05-02 جواهر الحکم المجلد الخامس ـ المجلد الاول من كتاب شرح الخطبة الطتنجية ـ مقابله – الجزء الثانی

المجلد الاول من کتاب شرح الخطبة الطتنجیة – الجزء الثانی

 

 

من مصنفات السید الاجل الامجد المرحوم الحاج

سید کاظم بن السید قاسم الحسینی اعلی الله مقامه

 

قوله7 و ارسله في العرب العرباء فاتي بعد الانتجاب المنتج من العبودية بذكر الارسال لبيان قوله اقامه مقامه في سائر عالمه في الاداء و هذه الرسالة كلية عامة مطلقة شاملة لكل من ذرأه اللّه و برأه من الاعراض و الجواهر و الماديات و المجردات و الصفات و الذوات و كينونة الاقتضاءات و لهذه الرسالة مقامات كثيرة و مراتب عديدة تضيق بذكرها الدفاتر الاّ اني اذكر في هذا المقام اشارة الي ذلك المرام ماذكره شيخي و مولاي و معتمدي و استادي اطال اللّه بقاءه و جعلني في كل محذور فداه في شرحه الشريف علي الزيارة الجامعة الكبيرة عند قوله7 و موضع الرسالة فان ماذكره اطال اللّه بقاه وافية كافية لمن فهم الكلام و انا انقل كلامه الشريف بلفظ (بلفظه خ‏ل) و هو و ان

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 268 *»

عمّم الحكم ليشمل الائمة الطاهرين عليهم سلام اللّه اجمعين لكن الحكم واحد فان الوصي بدل للنبي في كل الاحكام فالتبعيّة بدلية.

فقال سلّمه اللّه تعالي: «و لهم في محل الرسالة اربعة مقامات: المقام الاول مقام السرّ المقنّع بالسرّ و الثاني هو مقام سرّ السرّ و الثالث مقام الابواب و هو مقام السرّ و السفارة و الوساطة و الترجمة و الرابع مقام الامامة و قداشـار الصادق7 الي هذه المواضع الشريفة و المقامات المنيفة كما رواه محمّد بن الحسن الصفّار في بصائرالدرجات عنه7 ان امرنا هو الحق و حق الحق و هو الظاهر و باطن الظاهر و باطن الباطن و هو السرّ و سرّ السرّ و سرّ المستسرّ و سرّ مقنّع بالسرّ فاشار الي المقام الاول بقوله7 و سرّ المستسر و سرّ مقنّع بالسرّ و الي المقام الثاني بقوله7 و باطن الباطن و سرّ السرّ و الي المقام الثالث بقوله7 و باطن الظاهر و هو السرّ و الي المقام الرابع بقوله7 و هو الظاهر و الي الاخيرين بقوله7 و هو الحق و الي الاوّلين بقوله7 و حق الحق و عنه7 ان امرنا سرّ مستسرّ و سرّ لايفيد الاّ سرّ و سرّ علي سرّ و سرّ مقنّع بسرّ

الي ان قال سلّمه‏اللّه: «و في رواية جابر الاشارة الي الاولين روي عن جابر بن عبداللّه عن ابي‏جعفر7 انه قال يا جابر عليك بالبيان و المعاني قال فقلت و ما البيان و المعاني قال قال علي7 اما البيان فهو ان‏تعرف ان اللّه واحد ليس كمثله شي‏ء فتعبده و لاتشرك به شيئاً و اما المعاني فنحن معانيه و نحن جنبه و يده و لسانه و امره و حكمه و علمه و حقّه اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه مانريد فنحن المثاني الذي اعطانا اللّه نبيّنا و نحن وجه اللّه الذي يتقلب في الارض بين اظهركم فمن عرفنا فامامه اليقين و من جهلنا فامامه السجّين ولو شئنا خرقنا الارض و صعدنا السماء و ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم

الي ان قال سلّمه اللّه تعالي: «و ذكر الامام سيدالساجدين7 الاشارة الي الكلّ علي ماروي في كتابه «انيس السمراء و سمير الجلساء» فقال حدّثني احمد بن عبداللّه قال حدّثني سليمان بن احمد قال حدثنا جعفر بن محمّد قال حدثنا ابرهيم بن محمّد الموصلي قال قال اخبرني ابي عن خالد عن

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 269 *»

القاسم عن جابر بن يزيد الجعفي عن علي بن الحسين8 في حديث طويل ثم تلا قوله تعالي فاليوم ننسيهم كمانسـوا لقاء يومهم هذا و ماكانوا باياتنا يجحدون، و هي واللّه اياتنا و هذه احدها و هي واللّه ولايتنا يا جابر الي ان قال7 يا جابر أوتدري ما المعرفة المعرفة اثبات التوحيد اولاً ثم معرفة المعاني ثانياً ثم معرفة الابواب ثالثاً ثم معرفة الامام رابعاً ثم معرفة الاركان خامساً ثم معرفة النقباء سادساً ثم معرفة النجباء سابعاً و هو قوله عزّوجلّ قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً و تلا ايضاً ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه ان اللّه عزيز حكيم، يا جابر اثبات التوحيد و معرفة المعاني اما اثبات التوحيد معرفة اللّه القديم الغايب الذي لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و هو غيب باطن ستدركه كما وصف به نفسه و اما المعاني فنحن معانيه و ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوّض الينا امور عباده الحديث و انما ذكرته بطوله لما فيه من الاسرار و سنشير الي بعض بيان بعضها فيمابعد.

فاما المقام الاول المسمّي باثبات التوحيد و بالسرّ المقنّع بالسرّ و حقّ الحقّ فالاشارة الي بيانه من الاحاديث المروية عنهم: كثيرة فمنها ماقـال علي7لاتحيط به الاوهام بل تجلّي لها بها و بها امتنع منها و قال7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا. اقول الذي يشير الي هذا المقام من الحديث الثاني هو الوجه الثالث منه و المراد من هذا المقام هو اثبات التوحيد (و ظ) هو معرفة اللّه بصفته التي وصف بها نفسه لعباده الذين اراد ان‏يعرفوه بها و هي صفة محدثة لاتشبه صفة شي‏ء من المخلوقات و هي مقاماته و علاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان اي في غيبتك و حضرتك من عرفها فقد عرف اللّه لانها امثاله و ليس كمثله شي‏ء و في دعاء كل يوم من شهر رجب عن الحجة عجّل اللّه فرجه فجعلتهم معادن لكلماتك و اركاناً لتوحيدك و اياتك و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 270 *»

بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك الدعاء فبيّن7 انهم معادن لكلماته يعني انهم اعضاد لخلقه لان العلة المادية لجميع الخلق هو شعاع انوارهم فقد اتّخذهم اللّه سبحانه اعضاداً لخلقه يعني يخلق خلقه من شعاع انوارهم و الخلايق من الاسباب و المسبّبات كلمات اللّه كماقال تعالي بكلمة منه اسمه المسيح عيسي بن مريم فهم: معادن لكلماته و جعله (جعلهم ظ) سبحانه اركاناً لتوحيده لان المقام الذي لا فرق بينه و بين اللّه سبحانه الاّ انه عبده هو ظهوره للعبد بالعبد و هم: تلك المظاهر كمايأتي في التمثيل بالقائم فانه لا فرق بينه و بين زيد الاّ انه ظهور زيد بالقيام فهو محدث به و ركنه القيام فحقيقتهم: كالقيام و ظهوره علي تلك الحقيقة كالقائم و القائم هو المقام الذي يعرف زيداً به من عرف زيداً اي لايعرف زيد الاّ به و المراد انه (ان اللّه خ‏ل) سبحانه لايعرف الاّ بتلك المقامات و هي لاتتحقّق الاّ بهم و فيهم كما ان القائم لايتحقّق الاّ بالقيام و هذا معني قول علي7لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا فهم اركان توحيده و اياته كذلك و مقاماته و كونها لا تعطيل لها لانها وجه اللّه قال تعالي فاينما تولّوا فثمّ وجه اللّه و كون الاثبات لايكون الاّ بالخلق لان ذاته تجلّ عن ادراك العقول و توهّم الاوهام لان العقول و الاوهام انما تدرك انفسها و تشير الي نظائرها و ماذكرنا من المعرفة هي سبيل معرفتهم التي لايعرف اللّه الاّ بها.

و مثال المقام الذي هو رتبة التوحيد القائم كمامـرّ قبل هذا فانك اذا قلت القائم فهو صفة زيد و هو ظهور زيد بالقيام و ليس هو زيد (زيداً ظ) و لم‏يستتر ضميره فيه و انما استتر فيه جهة فاعلية قيامه و تلك الجهة قائمة بزيد قيام صدور و قائمة في غيب قائم قيام ظهور و قائم قائم بها قيام تحقق لانها لاتظهر الاّ في قائم و قائم لايتحقق الاّ بها لانها مبدء وجود قائم و هي حركته (حركة خ‏ل) احدثها زيد بنفسها و ليست زيداً و انما هي حركته فالقائم مثال زيد و ظهوره بفعله فاذا اردت ان‏تعرف زيداً فانما تعرفه بمااحدث لك من امثاله و وصفه كالقائم و القاعد و المتكلم و هذا اي المشار اليه و المسمّي بزيد و مااشبه ذلك من امثاله و صفاته و توصيفاته فتعرفه بماوصـف به

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 271 *»

نفسه و هو ماظهر لك به من هذه الافعال و الصفات و كلها غيره و هي و ان كانت مثله بحيث يكون بينهما في جهة التعريف و المعرفة مساواة لرجوع ذلك كله الي الصفات و الذات عن ذلك كله بمعزل الاّ انه (انّها ظ) محدثة به صادرة عنه لا منه و هو قوله7 في الدعاء المتقدّم لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك فافهم فقول علي‏بن‏الحسين8 في الحديث المتقدّم و هي واللّه اياتنا و هذه احدها و ذلك في بيانه لقوله تعالي و كانوا باياتنا يجحدون يشير الي ماذكرنا و انهم ذووا الايات التي جحد بها الكافرون و المشركون و هم الذين نسوهم كما نسوا لقاء يومهم يوم‏القيمة و هذا المقام كله و هو مقام و اليه يرجع الامر كله احد الايات و هي تلك الفعلة التي فعل بهم حين حرّك الخيط الاصفر و هي ولايتهم الاّ ان هذا اعلاها لانه ليس له شبه كماقـال7اما البيان فهو ان‏تعرف اللّه سبحانه ليس كمثله شي‏ء فتعبده و لاتشرك به شيئاً اما ان ذلك ليس كمثله شي‏ء فلانّه وصف الحق سبحانه نفسه للعباد فلايشابه شيئاً من الخلق و اما انك تعبده فلانّك تعبد اللّه الظاهر لك به حتي انه غيّبه عن نفسه و عن المخلوقات (المخلوقين خ‏ل) فلايتوجه العابد الاّ الي الذات مع انه ابداً لايجدها حيث لايفقدها و لايفقدها حيث لايجدها ابداً فهذا مقام السرّ المقنّع بالسرّ و حقّ الحق و هو البيان و التوحيد و هذا المقام لهم حيث لم‏يجدوا انفسهم شيئاً و وجدوا اللّه ظاهراً في كل شي‏ء قدجعله دكّاً و دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها كان وحده و لايسمع فيها صوت الاّ صوته و هذا المقام لايكون موضع الرسالة لانه مصدر الارسال فكيف يكون موضع الرسالة الاّ باعتبار فرض المغايرة و لهذا اعتبرناه و جعلناه الاوّل.

و المقام الثاني مقام المعاني و باطن الباطن و هو السرّ و سرّ السرّ و سرّ علي السرّ و حقّ الحقّ و هو كونهم: معانيه تعالي يعني علمه و حكمه و امره اه. يعني علمه الذي وسع السموات و الارض و حكمه علي كل الخلق و نعمه علي جميع خلقه و خيره الذي منّ به علي جميع الخلايق و جنبه الذي لايضام من التجأ اليه و زمامه الذي لايطاول و لايحاول و درعه الحصينة و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 272 *»

حصنه المنيعة و رحمته الواسعة و قدرة الجامعة و اياديه الجميلة و عطاياه الجزيلة و مواهبه العظيمة و يده العالية و عضده القوية و لسانه الناطق و اذنه السميعة و حقّه الواجب و هذا مثل قولك قيام زيد و قعوده و حركته و سكونه و تسلّطه و اياديه و امتنانه و معاقبته و امثال ذلك فهذه معاني زيد فقولهم: نحن معانيه كماتقدّم في حديث جابر يراد منه نحو مااشرنا اليه لان هذه المعاني بالنسبة الي الذات ليست شيئاً الاّ بالذات فلا تحقق لها الاّ بالذات و اما تذوّتها بالنسبة الي اثارها و اعراضها فهي بالنسبة الي الذات اسماء معانٍ بهذا المعني و بالنسبة الي اثارها اعيان و ذوات قائمة علي اثارها و اعراضها بماقبلت من امداداتها و لانعني بالذات و العين الاّ هذا فهم: في هذا المقام اعلي مقامات موضع الرسالة الاّ علي الاعتبار الاول لانه مطارح ارسالات مواد الحيوة الوجودية من الماء الالهي و النفس الرحماني الثانوي في ايجاد الشرعيات الوجودية و ايجاد الوجودات الشرعية و هذا هو الدواة الاولي و هو ن و القلم و الماء الذي جعل منه كل شي‏ء حي و الكتاب الاول و مفاتيح الغيب التي لايعلمها الاّ هو و يعلم ما في البر و البحر و ماتسقط من ورقة الاّ يعلمها و لا حبّة في ظلمات الارض و لا رطب و لا يابس الاّ في كتاب مبين و هو ارض الجرز و الزيت الذي يكاد يضيئ ولو لم‏تمسسه نار.

و المقام الثالث مقام الابواب و باطن الظاهر و سرّ لايفيده الاّ سرّ و السفارة الي اللّه و ترجمة وحي اللّه و بيانه انه اذا وقع الماء الاول علي ارض الجرز و البلد الميّت و بعبارة اخري اذا استضاء الزيت من النار و بعبارة اخري اذا وقعت الدلالة من الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر علي المعني الميّت في قلب العبد المؤمن ظهر علي العبارة الاولي الزرع و النبات الطيب و علي الثانية المصباح و علي الثالثة المعني و المراد من الزرع و النبات و المصباح و المعني شي‏ء واحد و هو الاسم الذي اشرقت به السموات و الارضون و هو المعبّر عنه عند اهل الاشراق بالعقل الكلي و عند اهل الشرع بالقلم و العقل المحمّدي9 و قديطلق عليه الروح المحمّدي9 فلمّا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 273 *»

استوي عليه الرحمن اودع فيه غيوب الاشياء و هي معاني جميع الخلق و هو باب اللّه الي خلقه و لمّا امر العقل فقال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل اخرج منه رقايقها و صورها الي قوابلها فيمالايزال فهو باب اللّه الي خلقه و لمّا تهيّأت القوابل لقبول حيوتها و جميع مالها من ربها و قبلت كان ذلك القبول بواسطته فهو باب الخلق الي اللّه فلمّا امرهم بطاعته و امتثلوا امره قبل اعمالهم بواسطته فهو باب الخلق الي اللّه و هذه الواسطة و الترجمة و السفارة عامة في جميع الموجودات الشرعية و الشرعيات الوجودية فهم: في هذا المقام موضع الرسالة بالنسبة الي المقام الاول و هم محل وحيه و مهبط نوره و مسقط نجومه وهكذا بالنسبة الي المقام الثاني هم حفظة شريعته و موضع رسالة الثاني من الاول يترجمون لمن دونهم الامدادات ممن هو فوقهم.

و المقام الرابع مقام الامامة و هو الحقّ و هو الظاهر و هو السرّ المستسرّ و هو مقام حجة اللّه علي خلقه و خليفته في ارضه افترض طاعته علي جميع خلقه جعله اللّه قيّماً علي العباد و حفيظاً و شاهداً و داعياً الي اللّه و هادياً الي سبيله و وجهه الذي يتقلّب في الارض و عينه الناظرة في عباده فكّاك الازمّات المعضلة و فاتح الحصون المقفّلة و القصر المشيد و البئر المعطّلة ملجأ الهاربين و عصمة المعتصمين و امن الخائفين و عون المؤمنين فالامام في مقام الامامة هذا موضع الرسالة.» انتهي كلامه اعلي اللّه مقامه و رفع شأنه و علاّ كلمته انما ذكرته بطوله لما فيه من الاسرار ممااردنا بيانه و قدذكـر اطال اللّه بقاه جميع انواع الرسالة و فيما ذكره كفاية لاولي‏الفهم و الدراية.

ثم اعلم ان حكم اللّه سبحانه في الايجاد علي جهة الاطلاق لمّا كان علي نهج التكليف و هو يستلزم الرسول ينقسم التكليف و الرسول علي قسمين تكويني و تشريعي و الشريعة و الكتاب ايضاً كذلك و المجموع الي قسمين عام و خاص و العام الي قسمين اضافي و حقيقي فاجر هذه المذكورات فيماذكره شيخنا اطال اللّه بقاه من المراتب المذكورة ينتج لك المطلوب و تطلع علي مالا عين رأت و لا اذن سمعت و لاخطر علي قلب بشر و تفهم ان محمّداً9

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 274 *»

في كل مقام و كل رتبة (مرتبة خ‏ل) تفرض سيد السابقين و امام الفائقين لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراك مقامه طامع و الاشارة اليه اكثر ممابيّن سلّمه اللّه تعالي و بيّنّا فضح بالحكمة.

قوله7 في العرب العرباء العرب هو الفصيح الكامل البالغ في الفصاحة الواصل كمال درجة التوحيد المحدود بحدود الايمان المصوّر بصورة الانسان البعيد عن جهة الطغيان و مقتضيات الشيطان و لذا نزل القرءان باللغة العربية و لذا كانت لغة اهل الجنة العربية و قدقال الامام الصادق7 ان شيعتنا العرب و اعداءنا العجم قال اللّه تعالي قرءاناً عربيّاً غير ذي‏عوج لعلكم تذكّرون و في الحديث علي مارواه في المجمع ان من ولد في الاسلام فهو عربي و فيه الناس ثلثة عربي و موالي و علج فاما العرب فنحن و اما الموالي فمن والانا و اما العلج فمن تبرّأ منّا و ناصبنا و في حديث اخر نحن قريش و شيعتنا العرب و عدوّنا العجم و قدسمعت عن بعض المشايخ انه قال ان امرء القيس لمّا حضرته الوفاة كان يتكلم بالفارسية و يؤيّده مارواه في البحار عن اميرالمؤمنين7 انه7 اخرج رجلاً من قبره بعد موته حياً و كان يتكلم بالفارسية فسأله7 عن ذلك مع انه مات عربياً قال لمّا متّ علي غير موالاتك انقلب لساني الي ماتري و قدورد عنه7 علي ما في العيون ان اهل النار يتكلمون باللغة المجوسية. و بالجملة فالعرب هو الصفوة و المختار في كل عالم و هو المؤمن الحقيقي الطيّب الطاهر المحدود بالصورة الانسانية في كل مقام بحسبه ففي النباتات الاشجار الطيبة و في المعادن معادن الجواهر و اليواقيت و في الحيوانات هي النافعة الطاهرة الغير الموذية بانواعها و في الانسان هو الباقي علي احسن التقويم و في العالم الكلي هي السموات و في المجردات العقول و الملئكة وهكذا مؤمنوا الجن و كل عالم علي هذا الترتيب و العجم اضداد ذلك كله.

و الاصل في ذلك ان اللّه سبحانه لمّا اقام الخلق في العوالم الاول في الذرات و كلّفهم الست بربكم فمنهم من قال بلي و منهم من قال نعم فالاوّلون هم الاول و الاخرون هم الثاني اما الاول فمن

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 275 *»

جهة اللفظ و المعني اما الاول فلانّ العرب هو الظهور و الفصاحة و المعرفة و هذا شأن المقرّبين لان اللّه سبحانه هو الظاهر المعروف الذي لا خفاء فيه و لا نكارة بوجه من الوجوه فكل من تخلّق باخلاقه و سلك سبيله ذللاً اجري عليه حكمه كما قال اطعني اجعلك مثلي و لمّا كانت الالفاظ بينها و بين معانيها مناسبة ذاتية وجب ان‏يكون الموسومون بهذا الاسم كذلك و العجم عدم الفصاحة و البكم في مقابلته فيجب فيه في المعني ايضاً حكم المقابلة و اما الثاني فلما ذكرنا من الاخبار الدالة علي ان المؤمن هو العرب و ان اهل الجنة يتكلّمون باللغة العربية و لما سنذكره ان شاء اللّه تعالي فلمّا اجابوا في العالم الاول فامدّ اللّه سبحانه المقرّين المطيعين بالطينة (بطينة ظ) العلّيين و من الماء النازل من شجرة المزن المغروسة تحت بحر الصاد و امدّ المنكرين الكافرين بطينة السجّين و من الدخان المتصاعد من شجرة الزقوم طلعها كأنّه رءوس الشياطين المغروسة فوق بحر الطمطام قعر السجين اسفل السافلين نعوذ باللّه من ذلك. ثم كسرهم اللّه سبحانه تحت الحجاب الاحمر و رجعهم الي الطين و مرج بين الطينتين و انزلهم الي هذا العالم الجسماني حصل لطخ و خلط فيهما فصارت طينة سجين اختلطت لطخاً لا اصلاً بطينة علّيين و بالعكس فظهر مقتضي ذلك اللطخ و الخلط في الطينتين علي مقدارهما في اللطخ فمن طيّب في الذات طاهر في الطويّة و الجبلّة ظهرت عليه باللطخ اثار العجمية كالمعاصي و الشرور و السيئات في الاعمال التشريعية و التكوينية فظهر في التكوين علي صور معوجّة و هيئة (هيئات خ‏ل) منقلبة غير مستقيمة و من ذلك اللسان و اللغة الغير العربية فانها منبئة عن اعوجاج الفطرة اما ذاتاً او لطخاً و خلطاً لكن الغالب في الغالب اثار العربية كالايمان و الصلاح و التقوي و امثال ذلك و من خبيث في الذات و باطل في الطويّة و الجبلّة قدظهـر فيه مقتضي اللطخ الطيب الطاهر و هي الاثار العربية من الصورة الانسانية و استقامتها و حسنها و جودة تركيبها و كونه علي اللغة العربية فانها منبئة عن حسن الفطرة و الطويّة اما باللطخ او بالذات فتبقي احكام هذا اللطخ علي مقدار قوّته و ضعفه الي ان‏تصفو الطيَن (بفتح الياء) اما بالموت الظاهري او

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 276 *»

الباطني فيرجع كل الي اصله من العربية و العجمية فرجوع العرب الي الجنة و رجوع العجم في النار فلايفتخر اذن الذي عنده اللغة العربية او نسبته اليها علي الذي عنده اللغة العجمية اذ قدتكونان عرضيّتين في الاثنين فالفخر في الفقر الي اللّه و التوكل عليه و ملازمة التقوي و البذل علي الفقراء و الجود و السخاء فهذه هي الصفات العربية و مقابلها الصفات العجمية و اما اللسان فانه ينقلب اذا حان حينه و بلغ الكتاب اجله و اما النسبة فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ و لايتساءلون اماسمعت قوله تعالي يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح اماسمعت ماقال مولينا الكاظم7في علي بن يقطين انه ولدي مع ان بني‏امية قدورد عليهم اللعن قاطبة خصوصاً يقطين قدلعنـه الصادق7 و ماتولّد منه و قداجمل اللّه تعالي القول في كتابه فقال تعالي ان اكرمكم عند اللّه اتقيكم.

فاذ قد علمت شرافة العرب بالنوع و انهم بيت الشرف و السودد و بيت الحمية و المروة و بيت الوفاء و السخاوة و بيت الاستغناء و عدم الدناء فاعلم ان ال‏محمّد9لمّا ظهروا في كينونية (كينونة خ‏ل) (الكينونة ظ) العليا و فازوا بالنصيب المعلّي و الحظّ الاعلي و يقوا (بقوا خ‏ل) في كل مقام صفة اللّه الاّ انهم في مقام ارتفعوا بالفاعلية و في الاخر انتصبوا بالمفعولية و اما الكسرة فمااتصفوا بها لانهم ماانخفضوا و ماولوا الاّ الافعال التي لاتعمل الاّ الرفع و النصب و اما الجرّ فلاتعمله الاّ بحرف الجرّ اما مذكوراً او مقدّراً فهم: ماولوا الحروف الجارّة ابداً فماانخفضوا و ماانكسروا (ماتكسروا خ‏ل) و لم‏تزل اَلوية ضمّهم باللّه من يطع الرسول فقد اطاع اللّه، لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك علي العالمين مرفوعة و اعلام نصرهم و فتحهم علي جبال الهدي منصوبة فهم: وصف اللّه و صفة اللّه و دليل اللّه و نصر اللّه و لسان اللّه في كل مقام من المقامات فظهروا في كل مقام حاكياً لظهور الربوبية المستدعية للخلافة و الولاية الكلية.

و لمّا كان ماينسب الي الحق سبحانه في كل عالم يجب ان‏يكون اشرف مافي ذلك العالم بحيث لايتصور اشرف منه و كانوا سلام اللّه عليهم نسبة الرب و صفته و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 277 *»

المنسوبين اليه سبحانه وجب ان‏يظهروا في كل عالم و في كل مقام اشرف مافي ذلك العالم فظهروا سلام اللّه عليهم في العالم الجسماني في اشرف الصور في الصورة الانسانية و في اشرف البيت بيت العرب و في اشرف طوايفها قريش و في اشرف طوايف قريش بني‏هاشم في اشرف اولاد عبدالمطلب عبداللّه و ابي‏طالب فهم سلام اللّه عليهم العرب العرباء اي الخالص عن الشوائب العجمية بجميع انحائها و مراتبها دقيقها و جليلها صغيرها و كبيرها و هذا الخلوص ماتمحّض فيه احد سواهم صلّي اللّه عليهم كما شهـد لهم الحقّ بذلك و قال عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و قال تعالي و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون و هذا الفتور حكم عام يشمل التكوين و التشريع و الذوات و الصفات و الافعال و ساير الادوات و هم الذين صرفوا ماخلق اللّه لاجل ماخلق اللّه و مافتروا فكانوا بذلك صفوة المرسلين في ظاهر البشرية تكويناً و تشريعاً علماً و عملاً ظاهراً و باطناً سرّاً و علانية و هذا معني كلام اهل الصناعة الفلسفية ان العرب لاتحمل الصخور و هي الغرائب و الاعراض المضادة للطبيعة التي يجب علي الانسان ان‏يدفعها و يرفعها كماقـال مولينا اميرالمؤمنين7 فاذا فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد فالعرب العرباء عندهم هي المياه الخمسة التي هي الماء الابيض الرقيق ذوالوجهين و ذو جسدين كوكب عطارد او زحل او مريخ (المريخ خ‏ل) و الماء الابيض الغليظ اشبه الاشياء بالزيبق و هي هرمس الحكيم و الشيخ العليم و الوصي الكريم و الماء الاصفر البرّاق المتلألئ اللامع فاقع لونها تسرّ الناظرين و ذلك عند ظهور الحرارة المشوبة بالاجزاء المائية و الماء الاحمر الصافي الحارّ الذي يغلي و هو الفتي الكوشي و ظاهر المريخ و الماء الاحمر الصبغ (الصبع خ‏ل) الشمسي الذي عليه مدار رحي العمل و هذا هو الاصل و الحاكم الرئيس علي المياه كلها و المتولي لدائرتها.

فالماء الابيض الاول اشارة الي الليلة المباركة انما كانت ماء لسرعة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 278 *»

قبولها الي طاعة ربها و ان بها الحيوة التي من الماء الذي به كل شي‏ء حي و عندها التفصيل و التقدير قال تعالي كلاّ و القمر و الليل اذ ادبر و الصبح اذا اسفر انها لاحدي الكبر نذيراً للبشر لمن شاء منكم ان‏يتقدم او يتأخّر و هي فاطمة الزهراء علي ابيها و بعلها و بينها و عليها الاف التحية و الثناء و لذا اتي سبحانه و تعالي بالقمر و الليل و الصبح القريب بهما في الحكم و التأثير و لذا اشير اليها بالماء الابيض لان البياض من البرودة و الرطوبة و هي طبيعة القابلية و هي3 علّتها و منها نشأت و انما كان الماء ذا الوجهين وجه الي الشمس و وجه الي القمر لانها3 كذلك لها وجه الي النبوة و هي الشمس البازغة و وجه الي الولاية و هي القمر المنير فهي فلذة كبد الرسول9 و قرّة عين الولي منه خلقت و علي هيئته استقامت و علي طبيعته و طويّته نشأت و استوت صلّي اللّه عليها.

و الماء الابيض الغليظ اشارة الي الولي و الي الكتاب المبين و الي الامام المبين و لذا يعبّرون عنه بيوشع بن نون و انما كان ماء لنفوذه و سريانه في جميع اقطار الوجود في الغيبة و الشهود و الرطوبة الحاملة لاثر نار الارادة الناضجة للقوابل و الاكوان لقبولها فيوضات الاحسان و امدادات الامتنان و لمّا كان لاصلاح القابلية فالمناسب لاصلاحها الماء البارد الرطب كماتقدّم فظهر الولي بصفة الماء في فلك القمر علي فلكه الجوزهر و اشار بغلظة الماء الي الحرارة الكامنة المحفوظة فيه التي بها قوام الاكوان و الاعيان و قد اشار اليه مولينا الباقر7 بقوله ان القمر له سبع طبقات طبقة من نور النار و الاخري من صفاء الماء فالطبقة الظاهرة منه المقابلة للعالم من صفاء الماء هـ و لذا ظهرت البرودة بواسطته في العالم و اما هو في الباطن ففيه من نور النار بعكس الشمس و هذا سرّ غلظة الماء الزيبقي.

و الماء الاصفر هو اشارة الي سيدنا و مولينا الحسن بن علي‏بن‏ابي‏طالب8فانه صلوات اللّه عليه ظهر باحكام النور الاصفر حيث حقن دماء المسلمين و احياهم بفاضل نوره و من احيا نفساً فكأنّما احيا الناس جميعاً و لانه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 279 *»

صلوات اللّه عليه تجرّع مرارات الغصص حيث غلبت في دولته و خلافته الظلمة فكان يري حكم اللّه مبدّلاً و كتابه منبوذاً و سنة رسول‏اللّه7 متروكة و شرايعه محرّفة و يمنع عن منع الظلم و سدّ الثلم و اصلاح الفاسد و كسر المعاند و احياء السنن حتي لقي رسول‏اللّه9 و هو شهيد و هو السرّ في ان لونه الشريف عند وفاته مال الي الخضرة و قصره7 في الجنة من زمردة خضراء لان النور الاصفر له جهتان جهة الي النور الابيض و اخري الي النور الاخضر و لذا كنّي صلوات اللّه عليه بابي‏محمّد اشارة الي النور الابيض فانه ورث سؤدد الرسول9 و التمكين و الوقار المنبئين عن قوله تعالي الم‏تر الي الذين قيل لهم كفّوا ايديكم عن القتال ليظهر امره7 كظهور الامر في زمان جدّه9 من حكم الاغتشاش و الاختلاط و كنّي علي7 بابي‏الحسن اشارة الي النور الاخضر فان عليّاً7 هو ابوتراب فعند انتساب النور الاصفر اليه يتحقق النور الاخضر و هذه التكنية لبيان قعوده7 عن الحرب اولاً كالحسن7 ثانياً اي بعد القيام فقعد علي7 عن الحرب لكونه اباالحسن فذوالقعدة منسوبة (منسوب خ‏ل) الي مولينا الحسن7 و قام7 بالامر ظاهراً لانه له الحجة البالغة و الولاية الكاملة لكونه اباتراب و شهره ذوالحجة فاستشهد صلوات اللّه عليه لا في معركة القتال بل علي الخديعة و الاحتيال لكونه اباالحسين7 و تحمل الاذي في جنب اللّه و تجرّع مرارات الغصص لكونه اباالحسنين8 و انشد هذه الخطبة و امثالها ممايشابهها و يشاكلها لكونه اخا رسول‏اللّه و ابن عمه صلي اللّه عليهم اجمعين فافهم مااشرنا اليك من السرّ الحقّ و الكبريت الاحمر فاجر كل هذه المراتب في الباطن لان ظاهرهم طبق باطنهم و سرّهم عين علانيتهم ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.

و الماء الاحمر اشارة الي مولينا سيدالشهداء و سندالاصفياء جعلني اللّه فداه عليه الاف التحية و الثناء من اللّه رب الاعلي و هو7 مهيّج نوائر

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 280 *»

الاشواق و باعث دواعي الاذواق و مستنطق سرائر الفسّاق و المالئ بنور بركة ظهوره كلّ الافاق و المقرّب للشمس الحقيقية الي افق الظهور ليظهره علي الدين كله بالاشراق و هو الصبح المشهود الظاهر بحمرة الشفق قال اللّه تعالي ان قرءان الفجر كان مشهوداً و قال مولينا الصادق7 مامعناه ان سورة الفجر سورة الحسين7 من واظب عليها في فرائضه او نوافله حشره اللّه تعالي مع الحسين7 و قد دلّت احاديثنا و كلام مخالفينا كالشافعي و امثاله ان الحمرة الظاهرة في الافق لم‏يكن قبل قتل الحسين7 لعن اللّه قاتله فهو صلّي اللّه عليه النور الاحمر الذي منه احمرّت الحمرة قال رسول‏اللّه9 حسين منّي و انا من حسين و هو9 الشمس كما نبين ان شاء اللّه تعالي و الغالب عليها الحرارة و اليبوسة لانها مربّية للمواد و مفلحة لاراضي الاستعداد و اشار9 الي هذا المعني بالطف اشارة اني اعطيت الحسين غيرتي و شجاعتي و الشجاعة هي قوة الحرارة الغريزية في الانسان في غاية الاعتدال و حسن الحال و الحرارة الغريزية هي وجه فاعلية اللّه سبحانه الظاهرة في الكواكب الظاهرة بها في القلب الظاهر في الحرارة الغريزية و الفاعلية طبعها و لونها طبع النار و لونها قال اللّه تعالي يكاد زيتها يضيئ ولو لم‏تمسسه نار فافهم الاشارة.

و الصبغ الاحمر اشارة الي الشمس المشرقة و النار المحرقة و الازلية الثانية و هي الحقيقة المحمّدية9 قال تعالي و شجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن و صبغ للاكلين و الشجرة هي الشجرة المباركة التي علي سواء جبل طور سيناء و لذا ليست بشرقية و لا غربية تنبت بالدهن و صبغ للاكلين و هي صبغة اللّه التي في القران صبغة اللّه و من احسن من اللّه صبغة و نحن له عابدون و هو مادة الاكسير الاحمر و كل تلك المياه انما هي متفرّعة عنه (عليه خ‏ل) و مأخوذة منه فلمّا اخذت تلك المياه المطهّرة يبقي الثفل الذي هو الارض المقدسة منتنة كثيفة نجسة ملوّثة بدرن معاصي القوم الجبّارين و هي الصخور التي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 281 *»

لايقدر ان‏يحملها العرب فوجب تطهير تلك الارض لان‏تستقرّ تلك المياه فيها ليظهر مقام الفاعلية و تظهر اخت النبوة و عصمة المروّة فيعالجون في تطهيرها بارسال الابيض الغربي اليها مرّات عديدة الي ان‏تطهر و تصير كسحالة الذهب فهناك تسقي بالمياه ليظهر القمر ثم الي ان‏تطلع الشمس و كذلك الامر في باطن الصنع لما سلت تلك الصفوة الطاهرة من طين العلّيين النازلة من قطرات شجر المزن عن الارض ففي عالم الاجساد هذه الارض المعروفة و في عالم الاجسام ارض النفوس و في عالم العقول البلد الميّت و في عالم الامكان الارض الجرز و ارض الامكان الراجح و مقامات الوجود المطلق و تلك الارض المقدسة التي سلت منها تلك الانوار الطيبة و المياه الطاهرة المطهّرة الجارية من بحر الصاد اي جنان الصاقورة تحت العرش الواردة علي تلك الارض المقدسة و هي و ان كانت واحدة الاّ انها ظهرت في خمس اماكن ارض مكة و ارض المدينة و ارض الكوفة و حائر سيدنا الحسين7 و ارض بيت‏المقدس التي هي ارض الشام و هذه الاراضي الطيّبة كالقطب الساير في جميع الاراضي و كلّها منوطة بها و متفرّعة عليها و هذه الخمسة هي كفّ الحكيم و يد اللّه العليم و ارض العرب لكنه لما سلت منها تلك الانوار الطيبة ظهرت نتن انّيتها التي كانت مستهلكة زائلة مضمحلة عند استجنان تلك الانوار و المياه الطاهرة و القوي الفعالة فصارت انتن الاراضي و اقلّها نفعاً و مسكناً للقوم الجبارين و لذا تري ما في تلك الاراضي الطيّبة اما غور المياه و يبس الاشجار و عدم نضج الاثمار و ملوحة الماء و سباخة الارض و حرارة المحلّ و قساوة الاهل و خباثة الوالي و قدظهرت شناعة اهل الشام و رذالتهم و دناءتهم و خباثتهم و كفرهم باللّه و ايذائهم لال‏اللّه و اهل بيت رسول‏اللّه9 بما مـلاء الاصقاع و خرق الاسماع و ليس لاحد من اهل الحق و الباطل في ذلك نكير و مع ذلك كله ورد عن مولينا الصادق7 في حديث وجدت في نسخة قديمة عتيقة من مؤلّفات بعض اصحابنا و انا اشهد بحقيقته (بحقّيته خ‏ل) لما ظهر لي من قرائن الصدق فيه ان اهل الشام احسن من اهل مكة و اهل مكة احسن من اهل المدينة و اهل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 282 *»

مكة يكفرون باللّه في كل يوم سبعين مرة او اهل الشام و لم‏اذكر الان لفظ الحديث و يكفي اهل الكوفة ذمّاً و خسراناً ماقال فيهم اميرالمؤمنين7 لو انّ معاوية صارفني بكم صرف الدرهم و الدينار لفعلت و كنت ارضي بان اخذ واحداً من اهل الشام و اعطي عشرة منكم و لا ذمّ ازيد من ذلك و اما اهل حائر الحسين7 فاسوء حالاً و اشنع اعمالاً و اقبح اقوالاً و هؤلاء هم القوم الجبّارون و هم ريش الغراب في قولهم «ازل ريش الغراب ليكون عقاباً».

و لمّا كان موسي عند محاربة القوم الجبّارين بعث وصيه يوشع بن نون اليهم و كذلك الصبغ الاحمر بعث وصيّه و هو مادّة الصبغ الابيض الماء الابيض الغليظ البرّاق الشفاف اللامع المتلألئ الي تلك الارض مسكن الاوساخ و الكدورات التي هي القوم الجبّارون لتطهيرها و تصفيتها و اصلاحها و ذلك ايضاً عبارة عن صوم موسي عشرة ايام تتميماً لاربعين يوماً و كذلك رسول‏اللّه9 امر عليّاً7 و الطيّبين من اولاده بالامساك و تطهير تلك الارض المتوقّفة عليها كل الاراضي في عالم الامكان بالهون و البرودة و الرطوبة او الحرارة و الرطوبة لا النار التي هي الحرارة و اليبوسة و الاّ لاحترقت و ذابت و انعدمت و هو قوله تعالي حكاية عن هرون اني خشيت ان‏تقول فرّقت بين بني‏اسرائيل و لم‏ترقب قولي و هذا معني اخذ موسي بلحية هرون و جرّه اليه و قوله له يابن‏امّ انّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني فلاتشمت بي الاعداء فافهم الاشارة فان الكلام في هذا المقام عجيب قال الشاعر: «ضاع الكلام فلا سكوت معجب».

فهؤلاء الصفوة: هم العرب العرباء بكل معني في كل عالم ممااشرنا اليه و ما لم‏نشر اليه و محمّد9 رسول الي الخلق فيهم و من بينهم لما فيه من السرّ المعنوي و الحرف الغيبي الذي لم‏يطلع عليه سرائرهم و ضمائرهم بصافي طويّتهم و جبلّتهم اللّه اعلم حيث يجعل رسالته و هو9 المنتجب منهم فهو9 صفوة صفوة الصفوة و بهذا حاز مقام السبق و تفرّد في الوسيلة علي المرقاة الاعلي الاعلي الاعلي و وقف علي7تحته بمرقاة صلّي اللّه عليهما و الهما

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 283 *»

الطاهرين المعصومين المظلومين و لعن اللّه اعداءهم اجمعين.

قال7 و روحي له الفداء: «ابتعثه هادياً مهدياً حلاحلاً طلسمياً فاقام الدلائل و ختم الرسائل نصر به المسلمين و اظهر به الدين صلّي اللّه عليه و اله الطاهرين.»

قوله7 ابتعثـه اشارة الي قوله7 في الحديث فاستنطقه و قداشـار الي هذا الاستنطاق و الابتعاث مما من اللّه و مما منه9 اشار الي بيانه مولينا اميرالمؤمنين7 علي ما في كتاب «الانـوار» لابي‏الحسن البكري استاد الشهيد الثاني عنه7 انه قال كان اللّه و لا شي‏ء معه فاول ماخلق نور حبيبه محمّد9 قبل خلق الماء و العرش و الكرسي و السموات و الارض و اللوح و القلم و الجنة و النار و الملئكة و ادم و حوّا باربعة و عشرين و اربعمائة الف عام فلما خلق اللّه نور نبيّنا محمّد9 بقي الف عالم بين يدي اللّه تعالي واقفاً يسبّحه و يحمده و الحق تبارك و تعالي ينظر اليه و يقول يا عبدي انت المراد و المريد و انت خيرتي من خلقي و عزّتي و جلالي لولاك ماخلقت الافلاك من احبّك احببته و من ابغضك ابغضته فتلألأ نوره و ارتفع شعاعه فخلق اللّه تعالي منه اثني‏عشر حجاباً اولها حجاب القدرة ثم حجاب العظمة ثم حجاب العزّة ثم حجاب الهيبة ثم حجاب الجبروت ثم حجاب الرحمة ثم حجاب النبوة ثم حجاب الكرامة ثم حجاب المنزلة ثم حجاب الرفعة ثم حجاب السعادة ثم حجاب الشفاعة ثم ان اللّه تعالي امر رسوله9 ان‏يدخل في حجاب القدرة فدخل و هو يقول سبحان العلي الاعلي و بقي علي ذلك اثني‏عشر الف عام ثم امره ان‏يدخل في حجاب العظمة فدخل و هو يقول سبحان عالم السرّ و اخفي احدعشر الف عالم ثم امره ان‏يدخل في حجاب العزة فدخل و هو يقول سبحان الملك المنّان عشرة الاف عام ثم دخل في حجاب الهيبة و هو يقول سبحان من هو غني لايفتقر تسعة الاف عام ثم دخل في حجاب

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 284 *»

الجبروت و هو يقول سبحان الكريم الاكرم ثمانية الاف عام ثم دخل في حجاب الرحمة و هو يقول سبحان رب العرش العظيم سبعة الاف عام ثم دخل في حجاب النبوة و هو يقول سبحان ربك رب العزة عمايصفون ستة الاف عام ثم دخل في حجاب الكرامة و هو يقول سبحان العظيم الاعظم خمسة الاف عام ثم دخل في حجاب المنزلة و هو يقول سبحان العليم الكريم اربعة الاف عام ثم دخل في حجاب الرفعة و هو يقول سبحان ذي‏الملك و الملكوت ثلثة الاف عام ثم دخل في حجاب السعادة و هو يقول سبحان من يزيل الاشياء و لايزول الفي عام ثم دخل في حجاب الشفاعة و هو يقول سبحان اللّه و بحمده سبحان اللّه العظيم الف عام قال7 ان اللّه خلق من نور محمّد9 عشرين بحراً من نور في كل بحر علوم لايعلمها الاّ اللّه ثم قال لنور محمّد9 انزل في بحر العزّ ثم في بحر الصبر ثم في بحر الخشوع ثم في بحر التواضع ثم في بحر الرضا ثم في بحر الوفاء ثم في بحر الحلم ثم في بحر التقي ثم في بحر الخشية ثم في بحر الانابة ثم في بحر العمل ثم في بحر المزيد ثم في بحر الهدي ثم في بحر الصيانه ثم في بحر الحياء حتي تقلب في عشرين بحراً فلمّا خرج من اخر الابحر قال اللّه تعالي يا حبيبي و يا سيد رسلي و يا اول مخلوقاتي و يا اخر رسلي انت الشفيع يوم المحشر فخرّ النور ساجداً ثم قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة الف و اربعة و عشرين الف قطرة فخلق اللّه من كل قطرة من نوره نبيّاً من الانبياء فلمّا تكاملت الانوار صارت تطوف حول نور محمّد9 كمايطوف الحجاج حول بيت‏اللّه الحرام و هم يسبّحون اللّه و يحمدونه و يقولون سبحان من هو عالم لايجهل سبحان من هو حليم لايعجل سبحان من هو غني لايفتقر فناداهم اللّه تعالي تعرفون من انا فسبق نور محمّد9 قبل الانوار و نادي انت اللّه الذي لا اله الاّ انت وحدك لا شريك لك رب الارباب و ملك الملوك فاذا بالنداء من قبل الحق انت صفيّي و انت حبيبي و انت خير خلقي امّتك خير امة اخرجت للناس ثم خلق من نور محمّد9 جوهرة و قسّمها قسمين فنظر الي الاول بعين الهيبة فصارت ماءً عذباً و نظر الي القسم الثاني

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 285 *»

بعين الشفقة فخلق منه العرش فاستوي علي وجه الماء فخلق الكرسي من نور العرش و خلق من نور الكرسي اللوح و خلق من نور اللوح القلم و قال له اكتب توحيدي فبقي القلم الف عام سكران من كلام اللّه تعالي فلمّا افاق قال اكتب قال يارب مااكتب قال اكتب لا اله الاّ اللّه محمّد رسول‏اللّه9 فلمّا سمع القلم اسم محمّد9 خرّ ساجداً و قال سبحان الواحد القهار و سبحان العظيم الاعظم ثم رفع رأسه من السجود و كتب لا اله الاّ اللّه محمّد رسول‏الله ثم قال يا رب و من محمّد الذي قرنت اسمه باسمك و ذكره بذكرك قال اللّه تعالي يا قلم فلولاه ماخلقتك و لاخلقت خلقي الاّ لاجله فهو بشير و نذير و سراج منير و شفيع و حبيب فعند ذلك انشقّ القلم من حلاوة ذكر محمّد9 ثم قال السلام عليك يا رسول‏اللّه فقال رسول‏اللّه9 و عليك السلام منّي و رحمة اللّه و بركاته فلاجل هذا صار السلام سنة و الرد فريضة ثم قال اللّه اكتب قضائي و قدري و ما انا خالقه الي يوم‏القيمة ثم خلق اللّه ملائكة يصلّون علي محمّد و ال‏محمّد و يستغفرون لامّته الي يوم‏القيمة ثم خلق اللّه من نور محمّد9 الجنة و زيّنها باربعة اشياء التعظيم و الجلالة و السخاء و الامانة و جعلها لاوليائه و اهل الطاعة ثم نظر الي باقي الجوهرة بعين الهيبة فذابت فخلق من دخانها السموات و من زبدها الارضين فلمّا خلق اللّه تعالي الارضين صارت تموج باهلها كالسفينة فخلق اللّه الجبال فارسيها بها ثم خلق ملكاً من اعظم مايكون في القوة فدخل تحت الارض ثم لم‏يكن لقدمي الملك قرار فخلق اللّه صخرة عظيمة و جعلها تحت قدمي الملك ثم لم‏يكن للصخرة قرار فخلق اللّه له ثوراً عظيماً لم‏يقدر احد ينظر اليه لعظم خلقته و بريق عيونه حتي لو وضعت البحار كلها في احدي منخريه ماكانت الاّ كخردلة ملقاة في ارض فلاة فدخل الثور تحت الصخرة و حملها علي ظهره و قرونه و اسم ذلك الثور بهوتا ثم لم‏يكن لذلك الثور قرار فخلق اللّه له حوتاً عظيماً و اسم ذلك الحوت بهموت فدخل الحوت تحت قدمي الثور فاستقرّ الثور علي ظهر الحوت فالارض كلها علي كاهل الملك و الملك علي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 286 *»

الصخرة و الصخرة علي الثور و الثور علي الحوت و الحوت علي الماء و الماء علي الهواء و الهواء علي الظلمة ثم انقطع علم الخلايق عماتحت الظلمة ثم خلق اللّه العرش من ضيائين احدهما الفضل و الثاني العدل ثم امر الضيائين تنفّسا بنفسين فخلق منها (منهما في الحديث) اربعة اشياء العقل و الحلم و العلم و السخاء ثم خلق من العقل الخوف و خلق من العلم الرضا و من الحلم المودّة و من السخاء المحبة ثم عجن هذه الاشياء في طينة محمّد9 ثم خلق من بعدهم ارواح المؤمنين من امّة محمّد9 ثم خلق الشمس و القمر و النجوم و الليل و النهار و الضياء و الظلام و سائر الملئكة من نور محمّد9 فلمّا تكاملت الانوار سكن نور محمّد9 تحت العرش ثلثة و سبعين الف عام ثم انتقل نوره الي الجنة فبقي سبعين الف عام ثم انتقل الي سدرة المنتهي فبقي سبعين الف عام ثم انتقل نوره الي السماء السابعة ثم الي السماء السادسة ثم الي السماء الخامسة ثم الي السماء الرابعة ثم الي السماء الثالثة ثم الي السماء الثانية ثم الي السماء الدنيا فبقي نوره في السماء الدنيا الي ان اراد اللّه ان‏يخلق ادم الحديث و ماذكره7 هو مجمل كيفية الابتعاث. في المجمع «بعثه و ابتعثه بمعني ارسله» و اشار الامام7 بذكر الابتعاث بعد ذكر الارسال لبيان المقام الثالث من مقامات الرسالة كماذكرنا نقلاً عن كلام الاستاد اطال اللّه بقاءه و في هذا الحديث المذكور قد شـرح7 جميع مقامات و مراتب هذه الرسالة في التكوين فلمّا استنطقه فقال له ادبر فادبر فابتعثه الي الحقايق الكونية ليبلغهم عن اللّه سبحانه الست بربكم و محمّد9 نبيّكم و علي اميرالمؤمنين7 و الائمة من ولده الاحدعشر الطيّبون الطاهرون اولياءكم فاوّل مانزل رسولاً في التكوين وقف في الحجاب الابيض الاعلي مقام القلم فبلغ الي القلم من اسرار المعاني الكونية الحقيقية الجوهرية من مداد النون و علّمه القيام بامر اللّه و نهيه و الوقوف بين يديه سبحانه منتصباً قائماً خاضعاً خاشعاً ذليلاً و قرأ عليهم القرءان و علّمهم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 287 *»

بواطن اسرار الملك الديّان و دعاهم و هداهم الي سبيل‏اللّه و هو ولاية علي اميرالمؤمنين7كماقال مولينا الباقر7 في قوله تعالي و لئن قتلتم في سبيل اللّه او متّم لالي اللّه تحشرون قال7 سبيل اللّه هو علي7 و القتل في سبيل اللّه هو القتل في سبيل علي7 اقول و الحشر الي اللّه هو الحشر في زمرة علي7 لانه وجه اللّه الذي يتقلب في الارض و السماء و لا تعطيل له في كل مكان فمحمّد9 يدعو الي سبيل علي7 و علي يوصل الي صراط محمّد9 قال تعالي انما انت منذر و لكل قوم هادٍ قال رسول‏اللّه9 انا المنذر و علي الهادي و رسول اللّه سبحانه يهدي بعلي7 فهو7هداية رسول اللّه ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء الي صراط مستقيم فاللّه هو الهادي و محمّد9 هو الهادي و علي7 هو الهادي و الهداية واحدة و اللّه الهادي بمحمد9 و هو9 هادٍ بعلي7 فيرجع حقيقة الهداية الي علي7 و المثال التقريبي قولك «انا ضربت ضرباً» فـ «انا» مثال هداية اللّه و «ضربت» مثال هداية محمّد9 و «ضرباً» مثال هداية علي7 فالهادي حقيقة اي مايستند اليه الفعل اولاً هو علي7 كماتقول ان الضارب هو عين الضرب و تستند الي زيد الضاربية التي في الضرب فالضرب هو ضاربية زيد فافهم ضرب المثل و لذا قال عزّوجلّ انما انت منذر و لكل قوم هادٍ علي احد المعاني.

و الهداية هي ايصال السالكين و المسافرين الي منزلهم الحقيقي و مسكنهم الواقعي الذي حبّه من الايمان و بغضه من الكفر و هو الايصال الي اللانهاية و قطع مسافة النهاية او الايصال الي المنازل المقدّرة للمسافر حين يخرج من بيته بتيسير الاعمال و الاقوال و الاعتقادات الكونية و الوجودية و ايصال مقتضي الاسباب اي (الي ظ) المسبّبات بها و ايصال المعلولات الي عللها و العلل الي المعلولات و الملزومات الي اللوازم و الشرايط الي المشروطات و بالعكس و ساير المشخصات و الروابط و القرانات و هي ايصال الاعالي الي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 288 *»

الاسافل و الاسافل الي الاعالي في ملتقي البحرين و مجمع العالمين و ايصال الكفار الي الاليم المقيم و المؤمنين الي النعيم المقيم وهكذا من احكام المشية الحتمية.

او الهداية هي اراءة الجمال الذي هو عين الجلال لاهل الكمال و اراءة نور الجمال لطالبي الكمال ففي الاول تجلّي له بنفسه و في الثاني تجلّي له بنور نفسه و هويته التي هي عين اللاهوتيه التي هي مرتبة اللاهوتيه فيعبر عن الاول بالتوحيد الحقيقي و عن الثاني بالشهودي او اراءة الالواح الجزئية او الكلية و الثانية بالنسبة الي محمّد و اهل بيته الطاهرين: في مقامي الثالث و الرابع بمقاميهم الاول و الثاني و الاولي بالنسبة الي ماعداهم الاّ انها تختلف بالاضافية و عدمها و تلك الالواح هي الطيَن (بفتح الياء) و الكينونات باشباحها او بحقايقها منتقشة في الكتاب المبين الذي هو امّ الكتاب في اللوحين المحفوظين احدهما لوح العلّيين و هو كتاب الابرار قال تعالي ان كتاب الابرار لفي علّيين و ثانيهما لوح السجين و هو كتاب الفجار قال تعالي ان كتاب الفجار لفي سجّين قال تعالي و هديناه النجدين و هو معني قوله عزّوجلّ و جعلناه سميعاً بصيراً، انّا هديناه السبيل امّا شاكراً و امّا كفوراً و هذه الاراءة و الهداية عبارة عن التكليف و ظهور نور التكليف و ذلك النور هو اللطيفة الالهية السارية في كينونات الخلايق سريان الروح في الجسد حتي ظهر ذلك النور بالنور اللفظي كقوله تعالي و اقيموا الصلوة و اتوا الزكوة و اركعوا مع الراكعين و هذا النور سارٍ في عمل المكلّف، من موافقته و قبوله تحدث الصورة الانسانية و هي الايصال الي المطلوب و بانكاره تحدث الصورة الشيطانية فذلك النور في الصورة الانسانية يزيد بهاءً و شرفاً و نورانيةً و في الصورة الشيطانية بعكس ذلك؛

كقطر الماء في الاصداف درّ و في بطن الافاعي صار سمّاً

و ذلك النور هو هداية محمّد9 و هو قول الست بربكم و محمّد نبيّكم و علي وليّكم و الائمة من ولده اولياءكم يعني هذه عبارة ذلك و قوام الموجودات كلها بذلك النور و هو امر اللّه الذي قام به كل شي‏ء قال تعالي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 289 *»

و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره قال مولينا الصادق7 كل شي‏ء سواك قام بامرك و ذلك الامر هو التكليف و الخطاب و هو القدر الذي قال مولينا علي بن الحسين7 القدر في الافعال كالروح في الجسد و لمّا كان المشبّه و المشبّه به في القرءان و الاخبار هو عين الاخر اي احدهما عين الاخر كان القدر هو الروح حقيقة و العمل جسده و الروح يجري في الجسد علي حسب الجسد لا علي حسب الروح و لذا تختلف احوال الانسان بالصحة و المرض و الانقباض و الانبساط و الفرح و الحزن بالادوية و العقاقير و قدقال اللّه عزّوجلّ قل الروح من امر ربي و قدعلمت ان بالامر قد قامت السموات و الارض و من فيهما و من بينهما و ذلك هو الروح و ذلك الروح هو الامر و الامر هو التكليف و التكليف هو ألست بربكم و الهداية ليست الاّ البيان الذي هو عين التكليف او الايصال الذي هو عين وقوع المكلّف به علي المكلّف بالتكليف و قدقلنا لك سابقاً ان المصدر و اسم الفاعل و اسم المفعول احدهما عين الاخر([1]) فيكون الايصال هو عين البيان و قدقـال مولينا اميرالمؤمنين7 انا الروح من امر ربي و قدقلنا ان ذلك الروح هو الامر الذي هو النور الذي هو التكليف الذي هو الهداية فيكون علي7 هو هداية اللّه في مقامات انفسهم بذاته و في مقامات غيرهم بنوره فالسموات و الارض انما قامتا بنور الامر الاول و لمّا كان المصدر هو اسم الفاعل كان هو الهادي لكل قوم و كل شي‏ء فعلي هذا فافهم ماسبق منّا ان اللّه هو الهادي و محمّد هو الهادي و علي هو الهادي صلّي اللّه عليهما و الهما.

فقوله7 ابتعثه هادياً كقولك اعطيته قائماً يعني ابتعث و ارسل محمّداً9 (/حول جلال العظمة خ‏ل) بعد انتهاء سيره الي جلال العظمة و خلق مولينا علي (علياً خ‏ل)7 و سيره و طوفه حول جلال القدرة و طوف نور محمّد9

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 290 *»

حول جلال العظمة فالسائر الطائف حول جلال العظمة يكون هادياً بالطائف حول جلال القدرة فمادة الهداية و اصلها و منشأها من محمّد9 و ظهورها و صورتها و بروزها مشروحة مفصّلة من علي7 فبهما معاً تحققت الهداية و لمّا كانت الاسماء تدور مدار الصور و علي7مبدأ العلة الصورية كانت الهداية منتسبة اليه و متحققة فالهادي هو الرحمن و علي7حامل هذا الاسم و الخالق هو اللّه و محمّد9 مظهر هذا الاسم و حامل له فارسله اللّه سبحانه في التكوين هادياً الي سبيله فهدي العقل الاول الي اللّه سبحانه بواسطة اسم اللّه البديع و النفس اليه سبحانه بواسطة اسمه الباعث و الطبيعة الكلية اليه سبحانه باسمه تعالي الباطن و هدي المادة اليه سبحانه بواسطة اسمه الاخر و هدي الصورة اليه سبحانه باسمه الظاهر و هدي الجسم الكلّ اليه سبحانه باسمه الحكيم و هدي العرش محدّد الجهات اليه سبحانه باسمه المحيط و هدي الكرسي اليه سبحانه باسمه الشكور و هدي فلك البروج اليه سبحانه باسمه الغني و غني الدهر و هدي فلك المنازل اليه سبحانه باسمه المقدّر و هدي فلك زحل اليه سبحانه باسمه الرب و هدي فلك المشتري الي سبيله سبحانه باسمه العليم و هدي فلك المريخ الي سبيله باسمه القاهر و هدي فلك الشمس الي سبيله باسمه النور و هدي فلك الزهرة الي سبيله باسمه المصوّر و هدي فلك عطارد الي سبيله باسمه المحصي و هدي فلك القمر الي سبيله باسمه المبين و هدي كرة النار الي سبيله باسمه القابض و هدي كرة الهواء الي سبيله باسمه الحي و هدي كرة الماء الي سبيله باسمه المحيي و هدي كرة التراب الي سبيله باسمه المميت و هدي الجماد اول المركب من العناصر الاربعة الي سبيل ربه باسمه العزيز و هدي النبات الي سبيل ربه باسمه الرزّاق و هدي الحيوان الي سبيل ربه باسمه المذلّ و هدي الجن الي سبيل ربه باسمه اللطيف و هدي الملك الي سبيل ربه باسمه القوي و هدي الانسان الي سبيل ربه باسمه الجامع و هدي الجامع الي سبيله باسمه رفيع‏الدرجات و هو قوله تعالي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 291 *»

رفيع‏الدرجات ذوالعرش يلقي الروح من امره علي من يشاء من عباده و هذه الاسماء كلها جهات اسم «الرحمن» اذ الكثرة الاسمية التعلقية ليست في اسم «اللّه» و انما هي في «الرحمن» و هذه الاسماء كلها اسماء للرحمن و صفات له و الرحمن اسم و صفة للّه.

و قولي «هدي العقل باسمه البديع» وهكذا الي اخر الاسماء اريد به ان ذلك الاسم هو ترجمان الهداية و هو هداية اللّه سبحانه له بمحمّد9 به و اذا كان هو الهداية الالهية فاللّه سبحانه و رسوله انما يهديه بذلك الاسم فذلك الاسم هو ظهور اللّه و ظهور رسوله و ظهور مولينا اميرالمؤمنين7 و ظهور نفس ذلك الاسم في مقام الانبياء و ذلك الظهور هو الكروبيّون الذين هم ارباب الانبياء باللّه سبحانه كما قال تعالي فلمّا تجلّي ربه الاية و هو رجل من اولئك علي ماروي عن مولينا الصادق7 في بصائرالدرجات و تحت مقام الانبياء يتربّع الظهور و الرابع هو ظهور الكروبيّين و هذا معني قول مولينا الكاظم7 لمن يعقل و يفهم لذلك الراهب ان الاسم الاعظم هو اربعة احرف الاول لااله الاّاللّه و الثاني محمّد رسول‏اللّه9 و الثالث نحن و الرابع شيعتنا و لمّا كان السؤال انما وقع في الاسم الاعظم الظاهر في تلك الطبقة اجابه كماسمعت و يريد بالشيعة شيعتهم من الخلق الاول الذين جعلهم اللّه سبحانه خلف العرش بحيث لو قسّم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم و لمّا سأل موسي ربه ماسـأل امر رجلاً منهم فتجلي له بقدر سمّ الابرة فدكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً فافهم.

فالهداية هي اول مذكورية الشي‏ء عند ربه في مقام الخلق و ليس ثمّة اختلاف قال تعالي فهدي الله الذين امنوا لمااختلفوا فيه من الحق و تلك معرفة النقطة التي كثّرها الجاهلون و لمّا كانت معرفة النقطة انما هي بها لا بغيرها فان الشي‏ء لايعرف الاّ بما هو عليه لا بغير ماهو عليه ليتّحد العلم و المعلوم و كذلك التعليم و الاراءة و الايصال لايكون الاّ بذلك الشي‏ء فان الشمس لاتوصل الاشعة الي غاياتها و نهاياتها الاّ بنفسها لا بذاتها كانت تلك النقطة هي عين الهداية و تلك الهداية كما ذكرنا هي قول ألست بربكم و هي اول ذكر الشي‏ء و لذا تري

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 292 *»

في امّ‏الكتاب التي هي فاتحة الكتاب جعل اللّه سبحانه اول مقام الخلق و اول ذكرهم الهداية فانه ذكر سبحانه اولاً مقام الربوبية اذ مربوب بقوله الحق الحمد للّه رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ثم ذكر مقام البرزخية الكبري و رتبة الشجرة الزيتونة التي ليست بشرقية و لا غربية بقوله الحق ايّاك نعبد و ايّاك نستعين ثم ابتدأ بذكر الخلق فجعل اول ذلك دعاءهم و طلبهم الهداية بقوله الحق اهدنا الصراط المستقيم.

و لمّا كانت الهداية هي جهة اللّه سبحانه و الدعاء و السؤال جهة الخلق كانت الهداية مقدّمة (متقدمة خ‏ل) علي كل ذكر الخلق لان ما من اللّه متقدّم علي ما من الخلق و لمّا كان ما من اللّه ليس فيه كثرة و اختلاف و تعدد و نقص و شوب باطل كانت الهداية هي (علي خ‏ل) جهة الوحدة و البساطة و هي تلك النقطة فهي مادة كل الخلق فرسول‏اللّه9 علي هذا المعني هادٍ بالاصالة و الذات لان مواد الموجودات كلها كائنة ماكانت و بالغة مابلغت منه9 لانه حامل لواء الالوهية و لذا قال9 مااختلف في اللّه و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي.

و لمّا ظهرت الموجودات من باء بسم اللّه الرحمن الرحيم بعد ماكانت مطويّة مذكورة في الالف القائم كانت انواع الهدايات و مراتبها و مقاماتها انما ظهرت مختلفة الاثار و الاحكام بعلي7 لان صور الموجودات كما مرّ كائنة ماكانت من منّه عليه الصلوة و السلام لانه حامل لواء الرحمانية قال تعالي عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون قال7 اي اية اكبر منّي و اي نبأ اعظم منّي و اذا اتقنت النظر و دققت البصر علمت ان جميع مراتب الموجودات مااختلفت في الذوات و الصفات و الاقتضاءات الاّ بهداية رسول‏اللّه9 بمعني الاراءة في الخلق الاول المعبّر عنه بالحلّ الاول و هداية علي7 بمعني الايصال في الخلق الثاني المعبّر عنه بالحلّ الثاني و العقد الثاني و المجموع نقطة واحدة ترجع كل تلك الشئون اليها لان عليّاً7 هو الرجل الذي سلم لرجل فليس فيه اختلاف و انما هو علي الصراط المستقيم علي ماقال عزّوجلّ فمن يرد اللّه ان‏يهديه يشرح صدره للاسلام و من

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 293 *»

يرد ان‏يضلّه يجعل صدره ضيّقاً حرجاً كأنّما يصّعّد في السماء كذلك يجعل اللّه الرجس علي الذين لايؤمنون و هذا صراط ربك مستقيماً و هذا الصراط انما ظهر في علي7 بل هو نفسه كما قال تعالي و ان هذا صراط علي مستقيم و قال تعالي و ان هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه و لاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله و هذا الصراط و ان تكثّرت شئونه و ظهوره الاّ انها كلها ترجع الي امر واحد كما قال تعالي و الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا و هذا الجمع هو تفاصيل ذلك المفرد فلا فرق بينهما الاّ بالاجمال و التفصيل الا الي اللّه تصير الامور.

و اما بيان سرّ سريان هذه النقطة باقتضاء هيكل التوحيد الي المراتب العالية و النازلة و النورانية و الظلمانية و الفلكية و العنصرية في التكوينية و التشريعية فممايطول به الكلام مع ما في بيانه من فضح الحكمة و ريبة الجهال و استنطاق سرائر اهل العناد و قالوا: لاتتكلم بماتسارع العقول الي انكاره و ان كان عندك اعتذاره و قداشار7 بقوله هاديـاً الي تمام رتبة النزول علي مافصّل في الحديث المتقدّم و هو قوس ادبر فادبر و ان كان في الصعود التكويني فانه9 هادٍ في الصعودي و النزولي و لمّا كانت الهداية المتعلقة بالغير مستلزمة للارتباط فهي نزول للهادي و ان كانت صعوداً للمهدي (للمهتدي خ‏ل) لحكم الارتباط و النسبة المستلزمة للاغيار المستلزم للاكدار و اما سلب هذه النسب و الشئونات فهو مقام الصعود و لايكون ذلك الاّ بمراقبة النظر و مداومته في عالم الربوبية و هو مقام كونه مهديّاً فاول هذا النظر في عالم الاسماء و الصفات و اول النظر فيها الي اسم رفيع‏الدرجات ذوالعرش يلقي الروح من امره علي من يشاء من عباده ثم الي الجامع ثم الي اللطيف ثم الي القوي ثم الي المذلّ ثم الي الرزّاق ثم الي العزيز ثم الي المميت ثم الي المحيي ثم الي الحي ثم الي القابض ثم الي المبين ثم الي المحصي ثم الي المصور ثم الي النور ثم الي القاهر ثم الي العليم ثم الي الرب ثم الي المقدر ثم الي الغني ثم الي الشكور ثم الي المحيط ثم الي الحكيم ثم الي الظاهر ثم الي الاخر ثم الي الباطن ثم الي الباعث ثم الي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 294 *»

البديع ثم الي الرحمن ثم الي القيّوم ثم الي الواحد ثم الي اللّه ثم الي الاسم اللّه ثم الي الاسم هو ثم الي الهاء منتزعة عن الواو ثم الي اخر مقامات الهاء و هي الظهور اي الدلالة ثم الي الظاهر من حيث هو ظاهر ثم الي الظاهر ثم الي الباطن من حيث هو باطن ثم الي الباطن ثم الي نقطة ظهور الكينونة ثم الي غيب الهوية ثم الي ظهور اللا هوية فانقطع الكلام و انعدم المقام فلا حسّ و لا محسوس رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و انتهي المخلوق الي نفسه و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته فطابق وجوده9 وجدانه فهو مهدي في الوجدان و الوجود دون ساير الخلق من الاولين و الاخرين و الماضين و الغابرين فان وجدانهم يخالف وجودهم و روابط انّياتهم فهم يسلبون الانية وجداناً لا وجوداً.

و اما هو9 فمن الوجود المطلق الذي قال اللّه عزّوجلّ في حقه يكاد زيتها يضي‏ء ولو لم‏تمسسه نار فلايفتقر الاّ الي موجده و مصدره خاصة من دون ارتباط و اشتراط اخر غير حقيقة ذاته و بهذا الفقر يفتخر9 و لذا تمحّض في الوجهية و حيي بحيوة اللّه و بقي ببقائه كل شي‏ء هالك الاّ وجهه و قد قال مولينا علي‏بن‏الحسين8 في دعاء الحريق و ان كل معبود مما دون عرشك الي قرار ارضك السابعة السفلي باطل مضمحل ماخلا وجهك الكريم فانه اجلّ و اعظم من ان‏يصف الواصفون نعت جلاله او تهتدي العقول الي كنه عظمته و هو9 الوجه و هو الجلال و هو العظمة و هو المطيع للّه الذي قام مقامه و حكي مثاله قال تعالي اطعني اجعلك مثلي فهو مهدي تكويناً و تشريعاً ذاتاً و صفةً هداه اللّه سبحانه الي توحيده و معرفة اسمائه و صفاته و تجليات ظهوراته فاثبت الامام7 بقوله ابتثعه هادياً مقام النزول و قوس ادبر فادبر و بقوله7مهديّاً قوس الصعود و مقام اقبل فاقبل فان وقفت علي سرّ باطن الباطن و تأمّلت بصافي النظر علمت ان هذا اشارة الي مقام واحد فالهادي هو المهدي و قدعلمت ان الهادي هو علي7 في قوله عزّوجلّ انما

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 295 *»

انت منذر و لكل قوم هادٍ فهو الهادي علي الاطلاق و لذا انزل اللّه عزّوجلّ يوم اظهار وجوب اطاعته و ولايته يوم الغدير في عالم الاجساد و هو اليوم الثامن‏عشر من شهر ذي‏الحجة الحرام و عالم الاشباح و هو ذلك اليوم فيه و عالم الاظلة و عالم الرقائق و عالم العقول و عالم ارض القابليات و مابينهما (مابينها خ‏ل) من المراتب و العوالم انزل اللّه في كل عالم علي طوره اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم و اخشون اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام ديناً و هذا الاكمال لمن رضي به اماماً و سيّداً و سنداً و كهفاً و ذخراً فهو الهادي صلوات اللّه عليه و تلك الهداية ظهرت في المهدي7 لانه7 صاحب الفتح و ناشر راية الهدي و اليه يشير قوله تعالي اذا جاء نصراللّه و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين اللّه افواجاً فجمع7 جميع اوصياء محمّد9 بهاتين الكلمتين بذكر مبدئهما و منتهاهما فهو الهادي بعلي اميرالمؤمنين7 و روحي له الفداء و مهدي بمولانا القائم الحجة بن الحسن7 و هو قوله7 ابتعثه هادياً مهدياً باوصيائه و خلفائه فلولا ذلك لبطلت النبوة و في ذلك بطلان النظام و فناء الاحكام و لذا قال اللّه تعالي مخاطباً له9 لولاك لماخلقت الافلاك و لولا علي لماخلقتك فلمّا اشار الي الاول و الاخر ثبت الباقي اذ لانفرّق بين احد منهم و نحن له مسلمون.

و اما سرّ باطن الباطن فبان‏تقول ان الهادي هو عين المهدي و الصفة لرسول‏اللّه9 من حيث نفسه لا بالاضافة الي اوصيائه و خلفائه الراشدين: و حينئذ يكون الهادي هو عين المهدي فان اللّه سبحانه و تعالي هداه به كما قال7 بل تجلّي لها بها فكون اللّه سبحانه هادياً انما ظهر بالمهدي و لولاه لم‏يظهر و لمّا كان الهادي ظهور الحق سبحانه بالهداية و هذا الظهور انما ظهر و قام بالمظهر و المظهر لو كان له جهة غير جهة الظاهر لكان بتلك الجهة حاجباً لا مظهراً فتحقق ان الظاهر هو عين الظهور الذي هو عين المظهر و اما الذات البحت فمنزّهة عن كل ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 296 *»

سبحان ربك رب العزة عمايصفون فعلي هذا فالهادي هو النار و المهدي هو الشجرة اي زيتها و انت قدعلمت ان النار ايضاً انما ظهرت من الشجرة كالزيت فالنار كمثل قولك حين تقرأ القران اني انا اللّه لا اله الا انا فاعبدني و اقم الصلوة لذكري و كقوله تعالي ياايها الناس اتقوا ربكم و الزيت كقولك «لبيك و سعديك يا ربّ» في الاية الثانية و «بلي يا ربّ انت اللّه لا اله الاّ انت» في الاية الاولي فافهم المثال و اعتبر بالمثال و دع عنك القيل و القال فان العلم نقطة كثّرها الجهّال و هو قول علي المفضال عليه سلام اللّه الملك المتعال انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله اياته و وجوده اثباته هذا علي القول بان المهدي اسم المفعول كما هو مقتضي صيغته و اما اذا اعتبرناه بمعني اسم الفاعل فالمعني كماذكرنا و اعتبار اسم الفاعل لكثرة المباني الدالة علي كثرة المعاني و المبالغة فيه الاّ انك لاحظ ماذكرنا ينكشف لك الحال.

قوله7 حُلاحِلاً طلسمياً و الحُلاحِل (بالضم) هو الرئيس و الكبير في القوم كما في منتخب‏اللغة و قداشـار الحق سبحانه الي ذلك بقوله الحق انما المؤمنون الذين امنوا باللّه و رسوله و اذا كانوا معه علي امر جامع لم‏يذهبوا حتي يستأذنوه ان الذين يستأذنونك اولئك الذين يؤمنون باللّه و رسوله و اذا استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم و استغفر لهم اللّه ان اللّه غفور رحيم لاتجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قديعلم اللّه الذين يتسلّلون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن امره ان‏تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم و قال ايضاً سبحانه و تعالي ياايها الذين امنوا لاتقدّموا بين يدي اللّه و رسوله و اتقوا اللّه و قال تعالي ياايها الذين امنوا لاترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي و لاتجهروا له بالقول كجهر بعضكم بعضاً ان‏تحبط اعمالكم و انتم لاتشعرون و قداشار اميرالمؤمنين7 الي هذه الرياسة المطلقة بقوله7 في خطبته يوم الغدير و يوم الجمعة و اشهد ان محمّداً عبده و رسوله انتجبه في القدم علي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 297 *»

سائر الامم اقامه مقامه في سائر عالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و الاصل في ذلك انه المعني في قوله عزّوجلّ ما من دابّة الاّ هو اخذ بناصيتها ان ربي علي صراط مستقيم فاذا كان هـو9 في مقام الاسم الاعلي المذكور في السجود اخذاً بناصية كل دابّة ممايدبّ في ارض القابليات و الاستعداد فيكون هو الرئيس الحاكم علي الكل و هو وجه‏اللّه الذي لا تعطيل له في كل مكان و الخلق باسره اما شئون ذاته او اثاره و افعاله و اثار اثاره و شئون شئوناته9 وهكذا و اليه اشار اميرالمؤمنين7 بقوله انا الذات انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات و هذا ان شاء اللّه ظاهر مماقدّمنا و نذكر ان شاء اللّه.

و اما الطلسم فالمشهور في معناه علي مانقل اقوال ثلثة: الاول الطل بمعني الاثر فالمعني اثر اسم. الثاني لفظ يوناني و معناه عقد لاينحلّ. الثالث انه كناية عن مقلوبه يعني مسلّط و هذه المعاني الثلثة كلها في المقام صحيحة بل مرادة سواء قلنا انّه في احدها حقيقة و الباقي مجاز او حقيقة في المجموع فان استعمال المشترك في الاكثر من معني واحد يجوز و كذا استعمال اللفظ في المعني الحقيقي و المجازي بارادتين فيهما لا ارادة واحدة و المسألة مذكورة في علم الاصول.

اما المعني الاول فلانه9 اثر الاسم المكنون المخزون الذي استقرّ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره و ذلك هو الاسم الاعظم الذي تفرّد به اللّه جلّ جلاله دون خلقه من الاسماء الاعظم الثلثة و السبعين و ذلك الاسم هو البحر الموّاج المظلم كالليل الدامس كثير الحيتان يعلو مرة و يسفل اخري في قعره شمس تضي‏ء لاينبغي ان‏يطلع عليها الاّ الواحد الفرد فمن تطلع عليها فقد ضادّ اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير فهو9 مستمد من هذا الاسم الاكبر و متوجه الي اللّه عزّوجلّ به و انما قال انه اثر لانه9 بقي علي ظهور ذلك الاسم و حكي مثاله و ظهر بظهوره فيما لا نهاية له و هو في كل مقام من مقامات عالم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 298 *»

الكثرة ما الهته التجارة و البيع عن ذكر اللّه و اقام الصلوة و ايتاء الزكوة فلم‏يغيّر خلقة اللّه و بقي9علي الكينونة العليا من اليوم الذي خلقه اللّه علي ماخلقه اللّه و لذا كان علي خلق عظيم و كان لاينطق عن الهوي ان هو الاّ وحي يوحي علّمه شديدالقوي ذو مرة هذا علي تقدير الاضافة اللامية في اثر الاسم.

و اما اذا جعلناها بيانية فيكون هو الاسم المكنون المخزون الطهر الطاهر المطهّر و هو اسم اللّه الاكبر و نور اللّه الازهر يضي‏ء بنوره السموات العلي و الارضون السابعة (السبعة ظ) السفلي و هو الاسم الذي قام به كل شي‏ء و خضع له كل شي‏ء و ذلّ له كل شي‏ء قال7 في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبّح اللّه باسمائه جميع خلقه قال الصادق7 نحن الاسماء الحسني التي امركم اللّه ان‏تدعوه بها و هو9 الاسم الاكبر الاجلّ الاعظم علي ماذكرنا فراجع و مانذكره ان شاء اللّه فترقّب.

و اما المعني الثاني فلانه9 عقد لاينحلّ لاتهتدي العقول الي كنه عظمته و يعجز الواصفون عن بيان صفات ظهوراته و اثاره و شئوناته و هو السرّ و سرّ السرّ و سرّ المستسرّ بالسرّ و السرّ المقنّع بالسرّ و قد قـال9 ياعلي مايعرفني الاّ اللّه و انت و ذلك لانه7 نفسه و هما من حقيقة واحدة و طينة واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض و مع‏ذلك كلّه فلايصل7 الي الحرف الواحد الذي كان عند رسول‏اللّه9 من سرّ التقديم و ظهور الواحد في النقطة الحقيقية الغير المفصّلة و نسبة الحسن و الحسين8 الي ابيهما صلّي اللّه عليه كنسبته7 الي النبي9 لان اباهما خير منهما و نسبة القائم7 اليهما8 كنسبتهما الي ابيهما: و نسبة ساير الائمة الثمانية:اليه كنسبته7 اليهما و اليهم و نسبة فاطمة3 اليهم كنسبتهم: الي القائم7 و كل واحد منهم صلّي اللّه عليهم يفضل علي الاخر بحرف واحد فكلّهم لايحيطون برسول‏اللّه9 علماً و لاينالون كنه انيته و مائيته لانه9 في مقام

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 299 *»

النقطة و هم في مقام الالف و الحروف و ان كان الجميع في صقع واحد و حقيقة واحدة و طبيعة واحدة فاذا كان علي7 الذي هو نفس رسول‏اللّه9 لايحيط به علماً و كذلك الطيبون من اولاده و احفاده فما ظنّك بساير الخلق الذين هم اشعة من عكوسات انوارهم و ظهور من بروق لمعات اشراقات اسرارهم و قد قـال اللّه تعالي فيهم ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه قال الكاظم7 نحن الكلمات التي لايستقصي فضلنا و لايستحصي هـ و الاشجار هي الزروع و الثمرات و النباتات الحاصلة من وقوع الودق علي الارض الجرز قال اللّه تعالي اولم‏يروا انا نسوق الماء الي الارض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه انعامهم و انفسهم أفلايبصرون و قال تعالي و هو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتي اذا اقلّت سحاباً ثقالاً سقناه الي بلد ميّت فانزلنا به الماء و اخرجنا به من كل الثمرات و كان اول من ذاق تلك الثمار روح‏القدس و هو العقل الكلي فاول الاشجار هو العقل الكلي و اخرها اخر الموجودات المقيدة الي مالا نهاية له و كلها ناطقة بالثناء علي محمّد و ال‏محمّد صلّي اللّه عليهم و مظهرة لفضلهم و معلنة لمجدهم و علوّ مقدارهم و لم‏تبلغ من ذلك جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير مما هم عليه من الفضيلة و المنزلة الجليلة و الوسيلة و قد قـال عزّوجلّ و ان تعدّوا نعمة اللّه لاتحصوها و الامام7 هو نعمة اللّه تعالي قال تعالي و مااوتيتم من العلم الاّ قليلاً اي من العلم بمحمّد و اله: و قال تعالي و لايحيطون بشي‏ء من علمه الاّ بما شاء و العلم هو ال‏محمّد: لقول الباقر7 و اما المعاني فنحن معانيه و نحن علمه و نحن حقه علي ماتقدّم و ماشاء اللّه من ذلك العلم هو لطيفة وجودات كل ذي‏علم الي مالا نهاية له كما قال عزّوجلّ و فوق كل ذي علم عليم قال تعالي و لايحيطون به علماً و عنت الوجوه للحي القيوم اي بمحمد9 لان حامل ظهور اسم اللّه الحي هو محمّد9 كما ان حامل ظهور اسم اللّه القيّوم علي7و قولي حامل مجاراة و مداراة بل اسم اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 300 *»

الحي هو محمّد9 و الاسم القيّوم هو علي7 و لذا دلّت الاخبار الكثيرة علي ان الاسم الاعظم هو الحي القيّوم و الاسم لا تذوت له الاّ بالمسمّي و الاسم غير المسمي فمن عبد الاسم دون المسمي فقد كفر و لم‏يعبد شيئاً و من عبد الاسم و المسمي فقد اشرك و من عبد المعني بايقاع الاسماء عليه فذاك التوحيد و بالجملة فهم: عقد لاينحلّ و اليه الاشارة بقول الحجة7 في دعاء شهر رجب و البهم الصافّين اذ ليس لاحد طريق و لا لقاصد سبيل الي حقيقتهم كما هم عليه و انما عرفوا من رشحات انوارهم ماظهرت في حقايقهم اي الخلق من المثال و مثال المثال و حكاية الحال في المبدء و المئال فرسول‏اللّه9 هو الطلسم الاعظم و عقد لاينحلّ و لايحتال فيه بوجه من الوجوه صلّي اللّه عليه و اله الطيبين الطاهرين الميامين.

و اما المعني الثالث فلانه9 له هيمنة و تسلّط علي كل من اكتسي حلّة الوجود و ذاق ثمرة الشهود و توجّه الي المعبود بالركوع و السجود لانه الاسم الاعلي في السجود اماسمعت ماقال هو9 لاينبغي ان اصغّر ماعظّمه اللّه من قدري و لقد اوحي اللّه الي انّ فضلك علي الانبياء كفضلي و انا رب العزّة علي كل الخلق لانه الاسم الذي خضع له كل شي‏ء و ذلّ له كل شي‏ء و في الزيارة الجامعة طأطأ كل شريف لشرفكم و بخع كل متكبّر لطاعتكم و خضع كل جبار لفضلكم و ذلّ كل شي‏ء لكم و اشرقت الارض بنوركم و فاز الفائزون بولايتكم و فيها بكم فتح اللّه و بكم يختم و بكم يمسك السماء ان تقع علي الارض الاّ باذنه و بكم ينفّس الهمّ و بكم يكشف الضرّ الزيارة و ذلك لانهم ابواب رحمته و مفاتيح خزائنه و مقاليد رضوانه فالواقف علي الباب مادته نور الباب والاّ لم‏يكن باباً بل كان اصلاً و ذلك النور هو الست بربكم علي ما مرّت الاشارة اليه فالباب هو المنير و نوره عضد للواقفين اللائذين به اي مادة لهم و المادة لها هيمنة و تسلط علي الشي‏ء بحيث لايقوم الشي‏ء بحال من الاحوال الاّ بها و هم سلام اللّه عليهم العلل المادية للاشياء كلها باشعة انوارهم لا بحقايقهم و ذواتهم و الشعاع لا شي‏ء عند المنير و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 301 *»

المنير مسلّط عليه و مهيمن عليه او لانهم سلام اللّه عليهم مقامات اللّه و علاماته التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه لا فرق بينه و بينها الاّ انهم عباده و خلقه فتقها و رتقها بيده بدؤها منه و عودها اليه اعضاد و اشهاد و مناة و اذواد و بهم ملأ اللّه سمواته و ارضه حتي ظهر ان لا اله الاّ هو و هو معني قوله تعالي خطاباً له9فضلك علي الانبياء كفضلي و انا رب العزة علي جميع الخلق لانهم: ولاية اللّه و هم سلطان اللّه و هم ملك اللّه و هم عظمة اللّه و هم جلال اللّه و هم قدرة اللّه و هم سطوة اللّه و مظهر قهاريته و رسول‏اللّه9 فخرهم و سيدهم و رئيسهم و الواسطة بينهم و بين ربهم صلّي اللّه عليهم فيكون محمّد9 هو السلطان المسلط المهيمن علي كل من ذرأه اللّه و برأه و اوجده و اخذ به نواصي الكل بيده و هو المعني بقوله عزّوجلّ قل من بيده ملكوت كل شي‏ء و هو يجير و لايجار عليه و هو9 حامل ظهورات الالوهية علي ماقال عزّوجلّ ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن و هو9 ذكر اللّه و اسم اللّه المهيمن المسلّط علي كل شي‏ء قال تعالي قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن ايّاًما تدعوا فله الاسماء الحسني و قال عزّوجلّ و ماقدروا اللّه حق قدره و الارض جميعاً قبضته يوم‏القيمة و السموات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالي عمايشركون الم‏تر كيف افتتح اللّه سبحانه كتابه الكريم بالاسم الاعظم بسم اللّه الرحمن الرحيم و قدّم الاسم اللّه علي الرحمن /و (زائدخ‏ل) الرحيم فافهم و ثبّت فهو9 المهيمن المسلّط و السلطان المتفرّد في المقامات كلها اي البيان و المعاني و الابواب و مقام انما انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد و اليه يشير قول مولينا سيدالساجدين زين‏العابدين في الصحيفة عزّ سلطانك عزّاً لا حدّ له باولية و لا منتهي له باخرية و استعلي ملكك علوّاً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لم‏يبلغ ادني مااستأثرت به من ذلك اقصي نعت الناعتين فظهر انه9 الطلسم الاعظم علي المعاني كلها فاثبت

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 302 *»

بالمعني الاول عصمته و طهارته و انه نبي اللّه و دليله و ايته لانه اثر الاسم و الاثر بما هو كذلك لم‏يزل يدلّ علي المؤثر و بالمعني الثاني انه الاسم المكنون المخزون في خزائن الغيوب لم‏يطلع عليه احد الاّ اللّه و اثبات انه العلة الاولي لايجاد الارض و السماء علي المعاني كلها و بالمعني الثالث اثبت ولايته و ظهور قيومية الحق فيه و كونه صاحب اللواء و مكلّم موسي في الشجرة عن اللّه اني انا اللّه لا اله الاّ انا فاعبدني قال تعالي من شاطئ الوادي الايمن في البقعة المباركة من الشجرة قال مولينا و امامنا الصادق7 انّ شاطئ الوادي الايمن هو الفرات و البقعة المباركة هي كربلاء و الشجرة هي رسول‏اللّه9 و ورد في قوله تعالي ان بورك من في النار و من حولها، انّ من في النار هو علي7 و من حولها موسي فافهم الاشارة بلطيف العبارة.

قوله7 فاقام الدلائل انما جمعها7 لان الدليل ثلثة كما قال اللّه عزّوجلّ مخاطباً لنبيّه و حبيبه9 ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن اما دليل الحكمة فهو المشاهدة و المعاينة و المعرفة الذوقية الوجدانية و ملاحظة الامور عن مباديها العالية الكلية و الجزئية و معاينة ظهور النقطة الاحدية في كل المراتب الكونية و الوقوف علي ماحدّه اللّه سبحانه له في الالواح و الكتب المحفوظة في العوالم العلوية و السفلية من الافاقية و الانفسية و الظاهرية و الباطنية و وجدان مأخذ الاسرار الباطنية و التأويلية في مراتبها السبعة او السبعين و الاستدلال بالدليل اللمّي في المطالب كلها و الدليل الانّي علي ماقال مولينا الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فمافقد في العبودية وجد في الربوبية و ماخفي في الربوبية اصيب في العبودية قال اللّه تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انه الحق الحديث و هذا و ان كان انّياً الاّ انه بوجه اخر لمّي و هذا الدليل معرفة اسباب الشي‏ء و علله و معدّاته و شرائطه و مقوّمات وجوده و مكمّلات ظهوره و متمّمات قابليته علي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 303 *»

اقتضاء كينونته و طلب ماهيّته علي نهج متّسق و نظام مضبوط لم‏يجد فيه اختلافاً و لا انتقاضاً بل يري الاشياء بعضها يشرح الاخر و يبيّنه و يفصّله ليظهر للمستدل قوله تعالي و ما امرنا الاّ واحدة، ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً و يكون نظره الي قوله تعالي ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و يرجع كل انقلابات العالم و اضطراباته و تغيّراته كلها عنده الي شي‏ء واحد فيعرف مأخذها و علّتها و وجهها و عللها و سبب رفعها و رجوع الامر الي الوحدة و يظهر هناك معني قول الصادق في الاستدلال علي وحدة الصانع اتصال التدبير و تمام الصنع.

و بالجملة هذا الدليل للخصّيصين و اصحاب باطن الباطن و اهل المشاهدة و المعاينة و ليس هنا جهل و شك و ارتياب و وسوسة و حديث النفس و الاحتمالات الباطلة او المرجوحة بل كلها معرفة او انكار قال تعالي يعرفون نعمة اللّه ثمّ ينكرونها و اكثرهم الكافرون و هذا الدليل يبطل عنده القياسات الاقترانية و الاستثنائية و النقيض و عكسه و المستوي و دليل الخلف و دليل الافتراض و امثال ذلك من الامور و الاوضاع اذ ليس هنا (هناك خ‏ل) الاّ معاينة الواقع فما من فرض و لا خلف.

و لهذا الدليل شرط و مستند و الشرط علي قسمين قسم لتحقق هذا الدليل و القسم الاخر لميزان حقّيته و بطلانه فان المنكرين المعاندين الذين يلبسون الحق بالباطل كثيرون كالصوفية و اتباعهم من ساير الملاحدة فلابدّ من ميزان حق يعرف المحقّ من المبطل و يتميّز بين الصادق و الكاذب و هذا احد قسمي المستند و القسم الاخر منه الالة و القوة التي بها يدرك الانسان ذلك الدليل و يستدلّ علي المطلوب و هي الفؤاد و هو حقيقة الانسان و ذاته من غير نظر الي شي‏ء من الاشياء و هو وجهه من ربه و هو مقام بساطته و هو عين تدرك الواحد و الاحد و العلل و الوسائط و الشرائط من غير كيف و لا اضافة و لا وضع بل ينقطع دونها الكيف و الكمّ و الزمان و المكان و الجهة و الرتبة و الشخص حينئذ يسير في العوالم السرمدية سيراً حثيثاً و لا غاية لذلك و هناك يستخرج اللئالي و الكنوز و الدفائن في صدور المؤمنين الممتحنين و هناك محل معرفة الامر بين الامرين و معرفة البداء و النسخ و كيفية ايجاد العالم و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 304 *»

امثال ذلك من الامور المشكلة و الاخبار المعضلة و هذا المستدل من المرحومين بقوله تعالي الاّ من رحم و هو و امثاله المرحومون بفضل اللّه سبحانه و هو المراد من قوله عزّوجلّ فهدي اللّه الذين امنوا لمااختلفوا فيه من الحقّ باذنه و ان اللّه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم و الي هذا الدليل اشار الحق سبحانه بقوله و من الناس من يجادل في اللّه بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير و الكتاب المنير هو هذا الدليل و هو الكتاب الذي كتبه اللّه بيده و الهيكل الذي بناه بحكمته و مجمع صور العالمين و المختصر من اللوح المحفوظ و الصراط المستقيم و الصراط الممدود بين الجنة و النار و الشاهد علي كل غائب و الحجة علي كل جاحد و ذلك الكتاب هو ملكوت السموات و الارض التي امر اللّه سبحانه بالنظر اليها و التأمل فيها كما قال افلم‏ينظروا في ملكوت السموات و الارض و ان عسي ان‏يكون قداقترب اجلهم و هي التي اراها اللّه سبحانه خليله ابرهيم ليكون من الموقنين كما قال و كذلك نري ابرهيم ملكوت السموات و الارض و ليكون من الموقنين و لهذا الدليل مقامات و للمستدلّين به في كل مقام مواقف قدشرحنا قليلاً من كثيرها في شرح بعض كلمات الاستاد امدّ اللّه ظلاله علي رؤس العباد في اول رسالته «الفوائد» و لانطوّل الكلام هنا بذكرها.

و اما دليل الموعظة الحسنة فهو الوقوف علي حد اليقين و الاحتراز عن الشبهات و الاحتمالات و الشكوك و الاوهام قال مولينا الكاظم7 فماثبت لك برهانه اثبتّه و ماخفي لك بيانه نفيته و هو اخذ طريق السلامة و طريق النجاة الذي ليس معه هلاك كمااستدل مولينا و امامنا الصادق7 لعبدالكريم بن ابي‏العوجاء ان كان الحق كمايقولون و هو كمايقولون فقدنجـوا و هلكتم و ان كان الامر كماتقولون و ليس كماتقولون فانتم و هم سواء هـ فانتم ان اتّبعتم المسلمين ناجون علي القطع و اليقين سواء كان الحق معهم او معكم والاّ ففيه احتمال ان‏يكون الحق معهم فهناك ينجون و انتم تهلكون فمتابعتهم طريق السلامة علي كل حال و من هذا القبيل قول مؤمن ال‏فرعون كما اخبر اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 305 *»

سبحانه عنه أتقتلون رجلاً ان‏يقول ربي اللّه فقدجاءكم بالبيّنات فاشار الي الدليلين الحكمة و المجادلة ثم قال و ان يك كاذباً فعليه كذبه و ان يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم فاشار الي الموعظة الحسنة لانكم ان اطعتموه فانتم علي رياستكم و ملككم و سلطنتكم لاينقص من دنياكم شي‏ء سواء كان صادقاً او كاذباً والاّ ففي صورة احتمال صدقه يصبكم التوعيد الذي يوعدكم به و ان لم‏يصب الكل لحكم المحو و الاثبات فلااقلّ من البعض لانه القدر المتيقّن لان اللّه سبحانه لايدحض حجته و لايخصم برهانه و شرط هذا الدليل انصاف العقل بمعني ان لايظلمه (لاتظلمه خ‏ل) فيمايستحقه.

و اما دليل المجادلة بالتي هي احسن فهو ماهو مذكور في كتب العلماء في الكتب المنطقية و الاصولية و مايتكلّمون و يتعاطون من بحث الالفاظ و المفاهيم و القياسات و البراهين المستخرجة من الصغري و الكبري المستخرجتين من الكليات و الجزئيات علي ماهو المعروف المشهور عندهم بل لاتكاد تجد غيره بل لايعرفون الدليلين الاولين و لايرونهما دليلاً و لايدرون وجه الاستدلال بهما و اذا اوردت عليهم شيئاً من غير المجادلة يقولون ان هذا قول بلا دليل و هذا الدليل للعوام خاصة.

و لكل من هذين الدليلين مواقف و مقامات و للسائلين الواقفين بباب الحق اللائذين بجنابه في تلك المقامات مقامات خصوصاً اهل المجادلة فان لهم عشرين مقاماً كلياً تختلف جهات الاستدلال فيها و في كل مقام ثلثة مقامات مقام القشر و قشر القشر و قشر قشر القشر فالاول مقام الوبر و الثاني مقام الصوف و الثالث مقام الشعر قال تعالي و من اصوافها و اوبارها و اشعارها اثاثاً لكم و متاعاً الي حين و هذه المراتب كلها مراتب ظاهر الجلد الاّ انها تختلف باللطافة و الكثافة وهكذا احوال المستدلّين بدليل المجادلة اعلي مقاماتهم الصور المجردة و اسفل دركاتهم الترب المؤصدة و بينهما متوسطات فالاقرب الاقرب و الابعد الابعد فدليل المجادلة للعوام و الموعظة الحسنة للخواص و الحكمة البالغة التي من اوتيها فقداوتـي خيراً كثيراً للخصّيص و الاول للظاهر و اهله و الثاني للباطن

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 306 *»

و اهله و الثالث لباطن الباطن و ماوراءه و اهله و تنحصر مراتب الكاينات في السلسلة العرضية الي هذه الثلثة.

و اما في السلسلة الطولية تنحصر في ثمانية اولاها و اعلاها و اشرفها و اسناها الحقيقة المحمّدية9 و ثانيها الملائكة الكروبيّون و ثالثها الملائكة المقرّبون و رابعها الملائكة الصافّون الحافّون حول العرش الكريم حوامل التدبير من الذاريات و الحاملات و الجاريات و المعقّبات و النازعات و المرسلات و الصافّات و امثالها من المدبّرات امراً و خامسها الملائكة الناريون المخلوقون من مارج من نار و سادسها الملائكة الخاضعون الذليلون الخاشعون المنقادون لامره العاملون بارادته لايعصون اللّه ماامرهم و يفعلون مايؤمرون و سابعها الملائكة القائمون بعبادة اللّه سبحانه الواقفون بباب ارادته المنتظرون لامره و ثامنها الملائكة الساجدون للّه سبحانه المعدمون انفسهم عند ظهور معبودهم و سيّدهم.

و تحت هذه المراتب سبعة اخري و ان كانت ثمانية الاّ ان الاولي الاعلي نجلّها عن البيان و التبيان احديها الانبياء المرسلون او (و خ‏ل) غيرهم و الثانية رتبة الانسان من الرعايا المؤمنين (المأمومين خ‏ل) و الثالثة رتبة ظهورات العقل الكلي في مراتب تشأن تطوّراته للرتبة الانسانية و الرابعة مقام الجانّ المخلوقة من مارج من نار و الخامسة رتبة الحيوانات من البهايم و الحشرات و السادسة رتبة النباتات و السابعة مقام الجمادات.

و تحت هذه المراتب ثمانية اخري سفلية: الاولي الجهل الكلي الظاهر في ظل ذي‏ثلث شعب. الثانية الشياطين المتعلقة بالكفّار و المنافقين و الاشرار الذين كانوا يقتلون الانبياء بغير حق و يفسدون في الارض اولئك هم الفاسقون. الثالثة الشياطين المتعلقة بعصاة الشيعة و فرقة المؤمنين الممتحنين. الرابعة هي الشياطين الذين هم تطوّرات الجهل الكلي في مقامات تدابير العوالم الظلمانية قال تعالي او كظلمات في بحر لجّي يغشيه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم‏يكد يريها و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور و هذه العوالم انما تدبّر بتلك الشياطين و هم من اظلّة الكرّوبيين و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 307 *»

هم الجنود الخمسة و السبعون التي للجهل علي مافي الكافي عن ابي‏عبداللّه7 . الخامسة هم الشياطين المتعلقة بالجانّ المغوين لهم عن الايمان و قدتبعوهم كفّارهم و اقتفوا اثارهم و هؤلاء الشياطين سيئة من سيئات الاولين. السادسة الشياطين الذين تبعتهم الكلاب و الخنازير و القرد و ساير انواع البهائم الموذية التي قدحرمت لحومهم. السابعة الشياطين الذين يمنعون الاشجار و ساير اقسام النباتات عن ذكر اللّه سبحانه فيبطل تركيبهم او تقبح هيئاتها و صورها او تمرّ اثمارها او غير ذلك من المفاسد الظاهرة في الاثمار المعلولة لغفلتهم عن ذكر اللّه الواحد القهار المعلولة بالقاء الشياطين و خصماء رب العالمين فافهم. الثامنة الشياطين المانعين للاحجار ان‏تنعقد معتدلة صافية بالقاء الغرايب و الاعراض المعلولة عن الغفلة عليها فيخرجها عمّا هي عليها و يكدّر صافيها و يغيّر خلقة اللّه تعالي كما قال تعالي حكاية عن ابليس و لامرنّهم فليغيّرنّ خلق اللّه.

ثم في كل مقام من هذه المقامات سبع مقامات اخر و هي الايام الستة الكلية التي خلق اللّه فيها السموات و الارضين و يوم السبت الذي هو يوم كمالها و ظهورها مشروحة العلل مبيّنة الاسباب تامّة التأثير كاملة الفعل و التدبير و في كل مقام من هذه المقامات السبع سبع سموات و سبع ارضين و نجوم و بروج و كواكب و اقطاب و بيوت و اشراف و ثوابت و سيارات و العرش و الكرسي الي اخر ماتري في العالم الجسماني اخر العوالم و في كل سماء و ارض من خلق اللّه مالايعلمه الاّ اللّه و اني اجمل لك الكلام بمااجمله الامام الهمام محمّد بن علي الباقر8 حيث قال انّ اللّه خلق الف الف عالم و الف الف ادم انتم في اخر تلك العوالم و اولئك الادميين علي مارواه الصدوق في الخصال في اخره و في كل عالم من خلق اللّه مالايعلمه الاّ اللّه.

و لمّا كان خلق العالم ليس عبثاً و هباءً و انما هو لاجل ايصال النفع اليهم و لايكون ذلك الاّ بالتكليف والاّ لكان عبثاً و وضعاً للشي‏ء في غير موضعه او يكون جبراً و اضطراراً لايتعقّل و لايتصوّر الاّ في محض التلفظ وجب التكليف فاذا وجب التكليف تحققت امور و هي المكلف و الداعي و المدعوّ و الدعوة و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 308 *»

الدليل لان التكليف لايكون الاّ بالمكلّف و هو لايكون الاّ بالمكلّف و كلاهما لايكونان الاّ بالداعي و هو لايكون الاّ بالدعوة فهيهنا خمسة امور: الاول المكلّف و هو الفاعل و الامر و هو ظهور الذات بالفعل و هو مقام البيان لاهل المعاني و هو البيان في خلق الانسان علّمه البيان قال اميرالمؤمنين7 اما البيان فهو ان‏تعرف ان اللّه واحد ليس كمثله شي‏ء فتعبده و لاتشرك به شيئاً فافهم الاشارة و لاتحجبك العبارة. و الثاني الداعي و هو رسوله سبحانه الي خلقه و ترجمان وحيه من الوجودي و التشريعي في كل مقام بحسبه لان الخلق لايمكنهم ان‏يأخذوا من الحق سبحانه من غير واسطة و سفير و ذلك هو الرسول. و الثالث المدعوّ و هو المكلَّف (بفتح اللام) و القابلية الموجودة حين الوجود السائلة المجيبة. و الرابع المدعوّ اليه و هو السبيل قال تعالي ادع الي سبيل ربك الاية و هو جهة الحق سبحانه في الشرعيات الطاعات و العبادات الموصلة الي الحق و في الوجوديّات لها مراتب و مقامات حسب مقامات المكلّفين و القول الجامع هو الذي ذكرنا في الشرعيات. و الخامس المدعوّ به و هو الدليل لان الداعي لو لم‏يكن له دليل لم‏يقبل منه و ذلك لعدم تمكين القابلية فالدليل من تمكين القابلية و الايجاد التكليفي و التكليف الايجادي متوقّفان عليه و هذه المراتب الخمسة في كل موجود في كل مقام من المقامات المذكورة و الغير المذكورة يجب ان‏تكون موجودة والاّ لاختلّ النظام و مااستوي علي العرش الرحمن اذ الخلق في كل احوالهم و اطوارهم هم السائلون الواقفون بباب الحق الكريم و الفقراء اللائذون بجنابه يقرعون باب رحمته و يستمدّون من فضله و عطائه و لهم مقامات و سؤالات و اجابات و تكليفات و دلائل و فيها لهم درجات و مواقف:

ــ  الموقف الاول: في الحجاب الابيض الاعلي و مقام السرّ المقنّع بالسرّ و مقام الظاهر من حيث الظهور بالظهور و للسائلين الواقفين ببابه الفقراء اللائذين بجنابه في هذا الموقف و المقام مراتب و مواقف و مقامات: المقام الاول في المقام الاول اول المقامات و العلامات و هو الباطن الظاهر باول الظهور الذي

 

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 309 *»

هو نفس الظاهر الذي هو نفس الظهور و هو الصبح الصادق الطالع بعد كشف ظلمة العماء عن شمس الازل في عالم الظهور الامكاني. المقام الثاني في المقام الثاني ثاني المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و هو الباطن من حيث الظهور لكونه تأكيداً للباطن من حيث البطون. و المقام الثالث و هو ثالث المقامات و الايات هو الظاهر و هو العماء و هو باطن الظاهر و حق الحق. و المقام الرابع في المقام الرابع رابع المقامات و هو الظاهر من حيث هو ظاهر و الحق و السرّ المقنّع بالسرّ و في هذه المواقف و المقامات كلّف اللّه سبحانه واقفيها و مقيميها بانفسها ففيها المكلّف و المكلّف و الداعي و المدعوّ به و المدعوّ اليه واحد بالاجمال. اما في المقام الاول فواحد بلا فرض تعدّد و اعتبار مغايرة و في المراتب الاخر كل واحد بالاخر و التفصيل و البيان لايحسن ازيد مماذكرنا الاّ ان المجموع من طينة واحدة و نور واحد و سنخ واحد و الاول نبي عليهم و رسول من اللّه اليهم يأمرهم و يبيّن لهم الوحي بيان المعلّم للمتعلّم لا بيان السراج للاشعّة و يستدلّ عليه بدليل الحكمة.

ــ  الموقف الثاني: في المداد الاول و قد امـر اللّه سبحانه نبيّه9 ان‏يجيب السائلين الواقفين ببابه و الفقراء اللائذين بجنابه في ذلك اي يدعوهم الي سبيل ربهم بالحكمة فالمكلّف و الامر هو اللّه سبحانه بظهوره في المظاهر و المقامات و الداعي هو رسول‏اللّه9 و المدعوّ هو الواقفون في ذلك المقام و هو المداد و الوجود المقيّد و بحر الصاد و شجر المزن و المدعوّ اليه الذي هو السبيل هو نفسه لان الفاعل انما ظهر له به فهو سبيل ربه اليه و سبيل نفسه الي اللّه بل تجلّي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و هذا الموقف من الموقف الاول و دليلهما واحد و هو دليل الحكمة الذي هو اعلي الدرجات و اقوي الدلالات لكن الثاني طور وراء طور الاول يعرفه من كان سنخنا و ساير الناس به جاهل.

ــ  الموقف الثالث: في الدرة البيضاء و الحجاب الابيض الثاني و الكون الجوهري و الطور و القلم و اول غصن اخذ من شجر الخلد و اول من ذاق

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 310 *»

الباكورة في جنان الصاقورة و قدامـر اللّه نبيّه9 ان‏يجيب السائلين الواقفين ببابه و الفقراء اللائذين بجنابه في ذلك يعني يدعوهم الي سبيل ربهم بدليل الموعظة الحسنة و اقام لهم الدليل الحق بلسانهم بلباس الموعظة الحسنة لان اهل هذا البلد لايعرفون لغة البلد الاعلي لانه عالم البساطة و هذا عالم التركيب فيجب ان‏يترجم لهم تلك اللغة بلغتهم و ماارسلنا من رسول الاّ بلسان قومه و هو9 مبعوث علي كافّة من ذرأه اللّه و برأه فالمكلف و الامر هو اللّه الظاهر في الخلق بالخلق في المقامات و العلامات كماتقدم و الداعي هو نبيّنا محمّد9 و الطيبون من اولاده صلّي اللّه عليهم و المدعوّ اهالي ذلك المقام و هم رجال لايعصون اللّه ماامرهم و يفعلون مايؤمرون و لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و اقام الصلوة و ايتاء الزكوة و عليهم ثياب بيض كلهم قائمون بطاعة اللّه سبحانه لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون و كيفية دعائه و اقامته الدليل9 لهم الي سبيل ربهم هو ماقال مولينا العسكري7 و روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة فافهم و المدعوّ اليه الذي هو السبيل المداد و هو الوجود الصادر عن المشية و الماء النازل من السحاب المتراكم الذي به كلّ شي‏ء حي و هو امر اللّه الذي به قامت السموات و الارض و هو الذي قدّر اللّه السير في منازله و مقاماته بقوله الحق و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و ايّاماً امنين قال الباقر7 نحن القري التي بارك اللّه فينا و القري الظاهرة شيعتنا قال مولينا علي7 انا الذات انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات و قال7 نحن صنائع ربّنا و الخلق بعد صنائع لنا و انت ان (اذا خ‏ل) اتقنت النظر فيماتقدّم من بيان موضع الرسالة ينكشف لك المراد هنا و علمت الفرق بين المقامات قال مولينا الصادق7 من عرف الفصل من الوصل و الحركة من السكون فقد بلـغ القرار في التوحيد فافهم ان شاء اللّه والاّ فاسلم تسلم.

 

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 311 *»

ــ  الموقف الرابع في الحجاب الاصفر عالم الاظلة و ورق الاس و قدامـر اللّه سبحانه (نبيّه9 ظ) ان‏يجيب السائلين الواقفين في هذا المقام ببابه و الفقراء اللائذين بجنابه و ان‏يقيم لهم الدليل و يدعوهم الي سبيل ربهم بالدليلين لان اهل هذا البلد صنفان صنف لهم ربط الي البلد الاعلي و مجانسة و مشابهة معهم فيعرفون لغتهم و يفهمون لسانهم و صنف مالوا الي البلد الاسفل الذي هو الموقف الخامس علي ماسيجيئ فلايفهمون لغات البلد الاعلي و النبي9 دعا الصنف الاول و اقام لهم الدليل بدليل الموعظة الحسنة التي لغة اهل البلد الاول و دعا الصنف الثاني و اقام لهم الدليل بلغة اهل البلد الخامس فالامر هو اللّه و الداعي و مقيم الدليل هو محمّد9 و المدعوّ ماذكرنا و المدعوّ اليه الذي هو السبيل هو القلم الاول و المدعوّ به هو الموعظة الحسنة كمادريت فافهم.

ــ  الموقف الخامس في الحجاب الاخضر و الزمردة الخضراء و الذرّ الاول او الثاني او الثالث و اللوح المحفوظ و الكتاب المسطور و ظهور النقطة في باء بسم اللّه الرحمن الرحيم مقام ظهور الكثرة ظهرت الموجودات من باء بسم اللّه الرحمن الرحيم علي مارواه ابن ابي‏جمهور الاحسائي في المجلي و قد امـر اللّه سبحانه نبيّه9ان‏يجب السائلين الواقفين ببابه الفقراء اللائذين بجنابه في هذا المقام مقام النقش و الارتسام يعني يدعوهم الي سبيل ربهم و يقيم لهم الدليل دليل المجادلة بالتي هي احسن لان اهل ذلك المقام ادني و اسفل مرتبة من اهالي المقام الاول فيجب ان‏يدعوهم بلغتهم و يترجم لهم تلك اللغة بلسانهم ليعرفوا المراد ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حي عن بيّنة فالامر هو اللّه سبحانه و الداعي هو رسول‏اللّه9 و المدعوّ اهل تلك البلدة و المدعوّ به دليل المجادلة بالتي هي احسن و المدعوّ اليه الذي هو السبيل القلم يفيض الي اللوح و الي ماسواه و هو العرش الثالث الذي استوي عليه الرحمن برحمانيته فاعطي كل ذي حـق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه و هو اشارة الي تنزلات العقل الي المراتب السفلية الي اخر

 

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 312 *»

المراتب التي هي مرتبة الجماد ثم اخذ يصعد بتوفيق اللّه و مدده الي المراتب العالية الي اخر درجات العلوّ في التكوين الي ان‏انتهي الي رتبة الجامع7 ثم اخذ في الصعود الي الاسماء من رفيع‏الدرجات الي اسم اللّه البديع فتمّ العرش و دارت الدائرة فهو قطب لها تستمدّ منه و هو قول اميرالمؤمنين7 انا قطب رحي الاسلام و قوله7 لقدتقمّصها ابن ابي‏قحافة و هو يعلم انّ محلّي منها محل القطب من الرحي و قوله7 سرّ القران في الحمد و سرّ الحمد في البسملة و سرّ البسملة في الباء و سرّ الباء في النقطة و انا النقطة تحت الباء فالعقل سبيل اللّه الي الخلق في الايجاد و الانوجاد و ايصال المدد اليهم من رب العباد و سبيل الخلق الي اللّه في صعود الاعمال و الافعال و الاعتقادات اليه تعالي.

و قداشرنا الي الاول النازل باحاديث يتعلق وجهها الاوسط بهذا المقام. و اما الي الثاني الصاعد فالاشارة اليه كما في قوله تعالي و قدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و اياماً امنين و قوله7 تدلج بين يدي المدلج من خلقك و قول مولينا علي7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و قوله تعالي و لئن قتلتم في سبيل اللّه او متّم لمغفرة من اللّه الاية قال الباقر7 سبيل اللّه هو علي7 و القتل في سبيل اللّه هو القتل في سبيل علي7 و ليس احد يؤمن بهذه الاية الاّ و له قتلة و ميتة و بيان ذلك ماتقدّم لك من الكلام.

و كذلك الكلام في المواقف الاخر من العوالم الالف الف فان رسول‏اللّه9 اقام الدلايل من الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي احسن في كل مقام في التكوين و التشريع. اما التكوين فكماعرفت و انا الان اذكر مثالاً حتي يتبيّن الامر واضحاً فاقول ان النار لمّاتعلّقت بالدهن و اثّرت فيه بمسّها له وجدت الشعلة التي هي السراج و لمّاوجدت الشعلة ظهرت الاشعة فالمؤثّر هو النار الظاهرة فيها و القابلية هي الدهن و المقبول مسّ النار بالدهن (للدهن خ‏ل) اي الاثر الحاصل من التعلق و الشعلة هي الشي‏ء المركّب منهما و الاشعة هي اثار ذلك المركّب و ظهوراته و تطوّراته و هذه المراتب كلها متقوّمة بالنار و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 313 *»

مستمدّة عنها و هي دائماً تمدّها بالتكليف و الدليل و تدعوها الي السبيل و سبيل النار الي المسّ نفسه و سبيله (سبيلها خ‏ل) الي الاشعة المسّ و سبيلها الي الاشعة الشعلة فالنار تدعو المسّ الي سبيلها بدليل الحكمة و تدعو الشعلة الي سبيلها بالموعظة الحسنة و تدعو الاشعة الي سبيلها بدليل المجادلة بالتي هي احسن و لك ان‏تجري هذه الادلة في كل مقام فلتمثّل بالاشعة لانها اظهر لان السراج يدعو النار (النور خ‏ل) الواحد المنبسط علي جميع اعيان الاشعة و اقطارها بالحكمة و يدعو (تدعو خ‏ل) ذلك النور من حيث ارتباطه بالاشعة و بقاء وحدته الواحدية في تلك الارتباطات و الكثرات الي سبيل النار بدليل الموعظة الحسنة و يدعو (تدعو خ‏ل) ذلك النور ايضاً من حيث صيرورته اشعة مختلفة متكثّرة محتجبة عن مشاهدة ذلك النور الواحد الي سبيل النار بدليل المجادلة بالتي هي احسن.

و اما التشريع فاعلم انّ عليّاً7 هو السبيل الاعظم للخلق الي اللّه و للّه الي خلقه و رسول‏اللّه9 يدعو الي ولاية علي7 الذي هو حامل لولاية محمّد9 الذي هو حقيقة ولاية اللّه فاقام الدلايل علي الولاية و دعاهم اليها فقد دعـا اهل الحكمة الي سبيل ربهم الذي هو ولاية اميرالمؤمنين7 بان‏يفنوا في ذاتهم و حقايقهم التي هي مثال ربهم و يوحّدوا الحق سبحانه بالتوحيد الحقيقي و ينسوا انفسهم و جهة انيّتهم و لايروا لهم تذوّتاً و تحققاً علي مايناسب مقامهم و نهاهم عن الالتفات الي الغير و اثبات السوي و ملاحظة شي‏ء سوي اللّه حتي الملاحظة و قطع النظر و حتي المحبة قال مولينا الصادق7 المحبة حجاب بين المحبّ و المحبوب قال اميرالمؤمنين7الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير اشارة فاهل الحقيقة هم الكاشفون لسبحات الجلال من غير اشارة فان ارتكبوا مانهوا عنه فقدعصـوا و تردّدوا و شكّوا في ولاية اميرالمؤمنين7 و خالفوا الدليل فانه فؤادهم و حقيقتهم و النور الظاهر فيهم من نور ربهم سبحانه و تعالي الذي ظهر هناك من غير حيث و كيف و استغفارهم هو التلقّي بالكلمات و التسليم له بامرة المؤمنين. الم‏تسمع قول اميرالمؤمنين7 في سبب شكّ ايوب قال

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 314 *»

لمّا كان عند الانبعاث عند المنطق شكّ و بكي و قال هذا امر عظيم و خطب جسيم فاوحي اللّه تعالي اليه يا ايوب أتشكّ في صورة انا اقمته؟ اني ابتليت ادم بالبلاء فوهبت له بالتسليم له بامرة المؤمنين و انت تقول خطب جسيم و امر عظيم فواللّه لاذيقنّك من عذابي او تتوب الي بالطاعة لاميرالمؤمنين قال7 ثم ادركته السعادة بي و هذه التوبة و الاستغفار و الطاعة لاميرالمؤمنين7 هو الرجوع الي مقامهم الحقيقي و منزلهم الواقعي و اهل هذا المقام يستغفرون من هذه الجهة لانه التقصير العظيم الذي لايتصور فوقه. قال الشاعر:

لقد قلت مااذنبت قالت مجيبة وجودك ذنب لايقاس به ذنب

و دعا رسول‏اللّه9 اهل الموعظة الحسنة الي سبيل ربهم بفعل جميع المستحبات و الواجبات و ان لايلاحظوا الي الشي‏ء لا من حيث الاثرية و يقفوا مقام مارأيت شيئاً الاّ و رأيت اللّه قبله او معه و ان‏يوحّدوا الحق سبحانه بالتوحيد الشهودي كما قال مولينا الحسين7 أيكون لغيرك من الظهور ماليس لك حتي يكون هو المظهر لك الدعاء و نهاهم عن جميع المكروهات و المحرّمات و ملاحظة الاسباب و عمّاينافي التوحيد الشهودي من الاستدلال بالدليل الانّي لان مقامهم ان اللّه اجلّ ان‏يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به فاذا ارتكبوا المكروه فضلاً عن الحرام و لم‏يفعلوا المستحبّ فضلاً عن الواجب فقدعصـوا و كشوا و تردّدوا في ولاية اميرالمؤمنين7و استغفارهم هو التلقّي بالكلمات التي تلقّي بها ادم من ربه و هي اللّهم اني اسألك بحق محمّد و انت المحمود الي اخر الدعاء و التسليم له7 بامرة المؤمنين و معني هذا التسليم الرجوع الي اللّه و الندم علي ماسلف من الذنوب بالنسبة اليه و انّ يونس7لمّاقبـل الولاية و اقرّ بها اخرجه اللّه من بطن الحوت و كان هذا القبول هو قوله7 في بطن الحوت كما اخبر الحق سبحانه عنه بقوله تعالي و ذا النون اذ ذهب مغاضباً فظنّ ان لن‏نقدر عليه فنادي في الظلمات

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 315 *»

ان لا اله الاّ انت سبحانك انّي كنت من الظالمين فاستجبنا له و نجّيناه من الغمّ و كذلك ننجي المؤمنين المقرّين بولاية اميرالمؤمنين7 .

و دعا رسول‏اللّه9 اهل المجادلة بالتي هي احسن الي سبيل ربهم بفعل جميع الواجبات و ان لايشركوا مع اللّه احداً في الذات و الصفات و الافعال و العبادة و نهاهم عن المحرّمات و عمّاينافي التوحيد العوامي من اثبات التعدد و القول بقدم الماهيّات و الحقايق و التكلّم في ذات اللّه سبحانه او في احدي الصفات الذاتية او كلّها كالعلم و القدرة الذاتيتين و القول بان علم اللّه مستفاد من المعلوم و ان اللّه ليس له ان شاء فعل و ان شاء ترك و ان مشيته و ارادته عين ذاته سبحانه و ان صفات الافعال مباديها ذاته تعالي و متعلقاتها حادثة و ان شريك‏الباري يتصور و يتعقّل و امثال ذلك من الامور التي ورد النهي الصريح في الشرع و يدلّ عليها العقل السليم فان ارتكبوا مانهوا عنه و عصوا فقدانكـروا ولاية اميرالمؤمنين و شكّوا و تردّدوا فيها و استغفارهم هو ان‏يقولوا تلك الكلمات بظاهرهم و باطنهم بظاهرها و باطنها و يسلّموا له بامرة المؤمنين علي المعني الذي ذكرنا.

و جعل صلوات اللّه عليه و اله من اشاراته و تلويحاته و تصريحاته في اقواله و افعاله و اعماله دليلاً عليه في التكوينيات و التشريعيات بحيث لن‏تجد شيئاً الاّ و تجد فيه دليلاً واضحاً و برهاناً لائحاً من ارشاداته9 علي حقيّته و بطلانه و صحيحه و فاسده و حسنه و قبحه و مخالفته و موافقته يطّلع الفقيه العارف علي ذلك الدليل القائم علي كل شي‏ء في كل شي‏ء في كل احواله من التوحيد و التمجيد و النبوة و الرسالة و الامامة و الولاية و ساير احوال البدء و العود من الشرعيات (التشريعيات خ‏ل) التكليفية لايضيق الامر علي الماهر المتتبّع العارف باللغة العربية الحقّية و الحقيقية و الظاهرية و ان خفي علي غيره.

ثم انه مايظهر الامر لاحد من تلك الدلائل التي اقامها رسول‏اللّه9 في كل شي‏ء سيّما في الاحكام التكليفية التشريعية الاّ اذا اراد9 و ليس كل من طلب وجد و لذا قالوا: و ان من شي‏ء الاّ و فيه كتاب او سنة و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 316 *»

قالوا: انا لاندخلكم الاّ فيمايصلحكم فلايمكن ان‏يوجد شي‏ء مهمل‏الحكم و مهمل‏البيان و لايمكن ان لايذكر محمّد و اله صلّي اللّه عليهم ذلك في كلماتهم و اشاراتهم و لاينصبوا له دليل حقّ من ارشاداتهم والاّ لم‏يكونوا حجة بالغة و لم‏يكمل الدين و لايمكن ان‏يحتاج الي شي‏ء احد من الرعية فمنعوه عنه لانهم اعضاد للخلق و اركان للبلاد و ادلة رشد للعباد و لايمكن ان‏لايقتدروا علي التبليغ عند اختفاء اشخاصهم و ابدانهم و هياكلهم البشرية عن اعين الخلق للمستحقين لانهم ايدي اللّه الباسطة بالانفاق و نوره المالئ كل الافاق و علي هذا لجاز لاحد ان‏يقول ان اللّه لم‏يقدر ان‏يعطي كل ذي‏حـق حقه لاختفائه عن الابصار تعالي ربي عن ذلك و هم صلّي اللّه عليهم وجه‏اللّه لكل ذرة من ذرّات الكائنات لا تعطيل لهم في كل مكان كمامـرّ غير مرّة فمابقي الاّ كما قال7 اقام الدلائل علي جهة العموم كمايـدلّ عليه الجمع المحلّي باللام فاقام لكل شي‏ء دليلاً علي كل شي‏ء بحيث لايخفي علي المتتبّع الماهر العارف باللغة و هذا الاختلاف في ارباب الملل و الاديان اغلبه من جهة اعراضهم عن ذلك الدليل الذي اقامه7 و اما الناظرون المتمسّكون بالدليل فاغلبهم ماتوقّفوا للتمسّك الكلي فلذا مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً كلّما اضاء لهم مشوا فيه و اذا اظلم عليهم قاموا و المتمسّكون علي الحقيقة ايضاً من جهة مصلحة كينوناتهم لبقاء اشخاصهم و انواعهم اوقعوا الخلاف بينهم فاخفوا سلام اللّه عليهم بعض القرائن عن بعض و اظهروها لاخرين فلو اظهروا للاولين ما اظهروا للاخرين لارتفع الخلاف من البين الاّ ان ذلك لايطابق كينونة الوجود في الحكم الثانوي كماقـال لعبيد بن زرارة راعيكم الذي استرعاه اللّه امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء فرّق بينها لتسلم و ان شاء جمع بينها لتسلم و هذا الاختلاف عيب في هذه السفن الجارية في اللجج الغامرة لئلاّيتسلّط عليها الملك الذي من ورائهم يأخذ كل سفينة غصباً فهذا الاختلاف ايضاً منهم نشأ و دليله قام بهم: و ادلتهم سلام اللّه عليهم ظاهرة و اعلام حججهم باهرة و انوار براهينهم في كل كلّي و جزئي ساطعة و شموس

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 317 *»

بياناتهم علي اراضي قلوب شيعتهم مشرقة ماامسكوا عن بيان شي‏ء و ماابهموا امراً من الامور و مااحوجوا رعاياهم الي غيرهم كيف و قدجاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ماعنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم و ليس من العطف و الرحمة و الرأفة ان‏يجعل المنقطعين اليه و القارعين بابه و المنيخين بفنائه في ظلمة بهماء حاشا و كلاّ بل ادّي الرسائل و اقام الدلائل و اتمّ الحجة و اوضح المحجة الاّ انّ الاعمي لاينتفع بمصباح الهدي و لاتنكشف عنه ظلمة الدجي. قال الشاعر:

قدتنكر العين ضوء الشمس عن رمد و ينكر الفم طعم الماء من سقم

و روي الكليني في روضة الكافي مامعناه و لم‏احفظ لفظه ان مولينا الصادق7 قال لواحد من اصحابه و اظنّ انه مفضّل كيف بكم اذا اتاكم زمان هرج و مرج فبكي الرجل قال7 واللّه انّ امرنا ابين من الشمس الظاهرة و هو كماقـال7 فلنقبض عنان القلم خوفاً من التطويل و صوناً من اصحاب القال و القيل. قال الشاعر:

و ايّاك و اسم العامرية انّني اخاف عليها من فم المتكلّم
اخاف عليك من غيري و منّي و منك و من مكانك و الزمان
فلو انّي جعلتك في عيوني الي يوم القيمة ماكفاني

قوله7 و ختم الرسائل الختم اشارة الي البدء قال اللّه عزّوجلّ كمابدأكم تعودون و قال ايضاً سبحانه و تعالي و ليدخلوا المسجد كمادخلوه اول مرّة و ليتبّروا ماعلوا تتبيراً و قال7 في الدعاء لمحمّد و اله و ادخلهم مسجدك عوداً كمادخلـوه اول مرة و بيان حقيقة هذا المطلب و سرّه و منشأه و اصله يحتاج الي بحث طويل و فيه ايضاً بيان مالايحسن بيانه لعدم اتيان

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 318 *»

اوانه و مجمل القول فيه هو ان كل شريف يجب ان‏يكون في عالم الظهور اخيراً و كل كثيف يجب ان‏يكون في عالم الظهور اولاً فكل شريف مقدمّ في الوجود مؤخر في الظهور و كل كثيف مؤخّر في الوجود مقدّم في الظهور و ذلك لاجتثاث الكثيف و الباطل و استقامة الحق و ثباته و اظهار مستجنّات السرائر و مطويّات الضماير.([2])

و لمّا كان اللّه سبحانه خلق الخلق و السموات و الارض في ستّة ايام يوم العقل و هو يوم الاحد و يوم النفس و هو يوم الاثنين و يوم الطبيعة و هو يوم الثلثا و يوم المادة و هو يوم الاربعا و يوم الصورة و المثال و هو يوم الخميس و يوم الجسم و هو يوم الجمعة و فيه تجتمع المراتب و خفيت و ماتت ثم اظهرها في ستة ايام اخر يوم النطفة و هو يوم الاحد و يوم العلقة و هو يوم الاثنين و يوم المضغة و هو يوم الثلثا و يوم العظام و هو يوم الاربعا و يوم اكتساء اللحم و هو يوم الخميس و يوم انشأناه خلقاً اخر و هو يوم الجمعة فهناك اجتمع المراتب كلها ظاهرة و يوم السبت يوم كمالها و ظهورها مشروحة العلل مبيّنة الاسباب فتمام الشي‏ء في الستة و كماله في السبعة و هو مقام ظهور العقل فالعقل اول ماوجـد في القوس النزولي فاستنطقه اللّه ثم قال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر عن الخلق فاخذ يصعد فاول ماظهر في النطفة ثم في العلقة ثم في المضغة ثم في العظام ثم في اكتساء اللحم ثم في الروح القديمة و هي النفس الحيوانية الحسّاسة الفلكية ثم في مقام الرضاع ثم في مقام الفطم ثم في مقام الصبي ثم في مقام التمرين ثم في مقام المراهقة ثم في مقام البلوغ الذي هو مقام ظهوره في مقامه ثم اخذ يصعد في تمامية الظهور و قوّته و نموّه شيئاً فشيئاً الي الثلثين فهناك يتمّ نموّه ثم يأخذ في الكمال في رتبته و مقامه الي الاربعين فهنا نهاية الترقي و نهاية الظهور و هذا حكم جارٍ في كل مراتب التكوين و التشريع في الكلي و الجزئي و الذاتي و الصفتي و العلوي و السفلي ثم يأخذ في النزول

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 319 *»

فيضعف شيئاً فشيئاً علي ترتيب قوّته حتي يناله نصيبه من الكتاب و يبلغ الكتاب اجله فهناك تنهدم البنية و تنكسر الصيغة ثم تصاغ جديداً فاول صعوده في المحشر او اول نزوله الي مقامات صعوده الي اسفل السافلين اعاذنا اللّه منه ثم فيما اذا سقي من عين الكافور ثم عند سقيه من عين السلسبيل ثم عند اكله كبد الثور ثم عند اكله كبد الحوت ثم عند وقوفه في الكثيب الاحمر ثم عند وقوفه في الرفرف الاخضر ثم عند وقوفه في ارض زعفران ثم عند وقوفه في مقام الاعراف ثم عند وقوفه في مقام الرضوان و هذا ختم المقام فيترقي في هذا المقام الي ما لا نهاية له.

و لمّا كان العالم الجزئي علي مثال العالم الكلي جري هذه الاحكام كلها في العالم الكلي حرفاً بحرف و لمّا كان القلب الذي هو القطب في العالم الجزئي قدتطوّر في ظهوره مترقّياً في ستة اطوار من النطفة و العلقة و غيرهما الي ان‏ظهر بالظهور المطلق و كانت تلك الشئون اطوار ظهورات القلب فعند كل طور كان يقتضي حكماً من الاحكام الي ان‏يظهر في مقام الحيوة فكذلك العالم الكلي انما تمّ ظهوره في هذه الاطوار الستّة علي حسب قواه الكلية و لمّا كان كل طور يقتضي حكماً كلياً خلاف ماكان يقتضي الطور الاول لزوال المقتضي عند زوال المقتضي فيقتضي الحكم الكلّي الثانوي و زوال الاولي واللّه سبحانه لايغيّر مابقوم حتي يغيّروا ما بانفسهم جعل اللّه سبحانه لكل طور من هذه الاطوار الستة حكماً كلياً خاصاً به و ذلك الحكم هو الشريعة الخاصة باهل ذلك الوقت و كينونات احوالهم من الشريعة الوجودية في تلطيف بنيتهم و ابدانهم و عدمه و رقّتهم و غلظتهم و اعتدال اهوائهم (هوائهم خ‏ل) و عدمه و قلّة معرفتهم و كثرتها و امثال ذلك من الاحوال الجارية عليهم علي مقتضي ذواتهم و صفاتهم و اعيانهم و اكوانهم مماجري في علم الغيب من بدء شأنهم و من الشريعة التكليفية العملية الوصفية من طهاراتهم و صلواتهم و عباداتهم و معاملاتهم و لمّا كان كل طور من هذه الاطوار قشوراً لمقام انشأناه خلقاً اخر و معدّات سيّالة لظهور ذلك المقام كانت اطوارهم و اوطارهم و احوالهم قشوراً و ظواهر لمقتضيات اطوار ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 320 *»

المقام و اوطارهم فكانت شريعتهم قشوراً و ظواهر للشريعة المختصّة بذلك المقام فكانت الانبياء الحاملون لتلك الشرايع قشوراً و امثالاً للنبي الحامل لتلك الشريعة اذ السلسلة في القوس الصعودي تترقّي من الاسفل الي الاعلي فلمّا انقضت مدة مقتضيات كل طور نسخت الشريعة الخاصة به و اتت الشريعة الخاصة بالاخر الي ان اتي الطور الثابت المستقلّ مثل مقام الحيوة فظهر تلك الشريعة و ظهر الاصل الحامل لها و محيت اثار غيرها لانها قشور تفني و تعدم عند ظهور اللب و الاصل فرجع الاخر الي الاول و الاول الي الاخر.

فلمّا كان نبيّنا9 هو صاحب الشريعة السادسة كان9 هو الخاتم لانه كان هو الفاتح لان المقام السادس لا فناء له و لا زوال و لا اضمحلال فتبقي احواله و مقتضياته نعم هو يضعف و يقوي شيئاً فشيئاً الي ان‏يبلغ مقام البلوغ فان العلقة اذا ظهرت و تحققت بطلت احوال النطفة و احكامها و مقتضياتها و كذا المضغة لمّا ظهرت و تحققت بطلت اثار العلقة و احوالها بالكلية و اما الروح اذا ولجت في البدن و حيي البدن فلاتفني و لاتبطل و الروح هي القطب المدبّر (المدير خ‏ل) للبدن كله و تلك المراتب المتقدمة كلها انما هي لاظهارها نعم هي في اول ظهورها و بروزها ضعيفة فتقوي شيئاً فشيئاً فهناك تختلف الاغذية التي تغتذي بها و كذلك شريعة نبيّنا9 لان ظهوره صلّي اللّه عليه كالروح المحيية للبدن فحيي العالم لظهوره9 و استنارت القلوب و محيت الظلمات و منعت الشياطين عن استراق السمع و ذلك لغلبة النور المستدعية لنفي المناسبة او قلّتها لكن في اول بعثته و اوان ظهوره9 مااظهر اسرار شريعة و اقتصر علي القشور و الظواهر ثم طرأ علي بعض الجزئيات احكام النسخ و وقع الاختلاف كل ذلك لضعف بنية المكلّفين و قلّة ثباتهم في اليقين و عدم رسوخهم في الدين و غلبة الظلمة باستيلاء الشياطين عند ظهور النفس الامّارة بالسوء الي ان‏يأتي اوان بلوغ العالم الاكبر (الكبير خ‏ل) و هو اذا خرج مولينا القائم7 و هو اشارة الي اول ظهور العقل الذي هو القائم في الذات في الجزئي و لذا اوّل مايظهر العقل في

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 321 *»

البدن تراه ضعيفاً ليس له ناصر و البدن قدتصرّفت فيه النفس الامّارة بالسوء و كذلك مولينا القائم7 و عجّل اللّه فرجه لايظهر حتي (الاّ خ‏ل) اذا امتلأ العالم جوراً و ظلماً فيملأه عدلاً و قسطاً ان شاء اللّه تعالي و هو اول النشاط و غلبة ظهور العقل و الامر الالهي فيترقّي فيأخذ (و يأخذ خ‏ل) في الصعود و الترقي الي ان‏يظهر مولينا الحسين7 و يرجع بعد الوفاة و يطهر الارض الي ان‏يرجع سيّدنا و مولينا علي7 في الكرّة الثانية و يقاتل ابليس فينزل رسول‏اللّه9 و يقتل ابليس فتبقي الارض طاهرة مطهّرة نقيّة زكيّة و هذا بلوغه الي ثلثين (اربعين ظ) سنة الذي هو تمام النشاط و القوة و هناك محل ظهور خاتم الرسالة بالظهور الاوّلي البدئي في الرسالة التكوينيّة و التشريعية و مقام ظهور ليظهره علي الدين كله كما كان في البدء كذلك فان الانبياء:عنه9 اخذوا و به في الاحكام الالهية استندوا و بشريعته عملوا و علي الكتاب المنزل عليه حكموا فهم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم مابين ايديهم و ماخلفهم لانهم عنده9 كالشعاع للمنير فالمنير يحيط بجميع احوال الاشعة علماً لايخفي عليه شي‏ء من احوالهم ممابين ايديهم و ماخلفهم لان الكروبيّين الذين اذا اظهروا بقدر سمّ الابرة من نورهم لايطيق اولواالعزم من الرسل التثبّت عنده و التحمّل لديه فيخرّ مغشيّاً عليه واحد من رعايا محمّد و اله صلّي اللّه عليهم و شيعتهم خلقوا من شعاع انوارهم و لذا قال تعالي في باطن باطن التفسير يعلم اي محمّد9مابين ايديهم اي الانبياء و ماخلفهم و لايشفعون الاّ لمن ارتضي دينه بولاية الولي7علي المعاني الكثيرة في التكوين و التشريع و هم من خشيته اي من خشية اللّه الحاصلة من نور العظمة الظاهرة في محمّد9 و الطيبين من اله: مشفقون اي حذرون و من يقل منهم اي الانبياء اني اله من دونه اي يصل الي الفيض و المدد او اني ابلغ و ابيّن و اترجم للرعايا حكم اللّه سبحانه من دون توسّط محمّد9 و الاخذ عنه و التسليم له و الاقرار بذلّ العبودية الرقيّة للّه سبحانه بطاعته9 و ولاية

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 322 *»

الطيبين من اولاده و احفاده صلّي اللّه عليهم كمارواه محمّد بن جرير الطبري من العامة و اخطب خوارزم منهم في تفسير قوله تعالي و اسأل من ارسلنا قبلك من رسلنا عن النبي9ليلة اسري بي الي السماء فاجتمعت مع الانبياء في المسجد الاقصي فاتاني جبرئيل و قال يامحمّد و اسأل الانبياء بماذا بعثتم فسألتهم فقالوا بعثنا بشهادة ان لا اله الاّ اللّه و بنبوّتك و بولاية علي بن ابي‏طالب8 ، فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ال‏محمّد: حقهم و الملحدين في اسماء اللّه.

و بالجملة فلمّا كان نبيّنا9 في البدء هو الاصل و القطب لاكوار الوجود و اطواره و الشرايع كلها شرايعه و الاديان كلها دينه و الملل باسرها ملّته و النواصي كلها بيده و مصادر الامور عنه و مواردها اليه في العوالم العلوية و في السفليات اظهروا اطوارهم و اشباحهم المحتجبون بها عن الخلق فالعارفون لم‏يزل علي يقين في امر ربهم و نبيّهم لاتلهيهم التجارة و لا البيع اي الكثرات الظاهرة و الاسباب الواردة عن ذكر اللّه و هو محمّد9 و اقام الصلوة و هو ولاية اميرالمؤمنين7 و الطيبين من اولاده و اتي الزكوة و هو التبرّي من اعدائهم و مخالفيهم و الجاهلون في مقام الفرق و الكثرة متحيّرون و المعاندون لخبائث بواطنهم و قبايح سرائرهم مظهرون الي ان ظهر سرّ كما بدأكم تعودون فتشعشعت الانوار الاحمدية و ظهرت اشراقات شمس الحقيقة المحمّدية9 فاستنارت العوالم و حييت قلوب بني‏ادم فكان بتلك الاشراقات تصفّي قوابل الاستعدادات و تلطّف اراضي القابليات لتصعيدها الي السماء لالقاء مثال الكينونة و اظهار جلال الربوبية الي يوم قتل ابليس لعنه‏اللّه فهناك طهرت الاراضي الكلية و الجزئية و استنارت و تلألأت تجلي لها النور المحمّدي9 فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله الجسمي فاستنارت فيكون العود الدنياوي كالبدء الدنياوي من اليوم الذي خلقت السموات و كان طالع الدنيا السرطان و الكواكب في اشرافها و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 323 *»

معني قوله9 ان الزمان استدار كهيئة يوم خلق اللّه السموات و الارض كان بدء بعثته9 اول الاستدارة و عند قيام القائم7 ظهور الاستدارة و عند ظهور مولينا علي7 في الكرة الثانية تمام الاستدارة و عند نزوله9 لسرّ الخاتمية كمال الاستدارة و لذا تظهر الجنّتان المدهامّتان في ظهر الكوفة و ماوراءها الي ماشاء اللّه.

ثمّ لمّا جـاء امر الاخرة و انقضت مدة الدنيا صعد اللّه سبحانه بمحمّد و اله صلّي اللّه عليه و عليهم الي السماء فيبقي اهل الارض في هرج و مرج اربعين يوماً ثم ينفخ اسرافيل نفخة الصعق و هذا مقام التنكيس في الخلق و من نعمّره ننكّسه في الخلق، فاذا نفخ في الصور فصعق من في السموات و من في الارض الاّ من شاء اللّه و هم ال‏محمّد صلّي اللّه عليهم شاء اللّه ان لايصعقوا لانّهم وجه اللّه الذي لايهلك ابداً و لايفني سرمداً و هذا موت العالم الاكبر فيبقي ميتاً اربعمائة عام ثم نفخ فيه اخري فاذا هم قيام ينظرون و هو بعث العالم الاكبر و اشرقت الارض بنور ربها و هو محمّد و اله سلام اللّه عليهم عادوا كمابـدؤا في الظهور و الاّ فهم لم‏يزل في حالتهم و كينونتهم و مقامهم المحمود فاشرقت ارض المحشر بهم و هم نور ربهم و جيئ بالكتاب و النبييّن و هذا بيان لاشراق نور الربّ و الكتاب هو مولينا اميرالمؤمنين7 و هو الكتاب الذي ينطق بالحق اعمال كل احد قال تعالي و تري كل امة جاثية كل امة تدعي الي كتابها اليوم تجزون ماكنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنّا نستنسخ ماكنتم تعملون ورد ان ذلك هو علي7 و احاديث عرض اعمال الخلق علي النبي و الائمة:كادت ان‏تبلغ حد التواتر و النبيين هو محمّد9 كما ورد في تفسير قوله تعالي اولئك مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقاً، ان المراد بالنبيين هو محمّد9 و الصديقين هو علي7 و الشهداء هو الحسين7 و حسن اولئك رفيقاً هو القائم7 .

و بالجملة في المحشر /هو (زائد خ‏ل) رسول‏اللّه9 في الوسيلة و هي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 324 *»

المعروفة في الاخبار و علي7 تحته بمرقاة فيؤتي بلواء الحمد ظاهراً كما كان عنده باطناً و يعطي محمداً9 فيعطي عليّاً7 ثم يؤتي بمفاتيح الجنة و النار فيؤتي اياه9فيعطي عليّاً7 ثم يرد اليهما امر الخلايق في الحساب و الميزان و الصراط و اليهما8 الاشارة في قوله تعالي القيا في جهنم كل كفار عنيد منّاع للخير معتد مريب الذي جعل مع اللّه الهاً اخر فالقياه في العذاب الشديد فظهر العود كالبدء كما ان الخلق بهما وجدوا و بنورهما تأصّلوا فرجع في العود امرهم اليهما و الي الطيبين من اولادهما كما بدأكم تعودون فاختتم بهم كما افتتح بهم بكم فتح اللّه و بكم يختم ثم اذا ادخلوا اهل الجنة الجنة و اهل النار النار و جازوا كل احد بميزان القسط من اعمالهم كانوا ظهور الحق سبحانه لاهل الجنة و تجلّيه لهم فهم ملوك الجنة و يأتي اهلها كل يوم جمعة بزيارتهم و هي زيارة الرب التي وردت في الاخبار اذ القديم سبحانه منزه عن ان‏تنال اليه ايدي الابصار و العقول تعالي ربي عن ذلك علواً كبيراً.

فمحمد9 هو الخاتم لانه هو الفاتح و هو الفاتق لانه هو الراتق و اليه المرجع لانه منه البدأ و اليه يرجع الامر كله قال الصادق7 ان الضمير في اليه يرجع الي الولي7 ، فاعبده و الضمير فيه يرجع الي اللّه سبحانه يعني اعبدوا اللّه بهذا الاعتقاد و رسول‏اللّه9 اصل الولاية و حقيقتها فهـو9 ختم الرسائل الوجودية و الشرعية في المراتب كلها فليست بعده رسالة و لا نبوة اذ المقتضي دائم‏الاقتضاء و المانع دائم‏الارتفاع ذلك تقدير العزيز العليم.

قوله7 نصـر به المسلمين اتي بالجمع المحلّي‏باللام ليفيد الاستغراق فكل مسلم من اول الايجاد الي اخر نهايات الانوجاد في عالم الذرات و خلق النسمات الي ما لا نهاية له في التكوين و التشريع انما نصرهم اللّه سبحانه بمحمد9 و الطيبين من اله و اولاده و احفاده: روي ابن‏عباس عن النبي9 انه قال لن‏تجد عند احد

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 325 *»

حقاً الاّ بتعليمي و تعليم علي7 هذا معني الحديث.

اما المسلمون في التكوين فكما بيّنا سابقاً عند قوله7 اشهد ان لا اله الاّ هو و قداشار مولينا الرضا7 الي ذلك بقوله ان في يوم الغدير عرض اللّه الولاية علي اهل السموات السبع فسبق اليها اهل السماء السابعة فزيّنها بالعرش ثم سبق اليها اهل السماء الرابعة فزيّنها بالبيت المعمور ثم سبق اليها اهل السماء الدنيا فزيّنها بالكواكب ثم عرضها علي الارضين فسبقت مكة فزيّنها بالكعبة ثم سبقت اليها المدينة فزيّنها بالمصطفي محمد9ثم سبقت اليها الكوفة فزيّنها باميرالمؤمنين7 و عرضها علي الجبال فاول جبل اقرّ بذلك ثلثة جبال جبل العقيق و جبل الفيروزج و جبل الياقوت فصارت هذه الجبال جبالهن ثم سبقت اليها جبال اخر فصارت معادن الذهب و الفضة و ما لم‏يقرّ بذلك و لم‏يقبل صارت لاتنبت شيئاً و عرضت في ذلك اليوم علي المياه فماقبل منها صار عذباً و ماانكر صار ملحاً اجاجاً و عرضها في ذلك اليوم علي النبات فماقبله صار حلواً طيّباً و ما لم‏يقبل صار مرّاً ثم عرضها في ذلك اليوم علي الطير فماقبلها صار فصيحاً مصوّتاً و ماانكر صار اخرس مثل اللكن (الالكن خ‏ل) و مثل المؤمنين في قبولهم ولاية (ولاء خ‏ل) اميرالمؤمنين7 في يوم غدير خـم كمثل الملئكة في سجودهم لادم و مثل من ابي ولاية اميرالمؤمنين7 في يوم الغدير كمثل ابليس في تركه السجود لادم و في هذا اليوم انزلت قوله تعالي اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام ديناً الاية الحديث. فاشار7 الي بعض وجوه نصرة المسلمين من الموجودات العلوية و السفلية و الاصل في ذلك و مجمل القول فيه ان نصرة الشي‏ء باعطاء مادته و صورته و تهيئة اسباب قوابله و شرائط ترقياته و مكملاتها و متمماتها و ايجاد الدواعي و البواعث و الميولات الذاتية الحقيقية الي الخيرات و الكمالات علي حسب القابليات و نهج الاستعدادات و تيسير المسببات بالاسباب و تمكين القوابل و الماهيات و رفع الموانع و العوارض عن مقابلة فوّارة النور و الرجوع الي عالم السرور و هذه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 326 *»

الامور و امثالها انما ظهرت و انتشرت و وجدت و تحققت في الاشياء كلها تحت الحجب و السرادقات الي ما لايزال بمحمد و اله9 فلايصل الي مخلوق فيض مادي او صوري اضافي او وضعي رابطي او اصلي الاّ بهم و منهم و عنهم صلّي اللّه عليهم لانهم ابواب الافاضة و الاستفاضة في كل شي‏ء قال مولينا و سيدنا الصادق7 ان اللّه خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امّه الرحمة فالنور هو مادتهم و الرحمة هي صورتهم لان النور مدخول من و كل‏ما هو كذلك في مقام الصنع فهو المادة كماتقول صنعت (صغت خ‏ل) الخاتم من الفضة و صنعت السرير من الخشب و الرحمة هي الصبغ و هي الصورة و هذا النور هو نور محمّد9 لان النور في قوله تعالي اللّه نور السموات و الارض مثل نوره كمشكوة هو محمّد9 كمادلّت عليه الروايات الكثيرة و ظهر ذلك النور في العرش الذي هو محدّد الجهات و منه ظهر في الشمس و هي تربّي المواد اي مواد الاجسام و حقايقها و لذا يري فيها الانوار الاربعة اذا نظرت اليها في البلّور او تحت حجاب اسود و هو دليل علي انها مثال العرش و صفته و دليله و وجهه لان العرش مركبة من اربعة انوار كما ورد عن اميرالمؤمنين7 و عن علي بن الحسين8 فيقتضي ان‏تكون الشمس ظاهر النبي9 لان النبوة مقام الوحدة و الاجمال و البساطة و الكلية و لذا يعبّرون عنها بالشمس فظهر ان النور الذي هو مادة الاشياء من المؤمنين و عكسه و ظلّه مادتها من الكافرين هو نور محمّد9 و يؤيّد ذلك قوله9 انا و علي ابوا هذه الامة و هو قوله7 ابوه النور فنور النبي9 هو العلة المادية للاشياء كلها و نور علي7 هو العلة الصورية لانه7 هو الرحمة الواسعة التي ظاهرها من قبله العذاب و باطنها الرحمة المكتوبة و هو باب المدينة قال تعالي فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فاصل وجود الشي‏ء متقوّم بمادته و صورته و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 327 *»

هما قدعرفت انهما من فاضل نور محمّد و علي8 و كل الاحوال و الامدادات و الصفات انما هي متقوّمة بهما و متفرّعة عنهما اي المادة و الصورة و قددلّت الايات و الروايات علي ان اللّه سبحانه و تعالي اتخذهم اعضاداً لخلقه كمايشير اليه مفهوم قوله تعالي مااشهدتم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم و ماكنت متخذ المضلين عضداً فاشار الي انه سبحانه اتّخذ الهادين عضداً و صرّح بهذا المفهوم مولينا الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه في دعاء رجب اعضاد و اشهاد و مناة و اذواد فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت فرسول‏اللّه9 هو العضد القوي للخلق لانّ مواد كل الموجودات من مسلمي اهل التكوين من نوره و ذلك النور الواحد قدتشعّب بالشعب الكثيرة ظهر بتلك الشعب جهات الشي‏ء و مداركه و احساسه و قواه و حيوته فصار الشخص بذلك سميعاً بصيراً كاملاً لان اللّه سبحانه خلق من نور محمّد9 ياقوتة حمراء فنظر اليها بنظر الهيبة فذابت و صارت بحراً واحداً فخلق من زبده الارض و من بخاره السموات و السموات كانت رتقاً ففتقها الي سبع سموات و عرش و كرسي فجعلها مداراً للموجدات فكل موجود من الموجودات لم‏يظهر في الوجود الاّ مصاحباً لقبضة من السموات و الارض و العرش و الكرسي و لمّا كانت تلك المراتب كلها في الانسان ظاهرة مشروحة نقول انّ فؤاد الانسان المؤمن قطرة من شجرة المزن الواقعة تحت العرش الاكبر جنان الصاقورة التي خلقت و وجدت من فاضل نور محمّد9 و قلبه خلق من العرش الثالث الذي هو من شعاع الملئكة العالين الذي هم خدّام محمّد9و الائمة و صدره خلق من الكرسي و عقله و دماغه خلق من الفلك السابع و علمه خلق من الفلك السادس و وهمه خلق من الفلك الخامس و وجوده اي مادته الثانوية خلق من الفلك الرابع و خياله خلق من الفلك الثالث و فكره خلق من الفلك الثاني و حيوته خلقت من الفلك الاول و جسده خلق من الارض فتمّت قوي الشي‏ء و جهاته و اعتباراته باتمام هذه المراتب و موادها كلها من شعاع نور محمّد9 .

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 328 *»

و لمّا قلنا مواد الموجودات كلها من نوره9 فلا بأس ان‏نشير الي تمايز المواد في كل مرتبة علي ماذكره شيخنا اطال اللّه بقاءه في «شرح الفوائد» فنقول هي في عالم العقول نور مجرد عن المادة العنصرية و المدة الزمانية و الصورة الجوهرية و المثالية و في الارواح نور مجرد عن المادة العنصرية و المدة الزمانية و الصورة النفسية و في النفوس كذلك الاّ انه ليس مجرداً عن الصورة الجوهرية و في الطبيعة نور احمر بسيط ذائب مجرد عن متممات قوابل الاجسام و عن المواد العنصرية و في جوهر الهباء اي المواد المجردة عن الصورة المثالية نور منعقد لم‏تلزمه الصور المثالية و في المثال ابدان نورانية لا ارواح لها اي ليس لها مواد جوهرية و لا جسمانية و في الاجسام و الزمان و المكان انوار منعقدة لزمتها صورها و مدد مقدرة و فراغات محدودة و في العناصر طبايع متزاوجة و في المعادن اصول من لطائف العناصر متألّفة و في النباتات لطائف اغذية نامية و في الحيوانات شعلات فلكية حسّاسة و في الصفات هيئات ذاتية و حركات فعلية و صور ظلية و امثال ذلك هكذا نصر اللّه سبحانه به المسلمين حيث خلقهم من اعلي علّيين و كتب في قلوبهم الايمان باملاء محمّد9 و كتابة علي7 و شرح صدورهم للاسلام بالتمسك بمتابعة خاتم‏النبيين9 و اعطاهم حسن الصورة و صفاء الطوية بقبول التوحيد الواصل اليهم من سيدالمرسلين و منحهم عزّ الدارين بمتابعته9 في الدين و شرّفهم بالعلم و المعرفة لسلوكهم سبيل محمّد9 باليقين و طيب مولدهم و مسكنهم و مضجعهم لاهتدائهم به الي الحق المبين و مابلغ احد مرتبة و مقاماً و درجة و قرباً و مكانة عند اللّه الاّ به9 من الاولين و الاخرين فان الانبياء و الملئكة به و باله اهتدوا و هدوا الي اللّه بحسن اليقين و عنه اخذوا معالم‏الدين لانه9كان نبيّاً و ادم بين الماء و الطين.

و اما الكفار فهم ايضاً به9 تأصّلوا و بظلّ نوره تذوّتوا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 329 *»

ألاتري السراج فان النور و الظل متقوّمان به يمدّ النور بالنور و يمدّ الظلمة (الظلّ خ‏ل) بالظلمة قال تعالي كلاًّ نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظوراً و ذلك العطاء و حامل ظهور المعطي هو محمّد9 بعلي7 لان اللّه سبحانه لمّا اراد ان‏يخلق الكافر خلق فؤاده و حقيقته من الماء المهين من شجرة الزقّوم التي تخرج في اصل الجحيم طلعها كأنّه رؤس الشياطين تنبت في سجّين طينة خبال ارض الجحيم اصلها لا علي قرار فاوّل نبات ورقها تحت الثري الذي لايعلمه الاّ اللّه و تتمّ تلك القطرة في الثري فيتصلصل قطرها في الطمطام و يتصاعد كالابخرة بين معرك تلك المركبات الخبيثات فيأخذ في ادبارها صاعدة لتلاطم امواج بحور تلك المركّبات الي ان‏تصل الي الحوت الذي علي البحر فخلق منه قلبه و ذلك الحوت ظلّ العرش و عكسه و ضده متقوّم به كتقوّم الظلمة بالنور ثم الي الثور الذي هو ظلّ الكرسي فخلق اللّه بمحمد9و علي7 صدره ثم الي الارض السابعة القصوي ارض الشقاوة ظل الفلك السابع فخلق منها دماغه ثم الي الارض السادسة ارض الالحاد فخلق منها علمه اي جهله المركّب ثم الي الارض الخامسة ارض الطغيان فخلق منها وهمه ثم الي الارض الرابعة ارض الشهوة خلق منها وجوده ثم الي الارض الثالثة ارض الطبع خلق منها خياله ثم الي الارض الثانية ارض العادة خلق منها فكره ثم الي الارض الاولي ارض النفوس و ارض الممات خلق منها جسده و خلق من السماء الدنيا حيوته و هذه المراتب كلها متقوّمة بتلك المراتب المتقدّمة و تلك المراتب و مقتضياتها كلها متقوّمة بمحمد و اله: فانتهت المراتب كلها اليه9 فالعالم و الاكوان كلها قدنصـرها اللّه سبحانه به9.

و انما خصّ7 المسلمين بها لان النصرة اعانة و امداد و لايستحقها الكفار و فيهم (مافيهم خ‏ل) تخلية و خذلان مع انه7 اشار بالكناية فان خذلان الكفار و تعذيبهم في النار تابع لنصرة الابرار و تنعيمهم في دار القرار فذكر الاصل المتبوع المقصود لذاته و ترك المقصود بالعرض لسرّ نسوا اللّه فنسيهم فافهم راشداً موفّقاً مؤيّداً ان

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 330 *»

شاء اللّه.

و في مقامات النصرة و بيانها و كيفيتها و مراتبها و درجاتها كلمات كثيرة اغلبها لم‏اعـط لها عبارة و منها مالايجوز بيانه لانّه يعسر برهانه و منها ما لايتحمله العقول فطويتها لقوله7 لاتتكلم بماتسارع العقول في انكاره و ان كان عندك اعتذاره.

ثم ان ماذكرنا هنا كلها مستخرجة و مستنبطة من كلام اللّه و احاديث اهل‏البيت:محكماتها (محكماتهما خ‏ل) فان وجدت بعض الاخبار تعارض بظاهرها (بظاهره خ‏ل) ماذكرنا فاعلم انه لا تعارض فيه بوجه و انما هو بيان مقاماتهم:حسب ترقياتهم في القوس الصعودي و ظهور تنزلاتهم في النزولي كل ذلك حسب افهام السائلين و المخاطبين و في كل ذلك اشارة للعارفين الي ماكتبنا من الحق اليقين فلو اردت اتعرّض لبيان هذه الامور الجزئية لطال علينا الكلام و لا محصّل فيه الاّ للعوام و ليس وضع هذا الشرح لهم و انما هو للعارفين البالغين و حظّ العوام في هذا التسليم و القبول والاّ فقدانكـر قدرة اللّه في اوليائه كماقال اميرالمؤمنين7 في حديث المعرفة بالنورانية.

قوله7 و اظهر به الدين و هو المعرفة و شئوناتها و احوالها و صفاتها و مقتضياتها في قوله عزّوجلّ كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف فمحبته سبحانه للايجاد اظهار دينه المشتمل علي ظهور الوهيته المقتضية لتوجه الخلق بصدق العبودية اليه سبحانه و تعالي كماقال عزّوجلّ و ماخلقت الجن و الانس الاّ ليعبدون فالمعرفة و العلم هي العبادة و العبادة هي العلم و المعرفة فان المعرفة عمل الفؤاد و اليقين و الاعتقاد عمل القلب و العلم عمل الصدر و النفس و الصلوة و الصوم (الصيام خ‏ل) و الحج و الجهاد و باقي العبادات هي عمل الجسد فمعرفة الجسد و البدن للّه سبحانه ليست الاّ فعل تلك العبادة (العبادات خ‏ل) كما ان معرفة القلب ليس (ليست ظ) الاّ ثبوت ذلك الاعتقاد و معرفة الفؤاد ليست الاّ الاقبال و التوجه بغير كيف فالعلم عمل و العمل علم و الدين هو جامع هذا العلم و العمل قال عزّوجلّ ان الدين عند اللّه الاسلام.

و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 331 *»

الاسلام ينقسم الي قسمين تكويني و تشريعي و كلاهما علي قسمين مقتضي المشية الحتمية و مقتضي المشية العزمية ففي مقتضي المشية الحتمية لايقابله الكفر و لايقبل الكفر و لايتطرّق اليه ابداً بوجه من الوجوه و هو قوله7 لايخالف شي‏ء منها محبتك و قوله7 كلهم صائرون الي حكمك و امورهم ائلة الي امرك و اما مقتضي المشية العزمية فيقابله الكفر فحينئذ ينقسم الكفر كالاسلام علي قسمين كفر تكويني و كفر تشريعي و اما الاسلام فقدقـال مولينا اميرالمؤمنين7 في بيانه و تفسيره و نسبته كما في الكافي عنه7 انه قال لانسبنّ الاسلام نسبة لم‏ينسبه احد قبلي و لاينسبه احد بعدي الاّ بمثل ذلك ان الاسلام هو التسليم و التسليم هو اليقين و اليقين هو التصديق و التصديق هو الاقرار و الاقرار هو العمل و العمل هو الاداء ان المؤمن لم‏يأخذ دينه من رأيه ولكن اتاه من ربه فاخذه فان المؤمن يري يقينه في عمله و الكافر يري انكاره في عمله فوالذي نفسي بيده ماعرفوا امرهم فاعتبروا انكار الكافرين و المنافقين باعمالهم الخبيثة و فيه عن ابي‏عبداللّه7 قال قال رسول‏اللّه9 الاسلام عريان فلباسه الحياء و زينته الوفاء و مروّته العمل الصالح و عماده الورع و لكل شي‏ء اساس و اساس الاسلام حبّنا اهل‏البيت و فيه عن عبدالعظيم الحسني عن ابي‏جعفر الثاني عن ابيه عن جدّه صلوات اللّه عليهم قال قال اميرالمؤمنين7 قال رسول‏اللّه9 ان اللّه خلق الاسلام فجعل له عرصة و جعل له نوراً و جعل له حصناً و جعل له ناصراً فاما عرصته فالقرءان و اما نوره فالحكمة و اما حصنه فالمعروف و اما انصاره فانا و اهل بيتي و شيعتنا فاحبوا اهل بيتي و شيعتهم و انصارهم و انه لمّا اسري بي الي السماء الدنيا فنسبني جبرئيل7 لاهل السماء استودع اللّه حبّي و حبّ اهل بيتي و شيعتهم في قلوب الملئكة فهو عندهم وديعة الي يوم القيمة ثم هبط الي الارض فنسبني لاهل الارض فاستودع اللّه حبّي و حبّ اهل بيتي و شيعتهم في قلوب مؤمني امتي فمؤمنوا امّتي يحفظون وديعتي الي يوم القيمة الا فلو ان الرجل من امّتي عبد اللّه عزّو

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 332 *»

جلّ عمره ايام الدنيا ثم لقي اللّه عزّوجلّ مبغضاً لاهل بيتي و شيعتي مافرّج اللّه صدره الاّ عن نفاق.

و هذا الاسلام و فروعه و شعبه و احواله و اقتضاءاته هو الدين الخالص للّه عزّوجلّ و الدين هو الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات و الارض كما ورد عنهم:و هذا الماء هو بحر الصاد الذي ظهر من العين المستنطق من الكاف و الهاء و الياء و العين هو العرش المحمول علي الماء و هذا الماء هو بحر المحبة في قوله تعالي فاحببت ان‏اعرف و هذه المحبة الالهية اي محبته للخلق و محبة الخلق له سبحانه لمّا ظهرت و انبسطت في مرايا القوابل اقتضت انحاء الشرعيات من الاعتقاديات و العمليات و كلها عين حقيقة المحبة و الدين هو عين الماء الذي هو عين المحبة التي قدتشعّبت في كل عالم بطور و نهج و المئال الي واحد و جميع مراتب تلك المحبة بانواعها و اقسامها ماظهرت مفصّلة الاّ في محمّد و اهل بيته الطاهرين صلّي اللّه عليهم اجمعين فهم الصلوة و هم الزكوة و هم حجّ بيت‏اللّه و هم بيت‏اللّه و هم صوم شهر رمضان و هم شهر رمضان وهكذا باقي العبادات و هذه العبارات المنتشرة بين كافّة الخلق من الانبياء و اممهم الي هذه الامة الي يوم القيمة كلها فروع لتلك العبادات التي هي دين اللّه و دين اللّه هو الاسلام و الاسلام اسم محمّد9 فان زبر الاسلام يطابق (تطابق خ‏ل) بيّنات محمّد9 و البينات اسم للزبر و الزبر هو المسمي فحقيقة الاسلام اسم و صفة لمحمّد9 كما ان حقيقة الايمان اسم و صفة لعلي7 لان زبره عين بيناته7 و لذا نسب الاسلام الي محمد9 في قوله7 نصر اللّه به المسلمين.

و لمّا كان من هذه الصفة يظهر ان كل من اقرّ بنبوة محمّد9 هو المسلم و ان لم‏يقرّ بولاية علي7 فانه هناك مؤمن مع ان الاقرارين متساوقان و متساويان لاينفكّ احدهما عن الاخر رفع الحق سبحانه هذه الشبهة و نسخ هذا الالقاء من الشيطان بقوله الحق الا للّه الدين الخالص و قوله فاعبدوه مخلصين له الدين و قوله تعالي و ماامروا الاّ ليعبدوا اللّه مخلصين له

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 333 *»

الدين بعد ماقال عزّوجلّ ان الدين عند اللّه الاسلام فارتفعت الواهمة فان الاسلام الخالص الذي هو الدين الخالص لايكون و لايتحقق الاّ بالاقرار بولاية اميرالمؤمنين7 فالايمان و الاسلام مقترنان متّفقان بل متّحدان لايفارق احدهما عن الاخر نعم قديجري في الحكم الظاهري اثبات الفرق توسعة للمكلّفين و ابقاء لهذا السدّ و جرياً علي حكم اللّه في التكوين فان اللّه سبحانه قدخلـق بعض الكلاب و الخنازير و القرد في الباطن علي الصورة الانسانية للاقرار الظاهري الكذب و اما اذا عادت الاشياء الي مباديها ترجع الاغلاط و الاخلاط كلها الي اصولها و مباديها فالدين هو الاسلام و الاسلام هو الايمان و الايمان هو الاخلاص و الاخلاص هو التوحيد و التوحيد اثبات الهوية و محو الاغيار و كمال التوحيد نفي الصفات و نفي الصفات يستلزم ظهور الهاء في «هو» بنفي الواو و ظهور الهاء لايكون الاّ في ذلك الماء الذي كان العرش عليه الذي هو الدين فرجع الامر دوريّاً و اتصل الاول بالاخر و الاخر بالاول و القبل بالبعد و البعد بالقبل فارتفعت الاولية و الاخرية و الظاهرية و الباطنية و القبلية و البعدية.

و هذا الدين ماظهر في اكوار الوجود و ادواره و اطواره الاّ بمحمّد و اله9فكل‏ما في الوجود علي دين محمّد9 و منه اخذوا و اليه استندوا في كل مقام من مقاماتهم و مرتبة من مراتبهم و درجة من درجاتهم في التكوين و التشريع الي ما لا نهاية له الاّ ان هذا الدين علي قسمين: قسم علي مقتضي الهياكل الانسانية و في كل درجاتها و مقاماتها و ترقياتها و تنزلاتها الي مقامات اجسامها و اعراضها و قراناتها و امثالها الغيرالمشوبة بشي‏ء من مقتضيات الهياكل الشيطانية و قسم علي مقتضي المزج و الشوب بين الهيكلين و عدم بقاء واحدة منهما علي صرافتهما اذ حين الصرافة في الثانية و عدم ذكر الاولي تقتضي اعدام الكون و افناء الوجود و اضمحلال العالم لان العالم لايدور علي الباطل لانه مجتثّ لا اصل له فلايصلح للقطبية الدائمة الباقية و في صورة الصرافة في الاولي تنزل السماء بركتها و تخرج

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 334 *»

الارض نباتها و عشبها و يستدير الزمان كهيئة يوم خلق اللّه السموات و الارض و في صورة المزج لايصحّ الابطال لوجود الحق و لايصحّ الاعطاء الكامل لوجود الباطل فالشريعة و الطريقة و الحكم تتغيّر في الموضوع لان المراد ابقاء الهياكل الانسانية عند المزج خاصة فاذا توقّف هذا الابقاء علي اجراء بعض مقتضيات الهياكل الشيطانية وجب اجراؤه لبقاء تلك الهياكل الطيّبة و صوناً لها عن التلف المستلزم لخراب الكون و الوجود فان اللّه سبحانه خلق الخلق ليبقيهم لا ليهلكهم. الاتري تعاقب الليل و النهار و تقدّم الليل علي النهار و تقدم الظلمة علي النور مع ان الظلمة متقوّمة بالنور و الليل متقوّم بالنهار و النهار متأصّل في الايجاد و الوجود و وجود العقاقير المرّة المنتنة و السموم القاتلة و غيرها و الحيوانات الموذية و غير ذلك كل ذلك لبقاء النوع الانساني و النور الالهي لان اللّه سبحانه ابي ان‏يجري الامور الاّ بالاسباب والاّ فهو سبحانه فعّال لمايشاء لا رادّ لقضائه و لا مانع لحكمه و الاصل في ذلك ان اللّه سبحانه لمّا خلق العقل من الماء العذب الفرات نورانيّاً و هو اول خلق من الروحانيين عن يمين العرش ثم قال له ادبر فادبر فنزل في ادباره الي عالم الاجسام مظهر اسم اللّه المميت فخلق الجهل من الماء المالح الاجاج ظلمانياً ثم قال له ادبر فادبر و اخذ في ادباره صاعداً الي الطمطام الي السجين الي جهنم الي نار السموم الي الريح العقيم الي الماء المالح الاجاج الي الحوت الي الثور الي الارضين الي ارض الدنيا التي هي بازاء سماء الدنيا فمزج اثار العقل و الجهل في هذه الارض في نقطة الالتقاء فصارت احكام احدهما سرت و جرت في الاخر فانكسرت سورة نورانية العقل و ظلمانية الجهل في هذا العالم فاقتضي الاختلاف و تعاقب الليل و النهار و امتزاج الحلو و المرّ و السمّ و الترياق و اختلفت الامزجة و خرجت عن الاعتدال فطائفة غلبت عليهم الصفراء و الاخري البلغم و الاخري الدم و الاخري السوداء او المركّب عن احديهما مع الاخري.

و لمّا كانت القوي و المشاعر الروحانية تظهر في الاجسام علي مقتضي حكم الابدان و الاجسام فاختلفت الميولات و الشهوات و المدارك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 335 *»

و الافهام و الاهوية و غير ذلك فاقتضت اختلاف الاديان و الملل و اختلاف الاراء و الاهواء في كل ملة و اختلاف المذاقات في الردّ و القبول و الجرح و التعديل و وجوب التقية و الكذب علي اللّه و رسوله عند الضرورة و الحاجة و القول بغير العلم و العمل بمجرد الظن و في بعض المواضع لمحض الشك و كل ذلك من دين اللّه الذي انزله علي رسوله و نبيّه9فيجريها علي مقتضي القوابل و الاقتضاءات من الانسانية و الشيطانية من احكام النسخ و البداء و ذكر المتشابهات من المجملات و المطلقات و العمومات و غير ذلك من ساير الاضافات و الاوضاع و القرانات الي ان‏تفترق النقطتان و يتمايز البحران و يبطل المزجان فتذهب النقطة الظلمانية نازلة الي اسفل السافلين و النقطة النورانية صاعدة الي اعلي علّيّين فيعود الاحكام الي الصرافة الالهية و يخلص الدين للّه لمقتضي الهياكل الانسانية و تلحق الاحكام الشيطانية باصلها و مبدئها و اول مقام التمايز عند خروج مولينا القائم عجّل اللّه فرجه و سهّل مخرجه و جعلني اللّه فداه و صلّي اللّه عليه و علي ابائه الهداة و كمال التمايز الدنياوية في اخر الرجعات بعد قتل ابليس و طهارة الارض عن كل رجس و نجس و خبث في عالم التشريع و كمال التمايز في العالمين عالم التشريع و عالم التكوين في القيمة فينقطع الليل و كل مالاتهوي الانفس و تعود العود كالبدء ذلك تقدير العزيز العليم.

فدين اللّه سبحانه و تعالي واحد هو محمّد9 و الحكم الجاري علي المخلوقات هو من فروعه و شعاعه9 يجري في الموضوعات جريان الماء النازل من السماء في عروق النباتات فيتكيّف بكيفية ذلك النبات علي حسب تلك الارض فمنه نبات طيّب و منه نبات مرّ منتن.

كقطر الماء في الاصداف درّ و في بطن الافاعي صار سمّا

قال اللّه عزّوجلّ ان اللّه لايغيّر مابقوم حتي يغيّروا ما بانفسهم و اذا اراد اللّه بقوم سوء فلا مردّ له و ما لهم من اللّه من والٍ فكل الاديان دينه و كل الشرايع شريعته و كل الملل ملّته و هو واحد يجري فيها كجريان الماء في النبات كما مـرّ انفاً

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 336 *»

فحقّها من موافقته و متابعته و باطلها من خذلانه لتقوية الحق و تسديده و تأييده كل شي‏ء عنده بمقدار و قدقـال اللّه عزّوجلّ و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلّبهم ذات اليمين و ذات الشمال و الصيغة اما متكلم معه غيره او معظّم لنفسه و ليس مع اللّه و عنده الاّ محمّد و اهل بيته الطاهرون الطيّبون صلّي اللّه عليهم اجمعين لقوله تعالي و له من في السموات و من في الارض و من عنده لايستكبرون عن عبادته الاية قال مولينا الصادق7 الذين في السموات هم الملائكة و الذين في الارض هم الجن و الانس و نحن الذين عنده و قال7 لنا مع اللّه حالات الحديث و ليست عظمة اللّه الظاهرة في المخلوقين الاّ محمّد و اهل بيته صلّي اللّه عليه و عليهم كما في الدعاء و بعظمتك التي ملأت كل شي‏ء و قال الحجة عجل اللّه فرجه في دعاء رجب فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت فعلي كلا التقديرين فالضمير في نقلبّهم ذات اليمين و ذات الشمال يرجع اليهم كماقالوا: ان الينا اياب هذا الخلق ثمّ ان علينا حسابهم عن الباقر7 و قالوا: في قوله تعالي و كانوا باياتنا يجحدون، هي واللّه اياتنا و هي واللّه ولايتنا الحديث عن مولينا علي بن الحسين7 فافهم راشداً ماالقينا عليك من السرّ الحق و الكبريت الاحمر اذ ماتسمعه من غيرنا الاّ اذا ورد ماءنا و اكل زادنا و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم.

بقي هنا شي‏ء و هو قوله7 نصر به المسلمين فان قال قائل كيف نصر اللّه المسلمين به9 مع انهم في ذلّ شديد و محكومون للكفّار و يجري عليهم حكم الاغيار و يتّقون من الفجّار و يصدّقون الباطل و يكذّبون الحق خوفاً من الاشرار مع ماهم عليه من عدم التصفية و التزكية و شيوع المعاصي عندهم و خيانة الامانات و كسالتهم في الطاعات و قعودهم عن الخيرات و اشتغالهم بالشهوات و توغّلهم في الكدورات و ليس ذلك الاّ لتمكن المخالفين فيهم و اصابتهم من لطخهم.

قلنا ان جواب ماذكر يعرف مماذكرنا لان ذلك كله انما هو لبقاء كينونتهم و حفظ ذواتهم و انّيّتهم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 337 *»

ولو لم‏تكن معهم نسبة مع الكفار و الفجار و هم اهل الغلبة لاخذوا برقابهم و لاهلكوهم عن اخرهم و هذه الامور كلها نصرة لهم كالطبيب الذي يسقي المريض شراباً مرّاً و ليس ذلك الاّ لنصرته لا لعداوته و هو كمافعـل الخضر7 من خرق السفينة و قال اردت ان اعيبها و كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً و ذلك الملك الجائر المسلّط الكافر هو مخالفونا فانهم في الظاهر اكثر منّا مالاً و اعزّ نفراً و لايحسبنّ الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثماً و لهم عذاب مهين قال مولينا الصادق7 لعبيد بن زرارة حين لعن اباه زرارة قال7 اني اردت بذلك مااراد اللّه حكاية عن الخضر فاردت ان اعيبها و كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً و انه لمن افضل السفن الجارية في اللجج الغامرة الي ان قال7 و لكل ذلك عندنا تصاريف و معانٍ توافق الحق ولو اذن لنا لعلمتم ان الحق في الذي امرناكم فردّوا الامر الينا و سلّموا لنا و اصبروا لاحكامنا و ارضوا بها و الذي فرّق بينكم هو راعيكم الذي استرعاه اللّه خلقه و هو اعرف بمصلحة غنمه في فساد امرها فان شاء فرّق بينها لتسلم ثم يجمع بينها لتسلم من فسادها و خوف عدوّها الحديث و هذا اختلاف الانظار و تعاقب الليل و النهار و ظهور الاشرار و الفجّار انما هو لنضج بنية المسلمين و استيهالهم لدوام اشراق الحق المبين و تخلّصهم عن شوب نسبة الشياطين و كل ذلك نصرة لهم قال عزّوجلّ في الحديث القدسي انّ من عبادي من لايصلحه الاّ الفقر فلو اغنيته لافسد عليه دينه و ان من عبادي من لايصلحه الاّ الغنا فلو افقرته لافسد عليه دينه و ان من عبادي من لايصلحه الاّ المرض فلو صحّحته لافسد عليه دينه و ان من عبادي من لايصلحه الاّ الصحة فلو اسقمته لافسد عليه دينه الحديث فافهم و تفهّم.

قوله7 صلّي اللّه عليه و اله الطاهرين لمّا ابان فضل محمّد و اله: بما لامزيد عليه و ذكر فيهم مما لاطاقة للعقول لتثبته و تحمله و ابان انّ بيدهم ملكوت السموات و الارض و عندهم مفاتح الغيب التي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 338 *»

لايعلمها الاّ اللّه و كل ماسوي اللّه مما اكتسي حلّة الوجود منهم و بهم و عنهم و اليهم و لهم لا تذوّت لهم الاّ بهم و كلّهم واقفون ببابهم لائذون بفقرهم بجنابهم و اليهم مردّهم و ايابهم و فيه رائحة من التفويض علي ظاهر مايعرفه العوام اراد7 ان‏يزول (يزيل ظ) هذه الشبهة و يرفع تلك الواهمة و يثبت الامر و يحقّق الحق و يبيّن انهم: لا تذوّت لهم الاّ باللّه و لا شيئيّة و لا تأصّل و لا حكم لهم الاّ بمدده و ليسوا شيئاً الاّ بفيض فضله و ظهور امره بان دعا لهم و سأل لهم من اللّه سبحانه المعونة و العطية ليعلم انهم ليسوا بمستقلّين و ليسوا ايضاً كالوكلاء بان اللّه سبحانه امرهم فهم يعملون و رفع يده عنهم كالسيد اذا اعطي عبده اربعة دنانير بان‏يشتري له من السوق الشي‏ء الفلاني فذهب العبد عنه فان هذا كفر و زندقة و خروج للحق سبحانه عن (من خ‏ل) السلطنة و لذا ورد النهي عن ذلك و كذّب مولينا الصادق7 من زعم انهم فاعلون بامر اللّه بل انما هم كالسراج بالنسبة الي النار و الي الاشعة فانّ نواصي الاشعة كلها بيد السراج و ليست شيئاً الاّ بالسراج و في كل احوالها متقوّمة بالسراج و متحصّلة عنه الاّ انه ليس شيئاً الاّ بالنار فلو قطعت النار مددها عنه لهلك و فني و بطل فهو لايزال مستمد (مستمداً خ‏ل) من النار و متقوّم (متقوماً خ‏ل) بها و مستمدّ (مستمداً خ‏ل) عنها فلا استقلال له بوجه فهو حين مايفيض الي الاشعة بيد النار بل السراج يد النار الباسطة بالانفاق علي الاشعة و اذنه الواعية و النار هي فعل اللّه سبحانه و تعالي و السراج مثال العقل الكلي المقبل المدبر و الدهن المكلّس البخاري اي الدخاني هو الحقيقة المحمّدية9 فحينئذ يتوجّه الدعاء لهم: و الاستمداد لهم من اللّه سبحانه كما امر بذلك بقوله الحق و قل ربّ زدني علماً فهم دائماً ابداً سرمداً في الاستزادة و الاستمداد من العلم فان الوجود علم و ما من اللّه سبحانه معرفة و ذلك العلم يتقدّر بتقدير العمل فالعلم من اللّه سبحانه و العمل من العبد باعانته و تسديده بل كلّ ذرة من الذرات لمّا كانت علي مثال مباديها و جواهر اوائل عللها جري فيها حكم الاستزادة الدائمة فلا وقوف للفيض و لا تعطيل للمدد كماقـال عزّوجلّ في

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 339 *»

حديث الاسرار كلّما رفعت لهم علماً وضعت لهم حلماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية.

و انما اختار في مقام الدعاء الصلوة لانها الدعاء الكلي لانها صورة ولايتهم التي هي هيكل التوحيد التي هي عين الفقر الي اللّه سبحانه فانه لاينال مقام و لا مرتبة الاّ بالخلوص في الافتقار و كل من تمحّض في الفقر ظهر فيه نور الكبرياء بقدر تمحّضه فيه و الاستغناء عن الخلق و الاقبال بفقره و ذلّه الي الخالق قال تعالي انا عند المنكسرة قلوبهم و لذا قال9 الفقر فخري و به افتخر فاعظم الدعاء في حق المرء ان‏يشعره اللّه سبحانه فقره ثم يديمه عليه كماقال تعالي و اتل عليهم نبأ الذي اتيناه اياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنّه اخلد الي الارض و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث فاذا بقي الفقر و استدام و تخلّل في كل اجزائه و جزئياته يكون خليلاً فاذا غلب التخلّل بحيث كان عين الفقر كان حبيباً.

فالصلوة اما مشتقة من الوصل او من الصلة او من الصلوان فعلي الاول يكون المعني وصل اللّه حبله بحبلهم كماتقول اهدنا الصراط المستقيم و نوره بنورهم و حكمه بحكمهم و قوله بقولهم و ولايته بولايتهم بمعني ان‏يجعل حبله عين حبلهم كمافعـل تعالي كما قال تعالي و اعتصموا بحبل اللّه جميعاً و لاتفرّقوا و حبل اللّه هو التمسك بهم و بولايتهم و اقوالهم و افعالهم فانه حبل اللّه و سبيله و طريقه و دليله و يجعل نوره عين نورهم لا نور للّه سبحانه ظاهراً في الخلق سواهم قال مولينا علي بن الحسين8اخترعنا من نور ذاته هـ اي المخلوقة و قال تعالي اللّه نور السموات و الارض مثل نوره فالنور هو محمّد9 و هذه الاية لبيان مثل نور محمّد9 الذي هو عين نور اللّه الاتري انه ليس للنار نور ظاهر للاشعة الاّ السراج و يجعل حكمه تعالي عين حكمهم سلام الله عليهم كما قال مولينا الباقر7 اما المعاني فنحن معانيه و نحن علمه و نحن حكمه قال تعالي من يطع الرسول فقد اطاع اللّه، ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه يد اللّه فوق

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 340 *»

ايديهم و يجعل ولايته عين ولايتهم سلام اللّه عليهم كما قال تعالي هنالك الولاية للّه الحق و قال عزّوجلّ و مارميت اذ رميت ولكنّ اللّه رمي و (او خ‏ل) يجعل معرفته تعالي عين معرفتهم كما اشار اليه مولينا اميرالمؤمنين7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا علي المعني الثالث و قال الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه في دعاء رجب و بمقاماتك و علاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك الي ان قال7 فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت الم‏تر انّ لا اله الاّ اللّه اثناعشر حرفاً و الوجه اربعة عشر حرفاً وهكذا ساير احكام الربوبية فدعاؤه7 لهم بذلك الوصال و الاتصال ابقاء ذلك لهم فيما لايزال من الخلق و الصوغ الجديد قال عزّوجلّ أفعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد و كل شي‏ء دائم‏التجدّد في الصوغ و الكسر و لا غاية لهما علي مقتضي الحركة الجوهرية فالدعاء بان‏يصيغهم اللّه سبحانه في كل صوغة هكذا و يستمرّ لهم مقام الوصال الي ما لا نهاية له فلعمري لقد استجاب اللّه لهم هذا الدعاء فهم اهل الوصال دائماً في الدنيا و الاخرة و فيما لا نهاية له في التكوين و التشريع فهم الساكنون و هم المتحركون و هم المحرّكون و هم المتّصلون و هم المنفصلون فصل في عين الوصل و وصل في عين الفصل حركة في عين السكون و سكون في عين الحركة محرّكون في عين متحركيّتهم و متحرّكون في عين محرّكيّتهم قال مولينا الصادق7 من عرف الفصل من الوصل و الحركة من السكون فقد بلغ القرار في التوحيد و قد اشار الي هذه الدقيقة مولينا اميرالمؤمنين7 في خطبته كماذكـر غير مرّة اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و هذه القول اشارة الي جميع مراتب الوصل فان هذا الوصل له مراتب كثيرة يضيق صدري لبيانها و لايضيق لكتمانها.

و علي الثاني يكون المعني وهبهم اللّه تعالي و اعطاهم من كرمه و جوده و فضله مااغناهم عن كل ماسواه سبحانه من انحاء الشرايط و اللوازم و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 341 *»

المتمّمات و المكمّلات الذاتية في التكوين و التشريع و يكونوا بذلك في صقع الوجود المطلق و صار زيت قابليّتهم يكاد يضيئ ولو لم‏تمسسه نار فكانوا بذلك نور علي نور فيهدي اللّه لنوره من يشاء فاول من هداه الي ذلك النور بعد ماوهبهم و اكملهم الانبياء ثم الاوصياء ثم الانسان اي المؤمنين ثم الملئكة ثم الجن ثم البهائم ثم النبات ثم الجماد هذا في التكوين و كذلك في هذه المراتب في التشريع لكن لكل مرتبة في مراتب التشريع مقامات كثيرة يطول بذكرها الكلام.

و لكل رأيت منهم مقاما شرحه في الكلام ممايطول

و علي الثالث يكون المعني كمااشـار اليه7 في الحديث في المعراج الي ان قال يامحمّد9 لقد وطأت موطئاً ماوطـأه ملك مقرّب و لا نبي مرسل قف فان ربك يصلّي قال9 كيف يصلّي؟ قال يقول سبّوح قدّوس انا رب الملائكة و الروح هـ و هذه الصلوة بمعني الصلوان فيصل النبوة بالولاية و الولاية بالنبوة.

فلمّا استجاب اللّه سبحانه لهم هذا الدعاء بهذه المعاني الثلثة كانوا اولياء اللّه من العزّ و لمّا كان المحدث دائم‏التجدد و السيلان زمان بقائه هو عين زمان وجوده وجب علي كل الخلق ان‏يدعو لهم بالصلوة ليستقرّ الكون و ينتظم الوجود و الاّ لبطل و اختلّ لان نظام الوجود متقوّم بهم من حيث كونهم اولياء اللّه و ظهور المعاني الثلثة التي للصلوة فيهم و ليسوا الاّ هذه فلو فقد واحدة من هذه الثلثة لانعدم الوجود و فسد النظام و بطل القوام و لذا صلّي اللّه عليهم و امر الملئكة (ملائكته خ‏ل) بالصلوة عليهم و امر المؤمنين بذلك فقال عزّ من قائل ان اللّه و ملائكته يصلّون علي النبي ياايها الذين امنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليماً فاللّه سبحانه يعطيهم هذه الثلثة و الملئكة و المؤمنون يسألون اللّه اياها لهم و لذا (لهذا خ‏ل) خصّ الصلوة فافهم.

قال شيخنا اطال اللّه بقاءه: «معني اللّهم صلّ علي محمّد و ال‏محمّد ظاهراً بان‏نسأل اللّه تعالي لهم ان‏يرحمهم و ان‏يرحم بهم و ان يصلهم برحمته و ان‏يمدّهم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 342 *»

بمدده الذي استوي بها علي عرشه بجميع خلقه بهم من جميع رحمانيته التي غيبت العرش بظهوره لها عليه و باطناً بان‏يكون نريد من قولنا اللّهم صلّ علي محمّد و ال‏محمّد هو انّا نسألك يا ربّنا الصلوة عليهم اجابة لمااخذت علينا من العهد المؤكّد لهم بان‏نعبدك بحبّهم و بالقيام بحدود فروعهم و اوامرهم و نواهيهم التي ندبتهم بها الينا و ندبتنا الي اجابتهم في دعوتهم اليك في كل مادلّوا عليه كما اشار اليه موسي بن جعفر8 قال قال الصادق7 من صلّي علي النبي و اله فمعناه اني انا علي الميثاق و الوفاء الذي قبلت حين قوله الست بربكم هـ  رواه في مختصر بصائرالدرجات سعد الاشعري.»

الي ان قال سلمه اللّه تعالي: «معني هذا الباطن تعاهد منّا لما اخذ علينا من الميثاق لهم بالقيام بجميع التكاليف التي هي صورة ولايتهم و هياكلها و اداء منّا لتلك الامانة فقولنا اللّهم صلّ علي محمّد و ال‏محمد من ذلك و الطهارة من الحدث الاصغر و الاكبر الظاهرين و الباطنين من ذلك و الطهارة الترابية ايضاً من ذلك في مواضعها المشروعة و الصلوة بجميع اصنافها ظاهرة و باطنة من ذلك و الزكوة ظاهرة و باطنة من ذلك و الصيام ظاهراً و باطناً من ذلك و الحج و الجهاد و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و احكام اللّه في جميع ابواب الشريعة من ذلك و اداب اللّه في جميع فرائضه و سننه و مادعا اليه من معرفته بصفاته التي وصف بها نفسه لعباده و معرفة انبيائه و رسله و حججه و كتبه و ملائكته و اياته و امثاله و النظر في عجايب مصنوعاته في الافاق و في الانفس بل جميع ما للّه فيه رضي من اعتقاد و اجتهاد و عمل و قول و حال و فعل من احوال الدنيا و الاخرة من ذلك.» انتهي كلامه اعلي اللّه شأنه و طوّل عمره.

و الصلوة المعداة بعلي بمعني الصلوة المعداة باللام فلايرد الاعتراض المشهور من ان الصلوة بمعني الدعاء و الدعاء اذا عدّي بعلي يكون بمعني الضرر و هو خلاف المقصود و الصلوة هي الدعاء و هي هيئة العبادة المطلقة و اول ظهورها في مقام اياك نعبد و العبادة ليست الاّ الطلب الذي هو العمل الذي هو القابلية فكلّ‏ما في الوجود المطلق في عالم الفرق و الوجود المقيد كلّها

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 343 *»

طلب و استدعاء من اللّه سبحانه و كل هذه الطلبات صور و اوعية للفيوضات و الامدادات فكل عبادة دعاء حقيقةً لا مجازاً.

و لمّا كانت العبادات تختلف مراتبها و مقاماتها في الطلب و الدعوة كان اطلاق لفظ الصلوة و الدعاء عليها من باب التشكيك فالصلوة التي هي ذات الاركان دعاء حقيقة و الدعاء المعروف صلوة حقيقة و هي ذات الاركان ولكن تحقق الدعاء في الصلوة التي هي صورة الولاية باطن و عام في ذات الاركان و تحقق الصلوة في الدعاء المعروف باطن و خاص يعني ان معني الدعاء في ذات الاركان باطن و عام كمعني ذات الاركان في الدعاء المعروف الاّ انه خاص فكان المعني من مدلول لفظ الصلوة يوجد في ذات الاركان قويّاً شاملاً لكل خير و كل مطلب و في الدعاء ضعيفاً خاصاً ببعض الخير و المطلب فلذا كان الوضع فيها من باب التشكيك فافهم فان هذا الموضع ليس مقام استقصاء ثبوت الحقيقة الشرعية و فيما اشرنا اليه كفاية لاهل الدراية و تعيها اذن واعية.

قوله عليه الصلوة و السلام و اله الطاهرين اما الال فمستغن عن الكلام اذ لا كلام بين الفرقة المحقّة انهم الائمة المعصومون صلّي اللّه عليهم اي علي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي و محمّد و جعفر و موسي و علي و محمّد و علي و الحسن و الحجة الخلف القائم المنتظر صلّي اللّه عليهم اجمعين انما ذكرت اسماءهم الشريفة مع انهم في الظهور كالشمس في رابعة النهار في مقام الاعلان و الاظهار (الاسرار خ‏ل) تيمّناً و تبرّكاً و لما اجد فيه من الراحة لانه المسك ماكرّرته يتضوّع و انهم طاهرون من كل الاكدار اذ الاكدار من ملاحظة الاغيار و هم لم‏يزالوا و لايزالون عنداللّه و مع‏اللّه و عن‏اللّه و للّه و وجه‏اللّه فمن اين تلحقهم كدورة /و (زائد خ‏ل) لا في تكوينهم و ذواتهم و صفاتهم و ساير كينوناتهم و هم حقيقة الاستقامة و علي خلق عظيم و هو معني قوله تعالي انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهّركم تطهيراً فان ارادة اللّه هي عين فعله و ايجاده لقول الرضا7 و ارادته احداثه لا غير لانه لايروي و لايهمّ و لايفكّر و انما يقول للشي‏ء كن فيكون من غير لفظ و لا كيف لذلك لانه (كما انه خ‏ل) لا كيف له و ليس

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 344 *»

عند اللّه مستقبل و حال و ماض اذ ليس لربك زمان فكل ارادته واقعة.

فلمّا كانت الارادة في الازل الثاني اي في عالم السرمد كان المراد معها هناك لقوله7لاتكون الارادة الاّ و المراد معها و لمّا كان المراد اذهاب الرجس لمحض الصلاحية و الذكر لا للوجود و الكون فكانوا سلام اللّه عليهم في ذلك العالم في تلك الطبقة مطهّرين و منزّهين بتطهير اللّه و تقديسه و تنزيهه فكان وصف تطهير اللّه و تنزّهه و تقدّسه عن جميع الشوائب الامكانية لان اللّه سبحانه انما اراد تطهيرهم ليتّخذهم باباً و عضداً لخلقه و لمّا كان الباب مترجماً لا اصلاً و الظاهر من الترجمان هو الترجمة التي هي صفته و وصفه لكنّها حاملة لصفة الاصل و دليله الظاهرة في الترجمان الظاهر بالترجمة فحكم الترجمان حين الترجمة حال الاصل المترجم عنه لا فرق بينه و بينه الاّ انه وصفه و دليله و لذا كان الفاعل في «قام زيدٌ» مرفوعاً معمولاً للفعل مع انه مايتوجّه به الاّ الي الذات مع قطع النظر عن الفعل و لذا اشتهر عند الناس ان الفاعل اصل في الفعل (للفعل خ‏ل) مع انهم مجمعون ان الاصل في العمل هو الفعل و العامل اشرف من المعمول.

فلطهارتهم صلّي اللّه عليهم مقامات كثيرة: ففي مقام انما انا بشر مثلكم مطهّرون عن كل المعاصي و السيئات من المحرّمات و المكروهات من الظاهرية و الباطنية و الحقيقية و المجازية في مقام الشريعة و مقام الطريقة و مقام الحقيقة فلايلتفتون الي انفسهم و لا الي غيرهم عاملون بمقتضي قوله تعالي و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون و قوله عزّوجلّ و استقم كما امرت و شهد اللّه لهم بذلك حيث قال و له من في السموات و من في الارض و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و النهار لايفترون ثم مدحهم بذلك فقال كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالكتاب كلّه([3]) و الايمان الحقيقي هو الاقرار و الاقرار هو العمل و مما في الكتاب و استقم كما امرت و ما امر هو قوله تعالي فاعبدوا اللّه مخلصين له الدين فالذي يعصي ليس بمخلص و ليس بمؤمن لقوله عزّوجلّ بئس الاثم الفسوق بعد الايمان فجعل الايمان مقابل الفسق و الفسق هو

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 345 *»

العصيان حقيقة لان العاصي باي وجه كان ولو صغيرة يصدق عليه انه فسق عن امر ربه فحينئذ ماامن بالكتاب كلّه.

فلمّا طهّرهم اللّه سبحانه و هم تطهّروا و شهد لهم بذلك و مدحهم علي ذلك ثم الزم الخلق محبتهم و ولايتهم في قوله تعالي قل لااسألكم عليه اجراً الاّ المودّة في القربي و اللّه سبحانه لايأمر بمودّة العاصي حين مايعصي و فيه و ان كان اشارة الي الخلافة الاّ انها لاتظهر الاّ للخواصّ فصرّح بالامر في قوله الحق ياايها الذين امنوا اتقوا اللّه و كونوا مع الصادقين و كيف يكون العاصي صادقاً مع انه اخلف اللّه وعده حين اخذ عليه الميثاق عند قوله الست بربكم قالوا بلي فاقرّوا له بالوفاء و المعصية ليست من امر الرب و انما هي من امر الشيطان و قال7 من استمع الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان فالعاصي حين المعصية يعبد الشيطان فماصـدق في قوله بلـي يوم الست بربكم فاللّه سبحانه امر بالكون مع الصادقين الذين اوجب مودّتهم و هم ذووا القربي الذين هم اهل البيت الذين طهّرهم اللّه من الرجس و هذه الاية و ان كانت اصرح مماقبلها في اثبات ولايتهم و وجوب متابعتهم لاتيانه سبحانه بلفظ الامر الدالّ علي الوجوب لكنها ليست ناصّة تقطع حجة الخصم فاوضح الامر و صرّح بوجوب المتابعة في قوله عزّوجلّ اطيعوا اللّه و اطيعوا الرسول و اولي‏الامر منكم و الامر هو الامر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي تقدّم في الاية كنتـم الي ان قال تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر فتعيّن ان اولي‏الامر هم الصادقون الطاهرون.

ثم ابان الحق سبحانه عن عدد اولي‏الامر في قوله عزّوجلّ و من قوم موسي امة يهدون بالحق و به يعدلون و قطّعناهم اثنتي‏عشرة اسباطاً امماً و قال رسول‏اللّه9كلّ‏ما كان في الامم الماضية و القرون السالفة يكون في هذه الامّة حذو النعل بالنعل و القذّة بالقذّة و قال تعالي لتركبنّ طبقاً عن طبق و لن‏تجد لسنة اللّه تبديلاً فيكون القوم الهادون في امّة محمّد9 اثني‏عشر و يجب ان‏يكونوا اسباط الانبياء فانحصر اولوا الامر في

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 346 *»

ذوي‏القربي و هذه الاية و ان كانت صريحة في نفي المخالفين المدّعين للقرابة لعدم كونهم اسباطاً لكن فيه نوع خفاء يمكن ان‏يدلّسوا علي الجهّال فاظهر الامر سبحانه و تعالي لتعيين ذوي‏القربي لئلايدّعي كل من له نسبة مع رسول‏اللّه9 و ان كانت عرضية فقال سبحانه النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم و ازواجه امّهاتهم و اولوا الارحام بعضهم اولي ببعض في كتاب اللّه من المؤمنين و المهاجرين فهذه الاولوية ليست الاّ في الولاية التي اثبتها للنبي9 و الولاية هي الاولوية في التصرف لقوله اولي بهم من انفسهم فاخرج المهاجرين عن هذه الولاية اجمع و اثبت الامر في اولي‏الارحام فخصّص ذوي‏القربي بهم فبطل الذين كانوا متمسّكين بالقرابة السببية من المناكحة و المزاوجة ثم اولوا الارحام ايضاً مادخلوا كلّهم لقوله تعالي بعضهم اولي ببعض و الامر في‏الحقيقة و ان ظهر في هذا المقام لان اولي‏الارحام بعد رسول‏اللّه9 ماكان الاّ العباس و اميرالمؤمنين و العباس قدعـرف الخلق كلهم عدم استيهاله لهذا الامر و كذلك باقي بني‏هاشم لكن اللّه سبحانه تأكيداً للامر و اتماماً للحجة و اكمالاً للنعمة صرّح بالامر و نـصّ عليّاً7 بهذا (لهذا خ‏ل) الامر بما لايحتمل الخلاف لقوله تعالي هو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً و مااجتمع الصفتان الاّ في علي7لان العباس و غيره من بني‏هاشم و غيرهم كانوا نسباً و لم‏يكونوا صهراً و عثمان و ان كان صهراً علي ظاهر دعويهم لكنه لم‏يكن نسباً و ليس النسب و الصهر الاّ مولينا اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب7 فقوله تعالي جعله نسباً اشارة الي انه سبحانه جعله كذلك و اختصّه نبيّه9 فهو نسب واقعي الهي قدجعله اللّه لمحمّد9 وارثاً اذ ما كلّ نسب (نسيب خ‏ل) في الظاهر و اولي‏رحم هو نسب (نسيب خ‏ل) و اولي‏رحم في الباطن و الحقيقة و احكام النبوة و الولاية و المودّة الالهية للنسب (للنسيب خ‏ل) الواقعي الالهي (الاصلي خ‏ل) لا الظاهري الم‏تر الي قوله تعالي انه ليس من اهلك و حكم النجاة ماشمـل ابن‏نوح الشامل لكل اهله لانه ابنه في

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 347 *»

الظاهر و لم‏يكن ابنه في الباطن.

و لمّا شهد الحق سبحانه لعلي7 بالقرابة الواقعية و المناسبة الذاتية المجعولة من اللّه سبحانه و تعالي و لم‏يشهد لغيره علمنا انه لمزيّة عنده ليست لغيره فيكون هو المناسب لرسول‏اللّه9 دون غيره ثم بان‏زوّجه اللّه سبحانه ابنة محمّد9 فشهد لها بالطهارة و علوّ القدر و المقام اذ اللّه سبحانه مايختار للنبوة و الرسالة اهل الباطل و اهل المعصية مردة الشيطان و فعلة الطغيان و العصيان و انما يختار الطيّب الطاهر لانه سبحانه هو الطيب الطاهر الطيبات للطيبين و الخبيثات للخبيثين فماينسب الي اللّه سبحانه و تعالي يجب ان‏يكون اشرف و اولي و اطهر من كل احد مما لم‏ينسب الي اللّه سبحانه و تعالي.

فلمّا اختار محمّداً9 بالرسالة و النبوة علمنا ان ذلك لجليل شأنه عنده و عظيم (عظم خ‏ل) خطره لديه و كبر محله و قرب منزلته منه فلمّا اختار من بين المنتسبين اليه9 واحداً و اثبت له القرابة و النسب دون الاخرين علمنا ان ذلك ليس لمجرّد النسبة الظاهرية والاّ لكان لغواً بل لمناسبة حقيقية ذاتية ليست في غيره خصوصاً عند قوله تعالي خلق من الماء بشراً مع ان البشر كلهم خلقوا من التراب قال تعالي و من اياته ان خلقكم من تراب ثم اذا انتم بشر تنتشرون فلو كان المراد الماء الذي جزء العناصر (جزءاً للعناصر خ‏ل) فالكلّ كانوا مشتركين في هذا الحكم مع ان ذلك لايصحّ فان الحكم علي الجزء الغالب لا الجزء المغلوب و لذا شاع و ذاع ان الانسان خلق من التراب و الجن من النار و الملئكة من النور مع ان هذه الثلثة في الكل موجود.

و لايقال ان الملئكة خلقوا من النار او من التراب او الجن خلقوا من التراب او من النور او البشر خلقوا من النار او من النور او من الهواء فكذلك من الماء فتحقق ان اللّه سبحانه يريد في هذه الاية بيان حقيقة مناسبة هذا الخلق مع رسول‏اللّه9 و انه لايشبه غيره من اولي‏القربي و اهل النسب فانهم خلقوا من التراب اي من فاضل الجسد البشري و اما هذا الخلق7 فهو من الماء و الماء هو الذي به كل شي‏ء حي فهو مادة الحيوة و الخلق من هذه المادة اشارة الي وجودها و تحققها فيه والاّ لكان عبثاً يعني ان حيوته الابدية ذاتية فطرية الهية

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 348 *»

ليست كساير الخلق بالاكتساب و الاختلاط الترابي و انما هو حيوة صرف و نور بحت و الحيوة هي العلم و الايمان و التقوي و العمل الصالح و الطهارة و لذا كان الماء طهوراً لقوله عزّوجلّ أفمن كان ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس فجعل الجاهل و الكافر ميتاً لقوله كمن هو في الظلمات و هي السواد الذي طبعه بارد يابس الذي طبع الموت قال تعالي و مايستوي الاحياء و لا الاموات ان اللّه يسمع من يشاء و ما انت بمسمع من في القبور ان انت الاّ نذير.

فاذا اثبت الحق سبحانه انّ عليّاً7 هو مادة العلم و منشأه و حقيقته و فطر علي اليقين و التقوي في اصل خلقته بحسن قابليته و ان النبوة ليست حكم القالب البدني الترابي و انما هو حكم القالب البدني المائي الذي هو اثار رحمة اللّه يحيي بها اراضي القلوب الميتة و علي7 مناسبه في هذه الحقيقة فيرد الامر من المناسب الي المناسب لا المباين.

ثم لمّا اراد اللّه سبحانه اظهار ذوي القربي و حملة النبوة و الولاية جعل هذا الطيّب الطاهر المخلوق من الماء الذي هو نسيب رسول‏اللّه9 صهراً حقيقياً بان زوّجه ابنته الحقيقية التي لها مناسبة ذاتية مع ذلك البشر المخلوق من الماء فتكون هي ايضاً مخلوقة من الماء بحكم المناسبة فهي ايضاً عين العلم و معدنه و منبعه و ماكانت مخلوقة من الجسد البشري و انما هي مخلوقة من الماء الالهي الذي به حيوة كل شي‏ء حي نزل الي رسول‏اللّه9 فتولدت منه علي الواقع الحقيقي لا الظاهري المحض فلمّا قارن السعدان و التقي البحران اخرج اللّه سبحانه منهما اللؤلؤ و المرجان و هما الحسنان عليهما سلام اللّه الملك الديّان فورثا حكم اللّه و استودعا امر اللّه اذ من الطيّب و الطيّبة ابنة الطيّب مايظهر الاّ الطيّب فالمناسب للمناسب لرسول‏اللّه9مناسب له فذوواالقربي ولاة الامر يجب ان‏يكونوا من نسل هذين الطيبين الطاهرين و اليه اشار مولينا الحسين7 في يوم كربلاء الي ان قال7 :

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 349 *»

لا لشي‏ء كان منّي قبل ذا غير فخري بضياء الفرقدين
بعلي الخير من بعد النبي و النبي القرشي الوالدين
خيرة اللّه من الخلق ابي ثم امّي فانا ابن الخيرتين
فضة قد خلصت من ذهب فانا الفضّة و ابن الذهبين
من له جدّ كجدّي في الوري او كشيخي فانا بن القمرين
فاطم الزهراء امّي و ابي قاصم الكفر ببدر و حنين

الي اخر الابيات صلّي اللّه عليه و اله.

فكان ائمتنا سلام اللّه عليهم مأخوذين من تلك الصفوة و من تلاقي ذين البحرين المخرج منهما اللؤلؤ و المرجان فهم ليسوا من نسبة هذا التراب البشري المحض و انما هم من نسبة الماء الذي به كل شي‏ء حي و لمّا كان المعاند قديلبّس (تَلبّس خ‏ل) الامر علي بعض العوام المستضعفين علي ان السبط و الذرية انما هي من جهة الاب لا الامّ الاّ الجزئي علي ماقال شاعرهم:

بنونا بنوا ابنائنا و بناتنا بنوهنّ ابناء الرجال الاباعد

و الائمة سلام اللّه عليهم منسوبون الي رسول‏اللّه9 من جهة الامّ لا من جهة الاب فلايقال لهم ابن رسول‏اللّه الاّ مجازاً ابطل هذه الشبهة و رفع هذه الواهمة في سورة الانعام باثبات ان عيسي7 من ذرية نوح7 و لا ريب انه من جهة الامّ لا من جهة الاب.

و بالجملة براهين طهارتهم واضحة و حجج ولايتهم ظاهرة لاينكر طهارتهم الاّ خبيث‏المولد خبيث‏الذات خبيث‏الصفات خبيث‏الافعال المشرك المرتاب. اللّهم صلّ علي محمّد و ال‏محمّد و ثبّتنا علي دينك و دين نبيّك و لاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهّاب و هذا مقام طهارتهم صلّي اللّه عليهم في المقامات البشرية.

و اما طهارتهم في مقام الوجهية فممايقصـر الكلام لبيانها و يحسر اللسان لادائها اذ فيها مقام ارتياب الجهّال و فتنة اصحاب القيل و القال الاّ اني فيما مثّلت

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 350 *»

لك من امر الفاعل و معموليته للفعل و اشتقاقه منه و هيمنة الفعل عليه مع نسيان الفعل و عدمه عند وجود ذكر الفاعل يظهر المقصود فيظهر لك ان اقصي مقامات التنزيه و اعلي درجات التقديس بالنسبة الي الطبقة الانسانية ادني درجات تنزيه ال‏محمّد سلام اللّه عليهم و تقديسهم و ان اقصي مقامات تنزيه الانبياء و تطهيرهم الحق سبحانه عن كل ماسواه جزء من سبعين الف جزء من رأس الشعير من تنزيههم صلّي اللّه عليهم وهكذا و انا اذكر لك حديثاً تعرف منه ماذكرنا ظاهراً و باطناً ان وفقت لذلك.

روي الصدوق; باسانيده عن عبدالسلم بن صالح الهروي عن علي بن موسي الرضا7 عن ابائه عن علي بن ابي‏طالب7 قال قال رسول‏اللّه9 ماخلق اللّه خلقا افضل منّي و لا اكرم عليه منّي قال علي7 فقلت يا رسول‏اللّه انت افضل ام جبرئيل فقال9ياعلي ان اللّه تبارك و تعالي فضّل انبياءه المرسلين علي الملئكة المقرّبين و فضّلني علي جميع المرسلين و الفضل بعدي لك ياعلي و للائمة من بعدك و ان الملائكة لخدّامنا و خدّام محبّينا ياعلي الذين يحملون العرش و من حوله يسبّحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين امنوا بولايتنا ياعلي لولا نحن ماخلق اللّه ادم و لا حوّا و لا الجنة و لا النار و لا السماء و لا الارض فكيف لانكون افضل من الملئكة و قد سبقناهم الي معرفة ربنا و تسبيحه و تقديسه و تهليله و تمجيده لان اول ماخلق اللّه عزّوجلّ خلق ارواحنا فانطقنا بتوحيده و تمجيده ثم خلق الملئكة فلمّا شاهدوا ارواحنا نوراً واحداً استعظموا امرنا فسبحنا لتعلم الملئكة انا خلق مخلوقون و انه منزّه عن صفاتنا فسبّحت الملئكة بتسبيحنا و نزّهته عن صفاتنا فلمّا شاهدوا عظم شأننا هلّلنا لتعلم الملئكة ان لا اله الاّ اللّه و انّا عبيده و لسنا بالهة نحب ان‏نعبد معه او دونه فقالوا لا اله الاّ اللّه فلمّا شاهدوا كبر محلنا كبّرنا لتعلم الملئكة ان اللّه اكبر من ان‏ينال عظيم‏المحل الاّ به فلمّا شاهدوا ماجعله لنا من العزّ و القوة قلنا لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 351 *»

لتعلم الملئكة ان لا حول و لا قوة الاّ باللّه فلمّا شاهدوا ماانعم اللّه به علينا و اوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد للّه رب العالمين لتعلم الملئكة مايحقّ للّه تعالي ذكره علينا من الحمد علي نعمه فقالت الملئكة الحمد للّه فبنا اهتدوا الي معرفة توحيد اللّه و تسبيحه و تهليله و تحميده ثم ان اللّه تبارك و تعالي خلق ادم فاودعنا صلبه و امر الملئكة بالسجود له تعظيماً لنا و اكراماً و كان سجودهم للّه عبودية و لادم اكراماً و طاعة لكوننا في صلبه فكيف لانكون افضل من الملئكة و قد سجدوا لادم كلّهم اجمعون  هـ  تأمّل في هذا الحديث الذي ذكر رسول‏اللّه9 فانه تمام الامر لكنه لوّح9 لاهل التلويح الي ماذكرنا فان قوله9 قلنا لا اله الاّ اللّه الي اخره هو ماكتبوا في حقايقهم من وصف عدم تذوّتهم و هو الفاعل في «ضرب زيد عمراً» الذي هو معمول الفعل بل لايكون الفاعل الاّ معمول الفعل ابداً فتكون طهارتهم سلام‏اللّه عليهم هي طهارة اللّه و تقديسه فافهم راشداً موفقاً ان شاء اللّه تعالي.

قال7 : «ايها الناس انبيوا الي شيعتي و التزموا بيعتي و واظبوا علي الدين بحسن اليقين و تمسّكوا بوصي نبيّكم الذي به نجاتكم و بحبّه يوم الحشر منجاتكم.» لمّا وصف الحق سبحانه علي ماوصف اللّه سبحانه له علي قدر مانطيق و ندرك و نفهم اذا عرفنا انفسنا و وصلنا الي مقام ذواتنا و حقايقنا من بارئنا و مبدئنا و ادركنا بالعين التي جعلها اللّه سبحانه فينا لنشاهد بها جماله و جلاله و عزّه و قدسه و لمّا كان تلك العين لا نهاية لادراكها و لا غاية لمعرفتها و لا نفاد لامدها و لا انقطاع لمددها لانها ظهور من ظهورات الوجه الاعظم و اشراق من اشراقات النور الاقدم الذي لم‏يطرأ و لايطرأ عليه العدم و لاتزلّ له في توحيد الحق سبحانه قدم فهي لم‏تزل في الارتفاع و لاتزال في الوصل و الاتصال فاذا كان النهر منبعه ذلك البحر و الكلام مستمدّ من ذلك النور و السرّ فلاينقطع و لايتكرّر و ان ظهر الكلام و البيان بصورة الحدود لكنه متصلة بذلك البحر فدائماً يأتيه المدد و دائماً يتجدّد و مع‏ذلك كلّه لايتبيّن المراد

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 352 *»

لقصور الاستعداد فان مقام التعبير مقام الحدود و مقام التفهيم و التصوير مقام الكيف و النهاية ففهم ذلك العالم منقطع و ادراكه في مقام العبارة منعدم.

ثم ان مراتب الناس اهل الطبقة الانسانية مختلفة اذا بلغوا ذلك المقام و سمعوا ذلك الكلام من الملك العلاّم الذي هذه الخطبة الشريفة قدشرحـت خافيها و اظهرت مافيها لمن ورد ذلك المنهل و ادرك العلّ و النهل فكل احد من هؤلاء الاخيار يعرفون من تلك الاسرار المطوية في هذه الكلمات الشريفة علي مقدار ظهور ذلك النور الذي ظهر لهم من فاضل ظهور صاحب هذه الخطبة المباركة فابداً يترقّون و في بحر الترقي يسبحون فكلّما اشتدّت السباحة كثر ظهور اللئالي ثم لايلحقون قعره و لايبلغون قدره و بالجملة بابي هو و امّي كذلك وصف ربه لخلقه في توحّد ذاته و ظهور اسمائه و بروز صفاته و مواقع تجلياته و افعاله و اشراقات انواره و سطوع عظمته و جلاله و كيفية بدء مخلوقاته و استداراتهم علي اقطابهم و استدارات الاقطاب علي اقطابها و اقطاب اقطابها وهكذا الي ما لانهاية له علي حدّ قوله عزّوجلّ ليس لمحبتي غاية و لا نهاية.

ثم وصف اول ظهور (الظهور خ‏ل) التجلي الاول و التعين الاول و قطب دائرة الاكوار و الادوار من مبدء الوجود الي اخر نهايات ظهور المعبود مقام السفارة الحقيقية مبدء شكل (الشكل خ‏ل) المثلث ادم الاول و لذا كان المثلث احسن الاشكال و ابو الاشكال و هو شكل ادم النبي في كل مقام في كل ادم من الادميين الالف الف و لكل ادم حوّا و هي احد اضلاعه و هي الضلع الايسر و ظهر ببيانه9 ان الشكل المستدير هو وجه من وجوه المثلث الوجه الاعلي و الشكل المربع وجهه الاسفل كالاحد و الواحد الظاهرين من اللّه.

و لمّا كان هذه النقطة هي المحبة الاولية فلها استدارات تجمعها استدارتان استدارة علي الوجه الاعلي و هي بذاتها و كينونتها و هي استدارة ذاتية و حركة جوهرية و استدارة علي نفسها في اظهار شئونها و كمالاتها و مراتبها و درجاتها و مشاهدة ظهور الجلال و الجمال و الكبرياء و العظمة كالتدوير للكوكب بالنسبة الي الحامل و استدارة علي غيرها استدارة امداد و ايجاد و اظهار و ارشاد ففي الاستدارتين الاخيرتين

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 353 *»

لابدّ لها من ظهور في مقامات التفصيل عن مقام الاجمال و في الانبساط عن الوحدة المطلقة اذ بدون ذلك يمتنع الظهور لمراتبه السافلة او لاثاره النازلة و لمّا كان مقام الاجمال غير مقام التفصيل و مقام الانبساط ظاهرالدلالة واضح‏الحجة غير مقام الوحدة المحتجبة بشعاع نورها عن نواظر المخلوقين و كانت المراتب و المقامات و الاثار و روابط العلل بالمعلولات و الاسباب بالمسببات و اللوازم بالملزومات و الشرايط بالمشروطات و مظاهر القدر و القضاء و الاذن و الاجل و الكتاب و غيرها كلها منتسبة الي المقام الثاني لا المقام الاول فظهور الربوبية اذ لامربوب لايمكن الاّ في تلك النقطة التي هي الربوبية الثانية اذ لامربوب عيناً و اذ مربوب ذكراً و ظهور هذه الربوبية يمتنع الاّ في مقام تفصيل تلك الربوبية الثانية في عالم الظهور اي في مقام الربوبية اذ مربوب عيناً و كوناً و ذكراً فوجبت معرفة الربوبية الثالثة اولاً للتوصل الي الثانية للتوصل الي الاولي فمن لم‏يعرف الثالثة او انكرها فقدانكـر الثانية و جهلها و من انكر الثانية و جهلها فقد انكر الاولي و جهلها و من انكر الاولي و جهلها فهو كافر خارج عن ربقة المسلمين و مستحق للخلود الدائم في العذاب المقيم و عليه لعنة اللّه ابدالابدين و دهرالداهرين و لايزكيه اللّه و لاينظر اليه يوم القيمة و له عذاب عظيم.

و لمّا كان السافل جاهلاً في حدّ ذاته بل ليس شيئاً الاّ بظهور العالي له به فلايعرف و لايدرك شيئاً الاّ بوصف العالي و بيانه له و لمّا ان هذا البيان و الوصف ليس في مقام الذات البحت لانها صمد لايخرج منها شي‏ء و لايدخل فيها شي‏ء و ليس في مقام الربوبية الثانية لان فيها ذكر و اجمال و قدس و عزّة و وحدة و بساطة و البيان يقتضي بسطاً و كثرة و انتشاراً و دعوة و تفصيلاً و ظهوراً و ليس ذلك الاّ في مقام الربوبية الثالثة فوجب البيان في هذا المقام لعامة الخواص و العوام.

و لمّا كان اية الربوبية الاولي هي النقطة و هي الوحدة الاحدية المنزهة عن كل اقتران و انتساب و اية الربوبية الثانية هي الالف اللينية المائلة الي الالف القائمة بل اخر مراتبها الالف القائمة و اية الربوبية الثالثة في مقام الظهور هي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 354 *»

الالف المبسوطة التي هي الباء قال رسول‏اللّه9 علي مارواه ابن ابي‏جمهور الاحسائي في المجلي ظهرت الموجودات من باء بسم‏اللّه الرحمن الرحيم فان مقام الظهور و الانبساط متميّز الدرجات و المقامات في الباء و نسبة الباء الي الالف نسبة الكرسي الي العرش و نسبة الحروف الي المداد.

و لمّا كان رسول‏اللّه9 هو الواقف مقام الربوبية اذ لامربوب عيناً و اذ مربوب ذكراً و صلوحاً اي حامل ظهوراتها و اثارها و تجلياتها و مولينا علي7 هو حامل ظهورات الربوبية اذ مربوب ذكراً و عيناً و هو7 الواقف في هذا المقام قال7 و كل‏ما في البسملة في الباء و كل‏ما في الباء في النقطة و انا النقطة تحت الباء و هذه هي النقطة الظاهرة في الباء و نسبة هذه النقطة الي الباء نسبة الكرسي الي البروج و المنازل.

و لمّا كان مقام الربوبية الثانية ليس فيها الاّ محض التأدية الي الربوبية الثالثة و في مقام الربوبية الثالثة ينتشر الفيض و يتميّز و ينال كل احد نصيبه من الكتاب و يعطي كل ذي حـق حقه و يساق كل مخلوق الي رزقه ان خيراً و ان شرّاً و ان نوراً و ان ظلمة قال الله عزّوجلّ خطاباً لنبيه9 انما انت منذر و لكل قوم هادٍ و قال رسول‏اللّه9 انا المنذر و علي الهادي لان رسول‏اللّه9 صاحب المقام الثاني و مولينا عليّاً7 صاحب المقام الثالث.

و لماّ كان الاختلاف و الامتياز انما هو في المقام الثالث دون المقام الثاني فان فيه وحدة نوعية و في الثالث الوحدة الشخصية المستلزمة للكثرة الشخصية و كان رسول‏اللّه9 في الاول و علي7 في الثاني كمامـرّ انفاً قال رسول‏اللّه9 مااختلف في اللّه و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي و قال اللّه عزّوجلّ عمّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلاّ سيعلمون ثم كلاّ سيعلمون قال مولينا اميرالمؤمنين7 اي نبأ اعظم منّي.

و لمّا كان وصف اللّه نفسه لخلقه هدايته لهم الي مافيه صلاحهم و مافيه هلاكهم في كل مقام بمعني الاراءة في المشية العزمية و بمعني الايصال في

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 355 *»

المشية الحتمية و كان صاحب الهداية علي مانـصّ اللّه عزّوجلّ هو علي7 كان ذلك الوصف انما اتي اليهم به7 فرسول‏اللّه9 انما أدّي خطاب الست بربكم و محمّد نبيكم و علي وليّكم و الائمة من ولده و فاطمة الصديقة عليها و: اولياءكم عن اللّه سبحانه و مكّن قابلياتهم و اثبته في هويّاتهم و يسّر السبيل و سبّب التيسير لهم ليقولوا بلي او نعم علي7 فرسول‏اللّه9 هو المبلّغ و علي7 هو الكاتب المثبت بل هذه المبلّغية ماظهرت له9 الاّ بعلي7 فكان علي7 هو الواصف للخلق حدود الربوبية.

و لمّا كان الوصف وصفين حالي و مقالي و قد تحقق بالامرين كان علي7 هو مصوّر حقايق الخلق علي فطرة التوحيد عن اللّه عزّوجلّ كما كان مبيّن شريعته عن رسول‏اللّه9 عن اللّه عزّوجلّ كما ان اللّه لم‏يكن عاجزاً عن التأدية و التبليغ في التشريع كذلك لم‏يكن عاجزاً في التكوين تعالي عن ذلك كما انه جعل و اتخذ سبحانه رسلاً و سفراء في التبليغ التشريعي كذلك في التكويني لان الاختلاف في التدبير ليس من شأن الحكيم الخبير و قد اتّخذهم اللّه سبحانه لخلقه اعضاداً و وسايط في التكوين كما انه جعلهم و اتّخذهم في التشريع كما ان السفير و الواسطة في التشريع ليس مستقلاً كذلك في التكوين كما ان هنا ماينطق عن الهوي ان هو الاّ وحي يوحي كذلك هناك ماتري في خلق الرحمن من تفاوت.

و لمّا كان الايجاد لايكون الاّ في مقام الربوبية اذ مربوب عيناً و كوناً و لايصحّ ان‏يكون هذه الربوبية ذات اللّه عزّوجلّ اذ لاتعتور علي اللّه حالتان فتكون ربوبية اذ لامربوب و ربوبية اذ مربوب فتنقسم تلك الي العدم الكوني و الوجود الذكري و الوجود الكوني و الذكري معاً لان مختلف‏الاحوال محدث و لايصحّ ان‏تعرض تلك الحالتان ذاته سبحانه اذ نقول انهما حادثتان او قديمتان فان كانتا حادثتين تكون ذاته محلاًّ للحوادث و ان كانتا قديمتين تعدّدت القدماء مع انها لاتفرض و لاتتصور سيما في المقام.

فاذا صحّ حدوث تين الربوبيتين

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 356 *»

فنقول لايخلو انهما امران اعتباريان لا محصل لهما في الوجود الخارجي و ليسا الاّ فرض الذهن و التصور علي مايزعمون في الامور الاعتبارية ام لهما تأصّل في الوجود و تحقق في الشهود فان قلت بالاول نقول ان قوام الموجودات و اصولها انما نشأت من الربوبية فان الاشياء كلها ماسوي اللّه مربوبون و الاصل في المربوب هي الربوبية لانها مادة اشتقاقهم فاذا كانت الربوبية امراً اعتبارياً فالمربوب بالاعتبارية اولي و احري و احق الاتري انك اذا تصوّرت الضرب و اعتبرته يكون المضروب امراً اعتبارياً و لايتحقق مضروب متحقق موجود في الخارج بحيث يجري عليه الاحكام الخارجية بمحض تصور الضرب و اعتباره و لايكون ذلك الاّ بايجاد الضرب في الخارج فيكون المضروب حدوداً عارضة لذلك الضرب و الضرب اصل للمضروب فلو كانت الربوبية امراً اعتبارياً لم‏يوجد في الخارج شي‏ء ابداً ثم ان الاعتبار و الوجود الذهني هو ان لا محصّل له الاّ باعتبار المعتبر و فرض الفارض و قبل ذلك لم‏يكن له وجود اصلاً فعلي هذا يلزم ان لاتكون للّه ربوبية اصلاً اذ (اذا خ‏ل) مافرضها احد و هذا كفر باللّه العلي العظيم و عناد للدين.

ثم ان الربوبية اذا لم‏تكن موجودة عينية لكان وصف اللّه عزّوجلّ رب كل شي‏ء كذباً كما اذا قلت لك انك سلطان و لم‏تكن لك سلطنة خارجية كان كذباً نعوذ باللّه من ذلك و استجير به من طغيان الافهام و زلل الاقدام فان الحكم ان كان ذهنياً لايشترط وجود الصفة في الخارج نعم يشترط حضورها في الذهن و ان كان خارجياً يجب وجودها في الخارج والاّ لكان كذباً و هذا لا اشكال فيه لمن له فهم او القي السمع و هو شهيد. فاذا وجب ان‏تكون الربوبيتان موجودتين في الخارج فنقول هل هما عرضان ام جوهران ذاتان فان كان الاول فما معروضهما فان كان هو اللّه يلزم المحال و ان كان خلق اللّه فهو مربوب فالربوبية اصل له و لايصحّ ان‏يكون الاصل عرضاً و الفرع ذاتاً و المشتق ذاتاً و المشتق‏منه فرعاً (عرضاً خ‏ل) بحكم الضرورة و البديهة فاذا بطل كونهما عرضاً ثبت انهما ذات اذ لا واسطة بينهما معقولة فاذا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 357 *»

ثبت انهما ذاتان فهل تقدّم عليهما خلق ام لا؟ فان تقدّم فهل هو مربوب ام لا؟ و الثاني يبطل مخلوقيته فيتعدّد القدماء و الاول يثبت تقدّم الربوبية لما مـرّ فتكون الربوبيتان اقدم الخلق و اسبقهم فتكونان اشرفهم و قد انعقد الاجماع الضروري بين الفرقة الناجية علي ان محمّداً9 اشرف الخلق و اقدمهم و كذا علي بن ابي‏طالب اميرالمؤمنين7 بعد رسول‏اللّه9 لم‏يسبقهما سابق و لايلحقهما (لم‏يلحقهما خ‏ل) لاحق و لايطمع في ادراكهما طامع و كذلك الطيبون من اولادهما صلّي اللّه عليهم و عليهما فانهم طينة واحدة و حقيقة واحدة باجماعنا مع قطع النظر عن الاخبار الواردة من الفريقين البالغة علي حد التواتر.

فاذا كانا سلام اللّه عليهما اسبق الخلق لم‏يسبقهما خلق و ما فاقهما موجود و قداثبتنا بالبرهان القطعي الذي لاينكره جاحد معاند ان الربوبية هي اسبق الخلق و اقدمهم فوجب ان‏يكونا صلّي اللّه عليهما اما عين الربوبيتين او محلهما كالمضروب الذي هو محل للضرب و الحديدة المحماة بالنار التي هي محل للنار و القلب الذي هو محل للحركات القلبية و الخطورات الذهنية و امثال ذلك.

و لمّا كانت الربوبية اذ مربوب ذكراً اشرف و اعظم من الربوبية اذ مربوب كوناً و عيناً لان الثاني مقام الكثرة المتمايزة و الاول مقام الوحدة و هي (هـو خ‏ل) اشرف من الكثرة المتمايزة و كان رسول‏اللّه9 اشرف من علي اميرالمؤمنين7 باجماعنا معاشر الشيعة و فوق كل مقام تحت مقام رسول‏اللّه9 و لذا قال9 ياعلي ماعرف اللّه الاّ انا و انت كان محمّد9 هو حامل الربوبية الثانية و علي7 هو حامل الربوبية الثالثة و اما الربوبية الاولي التي لا ثاني لها و هي الربوبية اذ لامربوب بوجه من الوجوه هو الحق سبحانه و تعالي فلا كلام فيها و لا سبيل اليها الطريق مسدود و الطلب مردود دليلها اياتها و وجودها اثباتها.

و لّما كانت الربوبية اذ مربوب بها ظهر الكون و برز الوجود و تحقق الشهود و امتاز العابد من المعبود و انتشرت اثار الرحمة الواسعة التي عمّت و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 358 *»

وسعت كل شي‏ء و كان مولينا اميرالمؤمنين7 هو الحامل لها و القائم بها و المقوّم لها بتقويم اللّه سبحانه اياها له7 كانت تلك الاوصاف كلها منتسبة اليه و راجعة اليه فهو7 الكتاب الناطق علي كل شي‏ء بالحق قال تعالي هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق فنطق للخلق بصفات الاحدية و الواحدية و النبوة و الولاية و القي في هويات الاشياء هذا المثال اي هذه الصفات و اليه اشار بقوله و القي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و هذا التوصيف و القاء المثال هو الرشح الذي اشار اليه7 لكميل ولكن يرشح عليك مايطفح منّي فهو7 الهادي و الكاتب في قلوب الخلق الايمان و الكفر ففي كل شي‏ء مكتوب بقلم النور من مداد السرور و الكاتب اميرالمؤمنين7 باملاء رسول‏اللّه9عن اللّه سبحانه لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين ولي‏اللّه فماتجـد ذرّة الاّ و هذه الكتابة فيها ظاهرة في ذاتها و صفاتها و شئونات اطوارها و هنادس هيئاتها كما دلّت عليه اخبارهم و شهدت له اثارهم مجملة و انا اذكر لك حديثاً تعرف نوع ماذكرنا في الاحتجاج روي القاسم بن معاوية قال قلت لابي‏عبداللّه7 هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم انه لمّا اسري برسول‏اللّه9 رأي علي العرش لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه ابوبكر الصديق فقال سبحان‏اللّه غيّروا كل شي‏ء حتي هذا قلت نعم قال7 ان اللّه عزّوجلّ لمّا خلق العرش كتب عليه لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عزّوجلّ الماء كتب في مجراه لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عزّوجلّ الكرسي كتب اللّه علي قوائمه لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عزّوجلّ اللوح كتب فيه لااله الاّاللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 359 *»

محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عزّوجلّ اسرافيل كتب اللّه عزّوجلّ علي جبهته لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عزّوجلّ جبرائيل كتب علي جناحه لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عزّوجلّ السموات كتب في اكنافها لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عزّوجلّ الارضين كتب في اطباقها لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عزّوجلّ الجبال كتب علي رؤسها لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عزّوجلّ الشمس كتب عزّوجلّ عليها لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و لمّا خلق اللّه عزّوجلّ القمر كتب عليه لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين و هو السواد الذي ترونه في القمر فاذا قال احدكم لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه فليقل علي اميرالمؤمنين ولي‏اللّه انتهي.

و لمّا كانت حقايق الخلايق و ذواتهم امثلة و نقوش لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه علي اميرالمؤمنين ولي‏اللّه و تلك النقوش و الصور انما حصلت في الربوبية الثالثة التي كان اميرالمؤمنين7 حاملاً لها و مظهراً اياها و هي اثار ولايته اي ولاية اللّه الظاهرة فيه7.

و لمّا حكم اللّه سبحانه ان‏يقرن الوصف الحالي بالوصف المقالي اتماماً للحجة و اكمالاً للنعمة و ايضاحاً للمحجة و كان حكم اللّه سبحانه واحداً لايختلف من ذاته وجب ان‏يكون الواصف المبين المظهر المعلن في التشريع و التدوين هو الواصف و المبلّغ في التكوين ليطابق العالمان و يتّحد الوصفان و لمّا عرفت ان الواصف في التكوين بالوصف الحالي هو مولينا علي7 كان الواصف في التشريع و التدوين ايضاً هو7 و لذا اختص7 بانشاء مثل هذه الخطبة الشريفة دون محمّد9 و دون ساير الائمة: علي هذا التفصيل و التبيين و ان ظهر منهم صلّي اللّه عليهم امر اعجب و خطب اغرب لكن علي جهة الرمز و التلويح و الاشارة و ان كان في بعض المواضع بصريح العبارة الاّ انهم: صانوها عن الجهال و عن اصحاب القيل و القال بجعل اغلب تلك الاحاديث مرفوعة السند او ضعيفة علي مصطلحهم و امثال ذلك من الامور التي يطعنون بها في الحديث و لايعملون به و اما اهل تلك الاحاديث و الاخبار و شيعتهم المقتبسون من تلك الانوار فمااخفوا عليهم بل اظهروها لهم بالقرائن القطعية و الادلة العلمية المستندة اليهم صلّي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 360 *»

اللّه عليهم لقولهم: لاتمنعوا الحكمة من اهلها فتظلموهم و اكتموها من غير اهلها لئلاّتظلموها و كيفية الكتمان من بعض وجوهها مااشرنا اليها انفاً من اخفاء تلك الاحاديث و عدم جعلها مشهورة متكررة في الكتب و الاصول و جهل بعض الرواة او استنادها الي الذين يزعم الذين مايعرفون انهم غلاة او جعل بعض الاحاديث الدالة بظاهرها علي خلافها لتتعارض عندهم ليسكتوا عنها او يرجّحوا الاخبار المعارضة علي الظاهر و يقولوا بمضمونها و يتركوا تلك الاحاديث و الاخبار اذ (اذا خ‏ل) اقتضت المصلحة ذلك و بالجملة هم اعلم بمصالح غنمهم يدبّرونهم حيث لايشعرون و دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته و هذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته علي الذي من عدوه فوكزه موسي فقضي عليه قال هذا من عمل الشيطان انه عدو مضل مبين فافهم.

و لمّا كان مولينا و سيدنا علي7 اميرالمؤمنين و المؤمنون هم الائمة: و هو7اميرهم و سيدهم يميرهم العلم و هو امير النحل في قوله تعالي و اوحي ربك الي النحل الاية قالوا: نحن النحل و هو7 اصل الولاية و قطبها و كتاب اللّه الاكبر و ولي اللّه الاعظم وجب ان‏ينطق علي الخلق بالحق ممااودعه اللّه من سرّ هياكل التوحيد الذي اودعه7 في اسرار الخلق فقام7 خطيباً لساناً للحق سبحانه لكن لا في مقام هو هو و نحن نحن و لا في مقام نحن هو و هو نحن بل في مقام انزل من الثاني في البساطة و اعلي من الاول في الكثافة الامكانية بل هو في مقام كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و مقام و ماينطق عن الهوي ان هو الاّ وحي يوحي و مقام المفعول المطلق المنصوب لا الفاعل المرفوع و لا المضاف‏اليه المجرور و مقام الكرسي شارحاً معلناً عن المبهمات البسيطة العرشية و مفصلاً للمجملات الكلية و مظهراً للخفايا الغيبية و مبيّناً لمعرفته بالنورانية و كاشفاً عن حقيقة الصمدانية الالهية و موضحاً لسرّ الفاعلية و شارحاً للتوحيد الحقيقي بالوحدة الحقيقية و منزّهاً لربه عزّوجلّ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 361 *»

عن جميع الشوائب الامكانية و مقدّساً له تعالي عن كل القرانات و الاضافات الخلقية و مطهّراً ساحته عزّوجلّ عن الاوهام الخيالية و التصورات الافكية و واصفاً لما عليه الكينونة البشرية و حاصراً جميع المقامات الخلقية و الحقيّة ممايمكن الوصول اليه لاحد من البرية فقال روحي فداه ايها الناس علي جهة المشافهة و الخطاب طبقاً لذلك الكتاب المستطاب ألست بربكم و بياناً لسرّ كن فيكون و تعليماً علي ان للاشياء جهة انية متأخّرة عن الخطاب فبلحوقها اياه يكون مخاطباً فان مخاطب كـن هو فاعل يكون مع ان فاعل يكون معمول له و يكون انما هو اثر كن مع حرف المضارعة و حركة الاخر فان اقتضي المقام نذكر حقيقة الامر في ذلك فيمابعد ان شاء اللّه و المخاطب (بفتح الطاء) كل اكوار الموجودات و ادوار الكاينات و اوطار الروابط و القرانات من العالم الاعلي الاول من الادم الثاني الي اخر الادميين الالف الف و ماوراه الي ماشاءاللّه و كل‏ما يتصوّر و يتخيّل و يتوهّم و يتعقّل و يشاهد و يحسّ و يجسّ من الوجودات القويّة التامة و الوجودات الضعيفة الناقصة من الاعراض و الالوان و الاسقام و الامراض و الالام و الممات و الحيات و الانوار و الظلمات و الاصول و الظلال و كل شي‏ء من خلق ربنا ممايري و ما لايري اما للطافة ذاته او لظلمة ماهيته او لشدة نورانيته او لاستعلائه عن مقامات الادراك و هو علي اقسام من رتبة الاعراض الي الاجسام الي النبات الي الحيوان الي الانسان الي الملئكة الي الجن الي الانبياء الي الكرّوبيّين الي العالين و في نسبهم و اضافاتهم و قراناتهم و روابط انياتهم و خصوصيات مراتبهم من افئدتهم و عقولهم و ارواحهم و نفوسهم و طبايعهم و موادهم و اجسامهم و اجسادهم و افلاكهم و عناصرهم و اعراضهم غرائبها و ذاتيّاتها و خصوصيات كل مرتبة من مراتبهم من نطفتهم و علقتهم و مضغتهم و عظامهم و لحومهم و حيوتهم ثم خصوصيات مراتبهم بعد حيوتهم من لحومهم و دمائهم و اعصابهم و عروقهم و عضلاتهم و اواردهم و شراسيفهم و اضلاعهم و جوانبهم و رؤسهم و اسماعهم و ابصارهم و السنتهم و حركات لفظ السنتهم و مغرز حنك افواههم و منابت اضراسهم و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 362 *»

اضراسهم و حبائل وتينهم و اعناقهم و مساغ مطاعمهم و مشاربهم و حمالة امّ‏رؤسهم و امّ‏رؤسهم و تامور صدورهم و حجاب قلوبهم و افلاذ حواشي اكبادهم و اطراف اناملهم و قبض عواملهم و شعورهم و اشعارهم و جلودهم و قواهم و مشاعرهم و ساير مداركهم و شئوناتهم الي مالايحصي في كل مرتبة من المراتب و انما فصلت هذا التفصيل مع ان الكلية المذكورة في اول الكلام تشمله اشعاراً علي انا مانريد من هذه الكلية الكلية العرفية حتي يخرج منها الافراد النادرة التي لاينصرف اليها الاطلاق سيما في مثل هذا المقام فان اهل هذا الزمان لايرون لهذه الاشياء في اغلبها وجوداً و في بعضها شعوراً حتي يصحّ عليها الخطاب سيما خطاب اميرالمؤمنين7 دون خطاب اللّه سيما كونها شيعة و منقادة لاميرالمؤمنين7 .

و لمّا انّا في هذا الشرح تبعاً لامامنا و سيدنا روحي فداه لم‏نسلك مسلك اهل الظاهر في الحكم الظاهري كما ان الامام7 ايضاً ماسلك هذا المسلك بل المطلوب منّا هنا هتك الاستار و كشف الاسرار فصّلنا مجملات تلك الكلية و اشرنا الي الافراد النادرة التي ماكان يخطر ببالهم و لم‏يتصوّروا ذلك فبدا لهم من اللّه ما لم‏يكونوا يحتسبون و انما قلنا ان المراد بالناس المخاطب كل الخلق لانهم كلهم شيعة علي7و كلهم مأمورون بطاعته و اما الانبياء المرسلون و الملئكة المقرّبون و غيرهما منهما و الجن و الانس و الوحوش و الطيور و الجماد و النبات و غيرها من الجواهر من كل انواعها طاعتهم لاميرالمؤمنين7 كادت ان‏تبلغ حدّ الضرورة بين الشيعة فان احاديث عرض ولايته علي كافّة الخلق سيما الجمادات و النباتات كادت ان‏تبلغ حد التواتر و اما عندي فمن المتواترات.

و اما الاعراض فدلّت عليها جملة من الاخبار و الادعية و الزيارات عموماً و خصوصاً و اما العمومات فاكثر من ان‏تحصي كزيارة الجامعة فان فيها هذا المعني كثير مثل قوله7 حتي لايبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا صدّيق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبّار عنيد و لا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 363 *»

شيطان مريد و لا خلق فيمابين ذلك شهيد الاّ عرّفهم جلالة امركم الزيارة و اما الخاص فكما في الدعاء للحمّي عن رسول‏اللّه9 يا امّ‏ملدم ان كنت امنت باللّه فلاتأكلي اللحم و لاتشربي الدم و لاتفوري من الفم و انتقلي الي من يزعم ان مع اللّه الهة اخري فاني اشهد ان لااله الاّاللّه وحده لاشريك له و ان محمّداً عبده و رسوله و الايمان باللّه لاينعقد الاّ بالايمان برسول‏اللّه9 و الايمان به9 لاينعقد الاّ بالايمان بمولينا علي اميرالمؤمنين7لانه نفس رسول‏اللّه9 و مظهر ولايته و باب حطّته و في الرواية المشهورة ان مولينا الحسين7 عاد عبداللّه بن شدّاد في مرضه فلمّا دخل عليه ارتفعت الحمّي عنه فقام و قال رضيت بكم ائمة و ان الحمّي لتهرب عنكم فقعد7 و قال ان اللّه سبحانه لم‏يخلق خلقاً الاّ و قدامـره بالطاعة لنا ثم قال7 يا كبّاسة فسمعوا الصوت و لم‏يروا الشخص يقول لبّيك فقال7 الم‏يأمرك اميرالمؤمنين ان لاتقربي الاّ عدواً او مذنباً لتكون كفارة لذنوبه فمابال هذا الرجل هـ انظر في صراحة هذا الحديث علي المطلوب و امثاله كثيرة.

و اما الاجزاء فكما دلّت الاخبار علي ان كل جزء من الانسان مكلّف بما لايكلّف به الجزء الاخر و اما الادلة العقلية في هذا المعني فنذكرها ان شاء اللّه تعالي فيمابعد و انما قلنا ان الناس يشمل كل ذرة من ذرات الوجود مع ان الناس في ظاهر اللغة لايطلق الاّ علي الانسان لان الصورة الانسانية المعيّنة للمادة الحيوانية الخاصة بهذه المرتبة المعيّنة اي مرتبة الرعية صورة و اية للصورة الانسانية التي مبدأ و علة لهذه الصورة و هذه انما هي منها كالاشعة بالنسبة الي الشمس اذ كل سافل حكاية العالي و دليله و ايته و كل المراتب النازلة و المقامات السافلة كلها امثال و قشور لهذه الانسانية و ان اختلفت الصورة باعتبار كثرة الاختلافات و المناقضات و ظهور الغرائب و الامور الخارجة و الاعراض المانعة كالمقابل بالنسبة الي المرايا الكثيرة المختلفة.

و لمّا كانت الانسانية هي مقتضي تعلّق

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 364 *»

التكاليف و الاوامر و النواهي و الاحكام الوجودية و الشرعية و هي محل نظر العالي اطلق اللفظ الدالّ عليها ليعمّها في كل مقام و رتبة فان الاثر من حيث هو اثر و النور من حيث هو نور علي مثال المنير و اسمه و صفته فكل شي‏ء انسان علي اختلاف المراتب كماتقول لجرم الشمس الشمس و للاشعة ايضاً يقال لها الشمس و كماتقول ان محمّداً و اهل بيته صلّي اللّه عليهم انسان و الانبياء انسان و المؤمنون و غيرهم انسان كذلك غيرهم من البهائم الاّ ان جهة الظلمة لمّا غلبت عليهم و جهة النور لمّا خفيت خفي الاسم النوري الذي هو الانسانية و ظهر الاسم المناسب لمقامه من الظلمة و نعم ماقال المجنون العامري مخاطباً للغزال:

ايا شبه ليلي لاتراع فانني انا لك من دون الانام صديق
فعينك عيناها و جيدك جيدها ولكن عظم الساق منك دقيق

فافهم و تفهّم.

فان قلت هب ان الانسانية تطلق علي محمّد و اله صلّي اللّه عليهم و علي الانبياء: و علي الطبقة تحتهم علي الاشتراك اللفظي اي الحقيقة بعد الحقيقة و علي غيرهم بالمجاز اذ لم‏يوضع لهم هذا الاسم لكن من اين تحكم ان هذا الخطاب يشملهم اجمع لان الخطاب لايكون الاّ للحكم و الحكم يختلف باختلاف الموضوعات سيما اذا كان الاختلاف ذاتياً اصلياً فما هذا شأنه لايحكم عليهم بحكم واحد لاختلافهم ثم اذا كان اللفظ مشتركاً معنوياً يشمل الحكم الجهة الجامعة و المفروض انعدامها و اذا كان مشتركاً لفظياً يبقي في زاوية الاجمال حتي يتبيّن بالقرائن فان كان علي ماتزعمون انه حقيقة بعد حقيقة فالحقيقة الاولية مقطوع بها و الباقي (الثاني خ‏ل) في محل الشك فيتوقف مع ان مقطوعية الحقيقة الاولي ايضاً في محل الشك لجواز انّ المتكلم ماارادها و اراد غيرها و مع هذا كله كيف يشمل الحكم الوارد علي الحقيقة المجاز لان الاصل حمل الكلام علي الحقيقة و لايجمع الحقيقة و المجاز مقام واحد حتي يشملهما حكم واحد فلاينطبق هذا القول و هذا التعميم علي القواعد اللفظية.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 365 *»

قلت قولكم و علي غيرهم بالمجاز ممنوع علي مذاق اهل الالفاظ و اما علي مذاق اهل الاذواق و الاشراق فالحقيقة هو محمّد و اهل‏بيته الطاهرون صلّي اللّه عليهم و كل‏ما سواهم مجازات و هذه مجازات حقيقية لا لفظية و لا ارتباط لهذا الحكم في عالم الالفاظ لانه فوق مدلول الالفاظ و اما في عالم الالفاظ فلمّا كان الواضع هو اللّه سبحانه و الوضع لايكون الاّ لمناسبة ذاتية بين المعني و اللفظ بحيث لايؤدّي ذلك اللفظ بتلك الهيئة الملتئمة من المادة النوعية المناسبة و الصورة الشخصية الاّ ذلك المعني فلمّا خلق اللّه سبحانه تلك اللطيفة الالهية المسمّي بهيكل التوحيد التي هي الصورة الانسانية التي هي اكبر حجة اللّه علي خلقه و هي الشاهد علي كل غائب و الحجة علي كل جاحد و هي الكتاب الذي كتبه اللّه بيده و هي الهيكل الذي بناه بحكمته و هي الصراط المستقيم و هي الصراط الممدود بين الجنة و النار فاستدعت اسماً و ظلّت واقفة علي باب فوّارة النور فاعطاها اللّه سبحانه الانسان مناسباً لها و مقترناً معها.

ثم لمّا تشعشعت انوار تلك الحقيقة خرجت الاشعة من حيث هي حاكية لذلك المثال و شاهدة علي حقيقة الحال و هي في نفسها لاتدلّ الاّ علي تلك الحقيقة و ليست الاّ تلك اللطيفة في مقامها فلاتطلب من تلك الحيثية الاّ اللفظ الدالّ عليها فالمناسبة الذاتية و حكمة الحكيم تقتضيان بان‏يكون لها ذلك الاسم الذي كان للاصل بالدليل الذي كان ذلك الاسم للاصل اذ لا فرق بين الشعاع و المنير في مقام التعريف ابداً الاتري ان السراج اذا اشرق في المرءاة او غيرها من الاجسام الصيقلية كان ذلك النور علي مثال السراج بل هو السراج لا فرق (لاتفرق خ‏ل) بين الامرين في الصورة و الدلالة ابداً مع ان السراج اصل و هذا فرع و لا تسميه الاّ سراجاً ولكن لايجوز ان‏يكون ذلك اللفظ الذي للاصل يكون هو بعينه للفرع لمكان التناقض مع ان فرض ذلك مستحيل فيجب ان‏يكون اللفظ من شعاع اللفظ الاول و يكون مشتقاً منه كما ان المعني من شعاع المعني الاول و كان مشتقاً منه فكما ان المعني جزء من سبعين جزء من الاصل كان اللفظ ايضاً كذلك فالالف في الانسان الذي يطلق علي الانبياء اشتقّت من الالف الذي في الانسان المطلق

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 366 *»

علي محمّد و اله صلّي اللّه عليهم و نونه مشتق من نونه وهكذا بواقي (باقي خ‏ل) حروفه اي كل حرف من الاصل اقوي من الحرف الذي في الفرع بسبعين او سبعين الف او سبعمائة الف درجة و اهل التجربة الكاملون الماهرون في علم الحروف اذا جرّبوا الامرين يرون الذي قلت واضحاً ظاهراً كالشمس في رابعة النهار فذلك اللفظ الثاني الموضوع للمعني الثاني ليس مجازاً و انما هو وضع حقيقي لكنه علي هيئة ذلك و صورته لسرّ المناسبة الذاتية و هذا حكم اللّه سبحانه في الاشياء كلها فالاثر لم‏يزل من حيث هو اثر علي هيئة المؤثر و صفته و اسمه لايطلب الاّ صفة المؤثر لفظاً كان ام معني و لذا في المفعول المطلق يقولون انه تأكيد مع انه لفظ مشتق من لفظ فعله الواقع عليه تقول ضربت ضرباً فضرباً في قوة قولك ضربت ضربت و هذا ليس بمجاز و انما هو حقيقة ولكن لمّا كان الاثر له جهتان جهة من مؤثره و جهة من نفسه فالتي من مؤثره هي (هو خ‏ل) مثاله و دليله و ايته لا فرق بينه و بينه الاّ انه عبده و خلقه و التي من نفسه خلاف مؤثره و الادبار عنه فالاولي تطلب اسم المؤثر و الثانية تطلب عكسه فحين الضمّ و التركيب فان كانت الجهة الاولي غالبة عالية و الجهة الثانية مقهورة مضمحلة فيظهر ذلك الاسم الذي للمؤثر بالرشح و الاشتقاق و هو اسمه حقيقة كما ان المعني ذاته حقيقة و ليس ذات المؤثر حقيقة و ان كانت الجهة الثانية غالبة و الجهة الاولي مقهورة مستهلكة فانية فلايجري عليه حكم المغلوب فيوضع له لفظ يناسب تلك الجهة الغالبة باعتبار جهاتها و قراناتها و اضافاتها و امثال ذلك فحينئذ ليس اطلاق الاسم الاول من جهة المؤثر اذا ارادوا التنبيه و الاشعار بتلك الجهة حين يطلق علي ذلك الاثر من تلك الحيثية مجازاً و انما هو حقيقة خفيت باختفاء مسمّاه و ظهر عند ظهورها.

و لمّا كان الغالب في الانبياء و رعاياهم جهة المؤثر لا جهة انفسهم اما ظاهراً او باطناً كما في الانبياء و خواص المؤمنين الممتحنين و اما ظاهراً دون الباطن كالكفار و المنافقين اطلق عليهم الاسم الاول و لم‏يوضع لهم اسم اخر مناسب للجهة الاخري. و اما البهائم و حشرات الارض و ماسواهم لمّا كان الغالب فيهم الجهة الانية و لذا كانوا ناكسوا (ناكسي ظ) رؤسهم عند ربهم و استقهرت

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 367 *»

فيهم الجهة الالهية الربانية وضع لهم اسم يناسب مقامهم و مرتبتهم و يوافق كينونتهم فخفي ذلك الاسم فاطلاق الانسان عليهم من جهة تلك الجهة التي من مؤثرهم قد كتب فيهم حقيقة لا مجازاً اماسمعت قول مولينا و سيدنا اميرالمؤمنين7 انا الذي كتب اسمي علي البرق فلمع و علي الودق فهمع و علي الليل فاظلم و علي النهار فاضاء و تبسّم فكل شي‏ء فيه انسانية يكون اطلاق الانسان عليه حقيقة لا مجازاً فافهم ان كنت تفهم والاّ فاسلم تسلم.

و اما قولكم ان الحكم يختلف باختلاف الموضوعات فلايشمل الخطاب فجوابه من وجهين: احدهما في الظاهر و الثاني في مقام الحقيقة. اما الاول فاعلم ان حكم اللّه سبحانه واحد لايختلف و لايتكثر كما قال عزّوجلّ و ما امرنا الاّ واحدة و ما خلقكم و لا بعثكم الاّ كنفس واحدة و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و نسبة الحق سبحانه علي كل من سواه واحدة و الاختلاف هذا من قبل انفس الخلق لا من جهة الحق فما من اللّه سبحانه عامّ كلي واحد منبسط و ما من الخلق جزئي خاص غير منبسط لكن قديكون للكلي افراد متواطية في الاقتضاءات الكلية و قديكون فيها افراد لقرانات اخر تغيّر الحكم الجاري علي الكل فاذا كان كذلك فعلي اللّه سبحانه المطلع بالاقتضاءات و الموانع ان‏يخرج تلك الافراد كما اخرج البلل المشتبه و غسالة الحمام و عينية (غيبة خ‏ل) الحيوان عن حكم لاينقض (تنقض خ‏ل) اليقين الاّ بيقين مثله فاذا سكت عن الاخراج فيحصل القطع بان الحكم عامّ و لا شك ان الخطاب جهة المخاطب و وجهه لا المخاطب (بفتح الطاء) فهو كلي و حكمه عامّ جارٍ منبسط الاّ اذا دلّ دليل الهي علي عدم جريانه و اذ ليس فليس و اختلاف المخاطبين لايستلزم عدم عموم الخطاب اذ قديكون بينهم جهة جامعة يتشاركون فيها.

و قولي «جهة جامعة» اعم من ان‏تكون في صقع واحد او في اصقاع متعددة الاّ ان السافل رشح و صفة للعالي فلايخالفه من تلك الجهة فيتّحدان في الحكم الاّ ان في احدهما بالاصالة و في الثاني بالتبعيّة كما في قولك «جاءني زيد القائم» فان القائم مرفوع بتبعيّة زيد و رفعه جزء من سبعين جزء من رفع زيد فالفعل منسوب الي زيد بالاصالة و الي القائم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 368 *»

ايضاً لانه صفته و دليله و ايته بالتبع و هذا مرادي بالجهة الجامعة فخطاب اللّه سبحانه لايتخصّص ببعض دون الاخر و في مقام دون الاخر اذ ليس للّه سبحانه نسبة باحد ازيد منه الي الاخر فانه سبحانه استوي علي العرش فلا شي‏ء اقرب اليه من شي‏ء و اختلاف الاشياء انما هو بالنسبة بعضها الي بعض فلمّا كان العالي قدتقدّم في الوجود و سبق الي الاجابة و كان السافل تابعاً له و اثراً منه و متفرّعاً عليه كان حكمه سبحانه علي العالي اولاً و علي السافل ثانياً اذ لم‏يرفع اللّه سبحانه نظره عن مخلوقاته و خطاب مولينا علي7 هو خطاب اللّه لانه لاينطق عن الهوي و لايتطرّق اليه الميل الداعي الي السهو و الغفلة كلاّ بل هو عين‏اللّه الناظرة و يده الباسطة و اسم اللّه الحي القيوم الذي لاتأخذه سنة و لا نوم أماسمعت ان النبي9 كان ينام عينه و لاينام قلبه و علي7 نفسه و حكمه حكمه قال7 انا محمّد و محمّد انا صلّي اللّه عليهما و الهما فافهم.

و اما الثاني فاعلم ان الاختلاف متقوّم بالخطاب فلولا الخطاب لم‏يكن شيئاً لا الاختلاف و لا الايتلاف فبالخطاب نشأت الاحكام و تميّزت الحلال من الحرام فمنهم من قال بلي اصالة و منهم من قالها تبعاً و منهم من قالها اثراً و متقوّماً بالغير و منهم من انكرها علي هذا التفصيل فالخطاب يجري في الاحكام الشرعية و التكوينية مجري الروح في الاجساد فاذا تحققت للشي‏ء شيئية فذلك بوقوع الخطاب عليه و لمّا كان حكم اللّه واحداً و خطاب اللّه جهة اللّه سبحانه و طلبه من خلقه فيكون واحداً جارياً علي كل شي‏ء مماجري عليه الايجاد فافهم والاّ فاسلم تسلم.

و علي هذا البيان ظهر الجواب عن القول بان الحكم اذا تعلق بالمشترك اللفظي يبقي في زاوية الاجمال فانا نمنع الاشتراك اللفظي في هذا المقام بان‏تكون المعاني كلها في صقع واحد و نظر الواضع الي محض خصوصية احدهما فوضع اللفظ المناسب لها بازائها ثم نظر الي الخصوصية الاخري و رأي صلاحية اللفظ باحد وجوهه فوضعه لها وهكذا و هذا دليل علي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 369 *»

ان في المشترك اللفظي لاتلحظ الاّ جهة المباينة و الخصوصية مع الاتحاد في الحقيقة و الذات التي هي جهة الحق سبحانه فالحكم لتلك الخصوصية لا للشي‏ء من حيث هو هو في الحقيقة الالهية ليعمّ الحكم و الخصوصية من جهة انها مقام الكثرة جهة النكارة فيحتاج الي معين فان اقتضي الحال التعيين فعل الحكيم والاّ فيبقي في زاويه الاجمال الي ان‏يأتي اجله و ذلك مقدّر عند اللّه سبحانه و لا كذلك الحكم في الحقيقة بعد الحقيقة فانها لاتكون الاّ لجهة الموافقة لا لجهة المخالفة و جهة الاتحاد لا لجهة (جهة خ‏ل) الاختلاف فلولا ان كل واحد منهما في صقع غير الاخر لما قيل بالفرق و لمّاكان في عالم اخر مشابه مناسب للعالم الاول سمّي باسمه و اجري عليه حكمه كالقائم المرفوع بتبعية زيد علي مامثّلت لك سابقاً فالحقيقة بعد الحقيقة جهة الموافقة و الاشتراك اللفظي جهة المخالفة و بينهما بون بعيد فاذا جري حكم علي امر من الامور فكل المراتب المتنزلة التي نسبتها اليه كالشعاع من المنير المستدعي لاثبات الحقايق المترتّبة مشتركة في ذلك الحكم علي حسب مقامها و مرتبتها بالدليل الذي اختصّت به الحقيقة الاولي فان الثانية هي عين حكاية الاولي بل عين الاولي للثانية لا فرق بينها و بينها الاّ انها اثرها و شعاعها و هذه الجهة اي الاثرية مقطوع‏النظر عنها و الاّ لم‏تكن مثالها اماسمعت قوله7 لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو الاّ انه هو هو و نحن نحن.

و المثال التقريبي لذلك ان الكلب المعلّم بشرائطه صيده حلال و يجوز الاكل منه قال تعالي فكلوا مما امسكن عليكم لانه حينئذ ليس له جهة انية بوجه فلايترتّب علي جهته حكم ابداً و كذلك الذمية (الذمي ظ) اذا غسل ميتاً بامر المسلم و اذنه فيطهر الميّت علي الاصح عن نجاسة الحدث و ينجس بنجاسة الخبث و هو من مباشرة الكافر و كذلك انت اذا حكيت عن اللّه و عن رسوله و عن الائمة الطاهرين سلام اللّه عليهم اجمعين فالحكم الجاري علي ماله حقايق مترتّبه علي كل تلك الحقايق مقطوع به لايشكّ فيه الاّ الجاهل بالامر و اما المجاز فلايشمله الحكم الوارد علي الحقيقة الاّ اذا دلّ دليل قطعي عليه و ليس في هذا المقام مجاز فافهم مااسعدك لو وفّقت

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 370 *»

لفهم هذه الدقايق.

و اما كيفية شمول الخطاب لكل شي‏ء فاعلم ان الامام7 قطب لكل اكوار الوجود و ادواره و كل‏ما في الوجود المقيد من شئونات ذاته و اثاره و افعاله و صفاته و احواله و الذات لها قيّومية علي كل الصفات و الاثار و الاضافات و السبحات فكل الكائنات عنده7 كالنقطة بين يدي احدكم و المستقبل و الحال و الماضي عنده بمنزلة سواء فاحاط بكل شي‏ء علماً في مكانه و زمانه فخاطب كل شي‏ء في زمانه و مكانه بالخطاب الشفاهي و ان كان ذلك بالنسبة الينا مستقبلاً فان الزمان عنده7منقطع فاحاط بالذي يأتي بعد الف سنة فاشرف علي مكانه و زمانه فخاطبه هناك عند الخطاب فشافه كل شي‏ء في وقته و مكانه و رتبته و سيأتي ان شاء اللّه تعالي في هذه الخطبة عند ذكر بعض المغيبات عن الخلق الي ان قال7 كل ذلك علم احاطة فلو لم‏يكن الذي اخبر حاضراً عنده7 لم‏يكن العلم علم احاطة بل و لا علم عيان و انما كان علم اخبار الذي هو ادني المقامات و اخسّ الدرجات و قدروي مامعناه ان النبي7 صعد المنبر و قال ايهاالناس أتدرون ما في يدي اليمني قالوا اللّه و رسوله اعلم قال9 ان في يدي اسماء اهل الجنة و اسماء ابائهم و مايتوالدون الي يوم القيمة و ان الرجل ليعمل اعمال اهل النار ثم عند الموت يختم له بالخير فيدخل الجنة ثم قال9 أتدرون ما في يدي اليسري قالوا اللّه و رسوله اعلم قال9 ان في يدي اليسري اسماء اهل النار و اسماء ابائهم و امهاتهم و مايتوالدون الي يوم القيمة و ان الرجل ليعمل عمل اهل الجنة طول عمره ثم عند الموت يختم له بالسوء فيدخل النار هـ و روي ايضاً انه9 بلّغ كل احد مشافهة و لا شك ان هذا العلم لايكون الاّ بالمعلوم و هو ان لم‏يكن شيئاً كان كذباً و ان كان شيئاً لا علي ماهو عليه ايضاً كان كذباً لان العلم شرطه المطابقة بمعلومه والاّ لم‏يكن علماً به.

و لمّا كانت المشخصات الستة التي هي الزمان و المكان و الكيف و الكمّ و الجهة و الرتبة لاتنفكّ عن شي‏ء بل لا شيئية للشي‏ء الاّ بهذه الستة و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 371 *»

لاتختلف الموجودات في السلسلة العرضية الاّ بهذه فالمعلومات كلّها مساوقة لهذه الستة و هي مختلفة فيجب ان‏يكون العلم بالمعلوم في زمانه و رتبته لا في زمان الغير و رتبته فانت حين تعلم انك غداً تفعل كذا فقداشرفت نفسك علي الغد و رأتك فاعلاً له في غيبه فاذا اوقعته في شهادتك و هي يوم تصوّرك اياه و علمك به اذ الامس هو الغد و بعد الغد هو اليوم عند نفسك لان الزمان و الزمانيات كلها نقطة في الدهر.

و بالجملة فالعالي يري السافل في وقته و مكانه و جهته و رتبته فيخاطبه و يحكم عليه في ذلك الوقت و ذلك المكان فيبقي ذلك الخطاب واقفاً علي باب فوّارة النور فيقع عليه في وقته و مكانه و هو حين سماعه ذلك الخطاب الم‏تر ان الرجل اذا كان في مجلس واحد يخاطب اشخاصاً كثيرة و هم متفاوتون في الاستماع و الادراك لا شكّ انهم لايفهمون خطابه دفعة واحدة بل لايسمعونه كذلك فقبل السماع و الفهم لا شكّ انهم ليسوا مخاطبين و ان وقع الخطاب و انما الخطاب بعد السماع و الفهم فهناك مخاطبون حقيقة لا مجازاً و ذلك ظاهر لمن يفهم.

و الاصل في المسألة اعلم ان الخطاب خطابان: خطاب وجودي عيني و خطاب وصفي لفظي و اللفظي لم‏يزل تابعاً للمعنوي الوجودي فان الالفاظ اعراض لغيرها فحسنها و قبحها و الحكم عليها كلّها من جهة المعاني و الحقايق كما قال مولينا اميرالمؤمنين نفسي فداؤه ان المعني في اللفظ كالروح في الجسد فالالفاظ مرايا لظهور المعاني و حكايات لها و انما هي علي طبقها و وفقها. و اما الوجودي المعنوي فهو وجه الشي‏ء للاخر و توجهه اليه و وجه الشي‏ء ليس الاّ ظهور فعله و المراد بظهور الفعل اثره و هذا الاثر من حيث هو و الفعل من عالم الوجود المطلق اي ليس لهما في تحققهما شرط خارج عن حقيقة ذاتهما و لايفتقران الاّ الي مبدأ وجودهما و هو العلة الفاعلية خاصة و هذا الاثر هو فيض الفاعل و لا انقطاع له ابداً الاّ ان ذلك غيب يحتاج في اظهاره الي قابل كالضرب فانه لايظهر الاّ بالمضروب و تلك القابلية هي حدود ذلك الاثر و صوره متقوّم (متقوّمة ظ) به و متحقّق (متحقّقة ظ) بعده في الذات و معه في الظهور فاذا تحققت تلك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 372 *»

القابلية ظهر ذلك الاثر الذي كان غيباً في ظهور المؤثر فلايزال توجد القابلية و يظهر اثر الفاعل الي ما لانهاية له كالشمس اذا قابلت نورها مرايا لا نهاية لها مجتمعة او متفرّقة متعاقبة ام متراخية يظهر في كلها نور واحد خاصّ بها من الشمس و ليس من جهة ازدياد مرءاة يزيد نور الشمس او ينقص عند نقصانها بل النور علي ماهو عليه و انما يختلف ظهوراً و خفاءً لا ذاتاً و حقيقةً و هذا النور خطاب للشمس الي المرايا و القوابل اي تكليف لها الاختيار في قبوله و عدمه و انحاء القبول كثيرة هي مختارة لها و لذا تري يظهر النور في كل مرءاة علي مقتضي تلك المرءاة فان كانت حمراء فالنور احمر و ان كانت صفراء فالنور اصفر وهكذا فلو كان الامر بالقهر لا بالخطاب و التكليف لما اختلفت احوال نور الشمس التي بيدها ازمّتها و لا شك ان المخاطب الذي هي الكثافة من المرايا و امثالها انما هي متأخّرة عن النور و لا اقل مساوقة معه لا انها متقدمة عليه فتحقق عندنا ثلثة مخاطب و هو المؤثر الفاعل و مخاطب و هو المفعول و خطاب و هو الاثر اي المصدر و المفعول المطلق فلولا الخطاب لم‏يكن مخاطب (بالكسر) و لا مخاطب (بالفتح) لان الخطاب ركن لهما لان المخاطب (بالكسر) هو الظاهر بالخطاب فلايكون ذلك الظهور الخاص الاّ في الخطاب و المخاطب (بالفتح) هو حامل الخطاب و لايكون ذلك من حيث هو حامل الاّ بالخطاب و قد تقدّم الكلام في ان الفاعل و المفعول ليسا عين ذات الشي‏ء و انما هما امثاله و صفاته و اسماؤه و الاسم غير المسمّي و الصفة غير الموصوف و قد قلنا ان تلك الصفة ماظهرت الاّ بالخطاب فيكون الخطاب اصلاً للمخاطب (بالفتح) في المعني كما كان في اللفظ فيوجد الخطاب فيظهر بذلك المخاطب (بالكسر) فان وجد المخاطب (بالفتح) يتعلق به كالنور اذا وجد له جسم كثيف والاّ فيبقي مخفياً في عالمه فالمخاطب (بالفتح) ليس الاّ موجوداً و لايصح الخطاب بالمعدوم و لايتصوّر ذلك ولكن لايلزم ان‏يكون المخاطبون في مكان واحد و زمان واحد بل يجوز ان‏يخاطب زيداً في هذه البلدة و عمراً بهذا الخطاب في بلدة اخري و بكراً الان و خالداً بعد سنة او الف سنة كما ان ابرهيم علي نبيّنا و اله و عليه‏

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 373 *»

السلام اذّن في الناس بالحج فكل من سمع النداء (نداءه خ‏ل) حجّ و كل من لم‏يسمع لم‏يحجّ و ذلك الاستماع عند الاحرام بالحج حيث يجيب نداء ابرهيم7 عن اللّه و يقول لبّيك اللّهم لبّيك و كذلك الملك ينادي عند الظهر او غيره من اوقات الصلوة قوموا علي نيرانكم التي اوقدتموها علي ظهوركم فاطفئوها بالصلوة فهو دائماً ينادي فكل من سمع نداءه قام يصلّي و يقول في افتتاح الصلوة لبيك و سعديك فمنهم من يسمع الان و منهم من يسمع بعد ساعة و منهم من يسمع بعد ساعتين وهكذا علي اختلاف الافاق في الطلوع و الغروب فمن الناس من يصلّي الظهر و منهم من يصلّي العصر في ذلك الوقت و منهم من يصلّي فيه المغرب و منهم من يصلّي فيه العشاء و منهم من يصلّي فيه الصبح و لمّا كانت اسماعنا مريضة ثقيلة لم‏تسمع خطاب الملك و نداءه عيّن حديدالبصر و السمع لنا اوان حصول ذلك النداء الينا فصدقنا قوله و قلنا لبيك و سعديك فمجرّد عدم السماع لثقل في الاذن لاينفي الخطاب لان المترجم هو لسان الاصل فقوله قوله حقيقة و كذلك عدم السماع لبعد مسافتنا عن المخاطب (بالكسر) لاينفي الخطاب اذا سمعنا لان ذلك بعينه وصل الينا بحامل و امين مؤدّي و ذلك الحامل حين التأدية حاكٍ محض كاللسان بعينه للمخاطب فان المخاطب ليس هو اللسان و انما هو الشخص و ليس هو الجسد لانه لا حراك و انما هو ذاتك المجردة عن كل السبحات و انما اوصل خطابه اليك بالته الخارجة و هو اللسان و انما كان اللسان لاتعتبر فيه الاّ جهة المخاطب (بالكسر) لانه لا انّية له يدعي لنفسه فصار محض حكاية غيره و كذلك غيره اذا صار منزلته منزلة اللسان كما انك اذا قرأت القران و قلت اني انا اللّه لا اله الاّ انا فاعبدني الاية لا احد يعترض عليك لانك حينئذ في هذا المقام الخاص لسان اللّه تحكي عن اللّه سبحانه فماتقول انت هو كلام اللّه حقيقة و لاينكره الاّ منكر ضروري الاسلام و كذلك اذا قلت قال النبي9 اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي فانك حينئذ لسان النبي9 و لذا نقبل منك اذا عرفناك صادقاً فيماتدّعي من انّي لسان و اما اذا اخبرت عن نفسك بشي‏ء مماذكرنا فانت كافر وجب قتلك انظر بين

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 374 *»

المقامين من الفرق الواضح البيّن فاذا كان الشي‏ء لساناً لاينسب الكلام او الخطاب الي اللسان حقيقة و الي صاحب اللسان مجازاً و انما النسبة الي صاحب اللسان حقيقة و الي اللسان مجازاً والاّ لكان الخطابات القرانية كلها مجازات لا حقايق لها ابداً لانّه ماوصل الي القلم الاّ بعد ان اتي الي النون و هو ملك يؤدّي الي القلم و هو ملك و القلم أدّي الي اللوح و اللوح أدّي الي ميكائيل و ميكائيل أدّي الي اسرافيل و اسرافيل أدّي الي جبرائيل و جبرئيل أدّي الي النبي9‏وسلم و هو9أدّي الي الرعية و هو لسان اللّه الناطق علي الخلق و لم‏يكن ذلك مجازاً لكونه9لساناً للّه مع الملئكة المتقدمة فكذلك خطابات النبي9 بالنسبة الي الرعية لانهم حين النقل و الحكاية بمنزلة اللسان بل اللسان حقيقة و لذا قال9 رحم اللّه امرء سمع مقالتي فوعاها و أدّاها كما سمع و قال تعالي ان اللّه يأمركم ان‏تؤدّوا الامانات الي اهلها و الفارق بين المقامين مكابر مباهت اذ ليس له دليل لا من العقل و لا من النقل و لا من اللغة قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين.

فقولهم «ان الخطاب توجيه الكلام نحو المخاطب الحاضر» مسلّم لكن هذا الحضور يجب عند الخطاب و لايجب اجتماع المخاطبين كلهم اجمعين في مشهد واحد و محضر واحد و وقت واحد فان الخطاب لو وقع الان و اتي مَن شأنه ان‏يخاطب به بعد الف سنة نطق لسان المخاطب (بالكسر) بذلك الخطاب فخاطبه به حقيقة اماسمعت ماوردت الاخبار الكثيرة (المتكثرة خ‏ل) و شهد لها العقل السليم ان القاري اذا قال قل هو اللّه احد يقول في نفسه هو اللّه احد و اذا قال قل ياايها الكافرون يقول ياايها الكافرون و اذا قال ياايها الذين امنوا يقول لبيك يا رب و سعديك فان اللّه يخاطبه بلسانه و قد اجمع المسلمون ظاهراً و الفرقة المحقّة يقيناً ان رسول‏اللّه9 قد خلقه اللّه قبل الخلق و قبل ادم و قال9 كنت نبياً و ادم بين الماء و الطين و ماكان نبياً الاّ بالقرءان كما في قوله تعالي و لقد اوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنت تدري ما الكتاب و لا الايمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء الي صراط

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 375 *»

مستقيم و اذا كان القرءان نازلاً عليه9جملة في ذلك العالم و كلّه او جلّه خطابات فاين المخاطبون و كذا (كذلك خ‏ل) مولينا علي اميرالمؤمنين7 يوم الذي تولد قرأ القرءان من اوله الي اخره و لم‏ينزل في ذلك اليوم حرف واحد فكيف وجد الخطاب من غير مخاطب فلنقبض الكلام فان ذيل هذه المسألة طويل و قد توحّل فيها اصحاب القال و القيل فمااصابوا شيئاً من حقيقتها لا كثيراً و لا قليلاً من الطرفين من القائلين بعموم الخطاب و النافين له الاّ ان فيما اشرنا اليه ان كنت علاّمة تستبصر لمنتهي المطلوب و علي اللّه قصد السبيل و منها جائر.

فمولانا و سيدنا اميرالمؤمنين قد خاطب اهل الاكوار الجسمية و الادوار البشرية بذلك الخطاب في ذلك اليوم في الخطاب اللفظي المطابق لخطابهم بالخطاب الوجودي الكينوني و خاطب اهل المثل النورية و الابدان النورانية و الاشباح الظلية قبل خلق السموات و الارض في الاقليم الثامن عالم هورقليا الف سنة و كل سنة الف شهر و كل شهر الف اسبوع و كل اسبوع الف يوم و كل يوم الف سنة مماتعدّون و كان الموقف في ذلك العالم بين المدينة و الكوفة و الخلق كلهم مجتمعون في صعيد واحد و خاطب7 اهل الاظلة و الذر قبل خلق السموات و الارض بالفي عام علي ذلك التقدير و ربّما يكون هنا اطول و اشدّ و خاطب7 اهل الكثيب الاحمر في الكون الناري قبلهما بثلثة الاف سنة و خاطب7 اهل الرفرف الاخضر قبل خلق السموات و الارض باربعة الاف سنة و خاطب7 اهل ارض الزعفران قبل خلقهما بخمسة الاف سنة و هم حينئذ ذرّ علي هيئة ورق الاس مكتوب في وسط الورقة لااله الاّاللّه و في الجهة اليمني محمّد رسول‏اللّه9 و في الجهة اليسري علي اميرالمؤمنين ولي‏اللّه7و خاطب7 اهل الاعراف الذين لاتعتريهم وهجات النوم ابداً و قد تأخذهم سنة خاطبهم قبل خلق السموات و الارض بستّة الاف سنة او بسبعة الاف سنة و كل سنة دهر و هم حينئذ انوار بيض قائمون بعبادة الحق المعبود جلّ‏وعلا و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 376 *»

خاطب7 اهل الافئدة الناظرين الي عالم اللانهاية و السابحين في تلك اللجّة بلا غاية يوم الذي كان العرش علي الماء قبل خلق السموات و الارض و قد سئل اميرالمؤمنين7 كم كان العرش علي الماء قبل خلق السموات و الارض قال7أتحسن ان‏تحسب قال بلي قال7 اخاف ان لاتحسن قال بلي فقال7 لو صبّ خردل في الهواء بحيث سدّ الفضاء و ملأ مابين الارض و السماء ثم لو عمرت مع ضعفك ان‏تنقل حبّة حبّة من المشرق الي المغرب حتي ينفد لكان ذلك اقل من جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير مما بقي العرش علي الماء قبل خلق السموات و الارض و استغفر اللّه عن التحديد بالقليل هـ .

و خاطب7 اهل الرضوان قال تعالي و رضوان من اللّه اكبر الاّ انهم لايوصفون بالقبل و البعد و القرب و البعد لانهم خارجون عن حدود الزمان و الزمانيات فانتفت مقتضياتهما و خاطبهم بباطن باطن هذه الخطبة الشريفة الذي هو سرّ التوحيد و حقيقة التفريد و التمجيد و خاطبهم من غير لفظ و لا اشارة و لا عبارة و لا تلويح و لا كيف و لا كمّ بل ذلك عين مقام الخطاب و بطلان وجود المخاطب ليتّحد الخطاب و المخاطب (بالفتح) و ذلك غير الذي نريد من شرح هذه الخطبة فانا بصدد شرح ظاهرها و بعض وجوه باطنها و اما باطن باطنها فاغلبه ماندركه و لانعلمه و الذي نعلم لايجوز البيان لقول الصادق7 ما كلّ‏ما يعلم يقال و لا كلّ‏ما يقال حان وقته و لا كلّ‏ما حان وقته حضر اهله هـ .

و خاطب السموات قبل ذلك المجلس بسنة او خمسمائة سنة او سبعمائة سنة او تسعمائة سنة او الف و خاطب الارضين بمراتبها من الاولي و الثانية و الثالثة و الرابعة الي السابعة التي كل اول بالنسبة الي اخره كحلقة ملقاة في فلاء قي علي ماقال النبي9 فيكون الخطاب علي كل ارض و اهلها بعد الارض المتقدمة بالف سنة تقريباً للافهام والاّ فهو ازيد وهكذا المراتب النازلة الي اسفل السافلين الي الثري الي ماتحت الثري وهكذا الي ماشاء اللّه الي ان‏انقطع علمه الاّ عن اللّه سبحانه و من اطلعه علي مكنون علمه من خلفائه و حججه: .

و خاطب البهائم بعد ذلك المجلس

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 377 *»

في ذلك المجلس بالف عام.

و خاطب7 النباتات بعده بالفي عام.

و خاطب7 المعادن بعده بثلثة الاف عام.

و خاطب7 الجمادات بعده باربعة الاف عام.

و خاطب7 الاعراض و الكيفيات بعده بسبعين الف عام.

و كذلك الصفات و الهيئات و الامثلة القارّة و الغيرالقارّة و انحاء الروابط و النسب و الاوضاع و المجازات المجازية و الحقيقية و ساير الاوطار في نهايات الاكوار و الادوار و هذه البعديات هي عين تلك القبليات و تلك القبليات هي عين هذه البعديات اذ ليس لربّك قبل و لا بعد و كذلك لوجه ربك ذي‏الجلال و الاكرام فان الوجه ان لم‏يكن علي صفة ذي‏الوجه اي ايته و دليله لم‏يكن وجهاً و انما هو حجاب و قد دلّت اخبارهم و شهدت اثارهم علي انهم هم وجه اللّه و ماوصل علي الكل الاّ خطاب واحد و ماخاطب7 الاّ بامر واحد ظهر ذلك الامر الواحد علي كل تلك المراتب المتقدمة علي مقدار قابليته و حسب استعداده من ذات او صفة لطافة او كثافة علوّ او سفل معني او لفظ او صوت او همهمة او ايقاع صوت كوقع السلسلة في الطست كلها بخطاب واحد.

و لمّا كان امر البدء كذلك عند الخطاب اي التكليف صار الامر في العود عند مجازاة مواقع التكليف عند الحساب قال عزّوجلّ اشارة الي العود تصريحاً و الي البدء عموماً و هو ايضاً نوع من التصريح قال اللّه عزّوجلّ و تري كل امة جاثية كل امة تدعي الي كتابها اليوم تجزون ماكنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ماكنتم تعملون و قدتقدم ذكر ذلك عن اهل العصمة: ان الكتاب المشار اليه هو اميرالمؤمنين7 فانه يقف علي المحشر و الخلق كلهم كتابهم بيمينهم و شمالهم فيقرأ بلفظ واحد ينظر كل احد في كتابه و يري انه7 يقرأ عليه اعماله خاصة دون باقي الخلق هذا حكم العود و قدقـال عزّوجلّ كما بدأكم تعودون فالخطاب عند البدء بل هو البدء حقيقة فصار خطابه7 خطاباً واحداً فسمع المخاطبون كلهم علي مقدار افهامهم بلغاتهم و اشاراتهم و مايناسب درجتهم اذ اختلاف تلك اللغات ايضاً من

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 378 *»

اللّه سبحانه بولي‏الامر عليه‏السلام و روحي فداه قال اللّه عزّوجلّ و من اياته خلق السموات و الارض و اختلاف السنتكم و الوانكم قال اميرالمؤمنين7 ايّة (اي خ‏ل) اية اكبر منّي و قال مولينا الصادق7 اي اية اراها اللّه سبحانه اهل الافاق غيرنا في قوله عزّوجلّ سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انه الحق الا انه بكل شي‏ء محيط([4]) و خلق السموات و الارضين و اللغات و ماذكر في القرءان من الايات كلها تفاصيل ظهورات تلك الاية الكبري و الكلمة الحسني و المثل الاعلي فافهم.

و كان خطابه7 للكل في مشهد واحد خاطب كل اهل الوجود المقيّد دفعة واحدة الاّ انهم اختلفوا في سماع هذا الخطاب و الوصول اليهم فجاءت الاعداد و السنون و الحساب و القبل و البعد كمابيّنّا فافهم و لاتكذب بما لم‏تحط به علماً و اللّه سبحانه يقول و اذ لم‏يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم ان افتريته فعلي اجرامي و انا بري‏ء مماتجرمون.

و هذا الخطاب كان بين المدينة و الكوفة في البدء فان هذا الخطاب و البيان انما كان بعد استقرار الاسلام و ظهور التوحيد و النبوة و ظهور شرف المدينة و الكوفة([5]) و انتساب كل فرع الي اصله و ان كان ذلك الظهور ايضاً ماحصل الاّ بهذا الخطاب الاّ انه علي طور غير طور هذا الخطاب و هذا التفصيل و ان كان علي هذا التفصيل لكنه مااظهر لهم ذلك هناك و مثال ذلك انك اذا قابلت مرءاة تظهر صورتك فيها و ان قابلت مرءاة اخري هذه المرءاة التي انطبعت فيها صورتك تنطبع فيها صورة مرءاة و صورة فالناظر في الثانية له نظران مرة ينظر فيها لمشاهدة المقابل الخارجي الاصلي (الاصل خ‏ل) و ما له التفات الي خصوص المرءاة و الصورة و الوسايط و قلّتها او كثرتها فيتوجه الي المقابل بهذه المرءاة من غير التفات اليها مصون‏السرّ عن النظر اليها و مرفوع‏الهمة عن الاعتماد عليها و مرّة اخري ينظر الي حقيقة المرءاة و الصورة و الوسايط و التوصيفات التي وصف بها المقابل هل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 379 *»

هي بلاواسطة او مع‏الواسطة و الوسايط قليلة او كثيرة مغيّرة للشي‏ء عماهو عليه ام لا.

فهناك يلتفت فيري ان الذي توجه اليه تحت ستة حجب: الحجاب الاول الشبح المتصل بالمقابل. و الثاني الشبح المنفصل عنه الكلي. و الثالث الشبح المنفصل عن الشبح المنفصل و هو الجزئي الذي في المرءاة الاولي. و الرابع الشبح المتصل بالصورة و المرءاة. و الخامس الشبح المنفصل عنهما الكلي. و السادس الشبح المنفصل عن الشبح المنفصل الذي هو في المرءاة الثانية من الصورة و المرءاة و هناك يعرف مقامه و مرتبته و لايدّعي ماليس له به علم. و لا شكّ ان النظر الاول ماحصل و الذي فهم بالملاحظة الاولي ماتحقّق الاّ في هاتين المرءاتين و الصورتين فلهما هيمنة عليه مع انه اذا ظهر يغيّب المرايا و الصور فافهم و لذا تري النحاة يقولون ان الفاعل مشتق من المصدر المشتق من الفعل فالفعل له هيمنة علي الفاعل لانه يؤثر فيه و يعمل عليه و يرفعه و مع ان الفاعل يمحي ذكر الفعل و حتي ان القوم مايتصورون تأخّر الفاعل عن الفعل و اني كرّرت هذا المثال في هذا الشرح تذكرة لمن يتذكّر و تبصرة لمن يستبصر.

فعلي هذا فافهم ماذكرنا لك ان هذا الخطاب انما كان بعد ظهور التوحيد و النبوة مع انهما ماظهرا الاّ به لان مقام الولاية الظاهرة تحت مقام النبوة المطلقة و اليه اشار7بقوله انا اية محمّد9 فولايته علي الناس انما وجبت بعد معرفة توحيد اللّه سبحانه و الاذعان بنبوة محمّد9 و كان ذلك الخطاب بين المدينة و الكوفة في كل عالم من العوالم الالف الف الي اخر نهايات الحركات في الاكوار و الادوار فظهرت تلك الفواصل الدهرية و السرمدية في عالم الزمان و المكان في ذلك الوقت في ذلك المكان و لم‏يسمع هذه الخطبة احد الي يوم القيمة و مابعده الي ماشاء اللّه الاّ في ذلك الوقت و ذلك المكان و علي هذا المعني قولهم ان كل ارض كربلاء و كل يوم عاشوراء و كل مكان و كل وقت يوم الغدير لان المدد لاينقطع و سرّ اللّه لاينفد و لايتبدد فافهم.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 380 *»

قوله7 انبيوا الي شيعتي اعلم ان الامر طلب لايقوم المأمور الاّ به و ذلك الامر علي قسمين: امر هو فعل و امر هو مصدر اي المفعول المطلق و الامر الثاني مشتق من الامر الاول اشتقاق الحركة عن المتحرك و الصورة في المرءاة عن الشاخص و الشعاع عن المنير و امثال ذلك و الفعل عند تمام قابلية المفعول و رفع الموانع عنه و سلب المنافي و المعارض لحكم التخيير امر حاضر ام غائب و لذا كان اخره ساكناً و اوّله متحركاً من غير دخول عامل عليه فالحركة اشارة الي الاستدارة علي المفعول للامداد و الاحداث و الميل الي الصنع و الايجاد و سكون الاخر اشارة الي وقوفه و ثباته في مكانه و عدم تعدّيه الي رتبة غيره و ان المفعول هو فاعل فعل الفاعل الظاهر بالامر و لذا تري الضمير الفاعل في الامر انت و قد قال مولينا الرضا7 في الاختراع انه خلق ساكن لايدرك بالسكون مع انه7 قال المشية و الارادة و الاختراع معناها واحد و اسماؤها ثلثة و قال7 ان ارادة اللّه احداثه لا غير و اللّه تعالي فسّر الامر و الارادة بقوله عزّوجلّ انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون فبيّن سبحانه و تعالي ان قول كـن هو امره و ارادته لمن يعقل و يفهم هذا هو الامر الفعلي و الامر المفعولي متقوّم بهذا الامر تقوّم الصورة بالشاخص قال عزّوجلّ و كان امر اللّه مفعولاً و ذلك هو المفعول المطلق و هو مادة المأمور و المأمور حدود ذلك الامر و اعراضه مع الامر لان حقيقة المأمور امر مع امر خارج فلا تقوّم للمأمور الاّ بالامر و لذا قال عزّوجلّ و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و قال مولينا الصادق7 في الدعاء كل شي‏ء سواك قام بامرك فابان انّ قوله تعالي السماء يريد به (بها خ‏ل) سماء المقبول و ارض القابليات ليشمل كل شي‏ء و قداشـار سبحانه و تعالي الي تفصيل هذا الامر و كيفية تقوّم السماء و الارض به في قوله عزّوجلّ ثم استوي الي السماء و هي دخان فقال لها و للارض ائتيا طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طائعين فيريد بالامر الذي قام به السموات و الارض هو المعبّر عنه بقوله ائتيا فلمّا قبلا و اتيا طائعين فتقوّما بالامر الذي هو من اللّه و الي اللّه سبحانه و تعالي فالمأمور انما تقوّم بالامر فيكون فعل المأمور

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 381 *»

به واجباً و تركه حراماً لانه يستلزم اعدامه فالامر الكلّي يستلزم المأمور به كلياً و الجزئي يستلزم ذلك جزئياً فلاينفكّ المأمور عن الامر الاّ و قد بطـل قال تعالي فليحذر الذين يخالفون عن امره.

ان قلت كيف يكون قوام المأمور بالامر مع ان ذلك خلاف المحسوس و الواقع فان الامر هو اللّه و المأمور هو المكلّف و الامر هو قوله تعالي اقيموا الصلوة و اتوا الزكوة و اركعوا مع الراكعين و امثالها مع انه سبحانه قال و كان يأمر اهله بالصلوة و الزكوة و الاهل هو المفعول الواقع عليهم الامر و قد شاع و ذاع ان المفعول‏به يجب ان‏يكون موجوداً ليقع الفعل عليه و لذا قالوا في خلق السموات و الارض ان السموات و الارض مفعول مطلق لا مفعول‏به؛ قلت الواقع كماذكرنا الاّ ان معرفة ذلك صعب مستصعب و الاشارة اليها للمؤمن الممتحن ان الالفاظ حكاية للمعاني و مرايا لها قال مولينا اميرالمؤمنين7 المعني في اللفظ كالروح في الجسد و قد صحّ عندنا و عند العارفين ان المشبّه في الكتاب و السنة عين المشبّه به فالمعني هو روح اللفظ و ان لم‏تسلم هذه المقدمة يظهر المراد من التشبّه (التشبيه خ‏ل) ايضاً لان الالفاظ قوالب و توابع للمعاني فلايوصف بحكم الاّ باعتبار المعني و تحقيق ذلك فيماكتبنا في اصول الفقه و ماقرّرنا في اثناء البحث و يطول الكلام بذكره.

فاذا صـحّ ذلك فنقول ان المأمور لا شكّ و لا ريب انه ذات ثبت او وقع عليه الامر فقبل وقوع الامر هل كان مأموراً ام لا و الثاني باطل و علي الاول([6]) ثبتت (تثبت خ‏ل) مساوقيّة المأمور مع الامر. ثم اقول ان هذه المساوقة في اللفظ فقط ام في المعني؟ فان قلت في اللفظ فقد ابطلنا انفاً مع انا نقول هل معناه كان موجوداً قبل الامر ام لا؟ فان قلت بلي قلت اذن ما اثر الامر الجديد شيئاً و الضرورة تقتضي بطلانه فان قلت في المعني قلت هل المعني هو ذات الشخص في رتبة ذاته او في مقام ظهوره باثاره؟ فان قلت ذاته في مرتبة ذاته فلايجوز سلبه عنه مادام وجود ذاته و البديهة تشهد بخلافه فتقول (تقول خ‏ل) زيد مأمور و ليس بمأمور و ذاته في كلا الحالين باقية فان قلت في مقام ظهوره باثاره فلا شك ان مقام الذات غير مقام الظهور لان الظهور اثر الذات و صفتها و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 382 *»

لاتجمع الصفة و الموصوف حقيقة واحدة لتجعل الذات و الظهور اي الاثر شيئاً واحداً ثم تسمّي هذا المجموع المركب اسماً واحداً فان ذلك مستحيل عقلاً فان في التركيب يشترط تساوق الاجزاء و تجامعها في صقع واحد ليصحّ ميل احدهما في الاخر و الاخر فيه حتي يحصل من المزج و التعفين شي‏ء واحد و لايجوز ذلك في الاثر و المؤثر اذ ليس بينهما اتصال و لا انفصال و لا اقتران و لا افتراق و لا تناسب و لا تباين فثبت ان المأمور هو ظهور الشخص بتلك الصفة و ذلك الظهور قابلية للامر و صورة له و الامر هو مادة له فاذا تعلق الامر بذلك الظهور ظهر المأمور فقبل الامر ماكان مأمور و لا امر فلمّا تعلق الامر و وجد ظهر المأمور فصحّ ان الامر و المأمور جهات الامر و لذا قالوا ان المصدر يأتي بمعني اسم الفاعل و بمعني اسم المفعول و يستعمل في معناه المصدري و هذا لا اشكال فيه لمن تأمّل و نظر.

ثم ان قوله تعالي كـن لا شك انه فعل امر فمن كان المأمور فان قلت كان المأمور موجوداً و هو الاعيان الثابتة في غيب الذات علي مايزعمه اصحاب الجهالات يلزم منه مفاسد قبيحة لانطوّل الكلام بذكرها لانا ذكرناها في كثير من مباحثاتنا و رسائلنا من ان تلك الاعيان ان كانت شيئاً غير اللّه قديماً مع اللّه فيلزم منه تركيب الذات و ظهور الكثرات فيها و ان لم‏تكن شيئاً لم‏تكن موجودة اذ لا واسطة بين الوجود و العدم معقولة كما قال مولينا الصادق7 اذ ليس بين الاثبات و النفي منزلة. فان قلت لم‏يكن المأمور موجوداً قلت اذن صحّ ماذكرنا ان المأمور انما يوجد بالامر و الامر مادة له و التعلق صورة له و المجموع هو المأمور و هو يكون فان الضمير فيه يرجع الي المأمور بـ كـن لا الي الامر. فان قلت ان هذا الكلام تعبير لفظي و ليس في الواقع لفظ و لا كلام و لا امر و انما هو ايجاد و احداث قلت هل التعبير مطابق للواقع ام مخالف له فان قلت مطابق صحّ ماقلنا و ان قلت مخالف /و (زائد خ‏ل) اللّه اجلّ من ذلك. و ان قلت ان هذا التعبير مجاز قلت ان المجاز لايصرف (لايصار ظ) اليه الاّ بدليل قطعي و مجرّد عدم المعرفة لايكون دليلاً بل الدليل علي نفي المجازية قائم كماذكرناه (ذكرنا خ‏ل) و ربما نذكر فيما بعد ان شاء اللّه تعالي.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 383 *»

فالامر امران: امر اوّلي و امر ثانوي و كلاهما تكويني و تشريعي و الامر الثانوي علي قسمين احدهما ما لايتعلق (يتعلق خ‏ل) بوجود الامر الاوّلي و ظهوره في الكون و لولا ذلك لم‏يظهر و لم‏يوجد و ثانيهما لتكميل الاول و تتميمه في مقام الكمال فالامر الاوّلي هو المقصود لذاته و هو الذي تعلّقت به مشية اللّه العزمية و ارادَتْه ارادة محبة و هو المجعول بالاصالة و عليه يدور رحي التكوين و التشريع اي لولا ذلك لم‏يتكوّن الكينونة الاولية و لم‏يتقوّم وجود الخير و لم‏يبلغ الي الغاية التي خلق لاجلها و لم‏يتمّ له ماخلقه اللّه سبحانه لاجله فهذا هو الحتم المقضي اللازم الثابت الذي لا مردّ عنه (له خ‏ل) و الاّ لانعدم اي طرق باب الاستغناء فولّي مدبراً الي جهنم و بئس المصير علي حسب مراتبها و مقاماتها و الامر الثانوي هو المقصود بالعرض و هو من شعاع الامر الاولي و نوره و جزء من سبعين جزء منه كالظلّ للاصل و هذا لايكون الاّ لاظهار الاول حقيقة و ذاتاً ام كمالاً و صفاتاً (صفـةً ظ) فان كان الاول فهي الواجبات الغيرية و ان كان الثاني فهي المستحبات و الاول ان كانت فيه جهة مطلوبية ذاتية و تأثيرات حقيقية او لانه ليس السرّ الاستلزامي فيه ظاهراً و لاينوط ذلك الامر به فعلاً علي حسب الظاهر فيتعلق به الامر الظاهري كالواجبات الغيرية كالطهارة والاّ فلايظهر تعلق الامر به ظاهراً و انما هو متعلق به حقيقة و ذلك كمقدمة الواجب فانه واجب شرعاً الاّ انها ليست كذي‏المقدمة و انما هي جزء من سبعين جزء منه فلاتجتمع معه في صقع واحد و لذا اذا نظر الرجل بان‏يأتي بواجبين فاتي بالمقدمة و ذيها فلايكفي لان المتبادر من الواجب الذي تعلق به الامر الالهي الاولي لا الثانوي العرضي و بالجملة الواجب و المستحب ليسا في صقع واحد و لاتجمعهما حقيقة واحدة و الواجب هو الاصل و المستحب هو الفرع و اللفظ اذا اطلق علي الاصل و الفرع فلا شك انه علي الاصل حقيقة و اما علي الفرع فهل هو كذلك ام لا ففي محل الشك و لمّا لم‏نجد علامة الحقيقة في الاطلاق علي الفرع قلنا انه مجاز و لمّا كان الامر الثاني في الصورة علي مثال الامر الاول فاذا لم‏يتميزه الناظر فليحمل علي الواجب قطعاً لان اللّه سبحانه اذا اراد منه المندوب

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 384 *»

لنصب له القرينة و اذ لم‏يفعل فلايريد الاّ الوجوب فقوله7 انبيوا الي امر وجوبي حتمي الزامي زايداً علي ماذكرنا من انه امر يفيد الوجوب و الالزام فيه اشارة الي تمام ظهور الامر البدئي الذي هو كـن لانه لمّاظهر بالتعلق اخذ في التنزّل بالتعلق فكل نزول لابد له من صعود و كل عسر لابد له من يسر قال عزّوجلّ فان مع العسر يسراً ان مع العسر يسراً.

فاشار7 في هذه الفقرة الشريفة الي قوس الصعود ليتمّ ظهور استدارة الكاف علي نفسها ذاتاً و ظهوراً و يظهر معني قوله7 ان الزمان استدار كهيئة يوم خلق اللّه السموات و الارض فقوله عزّوجلّ فبشّر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا للّه و انا اليه راجعون فقوله انّا للّه اشارة الي قوله تعالي كن فيكون و انا اليه راجعون اشارة الي ماقال الامام7 لان اللّه عزّ ذكره ذكر في محكم كتابه العزيز و انبيوا الي ربكم و اسلموا له من قبل ان‏يأتيكم العذاب قال تعالي منيبين اليه و قال تعالي الا الي اللّه تصير الامور و اليه يرجع الامر كله، و ماقدروا اللّه حقّ قدره و الارض جميعاً قبضته يوم القيمة و السموات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالي عمايشركون.

و اراد الامام7 شرح هذه الايات و امثالها في مقام كشف الاسرار و اشراف الانوار علي ان هذه الانابة التي هي الرجوع الي اللّه ليس هي الرجوع الي ذات اللّه سبحانه فانه تعالي اجلّ من ان‏يقرب بساحة جلاله الاقتران او الاتصال او النسبة او الارتباط او الاضافة او الوصل او الفصل او غير ذلك من الاحوال المستلزمة للافتقار و التركيب و الكثرة و ساير الامور القبيحة المنكرة فلايصل احد اليه اذ المحال ان‏يكون المراد الرجوع الاتصالي علي مايزعمه الصوفية بان الخلق ليس الاّ الحق مع التعين فالرجوع الي اللّه علي دعويهم سلب الكثرات و رفع الانيات و ازالة الماهيات فيكون هناك حقّ لا خلق فيه فرجع (فيرجع خ‏ل) الي اللّه فان هذه الاعتقاد كفر باللّه العلي العظيم و خروج عن الدين القويم فان ذلك يستلزم الاقتران و الكثرة الذاتية و قدفصّلنا شناعة هذا القول في تفسيرنا علي اية الكرسي بما لامزيد عليه فاذا بطل هذا القول فمابقـي الاّ القول بان الخلق اثر

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 385 *»

لفعله سبحانه و الشي‏ء لايجاوز مبدأه اي ذاته لانه فوق ذاته عدم محض لا ذكر له فرجوعه عبارة عن الرجوع الي مبدئه.

و هذا الرجوع له معنيان: احدهما رجوع ذاته و صفاته و احواله و حركاته و سكناته و كل‏ما له و منه و اليه و فيه و عنه و به و عليه و عنده و لديه كلّها الي اللّه تعالي بمعني اضمحلالها و بطلانها و فقرها و استمدادها من الحق سبحانه بحيث لايجد لنفسه شيئاً كما انه لايملك لنفسه شيئاً نفعاً و لا ضراً و لا موتاً و لا حيوةً و لا نشوراً فالشي‏ء في كل احواله طارق باب فيضه و قارع باب رحمته بانامل قابلية فقره و في كل حاله راجع اليه فقير مضطرّ واقف بباب الاذن سائل منه سبحانه المدد. و لمّا كان العالم يدور بالاسباب و المسبّبات و العلل و المعلولات و الادلة و المدلولات و اللوازم و الملزومات و الاثار و التأثيرات و الشرايط و المشروطات و ساير المتممات و المكملات و الاضافات و القرانات و الجهات و الاعتبارات و امثالها من الذوات و الصفات و الشي‏ء لايتمّ الاّ بتلك الحالات و هي كلّها بيد قهّار البريّات فاطر السموات بارئ المسموكات فلايؤثر سبب في مسببه و لا ملزوم في لازمه و لا شرط في مشروطه و لا علة في معلوله و لا دليل في مدلوله الاّ بمشيته و ارادته و قدره و قضائه و اذنه و اجله و كتابه فرجع (فيرجع خ‏ل) الامر في كل شي‏ء في كل حال اليه سبحانه و تعالي هو القاهر المتسلط في ملكه و المتصرف في خلقه لااله الاّهو العزيز الحكيم و اليه تشير الايات المتقدمة من قوله عزّوجلّ و اليه يرجع الامر كله و الا الي اللّه تصير الامور و انا للّه و انا اليه راجعون و امثالها مماقدّمنا شطراً منها.

و ثانيهما اعلم ان في كل شي‏ء جهتان و كينونتان الكينونة الاولي هي التي من ربّه و هي متعلق الجعل الالهي اولاً و بالذات و هي الغاية و الغرض في الايجاد و هي المحبة التي صارت علة للخلق لمعرفة الخالق و هي مهابط الانوار الالهية و مجالي اشراقات لمعان الصفات الفعلية و نسبتها الي فعل اللّه عزّوجلّ و ظهور التوحيد له نسبة الحديدة المحماة بالنار اي النار الظاهرة في الحديدة و ليس فيها الاّ صرف ظهور النار و لك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 386 *»

ان‏تقول انها هي النار و لك ان‏تقول انها غيرها لا فرق بينها و بين النار الاّ انها اثر النار و حدثها و دليلها و صفتها حكمها حكمها و امرها امرها و الكينونة الثانية هي التي من نفسه و هي متعلق الجعل الثانوي العرضي لم‏يتعلق بها غرض بوجه غير اظهار تلك الكينونة و شأنها شأن مقدمة الواجب و نسبتها الي الاولي كالظلّ خلف الجدار بالنسبة الي النور الذي في وجه الجدار و هذه هي الانية و الماهية و التي تشير بها اليك و تقول «انا» و بها يمتاز اهل السلسلة العرضية بعضها عن بعض و هم منشأ الكثرات و مبدأ الاختلافات و محل الروابط و الاضافات و تعدد الجهات و الكينونة الاولي جهة الوحدة و البساطة و النورانية هي كظهور ربها لايشوبها صفة من الصفات الخلقية و حال من احوالهم و اضافة من اضافاتهم هي كالسراج الوهّاج لكن باعتبار اقترانها بالكينونة الثانية تكثرت ظهوراتها و تعددت جهاتها فكل الكمالات المتشتتة في كل مقامات الشي‏ء و درجاتها و مراتبها فانما هي كلها ظهورات تلك اللطيفة الالهية و الكينونة الحقّية و كل الكمالات و الصفات فيها شي‏ء واحد بذاته مصداق كل الصفات و كل واحد منها هناك عين الاخر و تلك الكينونة هي للّه سبحانه اذ كل ماسواه منقطع لديها باطل عندها فرجوع الامر الي اللّه رجوع الاعداد كلّها الي الواحد و رجوع الواحد الي الاحد و جذب الاحد (الاحدية خ‏ل) بظهوره كل صفات الواحد و فنائها عند ظهوره و بطلانها عند سطوع نوره و الاحد هو تلك الكينونة الاولية و منشأ كثرات الاعداد هي الكينونة الثانية فالواحد الذي هو نور الاحد و ظهوره عادّ العدد و ترجع (يرجع خ‏ل) كلّها اليه و كذلك الاحوال الخلقية و الاضافات الحقيقيّة كلّها تفني و تعدم عند ظهور تلك الحقيقة و هي ظهور اللّه سبحانه له به فرجعت الكثرات كلها الي الوحدة الحقيقية عند كشف السبحات و هتك الستر و محو الموهوم و اطفاء السراج فيظهر هناك الجلال و السرّ و المعلوم و النور الذي اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره و هذا الرجوع في الجزئي و الكلي اي العالم الاكبر و العالم الاصغر موجود.

و الرجوع في كل حال من احوالهما متحقّق الاّ انه يكون له ظهور غالب ففي الجزئي حين موته لا بعد

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 387 *»

ان مات بالموت الطبيعي او بغيره المتحقق بازهاق الروح و هو في تلك الحالة (الحال خ‏ل) لم‏يشعر بشي‏ء ابداً و كذلك عند دخوله في النوم فان هناك ايضاً ظهور تلك الوحدة و كذلك عند خروجه منه الاّ ان في هذه الاحوال لم‏تشعر بتلك الوحدة و لم‏تنظر الي تلك الكينونة لانه لم‏يكن باختياره ظاهراً كما انك كثيراً مّا تري مطلوبك و محبوبك و ماتعرفه انه هو فاذا رأيته و انت تعرفه فهناك بلوغ الامال و منتهي الوصال و هذه المعرفة و الرؤية انما تحصل في الدنيا اذا امتثل قوله تعالي فتوبوا الي بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون([7]) و قوله تعالي و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون و قوله7 موتوا قبل ان‏تموتوا فهناك يظهر له معني قوله تعالي انا للّه و انا اليه راجعون.

و اما في الكلي فتظهر تلك الكينونة الباقية (الفانية خ‏ل) عند فناء كل شي‏ء و اضمحلاله و رجوع الامر اليها الذي هو عين الرجوع الي اللّه سبحانه اذا نفخ في الصور فصعق من في السموات و الارض الاّ من شاء اللّه و ذلك هي تلك الكينونة التي خاطب اللّه سبحانه ادم علي نبينا و اله و عليه‏السلام ياادم روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي فهناك جذب الاحدية لصفة التوحيد تكويناً كما كان تشريعاً فهناك يسأل اللّه عزّوجلّ اين الجبّارون اين الذين يأكلون رزقي و يعبدون غيري لمن الملك اليوم فتجيب تلك الكينونة و تقول للّه الواحد القهار و ذلك كماتقرأ القرءان و تقول ياايها الذين امنوا ثم تقول لبيك اللّهم لبيك و هذا معني قولهم: نحن السائلون و نحن المجيبون فافهم.

و لهذا الرجوع معني اخر الاّ انه قريب من المعني الاول و هو ان اللّه عزّوجلّ لمّا جعل هذه الدار الدنيا دار التكليف و التكليف يستلزم ان‏يمزج سبحانه في بنية المكلّفين بعض الغرائب و الاعراض الخارجة لتمنعه عن مشاهدة ملكوت السموات و الارض في اول المرة الاّ بعد التصفية لئلايلزم الالجاء و الاضطرار و هو قوله عزّوجلّ اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بماتسعي و تلك الغرائب و الاعراض و غفلته و النظر الي نفسه تمنعه عن التبصّر و الاستبصار بان لا مؤثر الاّ اللّه و لا مالك الاّ هو و لا مدبّر غيره و لا متصرّف سواه بل ينظر الي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 388 *»

الاسباب فينسدّ عليه ذلك الباب فيراها مستقلة و هذه الرؤية تختلف بحسب مراتب الرائين فيها و جهات الانيات التي يلاحظونها و ذكرها يحتاج الي بسط طويل و لسنا بصدده فاذا ماتوا انتبهوا و رأوا ان الامور كلها بيد اللّه و راجعة اليه و مطيعة لامره و نهيه و منزجرة لارادته فهناك يظهر لهم رجوع الامر كله الي اللّه و لذا استحبّ اذا مات الانسان يقول الاحياء انا للّه و انا اليه راجعون فان اللّه سبحانه في الدنيا ابتلي بعضهم ببعض و عاملهم بالاسباب الجزئية و اظهر لهم عن امره حسب مايظنّون فاذا ماتوا بدا لهم من اللّه ما لم‏يكونوا يحتسبون هذا معني الانابة الي اللّه سبحانه و تعالي و تفصيلها في التكوين و التشريع ممايطول به الكلام و الاشارة لاهلها كافية شافية و مولينا اميرالمؤمنين7 حامل ظهورات هذه المعاني كلها لايظهر في الكون و الوجود معني منها الاّ به.

اما المعني الاوّل فهو انما يحصل عند ظهور الرحمن علي العرش و استوائه عليه و اعطائه كل ذي حق حقه و سوقه الي كل مخلوق رزقه و قدبيّنّا و نبيّن ان شاء اللّه تعالي ان الرحمانية هي الرحمة الواسعة التي وسعت كل شي‏ء و هي الولاية المطلقة الظاهرة بالتدبير و التصرف في كل ذرة من ذرات الوجود من الازل الي الابد الي الازل الذي هو عين ذلك الابد و اميرالمؤمنين7 هو حامل الولاية المطلقة و لذا قال7لايخطو (مايخطو خ‏ل) ملك خطوة الاّ باذني و امري كما في حديث البساط و الملئكة هي مظاهر التدبير فرجوع الخلق الي اللّه سبحانه في كل /اطوارهم و (زائد خ‏ل) احوالهم و ارزاقهم و اجالهم و ساير مقتضياتهم الي اللّه سبحانه عين الرجوع الي علي7 لان تلك القيومية المحيطة القهّارة لكل شي‏ء انما ظهرت في علي7 بل هي عينه7 فولايته عين ولاية اللّه قال الله تعالي و السماء بنيناها بايدٍ و انا لموسعون و الايدي هو محمّد و علي و الطيبون من اولادهما سلام اللّه عليهم و هم اربعة عشر بعدد يـد و قال عزّوجلّ بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء و علي7 هو اليد الباسطة بالنعم علي كل الامم و قال مولينا الصادق7 علي مافي الكافي و التوحيد في اللّه ان الالف الاء اللّه علي خلقه من النعيم بولايتنا و اللام الزام خلقه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 389 *»

ولايتنا و الهاء هوان لمن خالف ولايتنا فكانوا مظاهر التقدير و التدبير فعنهم بدئت الاشياء و اليهم تعود و مثالهم صلّي اللّه عليهم كالسراج فانه يد النار و قيوميتها للاشعة فبدء الاشعة من السراج و عودها في كل احوالها علي مافصّلت سابقاً الي السراج و رجوع الاشعة الي السراج عين الرجوع الي النار اذ ليس للنار باب الي الاشعة و للاشعة باب الي النار سوي السراج فالاشعة هي الواقفة بباب النار الذي هو السراج و الفقراء اللائذة بجنابها و هو هو و لذا /قال7(قالوا: خ‏ل) ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم.

و قد ذكر شيخنا و استادنا اطال اللّه بقاءه في بيان اياب الخلق اليهم كلاماً شريفاً مشتملاً علي اسرار شريفة احببت ان اورده هنا بلفظه الشريف تيمّناً و تبرّكاً قال اطال اللّه بقاءه: «اقول قدتقرّر في ادلة الكتاب و السنة في بواطن التفسير و في دليل الحكمة ان اللّه سبحانه لايجري افعاله في المفعولات الاّ علي ماهي عليه مما ينبغي لها و يمكن (تمكّن خ‏ل) فيها حين كونها و ذلك لايجري علي جهة قسرها بل يكون في تكوينه لها مختارة و يلزم من ذلك ان افعالها تصدر عنها علي جهة الاختيار و ماتراه في بعضها من الاضطرار فهو مايظهر لك في بادي الرأي ولو نظرت بالعين الحديدة ظهر لك انه ليس في شي‏ء من الموجودات قسر اصلاً بل كلها علي الاختيار في صنع اللّه تعالي لها و في صنعها لافعالها و مايصدر عنها و ذلك شي‏ء تكون به و يكون فيه و ليست شيئاً قبل بدئها و اول ذكرها و هو سبحانه ذكرها بالاختيار و اذا اردت معرفة كونها مختارة في كل حال فعليك بماكتبناه في الفوايد فاطلبه لتعرف حقيقة ماذكرنا.

ثم انه عزّ و علا نزلها من منازل ذكرها الاول في مراتب التكوين علي حسب قبولها من عطائه لم‏تعدم في جميع احوالها اوامره بما فيه نجاتها و نواهيه عما فيه هلاكها و هي كما كانت مختارة في نفسها لانها صنع المختار بالصنع الاختياري كذلك افعالها مختارة في نفسها و في تعلّقاتها لانها صنع المختار بالصنع الاختياري و لمّا كان الشي‏ء المختار اذا لم‏يمنعه مانع من مقتضي اختياره لايميل الاّ الي مايلايمه و كان لايلايم الشي‏ء الاّ ماكان احدهما من الاخر او لازماً له او متقوّماً به او مستمدّاً منه و مستعيناً به و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 390 *»

كان كلّ ماسويهم: من ساير الخلق اما لازماً لهم متقوّماً بهم مستمداً من فضل خيرهم مستغنياً بهم او متقوماً للازم (باللازم خ‏ل ــ فاللازم خ‏ل) لهم لازماً لهم (له خ‏ل) كساير اعدائهم فانهم ماوجدوا الاّ بفاضل وجود شيعتهم من جهة شمائلهم وجب في الحكمة رجوع الخلق اليهم كل واحد من الخلق يرجع بحكم التمكين و الاختيار الي مبدئه منهم.

و لمّا ثبت بالدليل كما اشرنا اليه مماتقدم و يأتي ان المخلوق من حين ذكره الاول الذي هو مبدأ شيئيته الي ان‏يعود اليه محتاج في بقائه الي المدد في جميع تلك المراتب في كل ذرة و حال هو مكلّف محصور بالاوامر و النواهي في غيبه و شهادته و قدبيّنّا ان كل ذرة في الوجود التكويني و التشريعي انما يوجدها اللّه سبحانه عنهم و لهم و قد انهي علمها اليهم في كل شي‏ء من الموجودين و قد جعلهم اللّه سبحانه مانّين لكلّ ماشاء اي مقدّرين وجب في الحكمة الالهية ان‏يكون حسابهم عليهم و هذا بحمد اللّه لمن وفقه اللّه لفهم ماكشفنا له من السرّ واضح ليس عليه غبار بل ضروري لاولي‏الابصار الذين يفرّقون بتوفيق اللّه بين الليل و النهار و ذلك لبيانهم: لهذا المعني في احاديثهم في بواطنها و في ظواهرها.» انتهي كلامه اعلي اللّه مقامه.

و اما اميرالمؤمنين عليه الصلوة و السلام فهو7 لمّا كان اميرهم و كبيرهم و رئيسهم و فخرهم و سيّدهم صلّي اللّه عليهم و كان هو الاصل لانهم: تفرّعوا عنه كتفرّع الاغصان من الاصل و تفرّع الحروف من الالف و اصل الولاية هو7 و نسبتهم اليه كنسبته الي رسول‏اللّه9 نسب الانابة الي نفسه الشريفة دونهم فقال انبيوا الي و انما لم‏ينسب الي محمّد9 مع انه اقدم و اشرف لماذكرنا سابقاً من ان مقامه9مقام الربوبية اذ مربوب ذكراً و امكاناً و مقام اميرالمؤمنين7 مقام الربوبية اذ مربوب عيناً و كوناً و الاشياء في مقام تفصيلها و انبساطها ترجع الي مباديها الخاصة بها من وجوه ذلك المبدأ الكلي الذي هو اميرالمؤمنين7 .

و اما المعني الثاني فاعلم ان تلك اللطيفة الالهية التي هي جهة العبد من ربه هي مثال جزئي قد اشتق من المثل الاعلي كاشتقاق النور من المنير و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 391 *»

المصدر من الفعل فهو متقوّم بذلك المثل الكلي و متحقق به و راجع اليه رجوع الاشعة الي الشمس اما علي فنائها عند ظهورها او فقرها و اضمحلالها عندها و استمدادها منها و كلا المعنيين (المعنيان ظ) مرادان و هذه الكينونة و ان كانت مثالاً للحق سبحانه في الجزئي الاّ انه معمول للفعل كالفاعل في قولك «ضرب زيد عمراً» فان زيداً فاعل مع انه معمول و مفعول و متأثر من ضرب فالمثل الاعلي بمنزلة ضرب لا لكونه مثلاً بل لكونه فعلاً و تلك اللطيفة بمنزلة الضارب من حيث انه مثال و اذا اعتبرت المثالية المحضة في المثل الاعلي يكون المثل الاعلي بمنزلة قولك «ضربت ضرباً» فالمثل الاعلي هو ضربت و هذه اللطيفة الجزئية كقولك «ضرباً» الذي في قوة ضربت تأكيداً لضربت الاول فيكون ضربت الثاني المتحصل من ضرباً مثال المثال و اية الاية و دليل الدليل و شبح الشبح كالمرءاة الثانية بالنسبة الي المرءاة الاولي فافهم و قد دلّ العقل و النقل علي ان ال‏محمّد صلّي اللّه عليهم هم الامثال العليا و الاسماء الحسني و علي7 هو المثل الاعلي من الاسماء الحسني و الصفات العليا فيكون هو المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و كلّ‏ما في الخلق من المظاهر و المجالي فكلها متقوّمة بتلك المقامات قال اميرالمؤمنين7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا اي بمعرفتنا و لذا قالوا: لولانا ماعرف اللّه و لولانا ماعبد اللّه و في الزيارة من اراد اللّه بدأ بكم و من وحّده قبل عنكم و من قصده توجّه بكم فافهم ان شاء اللّه تعالي.

و اما المعني الثالث فعلي7 هو سلطان الاخرة و اليه و الي الطيبين من اولاده يرجع امر الخلق في دار الاخرة فهم و ان كانوا ملوكاً في الدنيا و الاخرة الاّ ان السلطنة انما تظهر في الاخرة لا في الدنيا لما ذكرنا ففي الكافي عن موليناالباقر7 اذا كان يوم القيمة و جمع اللّه الاولين و الاخرين لفصل‏الخطاب دعي رسول‏اللّه9 و اميرالمؤمنين7 فيكسي رسول‏اللّه حلّة خضراء يضيئ مابين المشرق و المغرب و يكسي علي7مثلها و يكسي رسول‏اللّه9 حلّة وردية تضيئ لها مابين المشرق و المغرب و يكسي علي7 مثلها ثم يصعدان عندها ثم يدعي بنا فيدفع الينا حساب الناس و نحن واللّه ندخل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 392 *»

اهل الجنة الجنة و اهل النار النار و عن الكاظم7 انّ الينا اياب هذا الخلق و انّ علينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم و بين الناس استوهبناه منهم و اجابوا الي ذلك و عوّضهم اللّه عزّوجلّ و في الامالي عن الصادق7 قال اذا كان يوم القيمة وكّلنا اللّه بحساب شيعتنا فماكان للّه سألنا اللّه ان‏يهبه لنا فهو لهم و ماكان لنا فهو لهم و روي الفقيه ابوالحسن محمّد بن احمد بن علي بن الحسين بن شاذان; في كتابه الذي جمع فيه مائة فضيلة و منقبة لاهل‏البيت: كلّها من طرق العامّة باسناده الي الحارث و سعد بن قيس عن علي بن ابي‏طالب7 قال قال رسول‏اللّه9 انا واردكم علي الحوض و انت يا علي الساقي و الحسن الرائد (الذائد خ‏ل) و الحسين الامر و علي بن الحسين الفارط و محمّد بن علي الناشر و جعفر بن محمّد السائق و موسي بن جعفر محصي المحبين و المبغضين و قامع المنافقين و علي بن موسي الرضا منير المؤمنين و محمّد بن علي منزل اهل الجنة في درجاتهم و علي بن محمّد خطيب الشيعة و مزوّجهم الحور العين و الحسن بن علي سراج اهل الجنة يستضيئون به و الهادي شفيعهم يوم القيمة حيث لايأذن اللّه الاّ لمن يشاء و يرضي و ايضاً باسناده قال حدّثنا محمّد بن عبداللّه بن عمر بن الخطاب قال قال رسول‏اللّه9 لعلي بن ابي‏طالب7 ياعلي انا نذير امّتي و انت هاديها و الحسن قائدها و الحسين ساقيها و علي بن الحسين جامعها و محمّد بن علي عارفها و جعفر بن محمّد كاتبها و موسي بن جعفر محصيها و علي بن موسي الرضا معبّرها و منجيها و طارد مبغضيها و مدني مؤمنيها و محمّد بن علي قائمها و سائقها و علي بن محمّد سائرها و عالمها و الحسن بن علي الهادي ناديها و معطيها و القائم الخلف ساقيها و مناشدها ان في ذلك لايات للمتوسّمين الحديث.

و الاخبار المذكورة و التي نذكرها ان شاء اللّه فيمابعد صريحة في انهم صلّي اللّه عليهم اولياء الخلق اياباً و ابتداء و قدقال تعالي اشارة الي اتحاد الحكم البدء و العود كما بدأكم تعودون و علي9 في كل حال من الاحوال له الرياسة و السلطنة و المكنة و الاقتدار

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 393 *»

فقوله7 انبيوا الي شيعتي هو قوله تعالي و انبيوا الي ربكم و اسلموا له و هو قوله تعالي ذلك بان اللّه هو الحق و ان مايدعون من دونه هو الباطل و ان اللّه هو العلي الكبير و انما قال انبيوا الي مع ان الخلق كلهم منيبون اليه لايخالف احد منهم محبته و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلّبهم ذات اليمين و ذات الشمال تبعاً لقوله تعالي و انبيوا الي ربكم و اسلموا و انما قال اللّه ذلك لدعوتهم ليقابلوا فوّارة النور ليفور عليهم من انوار القدس مايشغلهم عن انفسهم و لذا قال عزّوجلّ توبوا الي اللّه توبة نصوحاً و قال عزّوجلّ ان اللّه يحبّ التوابين و يحبّ المتطهّرين فان الطهارة هي المحبة في احببت ان اعرف و تلك لم‏تحصل الاّ بالتوبة و هي الرجوع فان الرجوع و الانابة علي قسمين:

انابة علي مقتضي المشية الحتمية و لايتخلّف عنها احد من الخلق و ماتشاءون الاّ ان‏يشاء اللّه رب العالمين، أفحسب الذين اجترحوا السيئات ان‏يسبقونا ساء مايحكمون و هي انما ظهرت علي باب مدينة الحكمة و سور بلد المعرفة بظاهر الباب و باطنه قال عزّوجلّ فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب.

و الانابة الثانية هي الانابة علي مقتضي المشية العزمية و هي المحبة الاصلية المقصودة لذاتها المستدعية للتكليف و يراد بهذه الانابة الرجوع اليه و التمسك بحبله كماقال تعالي و اعتصموا بحبل اللّه جميعاً و لاتفرّقوا و اذكروا و الاعتصام بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها بالكفر بالطاغوت و الايمان باللّه ليخرجه اللّه تعالي من الظلمات الي النور و لذا خصّصها (خصّها خ‏ل) بالشيعة فقوله7 انبيوا الي هو قوله تعالي انبيوا الي ربكم و انبيوا اللّه و توبوا اليه و قوله انبيوا الي ربكم هو معني قوله7انبيوا الي و كيفية هذه الابابة زائداً علي ماذكرنا نذكره ان شاء اللّه تعالي فيمابعد.

و اما الشيعة فانها اما مشتقة من الشعاع او من المشايعة و الامران مرادان و مئالهما الي واحد و قال7 انما سمّوا الشيعة شيعة لانهم من شعاع انوارنا و منه قول الحجة7اللّهم ان شيعتنا منّا خلقوا من فاضل طينتنا و عجنوا بماء ولايتنا الدعاء فان الشعاع هو من فاضل طينة السراج و لا شكّ في ان الشعاع

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 394 *»

تابع للسراج المنير تبعية تكوينية و تشريعية اختيارية غير اضطرارية اذ الشعاع صفة و الصفة بذاتها و طبعها مايلة الي الموصوف غير مفارقة عنه و مقترنة به في مقام ميلها اليه و نسبة الشعاع الي المنير كنسبة القائم الي زيد و الصورة في المرءاة الي المقابل و قد ظهـر مماقرّرنا ان محمّداً و اله9 اتخذهم اللّه اعضاداً لخلقه مطلقاً في كل عالم من العوالم التكوينية و التشريعية و عضد الشي‏ء انما هو مادته و صورته اذ بهما قوام الشي‏ء فلو فقدت احديهما فقد الشي‏ء و فني فالعضد القوي انما هو هما لا غيرهما و ان كانت المادة اقوي من الصورة و قد قرّرنا سابقاً ان مواد الكائنات كلها من نور محمّد9 و صورها كلها من نور مولينا علي و الطيبين من اولاده صلّي اللّه عليهم فالاخيار موادهم من موافقة محمّد9 و صورهم من موافقة علي7 و الاشرار موادهم من مخالفة محمّد9 و صورهم من مخالفة علي7 فالاشرار اظلال و عكوس للاخيار متقومون بهم فهم لوازم ذواتهم و المجموع من الامرين متقوّم بهما صلّي اللّه عليهما و الهما كالسراج المتقوم به النور و الظل و اليه الاشارة بقوله عزّوجلّ كلاًّ نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظوراً فمقام التضاد في رتبة الشعاع و اما في رتبة المنير فلا تضادّ و لا تناقض و لا تعارض و لا تمانع فلايقال ان الظل ضد للشمس كيف و انما هو و النور نسبتهما الي الشمس في التقوّم متساويان الاّ ان النور جهة موافقتها و مقصود لها بالذات و الظل جهة مخالفتها و مقصود بالعرض فلو قيل لهذا المعني ضدّ يلزم ان‏يكون للّه سبحانه و تعالي ايضاً ضداً (ضدّ خ‏ل) تعالي اللّه عن ذلك علواً كبيراً فان الطاعة جهة موافقته و محبته و المعصية جهة مخالفته لكن الامرين مايتحققان الاّ بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن زعم انه يقدر علي نقص واحدة فقد اشرك و قدعلمت و ستعلم ان محمّداً9 و اله: محالّ مشية اللّه و حملة قدرته و السنة ارادته و تراجمة وحيه و اركان توحيده فهم العلة الفاعلية فليس لهم حينئذ شعاع و انما هو في مقام انهم ابواب الافاضة و الاستفاضة و هم في ذلك المقام العلة المادية و الصورية للاشياء كلّها علي ماقال الامام الصادق

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 395 *»

ان اللّه خلق المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة و لا شك ان هذا النور و الرحمة ليسا عين الذات الحق سبحانه فكانا مخلوقين و ماخلق اللّه سبحانه خلقاً قبل محمّد و علي و الطيبين من اولادهما صلّي اللّه عليهما و علي اولادهما و لايصحّ ان‏يكون النور الذي خلق المؤمن منه هو عين ذاتهم فتكون ذواتهم كالبحر و الخلق كالموج او كالخشبة و الخلق كالسرير و الباب مثلاً فان ذلك كفر باللّه و زندقة عظيمة فيجب ان‏يكون ذلك النور من شعاع انوارهم و ظهور اثارهم و كذلك الرحمة و لمّا كانت الرحمة هي الواسعة المعطية كل ذي حق حقه و هي مبدأ الاختلاف و التمايز و الكثرات و كان مولينا علي7 هو مبدأ الاختلاف و محلّه و منشأه و هو النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و عنه يسألون و عليه يعرضون فكانت الرحمة التي هي العلة الصورية من نور علي7 فبالنور و الرحمة تحققّت الاشياء و تذوتّت و تأصّلت و المادة هي الاب و هي النور و الصورة هي الام و هي الرحمة قال رسول‏اللّه9 انا و علي ابوا هذه الامة اي امة الدعوة فاذا كان كذلك فكلّ مابرأه اللّه و ذرأه من اشعة انوارهم و عكوسات اثارهم فالظل متقوّم بنفس النور من حيث هو نور و النور متقوّم بهم صلّي اللّه عليهم فكل شي‏ء في الوجود المقيد واقف بباب فيضهم و لائذ بمسألة فقرهم بجنابهم قال الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه فما شي‏ء منّا الاّ و انتم له السبب و اليه السبيل خياره لوليّكم نعمة و انتقامه من عدوّكم سخطة فلا نجاة و لا مفزع الاّ انتم و لا مذهب عنكم يا اعين اللّه الناظرة و حملة معرفته و مساكن توحيده في ارضه و سمائه الزيارة.

الاّ ان الاشياء علي قسمين نور و ظلمة فالنور هو جهة موافقتهم و متابعتهم فهو الشيعة و الشعاع فمن تبعني فانه مني و الظلمة جهة المخالفة و العداوة و البغضاء و هي العدوّ و اهل البغض فالظلمة و المتكوّنون فيها لايميلون الي النور ابداً و النور و المستنيرون به لايميلون الي الظلمة ابداً فيسير هؤلاء صاعدين الي نقطة وجههم من مبدئهم و يسير اولئك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 396 *»

هابطين الي نقطة وجههم من مبدئهم من الظلمة و سير هؤلاء علي التوالي و سير اولئك علي خلاف التوالي و لا وقوف لهذا السير ابداً ولكن اللّه سبحانه قارن بين النور و الظلمة لكمال قدرته و ليعلم ان لا ضـدّ له.

فصار المتحصّل من هذا القران علي اقسام: قسم بقوا علي صرافة نوريّتهم و صفاء طويّتهم لم‏تكدّرهم الظلمات و لم‏تنجّسهم درن الجهالات فبقوا علي ما هم عليه من الصفاء و النورانية و هؤلاء هم الانبياء و المرسلون و الملئكة المقرّبون و المعصومون المطهّرون المنزّهون فصاروا لايعصون و لايغفلون فحكوا المثال و بلغوا الوصال حتي قال فيهم ولي الملك المتعال انا ادم انا نوح انا ابرهيم انا موسي انا عيسي لانهم امثلة و اشعة ماغيّرت مرايا قوابلهم اياها فبقيت تحكي الممثّل هو هو بالحكاية الواضحة كصورتك اذا ظهرت في المرءاة المستقيمة تحكي مثالك من غير تغيير فتجري احوالك كلّها عليها و كلّها صحيحة و لذا قال عزّوجلّ اشارة الي عيسي بن مريم لمّا قال المنافقون انّ محمداً9 يبالغ في مدح ابن عمه حتي يريد انّا نعبده كما عبدت النصاري عيسي بن مريم و ذلك حين قال9 مامعناه ان لاخي فضائل لو بيّنتها لكم لقلتم فيه كما قالت النصاري في عيسي بن مريم فاخبره سبحانه عما اسّر المنافقون و لمّا ضرب بن مريم مثلاً اذا قومك منه يصدون و قالوا ءالهتنا خير ام هو ماضربوه لك الاّ جدلاً بل هم قوم خصمون ان هو اي عيسي علي نبيّنا و اله و عليه‏السلام الاّ عبد انعمنا عليه و جعلناه مثلاً لبني‏اسرائيل و هم ال‏محمّد صلّي اللّه عليهم و في زيارة اميرالمؤمنين7 السلام علي اسرائيل الامّة فعيسي7 مثل لهم: و هم في كلّ مايتعلق باحوال الخلق علي حدّ سواء و المثال لايخالف الممثل و لذا قال7 من رأهم فقد رأني اذ من رأي الصورة في المرءاة او نور الشمس الظاهر في الماء او غيره من الاجسام الصيقليّة فقد رأي الشمس لعدم ظهور الانّيّة لها من دون الشمس و يأتي ان شاء اللّه زيادة بيان لهذا في موضعه فهؤلاء هم الشيعة الحقيقي بل الشيعة الحقيقي المخلص

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 397 *»

الكرّوبيّون الذين جعلهم اللّه خلف العرش بحيث لو قسّم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم و لمّا سأل موسي ربه ماسأل امر رجلاً منهم فتجلّي له بقدر سمّ الابرة فدكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً و هؤلاء هم افاضل الشيعة المخلصون عين المثال ليس فيهم شوب و شبه و ربط لا جهة لهم الاّ ظهور سيدهم و مولاهم و هم الخصّيصون و اخصّ الخواص لايضطربون و لايتحيّرون اذا ظهر لهم سرّ من اسرار ال‏محمّد: و الانبياء تحتهم و دون مقامهم و مرتبتهم في مقام التشيع و لذا قديحصل منهم ترك الاولي الذي هو تقصير في حقهم و تكاهل عن تأدية واجب حقّهم و امرهم كادم علي نبينا و اله و عليه‏السلام حيث اخبر اللّه سبحانه عنه في كتابه و لقد عهدنا الي ادم من قبل في محمّد9 و علي و فاطمة و الحسن و الحسين:فنسي و لم‏نجد له عزماً و كأيوب لمّا كان عند الانبعاث عند المنطق شكّ و بكي و قال هذا امر عظيم و خطب جسيم فاوحي اللّه اليه أتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت ادم بالبلاء فوهبته له بالتسليم له بامرة المؤمنين و انت تقول خطب جسيم و امر عظيم فواللّه لاذيقنّك من عذابي او تتوب الي بالطاعة لاميرالمؤمنين7 و كيونس اذ ذهب مغاضباً فظنّ ان لن‏نقدر عليه فنادي في الظلمات ان لا اله الاّ انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له و نجّيناه من الغمّ و كذلك ننجي المؤمنين و هكذا غيرهم و ماثبت علي ولايتهم و طاعتهم و القيام بواجب حقّهم من الانبياء الاّ اربعة و هم نوح و ابرهيم و موسي و عيسي: اما نوح7 فقد قال اللّه و وصفه فقال انه كان عبداً شكوراً و اما ابرهيم فقال سبحانه و تعالي فيه و اذ ابتلي ابرهيم ربه بكلمات فاتمّهن قال اني جاعلك للناس اماماً و تلك الكلمات هي التي لايجاوزهنّ برّ و لا فاجر و قال مولينا الكاظطم7 نحن الكلمات التي لايستقصي فضلنا و لايستحصي و المراد بالاتمام هو القيام بحقّهم و اداء لما كلّفه اللّه سبحانه من طاعتهم حتي يسمّي بذلك خليلاً بمعني ان الفقر الي اللّه تخلّل في كل ذرة من ذرات وجوده و بذلك وصل الي مقام الخلّة التي هي المحبة و هو مقام عظيم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 398 *»

مانال ذلك الاّ بالتثبت في ولايتهم و الاقرار بفرض طاعتهم كما قال عزّوجلّ و ان من شيعته لابرهيم و ذلك لان ابرهيم7 لمّا اراه اللّه ملكوت السموات و الارض رأي الاشياء كلها في اماكنها و اوقاتها و محالّها و مراتبها فنظر الي ظهور رسول‏اللّه9 و وفائه و اختلاف الاوصياء و الخلفاء المدّعين و قد اخبر اللّه سبحانه عن قصّته فقال عزّ شأنه فلمّا جنّ عليه الليل بعد غروب شمس النبوة الاحمدية في المرتبة الختمية و ظهرت الاختلافات و ظلمة الشبهات و ظهر قوله عزّوجلّ و ما محمّد9 الاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم علي اعقابكم، رأي كوكباً و ذلك هو الثالث و انما ابتدأ به لان النظر الحقيقي لايكون الاّ هكذا فان الاخبث اسفل مكاناً و دركاً الاتري الجهل الكلّي فانه في تحت الثري تحت كلّ الظلمات و النجاسات فالعالي (و العالي خ‏ل) اذا نظر الي السافل لايكون نظره الاّ بالترتيب من الاسفل الي اسفل الاسفل وهكذا كما اذا نظرت في الماء الي ظلّك تري ظلّ رجلك اولاً و ظل بطنك ثانياً و ظل رأسك اخيراً و ثالثاً فافهم قال هذا ربي اي صاحبي في مقام الانكار فان اللّه تعالي اخبره بانه من شيعة وصي النبي الامّي صلّي اللّه عليهما فلمّا افل اي رأه يعصي و تغشاه ظلمة العصيان و الكفران و ذهب بنوره فرط الطغيان و العدوان قال لا احبّ الافلين فاني معصوم لايكون رئيسي و صاحبي الاّ معصوماً مطهّراً و العاصي بدت بيني و بينه العداوة و البغضاء الي يوم القيمة فلمّا رأي القمر بازغاً و هو الثاني اي قمر الظلالة ابوالشرور العلة الصورية لكل الكفار و المنافقين و الخبائث و النجاسات و الرذائل الي يوم الدين الشجرة التي طعام الاثيم طلعها كأنّه رؤس الشياطين و هو المنكر ان انكر الاصوات لصوت الحمير و كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون و هو المؤنث ان يدعون من دونه الاّ اناثاً و ان يدعون الاّ شيطاناً مريداً لعنه اللّه قال الاول ان لي شيطاناً ليعتريني فلمّا رأه ابرهيم داعياً الي نفسه و الي عبادته من دون اللّه و قد عبده طائفة من دون اللّه قال هذا ربي في مقام الانكار و التعجب فلمّا افل قال لئن لم‏يهدني ربي لاكوننّ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 399 *»

من القوم الضالّين حيث عبدوا الشيطان و اتّخذوا من دون اللّه الهة ليكونوا لهم عزّاً كلاّ سيكفرون بعبادتهم و يكونون عليهم ضداً، فلما رأي الشمس بازغة قال هذا ربي و هي (هو خ‏ل) الاول و انما عبّر عنه بالشمس لانه ابوالدواهي مواد الظلمات و اصل الشكوك و الشبهات و منشأ الضلالات كلها منه و اليه و هو النقطة التي يدور عليها رحي الجهل الكلي باحواله و اطواره و صعوده و نزوله و هو و شيطانه المعنيّان بقوله عزّوجلّ الشمس و القمر بحسبان و هو طبقة من طبقات جهنم فلمّا رأي ابرهيم7 ما به من الرسوخ في الكفر و الغي و الضلالة لانه الفحشاء و شيطانه المنكر في قوله تعالي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي هو ثالثهم قال7 هذا اكبر اشدّ كفراً و ضلالة و بغياً و جهالة عن الثاني و الثالث فلمّا افلت عصت و ولّت دبرها و خرجت من بيتها و خالفت ربها و نبيها و تبرّجت تبرّج الجاهلية الاولي و هتكت ستر النبوة قال ابرهيم7 يا قوم اني بري‏ء مماتشركون حيث رأهم يسجدون للشمس من دون اللّه و زيّن لهم الشيطان اعمالهم و صدّهم عن السبيل اي ولاية علي7 قال مولينا الصادق7 من استمع الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ثم لمّا اعرض عنهم و اعتزلهم و مايعبدون من دون اللّه توجّه و خلص له التوجه فقال وجّهت وجهي للذي فطر السموات حنيفاً مسلماً و ما انا من المشركين فقد توجه الي فاطر السموات بعلي7 لانهم يتوجّهون الي رب عاجز حقير ذليل جاهل لشيوع عجزهم و جبنهم و فرارهم من الزحف و جهلهم في العلوم اذا سئلوا مسألة و عصيانهم فان العاصي ذليل حقير فاذا توجّهوا الي اللّه بالتمسك بحبل هؤلاء الجهال فقد توجّهوا الي ماذكرنا فان الوجه اية ذي‏الوجه ليست لها جهة سواه كما اذا نظرت الي المقابل في مرءاة سوداء غبراء عوجاء فانك تصف المقابل بالاعوجاج و السواد و القبح و اما اذا توجه الي اللّه سبحانه بعلي7 فقد توجّه الي رب علي علي كل شي‏ء مطهّر عن كل رجس و نقص و عيب لعصمته7 و طهارته ذيله عن

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 400 *»

الشهوات و خوفه و خشيته من بارئ السموات و عزيز غالب قادر لشيوع ظهور المعجزات و الكرامات و خوارق العادات التي لايشكّ العاقل بل و لا الجاهل انه من فاطر السموات و عالم حكيم لعدم توقّفه7 في مسألة من المسائل و حكم من الاحكام و مشكل من المشكلات و سكوته (سكونه خ‏ل) عن الاستيلاء مع الاقتدار عليها بياناً لقوله تعالي ولو يؤاخذ اللّه الناس بماكسبوا ماترك علي ظهرها من دابّة ولكن يؤخّرهم الي اجل مسمّي و امثال هذه من الاحوال الظاهرية.

و اما الامور الباطنية فقد شرحنا شيئاً منها و نشرحها ان شاء اللّه تعالي فيمابعد فالتوجه بعلي7 الي اللّه هو الدين الخالص و هو التوحيد الخاص و هو قول لااله الاّاللّه من غير استكبار قال تعالي و اذا قيل لهم لااله الاّاللّه يستكبرون و هي كلمة التوحيد التي اتمّها ابرهيم7 فبذلك صار من اولي‏العزم و قدروي ان النبي9 جلس ليلاً يحدّث اصحابه فقال يا قوم اذا ذكرتم الانبياء الاولين فصلّوا علي ثم صلّوا عليهم و اذا ذكرتم ابي ابرهيم7 فصلّوا عليه ثم صلّوا علي قالوا يا رسول‏اللّه بم نال ابرهيم ذلك قال9 اعلموا ليلة عرج بي الي السماء فرقيت السماء الثالثة نصب لي منبر من نور فجلست علي رأس المنبر و جلس ابرهيم7 تحتي بدرجة و جلس جميع الانبياء الاولين حول المنبر فاذا بعلي7 قد اقبل و هو راكب ناقة من نور وجهه كالقمر و اصحابه حوله كالنجوم فقال ابرهيم يا محمّد هذا اي نبي معظّم او اي ملك مقرّب قلت لا نبي معظّم و لا ملك مقرّب هذا اخي و ابن عمّي و ظهري و وارث علمي علي بن ابي‏طالب7 قال و ما هؤلاء الذين حوله كالنجوم قلت شيعته فقال ابرهيم7 اللّهم اجعلني من شيعة علي7فاتي جبرئيل بهذه الاية و ان من شيعته لابرهيم هـ فكان ابرهيم7 بذلك الثبات و الوقوف في مقام التشيع من اولي‏العزم حتي قال العلماء انه افضل من نوح7 و اما موسي و عيسي فلا شك انه افضل منهما و كان شيخي اطال اللّه بقاءه يقول ان نوحاً افضل و اما انا فعندي ترجيح ابرهيم قوي جداً لان الذي اعرف من الاخبار و من لطايف الاثار في

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 401 *»

بواطن الاسرار امور عجيبة فيه علي نبيّنا و اله و عليه‏السلام (ظ عليه و علي نبينا و اله السلام) و اللّه سبحانه اعلم. و اما موسي7 فقدقال فيه مولينا الحسن العسكري7 في كتابته بخطه الشريف قد صعـدنا ذري الحقايق باقدام النبوة و الولاية و الكليم البس حلّة الاصطفاء لمّا عهدنا منه الوفاء و روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة فلمّا عزم موسي و ثبت علي ولايتهم و طاعتهم و فرض حقهم و ماشـكّ و لا ارتاب و بقي علي العهد و الوفاء في كل الائمة الهداة: و مانسي مثل ادم ابينا و ماتوقف في القائم7 مثله7 فلمّا عهدوا سلام‏اللّه عليهم منه الوفاء في العوالم المتقدمة و في البشرية الظاهرية شهدوا له بالوفاء فحلاّه اللّه سبحانه حلة الاصطفاء فصار بذلك من اولي‏العزم. و اما عيسي روح‏اللّه علي نبينا و اله و عليه‏السلام فقد اشار الحق سبحانه الي تشيّعه و بقائه علي صفائه و عدم تغيير فطرته و حكايته للمثال كماتقـدّم من الاية الشريفة و لمّا ضرب بن مريم الاية علي مابيّنّا و لوّح ايضاً الي ذلك بقوله الحق بكلمة منه اسمه المسيح و قوله عزّوجلّ ياايها الذين امنوا لاتغلوا في دينكم و لاتقولوا علي اللّه الاّ الحق انما المسيح عيسي بن مريم رسول‏اللّه و كلمته القيها الي مريم و روح منه فتعبيره سبحانه و تعالي بالكلمة مع انها انما اطلقت علي محمّد و اله: في مواضع كثيرة من القرءان كقوله تعالي فتلقّي ادم من ربه كلمات فتاب عليه، و تمت كلمة ربك صدقاً و عدلاً، كلمة طيبة كشجرة طيبة و لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلمات ربي و لمّا كان اطلاق الكلمة عليهم و علي عيسي عليهم و عليه‏السلام من باب الحقيقة بعد الحقيقة و قد ذكرنا سابقاً ان الحقيقة الثانية انما هي صرف ظهور الحقيقة الاوّلية الغير المشوب بشي‏ء من احوال تعيّنها و انّيّتها علمنا ان عيسي7 قد بقي علي الصفاء الاصلي الذاتي فهو الشيعة المخلص لاميرالمؤمنين7 و الطيبين من اولاده و احفاده فبذلك صار من اولي‏العزم فهؤلاء الاربعة من افاضل الشيعة بعد الملائكة الكرّوبيّين ثم بعدهم ساير الانبياء و تختلف مراتبهم في التشيع الي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 402 *»

اخر طبقاتهم في القرب و البعد من اولي‏العزم و هذا الذي ذكرنا مجمل احوال القسم الاول.

و اما القسم الثاني فهم الذين غلبت جهة نوريتهم لكن الظلمة قدتمكّنت فيهم و ظهرت اثارها عليهم و برزت جهة انّيّتهم و ادّعت و ان كانت دعوي ضعيفة الاّ ان هذه الدعوي و الظهور اخفت المثال فلم‏يبلغ الوصال و لايري الحقيقة في كل الاحوال كالنور المتشعشع الساطع علي الجدران و علي غيرها من الاجسام الكثيفة الغاسقة فانه نور تجري عليه احكام النور حقيقة و لايحسب مع الظلال و الظلمات الاّ انه ليس نور يحكي مثال الشمس و السراج كما اذا اشرقا علي المرايا و المياه و ساير الاجسام الصيقلية الشفّافة و هؤلاء هم الشيعة غير المعصومين من طبقة الرعية و لهم مراتب كثيرة في علمهم و عملهم و تجمعهم ثلث مراتب:

الاولي مقام الخصّيص و هم الذين انقطعت جهات انّيّاتهم و ذهبت ماهيّاتهم و ماتوا قبل ان‏يموتوا و نظروا في الافاق و في الانفس حتي يتجلّي لهم الحق تعالي بساداتهم و مواليهم في كل شي‏ء فعرفوا الكيف و الكمّ و الحيث و اللمّ و عرفوا مفصولهم و موصولهم و مايئول اليه امورهم فبذلك عرفوا باطن باطن القرءان و الاخبار و العلوم و الصنايع و الاداب و الحركات و السكنات و الاوضاع و الاضافات و القرانات و باطن باطن التأويل وهكذا المراتب التي فوقها الي السبعة او الي السبعين علي مقدار مقامهم و عملوا بمقتضي قوله تعالي لاتجد قوماً يؤمنون باللّه و باليوم الاخر يوادّون من حادّ اللّه و رسوله ولو كانوا اباءهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان و ايّدهم بروح منه.

و الثانية مقام الخواص و هم الذين فعلوا الواجبات و المستحبات و تركوا المحرّمات و المكروهات و توجّهوا في العبادة الي فاطر السموات باوليائه سبحانه و تعالي و عرفوا باطن القرءان و تأويله و ظاهر ظاهره و عرفوا عليّاً و الطيبين من اولاده: بالنورانية و استدلّوا في ادلّتهم بالموعظة الحسنة.

و الثالثة مقام العوام و هم الذين فعلوا الواجبات و تركوا المحرّمات و توجّهوا في العبادة الي اللّه سبحانه بولاية اميرالمؤمنين و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 403 *»

الطيبين من اولاده: و عرفوا تنزيل القرءان و الاخبار و ظاهر الاحكام و هم علي ثلث طبقات: الاولي اهل القشر و هم اصحاب الاشعار. الثانية اهل اللبّ من اهل الظاهر و هم اصحاب الاصواف. الثالثة اهل لبّ اللب و هم اصحاب الاوبار قال تعالي و من اصوافها و اوبارها و اشعارها اثاثاً و متاعاً الي حين.

و القسم الثالث و هم الذين بقوا علي صرف الظلمة و مخالفة الحق المبدأ و اجابوا نعـم عند قوله تعالي ألست بربكم و محمّد نبيّكم و علي وليّكم و الائمة الاحدعشر من ولده و فاطمة الزهراء صلوات‏اللّه عليها و عليهم اولياءكم فتلبّسوا بلباس الكفر و النفاق و تصوّروا بالصورة الشيطانية و عاندوا الحقايق الربانية فصاروا بتلك الاجابة عين الظلمة ختم اللّه علي قلوبهم و علي سمعهم و علي ابصارهم غشاوة و لهم عذاب عظيم فقوام وجودهم بذلك السؤال المتقوّم بنور علي7 فهم ناكسوا رؤسهم عند ربهم.

و القسم الرابع هم الذين تساوي فيهم النور و الظلمة فيتعادلان في ظهور الاثار حتي تتمّ البنية و تكمل الصيغة و هم المرجون لامر اللّه اما يعذّبهم ان مالوا بعد اكمال الصيغة الي الظلمة او يتوب عليهم ان مالوا بعدها الي النور هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن و الاقسام الثلثة الاخيرة تتحقق في كلّ صقع من الاصقاع و كلّ نوع من الانواع من الجنّ و البهائم و الطيور و الحشرات و النباتات و الجمادات و الصفات و الاعراض و الروابط و القرانات و كلّ شي‏ء من خلق اللّه علي القول المجمل و لايسعني الان تفصيل احوالهم فكلّهم توابع اما تابع بالاصالة كالشيعة او تابع بالعرض كالاعداء فرجوع الاقسام كلّها اليهم صلّي اللّه عليهم.

و انما خصّ الشيعة بالانابة و الرجوع و ترك غيرهم لانهم المقصودون بالاصالة و المعيّنون بالذات و غيرهم منسيّون نسوا اللّه فنسيهم فانابة كلّ انواع الشيعة اليه7علي مقتضي مقامهم و مرتبتهم فالسابقون الاولون الذين هم الانبياء و المرسلون انابتهم الي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 404 *»

علي7 الثبات علي الامر و الدوران حول ربهم و لم‏يروا لهم تذوّتاً و لا تأصّلاً و لايتركون الاولي في مقامهم و يمضون في طاعة ربهم و لايلتفت منهم احد و لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و انابة الكرّوبيين اليه7 بدوام الاستمداد و الوقوف علي باب المراد و حكاية المثال و عدم قول «انا» في حال من الاحوال و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين اي يقول اني انا و انابة خصّيص الشيعة ان‏يحفظوا سرّهم و يعرفوا امامهم و سيّدهم بالنورانية في اعلي مقاماتها و درجاتها و عدم التفاتهم الي مصائب الدنيا و سيرهم الي اللّه سبحانه و انابة الخواص اليه7 بالعمل بقولهم: حلال بيّن و حرام بيّن و شبهات بين ذلك فمن ارتكب الشبهات ارتكب المحرّمات فهلك من حيث لايعلم و قولهم: الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات و بالتسليم الي ائمة الحق و الردّ اليهم في كل الاحوال من المبدء و المئال و انابة العوام اليه7 قريب مماذكرنا في الخواص و انابه الاكوان في الكينونات التكوينية ان‏تكون علي صورة الانسان لانها هيكل ولايته7 و انابة تلك الصورة ان‏تظهر حسنة جيّدة غير متناكرة و لا غير متناسبة في التركيب و الترتيب و ان‏تكون معتدلة خارجة عن حدّي التفريط و الافراط في الاحوال كلها و لاتكون قبيحة غير ملائمة بل تكون بحيث اذا نظر اليها الناظر تهشّ اليها و تدهش عندها و تفصيل هذه الانابة و كيفيتها التكوينية الغير التشريعية ظاهراً يطلب في علم الطب و انابة الحيوانات ان‏تكون ذليلة للانسان علي اختلاف مراتبها علي اختلاف مراتب الذلّة في جميع الحالات و انابة النباتات اليه7 ان‏تظهر مستقيمة مخضرّة مورّقة مثمرة طيبة الثمار علي اختلاف مقاماتها و مراتبها و انابة الجمادات ان‏تظهر معادن و مايقرب اليها و انابة الاعراض و الالوان و الهيئات و الصفات و غيرها اليه7ان‏تظهر عند المحالّ المناسبة لها و المقتضية اياها كلون الصفرة عند الحرارة و الرطوبة مثلاً و الحمّي عند تعفّن الاخلاط و امثالهما و هذه الاقتضاءات تختلف و كذا المحالّ المناسبة و قدتتداخل و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 405 *»

تتعارض المناسبات فتقتضي صفة ثالثة الي غير ذلك من الاحوال و الاوضاع و الاضافات التي يطول بذكرها الكلام و لسنا بصدد ذلك و انابة الملائكة اليه7 ان‏تجري علي حدّ ماقرّر اللّه سبحانه لها من المقامات المعلومة فاذا تعدّت عنها اعرضت و استحقّت الغضب و السخط كالذين اعترضوا علي اللّه عزّوجلّ حين قال لهم اني جاعل في الارض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبّح بحمدك و نقدّس لك و قصّتهم مذكورة في الاخبار و كذلك فطرس الملك الذي تاب اللّه عليه باللواذ بمهد الحسين بن علي7 و لذا قال اميرالمؤمنين7 علي ما في حديث البساط المشهور انه لايخطو ملك خطوة الاّ باذني و امري قال تعالي حكاية عنهم و ما منّا الاّ له مقام معلوم. و مجمل القول ان الموجودات كلّها توابع و لوازم له7 فالطيّب المعتدل المستقيم منها شيعة له7 و الخبيث المعوجّ الباطل عدوّ له7 .

و لمّا كانت الشيعة لهم مناسبة نوعية مع الاعداء و تتقوّي تلك المناسبة بتكرّر الميل و الالتفات و ذلك يستلزم الغضب الالهي و السخط الربّاني كما اخبر الحق سبحانه عنهم اي عن المائلين عن الحق الي جهة الاعداء بقوله الحق ان الذين ارتدّوا علي ادبارهم من بعد ماتبيّن لهم الهدي الشيطان سوّل لهم و املي لهم ذلك بانهم قالوا للذين كرهوا مانزّل اللّه سنطيعكم في بعض الامر و هذه الاطاعة في بعض الامر قد دعتهم و جرتهم الي الاطاعة في البعض الاخر الي ان‏يستوجب الغضب و اعراضه7 عنه نعوذ باللّه من سخط اللّه و لمّا كان الامر كذلك دعاهم7 الي الاستقامة و الاعتدال و عدم الميل الي الاعداء فقال7 انبيوا الي فان مرجع العبد الي سيّده و معوّله الي مولاه و قوله هذا اختبار و تنبيه علي قول اللّه الحق عزّوجلّ فيه7 حيث خاطبه و قال ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاءوك يا علي فاستغفروا اللّه و استغفر لهم الرسول لوجدوا اللّه توّاباً رحيماً فلا و ربّك يا علي لايؤمنون حتي يحكّموك فيماشجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت و يسلّموا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 406 *»

تسليماً فابان سبحانه و تعالي عن حقيقة الانابة اليه روحي فداه فان حقيقة الايمان اسم له7 فلايكون مؤمناً الاّ بالانتساب اليه7 و لايكون منتسباً اليه7 الاّ اذا كان مسلّماً له و لايكون مسلّماً له الاّ بان لايجد حرجاً في نفسه مماقضي به امامه و سيده ربنا لاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهّاب.

قوله7 و التزموا بيعتي اعلم ان الربوبية لها خمسة مقامات:

المقام الاول هو الربوبية اذ لامربوب لا ذكراً و لا عيناً و لا ظهوراً و هي الذات البحت القديمة سبحانه و تعالي و لا كلام فيها و لا بيان و لا عبارة و لا اشارة الطريق مسدود و الطلب مردود.

و المقام الثاني دليل تلك الربوبية و صفتها و ايتها اي العين التي نستدلّ بها اليها و هي ايضاً لا ذكر و لا عين و لا ظهور للمربوبين فيها بوجه من الوجوه لانها وجه اللّه و دليله فلو كانت فيها كثرة لعرفنا اللّه بالكثرة لان معرفة الوجه عين معرفة ذي‏الوجه و هو معني قول اميرالمؤمنين7 يا من دلّ علي ذاته بذاته و تنزّه عن مجانسة مخلوقاته و جلّ عن ملائمة كيفياته.

و المقام الثالث مقام الربوبية اذ مربوب ذكراً و اذ لامربوب عيناً و ظهوراً و هو مقام الهويّة اعلي مراتب الواحدية فهناك ذكر اجمالي للمربوبين فيها الاّ ان جهة الاضمحلال و الاستهلاك اغلب.

و المقام الرابع مقام الربوبية اذ مربوب ذكراً تفصيليّاً مقارنة للمربوب العيني و غير واقعة عليه العام الواسع الجامع المحيط علي الافراد كلها.

و المقام الخامس مقام الربوبية اذ مربوب ذكراً و عيناً و وقوعاً و ظهوراً.

و هنا مقام سادس و هو مثال الربوبية الواقعة الملقي في هوية المربوب و اليها اشار مولينا الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فمافقد في العبودية وجد في الربوبية و ماخفي في الربوبية اصيب في العبودية قال اللّه تعالي سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انه الحق الا انه بكل شي‏ء محيط([8]) اي موجود في غيبتك و حضرتك الحديث.

و هذه الربوبية السادسة وجه للربوبية الخامسة و هي وجه للرابعة و هي وجه للاولي

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 407 *»

فانقطع عندها مقام الذكر و جهة الكثرة فالاوّليتان لا اسم لهما و لا رسم و لا عبارة و لا اشارة و الثالثة اسمها «هو» و هو اعظم لان هو العلي الكبير و العلي اول الاسماء علي ماقال الامام الرضا7 انه سبحانه اول مااختار لنفسه العلي العظيم لانه علا علي كل شي‏ء و الرابعة اسمها «اللّه» لانه /الاسم الظاهر (اسم للظاهر خ‏ل) بالالوهية الجامعة المحيطة بكل الظهورات و المظاهر و المهيمنة علي كل الاسماء و الصفات هيمنة الواحد علي الاعداد يعني ان كل الاسماء ظهور من ظهورات الاسم «اللّه» و تجلٍّ من تجلّياته فهو في مقام نفسه واحد و في مقام ظهوره متكثر و مرجع الكثرات كلها الي الوحدة الحقيقية في ذلك الاسم المبارك فافهم و الخامسة اسمها «الرحمن» المستوي علي العرش المعطي كل ذي حـق حقه السائق الي كل مخلوق رزقه.

و لمّا كان المربوبون متقوّمين بالربوبية و لا قوام لهم في حال من احوالهم الاّ بها و حكم الرب سبحانه و تعالي بمقتضي الربوبية ان‏يعطيهم ماسألوه و يسألونه بارادتهم و اقتضاءاتهم في كل احوالهم و لايتحقق ذلك الاّ بمعرفة المسئول و كيفية السؤال عنه و كانوا جهّالاً لايعرفون ذلك لانهم معدومون من دون ذلك وجب في الحكمة علي الربّ سبحانه ان‏يعرفهم نفسه و يعرّفهم ابواب فيوضاته ليأتونه و يسألونه من تلك الابواب و الابواب هي تلك الربوبيّات الاربعة المتأخّرة.

و لمّا كان محمّد و علي و الطيبون من اولادهما صلّي اللّه عليهما و الهما حاملي تلك الربوبية و مظاهر تلك القيوميّة و هم ابواب للافاضة و الاستفاضة و اعضاد لكل البرية و مناة للعطية و بهم قوام الخليقة وجب ان‏يقرن باسمه اسمهم و معرفته معرفتهم و ولايته ولايتهم لانهم: فاعلوا فعل اللازم الغير المتعدي الي غير الفعل الاسم المستقرّ في ظل اللّه الذي لايخرج الي غيره و لذا اشتق اللّه سبحانه اسماءهم من اسمائه و نوّههم باسمائه.

و لمّا كان الفيض الالهي لايجري الاّ علي الاختيار من غير جبر و اضطرار ابان لهم عن تلك المعرفة علي جهة السؤال المستدعي للاجابة اما بالادبار او بالاقبال ليجري عليهم حكمه علي مقتضي الحالين في كل

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 408 *»

الاحوال.

و لمّا كان السؤال المستدعي لمعرفة السائل بنفس ذلك السؤال تكوينياً و تشريعياً و الحقيقة ان التكوين عين التشريع و التشريع عين التكوين و الشي‏ء الواحد يجمع الامرين و الخلق لهم مراتب في تكوينهم و كينوناتهم و كل مرتبة في عالم من عوالم القدس و العزة اقامهم في تلك العوالم بتلك المراتب فسألهم ألست بربكم و محمّد9 نبيكم و علي7 و اولاده الاحدعشر و فاطمة الزهراء: اولياءكم فاجاب من اجاب و انكر من انكر و توقّف من توقّف و تقدّم من تقدّم و تأخّر من تأخّر و توسّط من توسّط فمابقي ذرّة من ذرات الوجود الي ما لانهاية له ابدالابد الاّ و قد سألهم اللّه سبحانه بذلك السؤال و اجابوا في مرتبة من مراتبهم اما بكلّها او ببعضها او باكثرها او باقلّها و لم‏يخل شي‏ء من الاشياء ممايتصوّر او يتعقّل او يشاهد او يتوهّم او يتخيّل او يحسّ او يعاين من الاعيان و الذوات و الاكوان و الصفات و الاعتبارات و الاضافات مما احاطته لجّة الامكان الاّ و قداجابوا ذلك السؤال و عرفوا حقيقة الحال امّا ادبروا او اجابوا بالاقبال و اليه يشير قول مولينا الهادي7 في الزيارة الجامعة الكبيرة حتي لايبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا صدّيق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبّار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بين ذلك شهيد الاّ عرّفهم جلالة امركم و عظم خطركم و كبر شأنكم و تمام نوركم و صدق مقاعدكم و ثبات مقامكم و شرف محلكم و منزلتكم عنده و كرامتكم عليه و خاصّتكم لديه و قرب منزلتكم منه بابي انتم و امّي الزيارة اذ لايمكن ان‏يوجد شي‏ء من الاشعة الاّ بعد معرفة السراج و النور الساطع الساري منه فيها فلمّا ان اللّه سبحانه عرف الخلق السائلين الواقفين ببابه الفقراء اللائذين بجنابه معرفة المسئول اراد ان‏يعرّفهم كيفية السؤال لجهلهم و عجزهم و قصورهم عن ادراك ذلك من دون تعريفه سبحانه.

و لمّا كان السؤال ليس الاّ جهة السائل الي المسئول و هي جهة الافتقار و الذلّ و الانكسار و الاستقامة مع المسئول في الاعلان و الاسرار و هذه الجهة لم‏تتمّ و لم‏تكمل في كل الاحوال الاّ في محمّد و اهل بيته الطاهرين سلام‏اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 409 *»

عليهم اجمعين و كان كلّهم و جزئهم و ذاتهم و صفتهم و قولهم و فعلهم و حركتم و سكونهم و نومهم و يقظتهم سؤال اللّه سبحانه و استمداد منه تعالي و توجه و اقبال اليه عزّ ذكره امر الخلق كلهم بطاعتهم صلّي اللّه عليهم اذ ليس لهم: جهة غير وجه اللّه فكان طاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه و حبّهم حبّ اللّه و بغضهم بغض اللّه و غضبهم غضب اللّه و رضاهم رضي اللّه فطاعة الخلق لهم عين طاعتهم للّه و طاعتهم للّه ليس الاّ سؤالهم منه سبحانه الافاضة و الامداد و الاستعداد لبلوغ المراد فاخذ اللّه سبحانه في كل عالم من العوالم و كلّ مرتبة من المراتب عن كل الخلق من الانبياء و المرسلين و الملائكة المقرّبين و ساير الخلق اجمعين من الذوات و الصفات و الاضافات و الاعراض من الاسقام و الامراض العهد بطاعتهم و جعل علي اعناق كلّ البرايا مبايعتهم في الذرّات كلها فاخذ لهم البيعة عن كل ذرّة من ذرّات الوجود الي اقصي نهايات الشهود و جعل ذلك العهد و العقد و البيعة وديعة عند ملك من الملائكة كان شديدالحبّ لال‏محمّد: و كان ذلك عنده الي اول مقامات ظهور الطاعة بكلّ وجوهها و بروز مراتب العبودية بكلّها و هو عند خلقة ابينا ادم ابي‏البشر علي نبينا و اله و عليه‏السلام. و لمّا كان اول مظهر لاشراق تلك الانوار امر اللّه سبحانه الملائكة كلّهم و ساير الخلق ان‏يسجدوا للّه سبحانه عبودية لادم7 حيث كونه حاملاً لتلك الاشباح النورانية هياكل التوحيد تعظيماً و تجديداً للعهد و العقد و البيعة المأخوذة عنهم في تلك العوالم من العبودية للّه سبحانه و السؤال منه تعالي بالتوجه الي تلك الاشباح المطهّرة المقدّسة (القدسيّة خ‏ل) اللاهوتية و ذلّ الطاعة و الانكسار بالرقّيّة لها و هو قوله7 من اراد اللّه بدأ بكم و من وحّده قبل عنكم و من قصده توجّه بكم و قوله7 طأطأ كلّ شريف لشرفكم و بخع كل متكبر لطاعتكم و خضع كل جبّار لفضلكم و ذلّ كل شي‏ء لكم.

و لمّا ان اللّه سبحانه انزل ادم الي الارض و كان مستودع تلك الانوار نزل ذلك الملك الذي عنده الوديعة و صحيفة عقد العهد و اخذ البيعة علي كل الخلق من الانبياء و الرعايا بالطاعة لال‏محمّد: و الانكسار لهم و التوجه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 410 *»

الي اللّه بهم و العبادة للّه بحبّهم و بمااسّسوا من ارشاداتهم سلام‏اللّه عليهم و ذلك لشدة استيناس ذلك الملك بادم لكونه حاملاً لظهور تلك الانوار و تنزّل بصورة الحجر ليكون قبلة مستمرّة لكل من اخذت عنه البيعة و تذكيراً لهم عند توجههم الي ربهم في حال صلوتهم التي هي اصل عباداتهم و قوام امرهم و عماد دينهم ثم ان اللّه سبحانه تأكيداً للعهد و اتماماً للحجة و اكمالاً للنعمة اظهر تلك الارض التي اخذ البيعة عن الخلق لال‏محمّد:بالولاية و لنفسه بالربوبية و بني عليه بيتاً مربّعاً نسبه الي نفسه و عظّمه و كرّمه فالركن الاول بازاء ألست بربكم و هو سبحان اللّه و الركن الثاني بازاء و محمّد نبيكم و هو الحمد للّه و الركن الثالث بازاء علي وليكم و الائمة الاحدعشر من ولده و فاطمة سلام‏اللّه عليها و عليهم اولياءكم و امناءكم و هو لااله الاّاللّه الاتراه اثني‏عشر حرفاً و الركن الرابع بازاء اوالي من والوا و اعادي من عادوا و هو اللّه اكبر و المجموع تمام الاسم الاعظم و هو قول مولينا الكاظم7 ان الاسم الاعظم اربعة احرف الحرف الاول لااله الاّاللّه و الحرف الثاني محمّد رسول‏اللّه9 و الحرف الثالث نحن و الحرف الرابع شيعتنا ثم اوجب اللّه سبحانه الطواف علي ذلك البيت اسبوعاً تذكيراً لهم بعدد الهياكل التي اخذ لهم البيعة عن الخلق ثم اظهر تلك السبعة في الحمد فجعلها في صلوتهم في الاوليّتين (الاوليين خ‏ل) و لمّا كانت الصلوة لاتنقص عن الركعتين ابداً اوجب اللّه سبحانه عليهم في كل منهما الحمد خاصة لتمام اربعة عشر قياماً بحقّهم و وفاء ببيعتهم و لمّا كانت الاخيرتين في الصلوة قدتنقص واحدة منهما كما في المغرب جعل التسبيح في كل منهما ثلث مرات لتمام الاثني‏عشر فجمع الكل في الكعبة فجعل البيت مربّعاً و الطواف اسبوعاً و لمّا كان كل حج لايتم الاّ بالعمرة منفردة (مفردة خ‏ل) او متمتّعاً بها و كلاهما مايتمّان الاّ بالطواف الاسبوع فيتمّ اربعة عشر.

ثم جعل سبحانه الملك المنزّل (المتنزّل خ‏ل) بصورة الحجر المخزون عنده ودايع العهد و البيعة علي ركن من اركان البيت و هو الركن العراقي اشارة الي ظهور الاصل و المولي و سيد الملك في ارض العراق اي الكوفة ليكون وجهه اليه ابداً و اوجب علي كل الخلق البدأة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 411 *»

بالطواف من محاذاة الحجر و اوجب عليهم استلامه تجديداً للبيعة لانه حامل الوديعة و القراءة عنده بالدعاء المأثور امانتي ادّيتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة و ذلك موافاة للعقد المأخوذ عنهم في العوالم المتقدمة.

ثم اوجب علي الخلق كلهم من اهل الارض من اهل المشرق و المغرب التوجه الي الكعبة عند الصلوة التي هي اعظم العبادات و اشرف الطاعات و اوجبها علي البريّات بحيث لاتنفكّ (ينفكّ خ‏ل) عنهم في حال من الحالات من الصحة و المرض و السفر و الحضر و الخوف و الامن و الشباب و الشيب و السعة و الضيق و الفقر و الغَناء و الحرق و الغرق و ساير احوالهم فجعلها التي هي مثال لتلك الحقايق المقدسة المطهّرة و ذكر للبيعة المأخوذة لهم عن الخلق وجهاً لكل الخلق من الانس و الجنّ و الطيور و الوحوش و الملائكة الاّ ان ملائكة السموات يتوجّهون الي بيت‏المعمور الذي هو علي محاذاة الكعبة و مقابلتها و علي وصفها و هيكلها و هيئتها فصار الخلق في كل يوم و ليلة يذكرهم اللّه سبحانه العهد الذي اخذ عنهم في عالم الذرّ و البيعة التي احكمها هناك لاميرالمؤمنين7 وليّه و خليفته باوقات الصلوة حيث جعلها خمسة اوقات لظهور الهاء في «هو» في اهل العباء صلّي اللّه عليهم فوقت الظهر لكمال الاستيلاء و بدء الوجود و هو اشارة الي رسول‏اللّه9 و وقت العصر الذي هو بعد الظهر بلافاصلة و هو اشارة الي اميرالمؤمنين7 لانه ظهر في جلال العظمة بعد جلال القدرة فالثاني للشمس و الاول للقمر و وقت المغرب هو اشارة الي فاطمة الصديقة روحنا فداها صلّي اللّه عليها و هي اول وقت بعد غروب شمس النبوة و لذا كان وقت المغرب ضيقاً جدّاً لانها قد توفّت بعد رسول‏اللّه9 في مدة قليلة الظاهر انها خمس و سبعون يوماً و وقت العشاء و هو اشارة الي مولينا الحسن7 اذ في زمانه و اوانه اشتدّت ظلمة النفاق و الكفر و الطغيان و انمحت بالكلية ظهور اثار النبوة و وقت الصبح اشارة اللي مولينا الحسين7 ان قرءان الفجر كان مشهوداً لعن اللّه قاتله فان شهادة الحسين7اذهب الظلمة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 412 *»

اي الشكوك و الشبهات عن قلوب المؤمنين لكنه بعد ماطلعت الشمس عجّل اللّه فرجهم و سهّل اللّه مخرجهم و سنشرح الامر فيما بعد ان شاء اللّه.

و هذه الاوقات الخمسة المتعلقة بهؤلاء الطاهرين وجبت فيها الصلوة اشارة الي ان التوجه الي اللّه مايمكن الاّ بهم صلّي اللّه عليهم من اراد اللّه بدأ بكم و من وحّده قبل عنكم و كذا ذكّر اللّه سبحانه الخلق ذلك العهد بكيفية الصلوة من اعدادها و هيئاتها و فرائضها و نوافلها و كذا ذكّرهم اللّه سبحانه اياها بقبلة الصلوة التي هي جهة الكعبة لاستقرار الحجر في ركن من اركانها و كذا غيرها من شرائطها و مقدماتها و اركانها و افعالها و منافياتها و كل العبادات غيرها ايضاً تذكير (تذكّر خ‏ل) للعهد و البيعة المأخوذين في عالم الذر لاميرالمؤمنين و الطيبين من اولاده: .

و انما خصّ تلك البيعة بنفسه المقدسة مع ان الائمة كلهم مشتركون فيها حيث قال7و التزموا بيعتي لانه7 قد مـرّ مفصلاً انه حامل لواء الرحمانية و حامل لواء الحمد و ساير الائمة: منه كالبدل مع المبدل‏منه و هو الاصل في هذا اللواء كالالف و هم منشعبون منه كالحروف المنقطعة من الالف و كالافلاك المنشعبة عن الكرسي و الكرسي المنعشب عن العرش فافهم ان شاء اللّه و الروايات و الايات في كل ماذكرنا كثيرة لاتحصي من الفريقين من طرقنا و من طرق المخالفين و ذكر المجموع يؤدّي الي التطويل و قد مـرّ ذكر بعضها و سنذكر فيمابعد ان شاء اللّه في خلال الكلام اذا اقتضي المقام.

و لمّا كان طاعة اللّه سبحانه ليست الاّ العمل بمقتضي الربوبية اذ مربوب كوناً و عيناً و مقتضاها امران عبادة و عبودية و العبادة هي فعل مايرضي و العبودية هي رضي مايفعل فكل عبد يلزمه الطاعة علي النهج المذكور و كان حامل تلك الربوبية علي اميرالمؤمنين7 فوجب اخذ البيعة علي الكلّ بولاية اميرالمؤمنين7 و يجب علي كل احد الالتزام ببيعته و الانقياد عند دعوته حتي انفسهم المباركة المقدسة في مقام الطاعة و العبودية فيتّحد

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 413 *»

المقامان هناك لان اللّه عزّوجلّ لمّا جعلهم محالّ‏المعرفة و مساكن‏البركة و مواقع‏الربوبية ثم امرهم بالقيام بمقتضي تلك الربوبية الظاهرة فيهم بهم و ذلك الامر انما تعلق بهم بهم قال7 تجلّي لها بها و بها امتنع منها فافهم اذ لايجوز التصريح بازيد من ذلك فاوّل مااخذ الميثاق و العهد عن محمّد9 فقال له به ألست بربكم و محمّد نبيكم و علي وليكم فهو9 اوّل من اجاب و هي الاستقامة التي امر اللّه نبيه9 بان‏يستقيم عليها ثم اجاب اميرالمؤمنين7 ثم الحسن ثم الحسين8 ثم القائم المنتظر عجّل اللّه فرجه ثم الائمة الثمانية سلام‏اللّه عليهم ثم فاطمة الزهراء صلّي اللّه عليها و علي ابيها و بعلها و بنيها فهؤلاء هي قصبة الياقوت و حجاب الملك و الملكوت و ابواب اللاهوت و الجبروت لقد التزموا هذه البيعة و اجابوا هذه الدعوة اشدّ التزام و اعظم اجابة ماقام بها احد سواهم و لذا ورد ان في الصراط عقبات كئود لايقطعها بسهولة الاّ محمّد و اهل بيته الطيبون (الطاهرين خ‏ل) سلام اللّه عليهم اجمعين فقد قاموا بحقها و ادّوا واجبها و ماالتفتوا الي ماسوي‏اللّه و وقفوا و بقوا في مقام لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو و هو هو و نحن نحن ففي عالم التوحيد لا كلام و لا مقام و لا مذهب فان بالبيان يظهر عناد المنافقين و ريبة الجاهلين.

و مستخبر عن سرّ ليلي اجبته بعمياء من ليلي بلا تعيين
يقولون خبرنا و انت امينها و ما انا ان خبرتهم بامين

ففي عالم الاسماء هم اسماءاللّه الحسني قال7 نحن الاسماء الحسني التي امركم اللّه ان‏يدعوه (تدعوه ظ) بها و في عالم المعاني هم معاني اللّه و معادن كلماته قال7اما المعاني فنحن معانيه و نحن علمه و نحن حقه اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه مانريد و في عالم العظمة و الجبروت هم عظمة اللّه و جبروته و هم قدرته و علمه و جنبه و رحمته و كبرياؤه و هم عرشه و المستوي و المستوي عليه و في عالم الربوبية هم ربوبية اللّه سبحانه و هم باب‏اللّه و هم بيت‏اللّه و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 414 *»

هم روح‏اللّه و هم نوراللّه و هم ذات‏اللّه و هم نفس‏اللّه القائمة /(فيه خ‏ل) بالسنن و في كل ذلك وقع التصريح في كلماتهم: يجده المتفحّص الفطن المتتبّع في الاخبار بنظر الاعتبار.

و بالجملة هم: لمّا التزموا هذه البيعة اختصّوا باللّه سبحانه قال عزّوجلّ مازال العبد يتقرّب الي بالنوافل حتي احبّه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكت عنّي ابتدأته هـ و قال ايضاً عزّوجلّ يابن ادم اطعني اجعلك مثلي و اجمل القول في ذلك مولينا اميرالمؤمنين7 كما ذكر غير مرّة اقامه مقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار هـ و هو كلام جامع لجميع ماذكرنا و ما لم‏نذكر فتفطن فهم سلام اللّه عليهم كل افعالهم و اقوالهم كلها حكم اللّه الواجب عليهم و المستحب لهم و ربما يرتكبون المكروه و هو واجب عليهم.

و اما الانبياء: فلمّا سمعوا نداء الحق سبحانه الست بربكم اه و ذلك النداء نور قد سطع من نور النداء الذي وقع علي محمّد و اله: فاخذ عنهم البيعة لاميرالمؤمنين7 بالولاية كمارواه محمّد بن جرير الطبري من العامة عن ابن‏عباس في تفسير قوله عزّوجلّ و اسأل من ارسلنا من قبلك من رسلنا، ان النبي9 لمّا عرج بي الي السماء فاجتمعت مع الانبياء باجمعهم فجاءني جبرئيل فقال يامحمّد و اسألهم بماذا بعثوا فسألتهم فقالوا بعثنا بشهادة ان لا اله الاّ اللّه و بنبوّتك و بولاية اميرالمؤمنين7و كلّهم: اجابوا هذه الدعوة و التزموا البيعة الاّ انه تختلف مراتبهم في ذلك فاولوا العزم ثبتوا و استقرّوا في التزام البيعة و ماتردّدوا و ماشكّوا و ماتوقّفوا و قد مضي قليل من احوالهم و اما غيرهم: فوقعت منهم بعض الهفوات الموهمة للتردّد و الشك كما في ايّوب علي نبينا و اله و عليه‏السلام انه لمّا كان عند الانبعاث عند المنطق شكّ و بكي و قال هذا امر عظيم و خطب جسيم فاوحي اللّه اليه يا ايوب أتشك في صورة انا اقمته اني ابتليت ادم بالبلاء فوهبت له بالتسليم له بامرة المؤمنين و انت تقول خطب

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 415 *»

جسيم و امر عظيم فواللّه لاذيقنّك من عذابي او تتوب الي بالطاعة لاميرالمؤمنين7 و ذلك لمّا ظهر لايّوب نور التجلي و سمع الوحي من كل جانب بكل المشاعر و علم ان ذلك من مخلوق مصنوع لايشغله شأن عن شأن استعظمه عند ذلك اذ غاية مايفرقون بين المخلوق و الخالق انما هو ذلك فلمّا وجده متيقّناً (منتفياً خ‏ل) في المخلوق استعجب و بذلك حدثت حرارة باطنية استلزمت ذوبان الجوارح فاستعبر و بكي و اخرج الدموع المتحقق من عصر القلب الساري في الجوارح كلّها بحرارة حركة الباطن و اضطرابه و انما تخرج الدموع من العين لانها اقرب القوي الي الرطوبة و الرطوبة فيها دائمة مستمرة كالانف فميل المناسب الي المناسب اشدّ و اعظم بالنسبة الي غيره و لمّا كانت تلك الحرارة الداعية لذوبان الباطن المستلزم للبكاء لم‏تكن من جهة الحق سبحانه احدثت الداء فان الدواء ليست الاّ اسم اللّه و ذكره يا من اسمه دواء و ذكره شفاء و لمّا كانت تلك الحرارة مجتثّة لم‏يكن لها اصل من النور الالهي ذهبت و ولّت بعد ماعفنت القوي و الجوارح و اذابت و مااتي لها مدد قوي لانعقادها و نضجها اقتضت دوام عفونة البدن و تكوّن الدود بذلك و لمّا كان ذلك التردّد و الخطور ليس امراً حقيقياً قلبياً من ايوب النبي7 ليقتضي الظهور يوم القيمة ظهرت تلك العفونة الرديّة المستلزمة لتكوّن الدود في ظاهر جسده7 و لم‏يتسلّط علي قلبه اللحم الصنوبري لانه لم‏يزل متصلاً بحرارة ظهور الحق سبحانه فافهم ان‏شاءاللّه.

و اما ادم علي نبينا و اله و عليه‏السلام فقدورد عن ابي‏جعفر7 في قول اللّه عزّوجلّ و لقد عهدنا الي ادم من قبل فنسي و لم‏نجد له عزماً قال عهدنا اليه في محمّد و الائمة من بعده فترك و لم‏يكن له عزماً انهم هكذا و انما سمّي (سمّوا خ‏ل) اولواالعزم اولي‏العزم لانه عهد اليهم في محمّد و الاوصياء من بعده و المهدي و سيرته و اجمع عزمهم علي ان ذلك كذلك و الاقرار به و عن ابي‏عبداللّه7 في قوله تعالي و لقد عهدنا الي ادم من قبل كلمات في محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الائمة من ذريتهم:

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 416 *»

فنسي هكذا واللّه انزلت علي محمّد9 في الكافي عن ابي‏جعفر7 في حديث الطينة الي ان قال7 ثم اخذ الميثاق علي النبيين فقال ألست بربكم و ان هذا محمّد رسولي و انّ هذا علي اميرالمؤمنين قالوا بلي فثبتت لهم النبوة و اخذ الميثاق علي اولي‏العزم اني ربكم و محمّد رسولي و علي اميرالمؤمنين و اوصياؤه من بعده ولاة امري و خزّان علمي و ان المهدي انتصر به لديني و اظهر به دولتي و انتقم به من اعدائي و اعبد به طوعاً و (او خ‏ل) كرهاً قالوا اقررنا يا ربّ و شهدنا و لم‏يجحد ادم و لم‏يقرّ فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي و لم‏يكن لادم عزم علي الاقرار به و هو قوله عزّوجلّ و لقد عهدنا الي ادم من قبل فنسي و لم‏نجد له عزماً قال انما هو فترك ثم امر ناراً فاجّجت فقال لاصحاب الشمال ادخلوها فهابوها و قال لاصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم برداً و سلاماً فقال اصحاب الشمال يارب اقلنا فقال قد اقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها فثمّ ثبتت الطاعة و الولاية و المعصية.

و لمّا كان الظهور الكلّي التام الذي به القوام انما يكون بالقائم7 صعب الاقرار به كصعوبة الاقرار بعلي7 بالنسبة الي رسول‏اللّه9 و لذا قال عزّوجلّ و استعينوا بالصبر و الصلوة فالصبر هو محمّد9 و الصلوة هو اميرالمؤمنين7 و انها اي الصلوة التي هي ولاية اميرالمؤمنين7 لكبيرة عظيمة لصعوبة امرها و شدّة ثقلها الاّ علي الخاشعين الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم عند ظهور القائم7 فلذا اقرّوا برسول‏اللّه9 و لم‏يقرّوا بعلي7 فصار المقرّون بعلي7 هم الخواص و تري كثيراً ممن اقرّ باميرالمؤمنين7 في الظاهر و جعله اماماً في الاعتقاد بلا فصل لكنّه انكر القائم7 و كلّ من اقرّ بالقائم7 و استقام فمن اهل النجاة يقيناً فهم اخصّ الخواص و اليهم الاشارة بقوله عزّوجلّ و ما امن معه الاّ قليل و قال عزّوجلّ و قليل من عبادي الشكور و لذا كان توقّف الانبياء كلّهم في القائم7 و هذا التوقف هو بعينه التوقف في غيره صلّي اللّه عليه و عليهم كما

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 417 *»

سمعت من الاخبار المتقدمة في توقف ادم علي المجموع و علي القائم7 و ذلك حين اظهر اللّه من الاسرار الربوبية الظاهرة فيه7ما لم‏يتحمّلها ادم7 لعدم الاعتدال التام فيه و غلبة اليبوسة الترابية المانعة عن الذوبان و الانتشار في عوالم القدس ليري مقاماته7 الظاهرة فيه به فتوقف عن حمل تلك الاسرار و السير في خلال تلك الديار لا انه هل هو ولي ام لا فان هذا التوقف يؤدّي الي الكفر العياذ باللّه و ادم علي نبينا و اله و عليه‏السلام اجلّ شأناً من ذلك و انه المخلص في ولائهم فتلقّي ادم من ربه كلمات و هم الائمة الاربعة عشر المعصومون: او انّ عدم التزام البيعة في ادم كان من جهة اكل الشجرة المنهيّة و امثال ذلك من الامور التي يطول بذكرها الكلام. و هكذا كان تردّد يونس7 ذي‏النون اذ ذهب مغاضباً فظنّ ان لن‏نقدر عليه فنادي في الظلمات ان لا اله الاّ انت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له و نجّيناه من الغمّ و كذلك ننجي المؤمنين. و تردّد يعقوب7 لمّا قال اني ليحزنني ان‏تذهبوا به و اخاف ان‏يأكله الذئب و انتم عنه غافلون. و تردّد يوسف7 لمّا قال للذي ظنّ انه ناجٍ منهما اذكرني عند ربك فانسيه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين. و هكذا الكلام في غيرهم من الانبياء الكرام علي نبينا و اله و: الشامل التام العامّ و هذا التردد انما هو حسنات الابرار التي هي سيئات المقرّبين و بيعة اميرالمؤمنين7 هي الدين الخالص في قوله عزّوجلّ الا للّه الدين الخالص و التزام البيعة لكل احد هو ان‏يقول لا اله الاّ اللّه و لانعبد الاّ اياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون.

و اما الطبقة الانسانية فلمّا سمعوا ذلك النداء من نور النداء الساطع من نور نداء الانبياء: اجابوا ذلك و قبلوا بيعة اميرالمؤمنين7 و التزموا بيعته علي مقتضي المشية الحتمية لكن ذلك الالتزام مايثمر لهم النور و لايبلغهم الي عالم السرور اذ لم‏يتخلّف عنها احد الاّ فني و عدم و اضمحلّ سواء قبلها علي جهة الموافقة او علي جهة المخالفة لان عليّاً7 هو باب السور الذي باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و كلّ الوجود من الغيب و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 418 *»

الشهود يجري علي البيعة التي اخذها اللّه عزّوجلّ له7 عنهم و تلك هي البيعة العامة الشاملة فالكافر انما دخل النار بالتزامه بيعة علي7 و المؤمن انما دخل الجنة بالتزامه اياها و المستقيم انما استقام بالتزامها و المعوجّ انما اعوجّ بالتزامها و هي البيعة المطلقة العامة للمقصود بالذات و المقصود بالغير.

و اما البيعة الحقيقية فهي وفق المشية العزمية و هي صرف ماخلق لماخلق اولاً و بالذات لا ثانياً و بالعرض و هي صورة الكينونة الالهية و اللطيفة الربانية و هيكل التوحيد و شبح التفريد و التمجيد و هذا الهيكل مركبة ملتئمة عن حدود و خطوط حدّ التقوي و حدّ الايمان و حدّ العمل و حدّ الذكر و حدّ الفكر و حدّ التوجه و الاقبال الي اللّه سبحانه و حدّ الرضا بقضاء اللّه و قدره و حدّ الصلوة و حدّ الزكوة و حدّ الصيام و حدّ الحج و حدّ الجهاد كلّها في الظاهر و الباطن و حدّ الصبر و حدّ الاطمينان و حدّ التوكل و حدّ الصمت عن الخلق و حدّ الانقطاع عن المخلوقين و حدّ الاخلاص و حدّ الورع و حدّ الزهد و حدّ الخوف و حدّ الرهبة و حدّ العلم و حدّ الخشوع و الخضوع و المسكنة و حدّ اليقين و حدّ التواضع و حدّ الرجاء و حدّ السكون و حدّ طمأنينة القلب (الطمأنينة للقلب خ‏ل) و حدّ المعرفة و حدّ المحبة و حدّ الفقر المحض و الفناء الخالص و امثال ذلك من الشرايط الانسانية فالاخذ بكل حدّ من هذه الحدود هو التزام بيعة اميرالمؤمنين7 و العاصي لايلتزم البيعة حين عصيانه بل مخالف لها و حادٍ عنها قال تعالي لاتجد قوماً يؤمنون باللّه و اليوم الاخر يوادّون من حادّ اللّه و رسوله ولو كانوا اباءهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان و ايّدهم بروح منه و يدخلهم جنات و كل من اقبل علي اعداء اميرالمؤمنين7 في امر من الامور و حال من الاحوال في المئاكل و المشارب و الملابس و الصحبة الظاهرية او اخذ المسائل عنهم من دون تقية (التقية خ‏ل) او مراجعة كتبهم و مطالعة مصنّفاتهم او تفحّص الحق من اساطيرهم و زبرهم او النظر في تفاسيرهم و اخبارهم و سيرهم و عن كل ماينسب اليهم فهو ممن ماالتزم بيعة اميرالمؤمنين7 و ماامتثل لقوله7 و التزموا بيعتي و لذا قال7

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 419 *»

ان شيعتنا لايسألون اعداءنا ولو يموتون جوعاً و السؤال عامّ شامل لماذكرنا كلّه و ما لم‏نذكر فانه عليه‏السلام و روحي فداه عالم مطلق و غني مطلق و كامل مطلق جعله اللّه سبحانه اميناً علي خلقه و حافظاً لعباده و عيناً في بلاده فعنده7 جميع مايحتاج اليه الخلق في تكوينهم و تشريعهم و ذواتهم و صفاتهم و لا فرق بين حيوته و موته فانه يتصرف في مماته كمايتصرف في حيوته و لايخفي عليه شي‏ء في الارض و لا في السماء بفضل اللّه و حوله و قوته لانه7 حامل ارادته و محلّ مشيته و اللّه سبحانه يقول عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول و المرتضي من محمّد9 هو علي7 فاحوال الخلق كلّها كلّهم عنده7 كالدرهم بين يدي احدكم فماطلبه احد الاّ و قد وجده و مااستغاث به احد الاّ و قد اغاثه و مادعاه مريض الاّ وجده طبيباً و عطشان الاّ وجده ساقياً و جوعان الاّ و قد وجده معطياً و مظلوم الاّ و قد وجده ناصراً و مكروب الاّ و قد وجده كاشفاً و متوحّد الاّ و قد وجده مونساً و غريب الاّ و قد وجده صاحباً و سائل الاّ و قد وجده معطياً مليّاً و متعلّم الاّ و قد وجده عالماً معلمّاً و بالجملة هو غياث المضطرّ المستكين و ملجأ الخائفين و عصمة المعتصمين و لاتضرّه غيبته عن ابصار الخلائق و انما هو يريهم و لايرونه و يدبّرهم و لايشعرونه فانّي يعدل عنه و انّي يسئل غيره و كيف تراجع كتب المخالفين المملوّة من القاء الشياطين و شبهات المنافقين و كيد الفاسقين و ضغن الكافرين واللّه لقد ارتكب العار و التزم الشنار من توهّم ان الحقّ يطلب من غيره و الطيبين من اولاده:او انه يحصل من كتب الحكماء الفلسفيّين و خرافات الصوفية الملحدين و مخترعات المشائين و هذيانات التكلمين و قياسات اصحاب الظن و التخمين و استحسانهم بمجرّد الرأي من دون بصيرة و يقين لعنة اللّه عليهم الي يوم الدين ما للشيعة و لهم و قد بدت بينهم و بينهم العداوة و البغضاء حتي يؤمنوا باللّه وحده فكلّ من تبعهم فانه منهم ياايها الذين امنوا لاتتولّوا قوماً غضب اللّه عليهم ما هم منكم و لا منهم و يحلفون علي الكذب و هم يعلمون،([9]) يحلفون

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 420 *»

باللّه انهم لمنكم و ما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون و يأتي ان شاء اللّه لهذا الكلام زيادة شرح فيمابعد بعون اللّه و قوّته.

و اما البهائم من انواع الحيوانات الغالب (الغالبة خ‏ل) عليهم التراب كالفرس و البقر و الغنم و امثالها ممايدبّ في الارض و الغالب عليهم عنصر الهواء كالطيور و الحيوانات المتكوّنة في الجوّ و الغالب عليهم عنصر الماء كالحيتان و الحيوانات المتكوّنة في الماء و الغالب عليهم عنصر النار كسمندر اكل النار و امثاله و الغالب عليهم الطبيعتان كالتراب و الماء كالحيوانات التي يعيشون في الماء و الارض معاً و كالهواء و الماء و التراب كالحيوانات التي تعيش في الماء من الطيور كالبطّ و امثالها و الحيوانات التي هي برازخ بين النبات و الحيوان كالحشرات من الحيّة و الوزغ و اقسام الدود و غيرها منها و كذا غيرها من الحيوانات لمّا اتيهم النداء بالبيعة قبلوا الاّ ان البيعة و قبولها علي قسمين كماذكرنا في الانسان حرفاً بحرف و هكذا حكم النباتات و الجمادات و يعرف امرها مما سبق في التوحيد و قد جمع مولينا الحسين7 كل ذلك في حديث حمران بن اعين في ذكر عبداللّه بن شدّاد الليثي حين مرض و عاده الحسين7 فلمّا دخل من باب الدار طارت الحمّي عن الرجل فقال قد رضيت بمااوتيتم به حقاً حقاً و الحمّي لتهرب عنكم فقال له7 واللّه ماخلق اللّه شيئاً الاّ و قدامره بالطاعة لنا يا كبّاسة قال فاذا نحن نسمع الصوت و لانري الشخص يقول لبيك قال أليس امرك اميرالمؤمنين7 الاّتقربي الاّ عدوّاً او مذنباً لكي‏تكوني كفارة لذنوبه فمابال هذا الحديث و قدنطقت الحمّي بلسان عربي مبين حين ناداه الحسين7 و هي ليست في الظاهر من الجواهر و الكلام المسموع منها فعل الاجسام و قد اقسم7 و اخبر انه ماخلق اللّه شيئاً الاّ و قدامره بالطاعة لهم و اخذ البيعة لهم: عنهم و قدصرّح بذلك مولينا الصادق7 في تفسير بسم اللّه الرحمن الرحيم قال7 الباء بهاء اللّه و السين سناء اللّه و الميم ملك اللّه و الالف الاء اللّه علي خلقه من النعيم بولايتنا و اللام الزام خلقه ولايتنا و الهاء هوان لمن خالف

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 421 *»

ولايتنا هـ فلمّا الزم كل الخلق ولايتهم فوجب علي كلّهم التزام بيعتهم والاّ فهوان عليهم و وبار و دثور و قوله تعالي انا عرضنا الامانة علي السموات و الارض و الجبال فابين ان‏يحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان انه كان ظلوماً جهولاً اشارة الي هذا الذي ذكرنا فانه قدتواردت الاخبار و الاثار عن الائمة الاطهار عليهم سلام‏اللّه ان الامانة هي ولاية اميرالمؤمنين7 لقد عرضها اللّه سبحانه عرض تحمّل فابين عن ذلك و اباؤهن اقرارهن بالتابعية للولاية اذ لا واسطة بين التابع و المتبوع في هذا المقام و قد تقدّم حديث عرض الولاية علي الخلق فنذكره ايضاً ايضاحاً للامر في حديث الرضا7 علي مارواه السيّد في الاقبال في وصف يوم الغدير الي ان قال7في يوم الغدير عرض اللّه الولاية علي اهل السموات السبع فسبق اليها اهل السماء السابعة فزيّنها بالعرش ثم سبق اليها اهل السماء الرابعة فزيّنها بالبيت المعمور ثم سبق اليها اهل السماء الدنيا فزيّنها بالكواكب ثم عرضها علي الارضين فسبقت مكة فزيّنها بالكعبة ثم سبقت اليها المدينة فزيّنها بالمصطفي محمّد9 ثم سبقت اليها الكوفة فزيّنها باميرالمؤمنين7 و عرضها علي الجبال فاول جبل اقرّ بذلك ثلثة جبال جبل العقيق و جبل الفيروزج و جبل الياقوت فصارت هذه الجبال جبالهن ثم سبقت اليها جبال اخر فصارت معادن الذهب و الفضة و ما لم‏يقرّ بذلك و لم‏يقبل صارت لاتنبت شيئاً و عرضت في ذلك اليوم علي المياه فماقبل منها صار عذباً و ماانكر صار ملحاً اجاجاً و عرضها في ذلك اليوم علي النبات فماقبله صار حلواً طيباً و ما لم‏يقبل صار مرّاً ثم عرضها في ذلك اليوم علي الطير فماقبلها صار فصيحاً مصوّتاً و ماانكرها صار اخرس مثل اللكن الحديث و هو و ماورد في هذا الشأن من ساير الاخبار صريح فيماذكرنا من اخذ البيعة علي كل مخلوق و وجوب التزامها عليهم اذ للمخالف الهوان الاكبر العياذ باللّه منه.

و قوله7 و واظبوا علي الدين بحسن اليقين تأكيد و تثبيت

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 422 *»

للزوم البيعة و بيان ان تلك الملازمة هي دين اللّه الخالص الاّ انه7 اشار بهذه الفقرة المباركة الشريفة الي بيان مراتب ملتزمي البيعة و المواظبين علي الدين اي المعاهدين و الملازمين و المداومين عليه و رفع العذر في عدم تفرّده بجهاد المنافقين و الكافرين و تجنيد الجنود و جمع العساكر لذلك و قطع شبهة الجهال حيث ركنوا الي كل من ينتحل الولاية و قبلوا منه كلّ‏ما يقول و يختار و بيان ذلك بالاجمال:

اعلم ان اللّه سبحانه لمّا اقام الخلق في الخلق الاول في عالم كان الناس امة واحدة فسألهم عن الولاية الجامعة للربوبية و النبوة و الامامة فصار الخلق كلهم في الاجابة علي خمسة اقسام و تجمعها ثلثة اقسام: الاول الذين اجابوا و قبلوا عن معرفة و بصيرة و يقين خالص و هم الذين قال اللّه سبحانه الاّ من شهد بالحق و هم يعلمون و هؤلاء خلقهم اللّه سبحانه في الخلق الثاني من طينة عليّين علي هيكل التوحيد الصورة الانسانية. الثاني الذين انكروا و عاندوا و كفروا عن بصيرة و معرفة قال اللّه سبحانه فيهم و جحدوا بها اي بالولاية و استيقنتها انفسهم ظلماً و علوّاً و قال عزّوجلّ يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها و اكثرهم الكافرون و هؤلاء خلقهم اللّه سبحانه من طينة سجين اسفل السافلين و البسهم صور البهائم و الحيوانات كالكلب و الخنزير و القرد و السبع و الفيل و امثالها لكن لمّا كان المنكرون في غاية النفاق و منتهي مقامات الشقاق اظهروا النفاق و اقرّوا ظاهراً ليلتبسوا علي المقرّين و يخرجهم عن الدين و التلبيس لايمكن الاّ بتحقق المناسبة أماسمعت ان ابليس كيف توصّل الي ادم و صعد الي السماء بواسطة الطاوس و الحية فلو لم‏يكونا لم‏يتوصّل ابليس الي ادم ابداً (ابداً ابداً خ‏ل) فهؤلاء الاخباث لاظهار النفاق و اغواء الخلايق عن طريق الرشاد اقرّوا بظاهر اللسان فعاملهم اللّه سبحانه بظاهر دعويهم فالبسهم الصورة الانسانية كما قال مولينا سيدالساجدين7 في دعاء سحر فان قوماً امنوا بالسنتهم ليحقنوا به دماءهم فادركوا ماامّلوا الدعاء فهم كلاب و خنزير و قرد و سباع و غيرها من صور البهائم ناكسوا رؤسهم عند ربهم و في الظاهر انسان في الصورة.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 423 *»

الثالث الذين توقّفوا و تحيّروا ماعرفوا الامر و ماظهر لهم الحق لغلبة الرطوبة عليهم او لتمكن شبه المخالفين فيهم بحيث اوصلتهم الي مقام التوقف و عدم ترجيح الامر او لتعلق قلوبهم بامر اخر لم‏يشعر بماسواه او لعدم دخول البيت من بابه لجهله او بامور اخر فهؤلاء (هؤلاء خ‏ل) توقّفوا في الباطن و تحيّروا و اجابوا في الظاهر فخلق ظاهرهم من الصورة الانسانية اي صورة الاجابة و بقيت بواطنهم لم‏تخلق فمنهم من تخلق بواطنهم في الدنيا و منهم في البرزخ و منهم في الاخرة علي حسب رقّة الموانع و غلظتها. و هؤلاء الاقسام كلّهم في الصورة الظاهرية سواء قدقبلوا الولاية حسب دعويهم و لاينجو من هذه الثلثة الاّ الاوّلون الذين واظبوا علي الدين الذي هو ولاية اميرالمؤمنين7 علي اليقين و شهدوا بالحق و هم يعلمون و لابدّ ان‏تظهر هذه الفرقة من بينهم فلهم علامات و علة هذا الظهور امور و اسبابه اشياء نذكرها ان شاء اللّه عند قوله7 فيمابعد و بالامس تكفهرّ عليه جنود اهل الشام فلايخرج اليها.

ثم المواظبة علي الدين هي المعاهدة بتلك الحدود السابقة المتقدمة من حدود الصورة الانسانية و قد اشار الي المقامات مولينا ابوجعفر7 قال ان القلوب اربعة قلب فيه نفاق و ايمان و قلب منكوس و قلب مطبوع و قلب ازهر اجرد فقلت ما الازهر قال فيه كهيئة السراج فاما المطبوع فقلب المنافق و اما الازهر فقلب المؤمن ان اعطاه شكر و ان ابتلاه صبر و اما المنكوس فقلب المشرك ثم قرأ هذه الاية أفمن يمشي مكّباً علي وجهه اهدي أمّن يمشي سويّاً علي صراط مستقيم فاما القلب الذي فيه ايمان و نفاق فهم قوم كانوا بالطايف فان ادرك احدهم اجله علي نفاقه هلك و ان ادركه علي ايمانه نجي و عنه7 قال القلوب ثلثة قلب منكوس لايعي شيئاً من الخير و هو قلب الكافر و قلب فيه نكتة سوداء فالخير و الشرّ فيه يعتلجان فايّهما كانت منه غلب عليه و قلب مفتوح فيه مصابيح تزهر و لايطفأ نوره الي يوم القيمة و هو قلب المؤمن هـ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 424 *»

فشيعة اميرالمؤمنين7 هو الثالث لان ذلك الانفتاح و ظهور تلك المصابيح لايتحقق الاّ بالاخلاص و الاخلاص مسبّب عن اليقين و اليقين مسبّب عن دوام النظر و الفكر في الافاق و الانفس و دوام النظر مسبّب عن الصمت و الصمت هو الاعراض بالقلب عن كل ماسوي اللّه تعالي فلمّا اوجب7 المواظبة علي الدين بحسن اليقين اوجب هذه الامور كلّها اذ ما لايتمّ الواجب الاّ به و هو مقدور واجب فمن لم‏تجد فيه هذه الامور فاعلم انه في انتحاله ولاية اميرالمؤمنين7 مدّعٍ بغير حقيقة و لذا قال مولينا ابوعبداللّه7 لاصحابه ذات يوم تجد الرجل لايخطي بلام و لا واو الاّ و تجده خطيباً مِسْقَعاً و لقلبه اشدّ ظلمة من الليل المظلم و تجد الرجل لايستطيع يعبّر عما في قلبه بلسانه و قلبه يزهر كما يزهر المصباح هـ و لاتتحقّق الموالاة الكاملة و العبودية المحضة الاّ بحسن اليقين و اليقين له درجات و مقامات و هو اقلّ ماقسّم اللّه بين العباد و قدسئـل مولينا الرضا7 عن الايمان و الاسلام فقال قال ابوجعفر7 انما هو الاسلام و الايمان فوقه بدرجة و التقوي فوق الايمان بدرجة و اليقين فوق التقوي بدرجة و لم‏يقسّم بين الناس شي‏ء اقلّ من اليقين قال قلت فاي شي‏ء اليقين قال التوكل علي اللّه و التسليم للّه و الرضا بقضاء اللّه و التفويض الي اللّه قلت فما تفسير ذلك قال هكذا قال ابوجعفر7 و عنه7 قال الايمان فوق الاسلام بدرجة و التقوي فوق الايمان بدرجة و اليقين فوق التقوي بدرجة و لم‏يقسم بين العباد شي‏ء اقلّ من اليقين و عن ابي‏بصير قال قال لي ابوعبداللّه7 يا ابامحمّد الاسلام درجة قلت نعم قال و الايمان علي الاسلام درجة قال قلت نعم قال و القتوي علي الايمان درجة قال قلت نعم قال و اليقين علي التقوي درجة قلت نعم قال فما اوتي الناس اقلّ من اليقين و انما تمسّكتم بادني الاسلام فايّاكم ان‏يتفلّت من ايديكم.

و اما حقيقة هذا اليقين الذي امر7 بالمواظبة علي الدين به فهي كماروي عن ابي‏جعفر7 قال7 بينا رسول‏اللّه9‏وسلم في بعض اسفاره اذ لقيه ركب فقالوا السلام عليك يا رسول‏اللّه فقال

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 425 *»

ماانتم فقالوا نحن مؤمنون يا رسول‏اللّه قال فما حقيقة ايمانكم قالوا الرضا بقضاء اللّه و التفويض الي اللّه و التسليم لامر اللّه فقال رسول‏اللّه9 علماء حكماء كادوا ان‏يكونوا من الحكمة انبياء فان كنتم صادقين فلاتبنوا ما لاتسكنون و لاتجمعوا ما لاتأكلون و اتقوا اللّه الذي اليه ترجعون و عن مولينا الصادق7 انّ رسول‏اللّه9 صلّي بالناس الصبح فنظر الي شابّ في المسجد و هو يخفق و يهوي برأسه مصفراً لونه قد نحف جسمه و غارت عيناه في رأسه فقال له رسول‏اللّه9 كيف اصبحت يا فلان قال اصبحت يا رسول‏اللّه موقناً فعجب رسول‏اللّه9 من قوله و قال ان لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك فقال ان يقيني يا رسول‏اللّه هو الذي احزنني و اسهر ليلي و اظمأ هواجري /ففرقت (فعزفت نفسي في الحديث) عن الدنيا و مافيها حتي كأنّي انظر الي عرش ربي و قد نصب للحساب و حشر الخلايق لذلك و انا فيهم و كأنّي انظر الي اهل الجنة يتنعّمون في الجنة و يتعارفون علي الارائك متّكئون و كأنّي انظر الي اهل النار و هم فيها معذّبون مصطرخون و كأنّي الان اسمع زفير النار يدور في مسامعي فقال رسول‏اللّه9 لاصحابه هذا عبد نوّر اللّه قلبه بالايمان ثم قال9 الزم ماانت عليه فقال الشاب ادع اللّه لي يا رسول‏اللّه ان ارزق الشهادة معك فدعا له رسول‏اللّه9فلم‏يلبث ان خرج في بعض غزوات النبي9 فاستشهد بعد تسعة نفر و كان هو العاشر هـ.

و يقابل اليقين الظن و الراجح و الشك و الوهم و المرجوح و الريب و الوسوسة و النجوي و السفسطة. اما الراجح و الظن فان كانا ممن له الاستيضاح فهما علم و يقين لا انهما ظاهر و ظن قائمان مقام العلم و الفرق بينهما مع اشتراكهما في الرجحان ان الراجح هو ماتظهر امارات تحققه في نفسه بنفسه و انتفاء الطرف المقابل له و الظن تظهر امارات تحقّقه /و انتفاء (بانتفاء خ‏ل) الطرف المقابل له في نفس الظانّ او من خارج غير جهة المظنون

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 426 *»

و اما الشك فهو تردّد النظر في الطرفين و انتقاله من واحد الي الاخر قبل استقراره و ان قوي ميله الي احدهما دون الاخر ما لم‏يكن ذلك الميل سبباً لزهده في ذلك لان مجرد الميل لايخرجه عن التساوي في الجملة و اما الوهم فهو الطرف المرجوح من الظن و المرجوح و هو الطرف المرجوح من الراجح و اما الريب فهو احتمال الطرف المقابل للطرف المتحقق باستقرار النظر القلبي و اطمينانه عليه و لاتتحقق (لا تحقّق خ‏ل) في متعلقه اذا كان الطرف المتحقق عن علم او لاحقاً بالعلم كظنّ المستوضح بادلة الحق و ترجيحه ولو كان الطرف المتحقق عن اعتقاد بغير علم او عن علم و انس نظره بذلك الريب فهو اول مبادي الشك و لايزيد في كل احواله عن الشك و في الحديث النبوي9 لاترتابوا فتشكّوا و لاتشكّوا فتكفروا.

و اما الوسوسة فهو ان‏يلتفت النظر الي الطرف المقابل للحقّ او الي مانهي عن الالتفات اليه غير مريد للالتفات و لا محباً له و انما ذلك لانه عوّد نفسه بالالتفات الي مثل ذلك من خدع الشيطان بواسطة الغفلة عن ذكر اللّه فتبعث النفس نظرها الي ذلك بماتعوّدته مماعلّمه الشيطان و علامة هذا انه اذا وقع ذلك منه تضجّر و تأوّه و تألّم لانه لم‏يحبّ وقوعه منه و لذا قال9 لمن وقع ذلك التأوّه لاجل ماوقع منه ذلك من محض الايمان و كما اتاه ذلك الرجل فقال يا رسول‏اللّه هلكت فقال له هل اتيك الخبيث فقال لك من خلقك فقلت اللّه فقال لك اللّه من خلقه فقال اي و الذي بعثك بالحق لكان كذا فقال رسول‏اللّه9 ذاك واللّه من محض الايمان و قال ابن ابي‏عمير فحدثت بذلك عبدالرحمن بن حجّاج فقال حدّثني ابي عن ابي‏عبداللّه7 ان رسول‏اللّه9 انما عني بقوله هذا واللّه من محض الايمان خوفه ان‏يكون قدهلك حيث عرض ذلك في قلبه انتهي.

و اما النجوي فهو ان‏يذكره الشيطان شيئاً ينافي الحق و المحبة في اليقظة او في النوم و ربما استجرّه الي مايناسبه فيذكره القائل به و ربما قاده الي انه لو كان القائل كيف كان يكون فيدخل همّاً من ذلك عليه و ربما يكون ذلك الهمّ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 427 *»

شاغلاً عن حظّه من ذكر اللّه و ربّما يكون منشأ للوسوسة فمثال ماينافي الحق كأن‏يذكّره ولاية الغير و يستجرّه الي انّ تلك ولاية تدعو الي النار لمناسبتها لدخول النار ثم يذكّره فلاناً الذي تولّي ذلك الامام الضالّ المضلّ يقوده الي ان‏يفرض نفسه لو كان هو المتولي فيدخل عليه من ذلك همّاً شديداً يشغله عن ذكر اللّه و مماينافي المحبة مثلاً انه اذا كان يقرأ في قوله تعالي ولكن تعمي القلوب التي في الصدور يسبّب له سبباً حتي يمسّ صدره عند قراءة هذه الاية فيذكّره ان ذلك المسّ قديكون سبباً لان‏يدخل قلبه في اطلاق هذه الاية فيدخل عليه من ذلك حزناً يشغله عن ذكر اللّه و في النوم كمايصوّر له ماينافي الحق او محبته بحيث يحزنه كذلك قال اللّه تعالي انما النجوي من الشيطان ليحزن الذين امنوا و ليس بضارّهم شيئاً الاّ باذن اللّه و علي اللّه فليتوكل المؤمنون يعني بان‏يذكر اللّه كماتقدّم سابقاً و يعتقد ان ذلك لايضرّه الاّ ان‏يشاء اللّه فيستريح من ذلك الهمّ و الحزن فيذهب عنه طائف الشيطان و الفرق بين النجوي و الوسوسة ان النجوي يقدر المكلّف علي الخروج عنها ما لم‏تعتدّ نفسه بها فتكون من الوسوسة لان الوسوسة بسبب اعتياد النفس بها لاتكاد تتمكن من تركها لظهور الشيطان في النفس التي تعوّدت بذلك حتي ملك قيادها فهو يأمرها و ينهاها فهي تطيعه كارهة له و لطاعته.

و اما السفسطة فهو اعتقاد ان كل مايمكن موجود او يجوز ان‏يوجد في عالم الاجسام علي جهة التمايز و لا تزاحم بين شي‏ء منها بحيث يكون الف جبل مثلاً كل واحد منها طوله خمسة فراسخ و عرضه فرسخ فدخلت كلّها بيت حيوان اصغر من النملة فلمّا كانت تلك الجبال الجسمانية في هذا المحل الصغير الجسماني بقي منه مكان يسع اجرام السموات و الارض و يدخل ذلك الحيوان في بيته و لايحسّ بشي‏ء من تلك و هي اجسام محسوسة في مكان محسوس و لا شكّ ان هذه لاتحقّقُ بشي‏ء منها فهذا الكلام و مثله في هذه الاشياء المذكورة علي الظاهر و اما علي جهة الباطن فكل شي‏ء من هذه الامور فلها تحقّقات لكل بنسبته فكما ان المعلوم متحقق كذلك المعتقد (بفتح القاف) و الراجح و المظنون

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 428 *»

و المشكوك و الموهوم و المرجوح و المرتاب فيه او به و الموسوس فيه و المناجي فيه او به و المسفسط فيه فان لكل تحققاً في محله و كذلك فعل فاعله و كذلك حكم فاعلها معها و حكم فعله لها و حكم مايترتّب فيها من التكوينيّات بحسب ملائكتها او شياطينها و حكم ثوابها او عقابها او عدم المؤاخذة بها و التأثّر بها و عدمه كمّاً و كيفاً في الوجود و شرعه و في الشرع و وجوده الي غير ذلك من احكام الذوات و الصفات فافهم.

و اما مراتب اليقين فانها تختلف /و ينقسم (فتنقسم خ‏ل) الي علم‏اليقين و عين‏اليقين و حق‏اليقين فالاول للعامي الكامل في مقامه و الثاني للخواص و الثالث لاخص الخواص و قدكتبنا بعض احوال هذه المراتب في بعض ماكتبنا من الفوايد في العلم و ذكرها هنا يؤدي الي التطويل.

و بالجملة فاليقين في كل مرتبة (رتبة خ‏ل) هو المطلوب للمتوالي ثم لمّا كان لهذا المتوالي الشيعي علائم و امارات تدلّ علي يقينه و عدمه كماقال7 يقين المرء يري في عمله اشار7 الي ظهور مراتب اليقين في كل احواله و اطواره بقوله7.

و تمسكوا بوصي نبيكم الذي به نجاتكم اما انه وصي النبي9 فمما لا اشكال فيه و لا خلاف لاحد من المسلمين فيه و علي مدّعي الغير الفاصل بينه و بين النبي البيان و لايحتاج في هذا المقام اثبات وصايته7 و نفي الغير فان علماءنا شكر اللّه مساعيهم الجميلة قدتصدّوا لذلك في الكتب المبسوطة و المطوّلة و المختصرة مع انه لايحتاج الي البيان و العميان لايرون الحق بالف ميزان و لمّا نصّ الحق سبحانه علي علي7بانه نفس رسول‏اللّه9 في قوله تعالي و انفسنا و انفسكم دلّ علي انه7 حكمه حكمه في كل عالم من العوالم فكل من اقرّ لمحمّد9 بالنبوة اقرّ لعلي7 بالوصاية اذ ليس اقرب بين الشي‏ء و نفسه ولو كان لقال ذلك سبحانه و تعالي في حقّه7 فهو7 كان وصياً في البدء الاول يوم الذي استخلص اللّه محمّداً9 لنفسه في القدم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 429 *»

علي ساير الامم فكان علي7 اول من امن به ذلك اليوم و اعطاه لواء الحمد و كذلك يوم العود حين عرج الي اللّه عزّوجلّ لتمام القوسين الكوني و الشرعي و الاسمي فهناك ختمت له الوصاية كما في الكافي عن علي بن ابي‏حمزة قال سأل ابوبصير اباعبداللّه7 و انا حاضر فقال جعلت فداك كم عرج برسول‏اللّه9 فقال مرّتين فاوقفه جبرئيل موقفاً فقال له مكانك يا محمّد فلقد وقفت موقفاً ماوقفه ملك قطّ و لا نبي ان ربك يصّلي فقال يا جبرئيل و كيف يصلّي قال يقول سبّوح قدّوس انا رب الملئكة و الروح سبقت رحمتي غضبي فقال اللّهم عفوك عفوك قال و كان كما قال اللّه قاب قوسين او ادني فقال له ابوبصير جعلت فداك ماقاب قوسين فقال7 مابين سيتها الي رأسها فقال كان بينهما حجاب يتلألأ بخفق و لااعلمه الاّ و قد قال زبرجد فنظر من مثل سمّ الابرة الي ماشاءاللّه من نور العظمة فقال اللّه تبارك و تعالي يامحمّد قال لبيك ربي قال من لامّتك من بعدك قال اللّه اعلم قال علي بن ابي‏طالب اميرالمؤمنين و سيد المسلمين و قائد الغرّ المحجّلين قال ثم قال ابوعبداللّه7 لابي‏بصير ياابامحمّد واللّه ماجاءت ولاية علي7 من الارض ولكن جاءت من السماء مشافهة.

و هذا العود الذي ذكرنا هو عين البدء لان النبي9 قدوقف علي كلّ شي‏ء في عروجه يوم خلقه حين خلقه و لذا نودي يا محمّد ادن من الصاد و توضّأ لصلوة الظهر و الظهر هو مبدء الوجود و اول الشهود و الصلوة لقاء المعبود و مناجاته بالركوع و السجود المصلي يناجي ربّه و النجوي هي الكلام السرّي و الظهور الامري و هو قوله7 جاءت من السماء مشافهة فان السماء هي جهة المبدء و الارض جهة السفلي فكلّ‏ما ينسب الي اللّه فهو حق و صواب لقد نزل من السماء و كلّ‏ما صدر عن النفس و انتسب الي الشخص فهو كذب و باطل لان الاول شجرة طيّبة اصلها ثابت و فرعها في السماء و الثاني شجرة مجتثّة فهي خبيثة مالها من قرار قال تعالي جعل كلمة الذين كفروا السفلي و كلمة اللّه هي العليا انظر الي مخالفينا حيث اجمعوا علي ان الرسول لم‏ينصب خليفة من بعده

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 430 *»

و لم‏يجعل له وصيّاً فالذين جعلوهم خلفاء لم‏يتصّل سببهم الي السماء اذ لم‏يصل الي النبي9 بزعمهم فاذا انقطع عن النبي9 انقطعوا عن اللّه اذ النبي9باب و سفير بين اللّه و بين خلقه فمن شذّ عن الباب شذّ الي غير اللّه و من شذّ الي غير اللّه فقد شذّ الي النار.

و اما استنادهم الي حديث لاتجتمع امّتي علي الخطاء فان اريد منه مطلق الاجتماع او الاغلب او بمايحصل القطع بدخول المعصوم او اجتماع الكل فان كان الاوّل فيكذبه الحديث الاخر عنه9 المتفق عليه بين الفريقين ستفترق امّتي علي ثلثة و سبعين فرقة فرقة منهم في الجنة و الباقي كلّهم في النار و هذا الحديث كذّب مطلق الاجتماع و كذّب القول بالاغلب ايضاً اذ الفرقة الواحدة بالنسبة الي اثنين و سبعين فرقة قليلة جدّاً و يكذّبه ايضاً قوله عزّوجلّ في ذم الاكثر الاغلب في مواضع عديدة من كلامه عزّوجلّ كقوله تعالي ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الاّ كالانعام بل هم اضلّ، ولكنّ اكثرهم لايعقلون، ولكنّ اكثرهم لايفقهون، ولكنّ اكثرهم لايسمعون،([10]) و مايؤمن اكثرهم باللّه الاّ و هم مشركون و امثالها من الايات و مدح اللّه القلة في كتابه و قال و قليل من عبادي الشكور و قليلٌ‏مّا هم و ما امن معه الاّ قليل و امثالها من الايات الكثيرة كيف يذمّهم اللّه سبحانه و الرسول شهد بزعمهم علي صوابهم و عدم خطائهم اذن اين قوله عزّوجلّ و ماينطق عن الهوي ان هو الاّ وحي يوحي و يكذّبه ايضاً ماورد عنه9وفاقاً بيننا و بينهم و تصديقاً لقوله تعالي لتركبنّ طبقاً عن طبق و قوله تعالي سنة اللّه في الذين خلوا من قبل و لن‏تجد لسنة اللّه تحويلاً([11]) قال9 كلّ‏ما كان في الامم الماضية و القرون السالفة يكون في هذه الامة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتي انهم لو سلكوا جحر ضبّ لسلكتموه هـ و كان موسي7 في بني‏اسرائيل لمّا اراد ان‏يذهب الي ميقات ربه جمعهم في محل واحد و كانوا سبعين الفاً و اخذ عليهم العهد و الميثاق بولاية هرون7 و اتباعه فلمّا مضي الي ميقات ربه نكث كلّهم بيعة هرون و خالفوا امر موسي و عبدوا العجل و مابقي مع

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 431 *»

هرون الاّ اربعة فوجب ان‏يكون في هذه الامّة مثالها و دليلها و قدكشـف رسول‏اللّه9 عن هذا السرّ حيث قال يا علي انت منّي بمنزلة هرون من موسي الاّ انه لا نبي بعدي و صرّح الحق سبحانه بالامر لاهله حيث قال و ما محمّد الاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم علي اعقابكم و من ينقلب علي عقبيه فلن‏يضرّ اللّه شيئاً و نصّ رسول‏اللّه9 علي علي7بالوصاية في مخاطبته لعايشة يا حميراء اشارة الي انّها اخت صفوراء التي تدعي صفيراء زوجة موسي بنت شعيب حيث خرجت من بيتها و خالفت ربها و خانت نبيّها و انكرت امامها و سيّدها و خرجت علي يوشع بن نون وصي موسي و ابن عمّه و اشار الي انّ الحميراء اشدّ منها عملاً و اقبح فعلاً و اشنع اثاراً فان الحمرة اشدّ الي الصفرة حرارة و شدة و غلظة و غضباً و اشار الي تأويل ماروت العامة ان نعل موسي كان من جلد حمار ميّت فان النعل هي الزوجة و لذا من يري في المنام ان نعله فقدت تموت زوجته فقال لها يا حميراء اشارة الي قوله تعالي ان انكر الاصوات لصوت الحمير هذا كله في تفسير ظاهر الظاهر و لمّا كانت الحمرة انما تنعقد من خلط المرة الصفراء التي هي طبع النار مع البلغم و المرأة طبعها بارد رطب و الرجل حارّ يابس فاشار اليها بالخلط و اللطخ اشارة الي خروجها الذي هو فعل الرجال و ركوبها علي الجمل مرة و علي البغل اخري و نعم ماقال الشاعر الشيخ مفلح الصيمري:

ابوها يولّي الدبر في كل موقف و ابنته عند اللقاء تتقدّم

و فيه اشارات اخر اراده9 يطول الكلام بذكرها و ربما ينكرها بعض السفهاء و بالجملة لايصحّ من هذا الحديث لاتجتمع امّتي علي الخطاء ارادة مطلق الاجتماع.

و اما الاجتماع الموجب للقطع بدخول المعصوم فهو لم‏يتحقق ابداً فان العصمة ماادّعيت لاحد من الخلق الاّ لعلي7 و الطيبين من اولاده: و هم قداعترفوا ان ذلك لم‏يكن حاضراً و لم‏يبايع الاّ بعد ثلثة ايام مكرهاً.

و اما اجتماع كل الامة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 432 *»

فماحصل يقيناً لا ذلك اليوم و لا بعد ذلك فثبت انهم مجتثّون لا اتصال لهم مع اللّه ابداً بدليل اجماعهم في عدم اشتراط العصمة في الامام و جعلهم اولياء اللّه اولياء الشيطان فان العاصي حين المعصية ولي الشيطان لا ولي الرحمن لانه مدبر معرض و لو لم‏يكن في اجتثاثهم الاّ هذا لكفي و كذا تجويزهم الصلوة خلف كل برّ و فاجر فجاءت ولاية كل امام غير علي7 عن الارض عن مبدئها /من تحت الثري الي الثري (من الثري الي تحت الثري ظ) الي الطمطام الي سجين الي جهنم الي نار السموم الي الريح العقيم الي الماء المالح الاجاج الي الارض السبخة الي البحر الي الحوت الي الصخرة الي بهموت الي الثور الي ارض الشقاوة الي ارض الالحاد الي ارض الطبع الي ارض الشهوة الي ارض الطغيان الي ارض العادات الي ارض الممات الي الشياطين الي شياطين الجن الي شياطين الانس الذين هم اولياء شياطين الجن و ان الشياطين ليوحون الي اوليائهم ليجادلوكم و ان اطعتموهم انكم لمشركون فتلك الولاية و الوصاية هي الشجرة الخبيثة المجتثّة الملعونة في القران و هي المثل السوء و اما ولاية مولينا علي7 و وصايته انما جاءت من السماء من الرب الاعلي الي الحجب و السرادقات الي بحر الصاد و النون الي القلم الي اللوح الي ميكائيل الي اسرافيل الي جبرئيل الي محمّد9 فاي الفريقين احقّ بالامن ان كنتم تعلمون و الدليل علي ان ولايتهم من اللّه اجماع تابعيه علي انه معصوم مطهّر و انه منصوب من قبل اللّه سبحانه و ان اللّه منزّه عن ان‏يجعل الارض خالية عن الحجة المعصوم و ان عند وليّه و وصي نبيّه علم البلايا و المنايا و فصل الخطاب و كلّ‏ما يحتاج اليه الخلق من اول الوجود الي اخره فتكون ولايته7 و وصايته هي الشجرة الطيّبة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كلّ حين باذن ربها و هي الكلمة العليا و المثل الاعلي و قد مـرّ بعض مايدلّ علي ذلك من الايات و الروايات.

و اما التمسّك به7 فاعلم انه7 حكيم لقد وصفه اللّه سبحانه بذلك في كلامه العزيز بقوله تعالي و انه في امّ الكتاب لدينا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 433 *»

لعلي حكيم و الحكمة هي الاستقامة كما وصفه اللّه سبحانه بها في قوله تعالي قال هذا صراط علي مستقيم بقراءة الحسن و يعقوب من غير اضافة و ان كان المقامان واحداً الاّ ان في هذه القراءة تصريح بالامر و الحكمة هي التي قال عزّوجلّ فيها و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً و قد شرحها سبحانه في سورة بني‏اسرائيل من قوله عزّوجلّ و لاتجعل مع اللّه الهاً اخر الي قوله تعالي و لاتجعل مع اللّه الهاً اخر لانه يقول ذلك مما اوحي اليك ربك من الحكمة و لاتجعل مع اللّه الهاً اخر فالتمسك به عليه الصلوة و السلام الذي هو التمسك بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها /و اللّه سميع عليم (زائد خ‏ل) و المعتصم بحبل اللّه جميعاً هو الراسخ في الحكمة بقسميها من العلمية و العملية و اني (انا خ‏ل) احبّ ان ابيّن تلك الايات القرانية الواردة لبيان الحكمة الحقيقية علي جهة الباطن ليظهر للمؤمن كمال التمسك به7 و يتبيّن كذب المنافق (الفاسق خ‏ل) من صدق الشيعي الصادق و الذي نذكر اجمالاً ان شاء اللّه كلها مأخوذة من احاديثهم صلّي اللّه عليهم اذ التفسير الباطني من غير بيان عنهم: كذب و زور و باطل و غرور و لاتكذّب بمالم‏تحط به علماً ان افتريته فعلي اجرامي و انا بري‏ء مماتجرمون.

قال اللّه سبحانه في بيان كيفية التمسك بولاء وصي النبي الامي صلّي اللّه عليهما و الهما و قضي ربك اي بوصي النبي كماقال عزّوجلّ في علي7 علي مابيّنّا مجملاً ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مماقضيت و هذا القضاء في هذه الاية في هذه السورة من ذلك القضاء و لمّا اني لست بصدد بيان باطن الباطن اعرضت عن بيان مايقتضي قوله تعالي و قضي ربك الاّتعبدوا الاّ اياه شرع سبحانه في بيان الحكمة العلمية لانها مقدمة مع ان العلمية و العملية ليست الاّ محض الاصطلاح و في الحقيقة الحكمة العلمية عملية و العملية علمية و شرع في بيان التوحيد لانه الاصل لكلّ الاعمال اذ اول مقام الشيعي الموالي هو الاقرار بالتوحيد في المراتب كلّها من توحيد الذات و الصفات و الافعال و العبادة يري المجموع في اربعة مقامات اي التوحيد الحقيقي و هو لاخص الخواص و التوحيد الشهودي و هو للخواص و التوحيد الذاتي و هو للعوام اهل التحقيق و التوحيد العبادتي (العبادي ظ) و هو للعوام اهل التقليد و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 434 *»

المجموع في ثمانية مراتب في مرتبة اهل‏البيت: و الانبياء و الانسان من الرعية و الملائكة و الجن و الحيوان و النبات و الجماد فتبلغ (فيبلغ خ‏ل) المراتب و قد شرحناها علي التفصيل في تفسيرنا علي اية الكرسي فلانعيدها هنا خوفاً للتطويل و بالوالدين احساناً و هما والدا العقول و ذلك الاحسان بعدم اطاعة والدي الشرور اي والدي النفس الامارة و والدا الجسد ان تبعا والدي الشرور اي النفس الامارة يلحقان بهما و ان تبعا والدي العقول باحسان يلحقان بهما فان الوالدين ثلثة كما اشار اليهم سبحانه في قوله و وصينا الانسان بوالديه احساناً و هما والدا العقول و ان جاهداك علي ان‏تشرك بي ماليس لك به علم فلاتطعهما و هما والدا النفس الامارة و صاحبهما في الدنيا معروفاً و هما والدا الجسد و هما الابوان المعروفان و اما والدا العقول فهما محمّد و علي8قال9 انا و علي ابوا هذه الامة و اما والدا النفس الامارة و هما حبتر و الدلام اي ابوالدواهي و ابوالشرور فان الجهل الكلي الذي من اعظم مظاهره ابليس هو جهلهما فنشرت ظلمتهما كل الوجود و الي شدة ظلمتهما و قساوتهما و ظلمة تابعيهما بالحقيقة اشار سبحانه و تعالي في كتابه العزيز او كظلمات في بحر لجّي و هو حبتر ابوالدواهي يغشيه موج و هو ابوالشرور من فوقه موج و هو النعثل من فوقه سحاب و هو المنافق الملعون الدّ الخصام اي الرابع ظلمات بعضها فوق بعض و هي فتن بني‏امية او بنواالعباس (بني‏العباس خ‏ل) فوق بني‏امية فالاحسان بالوالدين انما يكون بترك متابعة الوالدين الاخرين اللذين يجاهدان ان‏يشرك باللّه و ترك المتابعة لايكون الاّ بترك المعاصي اما يبلغنّ عندك الكبر احدهما او كلاهما فلاتقل لهما افّ و لاتنهرهما و قل لهما قولاً كريماً المراد بالكبر هو ضعف الظهور لغلبة رطوبات الجهل و زيادة بلغم الحمق و الكفر بحيث ضعف نور العقل عن الظهور و بقي في حجاب الخفاء تحت الستور احدهما كما كان رسول‏اللّه9 قبل الهجرة مختفياً مدة متمادية في شعب ابي‏طالب اذ كان9 و لم‏يكن متمكّناً لاظهار الامر فالضعف بالنسبة الي ظهور الامر او كلاهما و ذلك بعد وفاته9 و ثوران الفتنة و رجوع القوم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 435 *»

قهقري و انقلابهم علي اعقابهم و ارتدادهم كفّاراً فبلغهما الكبر اي الضعف فلم‏يقدرا للمصلحة و الحكمة علي الاظهار فحينئذ انت ياايها الذي ظهر لك الحق و عرفت امرهما و فهمت قدرهما و انهما المتبوعان فلاتقل لهما افّ و لاتظهر التضجر و التكاسل عن طاعتهما و الاعتقاد الثابت الجازم بانهما المدار في عالم الاكوار و الادوار مااختلف الليل و النهار و لاتقل عند ظهور الغيبة و وقوع التقية انهما لن‏يدبّراني و علي ان ابذل مجهودي و انظر كلمات اعدائهما و اطلب (فاطلب خ‏ل) الحق فيها فان ذلك علامة التضجّر عن طاعتهما و انقياد سلطنتهما و الاقرار بذلّ عبوديتهما كما قال سيدالساجدين7 في الصحيفة و اجعلني اهابهما هيبة السلطان العسوف فلايمنعك عدم ظهور امرهما فان لهما مع كل ولي اذن سامعة و لاتنهرهما بكثرة المعاصي و السيئات و بارتكاب القبايح و الخطيئات فان اعمالك كلّ يوم و ساعة و دقيقة و ثانية و ثالثة تعرض عليهما فان وجدا فيها قبايح حزنا و انتهرا و تأذّيا و ان وجدا فيها طاعات و حسنات استرّا صلّي اللّه عليهما و الهما و قل لهما قولاً كريماً اي عاملهما معاملة العبد الذليل مع المولي الجليل الكريم الملي الولي الوفي و لذا قال عزّوجلّ و اخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة و قل ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيراً اشارة الي قوله عزّوجلّ فاسلكي سبل ربك ذللاً اي ذلّل لطاعتهما و اقم نفسك بين يدي امرهما و نهيهما و اسلك سبيل معرفتهما و طاعتهما و انقطع في كل الامور اليهما و ادخل في كل الشدائد عليهما و احزن لحزنهما و افرح لفرحهما و صلّ في جميع احوالك عليهما و اطلب لهما من اللّه الوسيلة و الفضيلة حيث (حسب خ‏ل) ماانعم اللّه عليك بهما و ربّياك صغيراً في تكوينك و تشريعك و ظاهرك و باطنك و سرّك و علانيتك و اوّلك و اخرك و علّماك ما لم‏تعلم و اوصلاك الي ما لم‏تصل اليه الاّ بهما فانت في يوم الجهل و الفقر صغير و عند العلم و الغني كبير فهما يزيلان الجهل و الفقر فكان الجهل الثاني عين العلم و فقره حقيقة الغني قال الفقر فخري و به افتخر فانت لم‏تزل صغيراً و كبيراً و هما صلّي اللّه عليهما و الهما يربّيانك في الصغر الي ما لا نهاية له.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 436 *»

ثم /اعلم (زائد خ‏ل) ان اللّه سبحانه عطف القول علي المؤمن الموالي الظاهر بالتشيّع و التمسك بوصي النبي و قال ربكم اعلم بما في نفوسكم ان تكونوا صالحين فانه كان للاوّابين غفوراً اي مربّي وجوداتكم و كينوناتكم و مقوّم احوالكم و صفاتكم اعلم بما في نفوسكم من حسن السريرة و خبثها و العمل بما وصّيناكم من التوحيد و طاعة الوالدين قال مولينا الصادق7 حيث سأله المفضّل قال كيف كنتم حيث كنتم في الاظلّة فقال يامفضّل كنّا عند ربّنا ليس عنده احد غيرنا في ظلة خضراء نسبّحه و نقدّسه و نهلّله و نمجّده و ما من ملك مقرّب و لا ذي روح غيرنا حتي بدا له في خلق الاشياء فخلق ماشاء كيف شاء من الملائكة او غيرهم ثم انهي علم ذلك الينا. ان تكونوا صالحين اي مخلصين لاميرالمؤمنين7 الولاية و المسلّمين لامره و نهيه و المؤمنين بسرّه و علانيته حيث امركم اللّه بذلك و جعله من شرط الايمان كما قال عزّوجلّ خطاباً لعلي7 فلا و ربّك لايؤمنون حتي يحكّموك فيماشجر بينهم ثمّ لايجدوا في انفسهم حرجاً مماقضيت و يسلّموا تسليماً، فانه اي الربّ كان للاوّابين الراجعين المنيبين اليه علي ماقلنا في بيان قوله7 انبيوا الي شيعتي، غفوراً مجبراً للكسير (للكسر خ‏ل) و مسهّلا للعسير (للعسر خ‏ل) قال7 انا لاندخلكم الاّ فيمايصلحكم و قال ايضاً7 راعيكم الذي استرعاه اللّه امر غنمه اعلم بمصالح غنمه ان شاء فرّق بينها لتسلم و ان شاء جمع بينها لتسلم.

ثم لمّا انّ اللّه سبحانه شرح الحكمتين مجملاً و اشار الي العلمية بقوله و قضي ربك الاية و الي العملية بقوله و بالوالدين احساناً الاية عطف القول علي محمّد و اله9فيبيّن له مااوجب له7 بالنسبة الي رعيته و اظهر ليفهم الرعية و تطمئن بذلك نفوسهم و تستقرّ عليه عقولهم فيصبرون في البأساء و النعماء و الضرّاء و اللأواء فقال عزّوجلّ و ات ذاالقربي حقه و المسكين و ابن‏السبيل و لاتبذّر تبذيراً امره سبحانه و تعالي ان‏يؤتي كل ذي‏حقّ حقّه من الامدادات الوجودية و الشرعية لكل شي‏ء من الموجودات بحسب مقاماتها الثلثة خصوصاً الانسان لشرفهم و تكرمتهم خصوصاً المسلمين

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 437 *»

منهم خصوصاً الفرقة الناجية بمراتبهم الثلثة من ذوي‏القربي و هم اخصّ الخواص الذين عرفوا الوالدين8 بالنورانية و زادوا عليها بالعمل و الايمان و وقفوا مقام الايقان و الاطمينان و عرفوا باطن باطن القران كماقالوا: سلمان منّا اهل‏البيت و سلمان من العلماء و سلمان محدّث كما انّ عليّاً7 محدّث فاتيهم9 من الانوار الباطنية و الاسرار الالهية و الحقايق اللاهوتية بدليل الحكمة و المساكين هم المسكين ذو متربة و هم اهل الاجساد و الاجسام كأنّهم خشب مسنّده يحسبون كل صيحة عليهم هم العدوّ و هم العوام اهل المجادلة بالتي هي احسن فاتيهم من العلوم الظاهرية القشرية بدليل المجادلة و ابن‏السبيل و هم الخواص الذين يرجي لهم الوصول الي الوطن الحقيقي الواقعي و هم اهل الموعظة الحسنة فاتيهم من الانوار القلبيّة اليقينيّة بدليل الموعظة الحسنة و عدم التبذير اشارة الي عدم الزيادة عن اعطاء كل ذي‏حقّ حقّه فيعطي للخواص ما للخصّيص و العوام ما للمقرّبين و هذا النهي وارد لمعرفة الخلق و ظهور العبودية والاّ فهو9 اجلّ من ان‏يرد عليه نهي و انما هو تعليم للمؤمن مراتب ظهورات الحق للخلق بوليّه7 يعرفه المؤمن الصادق.

ثم عطف القول سبحانه علي مبدء المعاصي و الانكار و بيان ان كل ماينسب الي الشيطان فهو باطل زور و مخالف و مناف للتمسّك بوصي النبي9 فقال عزّوجلّ ان المبذّرين كانوا اخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفوراً و هم الذين اسرفوا و تعدّوا حكم اللّه و خالفوا رسول‏اللّه9 و هم الذين قدّموا المفضول علي الفاضل و تبعوا صخر الجن (الجنّي خ‏ل) علي ملك سليمان و اتبعوا ماتتلوا الشياطين علي ملك سليمان و ماكفـر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلّمون الناس السحر و الشياطين هم سلسلة جهنم سبعون ذراعاً بذراع ابليس و الشيطان هو الذي قال الاول «ان لي شيطاناً ليعتريني» فنهي اللّه سبحانه عن اتّباعهم قولاً و عملاً و اعتقاداً و ميلاً و محبة و ارادة و هذه الاحكام من الاوامر و النواهي في الحكمة العلمية و العملية انما هي (هو خ‏ل) بحسب الكينونات الاولية من

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 438 *»

الظاهرية و الباطنية و القشرية و اللبّية لكن لمّا كان الحق لم‏يخلص ولو خلص الحق لم‏يخف علي ذي حجي ولكن اخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فامتزجا ليهلك من هلك عن بيّنة و ينجو من سبقت له من اللّه الحسني و وجب تقديم الظلمة لاجتثاثها و زوالها و ثبات الحق و استمراره كماقال عزّوجلّ تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لايريدون علواً في الارض و لا فساداً و العاقبة للمتقين و لمّا كان حكم اللّه سبحانه يجري علي صفات المكلّفين في التكوين و التشريع (التشريع و التكوين خ‏ل) و يدور علي اختلاف احوالهم كماقال عزّوجلّ ان اللّه لايغيّر مابقوم حتي يغيّروا ما بأنفسهم فحين اختلاط النور بالظلمة و ظهور الظلمة و خفاء النور و شيوع الباطل يقتضي الحكم الثانوي الظاهري لا الاولي الواقعي و ذلك في مقام التقية و محل الهدنة و غيبة الحجة7 اما مطلقاً او ظاهرالحكم نافذالامر فاشار سبحانه الي حكم عالم التقية و اثبات الحكم الثانوي و ان ذلك لايكون الاّ بنظر النبي9 و الامام7 و بمرأي و مسمع منهما قال عزّوجلّ و اما تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً اي اذا اعرضت عنهم حيث لم‏تتمكّن من اجراء الاحكام الالهية الواقعية الاولية عليهم لعدم اقتضاء كينوناتهم لشوب الباطل و لطخه و تمكّنه فيهم اما بنفسه الشريفة كما كان9 مختفياً في مكّة او بنفسه الشريفة كما كان علي7ساكتاً عن الامر الاوّلي كالائمة: و كالقائم7 حيث خرج و اعرض خائفاً يترقّب و ذلك الاعراض و عدم الايصال الي الامر الواحد الغير المختلف الغير المشوب بالشكوك و الشبهات الظاهرية و الباطنية من التكوينية و التشريعية ليس من جهة الغضب و السخط علي المؤمنين و انما هو لاجل ابتغاء رحمة اللّه رحمة اللّه ترجو لهم لتبقي بنيتهم و اشخاصهم و تزكّي و تستأهل لوقوع تلك الاحكام عليهم فقل لهم قولاً ميسوراً اي لاتقطع نظرك عنهم بل اجرهم الي سبيل اليسر و لاتسلك بهم سبيل الحكم الاول حيث لايقدرون عليه بل احملهم علي مايسلمون به من شرّ المنافقين و الكفار الملحدين و لذا قال7 انا لاندخلكم الاّ فيمايصلحكم و لو كشف لكم الغطاء لمااخترتم الاّ الواقع فاذا كان

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 439 *»

اللّه سبحانه اوصي نبيّه9 بان لايهمل رعيته حال التقية و لايقطع نظره9 عنهم فهو9 اولي برعاية وصية اللّه سبحانه و اهل‏بيته الطاهرون: اولي بمراعاة وصيته فالمؤمن الموحد يجب ان‏يمدّ عنقه في كل حال من احواله اليهم و يطلب الحق في العلم و العمل و الاعتقاد و الديانة و الرشاد عنهم فانهم سلام اللّه عليهم لايهملون رعاياهم و غنمهم و لايجعلونهم في حيرة و شدّة كيف و هم غياث المستغيثين و ملجأ الهاربين نعم /ذلك لايكون (لايكون ذلك خ‏ل) الاّ لمن هرب اليهم و دخل عليهم و تمسّك بحبل ولايتهم و انك لاتحتجب عن خلقك الاّ ان‏تحجبهم الامال دونك.

ثمّ لمّا كان الباطل لايقوم الاّ بالحق فلو جري حكم الباطل كلياً بطل الكون و فسد النظام ولو اتبع الحق اهواءهم لفسدت السموات و الارض و من عليها([12]) و لو جري حكم الحقّ ايضاً يلزم اماّ بطلان الكون كلياً لاجماع اهل الباطل علي ابطال الحق و افنائه و ذلك يستلزم اختفاء القطب الكلي الذي هو الغوث و مادة الحيوة عن العالم فتسيخ الارض باهلها و تبطل السموات و من عليها او الجبر و الظلم الممتنعان علي اللّه سبحانه فوجب الامران معاً اذا (اذ خ‏ل) امتنع الجبر فيجري الحكم الاوّلي الواقعي تارة حدّ الامكان لاقتضاء الاكوان و الحكم الثانوي الظاهري اخري مشياً علي حدّ التقية و الهدنة لمّا كان الامر كذلك امر نبيّه9 لتعليم الرعية بذلك فقال عزّوجلّ و لاتجعل يدك مغلولة الي عنقك و لاتبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً اي لاتمنع الخلق المكلّفين عن الامور الالهية الواقعية من الاسرار و المعارف و الحقايق و الارشادات اذا وجدت لها حملة و حفظة او عن اجراء الاحكام الواقعية الاولية اذا اغتنمت الفرصة بواسطة او بغير واسطة اي بنفسك الشريفة او باوصيائك و لاتمنع الحكمة من اهلها فتظلمهم و لاتظهر و لاتبيّن لكل احد حتي يصل الي الذين مايستأهلون لها فيكفرون او لايتحمّلون فيقتلون او لاتظهر الاحكام الاولية كلّ الاظهار فتقعد ملوماً محسوراً و لذا قال مولينا الباقر7مامعناه ان اميرالمؤمنين7 انما لم‏يسلّ السيف و لم‏يقاتل الناكثين لبيعة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 440 *»

يوم الغدير لانهم كانوا حديث عهد بالاسلام فيردّون كفاراً و هو قول هرون لموسي7 حين قال اني خشيت ان‏تقول فرّقت بين بني‏اسرائيل و لم‏ترقب قولي فافهم.

ثم قال عزّوجلّ ان ربك يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر انه كان بعباده خبيراً بصيراً فابان عزّوجلّ ان هذه السعة و الضيق في العلم و المعرفة و المعيشة الدنياوية و الاخراوية لحكمة الهية جري عليها قلم التقدير باذن اللطيف الخبير فالتوسعة باللّه و الضيق به و لايكونان الاّ باوليائه و احبائه لانه عزّوجلّ خاطبهم بعد مامنحهم و قال هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب و قال مااتيكم الرسول فخذوه و مانهيكم عنه فانتهوا و ٭ كل ميسّر لماخلق له ٭ و ٭ كل عامل بعمله ٭ فقد كشف اللّه سبحانه عن حقيقة الحكمة في هذه الايات المباركة و ذكر جميع مراتبها بالاجمال ثمّ اخذ في التفصيل و نحن نكتفي بماذكرنا فانّ من عرف مااردت من هذه الكلمات في هذه الايات ظهرت له حقيقة التمسّك بوصي النبي9 و كيفيته و مجمل القول انّ اميرالمؤمنين7 هو باب اللّه في كل شي‏ء لانه وليّه و كل شي‏ء من اثار الولاية و ظهوراتها و شئوناتها و هو الوجه الذي لا تعطيل لها في كل مكان فالعارف العاقل يتمسّك (متمسّك خ‏ل) في كل احواله و اقواله و اعماله و معتقداته في اصوله و فروعه به و بالطيبين من اولاده: و معني هذا التمسّك الاعراض عن كل مايخالفهم و كل ماينسب الي الاعداء و الي كتبهم و زبرهم و تصانيفهم و اشاراتهم علماً و عملاً اما بالعلم فبان‏يكون يأخذ علمه عنهم:فانّ من اخذ عنهم فقد اخذ النصيب الاوفر من العلم قال7 انتم افقه الناس ماعرفتم معني كلامنا و قال اللّه عزّوجلّ أفلاينظر الانسان الي طعامه قال7 اي الي علمه ممّن يأخذ. انّا صببنا الماء صبّاً و هو ماء المعرفة و الايمان عن سحاب كلمات الائمة: ثمّ شققنا الارض شقّاً اي ارض قلب المتعلّم الاخذ من الامام7 قال نحن العلماء و شيعتنا المتعلّمون و سائر الناس غثاء و اليه اشار عزّوجلّ و تري الارض هامدة فاذا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 441 *»

انزلنا عليها الماء اهتزّت و ربت الاية فانبتنا فيها حبّاً و هو علم صافي المحبة و خالص المودّة و ظهور اسرار احببت ان اعرف. و عنباً سكر المعرفة و علم معرفة اللّه سبحانه باسمائه و صفاته علي مراتبها و احوالها من العلوم و الامور و الاحوال الباطنية و قضباً من العلوم الظاهرية المتعلقة بظواهر افعال المكلّفين و زيتوناً من علوم الطريقة علم الاخلاق و تهذيب النفس و نخلاً علم الايمان و التقوي و جامع العلوم الثلثة الاية المحكمة و الفريضة العادلة و السنّة القائمة و حدائق غلباً من ساير انواع العلوم الجمّة الكثيرة الملتفّة بعضها ببعض المنشعبة كلّها من الاصل الواحد ولاء اهل‏البيت: و فاكهة و هي لذة الولاية و أبّاً من العلوم القشرية متاعاً لكم و هي الفاكهة و مافوقها من العلوم التي كلّها تحتها و لانعامكم و هي الابّ اي رعاياكم قال7 انظروا الي رجل منكم قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فارضوا به حكماً فاني قد جعلته عليكم حاكماً.

ثم اعلم ان مدّعي هذا المقام كثير و كل من هذه الفرقة يدّعون انّا قداخذنا علومنا عن اهل‏البيت: لكن للاخذين علامات يمتازون عن غيرهم.

و من العلامات ان لايكونوا من اهل العناد و الجدال و العصبية بل يكون مدارهم مدار الحق فان وجدوا قبلوا.

و منها ان لايكون عندهم قواعد اعتمدوا عليها مأخوذة عن الناس غير مصحّحة بميزان اهل الحق: فكلّ‏ما يوافق قواعدهم يقبلون و كلّ‏ما يخالفها ينكرون و ان لم‏يكونوا من اهل الجدال و العصبية فان ذلك ايضاً مبعّد عن الحق اذ قديكون الخطاء في تلك القواعد التي اعتمدوا عليها.

و منها ان لايكونوا مستأنسين بطائفة ليميلوا اليهم و يعموا عن الحق فان حبّك للشي‏ء يعمي و يصمّ.

و منها ان لايكونوا ممّن غلبت عليهم مادة البلغم فيئول امرهم الي البلادة فلايفهمون و لايعقلون.

و منها ان لايكونوا ممن غلبت عليهم المرة الصفراء فيئول امرهم الي الجربزة فلايستقيمون علي شي‏ء و يدورون مع كل شبهة و يميلون مع كل ريح.

و منها ان لايكونوا ممن غلبت عليهم الرطوبة فيئول امرهم الي النسيان فلايحفظون مايسمعون.

و منها ان

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 442 *»

لاتكون قلوبهم مشغولة بهموم الدنيا اذ الدنيا باطلة و همومها زائلة باطلة و ماجعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه.

و منها ان لاتكون قلوبهم متعلقة بامور كثيرة تميل الي كل جانب فتتعارض الميول و الجهات فتبقي متوقّفة لا الي هذا و لا الي ذاك و لذا قال7 ان حديثنا صعب مستصعب لايحتمله احد لا ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا مؤمن ممتحن قيل و من يحتمله قال7 من شئنا و في رواية نحن و في الاخري او مدينة حصينة و هي القلب المجتمع.

و منها ان لايكونوا منهمكين في الدنيا و طالبين زخارفها و متشبّثين بذيل قبائحها و راغبين الي رياستها فانهم في هذا الوقت منكّس رؤسهم الي اسفل السافلين فاين يجدون الانوار المشرقة من اعلي عليين.

و منها ان‏يكونوا باقين علي الفطرة و طالبين للحق الواقعي مبتغين رضاء اللّه و دار الاخرة من الباب الذي قرّره اللّه سبحانه لهم و مخلصين في ولاء اهل‏بيت الطاهرين سلام‏اللّه عليهم اجمعين معتقدين علي انه لايخفي عليهم شي‏ء من احوالهم و ظواهرهم و بواطنهم و ان لهم: مع كل ولي اذن سامعة و ان اللّه سبحانه لايدع الخلق متحيّراً ضالاً و انّ من طلبه بالتوجه الي اهل‏بيت العصمة و الطهارة وجده و لايريدوا الاّ الاخلاص في العبادة و التوجه في الطاعة غير ملتفتين الي الشهوات النفسانية و الميولات الشيطانية فان هؤلاء هم المحسنون اذ ليس للاحسان معني سواه و هم المجاهدون في اللّه فوجب ان‏يصلوا الي الصواب و يعرفوا الشي‏ء علي ماهو عليه فان كان في حكم الاعتقادات فعلي الواقعي الاولي و ان كان في الشرعيات فعلي ماتقتضي كينوناتهم و صفاتهم و لايخطئون من هذه الجهة لان اللّه معهم و ليس اللّه مع المخطئين و اللّه سبحانه وعد ان‏يهدي المجاهدين فيه الي سبيله و من اصدق من اللّه قيلاً و لن‏يخلف اللّه وعده قال تعالي و الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا و ان اللّه لمع المحسنين.

و منها ان لايخرجوا في مسألة من المسائل الدينية من الاعتقادية و العملية عن الكتاب و السنة و لايتكلّموا علي الاراء الفاسدة و العقول الضعيفة الناقصة و لايقولوا ان الكتاب اغلبها متشابهات و ظواهر فلايوصل الي القطع و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 443 *»

اما الاخبار فغير المتواترات كلّها اخبار احاد لايفيد علماً و لا عملاً فان المنافقين قد كذبوا علي اللّه و رسوله و افتروا علي اولياء اللّه و دسّوا في كتب اصحاب الائمة: و نقل (نقلوا ظ) الحديث بالمعني و حذفوا بعض الحديث و ذكروا الاخر /و (خ‏ل) انهم قالوا: اني لاتكلّم بكلمة (بالكلمة خ‏ل) و اريد منها احد سبعين وجهاً /لي (خ‏ل) لكل منها المخرج و قالوا: انتم افقه الناس ماعرفتم معني كلامنا و ان الكلمة منّا لتنصرف الي سبعين وجهاً فلو شاء انسان ان‏يصرف كلامه الي مااحبّ لم‏يكذب و امثالها فلايمكن لنا الاستدلال بها لان اللّه سبحانه قطع حجة كل محتجّ و شرح هذه المسألة في الكتاب (كتابه خ‏ل) الكريم و اجاب عنها حيث قال و ما ارسلنا من رسول و لا نبي و في قراءة اهل‏البيت: و لا محدّث، الاّ اذا تمنّي القي الشيطان في امنيّته فينسخ اللّه مايلقي الشيطان ثمّ يحكم اللّه اياته و اللّه عليم حكيم و الامنيّة هي القراءة كماقال الشاعر:

تمنّي كتاب اللّه في كل ليلة تمنّي داود الزبور علي الرسل

و القاء الشيطان هي ما ذكر من انواع الاحتمالات و الشكوك و الشبهات و الاحتمالات و الافتراءات و الدسّ و امثال ذلك و نسخ اللّه سبحانه هو اثبات القرائن الدالة علي المراد النافية لغير المراد فيقع عليها المتصفّح البالغ و يعرض عنها الكسل الجاهل وهكذا اولياؤه سلام اللّه عليهم ماذكروا شيئاً بل لايوجد شي‏ء و جهة من جهات العبادات و لا نحو من انحاء النفوس و لا مذهب من مذاهب العقول الاّ و قد وضعوا لنا عليه دليلاً يبيّنه من صحة او فساد و امارة توصل الي المراد و الي مافيه السداد و حجة واضحة موضحة لسبيل الرشاد و ذلك يحصل بالعبارة او بالارشاد او بالالهام او بالتنبيه او غير ذلك في نصّ او ظاهر بخصوص او عموم او تقييد او اطلاق او ايماء بعمل او تقرير او مثل و مااشبه ذلك و لهذا قال7 و ان من شي‏ء الاّ و فيه كتاب او سنّة فاذا استفرغ من له اهلية الاستيضاح وسعه في تحصيل معرفة حكم الامام7 وقع عليه و عرف قوله و حكمه فيه لانه7 مهما طلب من النحو الذي امر بطلبه منه وجد لانه هو القيّم علي هذه الفرقة و هم رعيّته و عليه تسديدهم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 444 *»

كما اشارت اليه النصوص و اما ارادة السبعين وجهاً في كلماتهم فاذا ارادوا: معرفة كل المعاني من الرعية يعلمونها اياه بنصب القرائن والاّ فعلي حسب مايريدون من تلك المعاني.

و بالجملة فالمتمسك بهم ناظر الي نور ربه و مهتدٍ الي صراط مستقيم فاذا استقام في التمسك يعرفونه الحيث و الكيف و الكمّ و اذ و من و عن و علي و الي و مذ و قد و يعرفونه مفصوله و موصوله و مايئول اليه اموره فهو لايخطي حين يعرف و يقول و يبيّن حين تمّت له هذه الشرايط و قوي نظره و تفكّره في العالم في الافاق و في الانفس لان اللّه عزّوجلّ امر بمتابعتهم و لايأمر بمتابعة المخطي مع انه سبحانه نصّ بصوابهم حيث قال و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها قري ظاهرة و قدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالي و اياماً امنين قال7 نحن القري التي بارك اللّه فيها و القري الظاهرة شيعتنا هـ و اذا كان الشيعة هي القرية الظاهرة لايكون السير فيهم الاّ الاخذ عنهم علوم ائمتهم: بالليالي اي بالتقليد في الاحكام الشرعية الفرعية و الايام هي المعرفة الموصلة الي المراد (بالمراد خ‏ل) و معرفة المأخذ و الدليل و الامن هو الامن عن الخطاء لان تلك البلدة و القرية انما عمرها اللّه سبحانه فلايسلّط عليه عدوّه الشيطان الرجيم علي تخريبها و تضييع اهلها فلايتطرّق في كلام اهل اللّه مادام هم ناظرين الي سبيل اللّه الخطاء و سبيل اللّه للخلق هو اميرالمؤمنين7 و الطيبون من اولاده: فمن تبعهم فقد انسلك (سلك خ‏ل) في مسلكهم و استنار بنورهم و ادركهم نور عصمتهم و ولايتهم كماقال اميرالمؤمنين7 المتبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين يتأدّبون بادابهم و ينهجون منهجهم فعند ذلك يهجم بهم العلم علي حقيقة الايمان فتستجيب ارواحهم لقادة العلم و يستلينون من حديثهم مااستوعر علي غيرهم و يأنسون بمااستوحش منه المكذّبون و اباه المسرفون اولئك اتباع العلماء صحبوا الدنيا بطاعة اللّه تبارك و تعالي و اوليائه و دانوا بالتقية عن دينهم و الخوف من عدوهم فارواحهم معلّقة بالمحل الاعلي فعلماؤهم و اتباعهم خرس صمت في دولة الباطل منتظرون

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 445 *»

لدولة الحق و سيحقّ اللّه الحق بكلماته و يمحق الباطن طوبي لهم علي صبرهم علي دينهم حال هدنتهم و يا شوقاه الي رؤيتهم في حال ظهور دولتهم و سيجمعنا اللّه و اياهم في جنات عدن و من صلح من ابائهم و ازواجهم و ذرّياتهم و قال مولينا الباقر7 ما من عبد احبّنا و زاد في حبّنا و اخلص في معرفتنا و سئل مسألة الاّ و نفثنا في روعه جواباً لتلك المسألة و بالجملة فالذي تمسّك به7 فقد فاز و بلغ المني سعد واللّه من والاكم و هلك واللّه من عاداكم و خاب من جحدكم و ضلّ من فارقكم و فاز من تمسّك بكم و امن من لجأ اليكم و سلم من صدّقكم و هدي من اعتصم بكم و هذا الذي ذكرنا هو كيفيّة التمسك به7 في العلم.

و اما العمل فهو الصدق مع اللّه في كل المواطن و تختلف مراتب الخلق في هذا الصدق و جامع القول في الصدق ان لايجدك اللّه حيث نهاك عنه فللخصّيص في فعل المباحات و للخواص في فعل المكروهات و للعوام في فعل المحرّمات و تفصيل المقال يؤدّي الي التطويل و قدروي مولينا و سيدنا علي بن موسي الرضا عن ابيه عن ابيه الصادق عن ابيه محمّد بن علي الباقر عن ابيه علي بن الحسين بن علي عن ابيه علي بن ابي‏طالب عن رسول‏اللّه9 عن جبرئيل عن اسرافيل عن ميكائيل عن اللوح عن القلم عن الروح عن اللّه سبحانه و تعالي انه قال ولاية علي حصني فمن دخل حصني امن من عذابي فاشار عزّوجلّ الي باطن قوله ان اوّل بيت وضع للناس للذي ببكّة و هذا البيت هو اول بيت من البيوت التي اذن اللّه ان‏ترفع و يذكر فيها اسمه كما في قوله عزّوجلّ في بيوت اذن اللّه ان‏ترفع و يذكر فيها اسمه يسبّح فيها علي البناء للمفعول بالغدوّ و الاصال رجال علي انه خبر مبتدء محذوف اي هم رجال و الرجال هم اولي الايدي و الابصار بل هم الايدي و الابصار و السماء بنيناها بايدٍ و انّا لموسعون و الايدي هم مظاهر الوهّاب و الجواد و وجه اللّه لكل ذي روح من الانسان و الحيوان و الجماد و هم ال‏محمّد

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 446 *»

الامجاد عليهم سلام‏اللّه الي يوم التناد اوّلهم هو اميرالمؤمنين7 .

و لمّا كان الظاهر قد جري علي طبق الباطن صار تولده البشري7 في مكّة فقال تعالي ان اوّل بيت وضع للناس اماماً و سيّداً و قبلةً و وجهاً لكلّ الوجود و الموجود للذي ولد في مكة التي هي بكّة هدي و رحمة للعالمين قال رسول‏اللّه9 انا المنذر و علي الهادي و هو7 رحمة اللّه الواسعة نعمة علي الابرار و نقمة علي الفجّار و هو الماء النازل من القرءان و ننزّل من القرءان ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً، فيه ايات بيّنات قال7 و اي اية اكبر منّي و اي نبأ اعظم منّي و قال مولينا الصادق7 و اي اية اراها اللّه الخلق في الافاق و الانفس غيرنا في تفسير قوله عزّوجلّ سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبيّن لهم انه الحق الاية مقام ابرهيم اشارة الي الشجرة الزيتونة التي لا شرقية و لا غربية اي شجرة ابرهيم لا يهودية و لا نصرانية و المقام هو المظهر و الاية كما في قوله7 في الدعاء و اياتك و مقاماتك و علاماتك التي لا تعطيل لها في كلّ مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الاّ انهم عبادك و خلقك الدعاء و ابرهيم هو ابرهيم الاول قال7 انا اية محمّد9 لقد ظهر به علي كل الوجود فهو حامل اللواء و مكلّم موسي في الشجرة اني انا اللّه، و من دخله كان امناً لانه7 حصن اللّه المحكم و زمامه (زمام‏اللّه خ‏ل) المنيع الموقي عن شرّ كل غاشم و طارق و هو النور الذي كلّ من قرب اليه استنار و هو الهداية التي كلّ من تمسّك به اهتدي و هو الوجه الباقي الذي كلّ من توجّه اليه خلص و نجي من الفناء و هو عين اللّه الشاهدة علي الوري و هو يد اللّه الباسطة و للّه علي الناس حجّ البيت من استطاع اليه سبيلاً و هو قوله7 و تمسّكوا بوصي نبيّكم و هو اللواذ به و الاتيان بباب كرمه فعلي ماذكرنا اتّضح لك الامر في سرّ تقديم الجار و المجرور في قوله7 به نجاتكم فان النجاة في الدنيا و الاخرة منحصرة بالتمسك به و هو الحصر المستفاد من قوله7 في الزيارة بموالاتكم علّمنا اللّه تعالي معالم ديننا و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 447 *»

اصلح ما كان فسد من دنيانا و بموالاتكم تمّت الكلمة و عظمت النعمة و ائتلفت الفرقة و بموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة و لكم المودّة الواجبة الزيارة فافهم و اغتنم فانّ فيما ذكرنا كفاية لاولي الرشد و الدراية.

قوله7 و بحبّه يوم المحشر منجاتكم فان النجاة في الحشر منحصرة في محبته7 كما دلّت عليه النصوص المتواترة بيننا و بينهم و الاحاديث في هذا الباب لاتكاد تحصي و انما اقتصر علي واحد منها تذكرة لاولي‏الالباب روي الكليني في روضة الكافي عن اميرالمؤمنين7 انه قال في خطبة له ايها الناس ان اللّه عزّوجلّ وعد نبيّه محمّداً9الوسيلة و وعده الحق و لن‏يخلف اللّه وعده الا و ان الوسيلة اعلي درج الجنة و ذروة ذوائب الزلفة و نهاية غاية الامنيّة لها الف مرقاة مابين المرقاة الي المرقاة حضر الفرس الجواد في مائة الف الف عام و في نسخة الف عام و هو مابين مرقاة درّة الي مرقاة جوهرة الي مرقاة زبرجد الي مرقاة لؤلؤة الي مرقاة ياقوتة الي مرقاة زمردة الي مرقاة مرجان الي مرقاة كافور الي مرقاة عنبر الي مرقاة عود الي مرقاة ذهب الي مرقاة فضّة الي مرقاة غمام الي مرقاة هواء الي مرقاة نور قد انافت علي كل الجنان و رسول‏اللّه9 يومئذ قاعد عليها مرتدٍ بريطتين ريطة من رحمة اللّه و ريطة من نور اللّه عليه تاج النبوة و اكليل الرسالة قد اشرق بنوره الموقف و انا يومئذ علي الدرجة الرفيعة و هي دون درجته و علي ريطتان ريطة من ارجوان النور و ريطة من كافور و الرسل و الانبياء قد وقفوا علي المراقي و اعلام الازمنة و حجج الدهور عن ايماننا قد تجلّلتهم حلل النور و الكرامة و لايرانا ملك مقرّب و لا نبي الاّ بهت بانوارنا و عجب من ضيائنا و جلالتنا و عن يمين الوسيلة عن يمين الرسول9 غمامة بسطة البصر يأتي منها النداء يا اهل الموقف طوبي لمن احبّ الوصي و امن بالنبي الامّي العربي و من كفر فالنار موعده و عن يسار الوسيلة عن يسار الرسول9ظلة تأتي منها النداء يا اهل الموقف طوبي لمن

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 448 *»

احبّ الوصي و امن بالنبي الامّي و الذي له الملك الاعلي لا فـاز احد و لا نال الروح و الجنة الاّ من لقي خالقه بالاخلاص لهما و الاقتداء بنجومهما فايقنوا يا اهل ولاية اللّه بتبيّض وجوهكم و شرف مقعدكم و كرم مئابكم و بفوزكم اليوم علي سرر متقابلين و يا اهل الانحراف و الصدود عن اللّه عزّ ذكره و رسوله و صراطه و اعلام الازمنة ايقنوا بسواد وجوهكم و غضب ربكم جزاء بماكنتم تعملون الحديث و في روضة الكافي عدّة من اصحابنا عن سهل بن زياد عن محمّد بن سليمان عن ابيه قال كنت عند ابي‏عبداللّه7 اذ دخل عليه ابوبصير و قد خفره النفس فلمّا اخذ مجلسه قال له ابوعبداللّه7 ياابامحمّد ماهذا النفس العالي فقال جعلت فداك يابن رسول‏اللّه كبرت سنّي و دقّ عظمي و اقترب اجلي لست ادري ماارد عليه من امر اخرتي فقال ابوعبداللّه7 ياابامحمّد و انك لتقول هذا قال جعلت فداك و كيف لااقول فقال7ياابامحمّد اماعملت ان اللّه عزّوجلّ يكرم الشباب منكم و يستحيي من الكهول فقال قلت جعلت فداك كيف يكرم الشباب و يستحيي من الكهول فقال يكرم واللّه الشباب ان‏يعذّبهم و يستحيي من الكهول ان‏يحاسبهم قال قلت جعلت فداك هذا لنا خاصّة ام لاهل التوحيد فقال لا واللّه الاّ لكم خاصّة دون العالم قال قلت جعلت فداك قد نبزنا انكسرت له ظهورنا و ماتت افئدتنا و استحلّت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم قال فقال ابوعبداللّه7 الرافضة قال قلت نعم قال لا واللّه ماهم سمّوكم بل اللّه سمّاكم به اماعلمت ياابامحمّد انّ سبعين رجلاً من بني‏اسرائيل رفضوا فرعون و قومه لمّا استبان لهم ضلالتهم فلحقوا بموسي7 لمّا استبان لهم هديه فسمّوا في عسكر موسي الرافضة لانهم رفضوا فرعون و كانو اشدّ اهل ذلك العسكر عبادة و اشدّهم حبّاً لموسي7 و هرون و ذرّيتهما فاوحي اللّه عزّوجلّ الي موسي انّي اثبت لهم هذا الاسم في التورية فاني قدسمّيتهم و نحلتهم اياه فاثبت موسي7 الاسم لهم ثم ذخر اللّه عزّوجلّ لكم هذا الاسم حتي نحلكموه ياابامحمّد رفضوا الخير و رفضتم الشرّ افترق

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 449 *»

الناس كل فرقة و تشعّبوا كل شبعة فانشعبتم مع اهل‏بيت نبيكم9 و ذهبتم حيث ذهبوا و اخترتم من اختار اللّه لكم و اردتم من اراد اللّه لكم فابشروا ثم ابشروا فانتم واللّه المرحومون المتقبّل من محسنكم و المتجاوز عن مسيئكم يوم القيمة من لم‏يأت اللّه عزّوجلّ بما انتم عليه لم‏يتقبّل منه حسنة و لم‏يتجاوز له سيئة ياابامحمّد فهل سررتكم قال قلت جعلت فداك زدني فقال ياابامحمّد انّ للّه عزّوجلّ ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كمايسقط الريح الورق في اوان سقوطه و ذلك قوله عزّوجلّ و الملائكة حافّين من حول العرش يسبّحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين امنوا استغفارهم واللّه لكم دون هذا الخلق ياابامحمّد لقد ذكركم اللّه في كتابه فقال من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا اللّه عليه فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و مابدّلوا تبديلاً انكم وفيتم بما اخذ اللّه عليه ميثاقكم و منّ عليكم ولايتنا فانكم لم‏تبدّلوا بنا غيرنا و لو لم‏تفعلوا لعيّركم اللّه كما عيّرهم حيث يقول جلّ‏ذكره و ماوجدنا لاكثرهم من عهد و ان وجدنا اكثرهم لفاسقين يا ابامحمّد فهل سررتكم قال قلت جعلت فداك زدني فقال7 يا ابامحمّد لقد ذكركم اللّه في كتابه فقال اخواناً علي سرر متقابلين و اللّه مااراد بهذا غيركم يا ابامحمّد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال7 يا ابامحمّد الاخلاّء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ الاّ المتّقين واللّه مااراد بهذا غيركم يا ابامحمّد فهل سررتك قال قلت جعلك فداك زدني قال يا ابامحمّد لقد ذكرنا اللّه و شيعتنا و عدوّنا في اية من كتابه فقال عزّوجلّ هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون انما يتذكر اولوا الالباب فنحن الذين نعلم و عدوّنا الذين لايعلمون و شيعتنا هم اولوا الالباب يا ابامحمّد فهل سررتك قال قلت جلعت فداك زدني. فقال يا ابامحمّد مااستثني اللّه عزّ ذكره باحدٍ من اوصياء الانبياء و اتباعهم ماخلا اميرالمؤمنين7 و شيعته فقال في كتابه و قوله الحق يوم لايغني مولي عن مولي شيئاً و لا هم ينصرون الاّ من رحم اللّه يعني بذلك عليّاً و شيعتنا يا ابامحمّد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال7 لقد ذكركم اللّه عزّوجلّ في القران اذ يقول يا عبادي الذين

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 450 *»

اسرفوا علي انفسهم لاتقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعاً انه هو الغفور الرحيم و اللّه مااراد بهذا غيركم فهل سررتك يا ابامحمّد قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا ابامحمّد لقد ذكركم اللّه في كتابه و قال انّ عبادي ليس لك عليهم سلطان واللّه مااراد بهذا الاّ الائمة و شيعتهم و هل سررتك يا ابامحمّد قال قلت جعلت فداك زدني قال يا ابامحمّد لقد ذكركم اللّه في كتابه فقال اولئك مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيّين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقاً فرسول‏اللّه9 في الاية النبيّون و نحن في هذا الموضع الصديقون و الشهداء و انتم الصالحون فتسمّوا انفسكم بالصلاح كماسمّاكم اللّه عزّوجلّ يا ابامحمّد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني. قال فقال يا ابامحمّد لقد ذكركم اللّه في القران اذ حكي عن عدوّكم في النار بقوله و قالوا مالنا لانري رجالاً كنّا نعدّهم من الاشرار اتّخذناهم سخريّاً ام زاغت عنهم الابصار واللّه ماعني اللّه و لااراد بهذا غيركم صرتم عند اهل هذا العالم شرار الناس و انتم واللّه في الجنة تحبرون و في النار تطلبون يا ابامحمّد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال يا ابامحمّد ما من اية نزلت تقود الي الجنة و لايذكر اهلها بخير الاّ و هي فينا و في شيعتنا و ما من اية نزلت يذكر اهلها بشرّ و يسوق الي النار الاّ هي في عدوّنا و من خالفنا فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا ابامحمّد ليس علي ملة ابرهيم الاّ نحن و شيعتنا و ساير الناس من ذلك براء يا ابامحمّد فهل سررتك و في رواية اخري فقال حسبي. هـ  و هاتان الروايتان مشتملتان علي حقيقة البيان لقوله7 و بحبّه يوم الحشر منجاتكم فلا بيان ازيد من ذلك.

بقي الكلام في المحبة و حقيقتها و بيان مراتبها و نحن لو تصدّينا لشرح جميع احوالها و مراتبها و مقاماتها لأدّي الي تطويل المقال زايداً عمّايقتضيه الحال لكنّي اشير الي بعض احوالها حسب ماذكرته في اللوامع الحسينية7 في بيان قوله تعالي في الحديث القدسي كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف قلت هناك هل تجـد في ذاتك تجدّداً و حركة ام لا؟ فان قلت لا صدقت و ان

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 451 *»

قلت نعم كذبت فان الذات لاتتوقّع شيئاً من حيث الكينونة و التحقّق غيرها فان توقّعت فلم‏يكن مافرضناه هو هذا خلف فاذن ليس في الذات الاّ هي و هي من حيث هي ليست الاّ هي و كلّ‏ما يتأخّر فهو المتأخر و لايكون الاّ المتأثر فان المتأخّر تأكيد للمتقدّم في السلسلة الطولية كقولك ضربت ضرباً و قعدت جلوساً فانت في كينونتك انت ثم تميل الي الشي‏ء بحركة قلبك اليه لكنّها في غاية السرعة لانها في اعلي مراتب اللطافة بالنسبة اليك و بالنسبة الي مايصدر منك و هو اوّل ذكرك للشي‏ء و ذلك هو المشية قال7 أتدري ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول و هي الارادة قال7 الارادة من الخلق الضمير و مايبدو له بعد ذلك من الفعل و هي الاختراع قال7 المشية و الارادة و الاختراع معناها واحد و اسماؤها ثلثة و من حيث ان الميل لايكون الاّ الي الملايم يسمّي حبّاً و محبّة فالمحبّة هي ذلك الذكر الاول و هي سرّ الوجود و ظهور الحق المعبود فيعبّر عنها حسب الارادات باسماء مختلفة.

و لمّا كان هذا الذكر المسمي بالارادة يختلف في الشدة و الضعف و الزيادة و النقصان و له مراتب كثيرة غير محصورة لكن كلياتها تجتمع في تسع مراتب علي الترتيب سميت كل مرتبة باسم يغاير الاخري و ان اجتمعت في اسم المحبّة و كل ذلك مظاهر ذلك الذكر و شئونه و مقاماته: الاولي تسمّي ميلاً و هو انجذاب القلب الي مطلوبه. و الثانية تسمي ولعاً و هو اذا قوي و دام ذلك الانجذاب. و الثالثة تسمي صبابة و هو اذا اخذ القلب في الاسترسال الي من يحبّ فكأنّه انصبّ كالماء اذا فرغ لايجد بدّاً من الانصباب. و الرابعة تسمي شغفاً و هو اذا تفرّغ له بالكلية و تمكّن ذلك منه. و الخامسة تسمي هوي و هو اذا استحكم في الفؤاد و اخذه عن الاشياء. و السادسة تسمي غراماً و هو اذا استولي حكمه علي الجسد. و السابعة تسمي حبّاً و هو اذا نما و زالت العلل الموجبة للمنع للميل. و الثامنة تسمي ودّاً و هو اذا هاج حتي يفني المحبّ عن نفسه. و التاسعة مقام فناء المحبة و المحبّ و المحبوب قال مولينا الصادق7 المحبة حجاب بين المحبّ و المحبوب و هذا مقام لا اسم و لا رسم و هذا مقام الدنوّ بلا كيف و لا اشارة و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 452 *»

في هذا المقام يري المحبّ محبوبه و لايعرفه يعني ترتفع جهة التمايز في عالم الظهور فيتوجّه الي محبوبه لا من حيث انه كذلك قال7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة فان الاشارة مبعّدة و اهل المحبة المجازية سمّوا هذا المقام عشقاً.

و الوجه في هذه المراتب ان الشي‏ء له شئون ذاتية و شئون عرضية و شـئون اضافية و وصفيّة و حقيقة صرفة لطيفة محضة و هي المجردة عن الشـئون المنزهة عن الاضافات و تلك الشـئون هي سبحاتها و هياكل تنزلاتها و اذا التفتت اليها كانت في عوالم غربتها و هجرتها و عدم الوصول الي مسكنها و موطنها فاذا غفلت عنها فهي في انسها و كمالها و ذلك الذهول المطلوب لايكون الاّ بالميل الي اعاليها كما انها ليست الاّ هو فاذا مالت الي العالي او الي المناسب ميلاً غريزياً اخذت تنجذب تلك السبحات و تنكشف تلك الاضافات فاولاً يذهل عن غيره من الشـئون العرضية و بينها تلك المراتب الاولية من الميل الي الهوي ثم يأخذ في الذهول عن نفسه بمراتبه من الغرام الي الودّ ثم يذهل عن العالي المنظور اليه و يتصل به اتصالاً عيانياً من حيث فقدانه و دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فان المحبة حجاب بين المحب و الحبوب لاقتضائه التثليث و هو ينافي المحبة.

فاذا عرفت هذه المراتب فاعلم ان حبّك للشي‏ء جهتك اليه و استدارتك عليه فان كانت ذاتية تدور لا الي جهة و لا وضع و لا محور لها فان كانت الاستدارة علي خلاف التوالي كان ذلك عين محبوبك لك فانه قد تجلّي لك بك فهو محبّك و محبوبك احبّك بك و احببته به فنظرت اليه به و نظر اليك بك و هذه هي المحبة الصادقة التي لا زوال لها و لا اضمحلال بل هي باقية ببقاء المحبوب فيما لم‏يزل و لايزال فلايزال هو متجلٍّ له به و جاذبه عنه و هو فانٍ فيه و منجذب اليه كانجذاب الحديد للمقناطيس (للمغناطيس ظ) و هو مثال تقريبي لا تحقيقي و هذا الانجذاب بلا كيف و لا اشارة و هذا هو الاستيناس في ظلال المحبّ احبّ محبّه فاحبّه بعين محبته له فمحبّة المحبوب في هذه السلسلة اقدم احبّ جماله بجلاله فنظر جلاله الي جماله بعين جماله كما نظر الي جلاله بعين جماله فافهم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 453 *»

هذا البيان المكرّر المردّد بالفهم المسدّد فان هذا عكس مايزعمون فان جهة العالي و ميله الي السافل لو كان في رتبة العالي لكان السافل عالياً فيجب ان‏يكون في رتبة السافل لا بحيث يلزم العكس من كون العالي سافلاً بل العالي عالٍ و السافل سافل فالظهور للسافل بالسافل من حيث كونه عالياً و هو المحبوب المتقدم محبته علي محبّه و محبة السافل للعالي بالعالي من حيث كونه سافلاً قال الشاعر:

رأت قمر السماء فذكّرتني ليالي وصلنا بالرقمتين
كلانا ناظر قمراً ولكن رأيت بعينها و رأت بعيني

و اما حب الشي‏ء نفسه عين نفسه و هذا معني محبة الخلق للولي7 و محبة الولي لهم يحبّهم و يحبّونه فتامّ المحبة من لايري سوي المحبوب و كاملها من يفقد المحبوب بالاشارة لانه دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فاتّحد المحبوب و المحب و المحبة الاّ انه هو هو و نحن نحن و لمّا كان الايجاد بالمحبة سرت و جرت المحبة في كل ذرّات الوجود فما تمّ (ثمّ خ‏ل) شي‏ء موجود او معدوم جوهر او عرض لفظ او معني الاّ بها فهي شمس عالم الوجود لانها نار الشجرة الغير الشرقية و لا الغربية الماسّة زيت تلك الشجرة الصافي الذي يكاد يضيئ في عالم الشهود ولو لم‏تمسسه تلك النار في فلك الاسم الودود فبحرارتها استقام كلّ مزاج و هي منشأ كل سرور و ابتهاج فهي مادة المواد و صورتها الاتصال بالمراد و ببرودتها ظهر ذلك النور بما فيه من القابلية و الاستعداد فكلّ محبة تستلزم الاتصال و كل اتصال يلزمه الانفصال فبالاتصال يسكن المحبّ و بالانفصال يتحرك سريعاً فلولا الاتصال بطلت المحبة لكونها فرع مشاهدة الجمال فلا محـبّ و لا محبوب و لولا الانفصال تمّت و انتهت و ليس لمحبتي غاية و لا نهاية فهو دائماً يسير الي محبوبه و دائماً يتجلّي له محبوبه فاذا سكن عنده تجلّي له في مقام اعلي فيشتدّ سيره و يعظم ميله.

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 454 *»

كلّما جاء كأس يأس مرير جاء كأس من الرجاء معسول

فبالحبّ سكن السواكن و تحركت المتحركات فالساكن لسرعته لاتري لها حركة قال7في المشية خلق ساكن لايدرك بالسكون مع انها عين الحركة و قال عزّوجلّ و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمرّ مرّ السحاب صنع اللّه الذي اتقن كل شي‏ء و تلك الحركة لتلك الحرارة و الداعية المشوّقة السارية في كل الذرّات من باب الايات و هي اثر حبّ اللّه قد سري في خلقه و ذلك الاثر هو ظهورات الولي من العزّ في الحقايق و الذوات قال7 انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات و سري ذلك الاثر في الخلق ليكمل به ميولاتهم اليه مع تباين اطوارهم و قد ضجّت اليه الاصوات بفنون اللغات و اجتمعت لديه العقول المتخالفات و هو سرّ توحيده و اية تفريده الظاهر في كلّ شي‏ء لكلّ شي‏ء بكلّ شي‏ء قال7 :

و في كل شي‏ء له اية   تدلّ علي انه واحد

و هي تلك المحبة السارية في كل اقطار الوجود و هي سرّ الايجاد و علة الانوجاد و جهة الاتصال و مادة الانفصال تسرع بالاشياء الي مباديها و توصلها الي اصولها و جواهرها و تعرفها مقامها و رتبتها اجمل لك المقال بانها عين الكمال في المبدأ و المـئال.

ثمّ اعلم ان العالي لايزال يحبّ السافل و يلتفت اليه من حيث هو كذلك و لولاه لا سبيل للسافل اليه و السافل ليس الاّ عين محبة العالي و محبوبيته له و محبته له فالقول بان العالي لايلتفت الي السافل بظاهره باطل اذ السافل ليس الاّ التفات العالي فوجوده نقض لقولهم نعم التفات الانتفاع منتفٍ و كذا الذكر عند الذات هذا في السلسلة الطولية فكل سافل ساير الي جهة العالي و مشتاق اليه و راغب فيما لديه و منقطع اليه و لايريد سواه و لايطلب غيره من حيث هو و كذا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 455 *»

العالي بالنسبة اليه الاّ ان محبة العالي مقدمة فاحبّه بما جعـل فيه من محبته فاحبّه بمحبته له لا العكس و محبته (محبة خ‏ل) السافل تقتضي الدوران و الاستدارة الابدية علي نفسها لانه يطلب العالي في سيره لفرط شوقه فكلّما يصعد اليه يرجع قهقري عند نفسه فيطلب الغير في مقامه و لايمكن الوصول اليه فلذا لم‏يزدد الاّ حبّاً و شوقاً و شغفاً و غراماً و ولعاً و لايزال يتجدّد له تجلي المحبوب و لاينزل اليه ابداً.

قذفتهم الي الرسوم فـــ ــكل دمعه في طلوله مطلول

فجمال المحبوب له ظهورات حسب مراتب المحبين المشتاقين الولهين الفانين ثم لجماله جمال و لجمال جماله جمال وهكذا و للكل (لكلٍ خ‏ل) طالب و مشتاق لكن لايطلب جماله الاّ جماله و لايريد وصاله الاّ جلاله و لايبصر نوره الاّ طرفه اعرفوا اللّه باللّه قال الشاعر:

اذا رام عاشقهـا نظرة فلم‏يستطعها فمن لطفهـا
اعارته طرفاً رأها به فكان البصير بها طرفها

فافهــم.

و اذ قد علمت ان الوجود قام بالحبّ و عاد اليه فاعلم ان المحبة محبّتان ذاتية و عرضية و الذاتية ذاتيتان: احدهما هو اللانهاية السايرة الدايرة علي محبوبها بالاستدارة الحقيقية لا الي جهة و قدتقدّم حكمها و ثانيهما مقامات النهاية و كل نهاية سيرها الي جهة فلايكون (و لايكون خ‏ل) الدوران علي القطب بل علي المحور فتختلف مراتبها في المحبة حسب ميولاتها التكوينية المحضة و التشريعية فاعلاها المقامات العقلية فانها من حيث كينونتها لاتسير الاّ الي جهة تلك المحبة و تميل الي الحدود الغيبية المعنوية و الي المعاني الكلّية و لقربها الي المحبة الحقيقية سريعة الوصول بخرق حجب النهاية لادراك اللانهاية و لذا لاتميل الي ماينافيها و يضادّها و لايشتاق الاّ الي خدمة المحبوب و ملازمته و امتثال اوامره و نواهيه و ايثار محبوبه علي ماسواه فهو لاينظر الاّ الي تلك المحبة لكنه في حجاب رقيق يتلألأ بخفق و هو من زبرجد و اسفلها

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 456 *»

المقامات الصورية المترتّبة الي العشرين و تجمعها الصور النفسية و الجسمية و العرضية من الكيفيات و الكمّيات و الجهات و الاعراض و غيرها و اعلاها الاعلي و هي الاسفل الادني فاقدة للمحبة الحقيقية لكمال بعدها عنها و احتجابها بالغواشي حتي تشغله الكثرات و تلهيه الاضافات و الميل في هذه المقامات لاتكون لذاته بل لجهة من الجهات و حيث من الحيثيات و ذاتية هذا العرضي تنبئ عن ميل محبوبه اليه لتؤالفهما في الذرّ الثالث حين تغرّدهما علي دوحات سدرة المنتهي و تواجههما و قد لاتنبئ لجواز ان‏يكون علي ذلك الغصن وجهه علي ظهره فاحدهما مقبل و الاخر مدبر و هذه صورتهما و عرضي هذا العرضي يكون بدواعي اللطخ و الخلط و قد ينبئ ذلك عن ميل الاخر اليه اذا استحكم الخلط و اللطخ بينهما فالواقف في هذا المقام لم‏تزل في احتجاب عن وجه المقصود الحقيقي و عن المحبة الالهية و هم المشار اليه في قوله عزّوجلّ زيّن للناس حبّ الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسوّمة و الانعام و الحرث ذلك متاع الحيوة الدنيا فسيرهم ابداً عرضي معكوس و شمس مدارجهم في الافول و الطموس و اوسطها الاوسط و هو الاسفل و هو الحجاب الاسود لايدور الاّ الي الجهة و هي الجهات الحسيّة المتكثرة و المدارج الرسمية حجاب غليظ و ميلها عكس الميل الكلي لاتميل الاّ الي الصورة الجسمية و لايشتاق الاّ اليها و لايهوي الاّ ايّاها و فيها نسيان المحبوب الاول لان كينونتها علي خلافه و ان كان قوامها به و دلالتها عليه فشوقها الغريزي و ميلها الذاتي الي الجهات و ذوات الاوضاع و الحدود و كذا الشوق الوجداني و الشعور الحيواني فانهما قديتخالفان عند احتجاب الواقفين بالحجب الظلمانية والاّ فلا اختلاف كاهل الجنة في درجاتهم و مقاماتهم حسب اقتضاء كينوناتهم باعمالهم و دواعي اقبالهم و لايميلون الي ماليس لهم و لايشتاقون اليه ليكدّر عليهم صافي شربهم كما في الدنيا قال اللّه عزّوجلّ ام يحسدون الناس علي مااتيهم اللّه من فضله، و لاتتمنّوا مافضّل اللّه به بعضكم علي بعض و اسفلها السفلي و هو مقامات الاعراض و تلك المحبة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 457 *»

حجاب اسود غليظ كالليل الدامس كثير الحيات و العقارب فيه اهوال مظلمة و مقامات منكرة و لاتميل الاّ الي الحدود الكثيفة و هي عن المحبة الحقيقية بعيدة بعيدة و في هذا المقام يحصل الميل الي الصور المقدارية الجميلة و الشمايل المستحسنة و اصوات مطربة كما هو المعهود الان في ابناء هذا الزمان من لعبهم بالصبيان و عشقهم بالمردان و استماعهم لصوت الغناء و مجالستهم لاهل الشقاء و العناء مدّعين بانها من الكمالات و عشقهم مجاز يوصل الي الحقيقة فان المجاز قنطرة الحقيقة و انت اذا امعنت النظر علمت ان هذا الكلام ليس الاّ من جهة التسويل و التمويه علي الجهّال والاّ فلا مناسبة بينهما الاّ باللفظ و ها انا انبّهك و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم علي حقيقة الامر في ذلك.

فاعلم ان الحدود من حيث هي حدود لاتكون مجازاً اذ حركتها تبعيّة و سيرها لظهور الحقيقة و حركتها ضدّية مجتثّة فتدور علي خلاف جهتها فبطلت المجازية نعم المحدود مجاز للمطلق و النور مجاز للمنير و الحركة مجاز للمتحرك لا من حيث الحدود فاذا نظرت اليها لا من حيث هي بل من حيث ظهور العالي كان مجازاً فاذن (فاذا خ‏ل) انطوت الحدود و اضمحلّ لها الوجود و الشهود فالواقف في مقام المجاز حيث لم‏يصل الي الحقيقة ان كان صادقاً لم‏يكن نظره الاّ اليها فحيث لم‏يصل اليها فهو بعد في مقام صحوه و رتبة فعله و عالم فرقه ففي عالم الفرق للمحبوب ذكر عند المحبّ كما في عالم الجمع محو و سكر و اتحاد بل وحدة في مقام الحبّ الحقيقي الذي هو عين المجازي الذي هو عين الحقيقي فاهل المجاز الواقفين في عالم الاغيار و الاكدار حيث فقدتهم العين فاين هم من الذكر.

و لمّا كان ذكر المحبوب اللايق له لايمكن الاّ بعد الاتصال في مقام هو نحن و نحن هو و يتعذّر ذلك لاهل المجاز لانهم بعد طالبون للجواز ابان لهم المحبوب في مستسرّات الغيوب و جعل لهم في عالم البين و الفرق تلك الاذكار لتكون موصلة لهم الي تلك الديار اذ قد عرفت ان المحبة في الرتبة الاولي هي ذكر المحبوب و ذلك الذكر هو مااسّس الشارع7 من انواع الطلب و اقسام الذكر (التذكر خ‏ل) لكونه هو المحبة في تلك المقامات و لذا قال عزّوجلّ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 458 *»

خطاباً لنبيّه9 قل ان كنتم تحبون اللّه فاتّبعوني يحببكم اللّه و قال عزّوجلّ و اذكروه كما هديكم و من المعلوم البيّن ان المحبّ ان حرم عن المشاهدة و هو صادق لم‏يزل في ذكر المحبوب و فكره فاذا نسي الذكر فهو كاذب في دعواه و مفترٍ في مدّعاه.

تعصي الاله و انت تظهر حبّه هذا لعمرك في الفعال بديع
ان كنت فيه صادقاً لاطعته ان المحبّ لمن احبّ مطيع

فالذي نظر الي الحدود و احتجب عن مشاهدة المعبود و اشتغل بها عن الركوع و السجود و يدّعي انّه (انّها خ‏ل) من اهل المجاز فهو كذب و زور و فرية و غرور. فاذا اشتغل بذكر المحبوب ذكره المحبوب فاذكروني اذكركم فجذبه اليه و اخرجه عن الحدود فلايري شيئاً الاّ و يري لمحبوبه فيه شهود (شهوداً ظ) فان كان /ليس (خ‏ل) من اهل المجاز يبكي و يشتدّ حزنه و بكاؤه و غلقه و اضطرابه لفقدانه الجلوس مع المحبوب علي سرير القرب في عالم الغيوب فاذاً لايتفاوت له مظهر دون مظهر و اثر دون اثر اذ لا غاية له الاّ ملاحظة المؤثر المحبوب فكلّ الايام له يوم واحد و كلّ الاشياء عنده شي‏ء واحد و هو ظهور المحبوب فلم‏يزل ناظراً في اثاره و اياته و لاحظاً في مقاماته و علاماته و ملتزماً ذكره و فكره كما كان للاولياء الصديقين و الاحبّاء الراشدين و اهل العرفان و اليقين مثل ذلك الرجل الهندي الذي كان ينظر الي السماء فيبكي و الي الارض فيبكي و الي الشرق فيبكي و الي الغرب فيبكي و لم‏يزل يشتغل بتلك الاحوال و مثل سلمان اعجوبة الزمان و هؤلاء قليلون و هم عظيمون جليلون فمن فرّق بين مظهر و مظهر و اثر و اثر و قصر نظره في واحد دون الاخر فهو محدود محجوب ناسٍ للّه عزّوجلّ قال تعالي نسوا اللّه فنسيهم فلايريد في قصده المحبوب و لايقصد الاّ ذلك الشي‏ء المطلوب و جعل قوله المجازي شبكة لصيد الجهّال و مجازاً الي الكفر و الضلال (الاضلال خ‏ل) الم‏تنظر الي ماقاله اهل الاصول التي هي ظاهر الوصول و باطن الحصول ان استعمال الكلّي في الفرد حقيقة اذا لم‏تلحظ فيه الخصوصية بوجه والاّ فهو مجاز و مرادهم بالحقيقة هو المجاز و بالمجاز هو ظاهر الجواز و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 459 *»

الحقيقة الثانية المجتثّة.

يا اخواني لاتغترّوا باقوال بعض المتسمّين بالحكماء حيث رخّصوا اهل الدواعي النفسانية الشهوانية في عشق الصبيان و الغلمان المردان و صرف بضاعة العمر في عشقهم الذي هو عين الطغيان بادّعاء انه المجاز و المجاز قنطرة الحقيقة فاشتغلوا بها عن الصلوة و الصيام و الاقبال علي اللّه و الخضوع و الخشوع و التضرع له و الابتهال اليه في السرّ و الاعلان فلايتوجه الي الصلوة لو وقف اليها و لايقوم للّه بعبادة و نسك فلو وقف للصلوة فهو مشغول بذلك الغلام الامرد بل ربما يخاطبه فاذا ناداه و هو في الصلوة قطعها و لبّاه و اذا رأه شهق شهقة و نعق نعقة كأنّهم حمر مستنفرة فرّت من قسورة كيف يكون المجاز مخالفاً للحقيقة مع ان الصلوة وجه المحبوب و اعلي مايتوجّه به المحب الي المحبوب الحقيقي حتي انها صارت من اعظم اصول العبادة فيهدم الصلوة لاجل ذلك الغلام و لحبّه و مع‏ذلك يدّعي انه مجاز الي الحقيقة و لايبعد ان‏يكون ارادتهم من الحقيقة امر اخر يتكرّم الانسان عن ذكره بئس ماسوّلت لهم انفسهم و الداهية العظمي انهم يجعلونه مع هذا من المحسنات الالهية حتي قال صاحب الاسفار انه من الاخلاق الالهية المحمودة المترتبة عليها غايات شريفة و انه فضيلة نفسانية و مااعجب مااستدلّ علي هذا الطريق الباطل و المسلك الهائل بوجود هذا العشق في المبادي العالية مثل اهل فارس و اهل العراق و اهل الشام و الروم و كل قوم فيهم العلوم الدقيقة و الاداب الحسنة و الصنايع اللطيفة و فقدانه في مثل الاكراد و الاعراب و الترك يا سبحان‏اللّه ماعرف ان اكثر الناس لايعقلون و اكثر الناس لايعلمون و لاتجد اكثرهم شاكرين، ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون، ان هم الاّ كالانعام بل هم اضلّ و ان اهل الحق قليلون و قليل‏مّا هم و قليل من عبادي الشكور و ما امن معه الاّ قليل و السرّ في ذلك عدم اطلاعه علي حقيقة الامر و ها انا اشير الي ذلك مجملاً فاقول:

اعلم انّ اللّه سبحانه لمّا امر اللطيفة الالهية و الحقيقة السرمديّة بالادبار لتصحيح الاقبال فنزل الي الجماد و كلّ‏ما كان بالفعل كان بالقوة و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 460 *»

خفيت المبادي العالية و العوالم الاولية فلمّا امرها بالاقبال لاتمام الادبار اخذ في الصعود فكل مقام وصل اليه رأه حسناً و حسبه منزلاً لنسيانه تلك الفسحات النوريّة و العوالم الغيبيّة و كل سافل يظهر في الصعود قبل العالي الي ان وصل في صعوده الي مقام النفس مقام الكثرة و مقام الاختلاف و الصورة و رأي فضاء واسعاً و عالماً فسيحاً اقام فيها و مكّن النفس في مدينة حقيقتها و استولت علي عرش سلطنتها و اطاعتها الحواس و القوي و المشاعر فهي لاتشتهي الاّ المخالف و برهانه فليطلب من ساير رسائلنا.

فاذا ظهر العقل بعد تمكّنها و استقرارها و دعي القوي ان‏يتوجّه الي عالمه فانه احسن و اوسع و اشرف و فيه وجه المحبوب عصت النفس و صعبت علي القوي اطاعته لتمكّنها و منعها فارسل اللّه الرسل معينين و مظاهرين للعقل فكلّف سبحانه الخلق اذ امرهم بالكلفة و المشقة مع ان الطاعات كلّها من مقتضيات العقل و راحة للملائكة العقليّين و مشقتها لمابيّنا من صعوبة سلب ماعادت النفس عليه و لذا طلب الاكثر الراحة و ماتقلّدوا بهذه القلادة و اقلّهم الذين قبلوا اكثرهم انكروا مايدعوهم الي مخالفة النفس كثيراً كالولاية و اقلّهم الذين قبلوا اقتصروا علي الظواهر و غمضوا عن البواطن و ماقتلوا انفسهم الاّ قليل قليل قليل و قد قال الامام الكاظم7 مامعناه لو غربلت شيعتي ماخلص من الالف واحد مع ان كون هذا العشق من مشتهيات النفس في عالم الاعراض مما لا شك فيه لان الصورة هي التي تدركها النفس و تميل اليها و ليست في العالم العقلي صورة و لا شهوة الاّ وجه‏اللّه و طاعته و ماكان اهل فارس و الروم من المبادي العالية الاّ من جهة شيوع اشتغالهم بالكثرات و غلبة الفسق و الكفر فيهم و يجب ان‏يقال الرشد في خلافهم كماقالوا: و اما علومهم فليست ممايتعلق بالدين ولو فرض ذلك فانما هي صناعات لان العلم يهتف بالعمل فان اجابه والاّ ارتحل و لا عمل الاّ ذكر اللّه و ليس ذكر اللّه الاّ كما حدّده اللّه في الكتاب (كتابه خ‏ل) و بيّنه رسله و خلفاؤه فمن تعدّي ذلك الحدّ فقد استوجب الحدّ و استحقّ الردّ و اما الاكراد و الاعراب الذين اشار اليهم فهم بعد ماترقّوا من عالم الحس و الجمادية كلّهم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 461 *»

خشب مسندة و ماالتفتوا الي ماالتفت تلك المبادي العالية من تسخير سلطان النفس اياهم و ليتهم ايضاً ماوصلوا و ماترقّوا و ماالتفتوا ليسلم الناس من شرّهم.

و اعلم ان شرافة الكينونة هي الصورة الانسانية و حدودها التقوي و الحبّ في اللّه و الاشتغال بذكر المحبوب كما اراد منه و اذكروه كما هديكم لعلكم تفلحون فاذا نقص شي‏ء منها نقصت انسانيّته و جاءت شيطانيّته و هل تجد تلك الحدود و خواصّ الانسانية التي هي العلم و الحلم و الفكر و الذكر و النباهة و النزاهة و الحكمة في اهل الفارس و الروم التي اشار اليهم و هل وجدت هذا العشق عند احد من خواص الائمة سلام‏اللّه عليهم في مبادي امورهم او اواسطهم او نهاياتهم و ماكان ذلك الاّ دأب العباسيّين و خلفاء الجور و خلفاء الشياطين و لمّا كان التصوف انما وضع لاطفاء نور اللّه المبين و صدّ الناس عن اهل بيت العصمة و الطهارة و كانت رغبة الخلفاء في محبة الغلمان و النسوان و استماع الغناء و كذلك طبايع الناس لكونهم في مقام النفس الي هذه الامور اميل رخّصهم الصوفية الملحدون في ذلك و حبّبوا اليهم الكفر و الفسوق و العصيان ثم موّهوها ببعض التمويهات و استدلّوا عليها ببعض المزخرفات ليجلبوا الناس اليهم فانهم همج رعاع اتباع كلّ ناعق يميلون مع كلّ ريح لم‏يستضيـئوا بنور العلم و لم‏يلجأوا الي ركن وثيق و جاء بعض المتشبّثين بالولاية حيث لم‏يدخلوا فيها بقدم ثابت و قلب مطمئن روي و لم‏يردوا علي حوض ولاية /اهل‏البيت: (اميرالمؤمنين7 و اولاده الطاهرين: خ‏ل) و ان ادّعوا ذلك و قلوبهم ناشفة عطاشي فوجدوا هذا السراب يلوح كأنّه ماء فولجوا فاشتدّوا ظمأ و عطشاً و ان لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماء غدقاً.

قال صاحب الاسفار: «و اما العناية في هذا العشق الموجود في الظرفاء و ذوي لطافة الطبع فلما ترتّب عليه من تأديب الغلمان و تربية الصبيان و تهذيبهم و تعليمهم العلوم الجزئية كالنحو و اللغة و البيان و الهندسة و غيرها و الصنايع الدقيقة و الاداب الحميدة و الاشعار اللطيفة الموزونة و النغمات الطيّبة و تعليمهم القصص و الاخبار و الحكايات الغريبة و الاحاديث المرويّة الي غير

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 462 *»

ذلك من الكمالات النفسانية فان الاطفال اذا استغنوا عن تربية الاباء و الامهات فهم بعد محتاجون الي تعليم الاستادين و المعلّمين و حسن توجههم و التفاتهم اليهم بنظر الاشفاق و التعطّف فمن اجل ذلك اوجدت العناية الربانيّة في نفوس الرجال البالغين رغبة في الصبيان و تعشّقاً و محبة للغلمان و الحسان الوجوه ليكون ذلك داعياً لهم الي تأديبهم و تهذيبهم و تكميل نفوسهم الناقصة و تبليغهم الي الغايات في ايجاد نفوسهم والاّ لماخلق اللّه هذه الرغبة و المحبة في اكثر الظرفاء و العلماء عبثاً و هباءً فلابدّ في ارتكاز هذا العشق النفساني في النفوس اللطيفة و القلوب الرقيقة الغير القاسية و لا الجافّة من فائدة حكمية و غاية صحيحة و نحن نشاهد ترتّب هذه الغايات التي ذكرناها فلامحالة يكون هذا العشق في الانسان معدوداً من جملة الفضايل و المحسّنات لا من جملة الرذايل و السيئات.» انتهي كلامه.

قوله: «فلما يترتّب عليه من تربية الغلمان» الخ، ان اراد كلّ الغلمان و كلّ الصبيان او بعضها ممن له الشمايل الحسنة و تناسب الاعضاء و جودة التركيب قبل ان‏يبلغوا حدّ الالتحاء فان اراد الاول فباطل بالضرورة اذ اغلب الغلمان و الصبيان ليسوا ممن يريده حتي بل (قل خ‏ل) ليس فيهم الاّ القليل من الكثير اقل من الواحد و (في ظ) الالف بل اكثر افراد الناس و اغلبهم بل كلّ اهل سواحل البحر و بلاد الحبش و السودان و اطراف اليمن و المواضع التي غلبت فيها الحرارة و اليبوسة من ذلك القبيل و المواضع التي يمكن ان‏يتحصل من ذكر لايحصل الاّ قليل فعلي هذا يلزم ان لاتتعلق العناية الالهية في تربية اغلب افراد الناس و اكثرهم و جلّ الصبيان و الغلمان و تكون العناية خاصة بمن وجدت فيهم الشمايل اللطيفة فعلي هذا لايبقي الاّ القول باحد الامرين اما ان اللّه سبحانه ايضاً يعشق (تعشّق خ‏ل) الصبيان حتي جعل العناية بالنسبة اليهم اشدّ و اكثر بالنسبة الي غيرهم تعالي ربّي عن ذلك علوّاً كبيراً او انه رجح من غير مرجح او ان عدم جودة الشمايل يستلزم عدم حسن الذات في الواقع و جودتها تستلزم حسن الذات حتي تكون مرجحة فعلي هذا يلزم ان يكون اغلب الانبياء مبغوضين عنداللّه و كذا لقمان الذي اتاه اللّه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 463 *»

الحكمة و كذا مؤمن ال‏فرعون و اغلب الاخيار و الصلحاء و المؤمنين و العلماء و المتّقين من القسم الاول لا الثاني و يلزم ان‏يكون صبيان الكفار و غلمانهم و معاندي الحق كلّهم محمودون لان حسن ظاهرهم دليل حسن باطنهم و قوله هذا في الباطل اظهر من ان‏يردّ و لايشبه هذا القول بقول حكيم.

قوله: «و الاشعار اللطيفة و النغمات الطيّبة» الخ فيه انه ليست تعليم هذه الامور من العناية الربانيّة فان العقل و النقل دالاّن علي مذمّة هذه الامور ولو فرضنا اباحتها ينبغي ترك هذه الاداب للصبيان لانها كلّها جهات النفس الامارة بالسوء و هي تعينها الي مطالبها من الشهوات و لذا ورد النهي عن تعليم النسوان سورة يوسف7 و الامر بتعليمهنّ سورة النور و كذا الصبيان فانّهم في اول الامر لسذاجة طبايعهم يجب ان‏يعلّموهم المواعظ و النصايح و احاديث اهل‏بيت العصمة و الطهارة و يعلّمونهم طريقة الزهد و العبادة و النسك و الطاعات و يزوون عنهم الاشعار و النغمات و القصص و الحكايات و لذا قال7 ما معناه ان البطن يمتلئ قيحاً خير من ان‏يمتلئ شعراً فان الناس ما مالوا الي التصوف و الي العشق و الي الزنا و اللواط الاّ من جهة الاشعار و النغمات و اهل الانس من اهل الملاهي و هو عند المؤمن الممتحن معروف و شرح ذلك يحتاج الي تطويل المقال و العاقل يكفيه الاشارة.

قوله: «و الاّ لما خلق اللّه هذه الرغبة في اكثر الظرفاء و العلماء.» فيه ان هذه الخلقة بسرّ الامر بين الامرين لاتدلّ علي حسن ذلك لان اللّه خالق كلّ شي‏ء كتب الايمان في قلوب المؤمنين بايمانهم و خلق الكفر في قلوب الكافرين بكفرهم قال اللّه عزّوجلّ بل طبع اللّه عليها بكفرهم و خلق الشكّ و الوهم و القساوة و الريبة في القلوب علي حسب مقتضيات طلباتها و لا شكّ ان اغلب الناس لو تركوا و شهوتهم لا شكّ ان رغبتهم الي المعاصي كانواع الفجور و شرب الخمر و امثال ذلك اكثر من رغبتهم الي الطاعات بل اغلب الناس ليست عندهم رغبة الي الطاعات فيتكلّفون لذلك فعلي هذا يجب ان‏تكون المعاصي احبّ الي اللّه والاّ لما خلق اللّه هذه الرغبة في طبايع اكثر الظرفاء و العلماء.

فان قلت ان العلماء لايرغبون

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 464 *»

في المعاصي قلت عدم الرغبة لنهي اللّه لا لاقتضاء طبايعهم الاّ قليل من المؤمنين الممتحنين الذين عرفوا الحيث و الكيف و اللمّ (الكمّ خ‏ل) و عرفوا مبادي المعاصي و مبادي الطاعات و سرّ الشريعة و هؤلاء اعزّ من الكبريت الاحمر و هؤلاء ايضاً لايرغبون في هذا العشق ابداً و لايلتفتون ابداً لانهم قد صعدوا و تجاوزوا عن مقام الصورة و بالجملة كل مؤمن مراقب للّه و عظمته و قيّوميته مشتغل بطاعته و عبادته معرض عن هذا العشق و لذا مانقل عن اكابر الصحابة من احدهم هذا الامر ولو فعلوا لوصل الينا كما وصل الينا مخفيّات امورهم نعم الظرفاء و العلماء الذين استشهد هو برغبتهم في السابقين بنوااميّة و بنواالعباس لانهم كانوا شديدي الرغبة في هذا العشق و لقد قال يزيد لعنه‏اللّه في مدح غلام امرد:

دعوت بماء في اناء فجاءني غلام بها خمر فاوسعته زجرا
فقال هو الماء القراح و انما تجلّي له خدّي فاوهمك الخمرا

وهكذا غيرهم يطول الكلام بذكر احوالهم و شدة انهماكهم في هذا العشق و ظهور هذا الامر الشنيع في الغاية و النهاية انما كان في دولة بني‏العباس حتي انهم كانوا يعقدون المجالس فاذ سمعوا شيئاً يذكّرهم معشوقهم كانوا يشهقون و يقطعون ثيابهم و يغشي عليهم و امرهم مشهور و في هذا الزمان الظرفاء الجامعون لهذه الصفة الطيّبة هم الحكّام و خدّام السلاطين و الفساق المتجاهرون و الذين لايبالون بصيام و لا صلوة و لا نسك و اما العلماء المشار اليهم فهم ليسوا الاّ الصوفية و من تبعهم من المنافقين المذبذبين بين ذلك لا الي هؤلاء و لا الي هؤلاء.

و اما علماء اهل‏البيت: الذين كانت ترد التوقيعات في مدحهم و جلالة شأنهم عموماً و خصوصاً كالابواب الاربعة رضي اللّه عنهم حتي قال بعض العلماء انهم معصومون و كوالد الصدوق علي بن الحسين بن بابويه الذي ورد التوقيع في حقّه و يخاطبه الامام الغائب7 شيخي و ابي و ثقتي و كالكليني ثقة الاسلام و كالمفيد الذي ورود التوقيعات عليه خرق الاسماع و مابعدهم من علمائنا كالمقدس الاردبيلي و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 465 *»

العلامة و المحقق و الشهيدين و امثالهم من الاكابر من اهل الظاهر و الباطن فما عهد منهم ظهور هذا الامر الشنيع و لم‏يزل دأبهم و ديدنهم الردّ عليه و النهي عنه و هذا شي‏ء معلوم أتجوّز ان‏تقول انّ هؤلاء و امثالهم ارباب القلوب القاسية و الجافّة فان قلت هكذا فلا جواب لك عندنا و ان قلت قد كان عندهم فلايظهرونه فلايمكن في العادة اذ ما من خصلة في شخص تخفي فلابدّ ان‏يظهر (تظهر ظ) ولو بعد حين مع ان هذا شي‏ء اقرب الاشياء الي الاظهار كما انه قد ظهر من غيرهم من العلماء الذين يزعمون انهم اهل ورع و تشمير و قد ظهر ذلك من الصوفية و باصطلاحكم من العارفين و انتم فيماتزعمون ان اهل الباطن اشدّ احتمالاً من اهل الظاهر فاذاً مااحتمل اهل الباطن بزعمكم حتي اظهروه فاهل الظاهر اولي بذلك مع ان احتمال الوجود فيهم موهوم مرجوح فلايصار اليه الاّ بدليل قطعي فلو فتح هذا الباب اي المصير الي كل شي‏ء ممكن محتمل فيبطل اساس الدين مع انه ادّعي ظهور ذلك في العلماء و قد ثبت ان اولئك العلماء ليسوا من علماء اهل‏البيت: كما انه الان ديدنهم و طريقتهم لاينكرون ذلك ولو لم‏يكن شي‏ء في ابطال هذا الامر الاّ شيوعه عند الصوفية و العامّة لكان كافياً في ابطاله و تزييفه لان الرشد في خلافهم و قد قال اللّه عزّوجلّ انما يخشي اللّه من عباده العلماء و قال علي بن الحسين8 في الصحيفة لا علم الاّ خشيتك و لا الحكم الاّ الايمان بك ليس لمن لم‏يخشك علم و لا لمن لم‏يؤمن بك حكم و الذي يخشي اللّه لاينسي اللّه و العاشق حين التفاته الي معشوقه لايذكر اللّه ابداً و قد ذكر لي بعضهم اني قد التهيت بمعشوقي من اول الظهر و فقدت ادراكي و شعوري و ماتنبّهت الاّ و قد رأيت ان الدنيا قد اظلمت و السرج قد علّقت قلت ما الخبر قالوا جاء الليل و انا ماصلّيت صلوة الظهر و العصر هل هذا من خشية اللّه سيجزيهم وصفهم انه حكيم عليم.

ثم قال صاحب الاسفار: «ولكن و لعمري هذا العشق ترك النفس فارغة عن جميع الهموم الدنياوية الاّ همّ واحد فمن حيث يجعل الهموم علي (الي خ‏ل) واحد.» الي اخر ماقال و انت خبير بان الهمّ الواحد ان كان هو اللّه سبحانه هو المطلوب و المني و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 466 *»

اما غير اللّه فلا حسن فيه بل فيه قبح فان الشخص و ان كان في عالم وقوفه له شـئون كثيرة لكنها ليست بثابتة بحيث تشغله عن كل شي‏ء و الكثرة دليل عدم الثبات فيتساقط (فتتساقط خ‏ل) حال التعارض و يتّفق للشخص التخلية و الاقبال الي اللّه في بعض الاحيان و بعض الاحوال بل في اغلب الاحوال لكنّه في تلك الحالة الميشومة المسمّاة بالعشق لايري لغير معشوقه /تحقق و تأصّل (تحققاً و تأصلاً ظ) لايبرح في ذكره و فكره في الخلوات و اوقات الصلوات بل لايلتفت الي اللّه ابداً في تلك الحالات و يقطع الرحم و كلّ شي‏ء يقطعه عن معشوقه و ان كان طاعة للّه جلّ‏شأنه فيكون العاشق في كل تلك الاحوال مشركاً الي ان‏يخرج منها و هو في محلّ الشك و الغالب ان النفس اذا تعوّدت بذلك لاتفارقه ابداً بل تنتقل الي الاخر اذ ارتفع حسن الاول كما قال شاعرهم:

و رد كلّ صاف لاتكن عند مورد تنقّل فلذّات الهوي في التنقّل

نعوذ باللّه من مضلاّت الفتن.

يا اخي تنبّه عن سنة الغفلة و اعلم ان اللّه سبحانه لايتوجه اليه من جهة الغفلة عنه و لا سبيل اليه الاّ بمادلّوا و امروا عن اللّه سبحانه و هم المعصومون المطهّرون المنزّهون عن الخطاء و الزلل و دع غيرهم ان كنت امنت بهم فانهم الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتهم و طريق هدايتهم فحبّك للولي7 هو عين حبّه لك بك لانك مثاله و ظهور جماله بل الانسان مثال المثال و جمال الجمال فحبّك له7 هو توجّهك الي جهته التي ظهرت لك و تلك الجهة هي نور جماله الظاهر فيك فاحبّك بذلك النور لانه مثاله و ايته و دليله فظهر ذلك المثال ان كنت صادقاً في حبّه في كل اطوارك فيكون سمعك و بصرك و يدك و رجلك لان هذه القوي و المشاعر شـئونات ذلك النور و المثال و حكايات له فان كان الرجل غير ملتفت الي المحبة و غير ملتفت الي جهة المحبوب تستقل هذه القوي و المشاعر

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 467 *»

بالاستقلال الاجتثاثي و ان كان ملتفتاً و ناظراً و منقطعاً عن وجدان نفسه بذي‏الظهور الذي هو ذات الشخص و نفسه فغيب الصفات و الشـئون فقال بي يسمع و بي يبصر كماتقول انا سمعت و انا رأيت و لا شك ان هذا السماع الخاص و الابصار الخاص ليسا عين ذاتك و انما هما ظهوران من ظهورات ذاتك و لمّا كان الظهور فانياً مضمحلاً عند الذات نسبتهما و اشباههما اليك و كذلك الحق عزّوجلّ كما قال في الحديث القدسي مازال العبد يتقرّب الي بالنوافل حتي احبّه فاذا احببته كنت بصره الذي يبصر به و سمعه الذي يسمع به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكت عنّي ابتدأته.

فاذا عرفت ان الكلام لايقع في ذاته تعالي و المتكلّم هو صفته علمت بان المتكلّم في هذا الحديث الشريف هو مكلّم موسي في الشجرة بـ اني انا اللّه لا اله الاّ انا فاعبدني و ذلك المتكلّم عن اللّه رجل من الكروبيين و ذلك يأخذ عن رجل من العالين و ذلك يأخذ عن نفس دلالة الكلام المتحصلة من الكلمة المتحصلة من نفسها باللّه سبحانه و لايحسن التعبير عن حقيقة العبارة عن حقيقة الارادة الاّ ان في الكلام اشارة صريحة الي المراد يعرفه اهل الفؤاد.

فقوله عزّوجلّ كنت سمعه اه كقوله عزّوجلّ الكعبة بيتي و نفخت فيه من روحي فيكون هذا الذي يكون سمعاً و بصراً للمحبّ هو الولي بظهوره للشخص لا بذاته و هذا مقام الودّ و اما في مقام هو نحن و نحن هو فهو ايضاً ذلك الظهور لان ظهور الظهور من حيث الظهور ظهور و هو معني قوله7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا علي اعلي المعاني و قولهم: بنا عرف اللّه و بنا عبد اللّه فيوم الحشر الي اللّه في الظاهر و الباطن و الحقيقي و المجازي تنحصر فيه النجاة في حبّ علي اميرالمؤمنين و اولاده الطيّبين الطاهرين المعصومين و الصديقة الطاهرة صلّي‏اللّه عليها مع السيد الاكبر9‏وسلمعلي ماشرحت و فصّلت و لا حول و لا قوّة الاّ باللّه العلي العظيم.

قال عليه الصلوة و السلام و روحي له الفداء: «فانا الامل و المأمول انا الواقف

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 468 *»

علي الطتنجين انا الناظر في /المشرقين و المغربين. (المغربين و المشرقين صح ظ).»

اعلم ان الرياسة العظمي و السلطنة الكبري تقتضي ان‏يعطي كلّ ذي حقّ حقّه من الامدادات الوجودية من الذاتية و الوصفية علي اختلاف مقاماتها و ان لايهمل شي‏ء الاّ و قد اعطي ماتسدّ به فاقته و يكون ذلك مستمرّاً له الي الابد و الاشياء لها مقامان: مقام وحدة و مقام كثرة. و في المقام الثاني لها مقامان: مقام كثرة ذاتية و مقام كثرة عرضية.

فالاول من الاول مقام فقرهم و حاجتهم الي /اللّه (زائد خ‏ل) الحقّ سبحانه الفيّاض علي الاطلاق فهم في هذا المقام كرة واحدة مستديرة تدور لا علي محور بل علي القطب بدءاً و عوداً و قابلاً و مقبولاً. و الثاني من الاول مقام ابتلاء بعضهم ببعض و التفاتهم الي جهاتهم و احوالهم قال عزّوجلّ و لولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن اللّه ذو فضل علي العالمين.

و الاول من الثاني هو مقام الموجودات و رتبتهم في الطول ليكون الاخر تابعاً و اثراً و معلولاً للاوّل و الاوّل متبوعاً و مؤثراً و علةً من حيث الحكاية للاخر و الكلّ يرجع الي اللّه و اليه يرجع الامر كلّه فاعبده و توكل عليه و ما ربك بغافل عمايعملون و معني ذاتية الكثرة الذاتية فيهم هو ان لاتجمعهم حقيقة واحدة و ليس بينهم حدّ مشترك ابداً فكلّ واحد غير الاخر و ان بلغوا مابلغوا و ان صعد السافل الي ما لا نهاية له و نزل العالي الي ما لا نهاية له. و الثاني من الثاني هو مقام الموجودات و رتبتهم في العرض ليكون كلّ واحد منهم تجمعهم حقيقة واحدة و لاتكون بينهم تابعية و لا متبوعية /و (خ‏ل) لا اثرية و لا مؤثرية و يتيسّر لكلّ الوصول الي مقام الاخر و الكثرة العرضية هي اختلاف قابلياتهم في انحاء القبول و اختلاف ميولاتهم و طلباتهم للفيض الواحد الغير المتكثر الغير المختلف و عمدة الاختلاف انما حصلت في القوس الصعودي بعد نزولهم و صيرورة الانوار و الاسرار كلّها بالقوة فمنهم من وصل الي المقام الاقصي الذي اتي منه و منهم من بقي الي الاسفل الادني و منهم من ادبر مولياً و لم‏يقبل ابداً و منهم من قرب الي الوصول و منعه عن الوصول بعض الفضول و منهم من استولت عليه الامراض فقعدت به عن المسير و منهم من سافر و لم‏يأخذ زاد

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 469 *»

التوكّل و راحلة الاستغناء فخلص زاده و تلفت راحلته و بقي متحيّراً و منهم من اخذ الزاد و الراحلة بقدر مايكفي لكنّه قطعه قاطع الطريق و اخذ ماكان معه فبقي واقفاً تعباناً (تعبانَ ظ) و منهم من توقّف و لم‏يسافر لشدّة الكسالة وهكذا امثاله من القواطع و الموانع و هذا في كلّ شي‏ء مماشملته دائرة الكون و الوجود في كلّ مرتبة من المراتب و ظهر في كلّ مقام لاهله ففي الرتبة الانسانية ظهر للانسان و ما للانسان خفي علي البهايم و ما لهم من الاحوال و الاختلاف حسب صعودهم الي مبدئهم خفي علي النباتات وهكذا حالها بالنسبة الي الجمادات و لايعرف هذه الاختلافات في كلّ مرتبة من اهلها الاّ الذي صعد الي الاعلي و دخل المسجد الاقصي عوداً كما دخله بدءاً فهنالك هو في اعلي مقام ينظر الي احوال السافلين بعين اليقين لا علي جهة الظن و التخمين الاتري الانسان فمنهم من هو واقف في مقام الجماد اخر مراتب النزول مظهر اسم اللّه المميت و ماتوفّق للصعود ابداً بالتشريع و ان صعد في ظاهر التكوين الصوري و اما باطنه بعد في مقام النزول و لقد اخبر اللّه سبحانه عنهم بقوله الحق ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشدّ قسوة الاية و التشبيه ينبئ عماذكرنا علي انّا نقول ان المشبّه عين المشبّه به في القرءان و الاخبار. و منهم من هو واقف في مقام النبات لا هـمّ له الاّ جذب الغذاء اليه و دفعه عنه قال رسول‏اللّه9 من كان همّته (همّه خ‏ل) مايدخل في بطنه كان قدره مايخرج عن بطنه و لقداخبر اللّه سبحانه عنهم بقوله الحقّ كأنّهم خشب مسنّدة يحسبون كلّ صيحة عليهم هم العدوّ فاحذرهم قاتلهم اللّه انّي يؤفكون قال احدهم: نحن العلماء و شيعتنا المتعلّمون و ساير الناس غثاء. و منهم من هو واقف في مقام البهائم منكّس رأسه لايلتفت الي المبدء الحق سبحانه و تعالي و لا هـمّ له الاّ مايـئول الي نفسه من انواع الملاذّ من الظلم و الغشم و حبّ الرياسة و امثال ذلك و لقداخبر اللّه سبحانه عنهم بقوله الحقّ ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الاّ كالانعام بل هم اضلّ اولئك هم الغافلون و قال مولينا الباقر7 الناس كلّهم بهائم الاّ المؤمن و المؤمن قليل و المؤمن قليل. و منهم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 470 *»

من هو واقف في مقام الانسان هو اقصي المقام و هم الذين ظهرت فيهم الخواص الانسانية كما قال اميرالمؤمنين7 في الناطقة القدسية ان لها خمس قوي و خاصيتان علم و حلم و فكر و ذكر و نباهة و الخاصيتان هما النزاهة و الحكمة و هؤلاء لهم مراتب كثيرة اسفلها و ادناها مقام النفس المطمئنة و اوسطها مقام النفس الراضية و المرضية و اعلاها و افضلها مقام النفس الكاملة و هي التي تشابه اوائل جواهر العلل و تشارك السبع الشداد و سرّ هذه الاختلافات و الوقوفات هو ماذكرنا لك من الموانع المتقدمة.

و لمّا كان اهل كل مرتبة فقراء لائذين بباب اللّه الذي هو فناء الولاية يحتاجون الي الغذاء المقوّي و الغذاء قسمان روحاني و جسداني يفاض عليهم الامران من فوّارة النور و القدر بامر مستقرّ فسالت اودية بقدرها فيأتي لاهل كل مرتبة الغذاء المناسب له الموافق لطبيعته ليعلم كلّ اناس مشربهم الاتري زرع الحنطة و الشعير فان لبّها لبني‏ادم و قشرها و تبنها و مايجمع منهما للبهائم و التي لاتجمع منهما من الصغار المطروحة علي الارض للطيور و التي لاتقدر علي جمعها الطيور هي حظّ الارض وهكذا غيرها فهذه الاغذية بالنوع يقال انها واحدة لكنّها تختلف /هذا الاختلاف الشديد (هذه الاختلافات الشديدة خ‏ل).

و لمّا كان الغذاء الروحاني هو العلم و هو الزرع الذي اشار اليه الحق سبحانه في كلامه الحميد المجيد أفلاينظر الانسان الي طعامه اي الي علمه علي مافسّره مولينا الصادق7انّا صببنا الماء صبّاً و هو العلم اللدنّي و المعارف الكشفية الالهية التي لا كيف لها و لا وضع و لا اضافة و لا حدود و لا صورة ثمّ شققنا الارض شقّاً و هي قلب الامام7 و صدره و خياله7 فانبتنا فيها حباً و عنباً و قضباً و زيتوناً و نخلاً و حدائق غلباً و فاكهة و ابّاً متاعاً لكم و لانعامكم و هي انحاء العلوم و المقامات و الدرجات و اظنّ انّي قد ذكرتها سابقاً و هذه العلوم تنقسم الي هذه الاقسام التي كانت تنقسم الحنطة و الشعير اليها باعتبار فتحقق اولوا الالباب و اولوا الاوبار و اولوا الاصواف و اولوا الاشعار و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 471 *»

لكلّ منهم حظّ في معرفة العلوم الناشئة من (عن خ‏ل) ال‏الرسول صلي‏اللّه عليه و عليهم و قد قالوا: انا لانخاطب الناس الاّ بمايعقلون و هذه كلمة جامعة ثمّ ابانوا: اقسام المخاطبين و قالوا انّ حديثنا صعب مستصعب لايحتمله احد قيل فمن يحتمله قالوا:في رواية نحـن و في الاخري من شئنا فعلمنا ان هنا علوماً لايخاطب بها و لايكلّف بها غيرهم سلام‏اللّه عليهم يخاطبون بها بعضهم بعضاً ليس لاحد فيها نصيب سواهم: و علوماً اخر يخصّون بها من شاءوا و ارادوا بمشية خاصة بخطاب خاصّ و ليست كلّ‏ما طلبت وجدت و ان بلغوا في العلم مابلغوا في المقامات الباطنية او الظاهرية و الظاهر في رواية اخري قالوا: او مدينة حصينة و سئل عنها قال7 هي القلب المجتمع هـ فيكون ذلك نوعاً اخر من العلم يدرك بصفاء القلب و سكون الباطن و طمأنينة النفس و عدم تطرّق (تصرّف خ‏ل) ابليس و جنوده لادخال الشكوك و الشبهات فيها و قد قالوا: انّ حديثنا صعب مستصعب اجرد كريم ذكوان منقطع (مقنّع خ‏ل) لايحتمله الاّ ملك مقرّب او نبي مرسل او مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان هـ و هذه علوم و اسرار كينونيّة تخصّ بهذه الفرقة الثلثة (الفرق الثلث ظ) و لهم فيها مادة اجتماع و مادة افتراق فيفترق النبي المرسل بما لايحتمله المؤمن الممتحن و المؤمن الممتحن بما لايحتمله الملك المقرّب ففي محل الاجتماع يخاطب بها الفرقة الثلثة خاصة دون غيرهم فليس احد يراد لفهمها سواهم فلايطمع لذلك و علامة ذلك ان ذلك حديث موجود في كتب الامامية او غيرها و ماانعقد اجماع الفرقة المحقّة علي نفي ذلك عنهم: و ان كان بظاهره ينافي المذهب او ينافي العقل حسب مايفهمون فان العلم لايخصّ الاّ بهم: و يريدون احد سبعين وجهاً من كلماتهم كماقالوا: انّي أتكلم بكلمة و اريد بها احد سبعين وجهاً لي لكل منها المخرج و لذا اجاب7 ذلك الرجل حيث قال ان الناس ينقلون عنكم اموراً لايقبله العقل قال7 يقولون انا نقول الليل نهار و النهار ليل قال لايقولون ذلك قال7 و ان قالوا ذلك لاتكذّبوهم فانكم تكذّبوني فاذا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 472 *»

كان الامر بهذه المثابة فلايجوز طرح شي‏ء مماينسب اليهم صلّي اللّه عليهم الاّ ماقام الاجماع بوضع ذلك الحديث كماقالوا عن رسول‏اللّه9 نحن معاشر الانبياء لانورث و امثال ذلك و اما ما لايكون كذلك فلايجوز طرحه نعم ان الذي لم‏يعرف ليس مخاطباً به و لا مراداً منه كما قال رسول‏اللّه9 رحم اللّه امرءاً سمع مقالتي فوعاها و ادّاها كماسمـع فرب حامل فقه و ليس بفقيه و رب حامل فقه الي من هو افقه منه فاذا لم‏يخاطب به فليس مكلّفاً بمضمونه فيذره في سنبله لان الامور ثلثة امر بيّن رشده فيتّبع و امر بيّن غيّه فيجتنب و امر مشكل يردّ علمه الي اللّه و الي رسوله و اهل‏بيته صلّي اللّه عليه و عليهم لان لهم: في كل خلف عدولاً ينفون عن دينهم تحريف الغالين و انتحال المنتحلين فلو كان كلّ خبر و حديث يرد منهم: فيعرفه كل احد اين اذن صعوبة حديثهم حتي يختصّ به من هو مضاهي (مضاهٍ ظ) للانبياء و المرسلين و الملائكة المقرّبين و المؤمن الممتحن هو الذي يصدّق قوله فعله فيتجافي عن دار الغرور و ينيب الي دار الخلود و يستعدّ للموت قبل نزوله فاذا وجدت هذه الصفات الثلثة (الثلث ظ) في نفسك فاعلم انك المؤمن الممتحن الذي يتحمّل اسرار اهل‏البيت: و المدّعون لها كثير لكن لها علامة و هي ان‏يحصّل العلم من غير تعلّم فينفتح قلبه و يشاهد الغيب و ينشرح صدره فيحتمل البلاء قال رسول‏اللّه9 ليس العلم بكثرة التعلّم بل هو نور من عند اللّه يقذفه في قلب من يحبّ فينفسح فيشاهد الغيب و ينشرح فيحتمل البلاء قيل هل لذلك من علامة يا رسول‏اللّه قال9 التجافي عن دار الغرور و الانابة الي دار الخلود و الاستعداد للموت قبل نزوله هـ فهذا هو المؤمن الممتحن و له علامة اخري ان لايجد تعارضاً في الاخبار و في كلمات الائمة الاطهار صلّي اللّه عليهم مع اختلافاتها و ان لايحتاج لتصحيح الاخبار و تهذيبها الي تصحيح الرواة و الرجال فان ذلك لمن لم‏يشاهد المطلوب و هو بخلاف سبيل المؤمن الممتحن لانه عرف الحقيقة الثابتة التي مع كلّ حق و النور الذي مع كلّ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 473 *»

صواب و له علامة اخري و هي اعلاها ان‏يستند في كلّ اقواله الي اربعة متطابقة لايختلف بعضها مع بعض الكتاب و السنة و الوجدان اما الفؤاد لدليل الحكمة او العقل لدليل الموعظة الحسنة او النفس و العلم لدليل المجادلة بالتي هي احسن و اية الافاق و الانفس فان لم‏يكن جامعاً للمجموع في مجموع المسائل فليس من المؤمن الممتحن الذي يضاهي النبي المرسل و الملك المقرّب و له علامة اخري و هي ان لايحصل علمه من الاقوال و افواه الرجال الاّ الرجال الذين لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و اقام الصلوة و ايتاء الزكوة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب و الابصار و لايأتي بكلام الغير لتتميم كلامه الاّ تأييداً لرضاء الخصم به او ابطالاً لحججه فاذا سألته عن شي‏ء يجيب عنه مؤسساً لا ناقلاً و له علامات اخر يطول الكلام بذكرها و اعظم العلامات هو ماذكره الامام7 في هذه الخطبة الشريفة لان هذه الخطبة من الاحاديث الصعبة المستصعبة التي لايتحملها الاّ المؤمن الممتحن و لايخاطب بها غيرهم و لا حظّ لاهل البحث و الجدل فيها و لذا (لذلك خ‏ل) خصّص7 شيعته بالخطاب فان هذا الخطاب يقبح ان‏يقع علي غيرهم.

و لمّا كان منتحل التشيّع كثيراً و ليس كلّهم مستأهلين لهذا الخطاب جعل لهم: اولاً طريقة لتمكين قابلياتهم ليستأهلوا للخطاب و يقرعوا ذلك الباب و تلك الطريقة هي التزام بيعته7 و هو الذي قال مولينا الصادق7 في تفسير «اللّه» ان الالف الاء اللّه علي خلقه من النعيم بولايتنا و اللام الزام خلقه ولايتنا و الهاء هوان لمن خالف ولايتنا ثمّ شرح هذا الالزام و الملازمة للبيعة بالمواظبة علي الدين بحسن اليقين و عدم متابعة الشياطين و التوجه الي اللّه سبحانه علي الصدق و اليقين و التمسك بحبل اللّه المتين و متابعة الوصي الامين و محبته التي بها يفتح ابواب المعارف و الحقايق و الاشارات الغيبيّة كماقالوا: ما من عبد احبّنا و زاد في حبّنا و اخلص في معرفتنا و سئل مسألة الاّ و نفثنا في روعه جواباً لتلك المسألة و قال اميرالمؤمنين7 المتّبعون لقادة الدين الائمة الهادين الذين يتأدّبون بادابهم و ينهجون منهجهم يهجم بهم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 474 *»

العلم علي حقيقة الايمان فيستلينون من احاديثهم مااستوعر علي غيرهم و يأنسون بمااستوحش منه المكذّبون و اباه المسرفون الحديث فاذا بلغ الشيعة الي هذا المقام في العمل فيفتح عليها ابواب الاسرار الالهية المخزونة في الخزينة العلوية.

فلمّا ابان عن مقدمات الاستيهال كشف الغطاء عن وجه الاجمال فقال7 انا الامل و المأمول هذا اوّل مقام الاسرار و اوّل مقام ظهور الانوار و اوّل مقامات معرفتهم بالنورانية و اوّل مظهر من المظاهر الربانية لكنه اعلم اولاً ان جميع مايذكر في هذه الخطبة الشريفة من جميع ماينسب الي نفسه الشريفة فكلّ الائمة سلام‏اللّه عليهم مشتركون فيه لانفرّق بين احد منهم و نحن له مسلمون فلاتتوهّم انّها مخصوصة نعم لهم مقامات اختصاص نشير اليها في مواضعها.

اما بيان هذه الفقرة بالاجمال فاعلم ان اوّل مبادي الكون و اوّل جواهر العلل هي النقطة البسيطة امر اللّه الواحد الذي به قوام الاشياء كما قال عزّوجلّ و ما امرنا الاّ واحدة، و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون و هذه النقطة لمّا خفيت عن نفسها و انقطعت عن غير بارئها فظهرت بظهور الحي القيّوم الواحد الاحد القائم علي كلّ نفس بماكسبت فحكت ذلك المثال و ظهرت كعموم قدرة اللّه عزّوجلّ متشأنة بكل الشـئونات و حاملة لكل الظهورات فتنزلت في مقامات الادبار و صعدت درجات الاقبال فاظهرت تلك الشـئون و الاطوار فكانت كلّ الكثرات و الاضافات متقوّمة و متحصّلة بتلك النقطة الالهية قيام تحقّق و عضد و ركن كقوام الاعداد بالواحد و قوام الحروف بالالف اللينيّة و قوام الكلمة بالنفس فمبدأ الوجود كلّه واحد و الموجودات الكثيرة كلّها اطوار ذلك الواحد و اكواره و ادواره و اوطاره و قوامها و حياتها و تقوّمها و تحقّقها و فعلها و تأثيرها كلّها بذلك المبدء الواحد الذي هو حامل الفيض و باب الوجود و وجه اللّه المعبود كالقلب للشخص الانساني فان الات البدن و احوالها و افعالها و حركاتها و سكناتها و تأثيراتها و تأثراتها و انفعالاتها و قابلياتها و كلّ‏ما لها و منها و اليها و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 475 *»

عنها و فيها و بها و غيرها كلّها متقومة بالقلب اي حامل الحرارة الغريزية و تلك الحرارة متقوّمة بما لها و اليها و عنها و بها بالروح الحيوانية الحساسة و تلك الروح متقوّمة بالروح الانسانية و الروح الانسانية متقوّمة بالعقل و العقل متقوّم بذلك الامر الواحد الذي منه كل شي‏ء حي و هو الماء الذي به كل شي‏ء حي فكلّ حركات الشخص و اثاره من ذاته و صفاته كلّها منتسبة اليه فالصفات و الاثار كلّها لاتتوجه في جهات استمدادها في مقامات قابلياتها الاّ الي ذلك الامر فهو المأمول لكلّ ماتحته فكلّ‏ما تحته لايأملون شيئاً سواه لان كلّ امال الشي‏ء ترجع الي مناسبات تقوّي ذاته او تلايمه و كلّ المناسبات كائنة ماكانت و بالغة مابلغت مجتمعة في ذلك الامر و تلك المناسبات انما صارت ممايؤمل لظهور ذلك الامر فيه فليس مأمول في‏الواقع للشي‏ء الاّ ما به يتقوّم وجوده و حقيقته لانّ مرجع المناسبات كلّها اليه و لايكون ذلك الاّ قطب دائرة وجوده و ينبوع خيره و نوره و باب استفاضته من المبدء فاليه تنتهي الامال و اليه ترجع الاحوال و عنده تنقطع الاقوال فهو مأمول كل امل من ظهوراته و شـئوناته و جهاته و اضافاته لان الانسان مثلاً الاصل فيه القلب و جميع احوال البدن كلّها تنتهي اليه فلاتشذّ عنه شي‏ء والاّ انعدم (لانعدم خ‏ل) لان مبدء وجوده عنده بل ليس البدن الاّ تطورات القلب و ظهوراته و هو سارٍ مع كلّ البدن لايفقده شي‏ء من البدن في حال من احواله فجميع طلباته و اماله و سؤلاته كلّها ترجع الي القلب هذا اذا كان المأمول هو جهات المناسبات من الاحوال المتمايزة و جهات الامدادات و الاضافات او غيرها من الحالات.

و اما اذا كان المأمول هو الذي ضجّت اليه الاصوات بصنوف اللغات بارئ المسموكات و داحي المدحوّات فكذلك ايضاً لان الحق سبحانه انما ظهر للخلق بالخلق فتجلّي لكل شي‏ء بكلّ شي‏ء فلايصل احد الي رتبة حقيقة ذاته تعالي و تقدّس بل يتوجّهون اليه سبحانه بمااظهر لهم فيهم من امثاله و اياته و ذلك الظهور انما ظهر في تلك النقطة التي هي وجه المبدء لهم بهم فكان المأمول هو تلك النقطة من غير اشارة فالمأمول الواقع عليه الامل هو تلك النقطة و المقصود منه هو الحقّ القديم تعالي شأنه و تبارك فصحّ ان ذلك الوجه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 476 *»

او تلك النقطة او ذلك الامر هو المأمول حقيقة لكل ماتحته من الشـئون و الاطوار فاذا كان ماتحته شـئوناته و احواله و جهاته و اضافاته فلا شيئية لها الاّ بذلك الامر بل كلّ مرتبة من مراتب الشي‏ء ليست الاّ ذلك الامر من حيث حدوده بذلك الحدّ الخاص كالالف في الحروف فانها ليست الاّ الالف لكن لمّا ظهرت الالف في كلّ مرتبة بحدّ خاصّ بها سمّيت باسمها لان الاحكام تدور مدار الصور فقيل با تا ثا جيم وهكذا و كالخشبة فان الصنم و السرير و الباب و الصندوق ليست شيئاً سوي الخشبة و الصور المميزة و الحدود المشخصة لا قوام لها الاّ بها فلايستند الي هذه الامور فعل الاّ و اصله و مبدئه هي الخشبة و يلزم ذلك المحدود مقتضاه ان خيراً فخيراً و ان شرّاً فشرّاً فظهر لك انّ قوام اركان البدن و القوي و المشاعر كلّها بذلك الامر الواحد الساري في الكلّ و تلك المشاعر و القوي حدود معيّنة لا ذوات فعّالة و انما يقدرون الفعل فالقدرة و القوة و الحيوة لذلك الامر و انما التقدير و التكييف و الضعف و القوة بتلك الحدود فيكون الامل في‏الحقيقة هو ذلك الامر و ان ظهر في المظاهر و المرايا فذلك الامر الالهي الوحداني الساري في كل مراتب الشخص هو الامل حقيقة و هو المأمول حقيقة لان كلّ ماسواه ميّت لا حيوة له و لا حراك فهو روح و كلّ المراتب اجساد لا قوام للجسد الاّ بالروح و لا ظهور للروح الاّ بالجسد فكلّ الاحوال الظاهرة في الجسد كائنة ماكانت انما هي للروح لا للجسد الاّ ان للروح حكم التدبير و للجسد حكم التقدير فافهم هذا البيان المكرّر بالفهم المسدّد.

فاذا فهمت هذا فاعلم انه قد دلّ العقل و النقل ان اوّل الموجودات و اشرفها هو محمّد9 و اهل‏بيته الطيبون الطاهرون و ان كل ماسواهم صلّي اللّه عليهم من فاضل نورهم و زائد ظهورهم علي تفاوت مراتبهم و مقاماتهم و درجاتهم و لا شك و لا ريب ان النور لا تقوّم له الاّ بالمنير فلا تأثير له و لا حكم عليه الاّ بالمنير فنور المنير عضد و ركن لكلّ الانوار المختلفة فلا مأمول للنور الاّ المنير و لا مطلوب للاشعة الاّ الشمس و هو قول علي‏بن‏الحسين8 الهي وقف السائلون ببابك و لاذ الفقراء بجنابك.

و الامل الذي هو

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 477 *»

الميل الي المأمول المطلوب لايكون الاّ وجه المأمول و ظهوره له به فالمأمول مأمول بالامل الذي جعله من ظهوره في الامل و ذلك الظهور هو الذي قدتعلّق به الامل و الامل هو الظاهر بالامل فيكون ذلك هو عين المأمول علي ماقلنا سابقاً في المحبة بانّها عين المحبّ و المحبوب لان الامل الذي هو الظاهر بالامل لو كان فيه جهة غير جهة المأمول لم‏يكن املاً و المأمول لو كان خارجاً عن حقيقة الامل لم‏يقع عليه الامل فاذا لم‏يقع عليه الامل لم‏يكن مأمولاً فثبت ان المأمول ليس الاّ ماظهر للامل عند الامل لا عند الخارج و ذلك الظهور ليس الاّ نفس الامل فيكون الامل هو نفس المأمول و ذلك كالصورة في المرءاة فان ظهور المقابل للصورة بنفس الصورة و توجّه الصورة الي المقابل بنفس ماجعل المقابل في الصورة من ظهوره الذي هو عين الصورة فالمقابل من حيث هو مقابل هو المتوجه اليه به فالصورة وعاء و حاملة لذلك الظهور و التوجه فان الصورة من حيث هي صورة حدود خارجة مباينة دائرة علي خلاف التوالي فالتوجه الي المقابل لايكون الاّ من حيث هو مظهر و المظهر لايكون الاّ اذا تمحّض في الظهور و الظاهر ليس الاّ ماظهر بالظهور فاتّحدت المراتب كلّها.

و لمّا كان علي اميرالمؤمنين7 هو السراج الوهّاج الذي استضاء منه كلّ شي‏ء فيكون نوره صلوات اللّه عليه مادة لكلّ الذرّات الوجودية فتكون الاشياء كلّها اشباح و مُثُل تحكي ظهوره الاقدس المقدس7 و الحدود شـئون و حدود لذلك الظهور الواحد المكرّم فلا قوام لها (له خ‏ل) الاّ بذلك الظهور في كلّ احوالها و هو سرّ قوله عزّوجلّ و ماتشاءون الاّ ان‏يشاء اللّه فرجوع الاشياء كلّها الي ظهوره7 و ظهوره ليس الاّ حكاية عنه و الموجودات كائنة ماكانت ليست الاّ حكاية و مرايا ذلك الظهور فكلّ كمالاتها تنتهي اليه7 و كلّ نقايص احوالها متقوّمة به7 كتقوّم الظلّ بالشمس فلا متكلم سواه و لايسمع صوت الاّ صوته و لايري نور الاّ نوره فكلّهم سكوت غيره اذ اموات و اعدام بدونه فاذا تكلّم7 باي نحو من انحاء الكلام يقدر ذلك الكلام علي حسب السائلين السامعين الذين

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 478 *»

ليسوا شيئاً الاّ ذلك الكلام الواقع في ذلك الحدّ فتختلف الاصوات و اللغات و الحروف و الكلمات و ليس عنده7 الاّ كلام واحد و هو الذي القي علي الخلق في البدء و يحاسبهم بذلك الخطاب و الكلام الواحد في العود و هو قول لااله الاّاللّه محمّد رسول‏اللّه9 علي اميرالمؤمنين ولي‏اللّه و الائمة من ولده اولياءاللّه:و كلّ‏ما جاء به محمّد9 حقّ من عند اللّه و كلّ شي‏ء لا شيئية له الاّ بهذا القول و الجواب الحاصل من هذا القول في كلّ حدّ فتختلف الاحوال و الافعال و الذوات و الصفات و هو قول مولينا الصادق7 نحن السائلون و نحن المجيبون علي المعني العامّ الكلّي فهو صلوات اللّه عليه هو الامل و الامل الحقيقي هو الذي عنده7 بسرّ احببت ان اعرف و لمّا كان كلّ الاشياء ظهورات شـئوناته فتحكي تلك الامليّة فسري ذلك الامل و الميل في كلّ اقطار الوجود و ذرّات الشهود بل ليست الموجودات الاّ ذلك الامل بكلّ معانيه في كلّ مقاماته و الامل هو الظاهر بالامل فهو7 الامل و هو المأمول فان كل مأمول انما هو ظهوره بنسبة ذلك المقام و قد شرح هذه الدقيقة الشريفة بقوله روحي فداه انا ذات الذوات و الذات في الذوات للذات فقوله7 انا علي حدّ ماقال اللّه عزّوجلّ خطاباً لموسي انا اللّه لا اله الاّ انا و كان ذلك ظهور من ظهورات ظهوره عزّوجلّ الظاهر لموسي بموسي و كذلك قوله7 انا و يريد به الظاهر بالكلام و ذلك الظاهر هو صفته7 لا ذاته و ذلك الظاهر هو ظهوره7 فظهوره ذات الذوات و هو العلة الماديّة للذوات كلّها و هو قولهم: انما سمّوا الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع انوارنا و مدخول «من» فيمايتعلق بالصنع و الايجاد لايكون الاّ مادة كماتقول صغت الخاتم من الفضة و ذلك النور هو مرادنا بالظهور فاذا كان نورهم: المادة فالصورة لاتكون الاّ عرضاً للمادة غير متقوّمة الاّ بها فتكون الصور كلّها اعراضاً للمواد و المواد التي هي النور اعراضاً قائمة بالمنير قيام صدور فالمنير هو الذات القائمة به كلّ الاعراض فاذا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 479 *»

كان علي اميرالمؤمنين و اولاده الطيبون صلّي اللّه عليهم هم المنير فيكون الخلق بذواتهم و حقايقهم اعراضاً لهم قائمة بهم قيام صدور و بنورهم قيام تحقّق و قال الشاعر:

يا جوهراً قام الوجود به و الناس بعدك كلّهم عرض

و قال ابن ابي‏الحديد:

صفاتك اسماء و ذاتك جوهر بري‏ء المعاني عن صفات الجواهر
يجلّ عن الاعراض و الكيف و المتي و يكبر عن تشبيهه بالعناصر

و لا ريب ان الاعراض لا قوام و لا حركة لها الاّ بمعروضاتها و الصفات لا وجود لها الاّ بموصوفاتها فالاصل المقوّم في الكلّ هو الجوهر الموصوف فهو7 الامل و المأمول و هو السائل و المجيب و لانتعدي عماقالوا: لئلايسارع العقول الي انكاره فاذا انكروا ماذكرنا و سطرنا فقدانكروا قول الامام7 و قول اللّه عزّوجلّ ايضاً حيث يقول و ماتشاءون الاّ ان‏يشـاء اللّه.

و لمّا اجري الامام7 الكلام في التوحيد و النبوة علي الترتيب التكويني علي وجه الاجمال اجري الكلام في الولاية ايضاً علي ذلك المنوال الاّ انه شرح الحال علي جهة التفصيل كما هو مقتضي الولاية فشرع7 في بيان مفتتح الكون و معني ظهوره به و منه و عنه لان اللّه عزّوجلّ بهم فتح و بهم ختم و يختم قال7 في الزيارة بكم فتح اللّه و بكم يختم و مفتتح الكون علي قسمين: ظهور الهي و ظهور خلقي. و الظهور الالهي علي قسمين: ظهور بالتوحيد و ظهور بالاسماء و الصفات. و الظهوران قسمان: ظهور ينفي التقابل و التضاد في كل الاصقاع علي جهة الاطلاق و قولي «ينفـي» تعبير والاّ فالنفي فرع الاثبات و ظهور ينفي المقابل و الاضداد بذكرهما و العبارة الاخري هي ان‏

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 480 *»

تقول ظهور لا ذكر للضدّ معه و ظهور للضدّ فيه ذكر و لذا اشتهر عندهم ٭ انما تعرف الاشياء باضدادها ٭ و قال مولينا الرضا7 بتشعيره المشاعر عرف ان لا مشعر له و بتجهيره الجواهر عرف ان لا جوهر له و بمضادته بين الاشياء علم ان لا ضـدّ له فالظهور الاوّل هو جامع الاضداد و رافعها بخلاف الظهور الثاني فاشار7 بقوله الشريف انا الامل و المأمول الي القسم الاول من قسمي القسم الاول اي رفع مقام التضاد و الي قوله7 نحن الاعراف الذين لايعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا و قوله7 بنا عرف اللّه و بنا عبد اللّه و لولانا ماعبد اللّه (ماعرف اللّه خ‏ل).

و بيانه بالاشارة و الاجمال باللسان الظاهري ان اوّل ماخلق اللّه سبحانه المشية و هي اول الظهور الالهي و لمّا كان الظهور يحكي مثال الظاهر و ايته فلايكون لها اوّل و لا اخر و لا قبل و لا بعد و لا جهة و لا كيف و لا ضـدّ و لا نـدّ لان هذه الاوصاف و امثالها صفة الحقّ الظاهر للخلق بالخلق فلو لم‏يكن انموذج لهذه الصفات عند الواصف لماامكنه الوصف الاّ من غير شعور و رويّة و لكان التكليف بالمعرفة اذن تكليفاً بما لايطاق مع ان ظهور الحق جلّ‏شأنه لو كان علي خلاف صفته لم‏يكن ظهوراً له بل كان عكساً و مخالفاً مع ان الاوّلية و الاخرية مخلوقتان بالمشية و المشية قد سبقت الاوّلية و الاخرية والاّ لمايعقل خلقهما بها و بالجملة فكل الصفات المتقابلة هنا منتفية مجتمعة فلمّا تحقّقت المشية اي الاختراع الاول حصلت لها جهتان: جهة الي مبدئه و جهة الي نفسه فوضع لها لفظ مركب من حرفين و هو «كـن» فالكاف للجهة العليا و النون للجهة السفلي و المشية كلّها عليا لانها من الوجود الراجح و هي القدرة الاّ ان الجهة العليا منها تحكي التوحيد الصرف الذي لا ذكر لشي‏ء من الاشياء و ذرّة من الذرّات و ان عظمت و جلّت فيها و هو الفناء المحض و الشهود الصرف و التجلّي الذاتي بالعنوان الوصفي و هذا هو المنقطع الوجداني و منقطع الاشارات و ذات ساذج و اللاّتعين و عين الكافور و الكنز المخفي و شمس الازل و هو مقام التوحيد الحقيقي الذي لا مقام فوقه و لا منزل دونه و قدتكرّر الكلام عن هذا المقام الاّ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 481 *»

ان الواصلين و المشاهدين قليلون و الجهة السفلي هي عموم قدرة اللّه الظاهرة لخلقه بخلقه و هي مقام الواحدية التي فيها ذكر لكلّ شي‏ء و ضدّه فلايوجد شي‏ء و لايتخيّل و لايتصوّر و لايتعقّل و لايشاهد شي‏ء الاّ و هو مذكور في تلك الجهة فتناسب تلك الجهة كلّ‏ما برز و يبرز في الكون و ما لايبرز و يبرز و يعدم وهكذا الي ما لانهاية له في كلّ الاكوار و الادوار و الاوطار و الاطوار و غيرها من المقامات و لايعاند شيئاً اصلاً فيحكي الكلّ في كلّ احواله مثالها سبحان من هو قدرته واسعة و فيضه عميم و ملكه قديم فالمشية في ذاتها لاتناسب شيئاً من الاشياء و في ظهورها تناسب كلّ شي‏ء فارتفعت فيها الاضداد و اجتمعت فالجهة العليا تحكيها الكاف و الجهة السفلي تحكيها النون و لمّا كانت الحقيقة المحمّدية9 هي اول ظهور المشية فقد ظهرت بكلّها فيها كماقال عزّوجلّ في الحديث القدسي المشهور ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن هـ  و هو النبي الامي الذي يؤمن باللّه و كلماته فلمّا ظهرت المشية بكلها اي بالجهتين في الحقيقة المحمّدية9 حكت الحقيقة المقدسة المباركة كلّ تلك الاحوال فجمعت فيها الاضداد في مقام ظهوراتها و ارتفعت في ذاتها فصار حكم المشية حكم الحقيقة المحمدية9 في كلّ‏ما لها و اليها و عنها و بها في حكاية التوحيد و القيّومية علي الاشياء كلّها فتوجّهت الجهات المتقابلة و الحدود المتضادّة كلّها الي تلك الحقيقة المقدسة بالاضافة الي اماكن الحدود و رتبها و مقاماتها ثمّ تشعشعت منها الانوار و ظهرت عنها الاثار فوقع كل نور بحسب مقام قابليته من حدوده و اوضاعه فافيض عليه من فوّارة القدر التي تفور عن تلك الحقيقة المقدسة المباركة علي حسبه فقام معلناً للثناء علي اللّه جلّ‏وعلا علي ماظهر له من الوصف الالهي الظاهر في تلك الحقيقة الظاهر في ذلك الشي‏ء.

و لمّا كان الشي‏ء في مداركه و مشاعره لاتتعدّي رتبة ذاته و لاتتجاوز عن حقيقته التي هي وجه مبدئه بالضرورة اذ لا وجود له كوناً قبله و الامكان عدم و وجود ذكري صلوحي و هو في الازل ممتنع فليس له الاّ مراتب وجوده و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 482 *»

لمّا كانت المراتب السافلة الزايدة عن حقيقة الذات مشوبة بلطخ الانّية و الماهية فلايتوجه بها الي المبدء الحق جلّ‏وعلا فينحصر توجهه بذاته المجردة عن السبحات النفسانية (النفسيّة خ‏ل) و الانّية و تلك الذات المجردة في الانسان هو نور النور للحقيقة المحمدية9 فيتوجه في توحيده الي اللّه بظهور تلك الحقيقة و ذلك الظهور رسمي فذلك هو الموحّد لان الانّية مشركة و التوحيد منحصر في سلبها فاذا ارتفعت و انعدمت لم‏يبق الاّ صرف الظهور فهو الموحّد المتوجه الي اللّه الاحد الظاهر له في ذلك الظهور و ليس ذلك الظهور الاّ حقيقة نور النور و رشح الرشح فافهم هذا الرمز المنمنم فكان معرفة تلك الحقيقة بذلك النور الظاهر فيه هو عين معرفة اللّه و ذلك النور لا شيئية له الاّ بالمنير ففعله هو فعل المنير و هو الحاكي عنه فيكون المنير هو الامل و المأمول و هذا لايستقيم الاّ في مقام الوحدة القيّومية فرجوع التوحيدات لكلّ احد و كلّ شي‏ء الي محمّد و علي و الطيبين من اولاده: و هو معني قوله7 فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لااله الاّانت و قوله7 بنا عرف اللّه و قوله7 و السلام علي شهور الحول و عدد الساعات و حروف لااله الاّاللّه في الرقوم المسطّرات فكشف7 بذلك عن حقيقة توحيد كلّ المخلوقين و حقيقة توحيدهم اما توحيد المخلوقين فليس الاّ ظهورهم و وصفهم العنواني لهم فهو الامل و المأمول في كلّ ذرّات الوجود و اما توحيدهم: فظاهر فان مقام التوحيد ليس مقام الكثرة و الحقيقة الواحدة الظاهرة بالشـئون المتكثرة في مقام التوحيد و الوحدة لاتبقي الاّ شي‏ء واحد فيصحّ ان‏يقول7 حينئذ انا الامل و المأمول.

ثم انه7 كشف عن كيفية المعرفة و بيان قوله اعرفوا اللّه باللّه بقوله انا الامل و المأمول لان الادوات انما تحدّ انفسها و تشير الالات الي نظائرها فمعرفة اللّه سبحانه لاتكون الاّ بوجه من اللّه و معرفة العبد لاتتعلّق الاّ بالوجه و لم‏تتعلق بالذات البحت تعالي شأنها فتوجه نحو المأمول بوجهه و ذلك الوجه هو الامل فامل الامل لمأموله انما كان بمأموله و ذلك

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 483 *»

المأمول وجه الامل الي المأمول و وجه المأمول اليه فافهم هذه العبارات المكرّرة المردّدة للتفهيم.

و ذلك الميل و الامل و المأمول كلّ ذلك ظهور مولينا علي7 و نوره و انما لم‏يخصّص الكلام في التوحيد لئلاتزلّ الاقدام و ليكون عامّاً لجميع التوجّهات و باباً واسعاً لمعرفة كلّ ابواب المشتقات ليعرفوا بذلك ان المفعول ليس مقدّماً علي الفعل بل مؤخّر و ان الخطاب هو المخاطب و ظهور الذات بالخطاب و بالجملة هذا حكم جارٍ في كل الموجودات مما صـحّ فيه الاقتران و الارتباط الغير الذاتيّتين كالصفات الافعالية علي الوجه العامّ و انما خصّص الامل و المأمول دون غيرهما اذ ماسواهما كائناً ماكان داخل في شمولهما و احاطتهما اذ كلّ شي‏ء بالامل و الميل و نسب الي نفسه الشريفة لبيان و اليه يرجع الامر كلّه و ماتشاءون الاّ ان‏يشاء اللّه و لبيان اظهار مظهر الالوهيّة الحاوية لكلّ ذرات الكائنات المنتفي عندها الاضداد و الجامعة للانداد و الاضداد في رتبة مقامهما فلا شـي‏ء الاّ و هو مضمحلّ تحت حيطة الالوهية و لا شي‏ء الاّ و له وجه اليها و لها وجه فيه و ذلك الوجه هو محل الارتباط و مقام الاتصال و باب الانفصال و قد قال اللّه عزّوجلّ و انّ اللّه هو العلي الكبير.

اعلم ان «اللّه» اذا حذف منه الالف يبقي للّه مافي السموات و الارض فيفيد التمليك و الاختصاص و اذا حذفت منه اللام الاولي يبقي له مافي السموات و الارض فيفيد التمليك بسلب الاسم الكلّي و اذا حذفت منه اللام الثانية تبقي الهاء المتحصلة من الكاف المتحصلة من البسملة كما قال عزّوجلّ بسم اللّه الرحمن الرحيم كهيعص كماتقدّمت الاشارة اليها و الهاء اذا اشبعت يتولد منه الواو فينتج هو و اذا نزلت هو الي مقام الاسماء في الرتبة الثانية يستنطق منها علي و لمّا كانت الاسماء اللفظية طبق الاسماء المعنوية لانها دوالّ و علامات للاسماء المعنوية و قدقالوا: نحن الاسماء الحسني التي امركم اللّه ان‏تدعوه بها و في زيارة مولينا اميرالمؤمنين7 التي زار بها علي‏بن‏الحسين8 السلام علي اسم اللّه الرضي و نور وجهه المضي‏ء و في الزيارة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 484 *»

التي زار بها الصادق7 السلام علي اسم اللّه الرضي و وجهه المضي‏ء و صراطه العلي و رحمة اللّه و بركاته كان الاسم العلي الباطني الحقيقي في مراتب بساطته و اجماله و عدم تنزّله الي مقام التعلقات و الروابط و الجهات و الاضافات كان هو الاسم هو في قل هو اللّه احد كماقال عزّوجلّ و انه في امّ‏الكتاب لدينا لعلي حكيم فـ «هو» في قل هو اللّه احد اسم من اسمائه عزّوجلّ و هو اعظم الاسماء و ليس اسماً للذات و لا اشارة اليها لانها تعالت عن المنال و عزّت و هذا الاسم قد جمع الاضداد و رفع الانداد كماقال عزّوجلّ هو الاوّل و الاخر و الظاهر و الباطن و هو بكلّ خلق عليم و لمّا كان علي7 هو حامل هذا الاسم علي المعني الذي قدتكرّر بيان المراد منه في هذا الشرح كان هو7 في ذلك المقام فوق مقام التضادّ فلايتصور الضدّ اذ الاثر لو كان ضدّاً لمؤثره لم‏يكن عنه و فرض ذلك مستحيل فاذا كان هو7 واسطة في ايجاد كلّ الذرّات ارتفعت عنه جهة الضدية لان ضدّ الشي‏ء يمتنع ان‏يكون واسطة بينه و بين الاخر اي العلّة فافهم.

و هذا المقام هو اعلي مقاماته7 اذ في هذا المقام ظهر فيه7 سرّ اسم اللّه القيّوم و قد ظهر فيه سرّ اسم اللّه الحي لمّا استجاب اللّه دعاءه7 و ارتمس في لجّة بحر الاحدية و طمطام يمّ الوحدانية كما قال7 رب ادخلني في لجّة بحر احديتك و طمطام يمّ وحدانيتك فبعد هذا الانغماس المظهر لاثار الحيوة ظهرت فيه7 اثار قيّومية الحق سبحانه فكان محلاً لذلك الاسم و اثراً لذلك الطلسم و لولا خوفي من بعض اشباه الناس الوسواس الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس لاظهرت في بيان قوله7 انا الامل و المأمول رموزاً عجيبة و اسراراً غريبة ولكن يضيق صدري باظهارها و لايضيق بكتمانها.

و مستخبر عن سرّ ليلي اجبته بعمياء من ليلي بلا تعيين
يقولون خبّرنا فانت امينها و ما انا ان خبّرتم بامين

قوله7 انا الواقف علي الطتنجين الطتنج هو الخليج المنشعب

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 485 *»

من البحر و الطتنجان خليجان منشعبان من البحر الواحد كمايأتي تفسيره من كلامه7 و بيان المراد بالاجمال: اعلم انه7 لمّا اشار بالفقرة الاولي الي ظهورات اسم اللّه الظاهرة فيه7بمراتبه العالية و المبادي الالهية الظاهرة المتجلّية في ذلك الاسم من اسرار باطن الباطن و مافوقه من الاسرار اللاّهوتية و الهويّة و اللاّهويّة و احكام النهاية و اللاّنهاية مماطوينا ذكر اكثرها و شرحنا قليلاً من كثيرها اراد ان‏يبيّن7 مظاهر الرحمانية و احكام الاستواء علي العرش ليكون كلامه7 شرحاً مفصّلاً لقوله عزّوجلّ قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن ايّاًمّا تدعوا فله الاسماء الحسني و ذكر ان ليس في مقام اسم اللّه تقابل و تضادّ اصلاً و انما تظهر الاسماء المتقابلة كلّها في اسم الرحمن و الرحمانية هي الرحمة التي وسعت كلّ شي‏ء و هي مقام الظهور علي العرش و اعطاء كلّ ذي‏حـق حقّه و السوق الي كل مخلوق رزقه و هي بمنزلة اليد للالوهية و الالوهية ذات شاملة محيطة جامعة و الرحمانية يدان لها يد العدل و هي الشمال و يد الفضل و هي اليمين فاثر الالوهية هو البحر الواحد المحيط بكلّ ماكان و مايكون و اثر الرحمانية العليا اي الوجه الاعلي منها اي متعلقها مقصوداً لذاته اي اليمين هو الخليج العذب المنشعب من ذلك البحر و هذا البحر يسمي مزناً في قوله عزّوجلّ افرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون و يسمي صاداً كمافي قوله عزّوجلّ ص والقران ذي‏الذكر الاية و اوحي اللّه الي النبي9 يا محمّد ادن من صاد و توضّأ لصلوة الظهر و يسمي نوناً كما في قوله عزّوجلّ ن والقلم و مايسطرون و يسمي ماء عذباً فراتاً سائغاً شرابه كما في قوله عزّوجلّ هو الذي جعل البحرين هذا عذب فرات سائغ شرابه و هذا ملح اجاج و امثال ذلك من الاشارات و العبارات و اثر الرحمانية السفلي اي يد الشمال و ان كانت كلتا يديه يمين الاّ انها باعتبار التعلّق الي ماهو مقصود بالعرض لاظهار اثار الغضب التي سبقت رحمته (الرحمة خ‏ل) اياها و هو الخليج المنشعب من ظاهر مخالفة البحر الاوّل و هو المسمّي بسجّين اسفل‏السافلين و بحر الطمطام المعكوس و البحر الذي تحت

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 486 *»

الارضين السابعة الذي يسبح فيه الحوت بهموت و البحر المالح الاجاج الذي يقطع قلوب شاربيه.

ثم خلق اللّه سبحانه و تعالي باسم الرحمن عند استوائه علي العرش من كثافة نزول ذلك الماء اي (الي خ‏ل) الخليج الاوّل ارضاً طيبة صالحة خاشعة و هي البلد الطيب الذي يخرج نباته باذن ربّه فاجري ذلك الماء عليه فاستجنّ في تلك الارض فامتزج بها و اخذ لطائفها بسرّ اشراق شمس اسم اللّه النور من الوجه القابض فتعفّن بذلك الجزء الارضي اي ربع منها فاجري اللّه من ذلك الماء الواقع علي الارض عليها اربعة انهار و هي خُلجان قدتشعبّت من ذلك الخليج اي الطتنج الاول و تلك العيون و الانهار هي التي اخبر اللّه عزّوجلّ عنها في كتابه العزيز:

النهر الاول هو نهر الماء الغير الاسن الباقي علي صفائه و نورانيته و ظهور بساطة ذلك البحر فيه و قلّة مزج التراب و قلة الحرارة نهر السكون و الاطمينان و برد اليقين و ثلج الفؤاد و ان كان لونه ابيض لكن لشدّة مناسبته و قرب اتصاله بالبحر (ببحر ظ) الصاد ليس بغليظ في البياضية (البياض ظ) بحيث يظهر مع كلّ ذي‏لـون بلونه و كلّ ذي‏شكـل بشكله فظاهره ظهور صرف الماء و باطنه الغالب عليه التراب و لذا كان نهر الذلّ و المسكنة و الفقر الي بارئه و الاستغناء عن كل ماسواه فشاربه يسكن في ذات اللّه و يصبر علي الاذي في جنب اللّه و يقبل الي طاعة اللّه.

العين الثاني و النهر الثاني من لبن لم‏يتغيّر طعمه لزيادة مزج التراب الحافظ لحرارة النار المشرقة من شمس اسم اللّه المستدعية لغلظة الماء بقوة الحرارة و اصفرار اللون و لم‏يتغيّر طعمه بوقوع الاعراض اي المياه الفاسدة و الميولات الغير المرادة و الذرّات الغير المناسبة (المتناسبة خ‏ل) بل هو باقٍ علي صفائه و طراوته نهر الشوق و المحبة و طبعه يقتضي الجريان و الحركة الي الملايم الطبيعي اصفر اللون في‏الحقيقة لقوة الحرارة مع الرطوبة المعتدلة و ابيض غليظ في غاية الغلظة في ظاهر النظر لغلبة الرطوبة و الاجزاء الترابية المستدعية لبياض ظاهره مع الغلظة للحرارة المستجنة فيه و انّما كان مزج التراب هنا اكثر دون النهر الاوّل لان الاوّل انما جري في اوّل وقوعه علي الارض و اتصاله بها بخلاف

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 487 *»

الثاني فانه بعد مكث و بعد جريان الاول فاكتسبت اليبوسة اكثر من الاول فغلبت الحرارة فصار لبناً خالصاً يقوّي القلب و الاعضاء المولدة و يولّد الدم الصافي و يهيّج الاعضاء و العضلات بصفائه و تصفيتها للتوليد و هذا اللبن هو الذي قال اللّه عزّوجلّ و انّ لكم في الانعام لعبرة نسقيكم ممافي بطونها من بين فرث و دم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين و تلك هي البقرة الصفراء التي خلقت من زعفران الجنة جنة الخلد من جنان الصاقورة و تلك البقرة انما وجدت من تلك الارض الطيّبة لقوة استعداد الارض مما اكتسبته من حرارة الشمس الاولي التي هي في الغاية من الحرارة /و الماء (زائد خ‏ل) و برودة و رطوبة الماء الاول و حفظ الحرارة في الاجزاء الترابية و زيادة الاجزاء الناعمة المستأهله المصلصلة فانعقدت و اجتمعت فصارت باذن اللّه و امره بقرة صفراء و اجري منها اللبن الخالص الذي لم‏يتغيّر طعمه و هذا النهر انما جري من ميم الرحمن كما ان النهر الاول قد جري من هاء اللّه في بسم اللّه الرحمن الرحيم.

و النهر الثالث نهر الخمر الذي هو لذة للشاربين من غير صداع و لا خمار و لا سكر و لا اغماء و لا اذهاب عقل و ذلك لزيادة الحرارة المستجنة في الاجزاء الترابية و مالت الاجزاء الي اليبوسة و ذهبت برودة السكون و الانيّة فماعت و سالت بالرطوبة الظاهرية و بقيت علي الصفاء الاصلي و لم‏تخالطه الاعراض الفاسدة فصارت لذة للشاربين من غير نصب و لا تعب و لا زحمة و انما كانت الاجزاء الترابية في هذا المقام اكثر لزيادة مكث الماء في التراب و شدة قابلية الارض و نعومتها و صلاحيّتها للاتصال فتتّصل بقدر المكث لمابينهما من المناسبة قال اللّه عزّوجلّ و من اياته انك تري الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزّت و ذلك الاهتزاز هو سبب الاتصال و الانفعال في القلّة و الكثرة و انما كان مكث الماء علي الارض اكثر لان هذا النهر انما جري بعد النهرين المتقدمين فلهما الصفو و له الممزوج و هذا النهر انما جري من ميم الرحمن في بسم اللّه الرحمن الرحيم.

و النهر الرابع نهر العسل المصفّي عن اكدار الاوساخ و الاعراض كالشمع

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 488 *»

و امثال ذلك الذي هو شفاء للناس و هو نهر المحبة و الوداد الغريزي الطبيعي الذاتي قد تزايدت الحرارة و كثرت بتكرّر المزج و الكسر و التعفين و كثرت (كثرة خ‏ل) الاجزاء الترابية و قويت و استجنت فيها تلك الشعلات و صفت الاجزاء عن الاعراض الفاسدة و الفضول الغير المرادة فاقتضت الحرارة مع اليبوسة الحلاوة و فيه شفاء للناس حيث كان ظهور الحرارة فيه علي الوجه المعتدل المستدعي لظهور الاثار الالهية فيه فليس فيما من اللّه سبحانه مضرّة و لا تعب و لا وصب بل يذهب الامراض و يزيل الاعراض و يحقّق الاغراض و زيادة الاجزاة الارضية فيه لماقلنا من شدة خلطه بالارض لكثرة مكثه علي وجهها لاستخراج تلك الانهار كلّها من قبل هذا النهر و هذا النهر هو الجاري من ميم الرحيم في بسم اللّه الرحمن الرحيم.

ثم ان اللّه عزّوجلّ اجري من كلّ من هذه الانهار عشرة مشارع و اجري من كل شريعة اربعين جدولاً فصار مجموع الجداول اربعمائة و مجموع المشارع اربعين و مجموع الانهار اي الاصول اربعة /فانس بعضها من بعض (فانسب بعضها مع بعض خ‏ل) فيبلغ الي انهار و مشارع و جداول كثيرة لاتتناهي و كلّها انما نشأت من ذلك الاصل الواحد الخليج الاول من ذلك البحر اي الطتنج الاوّل ثم خلق اللّه عزّوجلّ من ذلك الطتنج العقل الكلي نور ابيض قائم مشرق من صبح‏الازل فنطق بحمد اللّه عزّوجلّ و ثنائه و مجده و بهائه قال عزّوجلّ هو الذي خلق كلّ دابّة من ماء و قال عزّوجلّ و من الماء كلّ شي‏ء حي فاستنطق اللّه عزّوجلّ حتي يسأله تعالي ان‏يسأله فيقول له اقبل فاجاب اللّه عزّوجلّ دعوته ثم قال له ادبر يعني انزل الي المراتب النازلة النورانية و ادّ رسالتي الي كل مذروء و مبروء فادبر فاول ماظهر من الادبار الروح الكلية ثم النفس الكلية و هي الباء في الحروف كما ان الالف القائم مقام الالف من الحروف ثم الطبيعة الكلية و هي الجيم ثم المادة الكلية و هي الدال ثم شكل الكلّ و هو الهاء ثم جسم الكلّ و هو الواو ثم محدّدالجهات الفلك الاطلس العرش الاعظم و هو الزاء ثم فلك الكرسي و هو الحاء ثم فلك البروج و هو الطاء ثم فلك المنازل و هو الياء ثم فلك زحل و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 489 *»

الكاف ثم فلك المشتري و هو اللام ثم فلك المريخ و هو الميم ثم فلك الشمس و هو النون ثم فلك الزهرة و هو السين ثم فلك عطارد و هو العين ثم فلك القمر و هو الفاء ثم كرة النار و هي الصاد ثم كرة الهواء و هي القاف ثم كرة الماء و هي الراء ثم كرة التراب و هي الشين فاذا بلغ العقل في مقام الرسالة الي هذا المقام و ادّي المرام ناداه اللّه سبحانه فامره بالاقبال فقال له اقبل فاقبل و صعد الي مقام المعدن و هو التاء ثم الي مقام النبات و هو الثاء ثم الي مقام الحيوان و هو الخاء ثم الي مقام الجن و هو الذال ثم الي مقام الملك و هو الضاد ثم الي مقام الانسان و هو الظاء ثم الي مقام الجامع7 و هو الغين ثم اخذ يصعد في مقام الاسماء بعد صعوده في مقام الاكوان فصعد الي رفيع‏الدرجات الي اخر الاسماء الذي هو البديع فاتصل الاول بالاخر و الظاهر بالباطن و تمّت الكرة و دارت الدائرة و ظهرت الكاف المستديرة علي نفسها.

ثم ان اللّه سبحانه خاطب العقل بعد ماامتثل امر اللّه عزّوجلّ و تمحّض في العبودية فوعزّتي و جلالي ماخلقت خلقاً احبّ الي منك بك اثيب و بك اعاقب و في رواية اخري اياك اثيب و اياك اعاقب و لااكملتك الاّ فيمن احبّ فجعل سبحانه للعقل خمسة و سبعين جنداً من الملائكة الذين قدخلقوا من شعاع نوره و ظهروا بفاضل ظهوره و وكّل كل نوع منهم بنوع من انواع الخير و الطاعة و جهات الاقبال الي الحق عزّوجلّ لئلايشـذّ عنه و عن حيطته حقّ من حقوق اللّه عزّوجلّ الظاهر للمكلّفين لئلايقول الناس لولا ارسلت الينا رسولاً فنتّبع اياتك من قبل ان‏نذلّ و نخزي و الجنود (جنوده خ‏ل) الخمسة و السبعون اوّلهم الخير و هو وزير العقل ثم الايمان ثم التصديق ثم الرجاء ثم العدل ثم الرضا ثم الشكر ثم الطمع الي رضوان اللّه ثم التوكل ثم الرأفة ثم الرحمة ثم العلم ثم الفهم ثم العفّة ثم الزهد ثم الرفق ثم الرهبة ثم التواضع ثم التؤدة ثم الحلم ثم الصمت ثم الاستسلام ثم التسليم ثم الصبر ثم الصفح ثم الغني ثم التذكّر ثم الحفظ ثم التعطف ثم القنوع ثم المواساة ثم المودّة ثم الوفاء ثم الطاعة ثم الخضوع ثم السلامة ثم الحبّ ثم الصدق ثم الحق ثم الامانة ثم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 490 *»

الاخلاص ثم الشهامة ثم الفهم ثم المعرفة ثم المداراة ثم سلامة الغيب ثم الكتمان ثم الصلوة ثم الصوم ثم الجهاد ثم الحج ثم صون الحديث ثم برّ الوالدين ثم الحقيقة ثم المعروف ثم الستر ثم التقية ثم الانصاف ثم التهيئة ثم النظافة ثم الحياء ثم القصد ثم الراحة ثم السهولة ثم البركة ثم العافية ثم القوام ثم الحكمة ثم الوقار ثم السعادة ثم التوبة ثم الاستغفار ثم المحافظة ثم الدعاء ثم النشاط ثم الفرح ثم الالفة ثم السخاء.

فلمّا استكملت هذه المراتب رشح من هذا الطتنج الاوّل بشرايعه و جداوله و انهاره رشحاً كان ذلك الرشح بحراً قدتشعّب منه اربعة خُلْجان بازاء الانهار الاربعة و كذلك الشرايع و الجداول بازاء تلك الشرايع و الجداول فبعد اتمام مراتب هذا الرشح حصل رشح اخر و هو رشح الرشح فكملت فيه المراتب و المقامات و الدرجات و الجداول و الشوارع وهكذا كلّما يرشح يكمل بحراً و يكون في الانقسام و الانشعاب كالاوّل الاّ انه اضعف و اقل من الاول وهكذا الي ثماني رشحات مترتّبات علي الترتيب الذي ذكرنا و الاصول التي اصّلنا فلايزال عن ذلك البحر اي الصاد يفيض علي الانهار الاربعة و تفور هذه الانهار و تجري في الشرايع و هنّ في الجداول و الرشح في الرشح و رشح الرشح في مقامه و الرشح و مابعده متقوّم بالاصل و الاصل متقوّم بذلك البحر و ذلك البحر متقوّم باليد اليمني للرحمن فلا نهاية لهذا السريان و لا غاية لهذا الجريان و لا امـد لهذا السريان فيجري الي ما لانهاية له و اليمين ليس الاّ سيّدنا اميرالمؤمنين7 و اليد هم الائمة الميامين عليهم سلام‏اللّه اجمعين و الرحمانية ماظهرت الاّ فيهم: و ماتصدر اثارها الاّ عنهم و ماترجع شـئوناتها الاّ اليهم و لاتظهر احوالها الاّ بهم و ماكانت تعلقاتها الاّ لهم و مااختلفت متعلّقاتها الاّ لتشييد سلطانهم و تثبيت برهانهم لا اله الاّ هو له الحكم و اليه ترجعون هذا مجمل بيان الطتنج الاول.

اما الطتنج الثاني فاعلم ان مبدأه من تحت الثري و ذلك البحر الذي انقطع علم الخلق عنه لانّه بحر لا اول له و لا اخر و لا غاية و لا نهاية و لا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 491 *»

ساحل و لا مـدّ و لا جزر لانهما علي فرض الساحل و منه مداد اهل جهنم و النار الي ما لانهاية له فلو كان له انقطاع لانقطع و لذا ابوا: ان‏يخبروا عنه و هذا الاخبار اخبار رسم لا اخبار حقيقة و مبادي كلّ باطل بكلّ نوع انما هو في ذلك البحر و لايزال من الحرارة الغضبية المستجنّة في اسفله تتصاعد الابخرة المنتنة النجسة و لم‏يزل يغلي و يفور و يتموّج الي ان حصلت من ضرب الامواج بعضها مع بعض و التصاق الاجزاء اليابسة المنتثرة في ذلك البحر التي هي عبارة عن انحاء القساوات و جمود القريحة و عدم الذوبان و الانتشار الي المبدأ الحقيقي عزّوجلّ و ذلك الالتصاق برطوبة الابخرة المنتنة و حرارة الادخنة النجسة الخبيثة الي ان انعقد زبداً فخلق اللّه عزّوجلّ بحكم التمكين و بحكم سنستدرجهم من حيث لايعلمون، و لايحسبنّ الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثماً و لهم عذاب مهين فخلق عزّوجلّ من ذلك الزبد علي وجه ذلك البحر ارضاً خبيثة منتنة قذرة مجتثّة صلبة في الباطن ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشدّ قسوة و رخوة في الظاهر يرضونكم بافواههم و تأبي قلوبهم و اكثرهم فاسقون و تلك الارض هي الارض الخبيثة التي اشار اليها عزّوجلّ في قوله و الذي خبث لايخرج الاّ نكداً و هي الارض الملعونة فتصاعدت الابخرة المنتنة و الادخنة القذرة و نفذت في تلك الارض و استجنّت فلمّا كثرت استجنان تلك الابخرة و زادت الرطوبات الخبيثة تفجّرت عيوناً و انهاراً اربعة و هي خُلجان قدتشعّبت من ذلك الطتنج البحر الاسود المظلم.

النهر الاول عين انية و هي عين حارّة بلغت منتهاها في الحرارة و هذا النهر في مقابلة الماء الغير الاسن و حرارة هذا العين لمّاغلبت و زادت و استولت و كثرت خفيت القبايح الاخر كنتنها و خباثتها و هي اعظم العيون شدة و قبحاً و عذاباً بحيث قد اثرت حرارتها في كل ماسواه فلاتوجد حرارة من الحرارات الكلّية الغضبية الاّ مبدؤها من تلك العين فعلي حسب قوة الحرارة في الميولات الباطلة و الشهوات الخبيثة تظهر له تلك العين في الاخرة و هذه

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 492 *»

الحرارة هي ضدّ لبرودة الماء الاول لانها قد نشأت من عين الانكار و قول اني انا اللّه و ليست فيها برودة السكون و التسليم و التفويض و الخوف و اليقين كالماء الاوّل فكل‏مّا هو اقرب الي الانكار و اشدّ الي الاغترار فقد شرب من هذه العين و يـئول اليها و يرجع اليها و انما سميت انية لانها تؤن شاربيها اعاذنا اللّه منها بمحمّد و اله الطاهرين صلوات اللّه عليهم.

النهر الثاني عين الكبريت و هي عين منتنة قذرة استولت علي باطنها و ظاهرها الحرارة الغضبية و رطوبة الميولات الباطلة الشهوانية و الروابط الشياطينيّة كثرت كثافاتها و الاجزاء الارضية لكونها اسفل من العين الاولي و لذا ظهر نتنها و خبثها الظاهري و الباطني دون الاولي و لذا حصلت فيها قوة السريان و الربط فافهم.

النهر الثالث عين ابرهوت و هي بئر غلظت الاجزاء المنتنة اليابسة و اختلطت بالرطوبات المتصاعدة من ذلك البحر فاستحالت ماء حاراً غليظاً منتناً لم‏يزل بالحرارة المستجنّة في تلك الاجزاء الترابية يتصاعد منها دخاناً اغبر خبيثاً منتناً.

النهر الرابع نهر الغسّاق او نهر الحميم و هو ماء كالمهل كالنحاس الذائب يشوي الوجوه بئس الشراب و ساءت مرتفقاً قال تعالي و سقوا ماء حميماً فقطّع امعاءهم و الغسّاق صديد اهل النار و ذلك الصديد من غلظة تلك العين و نتنها لحقت اهل المعاصي لمّاشربوها فيظهر ماشربوا منها في مقامها و عالمها اعاذنا اللّه منها بمحمّد و اله الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين ابدالابدين و هذه الانهار قدانشعب من كلّ منها عشرة عيون اخر كدرة يفرغ بعضها في بعض و من كل من العيون العشرة تشعّبت اربعون جدولاً علي طبق ماقلنا في الطتنج الاوّل حرفاً بحرف.

ثم ان اللّه عزّوجلّ خلق الجهل الكلّي من البحر الاجاج علي ماوصفت لك ظلمانيّاً فقال له ادبر فادبر فاول ماوجد بادباره و ظهر و تحقق الثري في مقابلة النفس الكلّية و حرفه  في مقابلة «ب» و اسمه المتوهّم في مقابلة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 493 *»

الاسم الباعث ثم الطمطام في مقابلة الطبيعة الكلّية و حرفه في مقابلة «ج» و اسمه المجتث في مقابلة الاسم الباطن ثم النيران في مقابلة المادة الكلية و حرفها في مقابلة «د» و اسمه الاسفل في مقابلة الاخر ثم الريح العقيم في مقابلة شكل الكلّ و حرفه في مقابلة «هـ» و اسمه المخيل في مقابلة الاسم الظاهر ثم البحر في مقابلة الجسم (جسم خ‏ل) الكلّ و حرفه في مقابلة «و» و اسمه العابث في مقابلة الاسم الحكيم ثم الحوت في مقابلة العرش و حرفه في مقابلة «ز» و اسمه المختال في مقابلة الاسم المحيط ثم الثور في مقابلة الكرسي و حرفه في مقابلة «ح» و اسمه الكفور في مقابلة الاسم الشكور ثم الصخر (الصخرة خ‏ل) في مقابلة فلك البروج و حرفه في مقابلة «ط» و اسمه فقر الزمان في مقابلة الاسم غني الدهر ثم الملك الحامل في مقابلة فلك المنازل و حرفه في مقابلة «ي» و اسمه العاجز في مقابلة الاسم المقتدر ثم ارض الشقاوة في مقابلة فلك زحل و حرفه في مقابلة «ك» و اسمه المفسد في مقابلة الربّ ثم ارض الالحاد في مقابلة فلك المشتري و حرفه في مقابلة «ل» و اسمه الجهول في مقابلة العليم ثم ارض الطغيان في مقابلة فلك المريخ و حرفه في مقابلة «م» و اسمه المهين في مقابلة القاهر ثم ارض الشهوة في مقابلة فلك الشمس و حرفه في مقابلة «ن» و اسمها الظلمة في مقابلة النور ثم ارض الطبع في مقابلة فلك الزهرة و حرفها في مقابلة «س» و اسمها المهمل في مقابلة المصوّر ثم ارض العادات في مقابلة فلك عطارد و حرفها في مقابلة «ع» و اسمها الناسي في مقابلة الاسم المحصي ثم ارض الممات في مقابلة فلك القمر و حرفها في مقابلة «ف» و اسمها المنكر في مقابلة الاسم المبين ثم كمثل الكلب في مقابلة كرة النار و حرفه في مقابلة «ص» و اسمه المسوّل في مقابلة الاسم القابض ثم السموم في مقابلة الهواء و حرفه في مقابلة «ق» و اسمه الميّت في مقابلة الاسم الحي ثم الماء الاجاج في مقابلة كرة الماء و حرفه في مقابلة «ر» و اسمه المبطل في مقابلة الاسم المحيي ثم الارض السبخة في مقابلة كرة التراب و حرفها في مقابلة «ش» و اسمها النكد في مقابلة

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 494 *»

المميت فاذا انتهي الجهل في ادباره الي هذا المقام قال اللّه عزّوجلّ له اقبـل فلم‏يقبل فولّي مدبراً فظهر من ادباره الحجارة و الحديد في مقابلة المعدن و حرفها في مقابلة «ت» و اسمها الذليل في مقابلة العزيز ثم النبات المرّ في مقابلة النبات الطيّب و حرفها في مقابلة «ث» و اسمها الحادم في مقابلة الاسم الرازق ثم المسوخ في مقابلة الحيوان و حرفها في مقابلة «خ» و اسمها الفاسق (الغاسق خ‏ل) في مقابلة الاسم المذلّ ثم الشياطين في مقابلة الملائكة و حرفها في مقابلة «ذ» و اسمها الضعيف في مقابلة القوي ثم شياطين الجن في مقابلة الجن و حرفها في مقابلة «ض» و اسمها الغليظ في مقابلة الاسم اللطيف ثم شياطين الانس في مقابلة الانسان و حرفها في مقابلة «ظ» و اسمها الناقص في مقابلة الاسم الجامع ثم ابليس في مقابلة الجامع7 و حرفه في مقابلة «غ» و اسمه اسفل‏السافلين في مقابلة رفيع‏الدرجات.

فلمّا بلغ الجهل في ادباره الي مبدئه و توغّل في الاعراض و العتوّ و الاستكبار عن امر اللّه عزّوجلّ قال اللّه عزّوجلّ بلسان اوليائه خطاباً للجهل استكبرت عن امري و استنكفت عن حكمي و عن انقياد قولي فلعنه عزّوجلّ و طرده عن مقام القرب فلمّا رأي مااكرم اللّه به العقل و مااعطاه اضمر له العداوة فقال الجهل يا ربّ هذا خلق مثلي خلقته و كرمته و قوّيته و انا ضدّه و لا قوّة لي به فاعطني من الجند مثل مااعطيته فقال نعم فان عصيت بعد ذلك اخرجتك و جندك من رحمتي قال قد رضيت فاعطاه خمسة و سبعين جنداً اوّلهم الشرّ و هو وزير الجهل ثم الكفر ثم الجحود ثم القنوط ثم الجور ثم السخط ثم الكفران ثم اليأس ثم الحرص ثم القسوة ثم الغضب ثم الجهل البسيط ثم الحمق ثم التهتّك ثم الرغبة الي ما لايرضي اللّه سبحانه ثم الخرق ثم الجرأة علي معاصي اللّه سبحانه ثم الكبر ثم التسرّع و الاستعجال ثم السفه ثم الهذر ثم الاستكبار ثم الشك ثم الجزع ثم الانتقام ثم الفقر ثم السهو ثم النسيان ثم القطيعة ثم الحرص ثم المنع ثم العداوة ثم الغدر ثم المعصية ثم التطاول ثم البلاء ثم البغض ثم الكذب ثم الباطل ثم الخيانة ثم الشوب ثم البلادة ثم الغباوة ثم الانكار ثم

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 495 *»

المكاشفة ثم المماكرة ثم الافشاء ثم الاضاعة ثم الافطار ثم النكول ثم نبذ الميثاق ثم النميمة ثم العقوق ثم الريا ثم المنكر ثم التبرّج ثم الاذاعة ثم الحميّة الجاهلية ثم البغي ثم القذر ثم الخلع ثم العدوان ثم التعب ثم الصعوبة ثم المحق ثم البلاء ثم المكاثرة ثم الهوي ثم الاغترار ثم التهاون ثم الاستنكاف ثم الكسل ثم الحزن ثم الفرقة ثم البخل و هذه جنود الجهل فلمّا استكملت هذه المراتب و تمّت صعد عن كلّ مرتبة دخان فانقسم الي هذه الاقسام كلّها ثم صعد من ذلك الدخان دخان اخر انقسم الي تلك الاقسام وهكذا الي ثمانية مراتب و هذان الطتنجان قد اختلطا في الصورة الظاهرية في هذا العالم الجسماني دار التكليف فمااستولي فيه الطتنج الاول خلق الذكر من اهل تلك المرتبة و مااستولي الطتنج الثاني خلقت الانثي وهكذا الحكم في كلّ المراتب و المقامات و الدرجات فتعدّدت الميولات المتضادة فوقع التكليف و شرح هذه الاحرف لايناسب هذا المقام لطول بيانه.

فاذا فهمت حقيقة الطتنجين فاعلم انّ معني قوله7 انا الواقف علي الطتنجين هو انّه7 قطب مركزهما و مقوّم دائرتهما و ممدّ (محل خ‏ل) عطيتهما لانه7 حامل اسم الرحمانية و عنده تمايز الاشياء و عنه مبدأ السعادة و الشقاوة و فيه يتحقّق الاختلاف قال اللّه عزّوجلّ كلاًّ نمدّ هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظوراً و الامتياز بين الاشياء بمراتبها و احوالها ماكان الاّ به لانه العلّة الصورية و ولايته عرضت علي كلّ الخليقة فمن قبلها لحق بالطتنج الاول و من انكرها لحق بالطتنج الثاني و هو باب السور الذي في القران فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فان موافقته طاعة و رحمة و جنّة و نور و مخالفته7 معصية و نقمة و عذاب و ظلمة و هو7 قسيم الجنة و النار و هو المعني في قوله تعالي و ننزّل من القران ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً فانه7 الهادي بمعني الموصل الي المطلوب بتيسير ماخلق لاجله اما الي النار او الي الجنة لانه7 حامل الربوبية اذ مربوب ذكراً و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 496 *»

رسول‏اللّه9 الهادي الذي يري الطريق لانه9 حامل الربوبية اذ مربوب ذكراً و لامربوب كوناً و وجوداً قال اللّه عزّوجلّ اشارة علي هداية علي7 بالايصال في قوله تعالي انما انت منذر و لكل قوم هاد قال9 انا المنذر و علي الهادي و قال عزّوجلّ انك لاتهدي من احببت ولكن اللّه يهدي من يشاء اي يوصلهم الي مطلوبهم بعلي7 اما الي الجنة او الي النار لانه7 هو الواقف علي الطتنجين لان الايمان و الكفر انما يتحقّق بالاقرار بولايته و الطيبين من اولاده: لانه اذا امن باللّه سبحانه يظهر فيه نور مضطرب فاذا امن برسوله9 يثبت ذلك النور في‏الجملة فاذا امن بعلي7 و تبعه كما قال عزّوجلّ امنوا باللّه و رسوله و اتبعوا النور الذي انزل معه و هو علي7 فاثبت عزّوجلّ لعلي7 الولاية حيث اوجب له الطاعة و المتابعة فيكون حينئذ ثابت‏الايمان مكتوب في عليين فيخرجه اللّه عزّوجلّ من ظلمات الجهل و الكفر و النفاق و الخيانة الي نور العلم و الايمان و الصفا و لذا كان الايمان اسماً لعلي7 لانه حروف بيّنات اسمه الشريفة صلوات اللّه عليه و اذا لم‏يؤمن بعلي7 و ان امن باللّه و رسوله اكبّه اللّه علي منخريه في النار و يخرجه من النور الذي حصل له من الايمان باللّه و رسوله الي ظلمات الكفر و النفاق فاساس الايمان و الكفر انما قام و تأسّس بعلي7 و العقل و جنوده انما هو متقوّم به و منتسب اليه7 و الكفر و الجهل و جنوده انما هو متقوّم به غير منتسب اليه فلولا علي7 ماكان (لماكان خ‏ل) ايمان و لا كفر و لا ظلمة و لا نور و لا خير و لا شـرّ كما ان الشمس لولاها لم‏يكن نور و لا ظلمة فانّا قدبيّنّا ان الموجودات من الانوار و مراتب الطتنج الاول في مراتبها الثمانية كلّها من شعاع انواره7 و كلّ الظلمات من الطتنج الثاني و مراتبه كلّها متقوّمة بنفس تلك الانوار من حيث نفسها لا من حيث مبدئها كماقال عزّوجلّ و يسجدون للشمس من دون اللّه فلا قوام للظلمات الاّ بالانوار و لا قوام للانوار الاّ بمولينا علي7 فهو مقوّم الطتنجين و الممدّ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 497 *»

للموجودات في البين و /منه وجد (زائد خ‏ل) صلّي اللّه عليه و اله المصطفين ففي هذا المقام ظهور الاسماء المتقابلة كالرحيم و المنتقم و الغافر و الرازق و المهلك و المحيي و المميت و القابض و الباسط و المعطي و المانع و الضارّ و النافع و امثالها من الاسماء لانها من ظهورات انحاء التعلّقات بوجود هذين الطتنجين.

او يكون المراد بالطتنج الاوّل احكام الربوبية بكلّ احوالها و مقاماتها من التوحيد و الصفات و الافعال و الاعمال و الطتنج الثاني احكام العبودية فهو9 باب لاجراء الاحكام الربوبية و توصيف مقاماتها من انحاء التنزيه و التقديس و الافاضة و الامداد و الايجاد و الاختراع و الاسماء و الصفات و امثالها من الحالات للعبودية و لاستمداد الواقفين في مقامات العبودية و السائلين اللائذين بالربوبية انحاء الافاضات و الامدادات فلايصل من الحقّ الي الخلق فيض باي نحو كان علي التفصيل الذي يتكرّر في هذا الشرح الاّ به7 و لايقبل الخلق شيئاً من فيوضات الحق جلّ‏وعلا و امداداته الاّ به7 و لايصعد من الخلق صريخ و لا ضجيج الي اللّه عزّوجلّ الاّ به7 و لايقبل اللّه عملاً لخلق من المخلوقات الاّ به7 فهو روحي‏فداه البرزخ بين العالمين و الواقف علي الطتنجين و الاشارة الي جميع ماذكرنا في قوله عزّوجلّ من حيث المفهوم مااشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم و ماكنت متخذ المضلين عضداً فدلّ بالمفهوم علي ان الهادين قد اتّخذهم اللّه اعضاداً لخلقه و الدليل علي اعتبار هذا المفهوم و حجّيته هو قول الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه في الدعاء في كلّ يوم من شهر رجب اعضاد و اشهاد و حفظة و روّاد فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الاّ انت فاذا كانوا سلام اللّه عليهم عضداً لخلق اللّه فلا قوام لهم في حال من احوالهم الاّ بهم صلّي اللّه عليهم و لا تذوّت لهم في جميع ميولاتهم الاّ بهـم: و لايصل الفيض اليهم الاّ بهم روحي فداهم و قدقال مولينا العسكري7 مامعناه قد صعدنا ذري الحقايق باقدام النبوة و الولاية و الكليم البس حلّة الاصطفاء لمّاعهـدنا منه الوفاء و روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 498 *»

حدائقنا الباكورة الي اخر كلامه صلّي اللّه عليه فهو7 الواقف علي الطتنجين شجرة زيتونه لا شرقية و لا غربيّة فله البرزخية الكبري لانّه المثل الاعلي و هو المعني في قوله عزّوجلّ لقد رأي من ايات ربّه الكبري و هو7 الازلية الثانية صاحب الازلية الاولي و مبدأ العلل الاولي و لسان اللّه الناطق لكلّ الخلق ممايري و مالايري صلّي‏اللّه عليه و علي ابن عمّه و زوجته و ابنائه مادامت الاخرة و الدنيا.

او يكون المراد من الطتنج الاوّل بحر الامكان اي العمق الاكبر بحر مظلم كالليل الدامس كثير الحيتان و الحيّات و الطتنج الثاني بحر الاكوان و هـو7 واقف بين البحرين فلايخرج من الامكان الي الاكوان شي‏ء من ذات او صفة لفظ او معني اصل او فرع لطيف او كثيف نور او ظلمة الاّ يمرّ عليه اي يظهر بواسطته و لايخرج شي‏ء من الاكوان الي الامكان بنزع حلّة الكون الاّ به7 فكلّ المكوّنات واقفة بباب خياله طالبة لوصاله و شاهدة لجماله فهو7 باب الامكان الي الاكوان و باب الاكوان الي الامكان فهو واقف علي فوّارة النور و القدر عنه نشأت الاشياء و اليه تعود بالكمال و هو7 عبد للّه خاضع له مطيع لامره لا اله الاّ هو له الحكم و اليه ترجعون.

او يكون المراد من الطتنجين بحر القابل و المقبول كلاهما قد انشعبا عن بحر الكون و هو7 واقف عليهما يمكّن القابل في ثلثين يوماً حتي يستأهل للقبول ثم يهيّئ المقبول بالميل الي القابل عشرة ايام فذلك اربعون ليلة و اليه الاشارة في قوله عزّوجلّ و واعدنا موسي ثلثين ليلة و اتممناها بعشر فتمّ ميقات ربّه اربعين ليلة ثمّ يؤلف بينهما في اربعة ايام يوم ايلاج الليل في النهار و يوم ايلاج النهار في الليل و يوم الغشيان و يوم الشأن قال تعالي و ذكّرهم بايام اللّه و قال عزّوجلّ كلّ يوم هو في شأن و قدعرفت حقيقة ضمير «هو» فلانعيد.

او يكون المراد من الطتنجين امر النشأتين من احوال الدنيا و الاخرة و بينهما هو الرجعة فلها حكم البرزخية لانها ليست من الدنيا لصفاء زمانها و مكانها و لطافة اهلها و بطئ حركات افلاكها و ظهور الجنّتين المدهامّتين فيها و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 499 *»

ظهور الملائكة و الجانّ و الاشباح المثالية و المثل النورية كلّها فيها و سماع اهلها صرير الافلاك و تسبيح الاملاك باسماعهم الظاهرية الي غير ذلك من الاحوال التي لاتكون في الدنيا و سنشرحها فيمابعد ان شاء اللّه و ليست من الاخري لطلوع الشمس و غروبها و احكام التكاليف و العبادات و الاعمال و الافعال و انحاء الطاعات و المجاهدات و المقاتلة مع الكفار و امثالها من الامور المتعلقة بالدنيا فهي البرزخ بينهما و هي الاولي و الحاكم فيها و نافذالامر و الظاهر بالامر ليس الاّ مولينا و سيدنا اميرالمؤمنين و اولاده الطيبون الطاهرون و السيد الاكبر صلّي اللّه عليه و عليهم الاّ ان حكم الرتق و الفتق و القبض و البسط لاميرالمؤمنين7 خاصّة لانه الظاهر بالولاية و الحامل للربوبية الثانية المقترنة و اما اولاده فهم اولاده و اما السيد الاكبر فانه9 قداعطـي اللواء ايّاه صلّي اللّه عليهم اجمعين فهو7 الواقف الظاهر بالامر علي الطتنجين اي بينهما و ان كان باسمائه و ظهوراته الي ان‏يظهر بماكان يظهر به9 .

او ان المراد انا الواقف علي الطتنجين انّي انا الواقف القائم علي احوال النشأتين الدنيا من دوران افلاكها و اظهار ليلها و نهارها و ايلاجهما و غشيانهما بعضهما الاخر و اظهار الكثافات و الرذايل و تغليظ حرارة النظر لاختلاط اجزاء الدنيا و اركانها باهلها بعضها مع بعض و تعفين بعضها في بعض ثم تغليظ الحرارة و تشديدها الي ان‏يتطبخ (ينطبخ خ‏ل) الغير الناضج المستعدّ للنضج و يحترق الاخلاط الفاسدة و الاعراض الغريبة و تصفو البنية و تذهب الكدورة و المقوّم لاهل الاخرة بجميع احوالهم باظهار لواء الحمد و اعطاء كل ذي حـق حقّه من انواع الاهوال و العرق و الحرارة الشديدة و الاستظلال في ظلّ ظليل و سقي البعض من حميم اليم و غساق و زقوم و ضريع و الاخرين من الحوض الكوثر و من عين الكافور و من عين السلسبيل و وقوفهم في الكثيب الاحمر و الرفرف الاخضر و ارض الزعفران و مقام الاعراف و ايصالهم الي مقام الرضوان و سيرهم هناك الي ما لانهاية له و جعل البعض في الجنّة و النار الاصليّتين الذاتيّتين و الاخرين في الحظائر فهما علي مراتبهما و احوالهما و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 500 *»

هكذا باقي احوال الدنيا و الاخرة كلّها هو روحي فداه سلطان فيهما و كلّ امورهما و احوالهما راجعة اليه و متقوّمة به قالوا: انّ الينا اياب هذا الخلق ثم انّ علينا حسابهم قال ابن ابي‏الحديد:

و اليه في يوم المعاد ايابنا و هو الملاذ لنا غداً و المفزع

و قد اشير الي هذا المعني بالواو المنكّس في اخر الاسم الاعظم فان الواو واوان و الف قائم في الوسط فالاولي اشارة الي الدنيا لانها خلقت في ستّة ايام و الثانية اشارة الي الاخري لانها كذلك و الالف القائم بينهما اشارة الي القطب القائم علي نفس بماكسبت و هذا القطب ليس هو ذات اللّه سبحانه لمكان الاقتران و الارتباط فوجب ان‏يكون ظهوره بفعله و ذلك الظهور الفعلي ماتحقّق الاّ في اشرف المخلوقات و اكرمها و اعظمها و ليس هو الاّ محمّد9 و علي7 فللاوّل مقام الاجمال و للثاني مقام التفصيل فصحّ ماذكرنا.

قوله7 انا الناظر في المغربين و المشرقين اعلم ان الشمس لها حركتان حركة علي القطب و هذه الحركة ليست لها جهة و وضع و نسبة فماله (فمالها خ‏ل) علي حالة واحدة لاتتخلّف و لاتتبدّل و لاتتغيّر (لايتخلّف و لايتبدّل و لايتغيّر خ‏ل) و الواقفون مقام القطب في الجزئي او الكلي عين المقام او المحاذي ليس لهم غيبوبة عنها و لا غروب و لا افول و انما هو نور موجود و ظلّ ممدود و قطب الشمس حينئذ نفس فلك البروج لا من حيث البروج بل من حيث نفس العرش و الحركة الاخري هي الحركة علي المحور و ذلك لان الشمس جعلها اللّه عزّوجلّ مهبطاً للانوار و مخزناً للاسرار و محلاًّ للتجلّيات الفاعلية و مظهراً للعلل المادية فهي وجهها دائماً الي مبدئها في جميع احوالها حسب تجلي المبدأ لها بها و افتقارها اليه و استمداد غيرها منها و لمّا كانت جهات الاستمداد مختلفة جهة كينونية جوهرية اصلية و جهة تفصيلية امتيازية لمقام الاظهار مشروح‏العلل و مبيّن‏الاسباب و مقام ظهور القابليات و الاستعدادات و السؤلات و الطلبات.

و هذه الجهة علي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 501 *»

اقسام: جهة اصلية الهية موافقة للفيض الالهي و مقتضي ظهور الحقّي و القبول الخلقي. و جهة ظلّية مخالفة لمقتضي الفيض و مقتضي الايجاد و حقيقة الانوجاد. و جهة مزجية مشوبة للجهتين و هذه الجهات كلّها فقيرة متقوّمة بالمدد و سائلة و طالبة له و الشمس هي منبع (مبدء خ‏ل) الامداد بالاستمداد عن مبدئه فتكون حركة الشمس مختلفة فان الحركة ليست الاّ استمداد او امداد و كلتاهما في الشمس موجودتان و اختلاف جهة الاستمداد يقتضي اختلاف الحركات و هي تقتضي اختلاف حركات الممدّ للامداد فتكون للشمس حركتان لانهما اول مبدء الاختلاف احديهما الحركة لا الي جهة و هي الحركة علي القطب لا الي جهة لانتفاء الجهات في القطب الذي هو النقطة و الثانية الحركة الي جهة و هي الحركة علي المحور فتحدث من الحركات دوائر فاذا تحقّقت الجهة تحقّق الحجاب لان الجهة ظلمة انّية و ماهية فصارت كلّ‏ما كانت في جهة تحتجب عن الجهة الاخري ففي هذا المقام لهذه الحركة تحقّق الغروب و الطلوع و الافول و الغيبوبة فتحقّق المغرب و المشرق الاّ ان هذه الحركة المستدعية للمغرب و المشرق علي قسمين: حركة اولية و حركة ثانوية و الحركة الاوّلية علي المحور علي مقتضي القسم الاول من اقسام الحركة علي المحور و هي مقتضي التضادّ و الاثنينية الاولية في قوله عزّوجلّ و من كلّ شي‏ء خلقنا زوجين لعلّكم تذكّرون و قول سيدنا و مولينا الرضا7 ان اللّه لم‏يخلق فرداً قائماً بذاته لما اراد من الدلالة علي نفسه بل خلق كلّ شي‏ء و خلق له ضداً و هو قوله عزّوجلّ و من كل شي‏ء خلقنا الاية فينقسم الكون و اهله في التقسيم الاوّل الي الانوار و الظلمات و كلّ الانوار متوجهة الي المبدء و كلّ الظلمات مدبرة عنه و معرضة عنه و هذا هو الحكم الاول للموجودات كلّها في التكوين او في التشريع في الذوات او في الصفات كما قال عزّوجلّ هو الذي خلقكم فمنكم كافر و منكم مؤمن.

و لمّا كانت الشمس هي ظهور المبدء و مجلي تجلّيه كانت الانوار و الاخيار كلّها متوجهة اليها و ناظرة و حاضرة لديها و الظلمات مدبرة عنها غير مقبلة اليها كالعود و قد قال عزّ

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 502 *»

وجلّ كمابدأكم تعودون فيكون للشمس في هذا المقام مشرق واحد و مغرب واحد و هو اوّل يوم خلق اللّه عزّوجلّ الدنيا كما قال مولينا الرضا7 ان اللّه عزّوجلّ خلق الخلق و كان طالع الدنيا سرطان و الكواكب في اشرافها و كانت الشمس علي دائرة نصف‏النهار وقت صلوة الظهر اوّل فريضة اوجبها اللّه عزّوجلّ علي خلقه فـ/في (زائد ظ) هذه الحركة في هذا المقام ابداً لها مشرق واحد و مغرب واحد و لذا كانت صلوة الظهر اوّل فريضة لكلّ اهل الافاق فافهم ففي هذا المشرق و المغرب النهار مقدّم علي الليل كما قال عزّوجلّ و لا الليل سابق النهار و الظلمة مؤخّرة عن النور و الحركة الثانية هي حركة المزج و الشوب و الاختلاف و ظهور الخلط و اللطخ و الضعف و القوة و الخفاء و الظهور ففي هذا المقام تحرّكت الشمس و اختلفت نسبها و اوضاعها علي الارضين لاستدارة الارض و كرويّتها فتحقّقت الافاق المايلة و اختلف المشرق و المغرب لانهما تابعان لدائرة الافق و قطب دائرة الافق سمت الرأس من موضع وقوف الشاخص و هذا السمت يختلف باعتبار كل جزء من اجزاء الارض و انما (امّا خ‏ل) التفاوت في الاجزاء المتقاربة لمّا كانت جزئياً جعلوا الاختلاف في المواضع المحسوسة و تفصيل الامر علي ماعندنا يطول به الكلام مع اني الان في غاية الكسالة الاّ ان النظر في كتب الرياضيين قد يحصل منه بعض البصيرة الاجمالية التقليدية.

و في هذه الافاق تقدّم الليل علي النهار و الظلمة علي النور و الظلّ علي الحرور و الشتا علي الربيع و الربيع علي الصيف و زاد الليل علي النهار و النهار علي الليل و استوت نسبتهما فصار الليل يغشي النهار و النهار يغشي الليل و بين الطلوعين و الغروبين اجتمعت اثارهما و في ذلك ايات و دلالات لاولي التبصرة و الابصار و تنبيهات لاولي البصائر و الانظار ان في خلق السموات و الارض و اختلاف الليل و النهار لايات لاولي‏الالباب الذين يذكرون اللّه قياماً و قعوداً و علي جنوبهم و يتفكّرون في خلق السموات و الارض و هذا مزج و تعفين لطبخ اكسير الاجابة في العوالم الالهية فافهم.

فظهر لك ان الشمس لها مقامان: احدهما لا شرق لها و لا غرب لا طلوع و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 503 *»

لا افول و انما هو (هي خ‏ل) امر واحد مستقر ثابت. و ثانيهما لها شرق و غرب و في هذا المقام لها مقامان: احدهما ملاحظتها في البدء التكويني و العود التكويني اي مقام الوطن و المنزل و الاصل و المسكن و هنا لها باعتبار المتوجّهين اليها مشرق واحد و مغرب واحد و هي حينئذ دائماً في بيت شرفها فالذين يقابلونها دائماً في النور و الضياء لاتطرؤ عليهم ظلمة الليل و الذين يعاكسونها دائماً في الظلمة و الظلام كماتقدّم في حديث سيّدنا الرضا7 . و ثانيهما ملاحظتها في تدبير قوسي النزولي بعد المبدء و الصعودي قبل ان‏يصـل الي المبدء و في هذا المقام يكون اختلاف المشرق و المغرب و ايلاج الليل في النهار و ايلاج النهار في الليل و ظهور الامر بينهما كماقال مولينا اميرالمؤمنين7 لو خلص الحقّ لم‏يخف علي ذي‏حجـي ولكن اخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فامتزجا فهنالك يهلك من هلك و ينجو من سبقت له من اللّه الحسني فكان المغرب مغربين و المشرق مشرقين و علي اميرالمؤمنين7 هو الناظر فيهما نظر التدبير و القيّومية و اليه7 يرجع امرهما ففي الاول بالاستقامة الاوّلية و اظهار هيكل التوحيد في رتبة مقامه لانه7 باب الاحدية في ظهور الوحدانية في حجاب الرحمانية و هيكل التوحيد هو موافقة الباب في ذلك الحجاب و تنكيس هيكل الشرك و الكفر و النفاق و العناد في رتبة مقامه لانّه ظهر البيت و خلاف الباب و معاندة الحجاب و لا خلط لاحدهما في الاخر بوجه من الوجوه و لا لطخ لكلّ (كلّ خ‏ل) منهما يسير في ادواره و يسبح في افلاكه فاهل جابلصا و جابلقا هما من اهل المشرق الاوّل و المغرب الاوّل و لذا تريهم في كمال الاستقامة في دار المقامة كمـاروي في منتخب البصائر عن الصادق7 ان للّه عزّوجلّ مدينتين مدينة بالمشرق و مدينة بالمغرب فيهما قوم لايعلمون بخلق ابليس نلقاهم في كلّ حين فيسألونا عمايحتاجون اليه و يسألونا عن الدعاء فنعلّمهم و يسألونا عن قائمنا متي يظهر و فيهم عبادة و اجتهاد شديد و لمدينتهم ابواب مابين المصراع الي المصراع مائة فرسخ لهم تقديس و تمجيد و دعاء و اجتهاد شديد لو رأيتموهم لاحتقرتم عملكم يصلّي

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 504 *»

الرجل منهم شهراً لايرفع رأسه من سجدته طعامهم التسبيح و لباسهم الورق و وجوههم مشرقة بالنور و اذا رأوا منا واحداً لحسوه و اجتمعوا اليه و اخذوا من اثره من الارض يتبرّكون به لهم دوي اذا صلّوا /كان اشدّ (كاشدّ خ‏ل) من دوي الريح العاصف منهم جماعة لم‏يضعوا السلاح منذ كانوا ينتظرون قائمنا يدعون اللّه عزّوجلّ ان‏يريهم اياه و عمر احدهم الف سنة اذا رأيتهم رأيت الخشوع و الاستكانة و طلب مايقرّبهم الي اللّه عزّوجلّ اذا احتبسنا عنهم ظنّوا ان ذلك من سخط اللّه يتعاهدون اوقاتنا التي نأتيهم فيها لايسأمون و لايفترون يتلون كتاب اللّه عزّوجلّ كماعلّمناهم و انّ فيمانعلّمهم ما لو تلي علي الناس لكفروا به و لانكروه و لايسألونا (يسألونا في الحديث) عن الشي‏ء اذا ورد عليهم من القران لايعرفونه فاذا اخبرناهم انشرحت صدورهم لمايستمعون منّا و يسألون لنا طول البقاء و ان لايفقدونا و يعلمون ان المنّة من اللّه عليهم فيمانعلّمهم عظيمة و لهم خرجة مع الامام اذا قام يسبقون فيها اصحاب السلاح و يدعون اللّه عزّوجلّ ان‏يجعلهم ممن ينتصر بهم لدينه فيهم كهول و شبّان اذا رأي شابّ منهم الكهل جلس بين يديه جلسة العبيد لايقوم حتي يأمره لهم طريق هم اعلم به من الخلق الي حيث يريد الامام7 فاذا امرهم الامام7 بامر قاموا عليه لايخالفون ابداً حتي يكون هو الذي يأمرهم بغيره لو انّهم وردوا علي مابين المشرق و المغرب من الخلق لافنوهم في ساعة واحدة لايختلّ فيهم الحديد لهم سيوف من حديد غير هذا الحديد لو ضرب احدهم بسيفه جبلاً لقدّه حتي يفصله و يغزو بهم الامام7الهند و الديلم و الترك و الروم و بربر و فارس و بين جابرسا الي جابلقا و هي مدينتان واحدة بالمشرق و واحدة بالمغرب لايأتون الي اهل دين الاّ دعوهم الي اللّه عزّوجلّ و الي الاسلام و الاقرار بمحمّد9 و التوحيد و ولايتنا اهل‏البيت فمن اجاب منهم و دخل في الاسلام تركوه و امّروا عليه اميراً و من لم‏يجب و لم‏يقرّ بمحمّد9 و لم‏يسلم قتلوه حتي لايبقي بين المشرق و المغرب و مادون الجبل احد الاّ امن.

و عن الحسن بن علي8 انّه قال ان للّه مدينتين

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 505 *»

احديهما بالمشرق و الاخري بالمغرب عليهما سوران من حديد و علي كل مدينة سبعون الف الف مصراع من ذهب و فيها سبعون الف الف لغة تتكلّم كلّ لغة بخلاف لغة صاحبه و انا اعرف جميع اللغات و مافيهما و مابينهما و ماعليهما حجة غيري و غير الحسين7 اخي.

و عن اميرالمؤمنين7 ان للّه بلدة خلف المغرب يقال لها جابلقا و في جابلقا سبعون الف امة ليس فيها امة الاّ مثل هذه الامة فماعصوا اللّه طرفة عين و مايعملون عملاً و لايقولون قولاً الاّ الدعاء علي الاولين و البراءة منهما و الولاية لاهل بيت رسول‏اللّه9 .

و في المشارق عن الصادق7 ان للّه مدينتين احديهما بالمغرب و الاخري بالمشرق يقال لهما جابلقا و جابرسا طول كل مدينة منهما اثناعشر الف فرسخ في كلّ فرسخ باب يدخلون في كلّ يوم من كلّ باب سبعون الفاً و يخرج منها مثل ذلك و لايعودون الي يوم القيمة لايعلمون انّ اللّه خلق ادم و لا ابليس و لا شمس و لا قمر هم واللّه اطوع لنا منكم يأتوننا بالفاكهة في غير اوانها موكّلين بلعنة فرعون و هامان و قارون هـ .

و كذلك العوالم الخمسة الاخر كلّها من العالم الاوّل الذي لها مشرق واحد و مغرب واحد و ذلك بعد قطع الظلمات كما روي جابر عن الباقر7 قال سألته عن قول اللّه عزّوجلّ و كذلك نري ابرهيم ملكوت السموات و الارض قال فكنت مطرقاً الي الارض فرفع يده الي فوق ثم قال لي ارفع رأسك فرفعت رأسي فنظرت الي السقف قد انفجر حتي خلص الي نور ساطع حار بصري دونه ثم قال لي رأي ابرهيم ملكوت السموات و الارض هكذا ثم قال لي اطرق فاطرقت ثم قال لي ارفع رأسك فرفعت رأسي فاذا السقف علي حاله قال ثم اخذ بيدي و قام و اخرجني من البيت الذي كنت فيه و ادخلني بيتاً اخر فخلع ثيابه التي كانت عليه و لبس ثياباً غيرها ثم قال لي غضّ بصرك فغضضت بصري فقال لاتفتح عينيك فلبثت ساعة ثم قال لي اتدري اين انت قلت لا جعلت فداك فقال لي انت في الظلمة التي سلكها ذوالقرنين فقلت جعلت فداك اتأذن لي ان افتح فقال لي افتح فانك لاتري شيئاً ففتحت عيني فاذا

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 506 *»

انا في الظلمة لاابصر فيها موضع قدمي ثم سار قليلاً و وقف فقال لي هل تدري اين انت قلت لا قال لي انت واقف علي عين الحيوة التي شرب الخضر منها و خرجنا من ذلك العالم الي عالم اخر فسلكنا فيه و رأينا كهيئة عالمنا في بنائه و مساكنه و اهله ثم خرجنا الي عالم ثالث كهيئة الاوّل و الثاني حتي وردنا خمسة عوالم قال ثم قال7 هذه ملكوت الارض و لم‏يرها ابرهيم و انما رأي ملكوت السموات و هي اثناعشر عالماً كلّ عالم كهيئة مارأيت كلّما مضي منّا امام سكن احد هذه العوالم حتي يكون اخرهم القائم7 في عالمنا الذي نحن ساكنوه قال ثم قال لي غضّ بصرك فغضضت بصري ثم اخذ بيدي فاذا نحن بالبيت الذي خرجنا منه فنزع تلك الثياب و لبس الثياب التي كانت عليه و عدنا الي مجلسنا فقلت جعلت فداك كم مضي من النهار فقال7 ثلث ساعات هـ .

و هذه العوالم هي عوالمهم و عوالم شيعتهم المخصوصون (المخصوصين ظ) و في كلّ عالم الشمس في شرفها و لا اختلاف بين اهلها في مقابلتهم للشمس حتي تختلف الافاق و تختلف المشارق و المغارب فمولينا اميرالمؤمنين علي محمّد و7 هو الناظر في المغربين اي المغرب الاول و الثاني و المشرقين المشرق الاول و المشرق الثاني و هو المتولّي لاحوالهم و حركاتهم و سكناتهم باللّه عزّوجلّ علي حدّ ماقال عزّ ذكره و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلّبهم ذات اليمين و ذات الشمال و الضمير المتكلم اما معظّم نفسه او معه غيره في مقام الفعل و الحدوث و لا شكّ ان العظمة المتعلقة بالفعل و الاحداث لاتصحّ ان‏تكون هي الذات القديمة تعالي اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً و لاتتحقق العظمة الاّ في مقام الربوبية /اذ لامربوب لا اذ لامربوب (اذ مربوب لا اذ لامربوب ــ  اذ لامربوب لا اذ مربوب ظ) و ليس حامل تلك الربوبية الاّ محمّد و علي و الطيبون من اولادهما صلّي‏اللّه عليهم فان كان الضمير للمتكلم الذي معه غيره فليس سواهم لانّ لهم مع اللّه حالات و هم الذين عند اللّه عزّوجلّ في قوله عزّوجلّ و له من في السموات و الارض و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون يسبّحون الليل و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 507 *»

النهار لايفترون قال مولينا الصادق7 الذين في السموات هم الملائكة و الذين في الارض هم الجن و الانس فمن الذين عنده ثم قال7 نحن الذين عنده فعلي كلّ حال فالضمير في نقلّبهم يرجع اليهم اما الضمير المنصوب ففي الباطن و اما الضمير المرفوع ففي باطن (الباطن ظ) الاول اي باطن الباطن او معني انه ناظر اي شاهد عالم علم احاطة بكلّ مافي المغربين و المشرقين و احكام النشأتين فلايعزبه7 علم شي‏ء و لا امر شي‏ء لانّه7 هو المرتضي من محمّد9 حتي علّمه اللّه غيوب الاشياء و علم ماكان و مايكون الي فناء الخلق كما قال عزّوجلّ عالم الغيب فلايظهر علي غيبه احداً الاّ من ارتضي من رسول او هو الشاهد علي الخلق من اهل المغربين و المشرقين كما قال عزّوجلّ أفمن كان علي بيّنة من ربّه و يتلوه شاهد منه اماماً و رحمة و من قبله كتاب موسي هكذا نزلت فالذي علي بيّنة من ربّه هو رسول‏اللّه9 و الشاهد علي الخلق التالي لرسول‏اللّه9 هو اميرالمؤمنين7 و هو7 امام علي كل من ذرأ و برأ و رحمة واسعة وسعت الخلق كلّهم فمعني سعتها اياهم هو مشاهدته لهم7 و قد قال عزّوجلّ مااشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم و ماكنت متخذ المضلين عضداً فاشهد اللّه عزّوجلّ الهادين خلق السموات و الارض و خلق انفسهم كماقال اميرالمؤمنين7 سلوني عن طرق السماء فانّي اعلم بها من طرق الارض و في الكافي عن سماعة قال قال ابوعبداللّه7 في قول اللّه عزّوجلّ فكيف اذا جئنا من كلّ امة بشهيد و جئنا بك علي هؤلاء شهيداً قال7 نزلت في امة محمّد9 خاصة في كلّ قرن منهم امام منّا شاهد عليهم و محمّد9 شاهد علينا و فيه عن سليم بن قيس الهلالي عن اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه قال ان اللّه تبارك و تعالي طهّرنا و عصمنا و جعلنا شهداء علي خلقه و حجّته في ارضه و جعلنا مع القران و جعل القران معنا لانفارقه و لايفارقنا و نشير فيمابعد ان شاءاللّه تعالي الي حدود

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 508 *»

علومهم: .

او يكون المراد من المغربين و المشرقين ماقاله عزّوجلّ حكاية ربّنا امتّنا اثنتين و احييتنا اثنتين فكلّ موت غروب و كلّ حيوة طلوع و شروق الحيوة الاولي في الخلق الاول في عالم الغيب من اول مبدء العقل و الروح و النفس فان فيها تمام ظهور عالم الغيب و بروزه مشروح‏العلل مبيّن‏الاسباب و جريان التكليف بالاقرار بالالوهية و النبوة و الولاية الموت الاول في عالم الطبيعة و هو الكسر الاول و تمام الكسر في المادة و الحيوة الثانية اوّلها اي اول الصوغ بعد الكسر في المثال و تمام الحيوة و النشو في الجسم و الموت الثاني فناء هذه الاجسام و بلاء هذه الاجساد و الحيوة الثالثة التي هي ظهور الحيوة الاولي لا غير في الاخرة قال اللّه عزّوجلّ ملاحظاً للترتيب الصوري حيث نسي الخلق الحيوة الاولية كيف تكفرون باللّه و كنتم امواتاً فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون هذا العدم ملاحظة العالم الاول و الذرّ الاول فاذا اردت الحقيقي حيث ان القران لم‏يجر علي الظاهر المحض فيكون المراد كنتم امواتاً في عالم الامكان حيث كانوا صلوحاً من غير وجود قال تعالي اولايذكر الانسان انّا خلقناه من قبل و لم‏يك شيئاً و قال عزّوجلّ هل اتي علي الانسان حين من الدهر لم‏يكن شيئاً مذكوراً، فاحياكم يعني في عالم الوجود الكوني في عالم الغيب و مقام الذرّات الاولية و الثانية و الثالثة ثم يميتكم في عالم الطبيعة ثم يحييكم في عالم الاجسام الظاهرية البشرية ثم اليه ترجعون في الرجعة و في القيمة اما الي الجنة او الي النار.

او يكون المراد من المغربين و المشرقين الحلّين و العقدين اللذين لايتكوّن الشي‏ء الاّ بهما في الكلّي و الجزئي فان العقد ظهور و بروز و الحلّ خلط و كسر و موت و افول و غروب و كيفية الحلّ و العقد مذكورة في العلم الطبيعي الالهي عند توليد المولود الفلسفي فلانطول الكلام بذكرهما هنا.

او يكون المراد من المغربين و المشرقين ظهور اشراق الشمس النبوي و القمر الولوي صلّي اللّه عليهما في كنت نبياً و ادم بين الماء و الطين و كنت وليّاً و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 509 *»

ادم بين الماء و الطين و غروبهما و افولهما بالنسبة الي الناظرين الواقفين في الافاق المائلة و المنغمسين في بحر الكثرات و عدم مشاهدة الوحدة الظاهرة في الايات بعد وجود ابي‏البشر و ظهور التناسل و بعثة الانبياء المرسلين و ظهور الملائكة المقرّبين و طلوعهما و شروقهما صلّي اللّه عليهما في القالب البشري بعد ماكانا في الظلّ الالهي و الان كماكانا من صلب عبداللّه و ابي‏طالب([13]) و استشراق العالم بنورهما ثم غروب شمسهما و افول نورهما بالنسبة الي اهل المكابرة و المكاثرة و ظهور الباطل و شيوعه و استيلائه علي الحق و غشيان الليل النهار عجّل اللّه ظهورهما و ازاح الغيوم و الحجب المانعة عن اشراق نورهما و لعن /اللّه (زائد خ‏ل) الحاجبين المعاندين الصادّين عنهما الساعين لاطفاء نورهما و يأبي اللّه الاّ ان‏يتـمّ نوره ولو كره الكافرون فبعد ذلك تطلع الشمس من مغربها و تغلق ابواب التوبة علي اهل الارض و من اخلد فيها.

او يكون المراد منهما طلوع العقل في اول الاستنطاق و غروبه عند الامر بالادبار و شروقه اذا بلغ الطفل الحلم و القرار و غروبه اذا استولت النفس الامارة بالسوء و تمكّنت في اقطار البدن فتحتجب شمس العقل بحيلولة ارض الشقاوة و ارض الطبع و ارض العادات و ارض الطغيان و ارض الشهوة و ارض الممات و ارض الالحاد.

و اما بيان كيفية نظر اميرالمؤمنين7 في هذه المراتب من المشرق و المغرب فمما تضيق به الدفاتر و تكلّ عن تحمله الخواطر و فيمااشرنا و لوّحنا كفاية لمن استبصر و لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد.

او يكون المراد من المغربين مغرب الشتاء و مغرب الصيف فانه يختلف طلوعهما و غروبها في القرب و البعد فان في الشتاء تميل عن سمت‏الرأس و في الصيف تمرّ عليه او قريباً منه كما روي عن اميرالمؤمنين7 حين سأله ابن‏الكوّا و قال يا اميرالمؤمنين وجدت كتاب اللّه ينقض بعضه بعضاً قال7 ثكلتك امّك يابن‏الكوّا كتاب اللّه يصدّق بعضه بعضاً و لاينقض بعضه بعضاً فسل عمابدا لك فقال يااميرالمؤمنين سمعته يقول ربّ المشارق و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 510 *»

المغارب و قال في اية اخري رب المشرقين و رب المغربين و قال في اية اخري رب المشرق و المغرب قال7 ثكلتك امّك يابن‏الكوّا هذا المشرق و هذا المغرب و اما قوله تعالي رب المشرقين و رب المغربين فان مشرق الشتا علي‏حدة و مشرق الصيف علي‏حدة اماتعرف ذلك من قرب الشمس و بعدها و اما قوله تعالي رب المشارق و المغارب فان لها ثلثمائة و ستين برجاً تطلع كلّ يوم من برج و تغيب في برج فلاتعود اليه الاّ من قابل الحديث.

و كلامه روحي فداه ينطبق بجميع مراتبه اما الظاهر فهو الظاهر المعروف لايحتاج الي بيان ازيد مماذكـر7 نعم فيه بيان سرّ القرب و البعد و سبب التقطيع الي هذه البروج التي هي الدرجات و سرّ سيرها الي هذه البروج و قطعها في هذه المدّة المعلومة و بيانها من جهة المجادلة بالتي هي احسن مذكور في كتب الرياضيين و اما من جهة دليل الحكمة فيحتاج الي تطويل في المقال مع انه يظهر ان شاءاللّه مما قدّمنا في ذكر خلق السموات و الارض و مانذكر ان شاءاللّه تعالي.

و اما الباطن فله مراتب كثيرة و بيانه7 ينطبق علي المراتب كلّها و الاشارة الي المرتبة الاولي منها: اعلم ان الوجود اول مقامه نور بالاصالة و ظلمة بالعرض مخلوقة من نفس النور فلايخلو موجود من الموجودات منهما فالوجود هو الشمس حقيقة و النور شرق ممتدّ الي جهة الغرب الي نقطة سقوط القرص و هي اخر نهايات ظهور النور و اول ظهور الظلمة فتمتدّ نقطة الغرب من اوّل السقوط الي اخر نهايات الظلمة و هي عند المشرق و هذا المجموع ينقسم الي قسمين صيف و هو عالم الغيب و شتا و هي عالم الشهادة محل ظهور البرودة و الرطوبة مع اليبوسة المقتضية للانجماد فيختلف المشرق و المغرب في كل عالم من عالمي الغيب و الشهادة ثم ينقسم كلّ منهما الي ثلثمائة و ستين قسماً اخر من ظهور الاركان الاربعة العرشية في القبضات العشرة (العشر ظ) في الادوار الثلثة في العوالم الثلثة فينقسم هذه البروج اي الدرجات الي ثلثين برجاً و كلّ برج شهر اي مكث الشمس فيه فيكون مشارق باعتبار ظهور الوجود في هذه الحدود و مولينا اميرالمؤمنين7 ناظر الي هذه المراتب كلّها بالمعاني كلّها بالنظرين اي نظر التدبير او نظر

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 511 *»

الشهادة او نظر العلم و الاحاطة و القيومية فعلي مافصّلنا في هذا الشرح.

و انّما قدّم المغرب علي المشرق مع ان الامر في الوجود بالعكس لامرين متضادّين: احدهما لكون المغرب طبع الرحمة اي البرودة و الرطوبة الاضافيّة هذا باعتبار القرب الي نقطة السقوط و اعتبار الجهة و الوضع و الطبيعة او لكونه مقام الكمال و بلوغ الوصال و مقام السفر و مشاهدة الغرائب و العلم برفع (يرفع خ‏ل) كلّ من لم‏يرفع بخلاف المشرق فانه اول الظهور قبل النضج و الطبخ و حصول الجامعية فالمغرب جهة الجامعية و المشرق جهة ظهور المبدء و لذا تري جنان الدنيا في جهة المغرب و نار الدنيا في جهة المشرق او لكونه طبع الحيوة و هو الحرارة و الرطوبة فان الشمس اذا مالت الي جهة الغرب مالت عن الحرارة و اليبوسة الي الحرارة و الرطوبة لكثرة رطوبات تلك الجهة و هذه الاحوال و امثالها تقتضي الشرافة الذاتية المستدعية للتقدم الذاتي الجاري علي التقدم اللفظي. و ثانيهما ملاحظة مايترتّب علي الغروب اي بعد سقوط القرص من الظلمة و ايلاج الليل في النهار و غشيان الليل للنهار و استيلاء سلطان الظلمة المستدعي لتقدّم الليل علي النهار فان القوس الصعودي علي خلاف القوس النزولي ففي النزولي فكلّ‏ما (كلّ‏ما ظ) كان اولاً (اول ظ) كان اشرفاً (اشرف ظ) و كلّ‏ما كان اخراً كان كثيفاً بخلاف الصعودي فان الكثيف فيه مقدّم علي الشريف.

فلمّا كان هذا العالم في القوس الصعودي تقدّمت الظلمة علي النور و الليل علي النهار لينالا نصيبهما من الكتاب قال اللّه عزّوجلّ الحمد للّه الذي خلق السموات و الارض و جعل الظلمات و النور فقدّم الظلمة علي النور لسرّ ماذكرنا فكذلك الامام7 قدّم المغرب علي المشرق مع ان المشرق في هذا النظر يراد به مايترتّب بعد ذلك فلا شك انه اولي و اشرف و احقّ بالتقديم فقدّم المغرب ليحصل الترتيب التامّ في كلامه روحي فداه فانه7 اثبت بقوله انا الواقف علي الطتنجين النور و الظلمة علي التفصيل الذي ذكرناه مجملاً.

و اثبت بالمغربين و المشرقين حكم الايلاج و الغشيان و تقدّم الليل علي النهار لان في اول الخلق كان الوقت وقت فريضة الظهر و كان العالم في كمال الصفاء و

 

«* جواهر الحکم جلد 5 صفحه 512 *»

النورانية ثم تحرّك العالم نازلاً لاظهار المستجنّات التي فيه فجاء الليل ثم جعل الحساب من مبدء الظلمة فتقدّم الليل علي النهار والاّ لكان النهار نصف الليل و يختلّ الامر من جهات اخر علي عموم الخلق و اما المنجّمون فجعلوا الحكم علي الواقعي الاولي اذ اليوم عندهم من زوال الشمس الي زوال الشمس و لمّا كان هذا الترتيب لايناسب الترتيب الواقعي الثانوي الذي عليه مدار الوجود المزجي و الخلطي جعل اهل العصمة عن اللّه سبحانه الترتيب المعروف فجعل مبدء اليوم اوّل الليل الي غروب الشمس لاظهار القوس الصعودي و تقدّم النفس الامارة علي العقل و تقدّم العقل علي الفؤاد و تقدّم الجماد علي النبات و هو علي الحيوان و هو علي الانسان و هو علي المعصومين سلام‏اللّه عليهم اجمعين و قدّم7 المغرب لبيان حكم مزج الطتنجين بالتلويح كمايصرّح به7فيمايأتي ان شاء اللّه و انما قال7 المغربين و مااتي بالجمع للاشارة الي اول الجمع و مبدء المزج و التركيب فاشار (و اشار خ‏ل)7 بقوله انا الامل و المأمول الي مقام البساطة و اشار بالطتنجين الي اجزاء المركّب و اشار بالمغربين و المشرقين الي اوّل الخلط و التركيب و اوّل مقام الحلّ و اما المشارق و المغارب فانما تحصل بعد ذلك فافهم.

([1]) اسم الفاعل ليس هو ذات الفاعل و انما هو صفة الذات الظاهرة بالفعل فافهم لئلاتظن ظن السوء بالمؤمنين. منـه

([2]) قوله لاجتثاث الباطل دليل لزوال الكثافة و قوله و اظهار اه دليل لوجود الكثافة و سرّ تمكنها في الظهور و استيلائه استيلائها (ظ) علي النور فافهم. منـه

([3]) في القرءان تؤمنون باللّه و في اية اخري و تؤمنون بالكتاب كلّه.

([4]) في القرءان بدل الا انه بكل شي‏ء محيط، اولم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد. الناشـر

([5]) اي المدينة بالرسول9 و الكوفة بعلي7 . منـه

([6]) في نسخة من النسخ بدل «الثاني» «الاول» و بدل «الاول» «الثاني» و كلاهما معقّب برمز ظ.

([7]) في القرءان هكذا: ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم. ناشـر

([8]) في القرءان هكذا: سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق اولم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط.

([9]) في القران هكذا: ياايها الذين امنوا لاتتولوا قوماً غضب الله عليهم قديئسوا من الاخرة كمايئس الكفار من اصحاب القبور. و في اخري: الم‏تر الي الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ما هم منكم و لا منهم و يحلفون علي الكذب و هم يعلمون. و مافي المتن اقتباس منهما.

([10]) في القران هكذا: فاعرض اكثرهم فهم لايسمعون.

([11]) في القران هكذا: سنة اللّه في الذين خلوا من قبل و لن‏تجد لسنة اللّه تبديلاً.

([12]) في القران هكذا: و من فيهنّ.

([13]) متعلق بطلوع و شروق و جملة «بعد ماكانا» معترضة. منـه