و اذن رسوله و اميرالمؤمنين صلي اللّه عليهما و آلهما يفصّلون و قد خلقهم اللّه تعالي و جبلهم علي الحقّ و الصواب كما قال تعالي لِنبيّه صلي اللّه عليه و آله و انّك لعلي خلق عظيم و هم يجري لهم ما يجري لرسول اللّه صلي اللّه عليه و عليهم و معهم روح القدس يسدّدهم فيجري منه لهم ما يطابق ارادتهم لانه لايريد الّا ما اراد اللّه و هم حملة ارادة اللّه تعالي فليس لهم ارادةٌ غير ارادته و مارميتَ اذ رميتَ و لكن اللّه رمَي فاذا ارادوا فانّما اراد اللّه عز و جل لانّ ارادته انّما يجريها علي قلوبهم قال تعالي ماوسعني ارضي و لا سماۤئي و وسعني قلبُ عبدي المؤمن صلي اللّه عليه و عليهم و ليس المراد من الحديث القدسي حُلوله في قلوبهم تعالي عن ذلك علواً كبيراً و انّما المراد حلول فعله و مشيّته و ارادته فافهم فاذا استنبطوا جزئياً من كليّ فهو علي طريق القطع و الضرورة لانّهم كشف اللّه تعالي لهم الاسباب و المسببات من ملكوت السموات و الارض فاَريهم حقاۤيق الاشياۤء و اعيانها من ملكوت السموات و الارض من الدنيا و الٰاخرة كما اري ابراهيم ملكوت السموات و الارض فهم يعاينون ذلك فعلمهم في الحقيقة مستند الي الحس في الغيب و الشهادة اماسمعت انه صلّي اللّه عليه و آله لما هاجر الي المدينة و اخذ يبني مسجده خفض له جبريل عليه السلام الارض فبني مسجده علي عين الكعبة لانه حينئذ يشاهد البُنْيَة المشرّفة و لمّا اسري به الي السماۤء و احاط بجميع ملكوت الدنيا و الٰاخرة في ليلته و اصبح في بيته و اخبر اصحابه بذلك و انه اتي بيت المقدس بالشام و ربط البراق في الحلقة التي كان الانْبياۤء عليهم السلام يربطون فيها دواۤبّهم و كان في المنافقين و المشركين مَنْ سَافر الي الشام و رأي بيت المقدس فكذّبوا و قالوا ان كنتَ صادقاً فصف لنا المسجد الاقصي و البيت المقدس فاتي جبرئل عليه السلام فاقتلع المسجد الاقصي و البيت المقدس و نصبه امام وجهه يري ذلك هو و هم لايرون شيئاً فوصف لهم ذلك كما رأوا فكلّ الاسباب و المسبّبات قد رأوها معاينة فيحكمون بما اريهم اللّه و لهذا اشار تعالي اليهم في تأويل قوله تعالي و اوحي ربّك الي النحل ان اتّخذ۪ي منَ الجبال بيوتاً و من الشجر و ممّا يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سُبُلَ ربّكِ ذُلُلاً يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاۤء للنّاسِ ، و في تفسير علي بن ابراهيم عن الصادق عليه السلام نحن واللّهِ النحل الذي اوحي اللّه اليه ان اتّخذي من الجبال بيوتاً اُمِرنا ان نَتّخِذَ من العرب شيعةً و من الشجر يقول من العجم و ممّا يعرشون يقول منَ الموالي و الذي يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه اي العلم يخرج منّا اليكم و في تفسير العياشي عنه عليه السلام النحل الائمة و الجبال العرب و الشجر الموالي عتاقه و ممّا يعرشون يعني الموالي و العبيد ممن لم‌يعتق و هو يتولّي اللّه و رسوله (ص‌) و الائمة و الثمرات المختلفة الوانه فنون العلم الذي قد يعلّم الائمة (ع‌) شيعتهم و فيه شفاۤء للناس يقول في العلم شفاۤء للناس و الشيعة هم الناس و غيرهم اللّه اعلم بهم ما هم و لو كان كما تزعم انه العسل الذي يأكله الناس اذاً مااكل منه و ماشرِبَ ذو عاهةٍ الّا شُفي لقول اللّه تعالي فيه شفاۤء للناس و لا خُلفَ لقول اللّه تعالي و انما الشفاۤء في علم القرءان لقوله و ننزل من القرءان ما هو شفاۤء و رحمة لاهله و لا شكّ فيه و لا مرية و اهله ائمة الهدي الذين قال اللّه ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا و في شرح الٰايات الباهرة مثل معني ما ذكر الّا انّ فيه و الجبال شيعتُنا و الشجر النساۤء المؤمنات و بالجملة فهم عليهم السلام يحكمون بالحكم القطعي المستند الي معاينة الاسباب و المسبّبات المعبّر عنه في التأويل بقوله ان اتّخذي من الجبال بيوتاً فان المراد بالبيوت التي يسكنونها هي جهة تعلّق الخطاب من المكلف فانه انّما يتعلّق بالمكلّف لوصف في فعله او ذاته مقتضٍ للتعلّق لما بينهما من المناسبة و العلاقة الذاتية كما قرّرناه في محلِّه۪ و من شاهد ذلك فقد سكن ذلك البيت الذي هو جهة التّعلق و قوله فاسلكي سُبل ربِّك ذُلُلاً يشير الي المعاينة و اصابة الحق فيه علي جهة القطع كما هو سبل اللّه تعالي في عباده و لذا قال علي عليه السلام حين اخبر عن بعض احوال الغيب كلّ ذلك علم احاطة لا علم اخبارٍ ه‍ ، و المراد من الاحاطة المشاهدة بقرينة قوله لا علم اخبار و مِنْ جملة تلك الجمل و الكليّاتِ الرَّجْم للغَيْب و هي المفصّلات و هو ان يرجم الغيب بالقرعةِ بالهامِه۪ تعالي اذا لم‌يذكر الحكم الجزئي او الكلّي لا في الكتاب و لا في السنّة فانّ الملك الذي هو روح القدس يقذف اللّه في قلبه الرّجم و شرط اصابته فيلقيه الي الامام عليه السلام فاذا سَاهم عليه السلام و قالَ الكلامَ الَّذ۪ي هو شرطُ الاِصَابة لم‌يخط الحكم الواقعي جزئيّا كانَ امْ كُلِّيّاً ابداً فاعلمهم اللّه عزّ و جل اذا سَاهَمُوا في طلبِ حكمه۪ تعالي بِاِصابَتِه۪ دَاۤئماً فاذا سَاهَم عليه السلام في طلب معرفةِ حكمه۪ تعالي فخرج الرجمُ وقع القذفُ به من اللّهِ تعالي في قلب الملك المُسَدِّد ففي البصاۤئر بسنده الي عبدالرحيم قال سمعتُ اباجعفر عليه السلام يقول انّ عليّاً عليه السلام اذا ورد عليه امر لم‌يجئْ به كتاب و لا سنّة رجمَ به يعني سَاهَمَ فاصابَ ثمّ قال يا عبدالرحيم و تلك المفصّلات قال في البحار عقيب هذا الحديث الشّريف بيان قوله ساهَم اي استَعلَمَ ذلك بالقرعة و هذا يحتمل وجهين : الاوّل ان يكون المراد الاحكام الجزئيّة المشتبهة الّتي قرّر الشارع استعلامها بالقرعة فلايكون هذا من الاشتباه في اصل الحكم بل في مورده و لاينافي الاخبار السَّابقة لان القرعة ايضاً من احكام القرءان و السُّنَّة و الثاني ان يكون المراد بالاحكامِ الكليَّة الّتي يشكل عليهم استنباطُها من الكتاب و السنّة فيستنبطونَ منهما بالقرعة و يكون هذا من خصاۤئِصِهمْ عليهم السلام لان قرعة الامام عليه السلام لاتخطي ابداً و الاوّل اوفق بالاصول و ساۤئر الاخبار و ان كان الاخير اظهر انتهي ، اقول قوله (ره‌) و الاوّل اوفق بالاصول ان اراد بها اصول الفقه فليس لها مدخل في تحقيق هذه المسئلة لان اصول الفقه اغلبُهَا جارية علي ما عرف من العرف و اللّغة و امّا ما له تعلّق بالاصول من الاخبار فهو وارد في كيفيّة الاستنباط و التراجيح و لا تعلّق لشئ من ذلك و لا ما اشبهه ببيان حقاۤئق الاشياۤء و معرفة هذه المسئلة انما تعرف بمعرفة الامام عليه السلام و معرفة تَلَقّيه العلوم و معرفة جهات علومه و معرفة الملك و كيفيّة القذف في قلبه من الجناب الاقدس و ما اشبه هذه لا شئ من اصول الفقهِ له تعلق بهذا بوجه من الوجوه و ان ارادَ بها اصول الدّين فان كان بطريق المتكلمين و الحكماۤء فكذلك لانّهم انّما يبحثون علي مذاقهم و قواعدهم و ان كان بطريق اهل البيت عليهم السلام فهي بالثاني اوفق و الحاصل ان الموجب لقطعيّة قرعتهم في الاوّل موجب للقطعيّة في الثاني لان ذلك انّما هو من الاسم الاكبر و معه لا فرق بين الاول و الثاني و ليس ما حكموا به و افتوا به عن هوي الانفس او عن الرأي او الظن و انّما قالوا هذا و غيره عن اللّه سبحانه لانه تعالي يعلّمهم ما شاۤء بطرق متعدّدة في الظاهر و هي طريق واحد عن اللّه عز و جل يأتي به محمّد صلي اللّه عليه و آله عن اللّه تعالي في وساۤئط متعددة كلّها صادقة عن اللّه تعالي يعني عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله منها منه صلي اللّه عليه و آله و عن الملك المحدّث و عن جبرئل عليه السلام و عن الملاۤئكة و عن القرءان و عن اللوح و عن القلم و عن الاقلام و عن الالواح و عن الافلاك و عن العناصر و عن الجمادات و عن المعادن و عن النباتات و عن الحيوانات و عن الخطرات و الارادات و الافكار و الحركات و عن القرعة و عن الاسم الاكبر و عن الاسم الاعظم و عن ساۤئر علومهم المزبورة كالغابر و المزبور و الكتاب و الجفر و الجامعة و مصحف فاطمة عليها السلام و الف باب كلّ باب يفتح الف باب و الوراثة من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و النكت في الاذن و القذف في القلب و الوحي و نور ليلة القدر و علم المنايا و البلايا و الانساب و فصل الخطاب و معاقل العلم و ابواب الحكم و ضياۤء الامر و عُرَي العِلم وَ اَوَاخ۪يه و سلاح رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و ميراثه و مواريث الانبياۤء عليهم السلام و الجفرين جلد ماعزٍ و جلد ضانٍ و كتاب اَرْضٍ و عن العلم الحادث و هو ما يحدث بالليل و النهار يوماً بيوم و ساعة بساعةٍ و الامر بعد الامر و الشئ بعد الشئ الي يوم القيمة و الاثرة و هي علوم جميع الانبياۤء و المرسلين و علم محمد صلي اللّه عليه و آله و عليهم و غير ذلك من جهات علومهم صلّي اللّه عليهم و اعظمها ما يحدث باللّيل و النّهار ساعة بساعة علي حسب ما يلتفتون اليه كلما طلبوا وجدوا و هنا بحث شريف لولا ان بيانه يتوقّف علي ذكر مقدّماتٍ كثيرة لذكرته الّا اني ذكرت اكثره في هذا الشرح مفرّقاً لكثرة شراۤئط فهمه و اللّه المستعان ، و الاواخي جمع اَخِيّة بفتح الهمزة و كسر الخاۤء المعجمة و بعدها المثنّاة التحتانيّة مشددةً عود يُدفن طرفاه في الحاۤئط و وسطه بارز تربط به الحيوانات و امّا الجفران ففي احدهما السلاح و في الٰاخر الحروف و بعبارة احدهما احمر و الٰاخر ابيض و الحاصل انّ لهم عليهم السلام في كل شئ علماً حقّاً من جميع ذرّات العالم العلوي و السفلي و الغيب و الشهادة و البدء و العود و الدنيا و الٰاخرة فكلّ ما حتم و ما كان فقد انتهي اليهم و ما لم‌يحتم امّا بان يكون مشروطاً في الغيب و الشهادة او مسكوتاً عنه فلايعلمونه و ما كان محتوماً في الغيب خاصة يعني لم‌يرسم نقيضه من الكاۤئنات في عالم الواح عالم الغيب و لم‌يحتم في عالم الشهادة فلهم ان يقولوا و لهم ان يسكتوا فان قالوا لم‌يحتموا ما لم‌يحتم لهم و قولي من الكاۤئنات احترازاً عما في الامكان فان كل ممكن فله ضدّ في الامكان في النور او في الظلمة و بالجملة فهم لايقولون الّا عن اللّه تعالي و رسوله صلي اللّه عليه و آله و لايقولون من انفسهم الّا عن اللّه تعالي و عن رسوله صلي اللّه عليه و آله ففي البصاۤئر بسنده عن محمد بن شريح قال سمعتُ اباعبداللّه عليه السلام يقول واللّهِ لَوْلا ان اللّه فرضَ ولايتنا و مودّتنا و قرابتنا ماادخلناكم بُيوتنا و لااوقفناكم علي ابوابنا وَاللّهِ مانقول باهواۤئنا و لانقول برأينا و لانقول الّا ما قال ربُّنَا و فيه عن علي بن النعمان مثله و زاد في آخره اصولٌ عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاۤء ذهبهم و فضّتهم و فيه الي ان قال (ع‌) مهما اجبتك فيه من شئ فهو عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لسنا نقول برأينا من شئ ه‍ ، و قد دلّت الادلّة القطعيّة عقلاً و نقلاً انهم لايقولون عن اللّه تعالي و عن رسوله صلي اللّه عليه و آله الّا علي جهة الحتم و القطع لانّهم قد عاينوا ذلك عياناً و فيه بسنده عن بريدة الاسلمي عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال قال رسول اللّه (ص‌) يا علي انّ اللّه اشهدَكَ معي سبع مواطن حتي ذكر الموطن الثاني اتاني جبريل فاسرَي بي الي السماۤء فقال اين اخوك فقلتُ ودّعته خلفي قال فقال فادع الله يأتيك به قال فدعوتُ فاذا انت معي فكُشِط لي عن السموات السبع و الارضين السبع حتي رأيتُ سكّانها و عمّارها و موضع كلّ ملكٍ منها فلم‌ارَ من ذلك شيئاً الّا و قد رأيتَهُ كما رأيتُهُ ه‍ ، و فيه بسنده عن ابن‌مُسكان قال قال ابوعبداللّه عليه السلام : و كذلك نُر۪ي ابراهيم ملكوتَ السموات و الارض و ليكون من الموقنين ، قال كشط لابراهيم عليه السلام السموات السبع حتي نظر الي ما فوق العرش و كشط له للارض ( الارض خ‌ل ) حتي رأي ملأ الهواۤء و فُعِلَ بمحمد صلي اللّه عليه و آله مثل ذلكَ و انّي لاري صاحبَكم و الائمة من بعده و قد فُعِل بهم مثل ذلك ه‍ ، و هذا عندنا مما لا ريبَ فيه و مَن كان هذه حالهم يجب انّ قولهم حكم و حتم امّا انه حكم فلأَن قولهم قول اللّه تعالي و امّا انّه حتم فكذلك و لأن قولهم قد قُضِي و امضي فيكون حتماً لانّه انّما وصل اليهم بعد ان قُضِي و امضي و اذا وقع القضاۤء بالامضاۤء فلا بداۤء فيه للّه تعالي فهو حكم و حتم ،
و قوله عليه السلام : و رأيكم علم و حزم
الرأي قيل التفكّر في مبادي الامور و النّظر في عواقبها و علم ما يؤل اليه من الخطاء و الصَّواب و هذا تفسير الرأي الصَّواب كرأي المعصوم (ع‌) و قيل الرأي اعم من ذلك لصدقه علي الاستحسان و القياس و منه عند الفقهاۤء اصحاب الرأي هم اصحاب القياس و التأويل كأَصحاب ابي‌حنيفة و ابي‌الحسن الاشعري و منه قوله عليه السلام من قال في القرءان برأيه فقد اخطأ ه‍ ، يعني قال فيه بما رءاه مما لم‌يكن مستنِداً الي كتاب او سنّة و اليه الاشارة بقوله تعالي و من اضلّ ممن اتّبع هواه بغير هديً من اللّهِ و لحنه انّ مَن اتّبع هواه اي ما تميل اليه نفسه لاستناده الي الدليل من برهان او يقين او هدي من اللّهِ فالاول دليل المجادلة بالّتي هي احسن و الثاني دليل الموعظة الحسنة و الثالث دليل الحكمة فهو مهتدٍ موفّقٌ للصواب لان الضال المخطئ مَنْ يحوم حول نفسه فمن مال الي رأيه غير مستندٍ الي واحد من هذه الثلاثة فهو ضاۤلّ مُخطِئٌ اقول انّ تفسير الرأي الاول اتي به القاۤئل تفسيراً لرأي النبي صلي اللّه عليه و آله فلذا قلتُ بعده و هذا تفسير الرأي الصواب كرأي المعصوم عليه السلام لبيان مراد القاۤئل و من تدبّر ظهر له انّ هذا التفسير اعم من رأي المعصوم عليه السلام و من رأي غيره بنظره بعقله و ان كان مستنداً الَي الكتاب و السّنّة فانَّ الاوّل لايخطئ الوَاقع اَبداً و الثاني يخطئ و يصيبُ فالاَوْلي في تفسير رأي المعصوم عليه السلام انّ المراد بالتّفكر في مبادي الامور و النظر في عواقبها و علم ما يَؤُل اليه من الخطأ و الصواب هو التّفكر علي نحو ما اشرنا اليه في تأويل قوله تعالي و اوحي ربُّك الي النحل ان اتّخذي من الجبال بُيوتاً و من الشَّجر و ممّا يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سُبُلَ ربّكِ ذُلُلاً باَن يستنبط بنظر اللّهِ و ينظر بعين اللّه في كل شئ بما امره اللّه و دلّه عليه بما خلقه علي اكمل استقامةٍ و جَبلَهُ علي الصواب بِحَق۪يقةِ ما هو اهلُه من صدقِ القبول عنه في كلّ المواطِن و بما افاض علي فؤاده من ضياۤء المعرفة و علي قلبه من نور اليقين و علي صدره من شعاع شرحه لدينِه و علي جميع حواۤسه من العلم و التسديد و علي اركانه من نور العمل و القيام بحق العبودية و العبادة فهو يسلك في استنباطِه۪ و نظرِه سُبُلَ ربّه ذُلُلاً و ذلك اراه اللّهُ و رفع له مَنارَ هدايته و مصباح تأييده و تسديده و توفيقه و ارشاده و ايّده بروحٍ منه لايسهو و لايلهو و لايغفل و لايجهل فلايكون مَن رأيُه علي نحو ما سمعتَ الّا مصيباً للواقع من مطلوبه و لا كذلك غيره و ان تفكّر في مبادي الامور و نظر في عواقبها و في الكافي عن الصادق عليه السلام واللّه مافوّض اللّهُ الي احدٍ من خلقه الّا الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و الي الائمّة عليهم السلام قال اللّه تعالي انّا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك اللّهُ و هي جاريةٌ في الاوصياۤء و في الاحتجاج عنه عليه السلام انه قال لأبي‌حنيفة و تزعم انّك صاحبُ رأي و كان الرأي من رسول اللّهِ صلي اللّه عليه و آله صواباً و من دونه خطأ لان اللّه قال فاحكم بينهم بما اريٰكَ اللّهُ و لم‌يقل ذلك لغيره ه‍ ، فاذا فهمتَ ما ذكرنا ثبت لك انّ رأيهم عليهم السلام بامر اللّه تعالي و انّهم لايخطئون ابداً لانّهم مَعْصُومون مؤيّدون مسدَّدُون فيكون رأيهم علماً اي جازماً ثابتاً مطابقاً للواقع و قوله و حزم الحزم ضبط الرجل امره و الاحتياط في حفظه و قوله عليه السلام الحَزْم مساۤءة الظن يراد منه انّه يضبط امره و يحذر فواته فلو احتمل في شخص تقويتَهُ وَ لوِ احْتِمَالاً مرجوحاً احترز منه و هو معني مساۤءة الظنّ لانّه حين احترز انّما احتاط لحفظ امره لا انّه ظاۤنٌّ في الشخص انه يفوته و لكن لمّا تصوّر ذلك عند نسبته اليه في التَّجنُّبِ و انّما سمّي هذا التحرز مساۤءة ظنٍّ لانّه يشابهه في كونه باعثاً علي التحفّظ و لما كان رأيهم عليهم السلام لاينبعث من خيالهم او نفوسهم او قلوبهم الّا بواردٍ باعثٍ من اللّه تعالي علي طلب ما عرض لهم من ارادة حكم ما اريد منهم اوْ ارادوه فاذا ورد الباعث من اللّه تعالي جعلوا هداه سبحانه دليلهم في انحاۤء طلبهم من فكر و نظر و تدبّر و ادراك و لايلتفتون الي حالٍ من احوال انفسهم في قليل او كثير ليكون اللّه سبحانه هو الباعث لهم و هو دليلهم و هو مفيض ما اراد منهم عليهم فبهذا الاحتراز من انفسهم و من كل ما سوي اللّه تعالي في كل شئ كان رأيهم حَزْماً لعلمهم بانّ حفظ مطلوبهم عن الفوات لايكون بانفسهم و لا باحدٍ من الخلق و لايكون الّا باللّهِ و هذا بعون اللّه ظاهر و في نسخة الشارح المجلسي رحمه اللّه و رأيُكم علم و حلم اي عقل او حزم و يكون تفسيره انتهي ، و فسّر الحلم بالعقل و قوله او حزم تقسيم في التفسير يعْني ان الحلم الذي هو رأيكم يراد به العقل او الحزم و الحزم تفسيره اي تفسير الحلم و الموجود في بعض النسخ علم و حلم و حزم و ربّما وجد في بعض النسخ المصححة بالجيم يعني انّ رأيكم جزم اي قطع و حتم يعني انه ليس بالظنّ و التخمين و القياس و الاستحسان بل هو امر قطعي عندكم عياني بالبراهين الالهيّة و الالهام و غيرهما كما تقدّم اوْ انّ المعني انّ رأيَكم اي مرئيّكم حتم يجب اتّباعه لانّكم معصومون يجب القبول عنكم و يحرم الاعتراض عليكم و الشكّ فيكم شكّ في اللّهِ تعالي و في رسوله صلي اللّه عليه و آله و في كتابه امّا تفسيره رحمه اللّه الحلم بالعقل ففيه بُعْدٌ لأنه من افعال العقل لان الحلم هو التُّؤَدة و ضبط النفس عن هيجان الغضب و هذه افعال العقل و آثاره و لهذا عدّ في حديث العقل ان الحلم من جنوده لا انه هو الّا انّ الخطب سهل .
قال عليه السلام : ان ذكر الخير كنتم اوّلَه و اصلَه و فرعَه و معدنَه و مأويٰه و منتهاه
قال الشارح المجلسي (ره‌) ان ذكر الخير كنتم اوّله لان ابتداۤءَهُ لكم و منكم و اصله فانهم اصل الخيرات لكونهم مقصودين بالذات و منهم وصلَتْ مَن وصلت و فرعَه اي وجودهم نشا من خير اللّه تعالي و فضله علي عباده او كمالاتهم العليّة و افعالهم المرضيّة فرع وجودهم فهم اصله و فرعه و مأويه اي لا يوجد الّا عندهم و منتهاه اي لو وجد عند غيرهم فبالٰاخرة ينتهي اليهم كما تقدم او انفسهم منتهي مراتب الكمال و الجود انتهي .
الخير معروف و يراد منه المستحسَن المحبوب و المطلوب كالمال و الحيوة و الدين و الاعمال الصالحات و غير ذلك من الامور المحبوبة و الشريفة و النجيبة و الزاكية و ما اشبه ذلك و المراد انه اذا ذكر الخير من العصمة و الولاية و السلطنة و الصلاح و الدين و العبادة و صدق العبوديّة و العلم و الشجاعة و الكرم و الامامة و تولّي الامر و الحكم بين الناس و الصبر و القناعة و العقل و الحلم و الحياۤء و الفهم و الفطنة و الزهد و القناعة و العفو و الرضي و غير ذلك من الصفات الحميدة و الاخلاق الزكية و الافعال المرضيّة من الاعتقادات و الاعمال و الاقوال و الاحوال ممّا يتعلق بالنفس و الغير في الدنيا و الٰاخرة كنتم اوّله يعني انّكم سبقتم مَن سواكم اليه اوْ انّما وصل الي غيركم منه فانما هو من فضلكم و فاضِلكم او انّما خلقه اللّه لكم اَوْ انّما يذكر علي جهة كونه صفة لكم او اثراً منكم او انّما يذكر احدٌ من الخلق بشئ منه فانتم المذكورون قبله و ذلك لازم في الاذهان كما اذا ذُكرتِ الصفة و العرض فانّ اللازم في الاذهان انهما مبنيان علي الموصوف و الجوهر فالموصوف في الذهن سابق عند ذكر الصفة من حيث هي صفة و الجوهر المعروض سابق في الذهن عند ذكر العرض من حيث هو عرض لأن الصفة ح مبنيّة الوجود علي الموصوف و العرض ح مبني الوجود علي الجوهر المعروض او انّكم اكمل افراد الموصوفين به اَوْ اَشهرها او لأنكم عِلَلُ وجوده كما تقدّم مراراً يعني العللَ الفاعلية باللّه سبحانه و الماديّة و الصوريّة و الغاۤئيّة او المعني علي جهة الاجمال كنتم اوّله منكم و اليكم و لكم و بكم و فيكم و عليكم و عنكم و لديكم و مَعكم و عندكم و تفصيل هذه العشرة النسب تقدّم مفرّقاً فراجع ،
و قوله عليه السلام : و اصله ،
يعني انّ كل ما يصدق عليه اسم الخير من كل ما في الامكان بعدكم فانتم اصله في اصل وجوده لأن وجوده من اشعّة انواركم و في اصل صورته لأنّها منتزعة من هيئات اعمالكم و اقوالكم و احوالكم و في اصل تأديته الي مَن وصل اليه فانه بتقديركم باذن اللّه تعالي لأنّ اللّه سبحانه جعلكم مُنَاةً لخلقه و اَذْواداً لمن حُرِم شيئاً منه و حفظةً لما اراد اللّه تعالي بقاۤءه منه علي من يشاۤء من عباده و في اصل قابليّة مَن قَبِلَ منه لأنّ اللّه سبحانه جعلكم اعضاداً لخلقِه۪ فكما انعمتم علي من اراد اللّه عز و جل انعامه عليه باذن اللّه تعالي بمواۤدّ الخيرات كذلك انعمتم عليهم باذن اللّه تعالي بقوابلها بحقيقة ما هم اهله لأنّ اللّه سبحانه جعلكم لخلقه اعضاداً و اشهاداً و مناةً و اذواداً و حفظةً و رُوَّاداً فاللّه عز و جل بكم يخلق و بكم يرزق و بكم يمسك السماۤء ان تقع علي الارض الّا باذنه و بكم ينزل المطر و بكم يورق الشجر و بكم ينبت النبات و يثمر الثمر و بكم يفقر و يغني و بكم يمنع و يعطي و بكم يضحك و يبكي و بكم يميت و يحيي و هو علي كل شئٍ قدير ،
و قوله عليه السلام : و فرعه ،
اي انتم فرع الخير الواجب جل و علا اي اثر فعله و دليل قدرته و آيةُ وجودِه۪ كما اشار اليه الشارح رحمه اللّه او انتم اي اعمالكم و اقوالكم فرعه كما دلّ عليه حديث المفضّل المتقدم بعضه و الخير انتم او انتم الذين تفرِّعونه و تُفَصِّلونه او اَنتم الّذين تشرعون شراۤئعه و تَسُنّون سُنَنَهُ كما امركم اللّه سبحانه اوْ اَنتم سببُ تَفرُّعِه۪ لأنّه صفتكم و عملُكم و صفةُ اعمالِكم و سيرتِكم اَوْ انّه لكم و ثوابُكم اَوْ انه مدَدُكم من ربّكم بكم و بغيركم من الخلاۤئِق اَوْ انّه مَمَادِحُكُمْ و الثّناۤء عليكم من ربّكم اَوْ انه ثناۤؤكم علي ربّكم علي ايْديكم وَ اَيْدي اَنْعامِكم الي غَيْرِ ذٰلِك ،
و قوله عليه السلام : و معدنه ،
المعدن محلّ الجوهر و الجَسد المركّب من الكبريت و الزَّيْبق المنْطرق و غير المنْطرق و محلّ المكث و الاقامة مِنْ عَدَنَ بالمَكٰان اذَا اقامَ فيه و مكان كلِّ شئ فيه اصلُه و معني كونهم عليهم السلام معدن الخير اَنّهُمْ محلّ الخير و موضعُ اقامَتِه۪ و مَحَلُّ نشوِه۪ و مكانٌ فيه اصل الخير و هو اي اصل الخير مادة من شعاعهم كالزيبق للمعدن و صورة من صفة افعالهم و اعمالهم و معارفهم كالكبريت للمعدن يعني انّهم اَصْلُ الخَيْر منْهم نشا و عنهم بدا و منهم خرج و اليهم يعود و عندهم يبقي و فيهم يقيم و معهم يستَقِرُّ و بهم يقوم و بهم تأهّلَ مَنْ تَأهّلَ لِشَئٍ منه لأنّهم الواسِطَةُ لكلِّ خيْرٍ و السبَب في وجُوده۪ و قابليّته ،
و قوله عليه السلام : و مأويٰهُ ،
مرجعه و منزلُه الذي ينضمُّ اليه و منه جنّات المأوي يعني الجنات التي تأوي اليها ارواح الشهداۤء كذا عن ابن‌عباس اي ترجع اليها و ينضم و لعل هذه الجنان من جنان الدنيا لأن جنان الٰاخرة ترجع الارواح في الاجساد و اذا خصّصها بالارواح فالمراد بها جنّة الدنيا و هي المدهاۤمّتان كما روي عن علي عليه السلام و قد تقدم الحديث في ذكر الرجعة فاذا اريد بها ذلك فمعني انّها تأوي اليها بعد الموت اَوْ بعد اتيانها وادي السلام و زيارة قبورهم و اهاليهم يرجعون اليها و معني انّهم عليهم السلام مأوي الخير انّ الخير علي اي حال فُرِض فانّه يرجع اليهم و ينضم اليهم لأن كلّ شئ يرجع الي اصله و هم كما تقدّم اصل الخير فيرجع اليهم لأنّه من فاضل نورهم كما يرجع نور الشمس اليها فانّها اذا غربت رجعت الاشعة اليها لأنّها اصلها و قاۤئمةٌ بها قيام صدور فكذلك الخير فان كان من اعمالهم فهو وصفهم و وصف الشئ لاحقٌ به و ان كان من اعمال غيرهم فكذلك كما تقدّم لأنّه انّما برز عنهم و انّما وصل الي ذلك الغير بهم و انّما توفّق لفعله بهم فهو اولي و لانّ كلّ ما سواهم كما ذكرنا سابقاً انّما خلق لهم قال اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه نحن صناۤئع اللّهِ و الخلق بعدُ صناۤئعُ لنا يعني به عليه السلام ان الخلق انّما صنعهم اللّهُ لهم فاعمالهم لهم و انّما يثابون عليها كثواب العبد اذا اطاع مولاه و عمل له فانّه يثيبُه بالاطعام و الكسوة و التقريب من سيّده و ربّما ولّاه بعضَ املاكه و وكّله عليها او صرّفه فيها و انّما اُمِر الخلاۤئق بايقاع الاعمال للّهِ تعالي خالصةً من شاۤئبة شركِ غيره لتقع صحيحة مقبولةً فاذا اوقعها العبد كذلك قبلها اللّه لهم عليهم السلام و اثابَهُ علي طاعته و اذا اوقعها لغير اللّه تعالي سواۤء اَوْقَعها لهم عليهم السلام امْ لغيرهم او للّه تعالي مع غيره وقعت باطلةً مردودة فعاقبه عليها و وجه كون الاعمال لهم عليهم السلام انّها صفات العاملين و العاملون صفاتهم فاذا اوقعها العامل للّهِ تعالي كانت موافقةً لامره و الثواب مركّب من امر اللّه هي مادته و من عمل العبد المقبول بامتثال امر اللّه تعالي فهو لهم عليهم السلام بالامر الذي امتَثل العبد متعلّقه و هو منهم و لهم و يثاب عليه العامل بصورة الامتثال لأنّها منه و صورة الامتثال صفة الامر و الحاصل انّ كلّ خيرٍ فهم مأويٰهُ علي ايّ طَوْرٍ فُرض ،
و قوله عليه السلام : و منتهاه ،
منتهي الشئ غاية وصوله و رجوعه بحيث لايتجاوزه قال تعالي و انّ الي ربّك المنتهي قيل معناه اذا انتهي الكلام اليه فانتهوا و تكلموا فيما دون العرش و لا تتكلّموا فيما فوق العرش فانّ قوماً تكلموا فيما فوق العرش فتاهت عقولهم و في الكافي عن الصادق عليه السلام ان اللّهَ يقول و ان الي ربّك المنتهي فاذا انتهي الكلام اليه فاَمْسكوا ه‍ ، فالخير المذكور الّذ۪ي هُمْ صَلَّي اللّهُ عَلَيْهِمْ مُنْتهَاه هو ما صدر عنهم و امّا ما صدَر عَنْ غَيْرهم فهو بواسطتهم و بهم لأنّه منهم صدر فما كان منهم فهو ينتهي اليهم و ما كان من الغير بهم فأَصله ينتهي اليهم و عارضه اللّاحق بالاصل ينتهي الي الغير و لكن هذا الخير المنتهي الي الغير ان كان في نفسه بقدر ما يتقوّم به الغير بحيث لايكون له اقتضاۤء لأَثرٍ ذاتيٍّ له فهو لاينتهي الَيْهم بالذّات و لَا بالعرض كوجود اعداۤئهم و ان كان يفضل عن قدر ما يتقوّم به الغير بحيث يكون له بسبب تلك الزيادة اقتضاۤء لأَثرٍ ذاتيّ له فهو ينتهي اليهم بالعرض كما في شيعتهم و محبّيهم من وجود اكوانهم و اعمالهم هذا حكم العرضي في الٰاخرة و امّا في الدّنيا فانّ مَا لَحِقَ اعداۤءَهم من الخير قد يكون صورة كالصورة الانسانيّة الّتي اَلْبَسَهُم اللّهُ اِيّاهَا في عالم الذّرِّ بظاهر اقرارهم و لهذا اقرّوا في الدنيا باَلْسِنَتِهِمْ بالشهادَتَيْنِ و قلوبهم منكرة و هم مستكبرون فظواهرهم بالصُّوَر الانسانية و بها اقرّوا بالسنتهم بالشهادتين و بواطنهم بصور الشياطين و الانعام فأِقرارهم في الدنيا بالصور الانسانيّة و الاقرار و الصور من الخير فاذا كان يوم القيمة عادت تلك الصور مع آثارها من الشهادتين الي اصلهما من الشيعة فكان هذا الخير يأوي و ينتهي اليهم عليهم السلام بالعرض لأنه من اتباعهم و انّما عاد اليهم بالعرض لأنّه زاۤئد علي القدر الذي تَقوَّم به اعداۤؤهم و كان له اقتضاۤء لأَثر ذاتيّ و هو الشهادتان هذا في الدنيا و هؤلاۤء منهم مَن تُسْلب منهم هذه الصور بعد خروج ارواحهم و منهم مَن لاتُسْلَب عنه في البرزخ و تُسْلَبْ منه يوم القيمة فكل الخير قليله و كثيرهُ و جليله و دقيقه يرجع اليهم لأنه منهم و هم مأويٰه و منتهاهُ اِمّا بِالذّات اَوْ بالعَرض الّا قدر ما يتقوّم به اعداۤؤهم اذا لم‌يكن له اقتضاۤء لأَثر ذاتيّ لَهُ فانه لايرجع اليهم لانقلَابِه۪ بسبب صورته الخبيثة عن الخَيْر الي الشّرِّ فهو شَرّ في الحقيقة و اليه الاشارة في حديث هشام الطويل في ذكر الجهل ثم خلق الجهل من البحر الاجاج ظلمانيّاً فقال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فلم‌يقبل فقال له استكبرت فلعنه ثم جعل للعقل خمسةً و سبعين جنداً فلمّا رأي الجهل ما اكرم اللّه به العقل و ما اعطاه اضمر له العداوة فقال الجهل يا ربّ هذا خلق مثلي خلقته و كرّمته و قوّيته و انا ضدّه و لا قوّة لي به فاعطني من الجندِ مثل ما اعطيته فقال نعم فان عصيتَ بعد ذلك اخرجتك و جندك من رحمَتي قال قَد رضيتُ الحديث ، بقوله تعالي فان عصيتَ بعد ذلك اخرجتك و جندك من رحمتي و ذلك لأنه عصي لعنه اللّه فاخرجه اللّه و جنده من رحمته تعالي و هو مُرادُنَا بانْقِلابه و من ينقلب علي عقبيه فلن‌يضرّ اللّهَ شيئاً فهذا هو الذي لاينتهي اليهم فان قلتَ هذا من اصله شرّ فكيف استثنيتَهُ من افراد الخير و هو ليس من افراده قلتُ انّ اللّه حين خلقه جعل فيه ما به يتمكّن من الطاعة و الّا لماقامت الحجة عليه و هذا الذي يتمكّن به من الطاعة من افراد الخير فلمّا لم‌يعمل بمقتضاه ضعف فيه حتّي استولَي عليه ضدّه حتّي اطاعه في معصية اللّه تعالي فلمّا عصي و اعتاد المعصية لعنه فانقلب شرّاً و كان خيراً فهذا الذي لايكونون عليهم السلام منتهاه و اشار سبحانه الي انقلابه بقوله تعالي لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ثمَّ رددناه اسفل سافلين و ذلك هو عدوّهم فافهم .
قال عليه السلام : بابي انتم و امي و نفسي كيف اصف حسن ثناۤئكم و احصي جميل بلاۤئكم
قال الشارح المجلسي رحمه اللّه تعالي اي نعمكم و لااَصِلُ اليهما كمّاً و كيفاً و الحال انّ من جملتها انّ اللّه اعزّنا بالاسلام الي آخره كما يأتي .
اقول يقول بابي و امي و نفسي افديكم حيثُ لااقدر علي وصف حسن ثناۤئكم الثناۤء مضاف الي المفعول يعني انّ اللّه سبحانه قد اثني عليكم في كتابه التدويني و في كتابه التّكويني فقال في التدويني قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربّي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربّي و لو جئنا بمثله مدداً ، و لو انّ ما فِي الارض من شجرة اقلامٌ و البحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه ، في احتجاج الطبرسي سَئَلَ يحيي بن اكثم اباالحسن العالم عليه السلام عن قوله تعالي سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّهِ ما هي فقال عليه السلام عين الكبريت و عين اليمينِ و عين ابرهوت و عين الطبريّة و جمّة ماس۪يدان و جمّة افريقيّة و عين بلعُورَان و نحنُ الكلمات التي لاتُدرَك فضاۤئِلُنا و لاتُسْتَقْصي ه‍ ، اقول يحتمل ان يكون كنّي بهذه السبعة الاعين عن السبعة الابحر المذكورة ان المراد منها انّ الوجود من دونهم ينقسم باعتبار ما خلق منه كلّ نوع من الخلق من طينةٍ تخصّه و انّ الطيَن بفتح الياۤء باعتبار طيبها و خبثها و اغلبيّة الطيب و اغلبيّة الخبث و راجحيّة الطيب في الجملة و راجحيّة الخبث في الجملة و التساوي اي تعادل الطينتين و ان المخلوق من هذه السبعة الاقسام من الانسان و الملك و الجان و الشيطان و النبات و الحيوان و المعدن و الجماد و العناصر و الطباۤئع و الافلاك و الكواكب و ما بين ذلك من البرازخ من افراد المذكورين و جُمَلهم لو اجتمعوا علي احصاۤء فضاۤئل محمد و آله صلي اللّه عليه و آله لمااحصوها و انّما يحصي كلّ واحدٍ منها ما عنده و فيه و ما يمكنه لأنّ كلّ من ذكرنا و اشرنا اليه من اشعّة انوارهم كما مرّ عليك مراراً و الاشعّة لاتحصي من نور المنير الّا ما وصل اليها منه فافهم و انّما ذكر عليه السلام هذه العيون خاۤصّةً لأن فيها طبايع او خواۤصّ توافق كلّ واحدة بما فيها صنفاً من هذه الطيَن بفتح الياۤء السبعة المذكورة في التقسيم فيكون المراد بالبحر علي هذا هو مجموع العالم سواهم عليهم السلام و السبعة الابحر اقسامه التي ينقسم اليها كانقسام الشجرة الي اغصان سبعة اوْ ان البحر باطن السبعة و السبعة ظواهره و مظاهره و تنزلاته هذا علي فرض ارادة التنزل و يحتمل العكس علي فرض ارادة التّرقي و ذكر عبدالكريم الجيلاني في كتابه الانسان الكامل هذه الابحر السبعة و فصّلها علي طريقة الصوفيّة لأنّه من كبارهم و يريد بها اصناف الناس في طرقهم الي اللّه تعالي و صفاته و اسماۤئه فقال البحار السبعة اصلها بحرانِ لأن الحق تعالي لمّا نظر الي الدرّة البيضاۤء صارت ماۤء فما كان منه مقابلاً في علم اللّه تعالي لنظر اللطف و الرحمة صار عَذْباً و قدّم اللّه ذكر العذب في قوله هذا عذب فراتٌ ساۤئغ شرابه و هذا ملح اجاج لسرّ سبقِ الرحمةِ الغضبَ فلهذا كان الاصل بحرين عذباً و مالحاً فبرز من العذب جدوَل الي جانب المشرق منه و اختلط بنبات الارض فنتِنَتْ راۤئحتُه فصار بحراً علي حدة ثم خرج من العذب مما يلي جانب المغرب يقرب من الملح الاجاج المحيط فامتزج طعمُه فصار ممزوجاً فهو بحر علي حدة و امّا البحر المالح فخرجت منه ثلاث جداول جدول اقام وسط الارض فبقي علي طعمه الاول مالحاً و لم‌يتغيّر فهو بحر علي حدة و جدول ذهب الي اليمن و هو الجانب الجنوبي فغلب عليه طعم الارض التي امتدّ فيها فصار حامضاً و هو بحر علي حدة و جدول ذهب الي الشام و هو الجانب الشمالي فغلب عليه طعم الارض التي امتدّ فيها فصار مرّاً ذُعافاً و هو بحر علي حدة و احاط بجبل قاف و الارض جميعه بما فيه فلايعرف له طعم يختصّ به و لكنّه طيّب الراۤئحة لايكاد من شمّه ان يبقي علي حاله بل يهلك في طيب راۤئحته و هذا هو البحر المحيط الذي لايسمع له غطيط فافهم هذه الاشارات انتهي كلامه ، و هو يريد به ان الابحر السبعة هي هذه الاحوال التي تسير فيها العارفون علي زعمه و منها بحر الذات و هو السابع و هذا يخالف الٰاية الشريفة لان معناها ان الابحر السبعة تنفد قبل ان تنفد كلمات اللّه و يلزمه ان بحر الذات لايحيط بكلماته و قوله تعالي الايعلم من خلق يكذّبه في زعمه ثم قال في تفصيلها اعلم ان البحر العذب هو الطيب المشروب الخ ، و هذا هو الاول و قال و اما البحر المنتن فهو الصعب المسلك الخ ، و يريد به الثاني و ليس بصعبٍ عليه لأنه اقتحمه ثم قال و اما البحر الممزوج ذو الدرر المهروج الخ ، و يريد به الثالث ثم قال و اما البحر المالح فهو المحيط العام الخ و يريد به الرابع ثم قال و البحر الاحمر الذي نشره كالمسك الاذفر و يريد به الخامس ثم قال البحر الاخضر مر المذاق الخ و يريد به السادس ثم قال و البحر السابع هو الاسود القاطع لاتعرف سكّانه و لاتعلم حيتانُهُ هو مستحيل الوصول غير ممكن الحصول لانه وراۤء الاطوار و آخر الاكوار و الادوار و لا نهاية لعجاۤئبه و لا آخر لغراۤئبه قصر عنه المدا و طال و زاد علي العجاۤئب حتي كأنه المحال هو بحر الذات التي حارت دونه الصفات فهو المعدوم و الموجود و المرسوم و المفقود و المعلوم و المجهول و المحكوم و المنقول و المحتوم و المعقول وجوده فقدانه و فقدانُه وجدانه اوّله محيط بٰاخره و باطنه ستر علي ظاهره لايدرك ما فيه و لايعلمه احد فيستوفيه فلنقبض العنان عن الخوض فيه فانه سلوكٌ للتّ۪يه لان البيان يخفيه و اللّه يقول الحق و هو يهدي السبيل انتهي كلامه ، فانظر الي كلامه فقد جعله سابع الابحر و في هذه الكلمات المزخرفة من الالحاد و التناقض ما لايعلمه الّا اللّه سبحانه و من اطّلع علي مراده من كلامه في كتابه المشار اليه و في رسالته في التوحيد فانه زعم ان ذاته تعالي تعلم و يحاط بها و انما الذي لايحاط به فهو صفاته و اذا اطلق عدم الاحاطة بذاته فانه يريد من حيث صفاتها خاصة و انما ذكرت كلامه و هذا الكلام مني لئلّايظنّ ان المراد بالسبعة الابحر في التأويل ما اراد لأنه لو كان كما قال لكان تعالي لايحيط بكلماته كما قال في كتابه لنفد البحر و قوله مانفدت كلمات اللّه مع انّ اللّه يقول الايعلم من خلق و بيان رمزه الخبيث ان الكلمات قديمة كما هو مذهبه من قدم القرءان و الكلام النفسي و تلك صفاته و صفاته لايمكن الاحاطة بها و لا فاۤئدة في بسط الكلام في بطلان مذهبه و يكفيك في بطلان كلامه و انه لايقول مما يختصّون به الّا الباطل انه من اعداۤء آل‌محمد صلي اللّه عليه و آله و مذهبه مذهب اعداۤئهم فذرهم و ما يفترون فانه قال في اول الكتاب المذكور ان مذهبَنا اعني مذهب التصوّف شرطه ان يكون مبنياً علي مذهب السنة و الجماعة ،
و الحاصل ان السبعة الابحر علي ما ذكرنا اوّلاً لو كانت مداداً بل هي علي ما خلقت و الي ما تعود تنفد و لاتُدْرَكُ فضاۤئلهم عليهم السلام و لاتُسْتَقصي كما قال الكاظم عليه السلام ليحيي بن اكثم و قد اشاروا الي بعض البيان لمقامهم ليفهم بعضَ ما هم عليه شيعتهم و ذلك كثير فمنه ما رواه في غيبة النعماني بسنده الي اسحق بن غالب عن ابي‌عبداللّه عليه السلام في خطبة له يذكر فيها حال الائمة صلوات اللّه عليهم اجمعين و صفاتهم فقال ان اللّه تعالي اوضح بائمة الهدي من اهل بيت نبيه عن دينه و ابلج بهم عن سبيل منهاجه و فتح لهم من باطن ينابيع علمه فمن عرف من امّة محمد صلي اللّه عليه و آله واجب حقِّ امامِه۪ وجد طعم حلاوةِ ايمانه و علم فضل طلاوة اسلامه انّ اللّه نصبَ الامام عَلماً لخلقه و جعله حجَّةً علي اهل طاعته البسَهُ تاج الوقار و غشّاه من نور الجبّار يُمَدّ بسببٍ من السماۤء لاتنقطع منه مواۤدّه و لايُنَال ما عند اللّهِ الّا بجهة اسبابه و لايقبل اللّه الاعمال للعباد الّا بمعرفته فهو عالم بما يرد عليه من مشكلاتِ الوحي و مُعَمّياتِ السنن و مشتبهات الدين لم‌يزل اللّهُ يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليه السلام من عقِب كل امامٍ فيصطفيهم لذلك و يحبّهم و يرضي لهم لخلقه و يرتضيهم لنفسه كلما مضي منهم امامٌ نصب عز و جل لخلقه من عقبه اماماً عَلَماً بيّناً و هادياً منيراً و اماماً قيِّماً و حجةً عالماً ائمّة من اللّه يهدون بالحق و به يعدلون حجج اللّه و دُعاتُه و رُعَاتُه علي خلقه يدينُ بهديهم العباد و يستهلّ بنورهم البلاد فَنَمَّي ببركتهم التَّلَاد و جعلهم حيوة الانام و مصابيح الظلام و دعاۤئم الاسلام جرت بذلِكَ فيهم مقاديرُ اللّهِ علي محتومها فالامام هو المنتجب المرتضي و الهادي المجتبٰي و القاۤئم المرتجَي اصطفاه اللّهُ لذلك و اصطنَعهُ علي عينه في الذرّ حين ذَرأَ و في البريّة حين بَرأَ ظِلّاً قبل خلقه نسمَةً عن يَم۪ين عرشِه۪ محبوّاً بالحكمة في علم الغيب عنده اختارَهُ بعلمه فانتجبَهُ بتطهيره بقيّةً من آدم و خيرةً من ذرّيّةِ نوحٍ و مصطفي من آل ابراهيم و سلالةً من اسمعيل و صفوةً من عترة محمدٍ صلي اللّه عليه و آله لم‌يزل مرعيّاً بعين اللّهِ يحفظه بملاۤئكته مدفوعاً عنه وُثوبَ الغواسق و نُفوث كل فاسق مصروفاً عنه قوارف السوۤء بريۤئاً من الٰافات مصوناً من الفَواحش كلّها معروفاً بالعلم و البرّ في يفاعِه۪ منسوباً الي العفافِ و العلم و الفضل عند انتهاۤئه مستنداً اليه امر والدِه “-٢” صامتاً عن المنطق في حياته “٢-” فاذا انقضت مدّة والده انتهت به مقاديرُ اللّه الي مشيّته و جاۤءت الارادة من اللّهِ فيه الي محبّته و بلغ منتهي مدّة والده عليه السلام مضَي و صارَ امرُ اللّهِ اليه من بعده و قلّده اللّهُ دينه و جعلَهُ حجّةً علي اهل عالمه و ضياۤءً لاهلِ دينه و القيّمَ علي عباده رضي اللّهُ به اماماً لهم استحفظه علمه و استحباه ( استخباه خ ) حكمته و استرعاه لدينه و حباه مناهج سبيله و فراۤئضه و حدوده فقام بالعدلِ فيه تحيّر اهل الجهل و محير اهل الجدل بالنور السّاطع و الشّفاۤء النّافع بالحق الابلج و البيان من كل مخرج علي طريق المنهج الذي مضي عليه الصّادقُون من آباۤئِه۪ فليس يجهل حق هذا العالم الّا الشّقي و لايجحدُه الّا غويّ و لايصدّ عنه الّا جريّ علي اللّهِ جلّ و علا و روي في الامالي و معاني الاخبار و الامالي و عيون الاخبار عن الرضا عليه السلام في الحديث الطويل في علامة الامام الي ان قال عليه السلام الامام وحيد دهره لايدانيه احد و لايعادِلُه عالم و لايوجد منه بدل و لا له مثل و لا نظير مخصوص بالفضل كلّه من غير طلبٍ منه له و لا اكتساب بل اختصاص من المفضّل الوهّاب و لا له مثل فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام (ع‌) و يمكنه اختياره هيهات هيهات ضلّت العقول و تاهت الحلوم و حارت الالباب و حسرت العيون و تصاغرت العظماۤء و تحيّرت الحكماۤء و تقاصرت الحلماۤء و حصرت الخطباۤء و جهلتِ الاَلِبَّاۤء و كلّت الشّعراۤء و عجزت الادباۤء و عييَتِ البلغاۤء عن وصفِ شأنٍ من شأنه او فضيلةٍ من فضاۤئله فاقرّت بالعجز و التقصير و كيف يوصف او ينعت بكنهه او يفهم شئ مِن امره او يوجد مَن يقوم مقامه او يُغْن۪ي غناءه و كيف و اني و هو بحيث النجم من يد المتناولين و وصف الواصفين فاين الاختيار من هذا و اين العقول من هذا و اين يوجد مثل هذا الحديث ، و امثال هذا من اخبارهم و ادعيتهم في الاشارة الي مقامهم عليهم السلام كثير لايكاد يحصي و انّما يذكرون من بيان مَناقبهم ما تحتمله عقول البشر و ان يدركوا حقيقة ما ذكروا بل ان كنتَ ممتحناً بمعرفتهم كفاك قول الحجة عليه السلام في دعاۤء شهر رجب الذي ذكرناهُ مراراً في قوله عليه السلام و مقاماتك التي لا تعطيل لَهٰا في كل مكان يعرفُك بها مَن عرفك لا فرقَ بينك و بينها الّا انهم عبادك و خلقُك الدعاۤء ، فانه مشتمل علي ما لا مزيدَ عليه بالنسبة الي مقام شيعتهم فاذا عرفتَ ما اشرنا اليه ظهر لك حقيقة قوله عليه السلام كيف اصف حسن ثناۤئكم ،
و قوله (ع‌) : و احصي جميل بلاۤئكم ،
لمّا كان اعظم الناس بلاۤءً الانبياۤء ثم الاولياۤء ثم الامثل فالامثل و قد قال صلي اللّه عليه و آله من حسن ايمانه و كثر عمله اشتد بلاۤؤه الحديث ، و غير ذلك كانوا عليهم السلام اولي بذلك من غيرهم لان عند اللّه تعالي مقامات و مراتب لاتنال الّا بالبلاۤء و كانوا اشدّ الناس بلاۤءً فقد روي في الامالي بسنده الي بريدة بن خصيب الاسلمي قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عهد اليَّ ربّي تعالي عهداً فقلتُ يا ربّي بَيِّنْهُ لي فقال يا محمد اسمَعْ عَلِيٌّ راية الهدي و امام اولياۤئي و نور مَن اطاعني و هو الكلمة التي الزمتُها المتّق۪ين فمن احبّه فقد اَحبّن۪ي و مَن ابغضه فقد ابغضَن۪ي فبشّره بذلِك قال قلتُ اللهم اجِّل و اجعل ربيعه الاسلام في قلبه قال قد فعلتُ ثم قال اني مستخِصُّه ببلاۤءٍ لم‌يصِب احداً من امّتك قال قلتُ اخي و صاحبي قال ذلك مما سبق منّي انه مبتليً و مبتليً به ه‍ ، و قد جرَتْ عليهم صلي اللّه عليهم من البلايا ما لم‌تجر علي احدٍ من الخلاۤئق من اعداۤئهم ممّا يضيق بذكره الدفاتر و لقد ذكر الثاني في صحيفته التي اوصي فيها معوية يحرضه علي عداوتهم و حربهم و قتل من تمكن منه منهم و من شيعتهم و ما اخبر فيها ممّا فعل بالصّدّيقة الطاهرة صلي اللّه عليها و لعن اللّه من آذاهَا ما لٰايكادُ يحتمل سماعه و ما جري علي الحسين عليه السلام و علي اخيه الحسن عليه السلام و علي الائمة صلوات اللّه عليهم ما كدّر صافي العيش علي محبّيهم و نغصّ عليهم لذيذ حياتهم بل كلّ مظلمةٍ و تهضّم و اذلالٍ و اهانةٍ جرت عليهم و لم‌يجر علي غيرهم الّا تبعاً و مَن بصّره اللّهُ عاينَ ذلك حتّي ان الصادق صلوات اللّه عليه ذكر ان الذنوب الكباۤئر المشهورة انّما نزلت فيهم و انّما تجري علي فاعليها من غير اعداۤئهم علي جهة التبعيّة ففي العلل و الخصال بسنده الي عبدالرحمن ابن كثير عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قال انّ الكباۤئر سبع فينا نزلت و منّا استحلّت فاوّلها الشرك باللّهِ العظيم تعالي و قتل النفس الّتي حرّم اللّه عز و جل و اكل مال اليتيم و عقوق الوالدين و قذف المحصنة و الفرار من الزحف و انكار حقِّنا فامّا الشرك بالله عز و جل فقد انزل اللّه العظيم فينا ما انزل اللّه عز و جل و قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ما قال فكذّبوا اللّه عز و جل و كذّبوا رسوله صلي اللّه عليه و آله فاشركوا باللّه عز و جلّ و امّا قتل النفس التي حرّم اللّه عز و جل فقد قتلوا الحسين بن علي عليهما السلام و اصحابه و امّا اكل مال اليتيم فقد ذهبوا بفَيئِنا الذي جعله اللّه عز و جل لنا فاعطوه غيرنا و امّا عقوق الوالدين فقد انزل اللّه عز و جل في كتابه النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم و ازواجُه اُمَّهاتهم فعقّوا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في ذرّيته و عقّوا امّهم خديجةَ في ذرّيّتِها و امّا قذف المحصنة فقد قذفوا فاطمة عليها الصلوةُ و السلام علي منابرِهم و امّا الفرار من الزحف فقد اعطوا اميرالمؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه بيعتهم طاۤئعين غير مكرهين ففرّوا عنه و خذلوهُ و امّا انكار حقِّنا فهذا مما لايتنازعون فيه و في مناقب ابن‌شهراشوب انّ اميرالمؤمنين عليه السلام قال بينا انا و فاطمة و الحسن و الحسين عند رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم اذِ الْتفَتَ اليّ فبكي فقلتُ ما يبكيك يا رسول اللّهِ (ص‌) قال ابكي من ضربَتِكَ علي القرنِ و لطم فاطمة خدّها و طعنة الحسن في فخذه و السم الذي يسقاه و قتل الحسين (ع‌) ، و رأي اميرالمؤمنين عليه السلام في المنام قاۤئلاً يقول شعراً :
اذا ذكر القلبُ رهطَ النبي       ** * **      و سبْيَ النساۤءِ و هَتْكَ السِّتَر
و ذبح الصبيّ و قتلَ الوصي       ** * **      و قتلَ شب۪يرٍ و سَمَّ الشَّبَر
تَرقْرقَ في العين ماۤءُ الفؤاد       ** * **      و يجري علي الخدِّ منه الدُّرَر
فيا قلبِ صبراً علي حُزنِهمْ       ** * **      فعِندَ البلايا تكون العِبَر
فاذا عرفتَ ما جري عليهم من البلايا بغير ذَنْبٍ وقعَ منهم و انّما جري عليهم ما جري بما جري به القلم و لو سَئَلوا اللّه عز و جل رفعه و ارادوا دفعه رفعه اللّه تعالي و دفعه عنهم و لكنهم قابلوا محتوم القضاۤء بمحكم الرضا و قصد اعداۤءهم لعنهم اللّه بذلك اهانتهم و اذلالهم و اطفاۤء نورهم و يأبي اللّه الّا اَنْ يتم نُورَهُ و لو كرِهَ الكافرون فكان ما فعلوا بهم من اعظم مناقبهم و رفع شأنهم حتّي كانت جميع العوالم تسبّح اللّه بنشرِ الثناۤء عليهم في بلاياهم و مصاۤئبهم و لقد قلتُ في قصيدة رثيتُ بها الحسين عليه السلام :
اَمَّا ثناۤؤُك في بلاۤئِك       ** * **      فهو لايُحصيه كاتبْ
و اري جميعَ الخلق كُلّاً       ** * **      بالذي اُوتِي مُخاطِبْ
يبدُو بنَعْيِكَ حينَ يَبْدُو       ** * **      و هُو حالٌ غيرُ كاذِبْ
فَلِذَاك ق۪يلَ لكَ المحامدُ       ** * **      و المَمَادِحُ في المصاۤئبْ
فمن يحصي جميل بلاۤئهم لانه في الحقيقة تسبيح اللّه و تمجيده و الثناۤء عليه و اُحبّ ان اذكر لك ما كتبتُه لقرّة العين و الاخ الصفي في الدارين الٰاخوند الملا حسين الواعظ الكرماني بلّغه اللّه الاماني حين سألني عن مسائل :
و منها قوله ايّده اللّه و في بعض الاخبار يومي ان المنافقين و الشياطين لعنهم اللّه لم‌يبكوا علي الحسين عليه السلام و امّا الكافرون فقد بكوا عليه كما ورد ان النار و اهل النار بكوا علي الحسين عليه السلام فكيف يكون كذلك الخ ، كتبتُ في جوابه :
اقول الذي يدلّ عليه العقل و النقل ان جميع ما في الوجود المقيّد من كل ذي هيئةٍ و صورة مما في السموات و الارضين و سكّان العناصر و البحار بكوا علي الحسين عليه السلام الّا ان بكاۤءَهم علي نوعَيْن : احدهما بمقتضي امكان ذي الهيئة و الصورة و بهذا النوع بكي علي الحسين عليه السلام كل شئ حتي المنافقين و الشياطين و اهل عليّين و اهل سجّين و هذا بكاۤء معنوي و هو علي اصناف منه ان كلّ واحدٍ منهم يجد في نفسه ضعفاً عن شئ من الاشياۤء و منه ان كلّ واحدٍ منهم يجد في نفسه رقّةً لشئ من الاشياۤء و منه ان كلّ واحدٍ منهم يجدُ في نفسِه۪ خضوعاً لشئ من الاشياۤء و منه ان كلّ واحدٍ منهم يجدُ في نفسِه۪ مَيلاً لشئ من الاشياۤء و منه ان كلّ شئ منهم يجد في نفسِه۪ حاجة لشئ من الاشياۤء و منه انّ كلّ شئ منهم يجد في نفسه خوفاً من شئ من الاشياۤء و منه ان كلّ شئ منهم يَجدُ في نفسه رجاۤء لشئ من الاشياۤء و منه ان كلّ شئ منهم يَجدُ في نفسه غمّاً لعدم ادراك شئ من الاشياۤء او لفوت شئ من الاشياۤء و منه ان كل شئ منهم يجد في نفسه همّاً عنده لامرٍ مستقبلٍ محبوبٍ يخاف عدم ادراكه او بطؤ ادراكه او محذور يخاف وقوعه و ما اشبه هذه و كلُّ هذه و ما اشبهها بُكاۤءٌ او تَباكٍ لجمود عينِ طبيعته و يجري علي كل مَن اشرنا اليه من كل ذي هيئةٍ و صورة من الخلق و مرادي بذي الهيئة و الصورة ذو الانّيّة حالَ وجدانِه اِنّيّتَهُ و الي هذا المعني اشرت بقولي في قصيدتي المقصورة في مرثية ابي‌عبداللّهِ الحسين عليه السلام قلتُ :
ما في الوجودِ معجَمٌ لم‌يَكن       ** * **      الّا اعتَرتْهُ حَيرةٌ في اسْتِوا
كلّ انكسارٍ و خضوعٍ به۪       ** * **      و كلّ صوتٍ فهو نوحُ الهَوا
اَماتري النّخلةَ في قُبّةٍ       ** * **      ذاتِ انفِطارٍ و انفِراجٍ فَشا
ما سَعْفَةٌ فيها انتهتْ اُخْبِرتْ       ** * **      الّا لها حزنُ امامي شوي
اَماترَي الاَثلَ و اَهدابَهُ       ** * **      عند الرياح ذا حنينٍ عَلا
اَماسمعتَ النَّحْلَ ذا رِنَّةٍ       ** * **      ف۪ي طيرَانه۪ شديدَ البكا
و السيفُ يفري نحرَهُ باكياً       ** * **      و الرمحُ ينعَي قاۤئماً و انْثِنا
تبكيه جُرْدٌ جارياتٌ علي       ** * **      جُثمانِه و انْ تَدُقُّ القَرَا
واللّهِ مارأيتُ شيئاً بدَا       ** * **      في الكونِ الّا بِبُكاۤءٍ تَلا
فتأمّل هذه الابيات تعرف ما اشرنا لك اليه و ثانيهما بالبكاۤء المعروف و جريان الدموع و يكونُ ذلك من محبّيه عليه السلام و من مبغضيه حالةَ عدم التفاتِهم الي جهة بغضِه و عداوته فانهم في حالة التفاتهم الي عداوته و بغضِه۪ و ما يردُ منهم منَ الحنقِ و الغيظِ عليه و علي اتباعه و محبّيه لايبكون عليه لشدة بُعد قلوبهم حينئذٍ عن الرحمة و قسوتِها عن قبول الخبر و هو تأويل قوله تعالي ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشدّ قسوة و ان من الحجارة لَما يتفجّر منه الانهار و ان منها لما يشقّق فيخرج منه الماۤء و ان منها لَما يهبِط من خشية اللّه و البكاۤء علي الحسين عليه السلام من خشية اللّهِ و امّا في حال غفلتِهم عن شقاقهم البعيد من رحمة اللّهِ اذا ذكروا ما جري عليه و علي اهل بيته و انصاره بكوا كما جري من كثيرٍ منهم مثل خَولَي الاصبحي لعنه اللّه هو يسلب زينب عليها السلام و الاطفال و يأخذ النطع سحباً من تحت سيّدالعابد۪ين صلوات اللّه عليه و هو يبكي و لمّا سألته قال لعنه اللّه ابكي لما جري عليكم اهل البيت و هو من المنافقين ،
و الحاصل كل شئٍ يبكي علي الحسين صلوات اللّه عليه تبكيه الرياح بهفيفها و النار بتَلهُّبِها و الماۤء بجريانه و امواجه و جموده و الشمس و القمر و النجوم بتغيّراتها من حُمرة و صفرةٍ و كسوف و خسوف و الجبال بارتفاعها و انهدادِها و الجُدران بانفطارها و انهِدَامها و النبات بتغيّره و اصفراره و يُبْسِه۪ و الٰافاق بتكدّرِها و اغبرارِها و حمرتها و صفرتها آه ثم آه ثمّ آه ماادري ما اقول و تبكيه التجارة بخسارتها و كسادِها و العيون بتكدّرها و المعادن بفسادِها و الاسعار بغلاۤئها و الاشجار بموتها و بقِلّةِ ثمرها و بسقوط ورقها و يُبسِ اغصانها و اصفرارِ وَرَقِها اماسمعتَ بكاۤءَ الاواني حين تنكسر من الچيني و الخزف و من المعادن تبكيه بانكسارها “-٢” و بصوته “٢-” حين الكسرِ اَماسمعتَ هَد۪يرَ الاطيارِ في الاوكار و هَفيف الاشجار و امواج البحار و بُكاۤءَ الاطفال الصغار اَماسمعتَ بُكاۤء الاسفار بعدم اَمْنِيّةِ القفار اَماسمعتَ الليل يبكيه بظلمته و النّهار بالاِسْفار اَمارأيتَ تفتُّتَ الاحْجارِ و غورَ البحارِ و قِلّةَ الامطار و غلاۤء الاسعار و فسادَ الافكار و اختِلافَ الانظار و قِصَر الاعمار آه ثم آه ثم آه اُجْمِلُ لك الامر بما اجمله العزيز الجبّار في كتابه قال في هذا الشأن مصرِّحاً بالبيان لمن كان لقلبه عينان و ان من شئٍ الّا يسبّح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم فقال عليه السلام في بيان ان المراد بهذه الٰاية ما ذكرنا في الزيارة الجامعة الصغيرة المذكورة في آخر المصباح للشيخ رحمه اللّه قال عليه السلام يسبّح اللّهَ باسماۤئه جميع خلقِه۪ يعني انَّ كلَّ شئ يسبّح اللّهَ بالبكاۤءِ علي سيّدِ الشهداۤء عليه افضل الصلوة و السلام و الثّناۤء و بنشر فضاۤئله و مَمادحِه۪ في مصاۤئبه انتهي كلامي هُنَاك ثم قلتُ بعد الابيات المتقدّمة و الحاصل هذا مجمل الجواب و البيان انّ كل شئ يبكي عليه الّا حال التفاته الي عداوته و بغضه فانّه في تلك الحال مطرود من رحمة اللّهِ التي وسعت كلّ شئ لانه حين العداوة لا وُجودَ لاصل عداوته لعنه اللّه له عليه السلام فلاجل ذلك قلنا هو حينئذٍ في ظلمةٍ موهومةٍ لاتشمُلُها رحمة اللّهِ التي وسعت كل شئ صلي اللّه عليك يا اباعبداللّهِ بعَددِ ما في علم اللّهِ ه‍ ،
فاذا فهمتَ ما ذكرنا عرفتَ مصابهم و عظيم رزؤهِمْ و ظهر لك ممّا ذكرنا من اَنّ بُكاۤء الاشياۤء عليهم هو تسبيح اللّهِ تعالي كما سمعتَ فكيف يوصف او يحصي جميل بلاۤئكم مِن جهاتٍ شتّي منها انّ اللّهَ و له الحمد انّما ابتلاهم لرفع دَرَجاتهم لا لتقصيرٍ وقع منهم وَ انّما نظر لهم احسن ما عنده فهذا جميل لايحصَي و منها انهم قابلوا الابتلاۤء بكمالِ الرِّضَي لعلمِهِم بانّه اَحْسَنُ لهم حينئذٍ من العافية و ذلك جميل لايُحْصَي و منها انّ اثر بلاۤئهم ينبسِطُ علي جميع مَن يستمدّ منهم فيبعثهم علي تسبيح اللّهِ و تقديسه علي جهة الانقياد كما سمعتَ فيما ذكرنا من بُكاۤء الخَلْق علي مُصابهم و بلاۤئهم و ذلك جميل لايحصي و منها انّهم انّما ابتُلوا بما ابتُلُوا به من جهةِ ماتحمَّلُوا من تَقْص۪يرات اَتْباعِهمْ من شيعتِهم و محبّيهم لينجوا مِنَ النّار فصار فعلهم سبباً لنجاة اتباعهم و لِبَعْثِ الخلق علي تقديسِ اللّهِ و لرضاهم عليهم السلام بالبلاۤء فينالوا اَعْلَي درجاتٍ عِنْدَ اللّهِ تعالي ممّا اَعدَّها للصّابرين و الرَّاض۪ين و المُتَحمِّل۪ينَ عن المُغْرَم۪ين و المكروبين فهذه الامور و امثالها موجبات لجميلٍ لايُحْصَي كلّ وَاحدٍ منهم جميلٌ لايتناهَي فكيف يحصي جميلُ بَلاۤئِهمْ .
قال عليه السلام : و بكم اخرجنا اللّٰهُ من الذلّ و فرّج عنا غمرات الكروب و انقذنا من شفا جرف الهلكات و من النّار
قال الشارح المجلسي رحمه اللّه و الحال انّ من جُملتها ان اللّه اعزّنا بالاسلام بهدايتكم و اخرجنا من ذلّ الكفر و العذاب في الدنيا و الٰاخرة و فرّج عنا غمرات الكروب اي الغموم و الشداۤئد الكثيرة من الكفر و الظلم و الجهل و غيرها و انقذَنا اي خلّصنا من شفا جرف الهلكاتِ اي حين كنا مشرِفين علي الهلاكِ من الكفر و الضلال و الفسق فهدانا بكم و خلّصَنا من تَبِعاتِها و من النار باصول الدين و فروعها انتهي .
اقول هذا الكلام مرتبط علي ما قبله لانه حال من احواله و انّما فصلتُ بينهما تخفيفاً و الشارح رحمه اللّه وصل بينهما لابتِناۤء الٰاخر علي الاوّل و هو اولي لقصر كلامه و انا لاجل طول الكلام كرهتُ وصله بالاول لبعده عن هذا المحل و تداركته ببيان ابتناۤئه علي الاول لانه حال من احواله و المعني انه عليه السلام قال كيف اصف حسنَ ثَناۤئكم الذي من بعضه النعم التي وصلت الينا من هدايتكم لنا التي بها اخرجنا اللّه سبحانه من هذه الامور المذكورة و احصي جميل بلاۤئكم الذي لم‌يجر عليكم الّا بذنوبنا و تقصيراتِنا حين اشتريتمونا من موبقات اعمالِنا بما جري عليكم من المحن و البلايا مع ما قصّرنا في واجبات حقوقكم فمن حسن ثناۤئكم هدايتكم لنا بافاضة اشِعّة انواركم علي قلوبنا و بما انعمتم به علينا من فاضل طينتكم بتعليْمكم لنا معالم دينِنا و توجُّهِكم لتسديدِنا بدعاۤئكم لاصلاحِنا و توفيقِنا لما يحبّ اللّه و اظهارِكم لنا من علومكم اسرار التعلم و التمرين للمعارف الحقّة و العلوم اليقينية و الاعمال الصالحة ممّا كتمتموه عن منكريكم و زويتموه عن معاديكم بمَنْعِهِمْ اِطاقةَ القبول منكم و موالاةِ اعداۤئكم و معاداةِ اولياۤئكم و لولا تفضّلكم علينا لم‌نعترف بما انكروا و لم‌نَنَلْ ما لم‌يدركوا و لم‌نقبل ما تركوا و من جميل بلاۤئكم فَكُّ رقابنا ممّا نستوجبه بسبب قصورنا و تقصيرنا عن تمام تلقّي ما القيتم الينا ممّا به تمام دينِنا بما تحمّلتم من المحن و البلايا حتّي اشتريتمونا من حكم لزوم كلمة الحق من القدر المحتوم انّ مَن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره و من يعمل مثقال ذرةٍ شرّاً يَرهُ فمن حسن ثناۤئكم و فضلكم و من جميل بلاۤئكم و عفوِكم و احسانكم ما اخرجنا اللّه به من ذلّ الكفر و شقاۤء عداوتكم و هلاكِ بغْضِكم و من عذاب الدنيا من موجباتِ الحدود و القصاص باتّباعكم و ضربِ الجزية و شقاوة الردّة و عمي الضلالة و من درك الشقاۤء عند الموت و سوۤء المُنقلبِ و مناقشة المسئلة في القبور و عذاب البرزخ و اهوال يوم القيمة و النار و بذلك من نعمكم و تفضّلكم فرّج عنّا غمرات الكروب من الهموم و الغموم و الشداۤئد في الدنيا ببركتكم و بدعاۤئكم و عند الموت و المسئلة و عذاب الدنيا و الٰاخرة و بذلك من تفضّلكم و عفوكم انقذنا من مقتضيات نفوسنا و دواعي طباۤئِعنا التي لولا جميلكم و عفوكم لوقعنا في هُوّة هلاك الدنيا و الٰاخرة لانا كنّا بدواعي طباۤئعنا و مقتضيات جهالاتِنا و هوي انفسنا مشرفين علي هلاك الدنيا و الٰاخرة فخلّصنا اللّه تعالي من مكاره الدنيا و الٰاخرة بكم و الشفا الاشراف علي الشئ و الجرف مثل عُسْرٍ و عُسرُ ما تجرّفتْه السيول و اكلته من الارض و منه قوله تعالي علي شفا جرفٍ هارٍ ، و في اعلام الدين للديلمي من كتاب الحسين بن سعيد عن الصادق عليه السلام عن آباۤئه عليهم السلام عن رسول اللّه صلي اللّهُ عليه و آله انه قال لاميرالمؤمنين عليه السلام بَشِّر ش۪يعتكَ و محبّيك بخصالٍ عشرٍ اوّلها طيب مولدِهم و ثانيها حسن ايمانِهم و ثالثها حبُّ اللّهِ لهم و الرابعة الفسحة في قبورهم و الخامسة نورهم يسعَي بين ايديهم و السادسة نَزْعُ الفقر بين اعينهم و غني قلوبهم و السابعة اللعنة من اللّه لاعداۤئهم و الثامنة الامنُ من البرص و الجُذام و التاسعة انحطاط الذنوب و السّيئاۤت عنهم و العاشرة هم معي في الجنّة و انا معهم فطوبٰي لهم و حسن مأٰب ه‍ ، و هذا انما هو من عطاۤئهم و ذلك قول الصادق عليه السلام بنا عُرِف اللّه و بنا عُبِد اللّه نحن الادلّاۤء علي اللّه و لولانا ماعُبِد اللّه ه‍ ، و قوله عليه السلام يا مفضّل ان اللّهَ خلقنا من نوره و خلق شيعتنا منّا و ساۤئر الخلق في النار بنا يطاع اللّه و بنا يُعْصي يا مفضّل سبقَتْ عزيمة من اللّه انه لايتقبّل من احدٍ الّا بنا و لايعذّب احداً الّا بنا فنحن باب اللّه و حجّته و امناۤؤه في خلقه و خزّانه في سماۤئه و ارضه حلَّلْنَا عن اللّهِ و حرَّمْنا عن اللّهِ لانحتجبُ عن اللّه اذا شئنا و هو قوله تعالي و ماتشاۤؤن الّا ان يشاۤء اللّه و هو قوله صلي اللّه عليه و آله انّ اللّهَ جعلَ قلبَ وليّه وَكْراً لارادته فاذا شاۤء اللّه شِئنا شاۤء : يعني وليَّهُ ، ( منه اعلي الله مقامه ) .
ه‍ ، و عن الباقر عليه السلام الي ان قال و نحن الذين بنا تنزل الرحمة و بنا تسقون الغيث و نحنُ الذين بنا يُصرف عنكم العذاب فمن عرفنا و نصرنا و عرف حقّنا و اخذ بامرنا فهو منّا و الينا ه‍ ، و في تفسير علي بن ابراهيم بسنده الي ابي‌الحسن الرضا عليه السلام الي ان قال (ع‌) نحن نور لمن تبعنا و هدي لمن اهتدي بنا و من لم‌يكن منا فليس من الاسلام في شئ بنا فتح اللّه الدين و بنا يختمه و بنا اطعمكم اللّه عشب الارض و بنا انزل اللّه قطر السماۤء و بنا آمَنكم اللّه من الغرق في بحركم و من الخسف في برّكم و بنا نفعكم اللّه في حياتكم و في قبوركم و في محشركم و عند الصراط و عند الميزان و في دخولكم الجنان الحديث ، و بالجملة ما دلّ من آثارهم علي انّ كلّ ادراك لخير مطلوب و كلّ فوزٍ بامر مرغوب و كلّ تحصيلٍ لشئ محبوب و كلّ نجاةٍ من امر محذور و كلّ سلامةٍ من جهل و غرور و من مكروه و شرور و خلاص من سوۤء عواقب الامور كلّ ذلك انّما يحصل منهم عليهم السلام لايكاد يحصي و لايستقصي اللهمّ بحقّهم عليك نَجِّنَا بهم من كل مكروه و محذور و من سوۤء عواقب الامور في الدنيا و الٰاخرة يا وليّ الدنيا و الٰاخرة انّك علي كل شئٍ قدير .
قال عليه السلام : بابي انتم و امّي و نفسي بموالاتكم علّمنا اللّٰهُ معالم دينِنا و اصلح ما كان فسد من دنيانا
قال الشارح المجلسي رحمه اللّه علّمنا اللّه معالم ديننا اي الكتاب و السنّة التي يُعلم منهما ديننا او بالعقل و النقل و اذا زار غير العالم فيقصد انه تعالي علّم هذا النوع او الشيعة او يعمّ العلم بحيث يشمل التّقليد او يعمّ التعليم بما يشمل و اصلح ما كان فسد مِن دنيانا بعلم التّجارات و غيرها اوْ بادعيتنا ببركتهم او ببركة ادعيتهم لنا انتهي .
اقول المراد بالموالاة المتابعة لهم في الاقوال و الاعمال و المحبة و امتثال الاوامر و النواهي و التسليم لهم و الردّ اليهم و المعالم جمع مَعلم كمقعد بمعني ما يستدل به فمَعلم الشئ مظنّته و ما يستدل به يقول بموالاتكم اي بمحبّتكم و و اتّباعكم في الدين و امتثال اوامركم و نواهيكم و الاخذ عنكم في الاقوال و الاعمال و الاخلاق و التسليم لكم و الردّ اليكم و البراۤءة من اعداۤئكم في كلّ شئ مما ذكر علّمنا اللّه مَعالم د۪يننا اي نوّر قلوبنا لقبول الحق منكم و عرّفنا بكم نفسه و ما اراد منّا من معرفته بسبيل معرفتكم و عرّفنا بكم و بِبَيانِكم آياته التي ضربَها لعباده ليستدلوا بها في الٰافاق و في انفسهم و جعلنا بكم عارفين بنبيّه صلي اللّه عليه و آله و بكم صلي اللّه عليكم و علّمنا شراۤئع الدّين الذي ارتضاه بما انزلَ عليكم من الكتاب و الحكمة و بما نشرتم لنا من علومكم و اجملتم في اصولكم و فصّلتم في احكامكم فمن استنبطَ منّا احكامكم فبكم اسْتنبَطَ و بنوركم نظر و بدليلكم استدَل و مَن تلقّي منّا عن المستنبط فعن امركم تَلقَّي و بهدايتكم تحرّي فقد علّمنا اللّه سبحانه و له الحمد معالم ديننا بموالاتكم من معرفة آياته بما انار بكم من عقولنا و من احكام دينه بما انزل عليكم من كتابه و انطقكم لنا بما اراده مِنّا حتّي اكملَ بكم الدين و انارَ بكم صُدُورَ المؤمنين و بما اشرق من انواركم علي قلوبنا من اليقين و هدي بكم الصراط المستقيم و بِموالاتكم اصلح ما كان فسدَ من دنيانا حتي كان طلبُنَا للدنيا و للمعيشة فيها مرضيّاً عند اللّهِ مقرِّباً الي رضاه لما ابحتم لنا من اموالكم و علّمتمونا طريق الاكتساب من حيث يرضي رب الاَرْباب فاتّبعنا طريق معاملتكم من حيث المجموع و تركنا ما كان عندكم من الممنوع حتّي سمّيتم اتباعكم و شيعتكم لاجل ذلك اهل القنوع فكان ما ربحنا من تجارة و زراعةٍ و غير ذلك شكراً منكم لمحبّتِنا لكم فانزل اللّه لكم و لاجلكم فينا هل جزاۤء الاحسان الّا الاحسان و كان ما فاتنا من تجارة و زراعة و غير ذلك كفّارةً لما قصّرنا فيه من حقّكم و واجب امتثال امركم فقد اصلح ربّنا و له الحمد بموالاتكم و محبّتِكم ما كان فسدَ مِن دُنيانا و لقد روي ابن‌شاذان في مناقبه بسنده الي ابن‌عمر قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من اراد التوكّل علي اللّه فليحبّ اهل بيتي و مَن اراد ان ينجو من عذاب القبر فليحبّ اهل بيتي و مَن اراد الحكمة فليحب اهل بيتي و مَن اراد دخول الجنّة بغير حساب فليحبّ اهل بيتي فواللّهِ مااحبّهم احَدٌ الّا ربح في الدنيا و الٰاخرة ه‍ ، و الربح في الٰاخرة معلوم و امّا الربح في الدنيا فهو ما اصابَ من خير فشكراً لنعمة محبّته لهم و ما اصابه من شرّ فكفّارة لذنوبه اللهم يا مقلّب القلوب و الابصار صل علي محمد و آله و ثبّت قلبي علي دينك و دين نبيّك صلي اللّه عليه و آله و لاتزغ قلبي بعد اذ هديتني و هب لي من لدنك رحمة انّك انت الوهّاب ، و دينه سبحانه و دين نبيه صلي اللّه عليه و آله هو حبّهم عليه و عليهم السلام ففي تفسير العياشي عن بُرَيد بن معوية العجلي قال كنت عند ابي‌جعفر عليه السلام اذ دخل عليه قادم من خراسان ماشياً فاخرج رجليه و قد تَفلّقَتَا و قال اَما واللّهِ ماجاۤءَ بي من حيث جئتُ الّا حبّكم اهل البيت فقال ابوجعفر عليه السلام واللّهِ لو احبّنا حجر حشره معنا و هل الدين الّا الحبّ ان اللّه يقول قل ان كنتم تحبّونَ اللّه فاتّبعوني يُحْبِبْكم اللّه و قال يحبّون مَن هاجَر اليهم و هل الدّين الّا الحبّ ه‍ ، قال في العوالم بيان لعلّ الاستشهاد بالٰاية امّا لان حبَّهم من حبّ اللّهِ او بيان ان الحبّ لايتم الّا بالمتابعة ه‍ ، اقول الظاهر ان هذا من كلام صاحب البحار و اقول امّا الوجه الاول فيمكن تصحيحه بان يقال كما ان كل شئ من اللّه كذلك حبّهم من حبّ اللّه و هذا معني ظاهري و امّا الحقيقي فحبّهم حبُّ اللّهِ بلا تعدّد اصلاً كما دلّت عليه النقل مَن احبّهم فقد احب اللّه و من ابغضهم فقد ابغض اللّه و مَن اطاعهم فقد اطاع اللّه و هو صريح في الاتّحاد لما دَلّ عليه النقل عنهم كما في الكافي و التوحيد في تفسير قوله تعالي فلمّا آسفونا انتقمنا منهم عن الصادق عليه السلام انه قال في هذه الٰاية ان اللّه تبارك و تعالي لايأسف كأَسَفِنا و لكنه خلق اولياۤء لنفسه يأسفون و يرضون و هم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسِه۪ و سخطهم سخط نفسه و ذلك لانه جعلهم الدعاة اليه و الادلّاۤء عليه فلذلك صاروا كذلك و ليس ان ذلك يصل الي اللّه كما يصل الي خلقه و لكن هذا معني ما قال الحديث ، و معني قوله عليه السلام و ليس ان ذلك يصل الي اللّه الخ ، انّ الاشياۤء الحادثة و هي جميع ما سواه و من جملتها الاسف و الندم و الغضب و الحب و البغض و غير ذلك كالطاعة و المعصية و العمل و ما اشبه ذلك لايصل الي القديم تعالي فان الازل هو سبحانه لايصل اليه غيره و لاينزل منه شئ الي غيره لكمال غناه و كل ما سواه فهو في رتبة الفعل و المفعول فحبّ اللّه لايقع عليه و لايصل اليه سواۤء اعتبرتَهُ مضافاً الي الفاعل ام الي المفعول فان اعتبرت الاضافة الي الفاعل كان حبّه سبحانه لعبده ايصال ثوابه و رحمته و مدده و تفضّله و ما اشبه ذلك الي العبد المحبوب و كلّ ذلك من آثار فعله المحدَثِ فالواصل من فعله من تقريبه عبده و اثابته و رفع شأنه و غير ذلك انما هو اثر ذلك الفعل و اين التراب و رب الارباب و ان اعتبرتَ الاضافة الي المفعول فانّما ينسب الحبّ الي مظاهره و مقاماته التي لا تعطيل لها في كل مكانٍ و هي التي يعرفه بها مَن عرفه و هم عليهم السلام اركان تلك المقامات و قد تقدّم قبل هذا ابحاث كثيرة في بيان هذا الشأن فحبّهم عين حبّ اللّه لانه تعالي جعلهم محلّاً و مرجعاً لكل ما ينسب اليه مطلقاً فافهم ،
و امّا الوجه الثاني و هو قوله او بيان ان الحب لايتم الّا بالمتابعة و ظاهر هذا حسن لكن فيه ان الظاهر منه ارادة المتابعة التّامّة و ظاهر الاحاديث المتكثرة تحقّق الحبّ بادني متابعة اذا خلص القلب عن شاۤئبة حبّ من سواهم نعم ان اراد بالتمام الكمال فهو كذلك حقيقةً ففي الخصال بسنده الي ابي‌سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله مَن رزقه اللّه حب الائمة من اهل بيتي فقد اصاب خير الدنيا و الٰاخرة فلايشكّنّ احد انّه في الجنّة فان في حبّ اهلِ بيتي عشرين خصْلةً عشر منها في الدنيا و عشر في الٰاخرة امّا في الدنيا فالزهد و الحرص علي العمل و الورع في الدين و الرغبة في العبادة و التوبة قبل الموت و النشاط في قيام الليل و اليأس مما في ايدي الناس و الحفظ لامر اللّه و نهيه عز و جل و التاسعة بغض الدنيا و العاشرة السخاۤء و امّا في الٰاخرة فلاينشر له ديوان و لاينصب له ميزان و يعطي كتابه بيمينه و يكتب له براۤءة من النار و يبيض وجهه و يكسي من حلل الجنة و يشفع في مائة من اهل بيته و ينظر اللّه عز و جل اليه بالرحمة و يتوّج من تيجان الجنة و العاشرة يدخل الجنة بغير حساب فطوبٰي لمحبّي اهل بيتي ه‍ ، فان قوله صلي اللّه عليه و آله فان في حب اهل بيتي ظاهره انّ هذه العشرين الخصلة لازمة لحبّ اهل بيتي الّا ان الاخبار الكثيرة صريحة في تحقّق الحب مع الكباۤئر كشرب الخمر كما في قصّة اسمعيل الحميري و غيره و حديث الصادق عليه السلام لمّا سُئل عن محب علي (ع‌) و انه يدخل الجنّة قال له الساۤئل و ان زني و ان سرق و كان في المجلس عبدالملك بن الفضل البقباق فسكت عليه السلام فلمّا رأي غفلةً من عبدالملك قال للساۤئل اخفاءً بحيث لايسمع عبدالملك و ان زني و ان سرق و غير ذلك من الاحاديث التي لاتحصي و مقتضي الجمع بينها حمل هذه العشرين خصلةً علي الحب الكامل و يحتمل انه صلي اللّه عليه و آله اراد انّ حبّهم داع الي هذه الخصال او سبباً ( سبب ظ ) للتوفيق لها او موجباً ( موجب ظ ) لثوابها و ان لم‌توجد من المحب و ليس بعزيز علي اللّه سبحانه ان يوجب لمحب علي عليه السلام درجة تلك الخصال و ان لم‌تكن فيه كما دلّت عليه رواياتهم اَوْ انّ المراد بالخصال العشر معانيها الباطنة غير الظاهرة كما دلّت عليه احاديثهم ايضاً و انما يذكر ظاهرَها ليكون ادْعي للطاعات و معانيها الباطنة ان المراد بالزهد الّايكون بما عنده اوثق به مما عند اللّه كما قال الصادق عليه السلام في تفسير الزهد او المراد بالزهد في الدنيا ترك ولاية الاول كما قال الصادق عليه السلام في قوله تعالي بل تؤثرون الحيوة الدنيا هي ولاية الاول و الٰاخرة خير و ابقي هي ولاية علي بن ابي‌طالب عليه السلام و باقي الخصال العشر علي ما يقرب من هذا المعني و انا اُلَوِّحُ لَكَ في بيانِ هٰذا و غيره ان الدنيا المذمومة في الباطن حيثما تطلق يراد بها تلك السلطنة الاولي و الٰاخرة يُرَادُ بهَا الولاية الثانية و السَّيِّئة يُرٰاد بها حُبّ الاولي و الحسنة حبّ الثانية وَ كذلك النّار و الجنَّة و الموالاة حقيقةً هي المحبّة من جهة الاصالة و المتابعة و امتثال الامر و النهي و التسليم و الانقياد و الرّدّ متشعّبةٌ عليها و متفرّعة منها فافهم .
قال عليه السلام : و بموالاتكم تمّت الكلمة و عظمت النعمة و ائتلفت الفرقة
قال الشارح المجلسي رحمه اللّه و بموالاتكم تمّت الكلمة اي كلمة التوحيد كما قال اللّه تعالي لا اله الّا اللّه حصني مَن دخل حصني اَمِنَ عذابي فلمّا نقل ابوالحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام الخبر قال و لٰكن بشروطها و انا من شروطِها او كلمة الاسلام الاسلام اعني الكلِمتَيْن او الاسلام و الايمان تجوّزاً و عظمت النعمة كما قال تعالي اليوم اكملتُ لكم دينكم و اتممتُ عليكم نعمتي و رضيتُ لكم الاسلام ديناً ، و ائتلفت الفرقة فان المؤمنين كنفسٍ واحدةٍ سيّما الصلحاۤء منهم انتهي . و قال السيد نعمت‌اللّه الجزاۤئري (ره‌) في شرح التهذيب تمت الكلمة اي كلمة التوحيد و الايمان لان اعظم اركانه الولاية و قال الرضا عليه السلام في حديثه لعلماۤء نيشابور و كانوا من اهل الخلاف فالتمسوا منه عند خروجه منها ان يحدّثهم حديثاً واحداً فقال اكتبوا حدّثني ابي موسي بن جعفر عن جدي الصادق عليه السلام عن ابيه باقر العلوم عن ابيه سيدالساجدين عن ابيه شهيد كربلاۤء عن ابيه اميرالمؤمنين علي بن ابي‌طالبٍ عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن جبريل عن ميكاۤئيل عن اسرافيل عن اللوح عن القلم عن اللّه عز و جل انه قال لا اله الّا اللّه حصني مَن دخله اَمِنَ مِن عذابي فقالوا حسبنا يا ابن رسول اللّه فلمّا رجعوا قال لهم لكن بشروطها و انا من شروطها و قد نقل ان بعض السلاطين امر بكتابة هذا السند بماۤء الذهب و انه كان يعالج به المصروعين كان يكتب في اناۤء و يمزج بما يشربه المصروع و العليل فيبرئ و الي الٰان هذا حاله و ائتلفت الفرقة فان العرب قبل الاسلام كانوا متفرقين في الاهواۤء و كان من عاداتهم الغارات و نهب اموال بعضهم بعضاً و القتل بينهم فلمّا جاۤء الاسلام جمعهم علي الدين و هدَرَ كلّ دمٍ قبل الاسلام فصاروا ببركته اخواناً بعد ان كانوا اعداۤءً انتهي .
اقول قوله عليه السلام بموالاتكم تمّت يُراد منه انّ الكلمة سواۤء يراد بها كلمة التوحيد التي يراد منها لا اله الّا اللّه ام كلمة الاسلام التي هي لا اله الّا اللّه محمد رسول اللّه ام مع عليّ ولي اللّه من دون بصيرة ام بدون العمل ام كلمة الايمان التي هي لا اله الّا اللّه محمد رسول اللّه (ص‌) ام مع علي ولي اللّه مع البصيرة ام مع العَملِ ام الدين مطلقاً انّما تتم بموالاتكم اي محبّتِكم و اتّباعكم في الاعتقادات و الاعمال و الاَقْوال و امتثال اَوَامِركم و نواهيكم و الاقتداۤء و الائتمام بكم و الاخذ عنكم و التفويض اليكم و التسليم لكم و الردّ اليكم و الاتّكال علي ولايتكم و الاعتقاد بان الاعمال لاتنفع و لاتقبل الّا بولايتكم و محبَّتِكم و التّمام المذكور يجوز ان يراد به الاشتراط كما قال الرضا عليه السلام بشروطها و انا من شروطها علي ارادة الاشتراط الاصطلاحي او الاعم فَيُراد به الجزئيّة كما ورد عنهم عليهم السلام انهم اركان الدّين و اركان التّوحيد و اركان الاسلام و غير ذلكَ و يجوز ان يُراد به الكمال فتتحقّق بدونها كما يُظَنّ و يتوهّم في الامم السّابِقة و علي الاشتراط المشار اليه هل هي شرط ماديّ ام شرطٌ صوري ام فيهما معاً و كذا علي الجزئيّة و علي ارادة الكمال كذلك و الّذي تشهد له آثارُهُم و تقبله العقول المستنيرة بنورهم انّ الاحتمالات التسعة كلّها صحيحة و كلّها قد مرّ ذكرُها في هذا الشرح فمن تَرصَّدها وجدَها فانّ القول الّذي تحقّقَتْ به الكلمة انّما اظهره اللّه فيهم و اجريٰهُ عليهم و اوصل ظلّ ذلك الي مَنْ شاۤءَ بهم و ما دلّ عليه من المعاني فمن انوارهم خلقَها تعالي و بقبولهم اقامها و بفاضل تأديتهم اوصلها الي مَن استحقّها و ما اوجده سبحانه بعمل قابلها من نورها فبدعاۤئهم و اعانتهم باستغفارهم و تحمّلهم تقصيرات قابليها المانعة من قبولها و بهم كتب في قلوب قابليها “٢” الايمان بها و ايّدهم “٢-” بوجهٍ من الروح التي هي منه اي من فعله و مشيته التي جعلها عندهم صَلّي اللّهُ عليهم و ايضاً بموالاتكم عظمت النعمة اي نعمة الدين الّتي هي سعادة الدنيا و الٰاخرة اذ بقبولها في الاظلة طابت مواليدهم في هذه الدّنيا يعني مواليد شيعتهم بما طهّرهم به من موجبات الكفر و النفاق في مطاعم آباۤئهم و امّهاتهم من تناول ما حرّم اللّه سبحانه و مناكحهم و ملابسهم و ذلك انه اذا علم اللّه سبحانه ان الشخص من شيعتهم امر عز و جل ملاۤئكة يذودون ابوَيْه عن تناول ما نهي عنه من كل شئ يكون سبباً في خبث الطينة حتي يتولّد ذلك المولود مما يحبّ سبحانه فيكون بطيب مولده يقبل ولايتهم و محبّتهم و يهوي فؤادهُ اليهم فيميل بطينته الي الاقتداۤء بهم و التسليم لهم و الردّ اليهم و الاخذ عنهم و يدين اللّه بطاعتهم و التّفويض اليهم في كلّ ما يراد منه مما يتعلّق بامر الدنيا و الدّين و حبهم علامة طيب الولادة و في المحاسن بسنده الي الصادق عليه السلام عن آباۤئه عليهم السلام عن علي صلوات اللّه عليه قال قال النبيّ صلي اللّهُ عليه و آلِه۪ يا اباذرّ مَن احبّنا اهل البيت فليحمدِ اللّه علي اوّل النعم قال يا رسول اللّه و ما اوّل النعم قال طيب الولادة انّه لايحبُّنا اهل البيْت الّا مَن طاب مولده و روي ابن‌ادريس عن السّكوني قال قال ابوعبداللّه عليه السلام لايحبُّنا من العرب و العجم و غيرهم من الناس الّا اهل البُيُوتاتِ و الشرف و المعادن و الحسب الصحيح و لايبغضنا من هؤلاۤء و هؤلاۤء الّا كلّ دنسٍ مُلْصقاً ه‍ ، فلمّا طابت ولادتهم بما يَسّر لهم سبحانه و تعالي من مقتضيات طيب الولادة لان علمه تعالي اولي بحقيقة التصديق احبّوهم بجعل اللّه كما في قوله تعالي و جعل افئدة من الناس تهوي اليهم و الناس هنا شيعتهم و جري هذا الجعل علي قبول تلك المقتضيات و اقتضت تلك الطينة الّتي اقتضت حبّهم تَصْديقهم و القبول منهم و الايتمام بهم و التّسليم لهم و الرّدّ اليهم و الانقياد لهم و الاعتراف بواجب حقّهم و طاعتهم بقلوبهم و السِنتهم و جوارحهم و العقد علي ولايتهم و موالاة وليّهم و البراۤءة من اعداۤئهم و اولياۤء اعداۤئهم في الدنيا و الٰاخرة بحيث صبروا في تحمّل ذلك علي شدّة الفقر و ضيق الدهر و كثرة الاعداۤء و شدايد لاتحصي و لايزيدهم ما يصيبهم من تلك البلايا الّا ثباتاً في حبّهم و اطمئناناً بولايتهم و استقامةً علي دينهم و كلّ هذه الخيرات انّما نالوها بموالاتهم صلي اللّه عليهم فلهذا قال عليه السلام و عظمت النعمةُ يعني علينا بموالاتكم و النعمة الاسلام الّذي ما عليه الّا هم و شيعتهم لان اساسَ الاسلام حبّهم ففي امالي الطوسي بسنده الي جابر عن ابي‌جعفر عن آباۤئه عليهم السلام قال لمّا قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله مناسكه من حجة الوداع ركب راحلته و انشأ يقول لايدخل الجنّة الّا من كان مسلماً فقام اليه ابوذر الغفاري رحمه اللّهُ تباركَ و تعالي فقال يا رسول اللّه و ما الاسلام فقال عليه السلام الاسلام عُريان و لباسه التقوي و زينته الحياۤء و مِلاكُه الورع و كماله الدين و ثمرتُه العمل و لكل شَئ اساسٌ و اساس الاسلام حبُّنا اهل البيت و في المحاسن بسنده الي ابي‌عبداللّه عليه السلام قال لكل شئ اساس و اساس الاسلام حبُّنا ه‍ ، و النّعمة هي العقبة الّتي اقتحمها بحبّهم و ولايتهم و البراۤءة من اعداۤئهم و في اعلام‌الدين للديلمي مما نقله من كتاب فرج‌الكرب عن ابي‌عبداللّه عليه السلام في قوله تعالي فلااقتحم العقبة فقال مَن انتحل ولايتنا فقد جَاز العَقبة فنحن تلك العقبة التي من اقتحمها نجا ثم قال مهلاً افيدك حرفاً هو خير لك من الدنيا و ما فيها قوله فَكُّ رقبةٍ ان اللّه تعالي فَكَّ رقابكم من النار بولايتِنا اهل البيت و انتم صفوة اللّه و لو انّ الرجل منكم يأتي بذنوبٍ مثل رملِ عالج لشفَعْنا فيه عند اللّه تعالي فلكم البشري في الحيوة الدنيا و في الٰاخرة لا تبديل لكلمات اللّهِ ذلكَ هو الفوز العظيم ه‍ ، و النعمة هم عليهم السلام التي انعم اللّه سبحانه علي محبّيهم بل علي جميع الخلق فكفر بها كلّ الخلق الّا شيعتهم و محبيهم من الانس و الجن و الملاۤئكة و الحيوانات و النبات و المعادن و الجمادات و في قوله تعالي الم‌تر الي الذين بدّلوا نعمة اللّهِ كفراً ، في تفسير علي بن ابراهيم عن اميرالمؤمنين عليه السلام قال ما بال اقوام غيّروا سنة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و عدلوا عن وصيّه لايتخوفون ان ينزل بهم العذاب ثم تلا هذه الٰاية ثم قال نحن النعمة التي انعم اللّه بها علي عباده و بنا يفوز مَن فاز يوم القيمة ه‍ ، و في القُمّي في قوله تعالي فبأَي آلاۤءِ ربّكما تكذبان قال ابوعبداللّه عليه السلام في هذه الٰاية حين سئل عنه قال اللّه تعالي فبأَي النعمتَيْنِ تكفران بمحمد ام بعلي و في الكافي مرفوعاً عنه (ع‌) فيها أبالنبيّ (ص‌) ام بالوصيّ و فيه تلا ابوعبداللّه عليه السلام هذه الٰاية و اذكروا آلاۤء اللّه قال اتدري ما آلاۤء اللّه قلتُ لا قال هي اعظم نِعَم اللّه علي خلقه و هي ولايتنا ه‍ ، اقول النعم الّتي اظهر اللّه سبحانه للامم الماضية و اجري عليهم آثارُهَا من الامطار و الاشجار و الثمار و الملابس و الصحة و الأمن و السمع و البصر و ساۤئر القوي الظاهرة و الباطنة مما يتعلق باحوال الدنيا و الٰاخرة و ما عرّفهم به من نفسه و ما اراد منهم بامره و نهيه مما فيه صلاحهم في الدارين و تبليغ السعادة و المراتب العالية في النّشأتين خصوصاً النّشأة الٰاخرة قد عرّفهم انبياۤءهم عليهم السلام عن اللّه تعالي ذلك و انّها آثار نعم اللّهِ و آثار رحمته و ان تلك النعمة العامّة و الرحمة الواسعة هي محمد و آله صلي اللّه عليه و عليهم اجمعين و ولايتهم و ان من اقام ولايتهم من طاعة اللّه سبحانه من تنزيهه و وصفه بما وصف نفسه و مِن الايمان به تعالي و كتبه و رسله و اليوم الٰاخر بان الايمان به امتثال اوامره و نواهيه و الايمان بكتبه تحمّل القيام بما فيها و الايمان برسله معرفة حقّهم و القيام بطاعتهم فيما امروا به و دعوا اليه و الايمان باليوم الٰاخر بالاستعداد له بالاعمال الصالحات علي ما امر اللّه تعالي و ذكّروهم اواۤئل النعم و اَواخِرها و لم‌يعرّفوا احداً من رعاياهم اسباب ذلك الّا عَلي جهة الاِجْمال كما قيل ان الالواح التي نزلت فيها التورية علي موسي علي محمد و آله و عليه السلام تسعة الواح اخرج منها سبعة و اخفي لَوْحَيْن لم‌يُطْلِعْ عليْهِمَا الّا اخاه هرون عليهما السلام لانّهما فيهما بيان الحقاۤئق و شرح العلل و الاسباب التي لايحتملُها اكثر الخلاۤئق و انما عرّفوهم من المراد من النعم ما يحتملون من آثارِها فقالوا لهم فاذكروا آلاۤء اللّه و لمّا كانت هذه الامة اصفي الامم و اعدلها امزجةً بيّنوا اهل العصمة عليهم السلام ان المراد منها نحنُ و ولايتنا و قوله عليه السلام اعظمُ نعم اللّهِ لايريد منه انّ هم و ولايتهم بعض نعم اللّه فيكون للّه نعم ليست ايّاهم و لا منهم و لا عنهم بل المراد انّهم و ولايتهم اعظم نعم اللّهِ عند اكثر من عرفهم فانّ اكثر من عرفهم انّما يعرفون انّ النعم غيرهم و غير ولايتهم و ان كانوا هم و ولايتهم باعتبارٍ آخر اعظمها و قد اشاروا للخصيصين من شيعتهم انّه ليس للّه علي خلقه نعمٌ غيرهم و غير ما منهم و عنهم و ما كُتِب في اللّوحين لموسي و هرون عليهما السلام انما هو بيان هذا و مثله ،
و امّا ما ذكر في آية فباي آلاۤء ربّكما تكذّبان فهو خطاب للاعرابيّين الانسيّ و الجنيّ بان المراد من الٰالاۤء هم و ولايتهم عليهم السلام و هما يعرفان المراد من الٰالاۤء معرفةَ التكليف و التمييز الموجب لقيام بما خُلِقا عليه من التمكين الّذي به هداية النَّجْدين و ذلك جهة اليمين منهما فلم‌يعملا بمقتضي ما خُلِقَا عليه و لا ما ذكِّرا به من جهة الخلقة و الفطرة و عملا بمقتضي هويهما و ذلك جهة الشمال منهما حتي تغيّر خلق اللّهِ الاوّل ثمّ خلقهما اللّه سبحانه بفعلهما الخِلقة الثانية فاشار عز و جل الي الحالين فقال في كتابه لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم يعني بالفطرة و التمكين و هداية النجدين ثم رددناهُ اَسْفلَ سَافِلين يعني بفعلهما الذي غيّرا به خلق اللّه حتّي بَتَّكَا آذان الانعام فكانا يعرفان بالخلق الاول مَنِ الٰالاۤءُ وَ بالخلق الثاني يكذّبان و هذه المعرفة معرفة تفصيليّة و تكذيبهما تكذيبٌ تفصيلي لم‌يصل الي هذين الحالين احد غيرهما من المكذبين من جميع الخلاۤئق من الاولين و الٰاخرين فكل جاحدٍ و ظالم و فاسق و ملحد و كافرٍ و مشركٍ و مجرم و غاوٍ و قاسط و منكرٍ و مستهزئ و سَاخِرٍ و متكبّر و مستنكف و حاسد و ضاۤلّ و ناكثٍ و عادلٍ و مارق و رجيم و غير ذلك فهو من اشياعهما و اتباعهما من الاوّلين و الٰاخرين منهما اخذ و لهما قلّد و ايّاهما عَبد و دعَا و لهذا حملا اثقالَهُما و اثقالاً مع اثقالِهِما فكان عليهما من العذاب ضعف عذاب جميع اهل النار و لانهما في صندوقين في جوف التنّين الاسود في الفلق و هي الطبقة الثالثة السفلي من جهنم التي هي اسفل النيران و اشدّها و في المعاني عن الصادق عليه السلام انه سئل عن الفلق فقال صدعٌ في النار فيه سبعون‌الف دار في كل دارٍ سبعون‌الف بيت في كل بيت سبعون‌الف اسود في جوف كل اسود سبعون‌الف جرّة سمٍّ لا بد لاهل النار ان يمرّوا عليها ه‍ .
اقول لا بد ان يمروا عليها و هو قوله تعالي و ان منكم الّا واردها كان علي ربّك حتماً مقضيّاً و هي قد عرضت عليها الخلاۤئق في التكليف و تعرض يوم القيمة فمن دخلها بالطاعة في الذر لم‌يعرض عليها في القيمة بل ينجّيه اللّه تعالي منها ببركة محمد و آله صلي اللّه عليه و آله و ولايتهم و طاعتهم في الذر الاول و من لم‌يدخلها في الذر الاول يعرض عليها في القيمة و تأخذه و هو حصّتها من المقاسمة حين قاسمها اميرالمؤمنين عليه السلام و امّا الخصيصون من شيعتهم فقد عرّفوهم ذلك بايمانهم بذلك و تصديقهم كانوا كاملين في ايمانهم لان اللّه عز و جل امتحن قلوبهم للتقوي لصدقهم في حبهم لنبيّه و آله صلي اللّه عليه و آله و ولايتهم لهم فاحتملوا معرفة ذلك و تحمّلوا مقتضاه من الاعمال و هم في الحقيقة هم الذين بموالاتهم عظمت عليهم النعمة ظاهراً و باطناً و قيمة كل امرءٍ منهم ما يُحْسنه ،
و قوله عليه السلام : و ائتلفت الفرقة
انّ من المراد به اي بعض ما يراد منه انّ الفرقة التي كانت في محبيهم لاختلافهم في الافهام و الانظار و في المطالب و في العلوم و في الاغراض و في مطالب الدنيا بل مطالب الٰاخرة فان منهم مَن مَيْله الي الصلوة اكثر منه الي الزكوة او الي الصيام و بالعكس و لذا اختلفت الروايات الواردة في الحثّ علي الاعمال بتَفْض۪يل عملٍ لٰاخر علي العمل الٰاخر و بالعكس لشخص غيره ائتلفَتْ بينهم بسياسة اولياۤئهم عليهم السلام حتّي انّهم يأتيهم المتّقي من شيعتهم يعتب علي المتهتّك منهم فيقول له ساۤئسُه و راعيه و امامه صلوات اللّه عليه ان لم‌يقبل منهم حتّي يكونوا مثلكم لايقبل منكم حتي تكونوا مثلنا و في كنزالكراجكي لمحمد بن علي بن عثمن الكراجكي بسنده الي زيد بن يونس الشحّام قال قلت لابي‌الحسن موسي عليه السلام الرجل من مواليكم عاصٍ يشرب الخمر و يرتكب الموبق من الذّنب نتبرّأُ منه قال تبرّؤا من فعله و لاتتبرّؤا من خيره و ابغِضُوا عمله فقلتُ يسع لنا ان نقول فاسق فاجر فقال لا الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا و لأولياۤئنا ابي اللّهُ ان يكون وليُّنا فاسقاً فاجراً و ان عمِل ما عمل و لٰكنّكم قولوا فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النفس خبيث الفعل طيّب الروح و البدن لا واللّهِ لايخرجُ وليّنا من الدنيا الّا و اللّهُ و رسوله و نحنُ عنه راضون يحشره اللّه علي ما فيه من الذنوب مبيضّاً وجهه مستورة عورته آمنةً روعَتُه لا خوف عليه و لا حزن و ذلك انه لايخرج من الدنيا حتي يصفّي من الذنوب امّا بمصيبة في مالٍ او نفسٍ او ولدٍ او مرضٍ و ادني ما يصنع بوليّنا ان يُريَه اللّه رؤياً مهولةً فيصبح حزيناً لما رءاه فيكون ذلك كفارةً له او خوفاً يرد عليه من اهل دولة الباطل او يشدّد عليه عند الموت فيلقي اللّه عز و جل طاهراً من الذنوب آمنةً روعته بمحمد و اميرالمؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليهما و آلهما ثم يكون اَمامَهُ احد الامرين رحمة اللّه الواسعة التي هي اوسع من اهل الارض جميعاً او شفاعة محمد و اميرالمؤمنين عليهما السلام فعندها لقيهُ رحمة اللّه الواسعة التي كان احقّ بها و اهلها و له احسانها و فضلُها ه‍ ، و امثال هذا الخبر في قبول المحبّين لهم علي ما هم عليه من المعاصي كثيرةٌ لاتكاد تحصر ممّا يدلّ علي ائتِلافهم علي جامِع المحبّة مع اختلافهم في الطَّاعات و المعاص۪ي و تناكرِهم لما بينهم من الذنوب الموجبة للفرقة التي لا ائتِلاف لها الّا انّ الائمّة عليهم السلام ارشدوا مواليهم علي جامعٍ يجمعهم فقالوا انّ هذا الاختلاف الذي ترونه بينكم النّاشي عن تقصيرات بعضِكم فانّما هو من جهة الافعال العارضة ليس من جهة الذات و الّا فالذات واحدة فلا تناكر بينكم الّا من جهة الاعمال و هي عارضة و ان الذي اقترف ذلك من محبّينا يبتليه اللّه بمكارِهَ تكون كفّارة لتلك الذنوب حتّي يلقي اللّه تعالي و اللّهُ و رسوله و نحن عنه راضُون فلاتُنْكِروا ذواتهم و نفوسهم و ان انكرتم افعالهم القبيحة فانّهم من جهة نفوسهم طاهرون زاكون فاذا سمِع المحبّ من امامه و مقتداه عليه السلام مثل هذا الكلام صفي قلبه علي محبّهم و ان كان عاصياً لانّه ينظر اليه من حيث وصف الامام عليه السلام لا من حيث افعاله القبيحة فتذهب عنه النفرة الّتي كان يجِدُها فتأتَلِفُ الفِرقة الّتي كانت مباينةً بينهم و ذلك العاصي انّما استحقّ هذا التعريف من صاحب الاعراف صلوات اللّه عليه لانه محبٌّ لهم و موالٍ لهم و لاولياۤئهم و مبغض لاعداۤئهم و لمن اتّبعهم و انّما هان كلّ ذنبٍ علي محبّهم لانّ حبّهم هو الدين كما تقدّم ذكره فكان هذا المحبّ قد اتي بعملٍ لايضرّ معه ذنبٌ و هو قوله صلي اللّه عليه و آله حبُّ عليّ حسنة لاتَضُرُّ معها سيّئة و بُغْض عليّ سيّئة لاتنفع معها حسنة و مثله قوله تعالي في الحديث القدسي المذكور في حديث عبداللّه بن مسعود من مناقب ابي‌الحسن محمد بن احمد بن علي بن الحسين بن شاذان و قيل ان الكتاب المذكور لجده علي و فيه عن عبداللّه بن مسعود قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لمّا ان خلق اللّه آدم و نفخ فيه من روحه عطس آدم فقال الحمد للّه فاوحي اللّه تعالي اليه حمدتني و عزّتي و جلالي لولا عبدانِ اريد اَن اخلقهما في دار الدنيا ماخلقتُك يا آدمُ قال الهي فيكونان مني قال نعم يا آدم ارفع رأسك و انظر فرفع رأسه فاذا مكتوب علي العرش لا اله الّا اللّه محمد نبي الرحمة و عليّ مقيم الحجة مَن عرف حقّ عليّ زكي و طاب و من انكر حقّه لُعِن و خاب اقسمتُ بعزّتي اَن ادخل الجنّة مَن اطاعه و ان عصاني و اقسمتُ بعزّتي اَن اُدخِلَ النّار مَن عصاه و ان اطاعني ه‍ ، و مثله قوله تعالي في القرءان من جاۤء بالحسنة فله خير منها و هم من فزع يومئذٍ آمِنون و من جاۤء بالسيّئة فكبّت وجوههم في النار هل يجزون الّا ما كانوا يعملون ، و في تفسير القمي قال الحسنة واللّهِ ولاية اميرالمؤمنين و السيئة واللّهِ اتّباع اعداۤئه و في الكافي عن الصادق عليه السلام عن ابيه عن اميرالمؤمنين عليه السلام في هذه الٰاية قال الحسنة معرفة الولاية و حبّنا اهل البيتِ (ع‌) و السيّئة انكار الولاية و بغضُنا اهلَ البيت ثم قرأ عليه السلام الٰاية ، و في روضة‌الواعظين عن الباقر عليه السلام في هذه الٰاية قال الحسنة ولاية علي عليه السلام و حبّه و السيّئة عداوته و بغضُه و لايرفع معهما عمل ه‍ ، و في اصل سلام ابن عمرة عن ابي‌الجارود عن ابي‌عبداللّه الحذّاۤء قال قال لي اميرالمؤمنين عليه السلام يا اباعبداللّهِ الااخبرك بالحسنة التي مَن جاۤء بها امِنَ من فزع يوم القيمة و بالسيّئة التي من جاۤء بها كُبَّ علي وجهه في جهنم فقلتُ بلي يا اميرالمؤمنين قال الحسنة حبُّنا و السيّئة بغْضُنا اهل البيت ه‍ ، و هذه الاخبار و ما شابهها تشعر بانّ حبّهم عليهم السلام حسنة لاتضرّ معها سيّئة و قد صرّح حديثُ عبداللّه بن مسعود بانّ اللّه تعالي اقسم بعزّته انه يدخل الجنّة مَنْ اطاع عليّاً و اِنْ عصاه و انّه يدخل النار مَن عصي علياً و ان اطاعه و في روايةٍ مَنْ اَحَبَّ عَليّاً و ان عصاني و اني ادخل النار مَن ابغضَ علِيّاً و اِنْ اَطاعَني و قد تقدّم هذا و فيه بيان ما يرد من الاشكال و الجواب عنه و الاشارة اليه انّ حبّ عليّ اصل الجنّة و علّتُها و بغضه اصل النار و علّتُها و لهذا كان عليٌّ قسيم الجنّة لانها خلقت من حبّه و قسيم النار لانها خلقت من بغضه فاذا ثبت هذان الاصلان كان كل ما سواهما من الطاعة و المعصية فروع عليهما و قد علم بالدَّليل الوجداني و العقلي و النّقلي انّ الاصل اذا تحقّق و ثبت لاينفيه فساد الفرع و ان كان يلحقه بذهاب الفرع ضعف و اختلال و كذا علي روايةِ عبداللّه بن مسعود فانَّ طاعة عليّ انما تتحقّق بطاعة اللّه سبحانه في الظاهر و الباطن لانّ اللّه تعالي انّما دعا الي طاعة محمد و علي و آلهما صَلَّي اللّهُ عليهما و آلِهمٰا لِانّه تعالي انّما اَرادَ اَنْ يُطَاعَ لِيُطَاعُوا فهم العلّة الغائيّة في كُلِّ ما يتعلّق بالامكانِ و انّما امر بطاعته لتتحقّق الطاعة لهم لانّ الطاعة انّما تكون طاعةً في نفسها اذا كانت له تعالي فلو وقعت لغيره لا لَهُ كانت معصية و شِرْكاً فامرَ بطاعته لتتحقّق الطّاعة لهم ثم انّ طاعته التي ارادَها من عباده۪ شكراً لنعمة الايجادِ و اِفاضةِ النّعم التي لاتحصي انّما ارادَها لهم بمعني انه اراد تعالي اَن يُطاعَ بواسطة طاعتهم فامر اَنْ يُطَاعَ بالطَّاعةِ لهم و العلّةُ في ذلك انّه تعالي غني مطلق عن كلّ شئ فاحبَّ اَنْ يتفضّل و يتكرّم و المحبة و الفضل و الكرم امورٌ محدثة منسوبة الي فعله و ما ينسَبُ منها الي ذاتِه۪ فهو ذاته بلا مغايرة و لا سبيل الي ذلك بشئ من احوال الحوادث من معرفةٍ و احاطةٍ و طلبٍ و نسبةٍ و عِلِّيَّةٍ و معلوليّة و غير ذلك فلا كلامَ فيما ينسَبُ الي الذات تعالي بحالٍ من الاحوال و امّا ما وجدتَ و سمِعْتَ و فهمتَ و عَقَلْتَ و توهمّتَ و تصوّرْتَ و عنَيْتَ و وصفتَ و مثَّلْتَ فامور حادثة بفعله و كلّ من ذلك لا بدّ في ايجاده من عِلَلٍ اربع احدها العِلّة الغاۤئيّة و هم صلّي اللّهُ عَلَيْهم تلك العلة الغاۤئيّة و من تلك الاُمُورِ الطاعَةُ الّتي ارادَها مِنْ خلقِه۪ فانّما اَرادَها لهم هذا فيما لهم بالاصالة و بواسطةِ رَعَايَاهم و اَمَّا ما كانَ للرَّعايَا فلم‌يرضَه و لم‌يقبله و لم‌يُجِزْهُ اِلَّا بواسِطَتِهمْ لِانّه تعالي لم‌يَخْلُقْ كُلَّ ما سِوَاهُمْ عليهم السلام الّا بِوَاسِطَتِهِمْ و لِاجْلِهم و لِيَنْتَفِعُوا بِهمْ كما قَالَ سُبْحَانَهُ و مِنْ اَصْوَافِها و اَوْبارِها و اَشْعَارِهَا اَثاثاً و مَتاعاً اِلي حينٍ فاذا عرفتَ ما اشرنا اليه عرفتَ انّ طاعتهم هي طاعة اللّهِ تعالي الاَصْليّة لانَّ اللّهَ عزّ و جلّ لم‌يرد من خلقِه۪ طاعةً الّا مُتَفرِّعةً علي طاعته الاصليّة فانّه تعالي امر الخلق بطاعتهم اَوّلاً ثم امر الخلق باَنْ يعرفوه بهم و يوحّدوه بهم و يؤمنوا به و بملاۤئكته و كتبه و رسله و اليوم الٰاخر بهم و بطاعَتِهم و يَمْتَثِلُوا اوامره و نواهيه بهم و يعبدوه بهم و يتقرّبوا الَيْه بهم و لم‌يَجْعَلْ طَر۪يقاً الي رضاهُ و محبّته۪ غيرهم لان الخلق اذا اطاعوهم فقد اطاعوا اللّهَ لان اللّه تعالي امرهم بطاعَتهم و اِنْ عَصَوُا اللّهَ لِانّهم اذا اطاعوهم و عصَوُا اللّهَ فقد اَطَاعُوا اللّهَ في اَعْظمِ مَطالبِه۪ منهم و اَكْبرِهَا و اشرفها و اَحبِّها و اذا عصَوهُ فيما سِوي ذلِك فاِنّما عَصَوْهُ فيما هُوَ فرْعٌ و مُكَمِّلٌ فيما اَطاعُوهُ فيه و كَذٰلك حكم معصيته۪ مع طاعَةِ اللّه حَرْفاً بحَرْفٍ فافهم فلمّا جمعتهم محبّتهم عليهم السلام التي هي الاصل لم‌تؤثّر في هذا الائتِلاف فِرْقَتُهُمْ بسبب تناكر الذنوب لضعف الموجب حينئذٍ للفرقة و هُونِ دواعيها و كلّ ذلك بموالاتهم و محبتهم عليهم السلام .
قال عليه السلام : و بموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة و لكم المودّة الواجبة
قال السيد نعمت‌اللّه الجزاۤئري رحمه اللّه في شرح التهذيب و لكم المودّة الواجبة اشارة الي قوله عز و جل قل لااسألكم عليه اجراً الّا المودّة في القربٰي و ذلك انهم قالوا يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله خذ منّا علي تبليغ الاحكام ما تريد من الاجرة لأنّك سلطان تحتاج الي الاموال للجنود و العساكر و سَدِّ خلّةِ المحتاجين فنزلت الٰاية و قد وَفَي بها مَن اضرم النارَ في بيت فاطمة عليها السلام و اسقطها المُحَسِّن و اخرج عليّاً عليه السلام ملبِّباً لَهُ الي المسجد حتّي يبايع الاوّل انتهي ، و قال الشارح المجلسي تغمده اللّه برحمته و رضوانه و بموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة كما تقدّم انّها من اصول الدين كما في الاخبار المتواترة و لاتقبل الفروع بدون الاُصول و لكم المودّة الواجبة فانها اجر رسالة نبِيّنا صلي اللّه عليه و آله كما قال تعالي قل لااسألكم عليه اجراً الّا المودّة في القُرْبَي و قوله تعالي انّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدّاً ، و روي في الاخبار الكثيرة انّها نزلت فيهم و الاخبار بوجوب المودة متواترة و اقلّ مراتبها ان يكونوا احبَّ الينا من انْفُسِنا و اقصاها العِشْق انتهي .
اقول في كلامه بعض المناقشة و لا بأس بالاشارة الي ذلك علي جهة الاختصار و الاقتصار لئلّايغفل العارف الناظر في كلامه فيعتقده علي جهة الاجمال او التفصيل اعتماداً علي الشارح قدّس اللّه روحه لانه من العلماۤء الحكماۤء العارفين و لايُكْثر التّأمل في كلامِه۪ منها قوله (ره‌) انّها من اصول الدين اي الموالاة فان اراد بالدين الاسلام و لم‌يكن ذلك منه علي جهة الاقتباس فالمشهور ان الامامة و الولاية ليست من اصول الاسلام كما دلّت عليه اكثر الرّوايات منها ما رواه في الكافي كما رواه هشام صاحب الثريد قال كنتُ انا و محمد بن مسلم و ابوالخطّاب مجتمعين فقال لنا ابوالخطّاب ما تقولون فيمن لايعرف هذا الامر فقلتُ من لايعرف هذا الامر فهو كافر فقال ابوالخطّاب ليس بكافر حتي تقوم الحجة عليه فاذا قامت الحجة عليه فلم‌يعرف فهو كافر فقال له محمد بن مسلم سبحان اللّه ما له اذا لم‌يعرف و لم‌يجحد فيكفر ليس بكافرٍ اذا لم‌يجحد قال فلمّا حججتُ دخلتُ علي ابي‌عبداللّه عليه السلام فاخبرته بذلك فقال انّك قد حضرتَ و غابا و لكن موعدكم الليلة جمرة الوسطي بمني فلمّا كانت الليلة اجتمعنا عنده و ابوالخطّاب و محمد بن مسلم فتناوَل وسادة فوضعها في صدره ثم قال لنا ما تقولون في خدمكم و نساۤئكم و اهليكم اليس يشهدون اَلّا اله الّا اللّه قلتُ بلي قال اليس يشهدون انّ محمّداً رسول اللّهِ صلّي اللّه عليه و آله قلتُ بلي قال اليس يصلّون و يصومون و يحجّون قلتُ بلي قال فيعرفون ما انتم عليه قلتُ لا قال فما هم عندكم قلتُ من لم‌يعرف هذا الامر فهو كافر قال سبحان اللّه امارأيتَ اهل الطّرق و اهل المياه قلتُ بلي قال اليس يصلّون و يصومون و يحجّون اليس يشهدون اَلّا اله الّا اللّه و انّ محمداً رسول اللّه قلتُ بلي قال فيعرفون ما انتم عليه قلتُ لا قال فما هم عندكم قلتُ مَن لم‌يعرف هذا الامر فهو كافر قال سبحان اللّه اَمارأيت الكعبة و الطواف و اهل اليمن و تعلّقهم باستار الكعبة قلتُ بلي قال اليس يشهدون الّا اله الّا اللّه و انّ محمّداً رسول اللّهِ و يصلّون و يصومون و يحجون قلتُ بلي قال فيعرفون ما انتم عليه قلتُ لا قال فما تقولون فيهم قلتُ مَن لم‌يعرف فهو كافر قال سبحان اللّه هذا قول الخوارج ثم قال ان شئتم اخبرتُكم فقلتُ انا لا فقال اما انّه شرّ عليكم ان تقولوا بشئ ما لم‌تسمعوه منّا قال فظننتُ انه يُديرنا علي قول محمد بن مسلمٍ ه‍ ، و اصرح منه ما رواه في روضة الكافي بسنده الي زرارة عن ابي‌جعفر عليه السلام ان الناس صنعوا ما صنعوا اذ بايعوا ابابكر لم‌يمنع اميرالمؤمنين عليه السلام من ان يدعو الي نفسه الّا نظراً للناس و تخوّفاً عليهم ان يرتدّوا عن الاسلام فيعبدوا الاوثان و لايشهدوا الّا اله الا اللّه و ان محمّداً رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و كان الاحبَّ اليه ان يُقِرَّهم علي ما صنعوا من ان يرتدُّوا عن الاسلام و انما هلك الذين ركبوا ما ركبوا فامّا مَن لم‌يصنع ذلك و دخل فيما دخل فيه الناس علي غير علم و لا عداوة لاميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه فانّ ذلك لايكفِّره و لايخرجه من الاسلام فلذلك كتم علي عليه السلام امرَه و بايعَ مكرَهاً حيثُ لم‌يجد اعواناً ه‍ ، و قولي اصرح منه لاشتماله علي التعليل و كذلك ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره في قوله تعالي ذلكم بما كنتم تفرحون في الارض بغير الحق و بما كنتم تمرحون بسنده الصحيح عن ابي‌جعفر عليه السلام قال قلتُ له ما حال الموحدين المقرّين بنبوّة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من المسلمين المذنبين الذين يموتون و ليس لهم امام و لايعرفون ولايتكم فقال اما هؤلاۤء فانهم في حفرهم لايخرجون منها فمن كان له عمل صالح و لم‌تظهر منه عداوة فانه يخدّ له خدّاً الي الجنّة التي خلقها اللّه بالمغرب فيدخل عليه الروح في حفرته الي يوم القيمة حتي يلقي اللّه فيحاسبه بحسناته و سيّئاته فاِمّا الي الجنّة و اِمّا الي النار فهؤلاۤء من الموقوفين لامر اللّه قال و كذلك يفعل بالمستضعفين و البُله و الاطفال و اولاد المسلمين الذين لم‌يبلغوا الحلم و اما النصّاب من اهل القبلة فانّهم يخدّ لهم خدّاً الي النّار الّتي خلقها اللّه بالمشرق و يدخل عليهم منها الشرر و الدّخان و فورة الحميم الي يوم القيمة ثم بعد ذلك مسيرهم الي الجحيم و في النار يسجرون ثم قيل لهم اينما كنتم تشركون من دون اللّه اي اين امامكم الذي اتخذتموه دون الامام الّذي جعله اللّه للناس اماماً الحديث ، و امثال هذه كثيرة ممّا يدلّ علي انّهم مسلمون ما لم‌ينكروا الولاية عن معرفة كما قال تعالي و من يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن لهُ الهدي و قال و ماكان اللّه ليضلّ قوماً بعد اذ هديهم حتي يبيّن لهم ما يتّقون ، و قيل انها من اصول الاسلام و استدلّ القاۤئل به باحاديث كثيرة كلّها قابلة للتأويل مثل قوله صلي اللّه عليه و آله من مات و لم‌يعرف امام زمانه مات م۪يتةً جاهليّة و هو محمول علي مَن انكر امام زمانه بعد البيان و لا شك في كفره لأن نفي المعرفة كثيراً ما يستعمل للانكار كما في قوله تعالي يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها فان المعرفة ضدُّها العام الانكار و اكثر استعمالها في ذلك و قد تستعمل في كلامهم بمعني العلم فيكون ضدّها الجهل و كذلك قوله تعالي ام لم‌يعرفوا رسولهم فهم له منكرون فبيّن ان نفي المعرفة هو الانكار و لسنا بصدد تحقيق هذه المسئلة و انّما ذكرنا ذلك للتنبيه علي عبارة الشارح لينظر فيها مَن له النظر و ان كان المراد من قوله (ره‌) علي جهة الاقتباس من قوله تعالي ان الدين عند اللّه الاسلام فالمراد بالاسلام هنا هو الايمان الكامل و لا ريبَ في اعتبار الموالاة فيه و ان اراد بالدين مطلقاً بُنِي الكلام علي التعيين و منها قوله رحمه اللّه و اقلّ مراتبها ان يكونُوا احبّ الينا من انفسِنا و فيه ان هذه المرتبة ليست اقلّ المحبّة بل هذه من مراتبها العالية فانّ المحبّة تصدق علي العُصَاةِ من اهل الكباۤئر الذين يتركون امر امامِهم عليه السلام لشهوة انفسهم و لايتحقّق هذا مع جعلهم احبّ اليهم من انفسهم و ان قال احدهم بلسانه لأنّ صدق كونهم احبّ اليه من نفسه لايتحقّق مع معصيتهم في شئ مما امروا به او نهوا عنه بل تصدق الاقليّة علي اعتقاد كونهم ائمةً من اللّه تعالي و حججه علي عباده و الميل اليهم بقلبه و البراۤءة من اعداۤئهم بمعني ما ذكرنا من كونهم ائمة ضلالة لايجوز الميل اليهم في حال نعم اذا اراد قول المحب بلسانه و انهم خير منه في نفسه عند اللّه و في الواقع من نفسه فلا بأس و منها قوله رحمه اللّه و اقصاها العشق فان هذا الاقصي اقصيً صوفي اذ لا معني للعشق الّا الجنون الشيطاني لا الجنون الالهي كما زعموا فان اللّه تعالي لاينسب اليه الجنون و انما ينسب اليه العقل و هو هنا الحبّ و كمال الطاعة زُيّنَ لهم سوۤء اعمالهم فان قالوا انه شدّة الميل الي المحبوب في المحبة قلنا لهم هل يُعرّف قوة ميل في الحبّ من مخلوقٍ لشئ اقوي من ميل محمد و آله صلي اللّه عليه و آله في المحبّة للّه عز و جل مع انه لم‌يرد عنهم استعمال عشقهم للّه تعالي في شئ من اخبارهم لا حقيقةً و لا مجازاً الّا من طرق المخالفين الذين اسّسوا ذلك مع انّهم لايستعملونه هم و لا غيرهم الّا بلحاظ النكاح و لهذا ما يقال اعشق المال و الدنيا و لااعشق الجوهرة و انّما يقال احبّ و الحاصل هذه عبارة صوفيّة يتعالي قدس الله سبحانه عن اطلاقها له و يكرم مقام محمد و اهل بيته عليه و عليهم السلام عن استعمالها لهم او منهم و الصّوفية هم الذين قالوا فيهم الائمة عليهم السلام بانهم اعداۤؤهم كما رواه الملا الاردبيلي في حديقة‌الشيعة بسنده عن الرضا عليه السلام مَن ذكر عنده الصوفيّة و لم‌ينكر عليهم بلسانه او بقلبه فليس منّا و مَن انكرهم فكأنما جاهد الكفار بين يدي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و فيه بسنده قال قال رجل للصادق عليه السلام قد خرج في هذا الزمان قوم يقال لهم الصوفيّة فما تقول فيهم فقال عليه السلام انهم اعداۤؤنا فمن مال اليهم فهو منهم و يحشر معهم و سيكون اقوام يدّعون حبّنا و يميلون اليهم و يتشبّهون بهم و يلقّبون انفسهم بلقبِهمْ و يأوِّلُون اقوالهم الا فمن مال اليهم فليس منا و انّا منه بُرَاۤءُ و من انكرهم و ردّ عليهم كان كمن جاهَد الكفّار مع رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و الروايات في ذمّهم و البراۤءة منهم و من اقوالهم و اعتقاداتهم و اعمالهم كثيرة في الكتاب المذكور و غيره و لا شكّ انّ استعمال العشق انما هو منهم حتي انه لمّا سئل الصادق عليه السلام عن ذلك قال قلوب خلَتْ من ذكر اللّه فاذاقها اللّه حبّ غيره فقال عليه السلام خلت من ذكر اللّه فدلّ بان مدّعي العشق للّه تعالي انّما يذكر غيره و هو واللّهِ كما قال عليه السلام و قال عليه السلام حبّ غيره و لم‌يقل عشق غيره لأنّه (ع‌) مااحبّ اجراۤءه علي لسانه اِمّا مطلقاً لأنه المقتدَي في اعماله و اقواله او لأنّه في صدد ما نسبوه الي اللّه تعالي فكره انْ يقول عشق غيره فيتوصّلون بهذا القول الي ان يقولوا و ان كان العاشق انّما عشق اللّهَ تعالي اللّه عما يقولون علوّاً كبيراً و لئلّايتوهّم من يميل اليهم ان الامام عليه السلام لمّا لم‌يتحقّق عنده صدق العاشق للّه تعالي في عشقه لعدم معرفته به تعالي قال ان قلبه خلا من ذكر اللّه اي ماصدق في عشقه لعدم معرفته و لذا قال اذاقها اللّه عشق غيره فلم‌يذكر عليه السلام لفظ العشق في الموضعين بل قال اذاقها اللّه حبّ غيره يعني انه لو صدق المحب للّه تعالي في حبّه لمعرفته به كان حينئذٍ ذاكراً لِلّهِ تعالي فاخلي قلبه عن حبّ غيره فافهم فالصواب ان يقال ادني المودّة و المحبّة اَنْ يميل قلبه اليهم و الي مواليهم و ينصرف عن اعداۤئهم و اولياۤء اعداۤئهم و اعلاها ان يشغل قلبه بذكرهم و بالصلوة عليهم و التسليم لهم في كلّ شئ و التفويض اليهم في كل ما يرد عليه ظاهراً و باطناً و الردّ اليهم و الاخذ عنهم و الاتّباع لهم و الاقتداۤء بهم في كلّ شئ من الاعتقاد و المعرفة و الاعمال و الاقوال و الاحوال كما قال الصادق صلوات اللّه عليه و علي آباۤئه و ابناۤئه الطاهرين و لعنة اللّه علي اعداۤئهم من الصوفيّة و المنافقين و المشركين و من الخوارج و الغلاة و الكفّار من الخلق اجمعين ما معناه فاذا انجلي ضياۤء المعرفة في الفؤاد احبّ و اذا احبّ لم‌يؤثر ما سوي اللّه عليه و يشفع ذلك بالبراۤءة من اعداۤئهم في كلّ شئ كما انّه يواليهم و يقتدي بهم في كل شئٍ فهذا اعلي المودة حتّي انه لو نظر نظرةً حراماً فقد نقّص من مودّتهم عليهم السلام و نقّص من البراۤءة من اعداۤئهم و كيف كملت مودّته لهم و قد مالَ عنهم بان نظر حراماً بخلاف ما اَحبُّوا و مال الي اعداۤئِهم باَنْ نظر الي حرامٍ كما اَحبُّوا بل اقل من ذلك كما روي عن عيسي بن مريم علي محمد و آله و عليه السلام ما معناه انّه حذّر الحواريّين عن الزنا فقالوا انّا لانهمّ به فقال عليه السلام مااريد انكم لاتهمّون به و لٰكن اُريدُ ان لاتجروه علي خواطركم فانّ البيوت الّتي يوقد تحتها النّار تسودّ سقوفها و ان لم‌تصل اليها النّار ه‍ ، و لا ريبَ ان ذكر المعصية نقص في حقّهم و في حقّ مودتهم اِذَا ذكرَها علي سبيل فرض الفعل لها و لو وسوسةً و لاينافي هذا ما ورد من انه رفع عن هذه الامّة فان المراد رفع المؤاخذة عليه لا رفع اصل تأثيره بالكليّة لانه انّما صدر عن نقصٍ و عن غفلةٍ عن ذكر اللّه و لا ما ورد عنه صلي اللّه عليه و آله في جوابه لمن وسوسَ و قال نافقْتُ قال له ذلك محض الايمان لأن المراد بمحض الايمان هو خوفه وَ اضطرابه مما وقع منه فانّه لو لم‌يكن ماحضاً للايمان لَمال الي ما ناجَاهُ به الشيطان لا انّه كما لو لم‌يكن منه و انّما لم‌يضرّه الوسوسة و ذكر المعصية لانه تأذَّي بذلك فكان ذلك التأذِّي كفّارة له و لولا ذلك لحدَث منه الريب باعتياد النفس عليه و يحدث من الريب الشّك و من الشّك الكفر كما قال صلي اللّه عليه و آله لاترتابوا فتشكّوا و لاتشكّوا فتكفروا ه‍ ، و من الدليل النقلي علي ما قلنا من انّ اعلا المودّة القيام بكمال الخدمة و الطاعة في كل شئ ما في قرب الاسناد عن الصادق عليه السلام عن آباۤئه عليهم السلام في قوله تعالي قل لااسئلكم عليه اجراً الّا المودّة في القربي لمّا نزلت هذه الٰاية علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قام رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال ايّها النّاسُ انّ اللّه قد فرض عليكم فرضاً فهل انتم مُؤَدُّوه قال فلم‌يجبه احد منهم فانصرف فلمّا كان من الغدِ قام فقال مثل ذلكَ ثم قام فيهم فقال مثل ذلكَ في اليوم الثالث فلم‌يتكلّم احد فقال ايّها النّاس انه ليس من ذهب و لا فضّةٍ و لا مطعم و لا مَشربٍ قالوا فالقه اذاً قال انّ اللّه تعالي اَنْزَلَ اليَّ قُل لااَسْئلكم عليه اجراً الّا المودّة في القُرْبَي فقالوا امّا هذه فنعم قال الصادقُ عليه السلام فواللّهِ ماوفي بها الّا سبعة نفر سلمن و ابوذرٍّ و عمّار و المقداد بن الاسود الكِنْدي و جابر بن عبداللّه الاَنْصارِي و مولي لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آلِه۪ يقال له البتّ و زيد بن ارقم و في المجمع عن ابن‌عبّاس قال لَمّا نزلت هذه الٰاية قل لااسئلكم الٰاية قالوا يا رسول اللّه (ص‌) من هؤلٰاۤءِ الّذ۪ين امرَنا اللّه بمودَّتهم قال علي و فاطمة وَ وُلدهما و عن عليّ عليه السلام فينا في ال‌حٰم آية لايحفظ مودّتنا الّا كلّ مؤمنٍ ثمّ قرأ هذه الٰاية و عن النبي صلي اللّه عليه و آله انّ اللّه خلق الانبياۤء من اشجارٍ شتّي و خُلِقتُ انا و عليّ من شجرة واحدة فانا اصلها و علي فرعها و فاطمة لقاحُهَا و الحسن و الحسين ثمارها و اشياعُنَا اوراقها فمن تعلّقَ بغُصْنٍ من اغصانها نجا و مَنْ زاغ هوي و لو انّ عَبْداً عبدَ اللّهَ بين الصفا و المروة الفَ عامٍ ثم الفَ عامٍ ثم الفَ عامٍ حتّي يصير كالشّنِّ البالي ثم لم‌يدرِك محبّتنا كبّه اللّه علي منخرَيه في النار ثم تلا قل لااسألكم الٰاية و في الخصال عن علي عليه السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من لم‌يحبَّ عترتي فهو لأحدَي ثلاثٍ امّا منافق و امّا لزنيةٍ و امّا حَملَتْ به۪ امُّه في غير طهرٍ ه‍ .
و امّا اَنّ بموالاتهم تُقْبَلُ الطاعة المفترضة فهو مما لا رَيْبَ فيه و قد قطع به العقل الصحيح و النقل الصريح امّا العقل فقد تقدم في كثير من ابحاث هذا الشرح انّهم علل الاشياۤء وَ اَسْبَاب وجودِها لا فرق في شئ منها بين الذوات و الصفات و لا بين الاقوال و الاعمال و الاحوال و انّ كُلَّ شئٍ منها اَلْسِنَةُ الثناۤء عليهم بذكر صفات ولايتهم و آثارها فانّ تلك هي الاسماۤء الحسني الّتي امرَ اللّهُ اَنْ يُدْعي بها في التَّأوِيل و في الباطن هم عليهم السلام تلك الاسماۤء الحُسْنَي و في الظاهر الاسماۤء الحسني هي التّسعة و التِّسْعون اسماً المعروفة و معانيها الدالّة عليها هي معانيه تعالي اي معاني افعاله و الكلّ حَمَلَةُ الثناۤء و التّعزير و التّوقير فبما اشرنا اليه يظهر لمن فهم المقصود انّ الاعمال صفات الولاية و آثارُها فاذا جرت علي مطابقتها و جهة امتثال مقتضاها قُبِلَتْ لمطابقتها للولاية و موافقتها لها لأن الصفة اذا طابقت الموصوف قُبِلَتْ يعني قبلت للوصفيّة بخلاف ما لو خالفَتْ فانّها لاتقبل لأنّ الصّفة لاتقبل لنفسها و انّما تقبل للوصفيّة و اذا خالفت الموصوف لاتصلح للوصفيّة فلاتُقْبَل الاعمال الّا بولايتهم لأن الاعمال ان كانت صالحة واقعةً بشروطها اي شروط الصحة و القبول و هو كونها موافقةً لأمرهم محدودةً بِتَحد۪يدِهمْ مأخوذةً عنهم مُتَلَقّاة عنهم مشفوعة بموالاتهم و موالاة اولياۤئهم و بمعاداة اعداۤئهم و اتباعهم و البراۤءة منهم فان كانت صحيحة تاۤمة الشروط كما قرّروا عليهم السلام قُبِلَتْ لأنّها حينئذٍ صفة ولايتهم و ان لم‌توافق مقتضي ولايتهم كما ذكرنا هنا و فيما تقدّم رُدَّتْ لعدم صلاحيتها للوصفيّة لولايتهم و عَدم صلاحيّتها لنفسها للقبول لأنّها صفة فاذا لم‌تصلح صفةً للحقِّ كانَتْ صفةً لِلْبَاطِل اذ لا واسطة بينهما و الباطل ولاية اعداۤئهم فتردّ هذه الاعمال الباطلة بردِّ مَوصُوفِها ،
و امّا النّقل فهو كثير جدّاً و قد تقدّم ما يدل علي هذا و منه ما في امالي‌الطوسي بسنده الي علي بن الحسين عليه السلام قال قال رسول اللّهِ صلي اللّه عليه و آله ما بالُ اقوامٍ اذا ذُكر عندهم آل ابراهيم عليهم السلام فَرحُوا و استبشروا و اذا ذكر عندهم آل‌محمد صلي اللّه عليه و آله اشمأزّت قلوبهم و الّذي نفس محمد بيده لو اَنّ عبداً جاۤء يوم القيمة بعمل سبعين نبِيّاً ماقبِل اللّه ذلك منه حتي يلقاه بولايَتي و ولاية اهل بيتي و فيه بسندِه الي ابي‌حمزة الثمالي قال قال لنا علي بن الحسين زين‌العابدين عليهما السلام ايّ البقاع افضل فقلنا اللّهُ و رسولُه و ابن رسوله اعلم فقال انّ افضل البقاع ما بين الركن و المقام و لو انّ رجُلاً عُمِّر ما عُمِّر نوح في قومه الف سنة الّا خمسين عاماً يصوم النهار و يقوم الليل في ذلك الموضع ثم لقي اللّه بغير ولايتنا لم‌ينفعه ذلك شيئاً و فيه بسنده الي ابي‌جعفر الباقر (ع‌) عن آباۤئه عن علي عليهم السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن جبريل عن اللّه عز و جلّ قال و عزّتي و جلالي لَاُعَذِّبنَّ كلّ رعيّةٍ في الاسلام دانَتْ بولاية امامٍ جاۤئر ليس من اللّه عز و جل و ان كانت الرعيّة في اعمالِها بَرَّةً تقيّة و لاَعفُوَنَّ عن كل رعيّةٍ دانَتْ بولاية امامٍ عادلٍ من اللّه تعالي و ان كانت الرعيّة في اعمالها ظالمةً مسِيۤئةً قال عبداللّه بن ابي‌يعفور سألتُ اباعبدِاللّهِ الصادقَ عليه السلام ما العلّةُ اَلَّا د۪ينَ لهؤلاۤء و ما عتب لهؤلاۤء قال لأنّ سيئات الامام الجاۤئر تغمِر حسنات اولياۤئه و حسنات الامام العادل تغمر سيّئات اولياۤئِه۪ ه‍ ، و امثال هذه الاخبار بهذا المعني كثيرة جدّاً قد بلغت حدّ التواتر معنيً و امّا الحرفُ الثاني فكما مرّ و لو احتمل ان تكون المودة بمعني المحبة من اللّه تعالي اي اوجب اللّه لكم المودة علي جميع خلقه و جعلها لكم في قلوب عباده كما قال تعالي انّ الذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدّاً مِنْ جهة ما جعلهم عليهم السلام عليه من الصفات الحميدة الموجبة لمحبّة الخلق كما تقدّم بمعني انه لايكره احدٌ من خلقه شيئاً من صفاتهم و احوالهم و اعمالهم و اقوالهم و اعتقاداتهم و صورهم و دينهم و سيرتهم و سجيّتهم و غير ذلك فكل احدٍ يودّهم و يميل اليهم حتي اعداۤؤهم و انّما دعاهم الي العداوة شدّة الحَسَدِ لهم و هذا المعني غير ما تقدّم من كون المودّة اوجبها اجراً للرسالة لم‌يكن بعيداً بل هو قريبٌ مرادٌ بل يرجع سبب اجر الرسالة الي هذا لأن الفاۤئدة في اجر الرسالة ليجمعهم علي ما به صلاحهم و هدايتهم اذ لاينتفعون بالرسالة الّا مع اتّباع قرابته و يكون المعني اسألكم علي تبليغ رسَالةِ ربّي اليكم و نصحي لكم و اخراجكم من الذلّ و تفريج الكروب عنكم و انقاذِكم من شفا جرف الهلكات و من النار اجراً و هو قبول ما اتيتكم به من ربي ممّا فيه صلاحكم و نجاتكم و لايكون ذلك منكم الّا بمودّة اهل بيتي ليهدوكم الي مصالح دنياكم و آخرتكم و يعينوكم علي القبول بنورهم في قلوبكم و بتعليمهم ايّاكم و دعاۤئهم لكم و استغفارِهم لكم و تحمُّلِهم عنكم موبقات سيّئاتكم و يحتمل اَنْ يُرٰاد بالمودّة الواجبة مودّة اللّه لكم اي محبّته لكم لأنكم احبّاۤءَه فاوجب علي نفسِه۪ تعالي محبّتكم بمعني الوجوب في الحكمة او بمعني الثبوت فاذا اوجب علي نفسِه۪ في الحكمة مودّتكم القيها في خير البيوت و حرزها في احصنِ المُدنِ و هي قلوب شيعتهم فمحبّة اللّه تعالي لهم يوجدُها لَهُمْ لأن هذه المحبّة و المودّة حادثةٌ بحدوثهم و لايتحقّق الحادثُ الّا في الحوادث فاودعها القلوبَ الطاهرة و هي قلوب محبيهم و شيعتهم و هو جعل اللّه القلوب و الافئدة تهوي اليهم قال تعالي و جعل افئدةً من النّاس تهوي اليهم و هذا المعني ينطبق عليه سياق الكلام و ربطِه۪ بما بعده ممّا عطف عليه و هو قوله و الدرجات الرفيعة و المقام المحمود فان هذه عند اللّه و منه لكم و سياق قوله و لكم المودةُ الواجبة و لكم الدّرجات الرفيعة و لكم المقام المحمود فانّ هذه منه تعالي لكم لا انّ المودّة منّا و الدَّرَجات من اللّهِ فيكون لهم عليهم السلام مودّتانِ مودّة هي اجر الرسالة و مودّة ارادَها اللّهُ تعالي لهم عليهم السلام من خلقه في مقابلة نعمة الايجاد اي شكراً لها و هي صورة القبول لنعمه المبتدءةِ فان ذلك من اعظم موجب الاستحقاق من فضله تعالي ، فان قلتَ ما معني مودّتين بل قل هي واحدة فمرّة تقول مودّة اللّه التي ارادَها من عباده في مقابلة نعمة الايجاد جعلها لهم عليهم السلام في مقابلة نعمة الرسالة قلتُ فاذاً هي اثنتان باعتبار تثنية السّبب الّا انهما لمّا كانتا متلازمتين كلّ واحدة مبنيّة علي الاخري و كل واحدة لو انفردت كانت علة تاۤمّة في الاستحقاق بحيث يلزم من ذلك الاستغناۤء عن احدهما كانتا بالتلازم و بانّهما معاً انّما اريدَا لاجلهم صلي اللّه عليهم اجمعين و اتّحدا باعتبار اتّحادِ المتعلَّق و باتّحاد العلّة الغائيّة عليهم السلام و قولي باعتبار تثنية السبب اريد به ان سببَ المحتملة هو التكليف بالتكوّن التكويني و الثاني اي سببَ الاَوّلةِ هو التكليف بالتكوُّن التشريعي فافهم راشداً ان شاۤء اللّه تعالي .
قال عليه السلام : و الدرجات الرفيعة و المقام المحمود و المقام ( و المكان خ‌ل ) المعلوم عند اللّه عز و جل و الجاه العظيم و الشأن الكبير و الشفاعة المقبولة
قال الشارح المجلسي رحمه اللّه و المقام المحمود و هو الشفاعة او الوسيلة و المقام المعلوم و هو الرتبة العظيمة او الوسيلة كما تقدمت انتهي .
اقول قوله و الدرجات الرفيعة المراد بها مراتب القرب من اللّه سبحانه و اعلي مراتب القرب التي لم‌يصل اليها الّا محمد صلي اللّه عليه و آله و اهل بيته بتوسُّطِه۪ مقام اَوْ اَدْنَي الاعلي لأن مقام اَوْ ادني له مراتب متعددة بعدد العارفين لأَنفسهم فكل مَن عرف نفسه كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام لكميل كشفُ سُبُحاتِ الجلال من غير اشارة فقد وصل الي مقام اوْ اَدني بنسبة رتبته لأن المراد من مقام اوْ اَدني هو ما فوق مقام قاب قوسَيْنِ و هو اجتماع السّٰالك بمقام عقله و هو اوّلُ وجودِهِ المقيّد و فوقه مقام اَوْ اَدْنَي و هو مقام الوجود المطلق و المراد به حال ظهوره اي ظهور وُجوده من الفعل كحال ظهور ضرباً الّذي هو مصْدرٌ مِنْ ضَرَبَ الّذي هُوَ فِعْلٌ ماضٍ يَعْني حالَ اشتِقَاقِه۪ منه فانّه لم‌يكن شيئاً قبل الاشتقاق و انّما اخترعه الفاعل من هيئة فعله و الواصل الي هذا المقام مقام اوْ اَدني هو حينئذٍ محلّ الفعل المختص به و هذا الفعل المختصّ بذلك الشخص رأس من رؤس الفعل الكلّي الذي هو المشيّة و هو مقام اوْ ادني بالنسبة الي محمد صلي اللّه عليه و آله و الي اهل بيته عليهم السلام و هذا مقام نحن فيها هو و هو نحن و هو هو و نحن نحن كما قال الصادق عليه السلام و هذا هو مقام مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الّا انّهم عبادُك و خلقُكَ و في هذا المقام هم الفَاعِلُونَ و دونها مَقام المعاني و هم عليهم السلام في هذا المقام بامرِه۪ يعملون يعلم ما بين ايديهم و ما خلفهم و دونها مقام الابواب و هم في هذا المقام هم بامره يُؤَدُّونَ الي مَنْ سِوَاهم و دونها مقام الامام المفترض الطاعة و حجة اللّه في ارضه و سماۤئه و المقامات في الدرجات متعدّدة و لهم في كلّ رتبةٍ اعلي درجةٍ منها حتي ينتهي بهم التقريب من اللّه سبحانه الي مقام اَوْ اَدْني و رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله امامهم في كلّ درجة لكنّهم لايتأخّرون عنه فثبت لهم ما يثبت له ماخلا النبوّة و الاَسْبَقيّة لأنهم به صلي اللّه عليه و عليهم وصلوا الي رتبته و هو قول علي عليه السلام في خطبته يوم الجمعة و الغدير في هذا المعني عَلَّاهم بتَعْلِيتِه و سَما بهم الي رتبته و قد تقدم تمام كلامه عليه السلام و في بصاۤئرالدرجات الي ابي‌جعفر عليه السلام قال فضلُ اميرالمؤمنين عليه السلام ما جاۤء به اُخِذ به و ما نهي عنه انتُهي عنه و جري له من الطاعة بعد رسول اللّهِ (ص‌) مثل الذي جري لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و الفضل لمحمد صلي اللّه عليه و آله المتقدّم بين يدَيه كالمتقدّم بين يدي اللّه و رسوله (ص‌) و المتفضّل عليه كالمتفضّل علي اللّه و علي رسوله (ص‌) و الراۤدّ عليه في صغيرة او كبيرة علي حدّ الشركِ باللّهِ فانّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله باب اللّه الذي لايُؤتَي الّا منه و سبيله الذي من سلكه وصل الي اللّهِ و كذلك كان اميرالمؤمنين عليه السلام من بعده و جري في الائمة واحداً بعد واحدٍ جعلهم اللّه اركان الارض ان تميدَ باهلها و عُمُدَ ( عَمَدَ ) الاسلام و رابطَهُ علي سبيل هداه و لايهتدي هادٍ الّا بهداهم و لايضلّ خارجٌ من هُديً الّا بتقصيرٍ عن حَقِّهِمْ و اُمناۤءَ اللّهِ علي ما اهبَطَ من علمٍ او عُذرٍ او نُذرٍ و الحجةَ البالغَةَ علي من في الارض يجري لٰاخرِهم من اللّهِ مثل الذي جري لاوّلهم و لايصل احدٌ الي شئ من ذلك الّا بعون اللّهِ ه‍ ، و امّا انّهم ملحقون برسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فممّا لا اشكال فيه و قد تكثّرت به الاخبار و مما يدل علي ذلك ما رواه في بصاۤئرالدرجات بسنده الي ابي‌عبداللّه عليه السلام قال الذين آمنوا و اتّبعَتْهُمْ ذرّيّتهم بايمان الحقنا بهم ذرّيّتهم و ماالتناهم من عملهم من شئ قال الذين آمنوا النبي و اميرالمؤمنين و الذريّة الائمة عليه و عليهم السلام الاوصياۤء (ع‌) الحقنا بهم و لم‌تنقص ذرّيّتهم من الجهة التي جاۤء بها محمد صلي اللّه عليه و آله في علي عليه السلام و حجّتهم واحدة و طاعتهم واحدة ه‍ ، يعني انّ محمّداً صلّي اللّه عليه و آله اتي بالحجّة المقيمة لوجوب طاعته من اللّه تعالي في علي و اهل بيته عليه و عليهم السلام و لم‌تنقص حجتّه صلي اللّه عليه و آله بما شرّكَ اللّهُ سبحانه فيها عليّاً و اهل بيته عليهم السلام و لم‌تقصر حجّتهم و ان كانَتْ مقتبسةً من حجّته صلّي اللّهُ عليه و آله عن رتبة حجّته (ص‌) لأنّ ما اُوتُوا مما اُوتي كنورهم من نوره صلّي اللّه عليه و آله و قد اخبر علي عليه السلام عن نسبة ذلك فقال انا من محمّد (ص‌) كالضّوء من الضّوء فالضّوءُ كالسِّرَاج اذا اُشْعِلَ من السِّرَاج فانّه و ان كان متأخّراً في الوجود عنه و مقتبِساً منْهُ الّا اَنَّهُ بَعْدَ الاشتعالِ مُسَاوٍ لهُ وَ كذٰلِك الائمّة من وُلدِه عليهم السلام فهم بعد اَن خُلِقوا من نوره۪ صلي اللّه عليه و آله كانوا في ذواتهم مثله و له الفضل عليهم بتوسُّطِه بينهم و بين اللّه تعالي في كلّ شئٍ و كذٰلِك ما وصل اليهم من المدد ممّا وَصَل اليه و ان كان صلي اللّه عليه و آله له الفضل عليهم لسبقه في الوجود و توسّطه بينهم و بين اللّه في كلّ شئٍ و بهذينِ كَان اعلم منهم حيث لم‌يصلوا اليهما و من دونه اميرالمؤمنين عليه السلام فانه افضل منهم بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لسبقه و توسّطه كذلك و لهذا لُقِّب باميرالمؤمنين عليه السلام لأنه يميرهم العلم و هم المؤمنون و يدخل في عموم لفظ المؤمنين جميع شيعتهم من النبيين و المرسلين و سَاۤئر الاولياۤء و المؤمنين و لكن دخولهم بالتبعيّة كلّ بنسبة رتبته و الي هذا اشار تعالي بقوله و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم داۤبّة من الارض تكلمهم انّ الناس كانوا بٰاياتنا لايوقنون الّا انه عليه السلام و ان كان القاۤئم بذلك عن اللّه و رسوله الّا انّه بالنسبة الي الائمة من ولده بلا واسطة و الي الانبياۤء و المرسلين بواسطة الائمة عليهم السلام و الي المؤمنين بواسطة الانبياۤء و المرسلين بعد الائمة عليهم السلام و في بصاۤئرالدرجات بسنده الي الحٰرثِ النصري عن ابي‌عبداللّهِ عليه السلام قال سمعته يقول رسول اللّهِ صلي اللّه عليه و آله و نحن في الامر و النهي و الحلال و الحرام نجري مجرَي واحدٍ ( مجريً واحداً خ ) فاما رسول اللّه و علي صلي اللّه عليهما و آلهما فلَهُمَا فَضْلُهُمٰا و فيه بسنده الي ايوب بن الحر عن ابي‌عبداللّه عليه السلام او عمّن رواه عن ابي‌عبداللّه عليه السلام قلنا الائمة بعضهم اعلم من بعض قال نعم و علمهم بالحلال و الحرام و تفسير القرءان واحِدٌ ه‍ ،
و بالجملة بَقوا صلي اللّه عليهم يتنقّلون من الدرجات العاليات الف دهرٍ لم‌يكن في الوجود غيرهم الاربعة‌عشر صلي اللّه عليهم الي ان وصلوا في نزول الظهورِ في هذه المدة الي آخر درجةٍ فخلق اللّه سبحانه و له الحمد من عرق انوارهم مائة و اربعةً و عشرين الفَ قطرةٍ فخلق اللّهُ من كل قطرة روح نبي و مرسلٍ و بقوا في الانبياۤء و المرسلين الفَ دهرٍ الي ان تَمَّ ما اُمِروا بتأديته اليهم ثم خلق اللّه سبحانه و له الحمد من اشعّة انوار النبيين عليهم السلام ارواح المؤمنين من شيعتهم فادّوا الي المؤمنين ما امروا بتأديته اليهم بواسطة الانبياۤء و بغير واسطتهم و لهم في كلّ رتبةٍ و مقام منذ كوّنهم اللّه تعالي الي ان ظهروا في هذه الدنيا درجات في اعمالهم في التأدية و الاعانة و التقدير و المنع و العطاۤء و القبض و البسط و الشفاعة و الفضل و العفو و الرحمة و النقمة و التسامح و الاقتصاص و غير ذلك مما طوي اللّه سبحانه بسْطَ منشوره۪ بقوله تعالي لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون الٰايات ، درجات عاليات في كلّ مقامٍ بما يليقُ به لايصل اليها احدٌ من خلق اللّهِ بحيث كانَ كلّ شئ فقد جعله اللّهُ تعالي في قبضتهم و امرهُ بطاعتهم علي جهة الاطلاق و عدم التخصيص و التقييد لايستثني منه الّا ما ذكره تعالي في قوله و هم بامره يعملون و في قوله و ماتشاۤؤن الّا ان يشاۤء اللّه فبيّن ما اشرنا اليه الحجة عليه السلام في قوله في دعاۤء شهر رجب لا فرق بينك و بينها الّا انهم عبادك و خلقك الي قوله اعضاد و اشهاد و مُناةٌ و اذوادٌ و حفظَةٌ و رُوَّاد فَبِهمْ ملأتَ سماۤءَك و ارضك حتّي ظهر الّا اله الّا انت الدعاۤء ، و اراد عليه السلام بقوله سماۤءك و ارضَك معني غيبِ عالمك و شهادته ليدخل فيه كل شئ و يكفيك قوله تعالي ماوَسِعَني ارضي و لا سَماۤئي و وسعني قلب عبدي المؤمن ه‍ ، صلي اللّه عليه و آله الطاهرين ،
قوله عليه السلام : و المقام المحمود
مجمله ما ذكره الشارح المجلسي رحمه اللّه و هو قوله الشفاعة او الوسيلة و قال في القاموس الوسيلة و الواسلة المنزلة عند الملك و الدرجة و القُربة و في النهاية في حديث الاذان اللهم آتِ محمداً الوسيلة هي في الاصل ما يتوصّلُ به الي الشئ و يتقرّب به و جمعها وساۤئل يقال وَسل اليه وسيلةً و توسّل و المراد به في الحديث القرب من اللّهِ تعالي و قيل هي الشفاعة يوم القيمة و قيل هي منزلة من منازل الجنّة كذا جاۤء في الحديث في صفته عليه السلام ه‍ ، و في مجمع‌البحرين قوله تعالي و ابتغوا اليه الوسيلة اي القربة الي اللّه عز و جل و في الدعاۤء و اَعطِ محمداً صلي اللّه عليه و آله الوسيلة روي انها اعلي درجة في الجنّة لها الف مرقاة ما بين المرقاة الي المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عامٍ و هي ما بين مرقاةِ جوهرٍ الي مرقاةِ ياقوتٍ الي مرقاةِ ذهب الي مرقاةِ فضّةٍ فيؤتي بها يوم القيمة حتي تنصب مع درجة النبيين كالقمر بين الكواكب فلايبقي يومئذٍ نبي و لا صديق و لا شهيد الّا قال طوبي لمن كانت هذه الدرجة درجته و في حديث النبي صلي اللّه عليه و آله سلوا اللّهَ لي الوسيلةَ ، طلبَ صلّي اللّه عليه و آله من امّته الدعاۤء له هضماً لنفسِه اَوْ لتنتفع به امّته و تثاب عليه و مع هذا فانه يزيده رفعة بدعاۤء امّته كما يزيدهم بصلاتهم عليه و وَسَلتُ الي اللّه تعالي بالعمل من باب وعَد رغبتُ اليه و تقرّبتُ و منه اشتقاق الوسيلة و هي ما يتقرّب به الي الشئ و الواسل الراغب الي اللّه تعالي انتهي ،
اقول الحديث الذي اشار اليه صاحب مجمع‌البحرين هو ما رواه الصدوق رحمه اللّه في معاني الاخبار و تمامه بعد قوله طوبي لمن كانت هذه الدرجة درجته فيأتي النداۤء من عند اللّه تعالي يسمع النبيين و جميع الخلق هذه درجة محمد صلي اللّه عليه و آله فاُقبِلُ انا يومئذٍ مؤتزراً بريطةٍ من نور عليّ تاج الملك و اكليل الكرامة و علي بن ابي‌طالب اَمامي و بيده لواۤئي و هو لواۤء الحمد يكون مكتوب عليه لا اله الّا اللّه المفلحون هم الفاۤئزون باللّه فاذا مررنا بالنبيين قالوا هذان ملكان مقرّبانِ لم‌نعرفهما فاذا مررنا بالملاۤئكة قالوا نبيَّينِ مرسلَينِ حتّي اَعلُوَ الدرجة و عليّ يتبعني حتي اذا صِرتُ في اعلا درجة منها و عليٌّ اسفل منّي بدرجةٍ فلايبقي يومَئذ نبي و لا صدّيق و لا شهيد الّا قال طوبي لهذين العبدين ما اكرمهما علي اللّه تعالي فيأتي النداۤء من قبَلِ اللّه تعالي يُسمِع النبيين و الصدّيقين و الشهداۤء و المؤمنين هذا حبيبي محمد صلّي اللّه عليه و آله و هذا وليي عليّ عليه السلام طوبي لمن احبّه و ويل لمن ابغضَه و كذبَ عليه فلايبقي يومئذ احدٌ احبّك يا عليُّ الّا استروَح الي هذا الكلام و ابياۤضّ وجهُه و فرح قلبُه و لايبقي احدٌ ممّن عاداك او نصبَ لك حرباً او جحد لك حقّاً الّا اسواۤدّ وجهه و اضطربت قدماه فبينا انا كذلك اذا ملكانِ قد اقبلَا اليّ امّا احدهما فرضوان خازن الجنّة و امّا الٰاخر فمالك خازن النار فيدنو رضوان فيقول السلام عليك يا احمد فاقول السلام عليك ايّها الملك من انت فما احسن وجهَك و اطيَب ريحَك فيقول انا رضوان خازن الجنّة و هذه مفاتيح الجنّة بعثَ بها اليكَ ربّ العزّة فخذها اليك يا احمد فاقول قد قبلتُ ذلك من ربّي و له الحمد علي ما فضّلَني به رَب۪ي ادفعها الي اخي علي بن ابي‌طالب ثم يرجع رضوان فيدنو مالك فيقول السلام عليك يا احمد فاقول عليكَ السلام ايّها الملك فما اقبح وجهك و انكر رؤيتك فيقول انا مالكٌ خازن النار و هذه مقاليد النار بعث بها اليك رب العزّة فخذها يا احمد فاقول قد قبلتُ ذلك من ربّي فله الحمدُ علي ما فضّلني به ادفعها الي اخي علي بن ابي‌طالب ثم يرجع مالك فيقبل عليٌّ (ع‌) و معه مفاتيح الجنّة و مقاليد النارِ حتي يقف علي عجزة جهنّم و قد تطايرَ شَرَرُها و علا زفيرها و اشتدّ حرّها و عليٌّ آخِذٌ بزمامِها فتقول له جهنّم جُزني يا علي فقد اطْفأَ نورُك لهَبي فيقول لها عليٌّ (ع‌) قَرِّي يا جهنّم خُذي هذا و اتركي هذا خذي هذا عدوِّي و اتركي هذا وليّي فَلَجَهنّمُ يومئذٍ اشدّ مطاوعةً لعليٍّ من غلام احدكم لصاحبه فان شاۤء يذهبها يمنةً وَ ان شاۤء يُذْهِبُها يسرةً وَ لَجَهَنّمُ يومئذٍ اشدّ مطاوَعةً لعليٍّ (ع‌) فيما يأمرُها به من جميع الخلاۤئق انتهي الحديث الشريف كما في المعاني ،
اقول المقام المحمود المقام المحمود او المحمود مَن قام فيه لأنّ كلّ من رأٰه حَمِدهُ و اثني عليه و له اعتبارانِ اعتبارٌ من جهة الفَض۪يلة و اعتبارٌ من جهة الفاضلة فامّا الاول فلكونه اعلي مراتب القربة الي اللّه تعالي فيحمده كلّ اَحدٍ و يحمد من قام فيه اذ ليس مقام اقرب منه ليستحِقّ الثناۤء دونه او يساويه فيه و امّا الثاني فلأَنّه لمّا كان اعلي مراتب القرب الي اللّهِ تعالي لزم ان يكون كل مَن دونه يحتاج اليه في كل شئ لعُلوِّه۪ علي كلِّ مقامٍ و احاطته بكل مَن دونه علي جهة العلّيّة و القيوميّة فعلي الاول يراد منه القرب المطلق الّذي هو مقام اوْ ادني و علي الثاني يراد منه مقام البابيّة المطلقة كالتوسط بين الخلق و بين اللّه سبحانه و التّلقّي من الجناب الاعلَي عَزَّ و جلّ للتّأدية و التّأدية الَي مَن دُونه و الشّفاعة للمقصّرين مِنْ اَتْباع صاحبِ المَقام و لهذا فسّر المقام المحمود بالشّفاعة اوِ الوسيلة لما قلنا و فسِّرت الوسيلة بالقرب او الشفاعة او منزلة في الجنّةِ مخصوصة كما ذكر في حديثِ المعاني المتقدّم و هو مقام الحكم بالحَقِّ و العدل بالقسط و القسمة بالسويّة بحسب المقتضي كما في الحديث المتقدّم و المقام المحمود تلّ من مسكٍ اذفر بِحِيَالِ العرش كما في تفسير العياشي عن الصادق عليه السلام فمعني انّه القرب من اللّهِ تعالي او الشَّفاعة او الوسيلة او منزلة من منازِلِ الجنّة اَنّ المقام المحمود مكان لما فُسِّرَ به۪ من هذه الامور فانّ اعلا مراتبها ما وقع في المقام المحمود و في روضة‌الواعظين للمفيد (ره‌) كذا في تفسير الاميرزا محمد القمي و في البحار انه للشيخ محمد بن علي بن احمد الفارسي (ره‌) و كلام الاميرزا محمد يحتمل انه كتاب آخر غير المشهور للمفيد (ره‌) و يحتمل انه من سهو القلم و الّا فروضة الواعظين الموجودة للفارسي قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا قمتُ المقام المحمود لشفعتُ في اصحاب الكباۤئر من امّتي فيشفعني اللّهُ فيهم و لاتشفّعتُ في مَن آذي ذريّتي و فيه ايضاً قال اللّه تعالي عسي ان يبعثَك ربّك مقاماً محموداً قال رسول اللّه (ص‌) المقام الذي اشفع فيه لأمّتي و سمّي ذلك المكان بالمقام المحمود لما قلنا اوّلاً من انه محمود و القاۤئم فيه محمود و لان القاۤئم فيه يحمد اهل الطاعة و يثني عليهم كما في التوحيد عن اميرالمؤمنين عليه السلام في حديثٍ يقول فيه عليه السلام و قد ذكر اهل المحشر ثم يجتمعون في موطنٍ آخر يكون فيه مقام محمّد صلي اللّه عليه و آله و هو المقام المحمود فيثني علي اللّه تبارك و تعالي بما لم‌يُثْنِ عليه احدٌ قبله ثم يثني علي كلّ مؤمنٍ و مؤمنةٍ يبدأ بالصدّيقين و الشهداۤء ثم بالصالحين فتحمده اهل السموات و الارض فذلكَ قوله عز و جل عسي ان يَبْعثَكَ ربُّكَ مقاماً محموداً فطوبي لمن كان في ذلكَ اليوم له حظّ و نصيب و ويل لمن لم‌يكن له في ذلكَ اليوم حظٌّ و لا نص۪يبٌ ه‍ ، و قول مجمع‌البحرين طلب صلّي اللّه عليه و آله من امته الدعاۤء له هضماً لنفسه الخ ، امّا التعليل الاوّل فليس بمتّجهٍ لأنّ المقام ليس مقام تصغير النفس و انما فعل ذلك بامرٍ من اللّه تعالي لانه صلي اللّه عليه و آله لاينطق عن الهوي و اما التعليل الثّاني فمتّجه صحيح و قوله و مع هذا فانه يزيده رفعة بدعاۤء امّته هو ايضاً صحيح لكن علي معني اَنّ الزيادة لاتلحق ذاته و انّما تلحق الملحقَ به كما انَّ الصلوة تزيد في المسجد فضلاً و تنقص في الحمّام و قد تقدّم الكلام في هذا و مَن انكر عدم انتفاعهم عليهم السلام بدعاۤء شيعتهم فقد جهل المسئلة كيف و قد قال صلي اللّه عليه و آله تناكحوا تناسلوا فاني اُباهي بكم الامم الماضية و القرون السالفة يوم القيمة و لو بالسّقط الحديث ، فاِن قلتَ ما ذكرتَ من الاخبار انّما تدلّ علي اختصاص المقام المحمود به صلّي اللّه عليه و آله و انت في بيان اثباته لهم عليهم السلام قلتُ كلّ ما وصفوا بصفةٍ من الصفات الحميدة فرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اِمامُهُمْ بل هو اصلهم فيها و مقتداهم فهي له و هو مأمورٌ من اللّهِ تعالي اَن يؤدّيها اليهم لأنه الواسطة بينهم و بين اللّه تعالي و من ذلك المقام المحمود فهو مقامه و اعلي مرتبة منه يختصّ بها دونهم و يليها مرتبة اميرالمؤمنين عليه السلام و الائمة عليهم السلام دون اميرالمؤمنين عليه السلام علي مراتبهم اِلّا انّه صَلّي اللّٰهُ عليه و آله هو المدعوّ باسمه فلذا نسب المقام المحمود اليه و هم يجرون مَجْريٰهُ في كل ما كان المقام المحمود مكاناً له من القرب و الشّفاعة و الوسيلة و المنزلة في الجنّة الّا انه صلي اللّه عليه و آله هو داعيهم و قاۤئدهم ففي الشفاعةِ يشفع باذن اللّه تعالي لهم فيشفعون باذن اللّه و اذن رسوله صلي اللّه عليه و آله لمن شاۤؤا و يُشَفِّعُون مَن شاۤؤا فيمن شاۤؤا فنالوا الشفاعة و التشفيع به كذا في الوسيلة و القرب و المنزلة فصحّ بهذا الاعتبار نسبة المقام المحمود اليهم ،
قوله عليه السلام : و المقام المعلوم
و في بَعض النسخ الصحيحة و المكان المعلوم و المكان و المقام بفتح الميم واحد لأن المقام بفتح الميم موضع القيام اذا اُريد به مكان الشفاعة كالمقام المحمود او الاعم كتولّي امر الحساب و قسمة الجنّة و النار و انزال المستحقين منازلهم من الدارَيْنِ و ان قرئ بضم الميم لم‌يتناف مع المكان ايضاً و لٰكنه يكون موافقاً للمنزلة في الجنّة لأنّه موضع الاقامة فعلي الوجه الاوّل يتّحدان هذا الوجه الاول مع الوجه الاول هناك و علي الثاني هنا و هناك يعني المنزلة في الجنّة يتّحدان ايضاً الّا ان مقتضي العطف المغايرة فحمل هذا علي المعني الاعم او يخصّ المتقدم بما يتعلق بيوم الحساب او الشفاعة و هذا بالمنزلة في الجنّة او العكس او ان يراد بمغايرة العطف الابهام بان يقال هما متغايران علي جهة الابهام ان اريد بالاول الشفاعة اريد بالثاني ما يتعلق بيوم القيٰمة غيرها او المنزلة في الجنة و ان اريد بالاول المنزلة او ما يتعلق بيوم القيمة اريد بالثاني الشفاعة او يراد بالثاني القرب “٢” من اللّه سبحانه و بالاول ما سواه “٢-” او بالعكس و في قوله المعلوم اشارة الي معهود ذهني او ذكري فعلي الاوّل يراد بالمحمود خصوص الشفاعة و بالمعلوم ما سواه مطلقاً او ما سواه يوم القيمة او بالعكس و علي الثاني يُرَادُ بالمحمود خصوص الشفاعة او مطلقاً و بالمعلوم نفس المقام يعني المكان المعلوم و الحاصل انه كما يقال ان الظاهر هو المغايرة بموجب العطف يحتمل التفسير و ان كان بعيداً و يحتمل ارادة الولاية المطلقة في الاول لأنّها السلطنة الكبري و ارادة بعض موجباتها في الثاني و في معاني‌الاخبار و التوحيد بسنده الي محمد بن مسلم قال سمعتُ اَبَاعبدِاللّه عليه السلام يقول ان لِلّهِ عز و جل خلقاً خلقهم من نوره و رحمته فهم عين اللّه الناظرة و اذنه السامعة و لسانه الناطق في خلقه باذنه و امناۤؤه علي ما انزل من عذرٍ او نذرٍ او حجّةٍ فبهم يمحو اللّه السيئاتِ و بهم يدفع الضيمَ و بهم ينزل الرحمةَ و بهم يحيي ميتاً و بهم يميتُ حيّاً و بهم يبتلي خلقه و بهم يقضي في خلقِه۪ قضِيّتَهُ قلتُ جُعِلتُ فِدَاك مَن هؤلاۤء قال الاَوْصياۤء ه‍ ،
و قوله عليه السَّلام : عند اللّٰهِ عزّ و جلّ
يُراد منه انَّ هذا المقام المعلوم اعدّه اللّٰهُ لَهُمْ عليهم السَّلام يوم القيمة اَوْ في الجَنّة اَوْ في المكانةِ و القربِ منه تعالي علي الاحتمالات الثلاث و عِنْدَهُ تعالي اي في ملكه و نَسَبهُ اليه اشْعَاراً بالاخْتصاصِ التشريفي عَلَي نحوِ الادِّخٰارِ لَهُمْ صلي اللّه عليهم و يُستفاد من اخبارهم انّ هذا المقام المشار اليه اعلي المقامات و اشرفها عنده و احبّها اليه و هو حَمُولَةُ قولِه۪ تعالي وَ وَسِعَني قلبُ عبْدي المُؤْمِن المعبّر عن هذا الوسع المذكور بقوله الرّحمٰن عَلَي العرشِ اسْتَوَي و بقولهم عليهم السلام نحنُ محاۤلُّ مَشِيّةِ اللّهِ و اَلْسِنَةُ اِرادتِه۪ و معانيه كما تقدّم في حديث جابر الجعفي عن ابي‌جعفر عليه السلام في قوله يا جابر عليك بالبيان و المعاني قال فقلتُ و ما البيان و المعاني قال فقال علي عليه السلام امّا البيان فهو ان تعرف اللّه سبحانه ليس كمثله شئ فتعبده و لاتشرك به شيئاً و امّا المعاني فنحن معانيه و نحن جنبه و يده و لسانه و امره و حكمه و علمه و حقّه اذا شِئنا شاۤء اللّه و يريد اللّه ما نريده فنحن المثاني الذي اَعْطانا اللّهُ نبيّنا و نحن وجه اللّهِ الذي يتقلّب في الارض بين اظهركم فمن عرفنا فاَمامَهُ اليقين و من جهِلَنا فاَمامَهُ سجّين و لو شئنا خرقنا الارض و صعِدنا السّماۤء و انّ الينا اياب هذا الخلق ثم انّ علينا حسابهم ه‍ ، و قوله عليه السلام و لو شئنا خرقنا الارضَ و صعِدنا السّماۤء يؤيّده ما رواه المقداد بن الاسود الكندي قال قال لي مولاي يوماً ائْتني بسيفي فاَتيتُه به۪ فوضعه علي ركبتيه ثم ارتفع الي السماۤء و انا انظر اليه حتي غابَ عن عيني فلمّا قرُبَ الظهر نزل و سيفه يقطر دَماً فقلت يا مولاي اين كنتَ فقال انّ نفوساً في الملأ الاَعْلَي اختصمَتْ فصَعِدْتُ فطهّرتها فقلتُ يا مولاي و امرُ الملأِ الاعلَي اليك فقال يا ابْنَ‌الاسود انا حجّة اللّهِ علي خلقه من سمواته و ارضه و ما في السماۤء ملكٌ يخطو قدَماً عن قَدَمٍ الّا باذني وَ فِيَّ يرتابُ المبطلونَ ه‍ ، و هذا العهد الذهني او الذكري يُعنَي به الايماۤء الي المقام الذي يقومه او يقوم فيه مَنْ قلبُه عرش الرحمن الّذي استوي عليه برحمانيته و هو عين اللّه و لسانه و يده و قلبه و امره و حكمه و جميع معانيه اي معاني افعالِه۪ و كذلك هو ايضاً بيت اللّه و بابه و في الاحتجاج للطبرسي عن الاصبغ بن نباتة قال كنتُ عند اميرالمؤمنين عليه السلام فجاۤءهُ ابن‌الكوّا فقال يا اميرالمؤمنين قول اللّهِ عز و جلّ ليس البرّ اَن تأتوا البيوت من ظهورِها و لكنّ البرّ من اتّقي و اتوا البيوتَ من ابْوابِهَا فقال عليه السلام نحن البيوت التي امر اللّهُ اَنْ تُؤتَي من ابْوابِها نحنُ باب اللّهِ و بيوته الّتي يؤتي منها فمن بايَعنا و اقرّ بولايتِنا فقد اَتي البيوتَ من ابوابها و مَن خالفنا و فضّل علينا غيرنا فقد اتي البيوتَ من ظهورها انّ اللّه عزّ و جل لو شاۤء عرّف الناسَ نفسَهُ حتّي يعرفوه و يأتوه من بابه و لكن جعلنا ابوابه و صراطه و سبيلَه و بابَهُ الذي يُؤتَي منه قال فمن عدل عن ولايتنا و فضّل علينا غيرنا فقد اتي البيوت من ظهورِها و انهم عن الصراط لناكبون ه‍ ، و غيره مما يدلّ علي انّهم عليهم السلام مقاماته و معانيه و ابوابه و حججه و المقام المعلوم و المحمود لايقومه و لايقوم فيه الّا مَن كان كذلك لعلو رتبتِه و لهذا قَالَ عند اللّهِ تعظيماً له بكونه عنده تعالي و انّما قال عليه السلام عز و جلّ تنبيهاً علي انّه سبحانه يتعالي عن كلّ نسبةٍ و كلّ ما يضاف اليه من جليلٍ و حقير لأنّ هذا المقام المشار اليه و ان كان في غاية كمال الامكان في النّسب و الاضافات من ساۤئر المراتب الّا انّه لمّا نوَّهَ به و بشرفه و علوّ قدره و نسبَهُ الي العندِ الاكبر الّذي لايتناهَي في الشرف الامكاني نَبّهَ علي انّ الخلق لايسلم منه شئ عن نقصٍ و فقرٍ يبلغ به في رتبة التحقّق الذاتي الي العدم و اللّاشي‌ء و اللّه سبحانه يتعالي عن كلّ شئ فكلّ عظيمٍ في جنب عظمته حقير كما قال سيدالعابدين عليه السلام فلك العُلوّ الاَعْلَي فوق كلِ عالٍ و الجلال الامجدُ فوق كل جلالٍ كلّ جليلٍ عندك صغير وَ كُلُّ شريفٍ في جَنْبِ شرَفِكَ حَق۪يرٌ و اَنَّ هذه المبالغات في الشّرف و العزّة يَتَعالَي و يتقدّس سبحانه عَنْهَا و عن كلّ شئٍ حقير او جليلٍ و ما ينسب اليه بنفسه سبحانه فانما هو تشريف منه لما نسب فَضْلاً و كرماً و له الحمدُ علي كلِّ حالٍ و يمكن اَنْ يقال انّ عند منصوبٌ بالمعلوم علي انّه معمولٌ له و المعني انّ ذاك المكان او المقام معلومٌ عند اللّه تعالي اي معيّنٌ في علمه لمحمد و آله صلّي اللّه عليه و آله اَوْ اَنَّ اللّٰهَ يعلمه اي لايَعْلَمُ قدر ذلك المقام او المكان الّا اللّه اوْ مَن اطلعه عليه منْ احبّاۤئه و اولياۤئه الّا انّ الظاهر انّ المراد بالمعلوم المعلوم عند اولي العلم به علي جهة الاجمال او التفصيل او المعلوم بمعني المشار اليه و المشار اليه هو المقام المحمود اوْ ما ذكرنا سابقاً ،
قوله عليه السلام : و الجاهُ العظيم
الجاه هو الوجه و هو القدر و المنزلة و الوجه الجهة و مستقبل كلّ شئ يقول لكم القدر العظيم و المنزلة يعني عند اللّه تعالي بمعني انه لايردّ ساۤئلاً سأله بهم لأن قدرهم عنده تعالي اعظمُ من كلّ شئ فحيث كان اكرم و ارحم منهم و اجود قبِلهم في كلّ شئ لأنّهم قبلُوه في كلّ شئ و هو تعالي اولي من كلِّ شئٍ بكلِّ خيرٍ و ذلك لما خلقهم و دعاهم الي ما اراد اجابوه كما اراد و هو اولي بذلك الجميل من خلقه اجابهم و اجابَ بهم في كلّ مراد و في مجالس المفيد بسنده الي جابر عن ابي‌جعفر عن ابيه عن جده عليهم السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا كان يوم القيمة و سكن اهل الجنّة الجنّة و اهل النار النار مكثَ عبدٌ في النار سبعين خريفاً و الخريف سبعون سنة ثم انه يَسئَلُ اللّهَ عز و جل و يناديه فيقول يا ربّ اسألك بحقّ محمد و اهل بيته الّا رحمتني فيوحي اللّه جل جلاله الي جبريل عليه السلام اهبط الي عبدي فاخرِجْهُ فيقول جبريل و كيف لي بالهبوط في النار فيقول اللّه تبارك و تعالي اني قد امرتُها اَن تكون عليك برداً و سلاماً قال فيقول يا ربّ فما علمي بموضعه فيقول انّه في جُبِّ سجّين فيهبط جبريل عليه السلام الي النار فيجده معقولاً علي وجهه فيخرجه فيقف بين يدي اللّه عز و جل فيقول اللّهُ تعالي يا عبدي كم لبثتَ في النار تناشدني فيقول يا ربّ مااحصيه فيقول اللّهُ عز و جلّ له اما و عزّتي و جلالي لولا مَن سألتني بحقّهم عندي لاطلتُ هوانَك في النار و لكنه حتمٌ علي نفسي اَلّايسألَن۪ي عبدٌ بحق محمد و اهل بيته الّا غفرتُ له ما كان بيني و بينه و قد غفرتُ لكَ اليوم ثم يؤمَرُ به الي الجنّة و في مناقب ابن‌شاذان مرفوعاً الي سماعة قال قال لي ابوالحسن عليه السلام اذا كان لك يا سماعة عند اللّهِ حاجة فقل اللهم انّي اسألك بحق محمدٍ و عليٍّ فانّ لهُمَا عندك شأناً من الشّأنِ و قدراً من القدر فبحقّ ذلك الشأن و بحق ذلك القدر اَنْ تصلّي علي محمد و آل‌محمّد و اَنْ تفعل بي كذا و كذا فانّه اذا كان يوم القيمة لم‌يبق ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا مؤمنٌ امتحن اللّٰهُ قلْبَهُ للايمان الّا و هو محتاج اليهما ذلك اليوم ه‍ ، و انّما استجاب الدعاۤء بحقّهم عليه و جاههم عنده لانه سبحانه كما ذكرنا مراراً متعدِّدةً فيما سبق انّما خلقهم له و ليس له تعالي شأن بغيرهم بالذات و انّما خلق جميع من سواهم من حيوان و نباتٍ و معدنٍ و جمادٍ و مِن جوهرٍ و عَرضٍ من جميع خلقه من الاسباب و المسبّبات من عين و معنيً صفةٍ و موصوف لهم عليهم السلام و هو قول علي عليه السلام نحن صناۤئع اللّهِ و الخلق بعْدُ صناۤئع لنا ه‍ ، يعني نحن الذين اصطنعَنا اللّه سبحانه لنفسه و صنع جميعَ الخلقِ لَنَا فجاههم عليهم السلام عنده اقرب و اعظم من سؤالِ ساۤئِلٍ من ساۤئِر خلقه فان مطلب السّاۤئل بحقّهم لايخلو امّا ان يكون منافياً لجاههم و حقّهم او مخالفاً له و امّا ان يكون موافقاً لحقهم و جاههم بان يكون من لواحق حقّهم او توابعه فان كان مطلبه منافياً لحقهم كما لو سَئَلَ اللّٰهَ ان يجعله مثلهم او افضل منهم لم‌يصحّ من الساۤئل وقوع التوسل بحقّهم لان معني التوسل بجاههم و حقّهم ان يجعله شافعاً له عند اللّه تعالي في مطلبِهِ و الساۤئل من غيرهم لايصل الي مقام جاههم بحالٍ من الاحوال فكيف يسئل هذا المقام فانّه اذا سأله لم‌يبق ما يستشفع به الي اللّه تعالي مع انّه لم‌يصل في اصل وجوده الي مطلبه فبين اصل وجوده و بين مطلبه هذا مراتب لاتحصي فهو طالب للوصول بلا سببٍ فقد خرّ من السماۤء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكانٍ سحيق و من دون هذا و ان شاركه في ظاهر العلّة ما لو سأل اللّه تعالي مقام النبيين و المرسلين ما لم‌يكن منهم ففي الاول لايجوز لاحدٍ من الخلق لا نبي مرسل و لا ملك مقرّب و لا مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و انّما ابتلي بعض النبيين عليهم السلام بالبلاۤء من اللّه تعالي لانه توقّف في ولايتهم اي في كمال الطاعة و الانقياد لهم بان وجد في نفسه وقفة و لو للتروّي و التأمّل مثل ايّوب عليه السلام عند الانبعاث للنطق شكّ و بكي فقال خطب جليل و امر جسيم قال اللّه عز و جل يا ايّوب اتشُكُّ في صورةٍ اقمتُه انا اني ابتليتُ آدم بالبلاۤء فوهبته له و صفحتُ عنه بالتسليم عليه بامرة المؤمنين و انت تقول خطب جليل و امر جسيم فوعزّتي لاذيقنّك من عذابي او تتوبَ اليَّ بالطاعة لاميرالمؤمنين قال عليه السلام ثم ادركته السعادة بي يعني انه تاب و اذعن بالطاعة لاميرالمؤمنين عليه السلام كذا في كنزالفواۤئد للكراجكي و تقدّم الحديث بتمامه و مثل يونس عليه السلام حين دعي الي الايمان او الاقرار باميرالمؤمنين عليه السلام فقال كيف اؤمن او قال اقرّ بمن لم‌ارَهُ و جري عليه ما سمعتَ و قد تقدّم ذكر هذا و دفع الاشكال في وقوع مثل هذا من اهل العصمة عليهم السلام و جوابه و مثل هذا حال المؤمنين بالنسبة الي الانبياۤء عليهم السلام و ان كان مطلب الساۤئل مخالفاً لحقهم عليهم السلام كما لو سأل اللّه تعالي بهم ما حرّم اللّه عليه فانّه اي سؤاله ذلك لم‌يكن في سبيلهم و انما كان في سبيل اعداۤئهم فهو في دعاۤئه يسئل اللّه ان ينقّص حقهم عنده تعالي و السؤال فيما رضي اللّه تعالي بحقهم سؤال للّه تعالي ان يزيد في حَقّهم و قدرهم عنده تعالي فهو في سؤاله المحرّم غير ساۤئل بحقّهم بل هو في سبيل اعداۤئهم فقد اخطأ الطريق الي اللّه تعالي فاُبْعِدَ من الاجابة لانه في الحقيقة انّما يدعو الشيطان و ما دعاۤء الكافرين الّا في ضلال و ان كان مطلبه موافقاً لحقهم عليهم السلام كما لو سأل اللّه تعالي تعجيل فرجهم و اهلاك اعداۤئهم فان ذلك لاحق بحقهم او سأل اللّه تعالي ما امره به او ما ندبه اليه اوْ اباحَهُ فانّ ذلك تابع لحقّهم و الفرق بين الاول و الثاني انّ الاوّل من مكمّلات حقهم عنده تعالي و الثاني من متمّمات حق شيعتهم و محبيهم او مكمّلاته فمن سأل اللّه تعالي بحقّهم و بجاههم ما كان موافقاً لجاههم فانّ اللّه تعالي لايردّه لحصول الرابطة و هو وصل ما امر اللّهُ به ان يوصل فان عرف اللّه تعالي كانت الاجابة علي اثر الدعاۤء و الّا فامّا ان يكون كفارة لبعض ذنوبه او تؤخّر الاجابة الي حين المصلحة في الدنيا او في البرزخ او في القيمة و لايرد اللّه تعالي داعياً بحقّهم و بجاههم ان كان صادقاً و تفصيل هذا المقام يطول به الكلام و الحاصل انّ لهم جاهاً عظيماً عند اللّه عز و جل و هو في الباطن ان اللّه تعالي جعلهم وجهه الذي يتوجّه اليه الاولياۤء لانّهم عليهم السلام الدليل اليه لا غيرهم و هو معني ما اردنا بقولنا قبل و الجاه هو الوجه ثم قلنا و الوجه الجهة و مستقبل كل شئ و آيته الّتي ارانا اللّه ايّاها في الٰافاق في قوله تعالي سنريهم آياتنا في الٰافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق الٰاية ، و المثل المضروب لذلك و للّه المثل الاعلي مثل السراج فانّ المرئي منه هو الشعلة الظاهرة و اصلها الدخان الذي كلّسَتْه النار من الدهن فانفعل ذلك الدخان بمسّ النار اي بفعلها من الحرارة و اليبوسة العرضيّين و امّا النار الحقيقيّة التي هي الحرارة و اليبوسة الجوهريّتان فهي غيبٌ لم‌تظهر بذاتها و انما ظهرت باثرِ فعلها و هو الشعلة المرئيّة فانّها بحرارتِها و يبوستها العرضيتين اللتين هما عبارةٌ عن فعلها حرقت الدهن و جَفّفتْه حتي كان دخاناً فاستضاۤء عن فعل النار و قد ذكر هذا المعني الشيخ ابوعلي في الاشارات حيث قال اعلم ان استضاۤءت النار الساۤئرة لما وراۤءها انّما تكون اذا عُلِفت شيئاً ارضيّاً ينفعل بالضَّوْء عنها الي ان قال فاذا طفيت انفصلتِ النار هواۤءً و الكثافة دخاناً انتهي ، فالشعلة هي المرئيّة و هي الدخان المستحيل من الدهن انفعل بالضوء عن مسّ النار و هو الوجه و الجهة للنار و ليس لها وجه غيره و لم‌يوجد شئ من الاشعّة المنبثّة في اقطار البيت الّا من الشعلةِ و بواسطتها و الفاعل هو النار المحتجبة بالشعلةِ عن جميع الاشعّة واقفون بباب الباب و هو الشعلة سائلون بفقرهم من جناب النار و هو الشعلة فكل شئ من الاشعة متوجّه في جميع وجوداته و مطالبه الي الشعلة لا لها بل للنار الفاعلة للشعلة بفعلها و للاشعّة بواسطة الشعلة فالشعلة آيتهم و مَثَلُهم عليهم السلام و الاشعّة المنبسطة علي ساۤئر جُدُرِ البيت و سقفِه۪ شيعتهم و محبّوهم و جميع اتباع محبّيهم من الحَيوانات و النباتات و الجمادات و عكوسات الاَشِعّة اعداۤؤهم و اتباع اعداۤئهم من الحَيوانات و النباتات و الجمادات و جميع الاَشِعّة متوقّفة علي الشعلة و متقوّمة بها و منتهية اليها و مستمدة لوجودِها و بقاۤئه منها و بواسطتها و كذلك العكوسات بواسطة الاشعّةِ و الشّعلة هي وجه النار الغاۤئبة عن دَرَكِ الاحساسِ و هي اي الشعلة آيتهم و مثالُهمْ و النّار الغاۤئبة آيةُ الحقِ تعالي آيةُ استدلالٍ عليه لا آية تكْشِفُ له فتدبر هذا المثل الذي ضربه سبحانه آية للحقِ في الٰافاق فهل يمكن اَنْ تُمِدَّ النارُ شيئاً بغير واسطة الشعلة او يصل شئ من الاشعة الي النار بعملٍ او في استمدادٍ بدون الشعلةِ و كذلك جميع العكوسات لايمكن ان تستمدّ من الشعلة بدون واسطة الاشِعّة كذلك جميع الخلق لايمكن ان يصل احد من الخلق الي اللّهِ تعالي في استمدادٍ او وجودٍ او بعمل بغير واسطتهم صلي اللّه عليهم و لايَصِلُ من اللّٰهِ تعالي فيضٌ و لا اِمْدادٌ الي احدٍ من الخَلْقِ بغير واسطتهم فهم وجه اللّهِ الذي يتوجّه اليه الاولياۤء فاَيْنما تولّوا فثمَّ وجه اللّهِ كلّ شئ هالكٌ الّا وجهه كلّ من عليها فانٍ و يبقي وجهُ ربّك ذُو الجلال و الاكرام فمَنْ سألَ اللّه تعالي شيئاً يرضي به فكالشعاع في استمداده بواسطة الشعلة و هو مقبول ثابت و من سأل اللّه تعالي شيئاً لايرضي به فكالعكوسات في استمدادها بغير واسطة الاشعّة و هو مردود منفي و لو كان مقبولاً ثابتاً لكانتِ العكوسات اشعّة لا عكوساتٍ فافهم ،
و بالجملة فكل شئ انّما يتلقّي من اللّه تعالي بواسطتهم فيعطي لاجل عظمِ جاههم عنده لا فرق في ذلك بين الشريف و الوضيع و العالي و الرفيع و لهذا كان جميع الانبياۤء و المرسلين الّذين هم اقرب الخلق بعد النبي و اهل بيته صلي اللّه عليه و آله الي اللّه تعالي و احبّهم اليه و اوجههم عنده لاينالون مطالبهم من اللّهِ تعالي الّا بحقهم و جاههم عليهم السلام ففي جامع‌الاخبار و امالي الصدوق بسندِهما الي معمّر بن راشد قال سمعتُ اباعبداللّه عليه السلام يقول اتي يهودي الي النبي صلي اللّه عليه و آله فقام بين يديه يحدّ النظر اليه فقال يا يهودي ما حاجتك قال انت افضل ام موسي بن عمران عليه السلام النبي الذي كلّمه اللّه و انزل عليه التورية و العصي و فَلَقَ له البحر و اظلّه بالغمام فقال له النبي صلي اللّه عليه و آله انه يكره للعبد ان يزكّي نفسَهُ و لكنّي اقول انّ آدم عليه السلام لمّا اصاب الخطيۤئة كانت توبته ان قال اللهم انّي اسألك بحقّ محمد و آل‌محمّد لمّا غفرت لي فغفرها اللّه له و انّ نوحاً عليه السلام لمّا ركب في السّفينة و خاف الغرق قال اللهم انّي اسألك بحقّ محمد و آل‌محمد لمّا انجيتَني من الغرق فنجاه اللّه منه و ان ابراهيم عليه السلام لما القي في النار قال اللهم انّي اسألك بحقّ محمد و آل‌محمد لمّا انجيتني منها فجعلها اللّهُ عليه برداً و سلاماً و انّ موسي لمّا القي عصاه و اوجس في نفسه خيفةً قال اللهم اني اسألك بحقّ محمّد و آل‌محمد لمّا امنتني فقال اللّه جل جلالُه لاتخف انّكَ انت الاعلي يا يهودي انّ موسي لو ادركني ثم لم‌يؤمن بي و بنبوّتي مانفعه ايمانه شيئاً و لانفعَتْه النبوّة يا يهودي و من ذرّيّتي المهدي اذا خرج نزل عيسي بن مريم لنصرته فقدّمه و صلّي خلفه ه‍ ، و في الاختصاص بسنده الي المفضّل بن عمر قال قال لي ابوعبداللّه عليه السلام ان اللّه تبارك و تعالي توحَّد بملكه فعرّف عباده نفسَهُ ثم فوّض اليهم امره و اباح لهم جنّتَهُ فمن ارادَ اَنْ يطهّر اللّٰهُ قلبه من الجن و الانس عرّفه ولايتنا و مَن اراد ان يطمسَ علي قلبه امسكَ عنه معرفتنا ثم قال يا مفضّل واللّهِ مااستوجبَ آدم ان يخلقه اللّه بيده و ينفخ فيه من رُوحِه۪ الّا بولاية عليٍّ صلواتُ اللّهِ و سلامه عليه و ماكلّم اللّٰهُ موسي تكليماً الّا بولاية عليّ عليه السلام و لااقام عيسي بن مريم آيةً للعالمين الّا بالخضوع لعليٍّ عليه السلام ثم قال اُجمِل الامرَ مااستأهَلَ خلقٌ من اللّه النظر فيه الّا بالعبوديّة لَنا ه‍ ، اقولُ و اَنْتَ ان اطّلعتَ علي ما اشرنا اليه فحسن و الّا فعليك بالدليلَين الصحيحَيْن الدليل العقلي و هو ما ذكرنا من البيان و المثل الحقّ الذي ضربه اللّٰهُ لِذٰلكَ و الدليل النقلي و هو ما ذكرتُ لك منَ الاخبار و غير ما ذكرتُ وَ لَاسيّما هذا الحديث الاخير مما ذكرت فانه عليه السلام قال اُجْمِلُ لكَ الامرَ ثم بَيَّنَ عموم هذا لجميع الخلق و هو الصادق عليه السلام في قوله علي اللّه تعالي ،
قوله عليه السلام : و الشأن الكبير
اقول قد تقدّم بيان الشأن و بيان الكبير و انّما ذكرهما هُنا لِانّه عليه السلام في صددِ مَا تَحقّقَ لهم بالنظر الي كَوْنه۪ عند اللّٰهِ علي جهة الاِدِّخَار للمُجازاةِ لهم عَلَي صدقهم مَعه تعالي في جميع المَواطن عَلي وفقِ ما عاهدوه عليه ممّا ارادَ منهم و عَاهدهم عليه فاعدّ لهم هذه المراتب و المنازل و المقامات بقبولهم و طاعتهم و بحقيقة ما هم اهله حيثُ يقول تعالي اللّٰهُ اَعْلَم حيثُ يجعل رسالتَهُ ، و كان مَدركنا لهذه الاشياۤء وَ وَصْفُنَا لها بمعونةِ ما بَيَّنُوا لنا انّما هو بحسب حقاۤئق ذَواتِنا و ما يمكن فيها لا بحسب تلك الاشياۤء علي ما هي عليه و انّما هو كما ظهرَتْ لنا بما يمكنُنَا و ذلك علي حدِّ ما قال البُوصيري في وصفِ صفاتِ النبي صلّي اللّٰهُ عليه و آله في قصيدته الهمزيّة حيث يقول :
انّما مَثّلُوا صفاتِك للناس       ** * **      كما مَثّلَ النجومَ الماۤءُ
و ما احسن ما قال في هذا المجال ،