11-12-02 جواهر الحکم المجلد الحادی عشر ـ شرح آية الکرسي ـ چاپ – الجزء الثانی

 

شرح آية الكرسي – الجزء الثانی

 

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحكيم الصمداني

الحاج السيد محمد كاظم الحسيني الرشتي

اعلي الله مقامه

فالاشياء من اوّل الامكان قائمة بهم: في مقاماتهم بكلّ القيامات الاربعة امّا القيام الصدوري ففي مقام البيان و المعاني علي التفصيل الذي ذكرنا لك فانّ الاشياء كلّ واحد منها منسوب الي اسم من اسماء اللّه تعالي الخاصّ‏به و كليّاتها علي هذا الترتيب فالعقل منسوب الي اسم اللّه البديع فيدبّره اللّه تعالي بذلك الاسم و النفس الكليّة منسوبة الي اسمه الباعث و الطبيعة الكليّة منسوبة الي اسمه الباطن و المادّة الكليّة منسوبة الي اسمه الاخر و الشكل الكلّي منسوب الي اسمه الظاهر و الجسم الكلّي منسوب الي اسمه الحكيم و محدّد الجهات منسوبة الي اسمه المحيط و فلك الكرسي منسوب الي اسمه الشكور و فلك المنازل منسوب الي اسمه الغني و فلك البروج منسوب الي اسمه المقتدر و فلك زحل منسوب الي اسمه الربّ و فلك المشتري منسوب الي اسمه العليم و فلك المرّيخ منسوب الي اسمه القاهر و فلك

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 392 *»

الشمس منسوب الي اسمه النور و فلك الزهرة منسوب الي اسمه المصوّر و فلك عطارد منسوب الي اسمه المحصي و فلك القمر منسوب الي اسمه المبين و كرة النار منسوبة الي اسمه القابض و كرة الهواء منسوبة الي اسمه الحي و كرة الماء منسوبة الي اسمه المحيي و كرة الارض منسوبة الي اسمه المميت و الجماد منسوب الي اسمه العزيز و النبات منسوب الي اسمه الرازق و الحيوان منسوب الي اسمه المذلّ و الملك منسوب الي اسمه القوي و الجنّ منسوب الي اسمه اللطيف و الانسان منسوب الي اسمه الجامع و الامام منسوب الي اسمه رفيع الدرجات و هذه الاسماء كلّها جهات مبدئها فافهم فهّمك اللّه و ايّانا من مكنون العلم و مخزون السرّ بالنبي و اله الطاهرين.

و امّا القيام التحقّقي فهو في مرتبة الابواب لانّهم في ذلك المقام واسطة ايصال فيض الممدّ الي المستمدّ و ليسوا بعلّة فاعليّة مثل الملزوم لللازم و الوجود للماهيّة و المشروط للشرط و السراج للاشعّة لكن لمّاكانت وجودات الاشياء لاقوام لها الاّ بهم اتّخذهم اللّه‏تعالي اعضاداً لها كمايتّخذ الصبّاغ الثوب عضداً لللّون كماظهر لك ممّاسبق.

و امّا القيام الظهوري فقد قلنا لك انّ المعتبر فيه قيام ظهور العالي للسافل بالسافل فهم في كلّ المراتب بمنزلة الشمس بل هم سلام اللّه عليهم عين الشمس علي الحقيقة الاوّلية و الخلق كلّهم بمنزلة الجدار علي المعني الذي سبق من انّ الجدار هو نفس النور ليكون المظهر نفس الظهور و الفرق بينهما بالاعتبار فكلّ البريّة مظاهر لاثار افعالهم باللّه عزّوجلّ قدظهر اللّه تعالي بهم: لهم بهم فهم : مظاهر لهم و مقاماتهم بمعني الاتّحاد في كلّ مقام و رتبة فظهورهم الذي ملأ الكون فلايعرف احد غيرهم و لايدرك سواهم و كان ذلك بتعريف اللّه سبحانه فافهم و هذا معني قول الهادي7 في الجامعة الكبيرة فبلغ اللّه بكم اشرف محلّ المكرّمين و اعلي منازل المقرّبين و ارفع درجات المرسلين حيث لايلحقه لاحق و لايفوقه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 393 *»

 فائق و لايسبقه سابق و لايطمع في ادراكه طامع حتّي لايبقي ملك مقرّب و لا نبي مرسل و لا صدّيق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبّار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيمابين ذلك شهيد الاّ عرّفهم جلالة امركم و عظم خطركم و كبر شأنكم و تمام نوركم و صدق مقاعدكم و ثبات مقامكم و شرف محلّكم و منزلتكم عنده و كرامتكم عليه و خاصّتكم لديه و قرب منزلتكم منه بابي انتم و امّي و نفسي و اهلي و مالي و اسرتي الزيارة.

فالشخص في جميع احواله و حركاته و سكناته و قيامه و قعوده و نومه و يقظته و اكله و شربه و طاعته و معصيته و قربه و بعده و ترقّيه و تنزّله و كماله و نقصانه و في جميع افعاله و احواله و اطواره و اموره يثني علي اللّه و يصلّي عليهم و يلعن اعداءهم و مبغضيهم و هذا المعني عامّ كلّي لااختصاص له بشي‏ء دون شي‏ء بل كلّ شي‏ء شمّ رايحة الوجود من اي نوع من انواعه و اي صنف من اصنافه و اي فرد من افراده حتّي الاعراض الغير القارّة الاّ بموضوعاتها من الالوان و الهموم و الغموم و الالام و الاسقام اما سمعت قول النبي9 حين خاطب الحمّي و قال يا امّ‏ملدم ان كنت امنت باللّه فلاتأكلي اللحم و لاتشربي الدم و لاتفوري من الفم الدعاء و قول الحسين7حين دخل علي عبداللّه بن شدّاد ليعوده في مرضه مخاطباً للحمّي بقوله الشريف يا كبّاسة فسمعوا الصوت و مارأوا الشخص يقول لبّيك يا ابن رسول اللّه ثم قال7الم‏يأمرك امير المؤمنين7 الاّ تقربي الاّ عدوّاً او مذنباً لتكوني كفّارة لذنوبه فما بال هذا الرجل؟ و امر الرضا7 للصورة فحركت و قامت سبعاً و افترست بذلك الخبيث و امثالها و هو معني قوله تعالي و ان من شي‏ء الاّ يسبّح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم يسبّحون للحق بولاية الولي و تعليمهم ايّاه فافهم هذه المطالب و اعرف امامك و موليك و مقتداك الذي شرّفك اللّه تعالي بولايته و محبّته و خصّك دون العالمين لمحبّته و اشكر للّه تعالي علي هذه النعمة العظمي و الدرجة القصوي الحمد للّه الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية امير المؤمنين و الائمّة:يا مقلّب القلوب و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 394 *»

الابصار صلّ علي محمّد و ال محمّد و ثبّت قلبي علي دينك و دين نبيّك و لاتزغ قلبي بعد اذ هديتني و هب لي من لدنك رحمة انّك انت الوهّاب. و هذا الذي ذكرنا لك هو جزء من مائة الف جزء من رأس الشعير ممالهم من الفضائل و الاسرار و استغفر اللّه من التحديد بالقليل و ماخفي عليك من الذي كتمته و اخفيته و اودعته في قلبي و سكنته في سريرتي اكثر

و في النفس لبانات   اذا ضاق لها صدري
نكتّ الارض بالكفّ   و ابديت لها سرّي
فمهما تنبت الارض   فذاك النبت من بذري

لو اظهرت ماعند الفقير بعون اللّه الملك الخبير من اسرار باء بسم اللّه الرحمن الرحيم التي في فضائلهم و مناقبهم اذاً لارتاب الجاهلون و سلك طريق الانكار المنكرون لكن يكفيك قوله7نزّلونا عن الربوبيّة و قولوا فينا ماشئتم و لن‏تبلغوا قال تعالي و ان تعدّوا نعمة اللّه لاتحصوها و قال تعالي لو كان البحر مداداً لكلمات ربّي لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلمات ربّي و لو جئنا بمثله مدداً و قوله تعالي و لو انّ ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه و صلّي اللّه علي ارواحكم و علي نفوسكم و علي موادّكم و علي طبايعكم و علي اجسامكم بابي انتم و امّي ما احلي اسماءكم و اكرم انفسكم و اعظم شأنكم و اجلّ خطركم و اوفي عهدكم و اصدق وعدكم كلامكم نور و امركم رشد و وصيّتكم التقوي و فعلكم الخير و عادتكم الاحسان و سجيّتكم الكرم و شأنكم الحقّ و الصدق و الرفق و قولكم حكم و حتم و رأيكم علم و حلم صلّي‏اللّه عليكم اجمعين.

و امّا القيام العروضي فهم اجلّ و اعظم و اكرم من ان‏يكونوا محلاً للموجودات السافلة و مااتّفق ذلك انّ العالي يصير محلاً للسافل و يكون للسافل تأثير في العالي و هو ينفعل من السافل ضرورة انّ الجسم ينفعل بقبوله ذلك العرض كمالايخفي و لذا قال ابن‏ابي‏الحديد في قصيدته‏الرائيّة من القصائدالسبعة العلويّة في مدح مولانا روحي‏فداه:

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 395 *»

صفاتك اسماء و ذاتك جوهر   بري‏ء المعاني عن صفات الجواهر

يعني صفاتك مظاهر لاثارك و افعالك اسماء لذاتك الظاهرة فيها و قائمة بها قيام صدور فكلّ الموجودات معانٍ و اسماء لهم:علي ماسبق و ذاته جوهرة مقوّم به جميع الاعراض و الصفات و الاسماء و المعاني و لمّا كان اهل الظاهر لايعرفون هذه الدقيقة و لايعرفون من الجوهر الاّ الجسم الذي لايحلّ في شي‏ء او ما هو اعمّ من الجسم من الاقسام الستّة المذكورة في كتبهم و مراده بالجوهر في هذا الموضع غير ما هو المتعارف عندهم اشار الي الفرق و جهة المخالفة بقوله «بري‏ء المعاني عن صفات الجواهر» المعروفة ثمّ بيّن بعض صفاتها و قال «يجلّ عن الاعراض و الكيف و المتي» ليكون محلاً لها كما هو عادة الجواهر و مثالها ان‏تكون محلاً للاعراض مثل الكيف و الزمان و امثالهما ثمّ بيّن وجه تنزّهه عن الجوهر المعروف المحلّ للاعراض مثل الجسم و قال «و يكبر عن تشبيهه بالعناصر» لانّ الجسم هو المركّب من العناصر الاربعة المعروفة هذا في الظاهر لكن اقول و يكبر عن تشبيهه بكلّ العناصر من الظاهريّة و الباطنيّة و الحقيقيّة و كلّ مايتركّب منه الموجودات المقيّدة في التابعيّة اذ لايجري عليه ما هو اجراه فاثبت انّه جوهر الجواهر في كلّ المراتب و المقامات و لذا قال الشيخ رجب البرسي في كلامه في مشارق الانوار:

همُ في الاجسام اشباح و في الاشباح ارواح   و في الارواح انوار و في الانوار اسرار

و لاريب بانّ الاشباح جوهر للاجسام و الارواح جوهر للاشباح و الانوار جوهر للارواح و الاسرار جوهر للانوار و كلّ عالٍ ذات للسافل لظهوره له به بنفسه و هو معني قول اميرالمؤمنين7 انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات فاشار بقوله7 انا ذات الذوات الي المقامين الاوّلين اي جوهر الجواهر و اسطقسّ الاسطقسّات و مبدء المبادي و علّة العلل و اشار بقوله انا الذات في الذوات في الحقايق و الماهيّات الي مقام الابواب و اشار الي عدم استقلالهم في انفسهم و عدم تذوّتهم في حقائقهم و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 396 *»

الي انّهم عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون يعلم مابين ايديهم و ماخلفهم و لايشفعون الاّ لمن ارتضي و هم من خشيته مشفقون و من يقل منهم انّي اله من دونه فذلك نجزيه جهنّم كذلك نجزي الظالمين بقوله للذات اي الحقّ سبحانه و تعالي و هو معني ماقال العارف الجيلاني:

عكسها گرديد در عالم ز يك صورت عيان   موجها گشتند از يك بحر پيدا در جهان
نيست مخفي سرّ اين معني به نزد عارفان   نور او شد جلوه‏گر بر صورت پيغمبران

نوح و ابراهيم و خضر و آدم و موسي عليست

و هو في هذه يناسب مقام الابواب لكن لك ان‏تجعل البيت الاوّل للمقامين الاوّلين فافهم فهم في هذه المقامات الثلثة العلل الاربع للكلّ و مبدأ جميع الموجودات ماجلّ و قلّ.

و لهم مقام اخر غير هذه المقامات الثلثة و هو رابع مراتبهم و مقاماتهم و هو مقام الامام7 و في هذا المقام هم حجّة اللّه علي الانام و خليفته في الارض لاهل المشرق و المغرب في الوجود التشريعي في تبليغ الوحي و الالهامات و مايريد اللّه عزّوجلّ من الخلق من الاعمال و التكليفات و توصيف الحق للخلق علي مافطرت عليه الذوات و الصفات و في هذا المقام تتعدّد مراتبهم و تختلف اساميهم و تتفرّق ظهوراتهم و يجري عليهم مايجري  علي الخلق و هو مقام انّما انا بشر مثلكم يوحي الي و يأكل ممّا يأكلون و يشرب ممّا يشربون و في هذا المقام ينزل عليهم الوحي من اللّه سبحانه بواسطة جبرئيل و ميكائيل و غيرهما من الملائكة و في هذا المقام هم مختلف الملائكة تأتيهم و تخبرهم عمّا كان و مايكون الي يوم القيمة و في هذا المقام ينزل عليهم في ليلة القدر الروح مع الملائكة الحجب فيخبرهم بما حتم حتماً في تلك المشيّة ممّا كان مشروطاً عندهم و في هذا المقام لهم نكت في الاذان و نقر في القلوب و عندهم الغابر و المزبور و التورية و الانجيل و الفرقان و الزبور و عندهم الجفر

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 397 *»

الابيض و الجفر الاحمر و الجفر الجامعة و مصحف فاطمة3 و عندهم اثار الانبياء من الاوّلين و الاخرين و عندهم عصي موسي و ناقة صالح و تابوت السكينة و سرير داود و خاتم سليمان و غير ذلك من اثار النبوّة و في هذا المقام من عرفهم سعد و اهتدي و من جهلهم ضلّ و غوي و في هذا المقام يطيعونهم و يعصونهم و يغصبون حقّهم و يؤذونهم و يقتلونهم و ينهبونهم و في هذا المقام هم افضل الخلق من الاوّلين و الاخرين و كانوا خليفة و آدم مابين الماء و الطين و في هذا المقام يشاهدون احوال الخلق ممّا هو في المشرق و المغرب و يحكمون للطيور و الوحوش و البهائم و حشرات الارض و الجمادات و النباتات و الجنّ و الملك و غير ذلك من انواع الموجودات و اصناف المخلوقات و غير ذلك من الامور الظاهرة في النبوّة و الولاية.

و امّا ترتّبهم في الظاهر و الظهور هو مثل ماتري و امّا في الحقيقة و نفس الامر حسب ما اخبروا هكذا فالاوّل رسول اللّه محمّد9 و الثاني امير المؤمنين7 و الثالث الحسن7 و الرابع الحسين7 و الخامس القائم سلام اللّه عليه و هو محمّد بن الحسن العسكري صلّي اللّه عليهما و السادس الائمّة الثمانية: و السابع فاطمة صلوات اللّه عليها و هذا هو الذي فهمنا و استنبطنا بتعليمهم سلام اللّه عليهم باعانة اللّه تعالي من ظواهر اخبارهم و اثارهم و بواطنها و الاّ فمالنا و ادراك مراتبهم في انفسهم لانفرّق بين احد منهم و نحن له مسلمون و هم عندنا كما قالوا كلّنا محمّد اوّلنا محمّد و اخرنا محمّد و اوسطنا محمّد9مثل السراج و الاشعّة فانّ الاشعّة لاتري السراج الاّ واحداً مستقلاً و لاتعرف فيه الشدّة و الضعف و القرب و البعد و الاستضاءة الاّ اذا اخبرها السراج بمافيه من المراتب في الشدّة و الضعف و كذلك حالنا بالنسبة اليهم: فهم عندنا حقيقة واحدة و ان كان عندهم في انفسهم مراتب علي ما اخبرنا لك.

ثمّ اعلم انّ التفاوت في المراتب التي لهم: ليست بالعلّيّة و المعلوليّة و لا بالتابعيّة و المتبوعيّة و لا بالظاهريّة و المظهريّة بل باستضاءة بعضها من بعض كالضوء من الضوء يعني صرف التقدّم الذاتي الحقيقي كتفاوت

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 398 *»

مراتب الكلمة في النقطة و الالف و الحروف و الكلمة و الدلالة انّما تظهر من الجميع فلافرق لها في مراتب الكلمة و تراها واحدة فهم كلّ واحد منهم يقوم مقام‏الاخر بالبدليّة فكلّ واحد منهم علّة تامّة مستقلّة في الوجود يقوم بمايقوم به‏الاخر و ان كان بينهم تفاوت في المراتب الاخر بخلاف غيرهم من الانبياء و المرسلين فانّهم و ان كانوا في التابعيّة علّة للمرتبة الانسانيّة علي ماسبق لكنّه ليس كلّ واحد منهم بل المجموع من حيث المجموع بحيث اذا نقص واحد منهم يحصل الاختلال في العلّيّة كما ذكرنا في محلّه و مقامه و لا كذلك ائمّتنا المعصومين صلوات اللّه عليهم اجمعين.

اعلم انّ كلّ الوجود يدور علي هذه المراتب الاربعة كما عرفت و اشار الي الجميع مولينا الامام جعفربن محمّد الصادق8 بالتلويح بقوله7 انّ امرنا هو الحق و حقّ الحق و هو الظاهر و باطن الظاهر و باطن الباطن و هو السرّ و سرّ السرّ و السرّ المستسرّ بالسرّ و السرّ المقنّع بالسرّ انتهي و انت ان‏كنت تعرف لحن القول تعرف انّ في كلام الامام7 تفصيل بعد اجمال فكلامه الثاني تفصيل للاوّل فقال اوّلاً انّ امرنا هو الحق و حق الحق فاشار الي مرتبة الامام7 بالحق و الي المراتب الاخر كلّها بالكناية بالجميع بقوله و حق الحق ثم فصّل هذا الاجمال بقوله و هو الظاهر و هو الامام و باطن الظاهر و هو الابواب و باطن الباطن و هو المعاني و البيان ثمّ فصّل هذا الاجمال بقوله و هو السرّ و هو الامام7 و سرّ السرّ و هو الابواب و السرّ المستسرّ بالسرّ و هو المعاني و السرّ المقنّع بالسرّ و هو البيان و التوحيد فقد كملت جميع المراتب بالاشارة لكن علي‏بن الحسين8 ذكر هذه المراتب بالتصريح علي ما روي صاحب كتاب انيس السمراء و سمير الجلساء قال7مخاطباً لجابر يا جابر أتدري ما المعرفة المعرفة اثبات التوحيد اوّلاً و معرفة المعاني ثانياً و معرفة الابواب ثالثاً و معرفة الامام رابعاً و الاركان خامساً و النقباء سادساً و النجباء سابعاً انتهي.

الاركان اربعة و هم محالّ الفيض الفائض عن الغوث و القطب الذي هو الامام و امّا النقباء فهم الابدال و هم عندهم اربعون لكنّا ماوقفنا في اخبارهم:مايدلّ علي انّ

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 399 *»

الابدال اربعون لكنّا وجدنا مايشير الي انّهم ثلثون لقوله7 و نعم الارض طيبة و مابثلثين من وحشة و لايبعد ان‏يكونوا هم الابدال للسرّ المخفي الاّ علي الاقلّين و امّا النجباء فهم الاوتاد و قالوا انّهم سبعون و نحن بحول اللّه عرفنا وجه العدد لكنّا مااطلعنا علي مايدلّ عليه من اخبارهم و اثارهم و لذا نسكت عن عددهم و نتكلّم عمّا تكلّموا و قالوا هنا رتبة رابعة و هم الصالحون و هم ثلثمائة و ستّون نفساً و هؤلاء لايزيدون و لاينقصون عن هذا العدد و امّا الاركان فهم احياء و امّا الابدال اذا مات واحد منهم يرقي اللّه تعالي واحداً من الاوتاد الي مرتبة الابدال ليكمل به عددهم و كذلك اذا مات واحد من الاوتاد يقوم مقامه واحد من الصالحين و كذلك اذا مات واحد من الصالحين يرقي اللّه تعالي واحداً من المؤمنين فيقوم مقامه ليكمل به عددهم و لا بعد في صحّة ماقالوا لكونه موافقاً لترتيب الوجود فانّ المبدء اي القطب الدائر عليه جميع كرات العالم واحد ليفيض منه الفيض الي اربعة اركان العرش ثمّ يفيض من تلك الاركان الي ثلثين مراتب القبول ثمّ الي اربعين مراتب المقبول ثمّ الي ثلثمائة و ستّين مراتب القبول و المقبول و هو مراتب الاسماء الالهيّة المنزلة الي المنازل الخلقيّة كما ذكر الامام7 علي ما في الكافي في باب حدوث الاسماء هذا علي القول بانّ الابدال ثلثون و امّا علي القول بانّه اربعون كما ذكروا فالمبدء واحد يفيض منه الفيض الي الاركان الاربعة فيفيض منه الي اربعين مراتب الوجود ثمّ الي سبعين مرتبة المعلول ثمّ الي ثلثمائة و ستّين المراتب المنزلة من تلك الكلّيات فاعرف.

و امّا حديث جابر المتقدّم و هو قول الباقر7 لجابر يا جابر عليك بالبيان و المعاني قال و ما البيان و المعاني قال قال7امّا البيان فهو ان‏تعرف انّ اللّه واحد ليس كمثله شي‏ء فتعبده و لاتشرك به شيئاً و امّا المعاني فنحن معانيه و نحن علمه و نحن حكمه و نحن حقّه و نحن عينه اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه مانريد و نحن ظاهره فيكم الي ان قال اخترعنا من نور ذاته و فوّض الينا امور عباده انّ الينا اياب هذا الخلق ثمّ انّ علينا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 400 *»

 حسابهم فهو يشير الي المقامات الثلثة بالتصريح و الي مقام الامامة بالكناية و هو ما هم عليه من الاحوال الظاهرية المعروفة عند الناس و هو مستغنٍ عن البيان كما لايخفي و احفظ هذه المراتب فانّك اذا حفظتها لاتشتبه عليك فهم احاديثهم و كلماتهم و تراها متّحد المراد و المعني في كمال الاختلاف.

و هذا الذي ذكرنا كالمقدّمة لما سيجي‏ء و هو المراد في هذا المقام فانّك اذا عرفت انّ القيّوم صفة الفعل لا صفة الذات عرفت انّ صفة الفعل لاتعلّق للذات بها تعلّق اتّصال و تصادق فيكون هو المقامات و العلامات التي لاتعطيل لها في كلّ مكان و تلك المقامات هي قيوميّة الحق للاشياء و لانفسهم و لغيرهم يعني اقامها اللّه تعالي بانفسهم و بحقايقهم و هي الاسم الذي استقرّ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره و لاكيف لذلك و قدورد انّه لاكيف لفعله و صنعه كما انّه لاكيف لذاته و لا اوّل له و لا اخر له و لاابتداء له و لاانتهاء له و لاتقدّم عليه شي‏ء و لا تأخّر عنه شي‏ء و لا هو في مكان و لا في زمان و لا في جهة و لا رتبة فانّ الكيف و الكمّ و الاوّليّة و الاخريّة و الابتداء و الانتهاء و التقدّم و التأخّر و الزمان و المكان و الحركة و السكون و لا الجهة و الرتبة و الوضع و الاضافة كلّها مخلوقة به و هو خالقه باللّه و لايجري عليه ما هو اجراه فخلقه اللّه‏تعالي لافي زمان و لافي مكان فهو لايتناهي اوّلاً و اخراً و لانسبة بينه و بين الحق جلّ‏وعلا و الاّ يلزم‏الحدوث و الاتّصال والاّ يلزم حدوث‏الواجب او قدم‏الفعل ضرورة تشابه المتّصلين و تناسبهما في الملتقي و لاانفصال و لاالتباين او ننقل‏الكلام في الفاصل امّايدور او يتسلسل اويثبت ماقلنا و لاسبق عليه شي‏ء من الحوادث و الممكنات.

و امّا قولهم الحادث مسبوق بالعدم فكلام زور و توهّم كاسد لانّ العدم ان كان شيئاً فهو امّا حادث او قديم و ان كان ليس بشي‏ء فما سبقه شي‏ء فليس الحادث مسبوقاً بشي‏ء ابداً.

و اعلم انّ الذي قلنا انّه لاكيف للفعل مرادنا انّه لاكيف له في اصداره من فاعله المتقوّم بالذات تبارك و تعالي و امّا الفعل في مرتبة ذاته في ملاحظة انّه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 401 *»

مفعول له كيف لكنّه ليس مثل هذه الكيفيّات المعروفة عند الناس و لايدرك ذلك الكيف و تلك الحالات الاّ الفؤاد الذي هو التوسّم و هو الذي يدرك الاشياء بلاجهة و لاكيف و لاكمّ و لاوضع و لااضافة و يفرّق المجتمع البسيط و يجمع المتفرّق المختلف و امّا العقل و ماتحته من المشاعر و المدارك فلايتأتّي لهم ذلك لانّهم ذوتقييد و تعيّن وجهة و وضع و اضافة فلايدركون ماهو الخارج عن هذه الدائرة ضرورة وجوب المناسبة بين المدرك و المدرك فتبصّر فاذا كان كذلك فيمكن لذلك المشعر ان‏يدرك ماللفعل من الهيأة و المراتب حسب ما هو عليه لا حسب ما الفعل عليه فانّ الشي‏ء لايتجاوز مبدأه و لايعرف الاّ ما فيه و لايقرأ الاّ حروف نفسه.

فنقول انّ شمس اسم اللّه القابض لمّااراد اللّه تعالي ان‏يخلقها بنفسها امرها ان‏تشرق علي ارض الامكان الموجودة عند الاشراق و اللمعان الذي هو الرحمة الواسعة للرحمن فصعدت الابخرة اي رطوبة الرحمة بتلك الرحمة بالشمس التي هي نفس الرحمة بتلك النفس ثمّ قبض بالملك الذي هو نفس تلك الرحمة من رطوبتها بتلك الرطوبة اربعة اجزاء بتلك الاجزاء نفسها ثم (بها خ‏ل) اخلطها بنفسها بجزء من الهباء المنبثّ في الهواء اي الرحمة بنفس ذلك الهباء ثمّ وضعهما في تعفين هاضمتهما بنفسهما فانحلاّ بهما و انعقدا بهما و تراكما بهما و هو الخلق الاوّل فكان القابض و المقبوض و المقبوض‏منه و المقبوض‏به شي‏ء واحد بلااختلاف و لاتعدّد و انّما هذا الاعتبار من جهة انّ المفعول رأيناه علي هذه الطريقة فحكمنا علي الفعل بذلك ضرورة انّ المفعول يشابه هيأة الفعل الذي هو صفة الفاعل و لذا قلنا انّ الاثر لابدّ و ان‏يكون مشابهاً لصفة المؤثّر و اسمه لا ذاته و الاّ يلزم المشابهة المستلزمة للنقص لماقلنا من انّ الصفة من مقتضيات الموصوف فصفة الممكن من مقتضياته و لايقتضي الاّ الفقر و الاحتياج و النقص و الفناء و العدم فلو كان ذات الحق مشابهة لما الممكن عليه من الهيأة و الصفة يلزم ان‏يكون مشابهاً لما هو عليه من الفقر و النقص هذا خلف، فالمناسبة لابدّ و ان‏تكون بين المفعول و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 402 *»

صفة الفاعل في الايجاد و التأثير.

الحاصل انّ اللّه تعالي لمّا خلق الفعل اقامه بنفسه و امسكه بظلّه فخلق به الامكان مطلقاً دفعة واحدة و هو الذكر الاوّل للاشياء و هو ذكر جميع الموجودات و هو العلم و هو الاعيان الثابتة في اماكنها الحادثة باللّه القائمة بفعله فكان الفعل طبق الامكان لايزيد عليه و لاينقص عنه اذ لايجوز ان‏يكون شي‏ء الاّ بالمشيّة او يكون المشيّة لا في الامكان لكن نسبتها الي الامكان نسبة المحدّد الي الاجسام فكانت المشيّة من الامكان علي حدّه الاعلي فهي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر فكلّ ما في العمق الاكبر وجد فقد جفّ القلم بما هو كائن و ما بقي الاّ الواجب الذي لم‏يتعلّق به جعل و لا تأثير و الممتنع ليس بشي‏ء حتّي يصير متعلّق الجعل فكلّ الامكان اي ذكر جميع الممكنات وجد في الخلق الاوّل و هو مذكوريّتها في العلم كما قال تعالي هل اتي علي الانسان حين من الدهر لم‏يكن شيئاً مذكوراً قال7 كان مذكوراً في العلم و لم‏يكن مكوّناً و هو العدم الذي سابق علي الحادث و المكوّن كما قالوا انّ الحادث مسبوق بالعدم و هو العدم الذي يتصوّر و يحكم عليه و هو النفي الذي هو شي‏ء علي ما قال الصادق7 عند اختلاف زرارة و هشام في النفي قال هشام النفي شي‏ء و قال زرارة ليس بشي‏ء فقال7قل بقول هشام في هذه المسألة و هو العدم الذي ضدّ الوجود فان العدم الصرف لايصلح للضدّية و هو العدم في قوله تعالي او لايذكر الانسان انّا خلقناه من قبل و لم‏يك شيئاً و هذا العلم هو الخزينة الاوّلية الاعلي من الخزائن التي للشي‏ء قال تعالي و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و هو الخزينة التي لاتنفد ينفق منها كيف يشاء و هو بحر لاساحل له و لانهاية له لا من جهة الاوّل و لا من جهة الاخر فانّك اذا اردت ان‏تعدّ امكانات الشي‏ء الواحد ماتقدر تحصرها و هو من معاني قوله تعالي و ان‏تعدّوا نعمة اللّه لاتحصوها اي نعمة واحدة منها فانّها غيرمتناهية اما سمعت انّ اللّه تعالي لمّاادخل اهل الجنّة الجنّة و اهل النار النار امر بالموت فيجيئون به بصورة كبش املح فيذبحونه بين الجنّة و النار فينادون يا اهل الجنّة لكم الخلود و يا اهل النار لكم الخلود ابد الابدين و دهر الداهرين و لاشكّ انّ كلاًّ من اهل الجنّة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 403 *»

و النار لايبقون من غير مدد فيأتيهم المدد من اللّه سبحانه كلّ ان و دقيقة و ساعة و لايأتيهم من ذات الحق سبحانه و لا من غيره اي من غير المستمدّ فانّ الشي‏ء لايستمدّ الاّ من جنسه و ما يناسبه فلايستمدّ المادي من المجرّد و المجرّد من المادي و العالي من السافل و السافل من العالي فيمدّ اللّه تعالي كلّ واحد ممّا يناسبه و من سنخه و ممّا يمكن في حقّه و لانهاية لها و لاغاية فلايقدر احد ان‏يحصي كلّ ما في الشي‏ء الواحد الاّ في الازمنة الغير المتناهية كما لايخفي.

و هذه الخزينة لها جهتان جهة العليا و هي مايتنزّل الي المراتب العالية و الذوات الطيّبة الحسنة التي اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كلّ حين باذن ربّها من تلك الخزينة العليا و كلّ مايتصوّر الانسان من التصوّرات الحسنة و التوهّمات الصادقة و التعقّلات النوريّة المطابقة لما في العين و جهة السفلي و هي مايتنزّل الي المراتب السافلة و الذوات الخبيثة المجتثّة التي من فوق الارض مالها من قرار و يأتيها المدد الظلماني الذي هو التخلية و الخذلان و الطرد من تلك الخزانة و كلّ مايتصوّر الانسان من التصوّرات الباطلة و التوهّمات الكاذبة و التخيّلات الظلمانيّة مثل تصوّر شريك الباري و اجتماع النقيضين و تجويز الولد للّه سبحانه و تقسيم المفاهيم الي الخمس الواجب لذاته الواجب لغيره و الممتنع لذاته و الممتنع لغيره و الممكن لذاته و تجويز انّ الماهيّات قديمة غير مجعولة و تجويز انّ المشيّة و الارادة قديمة و تجويز انّ علم اللّه مستفاد من المعلومات و تجويز انّ ذات اللّه هي الوجود الساري في الموجودات و انّ الاشياء كلّها اوهام و تخيّلات و تجويز ان الوجود المنبسط هو الفعل المتعيّن بالتعيّنات و تجويز انّ مشيّة اللّه تنكح و تشرب و تجويز ان الامكان غير مجعول و تجويز انّ العقل هو المشيّة و تجويز انّ العقول عشرة و تجويز انّ صفات اللّه الثبوتيّة منحصرة في الثمانية و السلبيّة في السبعة و تجويز انّ اميرالمؤمنين افضل من رسول‏اللّه9و تجويز انّ الماهيّة و الوجود ليس فيهما الاّ جعل واحد و تجويز امكان ادخال الدنيا بكبرها في البيضة بصغرها و امثال ذلك من التصوّرات الباطلة و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 404 *»

التوهّمات الكاذبة و التخيّلات الفاسدة و التعقّلات المكرهة و كلّ ذلك صور تلك الخزائن السافلة الكائنة في السجّين اسفل السافلين الصاعدة الي الارض الثانية الداخلة في اذهان الناس بالشياطين الثلاثة و لذا قال الرضا7لم‏يتصوّر احد شيئاً الاّ و قدخلقه اللّه قبل ذلك حتّي لايقال لم لم‏يخلق ذلك و هو معني قوله تعالي المتقدّم انفاً و ان من شي‏ء الاّ عندنا خزائنه و ماننزّله الاّ بقدر معلوم فافهم ثبّتك اللّه و ايّانا بالقول الثابت و هدانا اللّه و ايّاك الي الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لاالضالّين.

ثمّ انّ اللّه تعالي لمّااراد ان‏يظهر ما في الامكان الي الاعيان ليتحقّق العلّة الغائيّة خلق من ذلك السحاب الذي بيّناه انّه حصل من تصعيد شمس اسم اللّه القابض البخار الحاصلة في ارض الامكان و مزجه بالهباء المنبثّ في ذلك الهواء فجعله سحاباً مزجي ثمّ جعله متراكماً كماقال تعالي هو الذي يرسل الرياح بشري بين يدي رحمته حتّي اذا اقلّت سحاباً سقناه الي بلد ميّت فانزلنا به الماء و اخرجنا به من كلّ الثمرات كذلك نخرج الموتي لعلّكم تذكّرون ماء واحداً بسيطاً غيرمركّب و لامختلف و لامتعدّد صالحاً لكونه مادّة جميع الممكنات فساقه الي بلد ميّت ارض الامكان الذي تحقّقت شرايط وجوده و اسباب تحقّقه من المشخّصات الستّة من الكمّ و الكيف و الجهة و الرتبة و الزمان و المكان فاخرج به من كلّ الثمرات فكانت اوّل ماتنبت في تلك الحقيقة شجرة الخلد فاوّل ثمرتها روح القدس ثمّ ماتحته من الثمرات حسب مراتبها و حسب تحقّق شرايطها فكلّما يتحقّق من تلك الشرايط من تلك الاراضي يمطر عليه ذلك المطر الاوّل فينبت حسب مقتضي تلك الشرايط النبات الخاصّ بها و هكذا الي غير النهاية ثمّ خلق من نور ذلك الماء و صفته الفاطر علي الارض صفة تلك المشخّصات و نورها الحروف فكانت الالف اللينيّة في الحروف بمنزلة ماء الوجود فكما كان اوّل تنزّل الوجود العقل الكلّي كذلك كان اوّل تنزّل الالف اللينيّة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 405 *»

الالف المتحرّكة المعبّر عنها بالالف القائم و ثاني تنزّل الوجود و اوّل تنزّل العقل النفس الكليّة كذلك ثاني تنزّل الالف اللينيّة و اوّل تنزّل المتحرّكة الباء المعبّر عنها بالالف المبسوطة فكان العقل الاختراع الثاني من الذوات و الالف القائم الاختراع الثاني من الصفات و كان النفس الكلّية الابتداع الثاني من الذوات و كان الالف المبسوط الابتداع الثاني من الصفات و الاختراع الاوّل هو المشيّة التي هي ذلك السحاب و الابتداع الاوّل هي الارادة التي هي العزيمة علي مايشاء فكان الاختراع اختراعان و الابتداع ابتداعان و الاختراع الثاني و الابتداع الثاني علي قسمين اختراع في الذوات و اختراع في الصفات و ابتداع في الذوات و ابتداع في الصفات و هو قول الرضا7 انّ اللّه خلق الاختراع و الابتداع ثمّ خلق الحروف فجعلها فعلاً منه يقول للشي‏ء كن فيكون و هذه الحروف هي الاختراع الثاني و هي اعمّ من ان‏يكون ذاتاً او صفة علي مافصّلنا لك و معني انّ الالف هو الاختراع الثاني هو انّها نزلت بتكرّرها و كان عنها الباء فكان الباء نزول الالف و تكرّرها و تأكيدها و انبساطها فصورة الباء هكذا « ـــ »

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 406 *»

و صورة الالف هكذا « ا » لانّ نزول القائم انبساطه كما لايخفي و مالت علي الباء فحدثت عنها الجيم هكذا «» و معني انّ الباء هو الابتداع الثاني انّها نزلت بتكرّرها فكان عنها الدال « د » و مالت علي الجيم فكان عنها الهاء لانّ ميل القائم الي الانبساط و ميل المنبسط الي الركود كما لايخفي و علي هذا القياس ساير مراتب الحروف فانّها كلّها نشأت من الالف المتحرّكة التي هي ظهور الالف اللينيّة بظهورها في الباء فنشرها (فنشوها خ‏ل) بالالف المتحرّك و ظهورها و بروزها متمايزة في الالف المبسوط الذي هو الباء و لذا ورد انّه ظهرت الموجودات من باء بسم اللّه الرحمن الرحيم و كلّ ما في البسملة في الباء فقوام الحروف كلّها بالالف اللينيّة التي هي مادّة الحروف و اصلها و اسّها و اسطقسّها و كلّ الحروف مظاهرها و مجاليها فاذا نظرت في الحروف بنظر الحقيقة و الواقع ماتري غير ظهور الالف نفسها و لذا تري

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 407 *»

الصوفيّة قبّحهم اللّه يمثّلون بها بذات الحق سبحانه و تعالي علي القول بوحدة الوجود.

و لمّا كانت الحروف في الرتبة الثانية في مقام التابعيّة و الوصفيّة كان كلّ حرف بازاء ذات من الذوات الجبروتيّة و الملكوتيّة و الملكيّة فكانت الالف للعقل و الباء للنفس و الجيم للطبيعة و الدال للمادّة و الهاء للمثال و الصورة و الواو لجسم الكلّ و الزاء لمحدّد الجهات و الحاء لفلك الكرسي و الطاء لفلك البروج و الياء لفلك المنازل و الكاف لفلك زحل و اللام لفلك المشتري و الميم لفلك المرّيخ و النون لفلك الشمس و السين لفلك الزهرة و العين لفلك عطارد و الفاء لفلك القمر و الصاد لكرة النار و القاف لكرة الهواة و الراء لكرة الماء و الشين لكرة التراب و التاء للجماد و الثاء للمعدن و الخاء للنبات و الذال للحيوان و الضاد للجنّ و الظاء للملك و الغين للانسان علي ما سنفصّل لك ان‏شاءاللّه تعالي.

فالحروف صفات الذوات و الذوات صفات المذوّت و اسماؤها و الاسماء صفات المسمّيات التي هي المعاني و هي صفات الايات و المظاهر و المقامات و العلامات اي الكلمة التامّة و هي صفة الحروف العاليات السحاب المزجي و هي صفة الالف النفس الرحماني الاولي و هي صفة النقطة الرحمة و جوهر الجواهر و اسطقسّ الاسطقسّات و هو الاسطقسّ الذي فوق الاسطقسّات و هو امر اللّه الذي اذا قال للشي‏ء كن فيكون و هو قوله تعالي انّما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كلّ شي‏ء و اليه ترجعون علي النهج الذي بيّنّا لك و لاتتجاوز فتزلّ قدمك عن الصراط و هو قوله تعالي و ماقدروا اللّه حقّ قدره و الارض جميعاً قبضته يوم القيمة اي رتبة القوابل اي القابليّات اي الماهيّات المتقوّمة بالوجود و هي الاشارة الي الذي قلنا انّها مجعولة بجعل غير جعل الوجود و هو كما قال تعالي ثمّ قبضناه الينا قبضاً يسيراً فكانت في قبضته و السموات مطويّات بيمينه اي المقبولات من الذوات و الصفات و الموادّ اي الحقائق و الماهيّات كما لايخفي و سنزيد لك البيان في خلال الكلام ان‏شاء اللّه تعالي.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 408 *»

و هنا دقيقة شريفة و هي انّ المعلول تدور علي العلّة دورة غير متوالية و العلّة تدور عليه دورة متوالية فان كانت ادارته علي القطب تحدث الكرة لاستدارته عليه في جميع الجهات و كلّ الاعتبارات و الحيثيّات و ان‏كانت ادارته علي المحور الخطّ الواصل بين القطبين تحدث الدائرة لكون الاستدارة علي الجهة لا علي كلّ الجهات و الحيثيّات فالمعلول لايجوز ان‏يدور علي المحور و الاّ لما احاطت العلّة بجميع جهات المعلول و لما تساوي اجزاؤه في الدوران عليه كما لايخفي فالعالم كلّه بجميع اجزائه و جزئيّاته و اطواره و حيثيّاته و اعتباراته و احواله و اثاره و مجرّداته و مادّياته و امره و خلقه و فلكيّاته و عنصريّاته بجميع اغصانه و اوراقه و اثماره و مايترتّب عليه بنظر الجمع و الاجمال كرة واحدة مجوّفة تدور علي قطبها الذي هو فعل الفاعل المتجلّي الظاهر فيها و هو المدبّر لها بجميع مافيها من الافلاك و الكرات في كلّ يوم و ليلة دورة غير متوالية و هي المسخّرة له و المطيعة لامره و القطب كرة واحدة تدور علي المتجلّي بنفس التجلّي فالمتجلّي قطب للتجلّي الذي هو نفسه فهو يدور علي باطنه الذي هو المتجلّي دورة غير متوالية و المتجلّي كرة مصمّتة تدور علي ظاهره الذي هو التجلّي علي التوالي و هو كرة تدور علي نفسه الذي هي المفعول المطلق كذلك و نفسه تدور عليه علي خلافه فالمتجلّي ثلاث كرات تدور بعضها علي بعض علي التوالي و علي خلاف التوالي لكن الكرة الثالثة هي نفس الثانية و هي نفس الاولي و هي نفس المحور الذي هو الالف و هو نفس النقطة التي هي القطب فهي قطب الاقطاب و غاية الغايات و نهاية النهايات و هو المخلوق الذي ينتهي المخلوق اليه كما قال7 انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله هذا في الحقيقة و الواقع.

و امّا العبارة الظاهرة المطابقة لما في الواقع فاعلم انّ كرة المتجلّي بمنزلة المحيط من الممثّل و التجلّي بمنزلة الحاصل و الخارج المركز منه لبعد مركز كلّ واحد منهما عن صاحبه بسبعين درجة و كرة المتجلّي‏له اوّلاً و بالذات الذي هو المفعول المطلق بمنزلة التدوير منه علي هذه الصورة:

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 409 *»

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 410 *»

اذا عرفت هذ التمثال فاعلم انّ هذه الكرة بالاجمال تنقسم علي اربعة اقسام و لك ان‏تجعل كلّ واحد منها كرة عليحدة مستقلّة لها قطب و محور و لا دخل لها بصاحبها كما هو الواقع في الواقع و نفس الامر و مقتضي الذوات و الكينونات و لك ان‏تجعل المجموع كرة واحدة بان‏تجعل البعض قطباً للكرة و الاخري محوراً و الاخري حاملاً و المتمّمين و الاخري ممثّلاً كما هو الواقع و نفس‏الامر و مقتضي الاجتماع و الاقتران و الظهور و التجلّي و الفعل الاوّل كرة الباطن و هي القطب و النقطة الدائرة عليه الكرة بجميعها الثاني كرة الباطن من حيث هو باطن و هي بمنزلة المحور الخطّ الواصل بين القطبين و الثالث كرة الظاهر و هي الحامل و الخارج المركز و المتمّمين الحاوي و المحوي الرابع كرة الظاهر من حيث هو ظاهر و هي الممثّل المحيط بالجميع احاطة الظاهر بالباطن و القشر باللبّ و هو الابن الذي تولّد منه ابوه كما في الاية و وصّينا الانسان بوالديه احساناً فالانسان هو رسول‏اللّه9 و و الداه الحسن و الحسين8و الخامس كرة الظهور و هو الكوكب اي الشمس و ليس لها تدوير لاستقامتها لعدم استقامتها و اقامتها و رجعتها كما في غير النيّرين فلها الممثّل و الخارج و الظاهر مثال الباطن و الصورة مثال الحقيقة اما سمعت انّ الشمس هي النبوّة للنبي المطلق و القمر هي الولاية للولي المطلق فجري التطابق بين الظاهر و الباطن فكان لذلك المنير الاعظم فلكان مع القطب و المحور و المتمّمين و هذه صورته:

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 411 *»

و اذا جعلت كلّ واحد من هذه الاقسام كرة عليحدة تكون اربع كرات متطابقات بحيث يكون محدّب السافل علي مقعّر العالي و الكرة الخامسة في الوسط بمنزلة المركز لانّ الكرات الاربعة الفوقيّة بعضها عين الاخر بخلاف الخامسة فانّها ظهور المجموع و مظهرها و عضد مايصدر عنها من الاثار و الافعال فيكون المقامات و العلامات خمسة و هي قوي الهاء في «هو» الاّ انّ اربعة منها مقام لانفسها و اسم لتجلّي المتجلّي لها بها باظلّتها و هي عالم الوجود المطلق و امّا الكرة الخامسة فهي مقام الوجود المقيّد و هي توحيد لهم و اسم لتجلّي المتجلّي لهم بهم بانفسهم كما ذكرنا سابقاً فراجع. و لك ان‏تقول انّ الكرات الاربعة مقام الوجود المقيّد ايضاً بواسطة الكرة الخامسة لكن الواسطة غير معقولة و لامعتبرة و هذا بعيد جدّاً لانّ تلك الكرات هي الاسم الذي استقرّ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره فافهم و اثبت ثبّتك اللّه بالقول الثابت و هدانا اللّه و ايّاك الي الصراط المستقيم.

فاذا عرفت هذه الدقيقة الخفيّة الاّ علي الاقلّين فاعلم انّ هذه الكرات الاربعة المذكورة التي هي كرة واحدة بسيطة لاتعدّد فيها و لااختلاف و امّا هذا التعدّد

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 412 *»

فكما قلنا انّه لايدركه العقل و ماتحته من المشاعر و المدارك و انّما يدركه الفؤاد النور و (هو خ‏ل) الظهور الكرة الخامسة التي فينا من ذلك الظاهر لها مراتب اربعة كلّ مرتبة كرة مستقلّة و المجموع مترتبة متطابقة و امّا المرتبة الخامسة فكالاوّل الوسط حرفاً بحرف لك ان‏تجعلها منها و لك ان‏تخرجها منها لكن الاولي قطب للثانية و الثانية يدور عليه دورة الافتقار و الاحتياج و هي مراتب صبح الازل الذي هو ظهور شمس الازل الاولي كرة المشيّة و هي الذكر الاوّل الخلق الساكن الذي لايدرك بالسكون الثانية كرة الارادة و هي العزيمة علي مايشاء الذكر الثاني و الخلق الساكن الذي لايدرك بالسكون الثالثة كرة القدر و هي الهندسة الايجاديّة اوّل ظهور الكثرات و الاوضاع و الحدود و التعيّنات و التشخّصات الرابعة كرة القضاء و هي الحكم و التركيب كما قال تعالي في اي صورة ماشاء ركّبك الخامسة كرة الامضاء و هو الابراز مشروح العلل مبيّن الاسباب و هذه هي التي قلنا انّها كالخامسة لك ان‏تجعلها منها كما في بعض الاخبار و لك ان‏تخرجها منها كما في بعض الاخبار الاخر و لكن هذه الكرات مراتب ظهورات الشي‏ء الواحد في المراتب النزوليّة الفعل الكلّي حسب المفاعيل المتعلَّقة بفتح اللام و عند تنزّله في كلّ مقام عند تعلّقه بالمفعول الواقع في ذلك المقام يسمّي باسم خاصّ.

و هذه مراتب بالنسبة الي التعلّقات لادخل لتلك المراتب في ذاته و اجزاء وجوده التي هي الكلمة التامّة بخلاف الكرات الاوّليّة و المراتب الفوقيّة المذكورة فانّها مراتبه من حيث هو لا من حيث التعلّق و ان لم‏يظهر الاّ به فكان في اصل ذاته و صرف حقيقته هي الاسم المكنون المخزون الذي استقرّ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره فلايعرف له اسم و لا يفهم له رسم فلمّا اخذ في الظهور و التجلّي في

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 413 *»

المراتب المفعوليّة بالتعلّق بها عرفنا اسمه و رسمه و اثره من حيث ذلك التعلّق و لمّا كان تمام المفعول انّما هو في اربع مراتب متفاوتة مختلفة او خمسة الاولي الوجود و الثانية الماهيّة و الثالثة الحدود و الرابعة الزام الحدود ايّاه اي التركيب الخامسة ظهوره و بروزه و كلّ مرتبة حصلت بالجعل المستقلّ كانت مراتب الفعل عند تمام ظهوره اي ظهوره التامّ بتماميّة المفعول اربعة او خمسة فسمّي الفعل عند تعلّقه بالوجود المشيّة و عند تعلّقه بالماهيّة الارادة و عند تعلّقه بالحدود و الهندسة الايجاديّة القدر و عند تعلّقه بالالزام و التركيب القضاء و عند تعلقه بالاظهار و الابراز الامضاء و هي مراتب ظهورات صبح الازل الذي هو ظهور شمس الازل فكانت مراتب المتعلّقات في الدرجات المفعوليّة هي الانوار المشرقة من صبح الازل فالنور الابيض هو المشرق من المرتبة الاولي التي هي المشيّة و النور الاصفر هو المشرق عن المرتبة الثانية التي هي الارادة و النور الاخضر هو المشرق عن المرتبة الثالثة التي هي القدر و النور الاحمر هو المشرق عن المرتبة الرابعة التي هي القضاء فاذا قضي مضي فالامضاء لازم القضاء و في الحقيقة هنا كرة واحدة لها اربع دورات متوالية مترتّبة في النزول دوران العلّة علي المعلول و لايكون شي‏ء في الارض و لا في السماء الاّ عقده بادارة هذه المراتب عليه علي التوالي و استدارة ذلك الشي‏ء عليها علي خلاف التوالي و هذا في كلّ شي‏ء موجود ممكن برز من فعل اللّه سبحانه و هو في المفعول و الدرجات السافلة المخلوقة ظاهر و انّما الاشكال في ابراز تلك المراتب انفسها اذ لاشكّ انّها مخلوقة محدثة و ليست بقديمة فيقال فيها انّها تدور علي انفسها بانفسها باللّه سبحانه.

و العبارة الصحيحة ان‏تقول انّ اللّه سبحانه ادار عليها تلك المراتب بانفسها لاشي‏ء غيرها دورة متوالية و غير متوالية ثمّ ادارها علي المراتب المفعوليّة اوّل الجنان الصاقورة علي التوالي و ادار تلك المراتب عليها علي خلاف التوالي فاتّحدت الدورات في نفسها عند تحقّقها و اختلفت في غيرها ذلك تقدير العزيز العليم فكانت الدورات الاربعة في المشيّة متّحدة في كمال الاتّحاد في عين الاختلاف و في

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 414 *»

الارادة الدورات الثلثة متّحدة و في القدر الدورتان و في القضاء دورة نفسها و اذا لاحظت الامضاء معها تقول في المشيّة الدورات الخمسة و في الارادة الاربعة و في القدر الثلثة و في القضاء الدورتان و في الامضاء دورة نفسها و الثاني اصحّ كما لايخفي و بيانه بالاجمال انّ الدورات في المشيّة متّحدة اذ لااختلاف فيها و في الارادة تدور عليها المشيّة و هي غيرها و تدور عليه الارادة و القدر و القضاء و الامضاء التي هي نفسها و في القدر تدور عليها المشيّة و الارادة و هما غيره و تدور عليه القدر و القضاء و الامضاء التي هي نفسه و في القضاء تدور عليه المشيّة و الارادة و القدر التي هي غيرها و تدور عليه القضاء و الامضاء التي هي نفسها و في الامضاء تدور عليها المشيّة و الارادة و القدر و القضاء التي هي غيرها و تدور عليه الامضاء التي هي نفسها فافهم.

فاذا عرفت هذه الكلمات المجملة فاعلم انّه و ان‏سبق منّا الكلام في بيان القيّوميّة الاّ انّ ذلك الكلام علي بعض الوجوه لاينكشف به المرام و انا احبّ ان اشرح ان‏شاء اللّه تعالي حقيقة الامر في ذلك فانّ هذا المقام من مزالّ الاقدام فكم زلّت للاعلام فيه الاقدام فانّهم ذهبوا في ذلك الي امور عجيبة فمنهم من ذهب الي انّ قيّوميّة الحق للاشياء ركنيّة لا صدوريّة منه تبدو الاشياء و اليه تعود و لذا قالوا في قوله تعالي كلّ يوم هو في شأن انّ ذلك شئون يبديها و انّ الاشياء قائمة به سبحانه و تعالي قيام الثلج بالماء و الحروف بالمداد و الكلام بالنفس و كلّ ما في الوجود شئون للذات كما قال بعضهم: «انّ ذات الاسم الظاهر بعينه هو ذات الاسم الباطن و الفاعل بعينه هو القابل و الاعيان الثابتة عينه الغير المجعولة و الفعل و القبول له يدان فهو الفاعل باحدي يديه و القابل بالاخري و الذات واحدة و الكثرة نقوش فصحّ انّه ما اوجد شيئاً الاّ نفسه و ليس الاّ ظهوره»([1]) و علي هذا جرت اشعارهم و حكاياتهم و احوالهم و قدقال شاعرهم في الفصوص:

فلولاه و لولانا

لما كان الذي كانا

فانا أعبد حقا

و انّ اللّه مولانا

و انّا عينه فاعلم

اذا ماقلت انسانا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 415 *»

فلاتحجب بانسان

فقد اعطاك برهانا

فكن حقّاً و كن خلقاً

تكن باللّه رحمانا

و غذّ خلقه منه

تكن روحاً و ريحانا

فاعطيناه مايبدو

به فينا و اعطانا

فصار الامر مقسوماً

باياه و ايانا

 

فاحياه الذي يدري

بقلبي حين احيانا

فكنّا فيه اكواناً

و اعياناً و ازمانا([2])

و منهم من ذهب الي انّ الاشياء من سنخ الواجب سبحانه و تعالي و هو قول من قال انّ الوجود علي ثلث مراتب وجود قوي ما من وجود اقوي منه و الطف و اشرف و هو الواجب سبحانه و تعالي و وجود ضعيف ما من وجود اضعف منه و هو الهيولي و مابينهما المتوسّطات و هذا صريح في السنخيّة و كذا لسان حال القائل بالاشتراك المعنوي بين وجود الواجب سبحانه و بين غيره من الممكنات ينادي باعلي صوته بالسنخيّة و تأويلهم بالمعني و المفهوم لايدفع عنهم الايراد بل يجعل الامر اشنع و افضح كما ذكرنا غير مرّة في مباحثاتنا و رسائلنا و منهم من ذهب الي انّ الاشياء قائمة به سبحانه قيام الاشعّة بالشمس و الخلايق كلّها اشراقات انوار ذاته المقدّسة و عكوسات حقيقته المنزّهة و اليه يرجع القول بالرشح و منهم من ذهب الي انّ قيام الاشياء به قيام الظلّ بالشاخص و الصورة بالمرءاة و منهم من ذهب الي انّ الوجود هو اللّه تعالي و الاشياء متحقّقة موجودة بالانتساب اليه و الارتباط به كالماء المشمّس و لذا قيل انّ وجود زيد اله زيد و امثال هذه من الاقوال كثيرة.

و الاصل في هذه الاراء المختلفة انّهم مانظروا الي الشي‏ء بوجدان صحيح و مانظروا الي المسألة علي ما كتب اللّه لهم في الالواح الافاقيّة و الانفسيّة و ماتأمّلوا في الامر قاطعين التفاتهم من كلّ شي‏ء حتّي يعرّفهم اللّه سبحانه حقيقة الامر بل منهم من قصّر نظره في العبارات و اخذ ينظر فيها و يستنبط الحق منها و هي ذواحتمالات كثيرة و وجوه عديدة قد

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 416 *»

تكون متناقضة فنظر الي وجه و جهة منها و استحسنها و ردّ الباقي اليها ان‏امكن و الاّ ردّها و ابطل القول بها هذا شأن الواقفين مقام المجادلة و منهم من نظر الي الشي‏ء لا من حيث هوهو ليطلب ما هو الحق فيه من اللّه عزّوجلّ بل من حيث انطباقه بالقاعدة المقرّرة او ماتأنس به نفسه من مطالب اقوام يجب ان‏يكون الحق معهم ففي الحقيقة ليس هذا طالب الحق و الصواب و انّما يطلب ماتشتهي نفسه و اللّه سبحانه سريع الحساب فوفّيه حسابه فكشف له علي حسب مرءاته و اعطي كلّ ذي‏حقّ حقّه و ساق الي كلّ مخلوق رزقه و الاّ فمن راجع الفطرة و نظر بالفطرة الالهيّة الغير المشوبة بالمفاهيم الوهميّة و العبارات المظلمة عرف سخافة هذه الاقوال و امثالها كالشمس في رابعة النهار و كالنار علي المنار و قدذكرنا بطلان القول الاوّل في اللوامع الحسينيّة بمالامزيد عليه لمن عرف الكلام و المراد و نذكر هنا ايضاً علي سبيل الايضاح بالاجمال.

فنقول انّ كلّ عاقل يعرف انّ الشي‏ء الواحد لايظهر بالصور المتعدّدة و لايتطوّر بالاطوار المتكثّرة الاّ و يكون ذلك الامر الواحد مناسباً لتلك الامور بالصلوح فقبل التعيّن بالتعيّنات كانت تلك الامور كلّها مذكورة في الشي‏ء ذكراً صلوحيّاً فكانت له جهات متكثّرة ذاتيّة و تلك لاتنفكّ عنه ابداً مادام هو موجوداً و نحن نجد عياناً انّ كلّ شي‏ء كذلك اي الواحد الذي من شأنه ان‏يتعيّن بالتعيّنات الكثيرة او انّه يتعيّن بها بالفعل انّ ذلك في رتبة غير مرتبة ذاته اذ لاشكّ انّه كونه متعيّناً بالتعيّن المخصوص متأخّر عن كونه صالحاً لذلك و هو اعمّ و كونه صالحاً متأخّر عن الشي‏ء بما هوهو لانّ الثاني صفة و رتبتها متأخّرة عن رتبة الذات قطعاً و الاّ كانت ذاتاً و الذي تسمع في الصفات الذاتيّة كلّ ذلك تعبيرات عن الذات و ليست هناك صفة من الصفات قال اميرالمؤمنين7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه سيّما في هذا المقام الذي هو الصلاحيّة المحضة و تلك لاتتقوّم الاّ بالذات و لاشكّ انّ كلّ متأخّر من حيث هو منعدم صرف في رتبة المتقدّم من حيث هوهو فاذن لايذكر فيها فثبت انّ التعيّن

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 417 *»

المخصوص علي الوجه المخصوص لايوجد في رتبة الصلوح و الصلوح ايضاً لايوجد في رتبة الذات البحت فبقيت الذات متفرّدة بتوحيده لاذكر لشي‏ء فيها فتعرض لها حالة اخري و هي الصلوح للتعيّن و التشخّص ثمّ تعرض له حالة اخري و هي التعيّن بالتعيّن المخصوص علي الوجه المخصوص و ان‏كانت هنا حالات اخر لكن بماذكرنا كفاية فكلّ امر وحداني متعيّن بالتعيّنات لابدّ له من هذه الحالات المعتورة المتعاقبة المترتّبة و اعتوار الحالات دليل الفقر البحت الباتّ و عدم الغني و الثبات فانّ ذلك هو السير و الاستدارة و الخروج الي الفعل من القوّة و هو شأن الامكان ثمّ انّ تكثّر الجهات دليل الحدوث لانّ كثرة الجهات دليل الاختلاف و الاختلاف دليل الفقدان و النقص و هو ضدّ الغني و الوجوب.

ثمّ انّ النقائص و الشرور و الخبائث علي زعمهم انّما لحقت الاشياء من جهة الحدود و التعيّنات و هذه الحدود انّما لحقت الذات فلايلحق الشي‏ء الاّ بمايناسبه و لذا لاتلحق البرودة بالحرارة و لابالعكس و اليبوسة بالماء و لابالعكس فيجب ان‏يكون في ذلك الملحق‏به ذكر للاّحق ذكر نسبي ليمكنه اللحوق فيجب اذن ان‏يكون الوجود المتعيّن بهذه التعيّنات الناقصة فيه شائبة نقصان و فتور و الاّ لاستحال التعيّن فلايصحّ ان‏يكون ذلك الوجود هو اللّه الواجب سبحانه المتنزّه عن كلّ نقص و المتقدّس عن كلّ عيب و الكمال المطلق هو ان‏يتقدّس ساحة عزّته عن وصول رايحة من العيب او شايبة من النقص سبحان ربّي و تعالي عمّا يقولون علوّاً كبيراً مع انّ الكثرة باي نحو كانت عينيّة او ذكريّة انّما نشأت عن سلطان الوحدة فلوفرضت فيها كثرة يجب ان‏تكون مستندة و تابعة اذ لااستقلال لها من حيث هي فيجب ان‏يكون القديم تعالي شأنه المنسوب اليه كلّ شي‏ء واحداً وحدة محضة مطلقة لايشوبها كثرة لا ذكراً و لافرضاً و لااعتباراً و لاخارجاً و لافي نفس‏الامر كذلك اللّه ربّنا لااله الاّ هو و ان كانوا يقولون بالسنتهم انّ هذه الكثرة لاتنافي الوحدة فهم انّما يعنون بها الكثرات العينيّة الشخصيّة لاالذكريّة فانّ ذلك غير مضرّ عندهم و هو الاعيان الثابتة الازليّة.

و قد

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 418 *»

واجهني بذلك بعض اشباه الناس فقلت له هذه الامور الذكريّة التي سمّيتموها صوراً علميّة عين اللّه سبحانه و تعالي ام غيره قال هي عين اللّه قلت بكثراتها و تمايزها قال نعم قلت اذن كان اللّه مركّباً من هذه الامور و كلّ واحد منها قديم يلزم تعدّد القدماء قال لايضرّ ذلك فانّ الممتنع ان‏يكون كلّ منها امراً مستقلاً لا امراً اعتباريّاً ذكريّاً هذا حظّهم في العلم و نصيبهم في المعرفة و لم‏يدروا انّ القديم لايكون الاّ مستقلاً و لايصحّ ان‏يكون اعتباريّاً ابداً بل لايتعقّل ذلك فانّ الذي وجوده لذاته كلّ ما له فعلي ليست فيه جهة الامكان حتي يعتبر فانّ الاعتبار لايكون الاّ اذا لم‏يظهر و عدم الظهور لايكون الاّ لفقدان شرايط الظهور و متمّماته و الفقدان و الانتظار لايكون الاّ لمن كان وجوده مربوطاً بالغير مستنداً الي الغير مشروطاً بالاسباب و ما هذا شأنه لايكون واجب الوجود فاذن يجب امّا ان‏يكون هذه الاعيان الثابتة كلّها ظاهرة متحقّقة مستقلّة غير مرتبطة بشي‏ء و يكون كلّ واحد منها مستقلاً و الهاً متحقّقاً او تكون ممكنة محتاجة مفتقرة الي الشرايط و الاسباب و لايمكنك القول بالاوّل فانّه ظاهر الفساد لانّه لو فرض ذلك يلزم ان‏تكون الاشياء كلّها بسايط و لاارتباط لبعضها بالاخر و لااقتران و لااتصال و لاانتساب فانّ كلّ ذلك يستلزم الافتقار و الاستدارة الممتنعان علي القديم فمابقي الاّ القول بحدوث تلك الاعيان فلاتكون ثابتة في الازل فلايصحّ ان‏تكون مستجنّة في ذات الازل عزّوجلّ و لعمري انّ التفوّه بامثال هذا القول جرأة عظيمة علي اللّه عزّوجلّ فانّ هذه الاعيان ان كانت ليست بشي‏ء فلامعني للكلام فيها و ترتب الاحكام عليها اذ يعود كلها كذباً و ليس ذلك شأن العاقل فان كانت اشياء فهل هي امور متمايزة ام امر واحد بسيط حقيقي فالثاني ان كان هو اللّه فكالاوّل و ان كان غيره فكذلك لاتّفاقهم علي انّ كلّ ممكن زوج تركيبي و الاوّل ان كانت حادثة يمتنع فرض وجودها في الازل و علي الظاهر تقول يلزم ان‏يكون الحق سبحانه محلاً للحوادث و ان كانت قديمة يلزم تعدّد القدماء و منه يلزم وجود الالهة الكثيرة بل الغير المتناهية فانّ القديم لايكون الاّ مستقلاً و لذا قال

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 419 *»

مولينا الصادق7في ردّ من قال انّ الاسم عين المسمّي مامعناه انّ للّه تسعة و تسعون اسماً فلوكان الاسم عين المسمّي يجب ان‏يكون كلّ اسم الهاً مع انّ الاسم ليس الاّ بجهات الشي‏ء في ظهوراته فعلي فرض القدم و العينيّة جعل كلها مستقلّة لا تابعة فافهم و لاتلتفت الي قولهم انّ تلك الاعيان ليست شيئاً و لا لاشيئاً و لاقديماً و لاحادثاً فانّ هذا باطل جدّاً كما قال مولينا الصادق7 اذ ليس بين النفي و الاثبات منزلة و قدبسطنا القول في بطلان هذا القول و في انّ الشي‏ء يساوق الوجود في كتابنا اللوامع الحسينيّة فلانعيد اذ بذكره يطول الكلام كثيراً و لايحسن ذلك.

فبطل قولهم انّ الاعيان الثابتة عينه الغير المجعولة و انّها شئون الذات و ذاتيّات الحق لاتقبل الجعل و التغيير و التبديل و الزيادة و النقصان و لست ادري كيف تكون الاعيان ذاتيّات و مامعني هذه الذاتيّة هل دخل في تقوّم الذات و تحقّقها اي لايمكن ان‏توجد الذات الاّ بها فلاتكون الذات قديمة لافتقارها الي غيرها اي غيرحيثيّة ذاته من حيث هي فانّهم ربّما ينفون الغيريّة بالنسبة الي الاعيان لحصول الاستدارة و كلّ استدارة تحتاج الي قطب الاّ اذا كان استدارة امتداد و افاضة فانّها حينئذ تكون لنفس القطب فان كانت الاعيان ايضاً تفتقر الي الذات انتفت ازليّتها للاستدارة فانّ المفتقر الي الغير لاتثبت له عينية الوجود فاذا احتاج لم‏يقتض الوجود لذاته بل اقتضاؤه انّما هو بذلك الامر الاخر و ما هذا شأنه لايكون الوجود ذاتيّاً له بحيث ليس الاّ هو فانّه لاينتظر شرطاً و لايتوقّف بشي‏ء و لايترتّب علي شي‏ء فاذا جاء الترتّب و التوقّف بطلت العينية فبها تبطل الازليّة فيثبت الحدوث و الفقر و الحاجة الامكانيّة و ليس هذا هو اللّه تعالي ربّي عمّا يقولون علوّاً كبيراً.

فان لم‏يكن لتلك الاعيان دخل في حقيقة الذات فليست شئون ذاتية لاتقبل الجعل بل انّما هي امور حادثة تقبل الجعل و التغيير و التبديل و قائمة بها فان كان قيام عروض فلايصحّ لاستلزامه الانفعال و لماذكرنا انفاً و كذا قيام التحقّق لاستلزامه الاقتران و الاتّصال و كذا قيام الظهور فانّ الامر فيه بالعكس بالنظر

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 420 *»

الي المظاهر الفعليّة فتكون قائمة بها قيام صدور اقامها في اماكنها و امدّها بمالها و منها اقام الاشياء باظلّتها فقولهم شئون الذات ان ارادوا بها الذات الظاهرة في المقامات الخلقيّة اي رفيع الدرجات ذوالعرش صحّ لكنّهم لايريدون الاّ ماذكرت لك و قولهم و الفاعل بعينه هو القابل هذا هو الذي قلت لك انّهم يقولون بوحدة الوجود وا نّ هذه الكثرات حدود و ماهيّات لبسطها و تطوّرها و لذا يقولون «انا اللّه بلا انا» و قدقال شاعرهم:

انا ذلك القدّوس في قدس العماء محجّب   انا قطب دائرة الرحي و انا العلي المستوعب

انا ذلك الفرد الذي فيه الكمال الاعجب

الي ان قال «انا غافر و المذنب» و هؤلاء يزعمون انّ الاشياء قائمة باللّه سبحانه بالقيام التحقّقي فان كانت الاشياء كلّها صور تعيّنات الحق سبحانه و تعالي يلزم مع ماذكرنا سابقاً من اعتوار الحالات و تحقّق الكثرات الذكريّة الصلوحيّة و وجود الاقترانات و المناسبات و الارتباطات التي كلّ منها علّة مستقلّة للحدوث و الفقر ان‏يكون الحق سبحانه علّة مادّية للاشياء و ان لم‏يقولوا هذا بالسنتهم المقاليّة لكنّهم يقولون بها بالسنتهم الحاليّة في كلّ غدوة و عشيّة بل في كلّ ان و دقيقة اذ لاشكّ انّ الصورة لا قوام لها الاّ بالمادّة و ليست الصورة الاّ الاجسام التعليميّة في هذا و الابدان النورانيّة علي جهة الاطلاق لتشتمل الابدان المعنويّة المحضة و الرقايقيّة و الصورة المجرّدة و المقداريّة و لاشكّ انّ المادّة من حيث هي تتعيّن بالصور و تطوّر باطوارها كالخشبة المتطوّرة باطوار السرير و الصنم و الباب و البيت و العمود و السفينة و غيرها الاّ انّ المواد تختلف بالعموم و الخصوص و الاوّليّة و الثانويّة فالخشبة ليست مادّة اوّليّة و انّما هي فرد من العناصر و هي ايضاً ليست اوّليّة بل هي تعيّن الجوهر و هو عامّ لكنّه خاصّ بالنسبة الي الوجود فالوجود هو المادّة الكليّة و الهيولي الاولي المتعيّن باطوار مختلفة و المحدود بالحدود المتكثّرة الغير المتناهية و الوجود المطلق عند الصوفيّة هو

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 421 *»

اللّه سبحانه و قدقال الملاّمحسن في كلماته المكنونة «انّ الوجود ان اخذ بشرط شي‏ء فهو الوجود المقيّد و ان‏اخذ بشرط لا فهو الوجود العام البديهي و ان اخذ لابشرط فهو الوجود المطلق و هو الذي يطلق علي اللّه دون الاوّلين و هذا الوجود بنفسه ليس بكلّي و لاجزئي و لاذاتي و لاعرضي» الي ان‏قال «بل تلزمه هذه المراتب بحسب مقاماته و درجاته المنبّهة عليها بقوله تعالي رفيع الدرجات ذوالعرش فيصير كليّاً و جزئيّاً و ذاتيّاً و عرضيّاً و جنساً و فصلاً من غيرحصول تكثّر في ذاته» فعلمت انّهم يعبدون المادّة الكليّة و الهيولي الاولي و الاسطقسّ الاعظم اذا كانت الاشياء كلّها حدود الوجود و صوراً له فيكون هو مادّة الجميع و لايشكّ فيما ذكرت عاقل الاّ انّهم يتحاشون عن اطلاق اسم المادّة علي اللّه سبحانه و ان‏كانوا يثبتون معناها سبحانه سبحانه سبحانه و تعالي و لاشكّ انّ الصورة اذا اعتورت علي محلّ ينفعل ذلك المحلّ لها و يقبلها و من هذه الجهة تراهم يطلقون اسم الامّ علي المادّة و الاب علي الصورة لقبول المادّة و ماجاءها و اتاها من حكم الصورة و يزعمون انّ الصورة منسوبة اليهم و الحدود راجعة اليهم و ذلك الامر الواحد الكلّي الذي يتعيّن بالحدود و التعيّنات منسوب الي اللّه سبحانه بل هو اللّه فيتوجّه اليهم صريحاً قوله تعالي ألكم الذكر و له الانثي تلك اذاً قسمة ضيزي ان هي الاّ اسماء سمّيتموها انتم و اباؤكم ماانزل اللّه بها من سلطان.

و تعبيرهم المادّة بالامّ و الصورة بالاب و ان لم‏يكن صحيحاً لانّه خلاف ما قال مولينا الصادق7 و خلاف ما شهد به العقل الصحيح و الوجدان الصريح كما نذكر فيما بعد ان‏شاءاللّه تعالي لكنّهم صدقوا في اصل الانفعال في الجملة فانّ المزدوجين لايتحقّقان و لايوجدان الاّ اذا حصل التفاعل بينهما مرّتين لااقلّ و ان كان احدهما فاعلاً و الاخر منفعلاً و الاّ فاين التعفين الذي هو شرط في التكوين اذ لابدّ من ميل الرطوبة الي اليبوسة و ميل اليبوسة الي الرطوبة حتّي يجتمعا و تصديق ذلك قوله تعالي يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل و ابان عن شرح ذلك مولينا علي‏بن‏الحسين8 في الصحيفة يولج كلّ واحد منهما في صاحبه و يولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 422 *»

الدعاء. و صرّح الحق سبحانه للمؤمنين الممتحنين و ابان عن فاعلية القابل بقوله الحق يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً بعد ما صرّح بانّ هذا فعل الفاعل بقوله تعالي فلمّا تغشّيها حملت حملاً خفيفاً و ليس لاحد ان‏ينسب الذكوريّة الي الليل فانّه انثي و حبلي و قدقال و جعل لكم الليل لباساً و هو الصورة التي هي الامّ و اشار الحقّ سبحانه الي التفاعل بقوله هنّ لباس لكم و انتم لباس لهنّ لكنّ الاصل في هذه التسمية و هذا الاطلاق هو المرأة لاالرجل و لذا من يري في المنام انّه لبس ثوباً فانّه يتزوّج او انّه نزع ثوباً فانّه يطلّق زوجته او انّه ضاع خفّه فانّ زوجته تموت و امثال ذلك.

فاذا عرفت ماذكرت لك عرفت مايترتّب علي قولهم من القبح الفاحش فانّ الشي‏ء لايتصوّر بالصور الاّ انّه يتأثّر بقبول تلك الصورة و اقترانه بها و ارتباطه معها و الاّ فيستحيل ذلك و لايمكن نسبة الانفعال الي الحي اللايزال مع انّه قددلّ العقل الصحيح الناظر بنور اللّه سبحانه انّه لايتعيّن الشي‏ء الكلّي بالتعيّن الجزئي الاّ و يكون بين ذلك الشي‏ء الواحد و تلك الصورة حالة ذوبان و ميل و ارتباط اوّلي المسمّي بالحلّ الاوّل و حالة اجتماع و اقتران و اتصال كلّي عامّ المسمّي بالعقد الاوّل و حالة ذوبان ثانية للصورة الشخصيّة المسمّي بالحلّ الثاني و حالة اقتران و اتصال جزئي شخصي المسمّاة بالعقد الثاني و هذه المراتب في كلّ شي‏ء اذا نسب الي الاخر نسبة يستحقّ المجموع اسماً اخر غيرهما.

قال بعضهم: «فصل في اثبات التكثر اعلم انّ الشي‏ء له ثلث ملاحظات الاولي ملاحظته من حيث الوجود الصرف فهو بهذا الاعتبار امر واحد حقيقي لاتكثّر فيه بوجه من الوجوه و الاشياء كلّها بهذا النظر واحد الثانية ملاحظته من حيث الحدود و الاعراض و التعيّنات و الماهيّات الصرفة من غيرملاحظة اتّصافها بالوجود و اتصالها به فالاشياء بهذه الاعتبار كلّها امور عدميّة وهميّة ماشمّت رايحة الوجود

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 423 *»

الثالثة ملاحظة الامرين معاً اي الوجود مع تعيّنه بالماهيّة و الحدود الخاصّة فمن هذا جاء التكثّر» هذا كلامه ملخّصاً.

و الوجود عندهم هو اللّه انظر كيف صرّح بالامر في باب التعيّن و التشخّص و لاشكّ انّ الامور الاربعة المذكورة تجري في هذا المقام و قداجمع العقلاء انّ الاكوان الاربعة المذكورة التي هي الاجتماع و الافتراق و الحركة و السكون علامة الحدوث و قدقال مولينا اميرالمؤمنين7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كلّ صفة علي انّها غير الموصوف و شهادة كلّ موصوف علي انّه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران بالحدوث الممتنع من الازل الممتنع من الحدث ان هذا الاّ جرأة عظيمة علي اللّه نعوذ باللّه من طغيان الافهام و كدورة الاوهام و نستعصمك ياكريم فاعصمنا.

فلو انّهم سلكوا سبيل دليل الموعظة الحسنة اذ عجزوا عن دليل الحكمة و لم‏يجدوا للمجادلة مستنداً من الكتاب المجمع علي تأويله او سنّة عن النبي9لااختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله كان احسن لهم بل يجب لهم ذلك لكونه محلّ اليقين و طريق السلامة في الدنيا و الدين و ذلك لانّه يجب علي المخلوق ان‏يوحّدوا خالقهم و بارئهم و ينزّهوه سبحانه عن كلّ نقص و عيب و كدورة و رذالة و كلّ مالايجوز علي المخلوقين و عن صفاتهم و احوالهم فاذا قالوا و اعتقدوا انّ اللّه سبحانه انّما خلق الخلق و لم‏يكونوا شيئاً مذكوراً كان اللّه و لاشي‏ء معه و لااقتران و لااتصال و لاانفصال و لااستجنان و لاكمون و لابروز هو تعالي صمد لايدخله شي‏ء و لايخرج منه شي‏ء و لايخرج من شي‏ء خلق الخلق بمشيّته اختراعاً و سلك بهم في سبيل ارادته ابتداعاً من غير نسبة بينه و بينهم بوجه من الوجوه و لا ذكر لشي‏ء في ذاته ابداً كما هو معتقد اصحاب الشريعة و مااجتمعت عليه الفرقة المحقّة فلاشكّ انّهم من الناجين فاذا ماتوا علي هذا الاعتقاد هم من اهل الجنّة علي القطع و اليقين لانّهم قدتمسّكوا بمحكمات الدين بخلاف ما اذا قالوا بوحدة الوجود و انّ الوجود هو اللّه سبحانه و كلّ هذه الكثرات تطوّراته و شئونات ذاته مستجنّة في

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 424 *»

غيب ذاته كالشجرة في النواة ثمّ ظهرت كما ذكر السيّد حيدرالاملي في جامع‏الاسرار و انّ اللّه سبحانه كالبحر و الخلق كالامواج كما قال في جامع‏الاسرار و الملاّمحسن في الكلمات‏المكنونة:

البحر بحر علي ماكان في القدم   انّ الحوادث امواج و انهار
لاتحجبنّك اشكال تشكّلها   عمّن تشكّل فيها و هي استار

و انّ اللّه كالمداد و الخلق كهيأة الكتابة و انّ اللّه كالنَفَس (بفتح‏الفاء) و الخلق كالالفاظ و انّ اللّه كالواحد و الخلق كالاعداد كما قالها الملاّ في الكلمات و لاشكّ انّ هذا اعتقاد يخالف ما عليه المسلمون بل جميع الملل لانّ ذلك يفضي الي الاقرار بالكلّ و الاعتقاد بحقّيّة الكلّ لانّ كلّ ذلك صور تجلّيات الحق سبحانه و قداقرّ بذلك ابن‏عربي في الفصوص في الكلمة الموسويّة انّ اللّه سبحانه لم‏ينصر هرون علي عبدة العجل لانّه تعالي احبّ ان‏يعبد في كلّ صورة و قال في قوم نوح انّهم انّما لم‏يؤمنوا به لانّه يدعوهم الي التنزيه الصرف و هم شاهدوا تجلّيات الحق في كلّ صورة و كلّ شي‏ء فلم‏يكفّوا حتّي ادركهم ماء الرحمة و وصلوا و اتّصلوا بمحبوبهم هذا معني كلامه و قدقال نظير ذلك الرومي بالمثنوي و صرّح بالامر الملاّمحسن في الكلمات مامعناه انّ الارواح في عالمها كانت مقرّة بالتوحيد طالبة للحق و لذا لمّا قال اللّه سبحانه الست بربّكم قالوا تصديقاً بلي فلمّا نزلوا الي عالم الاجسام و وقعوا في مقام النقش و الارتسام حجبتهم غواشي الطبيعة فاخذوا في المخالفة و العصيان فاستحقّوا للغضب العرضي و العرضي يزول و الذات لايزول فيكون مَــال الكلّ الي الرحمة الواسعة الذاتيّة بحكم سبقت رحمتي غضبي.([3]) و قال ابن‏عربي في الفصوص في كلمة هودية انّ كلّ الخلق و كلّ الوجود علي الحق و علي الصراط المستقيم لانّ ناصية كلّ شي‏ء بيده و هو علي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 425 *»

صراط مستقيم لقوله تعالي و ما من دابّة الاّ هو اخذ بناصيتها انّ ربّي علي صراط مستقيم.([4])

و قدواجهني بمثل مقال ابن‏عربي بعض اشباه العلماء و قال هذه الاختلافات التي تري في الملل و الاديان و العقايد و الاحكام و امثال ذلك كلّها من باب اختلاف التعبيرات في اللغات و المقصود واحد و مراده انّ الواحد لمّا تجلّي في هذه المرايا و الصور و تحقّقت هذه الشئون فنظروا الي القيود و التعيّنات و احتجبوا عن المطلق فصار هذا يكذّب ذاك مع انّ الكلّ من مشرب واحد و مصدر واحد و يحكي الكلّ عمّا عنده حسب تجلّيه فيه و الاخر عمّا عنده حسب تجلّيه فيه و هم من اهل القيود يرون المخالفة الظاهرة فيكذّب احدهما الاخر و هكذا و هذا شي‏ء لم‏يرض به احد من اهل الملل و الاديان و خلاف مانطق به دين الاسلام سيّما الفرقة المحقّة الذين يدور الحق مدارهم و قداقرّ بذلك علاءالدولة السمناني الذي هو من كبار الصوفيّة في حاشيته علي الفتوحات عند قول ابن‏عربي مميت‏الدين «سبحان من اظهر الاشياء و هو عينها»([5]) قال في هذا المقام انّ اللّه لايستحيي من الحق ايّها الشيخ لوسمعت من احد يقول انّ فضلة الشيخ عين وجود الشيخ البتّة لاتسامحه بل تغضب عليه فكيف يسوغ لك ان‏تنسب هذا الهذيان الي الملك الديّان تب الي اللّه توبة نصوحاً لتنجو من هذه الورطة الوعرة التي تستنكف عنها الدهريّون و الطبيعيّون انتهي. و تكفي شهادته عن ذكرنا.

و بالجملة كلّ من له ادني معرفة بالشرع و قواعد الدين و انس بطريقة اهل البيت:في احاديثهم و اثارهم و انوارهم المبثوثة في قلوب الشيعة يعلم يقيناً جازماً لايعتريه شك و لاشبهة انّ هذه الطريقة مخالفة لطريقتهم و مباينة لشريعتهم و لو تنزّلنا و قلنا انّه لم‏يحصل له القطع فلااقلّ من الظنّ و لو فرضنا عدم حصول الظنّ فلااقلّ من الاحتمال المساوي او الاحتمال المرجوح كيف و انّ القائل بهذا القول ليس الاّ شرذمة قليلون و الان انقرضوا ان‏شاءاللّه تعالي و كلّ اهل الشريعة المتديّنين بدين خاتم النبيّين و اهل بيته الطيّبين علي خلاف ذلك بل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 426 *»

يتديّنون و يتقرّبون الي اللّه سبحانه ببطلانه و الامام7 بين ظهرانيهم و يهملهم يخوضون في الباطل او انّ النبي و الائمّة: غشّوا الناس مابيّنوا لهم الطريق الحق و جعلوا الخلق علي خلاف الحق او انّهم: ماعلموا ذلك و ماانكشف لهم ماانكشف لاولئك و التمسّك ببعض الاخبار المتشابهة المخالفة للنصوص المحكمة خلاف دأب العقلاء فضلاً عن العلماء و حاشا ائمّتنا سلام اللّه عليهم عن كلّ ذلك و قدقالوا انّ الارض لاتخلو من حجّة كيما ان زاد المؤمنون ردّهم و ان‏نقصوا اتمّه لهم و هو7 قداقرّ المؤمنين علي خلاف هذا الاعتقاد فيكون باطلاً لانّ تقريره حجّة اذ لايسكت عن جهل او عن عجز للتبليغ الي من يريد بحيث لايرونه و لا تقيّة بعد ما اخفي نفسه الشريفة.

لايقال انّما ترك من جهة الخوف علي الشيعة لانّا نقول انّ هذا ليس شي‏ء يستنكف منه المخالفون بل هم المنكبون علي هذه الطريقة و هم الذين يحبّون الصوفيّة و يفتخرون بها سيّما هذه المسألة التي هي اسّ مسائلهم و عليها اساطينهم كالغزالي و ابن‏عربي و ابن‏عطاءاللّه و البسطامي و الحسن‏البصري و امثالهم مع انّهم سلام‏اللّه عليهم نهوا عن التصوّف و لعنوا الصوفيّة و كلّ من يميل اليهم و يقول بقولهم فدلّ الدليل القطعي علي انّ الامام7 مخالف لهذا الاعتقاد بل يتبرّء الي اللّه تعالي منه و ممّن يعتقد به فان لم‏يحصل لك القطع امّا يحصل لك الظنّ بمخالفة هؤلاء العلماء الاجلاّء اهل الزهد و الورع و الديانة و انّهم لايحكمون الاّ عن دليل قاطع منسوب الي الكتاب و السنّة.

و القول بانّ هؤلاء اهل الظاهر و هم اهل الباطن عرفوا الاشياء بالرياضات و المكاشفات فظهر لهم الشي‏ء علي ما هو عليه بخلاف هؤلاء اهل دليل المجادلة نظروا الي بعض وجوه الشي‏ء و احتجبوا عن غيرها و ماعرفوا الشي‏ء علي ما هو عليه فكلّ من هو في مقام المجادلة هذا حاله فلايقاوم اتّفاقهم و اجماعهم كشف اهل الباطن الذين يشاهدون الشي‏ء بالمشاهدة الغيبيّة، باطل من وجوه:

احدها انّ اهل الظاهر اذا اختلفوا فحينئذ اذا تحقّق قول من اهل الباطن بشرايطه فهو ارجح و بالقبول احري و امّا اذا اتفقوا و نصّوا علي ذلك الشي‏ء

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 427 *»

علماؤهم و عوامّهم فحينئذ لابدّ ان‏يكون حقاً لانّهم و ان‏كانوا لايدركون الشي‏ء علي ما هو عليه و لايحيطون به لكن وراءهم امام يدرك الشي‏ء علي ما هو عليه و يحيط بكلّ شي‏ء علماً و هو7انّما هو لتكميل الناقصين و ارشاد الضالّين و لئلاّيخرج الحق عن مقرّه و يغلب الباطل علي اهله فلايهمل رعيّته و غنمه ان‏يجمعوا علي الباطل و يتّفقوا علي خلاف الحق فاذا اتّفق اهل الظاهر علي شي‏ء فهو ارجح عن كشف اهل الباطل فانّ الاحتمال في خطائه لعدم عصمته قائم فاذا قام الاحتمال بطل الاستدلال هذا هو الحكم الاّ انّ التمييز بين اتّفاق اهل الظاهر علي الخلاف في الواقع او في التعبير و بعض الوجوه و بعض المراتب مشكل جدّاً تمييزه نصيب المؤمنين الممتحنين فكم من احكام و مسائل يدّعون فيها الوفاق و الاجتماع و انّ القول الفلاني يخالفه و ليس كذلك و المخالفة ليست الاّ لفظيّة و هذه و امثاله نشاهده كثيرة في هذا الزمان و العون علي اللّه.

و ثانيها انّه ليس كلّ من ادّعي انّه من اهل الباطن صحّ اذ:

و كلّ يدّعي وصلاً بليلي   و ليلي لاتقرّ لهم بذاكا
اذ انبجست دموع في خدود   تبيّن من بكي ممّن تباكا

و اهل الباطن هم المنقطعون الي اللّه سبحانه المعرضون عن كلّ ماسواه الذين لايستندون في شي‏ء من علومهم و احوالهم الاّ الي اللّه و ابوابه علي هذه فليست عندهم قواعد يعتمدون عليها و لا انس الي اشخاص يجب ان‏يكون الحق معهم و ليس بمعاند و لاجاحد بل هو طيّب السريرة و صافي الفطرة ينظر (فنظر خ‏ل) في الاشياء نظر المتعلّم من اللّه و هذه المسألة ماصدرت الاّ عن الصوفيّة الملحدين الذين راضوا انفسهم لاطفاء نور اللّه و عناد الائمّة الطاهرين فحصّلوا برياضاتهم مناسبة تامّة مع الشياطين فكانوا يلقون اليهم الباطل علي صورة الحق تمويهاً و اضلالاً للمستضعفين و انّ الشياطين ليوحون الي اوليائهم ليجادلوكم و ان‏اطعتموهم انّكم لمشركون و قدقال عبد الكريم‏الجيلاني و هو من كبار الصوفيّة و اشدّهم تمسّكاً بهذه المسألة اي القول بوحدة الوجود و قدملأ كتبه من ذلك قال انّ شرط

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 428 *»

المتصوّف ان‏يكون علي مذهب اهل السنّة و قالوا في شرط التسنّن ان‏يكون فيه من بغض علي7شي‏ء لئلاّ يغلو عند استماع الفضائل العظام التي له7 و امّا منّا فلم‏نر احداً تكلّم بهذه المسألة الاّ و قداستند الي اولئك كابن‏عربي و الغزالي و اضرابهما و تمسّك ببعض الاخبار المتشابهة بل ربّما يذكر لفظ الحديث و ينقل معناه من ابن‏عربي و ان‏شئت انظر كلام‏الملاّ في الكلمات في المواضع التي يقول قال بعض اهل المعرفة مراده هو ابن‏عربي مميت‏الدين الذي حكم بانّ عمر معصوم و استدلّ عليه بالاخبار و انّ اهل الكشف يرون الشيعي علي صورة الكلاب و الخنازير. و بالجملة الذي تتبّعت في كلمات القائلين بهذه المسألة ما وجدته الاّ مستنداً الي تلك الجماعة فماكشف لهم الشي‏ء علي ما هو عليه في الواقع بل علي ماطبق اذهانهم و افهامهم و حقايقهم المعوجّة و شرح ذلك و اسبابه يطول به الكلام و قدقال تعالي و لتصغي اليه افئدة الذين لايؤمنون بالاخرة و ليرضوه و ليقترفوا ما هم مقترفون فليس هؤلاء الذين قدكشف لهم من اهل الباطن بل هم من اهل الباطل فذرهم و مايفترون ذرهم يأكلوا و يتمتّعوا و يلههم الامل فسوف يعلمون.

و ثالثها انّ المنكرين بهذه المسألة و هذا الاعتقاد ليس كلّهم من اهل الظاهر بل فيهم من اهل الباطن الحقيقي الذي قداستكملت فيه الشرايط و قدرأينا منهم من قدصحا له المعلوم بعد محوه الموهوم و غلب له السرّ بعد هتك الستر و اطفأ سرج الحواسّ و المشاعر السفليّة بعد مااشرق له النور من صبح الازل و صار كما قال مولينا الباقر7ما من عبد احبّنا و زاد في حبّنا و اخلص في معرفتنا و سئل عن مسألة الاّ و نفثنا في روعه جواباً لتلك المسألة و قدتلقّي جميع علومه من الالهامات الالهيّة بالاجازات (بالاخبارات خ‏ل) المعصوميّة في المنامات الصادقة و القذوف القلبيّة و عرف الاشياء بالمشاهدات العيانيّة و كان شديد الانكار علي تلك الملاحدة الصوفيّة و كثير الطعن عليهم سيّما في هذه المسألة التي من اسّ مسائلهم و قدهدم بنيانها و خرّب اركانها و اظهر فسادها و ابان عن

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 429 *»

بطلان ادلّتها علي اكمل وجه و احسن طور بالادلّة العقليّة و الذوقيّة الوجدانيّة و النقليّة الكتابيّة و المعصوميّة و لولا الاّ انكاره ايّاها لكفي في بطلانها لانّه هو القرية الظاهرة للسير الي القرية المباركة و هو باب الامام7و حجّة اللّه علي الانام قال7 هم حجّتي عليكم و انا حجّة اللّه علي الخلق.

و امّا القول الثاني فبطلانه اوضح من ان‏يقال فانّ سنخ الشي‏ء مايكون من جنسه و طبيعته و حقيقته فلوكانا من حقيقتين متباينتين لايقال هذا من سنخ ذاك فعلي‏هذا كيف يمكن ان‏يتعقّل او يتصوّر انّ الممكن من سنخ الواجب القديم تعالي شأنه الاّ علي القول بانّ الممكن ليس بمخلوق فيكون قديماً فيكون القدم هو الجهة الجامعة بين الواجب و الممكن و كلّ ما هو كذلك يجب فيه عمّا به الامتياز فيتركّب وجود كلّ منهما فيبطل اذن قدمهما و ازليّتهما لما مرّ من افتقار المركّب الي العلّة الموجدة فان ارادوا بالسنخيّة ما هو مثل السراج و الاشعّة بان‏يكون المخلوق من نور ذاته و شعاع حقيقته و هذا و ان‏لم‏يكن سنخاً فانّ الاشعّة ليست من سنخ السراج و لا ذكر لها في رتبة السراج بل هي عدم عند السراج و انّما احدثت مثلاً لذات الشعلة المرئية لالحقيقة العلّة المحدثة للسراج و الاشعّة فالسراج حقيقة باب لاحداث الاشعّة و وجه للعلّة و عرش لها و حامل لظهورات اثارها و ترجمان للاشعّة فلم‏تكن بينهما سنخيّة الاّ انّ هذا احد الاقوال المذكورة و هو القول الثالث و بطلانه انّ الاشياء اذا كانت من نور ذاته و شعاع حقيقته المقدّسة من غير واسطة كانت لذاته نسبة الي جميع الخلق ضرورة نسبة المنير الي النور كالشمس و شعاعها و هذا هو الذي دعاهم الي القول بانّ معطي الشي‏ء لايكون فاقداً له فاذا تحقّقت النسبة تكثّرت جهات الذات من حيث هي فبطلت ازليّته.

ان قلت انّك قلت انفاً انّ الاشعّة لاذكر لها في رتبة السراج فاذا كان كذلك لم‏تكن النسبة فلم‏تتكثّر جهات الذات قلت لاشكّ و لاريب انّ بين المصدر من حيث هو مُصدِر (بكسرالدال) و المُصدَر من حيث هو كذلك (بفتح‏الدال) مناسبة تصحّح صدور هذا دون ذاك فانّ الفاعل لولم‏ينزل الي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 430 *»

المفعول بفعله لم‏يتحقّق المفعول و لم‏يوجد فانّ المفعول لايوجد الاّ علي ما هو عليه و ما هو عليه يقتضي التكثّر و الاختلاف و الفعل لو ابقي في مقامه علي ما هو عليه و هو يقتضي الوحدة و الايتلاف لم‏يكن الايجاد اذ شرطه تمكين القابل عن الانوجاد و من التمكين نزوله الي مقامه و ايجاده علي ما هو عليه فيلحقه التكثّر لحوقاً عرضيّاً تبعيّاً كمايلحق المفعول الوحدة بالقاء مثال الفاعل فيه كذلك و لذا تتعدّد اسماء الفاعل عند الفعل و بعد الفعل فتقول قائم قاعد اكل شارب ضارب عادل و امثال ذلك و هذه الاسماء مااختلفت الاّ لاختلاف الاثار الصادرة عنه و مااختلف اسماء الفاعل الاّ لمناسبة بينه و بين المفعول و الاّ لامتنع الاختلاف باختلاف المفعول و لذا تري كلّ مفعول يحكي عن فاعله الخاصّ به و الاخر يحكي عن فاعله الخاصّ به و ان‏كان يخالف الاوّل في النسبة العرضيّة فتري الالف يصف صانعه انّه قائم و الباء تصفه انّه مبسوط منتشر و هكذا و هذا ممّا لاريب فيه فالنسبة بين المصدر من غير واسطة و المصدر ممّا لايرتاب فيه عاقل و الذي نفيناه هو كون المفعول و وجوده في مرتبة الفاعل لامذكوريّته لديه قال اللّه تعالي هل اتي علي الانسان حين من الدهر لم‏يكن شيئاً مذكوراً قال الصادق7 و روحي فداه كان مذكوراً في العلم و لم‏يكن مكوّناً انتهي. فالاشياء قبل وجود اكوانها و اعيانها لها وجود ذكري في العلم في رتبة الفاعل الذي هو الواحد لا رتبة الذات التي هي الاحد فاذا فرضت الفاعليّة في رتبة الذات تحقّقت النسب و الاضافات فتبطل الازليّة مع انّ هذا فرض محال لايتصوّر و لايتعقّل بحال من الاحوال فانّ الفاعليّة هي صفة الذات و الذات سابقة عليها في كينونتها و متقدّمة عليها فكيف يمكن فرضها فيها و قولنا صفة الذات مسامحة في العبارة و المراد منها هي الذات الظاهرة بالفعل فافهم.

ان قلت انّ تكثّر الجهات و الحيثيّات في الذات انّما يلزم لوكانت الكثرات الخلقيّة منسوبة الي الذات و ليس كذلك بل الذي هو نور الذات و شعاعها و صادر منها و منسوب اليها امر واحد و نور بسيط غير متعدّد اشرق من

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 431 *»

الذات فتعيّن ذلك النور الواحد بهذه الكثرات و التعيّنات فالكثرات انّما ترجع و تنسب الي ذلك الامر الواحد فان لزم تكثّر الجهات فانّما هو في الحادث و لايضرّ ذلك و كذلك الامر في الشمس و السراج فانّ الذي سطع عنهما نور واحد انّما تعيّن و تكثّر عند لحوق المشخّصات و الحدود فالكلّ حاضر لديه حضور جمعي وحداني لاكثرة فيه بوجه من الوجوه، قلت هب انّ هذه الكثرات لاترجع الي الذات و لاتنسب اليها لكن ذلك الامر الواحد لاشكّ انّه منسوب الي الذات علي زعمكم فرجع المحذور ايضاً الاّ انّ تكثّر الجهات يكون حينئذ اقلّ و الاّ فحينئذ تحقّقت هناك جهات ثلثة الاولي جهة الذات من حيث هي‏هي الثانية جهة فاعليّتها لذلك الامر الواحد بالصلوح و الذكر الثالثة جهة الفاعليّة الفعليّة الكونيّة فاين الوحدة و البساطة و انّما هو بسط و تكثير.

و امّا اصحاب القول الرابع الذين قالوا انّ الخلايق اظلال و عكوس، فاعلم انّ الظلّ له ثلث اطلاقات احدها يطلق و يراد به الاثر و ثانيها يطلق و يراد به العكس و الضدّ و ثالثها يطلق و يراد به الذات و الحقيقة كما في الحديث اقام الاشياء باظلّتها و المعني الثالث لايراد في هذا المقام قطعاً و المعني الثاني ايضاً لامعني له اذ المخلوق ليس ضدّاً لخالقه الاّ ان‏يريدوا بالعكس الاشباح المنفصلة المتحصّلة عند اشراق الشمس علي الاجسام الكثيفة او عند التجلّي في المياه و المرايا و الاجسام الصيقليّة و هذا ايضاً باطل قطعاً لانّ المخلوق ليس علي مثال الذات سبحانه و تعالي قال اللّه تعالي فلاتضربوا للّه الامثال انّ اللّه يعلم و انتم لاتعلمون فانّ المثل لابدّ له من المطابقة بينه و بين الممثّل و هي تستلزم المناسبة و هي تستلزم الكثرة و تعدّد الجهات في الذات و هي ترفع الاوّلية و القدم كما مرّ لما مرّ. و امّا قوله سبحانه فللّه المثل الاعلي فالمراد تنزيهه عزّ شأنه عن المثل فانّه تعالي اعلي عن ذلك.

ثمّ اعلم انّه قدورد في الاخبار و اثار الائمّة الاطهار عليهم سلام اللّه الملك الجبّار اثبات المثَل للّه سبحانه (بفتح الثاء) و المِثل (بكسر الفاء) في قوله تعالي ليس كمثله شي‏ء بناء علي زيادة الكاف و في الدعاء و لك الاسماء الحسني و الامثال العليا و الكبرياء و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 432 *»

الالاء و هو يحتمل الوجهين فالمراد بهذا المثل هو جهة تعرّف الحقّ للخلق بانفسهم كما قال امير المؤمنين7 بل تجلّي لها بها و هو الوصف الذي يرجع الخلق منه اليه كما قال7رجع من الوصف الي الوصف قال الشاعر:

قدضلّت النقطة في الدائرة   و لم‏تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها   منها لها جارحة ناظرة
سمت علي الاسماء حتّي لقد   فوّضت الدنيا مع الاخرة

و هو الذي ينتهي اليه المخلوق كما قال7 انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله. انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و هذا المثل في كلّ شي‏ء جهة توصيف اللّه سبحانه نفسه له و يختلف باختلاف الموجودات في مراتب الاكوان و الاعيان الطرق الي اللّه بعدد انفاس الخلايق و مردّ الكلّ و مرجعه الي المثل الاعلي و هو قوله7 نحن الاعراف الذين لايُعرف اللّه الاّ بسبيل معرفتنا علي اعلي المعاني فيه و قدبيّن ذلك في الزيارة الجامعة الكبيرة بقوله7 و المثل الاعلي و الدعوة الحسني و هو المراد في قوله تعالي و له المثل الاعلي في السموات و الارض قال7فبهم ملأت سماءك و ارضك حتّي ظهر ان لا اله الاّ انت و يأتي ان‏شاءاللّه تعالي شرح هذه المجملات عند كشف اعتقادنا في القيّوميّة.

و امّا اصحاب القول الخامس فهم ان ارادوا بالانتساب و الارتباط انتساب الذات بنفسها فغلط فاحش لمايلزم من ذلك من القبايح المنكرة و قداشرنا الي بعض ذلك و ان ارادوا انتسابها بفعله اي النسبة الفعليّة فصحيح لكنّه يأبي هذا التوجيه قولهم وجود زيد اله زيد بل لاتصحّ هذه العبارة مطلقاً و ان اوّلنا قولهم اله زيد بالاله الظاهر بصنعه و ايجاده ليرجع الامر الي ماذكرنا ثانياً لانّ وجود زيد هو النسبة الارتباطيّة بينه و بين الفاعل و هو الاثر الحاصل من الفعل و التأثير و ذلك الاثر لما قارن التأثّر الذي هو الانفعال تحقّق زيد فوجوده هو ذلك الاثر الحادث بالفعل لا نفس الفعل لانّ الفعل لاينزل عن مرتبته كيف و هو الاسم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 433 *»

المكنون المخزون في ظلّه فلايخرج منه الي غيره و بين الشي‏ء و وجوده لابدّ من الارتباط فانّ التباين عدم بل الشي‏ء ليس الاّ الوجود المحدود الاّ اذا ارادوا بالوجود هو المستقل الاصيل و هذا يستلزم تقدير كلمات كثيرة في الكلام مع انّ ذلك الوجود المستقل الاصيل ليس لزيد و لايستند اليه و ليس لزيد فيه ذكر بوجه من الوجوه.

و امّا تمثيلهم بالماء المشمّس فهو في موقفه الاّ انّهم جهلوا وجه التمثيل فانّ الماء انّما استحقّ اطلاق الشمس عليه من جهة مثال الشمس الذي القته فيه فاظهرت به فعلها الذي هو التسخين فذلك المثال هو اثر الشمس و صفته و مثاله و اسمه و ايته فالشمس التي اضيفت الي الماء ليست هي التي في السماء الرابعة و انّما هو ذلك الاثر و النسبة بينهما نسبة الواحد الي السبعين و هذا الاطلاق من باب الحقيقة بعد الحقيقة و هي الحقيقة و المجاز عند العلماء الراسخين و المؤمنين الممتحنين و ان‏لم‏يكن هو المعروف المصطلح عليه بين الاصوليّين مع انّ اثر الشمس المنتسب اليها و المرتبط بها ليس هو الماء و انّما الماء امر خارج اجنبي حامل لظهور الشمس و تأثيره الذي هو الحرارة الظاهرة بذلك الظهور المخصوص فالحرارة المطلقة من حيث هي‏هي بمنزلة الوجود و تلك العوارض و الحدود و الكيفيّة المخصوصة و الكمّ المخصوص بمنزلة الماهيّة فيهما جميعاً ثمّ تأثير الشمس و كلاهما امران وجوديّان تحقّقا بالشمس و الماء ليس من الشمس و لا اليها و انّما هو حامل الظهور و مهبط النور كالزجاجة للمرءاة و الصورة فقولهم قولك زيد موجود كقولك ماء مشمّس ان ارادوا ماقلنا و شرحنا و انّ زيداً ليس الاّ تلك الحرارة المتكيّفة بتلك الكيفيّة المخصوصة فهو صحيح و ان ارادوا انّ زيداً بمنزلة الماء و وجوده المنسوب اليه بمنزلة الحرارة فهو باطل بل زندقة صرفة.

و الحاصل انّ عباراتهم مضطربة و كلماتهم مشوّشة و العلّة فيها ماذكرت لك انّهم اقتصروا علي العبارات و جمدوا علي الالفاظ و القشور و مانظروا الي الاشياء من جهة ذواتها و حقايقها و مباديها و صفتها و عللها و اسبابها و شرايطها لينكشف لهم الامر علي ما هو عليه و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه و لايزالون مختلفين الاّ من رحم ربّك و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 434 *»

لذلك خلقهم لانّ القيّوميّة المطلقة الكاملة التي تنطبق علي مذهب اهل البيت: و تدلّ عليه العقول السليمة المستمدّة من الفؤاد الذي هو لمعة من انوارهم و حرف من كتاب اسرارهم: لاتصحّ الاّ كما ذكرنا بما ذكرنا مشروحاً مفصّلاً و دع عنك الاوهام الباطلة و الاحلام الفاسدة فانّ الحقّ كلّه عند اللّه عزّوجلّ سبحانه جمعه كلّه مما اراد ان‏يظهره لنا في بيت واحد و هي بيت النبوّة فكلّ مالم‏يخرج عن هذا البيت فهو زخرف باطل و اشهد انّ الحقّ لهم و معهم و فيهم و بهم و منهم و اليهم و ماذا بعد الحقّ الاّ الضلال.

ثمّ انّه لمّا دلّ الحديث العلوي المروي عن اميرالمؤمنين7 انّ كلّ ما في الحمد في البسملة علي انّ البسملة هي الجامعة لجميع اطوار الوجودات و احوالها و اكوارها و ادوارها و حركاتها و سكناتها و علويها و سفليها لانّ الحمد جامع لجميع ما في القرءان علي ما في ذلك الحديث الشريف و القرءان  علي ماصرّح اللّه تعالي فيه تفصيل كلّ شي‏ء و تبيان كلّ شي‏ء و لا رطب و لا يابس الاّ فيه فالجامع للجامع للشي‏ء جامع لذلك الشي‏ء فتكون البسملة هي الجامعة لكلّ الامكانات و المكوّنات و المتعيّنات و هي اذا عددت حروفها الملفوظة كانت ثمانيه‏عشر حرفاً و اذا استنطقتها يظهر اسم اللّه الحي المالي‏ء بنوره العوالم الثمانيه‏عشر الالف لانّ السلسلة الطوليّة ثمانية و العرضيّة عشرة و الجمع بين السلسلتين اللتين عليهما مدار الوجود الحادث علي الاطلاق هي ثمانيه‏عشر و لكلّ مقام الف مقام لانّ له ذكر عند نفسه و ذكر عند ربّه فهو واحد عند نفسه و الف عند ربّه كما قال عزّوجلّ و انّ يوماً عند ربّك كالف سنة ممّا تعدّون لانّ كلّما قرب من ربّه تتّسع دائرة وجوده وسعة احاطة ذاته حتّي يبلغ الي اعلي مراتب الاعداد و هو الالف و كلّما قرب من نفسه تتضايق تلك الدائرة و ينجمد ذلك الذوبان فيكون كالنقطة انظر الي الاجسام كلّما كان اعلي كان اوسع و كلّما كان اسفل كان اضيق حتّي صارت نسبة اكبر الكواكب المركوزة في تلك الثوابت الي الارض نسبة المائة الي الواحد و نسبة اصغرها اليها نسبة الخمسه‏عشر الي الواحد و اذا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 435 *»

نسبت اكبر الكواكب كبنات نعش و امثالها الي اصل الفلك يكون الكوكب بالنسبة الي الفلك كالنقطة الصغيرة بل اصغر كما قال7كحلقة ملقاة في فلاة قِي بل اصغر و اصغر و اصغر و المثال تقريبي و الافلاك بمراتبها و طبقاتها انقسمت الي ثلثمائة و ستين قسمة و الارض ايضاً كذلك فالصورة في الجميع واحدة الاّ انّها كلّما تعلو يرتقي العدد كالواحد و العشر و المائة و الالف فانّ الصورة في الجميع واحدة و التفاوت كما تري فلذا كان ما من اللّه الف و ما من العبد واحد و هو قوله تعالي و انّ يوماً عند ربّك كالف سنة ممّا تعدّون.

و امّا خصوصيّة الالف فلانّه الدرجة الرابعة من مراتب الملك و الملكوت و الجبروت و اللاهوت او رتبة الجماد و النبات و الحيوان و الانسان و انّما كان الانسان للّه و عن اللّه لانّه وجه اللّه و قدصيغت صورته علي هيكل التوحيد و الاستقامة المطلقة و الجامعة الكاملة و هي مظهرالاسم الاقدس اللّه و هو المربّي لها و الناظر في شـئونها و اطوارها و امّا كون اللاهوت الذي هو عالم الوجود المطلق او وجهه وجه اللّه فلايخفي علي اولي الحجي لانّ المراد به هو النور و الظهور و التجلّي في قوله تعالي فلمّا تجلّي ربّه للجبل جعله دكّاً فالحي هو المستنطق من البسملة المالي‏ء باثره الذي هو الحيوة كلّ الامكان و الاكوان و اذا عددت حروف البسملة المكتوبة يستنطق عنها الواحد الذي به الاعداد مبدء الاسماء و الصفات و اوّل نشو المتعلّقات و الاضافات و ظهور اسماء الاضافة و الخلق بل و القدس ايضاً فهي ظهورات الواحد القيّوميّة المطلقة و الهيمنة العامّة الشاملة فاشتمل الواحد علي الاسم المقدّس القيّوم فصارت البسملة جامعة للاسمين اللذين هما الاسم الاعظم و لمّا كان الذات الاسمان مستجنّين في غيبها و مندرجين في سرّها و لبّها قال مولينا الرضا7 انّ بسم اللّه الرحمن الرحيم اقرب الي اسم اللّه الاعظم من ناظر العين الي بياضها و قال النبي9 انّ بسم اللّه الرحمن الرحيم اسم من اسماء اللّه الاكبر و مابينه و بين اسم اللّه الاكبر الاّ كما بين سواد العين و بياضها و غيرهما من الروايات الدالّة علي انّ البسملة سرّها الاسم الاعظم و هي ظاهره و قشره و لذا قالوا:اقرب الي اسم اللّه الاكبر من ناظر

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 436 *»

العين الي بياضها فانّ ذلك القرب قرب المداخلة و قرب الناظر الي البياض قرب الملاصقة و المداخلة اقرب من الملاصقة و الروايات قددلّت علي انّ الحي القيّوم هما الاسمان الاعظمان او الاسم الاعظم كما عن الصادق7 مامعناه انّ الاسم الاعظم في ثلثة مواضع من القرءان  احدها في البقرة عند قوله تعالي في اية الكرسي اللّه لااله الاّ هو الحي القيّوم و ثانيها في ال‏عمران في قوله تعالي الم اللّه لااله الاّ هو الحي القيّوم و ثالثها في سورة طه في قوله تعالي و عنت الوجوه للحي القيّوم فظهر انّ الحي القيّوم هما الاسم الاعظم و عليهما دارت الاكوان و مستجنّات غيوب الامكان و هما قداستجنّا في باطن بسم اللّه الرحمن الرحيم فكانت اقرب اليهما من سواد العين الي بياضها فالحي اسم اجمال و مقام اتصال و سرّ انفصال و مظهره الهواء الحارّ الرطب الذي هو النسبة الارتباطيّة و الحقيقة الانتسابيّة بين الفاعل المبدء و القابل الساكن السافل حامل الفيض منه اليه و لذا تراهم يقولون انّ الهواء يربّيه اسم اللّه الحي و هو سرّ النبوّة المطلقة و الحقيقة الجامعة محلّ الايتلاف و طارد الاختلاف و العرش مظهره و المشيّة سرّه و اصله فافهم و القيّوم اسم تفصيل و مقام افتراق و سرّ اجتماع و مظهره الماء و لذا كان العرش علي الماء و الاسم المربّي له المحيي و هو نسبة القابل الي الفاعل فيقبل الاشكال و عنده الاختلاف و هو سرّ الولاية المطلقة الظاهرة بالتدبير العامّ المعطية كلّ ذي‏حقّ حقّه و السائقة الي كلّ مخلوق رزقه و الكرسي مظهر هذا الاسم و الابداع و الارادة اصله و منشأه و بالنون يشار اليه كما انّ بالكاف يشار الي الحي و بهما تمّ الكون و استقرّ النظام و ظهر الامر و خفي و علن و هو قول النبي9في تفسير قوله تعالي انّما انت منذر و لكلّ قوم هادٍ قال9 انا المنذر و علي الهادي فهو7فصل الخطاب و هو الحكمة قال تعالي و اتيناه الحكمة و فصل الخطاب فالخطاب نبي و فصله ولي و ذلك جنس و هذا فصل و بهما معاً يتحقّق النوع الكلّي الظاهر في الافراد و المشخّصات و لذا قال النبي9 مااختلف في اللّه و لا في و انّما الاختلاف فيك يا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 437 *»

 علي و ذلك لانّه الفصل و الاختلاف يأتي من قبله و امّا الجنس فمن قبله الوحدة و الاتفاق و الايتلاف و لمّا كان الاسم في رتبة الاثر لانّه هو المنبئ عن المؤثّر الذي هو المسمّي لا في رتبة المؤثّر و الاّ لم‏يكن الاثر مبدء اشتقاق اسم للمؤثّر و التغيير للمؤثّر بالاثر و كلاهما باطلان كما سبق القول فيه كان العالم الكلّي باجماله و تفصيله جامعاً لسرّ هذين الاسمين بل هما مشتقّان من سرّه الاتري القائم الذي هو الاسم الفاعل مشتقّاً من القيام الذي هو نفس الاثر فظهر من ذلك سرّ قول اميرالمؤمنين7انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و هو قوله7 رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الي هنا و لذا كان الحي القيّوم عشرة احرف في المكتوب و هي العشرة الكاملة التي هي سرّ كل شي‏ء و لايخلق منها شي‏ء لانّ اللّه سبحانه خلق الخلق للحبّ و بالحبّ و هو عشرة و اللفظ علي طبق المعني و سرّ هذه العشر سارٍ في كلّ شي‏ء حتّي في الالفاظ و الاسماء اللفظيّة التي هي صفات و قوابل للمعاني الذاتيّة الحقيقيّة و اذا اردت ان‏تعرف ظهور العشرة في كلّ لفظ فانا ابيّن ذلك فاسمع و اعرف.

و اعلم انّ هذه العشرة هي ظهور حروف الحي القيّوم و هي الان مخفيّة تحت الحجب و الاستار و عند الموت يرتفع الغبار و يعرفها كلّ احد من الاخيار و الاشرار انّ ذلك لعبرة لاولي الابصار و لذا كلّ عارف من ماحض الايمان و ماحض الكفر يري محمّداً و عليّاً صلّي‏اللّه عليهما و الهما عند الاحتضار و مابعده الي يوم يقوم الناس لربّ العالمين و القاعدة في ذلك هو انّك تأخذ ما اردت من كلّ لفظ و حرف من اسم سعيد او شقي انسان او حيوان جنّ او ملك او غير ذلك من الاسماء و الافعال و الحروف و غيرها من الالفاظ فضعّفه ستّ مرّات ثمّ زد علي الحاصل واحداً ثمّ اضرب المجموع في عشرة ثمّ اسقط من الحاصل عشرين عشرين فلايبقي الاّ عشرة و هي العشرة التي عليها مدار الوجود في الغيب و الشهود سرّ اسم اللّه الاعظم في كلّ موجود و مفقود و قد

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 438 *»

فسّر اللّه تعالي تلك العشرة الكاملة بقوله عزّوجلّ ثلثة في الحجّ و سبعة اذا رجعتم تلك عشرة كاملة فما الطف هذه الاشارة لمن يعرف التلويح في العبارة و قوله تعالي ثلثة في الحجّ اشارة الي مراتب التثليث الاوّل التي في الجعل الاوّل قبل ذكر التعيّنات و لذا نسبه تعالي الي الحجّ الذي هو الكون في بيت اللّه الحرام و قدذكرت انّ بيت اللّه الحرام هو الفؤاد بمراتبه الثلثة من الاعلي المتّصل بجهة فيضه من مبدئه اي الاسم الفاعل و الاوسط الحامل لتلك الجهة اي المصدر و الاسفل المتّصل بما دونه من المراتب السفليّة المذكورة عند الحدود و الكثرات و هذه هي الثلثة التي في الحجّ و امّا السبعة التي وجب صومها عند الرجوع الي اهله و موطنه من شئونات اطواره و احواله و بعد السير من الحقّ في الحقّ و الدخول في السفر الثالث الذي هو السير من الحقّ الي الخلقّ و السفر الرابع الذي هو السير في الخلق بالحقّ فتلك السبعة هي مراتب الشي‏ء من العقل و الروح و النفس و الطبيعة و المادّة و المثال و الجسم فلاينفكّ شي‏ء من هذه السبعة ابداً فانّها من متمّمات الايجاد و التكوين و لولاها لنقص الايجاد و اللّه سبحانه و تعالي اجلّ من ذلك و قدشرحنا هذه الاحوال في كثير من مباحثاتنا و رسائلنا و هذه هي العشرة الكاملة ثلثة منها فيها ذكر لااله الاّ اللّه و هي مراتب الفؤاد و سبعة منها ذكر الاحكام المتشعّبة من لااله الاّ اللّه من احكام الصلوة و الزكوة و سائر العبادات و هي سرّ الاكوان كلّها و لذا جاءت الالفاظ مناسبة للمعاني فاستجنّت العشرة في جميع المعاني و المباني و اذا اردت ان‏تظهر حامل السرّ الاعظم و الاسم المعظّم فاضرب قوي «هو» الذي هو الاسم الاكبر في حروف الحي القيّوم فيستنطق بذلك الاسم المبارك العلي و هو الاسم الاعظم و حامله و سرّه و اصله و ينبوعه فقوله تعالي في هذه الاية الشريفة هو الحي القيّوم اشارة الي اسم علي7 فانّ اعداد حروف الحي القيّوم عشرة و عدد حروف «هو» احدعشر فاذا ضربت احدعشر في العشرة يكون الحاصل مائة و عشرة و ذلك ماكنّا نبغي و لذا قال مولينا الرضا7 اوّل ما اختار اللّه لنفسه العلي العظيم فاسمه العلي العظيم و معناه اللّه هذا معني

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 439 *»

الحديث المروي في معاني الاخبار و انّما كان العلي من الاسم الاعظم لانّه جامع الحي القيّوم و الاسم الاكبر «هو» فعلي جامع ثلثة اسماء هي الاسماء العظام اتفاقاً فيكون الجامع اولي و اعلي بان‏يكون هو الاسم الاعظم فلك ان‏تقول هو الاسم الاعظم او لاقرب اليه من ناظر العين الي بياضها كما قلنا في البسملة لانّ هذا الاسم هي البسملة التكوينيّة فاللّه هو الولي و هو يحيي الموتي و هو علي كلّ شي‏ء قدير و قال تعالي و هو العلي الكبير و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم فالعظيم صفة لعلي و علي صفة للّه و اللّه صفة لهو و ليس علي لهو صفة بعد صفة كما كان العظيم للّه كيف و لو كان كذلك لماجاز ان‏يقول و هو العلي الكبير بل يجب ان‏يقول و هو العلي الكبير و قدقال عزّوجلّ و انّه في امّ الكتاب لدينا لعلي حكيم و قال و هو العلي العظيم و هو العلي الكبير و غير ذلك من الاطلاقات و هذه كلّها بيانات و تفاصيل للحي القيّوم فلنقبض العنان فللحيطان اذان و تعيها اذن واعية الي هنا انتهي الكلام و علي من يفهم الكلام السلام و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم.

ثمّ انّ هو الحي القيّوم في الحروف المقطّعة اثني‏عشر حرفاً للاشارة الي اثني‏عشر الاسم المبارك الذي كلّ واحد منها ركن من اركان الاسم الاعظم الاعظم الذي خلقه اللّه سبحانه و جعله بالحروف غير مصوّت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسّد و باللون غير مصبوغ و بالتشبيه غير موصوف فجعله علي اربعة اركان ليس واحد منها قبل الاخر ثمّ جعل لكلّ ركن ثلثة اسماء فكان المجموع اثناعشر فهي واحد في مقام الجمع و اثني‏عشر في مقام التفصيل و الاختلاف و ما غيرها من الاسماء كلّها داخلة تحت هيمنة هذه الاثني‏عشر غير خارجة عن احاطتها و سعة دائرتها و هذه الاسماء الاثني‏عشر لها اثني‏عشر حاملاً كلّ منها حامل اسم من تلك الاسماء علي طبقها لاتزيد عليها و لاتنقص عنها فامتلأ العالم كلّه بتلك الاسماء و محالّها كما في الدعاء و باسمائك التي ملأت اركان كلّ شي‏ء و تلك المحالّ هم الذين اشار اليهم الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه و7 في دعاء رجب فبهم ملأت

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 440 *»

 سماءك و ارضك حتّي ظهر ان لااله الاّ انت الدعاء بل هم تلك الاسماء كما في قوله7في ذلك الدعاء و مقاماتك و اياتك و علاماتك التي لاتعطيل لها في كلّ مكان يعرفك بها من عرفك لافرق بينك و بينها الاّ انّهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك الدعاء و قال مولانا الصادق7نحن الاسماء الحسني التي امركم اللّه ان‏تدعوه بها و في الزيارة لاميرالمؤمنين7السلام علي اسم اللّه الرضي و وجهه المضي‏ء و في الزيارة الجامعة الصغيرة يسبّح اللّه باسمائه جميع خلقه و لهذا و امثاله قال مولينا الصادق7 من قال نحن خالقون بامر اللّه فقد كفر لانّ الاسم لايعمل و لايفعل بامر اللّه المسمّي بل المسمّي ظاهر بالاسم و فاعل به فاللّه سبحانه هو الخالق وحده لاشريك له و ماورد في بعض الخطب عن اميرالمؤمنين7انا خالق السموات و الارض بامر ربّي فالمراد بالامر في هذا المقام هو الامر الذي قال تعالي و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و قال الصادق7كلّ شي‏ء سواك قام بامرك و المراد بقوله7 انا خالق اثبات مرتبة اسميّته و رسميّته سلام اللّه عليه لانّه موصوف صفة الخالقيّة و مسمّي هذا الاسم و ان كان هو7مسمّي الاسم اللفظي و لكنه7اسمٌ معنوي للمقصود من الاسم و المراد منه فافهم فانّ شرح هذه الكلمات ممّا يطول به الكلام و يؤدّي الي ذكر مالاينبغي ذكره فكتمانه في الصدور خير من ابرازه في السطور و لاحول و لاقوّة الاّ باللّه العلي العظيم.

قال اللّه تبارك و تعالي: (لا تأخذه ﺴﻨ\ و لا نوم)

لمّا انّ اللّه سبحانه سمّي نفسه في مبدء هذه الاية الشريفة التي هي سيّد الايات بالاسم الجامع لجميع الصفات الحاوي لكلّ الكمالات المهيمن علي كلّ الكائنات في جميع الذوات المستولي علي كلّ نفي و اثبات و ذلك الاسم هو لفظ الجلالة التي هي مسمّي الاسماء و ذات كلّ الصفات و عنده كلّ شي‏ء عدم بحت باتّ و هو الاسم الجامع و النور اللامع و الضياء الساطع فذكر سبحانه بذكر ذلك الاسم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 441 *»

المعظّم كلّ ما له من الكمالات و المقامات و العلامات و ابداع عجايب المصنوعات و غرايب المكوّنات و العرش و الكرسي و الارضين و السموات فلم‏يبق شي‏ء الاّ و هو داخل تحت هيمنة هذا الاسم من النفي و الاثبات لانّ له الهيمنة علي كلّ الاسماء من اسماء القدس و الاضافة و الخلق و كلّ اسم مربٍّ لحادث من الحوادث و خلق من المخلوقات و لذا قال7و باسمائك التي ملأت اركان كلّ شي‏ء فاذا كان الامر كذلك فعند ذكر الاصل الاقدم يذكر الفروع كلّها معه بالتبعيّة فكأنّه تعالي بذكر هذا الاسم ذكر جميع عظمته و قدرته و قوّته و علمه و حيوته و جماله و جلاله و كبريائه و سلطنته و ملكه و عزّه و علاه و كلمته و اسمائه كلّها مع مايتعلّق بها من الذوات الوجوديّة و الحقايق الغيبيّة و الشهوديّة ممّا جري عليه قلم الابداع بسرّ الاختراع فهو اسم يثبت كل كمال فيه بل و كلّ شي‏ء حادث مخلوق قدنفذت فيه مشيّة اللّه تعالي و امره من المقصود بالذات و المقصود بالعرض و غير ذلك و ينفي مع ذلك كلّه كلّ رسم و كلّ اسم و يخلص التوحيد و الدوام له عزّوجلّ قل اللّه ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون في الدعاء لايري نور غير نورك و لايسمع صوت غير صوتك فيثبت حين ماينفي و ينفي حين مايثبت فما اعظم هذا الاسم المبارك و ما اجلّه.

و لمّا كان لكلّ اجمال لابدّ من تفصيل و لكلّ وحدة لابدّ من كثرة و لانّ الخلق الواقفين في مقام الكثرات لايلتفتون بالاجمال الي دقايق العلوم و عجايب المصنوعات و لطايف التدبير و غرايب التقدير فاخذ سبحانه في تفصيل ذلك المجمل و تبيين ذلك المعضل فابتدأ بذكر التوحيد الذي هو مفاد الاحد الذي هو اسم من اسماء ذلك الاسم ثمّ ذكر التوحيد بذكر النفي و الاثبات تعليماً للخلق و ابانةً لهم بانّ التوحيد اسقاط الاضافات و انّه لايحصل الاّ بكشف السبحات و هتك حجب الانّيّات كما في قول اميرالمؤمنين7لكميل كشف سبحات الجلال من غير اشارة و محو الموهوم و صحو المعلوم و هتك الستر لغلبة السرّ جذب الاحديّة لصفة التوحيد نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد اثاره اطفئ

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 442 *»

 السراج فقد طلع الصبح و كلّ هذه العبارات نفي نفي ليستلزم الاثبات و الثابت هو نور التوحيد الظاهر من حجاب الكينونة الغائب المستتر بحجب الاعمال و الامال و لذا يشار اليه ب «هو» الذي هو الضمير الغائب و لذا قال عزّوجلّ لااله الاّهو فصدر الكلمة نفي و عجزها اثبات و الاثبات في سرّ النفي و باطنه كما كان الاحد في سرّ الواو التي هي حروف النفي و الكثرة و باطنها فانّ الواو اذا استنطقتها بزبرها و بيّناتها يستنطق الاحد و اذا اضفت اليه الواو كان هو الواحد و اذا نظرت الي نفس الواو هي الستّة العدد التامّ التي خلق فيها السموات و الارض و كلّ شي‏ء فصارت حجاباً و كانت اثباتاً فكانت نفياً فاذا اسقطت هذا النفي بسلطان لااله كان الاثبات من غير نفي و هو قول اميرالمؤمنين7 لمّا سئل عن الكلمة التي اوّلها كفر و اخرها ايمان قال7هو قول لااله الاّاللّه و قدمضي تحقيق هذا الكلام و سيأتي ان‏شاءاللّه تعالي لهذا الكلام زيادة بيان ممّا لم‏نذكر قبل.

ثمّ لمّا كان بعد مقام التوحيد مقام الاسماء و الصفات لانّ مقام الواحديّة تحت مقام الاحديّة فاكتفي من ذكر الصفات بذكر الاسمين الاعظمين الحي القيّوم اذ هما واحد جامع للاسماء الكماليّة من صفات القدس و الاضافة و الخلق كما مرّ مشروحاً و اشار ايضاً بهما الي قيّوميّته تعالي و انقياد الاشياء كلّها لامره و خضوعها لدي كلمته و تذلّلها عند سطوة جبروته و هيمنة قهّاريّته في ملكه و ملكوته ثمّ اراد سبحانه ان‏يشير الي تنزيهه سبحانه عن جميع الامكان و صفاته و احواله و شئونه و اطواره حسب مايظهر للناس و الاّ فهو سبحانه لاذكر للامكان و احواله عنده بوجه لابنفي و لا اثبات فانّ النفي فرع الاثبات و لااقلّ من ذكره الاّ انّ الخلق لمّا وقعوا في عالم الكثرات و نسوا ما اوقفهم اللّه سبحانه عليه من سرّ عالم الوحدة و ماكتب في الواح ذواتهم و حقايقهم من معرفة التوحيد و التفريد و التنزيه بلاكيف و لااشارة و ربّما كانوا يثبتون له تعالي مايناسب ذواتهم و كينوناتهم من الصفات الامكانيّة و السمات الخلقيّة فاراد اللّه سبحانه تنبيههم و تعليمهم بانّه تعالي منزّه عن صفة المخلوقين و عن

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 443 *»

نعت الواصفين و عن ادراك الملحدين فقال عزّ من قائل اشارة الي هذه المراتب و تبييناً للصفات التنزيهيّة لا تأخذه سنة و لا نوم.

و السنة و النوم كما يأتي بيانهما ان‏شاءاللّه تعالي عبارتان عن الغفلات و عدم الحيوة الكاملة المطلقة بجميع مراتبها فانّ احوال الخلق حسب قربهم و بعدهم الي مبدئهم تتفاوت بالرقّة و الغلظة و القوّة و الضعف و الزيادة و النقصان فانّ الخلق علي جهة الاطلاق لايخلو امّا ان‏يكون متمحّضاً في النظر اليه تعالي و التوجّه الي امره بحيث لايكون فيه الاّ محض جهة التوجّه لاغير فيكون منزّهاً عن جميع الحدود و القيود و التعيّنات من الكيف و الكمّ و الجهة و الرتبة و الزمان و المكان و غير ذلك حتّي لايبقي سوي محض الوجه فذاك حينئذ اية الوحدانيّة و وجه الصمدانيّة و الفردانيّة و المثال الملقي في هويّات الاشياء و هو الوجه للشي‏ء الباقي بعد فناء كلّ شي‏ء و هو سرّ الربوبيّة الظاهرة في المربوبين و هو الصفة الحادثة التي جعلها اللّه سبحانه في حقايق الاشياء ليعرفوه بها و هي صفة رسم و حقيقة اسم و هي صفة الحي القيّوم الظاهرة للخلق بالخلق عند طلب معرفتهم لصفات ربّهم و بارئهم و لذا قال اميرالمؤمنين7 انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها ام لايكون متمحّضاً في الصفتيّة و الاسميّة بل يري نفسه انّه عبد ذليل خاشع فيتوجّه الي ربّه بكثرة القيام و القعود و الركوع و السجود و هذا له نظران نظر الي ربّه و نظر الي نفسه كما في الدعاء الهي كيف ادعوك و انا انا و كيف لاادعوك و انت انت فهو عند النظر الي نفسه و ان‏كان من حيث الاضمحلال و الهلاك ذاهل عن النظر الي ربّه لانّه تعالي ماجعل لرجل من قلبين في جوفه و لمّا كان النظر في هذا المقام في الاغلب الي الوجه الذي جعله اللّه سبحانه للخلق كان هذا مقام السنة لامقام النوم لانّ النوم هو الذهول و ليس هنا الاّ الفتور و الاّ فهو ناظر متوجّه و هذا المقام لاولي الالباب و اهل العقول السليمة كما انّ المقام الاوّل لاولي الافئدة و اهل اللّه ام لايكون كذلك بل قديغفل غفلة كليّة و يعرض عنه تعالي اعراضاً بحيث يشتغل عنه تعالي بغيره ثمّ يتنبّه و يتوجّه كما هو شأن اهل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 444 *»

المعاصي و اهل اللغو و العبث فهذا المقام مقام النوم الذي ليس معه الانتباه و التوجّه.

و لمّا دلّت الادلّة القطعيّة من العقليّة و النقليّة انّ الناظر يجب ان‏يكون من جنس المنظور اليه و من سنخه و الاّ لماصحّ قول اميرالمؤمنين7انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و هو صلوات اللّه عليه اصدق القائلين فوجب ان‏يكون الناظر الي الحقّ سبحانه بحيث لايغفل ابداً و لاينظر الي نفسه ابداً هو الحقيقة الوحدانيّة البسيطة المجرّدة عن جميع النسب و الاضافات و القرانات و الحدود و التعيّنات و غيرها من صفات المخلوقات و هي داخلة في الصفات و معدودة من السمات. و امّا الناظر الي ربّه دائماً و الناظر الي نفسه مضمحلاً و فانياً فيجب ان‏يكون امراً وحدانيّاً انبساطيّاً فيه ذكر الكثرات و الافراد و صلوح الحدود و الجزئيّات و لكن سلطان الوحدة غالب عليه و ذكر تلك الغفلات يورث الغفلة الجزئيّة التي هي مقام السنة فيكون هو الحقيقة المجرّدة عن الصور الشخصيّة مطلقاً و المذكورة فيها الكثرات ذكراً اجماليّاً. و امّا الناظر الي نفسه و الذاهل عن ربّه فيجب ان‏يكون منطوياً علي الكثرات مغموراً في حجب الانيّات مقترناً بالصور و الحدود و التعيّنات و ملازم للعوارض و الكيفيّات لتمنعه تلك الامال و الاعمال عن مشاهدة وجه اللّه ذي الجلال و الجمال و الحي القادر المتعال و هو مقام النوم الذي هو اخ الموت فيكون هو الحقيقة المقترنة بالصور و الهيئات و الحدود و الانّيات و سائر العوارض و الكثرات و غير ذلك من الاحوال و الاوضاع.

و هذه الحقيقة المقترنة بالصور و الحدود و العوارض لها مراتب و مقامات متنازلة و المراتب التي حصلت بقرانات تلك الحدود بعضها ببعض و هي لانهاية لها و لااستقصاء لعددها و المراتب المتنزّلة فكلّياتها عشرون و الجزئيّات لاحصر لها و اعلاها النفس المجرّدة ثمّ الطبيعة ثمّ المادّة ثمّ المثال ثمّ الجسم الكلّ ثمّ العرش ثمّ الكرسي ثمّ فلك البروج ثمّ فلك المنازل ثمّ فلك زحل ثمّ فلك المشتري ثمّ فلك المرّيخ ثمّ فلك الشمس ثمّ فلك الزهرة ثمّ فلك عطارد ثمّ فلك القمر ثمّ كرة النار ثمّ كرة الهواء ثمّ كرة الماء ثمّ كرة التراب ثمّ مرتبة الجماد ثمّ مرتبة النبات ثمّ مرتبة الحيوان ثمّ مرتبة الجنّ ثمّ

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 445 *»

مرتبة الملك ثمّ مرتبة الانسان ثمّ مقام الجامع7 و كلّ هذه مقامات الصور من حيث هي‏هي من حيث هي مقام النوم. و امّا القوي المدركة للمعاني و الكليّات و الحقايق المجرّدة عن المادّة الجسميّة و النفسيّة و الصورة الشخصيّة فهي لها مراتب كثيرة اعلاها العقل المرتفع ثمّ المنخفض بعد المستوي ثمّ الروح بالوجه الاسفل و يمكن ادخال كلّ ماكان فيه ذكر للغير و ان لم‏يكن من سنخ واحد كالفعل بمراتبه الاربع التي هي النقطة و الالف و الحروف و الكلمة التامّة و المفعول المطلق الذي هو المصدر و هو الوجود المقيّد الصالح للقيود و المفعول‏به الذي اوّله العقل و اخره الثري و ماتحت الثري و كلّ هذه مراتب الامور المعنويّة التي غلبت عليها جهة الوحدة فلم‏يقيّد بالقيود و الحدود المانعة عن مشاهدة عالم الوحدة و ان‏كان  فيها ذكر للغير و صلوح لقبول التعلّقات و التعيّنات و ذلك الذكر يوجب السنة التي معها الانتباه في الجملة في التوجّه بخلاف النوم و كلّ ما في عالم الامكان و الاكوان لايخلو من هاتين المرتبتين امّا كثرة صوريّة فعليّة التي هي تورث النوم او كثرة معنويّة ذكريّة التي هي تورث السنة.

و امّا المتمحّض في الوحدة المطلقة التي ليس فيها مقام السنة و لا نوم فليس في عالم الامكان الاّ ما هو من الاسماء و الصفات الالهيّة فالكثرات علي عمومها و اطلاقها تورث امّا السنة او النوم فالذي لاتعترية سنة و لا نوم خارج عن صقع الكثرات متمحّض في الوحدة المطلقة التي لاشوب من الوحدة فيها فنفي السنة و النوم توجب نفي جميع الكثرات و نفيها تورث نفي جميع احوالها و اوضاعها و قراناتها و اضافاتها و روابطها و جهاتها و بسايطها و علويّاتها و مجرّداتها و مادّياتها و اختلافاتها و افلاكها و عناصرها و معادنها و نباتها و حيوانها و غيرها من ساير الاوضاع و الاحوال و امثالها فاذن بنفي السنة و النوم ينتفي جميع احوال الامكان و صفاتها و اوضاعها عن الواجب سبحانه و تعالي بكلّ الوجوه و كلّ الاعتبارات لماذكرنا فبيّن سبحانه بذكرهما جميع الصفات التنزيهيّة السلبيّة الجلاليّة علي مصطلحهم فنفي الامكان عنه تعالي و صفاته.

فابطل بذكر السنة و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 446 *»

نفيها ما ذكره الحكماء من الربط بين الحادث و القديم و كون علمه تعالي حضوريّاً او كعلم العلّة بمعلولاتها و كعلم الشي‏ء بنفسه و كون بسيط الحقيقة كلّ الاشياء و كونه الكلّ في وحدته و القول بوحدة الوجود و انّه سبحانه هو الذي يتعيّن بالحدود و المشخّصات و يتشأّن بالشئون و الاطوار و انّ الاعيان الثابتة مستجنّة في غيب الذات استجنان الشجرة في النواة او مندرجة فيها اندراج اللوازم في الملزومات و كونه تعالي بذاته مبدء الاشياء و بذاته فاعلاً لها و انّ صفتي الخالقيّة و الرازقيّة من الصفات الذاتيّة و امثالها من العقايد الفاسدة الكاسدة التي فيها اثبات وحدة مشوبة بذكر الغير و صلوح الكثرات و ان‏لم‏تكن كثرة فعليّة صوريّة و انّما هي كثرة صلوحيّة معنويّة المستلزمة للسنة.

و ابطل سبحانه بذكر النوم و نفيه جميع مايثبتون له تعالي ممّايستلزم الاقتران و النسبة و التحديد كقولهم انّ الوجود مشترك معنوي بين الواجب و الممكن ليكون الواجب فرداً من الوجود محدوداً بحدود صوريّة يميّزها عن الوجود الامكاني و القول بالمفهوم باطل كما قدّمنا القول فيه و كقولهم انّ واجب الوجود كلي منحصر في الفرد فتكون الذات هي الفرد الممتاز المعيّن من ذلك الكلي و ان‏لم‏يوجد ساير الافراد و قولهم انّ اللّه سبحانه جزئي حقيقي و جزئي اضافي للقاعدة المقرّرة عندهم انّ الجزئي الحقيقي يستلزم الجزئي الاضافي و لاعكس فقالوا انّ اللّه سبحانه بذاته يدخل تحت مفهوم الشي‏ء و الامر و امثال ذلك و قولهم ايضاً انّه سبحانه جزئي حقيقي و ليس بجزئي اضافي لقبح مايرد عليهم علي فرض الاضافي من لزوم التركيب و التحديد و لم‏يعلموا انّ الجزئي محدود مقيّد و هو من صفات الامكان كالكلي و قولهم انّ الاسماء الالهيّة قديمة من جهة و حادثة من جهة و قولهم بامور يستلزم اعتزال الحق سبحانه و تعطيله كقولهم انّ الصفات الذاتيّة ترجع الي السلوب و قولهم بانّ مفاهيم الصفات الذاتيّة مختلفة و مصداقها واحد و قولهم بالتفويض الي الخلق مطلقاً او تفويض الخلق و الرزق الي الائمّة: بمايلزم منه التعطيل و الاعتزال و قولهم بانّ الوجود و العلم و القدرة و ساير المشتقّات و الكليّات ممّايصحّ

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 447 *»

اطلاقها علي اللّه تعالي و علي غيره يقال و يطلق عليه تعالي و علي غيره بالتشكيك و قولهم بانّ الخلق من سنخ الحق و انّ معطي الشي‏ء ليس فاقداً له و انّ المعلول حقيقة متنزّلة من علّته و غيرها من الاعتقادات الفاسدة التي تستلزم التحديد المستلزم للصورة التي تورث النوم علي ماذكرنا.

فكمال الاعتقاد الحق الذي عليه ائمّة الهدي سلام اللّه عليهم هو ان‏تنزّه اللّه سبحانه و تعالي عن جميع صفات الامكان علي جهة الاطلاق كمالها و نقصانها و هو قوله عزّوجلّ لاتأخذه سنة و لانوم اي لاتنسب اليه تعالي حالاً من احوال الامكان و الاكوان و الاعيان اذ كل كثرة تورث الغفلة و اعلي مراتبها السنة و ادناها و اكثفها النوم فهو جامع الصفات التنزيهيّة كما انّ قوله تعالي الحي القيّوم جامع لجميع الصفات الكماليّة الذاتيّة و الفعليّة القديمة و الحادثة فتكفّلت هذه الكلمات المباركة من قوله تعالي لا اله الاّ هو الي قوله لاتأخذه سنة و لانوم جميع مايتعلّق بمعرفة اللّه سبحانه من معرفته تعالي بالكينونة الاجماليّة و معرفة التوحيد بمراتبها التي ترتقي الي خمسة الاف و مأتين و ثمانين كما قدّمنا الاشارة الي بعض منها و معرفة الاسماء و الصفات من اللفظيّة و المعنويّة و الاسماء الكليّة و الجزئيّة و العظام و غيرها علي مافصّلنا بعض مقاماتها في الجملة و معرفة تنزيهه سبحانه عمّايجب تنزيهه عنه بجميع الجهات و كلّ الاعتبارات فسبحانه من حكيم عليم ادّي كلامه علي اعلي مراتب الاعجاز و اسني درجاته و اعلي مقاماته هذا مايتعلّق بالمعني المراد.

و امّا مايتعلّق باللفظ فاعلم انّ المترائي من ظاهر المقام ان‏يقدّم النوم علي السنة فانّ ذلك ادلّ علي المبالغة في المراد اذ نفي النوم لايستلزم نفي السنة كما انّ نفي السنة يستلزم نفي النوم امّا الاقتصار علي السنة ليكون ادلّ علي المبالغة و ادخل في الفصاحة و البلاغة لاداء المقصود من غير تكثير الالفاظ كما هو المطلوب او تقديم النوم علي السنة ليكون بذكر السنة بعد النوم مزيد افادة و فايدة.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 448 *»

الجواب اعلم انّا قدقرّرنا في كثير من مباحثاتنا و رسائلنا و اجوبتنا للمسائل انّ اللّه سبحانه لمّا اراد ان‏يعرّف نفسه لخلقه اذ لايمكن للخلق ان‏يعرفوه بذاته فعرّف سبحانه و له الحمد نفسه بان وصف نفسه لهم ليعرفوه بذلك الوصف و لمّا كان وصف الحق سبحانه وجب ان‏يكون اجلي الاوصاف و ابينها و اوضحها حتّي لايكون لاحد عليه تعالي حجّة و كان الوصف الحالي اجلي و ابين من الوصف المقالي فوصف سبحانه و تعالي نفسه و جميع مايريد من خلقه ان‏يعرفوه بالوصف الحالي و البيان المثالي و الخطاب التكويني و لمّا كان الوصف كلّما يكون اقرب الي من وصف له كان احسن و اولي و اكمل و اتمّ في تأدية الغرض من اثبات الوصف و كان لاشي‏ء اقرب اليه من نفسه اليه وجب ان‏يجعل سبحانه نفس الاشياء كتاباً تكوينيّاً نقش فيه جميع مايريد منه بالمثال و التمثال لئلاّ يخفي علي احد و لئلاّ يكون للناس علي اللّه حجّة ففعل سبحانه و تعالي و جعل العالم و انفس الخلايق كتاباً واضحاً جليّاً شرح فيه جميع العلوم و الاسرار ثمّ ندب الخلق الي النظر اليه و قراءته و معرفته و مواظبته و استخراج الرموز منه في كتابه القولي التدويني بقوله سبحانه سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتّي يتبيّن لهم انّه الحق و قوله تعالي و كأيّن من اية يمرّون عليها و هم عنها معرضون و قوله تعالي و في انفسكم افلاتبصرون و قوله تعالي و يضرب اللّه الامثال للناس و مايعقلها الاّ العالمون و هكذا باقي الايات و لمّا نظر سبحانه الي ضعف الخلق و احتياجهم الي كثرة المنبّهات و المذكّرات ليذّكّروا و ينظروا ما في ذواتهم و حقايقهم من العلوم و الاسرار و يجسّس خلال تلك الديار فبعث اليهم الرسل و انزل عليهم الكتب و شرح بالقول و التدوين ماكان قدشرحه لهم بالمثال و التكوين فتمّت كلمته و بلغت حجّته ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيي من حي عن بيّنة فجعل الكتاب التدويني طبقاً للكتاب التكويني حرفاً بحرف لئلاّيلزم الاختلاف فانّه ليس منه تعالي كما قال تعالي و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فكان الكتابان كلّ منهما علي طبق الاخر.

و لمّا كان ماكتَب في الكتاب التكويني

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 449 *»

تقديم السنة لانّها اشرف من النوم لكونها اقرب الي اليقظة و ظهور الحرارة الغريزيّة و كلّ ما هو اشرف في الوجود يجب ان‏يتقدّم في الايجاد لانّه تعالي لايخلّ بالحكمة و لايعدل من الاحسن الي غيره فلذا قدّمها في الايجاد بخلق عالم الوجود المطلق و مراتبه و الوجود المقيّد و مراتبه الي مقام العقل المنخفض و ذلك كلّه اطوار السنة لاشتمالها علي وحدة فعليّة و كثرة ذكريّة ثمّ بدء بذكر النوم بخلق عالم النفوس و ماتحتها من المراتب و المقامات فلمّا تقدّمت السنة في التكوين لاشرفيّتها وجب تقدّمها في التدوين و امّا الاختصار فليس بمطلوب في كلّ المقامات نعم في مقام الاجمال يطلب ذلك بخلاف مقام التفصيل.

ثمّ انّ القاعدة في الترقّي في النفي هو الترقّي من الاعلي الي الاسفل و في الاثبات بالعكس كما في قوله تعالي ثمّ دني فتدلّي فكان قاب قوسين او ادني و السرّ في ذلك انّ الترقّي في النفي ينبئ عن القوس النزوليّة فانّ النزول يكون من الاعلي الي الاسفل كتنزّل العقل الي النفس و تنزّلها الي الطبيعة و تنزّلها الي الجسم و هكذا الي اخر المراتب و انّما كان النزول ترقّياً لانّ فايدة النزول تحصيل الكمال بحصول المراتب و المقامات التي تصير منشأ لاظهار عظائم القدرة و عجائب الصنعة و تحصيل رتبتي العلم و العمل للوصول الي اعلي المقامات و اسني الدرجات فهو و ان‏كان في الصورة هبوط و نزول و لكنّه في الحقيقة صعود و ترقّي و لذا سمّوه ترقّياً و انّما كان النفي دليلاً علي النزول لانّ النفي في مقام الكثرة و سلب الوحدة لانّ فعل اللّه سبحانه هو الواحد و عنده الوجود و الثبات و التحقّق فكلّ ما هو اقرب الي الوحدة اثبت في الوجود و التحقّق فينسب اليه الوجود و الثبوت و كلّ ما هو بعيد عن الوحدة مغمور في عالم الكثرة فهو نفي و منفي و معدوم عند النور و الرحمة و الكمال و الجمال فالنفي صفة الماهيّة و الاثبات صفة الوجود لاالنفي المطلق و العدم كذلك فانّ مولينا الصادق7صرّح بانّ النفي شي‏ء و لذا تري مولينا زين العابدين7 في دعاء الصحيفة جعل متعلّق المشيّة التي هي مقام الاجمال و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 450 *»

الوحدة الامر الوجودي و القول الثبوتي و جعل متعلّق الارادة المتعلّقة بخلق الماهيّة التي هي مقام الكثرة و الاختلاف النهي و الزجر العَدَمي كما قال7و روحي له الفداء فهي بمشيّتك دون قولك مؤتمرة و بارادتك دون نهيك منزجرة و لهذه الدقيقة اللطيفة كانت «لا» حرف النفي و «ال» حرف الاثبات و المادّة واحدة في المقامين و كانت «لم» للنفي الماضي و «لن» لنفي التأبيد و تفصيل القول و شرح الكلام في هذا المقام يؤدّي الي تطويل المقال و ذكر مالاينبغي من عظيم الاحوال.

و بالجملة اذا كان الترقّي في الكلام المنفي يقدّمون الاعلي لماذكرنا و لذا قال سبحانه و تعالي في هذه الاية الشريفة لاتأخذه سنة و لانوم و قدّم ماقدّم علي الاصل و الواقع و امّا الترقّي في الكلام المثبت فانّه ينبئ عن القوس الصعوديّة و تلك القوس كلّما هو اقدم اخسّ و ادني ممّابعده كما هو المحسوس المرئي في تكوين الانسان من كونه نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة ثم عظاماً ثمّ اكتساء اللحم ثمّ انشاء الخلق الاخر ثمّ خروجه الي هذه الدنيا تامّاً سويّاً كامل الخلق ثمّ تدرّجه من حال الرضاع الي حال الفطام الي حال الصبي الي حال المراهقة الي حال البلوغ الي حال التمام الي حال الكمال و كلّ مرتبة مؤخّرة اشرف و اعلي ممّاقبلها فوجب ذكر الاسفل ثمّ الاعلي جرياً للنظم الطبيعي و الصنع الكوني الايجادي و لذا قال عزّوجلّ في مقام الصعود و الترقّي فكان قاب قوسين او ادني اي بل ادني فوجب ان‏يكون الامر هكذا في الكلام الموجب عند الترقّي علي الاصل و القاعدة و ربّما تختلف لامور اخر يعرف بمقتضي المقام.

و لمّا كان مبني هذه الاية الشريفة علي حكم القوس النزوليّة و التدرّج من عالم الاجمال الي عالم التفصيل كما ذكر سبحانه لفظ الجلالة اوّلاً ثم فصّلها بالتوحيد و ذكر الاسماء الجلاليّة الكمالية و الاسماء التنزيهيّة لكنس غبار الاوهام و اذهاب صداء الافهام و دفع غلطات الاحلام لا انّ هناك مايحتاج الي نفي لولاه لصحّ القول حاشا ثمّ حاشا تعالي ربّي و تقدّس عمّايقولون علوّاً كبيراً و انّما ذلك نفي بلاكيف و تنزيه من غير

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 451 *»

اشارة كما في قول اميرالمؤمنين7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة و لمّا كان الامر في هذه الاية الشريفة علي المبني وجب تقديم السنة التي هي الاعلي علي النوم الذي هو الاسفل و لذا قالوا انّ الناس نيام اذا ماتوا انتبهوا و اهل البرزخ نيام اذابعثوا انتبهوا و اهل المحشر نيام اذا دخلوا الكثيب الاحمر انتبهوا و اهل الكثيب الاحمر نيام اذا دخلوا الرفرف الاخضر انتبهوا و اهل الرفرف الاخضر نيام اذا دخلوا ارض الزعفران انتبهوا و اهل ارض الزعفران نيام اذا دخلوا الاعراف انتبهوا و اهل الاعراف لهم سنة لانوم و هم اذا دخلوا الرضوان انتبهوا و اولئك لانوم لهم و لا سنة لانّه لجّة بحر الاحديّة و طمطام يمّ الوحدانية (الواحديّة خ‏ل) اين الكثرة حتّي يلحق النوم او السنة و الكثيب الاحمر هو جنّة الطبيعة و الرفرف الاخضر جنّة النفوس و ارض زعفران جنّة الارواح الرقايقيّة و الاعراف جنّة العقل و هي اعلي مقامات الجنّة كما في الحديث المروي عنهم: و لذا قالوا انّ هناك سنة لا نوم و امّا الرضوان فلمّا كان مقام الصفة و مقام عدم الكيف و الحدّ و الاضافة و النسب فليس هناك مقام نوم لانّه مقام التجلّي بعد التجلّي و الظهور بعد الظهور فاين النوم لانّه مقام المحبّة و المحبّ لاينام عن محبوبه فاذا قام اشتغل عنه بالاخر فاذا وجدت الكثرة جاء النوم و هذا واضح ظاهر ان‏شاءاللّه تعالي.

و امّا حقيقة النوم فاعلم انّ العالي اذا نظر الي السافل فالعالي لايخلو امّا ان‏يكون بحيث يحتاج الي اعلي منه و يستمدّ منه و يستنداليه و لايستغني عنه او لا بل هو غاية الغايات و اقصي النهايات لايتجاوزه شي‏ء و لايفتقر الي شي‏ء و مستغني عن كلّ شي‏ء و السافل المنظوراليه لايخلو امّا ان‏يكون موافقاً للعالي في ميولاته و احواله و افعاله بحيث يكون ظاهره لايخالفه بحال من الاحوال و لاشأن من الشئون ام لا بل يكون فيه جهة مخالفة و منافرة كما تكون فيه جهة مناسبة و موافقة اذ لوكانت المباينة كليّة من جميع الجهات امتنع النظر و الالتفات كمالايخفي فالعالي الذي لايحتاج الي شي‏ء و كلّ شي‏ء محتاج اليه لايكون الاّ كريماً جواداً وهّاباً فيّاضاً فهو دائم النظر الي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 452 *»

سافله لرعايته و احسانه فلايفقد السافل تلك الرعاية و الاحسان ابداً دائماً سرمداً ثمّ اذا كان السافل ممّا لايحتاج الاّ الي محض الفيض و الافاضة و لايفتقر الي غيرها من ساير الاسباب و المتمّمات و المكمّلات و الشرايط و اللوازم فلانظر له الاّ الي عاليه و مبدئه لا الي غيره فذلك حي دائماً لايعتريه موت و لاسنة و لانوم اذ الاعراض من الطرفين مرتفع فاين الموت و مقدّماته و حيوة السافل بنظر العالي و نظر العالي بقبول السافل و اذا كان في تأصّله و تحقّقه محتاجاً الي شرايط مقدّمات اخر غير محض الافاضة كحال الموجودات المقيّدة التي تحتاج الي الشرايط و المتمّمات من الحدود الستّة و لواحقها و اوضاعها فذلك يعتريه تغيّرات و انتقالات و اطوار فيعرضه الموت و مقدّماته التي هي السنة و النوم و لاتعرضه في مقام اخر فمن جهة عدم قطع العالي نظره عنه و رعايته و تدبيره بالاحوال المختلفة و الصفات المتباينة فهو حي و من جهة نظر السافل احياناً او دائماً بوجه من الوجوه الي الكثرات من الاسباب و المسبّبات و عدم توجّهه الي نظر العالي و عدم استمداده من الخير و النور يقال انّه يعتريه موت اذا اعرض كليّاً بالكفر و الجحود و الانكار فذلك حيث الاحياء و هو قوله تعالي يخرج الحي من الميّت و يخرج الميّت من الحي و قوله تعالي افمن كان ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس و قوله تعالي انّ اللّه يسمع من يشاء و ما انت بمسمع من في القبور و غيرها من الايات فنظر العالي اليه في الاحوال كلّها يورث الحركة و الحيوة و اعراضه عن العالي بالوجه المخصوص الذي ذكرنا يورث الموت بالمعني الذي ذكرنا فافهم و يعتريه سنة او نوم ان‏كان الاعراض جزئيّاً بالعصيان و الفسق و ترك الاولي و العالي الذي يحتاج الي اعلي منه فان كان السافل ممّا لايخالفة و لايضادّه فلاتقع بينهما المفارقة ابداً مادام ينظر كلّ منهما الي شئونه و اطوار نفسه لتحقق المناسبة المورثة لعدم الانفكاك الاّ عند التوجّه الي العالي الذي يستمدّ ذلك العالي منه فاذا استغرق في التوجّه اليه بحيث ينسي نفسه تقع المفارقة بين العالي و السافل و يبقي السافل لاحراك له الي ان‏ينظر اليه العالي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 453 *»

فحينئذ يحيي و يستيقظ ففي هذا المقام نوم لاموت لانّ مع الموت لااعادة لنظر العالي الي السافل الاّ في عالم اخر و مقام اعلي و هنا يرفع النظر لاعادة النظر و تظهر السنة بقلّة الالتفات و النوم بعظيم الالتفات الي الاعلي و هذا هو النوم النافع الذي يقوّي الحرارة الغريزيّة و ينضج الطبيعة و يهضم الطعام و يدفع الفضولات و يخفّف الرطوبات الفضليّة و يسكّن الحرارة الغريبة و غيرها من الافعال التي ذكرها الاطبّاء و هذا معني ماذكرنا سابقاً في مقامات اهل الجنّة انّ اهل الكثيب الاحمر نيام اذا دخلوا الرفرف الاخضر انتبهوا و هكذا مقامات الجنّة و اهلها حتّي يدخلوا مقام الرضوان فهناك لا سنة و لا نوم لانّه مقام الوجه و الجناب و الوقوف علي الباب انّ في ذلك لاَيات لاولي الالباب.

و امّا اذا كان السافل ممّايخالف العالي و يضادّه و يعانده مثل الارواح المتعلّقة بابدان اهل الدنيا فان الابدان تغيّرت عمّا هي عليه من جهة العوارض و الكثافات الدنيويّة الحاصلة من انواع المعاصي و السيّئات بكثرة الخلط و اللطخ فكثرت فيها الامور الغريبة و الفضلات الزايدة و غلب عليها عدد نضج الطبيعة فلاتقوي علي ادامة نظر الروح عليها بكلّها في كلّ الاحوال فانّ الروح النفسانيّة متعلّقة بالروح البخاري في تجاويف القلب و هو متعلّق بالحرارة الغريزيّة و ذلك البخار لطيف سريع التحلّل لما فيه من غرايب الامور فاذا تحلّل و لم‏يحصل له البدل يضعف عن حمل اثار الروح النفسيّة فثقل اثارها فتضعف البدن اذ لا حامل للروح النفسانيّة الاّ الروح البخاري فيعدم و يهلك و هذا كلّه لعدم نضج البدن و عدم تحمّله لشدّة الحرارة و لذا تري في عمل الاكسير يستعملون اوّلاً النيران الخفيفة الضعيفة حتّي تقوي تلك المادّة و تنضج فاذا قويت و نضجت تكون صابرة علي النار و كلّما يزداد ذوباناً يزداد صفاء و لمعاناً و امّا في اوّل الامر لو زادوا النار لاحترقت و فنيت و هكذا حكم البدن لو استمرّ عليه حكم ظهور اثار الروح تشتدّ عليه الحرارة لانّ اليقظة حركة و هي تحدث الحرارة فاذا قويت الحرارة زايدة عن حدّ اللايق لم‏يتحمّل البدن فيفسد فيموت

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 454 *»

فلذا قد امر اللّه علي الروح بان‏يعرض عن ظاهر البدن و يميل الي الباطن و يجتمع الروح البخاري في القلب ليتقوّي فيتدارك هضم الغذاء في اليقظة و لمّا انّ اللّه سبحانه جعل لكلّ شي‏ء سبباً و ابي ان‏يجري الاشياء الاّ باسبابها جعل لذلك الاعراض و اجتماع الروح في القلب سبباً في نفس البدن و لمّا امتنع الاضطرار صارت الاسباب طبيعيّة و غيرطبيعيّة امّا الطبيعيّة فالبخار الرطب المعتدل المتحصّل من الاغذية المبخّرة و الرطبة يصعد الي الدماغ فيملأ بطونه و خالط اوداجه و غلظ قوامه فعند ذلك يعسر نفوذها في مسالكها فانّه يرخي الالات فينطبق بعضها علي بعض و يمنع عن نفوذ الروح فيها بسهولة و لذلك تري النوم يحصل عقيب استعمال الغذاء اذا كان ممّايرتفع عنه بخار رطب معتدل (كذا) كسل و تثاوب و نمط و سنة و نوم و لذا قال7لاتأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً فتناموا كثيراً فيمقتكم اللّه كثيراً هذا معني الحديث فجعل7علّة النوم اكل الطعام و شرب الماء الكثير ليتولّد منه الابخرة و تصعد الي الدماغ و تمنع من نفوذ الروح بسهولة.

و لمّا كان لكلّ شي‏ء علل اربع فلابأس ان‏نشير الي علل النوم اشارة اجماليّة:

امّا العلّة الماديّة فقد ذكرنا من انّها البخار الرطب المعتدل و قديكون ايضاً عدم النفوذ لتحلّل الروح في نفسه و ضعفه عن النفوذ الي كلّ اقطار البدن فيجتمع في الباطن طلباً للراحة و القوّة و بَدَل مايتحلّل و الي هذا المعني يشير كلام شيخنا جعلني اللّه فداه في بعض الاجوبة و قال: «اعلم انّ الروح المدبّر للبدن اذا لحقها ملال باستعمال الاتها في تدبير الغذاء بتصفيته و دفع غرايبه و وزنه و تقديره اجتمعت في القلب و استراحت فضعف الارتباط بها» الي اخر كلامه اعلي‏اللّه‏مقامه و هذا الملال انّما يحصل له اذا ضعف و تحلّل.

و امّا العلّة الصوريّة فهي مقدار النوم و وقته و شكله امّا مقداره فهو الي حين ماينهضم الغذاء الكائن في المعدة و يندفع الفضلات الي مخارجها و امّا وقته فهو بعد استعمال الغذاء الرطب المعتدل في ذلك لابعده بلافاصلة فانّ ذلك يورث سوء المزاج و دف‏ء(كذا) في العين بل يصبر حتّي يستقرّ الغذاء في المعدة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 455 *»

و يأخذ في التحلّل فذلك وقت النوم ليعين الروح في التحليل و الهضم و لذا كان نوم النهار وقت القيلولة قبل الظهر بساعة تخميناً و تقريباً لانّ طعام النهار علي معتاد الناس في الغالب استقرّ في ذلك مقرّه و في الليل بعد العشاء و امّا نوم ساير الاوقات فمذموم الاّ اذا تحقّق السبب و لذا تري الناس وقت المطر في فصل الربيع و الصيف يغلب عليهم النوم اي وقتٍ كان في الغالب لانّه يهيّج الابخرة المورثة للنوم يمنع الروح البخاري عن النفوذ. و امّا شكله فهو ان‏يستلقي اوّلاً ويجعل رجله اليمني علي اليسري ثمّ علي الجانب الايمن ثمّ علي الايسر ثمّ علي الايمن و ذكر اسباب هذه الاشياء و عللها يطول به الكلام.

و امّا العلّة الفاعليّة فهي النفس الحيوانيّة فانّها في مثل هذا الوقت تكفّ عن افعالها في الحواسّ الظاهريّة و الحركات الاراديّة الاّ ماكان منها ضروريّاً في بقاء الحيوة مثل حركة النفس.

و امّا العلّة الغائيّة فهي اجتماع القوي و تراجعها للاستراحة و لذلك صار الانسان يقوم من نومه و قداستراح من كثير مايشكوه و مع‏ذلك انفذ عقلاً و اقوي حسّاً و اكثر نشاطاً غير انّ‏نفعه هذا يختلف بحسب القوي كما هو المشروح في محلّه.

و امّا الاسباب الاخر الغير الطبيعيّة التي تصير سبباً لاعراض الروح و لايستريح بذلك البدن و لايتقوّي به الحرارة الغريزيّة و لايكثر جوهر الروح فامور كثيرة نشير الي بعضها  هنا لعموم الفايدة منها تحلّل جوهر الروح فلايبقي بالانبساط في غير المبدء و الفرق بينه و بين ماذكرنا سابقاً من الاسباب الطبيعيّة انّ ذلك التحلّل انّما حصل باليقظة و النوم يطلب بدل ماتحلّله اليقظة و هو امر طبيعي و امّا هنا فالنوم يطلب بدل تحليل غيرطبيعي و علامته تقدّم استفراغات و اسباب محلّلة او عدم الغذاء و وجود الضعف

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 456 *»

و منها فرط الرطوبة في البدن لانّها يرطّب عصب الحسّ و الحركة و يليّنها و يسدّ مجري الروح و تغلّظ جوهره فلاتتحرّك حركة انبساط و نوم السكران و من لم‏ينهضم طعامه و ثقل علي فم المعدة من هذا القبيل و علامته ان‏يكون النبض ليّناً موجيّاً عريضاً و لون الوجه و العين و اللسان ابيض و ورم الجفون و منها سوء المزاج بارد ساذج فانّ البرودة تجمّد المنافذ و المسامات الداخلة فتمنع من نفوذ الروح بسهولة و علامته النسيان و نقصان التمييز و منها زيادة الدم في العروق و المجاري فتمنع الروح من النفوذ و علامته انتفاخ الاوداج و حمرة الوجنتين و العينين و منها البرد الخارجي فيمنع النفوذ بسدّ المسامات الي الخارج و علامته ميل لون الوجه الي الخضرة و النبض صلب ممتدّ و متفاوت و منها البخار الحارّ المتصاعد الي الدماغ من عضو كالمعدة و الرية و غيرهما و علامته ان‏يظهر لصاحبه دَُوار و طنين و يري خيالات كالذباب و البقّ و الخطوط السود و الحمر و الصفر امام العين و خفته علي الجوع و زيادته علي الامتلاء ان‏كان  من المعدة و اذا كان من الرية يقدمه وجع ثقيل في نواحي الصدر و ضيق النفس و سعال رطب و منها حدوث الديدان فيضعف الروح و يعين عليه البخار المتصاعد منها الي الدماغ و هذه و امثالها هي الاسباب الغير الطبيعيّة للنوم.

و امّا الخرخرة الحاصلة في النوم فسببها رطوبات الحنجرة فيخرج النفس مع الصوت لانّ الحرارة قدقلّت عن الظاهر و قويت البرودة فخمدت تلك الرطوبات فاذا جذب الروح الهواء و استنشق بالة الرية فتصادم اجزاء الهواء مع تلك الاجزاء يحدث الصوت و الفرق بين المسكوت و المسبوت انّ حسّ المسكوت يذهب اليه و المسبوت بخلافه و الفرق بين المسبوت و المغشي‏عليه انّ نبض المسبوت اقوي و الغشي لضعف القلب يقع تدريجاً مع تغيير اللون الي الصفرة و برد الاطراف و هذا ملخّص ماعند

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 457 *»

الاطبّاء في احكام النوم و علله و اسبابه و هذا هو الحكم الجاري في الظاهر علي الانسان خاصّة.

و امّا في الواقع فالنوم يجري في كلّ ما خلق اللّه سبحانه و ركّبه من جزئين نور و ظلمة و جهة امداد و استمداد و عال و سافل علي مافصّلنا فانّ كلّ شي‏ء مستمدّ من جهة وجهه الي مبدئه و تلك الجهة عند التوجّه الي الاعلي تظهر للاسفل مقام النوم او (و خ‏ل) ان‏تعتريه اسباب تمنع ظهور الجهة العليا فيه فيضعف فيه الحسّ و الحركة و تلك الاسباب طبيعيّة و غيرطبيعيّة علي حسب حال ذلك الشي‏ء فيجري هذا الحكم في العالم الكبير و العالم الصغير و العالم الوسيط و كلّ ذرّة من ذرّات الوجود في عالم الغيب و الشهود في كلّ موجود و مفقود لانّ صنع اللّه سبحانه واحد ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و ما امرنا الاّ واحدة و ما خلقكم و لا بعثكم الاّ كنفس واحدة لكن لمّاكان الناس انجمدت قرائحهم بالنظر الي ما لايعنيهم فبقوا لايرون الاّ ما شاهدته الحواسّ فلايمكنهم اجراء الاحكام الكليّة في الذوات الكليّة و الجزئيّة و لو اردنا ان‏نشرح لك كيفيّة نوم العالم الاكبر و سنته و حيوته و موته لطال بنا الكلام و لخرجنا عن المقام الاّ انّا قداشرنا الي نوع المسألة عند القول بانّ النوم عبارة عن رفع العالي نظره عن السافل لكثافات و عوارض تحول بين العالي و بين السافل و تلك العوارض في البدن الانساني البخارات و ما ذكرناه من الاسباب و العالي هو الروح الحيوانيّة او الانسانيّة و السافل هو البدن الجسماني فانّ الروح هو محلّ نظر اللّه و فيضه للبدن و العالم الاكبر محلّ نظر اللّه و رابطة الفيض بين اللّه و بين خلقه و الغوث و النقطة الحقيقيّة هو العالي و السافل كينونات الخلايق و العرش و الكرسي و السموات و الارض و ماحوته هذه الافلاك و الدوائر من المتولّدات كلّها و العوارض هي مقتضيات النفس الامّارة بالسوء و مشتهياتها ممّايخالف مراد اللّه سبحانه مع الايمان الذاتي فيخرج و يتصاعد من ارض اعمالهم و قوابل افعالهم من رطوبات ميولاتهم و شهواتهم بحرارة الاوامر و النواهي الواردة عليهم او بحرارة قوّة كينونتهم ابخرة هي الظلمة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 458 *»

الحادثة الكاينة بتلك الاعمال و تلك المقتضيات فتحجب الذوات السفليّة عن مقابلة تلك الانوار لسدّ المنافذ التي هي جهة الاقبال و التوجّه الي الغوث العالي لبقي الكينونات محجوبة عن نظره و ساقطة عن الحسّ و الحركة الاّ ما كان ضروريّاً مثل النفس.

امّا سقوط الحركة و الحسّ فلما نشاهد من عدم الميل الي الطاعات و العبادات و عدم التوجّه الي باري‏ء السموات و خالق النسمات و عدم طاقتهم للنهوض و الهرب اذا لدغتهم حيّات الشياطين و عقاربها بسمّ المعصية فانّ الرجل تراه يحبّ ان لايعصي فاذا عارضته معصية تغلب عليه الشهوة يقارنها و ان‏كان مكرهاً لها فلوكان حيّاً او مستيقظاً لهرب منها كما يفرّ و يهرب من الاسد المفترس الضاري و لكنّه نائم لايستيقظ الاّ بعد وقوع المعصية فيبقي متأسّفاً متضجّراً كمن لدغته العقرب و هو نائم فيستيقظ و يصيح و يتأوّه و كذلك عدم النهوض لطلب العلم و الكمال و المعارف الربّانيّة و الحكم السبحانيّة و البواطن و الاسرار القرءانيّة و التلويحات و الاشارات المعصوميّة و التأمّل في الايات الافاقيّة و الانفسيّة و التدبّر في عظمة الخالق و قدرته و طلب ما يريد منه و ترك ما لايعنيه و عدم مشاهدة الانوار القدسيّة و الاسرار اللاهوتيّة و صرير اقلام الملائكة المدبّرات و اصوات الافلاك الدائرات المسبّحات و تسبيح الجمادات و النباتات و خضوع الاشياء و خشوعها لخالق الارضين و السموات و امثالها من عجائب الصنع و بدايع الخلقة فلو لم‏تكن الحواسّ معطّلة و الادراكات ساقطة لماحصلت الغفلة مع ظهور الامر و كشف الحجاب و فتح الباب الاّ انّ القوم نائمون و عن الكمالات و عجائب الاشياء و غرائب الامور غافلون و هو قوله تعالي لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد.

و امّا النفس الخارج من النائم الذي هو علامة حيوته ففي هذا المقام اقرارهم بالتوحيد و النبوّة و الامامة و المعاد علي ظاهر الحال لا علي جهة الحقيقة و الواقع فمن ليس عنده هذا الاقرار فليس بنائم بل هو ميّت و هذه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 459 *»

الاسباب لامور غير طبيعيّة لاطبيعيّة فحدثت منه الامراض ايضاً مع النوم الدائم فمنهم من غشي عليه و منهم من مسكوت و منهم نائم مسبوت.

و لكلّ رأيت منهم مقاما   شرحه في الكتاب ممّا يطول

و كذلك الحكم في عدم نضج الثمار و عدم استقامة الاحوال و عدم اعتدال الاشجار و كثافة الاحجار و ظلمة الليل و تغيير النهار و غلاء الاسعار و كساد التجّار و استيلاء الفجّار و تسلّط الاشرار و خمود الاغيار و افشاء الاسرار و خفاء الانوار و وقوع الاكدار و خراب الديار و غيرها من الاحوال الجارية و الاحكام السارية علي خلاف مقتضي الطبيعة الايجاديّة فاذا بطل النوم و استقرّ القوم و ذهب الليل و استمرّ اليوم تعتدل هذه الاحوال و تجري الاشياء علي مقتضي كينوناتها في توجّهاتها و يغلب سلطان الوحدة فيرفع التضاد و يبطل التعاند و يبقي الاتّحاد فيصدر من كلّ شي‏ء كلّ شي‏ء و من كلّ طبيعة كلّ طبيعة و لايفترق المجتمع و لايجتمع المفترق لانّ الاجتماع لايكون الاّ للملائمة و هي دائمة مستمرّة و الافتراق لايكون الاّ للمنافرة و هي دائمة مستمرّة فالعلّة باقية و الحكم ثابت و لذا كانت دار الاخرة هي الحيوان.

و علي ما ذكرنا وضح و ظهر لك انّ النوم حدث لانّه اعراض لنظر العالي عن السافل كالبول و الغايط و المني و الموت و غيرها فاذا اعرضت الروح النفسانيّة بوجهها الذي هو الروح البخاري و هو اعرض بوجهه الذي هو الحرارة الغريزيّة الكاينة في تجاويف القلب عن الفضلات الخارجة عن ثفل الكيلوس و الكيموس و الهضمين الاخرين فنتنت و خبثت بذلك الاعراض فنجست لاجل ذلك لانّها مدبرة عن الطهارة الاصليّة التي هي وجه اللّه الذي يحمله العقل الذي يحمله الروح الرقايقي الذي يحمله النفس القدسيّة الانسانيّة التي يحملها النفس الحسّاسة الفلكيّة التي يحملها الروح البخاري الذي تحمله الحرارة الغريزيّة فالمدبر عن الطاهر و الطهارة لايكون الاّ نجساً و نجاسةً و لذا كانت الفضلات المدفوعة التي بلغت حدّ النضج نجسة علي مافصّلنا في اسرار الصلوة دون المذي و الودي و الوذي و القيح و الصديد الذي يخرج من الانسان و ان كانت خبيثة فاذا كان

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 460 *»

الامر كذلك فماظنّك بالنوم الذي هو اخ الموت من جهة اعراض الروح الحاملة لوجه اللّه الذي به المدد و البقاء عن ظاهر الجسد فتبقي اقطار ظاهر البدن مظلمة كثيفة منتنة زائلة عليها ذلّ الاعراض و انكسار الهوي الي حضيض الادبار فلايصلح مع ذلك للتوجّه الي حضرة الجبّار القهّار القدّوس الطاهر فيجب ان‏يتطهّر بالماء الذي يعينه نيّة القربة فيتقوّي في التأثير و الفعل و يتلطّف في النفوذ و الذوبان و السراية فينفذ في جميع الاقطار و يذهب الظلمة بتطهير تلك الاوساخ و ازالة تلك الاكدار مثل الاكسير اذا بلغ في اللطافة و الصفاء مبلغ الكمال و وصل الي مقام الوصال و الاتّصال يطهّر قيراط قناطر من الفلزّات الناقصة و الاجساد الكدرة المتوسّخة كذلك الماء اذا قارنته نيّة القربة فتوصّل به الي تلك الدرجة الفعّاليّة و تفصيل القول في هذا المطلب ذكرنا في اسرار الصلوة في مبحث الطهارة فليرجع اليه.

بقي الكلام في الرؤيا و احوالها و صدقها و كذبها و حقيقتها اعلم انّ الكلام في هذا المطلب يقع علي اطوار مختلفة متعدّدة متفاوتة لانّ كلّ شي‏ء في الوجود فيه معني كلّ شي‏ء و يجري فيه ما يجري علي كلّ شي‏ء و له مناسبة بكلّ شي‏ء و يجري الكلام فيه بكلّ طور الاّ انّا نذكر في هذا المقام من الاطوار الطور الذي ذكره و كتبه شيخنا جعلني اللّه فداه و نعرض عن باقي الاطوار لما فيها من تطويل الكلام و اظهار ما لاينبغي اظهاره فنقول قال اطال اللّه بقاءه: «و امّا اصل الرؤيا فاعلم انّ الروح المدبّر للبدن اذا لحقها ملال باستعمال الاتها في تدبير الغذاء بتصفيته و دفع غرايبه و وزنه و تقديره اجتمعت في القلب فاستراحت فضعف الارتباط بها و رقّ حجابها فتتذكر عالمها الاعلي الاّ انّها قدعلقت بها ثاء الثقيل و لحقها صفات من الاعمال الحميدة و الذميمة فاذا التفتت الي العالم الاعلي شاهدت ماهنالك ممّا تفور به فوّارة القدر فتنتقش في مرءاتها صور مايظهر من هنالك و تكون صحّة ذلك الانتقاش و بطلانه و كماله و نقصه علي حسب استقامة المرءاة و عدمها في الكمّ و الكيف و الوضع و ذلك علي حسب مااتصفت به من الصفات المستفادة من الاعمال فان كانت حميدة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 461 *»

استقامت و كملت و صلح الانتقاش فكان ما تعاين هو الواقع و ان كانت ذميمة فعلي العكس و ان‏كانت ممزوجة كان ما فيها ممزوجاً فافهم الاشارة فهذا اصل الرؤيا ثمّ اعلم انّ لذلك واسطة فان كان هو الشيطان المقيّض للرؤيا المسمّي بالرها و ذلك باستقلاله كانت الرؤيا باطلة انّما النجوي من الشيطان ليحزن الذين امنوا و ليس بضارّهم شيئاً الاّ باذن اللّه و ان‏كان الواسطة الملك الموكّل به باستقلاله كانت الرؤيا صحيحة و ان‏كان من بينهما كانت ممزوجة ثمّ انّا قلنا انّ الخيال اذا قابل بمرءاته التي هي ذاته باب القدر انتقش فيه صور ما يفور من فوّارة القدر فينتبه من نومه و يقع ما رأي صورته قبل الوقوع و ربّما يكون بعد الاخبار به لانّ الاخبار ممّا يحقّق الانتقاش المقتضي للوقوع و ربّما يكون بمعونة التعبير فهذا منشأها و لمّا جرت حكمة اللّه سبحانه بانّ المرايا تنتزع صور ما قابلها من ذات او صفة لون او مقدار او بعد او وقت او جهة او غير ذلك و ذلك لامر حكيم من صنعه سبحانه وجب ان‏تنتقش في الخيال صورة كلّ ما قابلها فيري الشخص ما في خياله فيري صاحب الشبح لانّ ما في الخيال طريق المتخيّل الي ذلك الشي‏ء و صحّته و فساده و كماله و نقصه من الاحوال المذكورة سابقاًفراجع فهذه حقيقة الرؤيا.

و امّا عالمها فهو عالم البرزخ و المثال الذي هو وراء الاجسام فان كانت صحيحة كان قدشاهد اشباح ماينزل من عالم الغيب الي الشهادة في عالم البرزخ من هورقليا و ان كانت باطلة كان قدشاهد اظلّة مايعرض له في خياله من اوضاع الابخرة و اوهام النفس التي تتقدّر باشباح الشياطين في ارض العادات و الطبع من جابلقا و جابرسا فهذا عالمها فافهم فانّه سرّ دقيق رشيق.

و امّا صدق الرؤيا و كذبها و تفاوت الصدق و الكذب في الليل و النهار و اوّل الليل و اخره و وقوع ما رأي في التعبير و مدخليّة التعبير في وقوع الشي‏ء و معني ماورد انّ الرؤيا علي ماتعبّر، فاعلم انّ الرؤيا قدورد فيها ان مايراه الشخص في السماء فهو حقّ و مايراه في الارض فهو اضغاث احلام و ورد انّها تكون في بعض الليالي صادقة و بعضها كاذبة و ورد انّ الرؤيا اوّل الليل كاذبة و اخر

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 462 *»

الليل صادقة و ربّما فسّر الاوّل بانّ السماء الظاهرة محروسة بالشهب عن الشياطين قال تعالي الاّ من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين و هو يدلّ علي انّ مايراه النائم في ذلك السماء سماء هورقليا حقّ لانّ الشياطين لاتصل هناك فلاتتصوّر فيها بصور الباطل و انّما تسكنها الملائكة فتتصوّر فيها بصور ماوكّلت به من الاشياء المنتقشة في الخيال فاذا رأي الشخص شيئاً فهو حق مطابق للواقع و ان‏كان ما يراه في الارض فهو من تصور الشياطين و هي لاتتصوّر الاّ بماقيّضت له من صور الباطل و ذلك لايطابق الواقع و فسّر الثاني بانّ احوال الليالي تختلف في الشهر و في الاسبوع و عند قرانات الكواكب و اختلاف الافاق و اختلاف اعمال الرائي فتكون في الشهر الليلة الاولي من كلّ شهر متشابهة و كذلك كل ليلة و في الاسبوع مثلاً ليلة كلّ سبت من كل اسبوع متشابهة و كذلك كلّ ليلة يحصل فيها قران كواكب مخصوصة لها حكم خاصّ فاذا وجد ذلك القران بعينه في الليلة الثانية بغير زيادة و لانقيصة من الكواكب السيّارة او غيرها و لاتغيير و لاتبديل كذلك و كان ماكان من ذلك الشخص من الاعمال مثل ماكان في تلك الليلة الاولي يكون حكمها حكم الليلة الاولي و هكذا و كذلك اتّفاق اوضاع الافاق من الغيم و الصحو و الريح و المطر و كثرة الابخرة و قلّتها و غير ذلك في ليلتين يوجب تساوي حكمهما و كذلك اتّفاق عمله في ليلتين و هذا كلّه حكم مقتضي تلك الاسباب اذا لم‏يعرض لها موانع تبطل ذلك المقتضي او بعضه او صفته او مدّته او مكانه و كما تجري احكام تلك المقتضيات في الاجسام تجري في الخيال و النفس و ماينطبع فيهما علي نحو يطول شرحه.

و فسّر الثالث بانّ اوّل الليل كان البدن ممتلئاً بابخرة الطعام فاذا تصعّدت الي الدماغ تلوّي بها فتحدث فيه اشكال من الابخرة علي هيأة بعض الاعيان و الصفات فيراها الشخص في خياله فيتوهّم انّها صور انطبعت من المعاني الخارجة عنه فاذا استيقظ اخبر بها و ليست شيئاً لانّها في خياله من الابخرة و انّما تكون هذه الابخرة في الخيال علي هيأة بعض الاعيان لانّ جميع ذرّات الوجود من ذات و صفة و اثر يجري كلّ اسفل منه في كونه بمقتضي طبيعته من الوجود

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 463 *»

علي هيكل الاعلي لانّ كلّ اثر يشبه صفة مؤثّره كما قرّر في محلّه و امّا اخر الليل فلانّ البدن خالٍ قدخفّت عنه الرطوبات من المطعم و المشرب و صفي الدماغ فلاينطبع فيه الاّ ماكان متحقّقاً خارجاً عنه فاذا رأي الشخص شيئاً في السماء و لم‏يحصل له مانع ممّا اشرنا من خصوص الاوقات و القرانات و الافعال و الابخرة او في الارض و حصل له مقتضٍ للحق من خصوص الاوقات و القرانات و الاعمال و الخفّة من فضولات الطعام و الشراب او كانت رؤياه في الليالي المقتضية لظهور الاثار المسعودة من ذاتها لادوار اوضاع الافلاك او بالقرانات او الاعمال الصالحة مع عدم الموانع المشار اليها كان ذلك حقّاً فان‏تمّت الاسباب المقتضية بلامانع فان كانت موجبات وقعت الرؤيا بعينها بلامهلة لانّ الرائي رءاها خارجة بعينها من باب القضاء و ان‏تمّت المقتضيات الغيبيّة كذلك خاصّة بدون الشهادة خرج تأويلها بلامهلة و ان‏كان في بعض تلك الاسباب ضعف و نقص من جهة القابليّة التي هي مرءاة الشخص التي هي خياله و حصل لهاتعبير وقعت كذلك لانّ التعبير يفتح علي مرءاة خيال الرائي باب القدر الذي تنزل منه تلك الاسباب فاذا عبّر المعبّر انطبع به في خيال الرائي صورها هنالك علي هيأة التعبير فيكون الطيف المرئي في المنام متلبّساً بهيأة التعبير فيقوي به ماكان ضعيفاً من تلك المقتضيات و لهذا تراه اذا عبّر له المعبّر التفت خياله الي ما رأي في المنام فتصوّر فيه صورة التعبير و انصرف ما في قلبه من معني رؤياه الي المعني الذي يظهر له من المعبّر و ان‏كان كذباً فتتغيّر الرؤيا بهيأة اخري غير الاولي فيجري الحكم و المطابقة علي الثانية و ان رأي الشخص في منامه شيئاً و هو متلبّس بخلاف مااشرنا اليه من شرايط الصدق و مقتضياته كان مارءاه مخالفاً للواقع فيكون كذباً.

و امّا كون المؤمن الصالح بعض رؤياه صادقة و بعضها كاذبة و الشقي الطالح بعض رؤياه كاذبة و بعضها صادقة فالعلّة فيه زايداً علي ما ذكر هي انّ لكلّ شخص جهتان وجه من جهة وجوده و هو العقل و شأنه الصدق و الحقّ لانّ العقل لاينطق عن الهوي و ليس للشيطان فيه نصيب و وجه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 464 *»

من جهة ماهيّته و هي النفس الامّارة بالسوء و شأنها الكذب و الباطل لانّها لاتلتفت الاّ الي هوي الماهيّة و هي و قومها يسجدون للشمس من دون اللّه طلعها كأنّه رءوس الشياطين فكان الرجل الصالح اذا كان الوارد عليه في المنام من جهة العقل اي التفاته الي ذلك الشي‏ء و ذكره كان رؤياه صادقة لانّ الشيطان لايتصوّر بصور الحق و النور و الاّ احترق و ان‏كان بعض رؤياه من جهة التفات العقل و بعضها من جهة التفات النفس كان ماكان من جهة العقل و التفاته صدقاً و ماكان من جهة النفس و التفاتها كذباً و هذا حكم يشمل الصالح و الطالح و لو انّ رجلاً لايكون له التفات من جهة النفس ابداً كانت رؤياه صادقة ابداً كما في المعصومين: و لو كان رجلاً لايكون له التفات من جهة العقل ابداً لم‏تصدق رؤياه ابداً و ابن هنا علي مافصّلنا سابقاً» هذا ماذكره استادنا جعلني اللّه فداه في اصل الرؤيا و صدقها و كذبها و هو كلام جامع لجميع العلوم المتعلّقة بالرؤيا و جامع لجميع الاخبار المتعارضة الواردة في هذا المقام و شارح لاصل الحقيقة في الامر و ان‏كان كلامه اطال اللّه بقاه يحتاج الي شرح و تفصيل و بيان و لكنّي تركته خوفاً للتطويل و عدم اقبال القلب و توجّه الخاطر.

بقي هنا شي‏ء و التنبيه عليه من المهمّات و الضروريّات لعظم اشتباه الناس في ذلك و هو انّ الجنّ و الشياطين لايمكنهم ان‏يتصوّروا في الرؤيا بصورة واحد من الائمّة:او الانبياء و الاوصياء:بل و شيعتهم المخلصين و حقيقة الامر في ذلك قدتصعّبت علي الناس من جهة تواتر الاخبار علي المنع و من جهة وقوع التصوّر كمايري مخالفونا انّ ابابكر هو الخليفة بنصّ النبي9 مثلاً و يري النبي9في الرؤيا ينصّ علي ذلك مثلاً و كذلك حكم رؤيا مولاتنا فاطمة الزهراء3 و قدقالت العلماء في ذلك اقوالاً مختلفة و وقعوا في اراء متشتّتة الاّ انّ الحق الحقيق بالتصديق الخارج عن معدن الوحي و الرسالة هو الذي نتلو عليك ممّا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 465 *»

عرفنا و سمعنا من شيخنا و استادنا جعلني اللّه فداه فانّه الحق الذي لاريب فيه و الثابت الذي لاعيب فيه فنذكر بالفاظه الشريفة قال اطال اللّه بقاه: «انّ الروايات الدالّة علي هذا المعني متواترة معني من الفريقين و لاينبغي التوقّف في هذا المعني و هو انّ الشيطان لايتصوّر بصورة النبي و لابصورة احد من اوصيائه: و لا بصورة احد من شيعتهم كالانبياء و الرسل و الاوصياء و الشهداء و الصالحين من المؤمنين من الاوّلين و الاخرين و لكن لهذا المعني شرط و هو الذي خفي علي الاكثر و الاصل في الرؤيا انّ النفس تلتفت بوجهها و هو الخيال الي جهة المرئي فتنطبع فيه صورته و الصورة هيئتها علي نسبة هيأة المرءاة و كمّها و كيفها من الطول و العرض و الاستقامة و الاعوجاج و من الكبر و الصغر و من لونها من بياض و سواد و غير ذلك و الاخبار لها او عنها انّما هو باعتبار ما هي عليه في حقيقة ما هي منطبعة فيه لانّ الموادّ لاتناط بها الاحكام الاّ باعتبار صورها لانّها هي منشأ الحقيقة الثانية التي يناط بها الحكم و الحقيقة المحكوم عليها من المرئي انّما هي ما عند الرائي لانّه هو صاحب الصورة التي تكون بها الحقيقة المحكوم عليها فالمحكوم عليه بالاخبار عنه او له ليس خارجاً عن الرائي فعلي هذا يظهر لك وجه الشرط المذكور و هو ان‏تعتقد في المرئي كما هو عليه فلو اعتقد في زيد المؤمن الصالح انّه خبيث تصوّر الشيطان له بصورته لانّه لم‏يقابل خياله الاّ جهة ماتوهّمه و هو احد مظاهر الشيطان و لم‏يقابل خياله جهة الخير الذي هو حقيقة زيد المؤمن فانّه من مظاهر الوجود الذي هو احد مظاهر اللّه و لو تصوّر الشيطان في احد مظاهر اللّه احترق فقد نقل انّ ابليس اللعين لماتجلّي لموسي ربّه بقدر خرق الابرة من نور الستر هرب ابليس الي اسفل السافلين و الاّ لاحترق فاذا ذكر الانسان زيداً من حيث انّه صالح اي مطيع للّه و عبد ظهرت عليه اثار ربوبيّة اللّه في عبوديّته من الطاعة و اعمال الخير فقد ذكر اللّه و هل يكون للشيطان مدخل في ذكر اللّه فاذا جري ذكر النبي9علي قلب المؤمن او الامام7او احد من الشيعة من حيث هم شيعة و مطيعون للّه فقد

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 466 *»

ذكر اللّه و الي ذلك الاشارة بقوله تعالي انّ عبادي ليس لك عليهم سلطان الاّ من اتّبعك من الغاوين يعني انّ الغاوين الذين اتّبعوا الشيطان له عليهم سلطان و ذلك لو انّ رجلاً ظنّ في النبي9 او احد الائمّة:او شيعتهم او تصوّر ذلك سوءاً تصوّر له الشيطان في صورتهم‏له لانّ معني قولهم: في صورتهم في الصورة التي عنده التي تصوّرها من صورتهم التي تخيّلها من وهمه و مايظنّ فهي في الحقيقة صورة ظنّه لماقلنا انّ الصورة حالها علي هيأة المرءاة و كمّها و كيفها و نسبت الصورة اليهم لنسبة المتصوّر لها اليهم فافهم.

و امّا انّهم: يجيئون في اي صورة شاءوا فهو حق لانّ جميع الصور لهم فيلبسون منها ماشاؤا لكنّهم لايلبسون صور الشياطين و الكلاب و الخنازير لانّ هذه ليست لهم و لا من سنخهم و ان كانت بهم و انّما يلبسون احسن الصور و اطيبها و الشيطان لايلبس احسن الصور لانّها ليست له و لا من سنخه فاذا ظهر الشيطان في صورة حسنة فهو كظهور بعض الكفّار في الصورة الحسنة و ليست في اصل خلقتهم فانّ الصور الحسنة من الوجود و تنزع منهم فلايدخلون النار بها و انّما يدخلون بصورهم الحقيقيّة كلاباً و خنازير فكما انّ المؤمن لاتعجبه صورة الكافرة الجميلة لانّه يراها قبيحة في نظره كذلك لوظهر له ابليس في صورة حسنة رءاه قبيحاً لانّه ينظر بنور اللّه فلايظهر له في الرؤيا بصورة اهل الحق لانّه لايراه الاّ بصورة اهل الباطل كما قرّرنا فاذا ادّعي شيطان في اليقظة انّه نبي او امام لايظهر بصورة من ادّعي رتبته فيعرفه المؤمن البتّة فيظهر له القبح في الاعمال و الصفات و لايمكنه ان‏يظهر الحسن حينئذ في الاعمال و الصفات لانّه ان‏اظهر ذلك بحيث تخفي علي المؤمن وجب علي اللّه في الحكمة ان‏يكشف ستره و الاّ لكان مغرياً بالباطل تعالي اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً نعم ذلك يخفي علي اوليائه لانّهم لايعرفون الفرق بين الحقّ و الباطل و لايعرفون صفة النبي و الامام فيكتفون بمجرّد الدعوي انّما سلطانه علي الذين يتولّونه و الذين هم به مشركون علي انّ اللّه سبحانه يبيّن لاوليائه بطلان دعواه لتقوم عليهم الحجّة البالغة علي انّ الدعوي في

«

 

* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 467 *»

اليقظة يرجع التعلّق فيها الي نفس المدّعي لا الي صورة الرائي كما في الرؤيا و لهذا تراه في امر الطيف بالعكس يقول رأيت في المنام رسول اللّه9 و في امر اليقظة يقول رأيت رجلاً يدّعي انّه رسول اللّه و لابدّ ان‏ينكشف ستره كما ذكرنا و ذلك كما نقل في تفسير قوله تعالي و لقد فتنّا سليمان و القينا علي كرسيّه جسداً ثمّ اناب انّ صخراً الجنّي تصوّر في صورة سليمان7فاتي جاريته فاخذ الخاتم منها و كان سليمان اذا اراد الجماع نزع الخاتم و اعطاه الجارية حتّي يغتسل فلمّا اخذ الخاتم قعد علي كرسي سليمان فانقادت له الجنّ و الانس فاتي سليمان و قال انا نبي اللّه سليمان فضربوه و طردوه و قالوا نبي اللّه علي تخت الملك و بقي يدور في مملكته لايجد من يطعمه قرصاً و ذلك الخبيث قاعد و كان يأتي نساء سليمان في الحيض فقلن يا سبحان اللّه ماكانت عادة نبي اللّه يفعل هكذا و كان‏يضرب امّ سليمان و هي تقول كان ابني ابرّ الخلق بي فكيف يضربني و هكذا من الامور التي كشف اللّه بها ستره لئلاّتكون للناس علي اللّه حجّة و بقي اربعين يوماً ثمّ لمّا كاد يخفي امره امر اللّه ملكاً فزجره فهرب و رمي الخاتم في البحر فالتقمه حوت صغير و كان سليمان7 يدور علي ساحل البحر فرأي صيّاداً فسأله شيئاً فاعطاه سمكة فاخذها سليمان فشقّها فاذا الخاتم فيها الخبر. فاعتبر بمن تشبّه في اليقظة بالانبياء كيف فضحه اللّه بافعاله ثمّ لم‏يمهله و قدتقدّم الفرق بين الرؤيا و اليقظة في اصل اسناد الاخبار عنه او له.

و امّا امر رؤيا فاطمة صلوات اللّه عليها و علي ابيها و بعلها و بنيها فمختصر معناها انّها رأت انّ اباها و بعلها و ابنيها: خرجوا الي حديقة بعض الانصار فذبح لهم عناقاً و طبخ فاجتمعوا عليه فاخذ رسول‏اللّه9 منه لقمة فوقع ميتاً و اخذ علي7لقمة فوقع ميتاً و اخذ الحسن7لقمة فوقع ميتاً و اخذ الحسين7 لقمة فوقع ميتاً فانتبهت محزونة كاتمة امرها فأتي رسول‏اللّه9 و خرج بهم اجمعين الي الحديقة المعلومة فذبح لهم عناق و طبخ و وضع بين ايديهم و فاطمة معهم فلمّا اخذ

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 468 *»

رسول‏اللّه9 منه لقمة بكت فاطمة فقال لها مايبكيك فاخبرته برؤياها فاغتمّ لذلك فنزل جبرئيل و اتي بذلك الشيطان و قال يا محمّد هذا موكّل بالرؤيا و اسمه الرُّها فان شئت ان‏تذبحه فافعل فاعطي النبي9 العهد و الميثاق انّه لايتصوّر في صورته و لا في صورة احد من خلفائه المعصومين: و لا في صورة احد من شيعتهم. فاعلم انّ اللّه سبحانه لمّاكان فعله للاشياء انّما هو علي ما هي عليه اقتضت الحكمة ان‏يكون ذلك علي الاختيار و مقتضي الاختيار و القدر ان‏يجري الصنع علي الاسباب فاقتضت الحكمة ان‏يجري حكم انّ الشيطان لايتصوّر في صورهم الذي هو شأن الامضاء و شرح العلل و البيان في قوله تعالي ليبيّن لكم علي تقدّم هذه الرؤيا لتكون سبباً لامضاء انّ الشيطان لايتصوّر بصورهم كما في نظايره مثل صمت الحسين7 و لم‏يتكلّم حتّي خيف عليه الخرس فلمّا كبّر جدّه9في الصلوة كبّر فكبّر رسول‏اللّه فكبّر الحسين حتّي فعل سبعاً ليكون ذلك علّة و شرحاً لاستحباب التكبيرات السّتّ في الافتتاح للصلوة.

فاذا عرفت الاشارة ظهر لك انّ هذه الرواية لاتنافي الروايات لانّها وُجدت للبيان و الشرح الذي هو سرّ الامضاء للاشياء فجري الوجود علي النظام التامّ و الامر المتقن اذ ليس ماجري علي فاطمة3 من اغواء الشيطان و انّما اجري اللّه تلك النجوي بامر الملك الذي هو موكّل علي الرها و لهذا روي انّ الرها ملك لانّه فعل ذلك لفاطمة3بامر الملك فهو امر بطاعة و جري ذلك عليها3 طاعة كما روي الفقهاء انّ المرأة الاجنبيّة اذا كان عندها ميّت اجنبي و لم‏يكن مماثل الا ذمّي انّها اذا امرته بالاغتسال ثمّ يغسّل الميّت فانّه يطهّر لامتثال الذمي امر المسلمة في الاغتسال و التغسيل فذلك في الحقيقة فعل المسلمة فكذلك فعل الرها بامر الملك فهو في الحقيقة فعل الملك الذي هو باب لوجود هذه المسألة من الباب الاعظم للوجود فافهم.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 469 *»

بقي سؤال و هو انّ الشيطان اذا لم‏يتصوّر بصورهم و ذلك للعلّة السابقة اذ الوجود لايكون الاّ علي اكمل النظام و انّما تصوّر بامر الملك فذلك الشيطان بحكم الالة كما مرّ في تغسيل الذمّي للميّت المسلم بامر المسلمة لزم ان‏تكون رؤيا فاطمة3 صادقة مطابقة للواقع و يلزم من ذلك ان‏يموتوا اذا اكلوا مع انّهم لم‏يموتوا.

و الجواب انّ رؤياها3 صادقة لماقلنا من التعليل و لانّها قدطابقت الواقع فانّهم:اتوا المكان و اجتمعوا و صار كلّ ما رأت الاّ انّهم لم‏يموتوا و انّما لم‏يموتوا ظاهراً لنقض الرؤيا ظاهراً لانّها بصورة صاحب التصوّر الباطل و انّما نقضت ليكون ذلك باخذ العهد عليه صالحاً لتأسيس سبب هذه القاعدة و لمّا كانت الرؤيا صادقة للعلّة المذكورة وجب ان‏يكون الموت باطناً لانّه هو الذي رأته3 في عالم الخيال و لمّا كان ذلك جارياً علي اهل العصمة:كان الموت في الباطن يطلق علي موت هلاك الدين و علي موت الانقطاع الي اللّه و الفناء في بقائه تعيّن ان‏يكون ذلك الثاني لامتناع الاوّل عليهم بالدليل القطعي فتكون الرؤيا صادقة مطابقة للواقع فقد اشرت لك الي جميع ماتحتاج اليه من شقوق اجوبة المسألة ممّا يحضرني من الاعتراضات» انتهي كلامه جعلني اللّه فداه و اطال بقاه و امدّ ظلاله علي رءوس عباده و رعاياه فقد استوفي جميع الاحكام و ليس بعد كلامه كلام و علي من يفهم الكلام السلام.

و هذا الذي ذكرنا كلّه متعلّق بظاهر العبارة في قوله تعالي لاتأخذه سنة و لانوم و امّا مايتعلّق بالتأويل و الباطن و ظاهر الظاهر و باطن الباطن و البواطن الاخر فلايسعنا الكلام في اغلبها لانّ الكلام فيها غير مأذون فيه سيّما في هذه الايّام التي قدمدّ الجور باعه و اسفر الظلم قناعه و دعي الغي اتباعه فاجابوه و لبّوه من كلّ جانب و مكان و امّا الذي يجوز الكلام فيه فان اشبعنا فيه القول يطول و يوجب الملال و ان‏اختصرنا لايكاد ينتفع‏به الاّ من صلحت سريرته و صفت طويّته من المؤمنين الممتحنين و كيف كان فلابدّ من الاشارة في طي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 470 *»

تلويح العبارة ليعرفها اهلها و يصحّ لنا الامتثال لقوله تعالي انّ اللّه يأمركم ان‏تؤدّوا الامانات الي اهلها و قوله تعالي و لاتؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل اللّه لكم قياماً و ارزقوهم فيها و اكسوهم و قولوا لهم قولاً معروفاً.

فنقول اعلم انّ اللّه سبحانه لمّا كان واحداً احداً ازليّاً لم‏يتّصل بشي‏ء و لم‏يقترن بشي‏ء و لم‏ينفصل عن شي‏ء و لم‏ينفصل عنه شي‏ء و لم‏يتكوّن منه شي‏ء و لم‏يذكر فيه شي‏ء لم‏يجر عليه السلب و الايجاب و النفي و الاثبات كيف و هو خالقها و مجريها و لايجري عليه ما هو اجراه و لمّا وصف نفسه بالقيّوميّة و انّ الاشياء كلّها قائمة به و منقادة لامره و نهيه و سائلة المدد منه بالوقوف ببابه و اللواذ بجنابه و لمّا كان القيّوم الظاهر بالقيّوميّة المعطي لكلّ شي‏ء حقّه و السائق لكلّ مخلوق رزقه لابدّ له من النسبة و التعلّق و الاقتران لانّ كلّ اثر متقوّم باسم خاصّ بذلك الاثر لايناسب الاسم الاخر فاقترنت الاسماء باثارها و اقترنت المسمّيات الظاهرة اسم بالاسم من حيث كونها مدلولة عليها و مرتبطة بها و هذه القرانات و الاضافات و النسب تنافي مقام الوحدة المطلقة و الازليّة الحقيقيّة و لمّا كان التنافي و التناقض منتفيان في امر اللّه سبحانه و حكمه وجب ان‏يكون الظاهر بالاسم و الصفة و القران  و الاقتران غير الذات البحت تبارك و تعالي لانّ الاشياء لاذكر لها عندها فاين الاقتران و ذلك الغير هو مقام اسماء الافعال المندرجة كلّها تحت هيمنة الاسم الاعظم اللّه فالقيّوم اسم لذلك الاسم و اثر لذلك الطلسم و الاسم متقوّم بالذات بلاكيف و لااشارة و القرانات كلّها في مقام الاسم و هو حادث مخلوق خلقه اللّه تبارك و تعالي و جعله اسماً له و اجري فعله به كما في الدعاء عن النبي9رواه ابن طاووس في المهج و اسألك باسمك الذي خلقت به جبلاّت الخلائق و باسمك الذي خلقت به العرش و الكرسي و في الكافي انّ اللّه تعالي خلق اسماً بالحروف غير مصوّت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسّد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ الي غير ذلك من الاحاديث الدالّة علي انّ الاسم مخلوق و انّ اللّه سبحانه انّما خلق الخلق بالاسماء فانّ الخلق بالذات يستلزم الاقتران و لذا اجمعوا علي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 471 *»

انّ الفاعل و الخالق من الصفات و الاسماء الفعليّة لاالذاتيّة فتكون القيّوميّة حادثة ظاهرة في حادث و لمّا كان الحادث الذي هو محلّ لهذه القيّوميّة و محلّ للاسماء الفعليّة بل هي الاسماء الفعليّة يجب ان‏يكون اشرف الحوادث و اعلي الموجودات و اقوي الذوات و يجب ان‏يكون اوّل المخلوقات و قبل الحادثات لانّه علّة لخلق الموجودات فكيف يكون مؤخّراً عنها و قدوقع الاجماع من المسلمين علي اختلاف الفرق انّ محمّداً9 هو اوّل الموجودات و اشرفها و اسبقها و اعليها لم‏يسبقه حادث و لامخلوق و لم‏يتقدّم عليه في الوجود موجود و وقع الاجماع من الشيعة الفرقة الناجية بانّ الائمّة الاثني‏عشر و فاطمة الصدّيقة كلّهم من محمّد9 و من طينة واحدة و حقيقة واحدة كما يشهد عليه قوله تعالي و انفسنا و انفسكم فوجب ان‏يكون هؤلاء الاربعه‏عشر في هذا الحكم سواء فيكون حقيقتهم محلاً لتلك الاسماء بل نفسها كما في زيارة اميرالمؤمنين7عن الصادق7 السلام علي اسم اللّه الرضي و وجهه المضي‏ء و جنبه العلي و في زيارته7ايضاً عنه سلام‏اللّه عليه برواية صفوان علي ما في البحار و التهذيب و الفقيه و ساير كتب المجلسي رحمه‏اللّه من العربيّة و الفارسيّة السلام علي وجه اللّه الذي من امن به امِن السلام علي نفس اللّه القائمة فيه بالسنن و عينه التي من عرفها يطمئنّ السلام علي اذن اللّه الواعية في الامم و يده الباسطة بالنعم و جنبه الذي من فرّط فيه ندم اشهد انّك مجازي الخلق و شافع الرزق بعثك اللّه علماً لعباده فوفيت بمراده الي ان‏قال7فانت سامع الدعاء و ولي الجزاء و في زيارة اخري و هذه الزيارة ايضاً قبل هذه الفقرات السلام علي ميزان الاعمال و مقلّب الاحوال الي ان‏قال7السلام علي شجرة التقوي و صاحب السرّ و النجوي و منزل المنّ و السّلوي و غيرها من الزيارات و الروايات كثيرة لاتحصي كثرة.

فاذا كانوا هم يد اللّه و وجه اللّه و عين اللّه و اذن اللّه و جنب اللّه و باب اللّه و نفس اللّه فاي شي‏ء يبقي و هل يظهر الفيض من الذات الي المستفيض الاّ بهذه الوسائط و هذه كلّها امور حادثة اتّخذها اللّه سبحانه اعضاداً لخلقه لحاجة الخلق

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 472 *»

لالحاجته تبارك و تعالي كما انّه سبحانه جعل الشمس عضداً للاشعّة لقبولها الوجود منه تعالي في الصدور و جعل الثوب عضداً للصبغ لقبول الوجود و هكذا جعل ساير الاسباب و المسبّبات و القرانات و الاضافات و الاّ فهو سبحانه قادر علي مايشاء كمايشاء بمايشاء كيف يشاء و لمّا كان الحادث من شأنه التغيير و التبديل و الزيادة و النقصان و الفتور و الاضمحلال و الحدود و الكيفيّات و كلّ ذلك منافٍ للظهور بالقيّوميّة اذ عند تطرّق الخلل و الفساد في الاسم القيّوم فسدت الحركات و بطل النظام و ضاعت الاحكام فلايصحّ ان‏يكون مظهر القيّوميّة و نفسها الاّ قديماً لئلاّيبطل النظام و يستمرّ علي الدوام و الحادث دائم السيلان فاين الاستقرار فضلاً عن الدوام و لايصحّ ايضاً ان‏يكون قديماً لانّه منزّه عن الاقتران و القيّوم يستلزمه كماسمعت الان اراد سبحانه رفع هذه الشبهة عن الافهام و حلّها لاولي الاحلام فقال عزّوجلّ لاتأخذه سنة و لا نوم يعني انّ السنة و النوم المعبّر بهما عن الفتور و الدثور و الاضمحلال و عدم الاستقلال و التغيير و التبديل و الزيادة و النقصان كلّها انّما هي لوازم الحدود و الماهيّات و الكثرات و الاضافات و جهات الانيّات و امّا الوجه الاعظم و الجناب الاقدم الذي هو الاسم الذي خلقه بالحروف غيرمصوّت و باللفظ غيرمنطق و بالشخص غير مجسّد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ بري‏ء عن الامكنة و الحدود مبعّد عنه الاقطار محجوب عن حسّ كلّ متوهّم فذلك الاسم لاتعتريه هذه الاحوال و لايجري عليه حكم الاضمحلال و انّما هو دائم لايزال لانّه وجه اللّه الذي لم‏يزل و لايزال و انّما هو مستقلّ غاية الاستقلال لانّه اي الوجه لم‏يقطع نظره عن مبدئه و اصله ابداً حتّي يحصل في ذاته الفتور و الدثور و التغيّر و قدقلنا سابقاً انّ هذه الاحوال تحصل امّا بقطع العالي نظره عن السافل او باعراض السافل عن العالي و حيلولة العوارض بينه و بين نظره فيحصل له بحسب تلك الحيلولة برقّتها و غلظتها و قوّتها و ضعفها و قلّتها و كثرتها تلك الاحوال و امّا اذا ارتفعت الاغيار و ذهبت الاكدار و انعدم الغبار و حصل الاستقرار علي بساطة المؤانسة و المحبّة فمتي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 473 *»

يقطع النظر و اي شي‏ء يحول بينهما و قداحترقت الحجب و كيف يقطع العالي سبحانه نظره اذ ليس فوقه ربّ يدعي و لاغيره خالق يناجي فيتوجّه به عن هذا بل نظر دائم و فيض مستمرّ و اقبال مستقرّ و توجّه تامّ كامل و حدّ و رسم زائل فاين الحدود حتّي يقع و يظهر الزيادة و النقصان و اين الغفلة حتّي تجي‏ء السنة و النوم كانسان فهو اذن لاتأخذه سنة و لا نوم و صحّت القيّوميّة و لذا قال عزّوجلّ كلّ شي‏ء هالك الاّ وجهه و قالوا: نحن وجه اللّه الذي اليه يتوجّه الاولياء و في الدعاء عن سيّد الساجدين7 و انّ كلّ معبود ممّا دون عرشك الي قرار ارضك السابعة السفلي مضمحلّ باطل ماخلا وجهك الكريم فانّه اعزّ و اجلّ من ان‏يصف الواصفون كنه جلاله او تهتدي العقول الي كنه عظمته و لذا لمّا ظهر لموسي مقدار سمّ الابرة من شعاع نور ذلك الوجه فدكّ الجبل و مات بنو اسرائيل و خرّ موسي صعقاً و قدقال الصادق7علي مارواه في البصائر و الصافي في الكروبيّين انّهم قوم من شيعتنا من الخلق الاوّل جعلهم اللّه خلف العرش لو قسّم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم و لمّا سأل موسي ربّه ماسأل امر رجلاً منهم فتجلّي له بقدر سمّ الابرة فدكّ الجبل و خرّ موسي صعقاً انتهي. و هذا نور الوجه و لذا لمّا ظهر لأيّوب من ذلك النور مجرّداً عن الحدود و مبعّداً عن الاقطار و عند الوحي يسمع كلامه من كلّ ناحية في الجهات الستّة في جميع مراتب ايّوب فتعجّب ايّوب هذا الامر و استعظم لانّه عرف انّ القديم لايصل اليه و لايسمع كلامه اذ لاكلام هناك و انّما هذا خلق من مخلوقاته و حادث من الحوادث ظهرت عليه اثار العظمة و الجلال و القدرة و الكبرياء حتّي تمحّض في الوحدة و صار لايشغله شأن عن شأن و كان كلّ الجهات جهاته فاين تولّوا فثمّ وجه اللّه و ماكان ينبغي لمثل ايّوب استعظام هذا الامر فانّ اللّه سبحانه لايوصف و لايعرف من حيث ذاته و انّما يعرف باثاره و صفاته فهو سبحانه وصف نفسه للخلق و جعل صفاته الظاهرة للخلق منزّهاً و مجرّداً عن الحدود و الجهات ليعلم ان لاكيف له و لاجهة و يظهر لهم معني قوله فاينما تولّوا فثمّ وجه اللّه اذ لوكان محدوداً كان له

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 474 *»

جهة تحجبه عن الجهة الاخري لكنّه لايحجبه جهة و لاتخفيه ارض و لاسماء و لابرّ و لابحر فماكان ينبغي لأيّوب7ان‏يستعظم هذا الامر و يتعجّب منه و ان‏كان ما رأي عظيماً جدّاً بحيث لاتقف لديه العقول و لاتتحمّل معه الاحلام و لذا عدّوا هذا النوع منه شكّاً و قال اميرالمؤمنين7لسلمان اَوَتدري ما محنة ايّوب قال لا، قال7لمّا كان عند الانبعاث عند المنطق شكّ و بكا و قال هذا امر عظيم و خطب جسيم فاوحي اللّه اليه يا ايّوب أتشكّ في صورة انا اقمته و انّي ابتليت ادم بالبلاء فوهبت له بالتسليم له بامرة المؤمنين و انت تقول امر عظيم و خطب جسيم فواللّه لاذيقنّك من عذابي او تتوب الي بالطاعة لاميرالمؤمنين7قال7ثمّ ادركته السعادة بي و هذا القول منه سلام‏اللّه عليه جري بعد قول سلمان له7 يا قتيل كوفان لولا قال الناس لسلمان واه واه رحم اللّه قاتل سلمان لقلت فيك كلاماً اشمأزّت منه القلوب يامحنة ايّوب ثمّ سأله الامام7 اوتدري مامحنة ايّوب قال لا فذكر الكلام الذي ذكرنا انفاً.

فاذا عرفت انّ هذا الاسم العظيم المعظّم لايوصف بكيف و لايؤيّن باين و لايحدّد بحدّ كيف و قدوجدت الكيفيّات و الحدود و الاين و الاوضاع كلّها به و لايجري عليه ما هو اجراه فلاتأخذه سنة و لانوم لانّهما من لوازم الكثرة و الحدود كما عرفت سابقاً و قداوضح و افصح عن حقيقة هذا السرّ الذي ذكرنا باصرح عبارة مولينا اميرالمؤمنين7في خطبة يوم الغدير و يوم الجمعة علي ما رواه جماعة من الاكابر الثقات منهم الشيخ الطوسي في المصباح و السيّد بن طاووس في الاقبال و مصباح الزائر عن اميرالمؤمنين7 انّه خطب بهذه الخطبة الي ان‏قال7 و اشهد انّ محمّداً عبده و رسوله استخلصه في القدم علي ساير الامم علي علم انفرد عن التشاكل و التماثل من ابناء الجنس و انتجبه امراً و ناهياً عنه اقامه في ساير عالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثّله غوامض الظنون في الاسرار لااله الاّ هو الملك الجبّار قرن الاعتراف بنبوّته بالاعتراف بلاهوتيّته و اختصّه من تكرّمه بما لم‏يلحقه فيه احد من بريّته فهو اهل لذلك بخاصّته و خلّته اذ لايختصّ من يشوبه التغيير و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 475 *»

 لايختار من يلحقه التظنين الخطبة انظر الي قوله7 اقامه في ساير عالمه مقامه اذ كان لاتدركه الابصار الخ كيف صرّح بانّ اللّه سبحانه من جهة عدم تمكّن الخلق للوصول اليه جعل باباً له يفيض الي الخلق بواسطته و ذلك الباب هو القائم مقامه في الاداء اي في كلّ مايريد ان‏يوصل الي المخلوقين من الفيض التكويني و التشريعي اذ علّة التوسّط جارية في الجميع فجعله مظهر اسمه القيّوم بل اسمه الحي القيّوم ثمّ رفع تلك الشبهة التي ذكرناها من انّ شأن الحادث التغيير فتصدّي لجوابها و قال7 اذ لايختصّ من يشوبه التغيير فنفي جميع احوال الحوادث و تمحّضه في النظر و الالتفات الي الحي القيّوم فكان لايشوبه التغيير من التغييرات الجارية علي الموجودات المقيّدة لتعاليه عن الحدود في تلك الرتبة فاذا كان لايشوبه التغيير فلاتأخذه سنة و لا نوم بالطريق الاولي.

و لاتتوهّم انّ هذا الحكم لهم في كلّ مقام بل لهم سلام اللّه عليهم مقامات و درجات، في كلّ مقام و درجة لهم حكم خاصّ غير ماكان في المقام الاخر و الدرجة الاخري و لذا قالوا: لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو الاّ انّه هو هو و نحن نحن و قال اميرالمؤمنين7ظاهري ولاية و باطني غيب لايُدرك و قال ابن‏ابي‏الحديد في مدحه7 :

صفاتك اسماء و ذاتك جوهر   بري‏ء المعاني عن صفات الجواهر
يجلّ عن الاعراض و الكيف و المتي   و يكبر عن تشبيهه بالعناصر

و قدمضي الكلام في هذه المراتب عند ذكر القيامات و العلل فراجع فافهم فانّي القيت عليك من السرّ الحقّ و الكبريت الاحمر الذي لايهتدي اليه الاّ الاقلّون من المؤمنين الممتحنين.

ثمّ انّا نقول انّ وضع الضمائر ليست للذات البحت امّا الاوّل فلانّ الوضع للذات مستلزم للتغيير و التبديل و الاقتران كما شرحنا مفصّلاً في ساير الرسائل و اجوبة المسائل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 476 *»

و امّا ثانياً فلانّ الضمائر لوكانت موضوعة للذات لماكان فرق بين العَلَم وبينها علي مايزعمون فانّ العَلَم موضوع للذات بزعمهم مع انّ الفرق بينهما في غاية الوضوح فان قيل انّ الضمير موضوع للذات باعتبار قيد التكلّم و الخطاب و الغيبة بخلاف العلم قلنا اذن مدلول العلم بسيط و مدلول الضمائر مركّب ام مشروط و علي كلّ حال ان‏فرض وضعها للذات كان مع اللّه الهة اخري قديمة اذ المركّب لايكون الاّ باجتماع الاجزاء و فعل كلّ واحد منها في الاخر و صيرورة الجميع شيئاً واحداً و هذا لايكون الاّ اذا كانت الاجزاء متساوية الرتبة و الصقع فيجب امّا ان‏تكون قديمة او حادثة و امّا اذا كان بين الاجزاء ترتّب في الاثريّة و المؤثّريّة فيمتنع الاجتماع لانّ الاثر في رتبة ذات المؤثّر ممتنع الذكر و كذا القول في الشرط اذا كان المقتضي و المستدعي له ذات الشي‏ء اذ لولم‏يكن له ذكر هناك امتنع الاقتضاء و ذلك معلوم فلايصحّ ان‏يكون  الضمير للذات بكلّ وجه فاذن يكون الموضوع‏له هو الظاهر بالغيبة و الخطاب و التكلّم و هذه الظاهريّة صفة اشراقيّة للذات احدثها عند الاثر و القاها في هويّة الاثر ليكون دليلاً عليها و لئلاّيتوهّم استقلال الاثر و عدم استناده الي مؤثّره و هذه الصفة اعلي مراتب ذات الاثر فعلي‏هذا ظهر لك المراد من الضمير الغائب في قوله تعالي لا تأخذه سنة و ان كانت الذات قدغيّبت الصفات فلايلتفت الاّ اليها الاّ انّه رحم اللّه امرء عرف قدره و لم‏يتعدّ طوره و قال تعالي و ما منّا الاّ له مقام معلوم و انّا لنحن الصافّون و قال اميرالمؤمنين7انّما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فافهم ان كنت تفهم.

و ايضاً نقول انّ اللّه سبحانه ذكر في مواضع من كتابه الكريم اشياء و نسبها الي نفسه المقدّسة و هي لغيره تعالي اثباتاً لعظم شأن ذلك الغير و علوّ مكانه فمنها قوله تعالي فلمّا اسفونا انتقمنا منهم و قال مولينا الصادق7 ما معناه انّ اللّه لايأسف كأسفنا و لكنّه خلق لنفسه اولياء جعل اسفهم اسفه و رضاهم رضاه و غضبهم غضبه و محبّتهم محبّته و عداوتهم عداوته كما قال عزّوجلّ من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و قال تعالي ايضاً الذين يبايعونك انّما يبايعون اللّه و امثالها من

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 477 *»

‏الايات فلمّا اسفوا اولئك الاولياء الابرار فجعل اللّه اسفهم اسفه و قال فلمّا اسفونا انتقمنا منهم. و منها قوله تعالي و نفخت فيه من روحي اذ لاشكّ انّ هذه الروح ليس ذات اللّه و انّما هو عبد مخلوق شرّفه و كرّمه و نسبه الي نفسه و كذلك قوله تعالي بيتي و غير ذلك في الروايات في خطاب علي7السلام علي نفس اللّه و في حديث الاعرابي عنه7في النفس  الملكوتيّة انّها هي ذات اللّه العليا و شجرة طوبي و سدرة المنتهي و وجه اللّه و في زيارة الحسين7 يا ثار اللّه و ابن ثاره و غير ذلك كلّ هذه ذوات مخلوقة حادثة خلقها اللّه سبحانه و نسبها الي نفسه تشريفاً و تكريماً. و منها قوله تعالي اللّه نور السموات و الارض مع انّ الاخبار و الروايات دلّت علي انّ العرش و الكرسي خلقهما اللّه من شعاع نور النبي9 و الملائكة خلقها اللّه من شعاع نور اميرالمؤمنين7و السموات السبع و الارضين السبع خلقها اللّه من نور فاطمة3و الشمس و القمر خلقهما اللّه من نور الحسن7 و الجنّة و الحور العين خلقهما اللّه من فاضل نور الحسين7فاذا كان كذلك فالمنير هو نور الشعاع و منوّره لكنّ اللّه عزّوجلّ انّما نسب الي نفسه تشريفاً و تعظيماً لبيان انّ نورهم نوره و اثرهم اثره اذ ليس فيهم جهة مخالفة في المشيّة حتّي يتغاير الفعلان بل مشيّتهم تابعة لمشيّة اللّه تبارك و تعالي و مشيّة اللّه موافقة لارادتهم و مشيّتهم كما قال تعالي و ماتشاءون الاّ ان‏يشاء اللّه و قولهم:اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه مانريد و نحن ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوّض الينا امور عباده. انّ الينا اياب هذا الخلق ثمّ انّ علينا حسابهم. و منها قوله تعالي ليعلم اللّه من ينصره و رسله بالغيب و لاشكّ انّ اللّه سبحانه ليس له علم مستحدث لم‏يكن قبل حدوث ذلك الشي‏ء و انّما هو سبحانه عالم بالاشياء قبل حدوثها كعلمه بها بعد حدوثها علي حدّ واحد فهذا الاستقبال و الانتظار المفهوم من الاية الشريفة فاللّه عزّوجلّ منزّه عنه فيكون المراد علم اوليائه فانّ علمهم هو الذي يتجدّد و يتغيّر فنسب علمهم الي نفسه تعظيماً و تشريفاً و تكريماً لهم و امثالها من الايات و الروايات كثيرة لاتحصي.

و منها هذه الاية الشريفة و هي قوله تعالي لاتأخذه

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 478 *»

 سنة و لا نوم فانّ نفي السنة و النوم ليس فخراً كلّياً يناسب مقام الربوبيّة و القيّوميّة بل الملائكة ايضاً لاتأخذه سنة و لانوم و لايفترون و لايغفلون كما اشار اليهم علي‏بن الحسين8 في الصحيفة مع انّ اللّه سبحانه اذا وُصف يجب ان‏يوصف بما هو متفرّد به في عزّ جلاله و عظمة قيّوميّة بهائه لا انّه تعالي يوصف بمايوجد في اضعف مخلوقاته فيجب ان‏لايعني ذاته المقدّسة و انّما يعني به خواصّ اوليائه في عالم غير عالم البشريّة فهم الذين لاتأخذهم السنة و النوم من انحاء الغفلات و عوارض الانّيات و الحدود و الجهات فلايزالون متوجّهين الي جلال قدسه و جمال بهائه و واقفين بباب كرمه و لايلتفتون الي غيره و لايتحوّلون عن بابه فاين السنة و اين النوم قال تعالي في الحديث القدسي يخاطب موسي بن عمران ياموسي كذب من زعم انّه يحبّني و اذا جنّه الليل نام عينه اتري المحبّ ينام عن محبوبه و الحبيب المطلق الذي ينصرف الاطلاق اليه هو محمّد بن عبداللّه9كما انّ الكليم هو موسي و الخليل هو ابرهيم علي نبيّنا و اله و عليهماالسلام فاذا كان كذلك فوجب ان لاتأخذه سنة و لا نوم لانّهما ليسا من شأن الحبيب و انّما هو شأن الغافل و قدثبت انّه9 حبيب و امّا الملائكة فلمّا كانوا مستمدّين منه و حاكين عنه و حاملين جهة من جهة ظهوراته في مقام الولاية المطلقة فحكوا مقامه هذا فكان لاتأخذهم سنة و لانوم الا تري الفعل المضارع فانّه لايعمل فيه الاّ الحرف و لايعمل فيه الاسم الاّ لتضمّنه معني الحرف مثل الاسماء الشرطيّة و امثالها و قددلّت الروايات كما ذكرنا سابقاً سيّما رواية العبّاس بن عبد المطّلب انّ الملائكة خلقوا من شعاع اميرالمؤمنين7 فاذا كان كذلك فيكون الشعاع حاكياً عن المنير و واصفاً له من حيث هو شعاع و لم‏تخرج الملائكة من هذه الحيثيّة لضعف اختيارهم و عدم مقتضي تغيير كينوناتهم من الاعمال و الافعال و الحركات و السكنات فبقوا علي حكم التكوين كما كانوا اوّل مرّة الاّ شاذّ منهم جري فيهم حكم التغيير لحكم و مصالح مثل فطرس و حملة العرش و غيرهم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 479 *»

فصاروا مايحكون مباديهم و اوائل جواهر عللهم فنفي السنة و النوم انّما هو عن الاولياء و يكون كمال الفخر لهم حيث لايغفلون عن اللّه و ظاهرون بكمال العبوديّة تحقيقاً لقوله9الفقر فخري و به افتخر فلمّا نظروا اليه تعالي بكمال الخضوع و الخشوع و الانكسار نظر اللّه تعالي اليهم بكمال العناية و الاحسان حتّي شرّفهم و نسبهم الي نفسه الشريفة فجعل فعلهم فعله و قولهم قوله و امرهم امره و نهيهم نهيه فنفي عن نفسه ماكان منتفياً عن انفسهم هذا و اللّه الكرامة العظمي و العطيّة الكبري التي ليس فوقها عطاء و لاوراءها كرامة و لذا قال سبحانه و تعالي في الحديث القدسي ماوسعني ارضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن فالعبد المؤمن هو الذي وسع قلبه جميع احكام الربوبيّة و مراتب الاسماء و الصفات الفعليّة الالهيّة و القدرة التي استطال بها علي كلّ شي‏ء ليس الاّ محمّد9 ثمّ من بعده اهل البيت الطاهرون حيث استخلصهم اللّه في القدم علي ساير الامم اقامه في ساير عالمه في الاداء مقامه اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار فافهم.

و نقول ايضاً لمّا كان الحي القيّوم اسمين مايمكن ظهورهما في اطوار التكوين و التشريع الاّ بباب و اسباب و وسائط جرياً لمقتضي عادته سبحانه ابي ان‏يجري الاشياء الاّ باسبابها فتحقّقت الواسطة و الباب و ذكرت بمجرّد ذكرالاسمين الاعلين و لمّاوجب ان‏تكون حجّته تعالي بالغة وجب ان‏يكون ذلك السفير في غاية الرتبة الامكانيّة في الكمال و سلب الرذائل و النقائص و اخذ سبحانه ان‏يبيّن مقام ذلك السفير المذكور المعلوم ضمناً فقال لاتأخذه سنة و لانوم و هذا النوع في القرءان كثير كما في قوله تعالي و علّم ادم الاسماء كلّها ثمّ عرضهم علي الملائكة و الضمير في قوله تعالي «عرضهم» لايرجع الي الاسماء لانّها ليست جمع مذكّر عاقل و ينافي قوله تعالي فيما بعد فقال انبئوني باسماء هؤلاء و لاريب انّ الاسماء ماعرضت علي الملائكة و انّما عرضت المسمّيات و لكن لمّا كانت المسمّيات مذكورة في ضمن ذكر الاسماء لزوماً و استلزاماً فاحتيج الي اعادة ذكرها و جاز ارجاع الضمير اليها و لايلزم من

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 480 *»

ذلك ارجاع الضمير قبل الذكر و ذلك واضح ان‏شاء اللّه و كذلك في الاية فانّ الضمير المنصوب في «لاتأخذه» راجع الي السفير المذكور في ضمن ذكر الحي القيّوم فالنوم عبارة عن المعاصي و الغفلات و ارتكاب المحرّمات و السنة عبارة عن ترك الاولي فبيّن سبحانه انّ ذلك السفير الكلّي العامّ لحمل جميع اثار هذين الاسمين في مقام التشريع و التكوين الي جميع المكوّنات كمايشهد عليه عموم بعثته9علي كلّ مخلوق من العالمين لقوله تعالي تبارك الذي نزّل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً و في خطبة اميرالمؤمنين7في يوم الغدير و الجمعة في وصف الحجج و الائمّة:الي ان‏قال7و جعلها الحجج علي كلّ معترف له بملكة الربوبيّة و سلطان العبوديّة و استنطق بها الخرسات بانواع اللغات بخوعاً له بانّه فاطر الارضين و السموات الخطبة. فبيّن انّ ذلك السفير الكلّي منزّه عن جميع المعاصي الصغيرة و الكبيرة و ترك كلّ راجح من المستحبّات و المندوبات و فعل المكروهات فضلاً عن المحرّمات و كذا فعل المباحات فلايصدر منهم مايخالف رضاه سبحانه بوجه من الوجوه لانّ اللّه سبحانه صفّاه و طهّره من كلّ رجس و مخالفة و مناكرة ثمّ امر الخلق بالاخذ عنه علي جميع الوجوه بقوله تعالي ما اتيكم الرسول فخذوه و مانهيكم عنه فانتهوا ثمّ نزّهه عن التقوّل عليه و القول بخلاف رضاه و محبّته بقوله تعالي و ماينطق عن الهوي ان هو الاّ وحي يوحي علّمه شديد القوي ذومرّة فاذن هو9منزّه عن جميع المعاصي في كلّ حالاته في صغره او كبره قبل البعثة او بعدها و لو بترك الاولي و هكذا نوّابه و حملة وصايته و حفظة ودايعه لانّهم من شجرة واحدة فلايختلفون بخلاف ساير الانبياء فانّهم قديتركون الاولي و بعض المستحبّات كما وقعت الاشارة اليه في القرءان و فسّرتها الاخبار و لايناسب المقام لذكرها و تفصيلها و امّا الاربعه‏عشر المعصومون سلام‏اللّه عليهم اجمعين فلايتركون الاولي ابداً كفي بذلك شهيداً و دليلاً تسمية نبيّنا حبيباً9دون العالمين كلّهم و ان كانوا احبّاء و الحبيب من حيث هو كذلك لايعقل مخالفته لرضاء المحبوب

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 481 *»

بكلّ وجه و كلّ طور لانّ المحبّة سرّ من عالم الغيب ينزل علي حبّة القلب فيمنع المحبّ ان‏يذكر و يتوجّه و يلتفت الي غير محبوبه ابداً ثمّ ينزل من القلب بعد ان‏يملأه و يفضل منه فينزل الفاضل في الصدر فيمنع الصدر عن تصوّر غير المحبوب و مشاهدة جماله و جلاله و بهائه و نوره و سنائه ثمّ ينزل الفاضل في الجسم في اطوار الجوارح و الالات و الحواسّ فيمنعها عن الاشتغال في غير خدمة المحبوب و جهته فيمتلئ من ذكر المحبوب مضمحلاً نفسه عند المحبوب فاين يجد الغير حتّي يشغله و اين الاستقلال لغير المحبوب حتّي يعارض ذكره و القيام بخدمته و لايكون ذلك ابداً و لذا مدّعي الحبّ يمتحن بطول القيام بخدمة المحبوب بلاكسل و لاعذر و لاغفلة كما قال الصادق7في الشعر المنسوب اليه:

تعصي الاله و انت تظهر حبّه   هذا لعمرك في الفعال بديع
ان كنت صادقاً في حبّه لاطعته   انّ المحبّ لمن احبّ مطيع

و لو كان احد يبلغ في مقام المحبّة مقامه9 لكان هو الاولي بان‏يلقّب بهذا الاسم و يوسم بذلك الوسم و يعلم بذلك الرسم فاذن علمنا انّه مافاق مقام الحبّ و المحبّة علي الوجه الاكمل سواه9فاين يتصوّر حينئذ المعصية او ترك الاولي او النوم عن صلوة فرضها اللّه سبحانه او السهو في صلوةٍ اوجبها اللّه سبحانه فلايتصوّر ذلك ابداً.

و ما جوّزه بعض منّا فذلك لقصور في العلم بمقامه9 كيف يجوز النسيان في حقّ من سمّاه اللّه سبحانه ذكراً فحقيقته ذكر و هي لايتخلّف ابداً فاين المنسيّات الاّ انّه9عبد مأمور مطيع لايخالف اللّه سبحانه فيما يأمره و ينهاه فاذا وجدت في الاخبار شيئاً ممّا يورث السهو و النسيان او نوم عن الصلوة او غير ذلك كلّه من باب امتثال امر الحكيم الحي القيّوم الذي لاتأخذه سنة و لانوم و اجريت الكلمات علي ذلك المجري لقوله تعالي و ماارسلنا من رسول و لانبي الاّ اذا تمنّي القي الشيطان في امنيّته فينسخ اللّه مايلقي الشيطان ثمّ يحكم اللّه اياته فاذن لاتحجبنّك الظواهر عن كشف اسرار تلك البواطن و لاتظنّ باللّه ظنّ السوء و لاتقل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 482 *»

انّه9 سها و نسي فانّه نقص في الحجّة البالغة و عدول عن المحجّة الواضحة و لاتقل انّ اللّه انساه و اسهاه فانّه ليس من فعل اللّه و في كلّ موضع في القرءان  نسب سبحانه الانساء بالنسبة الي‏العاقل الكامل الي الشيطان كما في قوله تعالي فانساه الشيطان ذكر ربّه في قصّة يوسف7و قوله تعالي و ماانسانيه الاّ الشيطان في قصّة يوشع‏بن‏نون و موسي و الحوت و غيرها من الايات فاللّه عزّوجلّ لايلهي عن ذكره و لاينسي اولياءه امره فانّه ارأف و الطف لكنّه تعالي يأمر و ينهي فلوكان لابدّ لنا من قبول تلك الاخبار و عدم حملها علي التقيّة جرياً لمذاهب الاشرار و ايقاع الاختلاف بين الشيعة الاخيار فاقرب المحامل و اعلاها ما ذكرناه من الامر و النهي كما انّه تعالي امره بالصلوة فصلّي امتثالاً لامره و طلباً لرضاه كذلك امره بالتأخير لحكمة و مصلحة و هو9في الحالتين مطيع منقاد لامره تعالي غير غافل و لا ذاهل فاللّه سبحانه سمّاه ذكراً و سمّي اهل بيته سلام‏اللّه عليهم اجمعين اهل الذكر فاين النسيان فاذاً لاتأخذه و لا ايّاهم سنة و لا نوم علي المعاني كلّها صلّي اللّه عليهم اجمعين فالضمير المنصوب في لاتأخذه راجع الي‏المذكور حكماً و استلزاماً كما ذكر غير مرّة فافهم.

و نقول ايضاً انّ الهاء لانجعله للضمير بل هو اسم من اسماء الظاهر و بيان ذلك انّا قدقلنا سابقاً انّ الحي القيّوم بالحروف الملفوظة اذا ضربت في قوي الاسم الاعظم «هو» يستخرج الاسم الاكبر العلي و كما انّ هذا الاسم الاكبر يستخرج من الجميع يستخرج من «هو» ايضاً الذي هو اعظم الاسماء جميعاً لانّ تلك القوي اذا ضربتها في نفسها كانت مائة و عشرة و هي قوي اسم العلي و لمّاكان هو متولّد من الهاء بالاشباع يجعل في اكثر المواضع ذكر الهاء وحدها من غير ذكر  الواو و لذا قال عزّوجلّ و انّه في امّ الكتاب لدينا لعلي حكيم و اتي بالهاء بلااشباع لبيان انّ الاصل هو الهاء و هي حرف من حروف ليلة القدر و حرف من اعظم حروف التوحيد في الشرح و البيان و ذكر المقامات الخمسة و عليها مدار التوحيدات الواقعة في الموجودات كلّها كما شرحنا في ساير رسائلنا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 483 *»

مفصّلاً مشروحاً فالهاء هو الاصل و هي اذا اشبعت تتولّد منها الواو فتكون الهاء مضمومة و الواو مفتوحة جرياً علي حكم الاصل فاذا ضرب المجموع اي الاصل و الفرع في نفسه في مقام التفصيل فاوّل اسم ينتج منه في عالم التفصيل هو الاسم العلي لبيان علوّ ارتفاع عظمته و جبروته عن وصف كلّ واصف و نعت كلّ ناعت كما في دعاء الصحيفة و استعلي ملكك علوّاً سقطت الاشياء دون بلوغ امده و لم‏يبلغ ادني ما استأثرت به من ذلك اقصي نعت الناعتين ضلّت فيك  الصفات و تفسّخت دونك النعوت و حارت في كبريائك لطائف الاوهام فهو سبحانه علي عالٍ لاتناله الاوصاف و الصفات و لاتحدّه الادوات فلايلحقه شي‏ء فليس ثمّة شي‏ء و لذا قال مولينا الصادق7 لمّا قال الرجل اللّه اكبر قال7  اللّه اكبر من اي شي‏ء قال من كلّ شي‏ء قال7 و هل ثمّة شي‏ء فيكون اللّه اكبر منه قال فما اقول قال7قل اللّه اكبر من ان‏يوصف و هذا كلّه اثار اسمه العلي فالهاء مبدء اشتقاق هذا الاسم المبارك الاعظم الاكبر فقد يطلق المبدء و يراد به المشتقّ كما في قولك زيد عدل و قوله تعالي في ابن نوح انّه عمل غير صالح علي احد التفسيرين في القراءة المشهورة.

فاذا عرفت ذلك فاعلم انّ  اللّه عزّوجلّ لمّا ذكر الحي القيّوم بعد «هو» و ظهر منهما الاسم العلي و بطن ذلك الاسم في الصعود و العروج الي وجه المبدء في الاسم الاعظم «هو» و غابت الواو عند استيلاء هيمنة ظهور الهاء لم‏يبق الاّ الهاء المضمومة التي انضمّت بعالم التقديس و التجريد و التوحيد و ظهور الحي المجيد او المرفوعة التي ارتفعت عن الحواسّ اراد عزّوجلّ ان‏ينطق بما اضمره في الحي القيّوم و ينزّه ذلك الاسم الاعظم عن جميع الحدود و الرسوم فاذا انتفت تلك الرسوم و الحدود و اتّصلت في الوجدان و النظر بالحي القيّوم و حصلت كمال الاطاعة التي هي الخروج عن الانّيّة كما قال عزّوجلّ لذلك النبي لمّا سأله كيف الوصول اليك الق نفسك و تعال و قال عزّوجلّ القها ياموسي و هذه هي الطاعة الكاملة المزيلة للاغيار و الرافعة لكلّ الاغيار المذهبة بالاكدار و كلّ ما دونها دونها و لذا كانوا:يعدّون الاعمال حجباً و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 484 *»

سيّئات كما قال في الدعاء و انّك لاتحتجب عن خلقك و انّما تحجبهم الاعمال دونك و الطاعة هي رفع الحجاب و هدم الباب و مشاهدة المحبوب بلاحجاب و بالجملة فاذا حصلت الطاعة الكاملة بنفي الرسوم و كشف الغيوم و تواتر العلوم لايبقي الاّ وجهه اذ كلّ شي‏ء هالك الاّ وجهه له الحكم و اليه ترجعون و ذلك هو الهاء في مبدءالاسم‏الاعظم و هو الضمير الغائب عن‏الادراك المرتفع عن المشاعر و الحواس فيظهر فيه الكمالات مطلقاً و الصفات باسرها فيكون مبدء كلّ كمال و جمال و عزّة و جلال فلذلك قال عزّ من قائل لاتأخذه سنة و لا نوم اي لاتأخذ «ه» الهاء التي هي مبدء اسم «هو» الذي هو مبدء اسم العلي فاشار سبحانه الي الاصل و الفرع و المتولّد منهما بقول واحد موجز مختصر فتلك البلاغة الكاملة و الفصاحة المطلقة التي تعجز عنها القوّة الخلقيّة سيّما البشريّة فنفي السنة و النوم عنه اللتين هما اصل كلّ الكثرات التي هي اصل كلّ القبايح و لمّا لم‏تكن الواسطة بين الكمال و النقصان الاّ عند اهل النقصان فيستلزم اجتماع كلّ الكمالات علي الوجه الاكمل و لمّا كان الاكمل في الكمال هو الوحدة لانّها الاصل و الكثرات فروع و اتباع لاتذكر معها و لا كمال فيها معها اذ ذكرتا فوجب ان‏يكون اجتماع تلك الصفات الكماليّة كلّها علي وجه الوحدة و عدم المغايرة لا في المفهوم و لا في المصداق و لا في الفرض و لا الاعتبار و لا الحقيقة و لا المجاز فنفي احد الرتبتين يستلزم الرتبة الاخري بكمالها امّا وحدة مطلقة او كثرة مطلقة فاذا انتفت الثانية بقيت الاولي بكمالها و هو المطلوب من الكمال المطلق فالهاء ذات اضافيّة في الرتبة العليا و «هو» مسمّي للهويّة المطلقة الكبري و العلي اسم للالهيّة العظمي.

ثمّ انّ علي في الرسم جعله اللّه بحيث يظهر منه بصرافته اربعة اسماء من الافعال و الحروف و الاسماء و العامل المطلق الذي لايقع عليه عمل و لايعمل شي‏ء فيه و هو العامل في كلّ شي‏ء في كلّ مقام في كلّ مرتبة بالاضافة الي نفسه و نوعه و صنفه و جنسه و العامل المطلق الذي لايُعمل فيه و هو العامل في غيره لكنّها في‏الاضافة الي نفسه لا في نفسه بنفسه بل لكونه حاملاً لظهور العامل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 485 *»

الاوّل و العامل الذي يقع عاملاً و معمولاً في مرتبتين و المعمول الذي لايقع عاملاً امّا الاوّل فكما اذا قلت «علا» فعل ماضٍ من علا يعلو و هو الفعل الاوّل الذي ليس وراءه شي‏ء اذا كان الشي‏ء من مشيّته فهو العامل في كلّ شي‏ء مستقلاً بنفسه لنفسه في نفسه من غير حامليّة و لا حكاية كمابرهن في محلّه و الهاء اشارة الي هذا الاتري انّ الهاء قدتولّدت من الكاف و حصلت منها في قوله تعالي كهيعص فالكاف من كلمة و هي الاشارة الي المشيّة المطلقة التي هي الظهور العامّ و اوّل ماظهر منها الهاء التي هي سرّ التوحيد و مبدء التجريد و التفريد و الهاء انزل من الكاف باربعة مراتب للاشارة الي انّ الاثر يحصل بعد سير المؤثّر في الادوار الاربعة و الهاء تنزّلت بالتكرار كانت الياء و الهاء ظهرت في الياء تولّدت النون و تمّت كلمة كن و هي لمّااستنطقت ظهرت العين و الكاف اذا اضفتها علي العين لبيان غلبة حكم الاجمال مع بقاء الذكر التفصيلي المعنوي تكوّنت الصاد و هي البحر تحت العرش و منه الحقيقة المحمّديّة9في‏الرتبة السفلي من العليا و منه توضّأ9ليلة المعراج لمّاقال تعالي يامحمّد ادن من صاد و توضّأ لصلوة الظهر لانّ وضوء كلّ احد من ماء طاهر يملكه و لا احد يملك شيئاً الاّ نفسه خصوصاً عند التوجّه الي ربّه و ذلك بحر الوجود و علّة الغيبة و الشهود و هو واحد مجمل بسيط و فيه ذكر الكثرات الاّ انّ جهة الوحدة غالبة و حكم الكثرة زائلة و لذا قلنا وجب زيادة الكاف علي المجموع لبيان انّ فيه سرّ النون لكن الغالب فيه حكم الكاف فافهم ان كنت تفهم و الاّ فاسلم تسلم.

و امّا الثاني فكما قلت «علي» حرف من الحروف الجارّة تجرّ كلّ مدخوله و يكسره و يخفضه فهو العالي علي كلّ شي‏ء قدانكسر و انخفض و انجرّ لديه كلّ شي‏ء الاّ احمد و الاسماء الغيرالمنصرفة التي شابهت الفعل حقيقة لا تقديراً كعمر و زفر فانّ العدل التقديري لولاه لانصرف ولكنّهم قدّروا عدلاً و فرضوا له حكماً و استقلالاً فكان ذلك امراً باطلاً و فعلاً مجتثّاً كماقال كانت بيعة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 486 *»

ابي‏بكر فلتة وقي اللّه المسلمين شرّها الا فمن عاد الي مثلها فاقتلوه بالسيف و امره و  امر هذا العدول التقديري انّمااستقرّ من تلك الفلتة فانظر الان الي‏الاصل و الفرع و انّما قلت انّ عمله بالاضافة الي نفسه لا لنفسه بنفسه يعني انّ الحرف من حيث هي لاتعمل و لاتقدر علي ذلك و لاتعمل الاّ اذا تضمّنت معني الفعل و حملت وجهاً من وجوهه فكان عملها بغيرها و لغيرها و لايتعدّي عن نفسها اذ لا كلّ حرف يجرّ المدخول و لا كلّ حرف تعمل ولكنّها ايضاً عاملة غيرمعمولة ابداً.

و اما الثالث فكما قلت «علي» صيغة فعيل للمبالغة فهو حينئذ عامل لتضمّنه معني الفعل و معمول لكونه اسماً من الاسماء و في هذا المقام له وجهان وجه الي التوحيد و المبدء و وجه الي المتعلّقات و الكثرات فيقع عاملاً و معمولاً.

و اما الرابع فهو حامل الاسم و مفتاح ذلك الطلسم و محلّ الرسم و حامل اللواء و مقام الاداء فليس فيه الاّ مقام المقبول و الانقياد و انفاذ ماحمل و رعاية مااستودع فالاوّل مقام الهاء و الثاني هو و الثالث مقام اللّه و الرابع مقام العلي الذي هو الاسم فذلك الاسم الموصوف و الرسم المعروف لاتأخذه سنة و لا نوم علي التفاسير المذكورة المتقدّمة فافهم.

و نقول ايضاً انّ فعل اللّه سبحانه يجب ان‏يكون في غاية الوحدة و البساطة و الشرف و الكمال و العزّة و الجلال و الجمال فاوّل ماتعلّق به المبدء وجب ان‏يكون مغموراً في لجّة الكمال و الوحدة و البساطة و الشرف حتّي لايلزم الطفرة التي هي بديهيّة البطلان و لئلاّيكون ظهور فعله تعالي ناقصاً مع تمكّنه من الكمال الاتمّ و لمّاكان ذلك المخلوق اوّلاً في‏الغاية من الكمال و الجمال و النور و البهاء وجب ان‏يكون له نور ليكون لجمال اللّه جمال و لكماله كمال ليكون ادلّ علي القدرة البالغة و لمّاكان ذلك النور المنبعث من النور الاوّل في غاية الشرف و الكمال وجب ان‏يكون له ايضاً نور فكان نوره مبدء خلق في العالم و هكذا الي اخر المراتب و النهايات

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 487 *»

فالرتبة الاولي التي هي متمحّضة في الوحدة و النورانيّة و الكمال لكمال القرب الي المبدء الحقيقي فوجب ان‏لايكون هناك للظلمة اثر و لا منها اسم و لا خبر الاّ نقطة واحدة لحفظ رتبة الامكان و تلك النقطة ايضاً استنارت و استدارت فاستقامت فلايكون لمخالفة اللّه التي اصلها وجود الظلمة الي ذلك المقام سبيل فهي الطينة الطيّبة المكنونة المخزونة التي لم‏يجعل منها نصيب لاحد من المخلوقين كماعرفت لانّ ماسويها من اشعّة انوارها و من عكوسات اثارها و الرتبة الثانية كذلك ايضاً لقربها الاّ انّها لمّابعدت عن‏المبدء الحقيقي الذي هو فعل اللّه سبحانه بمرتبتين و لاشكّ انّ النور يقلّ هناك و تكثر الظلمة حسب مقامها فكانت لها تأثير في‏الجملة و ان كانت ضعيفة و بتلك الظلمة يحصل الغفلة الجزئيّة فيتحقّق السنة و الرتبة الثالثة كذلك ايضاً لكن من جهة بُعدها عن المبدء بمرتبتين تراكمت الظلمة و تحقّقت الغفلة و صارت مبدء للنوم الذي هو اخ الموت و الموت ايضاً في بعض الاحوال و قس علي ماذكرنا المراتب المتأخّرة.

فالرتبة الاولي هي الحقيقة المقدّسة المحمّديّة التي تتشعّب الي اربعه‏عشر و هم الذين لاتأخذهم سنة و لا نوم من احوال هاتين الرتبتين و الثانية رتبة الانبياء و هم الذين قدتشعّبوا الي مائة الف و اربعة و عشرين الف و هذه الكثرة دليل تمكّن الظلمة و الاّ لم‏تتكثّر كما لم‏تتكثّر الاربعه‏عشر و هؤلاء هم الذين تغلبهم السنة بلانوم و لذا قديتركون الاولي و يفعلون المكروهات و يعاتبون و يعاقبون عليها و الرتبة الثالثة رتبة الرعيّة و هؤلاء هم الذين تعتريهم السنة و النوم بل الموت لانّ الظلمة قدتمكّنت فيهم و لذا بقي هذه الرتبة لاحصر لها و لاعدّ لها و لامقدار فصارت الرتبة الاولي لاتأخذهم سنة و لا نوم و هو قول مولينا الصادق7 انّ اللّه خلقنا من طينة مكنونة مخزونة و لم‏يجعل في مثل الذي خلقنا نصيباً لاحد و خلق شيعتنا من طينة مكنونة مخزونة تحت تلك الطينة الحديث و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 488 *»

في الزيارة الجامعة فبلغ اللّه بكم اشرف محلّ المكرّمين و اعلي منازل المقرّبين و ارفع درجات المرسلين حيث لايلحقه لاحق و لايفوقه فائق و لايسبقه سابق و لايطمع في ادراكه طامع فاذا سبقوا في الوجود سبقوا الظلمات فلاتعتريهم الغفلات و اذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً. ثمّ انّ السنة و النوم من مقدّمات الموت و اللّه سبحانه خلقهم من اصل الحيوة و مادّتها و حقيقتها فلايتصوّر فيها لا الاصل الذي هو الموت و لا الفرع الذي هو السنة و النوم و الدليل علي انّ ذاتهم و حقيقتهم صلّي اللّه عليهم خلقوا من اصل الحيوة و مادّتها قوله تعالي هو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً و لاشكّ انّ هذه الاية ماتتمّ الاّ فيهم سلام اللّه عليهم اذ ليس النسب و الصهر لمحمّد9في كلّ الوجود بحيث يجتمع فيه الخصلتان سوي مولينا اميرالمؤمنين علي7 و اهل‏بيته و ذرّيّته منه و زوجته مخلوقة من طينته و هو نسيب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و عليهم فكان خلقة الجميع سلام اللّه عليهم من الماء و الماء هو الذي به حيوة كلّ شي‏ء كماقال عزّوجلّ و جعلنا من الماء كلّ شي‏ء حي و كلّ موجود حي لايقوم الاّ بذلك الماء و هو الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات و الارضين بمدد غيرمتناهية و لاشكّ انّ مدخول «من» في مقام الخلق و الايجاد مادّة كما في قولك صنعت السرير من الخشب و صنعت الخاتم من فضّة و غيرها فيكون الماء الذي هو مادّة الحيوة و اصلها و ينبوعها و فرعها فيهم سلام اللّه عليهم فاذا كانت ذواتهم و حقايقهم هي اصل الحيوة المعتدلة الغيرالمشوبة بشي‏ء من افراد العناصر و المتولّدات فلاتعتريهم عوارض الموت و مقدّماته لانّ اللّه قدصفّاهم و طهّرهم و لاشكّ انّ السنة و النوم نوع من الموت فيذهب به الشعور و الادراك و الالتفات و هذا لايسوغ طريانه فيمن كان مادّته عين الحيوة و حقيقته نفي الصفات.

و نقول ايضاً اعلم انّ مناط التأويل علي بعض التفاسير كمامرّ ذكره في المقدّمة هو تأويل الاية في الانسان الصغير و الانسان الوسيط و هو الذي يسمّونه العبد الكريم و عبد الواسع و نحن نسمّيه عبداللّه و لمّا كان الاسم الذي هو

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 489 *»

بالحروف غير مصوّت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسّد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مصبوغ بري‏ء عن الامكنة و الحدود مبعّد عنه الاقطار محتجب عن حسّ كلّ متوهّم مستتر غير مستور في الحقيقة الانسانيّة هي ذاته و حقيقته المجرّدة عن كلّ ما سواها من كلّ ما ينسب اليها من الاحكام المتضادّة و المتوافقة من كلّ ما فيه نسب و اضافة و اقتران و غيرها فيكون ذلك هو الوجه الباقي من كلّ شي‏ء علي احد التفاسير لقوله تعالي كلّ شي‏ء هالك الاّ وجهه بارجاع الضمير الي الشي‏ء فانّه حينئذ هو جهة استمداده من المبدء عند الحركة علي القطب بلامحور و بلاكيف و ذلك محض فيضه تعالي و فضله الذي لايزول و لايبيد و لاينفد و لايبطل و لايفني اذ لاداعي هناك من جهة الانّيّة المدبرة بل ذلك اسمه تعالي و رسمه و حقيقة صفته فلاتبطل اسماؤه تعالي و صفاته بابطال الاشياء لانّها ممّا عند اللّه و هو قوله تعالي ما عندكم ينفد و ما عند اللّه باق و تلك الحقيقة المعبّر عنها في حديث كميل بكشف سبحات الجلال من غير اشارة هي المسمّاة بالفؤاد و بالنور فلاتعتريه و لاتأخذه احوال الكثرات المعنويّة الجوهريّة كالعقول و الارواح المشار اليها بالسنة و لاتأخذه ايضاً احوال الكثرات الشخصيّة النفسيّة و الشبحيّة و الجسميّة المعبّر عنها بالنوم و لا السنة و النوم الظاهريين ايضاً لانّهما يحصلان من الاكل الغليظ المبخّر و لا اكل هناك الاّ التجرّع من كاسات المحبّة و شراب المصافاة و المؤانسة فاين اذن السنة و اين النوم و انّما هو نور موجود و ظلّ  ممدود و شاهد و مشهود و موجود و مفقود و ذلك مرجع الضمير علي هذا التقدير اذ لايقع علي الذات البحت سبحانه و تعالي ضمير بارز و لامستتر و انّما المرجع الظهورات و اعظمها في الحقيقة الانسانيّة ذاتها المعبّر عنها بانا المنتهي اليها جميع التعلّقات و الاضافات و المقصود و المراد من الاطلاقات في الاسماء و الصفات ليس الاّ الذات البحت الباتّ و لذا اتي بالضمير المتّصل البارز و ذلك ايضاً مفعول‏به و هو و ان‏كان مبنيّاً علي الضمّ في ظاهر اللفظ و لكنّه منصوب المحلّ الاّ انّ الغالب عليه حكم الضمّ فانضم بذلك الصقع فبقي لا

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 490 *»

فرق بينه و بينه الاّ انّه عبده و خلقه فتقه و رتقه بيده بدؤه منه و عوده اليه و لذا قال7لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو الاّ انّه هو هو و نحن نحن فافهم ضرب المثل فكم من خبايا في زوايا.

و نقول ايضاً انّ الاسم الاعظم في الجمادات و المعادن و ساير الفلزّات و هو المولود الكريم المسمّي عندهم بعبد الواسع و عبد الكريم و هو الشجاع الذي يهزم الصفوف و لايكترث بالالوف و قدسمّاه اميرالمؤمنين7اهل الولاية التي هي اخت النبوّة و عصمة المروة في الحديث المروي عنه7لمّا سألوه عن ذلك فقال سألتموني عن اخت النبوّة و عصمة المروة و الناس يعلمون ظاهرها و انا اعلم ظاهرها و باطنها الحديث و اخت النبوّة هي الولاية و هي الاسم الاعظم و النور الاقدم و لذا يؤثّر في السفليّات و يطهّر ما فيها من درن الاوساخ و الكثافات و يعطي كلّ ذي‏حقّ حقّه و يسوق الي كلّ مخلوق رزقه و كلّ شي‏ء اذا استعمل له منه يبلغ غاية كماله بالنسبة الي تلك الرتبة و هو معني الاسم الاعظم و معني الولاية الكبري فيصحّ ان‏يكون مرجعاً للضمير فلاتأخذه سنة و هي الاوساخ القليلة الجزئيّة التي تحصل قبل اكمال التساقي التسع اي بعد الثلثة و قبل التسعة فاذا سقي المركب بالتساقي الثلث يظهر القمر علي فلكه الجوزهر و يربّي معدن الفضّة و القمر و ان‏كان صافياً طاهراً و لكن فيه بعض الاوساخ التي تمنعه عن البقاء الدائم الخالد لكونه وجه اللّه الذي لايفني و يكون صابراً علي النار و يدوم له مع القرار عند اشراق العالي بلاحجاب و تلك الظلمة و الكثافة هي المعبّر عنها بالسنة اذ ليس هناك مقام نوم بل‏الفعل و التأثير موجود و الادراك غيرمفقود و لكنّه مع الفتور لكنّه بعد التساقي الستّ بالماء ذوالوجهين صفة مولينا اميرالمؤمنين7و الشي‏ء الذي يشبه البرقا و الصبغ الاحمر و النور الافخر الذي هو صفة نبيّنا رسول‏اللّه9بامر مستقرّ و تقدير مقدّر و الانفخة التي هي فلك الرابطة و المتمّم الحاوي و المحوي لتحصيل فلك الممثّل الافضل الاكمل فبكلّ سقي يخرج مفسد و يكشف ظلمة و غطاء الي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 491 *»

ان‏تمّت السقيات فتجمع الشتات و يأتي الدوام و الثبات فيكون وجه اللّه الباقي و حرز اللّه الواقي المنزّه عن السنة و النوم.

و امّا النوم فهو عبارة عن الاوساخ و الغرائب المانعة عن ظهور تلك النفس الطيّبة و الروح الحميدة فتمنع عن النفوذ في اقطار المراتب كلّها و المقامات باسرها و تلك الاوساخ و الابخرة هي التي يحتاج في دفعها و ازالتها الي انحاء التعفينات و التقطيرات بتزويجها النساء الاربع و غسلها في حمّام مارية و احرامها في بئر الشمس و طوفها بالبيت الحرام اسبوعاً و سعيها بين الصفا و المروة و بكلّ سعي يخرج نور و يذهب ظلمة الي تمام السبعة فتجتمع الانوار السبعة التي هي الدراري و الخنّس الجوار الكنّس و تمام ظهور تلك الانوار يحتاج الي التقصير و ازالة الشعر و تقصيره اي السواد و ذلك اذهاب كثافة دم الحيض لتخرج منها البنت العذراء و تنقلب حليباً صافياً يكون غذاء للمولود العزيز  و قرّة عين اهل التميز فاذا تمّ الاعمال و كمل الحجّ بكمال الاقبال و التوجّه الي حضرة ذي الجلال و اشتدّ شوقه و حبّه فارتفعت سنته و نومه فطهر عن الاكدار و ازال الاغيار انّ في ذلك لعبرة لاولي الابصار فافهم ان كنت من اهل الاستبصار.

ثمّ اللّه سبحانه نسب الي نفسه الشريفة ما كان ثابتاً لهذا النور الاعظم و النيّر الاقدم تشريفاً له و تكريماً و تعظيماً و تبجيلاً انظر الي قوله تعالي اللّه يتوفّي الانفس حين موتها الاية و قال ايضاً الذين تتوفّيهم الملائكة طيّبين يقولون سلام عليكم و قال ايضاً تعالي شأنه قل يتوفّيكم ملك الموت الذي وكّل بكم فنسب الي نفسه الاقدس اوّلاً من غير ذكر احد ثمّ نسب الي الملائكة علي جهة العموم ثمّ نسب الي الملك الواحد و هو عزرائيل7 هل تري في كلامه سبحانه اختلاف و تضادّ ابداً و هو سبحانه نفي الاختلاف من القرءان و قال عزّ من قائل و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فيكون المراد في الجميع معني واحداً لااختلاف فيه و ليس الاّ انّ ملك الموت يد اللّه و الملائكة يد الملك الاعظم و اصل الفعل ينسب الي الاصل حقيقة و الي اليد مجازاً و تبييناً يقال زيد هو الكاتب و لايقال انّ يده هو

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 492 *»

الكاتب و اللّه سبحانه ذكر هذا المعني في قوله تعالي فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم  الي ان‏قال فويل لهم ممّاكتبت ايديهم و ويل لهم ممّا يكسبون  و كذلك قديكون الصفة لغيره ينسبها الي نفسه الاقدس لانّ الغير الموصوف ايضاً صفته و صفة الصفة صفة و لذا قال عزّوجلّ و نفخت فيه من روحي و في الكافي عنه7 في مخاطبة اللّه لادم ياادم روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي و كذلك القول في قوله تعالي لاتأخذه سنة و لا نوم و علي هذا التفسير الذي فسّرنا و اخذناه من تلويح كلام اميرالمؤمنين اخت النبوّة و عصمة المروة فعلمناانّ اخت النبوّة هي الولاية فعرفنا وجه المأخذ و دليله و برهانه و لواردنا شرح الجميع لطال بنا الكلام و يخرجنا عمّا نحن بصدده من اختصار المقام و عدم التطويل التامّ و عدم الايجاز المخلّ للافهام و يكون ايضاً ذلك هو الوجه و هو المرجع للضمير المدلول عليه بالقرءان اللفظي و ان‏كان المقصود ليس الاّ الذات الاقدس سبحانه و تعالي فافهم و لايري نور غير نوره و لايسمع صوت غير صوته لايجده شي‏ء و هو اظهر من كلّ شي‏ء و اخفي من كلّ شي‏ء و انّما خفي لشدّة ظهوره و استتر لعظم نوره و هو سبحانه المقصود بكلّ بيان  و المدعوّ بكلّ لسان  و الموجود في كلّ مكان و المطلوب بكلّ جنان فلايطلب غيره و لايتوجّه الي سواه و لايراد غيره و هو قوله:

انا المطلوب فاطلبني تجدني   و ان‏تطلب سوائي لم‏تجدني

و اليه يرجع الامر كلّه الا الي اللّه المصير انّا للّه و انّااليه راجعون و مع‏ذلك كلّه فلاتصل العبارات اليه و لاتقع الاشارات عليه و لاتذكر النسب و الاضافات لديه سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه ربّ العالمين فاذا اتقنت هذه الاشارات و العبارات المكرّرة المردّدة يفتح اللّه لك باباً من العلم يفتح من كلّ باب الف باب و من كلّ باب الف باب و الي اللّه المرجع في المبدء و الماب.

قال اللّه تبارك و تعالي: (له ما في السموات و ما في الارض)

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 493 *»

لمّا اشار سبحانه الي معرفته بجميع الانحاء التي يمكن لخلقه ان‏يعرفوه بها في كلّ المقامات لجميع العوالم و اهلها فاشار لاولي الافئدة بقوله تعالي اللّه فالالف اشارة الي الاء اللّه علي خلقه من النعيم بولايتنا و اللام الزام خلقه ولايتنا و الهاء هوان لمن خالف ولايتنا كما عن الصادق7رواه الصدوق في التوحيد و هذا البيان في هذه الصيغة متكفّل لبيان المراتب كلّها كما هو المعروف عند اولي الافئدة و يطول الكلام بذكرها و بيانها ثمّ اشار لاولي الالباب بمراتبهم من اصحاب العقل المرتفع و المستوي و المنخفض بقوله تعالي لا اله الاّ هو و هو اصل الاسم اللّه كما عرفت السلام علي شهور الحول و عدد الساعات و حروف لااله الاّاللّه في الرقوم المسطّرات السلام علي اقبال الدنيا و سعودها و من سئل عن كلمة التوحيد فقال انا و اللّه من شروطها كما في زيارة الرضا7زار بها ابنه الجواد8 و قوله سلام‏اللّه عليه فبهم ملأت سماءك و ارضك حتّي ظهر ان لااله الاّ انت كما في دعاء شهر رجب عن الحجّة7 و في هذه الكلمات اشارات لاهل البشارات و هي جامعة لمراتب التوحيد و الاسماء و الصفات و انحاء التجلّيات لكلّ ذرّة من الذرّات كمامرّت الاشارة الي بعض مراتبها و مقاماتها ثمّ اشار تعالي لاولي العلم اي العلماء الذين يخشون اللّه من قوله تعالي انّما يخشي اللّه من عباده العلماء بقوله تعالي الحي القيّوم الي اخر الاية لكن اولي العلم علي قسمين قسم مسكنهم و موقفهم اغصان سدرة المنتهي في جنّة المأوي عند شجرة طوبي جنّة حظيرة القدس و مأوي المحبّة و الانس و قسم اخر سكنوا السموات و مالوا الي السفليّات و وقفوا جنّة هورقليا و نظروا الي جابلقا و جابرسا حتّي نزلوا الي هذه الدنيا و تلطّخوا بالامها و محنها و اسقامها فاشار سبحانه للاوّلين الي مقامات جميع المعارف التي تراد منهم بقوله تعالي الحي القيّوم فانّه كافل لجميع المقامات من التوحيد و الاسماء و الصفات فالحي اشارة الي محض التوحيد الخالص للّه عزّوجلّ لاهل كلّ طبقة و مرتبة الي ان‏يترقّي الي خمسة الاف و مأتين و ثمانين و القيّوم اشارة الي مقام الواحديّة التي هي مبدء ظهور الاسماء و الصفات و ساير التعلّقات

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 494 *»

فانتفي الامكان بالحي لانّه ميّت و ثبت بالثاني بكونه اسماً و رسماً و وصفاً فافهم المقال فانّ العلم نقطة كثّرها الجهّال و اشار سبحانه و تعالي للاخرين بقوله تعالي لا تأخذه

سنة و لانوم فنفي جميع الامكان و النقايص فاثبت الازل بل الكمال المطلق الذي هو الوحدة المطلقة فلمّا نفي جميع الامكان و جميع الروابط و القرانات و الاضافات كان فيه توهّم انّ المكوّنات ليست منسوبة اليه عزّوجلّ لانّ النسبة تستلزم الاقتران و هو صفة الامكان و يلزم منه التعطيل و الاعتزال و ذلك خلاف صفة القديم جلّ‏شأنه فيلزم ان‏يكون للخلق صانع اخر و هو محال اراد سبحانه ان‏ينفي هذه الواهمة و يزيل هذا الشكّ و يبيّن ان لامستقلّ سواه و لاموجود غيره وانّ كلّ شي‏ء خاضع له و كلّ شي‏ء موجود به و كلّ شي‏ء مضمحلّ لدي فعله و قيّوميّته و يبطل الاعتزال و التعطيل و يظهر الحقّ الصريح و انّ البينونة بينونة صفة لابينونة عزلة قال عزّوجلّ له ما في السموات و ما في الارض من جميع الكائنات و المكوّنات و المصنوعات و المشاءات و هو الغني و هم الفقراء اليه وحده لاشريك له و لايلزم من ذلك اقتران و اتصال و نسبة فانّ قيام الاشياء بفعله تعالي قيام صدوري و هو سبحانه و تعالي اقام الاشياء باظلّتها بلا كيف و لانسبة و لااشارة فاوجد الفعل و الارادة بلاكيف ثمّ ذكر فيه الكيف و ساير الحدود ثمّ خلق الاشياء به كما ابان عن ذلك مولينا الصادق7بقوله خلق اللّه الاشياء بالمشيّة و خلق المشيّة بنفسها و اوضح هذا الامر مولينا الرضا7بقوله و امّا الارادة فاحداثه لاغير لانّه لايروّي و لايهمّ و لايفكّر و انّما يقول للشي‏ء كن فيكون من غير لفظ و لاكيف لذلك كما انّه لاكيف له فاذا لم‏يكن الكيف فاين النسبة التي هي من مقولة الكيف فالاشياء قائمة به تعالي لابسواه و لكن هذا القيام لاكيف له و لا اقتران و هو غاية قدرة الحكيم و نهاية عظمة العليم فليس مستقلّ في الوجود سواه و لافاعل بالاصالة غيره و لكنّه سبحانه كما ذكر و لولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد الاية و ابتلي الاشياء بعضها ببعض و قارن بعضها ببعض و امسك بعضها ببعض و هو سبحانه الممسك

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 495 *»

للجميع بالجميع انّ اللّه يمسك السموات و الارض ان‏تزولا و لئن‏زالتا ان‏امسكهما من احد من بعده فلهذا المعني و امثاله وقع في كلام اميرالمؤمنين7رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك فافهم فانّا لسنا الان بصدد تفاصيل تلك الاحوال و قدذكرنا في كثير من مباحثاتنا و رسائلنا و اجوبتنا للمسائل باكمل بيان و تفصيل و لذا اتيك سبحانه بذكر ما ذكر من قوله تعالي له ما في السموات و ما في الارض الاية التي هي مجمع جلائل الموجودات بل جميع ذرّات الكائنات في اطوار كلّ الامكانات و المكوّنات.

و نقول ايضاً انّه سبحانه و تعالي لمّااشار الي معرفته سبحانه باكمل الوجوه اراد ان‏يبيّن سبحانه و تعالي اطوار قدرته و احكام سلطنته و عظائم خلقه و جلائل نعمه و لذا قال عزّوجلّ له ما في السموات و ما في الارض و الكلام في هذا المقام يقع في مباحث:

المبحث الاوّل القول في حقيقة اللام و هاء الضمير. المبحث الثاني القول في «ما» و معانيها و حقيقتها و احكامها و وجه كونها علي هذه المعاني المخصوصة. الثالث القول في «في» و الظرفيّة و حقيقتها و كونها عالماً مستقلاً و اختصاصها بالظرفيّة دون غيره و كذلك القول في‏اللام و ما و غيرهما. الرابع في اطلاقات السموات و الارض و مدلولات الفاظهما في الوضع الاوّلي الالهي. الخامس في مبدء السموات و الارض و منشأهما و علّة تحقّقهما و كينونتهما. السادس في‏العلّة المادّيّة لخلق السموات و الارض و كيفيّة احداثهما و ايجادهما و تركيبهما و صورتهما و غيرها من احوالهما. السابع في اعداد السموات و الارض و طبقاتهما و مقادير اجرامهما و ابعادهما.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 496 *»

الثامن في ترتيب طبقاتها و اوضاع حركاتها و تعيين افلاكها و بيان اختلافاتها في تأثيراتها و قويها و ذكر الافلاك الجزئيّة. التاسع في الوان السموات و الارض و قويها و طبايعها و اسمائها و اسماء الملائكة الموكّلين بها. العاشر في بيان مراتب ما في السموات و ما في الارض من الذوات و الصفات و الاعراض و المجرّدات و المادّيّات و هذه هي العشرة الكاملة التي بها نظام الوجود و بمعرفتها تنكشف احوال الغيب و الشهود و انّما تصدّينا لذكر هذه الاحوال و بيانها و شرحها و لو بالاجمال و الاشارة الي نوع الاستدلال لانّ هذه المباحث قدتكلّم العلماء فيها حسب ما وجدوا و عرفوه بعقولهم و انواع استنباطاتهم و نحن لنا كلام في كلّ هذه المباحث و غيرها علي ما فهمنا و استنبطنا من طريقة ائمّتنا سلام اللّه عليهم في باطن الاشارات الي باطن الاسرار احببت ان‏اشير الي شرذمة منها ليهدي اليها من طلب الهداية من اللّه عزّوجلّ و يعرفوا انّ العلم كلّه مخزون عند اهله لاينال الاّ بالطلب من بابه علي وجهه ليس البرّ بان‏تأتوا البيوت من ظهورها و لكنّ البرّ من اتقي و أتوا البيوت من ابوابها و انا لايمكنني استقصاء الكلام لما في قلبي من الكسل و الملل و الاعراض الحاصلة بمصادمة الامراض و الهموم و الاسقام.

امّا المبحث الاوّل فاعلم انّ المعروف المقرّر من مذهب اهل البيت:كما برهن في محلّه انّ بين الالفاظ و المعاني مناسبة ذاتيّة و انّ الحروف طبق الذوات كما انّ الذوات كلّها نشأت من الذات الواحدة كذلك الحروف انّما نشأت من المبدء الواحد و هو الالف اللينيّة ثمّ تشعّبت بشئونها و اطوارها و اختلفت بتطوّرات اثارها الي ثمانية و عشرين حرفاً ثمّ بتراكيبها و قرانات بعضها ببعض ظهرت الكلمات و اختلفت اللغات و تحقّقت الالفاظ الغير المتناهية كما انّ في الذوات بادبار العقل و اقباله تحقّقت المراتب الثمانية و العشرين ثمّ قارن بعضها ببعض و اتّصل تكثّرت الموجودات و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 497 *»

تحقّقت ذوات الكائنات و مبدؤها من الثمانية و العشرين و مبدؤها العقل الكلّي و مبدء العقل الماء الذي كان العرش عليه قبل خلق السموات و الارض فاذا كان الامر كما ذكرنا فجرت الاحكام علي الحروف و الالفاظ علي طبق ذواتها و كينوناتها و لوازمها الذاتيّة و العرضيّة كما جرت علي الذوات حرفاً بحرف و براهين هذه الامور قدذكرناها في الرسالة الموضوعة لاثبات المناسبة بين اللفظ و المعني و في شرح حديث عمران الصابي; و غيرهما.

فاذا عرفت ذلك فاعلم انّاللام فيالاصل مركّب منالالف و النون هكذا «ل» و الالف حرف المبدء الفاعل و النون حرف الكثرة و الانوجاد القابل فالاجتماع علّة ظهور الاشياء و قرءان  المسبّبات باسبابها فالفاعل لمّا كان في مقام الوحدة و البساطة و اللطف لم‏يكن له ظهور لولا القابل و القابل من جهة النقص و الضعف لم‏يكن له وجود لولا الفاعل و بهما ظهرت الاثار و اختلفت الاغيار و الاكدار و الانوار فاللام كالسراج المركّب من مسّ النار و الدهن اذ لولا النار لم‏يتحقّق الضياء و لولا الدهن لم‏يظهر فالنور و الضياء انّما حصلا بهذا الاقتران و الاجتماع فافهم و لذا كان مبدء اسم الولي و لمّا كان الولي هو العلّة الصوريّة في الاشياء و هو فصل الخطاب و به اختلفت الاشياء و تمام هذا الاختلاف انّما كانت باتمام ثلثين مرتبة من مراتب القابليّات كانت دورة القمر تمامها لاجل اظهار مراتب الصورة و مقاماتها لكونه هو العامل لظهورات العلّة الصوريّة في النشأة الجسمانيّة في المراتب السفليّة كانت دورته ثلثين يوماً و لذا كان قوي اللام و عددها ايضاً ثلثين فظهر لك انّ اللام عبارة عن حكم القابليات من حيث تقوّمها بالمبدء المقبول لا من حيث الاجتماع و اتصال القابل بالمقبول ليحصل باجتماعهما امر اخر مجموعي وحداني كالميم كما يأتي ان‏شاءاللّه تعالي فباعتبار جهات القابليّات و ظهور المبدء فيها يأتي اللام معاني:

منها و هو الاصل للاختصاص و الاصل في الاختصاص التمليك لانّه لابدّ ان‏يكون شيئين فالسافل الاثر دائماً هو صفة استدلال علي‏المؤثّر و خاصّة به لايشمل و لايناسب غيره و امّا المتباينان بالاعتزال فقديكون بينهما اختصاص و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 498 *»

تناسب بجهة من الجهات ناسب الاختصاص و لمّا كان العالي و ان‏كان  لايلتفت الي السافل الاّ انّ السافل من جهة استمداده منه و لواذه ببابه و التجائه به ظهر به لامداده به فيكون له ايضاً اختصاص بالسافل في بعض الصفات الجزئيّة الفعليّة فالاختصاص علي ثلثة اوجه اختصاص السافل بالعالي بالتمليك مثل قولك الحمد للّه و الملك للّه و الامر للّه و العكس نحو ربّ العالمين مالك يوم الدين بتقدير اللام علي ما هو الحق في المسألة و اختصاص بعض المتباينين بالبينونة الاعتزاليّة كما هو شأن الموجودين في صقع واحد و مرتبة واحدة مثل الابن لزيد و الجلّ للفرس و ماشابه ذلك و لمّا كانت اللام هي الاشارة الي حدود القابليّات و جهات الماهيّات وجب ان‏يكون الاختصاص بالتمليك و هو الاصل في الوضع الاوّلي ثمّ استعمل في مطلق الاختصاص لانّ القابليّات لها اختصاص بالمقبولات لكنّها علي وجه التمليك لانّ قيامها بها ليس صدوريّاً فيكون من الوجه الثالث في الاختصاص و كذلك اختصاص المقبول بها من حيث كونه حاملة لفيض المبدء من الوجه الثاني فناسب الاستعمال في الجميع الاّ انّ الاصل هو الاوّل كما هو مقتضي مقامها و يلحق بالاختصاص اللام التي يسمّونها لام العاقبة كقول الشاعر «لدوا للموت و ابنوا للخراب» و قوله تعالي و لقد ذرأنا لجهنّم كثيراً من الجنّ و الانس الاية.

و منها للتعليل و لمّا كان اللام اسماً للولي سلام‏اللّه عليه علي ما برهن في محلّه فيكون للتعليل كما قال اميرالمؤمنين7لانّ الدهر فينا قسمت حدوده و الينا برزت شهوده و لنا اخذت عهوده فوجب ان‏يكون للتعليل و العلّة الغائيّة اقدم في الذكر و ان‏كان مؤخّراً في الوجود كما هو شأن الكمال المطلق الذي يُضاهي رتبة الخاتمة.

و منها اللام المقوّية للعامل الضعيف بالتأخير عن معموله نحو لزيد ضربت و بكونه اسم فاعل نحو انا ضاربٌ لزيد او مصدراً نحو ضربي لزيد حسن و بكونه مقدّراً نحو يالزيد و ذلك لانّ اللام اسم للولي و هو المقوّي للضعيف و الجابر للكسير و المدرك للّهيف فيكون الحرف الدالّ عليه دالّة عليه.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 499 *»

و منها اللام بمعني «الي» فانّ الولي اليه المنتهي ليس وراء اللّه و وراءكم ياسادتي منتهي و انّما كانت للمنتهي لا المبتدا لانّ الكثرة في جانب الصعود اكثر ظهوراً منها في جانب النزول الذي فيه حكم المبدء و لذا اختصّ البدء ب «من» التي فيها الميم حرف الاجمال و حرف النون فيه ذكر التفصيل لاعينه فافهم.

و منها اللام بمعني «علي» نحو و تلّه للجبين اي عليه و يخرّون للاذقان سجّداً اي علي الاذقان لانّ الولاية التي بمعني اعطاء كلّ ذي حقّ حقّه و السوق الي كلّ مخلوق رزقه لها الهيمنة و الاستعلاء علي كلّ مذروء و مبروء فتكون اللام ايضاً اذ لوحظ فيها تلك الجهة تأتي بمعني «علي» و لكنّها لمّا كانت ظاهرة بالكثرة المطلقة لم‏تكن الدلالة دائمة مثل دلالة «علي» علي الاستعلاء المطلقة.

و منها اللام الزائدة مثل قوله تعالي ردف لكم و شكرت له اتي‏بها للزينة و انتظام‏الكلام لانّا قدذكرنا انّ‏اللام هي حدود القابليّات و هي عند التوجّه الي المبدء الحق بظهور سرّ المقبول بلاملاحظة المقبول مضمحلّة فانية لاينبغي النظر اليها فهي زائدة في الكلام اتي بها حفظاً للنظام و وصلة و صلة للاشياء علي الوجه التامّ و قديحذف بعد الوصل و النظر اليها و قدتحذف و تزاد بدون ذلك فالاوّل مثل وزنته المال و وزنت له و كلته البرّ و كلت له و عددته الدراهم و عددت له فانّها في هذه الافعال الثلثة اوصلت الافعال الثلثة الي المفعول الاوّل ثمّ حذفت تخفيفاً و هكذا في مثل شكرته و شكرتُ لك و الامر علي ما ذكرنا واضح في غاية الظهور و الوضوح لانّ مقامات السالكين الذين يحذفون اللام التي هي حدود الكثرات مختلفة.

و منها اللام بمعني «عن» كما في قوله تعالي و قال الذين كفروا للذين امنوا لوكان خيراً ماسبقونا اليه و لو كانت كاللام في قولك قلت لزيد لاتفعل لقال ما سبقتمونا فصحّ انّها بمعني «عن» و لمّا كانت الولاية هي حاملة لعلّة الفاعليّة او نفسها علي ماهو المبرهن المقرّر في موضعه و المعلول المفعول لايجوز ان‏يكون من سنخ العلّة و الفاعل فوجب ان‏يكون اللام اذ لوحظت فيها هذا المعني

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 500 *»

بمعني «عن» التي هي للمجاوزة و لذا صحّ ان‏تقول انّ السرير عن النجّار و لايصحّ ان‏تقول من النجّار بل تقول من الخشب فافهم.

و منها اللام للقسم كالواو اذ لاشي‏ء اشدّ ربطاً في مقام القسم باللّه من الولي و لذا قال مولينا الصادق7 و انّا لاشدّ اتصالاً باللّه من شعاع الشمس بالشمس و انّ شيعتنا لاشدّ اتصالاً بنا من شعاع الشمس بالشمس و في مقام القسم يكون للتعجّب فانّ التحيّر و الوله الذي هو شأن اهل الكثرة و الواقفين مقام الحدود انّما يكون باللام و فيها لانّها اصل الكثرات و ظهور الشكل المثلّث في الجهات الثلث و لذاك لايستعمل التعجّب باللام الاّ في الامور العظام فلايقال للّه لقدقام زيد بل يستعمل في مثل قوله تعالي للّه لتبعثنّ.

و منها اللام بمعني «في» مثل قوله تعالي جامع الناس ليوم لاريب فيه اي في يوم لانّ الكثرة و الاختلاف لابدّ لها من الظرفيّة و المحلّيّة و لانّ اللام قوي الولي و هو عيبة علم اللّه و محلّ مشية اللّه و موضع سرّ اللّه و معدن حكم اللّه فتكون ايضاً بهذا النظر للظرفيّة.

و منها اللام بمعني «بعد» كما في قولك كتبته لثلث خلون اي بعد ثلث خلون لانّ الولاية التي هي مردّ الاشياء و مرجعها و منتهاها فهي قبلها و بعدها و معها مدلوله مدلوله للام كما قلنا فتكون بمعني بعد و بمعني قبل ايضاً كما في قولك كتبته لعشر بقين اي قبل عشر.

و الحاصل انّ هذه المعاني كلّها حدود اللام و جهاتها بالاضافة الي نفسها في قابليّاتها و بالاضافة الي مقبولاتها و الولاية التي ظهرت فيها و هي الاصل في الكثرات و الذات في حجاب الانيّات و لذا وجب ترقيقها في الاداء لانّ الكثرات لايشار بها الاّ علي حدّ الضرورة الاّ ان‏يكون مع لفظ الجلالة و ما قبلها مفتوح او مضموم فحينئذ تفخّم و لايجوز الترقيق في اللّه اكبر و امثاله لانّها اذا اتّصلت باللّه فيكون اتصالها بالظهور الاعظم و الاسم الاكبر الاقدم فيكون حينئذ مظهر جميع الاسماء و الصفات فيجب بثّها و اظهارها لانّ المقصود من خلق الكائنات اظهار الاسماء و الصفات بانحاء الدلالات و هذه المظهريّة لاتحصل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 501 *»

الاّ ان‏تكون مضمومة بذلك العالم او مفتوحة لها باب التوجّه الي ذلك العالم و الفتحة و الضمّة الصوريتين دليلان عليهما فوجب التفخيم تعظيماً لشعائر اللّه و اعلاناً لثناء علي اللّه سبحانه و امّا اذا كانت مكسورة مهموزة فهي دليلة علي انتكاس رأسها ناظرة الي نفسها كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماء حتّي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً و وجد اللّه عنده فوفّاه حسابه و هذا معني كونها مع لفظ الجلالة لكنّها مكسورة مخفوض و الاّ فالذي مع اللّه سبحانه لم‏يزل مرفوعاً منصوباً و مضموماً مفتوحاً قدفتحت له الابواب و نشرت له الاسباب فافهم ان‏كنت تفهم و لاتتوهّم انّ الذي ذكرنا مناسبات و ملائمات لم‏تكن في نظر الواضع الحكيم فانّ هذه واهمة تفضي الي سوء الظنّ باللّه عزّوجلّ بل هذه كلّها حقايق و اسباب هي العلّة للوضع و الاستعمال و لايسعني الان تفصيل المقال في هذه الاحوال فاكتفينا بماذكرنا في سائر رسائلنا و مباحثاتنا.

و اعلم انّ الاصل في كلّ كلمة علي حرف واحد كالواو و الفاء و اللام ان‏تكون مفتوحة لثقل الضمة و الكسرة علي الكلمة التي هي في غاية الخفّة لكونها علي حرف واحد و امّا الباء الجارّة و لامها فتكسر لموافقة معمولها و انّما حصلت الموافقة في الباء و اللام لانّ جهة الخضوع و الانكسار فيهما اكثر و اشدّ من غيرهما لانّهما من حروف الكثرة و من حروف الولاية و لذا تري حملة الولاية عند فقد الضمير المعين لهم المقوّي لامرهم وافقوا معمولهم و كسروا و جرّوا و بايعوا تقيّة و علي خلاف الاصل و الحق و امّا اذا حصل التقوية بالضمير الذي هو سرّ الاسم الاعظم ترجع اللام الي اصلها من الفتح و امّا الباء فتبقي علي حالتها لئلاّ يلتبس باصل الكلمة و اذا تغيّرت لاماً فتفتح و امّا الكاف الجارّة فبقيت علي اصالتها و لم‏توافق معمولها في الصفة الصوريّة لانّها من مقام الوحدة و عالم البساطة و رتبة الوجه الاعلي من المشيّة فاين الموافقة حينئذ و لذا كانت الكاف الجارّة للتشبيه و هذا التشبيه تشبيه رسم و صفة لاتشبيه ذات و حقيقة فكانت مفتوحة لتدلّ علي المغايرة كما هو شأن التشبيه لامضمومة تدلّ علي الاتّحاد كما هو شأن ظهور

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 502 *»

الاصل في الفرع و هذه الكلمة تحتاج الي شرح و تفصيل سيأتي القول فيه ان‏شاءاللّه و علي ما ذكرنا فابن امرك في ادلّة هذه الامور لا ماذكره النحاة فانّها كلّها خرص و تخمين لاتفتح به ابواب العلوم و معرفة الحقايق و الاشارات و العالم كلّه انّما خلق ليدلّ علي اللّه و عظمته و قهّاريّته و علوّ ملكه و سلطنته و هذا المعني لايتحصّل الاّ اذا ظهر لك اللّه في كلّ مقام و كلّ مسألة لا انّك تنساه فينساك فلاتنال خيراً اذن ابداً فانّ اللّه عزّوجلّ يقول فاذكروني اذكركم و ذكره سبحانه ليس خاصّاً بقولك سبحان اللّه و الحمد للّه و لااله الاّاللّه و اللّه اكبر بل له سبحانه ذكر في كلّ شي‏ء يذكره تعالي بذلك الاسم بذلك الذكر فانت مكلّف بتحصيل ذلك الذكر و الاسم في كلّ مسألة من مسائل فروعك و اصولك حتّي يصحّ لك الامتثال لقوله عزّوجلّ و لاتأكلوا ممّا لم‏يذكر اسم اللّه عليه و انّه لفسق و الاكل هو العلم فانّه غذاء للروح كما قال الصادق7في تفسير قوله تعالي افلا ينظر الانسان الي طعامه اي الي علمه ممّن يأخذه فجعل العلم طعاماً فابن عليه معني ذكر اسم اللّه تعالي عليه.

و امّا هاء الضمير فقد اشرنا الي حقيقته سابقاً من انّ الهاء اشارة الي عالم التوحيد بميادينه الخمسة التي هي توحيد كلّ من دخل في عالم الامكان فانّ العالم كلّه علي قسمين عالم الامر و عالم الخلق و الاوّل هو كلمة كن و الثاني هو تمام فيكون فعالم الخلق دلالة عالم الامر الذي هو الكلمة الايجاديّة فانحلّت الوجودات علي كثراتها و اختلافاتها اذن الي خمسة الكلمة بمراتبها الاربع و الدلالة و الاختلافات التي تشاهدها كلّها من ظهور الدلالة علي حسب اذهان السامعين و اختلافه فيها و الاّ فهي واحد كالوجه الواحد الظاهر في المرايا الكثيرة فما الوجه الاّ واحد غير انّه اذا انت عددت المرايا تعدّد او هذه المراتب الخمسة لكلّ واحد منهم توجّه الي ربّهم و توحيد غير ما للاخر فكانت مقامات التوحيد خمسة و هي قوي الهاء و لمّا كان التوحيد كما قال النبي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 503 *»

9ظاهره في باطنه و باطنه في ظاهره كانت الهاء ظاهرها عين باطنها و سرّها عين علانيتها و لمّاكان التوحيد عبارة عن اثبات واحد مجرّد منزّه عن جميع الحدود و القرانات و الاوضاع بلاكيف و لااشارة فكانت لاتدركه الحواسّ الظاهريّة و الباطنيّة و العقل و ما تحته لانّ تلك المشاعر كلّها ذات حدود فالذي لاحدّ له و لارسم غائب عنها و بعيد عن منالها و لمّا كانت هذه الغيبوبة تعرف و تستفاد من الهاء الاّ انّها مخفيّة جدّاً اشاروا اليها بالواو فهو حرف نفي و عدم كما انّ «لا» حرف نفي مع انّ اللام موجودة و الالف موجودة كذلك الواو و انّما اختيرت الواو لانّها هي التي حصلت من اشباع الهاء في الضمّة و كلّ مضموم اذا اشبع في الضمّة يتولّد منه الواو كائناً ما كان و هذا سرّ قدخفي علي الاكثر مع انّ الواو ادلّ علي عالم الكثرات و اصله فاذا ضربت الهاء في الواو تتولّد اللام و تظهر في الوجود. اعرف الان حقيقة النسبة فدلّت الهاء علي اثبات الثابت و الواو علي غيبتها عن الحواسّ و درك الناس فتحقّق ضميرالغائب و هو الاصل في ذلك.

ثمّ لمّا تنزّلت الاشياء تنزّلت الاستعمالات فصارت كلمة «هو» تستعمل في كلّ غائب لانّ فيه نوع حكاية عن تلك الوحدة و الغيبة و ظهرلك انّ الضمير اصله الهاء امّا الواو فاتي بها لزيادة البيان او يكون حاملة للهاء عن الخفاء لانّها بمنزلة ثاء الثقيل و ميم المركز و هاء الهبوط بل هي بعينها تلك فاذا اقتضي المقام فصل الضمير يأتون بالواو و مظهراً و وقاية و ان لم‏يفصلوا و اتّصلوا بها اخر لم‏يحتج‏حينئذ الي الواو فاكتفي بالهاء و لكن الواو منطوٍ فيها بالذكر و مندرج معها لئلاّ يخرج الامكان عن التركيب و عدم البساطة فهذا هو الموضوع‏له الضمير الغائب و ظهر لك ايضاً انّ الموضوع‏له الضمير الغائب انّما هو عنوان التوحيد الظاهر لنا بنا لاعين الذات و رتبتها لانّا لانصل اليها بحقايقنا فضلاً عن احوالنا و شئوننا و الفاظنا و اثارنا و احكامنا فالوضع للظهور و الظاهر في مقام الظهور كالمظهر فاتّحدت المقامات الاّ ان المقصود ليس الاّ اللّه سبحانه المنزّه عن كلّ اقتران و اتصال و انفصال فعلي ما ذكرنا ظهرلك معني له ما

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 504 *»

 في السموات و الارض و عرفت سابقاً من انّ الذي هو الضمير المنفصل يستخرج الاسم الاعظم العلي العظيم المستخرج من هو الحي القيّوم فابن علي التفصيل الذي ذكرنا في ضمير لاتأخذه سنة و لا نوم حكم ضمير له في هذا المقام حرفاً بحرف بلافرق كما يأتي ان‏شاءاللّه تعالي زيادة توضيح لهذا الكلام فافهم.

و امّا المبحث الثاني فاعلم انّ «ما» مركّب من الميم و الالف و الحكم للميم و الالف انّما اتي‏بها لحفظ الميم عن الدثور و الفناء فانّ كلّ شي‏ء مركّب من سلطان الوحدة و سلطان الكثرة و لابدّ من غلبة احدهما و تبعيّة الاخر فان كان الحكم لسلطان الكثرة يقدّمونها و يؤخّرون حكم الوحدة في الذكر و الاّ فبطلت الاشياء اذ كلّ ممكن زوج تركيبي فالميم هو الاصل في تركيب «ما» و الاحكام انّما هي جارية علي احوالها و مقتضياتها و شئونها و تصرّفاتها فالميم هو مجمع اللام و الياء من قوله تعالي  و واعدنا موسي ثلثين ليلة و هي قوي اللام و اتممناها بعشر و هي قوي الياء فتمّ ميقات ربّه اربعين ليلة و هي قوي الميم فاللام هي رتبة القابليّات الثلثين و الياء هي رتبة المقبولات العشرة فباقترانهما تمام الشي‏ء و كماله و اتصال الاصول بالفروع و الاسباب بالمسبّبات و المقتضِيات بالمقتضَيات و ظهور الشي‏ء مشروح العلل و مبيّن الاسباب فالميم رتبة كمال و مقام جمال و منزل اتصال و نفي انفصال.

و لمّا كان مقام علي7 مقام الفرق و الاختلاف فرّق بين رتبتي القابل و المقبول و اتي باللام ثمّ الياء و لمّا كان مقام محمّد9 مقام المحبّة و الاتصال و الاجتماع و يومه الجمعة و كوكبه الزهرة و يجوز له اخذ الازواج بالعقد من غير عدّة جمع تلك التفرقة و استنطق بالميم و جعلت في اوّل اسم محمّد9 و وسطه و لمّا كان الاصل في الميم الوصل و الاتصال و الاجمال و الوحدة جعلت ما و وضعت للموصول فكانت «ما» موصولة و هو الاصل في هذا الترتيب و التركيب فجري الامر علي حقيقة الواقع و لمّا كان هذا الاتمام في اتمام الشي‏ء في نفسه لا من حيث ربّه فتلحظ فيه الكثرة و تستعمل ايضاً في النفي و يقال ماء النافية و نفيها لما

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 505 *»

فيها من سرّ الانّيّة و ان‏كانت من جهة الوحدة و عدم الكثرة و لمّا كان فيه مقامان مقام وحدة و مقام كثرة و نظر الي الاعلي و نظر الي الاسفل فيتعاور النظران و يتعاكسان فيوجب الوله و التحيّر فتكون ما ايضاً للتعجّب لمايظهر له من سرّ عالم‏الوحدة في عالم الكثرة و لم‏يتخلّص له نظر واحد حتّي يخرج من التحيّر و هو اغلب استعمالاتها لماذكرنا و لمّا كان هذا الكمال مقام الانّيّة و تمام الشي‏ء يجمعه المقامين مقام الصفة و الحدوث و مقام النقصان و الكمال و هو و ان‏كان كمالاً عند التعيين و اطوار العبادات و احوالها لكنّها عند محض التوحيد نقص بل لايمكن التوحيد معها ابداً فوجب نفيها و زيادتها و عدم النظر اليها و القاؤها و الغاؤها فتكون زايدة ايضاً كاللام و لا و لمّاكان الميم اسماً للحقيقة المحمّديّة9 كما عرفت و هو في مقام الاجمال و رتبة الامر المفعولي و المفعول المطلق و المصدر تكون ما مصدريّة ايضاً و لمّا كان فيه الكثرات و ذكر الانّيّات تكون ايضاً نكرة موصوفة فانّ النكارة من الكثرة كما انّ التعريف من الوحدة و النكارة من التفصيل كما انّ التعريف من الاجمال.

و لمّا ان كان فيه مقامان مقام الوحدة و الاجمال و هو مقام المقبولات و مقام الكثرة و التفصيل فالاوّل مقام العلم الذي لايشوبه جهل و الثاني مقام الجهل المركّب الذي لايشوبه علم و الثالث مقام الجهل البسيط فيري بالوجه الاعلي انّه ناقص و في المقام الاسفل تتعاور عليه الامور و احوالها و اوضاعها فيبقي جاهلاً يجد العالم عنده الذي دلاّه عليه وجهه الاعلي فيكون مستفهماً فتكون ما استفهاميّة ايضاً يطلب بها الفهم و الكشف عن حقائق الاشياء و ذواتها لاصفاتها و احوالها لانّ هذا الاستفهام خرج عن الذات فلايسئل الاّ عنها لانّ الادوات انّما تحدّ انفسها و الالات تشير الي نظائرها و لذا لما سأل فرعون موسي و قال له ما ربّ العالمين و اجابه موسي و قال ربّ السموات و الارض و ما بينهما ان كنتم تعقلون استكبر و استنكر فرعون فقال لمن حوله الا تستمعون الي هذا المدّعي فانّي اسأله عن الحقيقة و هو يجيبني عن الرسم و الصفة الي ان قال لعنه اللّه انّ رسولكم الذي ارسل اليكم لمجنون حيث ما يعرف الجواب و لايجيب

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 506 *»

علي طبق السؤال و لم‏يعرف الخبيث انّ هذه غاية الجواب و السؤال عن الكنه و الحقيقة ينبئ عن الجهل و الجنون و بالجملة ما استفهام و سؤال عن حقيقة الشي‏ء لاصفته لماقلنا من سرّ الميم قال تعالي في الحديث القدسي انّي خمّرت طينة ادم بيدي اربعين صباحاً فافهم و هكذا ساير تصاريف استعمالات ماتجري علي هذا المنوال الذي شرحت لك.

فاذا قدّمت الالف علي الميم فقلت ام‏يكون حرف تعريف علي بعض اللغات فنظروا و قاسوا علي ال فانّ الالف هي حرف الاثبات من عالم الوحدة المطلقة فلاتحمل ظهوراتها كماينبغي الاّ اللام لتوغّلها في الكثرة و الابهام و امّا الميم و ان كانت صالحة من حيث الكثرة الاّ انّ فيها جهة وحدة تمنع عن ذلك الظهور الكلّي للابصار الناقصة الا تري انّك اذا نظرت الي الشمس تحت حجاب اسود تري فيه جميع احوال الشمس بظهوراتها في اشعّتها من الالوان الاربعة المكتسبة من اركان العرش النور الاحمر و النور الاخضر و النور الاصفر و النور الابيض و لاتظهر تلك الانوار اذا نظرت اليها بغيرذلك الاّ البلّور الذي فيه قوّة جامعة و خاصيّة غريزيّة و هي ايضاً ترجع الي كثرة و تراكم الاجزاء فمن هذه الجهة كانت اللغة الفصيحة في حرف التعريف ال دون ام و ان‏كان‏يجوز كما في تلك اللغة حيث جاء الاعرابي و سأل‏النبي9«أمن ام‏برّ ام‏صيام في ام‏سفر» فاجابه9بانه «ليس من ام‏برّ ام‏صيام في ام‏سفر» و امّا اذا اجتمعت اللام و الميم و قدّم اللام كان اثبت و اعظم في النفي من لا و لذا كانت لم لنفي الماضي و اذا اجتمعت اللام مع النون و قدّمت اللام كان الحاصل اثبت و ادلّ و اقوي من الجميع لانّ فيه اجتماع الكثرتين كثرة اللام و كثرة النون و كلاهما كثرات تفصيليّة ينشأ منها النفي و السلب و العدم كما قرّرنا سابقاً في محلّه و هنا اجتماع الكثرات و هي تورت النفي البحت الباتّ بخلاف لم فانّ اللام فيها و ان‏كانت حرف نفي و كثرة الاّ انّ الميم ليس كذلك الاّ بملاحظة حدودها و اوضاعها و لكنّها في الوحدة و البساطة و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 507 *»

الدلالة علي الاثبات و الوجود لمّا لم‏يكن مثل الالف كان ادخل في النفي من لا فافهم.

امّا المبحث الثالث فاعلم انّ «في» هو بحر الصاد و اوّل المداد لانّ الفاء عددها ثمانون و الياء عددها عشرة و المجموع تسعون و ذلك استنطاق ص و القرءان ذي الذكر فذلك بحر وسع العالم جميعه امّا بذاته او بصفاته او بشئوناته و احواله و اطواره فكلّ شي‏ء في سعة احاطته فهو المحيط بكلّ شي‏ء بالظرفيّة لانّ ذلك البحر الذي هو الوجود المقيّد لمّاظهر بالمشيّة الاوّليّة و النفس الرحماني الاوّلي حكي المشيّة و عموم شمولها و انبساطها فذكر فيه جميع المكوّنات و الكائنات فوسع كلّ من في الارضين و السموات و ذلك اوّل البيوت التي وضع للناس و اوّل ظرف ظهر بالاحاطة في كون الوجود المقيّد و لمّا كان «في» استنطاق ذلك البحر المحيط خصّ للظرفيّة و لاتستعمل في‏غيرها و الاستعمالات الاخر ترجع اليها و قديكون بمعني اللام نحو الحبّ في اللّه و البغض في اللّه اي للّه و هذا ايضاً في الحقيقة مرجعه الظرفيّة و التضمّن في سعة محبّة اللّه سبحانه بجهتي كلمته في اليد العليا اليمني و اليد اليسري السفلي و كذا القول في قوله تعالي و لاصلّبنّكم في جذوع النخل و قدقال بعضهم انّها بمعني علي اي علي جذوع النخل و ليس كذلك بل بمعني الظرفيّة لاشتمالها علي المصلوب اشتمالاً احاطيّاً لامفرّ له عنها و حتّي يتطابق بالمعاني الباطنيّة و كذا في قوله تعالي فردّوا ايديهم في افواههم فقد قيل انّها بمعني الي اي الي افواههم و مرجعه الي الظرفيّة و الاشتمال و كذلك قوله تعالي فادخلي في عبادي فقد قيل انّها بمعني مع اي مع عبادي و ليس كذلك بل المراد فادخلي في زمرة عبادي و سعة احاطتهم و الحاصل انّ مرجع هذه الاستعمالات كلّها الي الظرفيّة.

و لذا كانت في من الحروف الجارّة و هذا هو الذي صار علّة للاشتقاق اي اشتقاق في من الصاد و الاّ لكان اللام اولي بالظرفيّة كما قدتستعمل فيها تجوّزاً و توسّعاً لانّ الظرفيّة التي هي صفة الماهيّات انفعاليّة قابليّة لافعليّة و فاعليّة و ما هذا شأنه لايجرّ و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 508 *»

لايكسر و لايخفض مدخوله و معموله فانّ الجرّ و الكسر و الخفض للمعمول و خضوع المعمول و انكساره لديه فعل العالي المهيمن و ليس في هذا المقام الاّالصاد الذي هو رتبة المداد و مقام الفؤاد و باب المراد و لذا استنطق له في و انّما اختيرت في دون الصاد لبيان اظهار حكم الاحاطة و الظرفيّة و الشمول و السعة فانّ الفاء تكرار الميم التي هي اوّل حرف محمّد9و اوسطه و الياء هي حرف من اسم علي7«في» و هما8هما اللذان وسعا جميع احكام الربوبيّة و العبوديّة في نشأتي الاسميّة و البشريّة في رتبتي الاجمال و التفصيل و هو قوله عزّوجلّ ماوسعني ارضي و لاسمائي و وسعني قلب عبدي المؤمن فهما بيت لجميع الفيوضات الواردة من المبدء الفيّاض لهما و لكلّ ما سواهما صلّي اللّه عليهما و هما العرش و الكرسي المحيطان علي الكون كلّه لقد وسعا السموات و الارض و احاطا بهما و ما فيهما و ما بينهما و لاظرف و لامحيط و لابيت و لاجامع و لامنبسط سواهما و غيرهما8و لذا قال9انا و علي ابوا هذه الامّة و امّا الصاد فلاتؤدّي هذا المؤدّي و لايفهم منه هذا المعني فوجب اختيار في دون غيرها مع ما في صورتها من الاشارة الي الظرفيّة و سكون الياء و كسر الفاء ينبئ عن سرّ عظيم في هذه التأدية فانّ ذلك صورة تعليم النبي9لعلي7جميع ما يرد عليه من العلوم و الاسرار و الافاضات فهو ساكن و واعٍ و حامل و جامع و خازن فيكون ظرفاً حاوياً للانوار و جامعاً للاسرار فكان علي7ظرفاً لمستودع اسرار الولاية الظاهرة من الهياكل الاحدعشر الذي هو استنطاق اسم هو في لااله الاّ هو و كان محمّد9 ظرفاً لمستودع سرّ الحامليّة و مهبط الانوار القدسيّة في رتبة القابليّة فبها ظهر ما كان و ما يكون من سرّ كن فيكون فافهم راشداً و اشرب صافياً فكسر الفاء تعليم و نظر الي الاسفل و هذه الحامليّة كانت حين طوافه حول جلال العظمة دون القدرة و شرحه و بيانه في ملازمة الشمس لدائرة منطقة البروج و عدم عرض لها كالكواكب الاخر و لايسعني الان تفصيل المقال في هذه الاحوال و هذا الاسم اي لفظة في انّما وضعها اللّه سبحانه لتلك الظرفيّة الحقيقيّة و لمّا ظهرت لتلك

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 509 *»

الظرفيّة في مظاهرها و محالّها و مواقعها و اشعّتها و اثارها و شئونات اطوارها استعملت فيها حقيقة بعد حقيقة و هي حقيقة عند اهل المجاز و مجاز عند اهل الحقيقة و لذا اختصّت في بالذكر و هذا معني الظرفيّة.

و امّا المبحث الرابع فاعلم انّ السماء مشتقّة من السموّ بمعني العلوّ فكلّ عالٍ سماء و منه قوله تعالي انزل من السماء ماء و قوله تعالي و نزّلنا من السماء ماءً مباركاً فانبتنا به جنّات و حبّ الحصيد و لاريب انّ السماء التي ينزل منها المطر و الماء لسقي الارض و اهلها هو سماء الدخان و البخار كما روي عنهم: انّ السحاب يغرف من بحر بين السماء و الارض و لاشكّ انّ البحر الذي بين السماء و الارض هو بحرالبخار و الدخان و لاجايز ان‏يكون بحر مثل الابحر المعروفة في الارض مجمع المياه الثقيلة كما ورد النصّ عنهم: مع ما يلزم في ذلك من الطفرة و عدم الحكمة و عدم اجراء الاشياء علي اسبابها و عللها كما هو الظاهر المعروف المبرهن عليه في محلّه و يطلق ايضاً علي ما فوق السموات السبع ايضاً كما في قول البوصيري في مدح النبي9 :

كيف ترقي رقيّك الانبياء   يا سماء ماطاولتها سماء

و في قول معاوية لعنه اللّه يمدح عليّاً7:

خير البريّة بعد احمد حيدر   الناس ارض و الوصي سماء

و من هذا القبيل قوله تعالي و لقد زيّنّا السماء الدنيا بزينة الكواكب و هذه الزّينة لاتكون الاّ في محلّ يظهر الكواكب بنورها و شعاعها و لاريب انّ اوّل ما يظهر نور الكواكب في كرة البخار و تقع اشعّتها فيها كالبيت المزجّج الذي يتزيّن بالشمس بوقوع اشعّتها عليه و حدوث الصور و الهيئات الشمسيّة و الحاصل انّ كون السماء هي جهة العلوّ لاشكّ فيه و لاريب يعتريه و اطلاق السماء علي الافلاك السبعة من قبيل اطلاق الكلّي في اشهر افراده و هذا ايضاً لاشكّ فيه و انّما الاشكال في تعيين الموضوع‏له السماء و الارض هل وضعها من باب الوضع العامّ و الموضوع‏له العامّ او الوضع الخاصّ و الموضوع‏له العامّ الذي احالوه.

و الذي اعطاني النظر بعد ان اعطيته حقّه انّه لماثبت انّ

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 510 *»

الوجود تجمعه سلسلتان طوليّة و عرضيّة فالطوليّة لاتجمعها حقيقة واحدة و كلّ ما في المراتب المتنزّلة اشعّة و حكايات و ادلّة لاذكر لها في المرتبة الاعلي منها يقيناً فاذا اطلق اللفظ عليهما باطلاق واحد بعد ثبوت المناسبة الذاتيّة بين الاسم و المسمّي يكون كلّ الاطلاقات من اللفظ و المعني اشباحاً و امثلة للرتبة العليا الاولي فلااشتراك في المعني لعدم الاتّحاد في الصقع و لا في اللفظ لعدم تباين المعنيين فان السافل حكاية للعالي و صفة استدلال عليه و الصفة من حيث هي كذلك لايعقل الذهول معها عن موصوفها و الشرط في الاشتراك الوضع للثاني بعد الذهول عن معني الاوّل و ليس الامر هيهنا كذلك بل انّما الوضع للثاني بعلّة مناسبة للاوّل و كونه صفة له و اين هذا من الاشتراك اللفظي و لايصحّ ان‏يكون الاطلاق بالنقل و الارتجال لاستلزامهما هجر المعني الاوّل و هنا ليس كذلك و لا الحقيقة و المجاز في اغلب الاحوال لثبوت علائم الحقيقة في الرتبة الثانية من التبادر و الاطّراد و عدم صحّة السلب و امثالها من علائم الحقيقة و اماراتها فلايكون مجازاً فيكون الاطلاق من باب الحقيقة بعد الحقيقة فانّها عبارة عن وضع اسم العالي للسافل من حيث حكايتها و دلالتها للعالي في مقام لافرق بينك و بينها الاّ انّهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك فالاسم للعالي و ملحوظ الواضع حين الوضع هو العالي فلمّا وجد الاثر و حكي مثال المؤثّر من حيث هو مثال جعل ذلك الاسم له من حيث الصفتيّة فالوضع خاصّ هنا لانّ الملحوظ ليس الاّ ذلك المعني الواحد الذي هو العالي المؤثّر فانّ الاثار لاتذكر مع المؤثّر و الموضوع‏له الذي هو تلك الصفات الدالّة الظاهرة في المرايا المختلفة باختلاف الحدود و القابليّات ظهور الكلّي في الافراد عامّ و هذا هو الحقيقة بعد الحقيقة و شرح هذه المسألة و بيانها ذكرناه مفصّلاً في مباحثاتنا في الاصول و ليس هذا المقام مقام شرح هذا الكلام.

فاذا عرفت ذلك فاعلم انّه قدثبت بالادلّة القطعيّة من العقليّة و النقليّة انّ محمّداً9 و اهل بيته: هم الواقفون في اعلي طبقات سلسلة الموجودات و هم قدسبقوا كلّ شي‏ء و اوّ ل من تحلّوا بحلية الكون و الوجود

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 511 *»

و كلّ ما سواهم خلقوا من شعاع انوارهم و فاضل اثارهم فلاتجمعهم مع ما سواهم حقيقة واحدة فانّ الشعاع لايجامع المنير في الذات و الحقيقة و الاّ لم‏يكن شعاعاً هذا خلف. و هو قول مولينا الصادق7 انّ اللّه خلقنا من طينة مكنونة مخزونة عنده و لم‏يجعل في مثل الذي خلقنا منه نصيباً لاحد الحديث و لمّا كان بين الاسم و المسمّي مناسبة ذاتيّة و مرابطة حقيقيّة حقيقة كان حسن المسمّي دليلاً علي حسن الاسم و قبح المسمّي دليلاً علي قبحه بلاشبهة و لمّا كانوا سلام اللّه عليهم اصل كلّ خير و نور و رشد و هداية كما في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوّله و اصله و فرعه و معدنه و مأويه و منتهاه لانّهم الوسايط بين اللّه سبحانه و بين خلقه فلايصل الي احد خير و نور و رشد الاّ بهم و منهم و لمّا كان الخير كلّه يحصل بالقرب الي المبدء و التوجّه التامّ اليه و مااحد اقرب الي اللّه عزّوجلّ في جميع الكرات الوجوديّة منهم صلّي اللّه عليهم وجب ان‏لايسبقهم شي‏ء من الاشياء في خير من الخيرات في حال من الحالات لبطلان الطفرة فوجب ان‏يكون عندهم كلّ جمال و كمال و جلال و كلّ خير و نور ظاهر او غائب في كلّ الكائنات فماسواهم عنهم اخذوا و بهم قاموا و بفاضل كمالهم كملوا و بشعاع جمالهم حسنت صورهم و شمائلهم و جادت تراكيب حدودهم و صور ذواتهم و حقايقهم فاذن وجب ايضاً ان‏يكون العلوّ الذي هو مدلول لفظ السماء عندهم و فيهم بل هم فتكون السماء ايضاً اسمهم و رسمهم و صفتهم و اللفظ الدالّ عليهم بالوضع الاولي لايشمل غيرهم سلام‏اللّه عليهم فاذا نظرت اليهم في مقام الاجمال و الوحدة اطلقت عليهم لفظ المفرد كما في الزيارة انتم السبيل الاعظم و الصراط الاقوم فانّ هذا الحكم لهم: من حيث الوحدة و البساطة لا من حيث الكثرة و الاختلاف و اذا نظرت اليهم من حيث التفصيل و الاختلاف اطلقت عليهم لفظ الجمع فجاز ان‏تطلق عليهم السماء و السموات و هذا الاسم لهم: من وضع اللّه سبحانه لهم من باب الوضع العامّ و الموضوع‏له العامّ الاّ انّ هذا العموم لايتجاوز من اربعه‏عشر فرداً ابداً و يمتنع اكثر و ازيد منها كما شرحنا و فصّلنا فيما كتبنا في النبوّة و الولاية فليرجع اليه.

و هذا الاطلاق فيهم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 512 *»

بالاشتراك المعنوي لكن لا علي سبيل التواطؤ و انّما ذلك علي جهة التشكيك فانّهم سلام‏اللّه عليهم مختلفون في العلوّ فمحمّد9هو الاصل في العلوّ و العمدة و هو علي في مقام جلال القدرة و محمّد9 في جلال العظمة و هكذا تفاوت درجاتهم و تفاضل مقاماتهم في هذا العلوّ فيختلف الصدق ايضاً بذلك الاعتبار و لكن لمّا كان لهم ظهوران في مقاماتهم الذاتيّة ظهور من حيث هم في مقام الاجمال و ظهور من حيث تفاصيل اجزائهم و حدودهم من قلبهم و صدورهم و ساير قويهم و مشاعرهم التي لها حكم الاحاطة بجميع مراتبهم و اجزائهم و حدودهم فظهرت تلك القوي علي هيأة الاحاطة و احاطت بما دونها فصارت اعلي منها و هي تستمدّ من تلك القوي بامداد اللّه سبحانه و تعالي فكانت كلّ واحد منها سماء تحيط و تشرف علي الاجزاء السافلة التي لااحاطة لها و تربّيها و تحفظها عن الابادة و الدثور فتحقّقت السموات و العاليات و يطلق عليها ايضاً هذه اللفظة بالتشكيك في هذه المراتب و المقامات فهم سلام‏اللّه عليهم واحد في مقام الجمع و اربعه‏عشر في مقام الفرق و لكلّ منهم حدود و اركان تسعة هي حملة الفيض الالهي الي باقي الاجزاء و الحدود و المراتب و محيطة بها بحسبها من الاحاطة فنقول للمجموع الوحداني اسماء و هي السماء الدنيا اي الادني و الاقرب الي اللّه عزّوجلّ من كلّ سماء كما قال تعالي ثمّ دني فتدلّي فكان قاب قوسين او ادني و هذه السماء هي التي زيّنها اللّه تعالي بالكواكب اي الاسماء الحسني الظاهرة فيهم من جميع الاسماء الاّ الاسم الواحد الذي تفرّد اللّه به و هو حفظ عن كلّ شيطان مارد اذ الاسماء تجلب الخير و تدفع الشرّ و الضرّ او السماء الدنيا هو محمّد9 لانّه صاحب مقام اوادني و زيّنها اللّه سبحانه بالكواكب هم الائمّة: الذين هم حدود الولاية و الي هذه الاشارة بقوله تعالي افلاينظرون الي الابل كيف خلقت و الي السماء كيف رفعت و قدورد في تفسير السماء انّ المراد بها محمّد9و هو السماء الدنيا ادني و اقرب من باقي الاربعه‏عشر ليصحّ الصدق التشكيكي او المراد بالسماء الدنيا هو اميرالمؤمنين7لانّه ادني بالنسبة الي النبي9 و اسفل و هو

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 513 *»

المزيّن بالكواكب الائمّة الاثني‏عشر سلام‏اللّه عليهم و لذا قلنا انّ السماء الدنيا في الظاهر عبارة عن الكرسي لانّ الاصل في السماء العرش و الكرسي و الباقي تفاصيل احوالهما فلاتعدّ معهما كما سنذكر ان‏شاءاللّه تعالي و الكرسي هو المزيّن بالكواكب و الكرسي مثال علي7 و البروج الاثني‏عشر الائمّة و المراد بالسماء الدنيا هي الطاهرة الصدّيقة الزهراء3و هي الادني من الجميع علي ما قرّرنا انّهم سلام‏اللّه عليهم كلّهم افضل منها و هي المزيّنة بالكواكب و هم اولادها سلام‏اللّه عليهم و عليها لانّها حاملة لهم و هم انّما ظهروا بها فهي السماء الدنيا و الاحتمالات كلّها مرادة للّه عزّوجلّ في هذه الاية الشريفة فصحّ ان‏تقول لكلّ واحد منهم سماء فتكون السموات سبعة محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و جعفر و موسي: فهم السموات السبع كما يأتي شرحها و بيانها ان‏شاءاللّه تعالي.

و نقول ايضاً لكلّ مرتبة من مراتبهم سماء حتّي تتمّ تركيبهم في تسع سموات سماء القلب و سماء الصدر و سماء العقل و سماء العلم و سماء الوهم و سماء الوجود و سماء الخيال و سماء الفكر و سماء الحيوة فكلّ واحد منهم سلام‏اللّه عليهم مجمع سموات و يقابل كلّ سماء ارض كما نذكر فيكون مجمع سموات و ارضين و اطلاق لفظ السموات علي هذه السموات ايضاً بالاشتراك المعنوي بالتشكيك ثمّ انّ لهم سلام‏اللّه عليهم مراتب و مقامات حسب تنزّلاتهم و ترقّياتهم في القوسين الصعوديّة و النزوليّة حسب امتثالهم لقوله عزّوجلّ ادبر فادبر و اقبل فاقبل فكلّ مرتبة عليا سماء بالنسبة الي ما تحته و هو ارض بالنسبة الي ما فوقه و هكذا تنتهي مراتب السموات الي السموات و الارضين الجسمانيّين فعلي هذا تتعدّد سمواتهم و ارضوهم بالعدد الذي نشير اليه فيمابعد ان‏شاءاللّه تعالي و الصدق في كلّ هذه الاطلاقات بالاشتراك المعنوي بالتشكيك من باب الوضع العامّ و الموضوع‏له العامّ.

ثمّ لمّا تمّت هياكلهم و تحقّقت كينوناتهم صلّي‏اللّه عليهم تشعشع نورهم و تلألأ شمس ظهورهم فخلق اللّه سبحانه من ذلك الشعاع و النور حقايق الانبياء و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 514 *»

قسّمها الي مائة الف و اربعة و عشرين الف قسمة مختلفة و كلّ نبي سماء بالنسبة الي وصيّه و هو ارض له و لعلومه و اسراره و احكامه و يربّيها و ينميها و يصوّرها بالصور المختلفة و الاحوال المتشتّتة حسب مذاق الرعايا و المكلّفين فالاطلاق علي السموات الاوّليّة و عليهم من باب الحقيقة بعد الحقيقة و لمّا كانت الحقيقة الثانية حكاية و مثالاً للحقيقة الاولي جرت الاحكام و المراتب فيها علي نهجها فتحقّقت في هذه الرتبة ايضاً سموات و ارضون كماقلنا في الرتبة الاولي حرفاً بحرف و الصدق كالصدق و البيان كالبيان الاّ انّ الاطلاق في الحقيقتين حقيقة بعد حقيقة كماقلنا و كذلك القول في انبعاث الاشعّة من الطبقة الثانية و صيرورتها مبدء خلق في الطبقة الثالثة طبقة الانسان الرعيّة فكانت منشأ سموات و ارضين علي التفصيل المذكور و الاطلاق في الثلثة من باب الحقيقة بعد الحقيقة و في مراتبها بالاشتراك المعنوي بالتشكيك و هكذا المراتب المتنزّلة من الشعاع و شعاع الشعاع و شعاع شعاع الشعاع الي تمام المراتب الثمانية التي هي مرتبة الجنّ و الملك و الحيوان و النبات و الجماد فتحقّقت في كلّ مقام سموات و ارضون علي التفصيل فصار الصدق في الاطلاق في جميع السلاسل الاشتراك بالتشكيك و في السلاسل الطوليّة الحقيقة بعد الحقيقة فالسماء التي وضعها الواضع الحكيم العليم انّما هي الواحد و هي النفس التي صنعها اللّه سبحانه لنفسه كما قال عزّ من قائل و اصطنعتك لنفسي و كلّ الاطلاقات سواه فشئون و اطوار لذلك الشي‏ء الواحد و كذلك ساير الاطلاقات و التعبيرات عن لفظ الانسان و الحيوان و الاسلام و الايمان و غيرها فافهم موفّقاً.

المبحث الخامس  في مبدء السموات و الارض و منشأهما و علّة تحقّقهما و كينونتهما. اعلم انّا قدذكرنا انّ محمّداً و اله صلّي‏اللّه‏عليهم اوّل المخلوقات و هم المقصودون بالاصالة فيكون كلّ ما سواهم انّما تحقّق و تكوّن و وجد بهم فهم سلام‏اللّه عليهم مبدء كلّ خير و علّة كلّ رشد و الشرور و المعاصي لمّا كانت عكوساً و اظلّة للنور فلاتتقوّم و لاتتحقّق الاّ بهم فهي بهم لا منهم كما انّ

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 515 *»

الخيرات بهم و منهم و مثال ذلك الشمس فانّها اذا اشرقت علي الجدار تحدث ظلاًّ و نوراً فالنور من الشمس و لها و اليها و ان‏كان ظهوره بالجدار و الظلّ ليس من الشمس و لا اليها لانّها تشرق علي المرايا و الزجاجة و لاتحدث ظلاًّ فعلم انّ احداث الظلّ انّما هو بها لاجل كثافة الجدار لا منها و لا اليها و انّما هو بها و كذلك نسبة الشرور اليهم سلام‏اللّه عليهم اذ لاقوام لها بدونهم و لولاهم لانتفي الوجود كلّه بخيره و شرّه و لكنّها ليست منهم و لا اليهم و انّما هي قائمة بنورهم ناظرة اليه ساجدة للشمس من دون اللّه و نورهم قائم بهم فقامت الاشياء كلّها بهم كلّ شي‏ء في مقامه و مرتبته و لنعم ما قال السيّد السند السيّد محمّد القطيفي ايّده اللّه في رثي الحسين7الي ان قال:

فقامت به الاشياء عن وجه حكمة   كماينبغي كلّ علي وفق ذاته

و كذلك السموات هم سلام‏اللّه‏عليهم منشأها و مبدؤها و عنهم مصدرها و اليهم مردّها كمادلّت عليه اخبارهم و شهدت بذلك اثارهم و دلّ عليه العقل المستنير بنورهم و ولايتهم امّا السموات بالمعني الاعمّ اي العلويّات كلّها من الانوار المجرّدة و الحقايق النورانيّة و الذوات الطيّبة من العرش و الكرسي و اللوح و القلم و امثالها فالاخبار في مثل هذا المعني كثيرة:

منها ما رواه في رياض الجنان عن جابربن عبداللّه الانصاري قال قلت لرسول اللّه9 اوّل شي‏ء خلقه اللّه ما هو؟ فقال نور نبيّك يا جابر خلقه اللّه ثمّ خلق منه كلّ خير ثمّ اقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء اللّه ثمّ جعله اقساماً فخلق العرش من قسم و الكرسي من قسم و حملة العرش من قسم و خزنة الكرسي من قسم و اقام القسم الرابع في مقام الحبّ ما شاءاللّه ثمّ جعله اقساماً فخلق القلم من قسم و اللوح من قسم و الجنة من قسم و اقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاءاللّه ثمّ جعله اجزاء فخلق الملائكة من جزء و الشمس من جزء و القمر و الكواكب من جزء و اقام القسم الرابع في مقام الرجا ما شاءاللّه ثمّ جعله اجزاء فخلق العقل من جزء و العلم و الحلم و العصمة و التوفيق من جزء و اقام القسم الرابع في مقام الحيا ما شاءاللّه ثمّ نظر اليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور و قطرت منه مائة الف و اربعة و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 516 *»

 عشرون الف قطرة فخلق اللّه من كلّ قطرة روح نبي و رسول ثمّ تنفّست ارواح الانبياء فخلق اللّه منها ارواح الاوصياء الحديث و امثال هذا الحديث كثيرة في كتب اصحابنا فمن ارادها فليرجع اليها فيها.

و امّا السموات المرفوعة السبع او التسع و الارضون كما هي غالب استعمالاتها فكما في حديث العباس بن عبدالمطّلب روي انس بن مالك قال صلّي بنا رسول اللّه9في بعض الايّام صلوة الفجر ثمّ اقبل علينا بوجهه الكريم فقلت يا رسول اللّه ارأيت ان‏تفسّر لنا قوله تعالي فاولئك مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيّين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقاً فقال9 امّا النبيّون فانا و امّا الصدّيقون فاخي علي7 و امّا الشهداء فعمّي حمزة و امّا الصالحون فابنتي فاطمة و اولادها الحسن و الحسين: ثمّ قال ما معناه فقال العبّاس ماذكرتني يا رسول اللّه السنا كلّنا من شجرة واحدة فقال9انّ اللّه تعالي خلقني و عليّاً و فاطمة و الحسن و الحسين: قبل ان‏يخلق الخلق و قبل ان‏يخلق السموات و الارض فكنّا نسبّحه و نقدّسه فلمّا اراد اللّه خلق الخلق فتق نوري فخلق منه العرش و الكرسي ثمّ فتق نور علي فخلق منه الملائكة و انّ نور علي افضل من الملائكة ثمّ فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السموات و الارض و نور فاطمة افضل من السموات و الارض ثمّ فتق نور ابني الحسن فخلق منه الشمس و القمر و نور الحسن افضل و اشرف من الشمس و القمر ثمّ فتق نور ابني الحسين فخلق منه الجنّة و الحور العين نقلت الحديث بالمعني.

و في معناه حديث اخر رواه ابن مسعود عن النبي9 بتغيير و تبديل و انا اذكر هنا صورة الحديث روي الشيخ فخر الدين طريحي في منتخبه المعقود لمزايا اهل البيت: و مناقبهم و رزاياهم و كذلك روي غيره عن ابن مسعود قال دخلت علي رسول‏اللّه9فقلت يا رسول‏اللّه ارني الحق حتّي انظر اليه فقال9يا ابن مسعود الج المخدع فولجت و رأيت علي‏بن ابي‏طالب7 و رأيته راكعاً و ساجداً و هو يقول عقيب كلّ صلوة اللهمّ بحق محمّد عبدك و رسولك اغفر للخاطئين من شيعتي و قال

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 517 *»

ابن‏مسعود فخرجت اخبر رسول‏اللّه فرأيته راكعاً و ساجداً و هو يقول عقيب كلّ صلوة اللهمّ بحقّ علي‏بن ابي‏طالب عبدك اغفر للعاصين من امّتي قال ابن مسعود فاخذني الهلع حتّي غشي علي فرفع النبي رأسه الي فقال يا ابن مسعود اكفرت بعد ايمان؟ قلت معاذ اللّه و لكنّي رأيت عليّاً يسأل اللّه بك و تسأل اللّه به و لاادري ايّكما افضل فقال9يا ابن مسعود انّ اللّه تعالي خلقني و عليّاً و فاطمة و الحسن و الحسين: من نور عظمته قبل خلق الخلق بالف عام او بالفي او باربعة عشر الف علي اختلاف النسخ حين لاتسبيح و لاتقديس ففتق نوري فخلق منه السموات و الارض و فتق نور علي فخلق منه العرش و الكرسي و علي اجلّ من العرش و الكرسي و فتق نور الحسن و خلق منه اللوح و القلم و الحسن اجلّ من اللوح و القلم و فتق نور الحسين فخلق منه الجنان و الحور و الولدان و الحسين افضل منهم فاظلمت المشارق و المغارب فشكت الملائكة الي اللّه عزّوجلّ الظلمة قالت اللهمّ بحق هذه الاشباح التي خلقتهم لمّافرجت من هذه الظلمة فخلق اللّه روحاً و قرنها باخري ثمّ اضاءت الروح فخلق منها الزهراء فاضاءت منها المشارق و المغارب فمن ذلك سمّيت الزهراء يا ابن مسعود اذا كان يوم القيمة يقول اللّه عزّوجلّ لي و لعلي ادخلا الجنّة من شئتما و ادخلا النار من شئتما و ذلك قوله تعالي القيا في جهنّم كلّ كفّار عنيد و الكافر من جحد نبوّتي و العنيد من عاند عليّاً و شيعته انتهي الحديث الشريف.

و هذا الحديث مما قدتكفّل لمبدئيّتهم لكلّ الموجودات و قدامرني مولانا الاكرم و سيّدنا الاجلّ الافخم الولي الاولي السيّد محمّد بن السيّد مال اللّه القطيفي ادام اللّه بقاه و ايّده و ابقاه ان املي كلمات في شرح هذا الحديث الشريف و اشير الي فكّ رموزه و فتح مقفّله و هذا المقام لمّا كان مناسباً لذكر هذا الحديث المبارك فلابأس ان‏نشير الي مجمل بيانه امتثالاً لامر ذلك المولي المكرّم مع بضاعتي المزجي و قصور باعي عن تناول ذلك المطلب الاقصي الاسني الاّ انّ المأمور معذور.

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 518 *»

فاقول انّ ابن مسعود اراد منه9 محض الحق و مخّ الصدق في الدين الذي لايضلّ المتمسّك به و ان‏يعرفه بالمعرفة العيانيّة الشهوديّة التي تلزمه الضرورة و البداهة و لمّا كان ذروة الامر و سنامه و باب الاشياء و رضي الرحمن الطاعة للامام كما قال الصادق7 و الطاعة لاتكون الاّ بالاخلاص و هو لايحصل الاّ بعد كمال المعرفة اراد9ان‏يوقفه علي حقيقة الحكمة التي من اوتيها فقد اوتي خيراً كثيراً و قدورد في تفسيرها انّ الحكمة معرفة الامام7 و لمّا كان معرفة الامام7لاتكمل الاّ بمعرفة انّه مثل النبي9 في جميع الفضائل الاّ مااستثني من حكم النبوّة و انّه نفسه و انّ منه بدؤ الاشياء و اليه عودها اراد9ان‏ينبّه ابن‏مسعود علي هذه الدقيقة الحقيقة اللطيفة الشريفة و لمّا كان ابن‏مسعود كان النبي9عنده في مقام عظيم من اعتقاد الجلالة و القرب عند اللّه و اظهرت النبوّة و العصمة و نزول الوحي تلك العظمة و الكبرياء في قلوب المؤمنين به المصدّقين له المشاهدين جلائل المعجزات و خوارق العادات منه صلوات‏اللّه عليه و اله و امّا اميرالمؤمنين  سلام‏اللّه‏عليه فلم‏يكن يعتقد فيه ذلك المقام لعدم الظهور التامّ و البروز العامّ مع النبي9 و هو سرّ سكون السين في بسم اللّه الرحمن الرحيم و كان قدرءاه في الصغر قدنشي و كبر بين اظهرهم علي طريقتهم و عادتهم فماكان يعتقد فيه7 ماكان يعتقد في النبي9 بل كان يراه مثل ساير الرعايا او افضل منهم امّا مساواته له9 او قربه منه بحيث لايكون بينهما واسطة صلّي‏اللّه عليهما فلم‏يخطر بالبال و لاجري بالخيال.

فاذا كان الامر كذلك فلو انّ النبي9 يذكر له اوّلاً هذا المعني ماكان يستقرّ في قلبه و ماكان يحصل له ذلك الاطمينان و الاستقرار الذي يحصل بالمعاينة و المشاهدة كما هو للكمّلين من العرفاء امره اللّه بلسان النبي9ان‏يلج المخدع و يري عليّاً صلوات‏اللّه عليه و اله في عبادته و دعائه و تضرّعه و توسّله الي اللّه سبحانه بالنبي فدخل و رءاه كذلك و هو يسأل اللّه بالاسم الاجلّ الاعلي الاعلي الاعلي هو معني دعائه اللّه بالنبي9فخرج ليخبر النبي9 بما رءاه من شأن علي7فاذا النبي9راكع و ساجد يدعو اللّه بعلي7 اي بالاسم

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 519 *»

الاعظم الاعظم الاعظم فعظم الامر علي ابن‏مسعود و زعم انّ كلّ واحد يجعل اقرب الخلق الي اللّه الوسيلة بينه و بينه تعالي في حوائجه و دعائه و استغفاره له و لغيره امّا علي فقد عرفنا انّ النبي9اقرب منه الي اللّه فجعله وسيلة و واسطة و شفيعاً و امّا النبي9جعل عليّاً وسيلة و واسطة ينبي‏ء ان‏يكون هو اقرب الي اللّه من النبي9 و هو في الاوّل ماكان يعتقد انّه يداني مقام النبوّة و الان قدثبت عنده المثليّة بقي يتحيّر و يتفكّر في الافضليّة فحار لبّه و ضاع عقله من عظيم ماورد عليه من الامر العظيم حتّي غشي عليه فلمّا اثبت رسول اللّه9ما اراد و تمكّن منه كما اراد بمااراد كيف اراد و بقي ابن‏مسعود متردّداً في الامر الاعظم الذي فيه فساد دينه و دنياه و اخرته و هو توهّم الافضليّة سأله9 و قال اكفرت بعد ايمان اي بعد الايمان بانّي خاتم النبيّين و خير خلق اللّه اجمعين و لانبي بعدي و انا اشرف من كلّ الموجودات لانّ اللّه بعثني نذيراً للعالمين علي سبيل العموم كما انزل في كتابه الذي امنتم به تبارك الذي نزّل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً تتوهّم هذا التوهّم فمن هذه الجهة ابدي ابن مسعود ما في بطنه فقال ماادري ايّكما افضل لعظم ما صار في عينه و لوكان مطّلعاً علي سرّ الواقع لماكان له هذه الواهمة فانّ اللّه سبحانه يدعي باسمائه فافهم.

فلمّا استقرّ في قلب ابن مسعود عظم شأن مولينا اميرالمؤمنين7بما لايوصف قدره اخذه9 في بيان انّه و اولاده و زوجته الطاهرة كلّهم في الحقيقة واحد و نور غير متعدّد و كلّهم مع النبي9 في مرتبة واحدة الاّ انّ له9 فضل النبوّة و انّهم مبدء الوجود و الذوات و الصفات و اليهم مردّها و معادها فاشار9 الي البدء بقوله الشريف انّ اللّه خلقني و عليّاً و فاطمة و الحسن و الحسين من نور عظمته قبل خلق الخلق بالف عام و اختصاص هذه الخمسة لظهور اعيانهم المقدّسة و معرفة ابن مسعود ايّاهم و الاّ فكلّ الاربعه‏عشر سلام‏اللّه عليهم لهم حكم واحد خلقوا من نور عظمته جميعاً و اضافته النور الي العظمة بيانيّة اي نور هو عظمته تعالي فان العظمة الظاهرة في المخلوقين ليست قديمة و انّما هي حادثة و لاسبقهم في

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 520 *»

الوجود حادث بالاجماع من المسلمين في النبي9و الفرقة المحقّة في الجميع فهم اسماءاللّه الظاهرة في المخلوقين في المقام الاعلي و هم مباديها في مقام دون الاوّل فهم العظمة الظاهرة و القدرة الباهرة المستطيلة علي كلّ شي‏ء و العلم الذي وسع كلّ شي‏ء و هكذا جلاله و جماله و بهاؤه و رحمته و نوره و فخره و شرفه و سلطانه و غيرها من امثالها ممّا هو المفصّل في دعاء السحر و دعاء كلّ يوم من شهر رمضان المبارك.

و العام اذا اطلق في مثل هذه المقامات يراد منه الرتبة لاالمدّة الزمانيّة لانّ العظمة الغير المتناهية بدواً و عوداً لايسعها الزمان و المكان و الحدود و الاوقات استخلصهم اللّه في القدم علي سائر الامم اقامهم في ساير عوالمه في الاداء مقامه اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار فاذن هم وجه اللّه و ليس للوجه زمان و لامكان فاذا قالوا الف عام يريدون رتبة واحدة و هو نوعيّة تتضمّن انواعاً اضافيّة و اصنافاً و افراداً شخصيّة بحسب ملاحظة نسب اطوارهم فاذا قلت الفين تريد به نسبتهم في الغيب و الشهادة و اذا قلت اربعه‏عشر الف تريد به تفاصيل اطوارهم السبعة في الرتبة الاجماليّة و التفصيليّة و اذا قلت ثمانون الف تريد مراتب وجودهم الاربعين في الغيب و الشهود و هكذا ساير تصاريف الاعداد الواردة في هذا الباب فانّ مدّة اقامتهم قبل الخلق اختلفت الاثار و الاخبار فيها و بما ذكرنا ظهرلك وجه الجمع و ارتفع التعارض.

و امّا الالف فانّهم لمّاكانوا مع اللّه و عند اللّه كما قال تعالي و من عنده لايستكبرون عن عبادته و لايستحسرون الاية. قال مولينا الصادق7نحن الذين عنده و ذلك لانّهم وجه اللّه و عين اللّه و يد اللّه و جنب اللّه و اذن اللّه و علم اللّه و قلب اللّه و نفس اللّه كما في الزيارة السلام علي نفس اللّه القائمة فيه بالسنن و اي اختصاص اعظم من ذلك فاذا كانوا هم معه سبحانه و قدقال تعالي و انّ يوماً عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون فكانت السنة التي عندنا الفاً عندهم فنحن دائماً في مقام الاحاد و هم سلام‏اللّه عليهم دائماً في مقام

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 521 *»

الالوف لانّ مقامهم بالنسبة الينا مقام النقطة من الكلمة التامّة في الكلمة الابداعيّة التكوينيّة فافهم فانّ البيان يطول به الكلام.

فهم سلام‏اللّه عليهم كانوا مخلوقين قبل الخلق و قبل التسبيح و التقديس لانّهما اضافتان تابعتان للمسبِّح و المقدِّس بالكسر فاذا فقدوا فقد التسبيح و التقديس فلم‏يبق سوي تسبيحهم و تقديسهم سلام‏اللّه عليهم فلمّا اراد اللّه سبحانه ابداع الكائنات و احداث الموجودات و خلق الارضين و السموات و احداث الاشقياء و السعداء فتق نور محمّد9و احدث منه كلّ الخيرات و جمل الارضين و السموات و ما فيهما و ما بينهما من الذوات و الصفات و المراد بالسموات مطلق العلويّات كما قدّمنا انّها المعني الحقيقي للسموات و الارضين مطلق السفليّات من القوابل الطيّبة و القوابل الخبيثة علي ما فصّلنا لك في اوّل المبحث من التقوّم الذاتي و العرضي.

ثمّ لمّاذكر الحكم الاجمالي اخذ في التفصيل كما انّ نسبتهم:اليه9نسبة التفصيل الي الاجمال و لذا قال9 انا الشجرة و علي اصلها و فاطمة فرعها و الائمّة اغصانها كذلك نسبة اثارهم الي اثاره حرفاً بحرف لانّ الاثر يشابه صفة مؤثّره فاخذ9في التفصيل فابتدأ بذكر اشرف الموجودات و اكملها و هو العرش و الكرسي فقال9 و فتق نور علي7 فخلق منه العرش و الكرسي و في حديث العبّاس انّ العرش و الكرسي مخلوقان من نور محمّد9 و لاتنافي بين الحديثين لانّهما حقيقة واحدة يجوز ان‏تنسب لكلّ منهما ما تنسب للاخر كما قال اميرالمؤمنين7انا محمّد و محمّد انا، و انا من محمّد كالضوء من الضوء.

و اذا اردت النسبة الحقيقية فاعلم انّ العرش حكم الاجمال و الكرسي حكم التفصيل فاذا قرنت بينهما فمرّة تلاحظ حكم العرش في الاجمال و يكون حكم الكرسي تابعاً له و داخلاً معه لانّ حكم الاقتران و الاتّصال حكم البرزخيّة الكبري التي يحصل لها الطرفين و يحكم بحكمه و مثاله و بيانه تقاطع دائرتي المعدّل و منطقة البروج فدائرة المعدّل

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 522 *»

بسيطة لاكثرة فيها ابداً و هي العقل و دائرة المنطقة متكثّرة لا بساطة فيها ابداً و هي مظهر النفس الكليّة و المتقاطعان مظهر الروح الرقايقي و هو القرءان  بين العرش و الكرسي فاذا اطلق البرزخ فمرّة يُراد به الطرف الاعلي و يتبعه الطرف الاسفل و مرّة بالعكس فبالعكس و اذا جمع بين العرش و الكرسي يريد الحالة المرتبطة و هو صورة الباء في بسم اللّه الرحمن الرحيم فاذا نسب الي النبي9 فيراد به العرش و اذا نسب الي علي7فيراد به الوجه الاسفل التفصيلي فافهم.

ثمّ قال9 ثمّ فتق اللّه نور الحسن و خلق منه اللوح و القلم و هذا اللوح و القلم باطن الشمس و القمر لاباطن العرش و الكرسي ليقال يلزم انّ اثر الحسن7 اقوي من اثر ابيه سلام‏اللّه عليه و لايصحّ ذلك ابداً و الدليل علي انّ اللوح و القلم في هذا المقام تحت العرش و الكرسي ما في الحديث المتقدّم في خلق نور النبي9 الي ان قال اقامه في مقام القرب ما شاء اللّه ثمّ جعله اقساماً فخلق العرش من قسم و الكرسي من قسم و حملة العرش من قسم و اقام القسم الرابع في مقام الحبّ  ما شاء اللّه ثمّ جعله اقساماً فخلق القلم من قسم و اللوح من قسم و الجنّة من قسم و هذا صريح في انّ اللوح و القلم مؤخّران عن العرش و الكرسي فليسا اذن الاّ باطن الشمس و القمر فانّ الشمس مثال العرش الذي هو مثال العقل الذي هو القلم و القمر مثال الكرسي الذي هو مثال النفس التي هي مثال اللوح و يؤيّد ما ذكرنا بل يدلّ عليه حديث العبّاس انّ اللّه فتق نور الحسن7 فخلق منه الشمس و القمر فافهم.

و فتق نور الحسين7 فخلق منه الجنّة و الحور و الولدان فتمّت العوالم و الذوات الطيّبة من البسايط و المركّبات فانّ المبادي لايخلو ممّا ذكره9.

و لمّا كان لكلّ شي‏ء ضدّ و كلّ نور يقابله ظلمة فانوجدت المراتب السفليّة و الذوات الخبيثة و المركّبات الخبيثات و البسايط المسخوطات بالمقابلة فانعكس من العرش و الكرسي الثري و تحت الثري الي الطمطام و ظهر نتنها و خبثها الي جهنّم و الثور و الصخرة اي صخرة سجّين التي هي كتاب الفجّار و طينة المنافقين و من اللوح و القلم في هذا المقام ارض الشهوة و ارض

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 523 *»

الممات و من الجنّة و الحور و الولدان جهنّم و الحيّات و العقارب و اهلها فاراد استنطاق طبايعهم و اظهار خبثهم و نفاقهم فسألهم الست بربّكم و محمّد نبيّكم و علي و الائمّة و فاطمة الصدّيقة اولياءكم فقالوا نعم يعني اجابة للنفي يعني انت لست ربّنا الخ فاشتدّت ظلماتهم و تراكمت بعضها علي بعض حتّي وصلت الي اقطار الانوار التي تستأهل لقبول الظلمات و سرت الي الغير المعصومين احكام الخلط و اللطخ من اولئك الظلمة الاشرار حتّي استولت تلك الظلمات المشارق و المغارب و خفي امر الحق و ظهر الباطل و خفيت الكلمة العليا و استعلنت الكلمة السفلي و هو قوله9اظلمت المشارق و المغارب و هي المشارق و المغارب في افلاك الغير المعصومين الذين تتمكّن فيهم احكام اللطخ و الخلط و اختلاط الطيَن (بفتح‏الياء).

و لمّا انّه يجب ردّ كلّ فرع الي اصله و كلّ صورة الي معناها ليظهر قوله تعالي الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و الطّيبات للطّيّبين و الطّيّيبون للطّيّبات فيملأ الارض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً و لمّا كان كلّ خير و كلّ هداية و رشد لابدّ و ان‏يكون يظهر منهم سلام‏اللّه عليهم و لذا سمع اللّه سبحانه شكوي الملائكة و استجاب دعاءهم حيث سألوه ازاحة تلك الظلمات بحرمة تلك الاشباح الطاهرة و المثل النوريّة فخلق اللّه سبحانه روحاً و هي الروح الظاهرة في عالم البشريّة و هو مولينا و سيّدنا الحسين7الذي صار في معرض الشهادة و تبعها ارواح باقي الاربعه‏عشر سلام‏اللّه عليهم و قارنها باخري و هي البشريّة الظاهريّة لمولاتنا و سيّدتنا فاطمة3و امّا الذاتية الحقيقيّة فقد كانت مخلوقة قبل مع تلك الذوات الطيّبة كما هو صريح قوله9انّ اللّه خلقني و عليّاً و فاطمة و الحسن و الحسين فوجب ان‏يكون هذا الخلق هو خلق ظاهريّتهم البشريّة للخلق بمايناسب احوالهم ليذهبوا تلك الظلمات و يغسلوا درن السيّئات و يوصلوا كلّ فرع الي اصله و لمّا كان اصل هذا الامر و قدوته الحسين7و هو الفجر و هو قرءان الفجر الذي يكون مشهوداً خصّه بالذكر و الاّ فالكلّ داخلون في التبعيّة او الروح الاولي ظاهريّة الجميع و الاخري ظاهريّة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 524 *»

الزهراء و بشريّتها و حامليّتها حتّي تكون اُمّاً لها ثمّ اضاءت الروح اي روح الحسين7بجميع انحاء الاضاءة في تلك الطينة الطيّبة فخلق منها اي خلق ظهورها و كونها زاهرة لجميع الخلق حتّي عرفوا انّها الزهراء فهي تزهر بتلك الروح النورانيّة.

و لذا ورد ما مختصر معناه انّ اهل المدينة كان‏يصل اليهم عند الظهر نور اصفر متشعشعاً يضي‏ء علي جدرانهم و بيوتهم و حجراتهم فيأتون النبي9فيأمرهم ان‏يذهبوا الي بيت فاطمة3 فيرونها و قدقعدت في محراب عبادتها و يتلألؤ منها نور اصفر يضي‏ء العالم و هكذا وقت المغرب يشاهدون نوراً احمر و وقت الصبح كانوا يشاهدون نوراً ابيض فلمّا ولد الحسين7 ذهب ذلك الاشراق و لانّ الحسين7 ايضاً كان محلاً و اصلاً لتفرّع اغصان الولاية التسعة عنه مع ما اراد اللّه ان‏يضي‏ء به العالم من اظهار امره و دينه و ابراز سرّه و حقّه و هذه الظاهريّة البشريّة بالتدبير و التصرّف هي الروح المقرونة بالروح كما سمعت فانّ لهم سلام‏اللّه عليهم ثلث مقامات مقام لهم في ذاتهم و حقيقتهم و هذا لهم لايشاركهم غيرهم و لايشاركونه ايضاً و لا احد يصل اليهم و يريهم و لايأخذ منهم في ذلك المقام و هو تأويل قوله تعالي و بئر معطّلة و قصر مشيد و قدقال الشاعر في هذا المعني:

بئر معطّلة و قصر مشرف   مثل لال محمّد مستطرف
فالقصر مجدهم الذي لايُرتقي   و البئر علمهم الذي لاينزف

و مقام لهم في ظهورهم للخلق في الكينونة الاولي قبل حكم الخلط و اللطخ و تمكّن الاعداء من الاحبّاء و مناسبة الاحبّاء مع الاعداء و قبل الامتزاج و مقام النور الدائم و الضياء القائم كما يؤل اليه الامر في‏الرجعة و القيامة بالنسبة اليهم و الي احبّائهم سلام‏اللّه عليهم و مقام لهم في ظهورهم للخلق في الفطرة الثانية و ظهور الخلط و اللطخ و استيلاء ظلمة اولئك المنافقين المشارق و المغارب و سريانها في جميع المارب و المطالب فهذا الظهور يجب ان‏يكون علي انحاء مختلفة فتارة بالقهر و الغلبة الجبريّتين و تارة بالخضوع و الخشوع و الانكسار التامّ و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 525 *»

تارة بالجذب و تارة بالدفع و تارة بالمنع و تارة بالعطاء و تارة بالتقيّة و تارة بالواقع و تارة باظهار حكم الربوبيّة و تارة بالظهور بكمال الخضوع و العبوديّة و تارة بالظهور و تارة بالغيبة و الخفاء و هكذا يتقلّبون في‏الاطوار و الاحوال ليذهبوا تلك الظلمات من غير اجبار و لا اكراه و ينوّروا المشارق و المغارب و يخلّصوا احبّاءهم من تلك الاكدار بعد ما تلوّثوا بتلك الاغيار و تمكّن فيهم الغبار كما يخلّص الحكيم الماهر الاكسير الصافي من الاجسام الكثيفة و الاجساد المختلطة بالاوساخ بانواع التقطير و التعفين بانحاء شتّي في تربية النار فلو كانت النار في العمل علي طريقة. . . . . . . . عند اشتداد النار او كان لايتصفّي عند خفّتها و لطفها فوجب. . . . . . . .

و لمّا كان كلّ ظهور و كلّ طور روحاً و نوراً لهم بالنسبة الي ذلك المقام و لابدّ له من جعل و خلق و ايجاد و لمّا كان ليس مقصوداً بذاته و انمّا هو مقصود بالعرض فلابدّ له من سبب و علّة فالسبب هو ظلمة المشارق و المغارب بانكار اولئك الفجّار و استيلاء الظلم في هذه الدنيا من الاشرار فشكت الملائكة الانوار الذين هم روابط الفيض بين المبدء و بين الطّيّبين من الشيعة لماوجد من استيلاء القوم الجبّارين ازاحة تلك الظلمات و ازالة تلك الشكوك و الشبهات و لمّا كانت هذه الدنيا ليست علي كمال الاعتدال فماتتحمّل اشراق تلك الانوار فاقتضت الحكمة ان‏يكون في الظهور من مولاتنا الزهراء فاسكنها عندها و اظهرها في الدنيا علي حسب ما اراد سبحانه فانار العالم بها و اصلحه و اتمّه و اكمله فظهر في الرجعة علي اكمل الاستقامة الي ان‏اتّصل بدار الخلد و دار المقامة و ذلك تقدير العزيز العليم.

و لك ان‏تجعل الروح الاولي ظاهريّة الحسين7 لانّه الاصل في هذه الاضاءة او ظاهريّة الجميع بالانتساب سواء كانت الابوّة او القرءانيّة او الزوجيّة لتحقّق الجوزهر في فلك القمر بامر مستقرّ او المحموليّة كما قال تعالي فيها يفرق كلّ امر حكيم اي كلّ امام حكيم و الروح الاخري هي ظاهريّة الزهراء3علي كلّ حال فزهرتها من تلك الانوار و لذا ورد المصباح في زجاجة انّ‏المصباح هو الحسين7و الزجاجة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 526 *»

هي فاطمة كأنّها كوكب درّي فيكون المصباح في الزجاجة نور علي نور فافهم و المصباح الذي هو الحسين ظاهريته و امّا ذاته7فهي موجودة قبل وجود فاطمة لانّه اشرف و افضل منها فافهم.

فلمّا بيّن9 امر المبدء و انّ العرش و الكرسي و اللوح و القلم و الجنّة و الحور و الولدان بنا قامت و انّ المنافقين و الاشرار بعكس نورنا و بظلال اشباحنا تقوّمت و انّ الدنيا و ما فيها بجميع اختلافاتها بنا صلحت و باعدائنا فسدت و بنا حييت اراد9ان‏يبيّن له انّ المعاد ايضاً الينا و الحساب علينا و الجنّة و النار بيدينا و القيمة و احوالها و اهوالها و الخلايق كلّها مرجعهم الي امرنا لانّا يد اللّه و عين اللّه و وجه اللّه و كلمة اللّه و جنب اللّه فقال9يا ابن مسعود اذا كان يوم القيمة يقول اللّه عزّوجلّ لي و لعلي اَدخلا الجنّة من شئتما و ادخلا النار من شئتما لانّ الجنّة لايستحقّها احد من فضله تعالي الاّ باتّباعهم و محبّتهم و البراءة من اعدائهم و النار لايستحقّها احد الاّ بمخالفتهم اذ لاطاعة للّه سوي طاعتهم طاعتهم عين طاعة اللّه و محبّتهم عين محبّته و هو قوله تعالي القيا يا محمّد و يا علي في جهنّم كلّ كفّار عنيد و الكافر من جحد نبوّتي لانّه قدستر الحقّ رأساً بانكاره للنبوّة و العنيد من عاند عليّاً و شيعته لانّه خارج من ظلمة الكفر و داخل في ظلمة النفاق فهو معاند للحق و منكر للصدق المطلق فانّ الولاية لاجل الاظهار و التفصيل كما انّ النبوّة حكم الابهام و الاجمال و هو قوله تعالي انّما انت منذر و لكلّ قوم هاد و المنذر هو محمّد9 و الهادي هو اميرالمؤمنين7فبيّن9لابن‏مسعود حقيقة الحق الذي لايضلّ المتمسّك به فاثبت انّ الولي منه بدؤ الاشياء و اليه عودها و عليه تدور دائرة الكائنات.

فظهر لك ممّا بيّنا و اوضحنا انّ مبدء السموات و الارض و علّتها و الواسطة لايصال فيض الفيّاض اليها و الحامل لمواقع الفعل و مراتب المشيّة و الارادة عند التعلّق بها و الاسم المربّي لذواتها و كينوناتها و ساير اثارها من حركاتها و انوارها و استدارتها و مقدار اشعّتها هو الولي7 اعني الحقيقة المحمّديّة الظاهرة في الهياكل الاربعه‏عشر صلّي‏اللّه عليهم اجمعين لانّ

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 527 *»

اللّه تعالي اقامهم في ساير عالمه في الاداء مقامه اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار فاذا سمّيتهم العلّة الفاعليّة بهذا المعني فما اخطأت بل اصبت و اجدت لمااجمع عليه الفرقة المحقّة من انّ الفاعل و الخالق من صفات الافعال لا من صفات الذات و امّا العلّة فلايصحّ اطلاقها علي اللّه اي علي الذات البحت بوجه من الوجوه و هو قول اميرالمؤمنين7 علّة ما صنع فعله و هو لاعلّة له كما شرحنا و فصّلنا في ساير رسائلنا و مباحثاتنا و اجوبتنا للمسائل.

المبحث السادس في العلّة المادّيّة لخلق السموات و الارض و كيفيّة احداثهما و ايجادهما و تركيبهما و صورتهما و غيرها من احوالهما. اعلم انّا قدذكرنا في المبحث المتقدّم انّ اللّه سبحانه و تعالي خلق السموات و الارض من شعاع نور ال‏محمّد صلّي‏اللّه عليهم فنبستها اليهم نسبة الشعاع الي المنير ثمّ انّ الشعاع علي قسمين شعاع متّصل هو نسبة القشور الي الالباب و شعاع منفصل و هو نسبة الاثار الغير القارّة الي مؤثّراتها كالكلام بالنسبة الي المتكلّم و كالانوار المنفصلة من الشمس الواقعة علي الارض و السموات علي قسمين سموات هي في عالمهم و من عالمهم و هي علي قسمين:

سموات هي تمام حقيقتهم و متمّم كينونتهم باتمام قصبة الياقوت و سرّ اللاهوت و حجاب الملك و الملكوت و معدن العزّة و الجبروت فالسماء الاعظم و العرش الاقدم هو الحقيقة المحمّديّة9و الكرسي هو الحقيقة العلويّة سلام‏اللّه عليه و فلك البروج و فلك المنازل و فلك زحل و فلك المشتري و فلك المرّيخ و فلك الشمس و فلك الزهرة و فلك عطارد و فلك القمر و فلك الرأس و فلك الذنب هم الاحدعشر معصوماً من ذرّيّة اميرالمؤمنين سلام‏اللّه عليه و الارض هي فاطمة الصدّيقة الحاملة لاثارهم المظهرة لانوارهم و هذه السموات و الارض هي تمام حقيقتهم و كمال ظهور كينونتهم و هي الاصل الذي تدور عليه جميع السموات في جميع العوالم و تنبعث منه جميع الخيرات في جميع المراتب و هذه السموات نشأت من السماء الاولي التي هي العرش لنشو المفصّل من المجمل و هو المراد بشعاع المتّصل المادّة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 528 *»

فيها واحدة الاّ انّها مشكّكة و هي النور من عالم السرور و اصلها صفو الماء الذي به حيوة كلّ شي‏ء و نور النار المتّخذة من الشجرة المباركة الزيتونة التي ليست شرقيّة و لاغربيّة قدقبضت كلمة اللّه التي هي يد اللّه التي هي امر اللّه من قوله تعالي انّما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون قدقبضت تلك الكلمة باسم اللّه القابض جزءً من نور النار و جزئين من صفو الماء فمزج بينهما و زوّجهما بالقاضي الذي يشير اليهما بالتراضي و هو برودة انفعالهما و يبوسة حفظهما لمايرد عليهما من فاعلهما و مؤثّرهما و لمّا وجب تلاشيها و ذوبانها فلايجوز ان‏تكون مثل الماء و النار فتكون بين الربع و النصف ثمّ نفخت علي الجميع بريح الجنوب المثارة من شجرة البحر اي الشجر الكليّة الالهيّة و هي شجرة الخلد اوّل شجرة نبتت في ارض الامكان الراجح و العجب انّ الامكان ثمرة تلك الشجرة و هي نابتة فيه و هو ناشٍ منها و هو قوله تعالي كن فيكون فافهم ان كنت تفهم.

و البحر بحر الفيض الاقدس و النور المقدّس مبدء الافاضة و محلّ الاستفاضة سرّ الوجود و حقيقة الركوع و السجود و وجه اللّه المعبود و الشاهد و المشهود فلمّا التأمت الاجزاء و استقرّت و مال كلّ منها الي صاحبه و مال صاحبه اليه مع ادامة اشراق شمس الازل و النور الواحد الذي لم‏يزل نضجت فتألّفت فتكوّنت مستديرة علي وجه مبدئها و مقبلة عليه بكلّها و هو قول علي بن‏الحسين 8 سيّد الساجدين اللهمّ انّي اخلصت بانقطاعي اليك و اقبلت بكلّي عليك و الاقبال بالكلّ هي الاستدارة فظهرت بالاستدارة الصحيحة و قامت تدور علي مركزها و تحوم حول قطبها و لاتتعدّي طورها و لاينقطع سيرها و لايفني دورها و لم‏تزل تترقّي الي ما لانهايه‏له و هي في كورها قال اللّه سبحانه و تعالي حكاية عنها و ما منّا الاّ له مقام معلوم و انّا لنحن الصافّون و انّا لنحن المسبّحون فلمّا تمحّضت استدارتها علي الوجه الاعظم و استمرّت كرتها علي القطب المعظّم حملت الاسرار و تحمّلت الانوار و بقيت تفيض علي غيرها و يستمدّ منها سواها ذلك تقدير العزيز الجبّار و هذه هي مادّة السموات العليا قد

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 529 *»

ذكرنا لك بالاشارة و لوّحنا الي مطالب جليلة في طي العبارة فمااسعدك لو وفّقت لفهمها.

و القسم الثاني من سموات عالمهم سلام‏اللّه عليهم هي السموات المحيطة بهم المستديرة عليهم استدارة القشور بالالباب و هي تسعة اذا اعددتها و اربعه‏عشر اذا فصّلتها كمايأتي اليها الاشارة في مبحثها و هذه التسعة هي سماء القلب و سماء الصدر و سماء العقل و سماء العلم و سماء الواهمة و سماء الوجود و سماء الخيال و سماء الفكر و سماء الحيوة و ارض الجسد و هذه التسعة مستديرة عليهم مادّتها تنزّل ذواتهم و حقايقهم من عالم الغيب المطلق الي عالم الشهود و التعيّن و البروز تنزّل الماء الي الثلج و الملك الي حجر الاسود و جبرئيل الي صورة دحية بن خليفة الكلبي و امثالها فانّ ذلك الماء لمّا نظر الي نفسه و نظر الي عبوديّته خاف مقام ربّه فانجمد ببرودة الخوف فكلّما كان نظره الي نفسه اعظم كان خوفه اعظم فانجماده اكثر فكلّ ما هو اقرب الي المبدء اقلّ انجماداً و اكثر ذوباناً و اشدّ اتّساعاً و احاطة و اوسع دائرة و اسرع سيراً الاّ ان‏تعوقه العوائق الخارجة عن ذاته كما نذكر ان‏شاءاللّه تعالي فيمابعد و كلّ‏ما هو ابعد عن المبدء اعظم انجماداً و اقلّ اتّساعاً و اضيق احاطةً و لذا كان فلك الحيوة اضيق الافلاك و السموات و اصغرها و ارض الجسد اضيق الجميع لكمال البعد و عظم الانجماد الي ان‏فقدت الحركة فيها و بقيت لاتتحرّك اصلاً كما هو المعلوم الظاهر فهذه السموات هي اشعّتهم المتّصلة بعالمهم المتحقّقة في مقاماتهم و مراتبهم و ان كانت في المراتب المتنزّلة الاّ انّها تحسب منهم و اخذت من فاضل طينتهم التي تناسب اصل ذواتهم و حقيقتهم فهذه السموات بقسميه من القسم الاوّل من الشعاع اي المتّصل و قدنعبّر عنها بالاثر المتّصل و غير ذلك من العبارات.

و امّا القسم الثاني من السموات فهي عوالم السوي قدوجدت كلّها من اشعّتهم المنفصلة و الاثار التي بينهم و بينها بينونة الصفة و قداشار اميرالمؤمنين7 الي مادّة السموات و الارض المعلومة و كيفية احداثهما بما لابيان اعظم و اتقن و لاقول

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 530 *»

احكم و اتقن منه صلي‏اللّه عليه و اله و علي اخيه و زوجته و اولاده الطاهرين علي ما في‏نهج البلاغة في خطبة له7 الي ان قال ثمّ انشأ سبحانه فتق الاجواء و شقّ الارجاء و سكائك الهواء فاجري فيها ماء متلاطماً تيّاره متراكماً زخّاره حمله علي متن الريح العاصفة و الزعزع القاصفة فامرها بردّه و سلّطها علي شدّه و قرنها الي حدّه الهواء من تحتها فتيق و الماء من فوقها دفيق ثمّ انشأ سبحانه ريحاً اعتقم مهبّها و ادام مربّها و اعصف مجريها و ابعد منشأها فامرها بتصفيق الماء الزخّار و اثارة موج البحار فمخضته مخض السقاء و عصفت به عصفها بالفضاء تردّ اوّله الي اخره و ساجيه الي مائره حتّي عبّ عبابه و رمي بالزبد ركامه فرفعه في هواء منفتق و جوّ منفهق فسوّي منه سبع سموات جعل سفلاهنّ موجاً مكفوفاً و علياهنّ سقفاً محفوظاً و سمكاً مرفوعاً بغير عمد يدعمها و لا دسار ينظمها ثمّ زيّنها بزينة الكواكب و ضياء الثواقب و اجري فيها سراجاً مستطيراً و قمراً منيراً في فلك دائر و سقف سائر و رقيم مائر ثمّ فتق ما بين السموات العلي فملأهنّ اطواراً من ملائكته منهم سجود لايركعون و ركوع لاينتصبون و صافّون لايتزايلون و مسبّحون لايسأمون لايغشيهم نوم العيون و لا سهو العقول و لا فترة الابدان و لا غفلة النسيان الخطبة فذكر عليه الصلوة و السلام في هذه الكلمات المباركة جميع احوال العلّة المادّيّة لخلق السموات و الارض و اجزائها و شرايطها و اسبابها و عللها و لوازمها و متمّماتها و مكمّلاتها و ساير احوالها و لو تصدّينا لشرح ما تضمّنه هذه الكلمات المباركة لضاقت الدفاتر فلنقتصر علي بيانها بالاشارة الاجماليّة الي نوع البيان.

فنقول انّ مراده7 بالماء المتلاطم المنبعث من سكائك الهواء اي تصادم اجزائه بعضها ببعض و شقّ الارجاء التي هي الاطراف و النهايات و الحدود الحاصلة من فتق الاجواء و قدذكرنا هذه الكلمات و شرحها فيما كتبنا من شرح الخطبة الطتنجية علي اكمل بيان و اوضح تفصيل و من اراد ذلك فليطلبها هناك و بالجملة فهذا الماء هو شعاع نورهم و بدء ظهورهم و هو ماء عند ملاحظة التعلّق و الارتباط و نار عند ملاحظة النسبة اليهم و عدم الارتباط و لابأس ان‏نشير الي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 531 *»

كيفيّة تحقّق هذا الماء علي ما تضمّنته كلمات اميرالمؤمنين7 .

فنقول اعلم انّ اللّه سبحانه خلق ياقوتة حمراء من جزء من صفو النار و جزئين من صفو الماء بيبوسة ارض القابليّة فنظر اليها بنظر الهيبة فماعت و ذابت و صارت ماء رجراجاً و بحراً عظيماً يتغطمط امواجاً فاشرق علي ذلك البحر شمس اسم اللّه القابض فظهر اسم اللّه الحي و الرحمن بريح الجنوب فتموّج البحر و اضطرب بتصفيق الرياح الشديدة التي هي جهات فعل اللّه الحي و هي مظاهر اسم اللّه الاعظم فصعدت الابخرة المختلطة بالاجزاء النارية و الترابيّة المستجنّة في زبد البحر فكانت تلك الابخرة و الادخنة مادّة السموات السبع و الافلاك التسع فبقي الزبد علي وجه الماء فجعله سبحانه مادّة للارضين السبع فبعد ما دحي الارض و استوت و استقرّت في يومين يوم المادّة و الصورة و استوي الي السماء و هي دخان فسوّيهنّ سبع سموات فاوّل ما ظهر منها فلك الشمس فدارت الافلاك فوقها و تحتها حسب ما فيها من القوي الالهيّة لكونها مهبط الاسماء الفعليّة و الانوار الاربعة القدسيّة العرشيّة ثمّ لمّا كانت تلك الادخنة متفاوتة في الغلظة و التصفية رتّبت السموات علي الترتيب المعروف فملأ ذلك البحر الوجود بمائه و دخانه و زبده فاستدار بعضه علي بعض و تحقّق الليل و النهار فظهرت مكنونات خبايا الاسرار هذا الذي ذكرنا كلام جارٍ علي الحقيقة بالاجمال.

و الاشارة الي حقيقة الامر و الواقع اعلم انّ النون اي بحر الصاد اوّل الماء الذي كان عليه عرش الرحمن و الماء منه كلّ شي‏ء حي و به قوام كلّ شي‏ء فلمّا كان متمّم ظهور الهاء عن الكاف لا كتتميم الهاء المشبّع الذي هو «هو» للاسماء الحسني و تتميم الاحد للواحد بل كتتميم الصفة لظهور الموصوف و تتميم الفرع لجهات تعريف الاصل ظهر مثالاً للظاهر او حاكياً له بذاته فكان حافظاً لوجوده في جميع مراتب التربيع و التكعيب فاحكم قوله تعالي ما يكون من نجوي ثلثة الاّ هو رابعهم الاية فظهر حافظاً لنفسه في كلّ الاطوار و الاكوار و الادوار فصار به كلّ شي‏ء حي في الاعلان و الاسرار من

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 532 *»

الاكوان الستّة التي عليها المدار امّا الكون الاوّل فنوراني لاغير و امّا الكون الثاني فجوهري لاغير و الكون الثالث فهوائي لاغير و الكون الرابع فمائي لاغير و الكون الخامس فناري لاغير و امّا الكون السادس فاظلّة و ذرّ ثمّ سماء مبنيّة و ارض مدحيّة.

و ان‏اردت ان‏تعرف حقيقة هذا الماء و سبب نشوه و مادّته و صورته فاعلم انّ التكوين اقتضي الحرارة لانّه الحركة بنفسها من الظاهر بالفعل الي المكوَّن بالفتح و التكوّن اقتضي البرودة لانّه السكون المنتهي اليه الحركة مقام الجمود و الوقوف و لمّا كان التكوين هو الفعل الاسم الذي استقرّ في ظلّه فلايخرج منه الي غيره اقتضي مع الحرارة اليبوسة لثبات الاستقرار و تحقّق القرار قال عزّوجلّ و ما منّا الاّ له مقام معلوم و لمّا كان التكوّن هو الحامل لاثر التكوين و الماسك له اقتضي ان‏يكون ذلك الاثر حارّاً لتحقّق الثلثة و كذا ان‏يكون رطباً للسيلان الي المكوّن و الربط الي المكوّن ليتحقّق الحلّ الاوّل المستلزم للعقد الذي هو الاتّحاد و لمّا كان التكوّن لايكون الاّ بالقبول لاثر التكوين و ذلك لايكون الاّ بالاقبال الي المقبول و الارتباط به من جهة القابل اقتضي الرطوبة مع البرودة فتمّت العناصر الاربعة الاوّل الحارّ اليابس و هو النار اي الفاعل، الثاني الحارّ الرطب و هو الهواء و هو اثر الفاعل اي المصدر و هو المفعول المطلق و هو الهاضمة و بطن فرس و حمّام مارية، الثالث البارد الرطب و هو الماء و هو جهة القابليّة المحضة الفتاة الغربية و لبنة العذراء، الرابع البارد اليابس و هو الارض و هو جودة حفظ القابل بفعل الفاعل و امساكه ايّاه و هو الارض المقدّسة و الجسد الجديد هذا في اصل الكون عند التكوين الاوّل في ثاني الازل.

فلمّا اقترنت هذه العناصر الاربعة و اتّصلت بهذا الترتيب وقع اثر الفاعل علي القابل و استجنّت الحرارة الفاعليّة في الاجزاء الارضيّة القابلة و كانت الحرارة الاصليّة الاوّليّة دائمة الاشراق علي الارض القابلة فهيّجت تلك الحرارة المستجنّة في الاجزاء الارضيّة و اقبلت الي مبدئها باعانة الامدادات الفايضة من الاشراق الدائم و صحبت معها الاجزاء المائيّة اللطيفة المستجنّة فيها الاجزاء الارضيّة اللطيفة بحكم المشابهة و

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 533 *»

المناسبة الذاتيّة فان‏تابوا و اقاموا الصلوة و اتوا الزكوة فاخوانكم في الدين لكن الاجزاء الارضيّة مستهلكة مضمحلّة تكاد تضي‏ء و تتلألؤ بخفق و الاجزاء المائيّة اللطيفة التي هي محض القابليّة و الاستعداد المقابلة لفوّارة النور بسرّ الامداد مضاعفة فاصابه برد التكوّن بالتكوين ثانياً فانجمد و انعقد تحت سماء التكوين فثقل و تقاطر و نزل محصول النسب و الاضافات المستدعية النزول عن مقام البساطة الحقيقية فكان ماء رجراجاً و بحراً موّاجاً فهذا هو الماء الاوّل و ان‏كان المصطلح عليه هو الماء الذي به حيوة الموجودات المقيّدة التي هي النون و الصاد و المزن المذكور انفاً و لو كان لك بصر حديد علمت انّ هذا القول يجري في كلّ ما تلاحظ مخلوقيته من السرمد الي الدهر الي الزمان و بالجملة نحن نحكم حكماً كلّياً فان قدرت ان‏تجريه في جميع الجزئيّات فعلت ملاحظاً للصدق اللفظي و الوصف التأثيري و الاّ فعلي مقدار ما استطعت.

و لمّا تحقّق ذلك البحر الموّاج و الماء الرجراج و قابلته نار التكوين صعدت بها الابخرة و هي اللطائف المستجنّة و الارواح المستكنّة فتراكمت الابخرة و تطابقت و ظهرت علي هيأة الاستدارة و هيأة الفقر و الفاقة و هيأة الغني و الافاضة و دارت للاتّصال بالمبدء بحكم المناسبة لوجود المثال الملقي في الهويّة و هي الافلاك و مادّتها و حقيقتها و اصلها و منشأها فلمّا اختلفت مظاهر ذلك الماء و مراتبها باللطافة و الشرافة و الكثافة و الغلظ و البعد و القرب و بطلت الطفرة جري الفيض الاختراعي و الابتداعي عليها علي ذلك الترتيب فدارت العلويّات علي السفليّات و احاطت علي الجزئيّات فاعطي سبحانه بعميم فضله و سابق كرمه بها كلّ ذي‏حقّ حقّه و ساق بها كلّ مخلوق رزقه و هذا الحكم يجري في كلّ دور و كور و عالم من العوالم الالف الف فيكون الف الف سموات و الف الف ارضين و مادّة تلك السموات علي ما فصّلنالك الاّ انّ تلك المادّة في كلّ عالم بحسبه ففي العقول عقليّة و الارواح روحيّة و النفوس نفسيّة و المثال مثاليّة و الاجسام جسميّة

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 534 *»

ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثمّ ارجع البصر كرّتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير فافهم.

فهذه هي العلّة المادّيّة و قدعرفت انّها ماء قائم واقف قدقطر ذلك الماء من فاضل عرق محمّد و اهل بيته الطيّبين الطاهرين عند العروج الي اعلي معارج الوصال و الصعود الي اقصي درجات الاتّصال فلمّا وصلوا الي مقام المقابلة الممكنة اشرق عليهم من ذلك النور الدائم و الضوء القائم فاذاب ماانجمد من الكينونة لمّانظرت الي نفسها و خضعت و خشعت لربّها فاثّرت تلك الحرارة الموجبة للذوبان في اجسامهم و اجسادهم و اعني بها الاشباح المنفصلة و الاجسام التعليميّة فتقاطر منها قطرات فكانت مادّة للسموات ثمّ انصبغت تلك القطرات علي ما انصبغ كينونتهم عند التوجّه الي ربّهم بصبغ سرّ اسم من اسماء العظام و ذكر من اذكار الملك العلاّم فكانت مادة السماء مخصوصة من السموات و ذلك انّهم سلام‏اللّه عليهم لمّاعرفوا انفسهم فخضعوا لربّهم بكمال الخضوع و الاقبال و اعلي مراتب الخضوع السجود فسجدوا و ذلّوا فقالوا سبحان اللّه فانبعث منهم نور ابيض ثمّ قالوا الحمد للّه فانبعث منهم نور اصفر ثم قالوا لااله الاّ اللّه فانبعث منهم نور اخضر ثمّ قالوا اللّه اكبر فانبعث منهم نور احمر فتمّت بذلك اركان العرش و استقرّت بها سكّان الفرش.

ثمّ انّ اللّه سبحانه خلق السموات السبع حسب ظهور جهة من جهات هذه الاركان امّا بالانفراد او بالاقتران فاختلفت موادّها بعد اتّفاقها بكونها دخاناً سيّالاً كمانشرح ان‏شاء اللّه تعالي عند ذكر الالوان و الي هذا المعني يشير ماورد عن النبي9 في حديث ابن‏سلام انّه سأل النبي9 فقال اخبرني مابال سماء الدنيا خضراء قال9 يا ابن‏سلام اخضرّت من جبل قاف قال صدقت فاخبرني ممّ خلق قال9من موج مكفوف قال ياابن‏سلام ماء قائم لااضطراب لها و كانت في الاصل دخاناً قال صدقت يامحمّد الي ان قال فاخبرني عن السماء الثانية ممّ خلقت قال9من الغمام قال صدقت فاخبرني عن السماء

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 535 *»

الثالثة ممّ خلقت قال من زبرجد قال فالرابعة قال9من ذهب احمر قال فالخامسة قال9 من ياقوتة حمراء قال فالسادسة قال9من فضّة بيضاء قال فالسابعة قال من ذهب قال صدقت الحديث فقوله9في السماء الدنيا التي هي اخر السموات و اقربها الي الارض و هي مبدء الصور و علّة البرودة و الرطوبة و ينسب اليه المدّ و الجزر في البحر فعلمنا يقيناً انّه كما قال9 موج من البحر مكفوف اي ماء قائم واقف لانّه جهة الانفعال و مقام الصور و التفصيل و محلّ العدد و الحساب فباردة لانتسابها الي جهة الماهيّة و رطبة لسرعة قبولها للتشكّل و اليها ينسب النساء و كذلك الوزراء من جهة التفصيل و ظهور الاحكام بالصور المختلفة فطبعها الحيوة و طعمها كذلك قال9الماء سيّد الشراب و طعمه طعم الحيوة و لااضطراب لها كما يوجد في هذا الماء الموجود في الارض لخلوصه عن الغرائب و الاعراض و لكونه مبدء بالنسبة اليه و المبدء خلق ساكن لايدرك بالسكون و هذا الماء انّما انوجد من صفة تسبيحهم سلام‏اللّه عليهم لا من ذاته و قوله9 و كان في الاصل دخاناً يشير الي بيان عدم تناقض قوله9مع قول اللّه عزّوجلّ قال ثمّ استوي الي السماء و هي دخان تنبيهاً الي انّ المادّة تنصبغ بصبغ الصورة حين التحديد و تجري عليها احكامها.

و قوله9 في السماء الثانية خلقت من الغمام اشار بابي هو و امّي بهذا الكلام الموجز الي كلّ احوال السماء الثانية فاشار بالغمام الي انّ اصلها اجزاء بخاريّة طبعها بارد رطب مختلط باليبوسة الهبائيّة الممتزجة بالهواء فظاهرها الارض السائلة الذائبة الغير المنجمدة و باطنها الهواء الراكد و لمّا كانت مجاورة للسماء الاولي و هي من الماء خفيت الحرارة فصار طبعها طبعاً سيّالاً ينقلب مع كلّ ذي‏طبيعة لجمعها الطبايع السيّالة من الارض السيّالة و الهواء الراكد و الماء الجامد و النار الحائلة كالغمام.

فعلي مابيّنا ظهر لك وجه الجمع بين كلمات علماء هذا الشأن فمنهم من قال انّها خلقت من التراب و منهم من قال انّها خلقت من الماء و اهل الحروف ذكروا لها مزاجين لظاهرها و باطنها

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 536 *»

و قال بعضهم انّ طبيعتها تتّبع مايفارقها مع البروج و الكواكب فهي مع الناريّة ناريّة و مع المائيّة مائيّة و هكذا ساير الطبايع بالمقارنات و الاوضاع و هم و ان‏قالوا ذلك في الكوكب الموجود فيها الاّ انّه لافرق بين الكواكب و سمائه في المزاج و الطبيعة الاّ انّ في الكوكب اقوي ممّا في الفلك و السماء و قول النبي9 اتي بياناً جامعاً لكلّ هذه المذاهب و شرحاً لحقّية هذه الاقوال و انّها كلّها صحيحة و انّ السماء و لذا كانت السماء الثانية سماء الفكر و هي المربّية للكتّاب و ارباب القلم و كلّ من يتطوّر بالاطوار المختلفة و الشئون المتباينة فافهم.

و قوله9 في السماء الثالثة انّها خلقت من زبرجد لانّ باطنها حارّ رطب و لونه الصفر و ظاهرها بارد يابس علي ماذهب اليه بعض اهل الحروف و لونه السواد و اللون الحاصل من هذا الممتزج زبرجدي كما قال.

و قوله9 في الرابعة انّها خلقت من ذهب احمر يريد بالذهب النار و هو الطبع الذاتي له اوّلاً فانّه انّما يتكوّن بنظر الشمس حتّي قال بعضهم انّ طبعه حارّ يابس لمشابهة الاثر مع مؤثّره و هذه النار هي نار الطبقة الاولي فانّ اللّه سبحانه خلق هذه السماء من سبع طبقات من نور النار و صفاء الماء فجعل طبقة من النار و الاخري من الماء الي تمام الطبقات و جعل الطبقة الظاهرة من نور النار و لذا كانت الشمس حارّة و هي من نار الطبقة العليا الاولي علي مانصّ عليه مولينا الباقر7 و قوله سلام‏اللّه عليه و ان‏كان  في الشمس الاّ انّ سماءها و فلكها من سنخها كما ذكرنا انفاً و لمّا كان الذهب اصل لونه الصفرة لكونه الحارّ الرطب المقتضي للصفرة علي التحقيق و ليست الشمس الاّ من النار قيّده9بالحمرة لبيان المراد انّه الكبريت الاحمر و الاكسير الذي يطهّر الفلزّات و هو و ان‏كان معتدل الطبيعة و المزاج و لكنّه لمّا ظهر بالتأثير و الفعل فاقتضي الناريّة التي هي طبع الفاعل و الشمس و سماؤها و فلكها اصل الافلاك السبعة و سمواتها فافهم.

و قوله9 فالخامسة من ياقوتة حمراء يشير بها الي ظاهر تلك السماء كالرابعة فانّ لها جهتان بظاهرها نار محرقة طبع الياقوت الاحمر شديد الحمرة نحس اصغر و بباطنها بارد رطب كما قرّر عند اهل العلم فهي

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 537 *»

بباطنها سعد و بظاهرها نحس و بباطنها درّة بيضاء و بظاهرها ياقوتة حمراء و لذا كانت هذه السماء بكونها منسوبة الي اميرالمؤمنين7لانّه بابٌ باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و شفاء و رحمة للمؤمنين و لايزيد الظالمين الاّ خساراً فظاهرها نار و باطنها ماء فافهم.

و قوله9 فالسماء السادسة من فضّة بيضاء لانّها سماء العلماء و القضاة و العلم هو الخشية و هي الخوف الحاصل من البرودة و الرطوبة فظاهر هذه السماء بارد رطب و في باطنها اجزاء حارّة لتقوية الروح و الحيوة كالفضّة فانّ في‏باطنها جزء من الحرارة و لذا اذا ارادوا ان‏يصنعوا اكسير الفضّة يأخذون جزئين من الفتاة الغربيّة و لبنة العذراء و جزء واحداً من الفتي الشرقي و هو شي‏ء يشبه البرقا و جزء من الانفخة و هي القاضي الذي يشير اليهما بالتراضي فينفخون في الجميع بريح الجنوب فينعقد فضّة صافية يؤثّر فيها فقوله9 فضّة بيضاء يشير به الي حقيقة الامر في هذه السماء لانّهم سلام‏اللّه عليهم يتكلّمون عمّا هو الواقعي الاولي فافهم.

قوله9 فالسابعة من ذهب يشير الي باطن تلك السماء لا ظاهرها فانّ ظاهرها من الطلق و هو بارد يابس طبع الموت و هو نحس اكبر لابناء الدنيا و امّا باطنها فهو من ذهب كما قال9 و هو حارّ رطب و قدصرّح بذلك علماء الحروف و دلّ عليه العقل و الوجدان و الحارّ الرطب لونه الصفرة كالذهب فانّه حارّ رطب علي الاصح طابق لونه طبعه و لذا شبّهه9بالذهب لمراعاة باطن الامر و حقيقة الواقع لانّ السماء السابعة و كوكبها منسوبتان الي اميرالمؤمنين7 و هو عذاب علي الكافرين و موت لهم و حيوة و رحمة للمؤمنين السلام علي نعمة اللّه علي الابرار و نقمته علي الفجّار و لمّاظهر طبع الباطن في طبع ظاهره ظهرت الحمرة المائلة الي السواد في كوكب زحل و هو النجم الثاقب و مرادي بالباطن و الظاهر ليس هو الغيب و الشهادة و الجسد و الروح و انّما المراد بهما الذاتيّة الاصليّة و العرضية الفرعيّة كما قال عزّوجلّ

 

«* جواهر الحکم جلد 11 صفحه 538 *»

باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب. و ليس البرّ بان تأتوا البيوت من ظهورها و لكنّ البرّ من اتّقي و أتوا البيوت من ابوابها و امّا خصوصيّة كلّ سماء بالمادّة المخصوصة المعيّنة كما اشرنا اليه فلو اردنا شرحها و بيانها لطال بناالكلام.

و مجمل الاشارة هو ما ذكرنا من انّ السماء السابعة سماء العقل و هو له مراتب العقل المرتفع و العقل المستوي و العقل المنخفض و العقل المتعلّق بالروح فالسماء السابعة من جهة حامليّتها لمظاهر الروح و اثارها مادّتها من الذهب و من جهة حامليّتها للعقل المرتفع مادّتها من الذهب الاحمر اي الاكسير الشمسي و من جهة عبادته و خضوعه و خشوعه و حامليّتها له من هذه الجهة مادّتها من الفضّة الصافية و من جهة حامليّتها لذات العقل و حقيقة الغالبة عليه المرّة السوداء فمادّتها قبضة من تراب بيت المقدّس و هو الجسد الجديد و هو الحي الذي لايموت و لايبيد.

و امّا السماء السادسة فمن جهة انّها حاملة للعلوم المرتسمة في اللوح المحفوظ و هي الصورة فالغالب علي ظاهرها البرودة و الرطوبة و علي باطنها البرودة و اليبوسة و في الباطن الممتزج بالظاهر حرارة لتقوية الروح و تصفية البدن فكانت مادّتها من الفضّة البيضاء في الظاهر و من الطلق في الباطن لانّ حكم الباطن لايظهر في مقام حكم الظاهر بخلاف ساير السموات.

و امّا الخامسة فمن جهة انّها حاملة لاثار الطبيعة كانت مادّتها من الياقوتة الحمراء في الظاهر دون الباطن و لذا قالوا انّه شيخ كبير قاعد علي كرسي من الدم.

و امّا الرابعة فمن جهة حامليّتها للانوار الاربعة و الطبايع المعتدلة كانت مادّتها. . . . . .

هذه غاية ماوجد من النسخ الموجودة عندنا (المطبوعة و المخطوطة)

([1]) كلمات مكنونة ص 61

([2]) فصوص الحكم ج1 ص143

([3]) كلمات‏مكنونة ص93.

([4]) فصوص‏الحكم ج1 ص106.

([5]) الفتوحات المكية ج2 ص459